Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

كتاب : الابتداع و كتاب : الانتقام

 

 كتاب : الابتداع

الابتداع
الابتداع لغة:

مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: ابْتَدَعَ الشَّيْءَ يَبْتَدِعُهُ، وَهُوَ مَأَخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ب د ع) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ وَصُنْعُهُ لاَ عَنْ مِثَالٍ، وَالآخَرُ: الانْقِطَاعُ وَالكَلاَلُ، وَمِنَ المَعْنَى الأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: أَبْدَعْتُ الشَّيْءَ قَوْلاً أَوْ فِعْلاً، إِذَا ابْتَدَأْتَهُ لاَ عَنْ سَابِقِ مِثَالٍ، وَاللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ أَيْ مُبْدِعُهُمَا، وَمِنَ المَعْنَى الثَّانِي قَوْلُهُمْ: أَبْدَعَتِ الرَّاحِلَةُ: إِذَا كَلَّتْ وَعَطِبَتْ، وَيُقَالُ: الإِبْدَاعُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِظَلَعٍ(1) وَمِنْ ذَلِكَ اشْتُقَّتِ البِدْعَةُ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: سُمِّيَتِ البِدْعَةُ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ قَائِلَهَا ابْتَدَعَهَا مِنْ غَيرِ مَقَالِ إِمَامٍ. وَيُقَالُ: فُلاَنٌ بِدْعٌ فِي هَذَا الأَمْرِ أَيْ بَدِيعٌ، وَقَوْمٌ أَبْدَاعٌ، وَالبِدْعَةُ: الحَدَثُ فِي الدِّينِ بَعْدَ الإِكْمَالِ، وَقِيلَ: البِدْعَةُ كُلُّ مُحْدَثَةٍ، وَبَدَّعَهُ نَسَبَهُ إِلَى البِدْعَةِ، وَيُقَالُ أَبْدَعَ وَابْتَدَعَ، وَتَبَدَّعَ أَتَى بِبِدْعَةٍ، وَاسْتَبْدَعَهُ عَدَّهُ بَدِيعًا . وَيُقَالُ:البَدِيعُ وَالبِدْعُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ أَوَّلاً(2). وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
__________
(1) الظَّلْعُ وَالظَّلَعُ: الغَمْزُ في المَشي من عَرَجٍ وَنحْوه.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (1‍/9‍‍‍)، المجمل لابن فارس (1‍/8‍‍‍)،و المفردات للراغب (ص 8‍‍)، والصحاح للجوهري (3‍/3‍‍‍‍)، ولسان العرب لابن منظور (1‍/9‍‍‍).

(1/1)


{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}، أَيْ مَا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ أُرْسِلَ، وَقَدْ كَانَ قَبْلِي رُسُلٌ، وَالبِدْعُ: الأَوَّلُ، وَيُقَالُ: شَيْءٌ بِدْعٌ أَيْ مُبْتَدَعٌ، وَفُلاَنٌ بِدْعٌ فِي هَذَا الأَمْرِ أَيْ بَدِيعٌ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فَلاَ أَنَا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِثَ تَعْتَرِي……رِجَالاً غَدَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى بِأَسْعُدِ(1).
أَمَّا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} . فَالْمَعْنَى: أَحْدَثُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، يَقُولُ القُرْطُبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ (النَّصَارَى) حَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى المَشَقَّاتِ فِي الامْتِنَاعِ مِنَ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّعَلُّقِ بِالكُهُوفِ وَالصَّوَامِعِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُلُوكَهُمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا، وَبَقِيَ نَفَرٌ قَلِيلٌ فَتَرَهَّبُوا وَتَبَتَّلُوا.
الابتداع اصطلاحًا:
قَالَ الجُرْجَانِيُّ: الإِبْدَاعُ وَالابْتِدَاعُ: إِيجَادُ شَيْءٍ غَيرِ مَسْبُوقٍ بِمَادَّةٍ وَلاَزَمَانٍ(2).
وَالبِدْعَةُ: هِيَ الفِعْلَةُ المُخَالِفَةُ لِلسُّنَّةِ(3).
وَقَالَ الرَّاغِبُ: البِدْعَةُ: إِيرَادُ قَوْلٍ لَمْ يَسْتَنَّ قَائِلُهُ وَفَاعِلُهُ فِيهِ بِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَاثِلِهَا المُتَقَدِّمَةِ وَأُصُولِهَا المُتْقَنَةِ(4).
قَالَ الشَّاطِبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: الْبِدْعَةُ: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ للهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6‍‍/2‍‍‍).
(2) كتاب التعريفات (ص5‍) والمقصود هنا ابتداع الله الخلق.
(3) المرجع السابق (ص4‍‍).
(4) المفردات (ص 9‍‍).

