Translate سكا.....

الأحد، 1 مايو 2022

المجلد الأول من كتاب: غريب الحديث المؤلف: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)

 

ج 1 -كتاب: غريب الحديث
المؤلف: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)

المحقق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوي, وخرج أحاديثه: عبد القيوم عبد رب النبي
الناشر: دار الفكر
الطبعة: 1402هـ - 1982م
عدد الأجزاء: 3
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المجلد الأول تفسير غريب حديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
مارواه أبو سليمان من غريب حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهُمْ بُغَيْشٌ فَنَادَى مُنَادِيهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي في رحلة فليفعل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير غريب حديث رَسُول الله:
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهُمْ بُغَيْشٌ فَنَادَى مُنَادِيهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي فِي رَحْلِهِ فَلْيَفْعَلْ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيِّ نا أَبُو الْمُلَيْحِ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ:
قوله: بُغَيْش تصغير بَغْش وهو المَطَر الخفيف قَالَ الأصمعي أخَفُّ المطر وأَضْعَفُه الطَّلُّ ثُمَّ الرَّذَاذُ ثُمَّ البَغْشُ يقال بُغِشَت الأرضُ إذا نَدِيت بالمطر فهي مَبْغُوشَة قَالَ رؤبة:
سِيدًا كَسِيد الرَّدْهَةِ المَبْغُوشِ2
قَالَ ويقال أرض مبغوشةً من البَغْش وأرضٌ مُرَذٌّ عليها من الرَّذَاذِ ولا يقال مُرَذَّة ولا مَرْذُوذة قَالَ الكسائي يقال أرض مُرَذَّةٌ من الرَّذَاذ ومَطْلُولَة من الطَّلّ ومَوْبُولةٌ من الوابل ومَجْودَةٌ من الجوْدِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا معه في بعض المغازي
__________
1 أخرجه البيهقي 3/71
2 الديوان /79

(1/72)


فَأَصَابَهُمْ رِكٌّ1 أي مطر ضعيف يقال مَطَرٌ رِكٌّ وَرَكِيك وجمعه ركاك قال ذو الرمة:
تر شفن دِرّات الذِّهاب الرَّكَائِكِ2
ومنه قيل للرجل إذا كان ضعيف العقل رَكِيك
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي صَلاةِ الْمُسَافِرِ3 أَنَّهُ قَالَ: إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ. فالنعل ما غَلُظَ من الأرض4 في صلابة قَالَ الشاعر:
قَومٌ إذا اخْضَرَّت نِعالُهمُ ... يتناهَقُون تَنَاهُقَ الْحُمُرِ5
يريد أنهم يَبطَرون إذا أَخْصَبُوا. وإنما قيل للأرض نَعْلٌ لأنها تُنْعَلُ وتُوطَأ ويقال للرجل الذليل نَعْلٌ تَشْبِيهًا له بالنَّعْل التي تُوطَأ وتُداسُ بالأَرجل أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب:
إني إذا ما الأمرُ كان مَعْلا ... وأَوْخَفَت أَيدي الرجال غِسْلا
وكان ذو الحِلْم أَشدَّ جَهْلا ... من الوُغُولِ لم تَجِدْني وَغلا
ولم أكن دارجة ونعلا6
__________
1 الفائق "ركك" 2/80
2 في الديوان /149, وصدر البيت:"توضحن في قرن الغزالة بعدها" وفي رواية: "درات الرهام". وفي اللسان والتاج "رك": ذرات بالذال.
3 سقط من م
4 ت: "ما غلظ من وجه الأرض"
5 اللسان "نعل"
6 الرجز للقلاخ, وذكر منه البيت الثاني: "وأوخفت أيدي الرجال عسلا", وفي اللسان والتاج "وخف"

(1/73)


قَالَ أبو عمر المَعْل الاخْتِلاسُ وقوله: أَوْخَفَت معناه ارتعشت شبّه ارتعاشَ يَدِ الجبان باضطراب يدي مُوخِف الغِسْل إذا حَرّكه بيده والغِسْلُ الخِطْمِيّ قَالَ والدّارجة الخَسِيس.
وفي الحديث من الفقه أَنَّ المطر الخَفِيفَ عُذرٌ في التخلف عن صلاة الجماعة. وفيه أيضًا أن الاجتماع للصلاة في السفر مندوب إليه كَما هُوَ في الحَضَر.

(1/74)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ أَتَى امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَهَشَّتْ لَهُ صَوْرًا وَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ حَانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أُتِيَ بِعُلالَةِ الشَّاةِ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْعَصْرِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. 1
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُهُ.
قوله: أُتِي بعُلالَةِ الشاةِ يريد بَقِيَّةَ لحمِها ويقال لبقية اللبن في الضَّرع ولبقيَّة جَرْي الفرس ولبقيَّة قُوةِ الشيخِ عُلالة قَالَ النجاشيُّ:
ونَجَّى ابنَ حربٍ سابحٌ ذو عُلالَةٍ ... أجشُّ هزيمٌ والرِّماحُ دَواني2
وقال الطِّرمَّاح:
أبَوْا لشَقائِهم إلا ابتِعاثي ... ومثلي ذو العلالة والمتان3
__________
1 رواه الحميدي في مسبده 2/533 والترمذي 1/116 وأحمد 3/374 وغيرهم. وفي س: "لم يتوض"
2 اللسان والتاج "جش".
3 اللسان والتاج "متن" برواية: "إلا انبعاثي" وهو في الأساس "متن" أيضا, وفي الديوان /557. يقول: إنني ذو قوة ومعارضة لا أخشى قتال الأعداء.

(1/74)


وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ المُطَيَّنِ1 بإسناد له أن عقيل بن أبن طَالِبٍ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ وَفِيهِ شَبَابٌ مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ فَتَنَحَّوْا لَهُ عَنِ الأُسْطُوَانَةِ فقالوا اجلس إليها يَا عَمُّ فَقَالَ يَا بُنَيْ أَخِي أَنْتُمْ خَيْرٌ لِشُيُوخِكُمْ مِنْ مَهْرَةَ كَانَ إِذَا كَبُرَ الشَّيْخُ شَدُّوهُ عِقَالا ثُمَّ قَالُوا لَهُ ثِبْ فَإِنْ [15] / وَثَبَ2 خَلَّوْا سَبِيلَهُ وَقَالُوا فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ عُلالَةٍ وَإِنْ لَمْ يَثِبْ تَرَكُوهُ فِي الْعِقَالِ حَتَّى يَمُوتَ.
والعُلالَةُ مأخوذة من العَلِّ وهو الشُّرْبُ الثاني بعد الأول ومنه سُمِّيت المرأة عَلَّة وذلك أنها تَعْل بعد صاحبتها أي ينتَقِل الزوجُ إليها بعد الأخرى
وأما الصَّوْرُ فإن الأصمعيَّ يقول هُوَ جماعةُ النخّل الصّغار ولا واحد له من لَفظِه ومثله الحائِشُ
وقال ابن الأعرابي واحدة الصَّوْر صَوْرَة وهي النخّلة وقال غَيُره يجمع الصَّور صِيرَانًا.
وفي الحديث من الفقه أنه لم يَرَ فيما مسَّت النارُ وُضُوءًا
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا ابْنُ السرح3 أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ نا عُتْبَةُ بْنُ ثُمَامَةَ الْمُرَادِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ أَنَّ رسول الله مَرَّ بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ تَفُورُ عَلَى النَّارِ فَقَالَ لَهُ أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ قَالَ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً فَلَمْ يَزَلْ يَعْلِكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ 4
أَيْ يَمْضُغُهَا والعِلْكُ مَضْغُ ما لا يُطاوع الأَسنان وسُمِّي العِلْكُ لأنه
__________
1 المطين: لقب مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ الحافظ "المتبه 2/596"
2 م: "فإذا وثب"
3 ابن السرح: هو أحمد بن عمرو "التقريب 2/509"
4 أخرجه أبو داود 1/49

(1/75)


يُعْلَك وفلان يَعْلُكُ أُرَّمَه إذا صَرفَ بأضراسِه من الغَيْظ قَالَ الشاعر:
ظَلُّوا غِضَابًا يَعْلِكون الأُرَّما1
ومثله يحرِق أُرَّمه
وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النبي مَرَّ عَلَى قِدْرٍ فَانْتَشَلَ عَظْمًا مِنْهَا قَالَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ2
النشيل: ما أخذ من اللحم قبل النُّضْج قَالَ الشاعر:
إن الشواء والنشيل والرغف ... القينة الحسناء والكأس الأنف
لطاعنين الخَيلَ والخيْل خُنُف3
والعظم العُراق بما عليه من اللحم [والخناف في الخيل: سُرعة نقل قوائمه في السير] 4
__________
1 في اللسان والتاج "أرم" برواية: "أضحوا غضايا يحرقون الأرما"
2 أخرجه البخاري 7/254 وفي س: "ولم يتوض"
3 الرجز اللقيط بن زرارة. والبيتان الأول والثاني في اللسان والتاج "رغف", و"نشل" والبيت الثالث في اللسان والتاج:" "قطف"
4 ليس في ط

(1/76)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ كَانَ مَنْهُوشَ الْكَعْبَيْنِ1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُوسَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أنا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بن سمرة ورواه غندر
__________
1 أخرجه مسلم 4/1820, والترذمي 5/503, وأحمد 5/ 103,97,88,86 بلفظ العقبين بدل الكعبين.

(1/76)


عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: مَنْهُوسُ الْعَقِبَيْنِ. وَرَوَى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ مَبْخُوصَ الْعَقِبَيْنِ
قوله: مَنهُوش الكعبين أي ناتىء الكعبين معروقها يقال رجل مَنهوشٌ إذا كان مجهودًا سَيِّءَ الحال. قَالَ رؤبة:
كم من خَلِيلٍ وأخٍ مَنْهوشِ ... مُنْتَعِشٍ بفَضْلِكم مَنْعوُشِ1
فأما المنهوس فإن شُعْبَةَ قَالَ: قلت لسِماك ما مَنْهوسُ العَقِبَيْن قَالَ: قليلُ لحم العَقِب وهو مأخوذ من النَّهسِ وهو عَرْق العَظْم وأخذُ ما عليه من اللَّحم والنَّهْسُ أبلغُ من النَهْشِ والمَبْخوص قريب منهما والبَخْصَة [والبَخَصُ] لَحْمُ أسفَلِ القدمين وقيل للقليل منه مَبخوص عَلَى معنى أنَّ ذَلِكَ قد نِيلَ منه وأُخذ فعَرِيَ مكانه من اللحم [قَالَ ابن السكيت البَخْص مصدر بَخَصت عينه بَخْصًا والبَخَص لحم القدم ولحم الفِرسِنِ] 2 وفيه وجه آخر إن وافَقتْه الرواية وهو منحوض العَقِبين أي قليل لحم العقبين يقال نخضت الْعُضْوَ إذا أخذتَ عنه لحَمه والنحض اللحم.
__________
1 اللسان والتاج "نهش", والديوان /78
2 من ت وم

(1/77)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي قَالَ: "ذَاكِرُ اللَّهَ فِي الْغَافِلِينَ مِثْلُ الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ وَسَطَ الشَّجَرِ الَّذِي قَدْ تَحَاتَّ مِنَ الضَّرِيبِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ [16] / إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَبُو عَلِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ مُسْلِمٍ وَعَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلا أَنَّهُ قَالَ الضَّرِيدُ وَهُوَ وَهْمٌ.
__________
1 ذكره السيوطي في جامعة الصغير 3/558, وعزاه لأبي نعيم في الحلية 4/268, 6/181.

(1/77)


وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَكَمِ ثنا عَبْدَانُ نا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وقال فيه الصَّريف وهو أيضًا غلط وتصحيف ويشبه أن يكون الكاتِب قد فَخَّم الباءَ من الضَّريب فصارت كالفاء لانتفاخها والضّريب الجليد وإنما يقع ذَلِكَ في شدة البرد وأوان سُقوط ورق الشَّجر قَالَ الأعشى:
وهم يطعمون إن قحط القطـ
...
ـر وهبَّتْ بشَمألٍ وضريبِ1
وقال آخر:
رِجْلا عُقابٍ يوم دَجْنٍ تُضْرَبُ
معناه يُصيبها الضّريب.
والضَّريب أيضًا اللبنُ يُحلَب بعْضُه عَلَى بعض قاله الأصمعي: ولا موضع له في هذا الحديث.
قَالَ ابن أحمر:
وما كُنتُ أخْشى أن تَكُونَ مَنِيَّتي
...
ضَريبَ جِلادِ الشَّوْلِ خمطا وصافيا2
__________
1 الديوان / 27 واللسان والتاج "قحط".
2 واللسان والتاج "خمط" ولم أقف عليه في ديوانه.

(1/78)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ "مَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدَّثَنِيهِ محمد
__________
1 أخرجه مسلم 2/681 وأبو داود 2/124 وأحمد 2/262 وغيرهم.

(1/78)


بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: "لَيْسَ فِيهَا عَضْبَاءُ وَلا عَطْفَاءُ"
العَقْصاءُ الملتوية القَرن وكذلك العطفاء هي التي انعطف قَرنُها ورجل عقِص إذا كان عَسِرًا فيه التواء. قَالَ ذو الرُّمَّة:
ومُنْتَابٍ أناخَ إلى بلال ... فلا زُهدًا أصاب ولا اعتلالا
ولا عَقِصًا بحاجَتِه ولكن ... عطاءً لم يكن عدةً مِطالا1
قَالَ وإنما نفى عنها العَقَص ليكون أنكى في العقوبة وأدنى إلى أن تجرحَ المنطوحَ وتَمور فيه قُرونُها نَعوذ بالله من عذابه. والجَلْحاء التي لا قَرْن لها وهي الجَمَّاءُ أيضًا.
والأَجْلَحُ من الناس هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسِه فإن انكَشَفَ حتى يتَّصل بموضع الصَّلع فهو أَجْلَى قَالَ العَجَّاج:
وحِفْظَةٍ أَكنَّها ضَمِيرِي ... مع الجَلا ولائح القَتِير2
والعضباء المكسورة القَرْن وأصلهُ من العَضْب وهو القطع يقال ظبي أعضَب والعرب تَتَشاءم به.
أَنشدونا عن أبي العَبَّاس ثَعْلَب أنشدَني الزُّبيرُ بن بكّار:
غُرابٌ وظَبْيٌ أعضَبُ القرن ناديَا ... بصُرْمٍ وصِردانُ العشي تصيح
__________
1 الديوان / 447,446. وفي الأساس "عقص".
2 اللسان والتاج "حفظ" وديوانه / 221 وجاء البيت الثاني قبل الأول.

(1/79)


[17] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ " اتَّقِ.. يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَلا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِكَ شَاةٌ لَهَا ثُؤَاجٌ" 1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا الرَّبِيعُ أنا الشَّافِعِيُّ نا ابْنُ عُيَيْنَةَ عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ.
الثُّؤاجُ صَوْتُ النَّعجة يقال ثَأجَتَ تَثْأَجُ ثَأْجًا وثُؤَاجًا قَالَ الكُميت:
رأيُه فيهم كرَأْيِ ذوي الثلـ ... ـة في الثَّائِجات جُنْحَ الظَّلامِ2
وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد الله بن شَبِيب نا المِنْقري نا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء العرب تقول الفَرس يَصْهَل والبَغْلُ يَشْحَج والحمار يَنْهق والبَعير يرغُو والبقرة تَخُور والشاةُ تَثْغُو والنعجة تَثْأَجُ والأسد يَزْأَرُ والكلب يَنْبَح والسِّنَّور يَمُوء أو يَبْغُم والحمامة تَهْدِر وتنوح وتبكي وتهتف وتُنَقْنِق3 والدِّيك يَسْقَع ويَصيح والبُلْبُل يُعندِل.
وكان هذا القول منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُبَادَةَ عَلَى وَجْهَ الشفقة لا عَلَى طريق التُّهمَة له وهو تأويل قولهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 4
__________
1 أخرجه الشافعي في سننه كما في بدائع المنن 1/242, وذكره البيثمي في معجمه 3/86 والسيوطي في جامعه الصغير 1/123 وعزاه إلى الطبراني في الكبير إلا أن في الزوائد"أوشاة لها ثغاء".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط بغداد, وهو في الأساس "ثأج".
3 ت م "تبقبق" وفي الوسيط "نقنق":نقنق الضفدع ونحوه: رجع صوته. وفي مادة "بقبق" بقبقيت القدر: سمع صوته غليانها, والماء عند نزوله في القلة ونحوها: صوت
4 سورة آل عمران: 161.

(1/80)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَمَّا آجَرَ مُوسَى نَفْسَهُ مِنْ شُعَيْبٍ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ لَكَ مِنْهَا يَعْنِي مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِبَ لَوْنٍ قَالَ فَجَاءَتْ بِهِ كُلِّهِ قَالِبَ لَوْنٍ غَيْرَ وَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا عَزُوزٌ وَلا فَشُوشٌ وَلا كَمُوشٌ وَلا ضَبُوبٌ وَلا ثَعُولٌ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى نا ابْنُ الْمُبَارَكِ نا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ أَنَّ رسول الله قَالَ: "آجَرَ مُوسَى نَفْسَهُ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ لَكَ مِنْهَا يَعْنِي مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِبَ لَوْنٍ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّقْيِ وَضَعَ مُوسَى قَضِيبًا عَلَى الْحَوْضِ فَجَاءَتْ بِهِ كُلِّهِ قَالِبَ لَوْنٍ وَاحِدٍ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وفي غير هذه الرواية من طريق عُتْبَةَ بن النُّدَّر أن موسى وقف بإزاء الحوض أو عند إزائه فلما وردت الغنمُ لم تصدر شاةٌ إلا طعن جُنْبَها بِعَصاه فوضَعَت قَوالِبَ ألوان
قوله: بشِبْع بَطْنِه أي ما يُشْبعه من الطعام وهو الشِّبْع ساكنة الباء إذا أردتَ الاسم والشِّبَع بفتحها إذا أردتَ المَصْدَر والعَزُوز من الشَّاءِ البَكِيئَةُ التي تُجهَد حتى يَنزِل لها لَبَن ويقال إن اشتقاقها من العَزَازِ وهو الأرضُ الصّلبة يقال تعزَّزَتِ الشَّاة والفَشُوش التي يَنْفَشُّ لبنها بسرعة إذا هي حُلِبَت وذلك لِسَعةِ الإِحْليل ولَبَنُها مع ذَلِكَ قَليل قَالَ رؤبة:
وازجُرْ بَنِي النّجّاخَةِ الفَشُوشِ ... عن مُسْمَهرٍّ لَيْسَ بالفيوش2
__________
1 ذكره السيوطي في الدرر المنثورة 5/126, وأشار ابن الأثير في أسد الغابة 3/570 إلى هذه الرواية.
2 اقتصر اللسان "فيش" على البيت الثاني والرجز في الديوان /77

(1/81)


قَالَ أبو زيد والفَتُوح مثل الفَشُوشِ وكذلك الثَّرُور ومنه الثَّرثّرَةُ في الكلام يقال رجل ثَرْثَار إذا كان واسعَ الكلام والكَموشُ [18] / الصغيرة الضّرع وهي الكَمْشَةُ أيضًا وسُمِّيت كُمُوشًا لانكماشِ ضَرْعِها ويقال للفحل إذا كان قَصِيرَ الآلةِ كَمْشٌ1 والكَشُود2 أيضًا مثل الكَمُوش والضَّبُوب الضَّيِّقَةُ ثَقْبِ الإِحْليل وسُمِّيَتْ ضَبُوبًا لانها تُضَبُّ عند الحَلَب والضَّبُّ الحَلْبُ بِشِدَّة العَصْر قَالَ أبو زيد والحَصُورُ من الشَّاءِ الضَّيِّقَةُ الإحْليل والمَصُورُ التي يُتَمَصَّر لَبَنُها قَليلًا قليلًا والثَّعول الشاةُ التي لها زيادة حَلَمَة وهي الثَّعْلاء والثَّعْل زيادة السِّنِّ أو اختلاف3 المنبت لها وتلك الزيادة عَيْب قَالَ الشاعر يذم رَجُلًا يُشَبِّهه بالزِّيادة في الأَطْباء:
وأنتَ مَلِيخٌ كَلَحْم الحُوارِ ... فلا أنت حُلوٌ ولا أنت مُرْ4
كأنَّك ذاك الَّذِي في الضّروعِ ... قُدَّام ضراتها المنتشر
وقال البزيدي: الثُّعْل: مَخْرج اللَّبَن وأنشد عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر:
يَذُمُّون لي الدنيا وهم يَرْضِعونها ... أفاويقَ حتى ما يَدُرُّ لها ثُعْل5
هكذا رواه يَرضِع بكسر الضَّادِ وهو لغة يقال رَضِع يرضع ورضع
__________
1 ط:"كمش وكموش".
2 م:"والكشوء" وفي القاموس "كشد":الكشود: ناقة تكشد فتدر, والضيقة الإحليل القصيرة الخلف.
3 س:"زيادة السن واختلاف المنبت لها" والمثبت من ت, م, ط, ح.
4 السان "ضرر" ضمن أربعة أبيات ليس منها البيت الثاني, وفي "مسخ" ضمن أربعة أبيات ليس منها البيبت الثاني أيضا, وهو للأشعر الرقبان:"أسد جاهلي" يهجو ابن عمه رضوان".
5 اللسان "ثعل" وهو لابن السلولي يهجو العلماء.

(1/82)


يرْضِع وقوله: قالبَ لون تفسيره في الحديث أنها جاءت عَلَى غير ألوان أُمَّهَاتِها وإزاء الحوض مَصَبّ الدَّلو قَالَ الأغلب العِجْليّ:
يَغْدوُ بدَلْوٍ ورِشاءٍ مُصْلَح ... إلى إزاءٍ كالمِجَنِّ الرَّحْرَح
وقال آخر:
يُبادِرُ الحوضَ إلى إزائه ... منه بَمَخْضُوبَين من صَفْرائه
يريد بالمخضوبين مِشْفَرَيْه والصَّفْراء بُرَتُه قد أدمت أَنْفَه فسال [الدَّمُ] 1 عَلَى مِشْفَرَيْه
وفي الحديث من الفقه إثبات الإجارات والحديث فيها قليل وقد أبطلها قوم لأنَّها زعموا ليست بعَيْن مرئِيَّة ولا صفةٍ معلومة ومِمَّن ذهب إلى ظاهر هذا الخبر مَعْمَرُ بن راشد قَالَ لا بأس أن تُكرى الماشيةُ عَلَى الثُّلث والرّبع وعن ابن سيرين وعطاء والزُّهري وقتادة جَوازُ أن يَدْفَع الثوبَ عَلَى أن ينسجه بالثلث أو الربع وإليه ذهب أحمدِ بن حنبل رحمه الله وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ غُلامٌ يَخْدِمُهُ بطعام بطنه.
__________
1 من ط.

(1/83)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أنه قَالَ " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَسَّسُوا" 1
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ نا الْبِرْتِيُّ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا وُهَيْبٌ نا ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
التَجَسُّسُ البَحثُ عن باطن أُمورِ النَّاس وأكثر ما يُقال ذَلِكَ في الشر.
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب النكاح 7/24, ومسلم 4/1985, وأبو داود 4/480 وغيرهم.

(1/83)


أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي وعن عمرو بن أبي عَمْرو الشَّيباني عن أبيه قالا الجَاسوس صاحِب سِرّ الشَّرَّ والنَّاموس صاحِبُ سِرُّ الخير.
وأما التَّحَسُّس بالحاء فقد اختلفوا في تفسيره فَقَالَ بعضهم هُوَ كالتَّجَسُّسِ سواء وقرأ الحسن {وَلاَ تَجَسَّسُوا} 1 ويقال خرج القوم يتحسُّسُون الأخبارَ ويتحسَّبون ويتَنَحَّسُون أي يطلبونها ويسألون عنها وقال الشاعر:
[19] / تَجَنَّبْتُ سُعْدَى رَهْبَةً أن يُشِيد بي ... إذا زرت سعدى الكاشح المتحسس
ومنهم مَنْ فَرَّق بينهما
روى الْوَلِيدُ عن الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثير أنَّه قَالَ التّجَسُّسُ البَحثُ عن عورات المسلمين والتحسس الاستماع لحديث القوم وكان أبو عمر يقول التَّحَسُّسُ بالحاء أن يطلبه لِنفسِه والتجسس أن2 يكون رسولًا لغيره وكان يقول في الفرق بين النَّمّام والقَتَّات والقَسَّاس نحوا من ذَلِكَ قَالَ النّمام الَّذِي يكون مع القوم يتحدثون فَيَنُمُّ حديثَهم والقَتَّات الَّذِي يَتَسَّمع عَلَى القوم وهم لا يعلمون ثُمَّ يَنُمّ حَديثهم والقَسَّاسُ الَّذِي يَقُسُّ الأَخبَار أي يسأل الناسَ عنها ثُمَّ يَنثوها عَلَى أصحابها سمعتُه يقول ذَلِكَ.
وقوله: إياكم والظَّنّ فإنه أراد تحقيقَ ظَنِّ السَّوْءِ وتصديقه دون ما يَهْجِس بالقلب من خواطِر الظُّنون فإنها لا تُملَك
وقال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 3 فلم يجعل كله إثما.
__________
1 سورة الحجرات: 12
2 ح: "أن لايكون" تحريف
3 سورة الحجرات: 12

(1/84)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ ثَلاثٌ لا يُعْجِزُنَّ ابْنَ آدَمَ الطِّيَرَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالْحَسَدُ قَالَ فَيُنْجِيكَ مِنَ الطِّيَرَةِ أَلا تَعْمَلَ بِهَا وَيُنْجِيكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَلا تَتَكَلَّمَ بِهِ وَيُنْجِيكَ مِنَ الْحَسَدِ أَلا تَبْغِيَ أَخَاكَ سوءا1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/403.

(1/85)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ نَصَبْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً وَعَلَى مَجَرِّ بَيْتِي سِتْرًا مَقْدَمُهُ مِنْ غَزْوِ خَيْبَرَ أَوْ تَبُوكٍ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَهَتَكَ الْعَرْصُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الأَرْضِ1
حَدَّثَنَاهُ مُكْرِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُكْرِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عِمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي وَالصَّوَابُ عَنْ عَائِشَةَ إِلا أَنَّهُ قَالَ العَرْضَ وَهُوَ غَلَطٌ والصواب العرض وَهِيَ خَشَبَةٌ تُوضَعُ عَلَى الْبَيْتِ عَرْضًا إِذَا أَرَادُوا تَسْقِيفَهُ ثُمَّ تُلْقَى عَلَيْهِ أَطْرَافُ الْخَشَبِ الْقِصَارِ يقال عرصت السقف تعريصا ومجر البيت هُوَ العَرْص بعينه وهو الَّذِي يقال له الجائز وهو حامل البيت وأُراه مُشَبَّها بالمَجَّرةِ لاعتراضها في السّماء وإنما عَنَت بِهَتْكِ العَرْص هَتْكَ سماوةِ البيت التي كانت غَطَّت بها وجْه العَرْص.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الآخر أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ نُمَيْرٍ نا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ الله أَتَى فَاطِمَةَ فَوَجَدَ عَلَى بَابِهَا سترا فلم
__________
1 لم نجده بهذا السياق, وأخرجه أبو داود 4/73 وغيره بنحوه.

(1/85)


في حديث النبي أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ نَصَبْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً وَعَلَى مَجَرِّ بَيْتِي سِتْرًا مَقْدَمُهُ مِنْ غَزْوِ خَيْبَرَ أَوْ تَبُوكٍ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَهَتَكَ الْعَرْصُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الأرض
...
يَدْخُلْ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا وَالرَّقْمُ1 يُرِيدُ بِالرَّقْمِ النَّقْشَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ سِتْرًا مُوَشَّى وَأَصْلُ الرَّقْمِ الْكِتَابَةُ يقال: رقَمْتُ الكتابَ وزبَرْتُ وذَبَرت ونَمَقْتُ ونَمَصْت بمعنى واحد قَالَ الشاعر:
سأَرْقُم في الماء القَراحِ إليكمُ ... عَلَى بُعدِكم إن كان للماء راقم2
__________
1 سنن أبي داود 4/72
2 اللسان والتاج "رقم".

(1/68)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ "عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ [20] / الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ" وَيُرْوَى "تَرْتَمُّ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٌ وَأُبَيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قوله: تَرُمّ وتَرْتَمُّ أي تَرْعَى وتَتَناول بِالمرمَّة والمَرمَّةُ لذواتَ الظِّلْفِ بمنزلة الْفَمِ للإنسانِ وهي المقمَّة أيضًا ويقال له من ذوات الحافر الجَحْفَلَة ومن السِّباع الخُرطوم
ويقال رمَّت البَقَر تَرُمُّ قَالَ العجّاج:
من سَنَةٍ تَرْتَمُّ كل رم ... تنتسف النابت بعد القَمِّ2
ويقال للإبل أَرمَت تأرم أرما وللخيل قضمت تقضم.
__________
1المستدرك 4/197, وذكره السيوطي في الجامع الصغير4/347 وعزاه لابن عساكر أيضا.
2ط: "تننشف" والبيتان لرؤبة وهما في ديوانه /142.

(1/86)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي إِنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيَّ قَالَ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمَالُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبِعَةٌ مِنْ طَالِبٍ وَلا مِنْ ضَيْفٍ قَالَ: "نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ وَالْكُثْرُ سِتُّونَ وَوَيْلٌ لأَصْحَابِ الْمِئِينَ إِلا مَنْ أَعْطَى الْكَرِيمَةَ وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ وَنَحَرَ السَّمِينَةَ فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"
قَالَ وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ "كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الطَّرُوقَةِ" قَالَ يَغْدُو النَّاسُ بِجِمَالِهِمْ1 فَلا يُوزَعُ رَجُلٌ عَنْ جَمَلٍ يَخْطِمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الإِفْقَارِ" قَالَ إِنِّي لأُفْقِرُ الْبَكْرَ الضَّرْعَ وَالنَّابَ الْمُدْبِرَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ كِيلَجَةُ نا عَارِمٌ نا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيّ
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابن جريج قال حدثث أَنَّهُ قَالَ لَهُ: "فَكَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ الْقِرَى" قَالَ: أُلْصِقُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالنَّابِ الْفَانِيَةِ وَالضَّرَعِ3
قوله: ليس فيه تَبِعة أي ما يَتْبع المالَ من الحقوق وأصلها من تبعث الرجلَ بحَقِّي وتابَعْتُه به إذا طالبتَه والتَّبِيع الَّذِي يَتْبَعُك بحقٍ ويطالبك به
قَالَ الله: {ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} 4 ومنه قَولُه: "إذا أُتْبِع أحدكم على ملىء فَليَتْبَع5"
يريد إذا أُحيل بحقِه [عَلَى مليءٍ] 6 فَلْيَحْتَل وأكثر المحدّثين يقولون إذا اتُّبِع بتثْقِيل التَّاء والصواب أتبع
__________
1 كذا في جميع النسخ, وفي هامش س:"بحبالهم".
2 انظر المستدرك 3/612, وأسد الغابة 4/434.
3 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/30 في حديث طويل.
4 سورة الإسراء: 69.
5 سيأتي تخرجه بعد قليل, وفي س: على ملي بترك الهمزة وتشديد الياء, والمثبت من م ط والنهاية "ملأ".
6 من م وط.

(1/87)


حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا حَمْدَانُ الْوَرَّاقُ نا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتبع أحدكم على ملىء فَلْيَتْبَعْ" 1 وَالتَّبِعَةُ وَالتِّبَاعَةُ تَجْرِيَانِ مَجْرَى الظُّلَامَةِ أنشدني التَّمّارُ أنشدني ابن الأنباري أنشدنا أبو العباس ثعلب:
إذا كنتَ ذا مالٍ ولم تَكُ مُنْفِقًا ... فأنتَ إذًا والمُقْتِرُون سَواءُ
عَلَى أنَّ للأموالِ يومًا تِبَاعَةً ... عَلَى أهلها والمُقْتِرون بُراءُ2
والكُثْر الكثير كما قيل في القليل قُلِّ قَالَ أبو زيد الكُثْر من المال الكثير قَالَ والحِلْق مِثلُه يقال جاءَ فلانٌ بالحِلْقِ قَالَ وَالذَّوْدُ من الإبل ما بين الثَّلاثة إلى العشرة والصَّرْمَةُ ما بين العشرة إلى الأربعين فإذا بلغت [21] / سِتِّين فهي الصِّدعَةُ والهَجْمَة أولُها أربعون إلى ما زادت وهُنَيْدَةُ المائة قَطٌ
وأخبرني أبو عُمر أنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ هُنَيْدة المِائَةُ من الإبل ولا تصرِفْها وهِندٌ مائتان من الإبل واصْرِفْها قَالَ أبو عُمَر صَرْعَيْنَا إبلٌ كثيرة من غير ألف ولامٍ قَالَ وهو نادِرٌ جدًا وأَنشدَنا [يَصِف سائلًا شَبَّهه بالقُراد] 3
مِثلَ البُرام غَدَا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ ... لم يَسْتَعِن وحَوامي المَوتِ تَغْشاهُ
فَرَّجتُ عنه بصَرْعَيْنا لأرْمَلَةٍ ... أو بائس جاء معناه كمعناه4
__________
1 البخاري 3/123, ومسلم 31197, وأبو داود 3/247 وغيرهم
2 اللسان والتاج "براً": براء مثل عجيب وعجاب. وقال ابن بري: المعروف في براء أنه جمع لا واحد له.
3 من ت.
4 اللسان والتاج "صرع" يصف سائلا شبهه بالبرام وهو القراد. لم يستعن: لم يخلق عانته. وحوامي الموت: أسبابه. وهذا الشعر أورده الشيخ ابن بري عن أبي عمرو.

(1/88)


وقوله: مَنَح الغزيرة أراد المَنِيحَةَ وهي الناقة أو الشَّاة ذاتُ الدَّرِّ تُعارُ للبنها ثُمَّ تُردُّ إلى أهلها ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المَنِيحَةُ مَرْدُودَة1" والقانِعُ السائِل يقال قنع قُنُوعًا إذا سأل وقَنِع قَنَاعَةً إذا عف عن المسألة2 والمُعْتَرُّ الَّذِي يغشاك ويتعرض لك ولا يفصح بحاجته وقوله: كيف "تصنع فِي الطروقة" فإنه يريد فحلالطروقة وهي الناقة التي استحقّت الضِّراب وآن لها أن تُطْرق يقال استطرقني فلان فأطرقْتُه أي أَعطيتُه فحلا يَضرِب في إبله.
وقوله: لا يُوزَع رجل عن جَمَلٍ يخْطِمُه أي لا يُمنَع منه يقال وزَعْتُ الرجلَ عن الأمرِ أي كَففتُه عنه أنشدني محمد بن عَبْد الواحد النحوي أنشدنا المبّرد:
لِسانُ الفتى سَبْعٌ عليه شذاته ... وإلا يزع عن غَرْبِه فهو قاتِلُه
وما الجَهلُ إلا منطقٌ متسرع ... سواءٌ عليه حقٌ أمرٍ وباطِلُه
والمعنى أنه لا يأخذ عَلَى ضِرابِ الفُحُولَةِ عَسْبًا.
وقوله: لا يُوزَع رجل عن جَمَلٍ يخْطِمُه أي لا يمُنَع منه يقال بِحبالهم يعني الحبال التي تقرَن بها الإبِلُ قَالَ سالم بن قُحْفانَ العَنْبَريّ:
فلا تَعذُليني في العطاءِ ويَسِّري ... لكل بَعيرٍ جاء طَالِبُه حَبْلا
ويقال إن سالمًا هذا أَتاه صِهُره أخو امرأته فأعطاه بعيرًا من إِبِله وقال لامرأته هاتي حبلًا يقرُن به ما أعطيناه إلى بعيره ثُمَّ أعطاه بعيرًا آخر
__________
1 أخرجه أبو داود في 3/297, والترمذي 4/433 وغيرهما بلفظ: "والم نحة مردودة".
2 ت:"عف من المسألة"

(1/89)


وقال هاتي حبلًا ثُمَّ أعطاه ثالثًا وقال هاتي حَبلًا فقالت ما بقي عِندي حَبْلٌ فَقَالَ لها عليّ الجِمالُ وَعَليْكِ الحِبالُ.
وقوله: أُفْقِرُ الضَّرَع فإن الإفقار في الإبل أن تُعار للركوب وَالْحَمْلِ عليه ومنه حديث جابر "أنه باع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جملَه قَالَ وأَفْقَرني ظَهَره إلى المدينة"1 والضَّرَع الصغير ويقال الضعيف والنَّاب المُسِنَّة.
وقوله: أُلصِقُ بالنّاب الفانيةِ معناه إلصاق السِلاح بها وكان من عادتهم أن يُعرقبوها قبل النَّحر قَالَ الراعي:
وقلتُ له أَلصِق بأيْبَسِ ساقِها ... فإن يَجْبُر العرقوبُ لا يرقأ النسا2
__________
1 أخرجه مسلم في 3/1222 بلفظ:"فقار ظهره" وأحمد في 3/392 بلفظ:"يفقرني ظهره".
2 الديوان /178 ط. دمشق وفي الديوان /257 ط بغداد, والفئق"تبع" 1/146.

(1/90)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "طُولُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ1 وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الرَّوْحَاءِ يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ" 2
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ نا أَسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيِّ3 عَنِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وفي غير هذه الرواية "إنَّي لبِعقْر حوضِي أَذود الناسَ لأهل اليمن أَضرِب بعَصَاي حتى ترفَضَّ" 4
__________
1 ح:"كما بين مكة وأيلة".
2 ام نجد بهذا السياق, وأخرجه مسلم 4/1800-1801, وغيره بسياق آخر.
3 كذا في م, وفي تقريب التهذيب 1/295 "سعيد بن زربي – بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة – الخزاعي البصري".
4 أخرجه مسلم 4/1799 وأحمد 5/280-281.

(1/90)


قوله: يَغُتُّ معناه يَمُدّه ويُتابع دَفْق الماءِ فيه يقال غَتَّ الشَّاربُ الماءَ إذا جَرَعَه جَرْعًا بعد جَرْع ونَفَسًا بعد نَفَس
ومررت بأعرابيٍّ ومعه بُنَيَّةٌ صغيرة وقد رَفَع إليها كُوزًا وهو يقول لها غُتِّي وَيْلَكِ غُتِّي وقال طرفة:
فَبِتُّ كأنَّني من ذِكْرِ سَلْمَى ... أُغَتُّ بِنَاقِع الرُّقْشِ القِزَازِ1
وعُقْرُ الحوضِ قَالَ أبو عبيدة هُوَ مُؤخّرُ الحوضِ وإزاؤُهُ مَصَبُّ الماء وما بين ذَلِكَ عَضْد الحوضِ قَالَ ويقال للنّاقة التي تشرب من عقر الحَوْض عَقِرَة والتي تشرب من إزائه أَزِيَةٌ عَلَى مثال فَعِلة قَالَ امرؤ القيس:
فرماها في فرائِصِها ... في إزاء الحَوضِ أو عُقُرِهِ2
وعُقْر الدار أصلُها ومنه قيل لفُلان عَقَارٌ أي أَصلُ مالٍ وقد لَزِمَ عُقْرَ دارِه وفلان يُعاقِر الخَمرَ أي يُلازِمُها ويُداوِم شُربَها ولعن رَسُول الله عاقِرَ الخمر قَالَ النَّضْرُ بن شُمَيْل عاقِرُ الخمر هُوَ الَّذِي إذا وجدها شَرِبها.
وأخبرني محمد بن عَبْد الواحد قَالَ سألت المُبَرّد عن الخمر لِمَ سُمِّيت عُقارًا فَقَالَ لأنها تَعقِر العَقْل فتذهب به.
__________
1 ليس في ط بيروت, وط دمشق.
2 الديوان /124.

(1/91)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَلا ذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أبي قحافة" 1
__________
1أخرجه الترمذي في المناقب 5/607, الحديث 3659, وأحمد 3/478.

(1/91)


حَدَّثَنَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ الدَّهْقَانُ نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أمن علينا يريد أسمَحَ بماله وأبذلَ له ولم يرد به معنى الامْتِنان لأن المِنَّةَ تُفسِد الصَّنِيعَة ولا مِنَّةَ لأحد على رسول الله بل له المِنَّةُ عَلَى الأُمَّة قاطِبة والمَنُّ في كلام العرب الإحسان إلى مَنْ لا تَسْتَثيُبه قَالَ الله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1 {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2 أي لا تُعطِ لتأخذَ من المكافأة أكثرَ مما أعْطَيت.
وَمِنَ الْمَنِّ الْمَذْمُومِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا أَبِي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ حَدَّثَنِي ابْنُ الْأَحْمَسِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَلاثَةٌ يَشْنَأُهُمُ اللَّهُ الْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالْبَيِّعُ الْحَلافُ" 3
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ خَرْشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ4 وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ" 5 فإنه يقسر سلعته عَلَى وجهين: أحدهما من المِنَّةِ التي هي
__________
1 سورة ص: 39.
2 سورة المدثر: 6.
3 أخرجه أحمد 5/151.
4 ح: "الفاجرة".
5 أخرجه مسلم 1/102, وأبو داود 4/57, والترمذي 3/507 وغيرهم.

(1/92)


الاعتداء بالصنعة, ولآخر من المَنِّ, الَّذِي هُوَ النَّقص من الحق والبَخْس له.
قَالَ الله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} 1 يقال: غير مقطوع, وغير منقوص, وكلاهما2 قريب ومنه سُمِّي المَوتُ مَنُونًا [23] / وذلك أنه يَنقُص الأعداد ويقطع الأعمار والمَنُون واحد وجَميع3 وقد يُذَكَّر ويؤنث فمن ذكّر أراد الموتَ ومن أنث أراد المَنيَّةَ.
وقول أبي ذؤيب:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ4 ... يرويه قوم ورَيْبِها عَلَى تأويل المَنِيَّة
وقال عدِيُّ بن زيد:
مَنْ رأيتَ المَنُونَ أبقَيْن أَمْ مَنْ ... ذا عليه من أَن يُضامَ خَفِير5
فجعله بمعنى الجمع والمنون الدهر في قول الأصمعي
__________
1 سورة القلم: 3
2 س, ط: "وكليهما".
3 م: "وجمع".
4 شرح أشعار الهذليين 1/4, وعجزه: "والدهر ليس بمتعب من يجزع" وجاء كاملا في ت.
5 شعراء النصرانية 2/455,خلدن بدل أبقين.

(1/93)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ"
__________
6 أخرجه البخاري 9/48 ومسلم 4/1773, وأبو داود 4/305, والترمذي 4/532 وغيرهم بلفظ: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤومن تكذب.." الحديث.

(1/93)


حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا الْحَسَنُ بْنُ سَلامٍ [السَّوَّاقُ] 1 ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ نا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
بلغني عن أبي دَاود أنه كان يقول تَقارُبُ الزّمان استواءُ الليل والنهار وهو إن شَاءَ الله معنى سَدِيد والمُعَبِّرون يزعمون أَنَّ أَصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انْفِتاق الأَنْوار ووقت يَنْع الثَّمار وإدراكها وهما الوقتان يتقارب فيهما الزمان ويَعْتَدل الليل والنهار وفيه وجه آخر وهو أن يراد بتَقَارب الزمان قربُ انتهاء أَمَدِه وقد جاء ذَلِكَ مرفوعًا حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا" 2
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كالساعة" 3
فإن الخريمي حدثني عن علي بن عَبْد العزيز عن حَجّاج بن المِنْهال عن حَمَّاد بن سَلَمة قَالَ سألتُ عنه أَبَا سِنان فَقَالَ ذَلِكَ من استِلْذَاذ العَيْش يُريد والله أعلم زَمانَ خروج المهديّ ووقوع الأَمَنَة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها فَيُسْتَلَذُّ العَيشُ عند ذَلِكَ وتُسْتَقْصَر مُدَّتُه ولا يزال الناس يستَقْصِرون مُدَّة أيام الرخاء وإن طالت وامتدّت ويستطيلون أيام
__________
1 ساقطة من ح.
2 أخرجه الترمذي في الرؤيا 4/541.
3 أخرجه الترمذي 4/567.

(1/94)


المكروه وإن قَصْرت وقَلَّت والعرب تقول في مِثْل هذا مَرَّ بنا يوم كعُرقُوب القَطَا قِصَرًا1.
وأخبرني ابن الزِّئبَقِيّ نا موسى بن زَكْرُوَيَّه نا أبو حاتم ثنا العُتْبِيّ سمعت أعرابيًا وذكر امرأته فقال كاد الغزال يكونُها لولا ما تَمّ منها ونَقَص منه وما كانت أيامي معها إلا كأَباهِيم القَطَا قِصرًا ثُمَّ طالت بعدها شوقًا إليها وأسفًا عليها وقد جمع الشاعر طرفَيْ هذا المعنى فَقَالَ:
يطولُ اليومُ لا ألقاكِ فيه ... وشهر نلتقي فيه قصير
__________
1 اللسان "عرقب" والدرة الفاخرة 1/249 وروايته فيهما: "مر بنا يوم أقصر من عرقوب القطاة".

(1/95)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَتَتْهُ تَسْتَأْذِنُهُ وَقَدْ خَطَبَهَا أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ فَقَالَ: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَأَخَافُ عَلَيْكَ قَسْقَاسَتَهُ الْعَصَا وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخْلَقُ مِنَ الْمَالِ" قَالَتْ فَتَزَوَّجَتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ مَكْتُومٍ فَاعْتَدِّي عِنْدَهَا" ثُمَّ قَالَ: " لا إِنَّ أُمَّ مَكْتُومٍ امْرَأَةٌ يَكْثُرُ عُوَّادُهَا وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَعْمَى" فَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ خَطَبَهَا أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ..الْحَدِيثُ"
قوله: " يكثر عُوَّادُها" يريد زُوَّارها ومَنْ يغشاها من الضيفان وقد
__________
1 أخرجه أحمد 6/414 وعبد الرزاق 7/19 بهذا السياق وأخرجه مسلم 2/1114, وأبو داود 2/285, والترمذي 3/433 وغيرهم بلفظ: "أما أَبو جَهْم فلا يَضَع عصاه عن عاتِقِه وأما معاوية فصعلوك لا مال له".

(1/95)


روي من طريق آخر أنها امرأة يكثر أضيافُها وكل منْ أتاك مرَّة بعد أخرى فهو عائد قَالَ الأعشى:
فانْهَي خَيالك يا جُبَيْر فإنه ... في كل منزلة يَعُود وسادي1
أراد أنه يزوره ويَطرقُه ليلًا.
وكان بعض أهل اللغة يقول إنما سُمِّي يوم العِيدِ لهذا المعنى لتكرّره وعَوده لأوقاته من السنة وأنشد لبعضهم:
عَادَ قَلْبِي من التذكر عِيدُ2
وقال بعضهم إنما سُمِّي عِيدًا لأنه يومٌ يعود فيه الفَرحُ إلى المسلمين وكلاهما قريب
وقوله "أخاف عليك قَسْقَاسَتَه العَصَا" فإن القَسْقَاسَةَ العصا بعينها وذِكْرُهُ العصا عَلَى أثرها تفسيرٌ لها وإبانةٌ عنها كأنه يقول أَعنِي العصا يَقُسُّ دَابَّتَهُ أي يَسوقُها ويقال ما زال يُقَسْقِسُ الليلة كلها إذا أدأب السَّيْرَ قَالَ الشَّمّاخ:
ودَلَجُ اللَّيلِ وهادٍ قَسْقَاس3
وقال الأصمعي: خَمسٌ قَسْقَاسٌ وحَثْحَاثٌ وقَعْقَاعٌ وصَبْصَابٌ وحصْحَاصٌ كل هذا سَيْر لَيْسَت فيهِ وَتيرَةٌ والمعنى أن أبا جهم سيىء الخلق
__________
1 الديوان /50 برواية: "فانهى خيالك أن يزور فأنه".
2 اللسان والتاج "عود".
3 الديوان /399 برواية:
ودلج الليل وهاد قياس

(1/96)


سريعٌ إلى التأديب والضَّرب وفي أكثر الروايات أنه قَالَ إن أبا جَهْم لا يَضَع عَصَاه عن عاتِقِه يريد هذا المَعْنَى وذلك أن الضارب بالعصا لا يزال رافعًا لها إلى عاتِقه ما دام يضرب
وفيه وجَهْهٌ آخر وهو أن يكون أراد بهذا القول كثرة أسفارِه ودَوامَ غَيْبَتِه عن أهله يقول لا حظ لكِ في صحبته لأنه يُكثِر الظعن ويقل المقام كنى بالعَصَا عن نَوَى السفر يقال رفَعَ فلان عَصَا السَّير إذا سافر وألقى عصاه إذا أقام قَالَ الشاعر:
فألقَتْ عَصاهَا واستَقرَّت بها النَّوَى ... كما قَرّ عَيْنًا بالإياب المُسافِرُ1
ويقال للرّاعي إذا كان قليلَ الضَّرب لإبله بعصاه إنّه لصُلْب العَصَا يريد2 أنّ عَصَاه صُلْبَةً صحيحة لأنه لا يُعمِلها فَتُشَظَّى وتكَسَّر فإذا أكثر الضَّربَ بها قيل له ضَعيفُ العصا وهو المحمود لأنه يَحمِلها بذلك عَلَى الرّعْي ويَسوقُها إلى الأماكن المُعْشِبَة قَالَ الشاعر:
ضعَيفُ العَصَا بادِي العروقِ ترى له ... عليها إذا ما أَمْحَل الناسُ إصبْعَا3
فأما قولُ الآخر:
صُلْبُ العصا بالضَّرب قد دَمَّاها4 ... تحسِبُه من حُبِّها أخاها
يقول: ليت الله قد أفناها
__________
1 اللسان والتاج "نوى", وهولمعقر بن حمار.
2 م وط وح: "يراد".
3 اللسان "صبع", وعزى للراعي, وهو في ديوانه /185 ط دمشق, وديوانه /222 ط بغداد.
4 اللسان "فني" وفيه البيتان الأول والثالث, والأبيات غير معزوة, وهي في وصف راعي غنم.

(1/97)


فإنه قد أَلْغَزَ في هذا القول وأراد بالضَّرب السَّيَر في البلاد في طلب الرَّعْي ومعنى دماها صَيّرها كالدُّمَى سِمَنًا جمع دُمْية وأَفْناها أنبت لها الفَنَا وهو فيما يقال الزُّعْرور.
وقوله: أخلقُ من المال معناه خِلْوٌ عارٍ منه وأصله في الشيء الأملس الَّذِي لا يُمسِك شيئًا يقال: حجر أخْلقُ أي أملَسُ زلالٌ وصخرة خَلقاءُ قَالَ الشاعر:
قد يترك الدَّهرُ في خلقاءَ راسِيَةٍ ... وَهْنًا ويُنزِلُ منها الأعْصَمَ الجَذَعا1
وفي رواية أخرى: "أَمَّا معاوية فإنه رجل عائِلٌ" والعائِل الفَقَير يقال عال الرجل يَعِيل إذا افتقر قَالَ الشاعر:
فَما يَدْري الفقيرُ مَتَى غِناه ... ولا يدري الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ2
وفي الحديث أنواع من الفِقه منها إباحةُ تأدِيب النّساء ولو كان غيرَ جائزٍ لم يذكر ذَلِكَ من فعله إلا مقرونًا بالنَّهي عنه والإِنكار له ومنها أن المالَ مُعْتَبرٌ في بَابُ المكافأة وفيه دلالة على أنه إذا لم يجد نفقةَ أهلهِ وطَلَبتْ فِراقَة فُرِّق بينهما.
وبلغني عن سفيان بن عُيَيْنَة أنه قَالَ لوكيع بن الجرّاح وهو يُذاكِره ما معنى قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحَسَب المَالُ" 3 فَقَالَ وَكِيع أراد أن الرجل إذا
__________
1 م: "وهيا" بدل "وهنا" وفي هامش م: "الصدعا" بدل "الجذعا", وهو في اللسان "خلق" برواية: "وهيا وينزل منها الأعصم الجدعا". وفي ديوان الأعشى / 105.
2 اللسان "عيل". وعزى لأحيحة, وهو واحد من أربعة أبيات.
3 في النهاية "حسب" 1/381: "الحسب والمال, والكرم التقوى".
وجاء في الشرح: الحسب في الأصل: بالآباء وما يعده الناس من مفاخرهم, وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف, والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء, فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء, والمعنى أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ولا يحتفل به, والغني الذي لا حسب له يوقر ويحل في العيون, أخرجه الترمذي في 5/390, والن ماجة في 2/1410, وأحمد في مسنده 5/10.

(1/98)


كان ذا مالٍ عَظَّمه الناسُ فَقَالَ سفيان ليس كذلك إنما هُوَ قول أهلِ المدينة إذا لم يَجِد نفقةَ زوجتِه فُرِّقَ بَينهما.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ أنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَحْسَابُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْمَالُ" 1
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي هَذَا الباب حديث أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إسحاق نا الحجاج بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ تَقُولُ امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي يَقُولُ وَلَدُهُ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي يَقُولُ خَادِمُهُ اسْتَعْمِلْنِي وَأَطْعِمْنِي" 2.
وفيه من الفقه جَوازُ نِكاح المولى القُرَشِيَّة.
وفيه أيضًا بَابُ من الرُّخصَة ومذهب لَحمْل الكلام عَلَى سَعَة المجاز وذلك أنه قد روي في هذا الحديث من غير هذا الوَجْه أَنَّه قَالَ: "أما أَبو جَهْم فلا يَضَع عصاه عن عاتِقِه وأما معاوية فصُعلوك لا مالَ له" 3. وقد كان لا محالةَ يَضَعُها في حال من الأحوال وقد كان لمعاوية مالٌ وإن قل.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/353, 361, والنسائي في النكاح 6/64 عن سمرة.
2 أخرجه البخاري 7/81, وأحمد 2/252, 524, 527.
3 تقديم تخريجه.

(1/99)


وفيه أيضًا من الفقه جَوازُ ذكر ما في الإنسان من عَيْب إذا لم يُقصَد به المَذَمَّةُ له وأنّ ذَلِكَ ليس من بَابُ الغِيبَة.
وفيه أيضًا من الفقه أن للمَبْتُوتَةَ السُّكْنى وذلك أنَّ النَّبِيّ عليه السلام قد أوجبَها لفاطمة بقوله: "اعْتَدِّي عند ابن أم مَكْتُوم". وكانوا لا يُكْرون المنازل ويتبرعون بالإِعارة ثُمَّ إنه قد ذهب عليها معرفة السبب في نقله إيَّاها عن بيت أهلها فتوهَمَتْه إبطالًا لسُكْنَاها فقالت عند ذَلِكَ لم يجعل لي النبي عليه السلام سُكنى ولا نَفَقَةً فكان إخبارُها عن أَحَد الأمرين عِلمًا وعن الآخر وَهْمًا وهو السُّكنى وبيَّن السَّبَبَ في ذَلِكَ سعيد بن المُسَيَّب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ وَمَعْمَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ1 عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ أَتَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلاثَ مِنْ بَيْتِهَا فَقَالَ لا قُلْتُ فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً عَلَى أَحْمَائِهَا2" يَتَأَوَّلُ قَوْلَ اللَّهِ {وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 3.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَبْذُأَ عَلَى أَهْلِهَا.
حَدَّثَنَا مُكْرِمُ بْنُ أَحْمَدَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ نا آدَمُ بْنُ أبي
__________
1 ت: "جعفر بن برقان". وفي التقريب 1/129: جعفر بن برقان – بضم الموحدة, وسكون الراء بعدها قاف – الكلابي, أبو عبد الله الرقي, صدوق, يهم في حديث الزهراي مات سنة 250 هـ, وقيل: بعدها.
2 أخرجه عبد الرزاق 7/26, وأبو داود 2/89, والبيهقي 7/433.
3 سورة الطلاق: 1

(1/100)


إِيَاسٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ نا سَعْدُ1 بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ فُرَيْعَةَ وَهِيَ ابْنَةُ مَالِكٍ قُتِلَ زَوْجُهَا بِطَرَفَ الْقَدُومِ2 فَأَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: زَوْجِي قُتِلَ وَأَنَا فِي وَحْشَةٍ: "فَقَالَ لَهَا لا عَلَيْكِ أَنْ تَنْتَقِلِي" ثُمَّ قَالَ لَهَا: " تعالي لا تبرحي حتى يبلع الْكِتَابُ أَجَلَهُ" 3.
وفي هذا الحديث من الفقه جَوازُ نَسْخ الشيء قبل تنفيذ العمل به
__________
1 ط: "ناسعد بن إسحاق بن كعب, وعجرة عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بن عجرة".
2 معجم البلدان: طرف القدوم, بتشديد الدال وضم القف. وفي معجم ما استعجم 3/1052: قدوم, بفتح أوله "على وزن فعول": ثنية بالسراة, وهو بلد دوس, والمحدثون يقولون: قدوم بتثنية ثانيه". قال المعترض بن حنواء الظفري:
فإما تقتلوا نفرا فإنا ... فجعناكم بأصحاب القدوم
3 أخرجه عبد الرزاق 7/33-34 وأبو داود 2/291, والترمذي 3/499, ومالك 2/591 وغيرهم.

(1/101)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الاسْتِجْمَارُ تَوٌّ وَالسَّعْيُ 1 وَالطَّوَافُ تَوٌّ وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ" 2
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرُّهَاوِيُّ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي3 الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثقفي عنه4
__________
1 كذا في م, ط, س, في ح, ت: "والسعي تو والطواف تو".
2 أخرجه مسلم 2/945.
3 م: "ابن الزبير" والصواب أبو الزبير, وهو محمد بن مسلم بن تدرس "أنظر تقريب التهذيب 2/207".
4 يلاحظ أن الخطابي هنا ينقل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ صاحب التاريخ, وهو الذي روى الحديث عن الذهلي, مما يدل على أن الخطابي لا بسوق سائر الأحاديث بأسانيده التي تحملها رواية: وإنما ينقل من بعض الكتب أحيانا.

(1/101)


التَّوُّ مَعْنَاهُ الْوِتْرُ قَالَ أبو زيد جاء فلان تَوًّا إذا جاء قاصِدًا لا يُعَرِّجُه شَيءٌ فإن أقام ببعض الطريق فليسبتو يُريد أنه إذا قطَّع مَسِيَره لم يكن سَيْره سيرًا واحدًا فيُعَدٌ وِتْرًا
وقال عمر بن شَبَّةَ قَالَ الشَّعبيُّ دخَلتُ البصرةَ فرأيت حَلْقةً عظيمة في الجامع وإذا هي حَلْقَةُ الأحنف فسلَّمتُ وجلستُ قَالَ فَما مَضَتْ إلا تَوَّةٌ حتى قام الأحنف في قِصَّة ذكرها يريد
بالتَّوَّةِ الساعةَ الواحدةَ [وقال ابن الأعرابي العرب تقول لكل فردٍ تَوٌّ ولكل زَوجٍ زَوٌّ] 1
وقوله: السَّعْيُ والطوافُ تَوُّ يُتَأَوّل عَلَى وجهين أحدهما وهو أظْهرهما أَنَّ الطَّوافَ سَبعةُ أَشْواط وكذلك السَّعْي سَبْعٌ وِتْر غَيرُ شَفْعٍ.
والوجه الآخر أن الطَّوافَ الواجبَ طوافٌ واحد لا يُثَنَّى ولا يكرر وكذلك السّعْيُ سواء كان المُحرِم قارِنًا أو مُفِردًا ويؤيدُ هذا خَبُر عائشة وقولُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " طوافُك بالبَيْتِ وسَعْيُك بين الصَّفَا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك2"
__________
1 من ت, م ولم يرد في ط ولا في س ولا في ح.
2 أخرجه أبو داود 2/108.

(1/102)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الصَّقُورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا"3
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا مُحَمَّدُ بن قتيبة العسقلاني
__________
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/304, وأنظر أسد الغابة 5/9. وفي النهاية"صرف": الصرف: التوبة, وقيل: النافلة. والعدل: الفدية. وقيل: الفريضة.

(1/102)


نا دُحَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ نا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمَعِيُّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْبَاهِلِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أُخَامِرٍ1 الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ.
الصَّقُورُ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الدَّيُّوثُ. وسألتُ أبا عُمَر عن هذا الحرف فلم يعرفه ثُمَّ بلغني عنه بعدُ أنه كان يُثْبِته ويذكره عن أبي العباسُّ ثَعْلب.
وأخبرني الأزهريّ عن المُنذري فيما أحسِبُ عن أحمدَ بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قَالَ الصَّقْرُ القِيادة عَلَى الحُرَم ومنه الصَّقَّار [27] / الَّذِي جاء في الحديث. قال أبو العباس وأخبرني سَلَمةُ عن الفراء أنه قَالَ الصَّقَّارُ اللَّعَّان لغير المستحِقَيِن والصَّقَّار الكافر والصَّقَّارُ الدَّيّاسُ قَالَ وقرأتُ بخط شَمِر في كتاب غريب الحديث له أنّ الصَّقَّار النَّمّام.
وأخبرني أبو عمر أنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ والمماذل الديوث وهو القنذع أيضا.
__________
1 تهذيب التهذيب 10/24: مالك بن يخامر, ويقال: ابن أخامر, يقال له صحبة.

(1/103)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَزِمْتُ السِّوَاكَ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُدْرِدَنِي" 2
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَرْفَعُهُ.
قوله: يُدْرِدُني أي يُحِفي أسناني ويُذهِبها فَيترُكُني أَدْردَ
قَالَ الأصمعيّ الدَّرَدُ أن تسقطَ الأسنان واللَّطَع قَرِيب من الدَّرَد وهو أن يذهَب السِّنُّ ويَبقى سِنْخُه والدَّرادِرُ مغَارِزُ الأسنان واحدها دردر وفي
__________
2 ذكر المنذري في ترغيب الترهيب 1/167, وقال: رواه الطبراني في الأوسط.

(1/103)


بعض الأمثال "أعييتني بأشر فكيف بدُرْدُرٍ"1 يقول لم تَقْبلِي الريِّاضةَ وأَنت شَابَّةٌ فكيف أرجوها منك بعد الهَرَم قَالَ جرير:
تلقَى الفَتاةُ من الشُّيوخ بَلِيَّةً ... ويَقلن أُفٍّ لِكُلِّ شَيْخ أَدْرَدَا2
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ "أَوْصَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خِفْتُ عَلَى عُمُورِي" 3.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الأُبُلِّيُّ نا عَبْدَانُ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ تَسْنِيمٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى نا عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
العُمُورُ اللّحمُ بين الأسنان4
والواحِدُ عُمْرٌ وعَمْرٌ قَالَ الشاعر:
ذهب الشَّبَابُ وأخلَف العَمْرُ ... وتَغَيَّر الأزمان والدهر5
أخلف: تغير.
__________
1 اللسان"أشر, درر", وجمهرة الأمثال 2/7, والمستقصي 1/275.
2 البيت ملفق من البيتين:
وإذا الشيوخ تعرضوا لمودة ... قلن التراب لكل شيخ أدردا
تلقى الفتاة بليلة ... إن البلية كل شيخ أفندا
وهما في الديوان /181.
3 الفائق "عمر"3/27, وجاء فيه جمع عمر, روي فيه الضم, وهو لحم اللثة المستطيل ببين كل سنين.
4 اللسان "عمر": العمور: منابت الأسنان, واللحم الذي بين مغارسها.
5 اللسان "عمر" برواية: "وتبدل الإخوان والدهر", وعزي لابن أحمر وهو في ديوانه /90 ط بغداد.

(1/104)


وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "لَزِمْتُ السِّوَاكَ حَتَّى كِدْتُ أُحْفِي فَمِي1" يريد بالفم الأسنان. وهذا مثلُ قولِه للعباس: "لا فَضّ الله فاك".
أخبرني أبو عمر أنا ثعلب عن ابن الأعرابي في قولهم لا يَفْضُضِ الله فَاكَ قَالَ أَرادَ لا يكسِر الله أسنانَك التي في فيك فحُذِف لعلم المخاطب كما يقال يا خيل الله اركبي يراد يا ركاب خيل الله اركبي.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/106 بألفاظ متشابهة.

(1/105)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي أُطُمٍ.
قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَطَلَّ عَلَيْنَا يَهُودِيٌّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ رَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَتَقَضْقَضُوا وَقَالُوا لَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَتْرُكْ أَهْلَهُ خُلُوفًا2"
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُرْوَةَ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ الزُّبَيْرِ عَنْ صَفِيَّةَ
الأُطُم الحِصْن المبني بالحجارة والجمع الآطام وأَطَلَّ أي أشرف وقوله: تَقَضْقَضُوا أي تفرَّقوا وأصله تَقَضَّضُوا من القَضِّ وهو كَسْر الشيءِ وتَفرِيقُ أجزائه
ومن مذهبهم إدخالُ الحرف بين الحَرْفَين من جِنْسٍ واحد كراهة اجتماعهما وأكثره في المضعف
والقَضَض [28] / والقَضَّةُ ما تَفَتَّت من الحَصَا
وأنشدنا أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب يَصِف دلوا:
__________
2 ذكر الهيثمي في مجعمه 6/114, وقال الطبراني في الكبير والوسط.

(1/105)


قد سقطت في قضة من شَرْجِ ... ثُمَّ استَقَلَّت مِثَل شِدْقِ العِلْجِ1
يريد أنَّها سَقَطت عَلَى حجارة لا ماءَ فيها والشَّرْجُ مجرى الماء وشَبَّهها بشِدْق العِلْج لانضمامها والعِلْجُ الحمار.
قَالَ وأخبرنا ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين قَالُوا القِضَّةُ بالكسر عُذرَةُ الجارية والقُضَّةُ بالضم العَيْبُ والقَضَّةُ بالفَتْح الحَصَا الصِّغار.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ كَنْزًا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ فَلا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيُقَضْقِضُهَا2": أَيّ يُقَطِّعُهَا" ويقال أسدٌ قَضْقَاض وهو الَّذِي يُكسِّر الفَرِيسة ويُقَطِّعها قَالَ رؤبة:
جاوزَتْ من حَيَّةٍ نَضْنَاضِ ... وأسَدٍ في غيلِهِ قَضْقَاضِ3
وقوله: لم يترك أهلَه خُلوفًا أي لم يُخَلِّفْهن لا حامِيَ لهن ولا رجلَ معهن يقال الحَيُّ خُلوفٌ إذا خَلَّفوا أثقالَهم وخرجوا في رَعْيٍ أو سَقْيٍ أو نحو ذلك يقال أخلف الرجل إذ استقى الماء واستخلف مِثله قَالَ ذو الرُّمَّةِ يصِف القَطا:
ومستَخْلِفاتٍ من بلاد تَنُوفَةٍ ... لمِصْفَرَّةِ الأَشْداقِ حمر الحواصل4
__________
1 اللسان "قضض" دون عزو.
2 أخرجه ابن حبان, انظر موارد الظمآن /205, وذكره المنذر في الترغيب 1/540, والهيثمي في مجمع الزوائد 3/164برواية "فيقضمها" بدل "فيقضقها".
3 اللسان والتاج "قض, نض", والديوان /82.
4 اللسان والتاج "خلف", والديوان /498.

(1/106)


وأنشدنا أَبو عُمَر أنشدنا أبو العباس عن سَلَمَة عن الفرّاء:
ويَهْمَاءَ يَسْتافُ التّرابَ دَلِيلُها ... وليس بها إلا اليَمانِيَّ مُخْلِفُ.
يريد أنهم إذا عَطِشوا بَقَرُوا [بالسيوف] 1 بُطونَ الإبل فشربوا ما في أكراشها.
__________
1 من م, ط, ح.