(1/2)


وَ قِيلَ: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ(1).
أقسام البدعة:
إِنَّ الابْتِدَاعَ المَنْهِيَّ عَنْهُ يُرَادُ بِهِ: إِحْدَاثُ بِدْعَةِ ضَلاَلَةٍ، ذَلِكَ أَنَّ البِدْعَةَ فِي اللُّغَةِ قَدْ يُرَادُ مِنْهَا مُطُلَقُ إِحْدَاثِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
J وَمِنْ ثَمَّ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ البِدْعَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
البِدْعَةُ الضَّالَّةُ: وَيُرَادُ بِهَا مَا أُحْدِثَ وَخَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ أَثَرًا.
البِدْعَةُ المَحْمُودَةُ:مَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيْرِ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ(2). وَالأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي قِيامِ رَمَضَانَ [نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ] وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: البِدْعَةُ بِدْعَتَانِ:
بِدْعَةُ ضَلاَلَةٍ، وَبِدْعَةُ هُدًى، فَمَا كَانَ فِي خِلاَفِ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ البِدْعَةُ الضَّالَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الذَّمِّ وَالإِنْكَارِ، وَمَا كَانَ وَاقِعًا تَحْتَ عُمُومِ مَا نَدَبَ اللهُ إِلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ اللهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ بِدْعَةُ هُدَى، وَهِيَ فِي حَيِّزِ المَدْحِ،وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي خِلاَفِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ،
أحْكَامُ البِدْعَةِ (بِنَوْعَيْهَا):
قَالَ التَّهَانَوِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهِيَ أَيِ البِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ:
__________
(1) الاعتصام (1‍/7‍‍).
(2) كشاف اصطلاحات الفنون (1‍/1‍‍‍).

(1/3)


1‍وَاجِبَةٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الاشْتِغَالُ بِالعُلُومِ العَرَبِيَّةِ المُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا فَهْمُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالنَّحْوِ وَالصَّرْفِ وَاللُّغَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لأَنَّ الشَّرِيعَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ بِذَلِكَ.
2‍مُحَرَّمَةٌ، مِثْلُ مَذَاهِبِ أَهْلِ البِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
3‍مَنْدُوبَةٌ: مِثْلُ إِحْدَاثِ الرِّبَاطَاتِ (نِقَاطُ حِرَاسَةِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ) وَالمَدَارِسِ وَنَحْوِهِمَا.
4‍مَكْرُوهَةٌ: مِثْلُ زَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ وَتَزْيِينِ الْمَصَاحِفِ.
5‍مُبَاحَةٌ: مِثْلُ التَّوَسُّعِ فِي لَذِيذِ المآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمَلاَبِسِ(1).
حكم المبتدع:
قَالَ الكَفَوِيُّ:حُكْمُ المُبْتَدِعِ (لِلبِدْعَةِ الضَّالَّةِ) فِي الدُّنْيَا الإِهَانَةُ بِاللَّعْنِ وَغَيْرِهِ وَفِي الآخِرَةِ حُكْمُ الفَاسِقِ، وَعِنْدَ الفُقَهَاءِ حُكْمُ بَعْضِهِمْ حُكْمُ الكَافِرِ وَحُكْمُ الآخَرِينَ حُكْمُ الضَّالِّ، وَالمُخْتَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ القِبْلَةِ مِنَ المُبْتَدِعَةِ وَالمُؤَوِّلَةِ فِي غَيْرِ المَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لِكَوْنِ التَّأْويلِ شُبْهَةً(2).
البديع في أسماء الله تعالى:
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: فِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى: الْبَدِيعُ وَهُوَ الخَالِقُ المُخْتَرِعُ لاَ عَنْ مِثَالٍ سَابِقٍ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، يُقَالُ: أَبْدَعَ فَهُوَ مُبْدِعٌ.
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون (1‍/1‍‍‍).
(2) الكليات للكفوي (ص 3‍‍‍ـ4‍‍‍) بتصرف.

(1/4)


قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: الْبَدِيعُ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى: هُوَ الأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْء، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مُبْدِعٍ، أَوْ يَكُونَ مَنْ بَدَعَ الْخَلْقَ أَيْ بَدَأَهُ، وَاللهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أَيْ خَالِقُهُمَا وَمُبْدِعُهُمَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ الْمُخْتَرِعُ لاَ عَنْ مِثَالٍ سَابِقٍ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ: لإِبْدَاعِهِ الأَشْيَاءَ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا .
الآيات الواردة في "الابتداع"
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(27)}(1)
الآيات الواردة في "الابتداع" ولها معنًى آخر
__________
(1) الحديد : 26 – 27 مدنية

(1/5)


{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(7)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنْ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(8)قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ(9)}(1)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الابتداع"
1 - *( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
J إِذَا خَطَبَ ا حْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلاَ صَوْتُهُ … الحَدِيثُ. وَفِيهِ يَقُولُ: [ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ. وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ J وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ...الحَدِيثُ])*(2).
__________
(1) الأحقاف : 7 – 9 مكية
(2) مسلم (7‍‍‍). ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه الفتح 3‍‍(7‍‍‍‍).

(1/6)


2 -*(عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ J ذَاتَ يَوْمٍ،فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا(1) الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَارَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟،فَقَالَ:[أُوْصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ، الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ(2)، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ])*(3).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الابتداع" معنًى
3 - *( عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ
J هَذِهِ الآيَةَ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} إِلَى قَوْلِهِ:{أُولُو الأَلْبَابِ } (آل عمران/7‍)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ ])*(4).
__________
(1) ذرفت العين: سال دمعها. كناية عن شدة التأثر بالموعظة.
(2) النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة. أو هي الأنياب أو التي تلي الأنياب والمقصود:شدة التمسك بسنة رسول الله
J والراشدين من الخلفاء.
(3) أبوداود(7‍‍‍‍).واللفظ له والترمذي (6‍‍‍‍) وقال: حسن صحيح.
(4) البخاري - الفتح 8‍(7‍‍‍‍).

(1/7)


4 - *(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَارَبِّ، أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ])*(1).
5 - *( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
J يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ J فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ J؟ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَنَا أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ J فَقَالَ: [ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ])*(2).
__________
(1) البخاري - الفتح1‍‍(6‍‍‍‍)واللفظ له ومسلم (7‍‍‍‍).
(2) البخاري الفتح 9‍(3‍‍‍‍) واللفظ له. مسلم (1‍‍‍‍).

(1/8)


6 - *( عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ:خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ J خَطًّا ثُمَّ قَالَ:[ هَذَا سَبِيلُ اللهِ] ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: [هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ،قَالَ:عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام/3‍‍‍))*(1).
7 - ( عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ(2)])(3).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذَمِّ "الابتداع"
__________
(1) أحمد (1‍/5‍‍‍)واللفظ له. والحاكم (2‍/8‍‍‍) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي . والسنة لابن أبي عاصم (3‍‍) حديث (7‍‍) وقال الألباني (مخرجه ): إسناده حسن والحديث صحيح. ومجمع الزوائد (7‍/2‍‍) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف.
(2) فهو رد: أي غير مقبول ولا جزاء عليه إلا العقاب.
(3) البخاري الفتح 5‍(7‍‍‍‍) واللفظ له. ومسلم (8‍‍‍‍).

(1/9)


1‍*(عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ صُبَيْغًا الْعِرَاقِيَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ مِصْرَ، فَبَعَثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالكِتَابِ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: فِي الرَّحْلِ قَالَ عُمَرُ: أَبْصِرْ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ فَتُصِيبَكَ مِنِّي بِهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَسْأَلُ مُحْدَثَةً، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى رَطَائِبَ مِنْ جَرِيدٍ فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ وَبَرَةً ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ، ثُمَّ عَادَ لَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ صُبَيْغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قَتْلاً جَمِيلاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِي فَقَدْ وَاللهِ بَرَأْتُ، فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ،وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ لاَ يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: أَنْ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ:أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ])*(1).
2‍- *( قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ [إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ،أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا])*(2).
__________
(1) الدارمي ( 1‍/7‍‍) برقم 8‍‍‍.
(2) الفتح (3‍‍/2‍‍‍) وعزاه للبيهقي .