(1/107)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "اتققوا الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ" 2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا عُمَرُ3 بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ" 4
الْمَوَارِدُ: الطُّرُقُ إِلَى الْمَاءِ وَاحِدُهَا مَوْرِدَةٌ بِالْهَاءِ وإنّما تأولناه عَلَى المَشارِع وطُرُقِ الماء وإن كانت شوارعُ الطّرق قد تُسمَّى الموارد أيضًا لأنَّ ذِكرَ قارعةِ الطَّرِيق قد جاء مقرونًا به في الخَبَر فلم يكن في إعادته فائدة
__________
2 النهاية "برز": البراز: بالفتح: اسم للقضاء الواسع, فكنوا به عن الغائط كما كنوا عنه بالخلاء لأنهم كانوا يتبرزون في الأماكن الخالية من الناس. وعزي للخطابي وقوله: المحدثون يروونه بالكسر وهو خطأ: لأنه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب, وقال الجوهري بخلافه, وهذا لفظه: البراز: المبارزة في الحرب, والبراز أيضا كناية عن ثقل الغذاء, وهو الغائط, ثم قال: والبراز بالفتح: القضاء الواسع, وتبرز الرجل: أي خرج إلى البراز للحاجة, وقد تكرر المكسور في الحديث.
3 هو عمر بن الخطاب السجستاني "بكسر المهملة والجيم وسكون المهملة بعدها مثناة": نزيل الأهواز القشيري, صدوق "ت264 هـ" عن التقريب 2/54.
4 سنن أبي داود 1/7, وابن ماجة 1/119, والفائق "لعن" 3/318.

(1/107)


وقال جرير:
أميرُ المؤمنين عَلَى صِراطٍ ... إذا اعوَجَّ المواردُ مُسْتَقيمِ1
والوارِد الطريقُ أيضًا قَالَ لبيد:
ثُمَّ أصدرناهما في واردٍ ... صادرٍ وَهْمٍ صُواهُ قد مَثَل2
وَحَدَّثَنَا الْأَصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [29] / " اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ" قِيلَ يَا: رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمَلَاعِنُ؟ قَالَ: " يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يَسْتَظِلُّ فِيهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ أَوْ نَقْعِ مَاءٍ" 3
والنَّقْع: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَشَرَّابٌ بأَنْقُعٍ جَمْعُ النَّقْعِ وَالْمَلاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَلاعِنَ للعن الناس فاعلها
__________
1 الديوان /507, والبيت من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك.
2 شرح الديوان /185, والوارد أو الصادر: والصوى: أعلام حجارة منصوبة في الفياقي يستدل بها على الطريق.
3 أخرجه أحمد 1/299.

(1/108)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَتَخَبَّرُونَ لَهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالرَّجِيعِ اعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ عَاصِمٌ:
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنابِلُ
تَزِلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... وَالْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ4
__________
4 س: "صفحة", والبيت الول في اللسان والتاج "نبل", والأبيات في الجمهرة 3/392, وروى البيت الول: "ما علتي وأنا طب نابل". وعاصم هو عاصم بن ثابت بن الأقلح.

(1/108)


وَضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ وَأَسَرُوا خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فَكَانَ عِنْدَ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَ لامْرَأَةِ عُقْبَةَ أَبْغِينِي حَدِيدَةً أَسْتَطِيبُ بِهَا فَأَعْطَتْهُ مُوسِي فَاسْتَدَفَّ بِهَا فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَى الْخَشَبَةِ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قوله: ما عِلَّتي يقول ما عُذْرِي في تَركِ القِتال وأنا جَلْد ومَعِي سِلاح يقال رجل نابِل إذا كان معه نَبْل وهي السّهام العربية اسم جماعة فإذا أرادوا الواحد منها قَالُوا سَهْم كما قيل لواحد النساء امرأة.
وقوله: وتر عُنَابل معناه مَتِين صُلْب يقال في الوَاحِد عُنابِل بضَم العين وفي الجميعِ عَنَابل بفتحها لأن فُعالِل تُجمَع عَلَى فَعَالل كما قَالُوا جُوَالق وفي الجمع جَوَالق.
والمَعَابِلُ: النِّصال العَرِيضَة التي لا عَيْرَ لها وعَيْرُها المرتَفِع منها في وَسَطِها واحدتها مِعْبَلَة قَالَ الشاعر:
وآخَرَ منهمُ أجررْتُ رُمحي ... وفي البَجْلِيِّ مِعْبَلَةٌ وقِيعُ2
يقال: أجررتُ الرَّجلَ الرَّمحَ إذا طعنتَه به فتركتَه فيه وقال آخر:
فهذا أَوانُ الشِّعْرِ سُلَّتْ سِهامُه ... معابلها والمرهفات السلاجم
__________
1 ذكر القصة البخاري في 5/132, وابن هشام في 3/93 وغيرهما مفصلة بسياق آخر وانظر البداية والنهاية 4/62-67.
2 اللسان والتاج "بجل", وعزي لعننترة وهو شرح ديوانه/105.

(1/109)


وقوله: أَسَتطِيب بها يُرِيد الاحْتلاقَ وسمَّاه استطابةً لِمَا فيه من إزالة الأَذَى وطَهارةِ البَدَن كالاستِنجاء يُسَمِّيه أَهلُ الحجاز استطابةً لهذا المَعْنى ومن هذا قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} 1 أي طاهرًا وسَمَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينَة طابَةً يُرِيد أنّها طاهرة من الخُبْثِ والنِّفاق
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَتُنْصِعُ طَيِّبَهَا" 2
وقوله: استدَفَّ بها يُرِيد حَلْقَ الشَّعْر واستِئصالَه3 وهو مأخوذ من قولك دافَفْتُ الرجلَ أُدَافُّه وهو إجهازُك عليه ويقال في معناه استَعان الرَّجلُ إذا حَلقَ عانَتَه ويُذكَر عن بشر بن عَمْرو بن مَرْثد أَنَّه حِينَ أُرِيد قَتلُه قَالَ أَجِيُروا لي سَراويلي فإني لم أَستَعِن ومنه قول الشاعر [يصف سائلًا شَبَّهه بالقُراد] 4:
مِثلَ البُرام غَدَا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ ... لم يَسْتَعِن وحَوامي المَوْتِ تَغْشاه5
[30] / وقوله: اقتُلْهم بَدَدًا أي متفرقين واحِدًا واحدًا ومَن رواه بِدَدًا فإنه جمع بِدَّة وهي الحِصَّة كأنه قَالَ اجعَلْه أَقسامًا وحصصا على السواء بينهم
__________
1 سورة النساء: 43 والمائدة: 6.
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/266-267 والنسائي 7/151, وأحمد 3/306-307.
3 ت: "وهو استئصاله".
4 من ت.
5 اللسان "أصد" دون عزو وقد سبق في اللوحة /21.

(1/110)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ إِمَامَ قَوْمِهِ فَمَرَّ فَتًى مِنْهُمْ بِنَاضِحِهِ يُرِيدُ سَقِيَّتَهُ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَطَوَّلَ مُعَاذٌ فَصَلَّى الْفَتَى ثُمَّ خَرَجَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ "يَا مُعَاذُ أَعُدْتَ فَتَّانًا إِذَا كُنْتَ إِمَامًا لِلنَّاسِ فَخَفِّفْ" 1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمَرْوَزِيُّ نا النَّضْرُ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
السَّقِيَّةُ النَّخْل التي تُسقَى بالسَّوانِي قَالَ امرؤُ القَيْس:
وكَشْحٍ لَطِيفٍ كالجديل مُخَصَّرٍ ... وساقٍ كأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ2
وقوله: أَعدُتَ فَتَّانا معناه أَصِرت فَتَّانا يقال عَادَ فلان يَفعَل كذا أي صارَ يَتعاطاه ومن هذا قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 3: أي صَار كالعُرجُون قَالَ الشاعر:
أَطَعتُ العُرسَ في الشّهوات حتى ... أعادَتْني عَسِيفًا عَبْدَ عَبْدِ4
وقال أبو الصَّلْت الثَّقَفِيّ:
تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لبن ... شِيبًا بِماءٍ فعادا بَعدُ أبوالا5
ومنه قَوْلُ كَعب وَدِدْتُ أنّ هذا اللّبنَ يعود قَطِرانًا فقيل لِمَ يا أبا إسحاق قَالَ تَتَبَّعَتْ قُريشٌ أَذنابَ الإِبِل في الشِّعاب وتركوا الجماعات.
- وفيه من الفِقْه أنَ خُروجَ المرء من صَلاةِ إمامه لِعُذْرٍ لا يُفسِد صَلاتَه.
__________
1 لم نجد بهذا السياق, والأصل مخرج في الصحيحين: انظر البخاري 1/171 ومسلم 1/339-340, وأخرج أحمد نحوه في مسنده 3/124 و 299, وانظر مجمع الزوائد 2/71.
2 الديوان /17.
3 سورة يس: 39.
4 اللسان "عسف", وعزي لنبيه بن الحجاج. والعسيف: الأجير.
5 التاج "قعب" دون عزو. واقتر الأساس "قعب" على السطر الأول.

(1/111)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنِ اتَّخَذَ قَوْسًا عَرَبِيَّةً وَجَفِيرَهَا نَفَى اللَّهُ عَنْهُ الْفَقْرَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَبَلَةَ الْبَاهِلِيُّ نا مَرْدَوَيْهِ بْنُ يَزِيدَ نا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
الجَفيرُ الكنِانَة قَالَ عَنْتَرةُ:
ما يَدرِي جُرَيَّة أَنَّ نَبْلِي ... يكون جَفِيَرها البَطَلُ النَّجِيدُ2
وقال آخر:
وفي جَفِير النَّبْل حَشْراتُ الفُوَقْ ... وخصّ القَوسَ العربية لكراهِيتهِ زيّ العَجَم
ويروى: "أنه رأى رَجُلًا ومعه قوسٌ فارِسِيَّةٌ فَقَالَ أَلْقِها"3
__________
1 الفائق "جفر" 1/221 وفيه: الجفير: الواسعة من الكنائس, ومنه الفرس المجفر.
وتقدير قوله: وجفيرها: وجفير سهامها, وأخرجه ابن الأعرابي في مجمعه لوحة 111 ب.
2 الديوان /49.
3 مجمع الزوائد /267, 268.

(1/112)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُمْ حَاسُوا4 الْعَدُوَّ ضَرْبًا يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعَ اللأمة كان يجوز الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ اسْتَوْسِقُوا كَمَا يَسْتَوْسِقُ جُرْبُ الْغَنَمِ فَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بَلَغَتْ وركه" 5
__________
4 ح: "حاشوا" تصحيف.
5 ذكر ابن سيد الناس جزءا من هذا الحديث في عيون الأثر2/6.

(1/112)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَوْلُهُ: حَاسُوا الْعَدُوَّ ضَرْبًا أَيْ أَسْرَعُوا إِلَيْهِمْ بِالضَّرْبِ وَالْحَوْسُ الإِقْدَامُ وَالتَّسَرُّعُ
يُقَالُ رَجلٌ أَحْوَسُ أَيْ مِقْدَامٌ لا يَرُدُّهُ شَيْءٌ وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ يُقَالُ تَرَكْتُ فُلانًا يَحُوسُ بَنِي فُلانٍ وَيَجُوسُهُمْ [وَيَدُوسُهُمْ] 1 أَيْ يَطَؤُهُمْ فَأَمَّا الْحَسُّ فَهُوَ الْقَتْلُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} 2
وَمَعْنَى أَجْهَضُوهُمْ نَحَّوْهُمْ [وَبَعَّدُوهُمْ] 3 وَطَرَدُوهُمْ وَالأَصْلُ [31] / فِي الإِجْهَاضِ الإِزْلاقُ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلسِّقْطِ جَهِيضٌ.
وَاللَّأْمةُ الدِّرْعُ تُجْمَع عَلَى اللُّؤَمِ [عَلَى غَيْرِ قياس] 4 ويجوز الْمُسْلِمِينَ: أَيْ يَسُوقُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: اسْتَوْسَقُوا مَعْنَاهُ اجْتَمَعُوا وَانْضَمُّوا يَسُومُهُمُ الانْقِيَادُ وَالاسْتِسْلامُ
يُقَالُ اسْتَوْسَقَتِ الإبِلُ إِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي صِرْمَةَ الأَنْصَارِيِّ:
إِنَّ لَنَا قَلائِصًا نَقَانِقا ... مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدن سَائِقًا5
شبهها بالظلمان لسرعتها والنقنق الظَّليم وحَبْل العَاتِق رِباطُ مَا بينه وبين المنكب.
__________
1 من ح.
2 سورة آل عمران: 152.
3 من ت وم.
4 من ط. وفي اللسان "لأم": على غير قياس, كأنه جمع لؤمة"كغرفة".
5 اللسان والتاج "وسق" وعزي للعجاج, ولم أقف عليه في ديوانه ط /بيروت.

(1/113)


وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمُونَا يَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ [هَذَا] 1 حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ" 2
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا النُّفَيْلِيُّ نا زُهَيْرٌ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
قوله: يَخْطَفُنَا الطّيرُ مَثَل والمعنى إن رأيتمونا قد انهزمنا وولَّينا [فلا تَبْرحوا يقال فلان ساكنُ الطَّيرُ وواقعُ الطَّير] 3 إذا كان هادِئًا وَقُورًا وضُرِبَ المَثَلُ بالطَّير لأنه لا يَقَع إلا عَلَى الشيء السّاكن.
ويقال للإنسان إذا طاش وأَسْرع قد طار طَيْرُه قَالَ لَقِيطٌ الإياديٌ:
هُوَ الجَلاءُ الَّذِي يجتزُّ أَصلَكم ... إن طار طيرُكُم يومًا وإن وَقَعَا4
يريد إن أقمتم أَوْ سِرْتم.
وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ: "أَنَّهُ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَزَجَلَ بِهَا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ"5
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عُثْمَانَ الْجَزْرِيِّ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
زَجَل بها أي رَمَى بها وأكثَرُ ما يقال ذَلِكَ في الشيء الرّخوِ كالقَصَبة ونحوها.
__________
1 من ط.
2 من سنن أبي داود 3/51 والبخاري 5/150 وغيرهما.
3 ساقط من ح.
4 الديوان /47 برواية: "هو البلاء الذي ينبغي مذلتكم".
5 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/356 في قصة طويلة بلفظ: "فجزل".

(1/114)


وفي قصة أُحُد أنّه قَالَ لأصحابه "اليوم تُسَرَّوْن" سمعت أبا عمر يقول معناه اليومَ يُقْتَل سَرِيُّكم فَقُتِل حَمْزَةُ. ويقال تُشُرِّفَ القَومُ إذا أُصِيب شَريفُهم وتُكُمُّوا إذا قُتِل كَمِيُّهم وأنشد:
بَلْ لو شهِدْتَ القَومَ إذ تُكُمُّوا1
ويقال اسْتِيدَ القَومُ إذا أُصِيبَ سَيِّدُهُم واستِيدَ فيهم إذا خَطَب إلى سادَتِهم وأنشَدَ البَاهليُّ:
أرادَ ابنُ كُوزٍ والسَّفَاهَةُ كاسْمِها ... لِيَسْتَادَ مِنَّا أن شَتَوْنا لَيَاليَا
تَبَغَّ ابنَ كُوزٍ في سِوانا فإنه ... غذا الناسُ مذ جاء الرَّسولُ الجَوارِيَا2
يريد أنهم تركوا وَأْدَ البنات.
__________
1 اللسان "كمم" وعزي للعجاج وهو في ديوان /422.
2 اقتصر اللسان والتاج "سود" على البيت الأول. وجاء في مادة "شتا" أيضا مع اختلاف في الرواية.

(1/115)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ الرَّافِلَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَالظُّلْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا نُورَ لَهَا"1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا ابْنُ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرَّافلَة في غير أهلها المُتَبَرِّجَةُ بالزِّينة لغير زَوْجها يقال رَفَلَ الرجلُ إزارَه وأَغدفَ إزاره وأسبَلَه وأَذَالَه إذا أرخاه والرَّفْل الذَّيْل أيضًا قَالَ الشاعر يمدح المهلب:
__________
1 أخرجه الترمذي 3/461.

(1/115)


إذا نادى الشّرَاةُ أبا سَعِيد ... مَشَى في رَفْل مُحْكَمَةِ القَتِيرِ
وفيه أنّه لم يكره لها الزِّينةَ إذا كانت في أهلها.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ [32] /: "أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ تَعَطُّرَ النِّسَاءِ وَتَشَبُّهَهُنَّ بِالرِّجَالِ"
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أَبُو رُوَيْقٍ نا الْقَعْنَبِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ تَعَطُّرَ النِّسَاءِ وَتَشَبُّهَهُنَّ بِالرِّجَالِ"1 فوجهه إن كان أَرادَ به العِطْرَ أن يكرهَه لَهُنَّ إذا كان لغَيْر أزواجهن إلا أَنَّي أراه2 تَعَطُّلَ النِّساء باللام وقد تُبَدل اللامُ رَاءً لأَنهما أُخْتان في قُرب المَخْرج كقولهم سَمَل عينَه وسَمَر عَيْنَه والتَّعَطُّل أن تكون المرأة عُطُلًا لا حُلِيّ عليها ولا خِضَابَ يقال امرأة عُطُل وعَاطِل قَالَ الشَّمَّاخ3:
دارُ الفتاةِ التي كنّا نَقُول لها: ... يا ظَبْيَةً عُطُلًا حَسَّانَةَ الجِيدِ
ويشهد بصحة هذا التأويل قولُه: وتشبههن بالرجال.
__________
1 النهاية "عطر" 3/256, وفيها الذي يظهر ريحه كما يظهر عطر الرجال.
2 في كنز العمال 6/398, بلفظ " ... كره التعطل للنساء" وعزاه للسمويه.
3 م: قال الشاعر, والبيت في ديوانه/112.

(1/116)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ نُقَادَةَ الأَسَدِيَّ قَالَ يَا رسول الله إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ فَأَيْنَ أَسِمُ قَالَ: "فِي مَوْضِعِ الْجَرِيرِ مِنَ السَّالِفَةِ" قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اطْلُبْ إِلَيَّ طَلِبَةً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُطْلِبَكَهَا قَالَ: "أَبْغِنِي نَاقَةً حَلْبَانَةً رَكْبَانَةً غَيْرَ أَنْ لا تُوَلِّهَ ذَاتَ وَلَدٍ عَنْ وَلَدِهَا" 1
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي مَسَرَّةَ2 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسَيْحٍ [الأَسَدِيِّ] 3 عَنْ عُتَيْبَةَ4 بْنِ عَاصِمِ بْنِ سِعْرِ بْنِ نُقَادَةَ عَنْ أبيه عن جده عن نُقَادَةَ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مسيح مِثْلَهُ وَسَاقَ الْخَبَرَ إِلا أَنَّهُ ل"م يَذْكُرْ إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ وَلا حَلْبَانةً رَكْبَانَةً".
قَوْلُهُ: إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ يُرِيدُ أَنَّهُ صَاحِبُ إِبِلٍ أَغْفَالٍ وَالأَغْفَالُ هِيَ الَّتِي لا سِمَةَ عَلَيْهَا.
قَالَ الأصمعيّ الأَطلاق من الإِبِل التي لا عُقُل عليها والأَعْطال التي لا أَرسانَ عليها وقال الكسائِي الباهلُ من الإبل التي لا سِمَة عليها قَالَ والجَمعُ المَبَاهِيلُ والجَرِيرُ الزَّمامُ والسَّالِفَةُ مُقَدَّمُ صَفْحَةِ العُنُق وسُمِّيت سالِفَةً لأنَّها تتقَدَّم البَدَن قَالَ الشاعر:
إنّا لنَصْفَحُ عن مَجاهِل قومِنا ... ونُقِيم سالِفَةَ العَدُوِّ الأَصْيَدِ
وسالف كل شيء أَوَّلُه وسُلافَةُ الخَمْر ما سال من العِنَب قبل أن يعصر.
__________
1 ذكر البخاري طرفا منه في التاريخ الكبير 4/2/127.
2 م: "ابن ميسرة", والمثبت من س وط وح ت.
3 في المشبه 2/590: ابن مسيح باثنتين من تحت, وكذلك ذكره الدارقطني في كتابه فقال: عبد العزيز بن مسيح, ويقال: مسيح بكسر السين, وقيل صوابه بالموحدة, وفي ت وس "مسبح" بتشديد الباء المكسورة.
4 ت, ح: "عيينه".

(1/117)


وقوله: حَلْبَانَةً رَكْبَانَةً يُريد [ناقةً] 1 غَزِيرةً تُحلَب وراحلةً تُرْكَب يقال ناقَةٌ حَلْبَاةٌ رَكْبَاةٌ وحَلْبَانَةٌ رَكْبَانَةٌ قال الشاعر:
حلبانة ركبانة ضفوف ... تَخْلِط بين وَبَرٍ وَصُوفِ2
الضَّفُوفُ الغَزِيرة ويروى صَفُوف وهي التي تَصُفُّ يَدَيْها عند الحلَب والصَّفُوف أيضًا هي التي تجمع بين مَحْلَبَيْن في حَلْبةٍ.
وقوله: تَخْلِط بين وَبَرٍ وصُوفِ يَصِف سَيَرها يقول كأنَّ يَدَيْها يَدَا ناسِجَةٍ تَخْلِط بين وَبَرٍ وَصُوفٍ من سرعتها وقال آخر:
إن الحَرام غَزِيرةٌ حَلْبَانَةٌ ... ووجدتُ حالِبَةَ الحَلالِ مَصُورَا
ويُرْوَى غزِيرَةٌ حَلَبَاتُهُ ومنه المَثَل الحَلالِ يقطر والحرام يَسيل والطَّلِبَةُ الحاجة والإِطلابُ إنجازُها يقال طلب إلي فأطلبتُه أي أسعفْتُه بما طلب [33] /, ومثلُه سأل فأَسْأَلْتُه أعطيته سُؤْلَه ويقال ابغني كذا أي اطلُبه لي وأَبْغِنِي بقَطْع الألف أي أَعِنِّي عَلَى طلبه ومِثْلُه أَحْمِلْنِي أي أَعِنِّي عَلَى حَمُولَتِي وكذلك أَحْلِبْنِي عَلَى الحَلَب ومِثْلُه كثير.
__________
1 من ت وم.
2 اللسان "ضعف", واقتصر على البيت الأول ولم يعزه.

(1/118)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ قَالَ لأبِي بَكْرٍ: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ, وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ [1 فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ "أَخَذْتَ بِالْحَزْمِ" وَقَالَ لِعُمَرَ "أخذت بالعزم 2 "
__________
1 ساقط من ح نحو أبع صفحات من حجم الفلوسكاب.
2 أخرجه أبو داود 2/66, وفيه: وقال لعمر: "أخذت بالقوة" , والبيهقي في السنن 3/35.

(1/118)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيلَحِينِيُّ1 نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ.
الحَزْم الحَذَرُ والعَزْم القُوَّة ومنه المَثَل "لا خَيْرَ في عَزْمٍ بغَير حَزْم" معناه أَنَّ القُوَّة إذا لم يكن معها حَذَرٌ أَورَطت صاحِبَها وأَفضَت2 به إلى العَطَب ومن هذا قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ} 3 يقال في تفسيره أُولو القُوَّة والصَّبْر وقال: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} 4 يقال ثَباتًا وقُوَّةً وقال بعضهم الحَزْمُ التَّأَهُبُ للأمْر والعَزْم النَّفَاذُ فيه وفي بعض الأمثال "رَوِّ تَحزِم فإذا استوضَحْتَ فاعْزِم"5
وأخبرني الْكَرَّانِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيب قَالَ قَالَ الأصمَعيُّ سمِعتُ أعرابيَّا يقول أَسْعَدُ الحَزَمَةِ مَنْ جمع إلى حَزْمِه عَزْمًا وقال بعض أهل اللغة قولُهم رجل حازِمٌ معناه جامِع لرأيه مُتَثَبِّت في أمرِهِ من قولهم حَزَمتُ المتَاعَ إذا جَمعتَه ويقال حَزُمَ الرَّجلُ وحَزَم قَالَ الشاعر:
وصاحبٍ قد قَالَ لي وما حَزَمْ
وقد جاء الوَجهُ الَّذِي قدَّمناه أولًا مفسرا في الحديث.
__________
1 في أبي داود 2/66: "السلحيني" بالحاء المهملة, وفي التقريب 2/342: يحيى بن إسحاق السليحيني بمهملة ممالة, وقد تصير الفا ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة, ثم تحتانية ساكنة ثم نون, أبو زكريا أو بكر نزيل بغداد صدوق مات سنة عشرين ومائتين.
2 ت: "وأفضت له" ولم يرد الم ثل بهذا اللفظ في كتب الأمثال, وإنما الذي فيها "قد أحزم لو أعزم" أي إن عزمت الرأي فأمضيته فإنا حازم, وإن تركت الصواب وأنا أراه وضيعت العزم لم ينفعني حزمي, والمثل في الميداني 2/104, والمستقصى 2/189.
3 سورة الأحقاف: 35.
4 سورة طه: 115.
5 المستقصى 2/105, وروايته: "تروئ تحزم, فإذا روات فاعزم".

(1/119)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ1 بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَذَاكَرَا الْوِتْرَ عند رسول الله فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَنَامُ عَلَى وِتْرٍ فَإِنِ اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَّاحِ وَقَالَ عُمَرُ لَكِنِّي أَنَامُ عَلَى شَفْعٍ ثُمَّ أُوتِرُ مِنَ السَّحَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ لأَبِي بَكْرٍ: "حَذِرَ هَذَا" وَقَالَ لِعُمَرَ: "قَوِيَ هَذَا" 2
__________
1 م: "محمد بن هاشم الدبري".
2 أخرجه عبد الرزاق 3/14.

(1/120)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَزَالُ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ وُلاتُهُ مَا لَمْ تُحْدِثُوا أَعْمَالا فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقِهِ فَلَحَتُوكُمْ كَمَا يُلْحَتُ الْقَضِيبُ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ ثنا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ نا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ فُلانٍ أَوْ فُلانِ بْنِ الْقَاسِمِ شَكَّ يَعْلَى عَنِ ابْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ2 وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ فَقَالَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ3
قوله: لَحَتُوكم من اللَّحْت يقال لَحَتَ فلان عصاه لَحْتًا إذا قَشَرها ولَحَتَه بالعذْل لَحْتًا مِثْلُه واللَّتْح القشر أيضًا. قَالَ أبو النَّجْم:
يَلْتَحْن وَجْهًا بالحصى ملتوحا4
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/458 و 5/274 بألفاظ متقاربة.
2 في مسنده أحمد 4/118: شُعْبَةُ, عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابت, عن عبيد الله بن القاسم, أو القاسم بن عبيد الله بن عتبة, عن أبي مسعود.
3 في مسند أحمد 5/274: سفيان, عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ, عن القاسم بن الحارثة, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتبة, عن أبي مسعود.
4 اللسان والتاج "لتح", يصف عانة طردها مسحلها وهي تعدو وتثير الحصا في وجهه.

(1/120)


وقد يجوز أن يكون من المقلوب كقولهم جَذَبَ وجَبَذَ وذكر أبو حاتم عن الأصمعي قَالَ كان جَرِيرٌ أَلْتَح أصحابهِ هِجَاءً فأما اللَّحْبُ فهو قَطْعُك الشيء طُولًا ومنه قولهم طِريقٌ لاحِبٌ أي مَسْلُوكٌ مُنْقَادٌ لمن يَسْلكها وقد لَحِبَ جَنْبُ العَجُوز إذا ذَهَبَ لَحمُه وأنشدنا ابن الأعرابيّ أنشدنا ابنُ أبي الدنيا:
[34] / عَجُوزٌ تُرَجِّي أن تَعُودَ فَتِيَّةً ... وقد لُحِبَ الجَنْبان واحْدَوْدَب الظَّهْرُ
تَدُسُّ إلى العَطَّار ِميرةَ أهلِها ... ولن يُصْلِحَ العَطَّارُ ما أفسد الدَّهْرُ1
وفي بعض الروايات من هذا الحديث "فالتَحوكم كَمَا يُلْتَحى القَضِيبُ" 2 والمعنى واحد يقال لَحوتُ العَصَا والْتَحَيْتُها إذا أخذتَ لحاءَها قَالَ المُتَلَمِّس:
لعمرُك إنِّي في نوائبَ تَلْتَحِي ... لِحَاءَ الفَتَى عن عُودِه لصليب3
__________
1 اقتصر اللسان والتاج "لحب" على البيت الأول من غير عزو, وهو في الجمهرة لابن دريد 1/229, وعزي لجران العود, ولم أقف عليه في ديوانه. ط دار الكتب المصرية.
2 تقدم تخريجه.
3 لم أقف عليه في ديوانه.

(1/121)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ صَلَّى مَعَهُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَمَزِّقٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ دَعَا لَهُ بِثَوْبٍ فَقَالَ تُوَدِّعُهُ بِخَلَقِكَ هَذَا" 1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَتُّوثِيُّ نا أَبُو رُوَيْقٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الله بن أنيس
__________
1 في النهاية "ودع" 5/166 بروية: "تودعه" بصيغة الأمر, وجاء فيها أي صنه به, يريد البس هذا الذي دفعت إليك في أوقات الاحتفال والتزين.

(1/121)


التَّودِيعُ أن تجعلَ ثَوْبًا وِقَايَةَ ثَوبٍ آخَرَ يقال ثَوبٌ مِيدَعٌ وهو المُبْتَذَلُ قَالَ ذو الرُّمَّة:
هي الشمسُ إشراقًا إذا ما تزينت ... وشبه النقا مُغْتَرَّةٌ في الموادع1
قَالَ أبو زيد المَبَاذِلُ والمَعَاوِز والمَوَادِع الثِّياب الخُلْقان واحدِتُها مِبْذَلَة ومِعْوَزَة ومِيدَعة.
__________
1 كذا في الديوان /358. وفي هامش م أي أتيتها في حال غرة. وفي اللسان والتاج "ودع" برواية: مفترة".

(1/122)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَمِيرِي مِنَ الْمَلائِكَةِ جِبْرِيلُ"1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قوله: أَمِيري أي وَليِّي وصاحِبي وكل من فَزِعْتَ إلى مُؤَامرته ومُشَاوَرَته فهو أميرك والعَقْلُ أمِير النَّفس لأنها إذا أرادت أَمرًا راجَعَتْه قَالَ الشَّمّاخُ يذكر رجلًا أُعْطِي بقوسٍ له ثمنا فهو يُؤَامر النَّفسَ في إمضاء البيع أو رده:
فَظَلَّ يُناجي نَفْسَه وأَمِيرَها ... أَيأْتِي الَّذِي يُعطَى بِها أم يُجَاوِزُ2
يعني عقلَه وقال زُهَير:
وقال أَمِيري هل تَرَى رَأْيَ ما نَرى ... أَنَخْتِلُهُ عن نَفْسِه أَم نصاوله3
يريد صاحبه.
__________
1 النهاية "أمر" 1/66.
2 ديوانه /189.
3 ديوانه/132.

(1/122)


ومِمّا جاء عَلَى وزنِه وَزِيرٌ ونَديم يقال هُوَ وَزِير المَلِك إذا كان يُؤازِرُه وندِيمه إذا كان يُنادِمه وشَرِيبُه إذا كان يُشارِبُه قَالَ الشاعر:
إنا إذا نازَعَنا شَرِيبُ ... لنا ذَنُوبٌ وله ذنوب1
ونرى والله أغلم أَنه أَرادَ بهذا القول مُخالفَةَ اليَهُود لأنهم كانوا يقولون إنَّ صاحِبَنا مِيكائيل لأنه يأتي بالرّحمة والخير وإن عَدُوَّنا جبريل لأنه يأتي بالبلاءِ والعَذاب فأنزل الله {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ2}
__________
1 اللسان والتاج "ذنب" برواية: "لها ذنوب ولكم ذنوب".
2 سورة البقرة/97.

(1/123)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّنِي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ الْبُرُدَ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الإِسْلامُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [35] /: "إِنِّي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الآنَ فَارْجِعْ"1
يقال خاسَ فلان وَعْدَه إذا أخْلَفَه وخاسَ بالعَهْدِ إذا نَقَضَه وأصله في الطَّعام إذا تَغَيَّر وفسد.
يقال خاسَ الشّيءُ في الوِعَاء إذا تَغَيَّر وفَسَد كالتَّمْرِ والجَوْز وما أشبه ذَلِكَ.
وخاسَتِ الجِيفَةُ إذا بدت تُرْوِحُ وكان قد صالح قريشًا عَلَى أن يَرُدَّ إليهم مَنْ أَتاه منهم.
__________
1 سنن أبي داود 3/82, وأحمد 6/8.

(1/123)


حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ ثنا الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومَ بِنْتَ عُقْبَةَ خَرَجَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهِيَ عَاتِقٌ فَقَبِلَ هِجْرَتَهَا وَأَقْبَلَ أَبُو جَنْدَلٍ يَرْسُفُ فِي الْحَدِيدِ فَرَدَّهُ إِلَى أَبِيهِ1.
الْعَاتِقُ الْجَارِيَةُ حِينَ تُدْرِكُ.
أخبرني أبو عمر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي عن أبي المكارم قَالَ قالت جارِية لأَبيها اشتر لي لوطا أغطي به فُرْعُلِي فإني قد عَتَقْت تُريدُ أَدرَكْتُ.
واللوط الرِّداء والفُرْعُل ها هنا الشَّعُر. ويقال في ردُّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبا جَنْدل إليهم أنه لم يَخَفْ عليه مَعَرَّتَهم لأنه ردَّه إلى أبيه وأهلهِ.
فأما النِّساءُ فقد نَقَض الله الصُّلحَ في ردِّهن إلى الكُفَّارِ فَقَالَ [تعالى] 2: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فلذلك لم يَرُدَّها إلى إخوتها.
- وفيه حُجَّةٌ لمنْ رأى نَسْخَ السنة بالكتاب.
__________
1 الفائق "عتق" 2/381 وجاء فيه: قال ابن الأعرابي: أنما سميت عاتقا لأنها عتقت من الصبا وبلغت أن تزوج, ذكر السيوطي قصة هجرتهما في الدر المنثورة 6/306, وانظر قصة جندل في البداية والنهاية 4/169, 175.
2 من ت وم, والآية في سورة الممتحنة: 10.

(1/124)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ انْطَلَقَ لِلْبَرَازِ فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ إِيتِ هَاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ فقل لهما حتى تجتمعا فاجتمعتا فقضى حاجته" 1
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/122 وأحمد 4/172 من طريق الأعمش عن منهال بن عمرو, عن يعلى بن مرة عن أبيه.

(1/124)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُكْتِبُ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إسماعيل نا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ نا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَكِيمَةَ امْرَأَةِ يَعْلَى عَنْ يَعْلَى.
الأشاء النخل الصغار قَالَ ذو الرُّمَّة:
يَسْتَلُّها جَدولٌ كالسيف مُنْصَلِتٌ ... مثلُ الأَشاءِ تَسامى حوله العُشُبُ1
والواحدة أَشَاءَة قَالَ الشاعر:
كأنَّ هَزِيزَنَا يوم التَقَينَا ... هَزِيزُ أَشاءَةٍ فيها حَرِيقُ
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ جَابِرٌ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بَوَاطٍ قَالَ: "أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَاجَةَ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ به وإذا شجرتان بشاطىء الْوَادِي فَانْطَلَقَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ"2
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا حَمْدَانُ الْوَرَّاقُ نا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ خُرُوجَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بَوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ النَّجْدِيَّ3 بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ وَفِيهِ إِنَّهُ وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ تَقَدَّمَا فَانْطَلَقَا إِلَى الْبِئْرِ فَنَزَعَا فِي الْحَوْضِ سَجْلا أَوْ سَجْلَيْنِ ثُمَّ مَدَرَاهُ ثم نزعا فيه حتى
__________
1 هامش س: "وسط الأشياء". والبيت في الديوان /14 واللسان "صلت" برواية: "بين الأشياء".
2 أخرجه مسلم 4/2306 في حديث طويل طويل. والبيهقي 1/94.
3 كذا في ت وم. وفي س وط وح ومسلم 4/2304: "المجدي بن عمرو الجهني".

(1/125)


أَنْهَقَاهُ1 فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ طَالِعٍ فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ وَشَنَقَ لَهَا فَفَشَجَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَدَلَ بِهَا فَأَنَاخَهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ [36] / وَقَالَ يَا جَابِرُ انْطَلِقْ إِلَيْهِمَا فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فَانْذَلَقَ لِي فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا2" فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
الْبَعِيرُ الْمَخْشُوشُ هُوَ الَّذِي يُقَادُ بِخِشَاشِهِ وَهُوَ مَا يُجعَلُ فِي أَنْفِهِ مِنَ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْرٍ قِيلَ لَهُ خِزَامَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حَدِيدٍ قِيلَ لَهُ بُرَةٌ وَمَدْرُ الْحَوْضِ أَنْ يُطْلَى بِالْمَدَرِ لِئَلا يَتَسَرَّبَ3 الْمَاءُ مِنْ خَصَاصِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْهَقَاهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَفْهَقَاهُ أَيْ مَلآهُ وهو قَولُ الشَّاعر:
كجابِيَةِ الشَّيخ العِراقِيِّ تفْهَق4
ويروي السَّيْح العِراقِيُّ وهو الماء السَّائح أي الجاري
وَمِنْ هَذَا قوله: "إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ" 5 يريد المُسْهبين في القول المُكثِرِينَ له.
وقوله: شنَق لها أي عَاجَها بالزِّمام والمَشْنُوق الفرسُ الطّويل الرأْس الطامِحُ إلى فوق ومثله الشِّنَاقُ وأنشدني بعضُ أصحابِنا قَالَ أنشدنا ابن دريد:
__________
1 كذا في جميع النسخ, وفي هامش س: "أفهقاه".
2 أخرجه مسلم 4/2301-2308, والبيهقي ينحوه في السنن 194.
3 ت: "ينسرب".
4 اللسان "فهق" وصدوره:"تروح على آل المحلق جفنة" وعزى للأعسى. وهو في الديوان /121 وصدره فيه: نفي الدم عن آل المحلق جفنة".
5 ابن الأثير "فهق" والفائق "وطأ" 4/68.

(1/126)


جَميل المُحَيّا بَخْتَرِيٌّ إذا مَشَى ... وفي الدِّرْع ضَخْمُ المنكبَيْن شِنَاقُ1
وقوله: فَفَشَجَت أي تَفاجَّت وَفَرّجَت ما بَيْن رِجلَيْها لِتَبُول.
وقوله: حَسَرْتُه أي كَشَطْتُ ما عليه من لِحائه.
وقوله: فانْذلَق أي صار له حَدُّ يُقْطع به وذلق كل شيء حده وأذلقت الشَّيء إذا حددتَه ومنه قولُهم ذَلُق لِسانُه ذَلاقةً إذا فَصُح وذرب [ولسان طلق ذلق] 2
__________
1 اللسان "بختر", وأورد حديث الحجاج لما أدخل عليه يزيد بن المهلب أسير, فقال الحجاج الشطر الأول, فقال يزيد الشطر الثاني.
2 من ت وم. وفي القاموس "طلق": ولسان طلق ذلق ككتف" وطلق ذلق بضمتين. وطليق ذليق. وكضرد: ذو حدة.

(1/127)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى فِي الضَّحَايَا عَنِ الْمُصَفَّرَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيِّعَةِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ نا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ ذُو مِصْرَ2 عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ
قَوْلُهُ: الْمُصَفَّرَةُ تَفسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْمُسْتَأْصَلَةُ الأُذُنِ وأُراها سُمِّيت مُصَفرة لأن صِماخَيْها قد صَفِرا من الأُذُنين أي خَلَوا يقال صَفر الوِعاءُ إذا خَلا والعرب تقول نعوذُ بالله من صَفَرِ الإناء3 وقَرَع الفِناء وقد تكون المُصَفَّرة الهَزِيلَة التي خَلَتْ من السِّمَن
قَالَ والمُشَيِّعَةُ التي لا تزال تَتبع الغَنَم عَجَفًا يريد أنها لا تَلْحق الغَنَمَ فهي أبدًا تُشَيِّعُها أي تكون من وراء القَطِيع والبَخْقَاءُ التي بُخِقَت عينها.
__________
1 سنن أبي داود 3/97, أحمد 4/185.
2 تهذيب التهذيب 11/375: يزيد ذو مصر المقرئي حمصي, كان من وجوه أهل الشام.
3 ح: "صفرة الأناء".

(1/127)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ لا يُصَبِّي رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ وَلا يُقْنِعُهُ"1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ أُرَاهُ ذَكَرَ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَهُ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ يقال صَبَّى رأسَه تَصْبيَةً2 إذا خفضه جدًا وزعم بعضهم أنه مأخوذ من قولهم صَبَا الرجلُ إلى الجاريَة إذا مال إليها وقال آخر بل هو يصبىء مَهموزٌ من قولهم صَبأ الرجلُ عن دين قَومِه [أي خرج] 3 فهو صابىء وعلى هذا تأوَّلَ قولَه عليه السلام حينَ ذكر الفِتَن فَقَالَ "لتَعودُنَّ فيها [37] / أَساوِدَ صُبًّا" 4 وإنما هُوَ صُبَّاء مثالُ فُعَّال جمع صابىء وقال أبو سعيد الضَّرِيرُ بل هُوَ صُبَّى جمع صَابٍ كقولِك غاز وغزى وأنشد:
لا أَشْتِم العُفَّى ولا يُجْدِبُونَنِي ... إذا هرّ دُونَ اللَّحْم والفَرْثِ جَازِرُ
[العُفَّى] 3: جمع العَافِي.
وقوله: ولا يُقْنِعه أي لا يرفع رأْسَه
يقال أَقنعَ رأسَه إذا صَوَّبَه وأقنعه إذا رفعه.
__________
1 أخرجه الترمذي 2/106 وأبو داود 1/194, وأحمد 5/424 بنحوه.
2 كذا في ت وم وط. وفي س: "يصبيه".
3 من ت وم.
4 أخرجه أحمد في مسنده 3/477 عن كرز بن علقمة.

(1/128)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله عليه وسلمأنه قَالَ: "مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَةً حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا عقبة المحدر عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ كَاعَةٌ جَمْعُ كَائِعٍ وَهُوَ الجَبَانُ كما يقال بَائِع وبَاعة وقائِد وقَادةٌ يريد أنه كان يحوط رسول الله ويَذُبُّ عَنْه فكانت قُريْش تَكِيع وتَجْبُن عن أذاه يقال كَعَّ الرجلُ عن الأَمر إذا جَبُن وانْقَبَض يَكِعُّ وكَاعَ يَكِيعُ قَالَ الفراءُ كعَعْتُ عن الشَّيء وكَيِئْتُ2 وأَزَأْتُ بمعنى واحدٍ
قَالَ الأصمَعِيّ: أَزِيَ يأْزَى أُزِيًّا غير مهموز إذا انْقَبَضَ وَدَنَا بعضهُ من بَعْضٍ وأنشدني بعضُ أهل اللغة:
هذا زَمانٌ مُوَلٍّ خَيُره آزي ... صارت رؤوس به أَذنَاب أعْجاز3
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ قَالَ: "نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النار فأخرجته إلى ضحضاح4"
__________
1 النهاية "كيع" 4/218, أخرجه ابن معين في تاريخه 1/24, رقم النص 174.
2 كذا في م. وفي ت وس وط: وكبنت. وفي القاموس"كيأ" كاء: جبن.
3 البيت الأول في اللسان "أزا" برواية: "هذا الزمان...." وعزى لعمارة.
4 أخرجه الحميدي 1/219 ومسلم 1/195 وغيرهما.

(1/129)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلاءِ الزبيدي من كتابه
__________
1 سنن أبي داود 2/299.

(1/129)


نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ [ثنا] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
قَولُه: صُومُوا الشهرَ أي مُسْتَهَلَّ الشَّهْر والعرب تُسَمِّي الهِلالَ شَهْرًا قَالَ الشاعر أنشده الفَقْعَسِيّ:
ابدَأْنَ من نَجدٍ عَلَى ثِقَةٍ ... والشَّهرُ مِثلُ قُلامَة الظُّفْرِ
[يريد الهلال] 1
وكان أبو زيادٍ الأعرابيّ إذا رأى الهلال أخذ عودا فحدد طَرَفَه وأشارَ به إليه وقال عُود عَدَّى عَنَّا شَرُّكَ أَيُّها الشَّهر2.
ومن دُعاءِ العَرَب إذا رَأَوْا الهِلالَ لا مَرْحَبًا بحُجَيْن مُحِلّ الدَّيْن ومُقَرِّب الحَيْنِ.
وفي سِرِّ الشَّهر أقوالٌ أحدُها أَنَّ سِرَّه أَوَّلُه هَكَذا رَوَى أبو داود عن الأوزاعيّ قَالَ: "سِرُّه أَوَّلُه3".
حدّثنِيه ابنُ داسةَ عَنْه نا سليمان بن عَبْد الرحمن الدِمَشْقِيّ عن الوليد عن الأوزاعِيّ وأَنَا أُنكِر هذا التفْسِير وأَراهُ غَلطًا في النَّقْلِ ولا أعرِف له وَجْهًا في اللُّغَة والذي يعرفُه النَّاسُ أن سِرَّهُ آخِرهُ وفيه ثَلاثُ لُغاتٍ يقال سِرُّ الشهر وسرر الشهر وسَرَارُه وسُمِّي آخر الشهر سِرًّا لاسْتسْرارِ القمر فيه.
وقد روى محمودُ بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعيّ أنه قَالَ
__________
1 من ت وم وط وح.
2 ط: "عَدَّى عَنَّا شَرُّكَ أَيُّها الشَّهر" ببناء عدي للمجهول.
3 سنن أبي داود 2/299.

(1/130)


في هذا الحديث سِرُّه آخرُه هكذا [38] / حدَّثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل نا محمود بن خالد.
وهذا هُوَ الصَّحِيح من الرِّواية المساوق لمذهب اللغة1.
وفيه وجه ثالث وهو أنَّ سرَّه وسَطُه وسِرُّ كل شيء جَوفُه يقال قناة سَرَّاءُ أي جوفاء والزَّند إذا كان أجوف قيل زَنْد أَسَرُّ ويقال سُرَّ زَنْدُك وهو أن يُجْعل في جوفه عُودٌ ليُقْدَحَ2 به ذكره يعقوب بن السِّكَيت.
وأخبرنا أبو رجاء الغَنَوِيّ حدثني أبي ثنا عبّاد بن الحسن3 حدثني محمد بن عُجْرة سمعت أبي يقول لرجل انْحر البَعِير فلتجدنَّه ذا سِرٍّ أي ذا مُخٍّ ويقال فلان سِرُّ قومه أي أوسطهم حَسَبًا وقال ذو الإصبع:
وهُمْ مَن وَلَدوا أَشْبوْا ... بسرِّ النَّسبِ المْحضِ4
ويقال فلان في سرارَةِ قَومِه أي في منصب منهم وإذا غَرسْتَ فاغْرِسْ في سَرارة الوادي أي وسطه قَالَ حَسَّان:
أو في السَّرارة من تَيْمٍ رَضيتُ به ... أو من بني عامر الخضر الجلاعيدِ5
[جمع الجلعاد وهو الضخم] 6
__________
1 ت: "لأهل اللغة".
2 م, ح: "ليقتدح".
3 ح: "عبادة بن الحسين".
4 هامش م: أشبوا أي أنجبوا, والبيت في اللسان "شبا" بروية: إن ولدوا أشبوا ... بسر الحسب المحض" وفي مقاييس اللغة "سرر, شبا" وعزى لذي الإصبع العدواني.
5 الديوان /345, والأغاني 7/54 ط دار الكتب, والاستعاب 1/293, والكامل / 141, برويات مختلفة.
6 من م.

(1/131)


ومعنى الخبر على هذا الوجه الحثُّ عَلَى صيام أَيَّام البِيضِ إذْ هي وَسط الشَّهر.
وأما حديثه الآخر "أنه قَالَ لرجل: " هل صُمتَ من سَرَرِ شَعْبان شيئًا؟ " فَقَالَ لا قَالَ: "فإذا أفطرت" يعني مِنْ رمضان "فَصُم يَوْمَين" 1
فقد كان بعضُ أهلِ العلم يقول في هذا أَنَّ سؤاله سؤال زَجْر وإنكار لأنه قد نهى أن يُسْتَقْبَل الشهرُ بيوم أو يومين قَالَ ويُشبِه أن يكون هذا الرجلُ قد كان أوْجَبَهما عَلَى نفسه فاستحَب له الوفاءَ بهما وأن يَجْعَل قضاءهما في شوال.
__________
1 أخرجه مسلم 2/820, والبخاري 3/298, والدارمي 2/18 وغيرهم.

(1/132)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يُشَدُّ الْغُرُضُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" 1
يَرْوِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
هَكَذَا حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَجَّاجٍ.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ "لا تُشَدُّ الْعُرَى" الغَرْضُ الْبطَانُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى بَطْنِ البعير إذا رحل.
__________
1 لم أجده بلفظ "الغرض" وأخرجه البخاري 2/77 ومسلم 2/976, والترمذي 2/148, وأحمد 3/7, 34, 45, 51, 53, 64, 71, 77, 93 وغيرهم بلفظ: "لا تشد الرحال, أو لا يعمل المطي" من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

(1/132)


قَالَ الأصمعي: فيه لغتان الغُرْضَةُ والغَرْض والمَغْرِضُ من البعير الموضع الَّذِي ينالُه الحَبلُ قَالَ أبو داود الإياديُّ:
وشِمِلَّةٍ تَمسي مرافِقُها ... عنها إذا ضَمَرت قُوى الغَرْضِ
تمسْي: تَجُرّ وتَجْذِبُ يقال مَسَيْتُ ومَسَوْتُ وقال أوسُ بن حَجَرٍ:
كأنَّ هِرًّا جنبيًا تحت غُرْضَتها ... والتَفّ دِيكٌ برجليها وخنزيرُ1
وهذا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِدَ" يُريد أنَّ الظَّعنَ والشُّخوصَ إلى غير هذه المساجد لا يَلْزَمُ أحدًا وهذا في النَّذْرِ يَنْذُره الإنسان والصلاةِ يوجِبُها عَلَى نفسه فيها فأما إذا نَذَر صلاةً في غيرها من المساجدِ فله الخيارُ في الوفاء بها2 أو يصلِّيها في أي مسجد شاء
وَنَرَى - والله أعلم - أنه خَصَّ هذه المساجد بذلك لأنها مساجدُ الأَنبياء وقد أُمرنا بالاقْتداءِ بهم قَالَ الله تعالى: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 3
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ [أَبُو عَلِيٍّ] 4 الصَّفَّارُ نا سَعْدَانُ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ [39] / قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلا؟ "قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى" قَالَ قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ "أَرْبَعُونَ سَنَةً" قَالَ "فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مسجد" 5
__________
1 الديوان /42.
2 س وط: "في الوفاء به".
3 سورة الأنعام: 90.
4 من ت وم وح.
5 أخرجه مسلم 1/370 وأحمد 5/150, 156, 157, 160.

(1/133)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ أَتَاهُ فَقَالَ أَيُّ السَّاعَاتِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ" ثُمَّ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ يَدَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ يَدَيْكَ وَأَنَامِلِكَ مَعَ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ وَمَضْمَضْتَ وَاسْتَنْشَيْتَ وَاسْتَنْثَرْتَ خَرَجَتْ خَطَايَا وَجْهِكَ وَفِيكَ وَخَيَاشِيمِكَ مَعَ الْمَاءِ"1 [وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "وَاسْتَنْشَرْتَ"] 2
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجُرْجَانِيُّ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ3 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ.
قوله: أَي السّاعات أَسمعُ؟ يريد أيها أوقع للسَّمْع والمعنى أيها أَوْلَى بالدُّعاء وأرْجى للاستجابة وهذا كقولِ ضمادٍ الأزدي حين عرَض عليه رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الإسلام قَالَ فسمعتُ كلامًا لم أسمع قولا قَطّ أسمع منه يريد أبلغَ منه ولا أنْجَع في القلْب.
وجوفُ الليل الآخِر إنما هُوَ الجُزء الخامس من أَسْدَاسِ الليل وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى "إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَبْقَى الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى! هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُغْفَرُ لَهُ؟ "
وقوله: استَنْشَيت يريد الاسِتِنْشاق وأصله من قولك نَشِيتُ الرائحةَ إذا شممْتها قَالَ الهُذَليّ:
ونَشِيتُ رِيحَ الموتِ من تِلقائكم ... وَخَشِيتُ وقعَ مُهَنَّدِ قرضاب4
__________
1 لم نجده بهذا السياق وأخرجه أحمد 4/112, 114. 385, والبيهقي 1/81, 2/454, 3/4 مفرقا, وأخرجه أيضا أبو داود 2/25, والترمذي 5/570 بنحوه.
2 من ت وم.
3 م: "عباس". وفي التقريب 1/73: إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي, أبو عتبة الحمصي ت: 182هـ
4 اللسان "نشي", وعزى لأبي خراش الهذليين 3/1240== برواية:
فنشيت ريح الموت من تلقائهم ... وكرهت كل مهند قضاب

(1/134)


ويقال شَمِمتُ نَشْوةَ رَيحانٍ أي رائحته الطيّبة والنَّشوةُ من السّكْر أيضًا قَالَ الأصمعي سُئل أَعرابيٌّ عن أمير فَقَالَ يُطيل النِّشوة ويوطىء العِشْوَةَ ويَقْبَلُ الرِّشوة".
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [بْنِ شَابُورَةَ] 1 ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لأَبِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَكَانَ أَبُو الْحَارِثِ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ أَلا تَذْهَبُ بِنَا إِلَى الحَرَّةِ نَتَخَمَّرُ الرِّيحَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَارِثِ إِنَّمَا يَتَخَمَّرُ الْحَمِيرُ قَالَ فَنَسْتَنْشِي قَالَ إِنَّمَا تَسْتَنْشِي الْكِلابُ قَالَ فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ نَتَنَسَّمُ الرِّيحَ فَقَالَ لَهُ نَافِعٌ مَهْ مَهْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ أَلْصَقَتْكَ وَاللَّهِ عَبْدُ مَنَافٍ بِالدَّكَادِكِ ذَهَبَتْ عَلَيْهِمْ2 بَنُو هَاشِمٍ بِالنُّبُوَّةِ وَأُمَيَّةُ بِالْخِلافَةِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ لِنَافِعٍ يَا نَافِعُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا فَقَالَ نَافِعٌ مَا أَصْنَعُ بِمَنْ صَحَّ نَسَبُهُ وَمَذَقَ3 لِسَانُهُ.
وقوله: استنشرتُ إن كان محفوظًا فمعناه الاستنشار مأخوذٌ من انتشار الماء وقيل للحَسَن في الوضوء يُصيب الثّوبَ فَقَالَ وَيْلَك وهل يُمْلَك نَشَرُ الإناء أي ما يَنْتَضِح من مائِه ونُشْرَةُ المصاب مأخوذة من هذا وفَرق ما بين الاستنشار والاستنثار كفرق ما بين الاستنشاق والاستنثار وذلك أن الاستنشاق إنما هُوَ إدخال الماء إلى الأنف وإبلاغه الخيَاشيم من قولك نَشِق رائحة [40] / طيبٍ فتَنَشَّقها قال الشاعر:
__________
1 ليست في ت. وفي م: "شابور", والمثبت من س وح.
2 س:"عليكم".
3 الأساس "مذاق":مذاق لسانه: كذب

(1/135)


إذا ما أتاه الركب من نحوِ أرضِها ... تَنَشَّق يَسْتَشْفي برائحةِ الرّكْبِ
والاستِنْثار أن يَمْري الأنفَ يستَخْرج ما قد تنشقه من الماء وزعم بعضهُم أن الاستنثار مأخوذ من النَّثْرة وهي الأنْف فإذا قيل استَنْثِر كان معناه أدخل الماءَ نَثْرَتَه ويقال إن الاسِتنْشار مأخوذ من النَّشْر وهو الريح.

(1/136)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ وَأَمِيرُهُمُ1 الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَاهُمُ انْتَحَى لَهُ عَامِرُ بْنُ طُفَيْلٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَتَلَ الْمُنْذِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "أَعْنَقَ لِيَمُوتَ" قَالَ: وَتَخَلَّفَ مِنْهُمْ ثَلاثَةٌ فَهُمْ يَتْبَعُونَ السَّرِيَّةَ فَإِذَا الطَّيْرُ ترميهم بالعلف قَالُوا: قُتِلَ وَاللَّهِ أَصْحَابُنَا إِنَّا لَنَعْرِفُ مَا كَانُوا لِيَقْتُلُوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيْمٍ وَهُمُ النَّدِيُّ ... فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ2
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَوْلُهُ: انْتَحى لَهُ: أَيْ عَرَض لَهُ ومثله تَنَحَّى له.
قَالَ ذو الرُّمَّة [يصف ناقة:] 3
نهوضٌ بأُخْراها إذا ما انْتحَى لها ... من الأرض نَهاضُ الحَزَابيّ أغبر4
وقال أيضا:
__________
1 ت: "وأمرهم".
2 أخرجه البخاري بسياق آخر, انظر 5/134, 135. وابن هشام 3/103.
3 من ت
4 الديوان /228 برواية: إذا ما انبرى لها. والحزاني: ما غلظ من الأرض.

(1/136)


تَنَحَّى له عَمْروٌ فَشَكَّ ضلُوعَه ... بنافذةٍ نجلاءِ والخيلُ تَضْبِرُ1
وقوله: "أَعْنَقَ ليموت" 2 مثل يريد أن المَنِيَّةَ ساقته إلى مَصْرَعه والعَنَقُ ضرب من السَّير والعلَق الدَّمُ الجامَد قبل أن ييبْسَ والنَدى القوم المجتمعون ومثله النَّادي ويقال تَنَادَى القومُ إذا اجتمعوا في النادي وهو المجلس وناديتُ الرَّجُلَ إذا جالسته قَالَ الشاعر:
أَلا مَنْ مُبِلغُ الحجّاجِ أَنِّي ... أُنادِي القَومَ من أهلِ العراق
يريد أجالِسُهم في ناديهم وسمِّيت دارُ الندوة لأنهم كانوا يَنْدُون3 إليها إذا حَزَبهم أمرٌ فيتشاورون قَالَ الفَرَّاء العرب تَقولُ النّادي يشهدون عليك يَجعلَوُن النَّادِيَ والمَجلِسَ والمَشْهَدَ قَوْمَ الرّجل وأنشدّ:
لهم مَجلسٌ صُهْبُ السِّبالِ أَذِلَّةٌ ... سَواسِيَةٌ أَحرارُها وعَبِيدُها
وقال المُهَلْهل يرثي أخاه كُلَيْبًا:
ذهب الخِيَارُ من المعاشِرِ كُلِّهم ... واستَبَّ بعدَك يا كُلَيْب المَجْلِسُ4
وكان كُلَيب لِعِزِّهِ لا يُرفَع بَحَضْرتِه صَوتٌ ولا تُسْمَع في ناديه كلمةُ خَنى.
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ طَعَامًا فَدَعَاهُ وَدَعَا حَوَارِيَّهُ فأكلوا حتى شبعوا
__________
1 الديوان /231. وتضر: تثب
2 لم أقف عليه في كتب الأمثال.
3 يندون: يجتمعون
4 شعراء النصرانية 2/179 برواية "نبئت أن النار بعدك أوقدت" بدل الشطر الأول.

(1/137)


وَإِنَّ مَجْلِسَ بَنِي عَوْفٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ"1 يُرِيدُ جَمَاعَتَهُمْ [41] / ويقال حضر القاضي مَجْلِسَ بَنِي فُلان أي جماعتهم وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي يَصِفُ النُّوقَ:
فأَقْبَلْن إربابًا وأعرضْنَ هَيْبَةً ... صُدُودُ العَذارَى قابَلَتْها المجالِسُ
قَالَ: قلت لابن الأعرابيّ لِمَ يُعرِضْن ومن شَأْنِهِنَّ المُلاقَاة فَقَالَ لأنه أَعنِي الفَحْل إذا رآهن عذمهن أي عضهن.
__________
1 أخرجه الدارمي 1/22-24. في حديث طويل. وهو في الصحيحين بسياق آخر.

(1/138)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمْرَضُ مَرَضًا حَتَّى يُحْرِضَهُ إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ"1
[رَوَاهُ] 2 يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أبيه قوله: يحرضه معناه يدنفه والحَرِضُ الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى الْهَلاكِ
قَالَ الله تعالى: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ} 3 ومنه قيل للرَّجُل السَّاقط حارِضٌ قَالَ الأصمعي يقال رجل حارِضَةٌ وهو الأحمقُ وقال أبو عمرو حارِضٌ بلا هاء وقال العَرْجِيُّ:
إنّي امرؤٌ لجَّ بي حُبٌّ فأَحرضَنِي ... حتى بَلِيتُ وحتّى شَفَّنِي السَّقَمُ4
وقال امرؤ القيس:
أَرَى المَرءَ ذَا الأَذْوادِ يُصبِح مُحرَضًا ... كإحراضِ بَكْرٍ في الدِّيار مَرِيضِ5
__________
1 أخرجه أحمد 3/346, 386 منحديث جابر بنحوه دون كلمة "يحرصه".
2 من ت
3 سورة يوسف:85.
4 اللسان والتاج "حرض".
5 الديوان /77. وفي الشرح: يصبح محرضا: أي يصير المرء إلى الكبر والضعف بعد أن كان صاحب أذواد ومال.

(1/138)


ويقال: إن الحَرِضَ هُوَ الَّذِي لا يَتَّخِذ سِلاحًا ولا يُقاتل قَالَ الطِّرماح:
مَنْ يَرُمْ جمعَهم يجدهم مراجيـ ... ـح حُماةً لا العُزَّل الأَحْراض1
[أي ليسوا بالعُزَّل الأحراض] 2
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَمْرَضُ مُؤْمِنٌ إِلا حُطَّ هُدْبَةٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ" 3
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا قُتَيْبَةُ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِالْهُدْبَةِ القِطعة والطائِفَةَ مِنْهَا يُقَالُ: هدبتُ الشيءَ إِذَا قَطَعتَه وَمِنْهُ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ: "هاجَرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنيا لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أينَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا"4 وأرى هدبة الثوب من هذا أخذت.
__________
1 كذا في س, ط, ح. وفي الديوان /277 والصحاح واللسان "حرض" برواية: مراجيح حماة للعزل الأحراض"
2 من ت
3 أخرجه أحمد 3/346 من طريق ابن لهيعة بدون لفظ "هدبة"
4 أخرجه البخاري في كتاب الجنائز 2/98 وغيره. ومسلم 2/649 والنسائي 4/38 وغيرهم.

(1/139)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنْكَافُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ نا عُبَيْدُ
__________
1 الفائق "نكف" 4/23.

(1/139)


اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
قَوْلُهُ: إِنْكَافُ اللَّهِ مَعْنَاهُ التَّنْزِيهُ وَالتَّبْرِئَةُ لَهُ مِمَّا يُسْتَنْكَفُ مِنْهُ وحكى ابن السّكّيت عن أبي عَمْرو قَالَ نَكِفْتُ من الأمر نَكَفًا إذا استَنْكَفْتَ منه فإذا قلتَ في اللازم نَكفَ قيل في المتعدي أَنكَفَه أَي نَزَّهه عما يُسْتَنكَف منه ويقال تَنكَّفْتُ عن فلان بمعنى تَنَزَّهت قَالَ حاتمٌ الطائيُّ:
وذلك أَنَّي لا أعادي سَرَاتَهمُ ... ولا عن أَخي ضَرّائهم أتنكَّفُ1
[وقال الزجاج استنكف الرجلُ أي أنف أصلهُ مأخوذ من نكفتُ الدمعَ إذا نحيَّتَه بإصبعك عن خَدِّك] 2
وقولك سبحان الله معناه سَبَّحتُ اللهَ ونزَّهتُه عن كل عيْب فنُصِب عَلَى مذهب المصدر
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [42] / يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ"3
قوله يتأول القرآن يريد قوله عَزَّ وجَلَّ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} 4
وأخبرني الحسن بن خَلاد قَالَ سَأَلتُ الزَّجَّاجَ عن قَولِهم سبحانك اللهم
__________
1 الديوان /75.
2 من ت.
3 سنن أبي داود 1/233: "وسجود" بعد ركوعه.
4 سورة النصر:3

(1/140)


وبحمدك والعِلَّة في ظهور الواو فَقَالَ سألتُ أبا العباس محمد بن يزيد عما سألتني عنه فَقَالَ سألت أبا عثمان المازني عما سألتني عنه فَقَالَ المعنى سبّحتُك اللهُمَّ بجمِيع آلائِك وبحَمْدك سبَّحتُك قَالَ ومعنى سُبْحانَك سَبَّحتك.

(1/141)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا فِي وَجْهِهِ مُزْعَةٌ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ نا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ نا وُهَيْبٌ عَنِ النُّعْمَانِ2 بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أخبرني أبو عمر عن ثَعْلب قَالَ المُزْعَةُ النُّتْفَةُ من اللحم قال غيره يقال ما له جُزْعَة ولا مُزْعة فالجُزْعة ما بَقِيَ في الإناء والمُزْعَةُ القِطعَةُ من الشَّحم وأصله من قولك مَزعْتُ اللحمَ والشيءَ إذا قطعته. قَالَ مُتَمِّمُ بن نُوَيْرة:
بِمَثْنى الأَيادي ثُمَّ لم يُلْفِ مالِكًا ... عَلَى الفَرْثِ يحمي اللحمَ أن يتَمَزّعا3
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "أَنَّ رَجُلًا غَضِبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ أَنْفُهُ كَأَنَّهُ يَتَمَزَّعُ": أَيْ يَتَقَطَّعُ وَيَتَشَقَّقُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد فِي كِتَابِهِ ثُمَّ قال: يتمزع4
__________
1 ح: "مزعة لحم" أخرجه البخاري 2/153 والنسائي 94:5 وأحمد 15:2, 88
2 ح:"المعمر بن راشد". وفي التقريب 2/304: "النعمان بن راشد الجزري, أبو إسحاق الرقي, مولى بني أمية, صدوق سيء الحفظ, توفي بعد المائة" – وهو الذي روى عن عبد الله بن مسرلم, وروى عنه وهيب بن خالد
3 الجمهرة لابن دريد 3/8 برواية: "قاعدا" بدل "ماكا" والفضليات /267 برواية: "وإن شهد الأيسار لم يلف مالك".
4 غريب أبي عبيد 3/184

(1/141)


ليس بشيء إنما يترمع إي يَرْتَعِدُ ولَسْتُ أَدرِي لِمَ أنكرَ الصَّوابَ واختار غيرَه وإنما هُوَ يتَمَّزع كذلك رواه الأثبات.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ أَنْفَهُ يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ مِنَ الْغَضَبِ" فَقَالَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" 1
ومعنى الحديث الأَوَّل أنه يَأتي الله يومَ القيامة ذليلًا ساقِطَ القدر لا وَجْهَ له عند الله.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "فَيَلْقَى الله وما في وجهه لُحادَةٌ من لحم": أي قطعة من لحم وفي رواية أخرى "ووجهه عَظْم كُلُّه"
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَرْزَةَ نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي نا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ حَتَّى يُخْلَقَ وَجْهَهُ فَيَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ" 2
وهذا في الرجل يسأل عن غير حاجة إنما يقصد الاستكثار من المال ويريد الاستِئْثارَ به عَلَى الناس
فأمّا مَنْ سأل لِفاقَةٍ نزلت به أو جائحة أصابته فالمسألة مُبَاحَةٌ له إلى أن يستغني.
__________
1 سنن أبي داود 4/248 وأحمد 5/240.
2 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/96, وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير, وفيه محمد بن أبي ليلى, وفيه.

(1/142)


وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَخْبَارٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: "لا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ غُرْمٍ [43] / مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ" 1
فالفقر المُدقع هُوَ الفَقْر الشديد المُفْضِي به إلى الدَّقْعاءِ وهو التُّراب والدَّمُ الموجِع أن يتحمَّل الرجلُ الدِّيَةَ فيَسْعى فيها حتى يُؤَدِّيها إلى أولياء المقتول وبيان هذا في حديث قَبِيصَة بن مُخارق الهلالّي.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا هَارُونَ بْنُ رِئَابٍ قَالَ سَمِعْتُ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ يُحَدِّثُ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: "تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ "نُؤَدِّيهَا أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْكَ إِذَا قَدِمَتْ نَعَمُ الصَّدَقَةِ" ثُمَّ قَالَ "إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلا فِي ثَلاثٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثلاثة منذوي الْحِجَى أَنَّ بِهِ فَاقَةً وَحَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ [أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ] 2 وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُحْتٌ"3
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا فَقَالَ: "نَعَمْ يَسْأَلُ فِي الْفَتْقِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرَبَ أمسك" 4
__________
1 أخرجه أبو داود 2/121, والترمذي 2/34 وابن ماجه 2/741 وغيرهم.
2 من س, م, ط, وليست في ت.
3 أخرجه مسلم 2/722, وأبو داود 2/120, والنسائي 5/97 وغيرهم.
4 أخرجه أحمد 5/503, وعبد الرزاق 11/93 بلفظ الفتن بدل الفتق.