(1/10)


3 - *( قَالَ حُذَيْفَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: [يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالاً لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا])*(1).
4 - *( عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: [ وَقَفَ عَلَيَّ عَبْدُ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَنَا أَقُصُّ، فَقَالَ: يَاعَمْرُو، لَقَدِ ابْتَدَعْتَ بِدْعَةً ضَلاَلَةً أَوْ إِنَّكَ لأَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ تَفَرَّقُوا عَنِّي حَتَّى رَأَيْتُ مَكَانِي مَا فِيهِ أَحَدٌ])*(2).
5 -*( قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ:[ قَدْ أَصْبَحْتُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ،فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدَثَةً فَعَلَيْكُمْ بِالْهُدَى الأَوَّلِ])*(3).
6 - ( وَقَالَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: الاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الاجْتِهَادِ فِي الْبِدْعَةِ])(4).
7- *( وَقَالَ: [ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ أَنْ يَذْهَبَ أَهْلُهُ، أَلاَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالتَّعَمُّقَ وَالْبِدَعَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ]، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالأَمْرِ الأَوَّلِ])*(5).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 3‍‍(2‍‍‍‍).
(2) قال المنذري:رواه الطبراني في الكبير بإسنادين أحدهما صحيح (1‍/9‍‍) وهو في معجم الطبراني الكبير (9‍/6‍‍‍) برقم (7‍‍‍‍).
(3) الفتح (3‍‍/3‍‍‍).
(4) الحاكم (1‍/3‍‍‍) وقال: على شرطهما ووافقه الذهبي والدارمي (1‍/3‍‍) وقال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم (الدارمي (1‍/0‍‍).
(5) الدارمي (1‍/9‍‍) واللالكائي (1‍/7‍‍) نحوه .

(1/11)


8- *( وَقَالَ: [إِنَّا نَقْتَدِي وَلاَ نَبْتَدِي، وَنَتَّبِعُ وَلاَ نَبْتَدِعُ، وَلَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالأَثَرِ])*(1).
9 - ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: [ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ،وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً])(2).
10- *( وَقَالَ: إِنَّ أَبْغَضَ الأُمُورِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الْبِدَعُ])*(3).
11 - *( قَالَ أَيْضًا: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأُولُو الْعِلْمِ . {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}(آل عمران/6‍‍‍- 7‍‍‍) فَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلاَلَةِ])*(4).
12 - *( قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ [لأَنْ أَرَى فِي الْمَسْجِدِ نَارًا لاَ أَسْتَطِيعُ إِطْفَاءَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى فِيهِ بِدْعَةً لاَ أَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا])*(5).
13 - *( قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [ سَنَّ رَسُولُ اللهِ
J وَوُلاَةُ الأُمُورِ بَعْدَهُ سُنَنًا، الأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ تَبْدِيلُهَا وَلاَ تَغْيِيرُهَا، وَلاَ النَّظَرُ فِيمَا خَالَفَهَا .مَنِ اقْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلاَهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَ تْ مَصِيرًا])(6).
__________
(1) اللالكائي (1‍/6‍‍).
(2) اللالكائي (1‍/2‍‍).
(3) البيهقي (4‍/6‍‍‍) .
(4) أصول الاعتقاد (1‍/2‍‍) .
(5) المرجع السابق (1‍/2‍‍).
(6) إغاثة اللهفان (1‍/9‍‍‍). والاعتصام (1‍/7‍‍).

(1/12)


14 - *( وَقَالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنْ أُنْعِشَ سُنَّهً قَدْ أُمِيتَتْ، أَوْ أَنْ أُمِيتَ بِدْعَةً قَدْ أُحْيِيَتْ لَكَرِهْتُ أَنْ أَعِيشَ فِيكُمْ فُواقًا(1)])*(2).
15 - *( عَنْ أَبِي الصَّلْتِ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ، فَكَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ؛ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَالاقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ، وَاتِبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ
J، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللهِ عِصْمَةٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً، إِلاَّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلاَفِهَا مِنَ الْخَطَأِ، وَالزَّلَلِ، وَالْحُمْقِ، وَالْعُمْقِ، كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ بِإِذْنِ اللهِ وَقَعْتَ، مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ، هِيَ أَبْيَنُ أَثَرًا، وَلاَ أَثْبَتُ أَمْرًا، مِنَ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ])*(3).
__________
(1) فواقا: يعني زمنًا قليلاً بمقدار حلب الناقة.
(2) الاعتصام (1‍/4‍‍).
(3) أبوداود(4‍/2‍‍‍، 3‍‍‍) رقم (2‍‍‍‍).