(1/143)


يريد بالفَتْق التَّشاجُرَ والاختلافَ بسبب الدّماء [وأصل الفتق الشَّقّ يريد شَقّ العصا وتفرّق الكلمة بعد اجتماعها] 1
فَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ نا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ نا شُعْبَةُ وَأَبُو عُوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ "الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا" 2 فَإِنَّ هَذَا فِي سُؤَالِ الْمَرْءِ حَقَّهَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يضع هذا الحديث موضعه ويرى أنه رُخْصة في تناول ما تَحْوِيه أيدي بَعضِ السلاطين من غَصْب أموال المسلمين ونعوذ بالله من الجهل.
__________
1 من ت وم.
2 أخرجه أبو داود 2/119 والنسائي 5/100 والترمذي 3/56.

(1/144)


[1وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فَأَشْرَفُوا عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَةٍ"2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ عن ربيعة ابن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْهُدَيْرِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
المَحْنِيَةُ مُنْحَنَى الوادي ومنعرجه حيث ينعطف قاله الأصمعي وغيرُه قَالَ الشاعر:
وَمَحْنِيَةٍ كسواد البجا ... د قد خُضْتُ بالليل عُقَّارَها
ومنه حِنْو الوَادِي وكُلُّ شيءٍ فيه اعْوِجاجٌ فهو حِنْوٌ والجمع الأَحْنَاء.
__________
1 سقط من نسخة ح من هنا نحو أربع صفحات من حجم الفولسكاب
2 أخرجه أبو داود 2/218 وأحمد 1/161 بلفظ: "خرجنا مع رسولا لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد فبور الشهداء حتى إذا أشرف على حرة واقم ... ".

(1/144)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَتْ نُبُوَّةَ رَحْمَةٍ ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةَ رَحْمَةٍ ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا يُمَلِّكُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ تَكُونُ بَزْبَزِيًّا قَطْعَ سَبِيلٍ وَسَفْكَ دِمَاءٍ وَأَخْذَ أَمْوَالٍ بِغَيْرِ حَقِّهَا" 1
يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ نا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ بِشْرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَذْكُرُ عن عمير بن هانىء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.
قَوْلُهُ: بَزْبَزِيًّا هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا الْمُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ فإن كان محفوظًا فهو من البَزْبَزة وهو الإسراع في السير والاستعجالُ فيه يُريد بذلك عَسْفَ الوُلاةِ وإِسراعَهم إلى الظلم قال الشاع:
وساقَها ثَمَّ سِيَاقًا بَزْبَزَا
وقال أبو عمرو الشيباني يقال رجل بزبز وبزابز أي شديد وقال بعضهم إنما هُوَ بِزِّيزَى عَلَى وَزْن فِعِّيلَى من قولهم: "من عز بز"2 أي غَلَب سَلَب.
وممَّا جاء عَلَى وزنه [من المصادر3] الخِلِّيفَى والرِّمِّيَّا ونظائرها.
__________
1 انظر مجمع الزوائد 5/189.
2 اللسان "بزز", المستقصي 2/357, مجمع الأمثال 2/307,جمهرة الأمثال 2/288, الفاخر /89 أمثال الضبي /53.
3 من م

(1/145)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام: أنه كان يمسح الماقيين1.
__________
1 أخرجه أبو داود 2/33 وابن ماجة 1/152 أحمد 5/267.

(1/145)


حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
الماقِيان: تثنية ماقٍ وهو طرف العين الَّذِي يلي الأنف وهو مَخرَج الدَّمْع فأما الطَّرَف الآخر فهو اللِّحاظ قَالَ الأصمعي: فيه لغات هُوَ المُؤْق ويجمع عَلَى آماق وبعض العرب يقول مأْقٌ كما ترى مهموز مرفوع آخره ويجمع أيضًا كالأَوّل قَالَ وبعض العرب تقول مُؤْقٍ كما ترى مهموزٌ مخفوضٌ ويجمع عَلَى مآقٍ1
قَالَ وبعض العرب يقول مَاقٍ غير مهموز والجمع مواقٍ مثل قاضٍ والجمع قَواضٍ وبهذه اللغة جاء الخبر قال أبو حية النُّمَيْرِيّ:
لَعيناكَ يوم البَيْن أسرعُ واكفا ... من الفنن الممطور وهو مروح
إذا قلت يفني ماؤها اليوم أصبحت ... غَدًا وهي رَيّا الماقِيَيْنِ نَضُوحُ2
وقال كُثَيِّر:
كأنه حين مار الماقيان به ... دُرُّ تَسَلْسَل من أسلاكه نسق
__________
1 ساقط من ت. وهو في س, م, ط.
2 شعر أبي حية النميري /128, 130.
3 الديوان /467

(1/146)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَنْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ فِي إِسْلامٍ دَامِجٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ".1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ نا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّالَقَانِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّنْعَانِيُّ سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عباس
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير1/789, وعزاه إلى أمثال الرامهرمذي والطبراني والخطيب في المتفق والمفترق.

(1/146)


الدامِجُ: المجتمع المنتَظِم وأصل الدُّموج دخول الشّيء في الشيء يقال مَتْن مُدْمَجٌ ورجل مُدْمَجُ الخَلق إذا كان مجدول الخَلْق وكلام مُدْمَجٌ وخَطٌّ مُدْمَجٌ وهو المُداخَلُ قَالَ حُمَيْد الأرقط:
حتى اتَّقَوْا بالطَّاعةِ الدُّماجِ ... وتَركَ النَّاسَ عَلَى منْهاج
وقال ابنُ مَيَّادَة:
بِشَعْفٍ عَلَى حين المشيب يهِيجُه ... غِناءُ الحمامِ الدَّامجات الهواتِفِ
يريد الدَّاخِلات في أوكارهن.
وفيه وجه آخر وهو أن يقال وهُمْ في إسلامِ داجٍ أي تامٌّ وافٍ.
وفي كلام بَعضِ الفُصَحاء: كان ذَلِكَ منذ دَجَا الإسلام ومثله قولهم عيش داج ومنه قول الأعرابي وقيل له بأيّ شيء تَعرِف حَمْل شَاتِك فَقَالَ إذا استفاضَتْ خاصِرتَاهَا ودَجَت1 شعرتها.
__________
1 اللسان "دجا": دجا شعر الماعزة: ألبس وركب بعضه بعضا ولم ينتفش.

(1/147)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَبْرِقُوا فَإِنَّ دَمَ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مَهْرَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَتْنِي بِذَلِكَ مَوْلاتِي كَبِيرَةُ بِنْتُ سُفْيَانَ وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتِ الْجَاهِلِيَّةَ وَالإسْلامَ قوله: أَبرِقُوا معناه ضَحّوا بالبَرْقَاء وهي الشَّاة التي يَشُقُ صُوفَها الأبيضَ طاقاتٌ سُودٌ قَالَ رؤبة يصف الأسد:
__________
1 ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 4/18 بدون لفظ: "أبرقوا" وقال: وراه الطبراني في الكبير وفيه مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وهو ضعيف. وأخرجه أحمد 2/417 من حديث أبي هريرة.

(1/147)


دُبْسًا ونُمْرًا في شَمِيط أبرقَا1
ويقال للمكان الَّذِي يخالط تربتَه حجارةً أبرق وبُرقَةٌ والعَفْراءُ التي يضرب لونُها إلى البياض أُخِذت من عُفْرةِ الأرض وهي لَونُها الأغَبر ومنه قيل للظِّباء العُفْر ولولد البقرة اليَعْفُور يقال أَعْفَر ويَعْفُور وأَخْضَر ويَخْضُور ورُوي هذا الخبر عن أبي هُريرة فَقَالَ: "دمُ بيضاءَ أحبُّ إلى الله من دم سوداوين".
__________
1 الديوان /113.

(1/148)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى المهاجر بن أبو أُمَيَّةَ أَنَّ وَائِلا يُسْتَسْعَى وَيَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْوَالِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَكِتَابًا آخَرَ لأَقْوَالِ شَبْوَةَ1 بِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مُلْكٍ وَعُمْرَانٍ وَمَزاهِرَ وَعُرمَانَ وَمِلْحٍ وَمَحْجِرٍ2 وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ بِحَضْرمَوْتَ أَعْلاهَا وَأَسْفَلِهَا3 مِنَ الْجِوَارِ وَالذَّمَّةِ اللَّهُ لَهُمْ جَارٌ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْصَارٌ إِنْ كُنَّا4 صَادِقِينَ وَكِتَابًا آخَرَ إِلَى الأَقْوَالِ الْعَبَاهِلَةِ لا شِغَارَ وَلا وِرَاطَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ السَّرَايَا مَا يَحْمِلُ القراب من التمر"5
__________
1 ح: شنوه "تصحف".
2 ساقط من ح.
3 ح: "وأوسطها".
4 س: "إن كانوا". والمثبت من ت, م, ح.
5 الفائق "أبو" 1/14 وجاء فيه: الأقوال: جمع قيل, وأصله قيل فيعل من القول, فحذفت عينه واشتقاقه من القول كأنه الذي له قول: أي ينفذ قوله. والعباهلة الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه. والشغار: أن يشاغر الرجل الرجل, وهو أن يزوجه أخته على أن يتزوجه هو أخته ولا مهر إلا هذا, والورطة, وهي خداع المصدق, بأن يكون له أربعون شاة, فيعطى صاحبه نصفها لئلا يأخذ المصدق شيئا, مأخوذ من الورطة, وهي في الأصل الهوة الغامضة, فجعلت مثلا لكل خطة وإبطاء عشوة, وقيل: هو أن يزعم عند رجل صدقة وليست عنده فيورطه.

(1/148)


هذا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ عَمِّهِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ1 حدَّثَنِيه غَيُر وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ ... الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
قوله: يُسْتَسْعَى: أي يُوَلَّى أَمرَ الصدقات ويقال للمصدِّق السَّاعِي قَالَ الشاعر:
يا أيها السَّاعي عَلَى غَيْر قَدم
وقوله: يترفَّل معناه يتَرأسُ قَالَ ذو الرُّمَّة:
إذا نَحن رفَّلْنَا امرأ ساد قَومَه ... وإن لم يكن من قبل ذَلِكَ يُذْكَرُ2
ويروى رَقَّلنا بالقاف.
واختلفوا في تفسير هذه الأسماء فَقَالَ لي كُعَيْدنَةُ بن مِرْفَد رجل من أهل اليمن إنها بلاد من حَضْرمَوْت أَقطَعَها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّاهم وقال لي: أنا أَعرِف مَحْجِر وهي قَريةٌ معروفة فيها وقال لي غيرهُ من أهل حَضْرموت بل هُوَ المَحْجِنُ
والاحِتجانُ الاحتِظار3 للشَّيء وقال أبو عَمْرو هُوَ المَحْجِر وهو الحديقة والمحاجِرُ الحدائِقُ وأَنْشَد للبِيدٍ:
بَكَرتْ به جَرَشِيَّةٌ مَقْطُورَة ... تُروي المحاجِرَ بازِلٌ عُلْكُومُ4
قَالَ ومحاجِرُ النخل: خظائر تتخذ حولها5
__________
1 ساقط من ت, والمثبت من م
2 اللسان "رفل" والديوان /238 برواية: "إذا نحن سودنا.." والفائق "أبو" /1/14
3 م: "الاحتضار".
4 ساقط من ط. والبيت في شرح الديوان /122
5 ساقط من ح.

(1/149)


فأما المَحْجَر -بفتح الجيم- فهو المُحَرَّم1 من الحَجْر قَالَ حُمَيْد بن ثور:
فهمت أن أَغْشَى إليها مَحْجَرًا ... ولَمِثْلُها يُغْشَى إليها المَحْجَرُ2
قَالَ الحَضْرميّ فأَما العُرمان فإنه يريد المزَارِع قَالَ والعَرِيمُ ما يُرفَع حول الدَّبْرة ويجمع عَلَى العُرمان قَالَ والعُرْمَةُ أيضًا الكَدِيسُ وهو حَصِيد الزرع إذا دُقَّ قبل أن يُذَرَّى يقال نصب فلان عُرْمَتَه وهو أن يجمَعَها فيجعلها هَدَفًا3 لوَجْه الريح
وأَمَّا العَرمَةُ فهي المُسَنَّاةُ قاله أبو عُبَيْدةَ قَالَ ويُجمَع عَلَى العَرِم ومنه قوله تَعالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} 4 وأَنشد لأَبي سُفيان بن الحارِث:
فمزقهم ربهم في البلا ... د وغَرَّق فيها الزُروع العَرِمْ
قَالَ والمزَاهِر الرِّياض وسُمِّيت مَزِاهر لأنها تجمع أصنافَ الزَّهْر والنّبات يقال روضة مُزهِرةٌ إذا خرج أزاهيرُها وجمعها مَزاهِرُ ويقال أزْهَارَّ النَّبتُ قَالَ كُثَيِّر:
سَقَى مُطْفِئاتُ المَحْل جَوْدًا ودِيَمةً ... عِظامَ ابنِ ليلى حيث كان رَمِيمُها
فأمرعَ منها كل وادٍ وتَلْعَةٍ ... سوائِلُ خُضْرٌ مزهئر عميمها5
__________
1 م: "المحرم" على وزن مفعل كمقعد.
2 الديوان /84, واللسان "حجر", والكامل /414.
3 كذا في, س, ح. وفي هامش س, م, ت: "هدما".
4 سورة سبأ: 16
5 لم أقف عليهما في ديوانه ط دار الثقافة ببيروت. وفي الديوان قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذان البيتان.

(1/150)


يريد مُزْهارُّ فهَمَز لئَلا يَلْتَقِي السَّاكِنان وكان الأعَمْش يَقْرأ: {مُدْهَامَّتَانِ} 1 وقرأ أَيُّوب السِّخْتِياني ولا الضَّألِّين أنشدني أبو عُمَر عن ثَعْلب:
يا قومِ إني قَدْ رأيتُ عَجَبَا ... حِمارَ قَبّان يسُوقُ أرنَبَا
خاطِمَها زَأَمَّها أن تَهْرُبا2
يريد زَامَّها من الزِمّام فهَمَز لئَلا يَلتَقِي السَّاكِنانِ.
والعَباهِلُ المُلوكُ وقد فَسَّره أبو عُبَيْد3 وفَسَّر قولَه: "لا شِغَارَ ولا وَرَاطَ"4
وأما قوله: ما يَحمِل القِرابُ من التَّمر فإن الرِّواية هكذا جاءَتْ بالباء ولا موضع للقراب هاهنا
إنما القِرابُ قِرابُ السَّيفِ وأَرَاهُ القِرافَ بالفاء جمع قَرْف وقد يجمع أيضًا عَلَى القُروف وهي أوعية من جلود يُحمَل فيها الزَّادُ للأَسفار قَالَ الشاعِرُ: هُوَ مُعقِّر بن حمِار البارِقيّ5
وذَبيانِيَّةٍ وصَّت بنيها ... بأن كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
والمعنى أنَّ عليهم أن يُزَوِّدوا السَّرِيَّةَ إذا مرّت بهم لكل عشرة منهم ما يُحمَل في مِزْوَدٍ.
__________
1 سورة الرحمن: 64.
2 اللسان "زمم" و "قبن" برواية: "أن تذهبان" بدل: "أن تهربا".
3 انظر كتابه 1/212.
4 كتابه 3/128.
5 من ح, والبيت في التاج "قرطف" وعزاه لمعقرالبارقي. واقتصر اللسان على الشطرالثاني, ولم يعزه.

(1/151)


وقوله: إلى المهاجر بن أبُو أُميَّة فقد كان حَقُّه في الإعراب أن يُقالَ ابنُ أَبِي أُمَيَّة لأنه مضاف إلى أبيه ولكن لاشتهاره تُرِك عَلَى حالِه كما قيلَ علي بن أبي طالب.
وأخبرنا ابن الأَعرابي نا العَبَّاس الدُّوريّ نا يَحْيَى بن مَعين1 قَالَ كان إسماعيل بن أبي خالد يقول حدثنا قيس بن أبو حازم.
__________
1 سقط من ح من هنا نحو أربع صفحات من حجم الفلوسكاب.

(1/152)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ الَّتِي حَكَاهَا عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ رَكِبَ الْبَحْرَ وَأَنَّهُ رَآهُ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ مُكَبَّلا بِالْحَدِيدِ بِأَزْوِرَةٍ وَرَأَى دَابَّةً يُوارِيهَا شَعْرُهَا فَقَالُوا مَا أَنْتِ قَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ1..فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ أَبُو الْمُنْذِرِ نا قُرَّةُ2 بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أبو عَمْرو: واحد الأزْوِرَة زِوارٌ وهو حبل يُجعَل بين التَّصدير والحقَب ويُدعَى ذَلِكَ الحبل أيضًا الشِّكال.
يقال شكلت عن البعير وهو أن تَجْعَل بين الحقَب والتَّصْدِير خَيْطًا ثُمَّ تَشُدَّه لكيلا يدنو الحَقَبُ من الثِّيل والمعنى أنه رآه وقد جُمِعت يَداه3 إلى صدره فشدت هناك.
__________
1 أخرجه مسلم 4/2261 وأبو داود 4/118 وابن ماجه 2/1354 وأحمد 6/373, 374, 413, 417, 418 وغيرهم.
2 ط: "قروة بن خالد" وفي التقريب 2/125: قروة بن خالد السدوسي البصري, ثقة ضايط "ت: 155 هـ"
3 س, ط: "يده".

(1/152)


والزِّيارُ أيضًا كاللَّبَبِ للدَّابَّة والشَّيءُ الَّذِي يَشُدّ به البَيْطارُ جَحْفَلَةَ الدَّابَّةِ إذا أراد بَزْغَها يُسَمَّى أيضًا زِيارًا ويقال إن هذه الدَّابَّةَ إنما تُدعَى الجَسَّاسة لأَنَّها تُجَسِّسُ الأَخبارَ للدَّجّال أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ ثنا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن تَمِيمًا الدَّارِيَّ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ رَكِبَ الْبَحْرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ:
قَالَ ورأى الجَسَّاسة دابَّةً أَهدبَ القِبالِ يريد كَثْرَة الشَّعَر في قِبالها وهو النَّاصيَةُ والعُرْفُ ونحوُه ونحو ذَلِكَ من مُقَدَّمها وقُبالُ الشَّيءِ وقُبْلُه ما استَقْبَلك منه ومنه قِبال النَّعْل وهو زِمامُها ورُوِيَ عن عَبْد الله بن عمر أنه قَالَ الدَّابةُ الهَلباءُ التي كلمت تميمًا هي دابَّةُ الأرض التي تُكلّمُ الناسَ1 وفي رواية أخرى أنَّه قَالَ لهم أخبِروني عن نَخْل بَيْسَان هل أَطْعَمَ قَالُوا نَعَم قَالَ فأَخبِروني عن حَمَّةِ زُغَر هل فيها مَاءٌ قالوا نعم تتدفق جنبتاها.
قوله: أَطْعَم معناه أَثْمَر ما يُطْعَم والحَمَّةُ العَيْن وهي حَمَّة زغر معروفة.
__________
1 ساقط من ت, وهو في س, م, ط.

(1/153)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا أَحْبَنَ أَصَابَ امْرَأَةً فَسُئِلَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ بِأُثْكُولِ النَّخْلِ"1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ أنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سعيد
__________
1 أخرجه الشافعي في مسنده: انظر بدائع المنن 2/288.

(1/153)


وَأَبِي الزِّنَادِ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ أَحَدُهُمَا أَحْبَنٌ وَالآخَرُ مُقْعَدٌ وَقَالَ أَحَدُهُمَا أُثْكُولٌ وَقَالَ الآخَرُ إِثْكَالٌ.
الحَبَنُ: نُتوءُ البَطْن وانْدحاقُه لمرض والأَحْبَن الَّذِي به دَاءُ السَّقْي قَالَ رؤبة:
فَباتَ ذُو الدَّاءِ انتفاخَ الكوْدَنِ ... يَحْكِي من الغَيْظِ زفِيرَ الأَحْبن1
ويقال إنما سُمِّيت أُمّ حُبَيْن لنُتُوء بطنها.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا الأَصْمَعِيُّ أَنَّ رَجُلا تَجَشَّأَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ دَعَوْتَ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ أَحَدًا فَقَالَ لا قَالَ فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَبَنًا وَقُدَادًا.
قَالَ الأصمعي: القُدادُ وجع في البطن قال أبو عمرو العلوص والعِلَّوْزُ جميعًا الوجَع الَّذِي يقال له اللَّوَى. يقال من ذَلِكَ اعْلَوَّصَ واعْلَوَّزَ إذا اعْتَراه ذَلِكَ.
والأُثْكُول والإثْكَالُ لغتان في العِثْكال والعثكول وهو الشمراخ من شماريخ العذق قَالَ الشاعر:
طَوِيلَةُ الأَقْناءِ والأَثَاكِل2
ويقال: العِثْكالُ: الإهانُ ما دام رَطْبًا فإذا يَبِس فهو العُرجُون والعَيْن قد تُبَدل همزةً لقرب مخارجهما وكذلك الهَمْزَةُ تُبدَل عَيْنًا كقول الشاعر:
__________
1 الديوان /164.
2 اللسان "ثكل".

(1/154)


فَما أُبالي إذا ما كُنتِ جارَتنا ... عَلا يُجاوِرَنا إلاكِ دَيَّارُ1
يريد أَلا.
وقال آخر:
ألم تَعْلَمي عَلا يَرُدّ مَنِيَّتي ... قُعُودِي ولا يُدِني المماتَ رَحِيلي
- وفي الحديث من الفقه أَنَّ المريضَ إذا وجب عليه الحدُّ وكان مَرَضُه ممَّا لا يُرجَى له بُرْء أُقِيم عليه الحَدُّ بالضَّرب الخَفِيف بالإثْكالِ ونحوِه وإن كان مما يُرجَى بُرؤُه انْتُظِر به حتى يَبْرأ فيُقام عليه الحَدَّ بالضَّرب الموجِعِ وكذلك إن كان في البَردِ الشديد والحَرِّ المُفرِط اللَّذين يُخافُ معهما التَّلَفُ وأمّا إذا وجب عليه الرَّجْم فلا نَظِرةَ في أمره لأنه إنما يُرادُ به التَّلفُ فلا وجه للاستِينَاءِ به والله أعلم
__________
1 الخصائص 1/307, 2/195 وخزنة الأدب للبغدادي 2/405

(1/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ " 1
هذا حديث مشهور وتفسيره عَلَى وجوه منها أَنَّ مَنْ بَذَلَ مَعْرُوفَه في الدنيا أناله الله معروفه في الآخرة. ومنها أن يُرادَ بالمعروف خصوصًا الشَّفاعة في المذنبين وذَوِي الزَّلات التي لا تَبلُغ الحدودَ يَقول مَنْ تَشَفَّع2 للنَاس في الدنيا شَفّعه الله في المُذنِبِين في الآخرة فيكون وَجِيهًا عند الله كما كان وَجِيهًا عند خلقه. وقد رُوي هذا الوجه عن بعض السَّلَفِ
__________
1 ذكر العجلوني في كشف الخفاء 1/262 وقال: رواه الطبراني عن سلمان, وأبو نعيم عن أبي هريرة.
2 س, ط: "يشفع".

(1/155)


وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اشْفَعُوا إِلَيَّ فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ" 1
وفيه وجه آخر ذكره أبو العباس ثعلب قَالَ سألتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ يُروَى عن الشّعْبِيّ أنه قَالَ يأتي أصحابُ المعروف في الدنيا يومَ القيامة فيُغْفَرُ لهم بمعروفهم وتبقى حَسناتُهم جامَّة فَيُعْطُونها لَمنْ زَادَت سَيِّئاتُه عَلَى حَسَناتِه فيغْفُر له ربُّه عَزَّ وجَلَّ.
والمعروف كل ما تعرفه النفوس وتسحسنه العُقولُ من مكارم الأخلاق ومحاسِن الشِّيَم وهي التي كانت لم تَزَل مُسْتَحْسَنَةً في كل زَمان وعند أهل كل مِلَّة فلا تَزال كذلك لا يَجرِي عليها النَّسْخ ولا يجوز فيها التَّبْديل وإلى هذا أشار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: "إنَّ مِمَّا بَقِيَ من كلام النُّبُوَّةِ الأُولَى إذا لم تَسْتَحْيِ فاصنع ما شئت" 2 يُرِيد أن الحياءَ لم يَزَلْ مُسْتَحْسَنًا في شرائع الأنبياء الأَوّلين وأنه لم يرفع ولم يُنْسَخْ في جملة ما نُسِخَ من شرائعهم
وقوله: فاصْنَع ما شئتَ فيه وجهان أحدهما أن يكون معناه إخبارًا كأَنَّه قَالَ إذا لم تَسْتَحْيِ صَنَعْت ما شئْت أي أَتيتَ ما يَقْبُح ولم تَسْتَحْي ولم تُبال به وإلى هذا أو نحوه أشار أبو عُبَيد3
ووجه آخر وهو أَنْ يكون معناه اصنع ما شئت من أمرٍ لا يُسْتَحْيَا منه أي ما يُسْتَحْيَا منه4 فلا تَفعلْه
وفيه وجه ثالث قَالَه أبو العباس ثعلب وهو أن يكون معناه الوعيد كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} 5 وَمِنَ الْمَعْرُوفِ حَدِيثُ أَبِي تَمِيمَةَ
__________
1 أخرجه البخاري 2/134, ومسلم 4/2026, وأبو داود 4/334 وغيرهم.
2 أخرجه البخاري 4/215, وأبو داود 4/252, وابن ماجه 2/1400
3 عريب الحديث 3/31
4 ح: "لا يستحيا به: أي ما بستحيا منه فلا تفعله".
5 من م, ت. والآية من سورة فصلت: 40

(1/156)


الْهُجَيْمِيِّ1 حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا الدُّورِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَوْصِنِي فَقَالَ: "أُوصِيكَ أَنْ لَا تَسُبَّ النَّاسَ وَلَا تَزْهَدْ2 فِي مَعْرُوفٍ وَإِنِ اسْتَسْقَاكَ أَخُوكَ مِنْ دَلْوِكَ فَصُبَّ لَهُ وَالْقَهْ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ" 3
وفي غير هذه الرواية من طَرِيقِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعْرُوفِ فَقَالَ: "لا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَلَوْ بِشِسْعِ النَّعْلِ وَلَوْ أَنْ تُعْطِي الْحَبْلَ وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الْوَحْشَانَ" 4 قوله: تُؤْنِسُ الوَحْشَان فيه وجهان: أحدهما أن تَلْقَاهُ بما يُؤنِسه من القَوْلِ الجميل وإنما هُوَ فَعْلان من الوَحْشَةِ يقال رجل وَحْشَان من قوم وَحَاشَي والوجه الآخر أنه أُرِيد به المنقطع بأرضِ الفَلاة المستوحِش بها تَحْمِلهُ فتُبَلِّغُه المكانَ الآنِسَ الآهِل والأول أَشْبَه.
__________
1 ح: "الهجمي". وفي التقريب 2/403: أبو تميمة, بزيادة هاء, الجيمي, بجيم مصغرا, اسمه طريف بن مجالد.
2 ت: "ولا تزهدن".
3 أخرجه أحمد في مسنده 4/65, 5/64, 377. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/28 بنحوه.
4 أخرجه أحمد 3483.

(1/157)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ وَثَوْبٍ حَبِرَةٍ"1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بن محمد عن أبيه.
__________
1 مصنف عبد الرزاق 3/421.

(1/157)


الصُّحْرَةُ حُمْرةٌ خَفِيَّةٌ كالغُبْرة يقال ثَوبٌ أَصحَرُ وصُحَارِيّ ومُلاءَةٌ صَحْراءُ وصُحارِيَّة وقال بعض أهل اللغة الأصحَرُ ما كان لونُه لونَ الصَّحراء من الأرض قَالَ الأصمعي الأصْحَرُ قريب من الأصهب ويقال إِنَّ الصُّحارِيَّ مَنْسوبٌ إلى صُحار وهي قرية باليمن
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْقَاسِمُ بْنُ نَصْرٍ الْمُخَرَّمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ وَبُرْدٍ نَجْرَانِيِّ1
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ وَقَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ2.. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ3 وهي المقصورة من قولك سَحَلْتُ الشيءَ بالمِسْحَل كما تقول بردتُه بالمِبْرَدِ ويقال سَحُولٌ موضع باليمن نُسِبت إليه الثَّياب وهذا أصح الأخبار لأنها أعلم بباطن أمرِه إذا كان قد حُجِب عنه الناسُ ووِليَه نِساؤه وأَهلُ بيتِه وقد مات في بيت عائِشَة وفي حِجْرها ودُفِن في حُجْرتها لم يَخْف عليها شيءٌ من أمره ويشبه أن يكون -والله أعلم- لَمَّا مات سُجِّيَ ببُردٍ فَمَن رآه مُسَجًّى به ظَنَّ أنه قد كُفَّن فيه.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَتَى الْبَيْتَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ النبي صلى
__________
1 ذكره الهيمي في مجمع الزوائد 3/23 وقال: رواه البزار, ورجاله رجال الصحيح.
2 أخرجه أبو داود 3/199, ابن ماجه 1/472 بنحوهم.
3 أخرجه البخاري 2/97 ومسلم 2/649, 650 والنسائي 4/25 وغيرهم.

(1/158)


اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ1 وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ مَا رَفَعَ الإِشْكَالَ فِي هَذَا الْبَابِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الأَوْزَاعِيُّ نا الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِّرَ عَنْهُ"2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 3/596.
2 سنن أبي داود 3/198, ومسلم 2/650 بنحوه.

(1/159)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ شَكَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ السُّرِّيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قوله: أهلُ البَحْرة يُريد أهلَ المدينة قَالَ الأُمويّ البَحْرةُ الأرضُ والبَلْدَةُ يقال هذه بَحْرَتُنَا أي بَلدَتُنا وقال ابنُ ميّادَةَ:
ورَبْعٍ مُحِيلٍ تَلعبُ الريحُ فوقَه ... قديمًا عَهِدْنا أَهلَه منذ أَعْصُرِ
كأنَّ بَقَاياه بِبَحْرة مالكٍ ... بَقيَّةُ سَحْقٍ من رِداءٍ مُحَبَّرِ
وقوله: يُعَصِّبوه أي يسوِّدوه والسَّيِّد المُطاع يقال له المُعَصَّب لأنه
__________
1 أخرجه البخاري في الأدب, باب كنية المشرك 8/56-57, وأخرجه مسلم في الجهاد 3/1422.

(1/159)


تُعَصَّبُ الأُمورُ برأسه والتاجُ عندهم للمَلِك والعِصَابةُ للسَّيّدِ المُطاع في قومه وقد جَمَعَهما هَوذَةُ بنُ عليٍّ الحَنَفِيّ فَقَالَ الأعشى يَذْكُرُه:
مَنْ يَرَ هَوْذَةَ يَسجُدْ غير مُمْتَنعٍ ... إذا تعصّب فوق التَّاج أو وضعا1
ويقال: لم يكن في مَعَدٍّ مُتوَّج غيرُه ويقال للرئيس أيضًا المُعَمَّم قَالَ الشاعر:
رأيتك هريت العِمامةَ بعدما ... رأيتُك حينًا حاسِرًا لم تُعَصَّب2
ويقال: إنما سُمِّي الرئيسُ مُعَمَّما عَلَى مثل ما ذكرتُ من مَذْهَبهم في تَسْمِيَته معَصَّبًا ويقال بل سُمِّي مُعَمَّمًا لأنه كان يعتَمُّ بعمامةٍ يُعرَف بها وكان أبو أُحَيْحَة سَعيدُ بن العاص إذا اعتَمَّ لم يعتَمَّ قُرشيٌّ إعظامًا له
وأنشدني بعضُ أهل الأدب قَالَ أنشدنا ابن الأنباري عن أبي العباس ثعلب:
إذا المرءُ أَثْرى ثُمَّ قَالَ لقومه ... أنا السَّيِّد المُفْضَى إليه المُعَمَّمُ
ولم يُعطِهم مَالًا أَبوا أن يسُودَهم ... وهان عليهم فَقْدُه وهو أظْلمُ
وقوله: شَرِق بذلك أي غَصَّ به ويقال: غَصَّ الرجلُ بالطعام وشَرِق بالماء وشَجِي بالعَظْم قَالَ الشاعر:
يحِكي سُعالَ الشَّرِقِ الأَبَحِّ
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: "أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الصبح
__________
1 الديوان /108 برواية: "من يلق هوذة يسجد غير متئب".
2 اللسان "عمم, عصب" والبيت للمخبل في الزبرقان.

(1/160)


بِمَكَّةَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ1 فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى وَأُمِّهِ أَخَذَتْهُ شَرِقَةٌ فَرَكَعَ"2 يُرِيدُ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَعِييَ بِالْقِرَاءَةِ
ومن هذا أيضًا حديثه الَّذِي يُروَى في تأخير الصلاة إلى شَرَق الموتى قَالَ ابن الأعرابي هُوَ من شَرَقِ المَيِّت بِرِيقه عند خروج نِفْسِه فَشَبَّه ما بَقِيَ من الوَقْت بما بقي من حياة الشَّرِق بروحه قَالَ غيره شَرِقَت نَفسُ الميِّت إذا زهَقَت وشَرِقَت الشَّمس إذا غابت وشَرِقت إذا بَدت وأشرقت إذا أضاءت
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ نَحْمَةً مِنْ نُعَيْمٍ" 3
قَالَ ابن أبي خَيْثَمَةَ قَالَ مصعب بن عَبْد الله الزُّبَيْرِيّ فسُمِّي النَّحَّام فإن النَّحْمَةَ والنَّحِيمَ صوتٌ من الجَوْفِ قَالَ رؤبة:
بَيَّض عَيْنَيْه الْعَمَى المُعَمِّي ... من نَحَمان السيِّد النِّحَم4
وقال آخر:
ما لك لا تَنْحَمّ يا رَواحهْ ... إن النحيم للسقاة راحة5
__________
1 م, ط: "المؤمن".
2 أخرجه مسلم في المساجد 1/378, 379 في طويل رقمه"26".
3 أخرجه ابن ماجه 1/269 والبخاري 1/186 ومسلم 1/326 وغيرهما بسياق آخر.
4 ت, م: "من نحمان الحسد النجم" وهو في الديوان /143.
5 من م, ت. والرجز في الأساس واللسان وتهذيب اللغة "نجم"

(1/161)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْبُرَاقِ فَقَالَ ارْكَبْ يَا مُحَمَّدُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ لأَرْكَبَ فَأَنْكَرَنِي فَتَحَيَّا مِنِّي" 1
__________
1 الفائق "حيا" 1/341 والنهاية "حيا" 1/472.

(1/161)


حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ نا يُونُسَ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ1 عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قوله: تَحَيَّا مِنّي إنما هُوَ تَحوَّى منّي أبدل الواوَ ياءً والتَّحَوِّي: أن يَلْتَوِيَ ويَسْتَدِير2 ويقال إنما سُمِّيت الحَيَّةُ لتحوِّيها يقال حَوِيت الحَيَّةُ تَحْوَى إذا استدارت ويقال بل سُمِّيَتْ حَيَّةً لِطُولِ حَياتِها وهي فيما يقال طَوِيلَةُ الحياةِ ويقال إنها من أطول الحيوان ذماء.
__________
1 أبو داود في الطهارة, باب الغسل من الجنابة 1/63 ومسلم في الحبض, باب صفة غسل الجنابة 1/255 وغيرهما.

(1/162)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلابِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ
الحِلابُ إناءٌ يَسَعُ حَلْبَةَ ناقةٍ وهو المِحْلب بكسر الميم فأما المَحْلَب بفتح الميم فهو الحَبُّ الطيب الرِّيح قَالَ الشّاعر:
وقَبرٍ تجاوزْتُ نَكْراءَه ... صُدودَ الهِزَبْرِ عن الثَّعلب
ولو شِئتُ بالرِّيح أَذْرَيتُه ... كطَحْن الرَّحا حَبَّةَ المحلب
__________
1 أبو داود في الطهارة, باب الغسل من الجنابة 1/63 ومسلم في الحبض, باب صفة غسل الجنابة 1/255 وغيرهما.

(1/162)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى صَلاةً فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي يَقْطَعُ الصَّلاةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ" 1
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ نا شَبَابَةُ نا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: ذَعَتُّهُ يُرِيدُ خَنَقْتُهُ أخبرني أبو عمر أنا ثعلب قَالَ: يقال: ذَعَتُّه وسَأَتُّه وسأَبتُه بمعنى خَنَقْتُه وأنشدنا:
ولا تزالُ بَكْرَةٌ تَغَّارَه ... يَسْأَبُها بحَبْلهِ عُمَارَه
قَالَ: وأخبرنا أبو العباس عن عُمَرَ بن شَبَّةَ عن الأصمعيّ قَالَ كان عندنا رجلٌ يَشْتُم أبا بكر وعُمَر فرأى في المنام عمرَ بن الخطاب فَذَعَتَه عُمرُ ذَعْتَةً فأَصْبَح الرجلُ وقد لَوَّثَ فِراشَه وجاءنا تائِبًا
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْمَرْوَزِيُّ نا عَلِيكٌ2 الرَّازِيُّ نا الْهَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُمَيْعٍ سَمِعْتُ الْوَضِينَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ مَرَّ رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَخْنُقُ أَبَاهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَأَرَادَ أن يُخَلِّصَهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ لا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا يَذْغَتُ أَبَاهُ فِي أَصْلِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ هكذا قَالَ المَرْوَزيُّ يذغت بالغين المعجمة وهو غلط والصواب يذعت من الأول
__________
1 أخرجه البخاري 2/81, ومسلم 1/384.
2 في المشتبه 2/469: علي بن سعيد الرازي يعرف بعليك, والكاف في لغة العجم هي حرف التصغير. وبعض الحفاظ قيده باختلاس كسرة اللام وفتح الياء وخفف. قال ابن نقطة: وهذا عندي أصح, ليس في كتاب الأمير ابن ماكولا تشديد الياء بل أهمل ذلك. وقد ضبطه المؤتمن الساجي بسكون اللام وفتح الياء.

(1/163)


والذَّعْتُ أيضًا أن تُمَعِّكَ الرجلَ في التُّرابِ فأما الذَّعْطُ فهو الذَّبْحُ الوَحِيُّ يقال ذَعَطَه وسَحَطَه إذا ذَبَحه قَالَ الهُذَلِيُّ:
إذا وَرَدُوا مِصْرَهَم عُجِّلُوا ... من الموت بالهِمْيَعِ الذَّاعطِ1
والهِمْيَع: الموتُ المُعَجَّل ويقال: الهِمْيَغُ بالغين أيضًا
وفي الحديث من الفِقْه أن العَملَ اليَسِير لا يقطع الصَّلاةَ وفيه إباحة دَفْع مَنْ يَمُرّ بين يديك في الصلاة وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَقَاتِلْه فإنه شيْطان" 2. يريد أن الشَّيطانَ يَحْمِله عَلَى ذَلِكَ وفي بعض الأخبار: "فقاتِلْه فإِنَّ مَعَه القَرِينَ" 3
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامُ4 بْنُ الْغَازِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ"5
قَوْلُهُ: يُدَارِئُهَا: أَرَادَ يُدَافِعُهَا مِنَ الدَّرْءِ مَهْمُوزًا وَلَيْسَ مِنَ الْمُدَارَاةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَة فِي الأُمُورِ وَالْبَهْمَةُ: السَّخْلَةُ وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعةَ تُوضَع من الضَّأْنِ
__________
1 شرح أشعار الهذليين 3/1290 وهو لأسامة بن الحارثة الهذلي.
2 أخرجه مسلم وغيره. صحيح مسلم 1/362.
3 أخرجه مسلم وغيره أيضا. صحيح مسلم 1/363.
4 م: "هيثم" وفي التقريب 2/320: هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة الدمشقي مات سنة مائة وبضع وخمسين.
5 كذا في هامش س, وقال: هو الصواب. وفي بقية النسخ: بطنها بالجدار. والحديث في سنن أبي داود 1/188 وأحمد 2/196.

(1/164)


والمَعِز ذكرا كان أم أنْثَى سَخْلة وجمعه سِخَالٌ ثُمَّ هي البَهْمَةُ للذكر والأنثى وَجَمعُها بَهْم.

(1/165)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ جَارِيَتَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَاءَتَا تَشْتَدَّانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَأَخَذَتَا بِرُكْبَتَيْهِ فَفَرَعَ بَيْنَهُمَا"1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ نا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ صُهَيْبٍ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَوْلُهُ: فَرَعَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا يقال فرعْتُ بين القوم إذا حَجزتَ بينهم وفرعْتُ الفرسَ إذا قَدَعْتَه باللِّجَام ويقال أَفرعتُه بالألف وفَرعْت رأسَه بالعَصَا إذا علاه بها وافْتِراع2 البِكْر وهو افتِضَاضُها وهو مأخوذ من الفَصْل بين الشَّيئين ويقال بل هُوَ مأخوذ من إفراع اللِّجام الدَّابَّةَ وهو أن يُدْمِيَ فَاهَا قَالَ الأَعْشى:
صَدَدْتَ عن الأعداء يومَ عُبَاعِبٍ ... صدود المذاكي أفرعتها المساحل3
__________
1 أخرجه النسائي 2/65.
2 ت: "وافراع البكر".
3 م, ط: "صدت عن الأعداء", وهو الديوان /133.

(1/165)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه مَرَّ بِرَجُلٍ نُغَاشٍ فَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ: "أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أنا الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
النُّغَاشُ: القَصير النَّاقِص الخَلْق قَالَ النَّضْر بن شميل رجل نغاشي:
__________
1 الفائق "نغش" 4/7 وفيه: وروى: "نعاشي" وهو أقصر ما يكون من الرجال.

(1/165)


أي قَصِير وقَلَطِيٌّ وهو فوق النُّغَاشِيّ وسُئِل رجلٌ من أَئِمَّة أهلِ اللغة مِمَّن أدركناه عن تِفْسير هذا الحرف وكان قَصِيرًا فَظَنَّ أنّ السائلَ يعرِّض به فَقَالَ هُوَ أَقَصَرُ منِّي ولم يَزِده1 عَلَى ذَلِكَ.
ويقال لكل شيء من الطَّير والهوامّ إذا خَفَّ وتَحرَّك في مكانه قد تَنَغَّش.
قَالَ ذو الرُّمَّةِ يَصِف القُرادَ وأنها أحسَّت بِوَطْء الإِبِل فَخَفَّت:
إذا سَمِعَت وَطْءَ المَطِيِّ تَنَغَشَت ... حُشَاشَاتُها في غير لحمٍ ولا دَمِ2
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيَّ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَكَانَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ فِي أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ" قَالَ فَمَرَرْتُ بِهِ وَسَطَ الْقَتْلَى صَرِيعًا فِي الْوَادِي فَنَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَالَ فَتَنَغَّشَ كَمَا يَتَنَغَّشُ الطَّيْرُ3: أي تحرك.
__________
1 س, ح: ولم يزد.
2 اللسان "نغش", والأساس "وطأ", والديوان /630.
3 كتاب المغازي للواقدي 1/292 وفيه: "فتنفس كما يتنفس الكبير".

(1/166)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفًا مُهَرَّتَةً ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ ثُمَّ صَلَّى"1
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: مُهَرَّتة إِنَّمَا هِيَ الْمُهَرَّدَة –بِالدَّالِ- قَالَ الكِسائِيُّ إذا أَنْضَجْت اللحمَ فهو مُهَرَّد وقد هَرَّدْتُه وقد هَرِد اللحمُ إذا نَضِج قَالَ والمُهَرَّأُ مثله.
-قَالَ أبو زيد إذا شَوَيتَ اللحمَ قيل خَمَطْتَهُ خَمْطًا وهو خميط فإن
__________
1 الفائق "هرت" 4/99, والنهاية "هرت" 5/257.

(1/166)


شويتَه حتى يَيْبَس فهو كَشِيءٌ وقد كَشَأْتُه فإن جعلتَ اللحم عَلَى الجَمْر قيل حَسْحَسْتَه1 فإن أدخلته النارَ ولم تبالغ في نُضْجِه قيل ضَهَّبْتَه2 قَالَ امرؤُ القَيْس:
نَمشُّ بأعرافِ الجيادِ أَكفَّنَا ... إذا نحن قُمنا عن شِواءٍ مُضَهَّبِ3
والأَنيضُ: اللَّحمُ غيرُ النَّضيج يقال أنَضْتُ اللحم وأَنْهَأْتُه وأنأتُه وهو بين النهوءة والنيوءة.
__________
1 س, ط: "حشحشته" والمثبت من م, ت. وفي القاموس "حس": حسست اللحم: جعلته على الجمر كحسحسته.
2 س: "ضهيته" بالياء. وفي القاموس "ضهب" اللحم تضهيبا: شواه على حجارة محماة, وشواه ولم يبالغ في نضجه.
3 الديوان /54.

(1/167)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا سَكَبَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ سُوَيْد: سَكَبَ يُرِيدُ أَذَّنَ السَّكْب: الصَّبُّ والدَّفْقُ وأصلُه في الماء يُصَبُّ وقد يُسْتَعارُ فيُسْتَعْمَل في القول والكلام كقول القائل: أُفْرِغَ في أُذُنِي كلامٌ لم أَسَمَعْ مَثلَه وأَخَذَ فلان في خُطبةٍ فَسحلَها وما أشبه هذا من الكلام أنشدني الحسن بنُ خَلاد أنشدني ابن دُرَيْد:
لا تُفْرِغَنْ في أُذُنَيّ مِثْلَها ... ما يستفز فأريك فقدها
__________
1 وأخرجه أبو داود في الصلاة 2/39 رقم الحديث "1336" بلفظ سكت المؤذن بدل سكب. وأخرجه أحمد 6/83.

(1/167)


إنِّي إذا السَّيفُ تَولّى نَدَّها ... لا أَسْتَطيع عند ذَاكَ رَدَّها1
وهذا رجل أُنشِدَ شِعرًا أعجبه فقام إلى البَرْك بسَيْفه وهي الإبلُ المُنَاخَةُ2 فجعل يضربها3 يمينًا وشِمالًا يَعْقِرُها
وفي الحديث: "وَيْلٌ لأَقْماع القَوْل" وهم الذينَ يَسْمَعُون ولا يَعْمَلون به4 شَبَّه آذانهم بالأَقْمَاع يُصَبُّ فيها الكلامُ صَبَّ الماءِ في الإناءِ
ورواه بعضهم سكت بالأولى أي فَرَغ من الأذان فسكت عنه5
__________
1 ت: "بدها" بدل "ندها."
2 ت: "المناصة".
3 م, ط: "فجعل يضرب".
4 مسند أحمد 2/165, 219.
5 من ت, م.

(1/168)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بِلالا أَتَاهُ يُؤْذِنُهُ1 بِصَلاةِ الْغَدَاةِ فَشَغَلَتْ2 عَائِشَةُ بِلالا بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ فَأَصْبَحَ جِدًّا"3
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنِي أَبُو زِيَادَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادَةَ الْكِنْدِيُّ عَنْ بِلالٍ.
قَوْلُهُ: فَضَحه الصُّبْح أَيْ دهَمَتْه فُضْحَةُ الصُّبح والفُضْحَةُ كالغُبْرةِ في
__________
1 م: "يوذنه" من فعل المشددة العين.
2 ت: "فشغلته عائشة بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصبح".
3 سنن أبي داود 2/20.

(1/168)


اللون وقال أبو عمرو الأَفْضَح الأبيض وليس بشديد البياض ومنه قول ابن مقبل:
أَحَشُّ سِماكِيٌّ من الوَبْل أَفْضَح1
ورواه بعضهم فَصحه الصُّبح أي بانَ له وغَلَبَه ضوؤه ومنه الفصيح من الكلام2
__________
1 الديوان /32.
2 من ت, م.

(1/169)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ النَّاسَ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْسَالا أَرْسَالا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ"1.
أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ2 نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ ثنا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
قوله: أَرسالًا يريد أفواجًا وفِرَقًا مُتَقَطِّعة3 قَالَ أبو عُبَيْدة إذا أَوردَ الرجلُ إِبِلَه مُتَقَطِّعة قَالُوا أَوردَها أَرسالًا قَالَ امرؤ القيس:
فهُنَّ أَرسالٌ كرِجْل الدَّبَي ... أَو كَقَطَا كاظمة النَّاهِلِ4
وإذا أورَدها جماعة قَالُوا أوردها عِرَاكًا. وواحد الأَرسَالِ رَسَل كما قيل لما نَشَرْتَه نَشَر ولما أَسْبَلْتَه سَبَل وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ جَرَّ سَبَلَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرِ الله إليه يوم القيامة" 5
__________
1 أخرجه أحمد 5/81 وابن ماجه 1/521 بنحوه.
2 ت: "إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري".
3 م: "متقطعة".
4 الديوان /121.
5 لم أجده بلفظ: "من جر سبله" ولكن بلفظ: "من جر ثوبه" وهو مخرج بألفاظ مختلفة في الكتب السنة ومسند أحمد وغيره.

(1/169)


وَقَالَ سَعْدٌ قَتَلْتُ يَوْمَ بَدْرٍ قَتِيلا وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَقَالَ رَسُولُ الله عليه السلام: "اطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ1" يُرِيدُ فِيمَا قُبِضَ وَجُمِعَ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ قَالَ فَنَزَلَتْ سُورَةُ الأَنْفَالَ فَقَالَ لِي: "اذْهَبْ فَخُذْ سيفك".
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/180

(1/170)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قَالَ فِيمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّى وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا بِقَصْرِهِ: "إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَهُ جُمُعَتُهُ تِلْكَ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ كَانَ نُبَيْشَةُ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ: بقَصْره مَعْنَاهُ غَايَته ذَلِكَ أَيْ حَسْبه مِنَ الثَّوَابِ أَنْ تُكَفَّر ذُنوبُه
قَالَ أَبو زَيْد يقال قُصارُك أن تفعل ذَلِكَ وقُصَاراك وقَصْرك أي غايتُك وعُنَاناكَ أن تفعل ذَلِكَ بمعناه قَالَ الأعشى:
فَقَالَ له: ماذا تُرِيدُ وقَصْرُه ... عَلَى مائةٍ قد أَكَملتْها وُفَاتُها2
وقال هُدْبَةُ بن الخشْرم العُذرِيّ:
وأنتَ أَميرُ المؤمنين فَما لَنا ... وَراءَك من مَعْدى ولا عنكَ مِنْ قصْرِ
قَالَ الأصمعي ويقال حَبَابُك أن تفعلَ ذَلِكَ أي جَهدك ومِثلهُ: حماداك.
__________
1 أخرجه أحمد 5/75 بالإسناد المذكور بدون لفظ "بقصره".
2 الديوان /32 برواية: "وسخطه" بدل: "وقصره".

(1/170)


حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في اصف الأول ... "
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لاقْتَتَلُوا عَلَيْهِ وَمَا تَقَدَّمُوا إِلا بِنُحْبَةٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ: مَا تَقَدَّمُوا إِلا بِنُحْبَةٍ يُرِيدُ الْقُرْعَةَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الأَذَانِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ" 2 وأَصلهُ من المُنَاحَبَةِ وهي المحاكمة يقال: ناحَبتُ الرجلَ إذا قاضيتَه وحاكمتَه ويقال: للقِمَار النَّحْبُ لأنه كالمُساهَمَة أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب عن ابنِ الأعرابي:
ماذا عليه لو أعان بِلِقْحَةٍ ... عَلَى نَحْبِ مولاهُ أَعانَ وأَحربا
قَالَ أبو عمر هذا رجل كان مُقامِرًا فافتَقَر فجاء ابنُ عَمِّه يسأَلُهُ لِقْحَةً لِيُقامِرَ عليها فيُرزقَ مالا فمنعه
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 2/92 بلفظ "..ما صفوا فيه إلا بقرعة أو سهمة".
2 أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: 1/151 ومسلم 1/325 وغيرهما.

(1/171)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَرْوِيهِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ قَالَ: فَدُفِعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بأزز وَذَكَرَ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ خَطَبَ وَذَكَرَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ وَأَنَّهُ يَحْصُرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: "فَيُؤْزَلُونَ أَزْلا شَدِيدًا ثُمَّ يَهْزِمُهُ اللَّهُ وَجُنُودَهُ" 1 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ2, نا زُهَيْرٌ نا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ نا
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدركه 1/330 وأحمد في مسنده 5/16 بلفظ: "فيزلزلون زلزالا شديدا" وسيأتي تخريجه مفصلا.
2 ت: أحمد بن عبيد الله بن يونس.

(1/171)


ثَعْلَبَةُ1 بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ ثُمَّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قوله: بأَزَزٍ يريد بجمع كثير ضاق عنهم المَسْجِد يقال الفضاء منهم أزز والبيتُ منهم أَزَزٌ إذا غَصَّ بهم وقال أبو النجم:
واجتمع الأَقْدام في ضَيْقٍ أزَزْ2
وفي غير هذه الرواية: فإذا المسجد يتأزَّزُ وهو يَتَفَعَّل من الأَزِيز تَمثيلًا له بأزِيزِ المرجَل وهو صَوتُ الغَلَيان وما أُراه محفوظًا
وقوله: يُؤزَلُونَ معناه يُقْحَطُون قَالَ الأصمعي الأَزْل الشِّدَّةُ يقال أَزَلَه يأْزِلُه أَزْلًا إذا ضَيَّق عليه قَالَ زُهَيْر:
وإن أَفْسد المالَ الجماعات والأزل3
__________
1 ط, س: "عن ثعلبة" والمثبت من م, ت.
2 هامش م: "الأقوام" بدل "الأقدام" وفي التاج واللسان "أز" وقلبه: "أنا أبو النجم إذا شد الحجر" برواية: الأقدام.
3 الديوان /150, وصدره: "تجدهم على ما خليت هم إزاءها". ورواى أبو عمر "يكونوا على ما كان فيها أزءها".

(1/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ اهْتَمَّ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الأَذَانِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَابْنُ دَاسَةَ قَالا ثنا أَبُو دَاوُدَ نا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ قَالَ أنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ قَالا نا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ أبو سليمان قد أكثرت السؤال عن هذا الحرف والنشدة له فلم أجد
__________
1 سنن أبي داود 1/134.

(1/172)


فيه إلا دون ما يُقْنِع وقد ذكر في الحديث أَنَّه الشَّبُّور واختلفت الروايات فيه فَقَالَ ابن الأعرابي القُنْع وسمعتُه مرةً أخرى يقول القُنَع.
وأخبرني مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا هُشَيم نا أبو بِشر أخبرني أبو عُمَير بن أنس أخبرني عُمومةٌ لي من الأنصار وذَكَر الحَدِيثَ فَقَالَ فيه القَتَع بالتاء التي هي أخت الطاء.
فأما القُنْع وتفسير الراوي أنه أراد الشَّبُّورَ فإنَّ الروايةَ إذا صَحَّتْ به أمكن أن يقال عَلَى بُعدٍ فيه إنَّما سُمِّي قُنْعًا لإقناع الصَّوت بِه وهو رَفْعُه قَالَ الراعي:
فإذا تعرَّضت المفازَةُ غادرت ... رَبِذًا يُبَغِّل خَلْفَها تَبْغِيلا
زَجِلَ الحُداءِ كأنَّ في حَيْزَومِه ... قضبا ومُقْنِعَةَ الحَنِين عَجُولًا1
يريد الناقة ترفع صوتها بالحنين.
ورواه عُمارَةُ بن عَقِيل وَمقْنَعة الحَنِين بفتح النون وقال هي النَّأْيُ.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون إنّما سمي قُنْعًا لأنه أُقْنِع أَطرافُه إلى داخله قَالَ الأصْمَعيُّ: المُقْنَع: الْفَمُ الَّذِي يكون عَطْفُ أسنانِه إلى داخل الفَمِ ويقال: إن الطَّبقَ الَّذِي يُؤكَل عليه الطَّعامُ إنما سُمِّي قُنْعًا لأنه تُقْنَع أَطرافُه إلى داخله.
وإن كانت الرِّواية القُبَع فالوجه في تَخْرِيجه وإن كان في البُعدِ مثلَ الأول أو أشَدّ أن يكون الشَّبُّورُ إنما سُمِّي قُبَعًا إما لأنه يَقْبَع فَا صاحِبِه: أي يُوارِيه إذا نَفَخ فيه يقال قَبَع الرجلُ رأسَه إذا أدخله في قميصه وقبع
__________
1 الديوان /128, 129 ط دمشق, وديوانه ط بغداد /50 واللسان "رقص", والجمهرة 1/318.

(1/173)


وراء الجِدارِ إذا تَوَارَى أو لأنه قد ضَمَّ أطرافَه إلى داخله يقال قبعت لجراب والجُوالِقَ ونحوَه إذا ثَنيْتَ أطرافَه فجمعتَها إلى داخل وقد يُسَمَّى لشيء ذو القَعر قُبَاعًا أخبرني ابن الفارسي1 أخبرني محمد بن خَلَف نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنِي عَبْد الله بن محمد الطّائيّ نا خالد بن سعيد قَالَ استعمل ابن الزّبير الحارثَ بن عَبْد الله بن أبي ربيعة المخزوميّ عَلَى البصرة فأتَوْه بمكيال لهم فَقَالَ إنَّ مِكيالكُم هذا لَقُباعٌ2 وهو ذو القَعْر فسُمِّي قُبَاعًا فَقَالَ أبو الأسود الدؤليُّ فيه:
أميرَ المؤمنين جُزِيتَ عنا ... أَرِحْنا من قُبَاعِ بَنِي المُغِيرَه3
وقال لي أَبُو عُمَر إنما هُوَ القَثَع بالثَّاء المثَلَّثة وهو البُوقُ وهذا عَلَى ما ذكره أَصَحُّ الوجوه ورواية سعيد بن منصور تشهد لذلك غَيرَ أَنِّي لم أسْمَعْ هذا الحرفَ من غيره
فأما القَتَع بالتاء فهو دود يكون في الخشب والواحدة قَتَعَةٌ
ومدار هذا الحديث عَلَى هُشَيْم وكان كثيرَ اللحن والتّحريف عَلَى جلالة مَحَلِّه في الحديث رحمه الله.
__________
1 ت: "ابن الفارس".
2 م: "إن مكيالكم هذا القباع".
3 التاج "قبح"من غير غزو. ويروي: "أمير المؤمنين أبا خبيب" قال الصاغاني: ذكر أبو الفرج في الأغاني لعمر بن أبي ربيعة وليس في شعره, وينسب أيضا لأبي الأسود الدؤلي.

(1/174)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: "النزاع من القبائل" 1.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/1320, والدارمي 2/311 وأحمد 1/398.

(1/174)


حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
النُّزَّاع جَمْعُ نَزِيعٍ وَهُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي قَدْ نُزِع مِنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ وقال حُمَيْد بن ثَوْر:
نَزِيعان من جَرْمِ بن زبّان إنهم ... أَبَوْا أَنْ يُمِيُروا في الهَزَاهِزِ مِحْجَما1
وامرأة نَزِيعةٌ إذا زُوِّجت في غير قبيلتها من نِساء نَزِائع قَالَ الشاعر:
نَمّتْ بِيّ من شَيْبَان أُمٌّ نزيعة ... كذلك ضرب المنجبات النَّزَائِع
وأولاد الغُرَباء عندهم أشدُّ وأقوى قَالَ الشاعر:
فَتًى لم تَلِدْه بنتُ عَمٍّ قرِيبَةٌ ... فَيَضْوَى وقد يَضْوى رَدِيدُ الغرائِب2
ومنه قَولُ عَنْتَرة:
أَنا الهجينُ عَنْتَرة3
افتخر بأنه هَجِينٌ لأنه أَقوى من الصَّريح وأَجْلَدُ
قَالَ الأصمعي: والنَّزِائعُ من الإبل الغَرائبُ التي تنقذت من أيدي الغرباء
__________
1 الديوان /28
2 كذا في هامش م, وفي جميع النسخ: "القرائب" بدل: "الغرائب" والبيت في اللسان والتاج "ردد, ضوى" دون عزو برواية: "رديد الغرائب".
3 في الديوان /198
إني أنا عنترة الهجين ... فج الأتان قد علا الأنين

(1/175)


ونُرَى والله أعلم أَنه أَرادَ بذلك المُهاجرين الذين هَجَرُوا دِيَارَهم وأَوطانهم إلى الله عَزَّ وجَلَّ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَدَّتِهِ مَيْمُونَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ1 فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ" 2
__________
1 ت: "وسيعود غريبا, فطوبى للغرباء".
2 أخرجه أحمد 4/73.

(1/176)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى سُمِعَ ضَغِيزُهُ أَوْ ضَفِيزُهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"1
هَكَذَا حدثناه محمد بن هاشم بن هشام نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحِنَّائِيُّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبَّادُ2 بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
الضَّغِيزُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فأَمَّا الضَّفِيزُ فَهُوَ كَالْغَطِيطِ وَهُوَ الصَّوتُ يُسْمَع مِنَ النَّائِمِ عِنْدَ تَرْدِيدِ النَّفَسِ وأَصْلُ الضَّفْزِ اللَّقْم واللّوك قَالَ رُؤبةُ:
تَبْتَلِع الهامةَ قبل الضفز3
__________
1 أخرجه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ 1/133 بلفظ"قام من الليل يصلي ثم نام فلقد سمعت صفيره ... ".
2 ت: "ابن عباد بن العوام".
3 الديوان /64.

(1/176)


ويقال ضَفَزْتُ البعيرُ إذا علفْتَه الضَفائِزَ وهي اللُّقَمُ الكبِارُ واحدتها ضَفِيزَة وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي ثَمُودَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ بِوَادٍ مَلْعُونٍ مَنْ كَانَ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ فَلْيَضْفِزْهُ بَعِيرَهُ" 1
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى نا خُنَيْسُ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ ثنا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عن فاطمة الكبرى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: "أَلا إِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَكَ يُضْفَزُونَ الإِسْلامَ ثُمَّ يَلْفِظُونَهُ ثُمَّ يُضْفَزُونَهُ ثُمَّ يَلْفِظُونَهُ ثَلاثًا يُقَالُ لَهُمُ الرَّافِضَةُ" 2
قوله: يُضْفَزُونه معناه يُلقَّنونَه فيَلْفِظُونَه ولا يَقْبَلُونَه ويقال ضَفَزْتُ الفَرسَ لِجامَه إذا أدخلْتَه في فِيهِ
والضَّفْزُ أيضًا بمعنى الجِماع وهو قريب من الأول وفي بعض الكلام: ضَفَزْتُه النَّصِيحةَ فقاءها أي لم يَقبَلْها3 ولولا أَنَّ حقَّ السّماع الاتّباعُ لقُلتُ: إنَّه الصفير إلا أنَّ الصَّفِيرَ بالشَّفَتَيْن
وقد رُوِي في هذا الحديث أَنَّه نام حتى سُمِع فَخِيخُه وحتى سُمِع غَطِيطُه وهُما من الحَلْق إلا أَنَّ الفَخِيخَ أَخَفُّ من الغَطِيط ويُروى عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول:
__________
1 أخرجه البخاري 4/181 معلقا بالاختصار. وقال ابن حجر في الفتح 7/189 وصلة البزار.
2 النهاية "ضفز" 3/94, أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 153 - م بلفظ"يصغرون" والهيثمي في مجمعه 10/22 بلفظ"يرفضون".
3 من ت وم.

(1/177)


طُوبَى لمن كانت له مِزَخَّهْ ... يزخها ثُمَّ ينام الفَخَّهْ1
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ نا ابن المثنى نا ابن أبي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ2 قَالَ: وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ3 فَأَحَدُهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الآخَرِ وَالْخاءُ وَالْغَيْنُ أُخْتَانِ في قرب المخرج
وكان مَعْصُومًا فِي نَوْمِهِ مِنَ الْحَدَثِ وَكَانَ يَقُولُ: "تَنَامُ عَيْنِي وَلا يَنَامُ قَلْبِي" 4 وفي ذَلِكَ دليل عَلَى أنّ النَّومَ عَينَه لَيْس بحدث إذ لا فرق بين رَسُول الله وبين أُمَّتِه في الأحداث وإنما النَّومَ مَظِنَّةٌ للحَدَث لأن النائِمَ قد يُوجَد في الأغلب منه الحَدَثُ فَحُمِل عَلَى حكم الأحداثَ وحقيقة النوم هو الغَشْيَةُ الثَّقِيلَةُ التي تَهْجِم عَلَى القلب فتَقْطَعه عن معرفة الأمور الظاهرة والناعِسُ هُوَ الَّذِي رَهِقه ثِقلٌ قطعه عن معرفة الأحوال الباطنة وقد فَصَل الشاعرُ بينهما فَقَالَ:
وَسْنَانُ أقصده النُّعَاسُ فرَنَّقَتْ ... في عَيْنِه سِنَةٌ وليس بنائم5
قَالَ المُفَضَّل السِّنَةُ في الرَّأْسِ والنَّومُ في القَلْب قَالَ ومنه قَولُ الله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 6
__________
1 السان والتاج "فخخ" يرواية: "أفلح من كانت له مزحة".
2 أخرجه أبو داود 2/45, والبيهقي في سننه3//28.
3 من م, ت, ط, ح.
4 س, ط: "تنام عيناي", وفي ح: "تنام عيني", والمثبت من ت, م. أخرجه أبو داود 2/52.
5 السان"تعس" وعزي لعد بن الرفاع.
6 سورة البقرة: 255.

(1/178)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٍ يُكِنُّهُ وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِرَفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ" 1
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا أَبُو دَاوُدَ نا النَّضْرُ أنا الْحُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حُمْرَانَ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ السَّائِبِ فَقَالَ: "جِلَفُ الخُبْزِ وَالْمَاءِ".
قَوْلُهُ: جِرَفُ الْخُبْزِ: يُرِيدُ كِسَرَ الْخُبْزِ وَاحِدَتُهَا جِرْفَةٌ وَكَذَلِكَ الْجِلَفُ وَاحِدَتُهَا جِلْفَةٌ وَهِيَ قِطَعُ الْخُبْزِ الْيَابِسِ3 الَّذِي لَيْسَ بلَيِّنٍ وَلا مَأْدُومٍ قَالَ ابنُ الأعرابيّ: وهو مأخوذ من جرفتُ الشيءَ أجرِفُه إذا قَشَرْتَه4 ويقال جَرَفْتَه السَّنَةُ وجَلَفَتْه إذا أَذهبَتْ ماله5 قَالَ أبو عُبَيدة المُجَلَّف والمُعَصَّبُ هُوَ الَّذِي أَتى الدَّهرُ عَلَى ماله يقال جَلَّفَتْه السِّنُون وَعَصَّبَتْهُ6 السُّنُون إذا أكلتْ مالَه وقال غيره المُجَرَّفُ مَنْ بقى له شيء قليل والمجلف المستأصل الحوادثُ جَرَّفَتْني فلم أَرَ هالِكًا كابْنَي زيادِ هما رُمْحان خَطِّيَّانِ كانا من السُّمْر المُثَقَّفَةِ الصِعادِ وقال أبو عُبَيْدةَ يقال أتانا بخُبزٍ كِسَفٍ أي قِطَعٍ ومنه قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} قال واحدتها كسفة وقال رجل من طيءٍ يرثي الرَّبيعَ وعمارةَ ابني زياد العَبْسِيَّيْن7:
__________
1 أخرجه الترمذي 4/571, والحاكم 4/322, وأحمد 1/62 بنحوه, وكليهم بلفظ "جلف الخبر".
2 ت: "حمدان".
3 ت: "قطع الخبز الغليظ اليابس"
4 سقط من ت, وهو في, س, ط, ح.
5 ت: "ذهبت بماله".
6 ح: "وجرفته".
7 م, ط: "العبشميين".