(1/13)


16 - *( قَالَ الأَوْزَاعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ كِتَابًا فِيهِ: وَقَسْمُ أَبِيكَ لَكَ الْخُمُسَ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا سَهْمُ أَبِيكَ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ حَقُّ اللهِ وَحَقُّ الرَّسُولِ وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَمَا أَكْثَرَ خُصَمَاءَ أَبِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَيْفَ يَنْجُو مَنْ كَثُرَتْ خُصَمَاؤُهُ؟ وَإِظْهَارُكَ الْمَعَازِفَ وَالْمِزْمَارَ بِدْعَةٌ فِي الإِسْلاَمِ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إلَيْكَ مَنْ يَجِزُّ جُمَّتَكَ جُمَّةَ السَّوءِ])*(1).
17 - *( قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ])*(2).
18 - *( قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ [إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَشَعَّبَتْ بِهِمُ السُّبُلُ، وَحَادُوا عَنِ الطَّرِيقِ فَتَرَكُوا الآثَارَ وَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ])*(3).
19- *(سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ فَقَالَ: [صَلِّ خَلْفَهُ، وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ ])*(4).
__________
(1) النسائي (7‍/9‍‍‍). وصححه الألباني في صحيح النسائي(5‍‍‍‍).والجمة ـ بضم الجيم ـ مجتمع شعر الرأس وجزها:حلقها وذلك على وجه التحقير والإهانة.
(2) مسلم في المقدمة (1‍/5‍‍) .
(3) الاعتصام (1‍/2‍‍‍).
(4) ذكره الحافظ في فتح الباري (2‍/8‍‍‍) وعزاه لسعيد بن منصور ( وسنده صحيح ).

(1/14)


20 - *( وَقَالَ: لاَ يَقْبَلُ اللهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلاَ صَلاَةً وَلاَ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً حَتَّى يَدَعَهَا])*(1).
21- *( وَقَالَ: [لاَ تُجَالِسْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَإِنَّهُ يُمْرِضُ قَلْبَكَ])*(2).
22 - *( قَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ: [ مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلاَّ نَزَعَ اللهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لاَ يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ])*(3).
23 -*(قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لاَ يُتَابُ مِنْهَا ])*(4).
24- *(قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [ مَنْ جَلَسَ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَاحْذَرُوهُ . وَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَ بِدْعَةٍ أَحْبَطَ اللهُ عَمَلَهُ . وَأَخْرَجَ نُورَ الإِسْلاَمِ مِنْ قَلْبِهِ ] )*(5).
25 - *( قَالَ الشَّافِعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: [ لأَنْ يَلْقَى اللهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلاَ الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ])*(6).
26 -*(قَالَ أَبُو بَكْرٍ التِّرْمِذِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [لَمْ يَجِدْ أَحَدٌ تَمَامَ الْهِمَّةِ بَأَوْصَافِهَا إِلاَّ أَهْلُ الْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا أَخَذُوا ذَلِكَ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَمُجَانَبَةِ الْبِدْعَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا
J كَانَ أَعْلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ هِمَّةً وَأَقْرَبَهُمْ زُلْفَى])*(7).
__________
(1) الأمر بالاتباع (ص 8‍‍) .
(2) المرجع السابق (1‍/3‍‍) .
(3) الدارمي (1‍/8‍‍) رقم (8‍‍) وسنده صحيح .
(4) تلبيس إبليس(ص13).
(5) تلبيس إبليس(ص4‍‍).
(6) المرجع السابق (9‍/1‍‍‍) .
(7) الاعتصام (1‍/2‍‍).

(1/15)


27 - *( قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [إِنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الأَوَّلُ: ضَعْفُ النِّيَّةِ بِعَمَلِ الآخِرَةِ . وَالثَّانِي: صَارَتْ أَبْدَانُهُمْ مُهَيَّأَةً لِشَهَوَاتِهِمْ . وَالثَّالِثُ: غَلَبَهُمْ طُولُ الأَمَلِ مَعَ قِصَرِ الأَجَلِ . وَالرَّابِعُ: آثَرُوا رِضَاءَ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى رِضَاءِ اللهِ . وَالْخَامِسُ: اتَّبَعُوا أَهْوَاءَ هُمْ وَنَبَذُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِمْ J . وَالسَّادِسُ: جَعَلُوا زَلاَّتِ السَّلَفِ حُجَّةً لأَنْفُسِهِمْ، وَدَفَنُوا أَكْثَرَ مَنَاقِبِهِمْ])*(1).
28 - *( سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ عَنِ الْبِدْعَةِ؟ فَقَالَ: [ التَّعَدِّي فِي الأَحْكَامِ وَالتَّهَاوُنُ فِي السُّنَنِ، وَاتِّبَاعُ اْلآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ، وَتَرْكُ الاتِّبَاعِ وَالاقْتِدَاءِ ])*(2).
29 - *( قَالَ النَّوَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ فِي شَرْحِ حَدِيثِ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ): [ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِحِفْظِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي إِبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ، وَإِشَاعَةِ الاسْتِدْلاَلِ بِهِ كَذَلِكَ])*(3).
__________
(1) المرجع السابق (1‍/0‍‍) .
(2) المرجع السابق (1‍/5‍‍).
(3) فتح الباري (5‍/2‍‍‍، 3‍‍‍).

(1/16)


30 - *( قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالاتِّبَاعِ، لاَ عَلَى الْهَوَى وَالابْتِدَاعِ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:أَحَدُهُمَا: أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ . وَالثَّانِي: أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ J، لاَ نَعْبُدُهُ بِالأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ . فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ إِلاَّ بِمَا شَرَعَهُ رَسُولُهُ J مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، لاَ أَنْ نَعْبُدَهُ بِالأُمُورِ الْمُبْتَدَعَةِ])*(1).
31 - *(قَالَ الشَّاطِبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: [كُلُّ صَاحِبِ مُخَالَفَةٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ إِلَيْهَا، وَيَحُضَّ سِوَاهُ عَلَيْهَا، إِذِ التَّأَسِّي فِي الأَفْعَالِ وَالْمَذَاهِبِ مَوْضُوعُ طَلَبِهِ فِي الْجِبِلَّةِ، وَبِسَبَبِهِ تَقَعُ مِنَ الْمُخَالِفِ الْمُخَالَفَةُ، وَتَحْصُلُ مِنَ الْمُوَافِقِ الْمُؤَالَفَةُ، وَمِنْهُ تَنْشَأُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ لِلْمُخْتَلِفِينَ])*(2).
من مضار "الابتداع"
(1‍) حُبُوطُ الأَعْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً .
(2‍) مِنْ لَوَازِمِهِ دَعْوَى عَدَمِ كَمَالِ الدِّينِ .
(3‍)صَاحِبُهُ مِنْ أَعْوَانِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ أَعْدَاءِ الرَّحْمَنِ .
(4‍) أَبْغَضُ إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَاصِي.
(5‍) صَاحِبُهُ لاَ يُرْجَى لَهُ التَّوْبَةُ بِخِلاَفِ أَهْلِ الْمَعَاصِي
(6‍) كُلُّ الْبِدَعِ ضَلاَلٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَسَنٌ .
(7‍) أَنْوَاعُهَا فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعِبَادَةِ وَشَرُّهَا بِدَعُ الْعَقِيدَةِ .
(8‍) الْبِدَعُ تَرْكِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ، وَكُلُّهَا مَذْمُومَةٌ .
__________
(1) الفتاوى (1‍/0‍‍) بتصرف .
(2) الاعتصام (1‍/3‍‍).

(1/17)


(9‍) إِثْمُهَا مُتَجَدِّدٌ لاَ يَنْقَطِعُ مَادَامَ يُعْمَلُ بِهَا فِي الأَرْضِ.
(10) تُؤَدِّي إِلَى خَلْطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَحَيْرَةِ الأَغْرَارِ فِي التَّمْييزِ بَيْنَهُمَا.
(11‍) تُؤَدِّي إِلَى نُفْرَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَدَمٌ فِي فَهْمِ الإِسْلاَمِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ مَا يَظُنُّ مِنْ تَكَالِيفِهِ.

 كتاب : الانتقام

الانتقام
الانتقام لغة:

مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: انْتَقَمَ يَنْتَقِمُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ن ق م) الَّتِي تَدُورُ حَوْلَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ وَعَيْبِهِ. يَقُولُ ابْنُ فَارِسٍ: [النُّونُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ شَيْءٍ وَعَيْبِهِ. وَنَقَمْتُ عَلَيْهِ أَنْقِمُ: أَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ، وَالنِّقْمَةُ مِنَ الْعَذَابِ وَالانْتِقَامِ، كَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فَعَاقَبَهُ] فَالْعُقُوبَهُ نَاتِجَةٌ عَنِ الإِنْكَارِ،يَقُولُ الرَّاغِبُ: نَقِمْتُ الشَّيْءَ،وَنَقَمْتُهُ إِذَا أَنْكَرْتَهُ إِمَّا بِاللِّسَانِ وَإِمَّا بالْعُقُوبَةِ،قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، وَالنِّقْمَةُ: الْعُقُوبَةُ].
وَفِي الْحَدِيثِ: [أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ] أَيْ مَا عَاقَبَ أَحَدًا عَلَى مَكْرُوهٍ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِهِ.
وَنَقَمْتُ الأَمْرَ وَنَقِمْتُهُ إِذَا كَرِهْتَهُ . وَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ أَيْ عَاقَبَهُ، وَالاسْمُ مِنْهُ النَّقِمَةُ، وَالْجَمْعُ نَقِمَاتٌ وَنَقِمٌ مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكَلِمَاتٍ، وَكَلِمٍ .وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ }.
المنتقم من أسماء الله تعالى:

(1/1)


قَالَ الغَزَالِيُّ: الْمُنْتَقِمُ: هُوَ الَّذِي يَقْصِمُ ظُهُورَ الْعُتَاةِ، وَيُنَكِّلُ بِالْجُنَاةِ، وَيُشَدِّدُ العِقَابَ عَلَى الطُّغَاةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الإِعْذَارِ وَالإِنْذَارِ،وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ وَالإِمْهَالِ وَهُوَ أَشَدُّ لِلانْتِقَامِ مِنَ الْمُعَاجَلَةِ بِالعُقُوبَةِ،فَإِنَّهُ إِذَا عُوجِلَ بِالعُقُوبَةِ لَمْ يُمْعِنْ فِي الْمَعْصِيَةِ،فَلَمْ يَسْتَوْجِبِ العَاصِي غَايَةَ النَّكَالِ فِي العُقُوبَةِ(1).
الانتقام اصطلاحًا:
إِنْزَالُ العُقُوبَةِ مَصْحُوبًا بِكَرَاهِيَةٍ تَصِلُ إِلَى حَدِّ السَّخَطِ(2).
أنواع الانتقام:
الانْتِقَامُ يَكُونُ أَحْيَانًا مَحْمُودًا،وَأَحْيَانًا مَذْمُومًا، فَهُوَ مَحْمُودٌ لِمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الوِلاَيَاتِ بَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْجُنَاةِ الَّذِينَ يَنْتَهِكُونَ مَحَارِمَ اللهِ بِالحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ وَالعُقُوبَاتِ الْمَشْرُوعَاتِ، وَيَكُونُ مَذْمُومًا إِذَا تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِالأَفْرَادِ، إِذَا أُصِيبُوا بِالأَذَى لأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِلتَّخَلُّقِ بِالعَفْوِ الَّذِي أُمِرْنَا بِالتَّخَلُّقِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِحْسَانِ إِلَى المُسِيءِ وَاقْتِدَاءً بِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى
J الَّذِي لَمْ يَنْتَقِمْ لِنَفْسِهِ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ)(3).
الآيات الواردة في "الانتقام"
__________
(1) المقصد الأسنى للغزالي (4‍‍‍).
(2) اقتبس هذا التعريف مما ذكره اللغويون ومفسرو أسماء الله الحسنى.
(3) شجرة المعارف والأحوال (مجانبة الانتقام(3‍‍‍)، والتخلق بالانتقام(6‍‍)، وانظر الحديث رقم(4‍).

(1/2)


{الم(1)اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ(2)نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ(3)مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(4)إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ(5)}(1)
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47)}(2)
{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ(78)فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ(79)}(3)
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ(22)}(4)
{وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(39)أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ(40)فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ(41)}(5)
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ(54)فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ(55)}(6)
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ(16)}(7)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الانتقام"
__________
(1) آل عمران : 1 – 5 مدنية
(2) إبراهيم : 47 مكية
(3) الحجر : 78 – 79 مكية
(4) السجدة : 22 مكية
(5) الزخرف : 39 – 41 مكية
(6) الزخرف : 54 – 56 مكية
(7) الدخان : 16 مكية

(1/3)


1‍*( عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ J: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ])*(1).
2‍*( عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ
J شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ .وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا. إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ . فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ . إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ.فَيَنْتَقِمَ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ])*(2).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الانتقام" معنًى
__________
(1) مسلم (9‍‍‍‍).
(2) مسلم (8‍‍‍‍).