(1/179)


وإن تكن الحوادثُ جَرَّفَتْني ... فلم أَرَ هالِكًا كابْنَي زيادِ
هما رُمْحان خَطِّيَّانِ كانا ... من السُّمْر المُثَقَّفَةِ الصعاد1
وقال أبو عبيد: يقال: أتانا بخبر كِسَفٍ: أي قِطَعٍ, ومنه قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} 2 قال: ويقال أصابتهم جَلِيفَةٌ عظيمة إذا اجْتَلَفت أموالَهم ويُجمَع عَلَى الجَلائِف قَالَ الشاعر:
وإذا تَتَبَّعَتِ الجَلائِفُ مالَنا ... خُلِطَت صَحِيحَتُنَا إلى جَرْبَائِه3
ومنه قَولُ الفرزدق:
وعَضُّ زمانٍ يا بْنَ مَرْوان لم يَدَعْ ... من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجُلَّفُ4
ويروى إلا مُسحَتٌ أو مُجَلَّف فمن روى إلا مُسحتًا بالنصب جعل معنى لم يدع لم يترك ورفع مجلف بإضمار كأنه قال أو هو مجلف5
__________
1 اللسان "جرف".
2 سورة الشعراء:187.
3 اللسان "جلف", وعزي للعجير.
4 اللسان "جلف", والديوان/31
5 من ت.

(1/180)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ فَيَتَلَقَّى نَبِيَّ اللَّهِ لَيْلا فَقَالَ لَهُ: "مَنْ أَنْتَ" قَالَ بُرَيْدَةُ فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ" ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ"؟

(1/180)


قَالَ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "سَلِمْنَا" ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ" قَالَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ قَالَ: "خَرَجَ سَهْمُكَ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ ثنا الحسين بن حريث ثنا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن بريدة حدثني الحسين بن واقد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه.
قوله: رد أَمْرُنَا فِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ سَهُلٌ أَمْرُنَا وَمِنْهُ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ" 2 ويقال عيش باردٌ أي ناعم سَهْل ومن هذا قولهم في الدعاء للمَيِّت اللهُمَّ بَرِّد عليه مَضْجَعَه وأَنشد الباهليُّ:
قليلة لحم النَّاظِرَيْن يَزِينُها ... شَبابٌ ومَخْفوضٌ من العيش باردُ3
والوجه الآخر أن يكون مَعْناه ثَبَتَ أمرُنا واستقام من قولهم بَرَد لي عَلَى فلان حَقٌّ أي وجب وثَبَتَ قَالَ الأصمعيّ ما بَرَد لَكَ عَلَى فلان شيء وكذلك ما ذابَ لك عليه شيءٌ ويقال إن أصحابك لا يبالون ما بردوا عليَكَ أي ما ثَبَتُوا عليك قَالَ الشاعر:
اليومَ يومٌ باردٌ سَمُومُه ... مَنْ جَزِع اليومَ فلا نَلُومُه4
أي ثابت سَمُومُه.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون بَرَد بمعنى ضَعُفَ وفَتَر يريد به أمر
__________
1 ذكر الهثيمي في مجمع الزوائد 6/55 بنحوه, وقال: رواه البزار وفيه: عبد العزيز بن عمران الزهري, متروك.
2 أخرجه أحمد 1/335, والترمذي 3/153.
3 اللسان "برد".
4 اللسان "برد".

(1/181)


قُريش والخارِجِين في أثَره من الطَّلب يقال جدَّ فلان في الأمر ثُمَّ بَرد أي فَتَر واستَرْخَى قَالَ الراجز:
الأبيضان أَبرَدا عِظَامِي ... الفَثُّ والماءُ بلا إدامِ1
ويقال: ضَرَبَه بالسّيف حتى بَرَد أي مات وسَكَن
وأخبرني أبو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابي قَالَ سمعتُ أبا المكارم قَالَ كان مِنَّا فَتى يقال له في الحَيَّ عَلَق2 وكان عفيفَ الخَلْوةِ فجاءنا يومًا وهي في بيتها فَدخَل3 يتَحدَّثُ إليها فأسرع الخروج فقلنا له ما لك قَالَ منعني البَردُ قَالَ فدخلنا فإذا الجارية مَيِّتَةٌ ومن هذا حديث عمر بن الخطاب أنه شَرِب النّبيذَ بعد ما بَرَد غَلْيُه أي سكن وقد يجوز أن يكون النَّومُ إنما سُمِّيَ بَرْدًا لهذا المعنى ذَلِكَ لأنه يُرخي المفاصِلَ ويُسَكِّنُها وزعم بعضهم أنه إنما سُمِّي بَرْدًا لأنه يُبرِّد حرارةَ العطش ويسكِّنها.
وقوله: خَرجَ سَهمُك معناه الفَلْجُ والظَّفَر وأصله في الشيء يتداعاه الجَماعةُ فيستهمون عليه أي يُجيلون السِّهامُ فمن خرج سهمهُ منهم حَازَه دون أصحابه قَالَ الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} 4 وقال: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 5.
__________
1 اللسان "برد".
2 ح: "كان منا فتى له في الحي غلق" وفي التاج علق: العلق: المحبة.
3 ح: "فدخل في بيتها يتحدث إليها".
4 سورة الصافات: 141.
5 سورة آل عمران: 44.

(1/182)


وفي الحديث من الفقه استحبابُ الفَأْلِ والتيَمّن بالاسْم الحَسَن وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الفأْل ويكره التَّطَيُّر1
أخبرني أبو محمد الكُراني ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأصمعي قَالَ سُئِل ابنُ عَوْن عن الفأل فَقَالَ هُوَ أن يكون مَريضًا فيسمع يا سَالِم أو يكون باغيًا فيَسْمَع يا واجد
والفرق بين الفأل والطِّيَرة أَنَّ الفَألَ إنما هُوَ من طَريق حُسن الظَّنِّ بالله عَزَّ وجَلَّ والطِّيَرَة إنما هي من طريق الاتّكال عَلَى شيء سِواه وفي هذه القِصة أَنَّ بُرَيْدَةَ أَسلَم ومعه سَبْعُون راكِبًا من أهل بيته ثُمَّ قَالَ الحمد لله إذا أَسلَمتْ بَنُو سَهْم طائِعين غير مُكْرَهِين ودعا لهم رَسُول الله فَقَالَ: "أسلَمُ سالَمها اللهُ" 2 وذلك لأن إسلامهم كان سلما ععن غير حَرْب
وأما قوله: "غِفَارُ غَفَر اللهُ لها" 3 فَنُرى -والله أعلم- أَنَّه إنّما خَصَّهم بالدُّعاء بالمغْفِرَة لمُبادرتهم إلى الإسلام وقد أَسلَم أبو ذَرٍّ في أول أَيّامِ رَسُول الله وهو بمكة غير ظاهر وَفِي قِصَّةِ إِسْلامِهِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتَ" قُلْتُ أَنَا جُنْدَبٌ4 رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ فَكَأَنَّهُ ارْتَدَعَ وَوَدَّ أَنِّي كُنْتُ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِي وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يُقْرَفُونَ5 بِهِ مِنَ الشَّرِّ وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/332 بلفظ"الطيرة".
2 النهاية "سلم" 2/394 وجاء فيها: ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا, إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها أو أخبر أن الله قد سالمهاومنع من حربها.
3 أخرجه البخاري في مواضع منها 2/33, ومسلم 1/470 و4/1922, والترمذي 5/729 وغيرهم.
4 م: "أبا جندب"
5 ت: "يعرفون".

(1/183)


وَيَسْرِقُونَ الْحَجِيجَ فَيُشْبه أن يكون والله أعلم إنما دعا لهم بالمَغْفِرة ليمحوَ تلك السُّبَّةَ ويُزِيلَها عنهم ثُمَّ حَسُنَ بَلاءُ هاتَين القبيلتين في الإسلام.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَيُقَالُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ أَسْلَمَ أَرْبَعُ مِائَةٍ وَمِنْ غِفَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ.

(1/184)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشٍ أَدْغَمَ1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثنا مُحَمَّدُ2 بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ الْجِيلانِيِّ3 عَنْ أَبِي سَعْدٍ الزُّرَقِيِّ4
الأَدْغَمُ مِنَ الْكِبَاشِ مَا اسْوَدَّتْ أَرْنَبَتُهُ وَمَا تَحْتَ حَنَكِهِ والدُّغْمَةُ السَّواد ويقال إنه إنَّما سُمِّي أدغم لأنه أدغم في السَّوادِ أي أُدخِل ومنه إدغام الحُروفِ قَالَ الهُذَليّ:
بمقربات بأيديهم أعنتها ... خوض إذا فَزِعوا أُدْغِمْن في اللُّجُمِ
أي أدخلن.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/1046 بنحوه.
2 كذا في س, قال: وهو الصواب. وفي بقية النسخ: عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ.
3 ح: "عن أبي سعيد الدرقي".
4 اللسان "دغم", وعزاه لساعدة بن جؤية, وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1233.

(1/184)


وقال أبو زيد إذا اسودَّت نخرة الشاة وحكمتها فهي دغْماء1 فإن اسودَّ رأْسُها فهي رأساء فإن أبيضٌ رأسُها من بين جَسَدِها فهي رَخْماء ومُرخَّمَة فإن اسودَّت العُنُق فهي دَرْعاء فإن كان بعُرضِ عُنُقِها سَوادٌ فهي لعطاء.
__________
1 اللسان "دغم": النخرة: الأرنبة. والحكمة: الذقن.

(1/185)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ ثنا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَفَّانُ وَكَانَ حَدَّثَنَاهُ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ إِنَّمَا هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عِمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ.
البَرْدان الغَداةُ والعَشِيُّ وهما الأبردان قَالَ الشَّمَّاخ:
إذا الأَرْطَى تَوسَّد أَبْرَدَيْه ... خدود جوازىء بالرَّمْلِ عِينِ2
وإنما قيل أَبردان لِطِيب الهَواء وبَرْدِه في هذين الوَقْتَين.
وأنشدني أبو رَجَاء الغَنَوِيّ أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب:
فلا الظِّلُّ من بَرْدِ الضُحَى نَسْتَطِيعُه ... ولا الفَيْءُ من برد العَشِي نَذُوقُ3
قَالَ: وقال أبو العباس: أُخْبِرتُ عن أبي عُبَيْدة قَالَ: قَالَ رُؤْبَةُ كُلُّ ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فَيْء وظِلٌّ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل.
__________
1 أخرجه البخاري 1/142 ومسلم 1/440 وغيرهما.
2 الديوان /331.
3 البيت لحميد بن في ديوانه/ 40 برواية أخرى.

(1/185)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فأَبرِدوا بالصّلاة" 1 فليس هذا من بَرْدَي النهار ولا من الجائز تأخير الظُّهر إلى ذَلِكَ الوقت وإنما الإبراد انكسار وهَج الشمس بعد الزوال وسُمِّي ذَلِكَ إبرادًا لأنه بالإضافة إلى حَرِّ الهاجرة بَرْدٌ وقد روينا هذا التّفسيرَ عن محمد بن كعب القُرَظِيّ
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ نا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو نا أَفْلَحُ2 بْنُ سَعِيدٍ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ" قَالَ كلام العرب إذا كان القَومُ في السَّفر فزالت الشَّمسُ وهَبَّت الأَرْوَاح تَنادَوْا أَبْردتُم فالرَّواح
قَالَ وكان يُعَدُّ إبرادًا حين تزول الشّمسُ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ" 3
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ نا خَالِدٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ".
وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا فَقُلْتُ وَمَا الْعَصْرَانِ؟ قَالَ: "صَلاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا".
فإن العَصْرَيْن عند العرب الغَدَاةُ والعَشِيِّ قَالَ حُمَيْد بنُ ثَوْر:
ولن يَلْبَثَ العَصْران يَومٌ ولَيْلَةٌ ... إذا طَلَبا أن يُدْرِكَا ما تَيَمَّمَا4
فجعلهما يومًا وليلةٍ.
__________
1 أخرجه البخاري 1/135, وأبو داود 1/110, والترمذي 1/295 وغيرهم.
2 ت: "الأفلح".
3 سنن أبي داود 1/116.
4 الديوان /8, برواية: ولا يلبث العصران يومًا وليلةٍ".

(1/186)


وقال آخر:
أُمَاطِلُه العَصْرَيْن كيما يَملَّني ... ويرضى بِنصف الدَّينِ والأَنفُ راغم1
وقد ذهب بعضُ أهلِ اللغة في العَصْرَيْن إلى مجاز تَغْليبِ أحدِ الاسمين عَلَى الآخر كقولهم الأسودان للتَّمرْ والماء وسِيرَةُ العُمَريْن يريدون أبا بكر وعُمَر وهو عند أصحاب المعاني عَلَى حقيقة الاسم والوضع في كل واحد منهما كالبَرْدَين والجَديدَيْن وما أشْبَهَهُما من مُثَنَّى الأَسماء
ويقال والله أعلم إن صلاة العَشِيّ2 إنما سُمِّي عصرًا لأن مَدَى وَقْتِها يُقارِب غُروبَ الشمس من قولهم أعصَرت الجاريةُ إذا قاربت الإدراكَ وجارية مُعْصِرٌ قَالَ الشاعر:
جارية بسَفْوان دَارُها ... قد أَعْصَرَتْ أو قد دنا إعصارها3
وكذلك هذا المعنى في تسمية صلاة الفجر عَصْرًا وذلك أن الوقت الَّذِي تُصَلَّى فيه قد يمتد إلى طلوع الشمس أو يُقارِبه وقد روي عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} 4 أنه قَالَ: "أَلا وهي العَصْرُ" 5 وذهب عبد الله بن عمر وابن عباس وعطاء وطاووس في تأويلها إلى أنها صلاة الفجر وتابعهم عَلَى ذَلِكَ من فقهاء الأمصار الشّافعيُّ ولا أراهم توهموه إلا معنى الخبر وهو قوله: "أَلا وهي العَصْرُ" عَلَى أن ضَربًا من الاستنباط قد يشهد لمذهبهم وذلك أَنَّ صَلاةَ الفجر واسِطَةٌ
__________
1 م, ح:" ... حتى يملي". والبيت في اللسان والتاج "عصر" دون عزو.
2 ح:"العشاء".
3 اللسان "عصر". وعزي لمنصور بن مرثد الأسدي. وفي التاج: يقال لمنظور بن حبة, كما في التكملة.
4 سورة اليقرة: 238.
5 أخرجه مسلم 1/437. والنسائي 2/236, ومالك 1/139.

(1/187)


بين صلاتين قبلها تُجْمَعَان في السفر وهما المغرب والعشاء وبين صلاتين بعدها وتجمعان كذلك وهما الظُّهر والعَصْر وصلاة الفجر لا تُجمَع إليها صلاة فهي واسطة بين الصَّلَوات الخمس.

(1/188)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ أَوِ الْقَثَدَ بِالْمُجَاجِ"1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراس نا جعفر السُّوسِيُّ نا أَبُو بَكْرٍ الأَدَمِيُّ2 نا شَاذُ بْنُ فَيَّاضٍ نا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
المُجاج فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إِمَّا الْعَسَلُ أَوِ اللَّبَنُ ويُسَمّى العَسَلُ مُجاجًا لأن النَّحلَ يَمُجُّها وكذلك اللبن إنما يُسَمَّى مُجَاجًا لأَنَّ الضَّرْع يَمُجُّه عند الحَلْب وكُلُّ ما تَحَلَّب من شيءٍ فهو مُجاجُه ولذلك قيل للريق مُجاجٌ قَالَ طرفة:
شَهِيَّةُ طَعْم الرِّيق يجري سِواكُها ... عَلَى بَرَدٍ عذب المُجاجَةِ أَشْنَب3
وقال آخر:
وماءٍ قَدِيمِ العَهْدِ أَجْنٍ كأنَّه ... مُجاجُ دَبى لاقى بهاجرةٍ دَبَى4
وللجراد لُعابٌ يسيل من أفواهها. قَالَ أبو ثَروان العُكْلِيُّ في كلام له أقويتُ فلم أَطْعَم ثلاثًا إلا لَثا الإِذخِر ومُجاجَةَ صَمْغ الشَّجَر أي ما يتحلب من الصمغ
__________
1 ذكره ابن حبان في المجروحين 2/158: ترجمة عباد بن كثير , وكان يأكل القثاء إذا أكله بالملح, وبلفظ المجاج في الفائق 3/346
2 م, ح: "الأمي".
3 لم أقف عليه في الديوان ط بيروت أو دمشق.
4 اللسان والتاج "مجج" دون عزو.

(1/188)


وخُبزُ مُجَاجًا خُبزُ الذُّرة يُفَتُّ فيُروَّى بالَّلبن ثُمَّ يُؤكلُ ولذلك يقول قائلُهم:
أَطْيبُ شيءٍ باليَمَنْ ... خُبزُ مُجاجَا بالّلبن

(1/189)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ وَأَنَّهُمَا لَمَّا رَكِبَا السَّفِينَةَ حَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرٌ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
قوله: بغير نَوْل يريد بغير جُعْلٍ والنَّوْلُ والنَّالُ المَنالةُ وأما النَّيْلُ والنَّوال فإنهما العطاء ابتداءً يقال رجل نَالٌ إذا كان كثيرَ النَّوال ورجلان نالان وقوم أَنوالٌ كما قَالُوا رجلٌ مالٌ أي كثيرُ المال وكبشٌ صافٌ كثيرُ الصُّوف ويقال نُلتُ الرَّجلَ أَنُولُه نَوْلًا ونِلْتُ الشيءَ أَنالُه نيلا.
__________
1 ت: "حملوه" بدل: "حملوهم" أخرجه الحميد في مسنده 1/182, 183 في حديث طويل.

(1/189)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ أَنْشَدَهُ شِعْرًا فَقَالَ لَهُ: "أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ" قَالَ فَنَيَّفَ عَلَى الْمِائَةِ وَكَأَنَّ فَاهُ الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ تَرِفُّ غُرُوبُهُ
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَمَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ إِلا فَغَرَتْ مَكَانَهَا سِنٌّ1
__________
1 اللسان "فغر": قوله: ففرت أي طلعت, قال الأزهري: صوابه ثغرت بالثاء ألا أن تكون الفاء مبدلة في استيعاب 4/1516 وأسد الغابة 5/292.

(1/189)


حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ نا إِسْمَاعِيلُ بن يعقوب الصفار نا سوار بن سهل نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ1 نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن حبيب الكعبي عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ قَالَ سمعتُ نابغةَ بَنِي جَعْدَةَ يَقُولُ أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ قَوْلِي:
عَلَوْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرُّمًا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا2
قَالَ فغَضِب رسول الله وقال لي: "إلى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى" قُلْتُ إِلَى الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ:
فَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرُ أَصْدَرَا
قَالَ: "أجَدْتَ لا يَفْضُضُ اللَّهُ فَاكَ" قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّ فَاهُ الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ تَرِفُّ غُرُوبُهُ المظهر المَصْعَد والمُرْتَقَى قَالَ الله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} 3
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِي قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ"4
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ أنا أَبُو دَاوُدَ نا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ وَتَصْعَدَ إِلَى شعف الجدر5
__________
1 س, ت, ط: "الجرسي", والمثبت من م, ح.
2 الديوان /72.
3 سورة الزخرف: 33.
4 أخرجه البخاري 1/132, ومسلم 1/426, وأبو داود 1/111 وغيرهم.
5 سقط من ح. وشعف الجدار: أعلاها.

(1/190)


ورواه سفيان عن الزهري فقال: وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِهَا لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ1 حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادِهِ
وقال محمد بن إسحاق: لم يَظْهر أي لم يَغِلب الفَيْءُ عَلَى الشّمس في حجرتها وليس هذا عندي بالوَجْه لأن الفَيْءَ وَقْتَ العَصْر في الأبنية لا محالةَ أَغلبُ من الشمس وإنما معناه لم يصعد الفَيْءُ بعد إلى أعالي الحيطان
فأما قَولُه: إنه كان يُصَلِّي والشَّمسُ حَيَّةٌ2 فإِنَّ حَياتَها صَفاءُ لونِها قبل أن تَصْفَرَّ أو تَتغَيَّر قَالَ ذو الرُّمَّة:
يُرِيك نُجومَ الَّليل والشمسُ حيَّةٌ ... زِحامٌ ببابِ الحارِثِ بنِ عُبادِ3
وقوله: بَوَادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا فإنها جمع بادِرَة وهي الكلمة تكون من الإنسان في حال الغضب. يقول إنَّ الحليمَ إذا لم تكن منه بادرةٌ يَقمَع بها السَّفِيهَ استُضْعِف واستُذِلَ كقول الشاعر:
إذا أنتَ لم تَخْشِفُ مع الحِلْمِ خَشْفَةً ... من الجَهْلِ لم يَعْزِز أَخٌ أنتَ ناصِرُه
وقوله: لا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ معناه لا يكسِر اللهُ أسنانَك التي في فيك ثُمَّ حُذِف لعلم المخاطب كما يقال يا خَيلَ الله اركبي أي يا رُكَّابَ خيل الله ومثل هذا في الاختصار قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} 4 أي حب
__________
1 أخرجه البخاري 1/136 ومسلم 1/246.
2 البخاري 1/140 ومسلم1/447 وأبو داود 1/111.
2 لم أقف عليه في ديوانه ط كمبردج.
3 ت: "واستبذل".
4 سورة البقرة: 93.

(1/191)


العجل وقال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 1 أي: أهلَ القَريَة: وأنشدنا أبو عُمَر2:
حَسِبتَ بُغامَ راحِلَتِي عَنَاقًا ... وما هيَ وَيْبَ غَيرِك بالعَناقِ3
يريد بُغَامَ عَناقٍ
وفيه لغتان لا يَفْضُضِ اللهُ فاك ولا يُفضِ اللهُ فَاكَ فَمنَ قَالَ يَفْضُض فمعناه يكسر ويَفُلُّ ومن قَالَ يُفْضِي أَراد لا يجعل الله فَاكَ فَضاءً لا سِنّ فيه والبَرَد المُنْهَلُّ هُوَ الَّذِي سَقط لوقْتِه وفيه بَيَاضُه ورونَقُه يقال هَلَّ السَّماءُ بالمَطرِ هَلا وانهل انهلالا وهو شِدَّة انْصبابه
وقوله: تَرِفُّ غُروبهُ معناه تَبرُق وتَلأْلأُ يقال رفَّ الثَّغْرُ يَرفُّ قَالَ عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
يَرِفّ إذا تَفْتَرُّ عنه كأنّه ... حَصَا بَرَدٍ أو أُقْحوانٌ مُنَوَّرُ4
وقال نَصْرُ بنُ حَجَّاج وقد حَلَقَه عُمرُ بن الخطاب:
فَصَلَّع رأْسًا لم يُصَلِّعْه رَبُّه ... يَرِفُّ رفيفًا بعد أسودَ جاثلِ5
وغُروبُه ماؤُهُ وأشره قال المرؤ القيس:
فتور القيام قطيع الكلا ... م تَفْتَرُّ عن ذي غُرُوبٍ خَصِرْ6
وقوله: فَغَرت يُرِيد طَلَعت ويقال فَغَر الوردُ إذا تَفَتَّق ومنه فغر
__________
1 سورة يوسف: 82.
2 ح: ابن عمر.
3 اللسان والتاج "بغم", وعزي لذي الحرق.
4 الديوان /124, برواية: "تراه" بدل: "يرف".
5 ط: "لم يحلقه ربه". بدل "لم يصلعه ربه".
6 الديوان / 157

(1/192)


الفم وهو فَتْحُه ويجوز أن يكون ثغَرتْ أي طَلَع ثَغْرُه والفاءُ تُبدَل من الثّاء في لغة كثير من العرب كقولهم جَدَثٌ وجَدَفٌ وثُومٌ وفُومٌ.

(1/193)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى فَجَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ" فَأَرَمَّ الْقَوْمُ وَيُرْوَى فَأَزَمَّ الْقَوْمُ1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا عَيَّاشُ بْنُ تَمِيمٍ السُّكَّرِيُّ نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ
قوله: حَفَزَه: أي جَهَده النَّفَس وعَلاه البُهر وأصل الحَفْز الحَثُّ والاستِعْجالُ يقال احْتَفَزتُ للأمر إذا انزعَجْتَ له قَالَ الشاعر:
وقد أَغدُو غَداةَ الرَّوْع هَشًّا ... بمُنكَفِت الثَّمِيلَة ذي احتَفازِ
وقوله: فأَرمَّ القومُ معناه سَكَتُوا ولم يُجيبوا يقال للساكت المُطرِق مُرِمٌّ قَالَ ذو الرُّمَّة:
مُرِمِّين من لَيْثٍ عليه مهابَةٌ ... تَفَادى الأُسُودُ الغُلبُ منه تَفادِيًا2
وقال آخر:
يَردْنَ واللَّيلُ مُرِمٌّ طائِره ... مُرْخى رِواقَاهُ هُجُودٌ سامِرُهْ3
فأما قولُه: أَزَمَ فمعناه راجع إلى الأول والأَزْمُ: الإمساك عن الكلام وعن الطعام ولذلك سُمّيَت الحمْية أَزْما وقيل للحارث بن كَلَدة ما الطِّبُّ؟
__________
1 أخرجه مسلم 1/419, 420, وأبو داود 1/203, والنسائي 2/133.
2 اللسان "فدي" والديوان 654
3 اللسان والتاج "رمم", وعزي لحميد الأرقط.

(1/193)


قَالَ الأزم يريد الحِمْيَة ويقال إن الأصلَ في الأزم العَضّ وذلك أن العَاضَّ عَلَى الشّيء يَشُدّ أحد لِحْيَيه عَلَى الآخر فَشُبِّه المُمْسِك عن الطعام به
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ زَامٌّ لا يتكلم 1
فمعناه أنه رافع رأسه لا يُقْبِل عليه ولا يستِمع إليه يقال حَمَل الذِّئبُ السّخْلَةَ زامًّا بها أي رافِعًا بها رأسه.
__________
1 الفائق "زمخ" 2/123.

(1/194)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه ذكر قارىء الْقُرْآنِ وَصَاحِبَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَكَ النَّجْدَةَ تَكُونُ فِي الرَّجُلِ فَقَالَ: "لَيْسَتْ لَهُمَا بِعَدْلٍ إِنَّ الْكَلْبَ يَهِرُّ مِنْ وَرَاءِ أَهْلِهِ" 1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ
قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكَ هُوَ كَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ ويَجرِي فِي الْكَلامِ مَجْرَى الاسْتِخْبَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 2
وقوله: إنّ الكلبَ يَهِرُّ من وراء أهله مَثَل ومعناه أن النَّجدةَ والشَّجَاعَةَ غَريزَةٌ في الإنسان فهو قد يَلْقَى الحربَ ويُقاتِلُ حمية لا حسبة
__________
1 أخرجه أحمد 4/105, إلى قوله: فقال رجل با رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَكَ النَّجْدَةَ تَكُونُ في الرجل ثم قال: وسقط باقي الحديث. وذكره الهيثمي 3/108 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.
2 سورة الإسراء: 62.

(1/194)


وضرب الكلبَ مثلا إذْ كان من طَبْعه أن يَهِرّ دون أهله ويَذُبَّ عنهم
وقوله: لَيْسَت لهما بِعَدْل أي بِمِثْل قَالَ الفَرّاء ما كان من جِنْس الشيء فهو عِدْلُه وما كان من غيرِ جِنْسِه فهو عَدْله يقال عندي عِدْل غُلامِك أي عندي غُلامٌ مِثلُه وعَدْل غُلامِك أي قيمته من الدراهم والدَّنانِير.

(1/195)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ عَادَ سَعْدًا فَوَصَفَ لَهُ الْوَجِيئَةَ1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَقَالَ: "إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ فَأْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلْدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ يَتَطَبَّبُ فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ"
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَةَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ الْفَرِيقَةَ.
قوله: فَلْيَجأْهُنَّ الوَجيئَةُ التّمرُ يُبَلّ بلبَن أو سَمْن حتى يلزَمَ بعضُه بعضا ويؤكل واللدود كلّ ما يوجَرُه الإنسان من أَحدِ شِقَّيه ومنه قيل لجانبي الوادي اللَّدِيدان يقال لَدَّه لدًّا ولَدُودًا والاسم اللِّداد ويُجمَع أَلِدَّة قَالَ ابن أحمر:
شَرِبْتُ الشُّكَاعَى والتَدَدتُ أَلِدَّةً ... وأَقْبلتُ أَفواهَ العُروقَ المكاوِيَا2
والفَرِيقَةُ نَحوٌ من الوَجيئة قال ذو الرمة3:
__________
1 سنن أبي داود 4/807, والفائق "فأد" 3/85, والنهاية "وجأ" 5/152.
2 اللسان والتاج "شكع", الديوان /171 ط دمشق. والشكاعي: نبت يتداوي به.
3 لم أقف عليه في الديوان ذي الرمة. وعزي في اللسان والتاج "فرق" لأبي كبير الهذلي.
قال ابن بري: صوابه: لقد وردت الماء بفتح التاء لأنه يخاطب المري, وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1086 برواية "فوق جمامة" ومثل الفريقة. زجاء الشرح: الفريقة: حلبة تطبخ للنفساء مع حبوب, فشبه ماء ذلك المكان بالفريقة لصفرته.

(1/195)


ولقد وردتَ الماءَ لونُ جمامِه ... لون الفريقة صفيت للمُدْنَفِ
وقوله: مَفْئُود يريد أنه أُصيبَ بداءٍ في فؤاده يقال منه فُئِد الرَّجلُ إذا أُصيبَ فُؤادُه وصُدِر إذا أُصِيبَ صَدرُه ومنه المَثَل لا بد للمَصْدُور من أَنْ يَنْفِثَ1 ومثلُه جُنِب وبُطِن فهو مَجْنُوبٌ ومَبْطون قَالَ الشاعر:
إذا ضَرَبتَ موُقَرًا فابطُنْ لَهْ ... بَيْنَ قُصَيْراه وبَيْن الجُلَّهْ2
وزعم بعضهم أن الفؤادَ غِشاءُ القلب وأن القَلْبَ حَبَّتُه وسُوَيْداؤه وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً" 3
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ: أَنَّ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةٌ مِنَ النَّارِ فَحَبَسَتْهُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْفَرَقَ مِنَ النَّارِ فَلَذَ كَبِدَهُ" 4
فإنه يريد أنَّ الخَوفَ قد خَلَع كَبِدَه وقَطَعَها والفِلْذَةُ القِطْعَةُ منها ويقال فَلَذ له من العَطاءِ أي قَطَع له قَالَ الشاعر, وهو كُثَيِّر5:
إذا المالُ لم يوُجِبْ عليك عَطاءَه ... صَنيِعَةُ تَقْوَى أو صديق توامقه
__________
1 اللسان "صدر" ومجمع الأمثال 2/241, ويروي: "أن يسعلا"
2 اللسان "جلل" ولم يعز.
3 أخرجه البخاري 5/219, ومسلم 1/73 وغيرهما.
4 النهاية "فلذ" 3/470.
5 من ح: والشعر في اللسان "فلذ", وعزي لكثير, وهو في ديوانه 308, 309.

(1/196)


بَخِلتَ وبَعضُ البُخل حَزمٌ وقُوَّةٌ ... ولم يَفْتَلِذْك المالَ إلا حَقَائِقُهْ
ويروى يَفْتَلتْك:
يقال افتَلَتُّ الشيءَ إذا أَخَذتَه فُجاءةً قَالَ الشاعر:
فإن يَفْتِلتْها والخِلافَةُ تَنْفِلت ... بأكرم عِلْقَي مِنْبَرٍ وسَرِيرِ
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا"1: أَيْ أُخِذَتْ نَفْسُهَا فُجَاءَةً
وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ نا ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ صُبَيْرَةُ يَقُومُ عَلَى الْمَجَالِسِ فَيَقُولُ هَلْ تَرَوْنَ بِي بَأْسًا إِعْجَابًا بِنَفْسِهِ فبينا هو كذلك إذا فَجِئَهُ الْمَوْتُ أَصَحَّ مَا كَانَ فَقِيل فيه:
مَنْ يأمَنِ الحَدَثان بعـ ... ـد صُبَيْرةَ القُرَشيِّ ماتَا
سَبَقَت مَنِيَّتُه المشيـ ... ـب وكان مِيتَتُه افْتِلاتَا2
قَالَ العَنْبرِيّ: صُبَيْرة وقال غيره: ضُبَيْرةَ بالضَّادَ المعجمة
__________
1 أخرجه أبو داود 3/118, والبخاري 2/121, 4/10, ومسلم 2/696, 3/1254 بلفظ أن رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ...
2 للاشتقاق /125 برواية: "صبيره السهمي".

(1/197)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمْ يَشْعُرْ بعسكر رسول الله يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى تَصَايَحَ الْفَرِيقَانِ فَفَزِعَ أَبُو الْحَكَمِ فَقَالَ مَا الْخَبَرُ فَقِيلَ مُحَمَّدٌ فِي الدَّهْمِ بِهَذَا الْقَوْزِ قَالَ فَأَخَذَتْهُ خَوَّةٌ فلا ينطق"1
__________
1 الفائق "دهم" 1/448.

(1/197)


يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغَطَفَانِيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ.
الدَّهْمُ العدد الكثير يقال جيش دَهْم: أي كَثِير قَالَ طرفة:
وأنا امرؤ أكْوِي من القصر الـ ... ـبادي وأغشى الدَّهْمَ بالدَّهْمِ1
وقال آخر:
جِئْنَا بِدَهْمٍ يَدْحَرُ الدُّهُومَا ... مَجْرٍ كأنَّ فوقه النجوما2
المجر: جيش شَاكُّونَ
وأخبرني أبو عمر أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ ابن الأعرابي قال: بدهم الخَلْق الكَثِيرُ وقال أَعرابِي وقد سَبَقَ النَّاسَ إلى عَرفَةَ اللَّهُمّ اغْفِر لي قبل أَنْ يدهَمَك النَّاسُ
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ بِدَهْمٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ" 3
والقَوْزُ الكَثيبُ من الرَّمْل ويجمع عَلَى القِيزانِ والخَوَّةُ الفَتْرَةُ أصله من الخَوَى قَالَ ابن الأعرابي: الخَوَّةُ الجوع كانت في الأصل خَوْية يقال خَوِي فلان يَخْوَي خَوًى إذا جاعَ فشُدِّدت الواو وتركت الياء
__________
1 الديوان /87.
2 اللسان والتاج "دهم" برواية: "يدهم الدهوم".
3 في ح: "من أراد أهل المدينة". وأخرجه أحمد 1/180.

(1/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِهَذَا الْقُرْآنِ شِرَّةً ثُمَّ إِنَّ لِلنَّاسِ عَنْهُ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْقَصْدِ فَنِعِمَّا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الإِعْرَاضِ فَأُولَئِكُمْ بُورٌ" 1
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 7/168 وقال: رواه أبو يعلى.

(1/198)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ1 نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: إن للقرآن شِرَّةً معناه إن للقارىء المبتدىء فيهِ رَغْبةً ونشاطًا ومنه شِرَّةُ الشَّبَابِ وهي مَيْعَتُه ونشاطُه قَالَ الشاعر:
رأت غلامًا قد صَرَى في فقْرتهْ ... ماءُ الشَّباب عُنْفُوان شِرَّتِهْ3
والمعنى: مَدْحُ الاقتصاد في القراءة والأَمرُ بالمواظبة عليه
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى الاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ أَخْبَارٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى" 4
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا" 5ومعناه لا يَسأمُ إذا سَئِمْتُم كقول الشَّنْفَرَى:
صَلِيَت مِنّي هُذَيلٌ بِخِرْقٍ ... لا يَملُّ الشَّرَّ حتى يَمَلُّوا
يريد أنه لا يَمَل إذا مَلُّوا ولو أَراد به النِهاية لم يكن فيه مَدْحٌ ولا له عليهم فَضلٌ
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه أن اللهَ لا يسأَمُ الثَّوابَ ما لم تَسْأَمُوا العَمَلَ أي لا يترُك الثَّوابَ ما لم تَتركُوا العَمَل ومَثَل العَرَب في هذا قولهم: القَصْدُ أنجى للسير6 قال الأعشى:
__________
1 ح: ابن الصائغ.
2 ح: "سعد بن أبي سعيد".
3 اللسان والتاج "صري" وعزي للأغلب العجلي.
4 أخرجه أحمد 3/199 مختصرا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير 2/544 وعزاه للبزار.
5 أخرجه مسلم 1/542. وأحمد 6/247.
6 المستقصى 1/339.

(1/199)


إذا حاجةٌ ولَّتْك لا تَسْتَطِيعها ... فخُذ طَرَفًا من غيرها حينَ تُسْبَقُ
فذلك أَحرَى أن تَنالَ جَسِيمَها ... وللْقَصْد أَنَجى في المسير وأَلحقُ1
وقال مَرّارٌ الفَقْعَسِيُّ:
نُقَطِّع بالنُّزولِ الأرضَ عَنَّا ... وبُعدُ الأَرضِ يَقْطعُه النُّزُول2
يقول إن إِجمامَ المَطِيَّةِ بالنُّزول مَعُونَةٌ لها3 عَلَى السير عند الرحيل
وقوله: فأولئكم بُورٌ يقال: رجل بائِرٌ أي هالِكٌ وقوم بُورٌ هَلْكَى ويقال أيضًا للواحد بُورٌ قَالَ ابنُ الزِّبَعْرَى:
يا رَسُولَ المَلِيكِ إنَّ لساني ... راتق ما فَتَقْتُ إذْ أَنَا بُورُ4
والبوار: الكساد أيضا ومنه الحديثُ: "نَعُوذُ بالله من بَوارِ الأيم"5
__________
1 الديوان /119.
2 شعراء أمويون 2/472.
3 ت: "معونة له"
4 اللسان والتاج "بور".
5 ط, ح: "تعوذوا بالله". والحديث في النهاية "بور" 5/161, وفيه: أي كسادها, من بارت السوق إذا كسدت. والأيم: التي لا زوج لها, وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد.

(1/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ مَضَغَ وَتَرًا فِي رَمَضَانَ وَرَصَفَ بِهِ وَتَرَ قَوْسِهِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَضْرَمِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْقَوَّاسُ نا أَبِي مَرْدَوَيْهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ عن أنس بن مالك.
__________
1 النهاية "رصف" 2/227, وجاء فيها: أي شده به وقواه. والرصف: السد والضم. ورصف السهم إذا شده بالرصف السهم إذا شده بالرصاف".

(1/200)


الرَّصْفَةُ: عَقَبَةٌ تُلوَى عَلَى مَدْخل النَّصل في السَّهم, يقال: رصَفْتُ السَّهمَ فهو مَرْصُوف وكذلك هي تُلوَى عَلَى مَوِضع الفُوقِ من الوَتَرِ ويُشَدُّ بها
وفي الحديث من الفَقْه أَنَّ مَضْغَ العِلْك لا يُفْطِر الصائم.

(1/201)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا يُعْرَفُ فِي مَشْيِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرِضٍ وَلا وَكَلٍ"1
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
الغَرِضُ: المَلُول الضَّيِّق الصَّدر والغَرَضُ المَلالَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ حَدَّثَنَاهُ أحمد بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ أنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ كَرِهْتُهُ أَشَدَّ كَرَاهِيَةٍ فَسِرْتُ حَتَّى نَزَلْتُ أَقْصَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَقَمْتُ بِهَا حَتَّى اشْتَدَّ غَرَضِي.."2 ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ قُدُومِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَإِسْلامِهِ يُرِيدُ اشْتَدَّ ضَجَرِي والغَرَضُ أيضًا شِدَّةُ النِّزاعِ إلى الشيء والاشتِياق إلى قُربِه ومنه قول أعرابيّ من بني كلاب:
فَمَنْ يَكُ لم يَغْرَض فإنيّ وناقَتِي ... بحَجْرٍ إلى أهْلِ الحِمَى غَرِضان
تَحنُّ فتُبْدي ما بها من صَبَابَةٍ ... وأُخْفِي الَّذِي لولا الأُسَى لقَضَانِي3
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/328 بلفظ."كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا ليس فيه كسل" وزاد البزار على أحمد فقال: "لم يلتفت يعرف في مشيه أنه كسل ولا وهن" ذكر ذلك الهيثمي في مجمعه 8/281.
2 أخرجه أحمد 4/257.بنحوه.
3 اللسان والتاج "غرض". وفي هامش س: "إلى أرض الحمى غرضان".

(1/201)


وأنشدنا أَبو عُمَر: أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
مَنْ ذا رَسُولٌ ناصِحٌ فُمبَلِّغٌ ... عَنّي عُلَيَّةَ غيرَ قِيلِ الكاذب
إنّي غَرِضتُ إلى تَنَاصُفِ وَجْهِها ... غَرَضَ المُحِبّ إلى الحبيبِ الغائبِ1
قوله: تَنَاصُفِ وَجْهِها: أي تَنَاسُب مَحاسِنِها وتَشَاكُلِها.
وقوله: غير وَكَلٍ معناه غير ضَعيفٍ ولا ثَقِيلِ الحركات قال الراجز:
تكونن كهلوف وكل ... صبح في مصْرعه قد انْجَدَلْ2
ويقال: إنَّ الوَكَل هُوَ الَّذِي يَكِل الأمَر إلى غيره ولا يباشره بنفسه
__________
1 البيت الثاني في اللسان والتاج"غرض" وعزي لابن هرمة, وهو في ديوانه /71, 72.
2 اللسان والتاج "هلف" قالته امرأة من العرب وهي ترقص ابنها, الرجز لزوجها قيس بن عاصم ...

(1/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ابْتَغُوا الرِّزْقَ فِي خبايا الأرض" 1
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ مَنِيعٍ ثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَة الْمَخْزُومِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
يُتأول عَلَى وجهين: أحدهما الحَرْثُ والزراعة والآخر استخراج ما في المعان من جواهر الأرض.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/63, والعجلوني في كشف الخفاء 1/138 وقالا: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بلفظ: "اطلبوا الرزق".

(1/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه ذكر خروج الرجال وَأَنَّهُ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَابًّا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ غرض ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يضحك1.
__________
1 في ت: "متلئا شبابا". أخرجه مسلم 4/2253, وأحمد 4/182 في حديث طويل.

(1/202)


مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلابِيِّ.
قَالَ الأصمعي: يقال ضرب الصّيدَ فقطعه جَزْلَتَيْن: أي قِطعَتَينْ. قَالَ ويقال جَازَ من الجزَال وهو زَمن صِرام النَّخْل وأنشد:
حتى إذا ما حَانَ من جِزَالِها ... وحَطّت الجُرَّامُ من جِلالِها1
يريد أوعِيَتها
وقوله: رَمْيَة الغَرَض يريدُ أَنَّ بُعدَ ما بين القطعتين رمية غرض.
__________
1 اللسان والتاج"جزل" دون عزو.

(1/203)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مِعْنَقًا صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ دَهْقَانَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قوله: بَلَّحَ معناه أَعيَا وانْقَطَع يقال بلَّح الفرسُ إذا انقطع جَرْيُه وبلَّحَتِ الرَّكِيَّةُ إذا ذهب ماؤُها وَبَلَّحَ الغَريمُ إذا أَفْلَس والمَعْنَى في هذا كله يرجع إلى شيءٍ واحدٍ قَالَ مُتِّمم بن نُوَيْرَة يصف فرسًا:
مُلِحٌّ إذا بلَّحْنَ في الوعث لاجق ... سنابِكُ رِجليْه بِعَقْد حزام
وقال قَيسُ بن الخَطِيم:
وإنَّا إذا ما مُمْتَرُو الحَرْب بَلَّحُوا ... نُقِيمُ بآساد العرين لواءها2
__________
1 كذا في م, وفي س, ط, والفائق والنهاية "عنق" معنقا, اسم فاعل من أعنق. والحديث في سنن أبي داود 4/104.
2 الديوان /11.

(1/203)


وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَدْخُلُ آخِرَ النَّاسِ الْجَنَّةَ: "فَيُقَالُ لَهُ اعْدُ مَا بلغت قدماك فيعدو حَتَّى إِذَا بَلَّحَ ... " 1
وقوله: مِعْنَقًا مأخوذ من العَنَق وهو انبساط السَّيْر يقال دابَّة مِعْنَاقٌ قَالَ الشاعر:
ومن سَيْرها العَنَق المُسْبَطِرُّ ... والعَجْرَفيَّةُ بعد الكَلال2
والمِعْنقُ من أوصافِ المبالغة3
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي قِصَّةِ الْغَارِ حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ نا عَبْدَانُ الْجُوَالِقِيُّ4 نا دَاهُرُ بْنُ نُوحٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ نا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ رَهْطًا ثلاثة انطلقوا فأصابتهم السماء فلجؤوا إِلَى غَارٍ فَبَيْنَمَا هُمْ فِيهِ إِذِ انْقَلَعَتْ صَخْرَةٌ مِنْ قُلَّةِ الْجَبَلِ حَتَّى تَدَهْدَهَتْ حَتَّى جَثَمَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ" قَالَ: "فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كُفَّ الْمَطَرُ وَعَفَا الْأَثَرُ وَلَنْ يَرَاكُمْ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَفْضَلَ عَمَلٍ عَمِلَهُ قَطُّ فليذكره ثُمَّ لِيَدْعُ اللَّهَ" 5 وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ فَانْفَجَرَتِ الصَّخْرَةُ فَانْطَلَقُوا مُعَانِقِينَ أَيْ مُسَارِعِينَ مِنَ الْعَنَقِ
__________
1 ذكر هـ الحافظ في المطالب العالمية 4/368 و412, وعزاه لأبي بكر بن أبي شيبة وذكره الهيثمي في مجمعه 10/401 بنحوه وعزاه للطبراني.
2 اللسان والتاج "عجرف" وعزف لأمية بن أبي عائد. وهو في شرح أشعار الهذليين 2/498.
3 سهقط من ت, وهو في س, م, ح.
4 م: "الجوالقي" والمثبت من ت, س, ح.
5 حديث الغار هذا من حديث أبي هريرة, ذكره الهيثمي 8/142, بألفاظ متقاربة, وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط. وأخرجه البخاري في 8/3, ومسلم في 4/2099 من حديث ابن عمر.

(1/204)


وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَنَدَّ مِنْ دِمَاءِ الْحَرَامِ بِشَيْءٍ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ" 1
فمعناه لم يُصِب منها شيئًا يقال ما نَدِيَني من فلان بَأسٌ أي ما أصابَني وما نَدِيتُ بشيء قَالَ النَّابِغَةُ:
وما نَدِيتُ بشيءٍ أَنتَ تكرَهُه ... إذًا فلا رفَعتْ سَوْطِي إليَّ يدي2
فأما قولهم: فلان يَتَنَدَّى عَلَى أصحابه فمعناه يَتَسَخَّى عليهم3 والنَّدَى العَطاء
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" 4 فإنَّ شَطْرَ الْكَلِمَةِ نِصْفُهَا
وحدثني محمد بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ عن قُتَيْبَةَ أنا الحُمَيْديّ عن سفيان بن عُيَيْنَة قَالَ هُوَ أن يقول أُقْ..أي اقْتُل وهذا كقوله: كَفَى بالسَّيْفِ شا..يريد شاهدا
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/873, وأحمد 4/148,152.
2 الديوان 86.
3 من ت, م, ح.
4 أخرجه ابن ماجه 2/874.

(1/205)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّجُلَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ آخِرَ الْخَلْقِ قَالَ: "فَيَسْأَلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأَكُونَ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بن
__________
1 أخرجه أحمد 3/27.

(1/205)


أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ1 ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَالَ الأصمعي: النِّجَافُ أُسْكُفَّة الباب قَالَ والنِّجاف في غير هذا القِطعةُ من الجِلد أو الخَصَفَةُ تُرْبَطُ عَلَى التَّيْس إذا كَرِهُوا سفاده لئلا يسفد.
__________
1 ت: "يحيى بن أبي بكر".

(1/206)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُؤَرِّضْهُ مِنَ اللَّيْلِ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثنا ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ
قوله: يؤَرِّضه معناه يُهَيِّئه ويُقَدِّم النِّيَّة له من اللَّيل كقوله: "لا صِيام لمن لم يُبَيِّتْه من الليل" 2 ويقال أَرَّضْتُ المكانَ إذا سَوَّيتَه وَهَيَّأْتَه وقال الأصمعيّ مكان أرِيضٌ إذا كان خَلِيقًا للخَيْر جَيِّدَ النّبات ويقال: تأرَّضَ الرجلُ إذا لزِم الأرضَ ولم يَبْرحْ وأنشد أبو زيد:
وصاحب نَبَّهتُه ليَنْهَضَا ... إذا الكَرَى في عينْهِ تَمَضْمَضَا
فقام عَجلانَ وما تَأرَّضا ... يَمْسَحُ بالكَفَّيْنِ وجْهًا أَبْيضا3
وقال ابن السِّكِّيتِ يقال تَركتُ القومَ يتأرَّضُونَ المنزل4: أي يختارون
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة 3/32, والدارقطني في سننه 2/172 بلفظ: "لم يفرضه".
2 أخرجه النسائي 4/196, 198, والدارمي 2/7, والبيهقي في السنن الكبرى 4/202 بألفاظ متقاربة
3 اللسان والتاج "أرض".
4 ح "يتأرضون للمنزل".

(1/206)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ"1
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثنا هَمَّامٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ" فإنه يُتَأَول أيضًا عَلَى تقْديم النِّيَّة له من الليل إذ كان الليلُ غيرَ مَحَلٍّ للصَّوم وفيه وجه آخر وهو أن تُذكَرَ اللَّيالي ويُرادَ بها الأَيَّام كقولهم خرجنا لَياليَ الفِتْنَة وخِفنا ليالي إمارَةِ فلان
وقال أبو عمرو بن العلاء: هَرَبنا لَيالِيَ إمارَةِ الحَجَّاج وإنما يُراد في هذا كله الأَيّام بلياليها وعلى هذا يُتَأَوَّلُ قَولُه تَعالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 2 يُرِيد والله أعلم الأيّامَ بلياليها. وكان المُبرَّد يقُول إنما أَنّث العَشْرَ لأَنَّ المرادَ به المُدَّةَ وذهب بعضُ الفقهاء إلى أنه إذا انقَضَى لها أربعة أشهر وعَشْرُ ليالٍ حَلَّت للأَزْواج وذلك لأَنَّه رأَى العَددَ مُبْهَمًا فغَلَّبَ مَعنَى التّأنيث وتأوّلها عَلَى اللّيالي وإليه ذهب الأوزاعِيُّ من الفقهاء وأبو بكر الأَصَمّ من أهل الكلام.
أخبرني به الحسنُ بنُ يَحْيى عن ابن المُنذِر ويقال إنهم إنما اعْتَبروا إنشاءَ التَّاريخ من اللَّيالي لأَنَّ الأَهِلَّةَ تَسْتَهِلُّ فيها3.
__________
1 أخرجه النسائي 4/224, 225, وأبو داود 2/328, وأحمد 5/27.
2 سورة البقرة: 234
3 هامش م: "تستهل بها".

(1/207)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ مَكَثَ فِي الْغَارِ وَأَبُو بَكْرٍ ثَلاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ

(1/207)


لَقِنٌ ثَقِفٌ يُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ كَبَائِتٍ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مِنْحَةً فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِهَا وَرَضِيفِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا بِغَلَسٍ"1
حَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ2 نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا حَرْمَلَةُ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلا قَوْلَهُ: وَرَضِيفُهَا فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ مِنْحَتِهَا ورَضِيفِهَا هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ
يقال رجل لَقِن إذا كان حَسَن التَّلَقُّن لِمَا يَسْمَعُه وثَقِفٌ إذا كان ذا فِطْنَةٍ وفَهم قَالَ طَرفَةُ:
أَوَما عَلِمْتَ غَداةَ تُوعِدُني ... أنيَّ بحَرْبك عالِمٌ ثَقِفُ3
ويقال رجل ثَقِف وامرأة ثَقَافٌ
وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ قَالَتْ أُمُّ حَكِيمٍ لَمَّا جَاوَرَتْ أُمَّ جَمِيلٍ بِنْتَ حَرْبٍ: إِنِّي لَحَصَانٌ فَمَا أُكَلَّمُ وَثَقَافٌ فَمَا أُعَلَّمُ وَكِلْتَانَا مِنْ بَنِي الْعَمِّ ثُمَّ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْلَمُ4 ومِثلُه رجل رزِينٌ وامرأةٌ رزَانٌ قَالَ حسان:
__________
1 الجامع الصحيح للبخاري 5/77,73.
2 ت: "عبد الرحمن".
3 الديوان /176.
4 مسند الحميدي /154.

(1/208)


حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِريبَةٍ ... وتُصْبح غَرْثَى من لُحومِ الغَوَافل1
والرَّضيف: اللَّبَن المرضوف وهو الَّذِي يُحقَن في السِّقاء حتى يصير حازِرًا ثُمَّ يُصبّ في القَدَح وقد سُخِّنَت له الرِّضاف فَتُوضَعُ فيه الرِّضْفَةُ المُحماةُ فتكْسِر من بَرْدِه وتذهْبُ بوخَامَتِه ورواه بعضهم وصَرِيفها والصَّريفُ اللَّبَنُ ساعةَ يُحلَبُ قَالَ الراجز:
لكن غَذَاها لَبَنُ الخَريف ... المَحْضُ والقَارِصُ والصَّرِيف2
والنَّعْق دُعاء الغَنَم3 بلَحْن تُزْجَر به قال الشاعر:
انعق بضَأْنِك يا جَرِيرُ فإنَّما ... مَنَّتْكَ نفْسُكَ في الخلاء ضَلالا4
يهجو جَرِيرًا وجعله راعِيًا لأَنَّ بني كليب أصحاب غنم
__________
1 الديوان /242.
2 كذا في النسخ وفي اللسان والتاج "خرف" وعزي لسلمة بن الأكوع. وقال الهروي: الرواية: اللبن الخريف.
3 م: "دعاؤك الغنم".
4 اللسان والتاج "نعق" وعزي للأخطل وهو في شعر الأخطل /392.

(1/209)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ" 1
قوله: مدَاد كلماتِه يريد قَدْر كلماتِه أو مِثْلَها في العدد كثرة والمداد مَصْدر كالمَدد. يقال مَددتُ الشيءَ أَمُدُّه مَدَدًا ومِدَادًا
ومن هذا حديثه الآخر في ذكر الحَوْض أنه قَالَ: "ينْثَعِب فيه مِيزَابَان من الجَنَّة مِدادُهما الجَنَّةُ" 2: أي تمدّهما أنهارُ الجَنَّة قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه مسلم 4/2090, والنسائي 3/77, واين ماجه 2/1251 وغيرهم.
2 أخرجه أحمد 4/424, وعبد الرزاق 11/406, والحاكم 1/76 بنحوه.

(1/209)


رَأَوْا بَارقاتٍ بالأكُفِّ كأنَّها ... مَصابيحُ سُرْجٍ أُوقِدَت بمدادِ1
أي بزَيْت يَمُدُّها
ورواه سَلَمَةُ عن الفَرَّاء قَالَ: قَالَ الحارثي: يجمعون المُدَّ مِدادا قَالَ: وأنشد:
ما يَرن في البحر بخير سِعْر ... وخير مُدٍّ من مِدادِ البَحْر2
ويقال: بني القومُ بيوتَهم عَلَى غِرار واحد وعلى مِداد واحد: أي عَلَى نَسَقٍ واحد وأنشدني بعض أهل الأدب:
ومن طِرازِ الرّجَزِ الأجاوِدِ ... عَلَى غِرارٍ ومدادٍ واحدِ3
__________
1 اللسان والتاج "مدد" وعزي للأخطل وهو في "شعر الأخطل" 1/174.
2 ساقط من ح, ط وفي هامش م: ما يرن, من الميرة.
3 اللسان والتاج "مدد" وعزي لجندل

(1/210)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا هَوْمَ الأَرْضِ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ" 1
مِنْ حَدِيثِ مُسَدِّدٍ نا خَالِدُ2 بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: هَوْم الأرض هكذا رواه لنا المحدِّث عن أبي خليفة عن مسدَّدٍ ولَستُ أدري ما هَوْم الأَرْض ولا سمعت فيه من ثِقَةٍ ما أَعتمده إلا أن بعض أهل اليمن قَالَ لي هَوْم الأَرْض مشهور في لُغَتِنا وهو بُطْنَانُ الأرض وقال بعض أهل اللغة الهَوْمَةُ والهَوْمَات اسم يقع عَلَى جميع الفَلَواتِ3 وقال بعضهم هذا تصحِيفٌ وإنما هُوَ فاجتَنِبُوا هوى
__________
1 أخرجه مسلم 3/1525, والترمذي 5/143, وأحمد 2/378 بلفظ "فاجتنبوا الطريق" وانظر الفائق 3/103.
2 س: "خلف بن عبد الله" والمثبت من ت, م, ح, ط.
3 من ت, م, س.

(1/210)


الأرْض جَمْعُ هُوَّة وهي الحُفْرةُ يشرف عليها أَسنادٌ غِلاظٌ وقال آخر بل هُوَ هَزَم الأرض وهو ما تَهَزَّمَ منها أي تكسَّر وتَشَقَّق ومنه حديث أسعد بن زُرارَة: "أن أول جمعة جمعت في الإسلام بالمدينة في هَزَم بني بياضَة"1
وجاء في الحديث: "أن زَمْزَمَ هَزْمَةُ جبريل"2: أي من ضَرْبِه الأرضَ وشَقِّه إياها قَالَ الأصمعي يقال سمعت هَزْمَةَ الرَّعْد وهو صوته الَّذِي كأنَّ فيه تشققا.
__________
1 سنن ابن ماجه 1/244, وأبو داود 1/280.
2 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/50 عن مجاهد.

(1/211)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِغُلامٍ يَسْلَخُ شَاةً فَقَالَ لَهُ: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيكَ" فَدَحَسَ بِيَدِهِ حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ الْمَعْنِيُّ2 قَالُوا ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا هِلالُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ قَالَ هِلالٌ لا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ أَيُّوبُ وَعُمَرُ وَأُرَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: دَحَس بها يريد أنه أدخل يدَه دَسًّا بين اللَّحم والجِلد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "حَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَدْحَسُوا الصُّفُوفَ حَتَّى لا يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرَجٌ"3.
__________
1 سنن أبي داود 1/47, وسنن ابن ماجه 2/1061. وفي س, ح: "ولم يتوض". والمثيت من م.
2 ساقطة من ح. م
3 مصنف عبد الرزاق 2/50.

(1/211)


قال الأصمعي: يت دِحاسٌ أي مَمْلُوءٌ ويقال قد أَدْحسَ الزَّرعُ إذا امتلأت أَكَّمتهُ من الحَبّ ودحَسَ الرجلُ بالشَّرِّ إذا دسَّه من حيثُ لا يعلم به قال الشاعر:
إن دَحَسُوا بالشَّرِّ فاعْفُ تَكَرُّمًا ... وإن كَتَمُوا عنك الحَدِيثَ فلا تَسَلْ1
__________
1 اللسان والتاج "دحس", وعزي للعلاء بن الحضرمي, أنشده النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(1/212)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه كَانَ أَسْجَرَ الْعَيْنَيْنِ1
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ نا خَالِدٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الأصمعي السَّجر أن يكون سوادُ العين مُشرَبًا حُمرةً يقال رجلٌ أَسْجرُ وامرأةٌ سَجراءُ وقال غيره السَّجَر والسُّجْرَةُ حُمرةٌ في بياضِ العين وهذا أشبَه بمَعْنى الحديث لأنه قد رُوِي في نعتِه: أنه كان أَشْكَلَ العَيْنَيْن2 والشُّكْلَةُ: حُمرةٌ في بياض قَالَ الشاعر:
فَما زالَت القَتْلَى تَمُورُ دِماؤُها ... بدِجْلَةَ حتى ماءُ دِجلةَ أَشْكلُ3
وأخبرني أبو بكر4 الخُوارِي قَالَ سألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن قوله: أشكل العَيْنَين فَقَالَ كانت بعينيه سُجْرة فجعل السُّجْرة والشُّكْلَةَ واحدة على خلاف مذهب الأصمعي ويقال إِبِل سُجْر أي حمر قال ذو الرمة:
__________
1 الفائق "مغط" 3/376.
2 أخرجه مسلم 4/1820, والترمذي في الشمائل 43.
3 اللسان والتاج والأساس "شكل" وعزي لجرير, وهو في ديوانه/367.
4 من ت. م, ح.

(1/212)


إذا ما ادَّرَعْنا جَيْبَ خَرْقٍ نَحَتْ بِنَا ... غُريْرِيَّة أُدْمٌ هَجَائِنُ أَو سُجر1
ويروى نَجَتْ بَنَا
وَمِنْ نُعُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ فِي خَاصِرَتَيْهِ انْفِتَاقٌ"2
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "كَانَ فِي خَاصِرَتَيْهِ انْفِتَاقٌ"2 قَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ مَعْنَاهُ اسْتِرْخَاءٌ
ورُوِي في حديث آخر: "أَنَّه كان مُفَاضَ البَطْن"3 وهو أن يكون فيه امتلاء والعرب تَمدح به السادة وتقول اندِحَاقُ البَطْن من علامات السُّؤْدَدِ وتَذُمُّه في النِّساء قَالَ امرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ4
وقد وُصِف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غير هذين الخَبَرَيْن5 بالخَمَص وقد يَتَّفِق أن يُجمَع بين النَّعْتَين بأن يكون الضُّمر في أعلى البَطْن والوُفورُ في أَسفَله يَدُلُّ عَلَى صِحَة ذَلِكَ قولُهُ: "كان في خاصِرَتَيْه انفِتاق"
ومنها خَبرَ أنس "أنه كان أسمر"6
__________
1 الديوان /217, وجاء في الشرح: غريرية: منسوبة إلى بني غرير, وهو حي من اليمن, لهم نجائب أدم بيض.
2 النهاية "فتق" 3/409, وفيها: أي اتساع.
3 الفائق"مغط" 3/376, وأخرجه البيهقي في الدلائل 1/240 بلفظ: سوي البطن.
4 الديوان /15
5 س: "الحديثين". وذكره الهيثمي في مجمعه 8/273 بلفظ: "خمصان الأخمصين" في حديث طويل, وكذلك دلائل النبوة للبيهقي 1/240.
6 ابن حبان في الموارد /521, وذكره الهيثمي في مجمعه 8/272, وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار, ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

(1/213)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْحَرْبِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ". وَهَذَا خَبَرٌ تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدٌ الطَّحَّانُ وَفِي نَعْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب رسول الله "أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا"1.
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: "أَنَّهُ كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ"2.
والسُّمْرَةُ لَونٌ بين البياض3 والأُدْمَةِ وقد يُجمعَ بين الخَبَرين بأن تكون السُّمرةُ فيما يبرز للشَّمسِ من بدنه والبَياضُ فيما واراه الثِّيابُ ويُستَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بقول ابن أَبي هَالَةَ في وصفِه: "أَنَّه كان أَنْوَر المُتَجَرَّد"4 ويُتَأَوّل قولُه: كان أزهرَ عَلَى إشراق اللون ونُصُوعه لا عَلَى البَياضِ.
وفيه وجه آخر وهو أنه مُشرَبُ الحُمرة والحُمرةُ إذا أُشْبِعَت حَكَت سُمْرَة ويدُلّ عَلَى هذا المعنى قَولُ الواصِفِ له لم يكن بالأبيض الأمهق5.
ومنها ما رُوِي عن بعض الصحابة قَالَ رأيتُ رَسُول الله وافرَ السَّبَلَة6.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمَقَّرِيُّ7 نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ حدثني أبو يحيى
__________
1 مجمع الزوائد 8/272, موارد الظمآن /521, الطيالسي 1/25 بنحوه.
2 البخاري 4/228, مجمع الزوائد 8/283, موارد الظمآن /521.
3 ت: "السواد", والمثبت من س, م.
4 مجمع الزوائد 8/283, دلائل النبوة للبيهقي 1/240.
5 أخرجه البخاري 4/228, ومسلم 4/1824 وغيرهما من حديث أنس.
6 الفائق "مغط" 3/376.
7 م: "الحيري" بدل "المقري".

(1/214)


مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ نا سُلَيْم بْنُ الْحَارِثِ أَخُو خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نا جَهْضَمُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّجِيجِ فَرَأَيْتُ شَيْخًا قَالُوا هَذَا الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ قُلْتُ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: صِفْهُ قَالَ: كَانَ حَسَنَ السَّبَلَةِ قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي اللِّحْيَةَ السَّبَلَةَ1.
وقد يدفعه قوم ويرونه مخالفًا لسُنّته في قص الشوارب وليس بينهما خلاف وإنما يتوهم ذلك من أجل أن السَّبَلة عند العامة الشَّاربُ وهي عند العرب مُقَدَّم اللِّحْية قَالَ الأصمعيّ السَّبَلَةُ ما أُسْبل من مُقَدَّم اللَّحْيةِ عَلَى الصدر يقال للرجل الطَّويلِ السَّبَلَة: إنه لأسْبَلُ ومُسبلٌ قَالَ الشاعر:
تَرى لِحْيةَ الجَرْميّ من تحت حَلْقِه ... فَما نبَتَت من لؤم جَرْمٍ سِبالُها
أي لحاؤها2.
وَمِنْهَا خَبَرُ جَابِرِ بن سمرة: "أنه كان أَخْضَرُ الشَّمَطِ"3.
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ4 نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ نا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ وَإِنَّمَا كَانَ يُخَضِّرُ شَيْبَتَهُ5 بِالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالنَّرْجِيلِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَإِذَا ادَّهَنَ
__________
1 من ت, م. أخرجه الهيثمي في مجمعه 8/281, وعزاه للطبراني.
2 من م.
3 الفائق 3/376. "مغط"
4 ت: "حسين بن مصعب".
5 م, ط: "يخضر شيبه بالطيب".

(1/215)


وَامْتَشَطَ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ رَأَيْتَهُ مُتَبَيِّنًا".1 والخُضْرة أيضًا السواد ولا موضع له هاهنا
ومنها في خَبَرٌ لِعَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ تَبْرُقُ أَكَالِيلُ وَجْهِهِ"2
يَرْوِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ3 لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَهِيَ جَمْعُ إِكْلِيلٍ تُرِيدُ بِهِ نَاحِيَةَ الْجَبْهَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْجَبِينِ كَحَدِيثِهَا الآخَرِ: "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا تَبُرقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ"4؛ وَهِيَ خُطُوطٌ بَيْنَ الْحَاجِبَيْن وَقُصَاصُ الشَّعَرِ وَذَلِكَ أَنَّ الإِكْلِيلَ إِنَّمَا يُوضَعُ5 هُنَاكَ وَكُلُّ مَا أَحَاطَ بِالشَّيْءِ وَتَكلَّلَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ6 فَهُوَ إِكْلِيلٌ وَيُقَالُ: إِنَّمَا أُخِذَتِ الكلالة من تكلل النسب
__________
1 صحيح مسلم 4/1823, ومسند أحمد 5/104, والبيهقي في الدلائل 1/182.
2 الفائق "كلل" 3/273, وفيه: الإكليل: شبه عصابة مزينة بالجوهر جعلت لوجهه صلى الله عليه وسلم آكاليل على سبيل الاستعارة. وهو نوع من الاستعارة. لطيف دقيق المسلك. وقيل: أردت نواحي وجهه وما أحاط به من التكلل وهو الإحاطة.
3 م: "يرويه عاصم بن علي بن ليث بن سعد".
4 أخرجه البخاري 4/229, ومسلم 2/1081.
5 س: "..أن الأكليل إنما توضع هناك". والمثبت من بقية النسخ.
6 ساقط من ت.

(1/216)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ مُقَصَّدًا"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بن
__________
1 أخرجه مسلم في الفضائل 4/1820, رقم الحديث"99".

(1/216)


هَارُونَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي الطُّفَيْلِ: أرأيت رسول الله؟ ققال نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ قَالَ كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا"
الْمُقَصَّدُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَيْسَ بِجَسِيمٍ وَلا قَصِيرٍ
ورواه بعضهم مُقْصَدًا ساكنة القاف مخففة الصاد مفتوحتها قَالَ: وهو الرَّبَعَة من الرجال.
قَالَ: وكل شيء مستوٍ غير مُسرف ولا ناقص فهو قَصَد ومُقْصَد1
ورواه يحيى بن معين: معضدا وهو الموثق الخل والمحفوظ هو الأول
__________
1 من ت.

(1/217)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِعُطْبُولٍ وَلا بِقَصِيرٍ"1
حَدَّثُونَا عَنِ الْحَضْرَمِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
العُطبولُ: الطَّويل. يقال: رجل عُطبولٌ, وجاريَةٌ عُطبول, ويقال: هُوَ الَّذِي جَمَع امتدادَ القامَةِ وطولَ العُنُق أنشدنا أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
قد أبصرتْ سُعدَى بها كتائلي ... مثل الجواري الحُسَّر العَطَابِل2
الكتائل جمع كتيلة, وهي بلغة طيىء النخلة التي قد فاتت اليد, أراد
__________
1 أخرجه مسلم 4/1818, والترمذي 4/219, 5/598, بلفظ: "لم يكن بالطويل ولا بالقصير".
2 اللسان التاج "كتل"

(1/217)


أنّه كان رَبْعَةً من الرجال من غير طولٍ بائن ولا قِصَر شائنٍ وهذا كما وصفه هِنْد بن أبي هالة فَقَالَ كان أَطْولَ من المَرْبوع وأَقْصَر من المُشَذَّب1 وفَسَّره ابنُ قتيبة2 فَقَالَ المُشَذَّبُ الطَّويلُ البائِنُ الطُّولِ وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري أنه قَالَ هذا غلط لأنه لا يقال للبائن الطّول إذا كان كثير اللحم مُشَذَّبٌ حتى يكون في لَحْمه بعضُ النُّقْصانِ فَوصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه يخالف المُشَذَّبَ في طوله ولا يخالفه في نُقْصان بَعضِ لحمهِ إذ كان المُشَذَّبَ عندهم مُشَذَّبًا لنُقْصانِ بعض الَّذِي عليه والعرب تقول جِذْعٌ مُشَذَّب إذا قُشِر ما عليه من الشَّوكِ وغيره ويقولون فرسٌ مُشَذَّبٌ إذا كان طويلًا ليس بكثير اللحم في أعضائه فالرجل المُشَذَّبُ بمنزلة الفرس المُشَذَّب في المعنى الَّذِي وصفناه قَالَ الشاعر يصف فرسًا:
أَمَّا إذا استَقْبَلْتَه فكأنّه ... في العَيْن جِذعٌ من أَراكٍ مُشَذَّب
وقال امرؤ القيس:
له جؤجؤ حشر كأنّ لِجامَه ... يُعالَى به في رأس جذع مشذب3
__________
1 أخرجه البيهقي في الدلائل 1/240, وذكره الهيثمي في مجمهع 8/273.
2 1/489
3 الديوان /48

(1/218)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ الرِّبَا بِالْبَيْعِ وَالْخَمْرُ بِالنَّبِيذِ وَالْبَخْسُ بِالزَّكَاةِ وَالسُّحْتُ بِالْهَدِيَّةِ وَالْقَتْلُ بِالْمَوْعِظَةِ" 1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ عَنِ ابن المبارك عن الأوزاعي
__________
1 الفائق "بخس" 1/82, والنهاية "بخس" 1/102.

(1/218)


أصل البَخْسِ النُّقصانُ قَالَ الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} 1 وإنما أريد به المَكْسُ وما يأخذه الوُلاةُ باسم العُشْر ويتأوَّلون فيه مَعنَى الزكاة والصّدقات وهو مكس وظلم وقد قال "لا يَدخُل الجَنَّةَ صاحبُ مَكْسٍ2"
قَالَ الشاعر:
وفي كُلِّ أَسواقِ العِراقِ إتَاوَةٌ ... وفي كلّ ما باع امرؤٌ بخْسُ دِرْهَم3
ويروى: مكْس دِرْهم
وأَصلُ المكس النُّقصان يُقالُ مَكسَني حَقِّي وبَخَسَني ومنه أُخِذَ المِكاسُ في البَيْع وهو أن يَسْتَوْضِعَه المُشتَري شيئًا من الثمن قَالَ الأخفش العرب تَقولُ في الرجلين بينهما نِزاعٌ وتجاذُبٌ بينهما عِكاسٌ ومِكَاسٌ وأَنْشَد أو غيرُه4 لِقُلاخ بن حَزْن المِنْقَرِيّ:
حتى تَقُولَ الأَزْدُ لا مِسَاسَا ... إن نَحنُ خِفْنا مِنْهُمُ مِكَاسا
وقوله: والسُّحْتُ بالهَدِيَّة: أي الرِّشْوة في الحكم والشهاداتِ وما أشبهها من الأمور اللازِمَة لأَهلِها الواجبِ عليهم القيامُ بها
والقَتْلُ بالمَوِعظَة أن يُقْتَل البَرِيءُ ليتَّعظَ به العامة
__________
1 سورة يوسف: 20
2 أخرجه أبو داود 3/133, وأحمد 4/143, 150 وغيرهما.
3 اللسىان والتاج والأساس"أتى", وعزي لجابر بن حنى التغلبي, والشطر الثاني في الفائق 1/82.
4 ت: "وأنشده غيره".

(1/219)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَهُ فِي غَزَاةٍ فَأَتَاهُ سَهْمُ غَرْبٍ فَمَكَثَ مُعَالَجًا فَجَزِعَ مِمَّا بِهِ فَعَدَا عَلَى سَهْمٍ مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ رواهشه"1
__________
1 الفائق"غرب" 3/62.

(1/219)


مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُمَارَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قال أبو عمرو: الرواهِشُ والنّواشِرُ: عُروقُ باطِنِ الذِّراع والأَشاجعُ: عروق ظاهر الكَفِّ
وقال الأصمعيّ: الرّواهِشُ: العَصَب الَّذِي في ظاهر الذِّراع وأَنشد:
أَعددت للحرب فَضْفَاضَةً ... دِلاصًا تَثَنَّى عَلَى الرَّاهِشِ1
قَالَ والنَّواشِرُ: عَصَبُ الذِّراع من باطن وخارج والواحدةُ ناشِرَة قَالَ الشاعر:
ودارٌ لها بالرَّقْمَتَيْن كأنها ... مَراجِعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ2
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُ الدُّوسِيِّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا هَاجَرَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ هَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَى الْمَدِينَةَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ فقَطَعَ بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ3
قَالَ الأصمعي: البَرَاجِم واحدها بُرْجُمة وهو مُلْتَقَى رُؤوسِ السُّلامِيات من ظَهْر الكَفّ إذا قَبَض الإنسانُ كَفَّه نَشَزَت وارتَفَعَت وبها سُمَّيت البَراجِمُ من بني تميم
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس ثعلب قَالَ البَراجِمُ العقد
__________
1 االلسان التاج "رهش" ولم يعز
2 اللسان والتاج "رقم" وعزي لزهير, وهو في الديوان /5 برواية: "ديار لها بالرقمتين".
3 أخرجه مسلم: الإيمان, حديث رقم 184, ومسند أحمد 3/370.

(1/220)


المتشنِّجةُ والرَّواجبُ ما بين البَراجِم والواحدة راجِبَة فأما الأَرجابُ فهي الأَمعاءُ واحدها رُجْبٌ1
وَمِنَ الرَّوَاجِبِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ الْأَصَمُّ ثنا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي كَعْبٍ2: مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ أَبْطَأَ عَنْكَ جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: "ولم لا يبطىء عَنِّي وَأَنْتُمْ حَوْلِي لا تَسْتَنُّونَ وَلا تُقَلِّمُونَ وَلا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ" 3
أراد ما يجتمع في تَشَانِيجِها من الوَسَخ
وقوله: سَهْمُ غَرْبٍ فإنه ما أصاب الرجلَ وهو لا يعرف راميه قَالَ أبو زيد يقال أصابه سَهمُ غَرْبٍ ساكنة الراء إذا أتاه من حيثُ لا يَدْري وسهم غَرَب –بالفتح- إذا رماه فأصاب غيره.
__________
1 س: "وحدها رجيب", والمثبت من م, ت, ح.
2 س, ح: "أبي بن كعب".
3 أخرجه أحمد 1/243, ومجمع الزوئد 5/167.

(1/221)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِهِ الْعِشَاءَ حين غاب الشفق وايتطأ الْعِشَاءَ"1
يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عن الحسن
قوله: ايتطأ وَزنُه افْتَعَل من وطَّأتُ الشَّيءَ إذا هيأته وأصلحته فايتطأ:
__________
1 النهاية "وطأ" 5/202, وجاء فيها: في الفائق 4/69: "حين غاب الشفق وأنطى العشاء", قال: وهو من قول بني قيس: لم يأتط الجداد. ومعناه لم يأت حينه. وقد أئتطى يأتطي كائيلي يأتلي. بمعنى الموافقة والمساعفة.

(1/221)


أي تهيَّأ وصَلَح والمعنى أنه صلَّى حين غاب الشَّفَقُ وأدركَ وَقت العِشاء فَصَلَح أن تُصَلِّي.
وقال أبو زيد يقال إيتطأ الشَّهرُ وذلك قبل النصف بيوم وبعده بيوم بوزن إيتطع1
__________
1 من ت, م.

(1/222)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الْخِضْرَ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءُ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ نا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ أبو عُمَر: الفَروةُ: الأرضُ البيضاء لا نباتَ فيها. وقال غيرُه: أراد بالفَرْوَةِ الهَشيمَ اليابِسَ شَبَّهه بالفَرْوَة ومنه قيل فَروةَ الرأسِ وهي جِلدتُه بما عليها من الشعر قَالَ الراعي:
ولقد تَرَى الحَبَشِيَّ حولَ بيوتِنا ... جَذلًا إذا ما نَالَ يوما مَأْكَلا
صَعْلا أَسكَّ كأن فروةَ رأسه ... بُذِرَت فأنبت جانباه فلفلا2
__________
1 أخرجه البخاري 4/190, والترمذي 5/321 وغيرهما.
2 الديوان /117 ط دمشق, وديوان ط وديوانه ط بغداد /176.

(1/222)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ حَتَّى يَدَعَهَا مِثْلَ الْقِدْحِ أَوِ الرَّقِيمِ"1
حَدَّثَنَا2 إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا وهب
__________
1 أخرجه مسلم: الصلاة, رقم الحديث 28, وأبو داود 1/178, وابن ماجه 1/318 وغيرهم بدون لفظ: "الرقم".
2 من ت, م.

(1/222)


بْنُ جَرِيرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ويُروَى: مِثلَ الرُّمْح
أولُ ما يُقْطَع السَّهمُ ويُقْتَضَبُ يُسَمَّى قِطْعًا ويجمع عَلَى القُطُوع فإذا بري سمي بريا فإذ قُوِّم وأَنَى1 له أن يُراشَ ويُنْصَل فهو القِدْح فإذا رِيشَ ورُكِّبَ نصلُه صار سَهْمًا
والرَّقيم: الكِتابُ فعيل بمعنى مَفْعول يقال: رقمت أرقم رَقْمًا إذا كتبت قَالَ الله تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} 2 وقال الشاعر:
سأرقُم في الماء القَراحِ إليكمُ ... عَلَى بُعدِكم إن كان للماء راقِمُ3
والمعنى أنه كان يسوّي الصفوفَ حتى لا يترك فيها عِوَجًا ولا حَدَبًا كما يُصلِح البارِي القِدْح ويُقِوِّمُ الكاتب السطر
__________
1 ت: "وآن".
2 سورة المطففين: 9
3 سبق في اللوحة 19.

(1/223)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَقَالَ لَهُ: "بِقَدْرِ أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ"؟ قَالَ قَدْ رَأَتِ الْقَتِيرَ قَالَ: "دَعْهَا" 1
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَّةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: "بِقَرْنِ أَيِّ النِّسَاءِ هي"؟ 2
__________
1 أخرجه أحمد في 6/366, ورواه أبو داود في 2/233 في النكاح.
2 من ت, م.

(1/223)


القَتير الشَّيب قَالَ الأصمعيّ: يقال: لَهزَه القَتِيرُ ووخَزَه وَخْزًا إذا بدا به الشَّيبُ قَالَ العَجَّاجُ:
مع الجَلا ولائِحِ القَتِير1
والقَتِيرُ في غير هذا رُؤُوس حَلَقِ الدِّرع قَالَ الهْذَليّ:
وعَلَيَّ سابِغةٌ كأنَّ قَتِيرها ... حَدَقُ الأَساودِ لونُها كالمِجْوَلِ2
وقوله: "بقَرْنِ أيّ النّساء هي"؟ يريد السِّنَّ وكل نَشْءِ زمان متقاربةٌ أسنانهم فهم قَرْن.
أنشدني أبو عمر قَالَ أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب:
إذا ما مضى القرن الَّذِي أنت منهم ... خلفت في قرن فأنت غريب3
__________
1 ديوانه /221.
2 لم أقف عليه في شرح أشعار الهذليين.
3 من ت, م. والبيت في اللسان والتاج "قرن".

(1/224)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ فِيهَا مِثْقَالُ نَمْلَةٍ مِنْ خَيْرٍ إِلا طِينَ عَلَيْهِ طِينًا1"
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ نا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَلْهَانِيُّ: أَبُو أَنَسٍ نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي ابْنُ ثَوْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ أبي يرده إلى مكحول إلى الحارث بن الحارث إِلَى مَالِكِ بْنِ يُخامِرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ
قوله: طِينَ عليه أي جُبِل عليه ويروى طِيَم عليه يقال طانه الله وطَامَه قَالَ الأصمعي يقال طانني الله عَلَى غير طينتك2, وأنشد الأحمر:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/731 وعزاه للطبراني.
2 س: "طانني الله على طينتك", والمثبت من ت, م.

(1/224)


لئن كانت الدنيا له قد تزيَّنَت ... عَلَى الأرض حتى ضاق عنها فَضَاؤُها
لقد كان حُرًّا يَسْتَحِي أن يَضِيمَه ... أَلا تِلكَ نَفْسٌ طِينَ مِنْهَا حَياؤُها1
وقوله: طِينًا مصدر عَلَى فِعْل كقولك حان ذلك منه حِينًا وكقولك حَرَص حِرْصًا وسَحَر سحرا.
__________
1 س: "طين فيها حياؤها" والمثبت من باقي النسخ. والبيتان في اللسان والتاج "طين".

(1/225)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ: "إِنْ وَلَدَتْهُ أُحَيْمِرَ مِثْلَ الْيَنَعَةِ فَهُوَ لأَبِيهِ الَّذِي انْتُفِيَ مِنْهُ وَإِنْ تَلِدْهُ قَطَطَ الشَّعْرَ أَسْوَدَ اللِّسَانِ فَهُوَ لابْنِ السَّحْمَاءِ"
قَالَ عَاصِمٌ فَلَمَّا وَقَعَ أَخَذْتُ بفَقْوَيْهِ فَاسْتَقْبَلَنِي لِسَانُهُ أَسْوَدُ مِثلُ التَّمْرَةِ1"
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
اليَنَعَةُ: خَرَزَةٌ حَمْرَاءُ. واليَنَع: ضَرْب مِنَ الْعَقِيقِ مَعْرُوفٌ
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ2 فَقَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ" 3
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوِرْكَانِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
الوَحَرَةُ: الوزغة
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/332 بلفظ "بفقمة" بدل "بفقويه" وبلفظ: "مثل النبقة" بدل "مثل الينعة".
2 ح, م: "عن الزهري".
3 أخرجه أبو داود في 2/274, والبيهقي في السنن الكبرى 7/399.

(1/225)


وقوله: أخذت بفَقْويه غلط والصواب أخذت بفقميه والفققم: الحَنَك.

(1/226)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ لاثَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ الله: "الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا1".
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ
قوله: لاثَ به النَّاسُ معناه أَحاطُوا به واجتمعوا عليه وكلُّ شيءٍ اجْتَمع والتَبَس بعضُه ببعض فهو لائِثٌ
قَالَ الراجز:
لاثٍ به الأَشَاءُ والعِبْرِيُّ2
يريد لائث فقلب كما قَالَ: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} 3 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ كَانَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ4 وَهُوَ يَقُولُ يَا حَدْرَاهَا يَا حدراها"5
__________
1 أخرجه البخاري في الأذان 1/159-160: والدارمي 1/338, وأحمد 5/345, إلا أن أحمد والدارمي لم يذكر جملة"آلصبح أربعا إلا مرة واحدة". وقال الحافظ في شرحه 2/148: آلصبح أربعا "بهمزة ممدودة" ويجوز قصرها, وهو استفهام إنكار, وأعاده تأكيدا للإنكار, أي الصبح منصوب بإضمار فعل: أي أتصلي الصبح, وأربعا منصوب على الحال, ويجوز رفع الصبح تصلي أربعا؟
2 اللسان والتاج "لوث"
3 سورة التوبة: 109
4 من م, ت, ح.
5 أخرجه ابن معين في تاريخه 1/196, نص رقم 1132.

(1/226)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلالا سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ يَقُولُ ذَلِكَ
قوله: يا حَدْرَاها قَالَ أبو عبيدة يريد هل أحدٌ رأى مثل هذه ومِنْ هذا قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 1 عطية السَّاميّ أنشدنا أبو حاتم:
أيا قَاتَلَ اللهُ الحَمَامَةَ غُدوةً ... عَلَى الغُصْنِ ماذا هَيَّجتْ حين غَنَّتِ
أراد يا هؤلاء قاتَلَ اللهُ هذه الحَمامَة
وأَنْشَدَ أيضًا:
عَلَّقتُ بالذِّئب حَبْلًا ثُمَّ قلتُ له ... يا لْزَم طريقَك واسْلَم أيها الذيب
__________
1 سورة النمل: 25. وألا هنا استفتاحية, وما بعد "يا" منادى محذوف, وهذه قراءة الكسائي وحده وانظر الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/156, 157.

(1/227)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ: "إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حَوْرَاءُ1 فَانْظُرُوا ذَلِكَ فنظروا فرأوه" 2
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ
قوله: حَوْرَاء يُريدُ أَثَر كَيَّة كُوِي بها يقال: حَوَّرَ عَينَ دابَّتِه إذا حجَّر حَولَها وذلك من داء يُصيبها وسُمِّيت الكَيَّة حَوْراء لأن موضعَها من البَدَنِ يَبْيَضُّ والتَّحوِير التَّبْييض قَالَ الراجز:
__________
1 س: "في ركبته حور". والمثبت من ت, م, ح.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/351 بلفظ: "إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حور" وأخرجه ابن سعد في طبقاته 2/26 بألفاظ مختلفة.

(1/227)


يا وَردُ إنِّي سأموت مَرَّهْ ... فَمَن حَلِيفُ الجَفْنَةِ المحورَّهْ1
يريد المبيضة من ترعيب2 السنام.
__________
1 اللسان والتاج "حور", وعزي لأبي المهوش الأسدي, وورد ترخيم وردة, وهي امرأته, وكانت تنهاه عن إضاعة ماله ونحر إبله.
2 ترغب السنتام: تقطيعة.

(1/228)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَتَبَ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كِتَابًا فَلَمَّا أَخَذَ كِتَابَهُ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتُرَانِي حَامِلا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ! "1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنِي النُّفَيْلِيُّ نا مِسْكِينٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ2 السَّلُولِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ
يَقُولُ لا أَحْمِلُ إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لا عِلَم لِي بِمُضَمَّنه وكان من قِصَّة المُتَلَمِّس وصَحِيفتِه أَنَّه وطرفَة بن العبد كانا ينادمان عمرَو بن هند مَلِك الحيرة فهجواه فكتب لهما إلى عامله بالبَحْرين كتابَين وهَّمَهُما أَنَّه أَمَر لهما فيهما بجوائز وكتب إليه يأمرُه بقتلهما فخرجا حتى إذا كانا ببعض الطريق إذا هما بشيخ عَلَى يسار الطَّريق يُحدِث ويأكُل من خُبزٍ في يده فَقَالَ المتلِّمس ما رأيتُ كاليوم شَيْخًا3 أحمق فَقَالَ الشيخ أحمَقُ منّي من يَحمِل حتْفَه بِيَدِه4 فاسترابَ المُتَلَمِّس بقوله, وطلع عليهما غلام
__________
1 أخرجه أبو داود 2/117, وأحمد في 4/181,180 إلا أنه قال: إن الكتابة كانت للأقرع.
2 ح: "ابن كبشة". وفي التقريب 2/465: أبو كبشة السلولي الشامي ثقة, توفي قبل المائة.
3 س: "شيخ".
4 ت: "بيديه".

(1/228)


من أَهلِ الحِيرة فَقَالَ المتلَّمس أَتَقْرأُ يا غلام قَالَ نعم ففَكَّ صَحِيفَتَه ودَفَعها إلى الغلام فإذا فيها أما بعد فإذا أَتاكَ المتَلَمِّس فاقطع يَدَيْه ورِجْلَيْه وادْفِنْه حَيًّا فَقَالَ لِطرفَةَ ادفَع إليه صَحِيفَتَك يقْرأْها ففيها واللهِ ما في صَحِيفتي فَقَالَ طرَفَة كلا لم يكن ليجترىء عليَّ فقذف المُتَلَمِّس بصحِيفته في نهرِ الحِيرة وقال:
قذفتُ بها في الثِّنْي من جَنْبِ كافرٍ ... كذلك أَقْنُو كُلَّ قطَّ مُضَلَّلِ1
وأَخذَ نحوَ الشام وأخذ طَرفةُ نحو البَحْرين فلما وافى صاحبَ الملك سَقَاه الخمرَ وفَصَدَ أَكْحَلَيه إلى أن مات ويقال بل ضرب عُنُقَه فَقَالَ المُتَلَمِّس يذكره:
كطُرَيْفَةَ بنِ العَبْد كان هَدِيَّهم ... ضَرَبوا صَمِيمَ قَذالِهِ بمُهَنَّد2
فَضُرِب المثل بصَحِيفة المُتَلَمِّس
وأخبرني ابن الزِّئبَقي نا الحسين بن حُمَيْد اللَّخْمي نا مِنجابُ بن الحارث ثنا محمد بن زائدة عن رقبةَ بن مَسْقَلة عن سِماك بن حَرْب عن يحيى عن أبي يحيى3 قَالَ إنّي لأسِيرُ عَلَى فرسٍ لي في الجاهلية إذا أنا بطرفةَ بن العَبْد فَقَالَ يا أبا يحيى احْمِلني خَلْفَك قلت أين تريد؟ قَالَ أُريدُ قلائدَ الخَيْل أتحدَّث إليهن وقلائدُ الخيل جوارٍ من بني تَيْم الله كُنَّ يُسَمَّين قلائِدَ الخَيْل قَالَ فحملتُه حتى إذا حاذى أبياتهن نزل
__________
1 السان "قنا" برواية: "ألقيتها بالثني ... ". وفي الديوان /65 برواية: "وألقيتها في الثني". وجاء الشرح: الثني: منثنى النهر, وهو, جانبه, والكافر هاهنا النهر, وذلك غطى ما حوله وما به وكل شيء غطى شيئا فقد كفره. والقط: الصحية.
2 الديوان /144, برواية: "ضربوا قذالة رأسه بمهند".
3 س, ط "عن يحيى", والمثبت من ت, م, ح.

(1/229)


وقال هذا المكان الَّذِي أُرِيد ونَزَلَ فإذا غلام آدمُ أَزرقُ أوقَصُ أزورُ أَفدعُ قَالَ قلت ويلك يا طرفَةُ ما أشَدَّ تشاؤل خَلْقِك فَقَالَ: كيف لو أريتُك مِنْ خَلْقي ما هُوَ أَعجبُ من هذا قلتُ وأيُّ شيءٍ هُوَ قَالَ فيُخرِجُ لسانَه فإذا هُوَ أَسودُ كأنه لِسانُ ظَبْي قَالَ قلت ما رأيتُ كاليوم قطّ شَيئًا أعجبَ قَالَ فأهوى بيده إلى رقبته وقال ويْلٌ لنا مما يَجنِي ذا قَالَ فكان الَّذِي جَنَى عليه فقُتِل
قَولُه: تَشَاؤُلَ خَلْقِك يريد اختلافَه وأُراه من قَوْلِهم شَالَ الميزانُ إذا ارتفع قَالَ الشاعر أنشدنيه أبو عمر1:
فَشَاوِلْ بِقَيْسٍ في الطِّرادِ ولا تكُنْ ... أَخاهَا إذا ما المَشْرِفيَّةُ سُلَّتِ2
يريد خَالِفْها
قَالَ ومعنى قَلائِدِ الخَيْل أنهن كِرامٌ وذلك لأنه لا يُقلَّد من الخيل إلا سابقٌ كريم3
__________
1 ح: أبو عمرو.
2 اللسان التاج "شول" وعزي لعبد الرحمن بن الحكم.
3 من ت, م.

(1/230)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَتَّقِي الأَرْضَ بِشَيْءٍ إِلا فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ أَلْقَيْنَا تحت بِنَاءً"1
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ ثنا الصَّغَانِيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ شُرَيْحِ بن هانىء عَنْ عَائِشَةَ
البِنَاء النَّطع والمشهور منه المِبناة يقال للنِّطع مِبناة ومبناة -بكسر
__________
1 أخرجه أحمد 6/58.

(1/230)


الميم وفَتْحِها- وممّا جاء عَلَى وزنها: مِثْنَاةٌ ومَثناة ومِرْقَاةٌ ومَرْقَاةٌ قَالُوا وإنما سُمِّي النّطع مِبْناةً لأنها تُتَّخذ من أَدِيمَيْن يُوصَل أَحدهُما بالآخر والمِبْنَاةُ في قَولِ أبي عُبَيْدة خَيْمة وهي العَيْبَة أيضًا قَالَ النابغة:
عَلَى ظَهرِ مِبناةٍ جَديدٍ سُيورُها ... يَطُوفُ بها وَسْطَ اللَّطِيمَة بائع1
قَالَ أبو عبيدة هي الخَيْمة وقال غيره: أراد الحصير.
__________
1 اللسان "بنى" والديوان /63.

(1/231)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا تَأَوّلَ قَوْلَهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1 "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ عَرِيضٌ" 2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ ونا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إِدْرِيسَ الْمَعْنِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1. أَخَذْتُ عِقَالا أَسْوَدَ وَعِقَالا أَبْيَضَ فَوَضَعْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادِي فَنَظَرْتُ فَلَمْ أتبين فذكرت ذلك للنبي فَقَالَ: "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ عَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ2"
قَوْلُهُ: "إنَّ وِسَادَك إذًا لَعَرِيضٌ" مَعْنَاهُ أَنَّ نَوْمَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ كَنَّى بِالْوِسَادِ عَنِ النَّوْمِ لأَنَّ النَّائِمَ يَتَوَسَّدُهُ كَمَا يُكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنِ الْبَدَنِ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَلْبَسُهُ أنشدني بعضُ أصحابنا أنشدنا ابن الأنباري
__________
1 سورة البقرة: 187.
2 أخرجه أبو داود في الصيام 2/304 بدون كلمة "إذا", والبخاري 6/31 بدون كلمة: "لطويل"

(1/231)


رَموْها بأثوابٍ خِفَافٍ فلَنْ تَرى ... لها شبها إلا النعام المنفرى1
أراد بأبدانٍ خِفافٍ
وقال آخر:
عي كُلُّ فَضْفَاضِ القَمِيص كأنه ... إذا ما سَرَى فيه المُدامُ فَنِيقُ2
وقد يكون فيه وجهٌ غَيرُ هذا وهو أن يكون الوِسادُ كنايةً عن موضع الوِسادِ من رأسِه وعُنُقِه يَدُلّ عَلَى صِحَّة هذا المعنى قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ "إِنَّكَ إِذًا عَرِيضُ الْقَفَا" 3
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ4 بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ قَالَ: "إِنَّكَ لَعَرِيضُ القفا إن أبصرت الخيطين".
وعرض5 القفا يُتَأَوّلُ عَلَى وَجْهَين أحدهما أن يكون كناية عن الغَباوَةِ وسلامة الصَّدر يقال للرجل الغبِيّ إنّه لعَرِيض القفا والوجه الآخر أن يكون أراد إنك غَلِيظ الرَّقبةِ وافر اللحم لأَنَّ مَنْ أكل بعد الصبح لم ينْهَكْه الصَّومُ ولم يَبن6 له أثرٌ فيه وقد بين أن الخيط الأبيض إنما
__________
1 س: "رموها بأبدان". وفي ح: "رمونا بأثواب". والمثبتمن م. والبيت في اللسان والتاج "ثوب" كما في رواية م وجاء في التاج: نقل شيخنا عن السهلي أنه قد تطلق الأثواب على لابسيها.
2 الكامل للمبرد 1/40 وعزي "لطخيم بن أبي الطحماء الأسدي ".
3 أخرجه البخاري 6/31.
4 س: "خالد بن محمد الخيام" والمثبت من م, ط,
5 ت: "وعري القفا".
6 ت: "ولم يكن له أثر فيه".

(1/232)


أُريدَ به بياضُ النَّهارِ وهو أَولُ ما يبدو مُعتَرِضًا في الأُفُق له وشائع كالخُيوطِ قَالَ أبو دُوادٍ الإياديّ:
فلّما أضاءَت لنا سُدْفَةٌ ... ولاحَ من الصُّبْح خيطٌ أَنارَا1
وأنشدني الحَسَنُ بن خَلاد أنشدني ابن دُرَيْد أنشدنا ابن أخي الأَصْمَعِيّ عن عمه لرجل يصف ليلا:
كأنَّ بقايا الليل في أخرياته ... ملاء تُنَقَّى من طيالِسَةٍ خُضْرِ
بقاياه التي أسأَرَ الدُّجَى ... تَمُدُّ وِشِيعًا فوق أردية الفَجْرِ
فشبّهه بالوَشِيع لما يتراءى في خلاله من خيوط سواد وبياض.
__________
1 اللسان والتاج "خيط".

(1/233)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَدِيًّا الْجُذَامِيَّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ لِي امْرَأَتَانِ اقْتَتَلَتَا فَرَمَيْتُ إِحْدَاهُمَا فَرُمِيَ فِي جِنَازَتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اعْقِلْهَا وَلا تَرِثْهَا" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ عَدِيٍّ الْجِذَامِيِّ
قَوْلُهُ: رُمِيَ فِي جِنَازَتِهَا يُرِيدُ أَنَّ الرَّمْيَةَ أَصَابَتْهَا فَمَاتَتْ وهي كَلمة للعَرَب تقولها إذا أَخْبَرت عن موتِ الرَّجُل يقال رُمِي في جِنازِته وطُعِن في نَيْطه: أي مات
وقال أبو زيد النَّيْط مفتوحة النون قَالَ وهو اسم من أسماء
__________
1 أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 4/7, وابن حجر في الإصابة 2/472. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/407 بسياق آخر.

(1/233)


المَوْت ويقال إنَّ النَّيْطَ عِرقُ الوَتِين إذا انقطع مات صاحبُه فأمَّا نيَاط القَلْب فهو رِباطُه.
وفي الجنازة لغتان الكسر والفتح ومنهم مَنْ يَفرقُ بينهما فيجعل الجَنازة بفتح الجيم بَدَنَ الميِّت والجِنازة بالكَسْر السَّريرُ أخبرني أبو عمر نا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ الجنازَة بالكسر السرير1 وبالفتح المِّيت قَالَ ومنه قول الكُمَيت يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ مَيْتًا جَنازةً خَيْرَ مَيْتٍ ... غَيَّبَتْه حفائِرُ الأقوام2
قَالَ: ومَرَّ أعرابيّ بامرأة ثَكْلَى فَقَالَ أَثْكَلتْها الجنائز يريد المَوْتَى وقال صَخْر الغَي:
أَرى أُمَّ صَخْرٍ لا تَمَلُّ عِيَادَتي ... وملَّت سُلَيْمى مَضْجَعي ومَكانِي
وما كنتُ أخشى أن أكون جَنازةً ... عليك ومن يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ3
وفي الحديث من الفقه أَنَّ قاتِلَ الخطأ لا يَرِث كالعامِد وأن النفس إذا تلفت بالتعزيز والتأديب وما في معناهما مما لا يلزم لُزومَ حُكْم كانت مضمونة.
__________
1 من ت, م, ح.
2 لم أقف عليه في ديوانه, ط بغداد, وهو اللسان والتاج "جنز", وفيه يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حيا وميتا.
3 الكامل للمبرد 2/266, ونهاية الأرب 15/368.

(1/234)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ فَانْكِحُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ أَفْتَحُ أَرْحَامًا وَأَعْذَبُ أَفْوَاهًا وأغر غرة" 1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/159, وسعيد بن منصور في سننه 1/128 بلفظ: "عليكم بالجواري الشواب ... وأعز أخلاقا".
وأخرجه ابن ماجه مرفوعا في 1/159 عن عتبة بن عويم.

(1/234)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مَكْحُولٍ.
قوله: أَغَرُّ غُرَّةً فيه وَجْهان أحدهما أن يكون من غُرَّةِ البَياضِ ونُصوع اللون وذلك أنّ الأَيْمَةَ وطُولَ التَّعْنِيس يُحيِلان اللون ويُبْلِيان الجِدَّة والوجه الآخر أن يكونَ من حسن الخُلُق والعِشرة ويَشْهد لذلك قولُه: في رواية أُخْرى: "عليكم بالأَبكار فإنهن أَغرُّ أخلاقًا وأَرضَى باليَسِير" 1
وغُرَّةُ كل شيء خِيارُه يقال هذا غُرَّةُ المَتَاعِ وغُرَّةُ العَبِيد وقد يُكْنى بها عن المحاسن والمكارم ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكم ومُشَارَّةَ الناس فإنها تَدفِنُ الغُرَّة وتُظْهِر العُرَّةَ" 2. ووجه ثالث إن ساعدته الرِّواية وهو أن يقال فإنهن أغَرُّ غِرَّةً بكسر الغَين يريد أَنَّهنّ أبعد من معرفة الشَّرِّ وأَقَلُّ فِطْنَةً له.
فأما حكمه في الجنين بِغُرَّة فإن تِفْسير عامَّةِ العلماء3 لها أَنّها عَبْدٌ أو أَمَة من غَيْر تقْييد له بصفة وذهب بعضُهم إلى أَنه أراد الخِيارَ من العَبِيد والإماء دون الأراذل4 منهم.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/160 مرسلا, ولم يذكر الجملة الأخيرة, وهي موجودة في رواية ابن ماجه المتقدم.
2 أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للبيهقي, انظر فيض القدير 3/121, والفائق "غرر" 3/62, وجاء فيه: والعرة: القذر, فاستعيرت للعيب والدنس في الأخلاق وغيرها, فقالوا: فلان من العرر. والمعنى أنهم إذا نالهم منك مكروه كتموا محاسنك ومنقبك وأبوا مسوئك ومثالبك.
3 س, ط, ح: "العامة", والمثبت من م, ت.
4 ح: "الأرذال".

(1/235)


وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ ثنا عَبْد الله بن شَبِيب ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء قول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الجِنَيِن غُرَّة عَبْد أو أَمَة" لولا أن رَسُولَ الله أراد بالغُرَّةِ مَعْنى لقال في الجنين عَبْد أو أَمَة ولكنه عَنى البياضَ حتّى لا يُقْبَل في الدِّيَة إلا غلام أبيضُ أو جارية بيضاء ولا يُقبَل فيها أسود ولا سوداء.
قَالَ أبو سليمان وهذا شَبِيه بالمعنى الأول لأنّ البَياض مما يُبْتَغَى في الرَّقيِق ويُزادُ له في القِيمة وكانت العرب تَقْتَني الحَبَش والنُّوبة والبياضُ فيهم عَزِيز فمن أَراد البياضَ في الجِنْس كالرّوم والصَّقَالِبَة لم يقدر عليه إلا بأن يرفَعَ في الثَّمَنِ.

(1/236)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيِّرَ قَالَ أَتَانَا أَعْرَابِيٌّ وَمَعَهُ كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَعْطَيْتُمُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَالصَّفِيَّ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ1 فَلَمَّا قَرَأْنَاهُ انْصَاعَ مُدْبِرًا".
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْفَضْلُ بْنُ عَمْرٍو ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمْحِيُّ قَالَ ذَكَرَ خَلادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيِّرِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ خُمْسُ الْخُمْسِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَالصَّفِيَّ فَأَمَّا خُمْسُ الْخُمْسِ فَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} 2 الآيَةَ وَأَمَّا سَهْمُ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ كان يسهم له
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في 5/77,78, 363. وأبوداود في 3/153, والنسائي في 7/134.
2 سورة الأنفال: 41.

(1/236)


أُسْوَةَ مَنْ حَضَرَ الوَقْعَةَ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ شَهِدَهَا أَوْ غَابَ عَنْهَا وَالصَّفِيُّ: مَا كَانَ يَصْطَفِيهِ وَيَخْتَارُهُ مِنْ عُرْضِ الْمَغْنَمِ من فرس أو غلام أَو سَيْفٍ أَوْ مَا أَحَبَّ من شيء وذلك مِنْ رَأْسِ الْمَغْنَمِ قَبْلَ أَنْ يخمس كان مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الثَّلاثِ عُقْبةً وَعِوَضًا عَنِ الصَّدقَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ
وقوله: فانصاع مُدبرًا يريد أَنَّه وَلَّي في سُرْعَة قَالَ ذو الرُّمَّة:
رَمَى فأَخْطَأَ والأقدارُ غالِبَةٌ ... فانْصَعْن والوَيْلُ هِجَيراهُ والحَرَبُ1
قَالَ محمد بن سلام الأَعرابيّ صاحب الكتاب هُوَ النَّمِر بنُ تَوْلَب الشاعر وقد وَفَد عَلَى رَسُول الله وله يقول:
إنّا أتيناك وقد طَالَ السَّفَرْ ... نَقُودُ خَيْلًا ضُمَّرًا فيها ضَرَرْ
نُطْعِمُها اللَّحمَ إذا عز الشجر2
__________
1 الديوان /16.
2 اقتصر اللسان والتاج "لحم" على البيت الأخير. قال الأصمعي: أراد باللحم اللين سمي به؛ لأنها تسمن على اللبن.
وأنكر ما قاله الأصمعي وقال: إذا لم يكن الشجر لم يكن اللبن.

(1/237)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلالا قَالَ أَذَّنْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فقال رسول الله: "مَا لَهُمْ يَا بِلالُ"؟ قُلْتُ: كَبَدَهُمُ الْبَرْدُ قَالَ: "فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يتروحون في الضحاء" 1
__________
1 الفائق "كبد" 3/244, والنهاية "كبد" 4/139, وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة /19, وعزاه للعقيلي.

(1/237)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ مَهْرَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ بِلالٍ
قوله: كَبَدُهم البَردُ معناه غلبهم وشَقَّ عليهم ومنه قولُهم فلان يكابِدُ مَعِيشَتَه أي يقاسي مَشَقَّتَها ومنه قولهُ تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} 1 يقال في شِدَّةِ مُقاساة ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة وقد يكون قولُهم كبَدَهم بمعنى أصاب أكبادهم وذلك في أشد ما يكون من البَرْد لأنّ الكَبِد مَعدِنُ الحرارة والدَّم ولا يَخلُص إليها من البرد إلا الشديدُ المجحفُ والضَّحاءُ ممدودًا قريبٌ من نصف النهار والضُّحَى إذا تعالى النهار والضَّحْو عند ارتفاع النهار قَالَ بشر بن أبي خَارَم:
هُدُوًّا ثم لأْيًا ما استَقَلُّوا ... لوِجْهَتِهم وقد تَلع الضَّحاءُ2
وإنما صاروا يتروَّحُون لحرِّ الهواء يريد أنّ رَسُولَ الله دَعَا لهم فانكشف البردُ عنهم.
__________
1 سورة البلد: 4
2 الديوان /1, الفائق 3/244 برواية: "هدوءا".

(1/238)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ حَائِلٍ"1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه 1/108, 110, وأبو داود في 1/10 بألفاظ متقاربة بدون كلمة "حائل".
2 من ت, م, ط, ح.

(1/238)


الحائل: المتغَيِّر من البِلَى وكلُّ مُتغيِّر اللّونِ حائِل يقال: حال لَونُه يَحولُ إذا تَغَيَّر فإذا أردتَ أنه قد أَتَى عَلَى الشيء حَولٌ كامِلٌ قلت قد أَحالَ الشيءُ ويقال: دارٌ مُحِيلَة إذا لم تُسكَن حولًا وربما رُدّ إلى الأصل فِقيلَ أَحولَ فهو مُحِول كقَوْل عُمرَ بن أبي ربيعة:
عُوجَا نُحَيِّ الطَّللَ المُحْوِلا ... والرَّبعَ من أَسماءَ والمنزلا1
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ: "أَنَّهُ نَهَى عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوَثِ وَالرِّمَّةِ"2. والرِّمَّةُ العظام البالية
وَرَوَى عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي الْقَمُوصِ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يَتَمَشَّعَ الرَّجُلُ بِرَوْثِ دَابَّةٍ أَوْ بِعَظْمٍ" قَالَ والتَمَشُّع الاستِنجاء.3
ويقال إنه إنما مَنَع الاستنجاء بالرَّميم لأنه إذا أصاب المكانَ عَلِق به بعض أَجزائِه ولهذا كُرِه الاستنجاء بفتات المدر ونحوه
__________
1 الديوان /310.
2 أخرجه أبو داود في 1/3, والنسائي في 1/38, وابن حبان في المورد /62, والبيهيقي في سننه 1/102, 112 وغيرهم.
3 من ت, م والحديث في النهائية "مشع" 2/334 وجاء فيها: التشمع: التمسح في الاستنجاء. وتشمع وامتشع إذ أزال عنه الأذى. وقد أخرجه أبو داود في 1/10. واليهيقي 1/110 بلفظ "نهانا رسول الله أن نتمسح بعظم أو بعر".

(1/239)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الأَعْشَى وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَعْوَرِ الْحِرْمَازِيُّ خَرَجَ فِي رَجَبٍ يَمِيرُ أَهْلَهُ مِنْ هَجَرٍ فَهَرَبَتِ امْرَأَتُهُ بَعْدَهُ نَاشِزًا عَلَيْهِ فَعَاذَتْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُطَرِّفُ بْنُ بُهْصُلٍ فَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمَّا قَدِمَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَ بِهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

(1/239)


يَا سَيِّدَ النَّاسِ وَدَيَّانَ الْعَرَبْ ... إِلَيْكَ أَشْكُو ذِربَةً مِنَ الذِّرَبْ
كَالذِّئْبَةِ الْغَبْسَاءِ فِي ظِلِّ السَّرَبْ ... خَرَجْتُ أَبْغِيهَا الطَّعَامَ فِي رَجَبْ
فَخَلَفَتْنِي بِنِزَاعٍ وَحَرَبْ1 ... أَخْلَفَتِ الْوَعْدَ ولطت بالذنب
وقذفتني بَيْنَ عِيصٍ مُؤْتَشَبْ ... وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ2
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ".
فَشَكَا امْرَأَتَهُ وَمَا صَنَعَتْ بِهِ وَأَنَّهَا عِنْدَ مُطَرِّفَ بْنِ بُهْصُلٍ فَكَتَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُطَرِّفٍ: "انْظُرِ امْرَأَةَ هَذَا مُعَاذَةً فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ"3
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُكْرَمٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاسُ نا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ أُمَيْنِ بْنِ ذَرْوَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ بُهْصُلٍ الحِرْمَازِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي أُمَيْنُ بْنُ ذِرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي ذِرْوَةُ بْنُ نَضْلَةَ عَنْ أَبِيهِ نَضْلَةَ بْنِ طَرِيفٍ
الدَّيَّانُ: الملِكُ المُطاع وهو الَّذِي يَدِين النَّاسَ: أي يَقْهَرهُم عَلَى الطاعة. يقال: دَانَ الرجلُ القومَ إذا قهرهم فَدانُوا له إذا انْقَادوا اللازِم والمُتعدِّي فيه سَواء والدَّيَّانُ الَّذِي يَلي المُجازاةَ والدِّينُ الجَزاء والله مالك يوم الدين أي يوم الجزاء, ولذلك للحاكم الدَّيَّان وفي بعض الكلام مَنْ دَيَّانُ أَرْضِكم؟ أي مَن الحاكم بين أَهلِها وأنشدني الرُّهَنيّ أنشدني ابنُ كَيْسَان أو غيره:
__________
1 ت: "وهرب"
2 في اللسان والتاج "ذرب" هذا الرجز ما البيت الثالث. وجاء فيه: أراد بالذرية امرأته, كنى بها عن فسادها وخيانتها إياه, والبيت الثالث في اللسان والتاج "غبس" والبيت الثاني والسادس في اللسان والتاج "لط".
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/201, 202.

(1/240)


لاهِ ابنُ عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنّي ولا أنت دَيَّاني فَتَخْزُوني1
يقال خَزَاه يَخْزُوه إذا ساسَه ومنه قَولُ زيَاد قد خَزَوْنا وخزانا الخَازُون أي وَلِينَا الناس وَوُليَ علينا فَعلِمْنَا2 ما يُصلِح الرَّاعي والمَرْعَى وقوله: ذِرْبَة من الذِّرَب يُرِيد السَّلِيطَةَ والذَّرَبُ والذَّرابةُ حِدَّةُ الِّلسان يقال سِنَان ذَرِبٌ أي حدِيد وسَيفٌ ذَرِبٌ أي ماضٍ قَالَ الأصمعي الذَّرِبُ فَسادُ الِّلسان وسُوءُ لَفْظِه وهو من قولهم ذَرِبتْ مَعِدتُه إذا فَسدت وأنشد:
ولقد طويتُكُم عَلَى بُلَلاتِكم ... وعلِمتُ ما فِيكم من الأَذْراب3
وحُكِي عن أَبي عُبَيدة أَنُّه سُئِل عن الذَّرَب فَقَالَ: هُوَ سُرعةُ اللِّسان بكلامه حتى لا يَثْبُتَ الكلام فيه كَذَرَب المَعِدة إذا فَسَدت فصار الغِذاءُ لا يَثْبُت فيها فهو مَعنى واحد يُحمَد في الِّلسان ويُذَمُّ في المَعِدة والذئبة الغَبساءُ هي التي في لَوْنِها طُلسَة وكذلك ألوان الذِّئاب والفعل منه اغباسَّ وكذلك هُوَ في كل لون مُتَمَيِّل بين لونين كالصُّهْبَة والصحرة ونحوهما يقال اصهاب واصحار فأما اللون الخالص كالحمرة والبياض ونحوهما فالفِعْل منه احَمَّر وابيضَّ هذا إذا أردتَ أنه قد تَمَكَّن واستقرّ فإذا أردتَ التَّغَيُّرَ والاستحالةَ قُلتَ احْمارَّ واصْفَارَّ كقولك ما زال يَحمارُّ وَجْهُه ويصفارُّ فمن هذا حديثُ عَبْد الله قَالَ أَتيتُ رسولَ الله وهو نائِمٌ في ظل
__________
1 اللسان والتاج والأساس "خزى", وعزي لذي الإصبع العدواني. وهو في شعراء النصرانية 4/636, وفي هامش م: يقول: صفحت عنكم بعد معرفتي بعيوبكم.
2 س: "فعملنا" والمثبت من ت, م, ط.
3 اللسان والتاج "بلل" وعزي لحضرمي بن عامر الأسدي, وجاء في الأساس من غير عزو.

(1/241)


الكعبة, فاستيقظ مُحمارًّا وجَهُه1 وفي رواية أخرى: فاحمار وجهُه حتى صار كأنه الصِّرْف2, وهو شَيءٌ أَحمرُ يُصْبَغُ به الأديمُ قَالَ الشاعر:
كَلَوْن الصِّرْفِ عُلَّ به الأديم3
والعامة تجعل الصَّرفَ من أسماء الخَمْر وإنَما هُوَ نَعتُ لونِها ومعنى قولهم شَرِب الخَمرَ صِرْفًا أي شربها بلونِها لم يُغيِّره بمزَاج وكذلك قولهم في الجِرْيَالِ يجعلونَه من أَسْماءِ الخمر وإنما هُوَ لونها قَالَ الأعشى:
وسَبِيئةٍ مِمَّا تُعتِّق بابلٌ ... كَدَمِ الذَّبِيح سلبتُها جِريالَها4
أخبرني ابن الزِّئْبَقيّ نا الحسين بن حميد اللّخْمي نا التَّوَّزيّ5 نا الحِرمازي نا شعبة عن سِماك بن حرب عن أبيه حرب قَالَ لقيتُ الأعشى في الجاهلية فقلتُ له ما عَنَيْتَ بقولك سَلبتُها جِريالَها قَالَ شربتُها حمراءَ وبُلتُها بيضاءَ
وقوله: أَبْغِيها الطّعامَ معناه أَمتارُه وابْغِيه لها كقوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} 6 المعنى كالوا لهم, كقولهم: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} 7: أي من قومِه قال الشاعر:
__________
1 أخرجه البخاري بلفظ: "فقعد محمرا وجهه" من حديث خباب. وأبو داود 3/47 وغيرهما.
2 أخرجه مسلم 2/739 بلفظ: "فتغير وجهه حتى كان كالصرف".
3 اللسان والتاج "صرف". وصدره: "كميت غير محلفة ولكن". وعزي للكلحبة اليربوعي. وهو في المفضليات /33.
4 الديوان /150.
5 ط: الثوري, والمثبت من بقية النسخ.
6 سورة المطففين: 3.
7 سورة الأعراف: 155.

(1/242)


أمرتُك الخَيَر فافعَل ما أُمِرْتَ به ... فقد تركْتُك ذا مالٍ وذا نَشَب1
فحذف حرفَ الصِّفة يريد أمرتُك بالخَيْر وقال حُميدُ بن ثور:
أنتَ الَّذِي اخْتَارَه الرحمن أُمَّتَه ... فذاكَ غَيظٌ عَلَى مَنْ قلبُه حَسِك2
وأكثر ما يقال البَغْي في طلب الشرّ وأقَلُّه ما جاء في طلب الخير كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَقِيلَ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" 3
وكقول زيد بن عمرو بن نُفَيْل وكان رَغِب في الجاهلية عن عِبادةِ الأوثان وطَلب الدِّين فتنصَّر فكان يقول:
البِرَّ أَبِغي لا الخَالْ ... وهل مُهجِّرٌ كَمن قَالْ
وقوله: لَطَّت بالذَّنَب يريد أنها تَوارَت عنه وأَخْفَت شَخصَها دونَه يقال: لَطَّ الغَرِيمُ دُوني إذا استَخْفَى عنك وغَيَّب شَخصَه وأصلُه من قولهم: لَطَّت الناقةُ بذنَبِها إذا ألزقتْه بحيائها
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد أنها قد نَشَزت عليه وامتنعت عن التّمكين من نفسها كما تمتنع الناقة عَلَى الفحل إذا حملت بأن تلصق ذنبها بحيائها4
__________
1 الكامل للبرد 1/32, وعزي لأياس بن عامر. وفي الخزانة 1/344: إياس بن موسى وهو أعشى طرود, وقيل: لعمرو بن معد يكرب.
2 ليس في الديوان ط دار الكتب, وفيه قصيدة على الوزن والقافية, وليس فيها هذا البيت.
3 الحديث في الفائق "صفد" 2/302, وفي النهاية "صفد"3/35 وجزء من الحديث. وجاء في الفائق: والصفد والصفاد: القيد, ومنه قيل للقيد, ومنه قيل للعطية صفد لأنها قيد للمنعم عليه.
4 من ت, م.

(1/243)


قَالَ أبو عبيدة يقال لَطِطْتُ به أَلَطُّ لَطًّا وأَلَظَّ به إلظاظًا بمعنى واحد وهو لزوم الشَّيء.
قَالَ الشاعر:
أَلا إنّ قومي لا تُلَطُّ قدورُهم ... ولكنها تُوقَدْنَ بالعَذِرات
أي لا تُسْتَر قُدورُهم لكنها تُنْصَب بالأَفْنِية
وقوله: قذفَتْني بين عِيصٍ مُؤتَشِب فالعِيصُ أُصولُ الشَّجَر والمُؤتَشِب الملتَفُّ المُلْتَبس قَالَ جرير:
فَما شَجَراتُ عِيصِكَ من قُرَيْشٍ ... بعَشَّاتِ الفُروعِ ولا ضَوَاحي1
وضَربَ الشّجَر وإئتشابه مَثَلًا في التِبَاس أمره عليه ورواه لنا المحدِّثُ: بَين غِيضٍ مُؤْتَشِب والرّواية بين عِيصٍ عَلَى ما فَسَّرناه وقَولُه: لمن غَلَب فإنما وحَّد الفِعلَ وذكَّره لأنّه ردّه إلى غالبٍ فكأَنَّه قَالَ وهُنّ شَرُّ شيءٍ غالبٍ لِمَنْ غَلَب.
__________
1 الديوان /99.

(1/244)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَرَادَ وَطْأَهَا فَقَالَتْ إِنِّي حَامِلٌ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا سَجَعَ ذَلِكَ الْمَسْجَعَ فَلَيْسِ بِالْخِيَارِ عَلَى اللَّهِ وَأَمَرَ بِرَدِّهَا" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ غَيْلانَ بْنِ أنس عن أبي بكر
__________
1 في مصنف عبد الرواق 7/134 بلفظ: "انتجع بذلك المنتجع" وهو في الفائق "سجع" 2/155".

(1/244)


وقوله: سَجَع ذَلِكَ المَسْجَع معناه سَلَك ذَلِكَ المَسْلَك أو ذَهَب ذَلِكَ المذهب أو نحو هذا من الكلام وأصلُ السَّجْع القَصدُ لجهةٍ واحدة قَالَ ذو الرُّمَّة:
قَطعتُ بها أَرضا تَرَى وجه رَكْبها ... إذا ما علَوْها مُكفَأ غيرَ ساجِعِ1
أي غير قاصِد ومنه سَجْع الكَلامِ وهو أن تَأتَلِفَ أواخِرُه عَلَى نَسقٍ واحد وكذلك سَجْعُ الحمامة إذا صَدحَت وهو مُوالاة الصّوت عَلَى نَمَط واحد ومثله سَجْع الإِبِل إذا حَنَّت قَالَ متِّمم بن نُوَيْرَة:
فَما وَجْد أَظآر ثلاثٍ رَوائمٍ ... رأيْن مَجَرًّا من حُوارٍ ومَصْرعَا
يذكِّرن ذا البَثِّ الحَزينَ بِبَثِّه ... إذا حَنَّت الأولى سَجَعْن لَهَا مَعَا2
-وفي الحديث من الفِقْه كَراهَةُ وَطْءِ الحَبالي من السَّبْي وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: "لا يَسْقِيَنَّ أَحَدُكُمُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ" 3: أَيْ يَطَأَنَّ حَامِلا مِنْ غَيْرِهِ
وفيه أيضًا من الفقه أَنَّ الحملَ في الآدميات عَيبٌ تُردُّ به الجاريةُ وأَنَّها مخالِفَة للمَواشي والدوابِّ
__________
1 اللسان والتاج "سجع" والديوان /359.
2 المفضليات/270
3 أخرجه أبو داود في النكاح, باب وطء السبايا2/248, والإمام أحمد في مسنده 4/108.

(1/245)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيَّ جَاءَهُ فَقَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالضَّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيرًا"1
__________
1 أخرجه مسلم في التوبة, باب فضل دوام الذكر 4/2106 رقم الحديث "12" والترمذي في القيامة 4/666 رقم الحديث "2514". وفي الفائق 3/5 "عفس": حنظلة الأسدي, "خطأ" والمثبت "الأسيدي" في جميع النسخ.

(1/245)


يَرْوِيهِ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيِّ
الْمعافَسَةُ مُلاعَبَةُ النِّسَاءِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَبَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ إِنَّ فِيهِ دُعابةً فَقَالَ زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابةٌ تِمْزَاحَةٌ أُعافِسُ وَأُمَارِسُ هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ ومَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ فَفِي هَذَا عَنْ هَذَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ1
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نا زُهَيْرٌ نا سَعْدٌ الطَّائِيُّ ثنا أَبُو الْمُدِلَّةِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَإِذَا فَارَقْنَاكَ شَمِعْنَا أَوْ شَمِمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ2 والشَّمَاعُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ يقال جارية شَمُوع وقد شَمَعَت قَالَ أبو ذؤيب:
فتَجِدّ حِينًا في العلاج وتشمع3
__________
1 الفائق 2/319, وقيه: التلعابة الكثير اللعب كقولهم: التلقامة للكثير اللقيم, وهذا كقول عمر فيه: فيه دعاية. وفي النهاية 1/194, 196 هو من المرح, والمرح: النشاط والخفة, والتاء زائدة, وهو من أبنية المبالغة, ولكن الثابت في جميع النسخ تمزاحه بالزاي. والمزاح: الدعاية "وانظر اللسان: مزح".
2 أخرجه أحمد في مسنده 2/304/305.
3 شرح أشعار الهذليين 1/14, وصدره: فلبثن حينا يعتلجن بروضه.

(1/246)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا والبر بالبر مدي بمدي" 1
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع 3/248, والنسائي 7/276.

(1/246)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
التِّبْر: جوهَر الذَّهب والفِضَّة يقال للقِطعة منها تبْرة ما لم يُطْبَع فإذا ضَرِبت دراهَم أو دنانير سُمِّيت عَيْنًا حرم التَّفَاضُلَ فيها سواء كان تِبرًا بمضروب أو عَينًا بعَيْن والمُديُ مِكيال لأهلِ الشَّام يقال إنه يَسَع خَمسةَ عَشَر مَكُّوكًا والمَكُّوك صَاعٌ ونِصف والصّاعُ خمسة أرطال وثلث وهو صاع الحَرَمين
أخبرنا ابن الأعرابي نا أبو داود قَالَ قَالَ أحمدُ بن حنبل صاع النبي خمسةُ أرطال وثلث وأما الصّاع في قول أهل العِراق فإن إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا قَالَ نا الحسن بن علي بن عَفّان العامِرِيّ عن يحيى بن آدم قَالَ الصَّاعُ عند أصحابِنا ثمانيةُ أَرطال وهذا صاعُ الحَجّاج صَوَّعه لمَّا وُلَّي العراقَ وسَعَّر به عَلَى أهلها وكانت الوُلاةُ يتحمَّدونَ بالزِّيادة في الصِّيعان يُرِيدون به التّوسعةَ عَلَى الناس ولذلك قَالَ بعضُهم في ولاية سَعِيد العراق:
يا ويلنا قد ذَهَبَ الوليد ... وجاءنا مُجوِّعًا سَعِيد
يَنقُص في الصاع ولا يَزِيدُ
قَالَ أبو سليمان فصاعُ: الحَجَّاج صاعُ التَّسعير عَلَى أهل الأسواق لا صاعُ التَّوقيف الَّذِي تُقدُّر به الكَفَّارات وتُخرَجُ به الصدقات
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْد الرزاق نا أبو داود نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلاد نا مُسدَّد عن أميَّة بن خالد قَالَ لما وَلِي خالدٌ أضعَفَ الصّاعَ فصار الصاعُ سِتَّةَ عشر رِطلًا فهذا تفسير المُدْي.

(1/247)


وأما المدُّ فهو رُبع الصّاع ويقال إنه مُقَدَّر بأن يُمدَّ الرجلُ يَدَيْه فيملأ كفّيه طَعامًا ولذلك سُمِّي مُدًّا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِلْءَ الأَرْضِ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" 1
والنَّصِيفُ: النّصفُ ورواه بعض أهل اللغة "ما بَلَغ مَدَّ أحدِهم" –بفتح الميم- يُريد الغاية. يقال فلان لا يبلغ مَدَّ3 فلان أي لا يلحقُ شَأوَه ولا يدرك غايته
__________
1 أخرجه البخاري في فضائل أبي سعيد الخدري 5/10, ومسلم 4/1968 وغيرهما.
2 ت: مدي.
3 أخرجه ابن ماجه في الفتن في باب الملاحم 2/1371.

(1/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ قِتَالَ الرُّومِ فَقَالَ: "يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ"
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ السُّرِّيُّ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
رُوقَةُ القوم: خيارهم وسراتهم يقال رأيتُ رائقةَ بني فُلانٍ أي وجوهَهم وأعيانَهم وأصل هذا في الرَّقيق يقال وصيفٌ رُوقَةٌ وَوُصَفاء رُوقةٌ أي حِسانٌ ويستعار ذَلِكَ في الخيل يقال خَيْل رُوقَةٌ وأُراه مأخوذًا من راقَنِي الشَّيء إذا أعجبك ويقال أيضًا رأيتُ جَبْهة بني فلان إذا رأيتَ سادتَهم وأَعيانَهم ومِثُله رأيتُ نواصِيَ بني فُلان قَالَ الشاعر:
في مجلس من نَواصِي الحَيّ مشهود1
__________
1 اللسان والتاج والأساس "نصا" وعزي إلى أم قبيس الضبية.

(1/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَوَّلُ دِينِكُمْ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ مُلْكٌ أَعْفَرُ ثُمَّ مُلْكٌ وَجَبْرُوَّةٌ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الْفَرْجُ وَالْحَرِيرُ1".
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الأُمَوِيُّ نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْكُلاعِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ
قوله: مُلك أَعفَر معناه الإِرْبُ والدّهاء أُخِذ من العَفَارَة وهي الشَّيْطَنَة والدَّهاء يقال رجل عَفْرٌ وعِفْرٌ ومنه قيل للشيطان المتمرّد عِفرِيت ويوصَف به الرَّجلُ الدَّاهي الخَبِيث فيقال رجل عِفْريت نِفْريت وعِفْرِيَة نِفْرِيَة والمعنى أَنَّ المُلك يُفْضي إلى قوم يَسُوسُون النّاسَ بالدَّهاء والنُّكْر والجبَرُوَّةَ مَصْدَر يقال جبَّارٌ بيّن الجَبْريَّة والجِبْرِيَّة والجَبَروت والجَبْروَّة وهو الجَبَروتا أيضًا كقولهم رَحَمُوتا ورَهَبُوتا والعرب تقول: "رَهَبُوتا خير من رَحَمُوتا"2, معناه لأن تُرهَب خير من أن تُرحَم
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْعَبْدِيُّ ثنا مُهَنَّى بْنُ هِشَامٍ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنِي قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمُ الْيَوْمَ فِي نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ3 ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةُ رَحْمَةٍ ثُمَّ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا ثم يكون ملوكا عضوضا4
__________
1 أخرجه الدارمي 2/114 بنحوه. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/189 بنحوه, عن معاذ أبي عبيدة, وانظر كنز العمال 11/215.
2 هامش كتاب الأمثال لأبي عبيد برواية: "رهبوت خير من رحموت".
3 م, ح: "في نبوة رحمة" بالإضافة.
4 في النهاية "عض": ثم يكون ملك غضوض, بفتح العين. قال: وفي روابة: "ثم يكون ملوك غضوض" وهو جمع عض بالكسر.

(1/249)


يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ وَفِي ذَلِكَ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ" 1
العُضُوض جمع عضٍّ وهو الرِّجلُ الخَبِيث الشَّرِسُ الخُلُق.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي صِفَةِ الْخُلَفَاءِ وَالأُمَرَاءِ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ ثنا كثير بن حفص ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَلْمَانُ2 جلوسا ننتظر رسول الله إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا فِي الْهَجِيرِ مَرْعُوبًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ الْخُلَفَاءِ وَالأُمَرَاءِ بَعْدَهُ فَقَالَ: "أَوْهِ لفراخ محمد من خَلِيفَةٍ يُسْتَخْلَفُ عِتْرِيفٍ مُتْرَفٍ يَقْتُلُ خَلَفِي وَخَلَفَ الْخَلَفِ" 3. فَإِنَّ الْعِتْرِيفَ الْغَاشِمُ يُقَالُ رَجُلٌ عِتْرِيفٌ وعِتْريس أَيْ غاشِمٌ ويقال إنه مقلوب من العِفْرِيت. ورواه بعضهم غِترِيفٍ مترفٍ بالغين المعجمة والغَتْرفَة والغَطْرفَة واحدة ورجل مُتَغَتْرف أي متكبِّر وأنشد عن الأحمر:
فإنك إن عاديتني غضب الحصا ... عليك وذو الجُبُّورَة المُتَغَتْرف4
وقوله: يقتُل خلَفي وخَلَف الخَلَف فإنه يُتَأَوّلُ عَلَى ما كان مِنْ يَزِيد في أمر الحسين بن علي وفيما جَرَى منه عَلَى أولادِ المُهاجرين والأَنصار يوم الحَرَّة وهم خَلَف الخلف رحمهم الله
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالمية 4/265, بلفظ: "ومع ذلك ينصرون إلى قيام الساعة" وعزاه لأبي بكر. وأخرجه أحمد بنحوه في مسنده 4/273. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/188 وقال: رواه أحمد في ترجمة النعمان, والبزار أتم منه, والطبراني ببعضه في الأوسط.
2 ت: "سليمان".
3 ذكره الهيثمي في مجمه 5/189 بنحوه, عن أبي ثعلبة قال: كان معاذ بن جبل وأبو عبيد........وانظر كذلك المطالب العالية 2/197.
4 من, ت, م, والبيت في اللسان والتاج "غترف" وعزي للمغلس بن لقيط.

(1/250)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ نا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ثنا عَفَّانُ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَابْنُ عَائِشَةَ قَالُوا ثنا حَمَّادٌ ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ.
قوله: استُحْلَلتُم فروجَهن بكلمة الله يريد -والله أعلم- ما شَرَطه لهنّ في كَلِمته وهو قَولُه تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2 وقد تتَصَرَفُ الكلمة عَلَى وجوه جِماعُها ما أمر الله به ودعا النّاسَ إليه قَالَ الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 3 ثُمَّ فَسَّر ذَلِكَ فَقَالَ: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} 3..الآية.
وأما قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} 4. فإن المفسرين يذكرون أنها عَشْر خصال في الطَّهارة أمره الله بهن خَمس في الرأْسِ وخَمسٌ في سائرِ الجَسَد فأما التي في الرأس ففَرْق الرَّأسِ5 وقَصُّ الشارب والسِّواكُ والمَضْمَضَةُ والاستِنْشاق وأما التي في الجسد فَتَقْلِيمُ الأظفارِ ونَتْف الإِبِط وحَلْقِ العانةِ والاستِنجاءُ والاختِتانُ
فأَتَّمهن أي وَفَّاهن ثُمَّ قال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} 6 أي أَدَّى ما فُرِض عليه.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/72.
2 سورة البقرة: 229.
3 سورة آل عمران: 64, وفي م: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} .
4 سورة البقرة: 124.
5 س, ط: "الشعر". والمثبت من ت, م.
6 سورة النجم: 37.

(1/251)


وأما قولُه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ} 1 فبيان ذلك قوله تعالى: {ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} 2 الآية وأما قوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} 3 فإنها أربعُ كلماتٍ تكلم بها عيسى في المهد صَبِيًّا: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} 4 إلى قوله: {مَا دُمْتُ حَيًّا} 5
وأما قولُه: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} 6 فكلماته عِلمُه
وأما قوله: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} 7 فإنه يريد -والله أعلم- أنه أوجدَه بالكلمة وكوَّنَه بها وهي قوله: كُنْ من غير تَوْلِيدٍ من فَحْل أو تَنْسِيلٍ من ذكر وهو معنى قولِه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ} 8 ولم يُرِد -واللهُ أَعْلَم- أنَّ عِيسَى هُوَ الكلمةُ نَفسُها ألا تراه يقول اسمُه المَسِيح ولو أَرادَ الكلمةَ لقال اسمُها المسيح.
فأما قَولُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّات" 9 فإِنّ كلمتَه القُرآنُ وصَفَةُ بالتّمام تنزيهًا له عن أن يَلحقَه نقصٌ أو عيبٌ كما يوجد ذَلِكَ في كلام الآدمِيِّين.
__________
1 سورة البقرة: 27.
2 سورة الأعراف: 23.
3 سورة التحريم: 12
4 سورة مريم:30.
5 سورة مريم: 31.
6 سورة الكهف: 109.
7 سورة آل عمران: 45.
8 سورة آل عمران: 59.
9 رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء 4/2080 – 2080 -2081وغيره.

(1/252)


وقد يَحتَجُّ بهذا الخبر مَنْ يَرَى أَنَّ النِّكاحَ لا ينعَقِد إلا بَلْفظِ النِّكاح أو التِّزويج.