(1/4)


3- *( عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: [ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ J، أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ(1) قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مَنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ(2) خَبِيثٍ مُخْبِثٍ. وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ(3) ثَلاَثَ لَيَالٍ. فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَانَرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ(4)، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ:[يَافُلاَنُ ابْنَ فُلاَنٍ، وَيَافُلاَنُ ابْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَاوَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَاوَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا]؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَارَسُولَ اللهِ، مَاتُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَاأَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ] قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ، تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا)*(5).
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذَمِّ "الانتقام"
__________
(1) الصناديد: جمع صنديد وهو السيد الشجاع.
(2) الأطواء جمع طوى: وهي البئر التي بنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار.
(3) العرصة بفتح العين وسكون الراء: كل بقعة بين الدور ليس فيها بناء.
(4) الركيُّ:البئر القليلة الماء، وشفة الركي يراد بها حافة البئر.
(5) البخاري -الفتح 7‍(6‍‍‍‍).

(1/5)


1- *( قَالَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ:[ لأَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعَفْوِ عِشْرِينَ مَرَّةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعُقُوبَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً])*(1).
2- *( قَالَ الْمَنْصُورُ لِوَلَدِهِ الْمَهْدِيِّ:[ لَذَّةُ الْعَفْوِ أَطْيَبُ مِنْ لَذِّةِ التَّشَفِّي؛ وَذَلِكَ أَنَّ لَذَّةَ الْعَفْوِ يَلْحَقُهَا حَمْدُ الْعَاقِبَةِ، وَلَذَّةُ التَّشَفِّي يَلْحَقُهَا ذَمُّ النَّدَمِ])*(2).
3 - *( قَالَ صَاحِبُ خَصَايِصِ الغُرَرِ وَنَقَائِصِ العُرَرِ: قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ:{ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } (الشورى/3‍‍) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الانْتِقَامَ يَقْبُحُ عَلَى الْكِرَامِ])*(3).
4 - *( قَالَتِ العَرَبُ:
- لاَ سُؤْددَ مَعَ الانْتِقَامِ.
- سُرْعَةُ الْعُقُوبَةِ مِنْ لُؤْمِ الظَّفَرِ.
- لَيْسَ مِنَ الْكَرَمِ عُقُوبَةُ مَنْ لاَ يَجِدُ امْتِنَاعًا مِنَ السَّطْوَةِ.
- التَّزَيُّنُ بِالْعَفْوِ خَيْرٌ مِنَ التَّقَبُّحِ بِالانْتِقَامِ.
- التَّشَفِّي طَرَفٌ مِنْ الْعَجْزِ، وَمَنْ رَضِيَ بِهِ لاَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّالِمِ إِلاَّ سِتْرٌ رَقِيقٌ وَحِجَابٌ ضَعِيفٌ)*(4).
5- *( وَقَالُوا: [الْغَضَبُ عَدُوُّ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ سُلْطَانُ الْهَوَى فَيَصْرِفُهُ عَنِ الحُسْنِ، وَهُوَ الاحْتِمَالُ إِلَى الْقَبِيحِ وَهُوَ التَّشَفِّي ])*(5).
6- *( وَقِيلَ:[ الْكَرِيمُ إِذَا قَدَرَ غَفَرَ،وَإِذَا عُنِيَ بِمَسَاءَةٍ سَتَرَ. وَاللَّئِيمُ إِذَا ظَفِرَ عَقَرَ، وَإِذَا أَمِنَ غَدَرَ])*(6).
__________
(1) خصايص الغرر(ق 3‍‍‍أ).
(2) المرجع السابق نفسه.
(3) المرجع السابق(ق 2‍‍‍ب).
(4) خصايص الغرر (ق 3‍‍‍أ).
(5) المرجع السابق (ق 2‍‍‍ب).
(6) المصدر السابق (ق2‍‍‍ب).

(1/6)


7- *( وَقِيلَ: [ لاَ تَشِنْ حُسْنَ الظَّفَرِ بِقُبْحِ الانْتِقَامِ ])*(1).
من مضار "الانتقام"
(1‍) صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ وَرَسُولُهُ.
(2‍) إِذَا انْتَقَمَ الْعَبْدُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ.
(3‍) يُورِثُ الأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ بَيْنَ النَّاسِ.
(4‍) الانْتِقَامُ لاَ يَأْتِي مِنْ نَبِيلٍ كَرِيمٍ وَلاَ يَفْعَلُهُ إِلاَّ خَسِيسٌ لَئِيمٌ.
(5‍) الانْتِقَامُ أَقْرَبُ إِلَى الظُّلْمِ، وَمَنِ اسْتَمْرَأَهُ صَارَ فِي عِدَادِ الظَّالِمِينَ.
(6‍) الَّذِي يَنْتَقِمُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ لاَ يَأْمَنُ مِنَ انْتِقَامِ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ.
__________
(1) المصدر السابق نفسه.

===

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...