(1/253)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ 1 لِلرَّجُلِ الَّذِي بَاعَ لَهُ الْقَدَحَ وَالْحِلْسَ فِي مَنْ يَزِيدُ: "انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَلا تَدَعْ حَاجًا وَلا حَطَبًا وَلا تَأْتِنِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا" 2
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ نا الأَخْضَرُ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
الحاجُ أيضًا جمع حاجَةٍ قَالَ الراعي:
من حَسَكِ التَّلعَةِ أو من حَاجِها
والحاجُ أيضًا: جمع حاجَةٍ قَالَ الراعي:
وحاجَةٍ غيرِ مُزْجاةٍ من الحَاجِ3
فأما الحوائج فهي جَمعٌ عَلَى غير قياسٍ إلا أَنَّ من العرب من يقول في الواحدة منها حائِجَة فمن قَالَ ذَلِكَ أصابَ القياسَ في جمعها عَلَى الحَوائج ذكره أَبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا تَرَكْتُ حَاجَةً ولا داجة إلا أتيتها.
__________
1ط: "أنه قال للذي باع له".
2 أخرجه ابن حبان في التجارات 2/740 بدون قوله: "انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَلا تدع حاجا ولا حطبا" , وأخرجه الترمذي في البيوع 3/513 مختصرا, وكذلك أحمد في 3/100.
3 الديوان /32 ط دمشق. وصدره: "ومرسل ورسول غير متهم". وديوانه /119 ط بغداد وعجزه في اللسان "زجا" دون عزو.

(1/253)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مَسْتُورُ بْنُ عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ رَسُولَ الله فَقَالَ مَا جِئْتُكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً إِلا أَتَيْتُهَا فَقَالَ لَهُ: "أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَكَ كُلَّ حَاجَةٍ وَدَاجَةٍ" 1
هكذا رواه ابن قُتَيبَة بالتّخفيف2, وفَسِّره فَقَالَ: أَراد أنه لم يَدَعْ شيئًا دعتْه نفسه إليه من المعاصي إلا رَكِبَه3, قَالَ وداجة إتباعٌ كقولهم: شَيطانٌ لَيْطانٌ وأخواتها
وقد روي هذا الحرف من غير هذا الطريق مُثقَّلًا وفُسِّر عَلَى غير هذا المعنى
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَوْصِلِيُّ نا أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْمَرْوَزِيُّ أنا أَبُو الْمُغِيرَةَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ4, عَنْ أَبِي الطَّوِيلِ شَطْبِ5 الْمَمْدُودِ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: يا رسول
__________
1 النهاية "دجج" 1/101.
2 جاء في النهاية بالتشديد, وقال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية بالتشديد ... والمشهور بالتخفيف. قال: وأراد بالحاجة, وبالداجة الحاجة الكبيرة ولم أقف عليه في غريب ابن قتيبة المطبوع.
3 ت: "ركبها".
4 ليس في, م, ح.
5 ت: "شطب", كزفر. وجاء في الإصابة 2/152 قال البغوي: أظن أن الصواب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ أن رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم طويلا شطبا, والشطب يعني اللغة الممدود فظنه الراوي اسما فقال فيه: عن شطب أبي طويل.

(1/254)


اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لا يَتْرُكُ حَاجَّةً وَلا دَاجَّةً إِلا اقْتَطَعَهَا بِيَمِينِهِ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ: "هَلْ أَسْلَمْتَ"؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: "نَعَمْ نَعَمْ1 فَاعْمَلِ الْخَيْرَاتِ بِتَرْكِ الشِّرَّاتِ2 يَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهَا" 3
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُبَشِّرَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ الحاجة الحجاج إذا أقبلوا والداجة إذا رجعوا وقال غيره الحاجَّةُ القاصدون البيت والدّاجَّةُ من كان في ضمنهم من مُكارٍ وتاجرٍ وتابع
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا فِي الْحَجِّ لَهُمْ هَيْئَةٌ أَنْكَرَهَا فَقَالَ: هَؤُلاءِ الدَّاجُّ فَأَيْنَ الْحَاجُّ4؟ وَسُمُّوا دَاجًّا لأنَّهُمْ يَدُجُّونَ عَلَى الأرْضِ والدَّجَجَانُ الدبيب في السير أنشدني:
بعضهم عِصابةٌ إن حَجَّ موسى حجُّوا ... وإن أقام بالعراق دَجُّوا
ما هكذا كان يكون الحجّ
يُريد موسى بن عيسى الهاشميّ قَالَ أبو عمر: قَالَ أبو العبَّاس: يقال لهم الحاجُّ والدَّاجُّ والنّاجُّ
فالحاجُّ أصحاب النِّيّاتِ والدَّاجُّ الأتباع والناج المراؤون
__________
1 ت, م, ح: "نعم من غير تكرار والمثبت من س, ط.
2 ح: "الشهوات".
3 أخرجه ابن عبد البر في الاستعاب 2/708. وذكر الحافظ في الإصابة في ترجمة الطويل 2/152.
4 الفائق 1/412.

(1/255)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" 1
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُخَرَّمِيُّ ثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ2 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ3
هذا يفسّر عَلَى وَجْهَين أحدهما أن تُخسَف به الأرضون السَّبعُ فتكون البُقعةُ المغصوبةُ منها في عنقه كالطَّوق والوَجْه الآخر أن يكون ذَلِكَ من طَوْقِ التَّكليف لا من طَوْق التَّقْليد وهو أن يُكلَّف حملها يَومَ القيامة وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِغَيْرِ حَقِّهَا كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَ تُرْبَتَهَا إِلَى الْمَحْشَرِ" 4
وفي الحديث من الفِقْه أنّ مَنْ ملك بُقعةً من الأرض ملك أسفلها كما يَملِك أعلاها وأن ليس لأحدٍ أن يتّخِذَ سَرْبًا تحت أرضه وإن كان لا يتضَرّر به كما لَيْس له أن يُشرِع جَناحًا أو ظُلَّة في هواء داره وإن كان لا يتضَرّر به.
__________
1 أخرجه الدارمي 2/267, والبخاري 4/130 بلفظ: "من أخذ" بدل"من ظلم", ومسلم 3/1230 وغيرهم, واللاحظة أن الدرامي أتى بهذا الحديث عن طريق الزهري إلا أنه أدخل بين طلحة عبد الله , وسعيد بن زيد, عبد الرحمن بن سهل.
2 ح: "عن عبد الله"؟.
3 كذا في س, ت, ط, ح. وفي م: سعيد بن زيد, عن عمرو بن نفيل. وفي تقريب التهذيب 296:.سعيد بن ريد بن عمرو بن نفيل العدوي, أبو الأعور, أحد العشرة, مات سنة خمسين أو بسنة أو بسنتين.
4 أخرجه أحمد في مسنده 4/172, 173 عن يعلى بن مرة. وذكره الهيثمي في مجمعه 4/175 وعزاه للطبراني في الكبير.

(1/256)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنَةٌ بِرَبْوَةٍ وَإِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلَةٌ بِسَهْوَةٍ" 1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ الْحَضْرَمِيُّ أُرَاهُ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ثنا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ ابْنِ الْبُجَيْرِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
السَّهوةُ الأرض اللَّيِّنة التُّربَةِ2 ويقال للدّابة الذلول المِذعان سَهوة قَالَ امرؤ القيس:
وخَرقٍ بعيدٍ قد قَطعتُ نياطَه ... عَلَى ذاتِ لَوْثٍ سَهْوةِ المشيْ مذعانِ3
وهذا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النار بالشهوات" 4
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة ابن البحير6/335 وقال:أخرجه ابن مندة وأبو نعيم.
2 من م, ت, ط, ح.
3 الديوان /91.
4 أخرجه مسلم في كتاب الجنة 4/2174 وغيره.

(1/257)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَتَبَ لِلْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لا دَاءَ وَلا خِبْثَةَ وَلا غَائِلَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى بْنِ
__________
1 أخرجه البخاري تعليقا في 3/76, والترمذي 3/511, وابن ماجة 2/756 وغيرهم.

(1/257)


ضُرَيْسٍ1 ثنا عُثْمَانُ بْنُ طَالُوتَ ثنا عَبَّادُ بْنُ اللَّيْثِ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِ ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ أَبُو وَهْبٍ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ
قوله: لا داءَ يريد أن المَبيع بريءٌ من داءِ في بدنه أو عيبٍ يُرَدُّبِهِ وقوله: لا غائلةَ فإنها كلُّ شيءٍ يُقصَد به الخداع والتَّدليس وأصل ذَلِكَ من قولهم غالَتْه غولٌ إذا أذهبتْه فهي غائلته ولذلك قيل الغَضَب غُولُ العقل قَالَ ذو الرُّمَّة:
أعاذلُ قد جَرَّبتُ في الدّهر ما كَفَى ... ونظَّرتُ في أَعقابِ حَقٌ وباطلِ
فأيْقَنَ قلبي أنني تابعٌ أبي ... وغائلتي غَوْلُ الرِّجالِ الأوائلِ2
فالغائلة في البيع كلّ ما أَدَّى إلى تلَف الحقِّ وذهابه
وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَرَانِيُّ ثنا عَبْد الله بن شَبِيب ثنا زكريا بن يحيى المِنْقَريّ عَنِ الأَصْمَعي قَالَ سألتُ سعيدَ بن أبي عَروُبة عن الغائلة فَقَالَ الإباقُ والسَّرَقُ والزِّنا
وقال قتادةُ الإباق قَالَ الأصمعي وسألته عن الخِبْثَةِ فَقَالَ بيع أهل عهد المسلمين يريد سبي من أعطى عهدًا أو أمانًا وسمَّاه خبْثةً لحُرمته وكلُّ مُحرّمٍ خبيث. ويقال سَبْيٌ خِبْثَةٌ: أي خبيث وسَبْيٌ طِيبَةٌ وهو ما طاب ملكه وحل3
__________
1 ط: "الضريس" والمثبت من باقي النسخ.
2 الديوان /501.
3 من ت, م.

(1/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُوزَنَ"1
حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا آدَمُ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَريِّ الطَّائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: حتى تُوزَن الثمار لا تُوزنُ إنما تُكال ومعنى تُوزن تُخرصُ وسماه وزنًا لأن الخارص يَحزرُها ويقدِّرها فيحُلّ ذَلِكَ مَحَلّ الوزْن لها والمعنى في النَّهي عن بَيْعها قَبْل الخرصِ شيئان أحدهما تحصين الأموال وذلك أنها في الغالب لا تأمنُ العاهةَ إلا بعد الإدراك وهو أوان الخرْص والمعنى الآخر أنّه إذا باعها قَبْل بُدُوِّ الصَّلاح عَلَى القَطْع سقط حقوقُ الفقراء لأنّ الله تعالى أوجب إخراجها وقت الحصاد
__________
1 أخرجه البخاري في السلم بلفظ: "بيع النخل" بدل "بيع الثمار" 3/112, ومسلم 3/1167, وأحمد في 1/341.

(1/259)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَذِنَ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ"1
قَالَ سَبْرَةُ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ شَابَّةٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثنا سَعِيدُ بْنُ2
__________
1 أخرجه مسلم 2/1023, والنسائي 6/126, وابن ماجه 1/631, وأحمد 3/405.
2 ح: "سعد بن منصور".

(1/259)


مَنْصُورٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ثنا الْمُعْتَمِرُ سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ غَزِيَّةَ يُحَدِّثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي وَمَعِي بُرْدٌ قَدْ بُسَّ مِنْهُ فَلَقِينَا فَتَاةً مِثْلَ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ1
وَحَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا2 حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ3 الْوَاسِطِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ الْجُهَنِيَّ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَسَاقَهُ وَقَالَ فَجَعَلَ ابْنُ عَمِّي يَقُولُ لَهَا بُرْدِي أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِهِ قَالَتْ بُرْدُ هَذَا غَيْرُ مَفْنُوخٍ ثُمَّ قَالَتْ بُردٌ كَبُرْدٍ4
العيطاءُ: الطَّويلةُ العُنُق وطولها يُستَحسن ما لم يُفرِط قَالَ قيسُ بنُ الخَطيم:
عيتاء جَيداء يُسْتَضاء بها ... كأنها خوطُ بانةٍ قَصِفُ5
فأما قول ذي الرُّمَّة:
والقُرطُ في حُرَّةِ الذِّفرى مُعَلَّقةٌ ... تَباعد الحبلُ منها فهْو يضطرب6
__________
1 أخرجه مسلم 2/1024, والبيهقي في سننه 7/202.
2 س, ح: "أصحابي".
3 ح: "عبد العزيز بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ".
4 أخرجه مسلم 2/1025, والبيهقي في سننه 7/202.
5 هامش س: "عيطاء" بد "عيناء" والمثبت من النسخ كلها. وفي الديوان /57: "حوراء.
6 الديوان /6, والسان والتاج "حبل".

(1/260)


فهذا إفراط وقد عِيبَ به.
والعُطْبوُل أيضًا الطَّويلُ العُنُق وهو العيطل والبكرة العَنَطْنَطة مثل العيطاءِ سواء ويقال عُنُق عَنَطْنَطٌ قَالَ الشاعر:
تَمطُو السُّرَى بعُنُقِ عَنَطْنَطِ1
وقوله: قد بُسَّ منه أي قد نَالَ منه البِلَى فَرقَّ ونَهِك ومن هذا قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} 2, قَالُوا: معناه فُتَّت3 ودُقَّت ومنه البَسِيسَةُ وهي السُّوِيقُ ونحوُه وقال الأصمعي: هي كل شيءٍ خَلطَته بغيره مثل السَّوِيق والأَقِط ثُمَّ تبلُّه أو مثل الشَّعير بالنَّوى للإبل يقال: بَسَسْت أَبُسُّ بَسًّا قَالَ الراجز:
لا تَخْبِزَا خُبْزًا وبُسَّابَسَّا ... ولا تُطِيلا بمقامٍ حَبْسَا4
يقول: تَزوَّدا السَّويق5 ولا تَصْنَعا خبزًا لئلا يطول المَكْثُ يأمرهما بالنَّجاء في السَّير ويروى لا تَخْبِزَا خَبْزًا "بفتح الخاء", والخَبز: الدَّفْعُ بالأَيْدي في السَّوْقِ والبَسُّ السَّيرُ أيضًا.
قَالَ أبو زَيْد: البَسُّ والبَشْكُ جميعًا: السَّيرُ الرَّقِيق يقال بَسَسْتُ أَبُسُّ وبَشَكْتُ أَبْشُك وأنشد:
لا تَخْبِزا خَبْزًا وبُسَّابسَّا
__________
1 اللسان والتاج "عنط" وعزي لرؤية.
2 سورة الواقعة: 5
3 ت, م, ح: "فتتت".
4 اللسان والتاج "بسس" ولم يعز.
5 ت, م, ح: "تزودوا السويق" والمثبت من م.

(1/261)


ويُروى أيضًا: ونُسَّانَسَّا "بالنون" والنَّسُّ: السَّوقُ
وقوله: غير مَفْنُوخ: أي غَير مَنْهوك. ويقال للرجل الضعيف: إنه لفَنِيخٌ ومنه قيل: فَنَخْتُ رأسَه إذا شَدخْتَه, قَالَ العَجّاج:
لَعَلِم الجُهال أَنّيَ مِفْنَخُ1
وقد استَدلَّ بعضُ أهل العلم بقوله: "أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي المُتْعة عامَ الفتَح" عَلَى أَنّ حَظرًا قد كان تَقَدّمه واحتج بخبر عليّ بن أبي طالب
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَاهُ أَنَّ أَبَاهُمَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ2
وذهب آخرون إلى أن حَظْرًا لم يكن تَقدمَّه وإنما كان النَّهي عنه عامَ الفَتْح وتأوّلوا الخبَر عَلَى أنَّ ذِكْر خَيْبَر ليس عَلَى التَّوقيت للنَّهي عن المُتعة لكنه على التوقيت له في لحوم الحُمُر وإنما أدرجه الراوي إدراجًا كأنه قَالَ نهى رسول الله عن نكاح المتعة ثُمَّ قَالَ ونهى عن لُحومِ الحُمُر الأَهلية زَمنَ خَيْبَر فكان التَّوقيتُ مُنصِرفًا إلى حُرْمَةِ الحُمُر لا إلى المُتعة قَالُوا ومما يدل عَلَى صِحَّة ذَلِكَ أَنَّ المُتْعَة لم يكن لها زمَن خَيْبر سببٌ فيجب تحريمها له وكان السببُ في تحريم لحوم الحمر معلوما يوم خَيْبر وذلك أنهم أسرعوا فيها وأَغْلَوْا بها القُدور قَالَ الراوي فنهانا رَسُول الله عنها فأكفَأْنَا القُدورَ وهي تَغْلِي بها.
__________
1 السان والتاج "فنخ", والديوان 459.
2 أخرجه مسلم 2/1027, والحميدي في مسنده 1/22 وغيرهما.

(1/262)


ومَّما احتجوا به أَنْ قَالُوا: ليس في الشَّريعة أمرٌ تَوالَى عليه التَّحريمُ مرتين. ويروى هذا القولُ عن أبي بكر الأَثْرم ورأيتُ ابنَ أبي هُرَيرة يَنْصُره ويَمِيل إليه وقد روى مالِكٌ هذا الخبر فذكر النَّهي عن المُتْعة يوم خَيْبر, فجرَّده من غير تَضْمينٍ له بالنَّهي عن لُحومِ الحُمُر الأَهْلِية
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْحَسَنَ وعبد الله أخبراه أَنَّ أَبَاهُمَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مُتْعَةَ النِّسَاءِ يَوْمَ خيبر"1.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ /335, والبخاري 5/173, والبيهقي في السنن الكبرى 7/201.

(1/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَكَنَفَهَا فَضَرَبَ بِالْمَاءِ وَجْهَهُ"1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ نا عُمَارَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ
قوله: كنَفَها معناه جَمَع كَفّه لِيَصير كِنْفًا للماءِ والكِنْفُ الوِعاء ومنه قولهُ: عليه السلام2 في عبد الله: "كنيف ملىء علمًا" 2 المعنى أنه أَسبغَ الوُضُوء وأَخذ الماءَ له غَرْفًا بِمِلْءِ كَفِّه.
ويقال: كنف الكَيَّال يَكْنُفُ كَنْفًا وهو أن يجعل عَلَى يديه رأس القفيز يُمسِك بهما الطعام3
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/443, بلفظ: "فكفها" وكذلك في 4/237 بلفظ: "بكفها".
2 من ت. وفي النهاية "كنف" 4/205: "ومنه حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنِ مسعود: كنف ملئ علما. وهو تصغير تعضيم للكنف.
3 من م.

(1/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ جُوَيْرِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ قَالَ: "وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلاحَةً" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابن إسحاق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قوله: مُلاحة هي الموصوفة بالمَلاحة يقال مَلِيح ومُلاح وكَرِيمٌ وكُرامٌ قَالَ أبو عُبَيْدة العرب تحوّل لفظ فَعِيل إلى فُعَال ليكون أشدَّ مبالغةً في النَّعت قَالَ غيره فإذا أرادوا التأكيد شَدَّدُوا فقالوا كُرَّام وحُسَّانٌ قَالَ الشَّمّاخُ:
دارُ الفتاةِ التي كنّا نَقُول لها ... يا ظَبْيَةً عُطُلًا حَسَّانَةَ الجِيدِ2
ويقال: رجل أُمَّان أي أَمِين ثِقَة قَالَ الأعشى:
ولقد شَهِدتُ التَّاجِرَ الأُمَّانَ مَوْرودًا شَرابُه3
وقال الفَرَّاء يقال رجل وُضَّاء مُشَدَّدٌ من وَضَاءَةِ الوَجْه ورجل قراء للقارىء قَالَ وأنشدني أبو صَدَقَةَ النُّميْريّ:4
بيضاءَ تَصْطادُ العَفِيفَ وتَسْتَبِي ... بالحُسْنِ قلب المسلم القراء5
__________
1 أخرجه أبو داود في كتاب العتق 4/22, والإمام أحمد 6/277.
2 الدبوان /112.
3 الديوان /22.
4 اللسان والباج "قرأ, وضأ": أبو الدبيري.
5 اللسان التاج "قرأ, وضأ", وجاء في اللاسان والتاج "قرأ": تصطاد الغوي, والقراء يكون من القراءة جمع قارئ, ولا يكون من التنسك, وهو أحسن. قال ابن بري: صواب إنشاده: بيضاء بالفتح, لأن قبله:
ولقد عجبت لكاعب مودونة ... أطرافها بالحلي والحناء

(1/264)


وفي هذه القصيدة:
والمرءُ يُلحِقُه بفِتْيان النَّدى ... خُلُقُ الكَريم وليس بالوُضَّاءِ
ويُحكى عن الأصمعيّ أنه قَالَ قُلتُ لجارية من الأَعراب أين أبوك؟ فقال عند الكُبَّار وأشارت إلى جَبَل قريب منها ومن هذا قولُه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} 1
__________
1 سورة نوح: 22.

(1/265)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ زَوَّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَاهَا فَجَاءَتْ خَرِقَةً مِنَ الْحَيَاءِ فَقَالَ لَهَا: "اسْكُنِي فَقَدْ زَوَّجْتُكِ أَحَبَّ أَهْلِ بَيْتِي ودعا لهما" 1
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ نا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ
قوله: خَرِقة معناه خَجِلة من فَرْط الحَياء. أخبرني أبو عمر عن أبي العَبّاس ثعلب قَالَ يقال خَرِقَ الرجلُ وبَعِل وبَحِر وبَقِر إذا نزل به أَمرٌ فَبِقي مُتحَيِّرا
وفي حديث آخر: أنّها أَتَتْه تَعثر في مِرْطِها من الخَجِل2 وقال أبو دواد الإيادي
__________
1 ذكر الهيثمي في مجمعه 9/210/, بلفظ: "عرقة" أو "حزقة"بدل "خرقة" وفي م, ط, ح: "فقد أنكحتك" بدل "فقد زوجتك".
2 رواه ابن رهويه في مسنده ل12 – ب, وذكر الهيثمي في مجمعه 9/209 بلفظ: "من الحياء" بدل "من الخجل".

(1/265)


والجُونُ في ألجائها خُرُقٌ ... والطَّيرُ في الأوكار قد خَرِقَت
أي تحيرت من الفزع فبقيت في أماكنها لا تَتحرَّك يعني بالجون هنا الحُمُر والإلجاء مواضعها قد تحيرت فيها لا تدري أين تذهب1
__________
1 من ت.

(1/266)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَيَاسَرُوا فِي الصَّدَاقِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْمَرْأَةَ حَتَّى يَبْقَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهَا حَسِيكَةً" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ بِذَلِكَ.
قوله: تَياسَرُوا يريد تَراضْوا بما استَيْسَر منه ولا تُغَالُوا به2 والحَسِيكَةُ العداوة يقال فلان حَسِكُ3 الصّدرِ عليَّ إذا كان مُضمِرًا لك عَلَى حِقْدٍ وقال الكِسائيّ المِئْرةُ الذّحْلُ وجمعها مِئَرٌ والضَّمَد الحِقْد والكَتِيفَةُ الضَّغِينَةُ ومثله الحَسِيفَةُ والحَسِيكَة والسَّخِيمَةُ قَالَ الأُموِيّ الحِشْنَةُ الحِقْد وأنشد:
أَلا لا أَرَى ذا حِشْنَةٍ في فؤاده ... يجمجمها إلا سيبدوا دَفينُها4
يقال جمجم الرجلُ إذا لم يبيّن كلامه من غيْر عي5
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/174.
2 من ت, ط.
3 ح: "حسيك الصدر".
4 اللسان والتاج "حشن".
5 من ت, م.

(1/266)


ومنه الوَحَر والوغَر والوَغْم الذّحْلُ قَالَ الأعشى:
يَقُوم عَلَى الوَغْم في قومه ... فيعفو إذا شَاءَ أو ينتَقِم1
قَالَ أبو عبيدة معناه يطلب لقومه الوِتْر وهو من قَولِه تعالى: {لَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} 2أي طالبًا.
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُ عُمَرَ: "أَلا لا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغَالِي بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا فِي قَلْبِهِ عَدَاوَةً"3
يقول جَشِمتُ إليك عَلَقَ القِرْبَةِ أو عَرَق القربَةِ وقد فسّره أبو عُبَيْد في كتابه4
__________
1 الديوان /198.
2 سورة: آل عمران: 75.
3 أخرجه أبو داود 2/235, والنسائي 6/117, وعبد الرزاق 6/175, والحميدي في مسنده 1/12, وسعيد بن منصور في سننه 1/150 غيرهم.
4 3/285 والمعنى لقيت منه الشدة.

(1/267)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ ثنا هَمَّامٌ نا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ تأوله أحمدُ بن حَنْبل علي الشَّفاعة يقول إن مات الغُلام ولم يُعَقَّ عنه لم يُشَفَّع في والديه
وقال غيره معنى قوله: كلُّ غلام رهينةٌ بَعَقيقَتِه أي بأَذَى شَعَره واستدل بقوله: "فأميطوا عنه الأذى"
__________
1 أخرجه أبو داود في الأضاحي 3/106, والترمذي 4/101, والنسائي 7/166, وابن ماجه 2/1075, والدارمي 2/81.

(1/267)


وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: "أَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" أَيْ مَا عَلِقَ بِرَأْسِهِ مِنْ دَمِ الرَّحِمِ1
والرَّهِينَة الرَّهْنُ1 فعيل بمعنى مفعول أي مرهون والهاء في هذا وفيما أشبهه للمبالغة يقال فلان كريمةُ قومه أي يَحُلُّ مَحَلُ العقدة الكريمة عندهم وهذا عَقِيلَةُ المتَاع أي غُرَّتُه قَالَ المُبَّرد وروى فُصحاءُ أصحاب الحديث في قِصَّة جَرِير: "إذا أتاكم كَريمةُ قوم فأكرمُوه" 2 وقال صَخْر بن الشَّريد يذكر أخاه معاوية:
أَبَى الشَّتْمَ أَنّي قد أصابُوا كَرِيمَتي ... وأن لَيْس إهداءُ الخَنَى من شِمَالِيَا3
والعَقِيقةُ: شَعَر الصَّبِيّ كما يُولَد من أُمِّه قَالَ الشاعر:
أيا هِنْدُ لا تَنْكَحِي بُوهَةً ... عليه عَقِيقَتُه أَحْسَبَا
ويقال بل العَقِيقَةُ الشَّاةُ التي تُذبَح عنه وأصل العَقِّ القَطْع4 قَالَ الشاعر:
بلادٌ بها عَقَّ الشّبابُ تَمِيمَتِي ... وأولُ أرضٍ مسَّ جلدي تُرابُها5
ومنه قولهم: عقَّ الرجلُ والدَه إذا قطعه ويقال قد انعق البرق إذا
__________
1 من م.
2 أخرجه ابن ماجه 2/1223 عن ابن عمر مرفوعا.
3 اللسان والتاج "كرم" برواية: "أبي الفخر". ويعني بقوله: كريمتي أخاه معاوية بن عمرو والشمال بكسر الشين, والخلق.
4 ساقط من ت, وهو في م, س. والبيت واللسان والتاج "عق", وعزي لامرئ القيس, وهو في ديوانه /128.
5 اللسان والتاج "عق", "نوط", "تمم".

(1/268)


تَبَسَّم وانْشَقَّ والسُّيوفُ تُشَبَّه به فيقال: سَيفٌ كأنه عَقِيقَةُ بَرْقٍ أي لَمعَةُ بَرْق قَالَ الصَّلَتَانُ:
ألا يا اصْبِحَاني قبل عَوْق العَوائِق ... وقبل اخْتِراط القوم مثل العقائقِ
ولهذا سُمِّي الوادي الَّذِي بالمدينة عَقِيقًا وذلك لانْشِقاقه في الأرض طُولًا فإذا كان أَصلُ العَقِّ القطع والشّقّ صَلُحَ أن تكون العقيقةُ اسمًا للذَّبيحة لأنها تُعَقُّ أي تُقطَع مذابِحُها وتُشَقّ وأن تكون اسمًا للشَّعر لأنه يُقْطَع عن الصّبي فيُحذفُ عنه.

(1/269)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَمُ الإِيمَانِ الصَّلاةُ فَمَنْ فَرَّغَ لَهَا قَلْبَهُ وَحَاذَ عَلَيْهَا بِحُدُودِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الشَّافِعِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ نا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ2 نا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
المشهور من هذا حافظ عليها فإن صحّ قولُه: حاذَ فمعناه ومعنى الأَوَّل سواء
يقال حاذ عَلَى الشيء إذا حافظ عليه ومنه قَولُه تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} 3 قال حميد بن ثور:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/574 بلفظ: "حافظ" بدل "حاذ" وعزاه لابن شاهين في الأفراد, وتاريخ الخطيب والن النجار والديلمي.
2 في التقريب التهذيب 1/199: حمزة بن حبيب الزيات القارئ. أبو عمارة الكوفي التيمي. مات سنة 156 أو 158هـ.
3 سورة المجادلة: 19.

(1/269)


عَلَى أَحْوَذِيَّيْن استَقَلَّت عليهما ... نَجاةٌ تراها لَمعةً فَتَغِيبُ1
يريد جَناحَي القطاة.
وقد وصفت عائشَةُ عُمَر بذلك فقالت: "كان أَحوَذِيًّا نَسِيجَ وحدِه2", ويروى: "أحْوَزِيًّا" قَالَ: بعض أهل اللغة: الأَحوَذِيُّ: القَطَّاعُ للأُمور والأَحْوَزِيُّ: الجامِعُ لِمَا شَذَّ.
وأخبرنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأسود3 أنا وَهْب بن جَرِير قَالَ: سألتُ أعرابيًّا عن قَولِ عائشةَ في عُمَر بن الخَطَّاب: كان أَحوزِيًّا قلت: ما الأَحَوزِيُّ؟ قَالَ: الَّذِي يَحتَازُ بالأمر دون الناسِ ومّما جاء عَلَى وزنه من النّعوت الأَلْمَعيّ: الَّذِي يَظن الظن فلا يخطىء قَالُوا: واشتِقاقه من لَمعان النَّار وتوقُّدها ومثله اللَّوذَعِيّ وهو المُتوقِّد واشتقاقه من لذع النار
__________
1 الديوان /55, واللسان والتاج"حوذ" برواية: "فما هي إلا لمحة وتغيب".
2 ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء /120. وفي مجمع الزوائد 9/50, وابن حجر في المطالب العالية 4/39.
3 ح: "أبو بكر بن الأسود". والمثبت من بقية النسخ. وفي التقريب 1/446 هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الأسود البصري أبو بكر, ثقة حافظ"ت: 223هـ".

(1/270)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الضِّبْنَةِ فِي السَّفَرِ وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كان رسول الله يقول ذلك.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/256, 300.

(1/270)


الضِّبْنَةُ: عِيال الرجل ومَنْ تلزمُه نَفَقَتُه وسُمُّوا ضِبْنَةً لأنهم في ضِبْنِ مَنْ يعولهم والضِّبْنُ ما بَيْن الكَشْح والإِبِط تَعَوَّذَ بالله من كثرة العيال وخصَّ به السَّفَر لأنه مَظنَّة الإِقواء
وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" 1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون إنَّما تَعَوَّذَ من صُحْبَةِ مَنْ لا غَناءَ عنده ولا كِفاية إنما هُوَ كَلٌّ وعيال عليه وقال بعضهم: إنما هو الضّمْنَة بالميم وهي العلَّة المزمِنة وهذا وجه إلا أن الرّواية جاءت بالباء
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الشِّطَّةِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ"2
حَدَّثَنِيهِ مُحَدِّثٌ نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُحَيْرَةَ نا سُلَيْمَانُ3 بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عَلِيًّا4 الأَسَدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
هَكَذَا قَالَ: الشِّطَّةُ وَهِيَ بُعدُ المسافة يقال: شط المكان إذا بَعُدَ يَشُطُّ ويَشِطُّ وَيُقَالُ: شَطَّتْ بِهِ النَّوَى أَيْ بَعُدَتْ بِهِ المسافة قال الشاعر:
تشط غدا دَارُ جِيرَانِنَا ... وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبعد5
__________
1 أخرجه أبو داود 2/132, وأحمد 2/160, 193, 195. والإقواء: والفقر.
2 أخرجه مسلم 2/978 بلفظ: " ... وكآبة المنظر وسوء المنقلب" وأبو داود 3/33 مختصرا, وأحمد في مسنده 2/150.
3 ت: "سفيان بن داود أبو الربيع", والمثبت من س, م, ط, ح.
4 ت, س, ط,: "علباء", والمثبت من م, ح, والإصابة في تمييز الصحابة, القسم الرابع /169, قال: وهون علي بن عبد الله البارقي الأزدي, مشهور في التابعين, معروف بروايته لهذا الحديث عن ابن عمر.
5 اللسان والتاج"شطط" دون عزو.

(1/271)


وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ أَشَطَّ الرَّجُلُ فِي الْحُكْمِ إِذَا تَبَاعَدَ عَنِ الْحَقِّ قَالَ الأَحْوَصُ:
أَلا يَا لَقَوْمٍ قَدْ أَشَطَّتْ عَوَاذِلِي ... وَيَزْعُمْنَ أَنْ أَوْدَى بِحَقِّيَ بَاطِلِي1
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعدِيلِ النَّفَقَةِ: لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ فَإِنْ رَوَاهُ رَاوٍ كَآبَةَ الشُّقَّةِ فَمَعْنَاهَا مَشَقَّةُ السَّفَرِ.
يُقَالُ شُقَّةٌ شَاقَّةٌ: أَيْ طريق بعيدة ذات مشقة.
__________
1 الديوان /179.

(1/272)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ مَعَهُ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الكُتَّابِ فَسَمِعْتُ الأَعْرَابَ وَالنَّاسَ يَقُولُونَ الطَّبْطَبِيَّةَ الطَّبْطَبِيَّةَ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ الثَّقَفِيُّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ حَدَّثَتْنِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ
قولها: يقولون الطَّبْطَبِيَّةَ إنما هُوَ حِكاية وَقْع الأَقدام تُريد إقبالَ الناس إليه يسْعون ولأَقْدامهم طَبْطَبَة كقول القائل:
جَرَت الخيلُ فقالت حَبَطِقْطِق..2
يُرِيد حِكايةَ وقعِ سنابكها وكقول آخر:
أصابت رِجلُها الطَّستَ فقالت طَنَنِنَّه..
وأخبرني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قال قال أبو
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/366, وأبو داود في النكاح 2/233.
2 اللسان والتاج"طقق".

(1/272)


المُكارِم مررتُ بقوم وهم تِغٍ تِغٍ أي يَضحكون وفيه وَجْه آخر وهو أن يُرادَ بها الدِّرَّة التي كانت معه سمتها الطَّبْطَبِيَّة لصوتها ومنه طَبْطَابُ اللَّعِب.

(1/273)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ وَهِيَ نَزَحٌ"1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الربذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَشَيْخٍ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدَبِ بن ناجية أو ناجية بنت جُنْدَبٍ قَالَ: لَمَّا كُنَّا بِالْغَمِيمِ عَدَلْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ فَأَخَذْتُ بِهِ فِي طَرِيقٍ لَهَا فَدَافِدُ فَاسْتَوَتْ بِيَ الأَرْضُ حَتَّى أَنْزَلْتُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ نَزَحٌ1
قَالَ الكسائي: يقال بئر نَزَحٌ إذا لم يكن فيها ماء وجمعها أَنْزاح وأنشدنا أبو عُمَر:
لا تَسْتَقي في النَّزَح المَضْفُوفِ ... إلا مُداراتُ الغُروبِ الجُوفِ2
مُدارات جمع مُدَارة إذا أُدِيرت فهي مُدارة قَالَ الفراء نزحَتِ البئْرُ ونَزَحتُها اللازم والمتعدي سواء ومثله غاضَ الماءُ وغِضْتُه وهَبَطَ الشيءُ وهَبَطْتُه سواء3 فالنَّزَحُ المَنْزوح كما أَنَّ النَّضَح المَنْضُوح ويقال للحوض النَّضَح. قَالَ أَيْمنُ بن خريم:
__________
1 ذكره الحافظ في الإصابة 3/541 في ترجمة ناجية. وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/613 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأبي نعيم.
2 اللسان"دور", "نزح".
3 من ح, م.

(1/273)


فاسَتوْرَدْتهم سيوفُ المسلمين عَلَى ... تمام ظِمءٍ كما يُسْتَورَدُ النَّضَح
وقوله: طريق له فَدافِدُ. الفَدْفَدُ المكان المرتفع وفيه صَلابَةٌ وحُزونةٌ.

(1/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أَصْحَابَ النَّجَاشِيِّ كَلَّمُوا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَأَلُوهُ عَنْ عِيسَى فَقَالَ جَعْفَرٌ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى عَلَى مَا يَقُولُ مِثْلَ هَذِهِ النُّفَاثَةِ مِنْ سِوَاكِي هَذَا"1
النُّفَاثَةُ مَا يُنْفَثُ مِنْ شَظَايَا السِّوَاكِ قَالَ أبو زيد تقولُ العرب لو سألتَني نُفاثةً وقصامَةً2 وضُوارةً ما أعطيتُك ومعناها ما يبقى في فِيك من السِّواك
وفي هذه القصة: "أَنّ عَمْرو بن العاص دخل عَلَى النَّجاشيِّ وهو إذا ذاك مُشرِك فَقَالَ النَّجاشِيُ نَخِّروا"3
قَالَ عمير بن إسحاق يريد تَكَلَّموا
حدثنيه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو دَاوُدَ نا النَّضْرُ أنا ابن عَوْن عن عُمَيْر بن إسحاق وهذه اللفظة إن كانت من كلام العرب فإني أَحسِبُها من النَّخير ويروى نَجِّروا بالجيم أيضا
__________
1 أخرجه أحمد 1/202, 203 مطولا بلفظ: "هذا العود". بدل "هذه النفاثة", وكذلك في 1/461, 5/290 بلأفاظ متقاربة.
2 س: قصاصة, والمثبت من ت, م, ح.
3 ذكره الحافظ في المطالب العالية 4/193, وعزاه لأبي يعلى, وذكره الهيثمي في مجمعه 6/29 بلفظ: "نجروا".

(1/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظلَّمٌ مُزَوَّقٌ فَقَامَ بِالْبَابِ ثم انصرف ولم يدخل"1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/32.

(1/274)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ.
قوله: مُظَلَّم معناهُ مُمَوَّه مُزَوّق مأْخوذ من الظَّلْم وهو مُوهَةُ الذَّهب والفِضَّة ويقال للماء الَّذِي يَجرِي عَلَى الثَّغْر ظلم قال الشاعر:
تجلوا عَوارضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابتَسَمت ... كأَنَّه مُنهَلٌ بالرَّاح مَعْلولُ1
وقال بِشْرُ بن أبي خَازِم:
لَياليَ تَسْتَبيك بذي غُروبٍ ... يُشَبَّه ظَلْمُه خضل الأقاحي2
__________
1 اللسان والتاج"ظلم" وعزي لكعب بن زهير, وهو في ديوانه /7.
2 الديوان /43.

(1/275)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلا" ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ" 1. يَعْنِي المُحَصَّبَ
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
الخَيْف: ما انحدر عن الجبل2 وارتفع عن المَسِيل وبه سُمِّي مَسْجدُ الخَيْف
__________
1 أخرجه أبو داود في الفرائض 3/125, والأمام أحمد 5/202 وغيرهما.
2 ت: "من الجبل".

(1/275)


وقوله: "هل ترك لنا عَقِيلٌ من دارٍ" فإنما قَالَ ذَلِكَ لأنّه قد كان باع دُورَ عَبْدِ المطلب وذلك لأنه وَرِث أبا طالب ولم يَرِثْه عليٌّ لتقدم إسلامه موتَ أبيه فلما ورثه عَقِيلٌ باعها ولم يكن لرسول الله فيها مَورِث لأن أباه عَبْد الله هَلَك وأبوه عَبْد المطلب حَيٌّ وهلك أكثرُ أولاده ولم يُعْقِبوا فحاز رِباعَه أبو طالب وحازها بعد موته عَقِيل وقد كان كُفّارُ قُريش يَعمِدون إلى مَنْ هاجر من المسلمين ولَحِق بالمدينة منهم فيَبِيعون دَارَه وعَقارَه
قَالَ الواقدي هاجرتْ بنو جَحْش حتى لم يَبْقَ منهم بمكةَ أحدٌ فصارت دارُهم خَلاءً تَخْفِق أَبوابُها1. فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ قَالَتْ لَمَّا هَاجَرْنَا عَمَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى دَارِنَا فَبَاعَهَا مِنْ عمرو بن علقمة بأربعمائة مِثْقَالٍ عَجَّلَ لَهُ مِائَةَ مِثْقَالٍ وَنَجَّمَ عَلَيْهِ سَائِرَهَا فِي ثَلاثِ سِنِينَ قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا أَحْمَدَ عَبْدَ بْنَ جَحْشٍ2 مَشَى وَبَنُو جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرُوا لَهُ صَنِيعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا دَارًا فِي الْجَنَّةِ"؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا وَاللَّهِ لا نُقِيلُ وَلا نَسْتَقِيلُ فَمَا ذَكَرُوهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ3 قَالَ وقال الزُّهري فَقَالَ أبو أحمد لأَبي سفيان بن حرب:
دارَ ابنِ عَمِّك بعْتَها ... تَقْضِي بها عنك الغَرَامَهْ4
اذْهَب بها اذْهَب بها ... طُوِّقْتَها طوق الحمامه
__________
1 س: "تخفق الرياح فيها", والمثبت من باقي النسخ.
2 س: "أبا أحمد عبد الله بن جحش", والمثبت من باقي النسخ.
3 لم تقف عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا.
4 اقتصر اللسان على البيت الأول "غرم" دون"عزو.

(1/276)


وفي الحديث من الفِقْه جَوازُ بَيْع دُورِ مكة وكانت مُقاسَمَة قريش عَلَى الكفر أنهم قَالُوا لا نُناكِحُ بَني هاشم ولا نبايِعهم مُعاداةً لهم في رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(1/277)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الاخْتِصَارُ فِي الصَّلاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ" 1
يَرْوِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الاختِصار: وَضْع اليدِ عَلَى الخَاصِرة والمعنى أَنَّه فِعْلُ اليهود في صلاتهم وهم أَهلُ النار ليس عَلَى أَنَّ لأَهْل النّار الذين هم أَهلُها خالدِين فيها راحةً قَالَ الله تعالى: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} 2 فأما قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ} 3 فمعناه إلا ما شَاءَ رَبُّك من زِيادة التَّأْبِيد بعد زَوالِهِما والله أعلم
أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلاةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ4
وقد يُفَسَّر الاخُتِصَار في الصّلاة تَفسِيرًا آخر وهو أن يأخُذَ بيده عصا يتكىء عليها5
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه 2/287.
2 سورة الزخرف: 75.
3 سورة هود: 107. 108
4 أخرجه أبو داود في 1/237, والنسائي 2/127 بلفظ: "خصري" بدل "خاصرتي" والإمام أحمد في مسنده 2/106.
5 من ت, م.

(1/277)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1 أَنَّ أُصَيْلا الْغِفَارِيَّ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ: "يَا أُصَيْلُ كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ" فَقَالَ عَهِدْتُهَا وَاللَّهِ قَدْ أَخْصَبَ جِنَابُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَسْلَبَ ثُمَامُهَا وَأَمَشَّ2 سَلَمُهَا فَقَالَ: "حَسْبُكَ يَا أُصَيْلُ" 3
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّهْرِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ أبو سليمان قوله: أَعذَق إذخِرُها أي صارت له أَفْنان كالعُذوق.
يقال أَعْذَقَت النخلة إذا كثر أغذاقها وهي جمع عِذْق وأَعْذَقَ الرجلُ إذا كَثُر عُذوقُه أي نَخْله وهي جمع عَذْق4 وأَسْلبَ ثُمامُها أي أَخْوَص والسَّلَبُ: خُوصُ الثُّمامِ
وقوله: أَمشَّ سَلَمُها هكذا قَالَ الخزاعي قال يُرِيدُ أَنَّه قد أَخرج مُشَاشَه وهو ما يخرج في أطرافه ناعما رخصا كالمشاس وهو غَلَط وإنما هُوَ أَمْشَر سَلَمُها أي أورق واخُضَرَّ روى أبو عُبَيْد عن أبي زياد والأَحْمَر قالا أَمشَر الشَّجرُ وأمشرت الأَرضُ إذا خرج نَبتُها ويقال ما أحسن
__________
1 سقط هنا من ط, ح هذا الحديث وشرحه, وجاء في ط, لوجة 55ب, وح لوحة 69
2 النهاية"مش": والرواية: أمشر.
3 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/155 بلفظ "أغدق ... وأسلت ثمامها". ونقله الحافظ في الإصابة 1/53 بلفظ اخضرت أجنابها ... وانتشر سلمها" وعزاه لغريب الحدييث للخطابي.
4 من م.

(1/278)


مَشرتها وقد رُوي هذا في حَدِيثٌ آخَرُ يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ أَهْدَى لَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَبُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْخُزَاعِيَّانِ غَنَمًا وَجَزُورًا مَعَ غُلامٍ مِنْهُمْ فَأَجْلَسَهُ رسول الله وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ لَهُ فَلْتَةٍ فَقَالَ: "يَا غُلامُ كَيْفَ تَرَكْتَ الْبِلادَ"؟ فَقَالَ تَرَكْتُهَا قَدْ تَيَسَّرَتْ وَقَدْ أَمْشَرَ عِضَاهُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخَرُهَا وَأَسْلَمَ ثُمَامُهَا وَأَبْقَلَ حَمْضُهَا فَشَبِعَتْ شَاتُهَا إِلَى اللَّيْلِ وَشَبِعَ بَعِيرُهَا إِلَى اللَّيْلِ مِمَّا جَمَعَ مِنْ خَوْصٍ وَضَمْدٍ وَبَقْلٍ1
قَالَ الخَطّابيّ: البُرْدَةُ الفَلْتَةُ هِيَ الضَّيَّقَةُ الَّتِي لا ينضم طرفاها لِصِغَرِهَا تُفْلِتُ مِنَ الْيَدِ يُقَالُ بُرْدَةٌ فَلْتَةٌ وَفَلُوتٌ
وَقَوْلُهُ: تَيَسَّرتْ مَعْنَاهُ أَخْصَبَتْ وَأَصْلُهُ مِنَ الْيُسْرِ وَقَدْ تَيَسَّرَ الرَّجُلُ إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ وَيَسَّرَ غَنَمُهُ إِذَا كَثُرتْ ألبابها قَالَ الشَّاعِرُ:
هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ... يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنمَاهُما2
والحَمْض مِنَ النّباتِ مَا فِيهِ مُلُوحَةٌ وَيُقَالُ أَبْقَلَ الْمَكَانُ فَهُوَ بَاقِلٌ وَلَمْ يَقُولُوا مُبْقِلٌ وَمِثْلُهُ أَوْرَسَ الشَّجَرُ فَهُوَ وَارِسٌ الضَّمْدُ رطب الشجر ويابسه قال يعقوب يقال شبعت الإبل من ضمد الأرض وهو رطب النبت وَيَابِسُهُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ وَيُقَالُ قَد أُضْمِدَ الْعَرْفَجُ إِذَا تَجَوَّفَتْهُ الْخُوصَةُ وَلَمْ تَنْدُرْ مِنْهُ أَيْ كَانَتْ فِي جَوْفِهِ وَالسَّلَمُ شَجَرٌ مِنَ الْعِضَاهِ يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ الأَدِيمُ يُقَالُ أَدِيمٌ مَسْلُومٌ إِذَا دُبِغَ بِالسَّلَمِ.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه 2/591, 592 بلفظ "في بردة له بلية" وبلفظ "أسلب ثمامها".
2 اللسان والتاج "يسر" وعزي لأبي أسيد الدبيري.
وقبله:
إن لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيين لا يجدي علينا غناهما

(1/279)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ هَكَذَا" وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ نا عَاصِمٌ2 نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.
وهذا يُفَسر عَلَى وجهين:
أحدُهما وهو قول قتادة أنه أراد الوُسطَى عَلَى السَّبَّابة يقول سبَقْتُ السّاعةَ بقدر ما بينهما من الفضل والمعنى تَقْريب مُدَّة مَجِيء الساعة
والوجه الآخر أن يكون أَرادَ انْقِطاع النُّبُوة بعدَه وأَلا نَبِيَّ بينَه وبين السَّاعة كما لا حائل بين الوُسْطَى والسَّبَّابة
__________
1 أخرجه البخاري 8/131, ومسلم 4/2269 بنحوه. والترمذي 4/496 وغيرهم
2 ساقط من ط.

(1/280)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ وَالأَرْوَاعِ الْمَشَابِيبِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتٍ بِإِقَامِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا فِي التِّيعَةِ شَاةٌ لا مُقَوَّرَةُ الأَلْيَاطِ وَلا ضِنَاكٌ وَأنْطُوا الثَّبَجَةَ وَفِي السُّيُوبِ الْخُمْسُ وَمَنْ زَنَى مِم بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ مِائَةً وَاسْتَوْفِضُوهُ عَامًا وَمَنْ زَنَى مِم ثَيِّبٍ فَضَرِّجُوهُ بِالأَضَامِيمِ وَلا تَوْصِيمَ فِي الدِّينِ وَلا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْيَالِ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وأطيعوا1
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/287 بنحوه.

(1/280)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ كتابًا فِي أَدَمٍ ذَكَرَ أَنَّهُ كِتَابٌ كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِجَدِّهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ إِمْلاءً عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ قَلَّدَنِي أَبِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ يَا بُنَيَّ تَوَاصَيْنَا بِهَذَا الْكِتَابِ كُبْرًا عَنْ كُبْرٍ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ.
الأَرْواع جمع الرَّائع مثل شَاهِد وأَشْهاد ونَاصِر وأَنْصار يُرِيد ذَوِي المناظر والهَيئات منهم وهم الرؤساء والعظماء الذين يَرُوعُون بِجمَالهم وبَهائِهم يقال جَمالٌ رائِع وأصلُه من قولك راعَني رَوْعًا أي أفزعَنِي وهو أن يُفرِط حتى يَرُوعَ
قَالَ الله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} 1 والمَشَابِيب واحدهم مَشْبوبٌ وهو الزَّاهر المتوقد اللون من قولك شببت النَّارَ إذا أَوقَدْتَها قَالَ العَجَّاج:
ومن قُريشٍ كلَّ مَشْبوبٍ أغَرّ ... حُلوِ المُساهَاةِ وإن عَادَى أَمَرّ2
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أنا مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ الضَّحَّاكِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ حَكِيمَةَ3 بِنْتُ أَسِيدٍ عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلًى لَهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَعَلْتُ عَلَيَّ صَبِرًا حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلا تَجْعَلِيهِ إلا بالليل وتنزعيه بالنهار" 4
__________
1 سورة النور: 43
2 الديوان /32.
3 في أبي داود 2/292 والتقريب 2/621 "أم حكيم بنت أسيد"
4 أخرجه أبو داود 2/292 بلفظ: "وتنزعينه", والبيهقي في سننه 7/440.

(1/281)


يُرِيدُ أَنَّهُ يُوَقِّدُهُ وَيُلَوِّنُهُ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَزَرَ بِبُرْدَةٍ سَوْدَاءَ فَجَعَلَ سَوَادُهَا يَشُبُّ بَيَاضَهُ وَجَعَلَ بَيَاضُهُ يَشُبُّ سَوَادَهَا"1 أَيْ يَزْهَاهُ ويَجْلُوهُ2
والتِّيعَةُ: الأربعون من الغَنَم وقد فَسَّره أبو عُبَيْد3. والمُقَوَّرَة الأَلْياطِ الهَزِيلُ المُسترخِي جلدُها والاقْوِرار في الجِلْدِ الاستِرخاء واللِّيطُ القِشْر اللَّازِق بالشَّجَر والقصب ونحوهما والقِطعة لِيطَة قَالَ ذُو الرُّمَّة:
بمَجْلُوزَةِ الأَفْخاذِ بعد اقوِرارِها ... مُؤَلَّلَةِ الآذان عُفْرٍ نزائع4
وقال بشر بن أبي خازم يصف فرسًا:
يُضَمَّر بالأَصائِل فهو نَهدٌ ... أَقَبُّ مُقَلّصٌ فيه اقوِرَار5
أي ضُمورٌ.
والضِّنَاكُ: الكثير اللّحم وأنشد الفَرَّاء:
لَعمرِي لأعرابِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ ... تَظَلُّ بِسِجْفَي بَيْتها الرِّيحُ تَخفِق
أحبُّ إلينا من ضِنَاكٍ ضِفِنَّةٍ ... إذا فَتَرتْ عنها المَراوِحُ تعرَقُ
ويقال: ضُنْأَك عَلَى وزن فُعْلَلٍ يقال: رجل ضُنْأك وامرأة ضُنْأَكَةٌ.
وقوله: أنْطُوا الثَّبَجَةَ يريد أَعْطُوا الوَسَط في الصَّدَقَة لا من خِيار المال ولا من رُذالَتِه وثَبَجُ كل شيء: وسطه.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/122, 144, 219 عن قتادة, عن مطرف, عن عائشة بنحوه.
2 من ت, م.
3 غريب الحديث لأبي عبيد 1/213.
4 الديوان /269.
5 الديوان /77. واللسان "فور, قلص".

(1/282)


وقوله: مَنْ زَنَى مِمْ بكر يريد مِنْ بِكْر وقد تتعاقب الميمُ والنّون كقولهم حُلانٌ وحُلامٌ وذام وذان.
وقوله: فاصقعوه فاضْرِبوه وأصل الصَّقْع الضَّربُ عَلَى الرَّأسِ.
وقوله: استَوِفضُوه عامًا يريد النَّفْيَ والتَّغريبَ وأصله في الإبل إذا نَفَرت يقال استوفَضَتِ الإبلُ إذا تفرَّقَت من ذُعْرِ ومنه قيل للأخلاط من الناس الأوفاض وفي الحديث: "أَنَّه أَمر بصَدَقة تُوضَعَ في الأَوْفاضِ"1وهم الفِرقُ من الناس قَالَ ذو الرُّمَّة يصف الثَّورَ والكِلابَ:
طَاوِي الحَشَى قَصَّرتْ عنه مُحَرَّجَةٌ ... مستوفَضٌ من بنات الأَرْض مِشْهُومُ2
المستوفَض النَّافرُ من الذُّعْر والمُحَرَّجَةُ الكِلاب التي عليها قَلائِدُ والحِرجُ قِلادة الكَلْب والمَشْهومُ الحديد الفؤادِ.
وقولُه: ضَرّجُوه بالأَضاميم يريد الرّجْمَ بالحجارة والتَّضْريجُ: التَّدمِيَةُ والأَضاميمُ جماهير الحجارة واحدتها إضمامَة وسُمِّيت إضمامةً لأنَّ بعضَها قد ضُمَّ إلى بعضٍ ويقال هذا إضمامَةٌ من الكُتُب كالإضبَارَةِ ورأيتُ إضمامةً من الناس أي جماعةً منهم وكذلك هي في الدّوابِّ وغيرها قَالَ ذو الرُّمَّة يصف الصائدَ والحُمُر:
وبات يلهَفُ مِمَّا قد أصِيبَ به ... والحُقبُ يَرفضُّ منهنّ الأَضَامِيمُ3
وقَولهُ: لا تَوْصِيم في الدِّين أي لا هَوادَةَ فيه وأَصلُه الفُتورُ والكَسَل,
__________
1 ساقطة من س ,وهي في م, ط. والحديث أخرجه في مسنده 6/390, بلفظ: "تصدق بوزن شعره من فضة على المساكين والأوفاض....".
2 اللسان التاج "وفض, شهم", والديوان /581.
3 اللسان والتاج "ضمم" والديوان /581.

(1/283)


وهو معنى قولِه: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 قَالَ لَبِيدٌ:
وإِذَا رُمْتَ رحيلًا فارتَحِل ... واعْصِ ما يأمرُ تَوصِيمُ الكَسَل2
وقوله: يترفَّل معناه يَتَأَمَّر ويترأس وقد فَسَّرْناه فيما مضى من الكتاب.
__________
1 سورة النور: 2.
2 شرح الديوان /179.

(1/284)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" 1
حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
إسباغُ الوضوء عَلَى المَكَاره فيه وَجْهان:
أحدهُما أن يكون ذَلِكَ في البَرْد الشَّديد والعِلَّة تُصِيب الإنسان فيتأذى بِمَسِّ المَاءِ ويتضرَّر به.
والوَجه الآخر أن يُراد به إعوازُ الماء وضِيقُه حتى لا يُقدَر عليه إلا بالغالي من الثمن.
وأما قولهُ: فذلكم الرِّباط فإنهُ يُتَأَوّلُ عَلَى وَجْهَين:
أحدهما أن يكون ذَلِكَ مَصْدرًا من قولك رابطتُ إذا لازمتَ الثّغَر وأقمتَ به رباطا جعل المواظبة معناه والله أعلم عَلَى الصلاة والمحافَظَةَ عَلَى أوقاتها كرباط
__________
1 أخرجه النسائي 1/219, والترمذي 1/73 وغيرهم.

(1/284)


المجاهد وهو تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} 1 ومعناه –والله أعلم- اصبروا عَلَى دينكم وصابروا عَدُوَّكم ورابِطُوا أيْ أقيموا عَلَى جهادكم.
والوجه الآخر أن يُجعلَ الرِّباطُ اسمًا لما يُربطُ به الشيءُ كالعِقَالِ لما يُعقَل به والعِصَام لما يُعْصَم به يريد أَنَّ هذه الخِلالَ تَربِط صاحِبها عن المعَاصي وتكُفّه عن المَحارِم.
وفيه وجه ثالث وهو أن يكون الرباط جمع الرُّبْط والعرب تسمي الخيلَ إذا رُبطت بالأقنية وعُلِّقَت رُبْطًا واحدها رَبِيطٌ وتجمع الرُّبْط رِباطا وهو جمع الجمع يُريد أَنَّ مَنْ فعل ذَلِكَ كان كَمنْ رَبَط الخَيلَ إِرصادًا للجهاد2
وكرّر القولَ بها ثلاثًا ليُقابِلَ بها الخِصالَ الثلاث المذكورة قبلها.
__________
1 سورة آل عمران: 200.
2 من ت, م.

(1/285)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الصَّخْرَةُ أَوِ الشَّجَرَةُ أَوِ الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ" 1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ عَنْ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ الْمُشْمَعِلِّ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ.
الصَّخْرَةُ: صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْعَجْوَةُ النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ يُروَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أنه قال هي الكرم.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في 2/1143 بدون "الشجرة" وأخرجه أحمد في مسنده 5/31.

(1/285)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} 1 قَالَ: "كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَتْ قَرْقَرَةُ وَجْهِهِ فِيهِ" 2
يَرْوِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
قَرْقَرَةُ وَجْهَه جِلْدةُ3 الوجه والأصل فيها قَرْقَرُ المرأة وهو ثَوبٌ لها والمُعرِبُون يقولون قَرْقَلٌ بالَّلام والجِلْدَةُ للوَجْه كاللِّباسِ له وقال بَعضُهم إنما هي رَقْرَقَةُ وَجْهِه يريد ما يَتَرقْرَق من محاسِنِ وَجْهِه
ويقال امرأة رَقْراقَةٌ وهي التي كأنَّ الماء يَجرِي في وَجْهِها والرَّقرقَانُ السَّرابُ قَالَ العَجَّاج:
ونَسَجتْ لوامعُ الحَرورِ ... من رقْرقَانِ آلِها المَسْجُورِ
سَبَائِبًا كَسَرَقِ الحَرِير4
وقال السُّدِّيُّ في تفسير هذه الآية أَنّه إذا قَرّبَه سقطت فيه مكارِمُ وجهه يريد حِلْيَة وجهه
__________
1 سورة الكهف: 29.
2 أخرجه الترمذي في 4/704, 706, وفي 5/426 بلفظ: "فروة وجهه", وأحمد في مسنده 3/71.
3 ت: "جلد".
4 س, ت, م: "من رقرقان الهاجر المسجور" والمثبت من هامش س, والديوان /225, 226 واللسان والتاج "رق".

(1/286)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الْفِتَنَ حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قَالَ: "هِيَ هَرَبٌ وَحَرَبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ

(1/286)


النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءَ لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانىء الْعَنْسِيِّ2 قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "كُنَّا عِنْدَ رسول الله فَذَكَرَ الْفِتَنَ"
قوله: فِتنَةُ الأَحْلاس إنما شبهَّها بالحِلْس لظُلمِتها والتِباسها أو لأَنها تركُدُ وتَدُوم فلا تقلع يقال فلان حِلْسُ بَيْتِه إذا كان يلازِم قَعْرَ بيتِه لا يَبْرحُ وهم أَحلاسُ الخَيل إذا كانوا يلزمون ظُهورَها ويتعهدونها بالرُّكوب
وقوله: دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهلِ بيتي فإنَّ الدَّخَنَ الدُّخَان يريد أنه سَبَبُ إثارتِها وهَيْجِها
وأما قوله: كَورِكٍ عَلَى ضِلَع فإنه مَثَل يريد -والله أعلم- أَنّهم يجتمعون عَلَى رجل غَير خليق للمُلكِ ولا مُسْتَقِلٍّ به وذلك لأنَّ الوَرِكَ لا يَستقر عَلَى الضَّلَع ولا يُلائِمها وإنما يقال في بَابُ المُشاكلة والملاءَمَةِ هُوَ كَرأْسٍ في جَسَدٍ أو كف في ذراع أو نحوهما من الكَلام
والدُّهَيْماء تصغير الدّهماء وأَحسِبُه صَغَّرها عَلَى طريق المَذَمّةِ لها
__________
1 أخرجه أبو داود في الفتن 4/94, وأحمد في مسنده 2/133.
2 ت: "العنيسي" والمثبت من س, م, ط, ح.
وفي التقريب 2/87: عمير بن هانئ العنسي –بسكون النون ومهملتين– أبو الوليد الدمشقي الداراني, ثقة, قتل سنة 127 هـ, وقيل قبل ذَلِكَ.

(1/287)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَالِكًا الْجُشَمِيَّ قَالَ أَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي: "أَرَبُّ إِبِلٍ أَنْتَ أَوْ رَبُّ غَنَمٍ"؟ فَقُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قَدْ

(1/287)


آتاني الله فأكثر وأيطب1 فَقَالَ: "أَلَسْتَ تَنْتِجُهَا وَافِيَةً أَعْيُنُهَا وَآذَانُهَا فَتَجْدَعُ هَذِهِ وَتَقُولُ: صَرْبَى وَتَهُنٌ هَذِهِ وَتَقُولُ بَحِيرَةٌ" 2
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ عَمْرُو بْنُ عُمَرَ3 عَنْ عمه أبي الأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ
قوله: صَرْبَى فَسَّره ابنُ قُتَيْبة في كتابه4
وقوله: تَهُنّ هذه معناه تُصِيب هَنَ هذه أي الشيءَ منها كالأُذُن والعَيْن ونحوهما وهَنٌ كِنايةٌ عن الشيء لا تذكره باسمه تقول أتاني هَنٌ وهَنَةٌ للأُنْثى وهَنَنْتُه أهُنُّه إذا أصبتَ منه هَنًا أي موضِعًا كما تقول بَطَنْتُه إذا أصبتَ بَطْنَه ورأستُه إذا أصبتَ رأسَه
ورواه عَبْد الجبار بن الْعَلاء عن سُفيان فَقَالَ فيه فتجدَع هَنَ هذه وتقول صربى وتَشُقّ هَنَ هذِه وتقول بَحِيرة وكان مَذهَبَ القَوم فيما يتعاطَوْنه منها شُكرُ الله والتَّقَرّبُ إليه قال الشاعر يذكر صَنِيعَهم:
فكان شُكرُ القَوم عند المِنَنِ ... كَيّ الصَّحيحات وفَقْءَ الأَعْيُنِ
وكان الرجلُ منهم إذا بلغت إبُله ألفًا فَقًا عَينَ الفَحِل فإذا زادت على ألف
__________
1 ت ومسند أحمد 4/136: "وأطيب" والمثبت من س, م.
2 أخرجه الحميدي في مسنده 2/390 بلفظ: "صرم" وأخرجه أحمد في مسنده 4/136, والبيهقي في سننه 10/10 بلفظ: "صرم وصرمي".
3 ح: "ثنا عمرو بن عمرو".
4 في غريب الحديث لابن قتيبة 1/427: وصربي, وهو من قولك: صربت اللبن في الضرع, إذا أنت جمعته فيه ولم تحلبه ... وإنما قيل للبحيرة صربي؛ لأنهم كانوا لا يحلبون إلا لضيف فيجمتع اللبن في ضرعها.

(1/288)


عَمَّوْه بالعين الأخرى ويسمونه المُفَقَّأَ والمُعَمَّى وكيُّ الصّحيحات أن تَجْرَبَ الإبل فيأخذون الصحيح فيكوُونَه قَالَ النابغة:
لحَّملْتَنِي ذَنْبَ امرىء وتَركَته ... كَذِي العُرِّ يُكْوَى غيرُه وهو راتع1
__________
1 الديوان /168.

(1/289)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ خَطَبَ للاسْتِسْقَاءِ فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سحابة فأمطرت فلما رأى لَثَقَ الثِّيَابِ1 عَلَى النَّاسِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ"2
مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
اللَّثَق الوَحْل يقال لَثِقَت رِجْلي ولَثِق الطّائرُ بالمطَر إذا ابتل ريشه
ومن هذا الحديث الَّذِي يُروَى في مقتَل عثمان: "أَنَّ أصحابَ رَسُول الله بالشام لمَّا بلغهم ذَلِكَ بكَوْا حتى تَلَثُّق لِحاهُم"3 أي: اخْضَلَّتْ لِحاهم بالدُّموع.
وأخبرني أبو عمر أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ ابن الأعرابي قَالَ العرب تقول يَدِي من الوَحَل لَثِقَة ومن اللحم غَمِرَة ومن السَّمَك صَمِرةٌ ومن اللبن والزُّبْد شَتِرَة ومن العَجِين وَرِخَة ومن الدَّم سَطِلَة وسلطة ومن
__________
1 هامش س, ت, ح: "الطين" بدل "الثياب" وهما روايتان. وفي النهاية "لثق": "لثق الثياب".
2 أخرجه ابن حبان في صحيحه كما في المورد /160 بلفظه, وأخرجه أبو داود في 1/304 بلفظ: "فلما رأي سرعتهم إلى الكن ضحك"
3 النهاية "لثق" 4/231.

(1/289)


الثَّريد مَرِدَة ومن الحْمأَةِ ذَوِطَة ومن الأُشْنانِ قَضِضَة ومن المِدَادِ وَحِرَة ومن الماء بَلِلَة ومن البزر والنفط نمسة ونسمة ومن الزَّعْفران رَدِعَة ومن العِطْرِ عَبْقَة.

(1/290)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْذَانِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ عِنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
العُبِّيَّةُ الكِبْر والنَّخوة يريد بهذا القول ما كان عليه أَهلُ الجاهلية من التَّفاخر بالأَنساب والتَّباهِي بها
وفيها لغة أخرى وهي العِبِّيَّةُ بالكَسْرِ وأَصله مهموز من العِبْءِ وهو الحِمْلُ الثَّقيل ولكن الهَمزة قَد تركت فيه كالبَرِيّةِ والذُّرِّيّة قَالَ الشَّنْفَرى:
خَلَّف العِبْءَ عليَّ وَوَلَّى ... أنا بالعِبْء له مُسْتَقِلُّ
ويقال ألقى فلان عليَّ عِبْأَه أي ثِقَلَه ومِثلُه أَلقَى عليه عَبالَّتَه
أخبرني أبو رجاء الغَنَوِيّ أنا أبو العباس ثعلب عن التَّوَّزيّ قَالَ قَالَ لي أبو زيد أنت أَحق مَنْ أَلقينَا عليه عَبالَّتَنا
وقوله: مؤمِنٌ تَقِيٌ وفاجِرٌ شَقِيّ يقول إن الناسَ رَجُلانِ مؤمن تَقِيٌّ فهو الكَرِيمُ وإن لم يكن شَرِيفًا في قومهِ وفاجِرٌ شَقِيٌّ فهو اللَّئيِمُ وإن كان رفيعا في أهله
__________
1 أخرجه أبوداود في الأدب 4/331, وأحمد في مسنده 2/361, 524.

(1/290)


وهذا كحديثه الآخر: "الكرم التقوى" 1
__________
1 أخرجه الترمذي في التفسير 5/390, وابن ماجه في الزهد 2/1410.

(1/291)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَمَّا خَطَبْتُ فَاطِمَةَ قال النبي: "عِنْدَكَ شَيْءٌ"؟ قُلْتُ لا قَالَ: "فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ"؟ قَالَ قُلْتُ: هَا هِيَ ذِه قَالَ: "أَعْطِهَا".
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَعَلَيْنَا قَطِيفَةٌ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ تَحَشْحَشْنَا فَقَالَ: "مَكَانَكُمَا" 1
وَفِي الْخَبَرِ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنِّي قَالَ: "هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ".
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَذْكُرُهُ
الدِّرعُ الحُطَمِيَّةُ قَالَ هي الثقيلة العريضة وقال بعضُهم هي التي تُحطِّم السيوف أي تكسِرها وقيل2 منسوب إلى حُطمَةَ بن محارب بَطْن من عَبْد القيس كانوا يعملون الدروع نُسِبَتُ إليهم كما نُسِبَتِ التُّبَّعِيَّة إلى تُبَّع قَالَ الهُذَليُّ:
وعليهما مَسْرُودَتان قَضَاهما ... داوُدُ أو صَنَعُ السوابغ تبع3
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 1/23 بلفظ: "تخشخشنا", وأبو داود في النكاح 2/240, 241, وأحمد في مسنده 1/80 مختصرا. وفي الفائق "حطم" 1/291.
2 من ت, م.
3 شرح أشعار الهذليين 1/39 وهو لأبي ذؤيب برواية: "وعليهما ماذيتان".
ورواية الأصمعي: "وتعاورا مسرودتين" وجاء في الشرح: المسرودتان: الدرعان. وقضاهما: فرع من عملهما, والصنع ها هنا تُبَّعُ.

(1/291)


قَالَ ابنُ الكلبيّ: إنما سُمِّيت الأَسِنَّةُ يَزَنِيَّة لأن أوَّل مَنْ عُمِلت له ذوَ يزَن وهو مَلِك من مُلوكِ حِمْير وقيل للسِّياط الأَصْبَحِيَّة لأنَّ أولَ مَنِ اتّخذها ذو أَصْبَح مَلِكٌ من حِمْيَر
وأخبرنا التَّمّار: غُلامُ ابن الأنباري عنه عن أبي العباس ثعلب قَالَ حُبِس رجل فكَتَبَ إلى أبيه:
إذا ذبّالةٌ المصباح لاحَت ... فإنَّ الأَصْبَحِيَّةَ لا تُخافُ
فَدُونَك روِّها عنيّ سَلِيطًا ... لتقعدَ عنِّيَ السُّمْرُ العِجَافُ
قَالَ فَرشَا عنه فَخَلَّى سَبِيلَه
قَالَ أبو عُبَيْدةَ: إنما قيل لملوك حِمْير التَّبابع لأن بعضَهم يتبع بعضًا ولذلك سُمِّي الظِّلُّ تُبَّعًا قَالَ الشاعر:
يَتْبَع رَوْقَيْه كفِعْل التُّبَّعِ
وأنشد الأصمعي:
تَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً ... وِرْدَ القَطَاةِ إذا اسمَأَلَّ التُّبَّعُ1
فالتُّبَّع الظِّلُّ والحَضِيرَةُ ما بَيْن السَّبْعة الرِّجال إلى الثمانية. والنَّفيضَةُ: الواحد مِمَّن يَنفض الطريق.
والمُسْمَئِلُّ: الضَّامر
وقوله: تَحَشْحَشْنَا يريد تَحرَّكْنا للنّهوض قَالَ الأصمعيّ تَحَشْحَش القوم إذا تحركوا وأصله تحشش زيدت فيه الحاء لئلا يَجْتَمِع حرفان من جِنْسٍ واحدٍ كما قَالُوا تَكَعْكَع وأصله من كَعَّ وكفكفتُ فلانًا عن كذا وأَصله كففته قال النابغة:
__________
1 اللسان والتاج "تبع", وعزي لسعدى الجهنية ترثي أخاها أسعد.

(1/292)


فَكفْكَفْتُ منِّي عَبرَةً فَرددتُها ... عَلَى النحر منها مستهل ودامع1
لا يكاد يوجَد ذَلِكَ إلا في المُضَعَّف وقد جاء حَرْفان شاذَّان نَخْنَخْتُ البعيرَ من أنَخْتُه وفي بعض الأمثال: "تَعَظْعَظِي ثُمَّ عِظِي"2
وقوله: "هي أحبُّ إليَّ منك" معناه أَنها أقربُ إلَيَّ وأَلْوَطُ بالقلب منك وهذا كقول أبي بكر حين قَالَ ما عَلَى الأرض أحدٌ أحبُّ إليَّ من عُمَر ثُمَّ قَالَ اللهُمَّ والولَدُ أَلْوَطُ3: أي ألصَقُ بالقَلْبِ.
وقوله: أنتَ أعزُّ عليّ معناه أنتَ أعْظمُ قَدْرًا وأَرفَعُ مَحَلًا وتَحقيقُهُ أنتَ أشَدُّ فَقْدًا وأَصْلُ العِزِّ الشِّدَّةُ والمَنَعَةُ
ومنه قولك للرَّجْل عَزَّ عَلَيَّ ما أَصَابَكَ أي اشتَدَّ عَلَيَّ ذَلِكَ وأنشد أبو عَمرو الشَّيبانِيّ:
أُجُدٌ إذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحمْها ... وإذا تُشَدُّ بِنِسْعَةٍ لا تَنْبِسُ4
يريد أنها إذا هُزِلَت صَلْب لحُمها ولم يَسْترخِ جلدُها.
وقال أبو كبير الهُذَلِيُّ يَصِفُ العُقابَ:
حتى انتَهَيْتُ إلى فراش عَزِيزَةٍ ... سوداءَ رَوْثَةٌ أَنْفِها كالمِخْصَفِ5
سمّاها عَزيزةً لأنّها من أقوى الجوارِح وأَشَدِّها بأْسًا ومن هذا قَولُهم مَنْ عَزَّ بَزَّ6: أي مَنْ غَلَبَ سَلَب قَالَ الله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي
__________
1 الديوان /163.
2 اللسان "وعظ", وجمهرة الأمثال 2/213, والممستقصي 2/257. وروايته في جميعها "لا تعظعني وتعظعظي": أي اتعظي ولا تعظيني. قال الأزهري: وقوله: وتعضعضي وإن كان كمكرر المضاعف فأصله من الوعظ.
3 ذكره السيوطي في تارخ الخلفاء/120, وعزاه لابن عساكر.
4 اللساهن والتاج "عزز", وعزي للمتلمس, وهو في ديوانه /180.
5 شرح أشعار الهذليين 3/1089.
6 سبق في اللوحة 44.

(1/293)


الْخِطَابِ} 1 ويقال صار أعَزّ مِنِّي وأَشَدٌ يقال: عازَزْتُه فَعَزَزْتُه قَالَ الشاعر:
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَتْ ... تُجاذِبُه وقد علق الجناح
__________
1 سورة ص: 23.

(1/294)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ تُحِبُّ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْكُمْ وَلا يُضَافِرُ الدُّنْيَا إِلا الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى نا كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
قوله: لا يُضافِر الدُّنيا إلا القتيل أي لا يُحِب أن يعاودها ويلابسها إلى القَتِيل يقال فلان يضافر فلانًا إذا كان يُداخلُه ويُعاشره ومنه قولهم تَضَافَر القومُ وتَضَابَرُوا إذا تجمَّعوا وتألَّبُوا ومن هذا ضَفْر المرأةِ شَعْرَها إذا أدخلَتْ بعضه في بَعضٍ وقيل للعَقِيصة من شَعرها ضَفِيرة وللحَبْل المَفْتُول من الشَّعر ضَفِير ومنه الخَبَر: "إذا زَنَت الأَمةُ فَبِعْها ولو بِضَفِير" 1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/255, والنسائي في 6/35 وغيرهما.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها 8/213, ومسلم في 3/1329, وأبو داود في 4/160 وغيرهم.

(1/294)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَّحَ إِنْسَانًا قال: "بارك الله عليك" 1.
__________
1 في الفائق "رفأ" 2/70 برواية: "رفأ" وجاء فيه: وروى "رفح" بدل "رفأ" وفي الشرح: تصرفوا فيه بقلب همزته حاء.

(1/294)


حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
سأَلتُ عن هذا الحَرْف عامَّة مَنْ أدركتُه من أهل اللغة فلم أجد في ذَلِكَ عندهم شيئًا يُعتَمد إلا أن أبا عُمَر قَالَ لي إنما هُوَ رَقَّح بالقَاف قَالَ والتَّرِقيحُ إِصلاح المَعِيشَة ولهذا قيل للتّاجرِ رَقَاحِيّ وأنشد للحارث بن حِلِّزة:
يَتْرُك ما رَقَّحَ من عَيْشِه ... يَعيث فيه هَمَجٌ هامِجُ1
قَالَ ومعناه أنّه كان إذا دعا للإنسان بالصَّلاح قَالَ: "بارك الله عليك"
وأخبرني ابن مالك سمعتُ محمد بن النَّضْر يقول سألتُ ابنَ الأَعرابي وسُئِل عن هذا الحرف فَقَالَ: معناه دعا له بخير
قَالَ أبو سليمان: وهذا التفسير ليس عَلَى التَّحقيق ولكن عَلَى وجه التَّخمين والتَّقريب إذا كان معقولًا أَنَّ قَولَه: "بَارَكَ الله عليك" دعاء بالخَيْر لا محالة ولم يكن عندي في ذَلِكَ شيء هُوَ أَشَفُّ ممّا ذكره أبو عُمَر إِلَى أَنْ وَجَدْتُ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ2, نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ" 3. فعلمت أن الحاء من
__________
1 اللسان "رقح". والديوان /21.
2 من م.
3 أخرجه أبو داود في 1/491, والترمذي 3/391, وابن ماجه 1/614, والدرامي 2/134.

(1/295)


قوله: رفَّح بدل من الهمزة في قوله: رفَّأَ والحاء والهاء أُختان في قُربِ المَخْرج وقد يَتَعاقَبَان في مواضع كقولهم مَدَحَ وَمَده وفَرِح وفَرِه
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ سَمِعتُهم يقولون بَاقِلّي هَارّ فقلت من التَّهرِّي فقالوا لا لكن من الحَرَارة قَالَ وأنشدنا:
تَمَدَّهِي ما شِئْتِ أن تَمدَّهِي ... فلَسْتِ منْ هَوْئي ولا ما أَشْتَهِي1
وقال رؤبة:
لله دَرُّ الغَانِيات المُدَّهِ2
يُريد المدَّح
وكذلك الهاء والهمزة يتعاقبان أيضًا كقولهم: هَراقَ الماءَ وأَراقَه وهِبْرِيَةُ الرأس وإبريته وإيّاك وهِيَّاك فعلى هذا قيل رفَّح بمعنى رَفَّأ وهو قَوْلُ الرجل للمتزوِّج بالرِّفاء والبنين كان الأصل فيه رفَّأَ ثُمَّ قُلِبَت الهمزة هَاءً فصار رفَّه ثُمَّ أُبدِلَت الهاء حاء فصار رفَّح ويقال أصل قولهم بالرِّفاء والبنين مأخوذ من رَفَوْتُ الثوبَ أَرفُوه رَفْوًا أي لأَمتُه وأصلحتُه وفيه لغة أخرى رفأتُ أَرفأُ بالهمز,3 وعلى هذا جاء الحديث قَالَ الشاعر:
بُدِّلتُ من جِدَّة الشَّبِيبَة والـ ... أبدال ثوب المشيب أردؤها
__________
1 اللسان والتاج وت "مدة" والبيتان في ملحق ديوان رؤبة/187 برواية: "تمتهي ما شئت أن تمتهي". وفي س, م: "فلست من هوى". وفي القاموس "هاء": الهوء: الهمة والرأي الماضي.
2 اللسان والتاج "مدة" والديوان /165.
3 سقط من ت من هنا تسع عشرة صفحات من حجم الفلوسكاب.

(1/296)


مُلاءةً غيرَ جِدِّ واسعةٍ ... أَخيطُها تارةً وأرفَؤُها
قَالَ أبو زيد في كتاب الهمز يقال رفأتُ الثوبَ أرفأة ورفّأت المَمَلَّك ترفِئَةً وترفيئا إذا دعوت له1
__________
1 من م.

(1/297)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى خَدِيجَةَ يَخْطُبُهَا ودخلت عليها مُسْتَنْشِئَةٌ مِنْ مُوَلَّدَاتِ قُرَيْشٍ فَقَالَت أَمُحَمَّدٌ هَذَا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا"1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِلا أَنَّهُ قَالَ مُنْتَشِئة وَالصَّوَابُ الْمُسْتَنْشِئَةُ هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
المُسْتَنْشِئَةُ الكاهِنَةُ وسُمِّيت بها لمطالعتها الأخبار وتَعاطِيها عِلَم الحَوادث والأكوان يقال فلان يستنشئ الأخبارَ إذا كان يبحث عنها قَالَ الكسائيُّ رجل نَشْيانُ للخَبَر ونَشوان ويقال من أَينَ نَشِيتَ هذا الخبرَ
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ لا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ دَخَلَ عَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَذَا الْبُضْعُ لا يُقْرَعُ أَنْفُهُ" 2
قوله: "لا يُقرَعُ أَنْفُه" يريد أَنه الكُفءُ الَّذِي لا يُرَدُّ ولا يُرغَبُ عنه
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/320 في حديث طويل بلفظ: "منتشية من مولدات قريش". والمنتشية: الناهد التي تشتهي الرجل.
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/132, والطبراني بلفظ: "هذا الفعل لا بقرع أنفه" , أنظر مجمع الزوائد 9/219.

(1/297)


وأصلُه في الفَحْلِ الهَجِين إذا أراد أن يَضْرِبَ في كرائم الإبل قَرعُوا أنفه بعَصا ليرتدَّ عنها. ويروى لا يُقدَع أَنفُه ومعناه قريب من الأول. والقَدُوع الفَحلُ الهَجِين إذا قرب كرائمَ الإِبِل قُدِعَ عنها قَالَ الشَّمّاخُ وذكر الحَمِيرَ:
إذا ما استافَهُنَّ ضَربْن منه ... مكان الرُّمْح من أَنْفِ القَدُوع1
يريد المَقْدُوع كما قَالُوا: فرس رَكُوب وشاةٌ حَلُوب.
ويقال قَدعْتُ الرجلُ وأَقدعتُه لُغتان. قالت ليلى الأَخْيَلِيَّةُ:
كأنّ فَتَى الفِتيان توبةَ لم يُنِخْ ... بنَجد ولم يَطلُع مع المُتغوِّر
ولم يقدع الخصم الألد ويملأ ال ... جفان سديفا يوم نكباء صرصر
__________
1 الديوان /229.

(1/298)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي صَلاةَ الْبَصَرِ حَتَّى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ1".
حَدَّثُونَا بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَمُرَةَ حَدَّثَنِي أَبُو طَرِيفٍ قَالَ كُنْتُ شاهد النبي وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ وَكَانَ يُصَلِّي بِنَا صَلاةَ الْبَصَرِ حَتَّى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ1.
صلاةُ البَصَر تُتأوّل عَلَى صلاة الفجر ونرَى والله أعلم أَنَّه سمَّاها صلاة البَصَر لأنها إنما تُصَلّى عند إسفار الظّلام وإثبات البَصَر الأَشْخاص ويقال
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/416 بلفظ العصر: بدل البصر وسياق الحديث يدل على أنه تصحيف من البصر وذكره الحافظ في الإصابة 4/114 بلفظ: "المغرب" بدل البصر. وفي الفائق "بصر" 1/114 وجاء فيه: البصر بمعنى الإبصار. يقال: بصر به بصرا.

(1/298)


في صلاة البَصَر أنه أراد بها صَلاة المغرب والقولُ الأَولُ أشهر والله أعلم وأحكم1
__________
1 من ح.

(1/299)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ ظَاهَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ: "أَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا" فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْمَعْنِيُّ قَالا نا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنِّي2.
قوله: وَحْشَيْن أي مُقفرين. يقال: رجل وحْشٌ إذا لم يكن عنده طعام من قوم أوحاش. قَالَ حُمَيد بن ثور:
وإن بات وَحْشًا لَيْلَةً لم يَضِق ... بها ذِراعًا ولم يُصْبِح لها وهو خاشِع3
وقال أبو زيد: يقال رجل وحشٌ وهو الجائع من قوم أَوحَاشٍ وهو المُوحِشُ أيضًا.
ويقال: توحَّشَ الرجلُ إذا استجاع واحْتَمَى.
قَالَ الأحْمَرُ: يقال للجائع الشَّحْذان.
قال الأصمعي: المسحوت الجائع والمجؤوف مثله.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق 2/265 والترمذي 5/403 بلفظ: "وحشا" والدارمي في 2/163 وأحمد في مسنده 4/37 بلفظ: "وحشاء".
2 أخرجه البخاري في الأدب 8/47 بلفظ "مابين لابنيها".
3 الديوان/104 برواية: "وهو خاضع" بدل "وهو خاشع".

(1/299)


وقد جُئِفَ الرجلُ. ومن أسماه الجُودُ والجُوسُ وقال أبو خِراش الهُذَلِيّ:
تَكادُ يداه تُسلِمانِ رداءَه ... من الجُودِ لمّا استقبلتْه الشَّمائل1
والدَّيْقُوع من الجوع أشدّه. يقال جوع دَيقوعٌ وقال بعض الأعراب:
أقول بالمِصْر لمَّا ساءَني شِبَعِي ... أَلا سَبِيلَ إلى أرضٍ بها الجُوع
أَلا سَبِيل إلى أرضٍ بها غَرَثٌ ... جوعٌ يُصَدَّعُ منه الرأس ديقوع2
وقوله: بين طُنُبَي المدينة: أي بين طرفي المدينة والطُّنُبُ من أَطْناب الفُسطاط شبَّه حَوْزَةَ المدينة بالفُسطاط قَالَ ذو الرُّمّة وذكر ثَورًا أَوَى إلى شجرة:
إذا أراد انكِنَاسًا فيه عَنَّ ... له دون الأَرومة من أَطْنابها طُنُب3
جعل أصول الشَّجر وعُروقها أطنابًا لها وقال ابنُ هرمة:
إن امرأ جَعَل الطريقَ لبَيْتِه ... طُنُبًا وأنكر حقَّه لَلَئِيمُ4
والأصل في هذا أن العربَ نازلة العَمَد وإنما كانوا يضربون بيوتهم بأطناب ويثبِّتونها بأوتاد ومن هذا قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي
__________
1 شرح أشعار الهذليين 3/1222. يقول يداه لاتحبسان شيئا من ماله: أي يعطي إذا هاجت الشمال في الشتاء.
2 اللسان والتاج "دقع".
3 الديوان/21 برواية: "إذا أراد انكراسا". وجاء في شرح الديوان: انكراسا أي دخولا وانضماما.
4 الديوان /194.

(1/300)


الْأَوْتَادِ} 1 البناء المُحكم ومنه قولهم مُلكٌ ثابتُ الأوتاد قَالَ الأسودُ بن يَعفُر:
في ظِلِّ مُلكٍ ثابتِ الأوتاد2.
__________
1 سورة الفجر: 10.
2 المفضليات /217 وصدره: "ولقد غنوا فيه بأنعم عيشة".

(1/301)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر فَالْجُمُعَةُ حَقٌّ عَلَيْهِ إِلا عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ.
أخبرني بعضُ أصحابِنا عن ابن الأَنْبارِي قَالَ قوله: استَغْنَى الله عنه يريد طَرَحَه الله ورمى به من عَيْنه
لأن المستَغْنِي عن الشيء تاركٌ له قَالَ الله تعالى: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} 2. يريد هذا المعنى وقال غيره جازاهم جزاءَ استِغْنائِهم كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} 3.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/172, 173 وابن أبي شيبة في مصنفه 2/109.
2سورة التغابن: 6.
3 سورة التوبة: 67.

(1/301)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَضِيَ لَكُمْ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَكَرِهَ لَكُمْ سفسافها" 1.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/188 بلفظ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها". وعزاه للطبراني.

(1/301)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو رِفَاعَةَ الْعَدَوِيُّ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَيْرِيُّ1 عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ.
الأصل في السَّفْسافِ ما تَهَبَّأَ من غُبارِ الدَّقيق إذا نُخل. يقال: سَفْسَفْتُ الدَّقيقَ إذا تَنَخَّلتَه ثُمَّ شُبِّه به الوتح الرديء من كل شيء يقال رجل سَفْسَافٌ ومسفسف إذا وصفْتَه برِقَّة المُروءةِ وكذلك هُوَ إذا وصفتَه بفُسُولة الرَّأي وضَعف العَقْل وكلام سَفْسافٌ وثوبٌ سَفسافٌ إذا كان هَلْهَلَ النَّسج وهو نَعْت مُطَّرِد في كل شيء لم يُحْكَم صُنعهُ.
__________
1 في تقريب التهذيب 2/385: يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَيْرِيُّ الليثي أبو عبد الرحمن البصري صدوق.

(1/302)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "رأيت عيسى ابن مَرْيَمَ فَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ مُبَطَّنٌ مِثْلَ السَّيْفِ".1
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
المُبطَّنُ الضامِرِ البَطْن الَّذِي كأنه قد لَصِقَ بطنُه بظَهره. قَالَ الأصمعيّ: رجل مُبَطَّن إذا كان خَمِيصًا قَالَ: فإذا كان لا يزال ضَخْم البَطْن لا يَنْهِشم بطنه لجوع أو غيره قِيل له: مِبْطان. قَالَ متِّمم بن نُوَيْرة:
لقد غَيَّبَ المِنْهالُ تحت ردائِه ... فَتًى غيرَ مِبْطان العَشِيَّات أروعَا2
ويقال إنَّ مالكَ بنَ نُوَيْرة كان ذا بطن وإنما أراد أنه كان لا يأكل
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وقد أخرجه أحمد في مسنده 1/374 عن ابن عباس بلفظ: "ورأيت رجل أبيض أجعد الأس حديد البصر مبطن الخلق".
2 اقتصر اللسان بطن على الشطر الثاني. والبيت في المفضليات /265.

(1/302)


آخرَ نهاره انتظارًا للأضياف وقال: بعضُهم المِبْطَانُ هُوَ الَّذِي يَغيب بالعَشِيَّات عن الناس في الشُّرب ويَتْبَع الرِّيَب.

(1/303)


وقال أَبُو سُلَيْمَانَ: فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَسِرْتُ مَعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَرُبْتُ مِنْهُ فجعل يسألني عن من تخلف مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: "مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطِّوَالُ النَّطَانِطُ" فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ فَقَالَ: "مَا فَعَلَ النَّفَرُ السُّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ" فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ فِينَا.1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ يَقُولُ ذَلِكَ.
النَّطَانِطُ: الطِّوَالُ وَاحِدُهُمْ نَطْنَاطٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُم مَا فَعَلَ النَّفَرُ الطوال الثطاط2 كذلك رواه لنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْبُوسَنْجِيُّ ثنا النُّفَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ إسحاق3 والمحفوظ هو الأَوَّلُ.
والثطاط جمع ثط وهو الكوسج والعامة تقول أثط بالألف وهو السناط4 والسنوط أيضًا والجعاد القصار رجل جعد أي قصير.
__________
1 أخرجه أحمد 4/349, 350 بطوله. وفيه: "مافغل النفر الحمر الطوال القطاط أو القصار" ... الخ. وذكره الهيثمي في مجمعه 6/192.
2 أخرجه ابن حبان في صحيحه بهذه الألفاظ. انظر الموارد /418, 419.
3 ح: عن أبي إسحاق.
4 ط: "السناط" بضم السين. وفي القاموس: "سنط": السناط بالكسر والضم.

(1/303)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله علي وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ فَقَالَ: "اللَهُمَّ قَاتِلْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاجْعَلْ قُلُوبَهُمْ كَقُلُوبِ نِسَاءٍ كَوَافِرَ" 1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ عَنْ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُهُ
قوله: كقُلُوب نِساءٍ كوافِر معناه والله أعلم كقلوبهن في الاختلاف قلة الائْتِلاف وأُراه عَنَى الضَّرائرَ منهن لأَنَّ ذَلِكَ أشدُّ لاختلافهن ومُنافسةِ بعضِهِنّ بعضًا.
وأخبرني بعض أصحابنا أخبرنِي ابن الأنباري عن أبي العباس ثَعْلَب قَالَ: من دُعاءِ الأَعراب اللهم حَبِّبْ بين نِسائِنا. وبغض بين رعائنا قال: مالك أَنَّ الحُبّ يدعوهن إلى التَّعاون في العمل والاجتماع عَلَى السّمَر والغزل.
الرعاء إذا تباغَضَت تفرَّقَت في المَراعِي فكان أسمَنَ للغنم.
ومن دعائهم: اللهم أقِللْ صِبْيَاننا وأكثر جرذاننا.
ومن دعائهم: اللهمَّ ضَبُعًا وذِئبًا2 وذلك أنهما إذا اجتمعا في غنم منع كل واحد منهما صاحبه ومنه قول الشاعر:
كان لها جَارَان لا يُخْفِرانها ... أَبو جَعْدَةَ العادِي وعَرفاءُ جَيْأَلُ3
أبو جَعْدَةَ: الذِّئب وعَرفاءُ: الضَّبُع وجيألُ: اسم للضبع. قال الشاعر:
__________
1 الفائق "كفر" 3/266.
2 المستقصي للزمخشري 1/342.
3 اللسان "عرف" برواية: لها راعيا سوء مضيعان منهما. وعزي للكميت ولم أقف عليه في ديوانه ط بغداد.

(1/304)


وجاءت جَيْأَلٌ وأبو بَنِيها ... أَجَمُّ الماقِيَيْن به خُماعُ1
وفي الكوافر قَوْلان: أَحدهما الكُفْر بالله وذلك أَشَدُّ لاخْتِلافِهِنّ قَالَ الله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} 2.
والقَولُ الآخر: أن يكون من كُفران النِّعَم وهُنَّ مِنْ أقلِّ الناس شُكْرًا للعوارف ولذلك قَالَ لَهُنَّ: "إنّكُنَّ تُكْثِرنَ اللَّعنَ وتَكْفُرن العَشِير" 3.
وفيه وجه آخر وهو أن الكوافر يُرَعْنَ أَبدًا بالصَّباح والبَيَاتِ في عُقْر دارهنَّ فقُلُوبُهن تجب أبدا
__________
1 اللسان "جأل" وعزى لمشعت برواية:
وجاءت جيأل وبنو بنيها ... أجم الماقيين بها خماع
وجاء في "خمع" معزوا لمثقب على رواية الكاتب وهو في ديوانه /278.
2 سورة المائدة /64.
3 أخرجه البخاري 1/80 ومسلم 1/87 وغيرهما.

(1/305)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهَا فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ: "الْمُبْتَاعُ قَدْ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ وأصاب قُشَامٌ" فَلَمَّا كَثُرَتْ خُصُومَتُهُمْ عِنْدَ النبي قَالَ: "لا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا" 1.
كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ زَيْدِ بن ثابت
__________
1 أخرجه البخاري 3/100 وأبو داود في البيوع 3/253 وغيرهما.

(1/305)


وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: الذُّمَارُ1 مَكَانُ الدُّمَانِ قَالَ الأصمعي: إذا أنْسغَت النخلَةُ عن عَفَنٍ وسواد قيل: قد أصابه الدمان قَالَ: وقال ابنُ أبي الزِّناد هُوَ الأُدْمانُ قَالَ الأصمعيّ: إذا انْتَفَض ثَمرُ النَّخل قبل أن يصير بَلَحًا قيل قد أصابه القُشَامُ وإذا كثر نَفْض النَّخلة وعَظُم ما بَقِيَ من بُسْرها قيل خَرْدَلَت فهي مُخَرْدِلٌ قَالَ الأصمعي: والدَّمَالُ2 التَّمرُ العَفِن قَالَ غيرُه القُشَامُ أُكالٌ يَقَع في التَّمر من القَشْم وهو الأَكْلُ فإمّا الذُّمَارُ في رواية ابنِ داسة فلا مَعْنَى لَهُ ويقال: أَنْسغَتِ3 النَّخلةُ إذا أخرجت قُلْبَها.
__________
1 في سنن أبي داود: "الدمان".
2 كذا في "ط" وفي القاموس: الدمال كسحاب: التمر العفن. وفي م, س: الدمان.
3 ح: انشقت النخلة.

(1/306)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مُنشِدًا أَنْشَده:
لا تأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ ... حَتَّى تُلاقِيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي
فَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ ... بِكُلِّ ذَلِكَ يَأْتِيكَ الْجَدِيدَانِ1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ: نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْخُزَاعِيُّ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله وَمُنْشِدٌ يُنْشِدُ هَذَا الشِّعْرَ قَالَ فقال النبي: "لو أدرك هذا لإسلام" فَبَكَى أَبِي فَقُلْتُ أَتَبْكِي لِمُشْرِكٍ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَبِي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مُشْرِكَةً تَلَقَّفَتْ مِنْ مُشْرِكٍ خَيْرًا مِنْ سُوَيْدِ بن عامر.
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/167 وابن حجر في الإصابة 3/414 في ترجمة مسلم بن الحارث الخزاعي. قال ابن حجر: رواه البغوي والطبراني وابن السكن وابن شاهين وابن الأعرابي وابن منده. والبيتان في اللسان "منى". وعزيا في التاج لسويد ابن عامر المصطلقي.

(1/306)


قوله: يَمْنِي لَكَ المَانِي معناه يَقضِي لك القَاضي ويُقدِّر لك المُقدِّر.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قَالَ: يقال: مَنَى الله عليك الخيرَ يَمْنِي مَنْيًا أي قَضَاه قَالَ وسُمِّيَتْ مِنًى لأَنَّ الأَقدارَ وقعت عَلَى الضَّحايا بها فذُبِحَت ومنه أُخِذت المَنِيّةُ وقال هدبة بن خَشْرم العُذرِيّ:
رُمِينا فَرامَيْنَا فوافَق رَمْيُنَا ... مَنِيَّةَ نَفْسٍ في كِتابٍ وفي قَدْر
وقال لَبِيد1:
وعَلِمتُ أَنَّ النَّفسَ تلقى حَتْفَهَا ... ما كان خالِقُهَا المَليكُ مَنَى لَها
أي: قَضَى لها
ومن هذا قوله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} 2 أي: تُقَدَّر وتُخْلَقُ. ويقال: إنَّما سُمِّيت مِنًى لأنَّ الدِّماءَ تُمنَى بها أي تُسالُ. ومنه سُمِّي المَنِيُّ وهو المَاءُ الدَّافِق والجَدِيدان اللَّيلُ والنهار وهما الفَتَيان أيضًا ويقال لهما المَلَوَان.
قَالَ ابنُ مُقبِل:
ألا يا دِيارَ الحَيِّ بالسَّبُعانِ ... أملَّ عليها بالبِلَى المَلَوانِ3
وقوله: تلَقَّفت من مُشرِك أي حَمَلت ولدًا منه والتَّلَقُّفُ سُرعةُ التناولِ لما يُلْقَى إليك من شيء.
__________
1 ح, م: قال الأعشى وفي هامش م, س: لبيد ولم أقف عليه في ديوان لبيد ط الكويت ولا ديوان الأعشى ط دار صادر.
2 سورة النجم: 46.
3 الديوان /335.

(1/307)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عُوَيْرَثَ أَوْ غُوَيْرَثَ1 بْنَ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيَّ أَرَادَ أَنْ يَفْتِكَ بالنبي فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَهُ السَّيْفُ قَدْ سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَكْفِنِيهِ بِمَا شِئْتَ" قَالَ فَانْكَبَّ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ زُلَّخَةٍ زُلِّخَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَنَدَرَ سَيْفُهُ2.
يَرْوِيهِ أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نا أَبُو عُمَرَ الْمُقْرِي نا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا الْحِزَامِيُّ ثنا مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ إلا أَنه قَالَ: فْدُلِجَ بين كتفيه وهو غَلَط والصوّاب زُلِّخ قَالَ أبو زيد: يقال: رمى الله فُلانًا بالزُّلَّخة وهو وَجَع يأخذ في الظهرْ لا يتحرك الإنسان من شِدَّته وأنشد:
كأنما أَصابَ ظَهْرِي زُلَّخَة3
وأنشدَ ابنُ الأعرابي:
دَاوِ بها ظَهرَك من تَوجاعِهِ ... من زُلَّخاتٍ فيه وانقطاعِهِ
وروى أبو الهيثم الرازي عن أم الهيثم الأعرابية أنها اعتّلت فزارها أبو عبيدة فقال لها: عم عِلَّتُكِ فقالت: شهدتُ مأدبة فأكلت جبجبة من صفيف
__________
1 كذا في جميع النسخ وفي الإصابة 3/188 والقاموس "غرث" غورث بن الحرث. وكذلك في السيرة النبوية لابن كثير 3/161 وتبصير 3/1052.
2 أخرج البخاري 4/48, 5/146-147 ومسلم 1/576 وأحمد 3/311-364 وسعيد بن منصور في سننه 2/214 هذه القصة بسياق آخر عن جابر وانظر السيرة النبوية لابن كثير 3/161
3 اللسان "زلخ" برواية: "كأن ظهري أخذته زلخة" وبعده: "لما تمطى بالفري المفضحة".

(1/308)


هِلّعة فاعترتني زُلَّخةٌ فَقَالَ لها ما تقولين يا أمّ الهيثم فقالت سبحان الله أَوَ للناس كلامان1.
__________
1 من م.

(1/309)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ" 1.
ذكره أبو عُبيد في كتابه2 وقال الأجذم: المقطوع الي: د واحتّجَّ بقول الشاعر:
وهل كنتُ إلا مِثلَ قاطِعِ كفّه ... بكَفٍّ له أُخرى فأصبحَ أجذمَا3
واعترض عليه ابنُ قَتَيْبَةَ في كتابه الَّذِي سمَّاه إِصلاحَ الغَلطِ وزعم أنه تدبَّر هذا التفسير فرآه إنما أُتِي فيه من قبل البيت الَّذِي استشْهَده قَالَ وَليْسَ كلُّ أجذم أقطع اليد قال وإذا حملنا الحديث على ما ذهب إليه رأينا عقوبة الذَّنب لا تشاكل الدنب لأنَّ اليدَ لا سببَ لها في نِسْيَانِ القرآن والعُقوباتُ من الله عَزَّ وجَلَّ تكون بحَسب الذُّنُوب كقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 4 يُريد أَنَّ الرِّبا الَّذِي أكلوه رَبَا في بطونِهِم وأَثْقَلَهم وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ فَقَالَ جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ" 5. لأَنهم قَالُوا بأفواههم فعوقبوا فيها ومثل هذا كثير.
__________
1 أخرجه أبو داود في الصلاة 2/75 والدارمي في 2/437 وأحمد في 5/284, 285, 323, 328.
2 غريب الحديث لأبي عبيد 3/48.
3 اللسان "جذم" وعزي للمتلمس وهو في ديوانه /32.
4 سورة البقرة: 275.
5 أخرجه أحمد 3/120, 180, 231, 239 بنحوه.

(1/309)


قال ابن قتيبة والأجذم ها هنا المجذُومُ يقال: رجل أَجذمُ وقوم جَذْمى مثل أحْمَق وحَمْقَى وأَنْوك ونَوْكى وإنما سُمِّيَ مَنْ به هذا الدَّاء أَجذم لأنّه يَقْطَع أصابع يديه وينقُص خَلْقَه وكل شيء قطعته فقد جذمته لأنه يقطع أصابه يديه وينقُص خَلْقَه وكل شيءٍ قطعتَه فقد جَذَمْتَه وهذا أشبه بالعقوبة لأنَّ القرآن كان يدفع عن جسمه كُلِّه العاهةَ ويحفَظ له صحته فلما نسيه فارقه ذَلِكَ فنالَتْه الآفةُ في جميعه ولا داء أَشملَ للبدن من الجُذام ولا أَفسد للخِلْقَة.
قَالَ أبو سليمان: أمّا التَّفسير فعلى ما ذكره أبو عبَيْد لم يُؤْتَ فيه من قِبَل البيت إلا أنه أغفل بيان المعنى واقتصر عَلَى اللفظ وسنذكر المعنى فيه إذا أتينا عَلَى الاحْتِجاج لقوله: وانفصلنا له من ابن قتيبة إن شَاءَ الله وقد سُبق أبو عُبَيد إلى هذا التفسير ورُوي معناه عن سويد بن جبلة الفزاريّ أخبرنا محمد بن المكي ثنا الصائغ نا سعيد بن منصور نا فرج بن فُضالةَ عن لقمان بن عامر عن سُوَيد بن جبلة قَالَ: سمعته يقول: ما أُبالي تَعَلّمتُ سورةَ من القرآن ثُمَّ تركتها أو مَشيتُ في الناس مقطوعةً يدي فمعلوم أن سُوَيدًا إنّما تلقّاه من الخبر وأَن الأَجذمَ عنده المقطوعُ اليدِ دُونَ الَّذِي أصابه الجذام وكذلك تفسير الأَجْذَم إنما هُوَ الأقطع في عامّة ما ورد من الأخبار مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَجْذَمُ" 1. أي أَقْطَعُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شهادة كاليد الجذماء" 2.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عبد الرحمن بن
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/610 بلفظ: "أقطع".
2 أخرجه أبو داود في الأدب 4/261 بلفظ: "تشهد" وكذلك الترمذي 3/405. وأما أحمد في 2/302 و 343 فخرجه بلفظ: "شهادة".

(1/310)


المبارك السدوسي ثنا عبد الواحد بْنُ زِيَادٍ ثنا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ كَالْيَدِ الجذماء".
وحدثنا عبد الرحمن بن الأسد ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: لِقَتَلَةِ عُثْمَانَ إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَمْ تَزَلْ مُحِيطَةً بِمَدِينَتِكُمْ هَذِهِ مُنْذُ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْيَوْمَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَذْهَبَنَّ ثُمَّ لا تَعُودُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ لا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ إِلا لَقِيَ اللَّهَ أَجْذَمَ لا يَدَ لَهُ ومثله1. في الحديث كثير.
وأما القول فيه عَلَى مذهب أهل اللغة فإن تقديرَ الأَجذَم عندهم من الجَذْمِ تِقْدير الأقطع من القَطْع لا يكادون يقولون أقطع وهم يريدون مقطوعَ الأذن أو مجدوع الأنف إنما يُنزِلُونه خصوصًا عَلَى المقطوعِ اليدِ هذا هُوَ الظاهر في عُرْف اللغة فأما مَنْ أُبَين منه عُضْو غير اليَدِ فإنما يَضاف القطع إليه باسمه وكذلك الأَجذَم إذا أطلق فإنما يَلْقى مَنْ جُذِمَت يده أي قُطعت وقلَّ ما يقال: فيمن أصابه داءُ الجذام أَجذم إنما يقال مَجْذوم وبه جاء الخبر وهو ما يروى أَنَّهُ قَالَ: فِرَّ من المجذومِ فِرارك من الأسَدِ2.
فأما قوله: في مشاكلة العقوبات الذنوبَ واطّراد القياس فيها عَلَى ما تمثَّل به من آية الربا ففيه نظر وقد جاء في الحديث: "مَنْ تحلمَّ كاذبا فَقَالَ رأيتُ ما لم يَرَ كُلِّفَ عَقد شعيرة في النار" 3.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/445.
2 أخرجه البخاري 7/164 بنحوه وأحمد 2/443 بمثله.
3 أخرجه البخاري 9/54 وأبو داود 4/206 والترمذي 4/538 وغيرهم.

(1/311)


وكان الواجب عَلَى هذا القياس أن تناله العقوبةُ في عينه1 إلا أنَّا لم نُكَلَّف القياس في أمر الآخرة وإنما ننتهي من علمه إلى ما نطق به القرآن ووردت به الأخبار الصحيحة ولو كان القياس الَّذِي اعتبره في مشاكلة العقوبات الذنوب معنى صحيحًا لكانت أحكام الدُّنيا بها أَولى إذ كُنا متعبدين بالقياس فيها وقد وجدنا كثيرًا من الحدود والعقوبات الواجبة فيها معدولًا بها عن مواقعة الأَعْضاء التي باشرت تلك الذّنوب المُوجبة لتلك العقوبات ألا تَرَى أنّ القاذفَ يقذِفُ بِلسانه فيُجلدُ ظهرهُ والزَّانِي يزني بفرْجه فيفرَّق الحدُّ عَلَى أعضائه ويُجْتَنَب الفرجُ خاصة مَعَ سائر المَقَاتِل والله أعلم بالمصالح وله أن يتَعَبَّدنا بما شَاءَ من حُكمه وكل ذَلِكَ حكمةٌ وصَوابٌ وإن زَلّت عنه أفهامنا لم تُدركْه عقولنا مَعَ أن قَولَ ابن قتبية إذ يقول ولا سبب لليد في نسيان القُرآن ينقض كلامه في الفصل الآخر حين يقول لأَنَّ اليد لم تخرج عن رعاية القرآن ولم تخلُ من حفطه والعجَبُ منه حين لم يَقْنَع من عقوبته بقطع اليد وإبانة الكَفّ ثُمَّ رَضِيَ بقَطْع الأصابع والنَّقص العارض لبعض الأعضاء ومعلوم أن الجُذامَ داء يعالَجُ فيَزُول وأن العُضْوَ المقطوع تالِفٌ لا يعود.
قَالَ أبو سليمان: ومعنى الخبر ما ذهب إليه ابن الأعرابي: محمد بن زياد.
قَالَ ابن الأعرابي: هذا مَثَلٌ والمعنى أنّ مَنْ نَسِيَ القرآن لَقِيَ الله خالِيَ اليَدِ من الخَيْرِ صَفِرها من الثواب كَنَى باليد عَمَّا تَحويه اليَدُ وتشتمل عليه من الخير كقولهم إذا وصَفُوا الرجلَ بانقطاع القُدرَة فُلانٌ لا يَدَ له وإنه لقَصير اليَدِ إذا كان بخيلًا كما قَالُوا جَعدُ البَنَان وكَزُّ البنانِ وفلان طويل اليد
__________
1 س: "عينيه".

(1/312)


إذا وصف بالجودِ وبسط المَقْدِرة وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِنِسَائِهِ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا" 1. فَكَانَتْ سَوْدَةُ وَكَانَتِ امْرَأَةً تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
ويدُلّ عَلَى صِحَّة ما ذهب إليه حَدِيثٌ حَدَّثَنِيه بُكَيْرُ بْنُ الْحَدَّادِ نا أَبُو السَّرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الأنْصَارِيُّ نا عِصْمَةُ بنُ فَضَالَةَ الزُّرَقِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ لَا تَعَجَّلُوا ثَوَابَ الْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا فَتَلْقَوُا اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا حَمَلْتُمْ صِفْرٌ" 2.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ: مُجَاهِدٍ حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا الْفُضَيْلُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ رَبِّ جَعَلْتَنِي فِي جَوْفِهِ فَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ وَمَنَعْتُهُ كَثِيرًا مِنْ شَهَوَاتِهِ وَلِكُلِّ عَامِلٍ عُمَالَةٌ فَيَقُولُ ابْسُطْ يَدَكَ أَوْ يمينك فيملوؤها مِنْ رِضْوَانِهِ وَلا يَسْخَطُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا.
وفيه وجه آخر وهو أن تكون اليدُ ها هنا بمعنى الحُجَّةِ والبرهان وإلى هذا أشار طَلْقُ بن حبيب أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عن عَبْد الكريم أَبِي أُميَّة3 عن طَلْق بن حبيب قَالَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ من غير عُذْر جاء يوم القيامة مخصوما4.
__________
1 أخرجه البخاري 2/131 والنسائي 5/67 وأحمد 6/121.
2 لم أقف عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا.
3 عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري "عن تقريب التهذيب" 1/516.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/360.

(1/313)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلاثَةٌ1 مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ2". وهذا أيضًا مِمّا فَسَّره أبو عبيد في كتابه3 فقال: نرى قوله: "تَحِلَّةَ القَسَمِ" يعني قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} 4 يقول: فلا يرِدُها إلا بِقَدْرِ ما يبرُّ اللهُ قَسَمَه فيه.
وعارضه ابنُ قُتَيبة في كتابه الموْسُوم بإصلاح الغَلَط كما عارضه في الحديث الأول فَقَالَ هذا مذهب الحسن من الاستخراج إن كان هذا قَسَمًا قَالَ: وفيه مذهب آخر أشبهُ بكلام العرب ومعانيهم وهم وإذا أرادوا تَقليل مَكثِ الشيء وتقصيرَ مُدَّته شَبَّهوه بتحليل القسم وذلك أن يقول الرجل بعد إن شَاءَ الله فيقولون ما يقيم فلانٌ عندنا إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ وما ينام العليلُ إلا كتَحْليل الأَلِيَّةِ وكَحَسْوِ الطير وهو كثير مَشْهور في الكَلامِ والشِّعر قَالَ: ومعناه عَلَى هذا التأويل أَنَّ النارَ لا تمسّه إلا قليلًا كتحليل اليمين ثُمَّ يُنجيه اللهُ منها.
قَالَ أبو سليمان: ولا إِشكال أنّ معنى الحديث ما ذهب إليه أبو عبيد إلا أنه أغفل بيان موضع القَسَم فتوَهَّم ابن قتيبة أنه ليس بقسم وقد جاء ذَلِكَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ حَدَّثَنِيه الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ نا رشدين بن سعد نازبان بن فايد
__________
1 م, ط: "ثلاثة أولاد".
2 أخرجه البخاري 2/93, 8/167 ومسلم 4/2028 والترمذي 3/365 والنسائي 4/25 وغيرهم.
3 غريب الحديث 2/16.
4 سورة مريم: 71.

(1/314)


عَنْ سَهْلِ1 بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَرَسَ لَيْلَةً مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَمْ يَأْخُذْهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَرَ النار تسمه إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لا شَرِيكَ لَهُ2". قَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} 3 وَفِي هَذَا مَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا معاذ بن المثنى نا عبد الرحمن الْمُبَارَكِ السَّدُوسِيُّ نا سَعْدُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابْنِ الزُّبَيْرِ لِصَنِيعٍ كَانَ مِنْهُ: "لا تَمَسُّكَ النَّارُ إِلا قَسَمَ الْيَمِينِ". وهذا اللفظ خارجٌ عَن جملة ما حكاه ابن قُتَيْبَة من مذاهبهم فِي تحلة القسم لأنهم لم يقولوا إذا أرادوا تَقليل مَكثِ الشيء وتقصيرَ مُدَّته لم يكن ذَلِكَ إلا قسمَ اليَمِين كما قَالُوا لم يكن ذَلِكَ إلا تحِلَّة القَسَم وإنما هُوَ عَلَى التَّفْسير الأول الَّذِي ذهب إليه أبو عُبَيد.
قَالَ أبو سليمان فإن قيلَ: فأين موضع القَسَم من قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا َعلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} 3 قيل هُوَ مَردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} 4 ... الآية.
وفيه وجه آخر وهو أن العرب تَحلف وتُضْمِر المُقْسَم به كقوله: {وَإِنْ
__________
1 م: "عن سهل عن معاذ بن أنس". وفي تقريب التهذيب 1/337: سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ الجهني نزيل مصر لابأس به إلا في روايات زبان عنه.
2 أخرجه أجمد في مسنده 3/137 بلفظ: "من حرس من وراء المسلمين" الخ.
3 سورة مريم: 71.
4 سورة مريم: 68.

(1/315)


مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} 1 معناه وإنّ منكم واللهِ لمَنْ ليبطئَن فأضمر والله وكذلك قَولُه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} 2 المعنى وإن منكم واللهِ إلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا قيل: هُوَ مَردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} الآية3
__________
1 سورة النساء: 72.
2 سورة ميرم: 71.
3 ساقط من نسخة م, ط.

(1/316)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى أُحُدٍ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي كَتِيبَةٍ كَأَنَّهُ هَيْقٌ يَقْدُمُهُمْ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا.
الهَيْقُ الظَّليمُ قَالَ امرؤُ القَيس:
كجُؤْجُؤِ هَيْقٍ زِفُّهُ قد تَمَوَّرا2
وقال آخَرُ يصف فرسًا:
ولها برْكَةٌ كجُؤْجُؤِ هيق ... ولبان مضرج بالخضاب
__________
1 المغازي للواقدي 1/219.
2 الديوان /267 وصدره: "وخد أسيل كالمسن وبركة".

(1/316)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا خَرَجَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فَنَزَلُوا الأَبْوَاءَ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لأَبِي سُفْيَانَ بن حرب لو نجثم قَبْرَ آمِنَةَ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ بالأبواء1.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/273 بلفظ: "لو بحثتم" بدل "لو نجثتم".

(1/316)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَاصِمٍ الأَسْلَمِيِّ.
قَوْلُهَا: نَجَثْتُمْ أَيْ نَبَشْتُمْ وَالنَّجْثُ اسْتِخْرَاجُ الدَّفِينِ وَمِنْهُ النجيثة وهو تُرابُ الْبِئْرِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَيُقَالُ: نَجَثْتُ مَا عِنْدَ فُلانٍ إِذَا اسْتَنْبَطْتَ رَأْيَهُ وَرَجُلٌ نَجِثٌ إِذَا كَانَ يَسْتَخْرِجُ الأَخْبَارَ قَالَ الأَصْمَعِيُّ فِي أُرْجُوزَتِهِ:
لَيْس بِقَسَّاسٍ وَلا قَمٍّ نَجِثْ ... وَلا بِجَوَّاظِ العشيات مغث1
__________
1 م: "ولا تم نجث". وكذلك روي في اللسان والتاج "نجث".

(1/317)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ الْخَيْلِ الْحُوَّةُ" 1.
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ طَلْحَةَ2 بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ.
الحُوَّةُ: سواد ليس بالشَّديد والنَّعتُ منه أحوى وهو الكميث الَّذِي يعلوه سَوادٌ قَالَ الطِّرمَّاح يصف ثورًا:
أَحَمُّ بأطرافه حُوَّةٌ ... وسائِرُ أجلادِه واضِحَه3
وقال ذو الرمة يصف روضة:
__________
1 م, ح: "الحو" وذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/516 بلفظ: "الحر" ولعله تحريف من الحو وعزاه لابن أبي شيبة. وفي النهاية 1/465 بلفظ "الحو".
2 م: "عن طلحة عن عمرو" وفي التقريب 1/379: طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي مات سنة 152 هـ.
3 الديوان /77.

(1/317)


قَرحاءُ حَوّاءُ أَشراطِيَّةٌ وكَفَت ... فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَراعِيم1
يريد أنها لرِيِّها وخُضرتِها تَضْرِب إلى السّواد.
قَالَ الأصمعي: يقال: حَوِي الفرسُ يَحْوَى حُوَّةً. وقال أبو حاتم: يقال: احووى واحواوى.
__________
1 اللسان والتاج "قرح" والديوان /573.

(1/318)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ الأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ: "لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ" 1. قَالَ بُرَيْدَةُ: فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَوْ علمت أن نبي الله اسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: آل داود أراد داودَ نَفسَه لأنَّا لا نعلم أحدًا من آله أُعطِي من حُسْن الصّوت ما أُعطِيه داود.
أخبرني أبو رَجَاء الغَنَويّ نا أَبِي نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ سمعتُ أبا عُبَيْدةَ معمر بن المثنى وسأله رجلٌ عن رجل وصَّى2 لآل فلان أَلِفُلان نَفسِه المُسَمَّى من هذا الشيء قَالَ نعم قَالَ الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 3 ففرِعَوْن أولُهم وأنشد:
ولا تَبكِ مَيْتًا بعد مَيْتٍ أَجَنَّه ... عَلِيٌّ وعبَّاسٌ وآلُ أَبي بكرِ
يريد أبا بكر نفسه.
__________
1 أخرجه مسلم 1/546 وأحمد 5/439, 351, 359 ومصنف عبد الرزاق 2/485.
2 م: "أوصى".
3 سورة غافر: 46.

(1/318)


قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ. وثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ثنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ إِذَا صلى على النبي قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ أَحْمَدَ1 كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ يريد بآل أحمد نِفْسَه لأن المفروضَ من الصلاة ما كان عليه قَالَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2 وقد يكون آلُ الرجل أهلَ بيته الأدنَين.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدِ بن الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا شَاذَانُ نا شَرِيكٌ عَنِ الأَعْمَشِ عن يَزِيدُ قَالَ قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ قَالَ آلُ عَبَّاسٍ وَآلُ عُقَيْلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} 3 قال: من أهل دين قَالَ: وَلا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلا فِي الرَّئِيسِ الَّذِي الْبَاقُونَ لَهُ تبع. قال: وكذلك آلُ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هُمْ أُمَّتُهُ وَأَهْلُ دِينِهِ قَالَ فَإِذَا جَاوَزْتَ هَذَا فَآلُ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ خَاصَّةً.
وَقَوْلُهُ: لحبَّرتُها يريد تحْسِينَ القِراءةِ وتَحْزِينَ الصَّوتِ بها يقال: حَبَّرتُ الشيءَ إذا حَسَّنتَه وكان طُفَيْلٌ الغنويّ في الجاهلية يُدعى المحبر لتجويده الشعر وتحسينه إياه.
وأخبرني ابن الفارسيّ هُوَ محمد بن القاسم بن الحكيم أبو بكر4 نا محمد بن يحيى المَرْوَزِيّ نا أبو بلال الأَشْعريّ نا عامِرُ بن سَيَّار عن يَحْيَى بن أبي كَثير في قوله تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} 5 قال الحبر: السماع في
__________
1 ط: "آل محمد".
2 سورة الأحزاب: 256.
3 سورة البقرة: 49.
4 من م.
5 سورة الروم: 15.

(1/319)


الجَنَّة. وقال غَيرُه: يُحبَرون يُسَرُّون. والحَبْرَةُ والحَبَرُ السُّرور وأَنشد:
الحمدُ لله الذي أعطى الحبر1
__________
1 اللسان والتاج "حبر" وعزي للعجاج وهو في ديوانه /4.

(1/320)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ وَالأَفْنُ وَالذَّامُ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ نا الرَّمَادِيُّ نا سُفْيَانُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْمَدِينِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ.
قوله: السَّامُ فسَّره أبو عُبَيد في كتابه وقال: هُوَ الموتُ. قَالَ أبو سليمان: وتأوَّله قتادةُ عَلَى خلاف هذا.
حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتّاب العَبْدِيّ نا يحيى بن أَبِي طَالِبٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ أنا سعيدُ بن أبي عَرُوبة قَالَ: كان قتادةُ يُفسِّر السَّام عليكم تسأمون دينكم وهو مصدر سَئِمتُه سآمةً وسَآمًا مثل رَضَاعةٍ ورضاع ولذاذة ولذاذ والأَفْن النَّقْصُ ومنه قَولُهم رجلٌ أَفِين أي ناقِصُ العقل وفي مَثَل للعرب إنَّ الرِّقِينَ تُذهِب أَفْن الأَفِين2 قَالَ قَيسُ بن الخَطيم:
رددنا الكتيبةَ مَفْلُولَةً ... بها أفنها وبها ذامها3
__________
1 البخاري 8/71, 104 والترمذي 5/60 وأحمد 6/37, 199 وغيرهم بدون لفظ: "الأفن".
2 اللسان "رقن" وجمهرة الأمثال 2/339 ومجمع الأمثال 2/367 والمستقصي 2/372. وروايته فيها: "وجدان الرقين يغطي أفن الأفين". وفي ت: "إن وجان الرقين.." وفي ط: " ... تذهب الأفن الأفين".
3 اللسان والتاج "ذيم" برواية: "يرد الكتيبة مفلولة". ولم أقف عليه في ديوانه.

(1/320)


ويقال أفنت الناقة إذا استوعبت حَلَبًا قَالَ الشاعر:
إذا أُفِنَت أَروَى عِيالَك أَفْنُها ... وإن حُيِّنَتْ أَرْبَى عَلَى الوَطْبِ حينُها1
وهذا راجع أيضًا إلى النَّقْص. والذّامُ العَيْب وهو الذَّابُ والذَّانُ ومنه قولهم: "لا تَعْدَم الحسناء ذَامًا"2.
قال لبيد:
وكثيرة غرباؤها مجهولةٌ ... تُرجَى نَوافِلُها ويُخْشَى ذامُها3
يقال: ذَامَة يذِيمُه وذَمَاهُ يَذْمِيه مَقلوبًا وفيه لُغَة أخرى ذَأَمَه يَذْأَمُه ذَأْمًا مهموز وَرُوِيَ أَنَّ رسول الله قَالَ لِعَائِشَةَ: "لا تَقُولِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَاحُشَ" 4. أراد بالفُحش عُدْوَان5 الجوابِ لا الفُحْش الَّذِي هُوَ من قَذَع الكلام والفُحشُ زيادة الشيء عَلَى مقداره
ومنه قول الفقهاء: يصلى في دم البَراغيث إذا لم يكن فاحِشًا أي كثيرًا غالبًا وقال النُّمِرُ بن تولَبِ:
وقد تَثَلَّمَ أنيابِي وأدركني ... قِرنٌ عليَّ شَدِيدٌ فاحِشُ الغلبة6
__________
1 اللسان والتاج "أفن" وعزي للمخبل.
2 جزء من بيت جاء في اللسان "ذيم" والبيت:
وكنت مسودا فينا حميدا ... وقد لاتعدم الحسناء ذاما
وهو مثل جاء في الفاخر /155 وجمهرة الأمثال 2/398 ومجمع الأمثال 2/213, والمستقصي 2/256 واللسان "ذيم".
3 شرح الديوان /317.
4 رواه مسلم 4/1707 وغيره.
5 س: "عدو الجواب".
6 الديوان /37.

(1/321)


وقال امرؤُ القيس:
وجِيدٍ كجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفاحشٍ ... إذا هي نَصَّتْه ولا بُمعَطَّلِ1
جعل زِيادَةَ الجِيدِ عَلَى مقداره المُسْتَحْسن فُحشًا.
وَفِي خَبَرِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" قَالَتْ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالُوا: قَالُوا السام عليك قَالَ: "قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ" 3.
قَالَ أبو سليمان وهذا أحسن من رِواية مَنْ قَالَ وعليكم بالواو لأَنّ هذا مَعْناه رددتُ ما قلتموه عليكم وإذا أدخلتَ الواوَ صار المعنى فعلي وعليكم لأن الواو حرف الجمع4 والتشريك.
__________
1 الديوان /16. ونصته: مدته وأبرزته
2ساقط من م.
3 أخرجه مسلم في 4/1706 وغيره.
4 من ت, م.

(1/322)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيَّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آيَاتُ الإِسْلامِ قَالَ: "أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ إِلَى اللَّهِ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَنْ مُسْلِمٍ مُحْرِمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ" فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا دِينُنَا قَالَ: "هَذَا دِينُكُمْ وَأَيْنَ مَا تُحْسِنُ يَكْفِكَ" 1.
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ نا ابن عُلَيَّةُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عن أبيه عن جده.
__________
1 م: "بكفك" وفي الهامش: "أينما تحسن ماتعمله بيدك فاعمل ولاتنسه". أخرجه أحمد في مسنده 5/4, 5.

(1/322)


قوله: تَخَلَّيتُ معناه تَبَرَّأْتُ من الشِّركِ وانْقَطَعْتُ عنه وفي هذا حُجَّةٌ لَمنْ ذَهَب إلى أن المُشرِكَ لا يكون مُسلِمًا حتى يتكَلَّم بالشَّهادةِ ويتبرَّأَ من دِينهِ لأن بعضَ أهلِ الشرك يُؤمِن بالله وهو يُنِدُّ1 معه ويؤمن برسوِله وهو لا يراه خَاتِم الأَنْبياء.
وقوله: كل مُسلِم عن مسلم مُحرِم فإن المُحرِمَ في أشياء يقال أَحرَم الرجلُ إذا دخل في الحَرَم وأَحرَم إذا دخل في الشهر الحَرَام وأَحْرَم إذا اعْتَصَم بحُرْمَةٍ وقال الشاعر:
فَيَعلُم حَيَّا مالكٍ ولَفِيفُها ... بأَنْ لَستُ عن قَتْل الحُتاتِ بمُحرِم
وقال آخر:
قَتَلُوا ابنَ عَفَّانَ الخَلِيفَةَ مُحرِمًا ... ودَعَا فلم أَرَ مثلَه مَخذُولًا2
يريد أنهم قتلوه في الشَّهر الحرام. وقال زُهَيْر:
وكَمْ بالقَنان من مُحِلٍّ ومُحرِم3
والمحل: المحارب هاهنا والمُحرِم: المُسالِم.
ومعنى الحديث أَنَّ المُسِلمَ مُعتَصِم بالإسلام مُمتنِع بحُرْمِته مِمَّن أراد دَمَه أو مالَه.
وقوله: "أَخوان نَصِيران" معناه أنّ من حَقّ المُسلِمَيْن أن يَتعاونَا ولا يَتخاذَلا وهذا كقوله: "وهم يد على من سواهم" 4.
__________
1 يند معه: يتخذ معه أندادا.
2 ح: "مقتولا" بدل "مخذولا. وهو في اللسان والتاج "حرم" وعزي للراعي. وهو في ديوانه /144.
3 في الديوان /11. وصدره: "جعلن القنان عن يمين وحزنه". والقنان جبل لبني أسد.
4 أخرجه أبو داود في مواضع منها في الديات 4/181 والنسائي في 8/19 وأحمد في مسنده 1/122 وغيرهم.

(1/323)


وقوله: وأَينَ ما تُحْسِن يَكْفِك يقول لا تَعْجَز أن تَفْعَل خَيرًا وإن لم يكن عليك فرضًا.

(1/324)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ: "لا يَكُونُ لِرَجُلٍ إِبِلٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ثُمَّ جَاءَتْ كَأَكْثَرِ مَا كَانَتْ وَأَغَذِّهِ وَأَبْشَرِهِ فَوَطِئَتْهُ بِأَخْفَافِهَا" 1.
أَخْبَرَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إسحاقُ بن إبراهيم نا أَبو الأَشْعَثِ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ2 عَنْ أَبِي هريرة.
قوله: وأبشره يريد وأَحسَنه وأَسْمَنه والبَشارةُ الجَمالُ قَالَ الأَعْشَى:
ورأَت بأَنَّ الشيبَ خَالَطَه البَشَاشَةٌ والبَشَارَهْ3.
ويقال: رجل بَشِير أي جميل وامرأةٌ بَشِيرَةٌ من نِساءٍ بَشائِر. وقال جَرير:
يا بَشْرُ حُقَّ لوجهك التَّبشِيرُ ... هلا غَضِبت لَنَا وأَنتَ أمير4
__________
1 أخرجه مسلم 2/680, 681 وأبو داود 2/125 والنسائي 5/13 وغيرهم بنحوه في حديث طويل.
2 هامش س: "هو أبو عمر الغداني وفيل أبو عمرو ذكره ابن حبان في كتاب الثقات".
3 الديوان /76 ط دمشق وديوانه ط بغداد /57.
4 الديوان /301.

(1/324)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ أَتَتْهُ بِكَتِفٍ فَجَعَلَتْ تَسْحَلُهَا لَهُ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يتوضأ1.
__________
1 أخرجه السيوطي في الجامع الكبير 2/758 وعزاه إلى ابن عساكر في تاريخه بلفظ: "تسحاها" وذكره الهيثمي في مجمعه 1/253 بلفظ: "فجعلت أسحاها له وعزاه للطبراني في الكبير".

(1/324)


يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ نا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ.
قوله: تَسحَلُها أي: تَكْشِط ما عليها من اللّحم ومنه أُخِذَ المِسْحَل وهو المِبردُ ومن هذا ساحِلُ البحر وذلك أن الماء قد سَحَله جاء بلفظ فاعل ومعناه مَسحولُ ويُروَى فجعلتْ تَسْحَاها أي تَقشِرها
يقال: سَحوتُ الشيءَ أسحُوه وأسحاه ومن هذا سُمِّيت سِحاءَةُ القِرطاس وكذلك المِسحاةُ التي يُعمَل بها الطِّين.
وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: قول العامة ليس لمِسْحاتِك عندي طين خَطَأ إنما هُوَ ليس لسحاتك1 عندي طين.
__________
1 س: لسحائك.

(1/325)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا لِلْمُضَمَّرِ الْمُجِيدِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى يَزِيدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ.
المُضَمِّر هُوَ الَّذِي ضَمَّر خيلَه إذا أعدَّها لِغزْوٍ أو سِبَاق وهو أن يُظاهِر عليها بالعَلَفِ حتى تسمن وتَقوَى ثُمَّ لا تُعلَفُ إلا قُوتًا ليكون أَنْجَى لها وأَخفّ والمُجِيدُ صاحب الجِياد من الخَيْل يقال: رجل مُجِيد كما يقال:
__________
1 أخرجه النسائي في 4/174 بلفظ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام". وقد ذكره الهيثمي في مجمعه 3/194 بلفظ: "المضمر الجواد" ... عن معاذ بن أنس وعزاه لأبي يعلى وعن أبي أمامة ونحوه وعزاه للطبراني في الكبير.

(1/325)


مقو إذا كانت دوابه أَقْوياء ومُضعِفٌ إذا كانت ضِعافًا. وفي بعض الحديث: المُضعِف أَمِيرُ القوم1. وقال الفرزدقُ لجرير:
ولقد شَدَدتَ عَلَى المراغَةِ سَرْجَها ... ولقد نزلْتَ وأنتَ غيرُ مُجِيد2
أي غَير مُنجِب وقال آخر:
إنَّ النّجابةَ والإجادةَ فاعْلَمي ... عند العَقائل من بَنِي أَنمار 3
ومعنى الحديث أَنَّ الصائمَ يُباعِدُه الله من النّار مسافة سَبْعين سَنَةً رَكْضَ المضامير من الخيل.
__________
1 الفائق "ضعف" 2/340 برواية: "المضعف أمير على الصحابة" يعني في السفر لأنهم يسيرون بسيره. وفي النهاية "ضعف" 3/88 برواية: "الضعف أمير الركب".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط بيروت.
3 في هامش س: "والنجادة" بدل "والإجادة" والمثبت من م, ح, ط, ت.

(1/326)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَالْمُهَجِّرُ إِلَى الصِّلاةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي الْكَبْشَ ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سعدان نا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ2
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا
__________
1 البخاري 2/3, 14 ومسلم 2/582, 587 والنسائي 3/97-99 وغيرهم.
2 انظر صحيح مسلم 2/587.

(1/326)


ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ1 عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ.
وَأَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً" 2.
قد يعرض الإِشكالُ من هذا الحديث في مَوْضِعَين أحدهما قوله: مَنْ راح في الساعة الرابعة والخامسة لأَنَّه يوهّم جواز تأخير صَلاة الجمعة عن أول وقتها إلى الساعة الرابعة أو الخامسة وهذا فاسِدٌ.
والموضِع الآخر أنه لمّا فاضل بين الساعات جعل الرائحَ في الساعة الرابعة كَمَن أَهدى دجاجة وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ كمن أَهْدَى بَيْضَة واسمُ الهَدْي لا يقع عَلَى الدَّجاجة والبيضة غالبًا.
وأما الغَنَم فقد اختلف الفقهاءُ فيها فَقَالَ بعضهم: ليست بهَدي والأكثرون منهم يجعلونها هَدْيًا وثمرة هذا الخلاف أن يوجب الرجل عَلَى نفسه هديًا فإذا ذبح شاة أجزاه عن نَذْره في قولِ مَنْ رآها هَدْيًا ولا يُجزِيه في قول الآخرين إلا بَدَنةٌ أو بقرةٌ.
أما قوله: راح في الساعة الرابعة والخَامِسَة ففيه وجْهَان أحدهما
__________
1 التقريب 2/184: ابن أبي ذئب هو مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المغيرة القراشي العامري أبو الحارث المدني ثقة فقيه فاضل "ت158هـ".
2 أخرجه البخاري في 2/3 وأبو داود 1/96 وغيرهما.

(1/327)


ما ذَهَب إليه مالكُ بن أنس. أخبرني الحسنُ بنُ يَحْيى عن ابنِ المُنذِر قَالَ: كان مالِكُ بنُ أنس يقول في هذا الحديث: لا يكون الرواح إلا بعد الزَّوال قَالَ وهذه الساعات كلّها في ساعةٍ واحدةٍ من يوم الجمعة يذهَبُ إلى قولِ القائل جِئتُ منذ ساعة وقَعدتُ عند فلانٍ ساعةً وتحدَّثتُ معه ساعةً وما أشبه ذَلِكَ يريدُ به جُزءا من الزمان غَيَر مَعلُوم دُونَ الساعاتِ التي هي أوراد الليل والنهار وأقسامهما.
والوَجْهُ الآخرُ ما ذهب إليه محمدُ بن إبراهيم بن سعيد البُوشَنْجِيّ.
أخبرني أحمدُ بنُ الحُسيْن التّيمِيّ قَالَ: قَالَ أبو عَبْدِ الله قولُه: راحَ إلى الجُمُعة وهَجَّر إلى الجُمُعة في هذا الحديث إنما هُوَ بعدَ طلوعِ الشّمس كأنه يذهبُ إلى معنى القَصْد منه دُونَ الفِعْل وذلك أَنَّه إنما تُصلَّى الجُمُعة بعد الرَّواح فسُمِّي رائحًا بالقَصْد وهذا كما قيل للمتساوِمَيْن مُتَبايَعَان لِقَصْدِهما البَيْعَ وللمُقْبِلينَ إلى مكَّةَ حُجَّاج ولمّا يَحُجُّوا بَعْد وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ" 1 يُرِيد مَنْ أشرفَ عَلَى المَوْت ومثلُه كَثِير وزعم بعضُهم أَنَّ الرّائح هُوَ الخارِجُ عن أَهلِه وكلُّ مَنْ خرج في وقت من الأوقات فقد رَاحَ قَالَ وعلى هذا مَذْهَب العَرَب إذا أرادوا الرَّحِيل أيَّ وقت كان من ليلٍ أو نهارٍ قَالُوا: الرَّواح.
قَالَ أبو سليمان: والأَمرُ في هذا واضح غيرُ مُشكِلٍ والفَرقُ بين الأمْرين موجودٌ في مُسْتَفِيض كَلامِ النَّاس أَلا تراهم يَقُولُون غَدوْنا ورُحْنا إلى بَابُ فُلان وغَدوتُ إلى السُّوق ورُحتُ إلى أهِلي.
قَالَ الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ
__________
1 أخرجه مسلم 2/631 وأبو داود 3/190 والترمذي 3/306 والنسائي 4/5 وابن ماجه 1/464 وغيرهم.

(1/328)


وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} 1. وقال النابِغَةُ:
أمن آلِ ميّةَ رائحٌ أو مُغتدي2
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أمنْ آلِ نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فُمهَجِّر3
وكان أبو الدرْداء إذا رَأَى جنَازةً قَالَ: رُوحِي فإنّا غادون4 وهذا أبْيَنُ من أن يُستَشْهد له
فأما قَولُهم عند الرَّحِيل الرُّواح فإنَّما يقال ذَلِكَ لأَنَّ رِحيلَ المسافر إنّما يكون في الغالب وَقتَ الرَّواحِ والإِبْراد ثُمَّ كثرُ ذَلِكَ حتى استَجازوا أن يقولوه في غير حِينِه وهذا كقولهم في الاستغاثَةِ عند مُفاجَأة العَدُوِّ أيّ وَقْتٍ كانت واصَبَاحَاه لأن الغالِبَ أن العدوَّ إنما يُصبِّحُ القومَ ويأْتِيهم حالَ الغرة والأمن.
وأما قول ابن أَبِي رَبِيعة:
أيّها الرائحُ المُجدّ ابتكَارَا ... قد قضى من تِهامَة الأَوْطارا
ليتَ ذا الحجَّ كان فرضًا علينا ... كُلَّ يوميْن حِجَّةً واعْتِمارا5
فإنّه أراد الرّائح إلى منزله المُزْمِعَ الرَّحيلَ بُكْرةَ غَدِه.
وأما قَولُه: أَهْدَى دجاجةً وأَهدَى بيْضةً فمن المحمول عَلَى حُكْم ما تَقدَّمه من الكلام كقولكَ: أكَلْتُ طعامًا وشَرابًا والأكلُ إنما ينصرف إلى الطعام
__________
1 سورة سبأ: 12.
2 ملحق بالديوان /102.
3 الديوان /120.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/549 عن أبي هريرة بمثله.
5 الديوان /176.

(1/329)


دون الشَّراب إلا أَنّه لمَّا عُطِف به عَلَى المذكور قبلَه حُمِل عَلَى حُكْمِهِ كقول الشاعر:
ورأيْتُ بَعْلكِ في الوغَى ... مُتقلّدًا سيفا ورمحا1
والرمح لا يتقلد لكن يُحْملُ. وقال الآخر:
إذا مَا الغانِياتُ بَرزْنَ يَوْمًا ... وزَجّجْن الحَواجِبَ والعُيونا2
أي كحّلْن العُيونَ. ومثلُ هذا كَثِيرٌ
فأما حَدِيثُه الآخر في الجُمُعة أنه قَالَ: "مَن بَكر وابْتَكَر وغَسَل واغْتسل" 3. فقد قيل: إنه أراد به بكور الوقت وقيل وأراد إدْراكَ باكورة الخُطْبة وهي أوّلها.
وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري أنه قَالَ: أَرادَ تقدِيمَ الصَّدقة من قوله: "باكِرُوا بالصَّدَقة فإنّ البَلاءَ لا يتخَطَّاها" 4.
وقوله: غَسَل فقد قيل: أراد غَسْل أَعضاءِ الطَّهارة وقيل أراد غَسْلَ الرأسِ لِمَا في رؤوس العرب من الشَّعَر وقِيل معناه جامع أهله من قولهم فحلَ غُسَلَة إذا كان كثير الضِّراب
وقوله: اغْتَسَل أراد غَسْلَ سائرِ البَدَن. وقال الأثرَمُ هما لفظان بمعنى واحدٍ كُرِّرَا للتَّأكيد أَلا تراه يقول في هذا الحديث: "ومَشَى ولم يَرْكب" وفي خبر آخر: "واسْتَمَع وأَنْصَت". وهذا كُلّه واحِد.
__________
1 اللسان والتاج "قلد". وينسب لعبد الله بن الزبعري.
2 اللسان والتاج "زجج". وينسب للراعي النميري.
3 ت والنهاية 2/148: "بكر بتشديد الكاف. وأخرجه أبو داود 1/95 والنسائي 3/97 وابن ماجه 1/346 والدارمي 1/363 وابن خزيمة 3/128 وغيرهم.
4 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/457 وعزاه للطبراني في الأوسط عن علي.

(1/330)


وأما قوله: فالمُهَجِّر إلى الصلاة فإنّ أكثر الناس يذهبون في معناه إلى أنّه من الهَاجِرَة وقت الزوال.
وقد روى أبو داود المَصاحِفِيّ عن النَّضْرِ بن شُمَيْل قَالَ التَّهجِيرُ إلى الجُمُعة وغيرِها التَّبْكِيرُ قَالَ: سمعتُ الخلِيلَ يقول ذَلِكَ في تفسير هذا الحديث.

(1/331)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي الَّذِي يَرْوِيهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ سَرِيَّةً فَلَقَوُا الْعَدُوَّ فَجَاضَ الْمُسْلِمُونَ جَيْضَةَ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله: أنتم العَكَّارون يريد أَنتُم الكَرَّارُون والعَكْرُ الانْصراف2 بعد المُضيّ. يقال: عَكَرْتُ عَلَى الشيء بمعنى عَطفتُ عليه. قَالَ الشاعر:
لما رأيت النفس جاشت عكرتها ... على مسحل وأي ساعة معكر
وأخبرني ابنُ الزِّئبَقِيّ نا محمد بن يونس الكُدَيْمِي نا الأصمعيّ قَالَ: رأيت أعْرابيًّا وهو يَفْلي ثوْبَه فجعل يلتَقِط البَراغِيثَ ويدعُ القَمْلَ فقلت له أتأخذُ هؤلاء وتَدَعُ هَؤُلاء قَالَ: أبدأُ بالفُرسان ثُمَّ أَعكِرُ عَلَى الرَّجَّالةِ.
وقوله: جَاضَ المُسْلمون جَيْضةً3 فسّره أبو عُبَيْد ومعناه مالوا مَيْلةً وحادوا حيدودة.
__________
1 أخرجه الترمذي 4/215 وأحمد 2/70, 100, 111 بلفظ: "خاص".
2 ط: الاصراف.
3 ليست في ت, م, ط, ح.

(1/331)


وحدثناه ابنُ دَاسَة نا أبو داود نا أحمد بن يُونُس نا زُهَير نا يزيدُ بن أبي زِياد بإسنادِه مثله وقال: حاصَ النّاسُ حيْصة1. وهما سَواء.
يقال: حاص الرجل عن الشيء وجاض عنه إذا حاد عنه حذرا أو خوفا. قال أبو عبيدة: خرج أعرابِيٌّ وكانت له امرأةٌ تَفْرَكُهُ وكان يصلفها فأتبعته نواة وقالت شَطَّت نَوَاك ونَأَى سَفَرُك ثم أتبعته رؤثة وقالت رَثَيْتك وراثَ خَبرك ثُمَّ أَتبعَتْه حَصاةً وقالت حاصَ رِزْقُكَ وحُصَّ أَثَرُكَ.
وقوله: "أنا فِئَتُكُمْ" تأويل قوله جل ثناؤه: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} 2 يمهد بذلك عذرهم.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/46.
2 سورة الأنفال: 16.

(1/332)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ يَتَبَهَّنُونَ بِهِ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ الرَّاوِي لَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْهُ وأَحسِبه غلطًا إنّما هُوَ فيما أحْسِبه يتَبهْنَسُون به. والتَّبَهْنُس: كالتَّبخْتر في المَشْي يُرادُ أنهم كانوا يَقُودون به راحِلتَه عَلَى رُودٍ ومَهَلٍ فَيَحْكُون سِيرةَ المُتَبَخْتِر ويشبه أن يكون الكاتِب قد مَشَق السِّين من يَتَبهْنَسُون فتوهّمه الرّاوي يتبهَّنُون.
ورَوَى الواقِدِيّ عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلم الزُّهْرِي في إسناد له أَنَّهم أخرجوا دُرَيدًا يوم حُنَين يقاد به في شَجارٍ فَقَالَ: بأيّ وادٍ أنتم قالوا:
__________
1 النهاية 1/169.

(1/332)


بأَوْطَاس قَالَ: نِعْمَ مَجالُ الحَرْب1 لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دهس ما لي أسمعُ رغاءَ البَعِير ويُعارَ الشَّاء.
قيل ساق مالكُ بنُ عَوْف مع الناس الظُّعُن والأَموالَ فَقَالَ: ما هذا يا مالك قَالَ: أردتُ أن أُحفِظ الناسَ وأن يُقاتِلوا عن أَهْليهم وأموالِهم فأَنْقَض به. وقال راعي ضأن ما له ولِلْحرْب وقال: أنت مُحِلٌّ بقَوْمِك وفاضحٌ عورتَك2 لو تركتَ الظُّعْن في بلادهم والنَّعَم في مَرِاتعها ثُمَّ لِقيتَ القومَ بالرِّجال عَلَى متُونِ الخَيْل والرّجّالة بين أضعاف الخيل أو متقدّمةً دَرِيَّةً أمام الخيل كان الرأي3.
الشِّجار: مَرْكب يُهيَّأ للنِّساء وهو أَعوادٌ يُخالَف بينها وهو المِشْجَرُ أيضًا فإن غَشِي بغِشاء صار هَوْدَجًا والضَّرِسُ الخَشِنُ الَّذِي يَعْقِرُ القوائمَ. والدَهِسُ اللَّيِّن الَّذِي تَسوخُ فيه الأَرجلُ قَالَ الأصمعيُّ: الدَّهَاسُ كل لَيّنِ لَيْس يَبلُغ أن يكون رَمْلًا وليس بتُراب ولا طيْنٍ والظُعُنُ النساء يقال للمرأةِ الظَّعِينَةُ لأَنَها تَظْعَنَ مع زوجها إذا ظعَن وقوله: أُحفِظ النَّاسَ أي أَذْمِرُهم للحرب من الحفيظة يقال هذا أمر محفظ4.
قَالَ الشاعر:
وتَرفَضُّ عندَ المُحْفِظَاتِ الكتَائِفُ5
وقوله: أَنْقَضَ به أي صَفَّق بإحدى يَدَيْه عَلَى الأُخرى حتى سُمِع لها نَقِيض وهو الصّوْت ويقال: بل أراد بالإنقاض أن ينقر بلسانه في فيه كما
__________
1 الفائق 1/138 وهامش م بلفظ: "الخيل" بدل "الحرب".
2 ت: "وفاح بعورتك".
3 المغازي للواقدي 3/886-888 والسيرة لابن هشام.
4 ت: "محفوظ".
5 اللسان والتاج "رفض" ومقاييس اللغة "كتف" 5/160 وعزي للقطامي وهو في ديوانه /55 وصدره:
أخوك الذي لاتملك الحس نفسه

(1/333)


يزجر الحمار ونَحوُه وراعِي ضَأنٍ يَسْتَجْهِله وَيُقَصّر1 به عن رُتبة من يَقودُ الجيوش ويَسوسُها. ويُقال: أجْهلُ من راعي ضَأن. وقوله: أنتَ مُحِلٌّ بقَومِك يريد أَنَّك قد أبحْتَ حَرِيمَهم وعرَّضْتَ بهم للهلاك. يقال: أحلّ الرَّجلُ إذا خرج من حُرْمةٍ كان فيها فهو مُحِلُّ وأَحْرم إذا اعْتَصَم بحُرْمة فهو مُحِرم قَالَ زُهَيْر:
وكَمْ بالقَنان من مُحِلٍّ ومُحْرِمِ2
أراد بالمُحِلّ الَّذِي يحلُّ قَتلُه وبالمُحرِم الَّذِي يَحرُم قتلُه.
وقوله: دَرِيَّةً أمام الخيل أي مُقدِّمة لها وستْرًا دونها. والدَّريَّةُ البعير الَّذِي يستَتِر به الرَّجل إذا أراد أن يرمِيَ الوحْشَ فيتركَه يرعَى مع الوحْش حتى إذا بَسِئَت به3 الوحش وأمكنت من مقاتلها رماها وهي الذَّرِيعة أيضًا قَالَ الشاعر:
وَلِلْمَنيَّةِ أَسْبَابٌ تُقَرّبُهَا ... كما تُقَرِّبُ للوحشية الذرع4
وأما الدريئة مهموزة فالحَلْقة التّي يُتعلّم عليها الطِعانُ قَالَ عَمرُو بنُ مَعْد يكرب:
ظللت كأني للرماح درئية ... أُقاتل عن أبناء جَرْمٍ وَفَرَّت5
وفي يتبهَّنون وجْهٌ آخر وهو أن تكون الرَّواية يتيمَّنُون به: أي يَتَبَرَّكون بَرأيه ومَشْهدِه أو يتَهَّبْون به قَالَ الأصمعي: جاء فلان يتهبى إذا
__________
1 س: ويستقصر.
2 الديوان /11 وصدره: "جعلن القنان عن يمين وحزنه" وقد تقدم في اللوحة 116.
3 ح: "نشئت". وبئست به: انت.
4 اللسان والتاج "ذرع" دون عزو.
5 الديوان /45 ط بغداد. وديوانه ط دمشق /55 وأوردا روايات أخرى.

(1/334)


جاء ينفُش يديْه والأَوّل أشبَه والله أعلم. ويدل عَلَى ذلك ما رواه إبراهيم بن مسعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حضر حُنَينًا دريدُ بن الصّمّة شيخٌ كبير فانٍ ليس فيه شيءٌ إلا التيمُّنَ برأيه ومَعرفتهِ بالحرب وكان شيخًا مُجربًا مِحْرَبًا1.
__________
1 السيرة لابن هشام 4/60 والمغازي للواقدي 3/688. وهو من ت, م.

(1/335)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيَّ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَوْتًا بِاللَّيْلِ يَعْنِي رَجُلا يَقْرَأُ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ: "أَتَقُولُهُ: مُرَائِيًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أتقُولُه: يريد أَتظُنُّه قَالَ الشاعر:
متى تَقُولُ القُلُصَ الرَّوَاسِمَا ... يَلْحقْنَ أمَّ عَاصمٍ وَعَاصَما2
أي متى تَظُنّ القُلُصَ تلْحَقُهما ولذلك نَصَب القُلُصَ.
قَالَ الفرّاء: العرب تجعل ما بعْد القول مَرْفُوعًا عَلَى الحِكاية فتقول قلتُ عبدُ الله ذاهب وقلت إنك قائِم هذا في جميع القَوْل إلا في أَتَقُول وَحْدَها في حرفِ الاستفهام فإنّهم يُنزّلُونها مَنْزلةَ أتظُنّ فيقولون أتقول: إنك خارج ومَتَى تَقُولُ إنّ عَبْد اللهّ منطلق وأنشد:
أَمَّا الرَّحيلُ فدُونَ بَعْد غَدٍ ... فمتَى تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا3
بنصب الدّار كأنّه قَالَ فمتى تَظُنُّ الدار تجمعنا.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/485 والإمام أحمد في 5/349.
2 اللسان والتاج "قول" برواية: "يدينين أم قاسم وقاسما" وعزي لهدبة بن خشرم.
3 اللسان "رحل" دون عزو.

(1/335)


وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أن رسول الله أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبِ فَقَالَ: "الْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ" ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ.1
قوله: "البِرَّ تَقولُون بهِنّ" معناهُ البِرّ تظنون بهن.
__________
1 أخرجه البخاري في 3/63 وغيره.

(1/336)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّاسَ قُحِطُوا عَلَى عَهْدِهِ فَخَرَجَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا1 ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ضَاحَتْ بِلادُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا اللَّهُمَّ ارْحَمْ بَهَائِمَنَا الْحَائِمَةَ وَالأَنْعَامَ السَّائِمَةَ وَالأَطْفَالَ الْمُحْثَلَةَ".2 فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ نا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَزِيعٍ الْخَفَّافُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنِي سَلامُ بْنُ سَلَمَةَ وكان يقرىء عُمُومَتِي فِي زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
قوله: ضاحت بِلادُنا إنما هُوَ فاعَلَت من ضَحَا المكان إذا بَرَز للشمس وَضَحِيَ الرجلُ يَضْحَى إذا أصابه حَرُّ الشَّمس قَالَ الله تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 3 والضَّحَيانُ: البارِزُ للشَّمس يريد أنّ السَّنَة قد أحرقَتِ النَّباتَ والشجَر فبرزت الأرض للشمس.
__________
1 س, ط: فيهما.
2 النهاية "حثل" /399 "ضحا" 3/77 "حوم" /465.
3 سورة طه: 119.

(1/336)


وقوله: هامت دوابُّنا أي عَطِشت. والهيمان العطشان والحائمة: هي التّي تنْتابُ أماكنَ الماء فتحومُ عليه أي تطوف ولا تَرِدُ يُرِيد أنّها لا تجد ماء تَرِدُه.
وأخبرني ابنُ الفارسيّ حدثني بعضُ شُيوخِنا عن الزُّبَير بن بَكَّار قَالَ: كان عُمرُ بنُ أبي ربيعة عَفِيفًا يَصِفُ ويَقِفُ1 ويَحُومُ ولا يَرِدُ قَالَ الشاعر:
وإنّ بِنَا لو تَعْلمِينَ لَغُلّةً ... إِلَيكِ كَما بالحَائِمَاتِ غَليلُ
والأطفال المحثَلَة هم الذين انقطع رضاعهم والحَثْلُ: سوء الرضاع.
قَالَ ذو الرُّمَّة:
بِهَا الذِّئبُ مَحْزُونًا كأَنّ عُوَاءَه ... عُوَاءُ فَصِيلٍ آخِرَ اللّيل مُحْثَلِ2
والحَثْل أيضًا: سوءُ الحال ومنه قيل لِرُذالةِ النّاس الحثالة ويقال: للصبي السيىء الغِذاء الجَحِن والجَدِع قَالَ أَوسٌ:
تُصْمتُ بالماءِ تَوْلبًا جَدِعَا 3
يقول تُسكِتَ ولدها بالماء من الجوع4.
قَالَ أبو زيد: والجَحِنُ5 البطيء الشباب وهو المُقَرقَم قَالَ الراجِز:
__________
1 ط: "ويعف".
2 الديوان /515.
3 الديوان /515 وصدر البيت: "وذات هدم عار نواشرها". والبيت في اللسان "تلب". يصف صبيا.
4 من ت.
5 س: "الحجن" بتقديم الحاء على الجيم. والتصويب من الهامش وكتب اللغة.

(1/337)


أَشْكُو إلى الله عِيَالًا دَرْدقَا ... مقرقمين وعجوزا سملقا1
__________
1 س: "سملقا" والمثبت من باقي النسخ والرجز في اللسان "قرقم" ولم يعزه والسملق: الفقيرة.

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِهِ فَقَدِمُوا بِلَحْمٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَحَيَّشَتْ أَنْفُسُ أَصْحَابِهِ مِنْهُ وَقَالُوا: لَعَلَّهُمْ لَمْ يُسَمُّوا فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: "سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا" 1.
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قوله: تَحيَّشت معناه نَفَرت يقال: حاشَت نفسُه تَحِيشُ حَيْشًا وسمعتُ بعضَهم يرويه تَجيَّشَتْ بالجِيم فإن صحّ فمن قولهم جاشَتْ نَفْسُه أي خَبُثَت وجاشَت نفْسُ الجَبانِ إذا ارتدّتْ من الرُّعُب قَالَ الشاعر:
وجاشَتْ إليَّ النَفْسُ أوَّلَ مرَّةٍ ... فردت على مكروهها فاستقرت
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/480 بلفظ: "فأنفت" بدل "فتحيشت".

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ عَرِبَ بَطْنُهُ فَقَالَ: "اسْقِ ابْنَ أَخِيكَ عَسَلا" 1.
يَرْوِيهِ يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أبو زَيْد: يُقال عَرِبَتْ مَعِدتُه تعرب عربا وذريت ذريا فهي عَرِبَةٌ وذَرِبَةٌ أي فسَدَت.
__________
1 أخرجه مسلم 4/1737 وأحمد 3/19.
2 ح: ابن الصديق الناجي "تحريف" وفي التقريب 2/437 أبو الصديق "بتشديد الدال المكسورة" هو بكر بن عمر الناجي بالنون والجيم.

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْتُ مَعَهُ فَدَخَلَتْ شَاةٌ لِجَارٍ لَنَا فَأَخَذَتْ قُرْصًا تَحْتَ دَنٍّ لَنَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا

(1/338)


فَأَخَذْتُهُ مِنْ بَيْنِ لَحْيَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا كَانَ يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُعَنِّقِيهَا إِنَّهُ لا قَلِيلَ مِنْ أَذَى الْجَارِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ هَارُونَ النَّوَّاءُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ نا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
التَّعِنيقُ الأخْذُ بالعُنُق مع شدّة العَصْر لها وبه سُمّي جُحْرُ الضّبّ العانِقاء وهو جُحْرٌ مملوءٌ تُرابًا فإذا خاف شيئًا دخل تحت ذَلِكَ التّراب فتعنَّق: أي دَسَّ عُنقَه فيه ومضى حتّى يتوارى2.
ورواه لي بعضهم تُعنّكيها وفسره من قولهم اعتَنك البعيرُ إذا ارتطم في رمْل لا يقْدر عَلَى الخلاص منه ولا أراه محفوظا.
__________
1 ذكر الهيثمي الفقرة الأخيرة: "لا قَلِيلَ مِنْ أَذَى الْجَارِ" في مجمعه 8/170 وقال: رواه الطبراني وأخرج البخاري في الأدب المفرد قصة شبيهة بهذه عن عائشة. انظر فضل الله الصمد 1/212.
2 في الفائق 3/33: ويجوز أن يكون التعنيق بمعنى التخييب من العناق وهو الخيبة. ولو روى: تعنفيها "بالفاء" من العنف لكان وجها.

(1/339)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَبْسُطَ 1 اللَّهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ قَالا: نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك.
__________
1 ت: "أن يبسط له في رزقه".
2 أخرجه البخاري 3/73 ومسلم 4/1982 وأبو داود 2/133 وغيرهم.

(1/339)


قوله: يُنسَأ في أَثَره ومعناه يُؤَخَّر في أجله وسُمِي الأجّلُ أَثَرًا لأنه تابعُ الحياة وسائِقُها. قَالَ كَعْبُ بنُ زُهَيْر:
يَسْعَى الفتَى لأُمُورٍ ليس يُدْرِكُها ... والنَفْسُ وَاحِدَةٌ وَالَهمُّ مُنْتَشرُ
والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ له أمَلٌ ... لا تَنْتَهِي العَينُ حتى يَنْتَهِي الأثَرُ1
__________
1 شرح الديوان /299.

(1/340)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُجَارِ أَخَاكَ وَلا تُشَارِهِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ أنا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ عَمْرٍو يَرْفَعُهُ.
قوله: "لا تُجارِ أخاك" هُوَ من الجِراء في الخيْل وهو أن يتجارى الرجُلان للمسابقة يقول: لا تطاوِلْه ولا تُغالبْه ويروى عن بعض الحكماء أنّه سئل ما الحِلْمُ فَقَالَ أن تكون ذا أناةٍ وأن تلاين الولاة فقيل: ما الخُرْق قَالَ: مجاراةُ أميرك ومُمَارَاةُ مَنْ يَضِيرك.
وقوله: "لا تُشارِه" أي لا تلاجِّه يقال: قد اسْتشْرى الرجلُ إذا لجَّ في الأمر فإن شددته كان وزنه مُفاعلةً من الشّرّ قَالَ الأصمعيّ: سأل أبو الأسود الدّؤلي عن رجل فَقَالَ: ما فَعلَتِ امرأتُه التي كانت تُشارّه وتُهارُّه وتزاره وتماره فتُشارُّه من الشَّرِّ وتُهارُّه من الهَرِيرِ وتُزارُّه من الزَّرِّ وهو العَضُّ وتُمارُّه معناه تَلَوّى عليه ومنه الشيء المُمَرُّ وهو المَفْتُول.
__________
1 كذا في الفائق 1/203 بتخفيف الراء في الكلمتين وقال الزمخشري: "ورويا متشددين". وفي النهاية 1/258 بتشديد الراء فيهما ... ويروى بتخفيف الراء من الجري والمسابقة وذكره السيوطي في الجامع الصغير 6/389 وعزاه لأبي الدنيا في ذم الغيبة.

(1/340)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي تَرْوِيهِ قَيْلَةُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "أَيُغْلَبُ أُحَيْدُكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه مَا هُوَ بِهِ أَوْلَى اسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ رَبِّ أُسْنِي مَا أَمْضَيْتَ وَأَعِنِّي عَلَى مَا أَبْقَيْتَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ قَالُوا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا عُلَيْبَةَ أَنَّ قَيْلَةَ أَخْبَرَتَهُمَا بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: "أُسْنِي" مَعْنَاهُ عَوِّضْنِي. وَالأَوْسُ الْعِوَضُ.
قَالَ رُؤْبَةُ:
أُسْنِي فقَدْ قَلَّتْ رِفَادُ الأَوْسِ2
وَيُقَالُ: أَنَا أَسْتَئِيسُ3 اللَّهَ مِنْكَ أَخًا أي أَسْتَبْدِلُهُ بِكَ أَخًا وَاللَّهُ مُسْتَأَسٌ أَيْ مُسْتَعَاضٌ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
لَبِسْتُ أُنَاسًا فَأَهْلَكْتُهُمْ ... وَأَفْنَيْتُ بَعْدَ أُنَاسٍ أُنَاسَا
ثَلاثَةُ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهُمْ ... وَكَانَ الإلَهُ هُوَ الْمُسْتَآسَا4
وَرُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ الْمُقْرِي فَقَالَ رَبِّ أثبني مكان قوله: أسني
__________
1 ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة 4/391-393 في ترجمة قيلة: بلفظ: "إحداكن أن تصاحب" وبلفظ: "رب أنسني ما أمضيت" وعزاه للطبراني وابن مندة.
2 الديوان /74 وقبله: "ياقائد الجيش وزين المجلس".
3 م: "اسنيأس".
4 الديوان /77, 78 واللسان أوس

(1/341)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ سَمِعْتُ جَدَّتَّي صَفِيَّةَ وَدُحَيْبَةَ ابْنَتَيْ عُلَيْبَةَ عَن قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ فَقَالَ1: "رَبِّ أَثِبْنِي عَلَى مَا أَمْضَيْتَ وَأَعِنِّي على ما أبقيت".
__________
1 م: "فقالت".

(1/342)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَوْلٍ لا يُسْمَعُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ.
قوله: "لا يُسْمَع" أي لا يُجابُ ولا يُقْبَلُ. ومنه قول المُصَلّي سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه معناه الدُّعاءُ بقَبُولِ الحَمْد واستجابةِ الدُّعاء. قَالَ شُتَيرُ بن الحارث الضّبيّ:
دَعَوْتُ الله حتّى خِفْتُ ... أَلا يكونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ2
قَالَ أبو زَيْد معناه يَقبَل ما أَقولُ. وعلى هذا المعنى يُتأوَّل قولُهُ تعالى: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} 3. يريد والله أعلم الكُفّارَ أي إنك لا تقدِرُ أن تَهْدِيَهم وتوفقَهم لقبول الحق وقد كانوا يسمعون كَلامَ الله بآذانِهم إذا تُلِي عليهم إلا أنهم إذ لم يقْبلُوهُ4 صاروا كأَنْ لم يسمَعُوه. قَالَ الشاعر:
أصَمُّ عَمَّا ساءه سميع5
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 10/439 والنسائي 8/264 وأحمد 3/192, 255, 283 وغيرهم.
2 اللسان "سمع".
3 سورة الروم: 52.
4 س: "إلا أنهم إذا لم يقبلوه" والمثبت من م.
5 اللسان والتاج "صمم".

(1/342)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا" 1.
فيه قولان: أَحدُهُما أن يكون معنى الوراثة فيهما أن تبقَى صحَّتهُما عند ضعْف الكبَر فيكونا وارثي سائرِ الأَعضاء والباقِيَيْن بعدها.
وقال نَضْر بن شُمَيْل: معناه أَبقِهما معي حَتَّى أَمُوت. وقال غيره: أراد بالسَّمع وَعْيَ ما يسمَع والعَمَل به وبالبصر الاعتبار بما يرى ويبصر2. والآخر أن يكون دعا بذلك للأعقاب والأولاد والأَولُ أَصحُّ.
وقوله: "واجعلهُ الوارث" بلفظ الواحِد وقد تقدّم ذكر الأَسْماع والأَبصار بلفظ الجماعة فيه وجهان أحدهما أن تكون الهاء راجعة إلى ضمير الفِعْل وهو الاستِمْتاع3 بهما. والوجْهُ الآخر أن تكون الإشارة بها إلى واحدٍ واحدٍ من كلِّ سَمْعٍ ومن كلّ بَصَر. قال الشاعر:
إن شرخ الشبهاب والشعر الأس ... ود ما لم يعاص كان جُنُونا4
ولم يَقُلْ: يُعاصَيَا لأنّه أرادَ ما لم يُعاص كل واحد منهما.
__________
1 أخرجه الترمذي 5/528 وعبد الرزاق في مصنفه 10/441 بلفظ: "بسمعي وبصري" وغيرهما.
2 ساقط من ط.
3 م: الاستماع.
4 اللسان والتاج "شرخ" وعزي لحسان بن ثابت وهو في ديوانه /252.

(1/343)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاعِ وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَيَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصدقة1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/3 وفي الأدب 4/255 والإمام أحمد 6/58, 222.

(1/343)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ قَالا نا شريك عن أبي الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
التِّلاعُ: جَمْعُ تَلْعَةٍ وهي مَسِيل الماءِ من فوق إلى أسْفل. ويُقال لِمَا ارتفع من الأَرض تَلعَةٌ وكذلك لما انخفض منها. والبَداوةُ الخُروجُ إلى البادية وفيها لَغَتان قَالَ أبو زَيْد البِداوة والحِضارة بالكَسْر. وقال الأصْمعيّ البَداوة والحَضارة بالفَتْح وأنشد:
فَمن تَكُن الحَضَارَةُ أعجَبْتهُ ... فأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرانَا1
والناقةُ المُحرَّمة: هي التي لم تُرْكَبْ ولم تُذلَّل ويقال سَوْطٌ مُحرَّم وهو الَّذِي لم يُكْمَل دِباغُه قَالَ مالك بن خُرَيْم:
فإنّ قليلَ المالِ للمرءِ مُفْسِدٌ ... تحزُّ كما حَزَّ القَطِيعُ المُحرَّمُ2
وذلك أنه إذا لم يُبالَغْ في دباغه كان أشدَّ لضرْبه. ويقال أَعْرابيّ مُحرَّم إذا لم يُخَالط أهلَ الحَضَر قَالَ أبو العَبَّاس ثَعْلَب: قَالَ أبو عُبَيْدة أنشد الأخفَشُ أبو الخطّاب أَبَا عَمْرو بن العلاء:
قالت قتيلة: ما له قد ... جُلِّلَتْ شَيبًا شوَاتُهْ3
قَالَ أبو عُبَيدة: قَالَ أبو عَمروٍ لأَبِي الخَطَّاب لمّا أنشده شواته صَحَّفْتَ إنما هي سَرَاتُه ولكنّك رأيت الراءَ منتفِخَةً فصيَّرتَها واوًا قَالَ فغَضِب أبو الخَطَّاب وأَقْبل عليَّ فَقَالَ بل هُوَ شَواتُه وإنّما هُوَ الَّذي صَحَّف وقال:
__________
1 اللسان والتاج "حضر" وعزي القطامي وهو في ديوانه /76 برواية: "فأي أناس بادية ترانا".
2 حماسة المرزوقي 3/171.
3 اللسان والتاج "شوا". ونسب للأعشى ولم أقف عليه في ديوانه ط دار مصادر وعزي لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان في شرح مايقع فيه التصحيف والتحريف 73, 74.

(1/344)


والله لقد سمعتُ هذا باليَمامة من عِدّةٍ من الناس
قَالَ أبو عُبَيْدة: فأخذنا بقول أبي عمرو فَما مَضَت إلا أيّامٌ حتّى قدم علينا رَجلُ مُحرَّمٌ من آلِ الزُّبيْر فسمعْته يُحدِّث بحديثٍ فَقَالَ اقشعرّت شَواتِي فَعلِمت أنّ أبا الخطّاب وأبا عمرو أَصابَا جميعًا وسَراةُ كلّ شيء أعلاه.

(1/345)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ وَتَقَعُ مِنَ الْجَائِعِ مَوْقِعَهَا مِنَ الشَّبْعَانِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَسْوَاسُ2 نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
قوله: "تقع من الجائع موقعها من الشّبعان" يُتأَوَّل عَلَى وجْهَيْن أحدهما أنّ شِقّ التَّمرة لا يُغني من جُوعٍ ولا يَبِينُ له كبيرُ مَوْقِع3 من الجائع إذا أكله كما لا يَبِين أثرُه عَلَى الشبْعان إذا تناوَله يقول فلا تَعجِزوا أن تَتَصدَّقوا به مع قِلّةِ خَطَره وعدَم غَنائِه. والوَجْهُ الآخر أن هذا القَدْرَ من الطّعام وإن كان يسيرًا فإن فيه عَلَى قِلَّتِهِ ما يمسك من الرمق كما أن له أن يكِظّ عَلَى الشِّبَع يقول: فلا تستَقِلُّوا من الصدقة شيئًا وإن قَلَّ فإنّ القليلَ منه إذا اجتمع إلى مثله لم يلبث أن يُشْبِع الجائع.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 3/105 وقال: رواه أبو يعلى والبزار.
2 س: "الوساوسي" والمثبت من ت, م, ط, ح.
3 س: "موضع".

(1/345)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَمْدُ رَأْسُ الشُكْرِ مَا شَكَرَ اللَّهَ عَبْدٌ لا يَحْمَدُهُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ تَحَدَّثَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو عن رَسُول الله.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الحمد: نوع والشُكر جِنْس فكلّ حَمْدٍ شُكْرٌ وليس كل شُكْرٍ حمدًا. وهو عَلَى ثلاث منازل شُكرُ القَلْب وهو الاعتقاد بأن الله وليّ النِعَم قَالَ الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} 2.
وشُكْرُ اللسان وهو إظْهارُ النِّعْمة بالذِّكْر لها والثَّناءِ عَلَى مُسْدِيها. قَالَ الله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 3 وهو رأس الشكر المذكور في الحديث وشكر العمل وهو إدآب النفس بالطاعة قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} 4. وقام رَسُول الله حتى تَفطَّرت قدماه فقيل له يا رَسُول الله أليس قد غَفَر اللهُ لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخَّر قَالَ: "أفلا أكونُ عَبدًا شَكُورًا". وقد جمع الشَّاعُر أنواعَه الثلاثَة فَقَالَ:
أفادَتْكم النَّعْماءُ مِنّي ثلاثةً ... يَدِي ولِسانِي والضَّمِيرَ المُحجَّبا
ويقالُ: إنّ الحمدَ ما كان على غير مقابلة والشُّكرَ عن مقابلة5
__________
1 مصنف عبد الرزاق 10/424 وذكره السيوطي في الجامع الصغير 3/418 وعزاه أيضا للبيهقي.
2 سورة النحل: 52.
3 سورة الضحى: 11.
4 سورة سبأ: 13.
5 كذا في س ولم يرد في ت, م, ط, ح وجاء في الفائق للزمخشري "حمد": الشكر لايكون إلا على نعمة وهو مقابلتها قولا وعملا ونية وذلك أن يثني على المنعم بلسانه ويدئب نفسه في الطاعة له ويعتقد أنه ولي النعمة ... وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل وهو شعبة واحدة من شعب الشكر وإنما كان رأسه لأن فيه إظهار النعم والنداء عليها والإشادة بها. والبيت في الفائق دون عزو.

(1/346)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِشَكْوَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: خَرَجَ عَلَى حِمَارِهِ يَعْفُورَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَدِيفُهُ فَمَرَّ بِمَجْلِسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ إِنَّمَا هِيَ سِبَاخٌ وَبَوْغَاءُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ جَاءَتِ الْعَجَاجَةُ فَجَعَلَ ابْنُ أُبَيٍّ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ يَذْهَبُ مُحَمَّدٌ إِلَى مَنْ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ بِلادِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَكَانَ قُدُومُهُ كَثَّ مِنْخَرِهِ فَلا يَغْشَاهُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الأصمعيُّ: البَوغاءُ التُرْبةُ الرِّخوةُ التي كأنها ذَرِيرة قَالَ أبو زيْد: الدَّقعاءُ والتَّرباءُ والثَّرياءُ التُراب وأُراه قَالَ اللَّيِّن قَالَ عمُر بن أبي ربيعة:
في ظلّ دَانِيَةِ الغُصُون ... وريقَةٍ نبتَتْ بأبْهِر طَيِّب الثَّرْياء2
وقوله: كَثَّ مِنْخَرِه إنما هُوَ بمنزلة قولك رَغْم أنفِه قَالَ الشاعر:
ومَولاكَ لا يُهْضَم لَدَيْك فإنّما ... هَضِيمةُ مَولَى القَومِ كَثُّ المَناخِر
وأُرَى أصْل هذا من الكَثْكَث وهو التُّرابُ يقال للكاذب بِفِيه الكَثْكَثُ والكِثْكِثُ يقال ذَلِكَ بفَتْح الكَاف وكَسْرِها وحكى اللحياني عن أعرابي فصيح أنَّ رجلًا قَالَ له ما تصنع بي قَالَ ما كَتَّك وأرغمك هكذا قَالَ بالتاء التي هي أخت الطاء ويشبه أن يكونا لغتين3 وإنما سُمِّي حِمارُه اليَعْفُور لعُفرةِ لونِهِ والعُفْرةُ حُمرةٌ يخالطها بياضٌ يقال: أعفر
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وهو في النهاية 1/162.
2 الديوان /467.
3 من ت, م.

(1/347)


ويعْفورٌ وأخضَرُ ويخْضُور وأَصفَر ويَصْفُور وأَحَمُّ ويَحْموم قَالَ الشاعر:
عيدانُ شَطَّي دِجْلةَ اليَخْضُورِ

(1/348)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ أَصْلٌ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْعَلْ لَهُ بِهَا أَصْلا وَلَوْ قَصَرةً" 1.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ2 نا كَثِيرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
أراد بالقَصَرة النَّخْلةَ وتُجمع عَلَى القَصَر والقَصَرات. وقرأ الحسنُ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} 3 فسروه كأعناق النخل.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 3/301 بدون لفظ: "ولو قصرة". وعزاه للطبراني في الكبير.
2 ساقطة من ح.
3 سورة المرسلات: 23.

(1/348)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَحْكِي 1 عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى: "إِنَّمَا بَعَثْتُكَ أَبْتَلِيكَ وَأَبْتَلِي بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ وَرْدَانَ3 الدِّمَشْقِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ نا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ4 عَنْ قَتَادَةَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المجاشعي.
__________
1 ح: "حكى".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/162, 266.
3 م, س, ط, ح: "قردان" وفي هامش س: صوابه "وردان" وكذلك في ت.
4 تقريب التهذيب 2/319: "الدستوائي" بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد.

(1/348)


قوله: لا يَغسِلهُ الماء يريد أَنَّ القرآن وإن مُحي رَسمُه بالماء وغُسِل لم يذهب عن الصُّدُور ولم يُنْسَخْ حِفظُه من القلوب وكان أهلُ الكتب المتقدّمة لا يكادُ الواحدُ منهم يجمع كتابَه حِفْظًا بقَلْبه ويقال: إن اليهودَ إنّما قالت الفِرْيَة والقَوْلَ المُنْكَر في عُزَيْر تَعجُّبًا منه حين استدركَ التَّوراة حِفْظًا وأَملاها عَلَى بني إسرائيل من ظَهْر قلبِه بعد ما درسَتْ في عهد بُخت نَصَّر فأما هذه الأمّة فقد منَّ الله عليهم بأنْ يَسَّر لهم ذِكْرَ الكتاب وتكفَّل بحفظه عليهم فَقَالَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
وقوله: تقرؤُه نَائِمًا وَيقظَانَ معناه والله أعلم تَجمَعُه حِفظًا وأنت نائم كما تجمعُه وأنتَ يَقظانُ من قولهم قرأت في الحوضِ أي جَمعتُه فيه وما قرأت النافة جنينا أي رحمُها عَلَى ولدٍ قَالَ الشاعر:
ذِراعَي عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ ... هجانِ اللون لم تَقرأ جنينًا2
وقال حميد بن ثور:
أراها غلاماها الخلا فتَشَذَّرت ... مِراحًا ولم تقرأ جنينا ولا دما3
__________
1 سورة الحجر: 9.
2 اللسان والتاج "عطل" وعزي لابن كلثوم وهو في شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر الأنباري /380.
3 الديوان /21.

(1/349)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ كَانَ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يَحُشُّ عَلَيْهَا فِي بَيْدَاءِ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذ عدا عليه ذئب فانتوع شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَجَهْجَأَهُ الرَّجُلُ فرماه بالحجارة ختى الستنفذ مِنْهُ شَاتَهُ.1 وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي كلام الذئب.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/88, 89 بلفظ: "يهش" وذكره الهيثمي في مجمعه 8/291 كذلك وعزاه للبزار أيضا وأخرجه ابن حبان بنحوه كما في الموارد /519.

(1/349)


يَرْوِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ1.
قَالَ: فَقَالَ الذِّئْبُ: أَمَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ أَنْ تَنْتَزِعَ مِنِّي شَاةً رُزِقْتُهَا فَقَالَ الرَّجُلُ تَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ2 كَالْيَوْمِ قَطُّ فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الرَّسُولُ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا خَلا وَيُحَدِّثُهُمْ بِمَا هُوَ آتٍ فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ قَوْلَ الذِّئْبِ سَاقَ غَنَمَهُ يَحُوزُهَا حَتَّى جَاءَ الْمَدِينَةَ.
قوله: يحُشُّ عليها إنّما هُوَ يَهُشُّ بالهاء. والهِشُّ أن تُضْرب أغْصانُ الشجرة بِعصًا حتى يَتَحاتَّ ورقُها فتَرعاه الغنم ومنه قوله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} 3. والهاءُ والحاءُ أُختان في قُربِ المخرج.
وقَولُه: جَهْجَأَه إنما هُوَ جَهْجَهَه أَبدَل الهاءَ همزةً يقال جَهْجَهْتُ السَّبُعَ إذا زجَرْتَهُ. قَالَ عمرو بنُ الإِطنَابَة:
والضارِبيْن الكَبْشِ يَبْرِقُ بَيْضُهُ ضرْب ... المُجَهْجِهِ عن حِياض الآبِل
وفيه لغة أخرى هَجْهَجْتُ وهو في زَجْر الإِبل أكْثر. وأمّا الغَنمُ فإنما يقال في الزَّجْر لها: حاحَيْتُ قَالَ امرؤ القيس:
قَومٌ يُحَاحُون بالبِهِام ونس ... وان صِغارٌ كهَيئَة الحَجِلِ4
وقوله: يحوزها أي يسُوقُها قَالَ الشاعر:
يَحُوزُهُنَّ وله حوزي5
__________
1 راجع مسند أحمد 3/88.
2 ساقط من نسخة ط من هنا نحو ست صفحات من حجم الفلوسكاب.
3 سورة طه: 18.
4 الديوان /348 برواية: "زنسزان قصار".
5 اللسان والتاج "حوز, حوذ" وعزي للعجاج وهو في ديوانه /332 برواية: "يحوذها وهو لها حوذي". وفي اللسان "حوز": قال ابن سيدة: والمعروف "يَحُوزُهُنَّ وله حُوزيُّ".

(1/350)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ صَعَّارٍ مَلْعُونٌ" 1.
ذَكَرَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وفَسَّره فَقَالَ هُوَ النَّمّام وفيه وجْهٌ آخر وهو أنَّ الصَّعَّار ذو الكِبْر والأُبّهة لأنه يميل بخدّه ويُعرضُ عن الناس بوَجْهه قَالَ اللهُ تَعالَى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} 2.وقال بِشْرُ بن أبي خَازِم:
ألا يا عَيْن فابْكي لي سُميْرًا ... إذا صَعِرَتْ من الغَضَب الأُنُوفُ3
وسُمَيْرٌ: أخوه. قَالَ المُتلّمس:
وَكُنَّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خدَّه ... أَقَمْنَا له مِن مِيله فتَقوَّما4
ورواه أبو إسحاق الزَّجّاج ضَفَّارٌ قَالَ: ومعناه النَّمَّام مشتقٌ من الضَّفْز وهو شَعِير يُجَشُّ ليُعْلَفَه البعيرُ
وقيل للنَّمَّام ضَفّاز لأنه يُزوِّر القولَ كما يُهيّأ هذا الشعير لعلف الإبل5.
__________
1 النهاية صعر 3/31.
2 سورة لقمان: 18.
3 الديوان /151 برواية: "ألا ياعين ما فابكي سميرا".
4 الديوان /24.
5 ساقط من ح.

(1/351)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنَّهُ أَفْحَجُ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَتْ بِنَاتِئَةٍ وَلا جَحْرَاءَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ نا بَقِيَّةُ حدثني
__________
1 أخرجه أبو داود وأحمد بنحوه 5/324.

(1/351)


بَحِيرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ1 عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
قَالَ الأصمعي: الفَحَجُ تَباعُدُ ما بَيْن الفَخِذين. يقال: رجل أَفحَجُ. قَالَ: فإذا كَثُر لحم الفخِذيْن فتباعد ما بينهما فذلك البدَدُ ورجلٌ أبدُّ وامرأةٌ بَدّاءُ.
وقوله: مطموسُ العَيْن أي ذاهِبُ البَصَر من غير بَخَقٍ ويقال: إنّه إنّما سُمّي مَسِيحًا لأنه مَمْسُوحُ البَصَر من إحدى عَينيْه. جاء فَعِيل بمعنى مفعول.
وقوله: ليست بناتئة ولا جحراءَ يريد أنّها ليست بمُنْجحرةٍ غائرة.
ورواه نُعَيْم بنُ حَمَّاد عن بَقِيَّة بنِ الوليد فَقَالَ حَجراء الحاء قبل الجِيم هكذا حدثناه الأصم نا الصّغاني2 نا نُعَيم عن بقِيّة فإن كان محفوظًا فمعناه أنّها ليست بصُلْبة متحجرة لكنها رخوة لينة.
__________
1 ت: جنادة بن أمية "تحريف". وفي التقريب 1/134: جنادة بضم أوله ثم نون ابن أبي أمية الأزدي أبو عبد الله الشامي مختلف في صحبته فقال العجلي: تابعي ثقة والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في الاسم وكنية الأب. ورواية جنادة الأزدي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في سنن النسائي ورواية جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عبادة بن الصامت في الكتب الستة.
2 ت, م, ح: محمد بن إسحاق الصغاني.

(1/352)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ جَائِزَتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَلا يَثْوِي عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكعبي.
__________
1 أخرجه البخاري 8/39 وأبو داود 3/342 والترمذي 4/345 وابن ماجه 2/1212 وغيرهم.

(1/352)


قوله: جائزته يومَهُ وليلَتَه تفسيره ما قَالَ مالك أخبرني محمد بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أبو داود عن الحارث بن مسكين عن أَشْهَب قَالَ سُئِل مالك بن أَنَس عن قوله: "جائزَتُه يَومَه وليلَتَه" قَالَ يُكرِمُه ويُتحِفه ويَخُصُّه يومًا وليلة وثلاثة أيام ضيافة قسم أَمَره إلى ثلاثة أَقْسام إذا نزل به الضَّيفُ أَتحفَه في اليَوْم الأَوَّل وتكلَّف له عَلَى قدْر وُجْدِه فإذا كان اليومُ الثّاني قدّم إليه ما يَحْضُره فإذا جاوز مُدَّةَ الثّلاث كان مُخَيّرًا بين أن يتِمّ عَلَى وَتَيرتِه وبَيْن أن يُمْسك وجعله كالصَّدَقة النَّافِلة وقوله: لا يَثْوِي عنده حتى يُحْرجَهُ فإن الثّواءَ الإقامةُ بالمكان يقول لا يُقيم عنْدَه بعد الثلاث حتّى يُضَيِّق صَدْرَه وأصل الحَرَج الضِّيق وقد روي في هذا الحديث من طريق عَبْد الحميد بن جعفر: "ولا يَحِلّ لأحدِكم أن يُقيم عنْد أَخِيه حتى يُؤثِمَه" قَالُوا وكيفَ يُؤثِمُه؟ قَالَ: "يُقِيم عندَه وليس عنده شيءٌ يَقْريه" 1. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" 2.
قَالَ أبو سليمان وأَنَا أُنكِر هذا التفسيرَ وأُراه غَلَطا وكَيفَ يأثَم في ذَلِكَ وهو لا يتَّسع لِقِراه ولا يَجِد سَبِيلًا إليه وإنما الكُلْفَةُ عَلَى قَدْر الطَّاقة
قَالَ الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} 3
وَوجْه الحديث أَنَّه إنّما كَره له المقام عند بعد الثَّلاث لئَلَّا يَضيق صَدْرُه بُمقامِه فتكونَ الصَّدَقَة منه عَلَى وَجْه المَنّ والأَذَى فيُبْطل أَجْرُه قَالَ اللهُ تَعالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} 4.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/176 بلفظ: "وعلى الضيف أن يرتحل ولا يؤثم أهل منزله". وقال: رواه أبو داود باختصار ورواه أبو يعلى والبزار.
2 أخرجه البخاري 8/13 وغيره.
3 سورة الطلاق: 7.
4 سورة البقرة: 264.

(1/353)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْغُلُوطَاتِ وَيُرْوَى الأُغْلُوطَاتِ1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَيْرَكَ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيِّ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ الأوزاعيّ هي صعاب المسَائل.
الغَلُوطَاتُ: جَمْع غَلُوطَةٍ: وهي المسألة التي يعيا بها المسؤول فَيغْلَطُ فيها كرِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُعْتَرضَ بها3 العلماء فيُغَالَطُوا ليُسْتَزلُّوا ويُسْتَسْقَط رأيُهُم فيها. يقال: مسألة غلوط إذا كان يُغْلَطُ فيها كما يُقال شاةٌ حَلُوبٌ وفرسٌ رَكوبٌ إذا كانت تُركب وتُحْلَبُ فإذا جَعَلْتَها اسْمًا زِدْتَ فيها الهاء فقلتَ غَلُوطَةٌ كما يُقال رَكُوبَةٌ وحَلُوبَةٌ وتجمَع عَلَى الغَلُوطات كما تُجمَعُ الحَلُوبَةُ عَلَى الحَلُوبات قَالَ الشاعر:
أَوْدَى الزمانُ حَلوبَاتِي ومَا جَمَعت ... كفَّايَ من سَبَد الأَمْوالِ واللَّبَدِ
والأُغْلُوطَةُ أفْعُولَةٌ من الغَلَط كالأحدوثة والأحموقة ونحوهما.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/321 وأحمد 5/435.
2 س: "عن عبد الله بن سعهد الصناجي" وفي م وسنن أبو داود ومسند أجمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عن الصناجي.
3 ت: يعترض فيها.

(1/354)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا عَلَى عُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى فَقَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلابِكَ" فَخَرَجَ عُتَيْبَةُ فِي تَجْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا بِمَكَانٍ مِنَ الشَّأْمِ يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلا فَعَدَا عَلَيْهِ الأسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَدَغَهُ1.
__________
1 ذكره السيوطي في جمع الجوامع 2/804 وعزاه لابن عساكر في تاريخه.

(1/354)


يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ الْعَلاءِ عَنْ سعيدَ بن أبي عَروُبة عن قَتَادَةَ.
الضَغْمُ شِدَّةُ العَضِّ عَلَى الشَّيء والتَّناوُل له بالأسنان وبه سُمِيّ الأَسَدُ ضَيْغمًا قَالَ رُؤبَةُ يَصِف بَعِيرًا:
أَشْدَقُ يَفْتَرُّ افْتِرارَ الأَفْوَهِ ... عَن عَصِلات الضَيْغَمِيِّ الأَجْبَه1
العَصِلاتُ: الأَسْنَانُ العوجُ2.
والضَيْغميُّ الشَدِيدُ العض ويحكى أن كثيرا دخل عَلَى عَبْد الملك بن مروان وعنده الأَخْطل فأنشدَه فالتفَت عَبْد الملك إلى الأخطل فقال: كيف ترى فَقَالَ: حِجازيٌّ مُجوَّعٌ مَقرُورٌ دَعْني أضْغَمْه يا أمير المؤمنين فَقَالَ: كُثيّر مَنْ هذا يا أمير المؤمنين فَقَالَ هذا الأخطل فَقَالَ له فَهلا ضَغَمْتَ الّذي يقول:
لا تطلبن خؤولة في تَغلبٍ ... فالزَّنْجُ أَكْرَمُ مِنْهمُ أَخْوَالَا3
فسَكتَ الأَخْطَلُ وما أَجابَه بحرْف.
وقوله: فَدغَه أي شَدِخه. والفدغ: الشدخ.
__________
1 الديوان /166.
2 ط: "الأسنان المعوجة".
3 القائل جرير وهو في ديوانه /363.

(1/355)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي الَّذِي يَرْوِيهِ الأَعْمَشُ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قال: "زينوا القرآن بأصواتكم" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود 2/74 والنسائي 2/179 وابن ماجه 1/426 والدارمي 2/474 وأحمد 4/283, 285, 296, 304 والحاكم في المستدرك 1/572.

(1/355)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو1 دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
قوله: "زَيّنُوا القرآن بأصْوَاتِكم" المَعْنَى زَيّنوا أَصواتَكم بالقُرآن فقدّم الأصوات عَلَى مذهبهم في قَلْب الكَلام وهو كَثِير في كلامهم.
يقال: عَرضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الحوض أي عرضْتُ الحَوضَ عَلَى النَّاقةِ وإذا طلعت الشِّعْرى واستَوى العُودُ عَلَى الحِرباءِ أي استوى الحِرباءُ عَلَى العود قَالَ الشاعرُ2:
وتُركَبُ خَيلٌ لا هوادة بَيْنَها ... وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرَة الحُمْرِ
وإنّما هُو تَشْقَى الضّيَاطِرَةُ بالرِّمَاحِ.
وقال الفرزدق:
غَداة أحلَّتْ لابنِ أَصْرَم طَعْنةً ... حُصْينٍ عَبيْطاتُ السَّدائف والخُمْرُ3
روى الأَثْرمُ عن أبي عُبَيْدة أنه حضر يُونُس والكِسائي فأَلقاهُ يونُسُ عَلَى الكسائيّ فرفَع الكِسائيُّ الطَّعْنةَ ونَصبَ العَبِيطات ورفَع الخمرَ فَقَالَ يونس للكسائي: لِمَ رفعتَ الخمرَ فَقَالَ: أردْت وحلّتْ له الخَمْر فَقَالَ يونس ما أحسن ما قلت ولكن سَمِعْت الفرزْدقَ يُنشِده فنصب الطعنة
__________
1 م: ابن داود "تحريف".
2 اللسان "ضطر": هو خداش بن زهير والرواية في اللسان: "وتركب خيلا لاهوادة بينها". وقال ابن سيدة: يجوز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم: أي أنهم لا يحسنون حملها ولا الطعن بها ويجوزون على القلب: أي تشقى الياطرة الحمر بالرماح يعني أنهم يقتلون بها. والهوادة: المصالحة والموادعة. والضيطار: التاجر لايبرح مكانه وقيل: الضوطري: الحمقى. قال ابن سيدة: وهو الصحيح ويقال للقوم إنما كانوا لا يغنون غناء: بنو ضوطري.
3 الديوان 1/254.

(1/356)


ورفع العَبِيطات والخَمْر جعل الفاعلَ مفعولًا والمفعولَ فاعلًا كقول الآخر:
كانت عُقُوبَةَ ما فَعلْتَ كما ... كان الزناء عُقُوبةَ الرِّجْمِ1
وإنما هُوَ كما كان الرجم عقوبة الزنى.
وإنما تأوّلْنا الحديثَ عَلَى هذا المعنى لأنّه لا يجُوزُ عَلَى القرآن وهو كَلامُ الخالقِ أن يُزيّنَه صَوْتُ مَخْلوقٍ بل هُوَ بِالتَّزْيين لغَيْره والتَّحْسين له أَوْلى.
وقد تَوقَّى هذه الرِّوايَة قَومٌ لأَنَّ فيه إثبات مَذْهَب من يقول باللَّفظ.
وأخبرنا ابنُ الأعرابيّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِين نا أبو قَطَن عن شُعْبَةَ قَالَ: نَهانِي أَيّوبُ أنْ أُحدِّث: زَيّنوا القُرآنَ بأصواتكم ورواه مَعْمَرٌ عن منصور عن طلحةَ فقدّم الأصْواتَ عَلَى القُرآن.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ البراء أن رسول الله قَالَ: "زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ" 2.
وَهَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَقْدِيمِ الأَصْوَاتِ عَلَى الْقُرْآنِ. والمعْنى أَشْغلُوا أَصْواتَكُم بالقرآن والهَجُوا بقراءَتِه واتَّخِذوه زينةً وشِعارًا ولم يُردْ تطريبَ الصوْت به والتَّحزِينَ له إذ ليس
__________
1 اللسان "زنى" وعزي للجعدي برواية:
كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناء فريضة الرجم
وهو في شعر النابغة الجعدي /235 برواية: كانت فريضة ما أتيت كما.
2 أخرجه عبد الرزاق 2/485 والحاكم في المستدرك 1/572.

(1/357)


هذا في وُسْع كلِّ أحد فلعلّ من الناس مَنْ إذا أراد التَّزْيين له أَفضَى به إلى التَّهْجِين وإنما المعنى في ذَلِكَ ما ذكرناه لقوله:
"ليسَ مِنّا مَنْ لم يتغَنَّ بالقُرآن" 1 إنّما هُوَ أن يَلْهَج بتلاوته كما يَلْهَج الناسُ بالغِناء والطَّرَب عليه وإلى هذا المْعنى ذَهَب ابنُ الأعرابيّ صاحُبنا.
أخبرني إبراهيمُ بن فِراسٍ قَالَ سألْتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ: إنّ العرب كانت تتغَنَّى بالرُّكْبَاني وهو النَّشيد بالتَّمطِيط والمَدِّ إذا رَكِبت الإِبل وإذا تبطَّحت2 عَلَى الأرْضَ وإذا جَلَسَتْ في الأَفْنِية وعلى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحبَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون القرآن هِجِّيراهُم3 مكان التغني بالركباني.
__________
1 أخرجه البخاري في التوحيد 9/188 وغيره.
2 ط: "انبطحت".
3 القاموس "هجر": يقال هذا هجيراه: أي دأبه وشأنه.

(1/358)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَحْشٌ فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ لَعِبَ وَجَاءَ وَذَهَبَ فَإِذَا جَاءَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ1.
حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ أَبُو عَلِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ.
قوله: لم يترمْرَمْ معناه لم يتحرّك ولم يبْرح مكانَه قَالَ حُميْدُ بن ثوْر:
صَلْخَدًا لو أنَّ الجِنَّ تَعْزِفُ تَحْتَه ... وضَرْبَ المغني دفه ما ترمرما2
__________
1 أخرجه أحمد 6/113, 150 بلفظ: "لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد دخل ربض".
2 الديوان /11. برواية:
صَلْخَدًا لو أنَّ الجِنَّ تَعْزِفُ حوله ... وضرب المغني والصدى ما تَرمْرَما

(1/358)


وقد يُحْتَمل أن يكون هذا مبْنِيًّا من رَامَ يَرِيم إذا برح المكانَ إلا أَنَّ التَّكْرِيرَ أكثَرهُ إنَّما يَجْري في المُضَعَّفِ دُونَ المعتل وقد جاء في أحرف إلا أنّها يَسِيرة ويقال في مَثلٍ تَعَظْعَظِي ثُمَّ عِظِي1 ويقال: خَضْخَضْتُ الإناء وأصْله من خُضْتُ. ونَخْنَخْتُ البَعِيرَ إذا أنخْتَه. وقد يكون تَرَمْرَم بمعنى تحرّكَت مِرَمّتُه بالصَّوت أو بالقضْم أو نَحوِ ذَلِكَ قَالَ الشاعر:
ومُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى من أناتِنا ... وَلو زَبنَتْهُ الحَرْبُ لْم يَتَرمْرَمِ2
أي لم ينطق.
__________
1 غريب الحديث لابن قتيبة 1/227 تقول العرب في مثل لها: "تعظعظي ثم عظيني". وقال الأصمعي: لا تعظيني وتعظعظي من الوعظ ولا أعلم أنه جاء له في مثل. وانظر جمهرة الأمثال 2/386 وفصل المقال: 244 وتفسيره: اتعظي ثم عظيني أو لاتوصيني وأوصي نفسك وقد تم تخريجه.
2 الللسان "رمم" وعزي لأوس ابن حجر وهو في ديوانه /112.

(1/359)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ شَقَّ الْمَشَاعِلَ يَوْم خَيْبَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ خَيْبَرَ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَذْكُرُهُ.
المشاعِلُ: الزِقاقُ واحِدُها مِشْعَلٌ وقال بعضهم: المِشْعَلُ شيءٌ من جلود له أربعُ قوائِمَ يُنْتَبَذُ فيه قَالَ ذو الرُمَّةِ:
أَضعْنَ مواقتَ الصَلَواتِ عَمدًا ... وحَالَفْنَ المَشاعِلَ والجِرارَا2
وأخبرني أبو عُمر قَالَ: قَالَ بعض الأعراب: اللهم أمتني ميتة أبي
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 9/204.
2 الديوان /200.

(1/359)


خارجَة فقيل: وكيف مات أبو خارِجَة قَالَ أَكَلَ بذَجًا وشَرِب مِشْعَلًا ونام في الشَّمْس فلقِي الله شَبْعانَ رَيَّان دفْآن.
والبذَجُ: الحَمَل. قَالَ الراجز:
قدْ هَلَكتْ جَارَتُنا من الهَمَجْ ... وإن تَجُعْ تأكُلْ عَتُودًا أوْ بَذَجْ1
ومن أوعية الخمر الذَّوارع وهي زِقاقٌ صِغارٌ. قَالَ ابن قُتَيبَةَ لا واحد لها من لفظها. وأخبرني الرُّهَني قَالَ: قَالَ ثعْلب: واحدُها ذارع وأنشد أبو العباس:
كأن الذارع المشكوك فيه ... سليب من رجال الدَّيبُلانِ2
فأما الحَمِيتُ فهو ما يُجعَل فيه السَّمْن والزَّيْت ونحوهما ومثْله النِّحْيُ وفي مَثلٍ أَشْغَلُ من ذَاتِ النِّحْيَين3. ولها قِصَّة.
وأَنْشَدَني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس عن ابنِ الأَعرابي لبعض الأعراب:
تَسْلأُ كُلّ حُرّةٍ نِحيَيْن ... وإنما تَسْلأُ عُكّتَين
ثُمَّ تَقُول اشْترِ لي قُرطَيْن ... قرّطكِ الله عَلَى الأذنيْن
عُقاربًا صما وأرقمين4
__________
1 اللسان "همج, بذج" وعزي لأبي محرز المحاربي واسمه عبيد.
2 من ت, م.
3 اللسان "نحا" والدرة الفاخرة 1/260 وجمهرة الأمثال 1/564 ومجمع الأمثال 1/276 والمستقصي 1/196.
4 ما بين المعقوفين ساقط من ط, ح, م والبيتان في اللسان "قرط" برواية:
عقاربا سودا وأَرقَمَيْن

(1/360)


فأمّا نَهْيُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشُرب في النَّقِير والمُزَفَّت والحَنْتم وإباحتُه أن يُشرب في السِّقاء المُوكَأ1 فقد فَسَّرها أبو عُبَيْدٍ في كتابه2 إلا أنّه لم يذكر المْعنى فيها ولا السبب الَّذِي من أجْله فَرَّق بينها وبين المُوكأ والمعنى في ذَلِكَ والله أعلم أَنَّ النَّقِيرَ والمُزَفَّت والحَنْتَم أوعيةٌ ضارية تُسْرِعُ بالشِّدّة إلى الشّراب وقد يَحدُث فيه التّغيّر ولا يَشْعُر به صاحِبُه فهو عَلَى خطر من شُرب المُحرَّم فنهى عن استِعمالها استبراءً للشَّكّ وأَخذًا باليقين فيه. فأمّا المُوكأ3 فإنما يُراد به السِّقاء الرقيق الَّذِي لم يُربَّبْ فإذا انتُبِذ فيه وأُوكِي رأْسُه لم يُدرك الشَّراب ولم يَشْتدَّ حتّى يَنْشقّ السِّقاء فلا يخفي حينئذٍ تغيُّره وقد روينا هذا المعنى عن ابن سِيرِين.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَيُّوبُ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: مَنْ أَوْكَأَ السِّقَاءَ لَمْ يَبْلُغِ السُّكْرَ حَتَّى يَنْشَقَّ السقاء.
__________
1 أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وابن عمر. انظر صحيح مسلم 2/1577-1584 وابن ماجه 2/1127.
2 غريب الحديث 2/182.
3 ح: "الموكى".

(1/361)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله علبه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَضَعُوا سُيُوفَكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ 1 فأبيدوا خضراءهم" 2.
__________
1 ت: عن عواتقكم "تحريف".
2 ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد. انظر فيض القدر 1/498 ولم أجد في مسند أحمد إلا قوله: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم". انظر مسند أحمد 5/277. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/195 وعزاه للطبراني في الأوسط والصغير.

(1/361)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ1 بْنُ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ نا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ.
الخوارِجُ ومَن يَرَى رأيَهم يتأوّلُونه في الخروج عَلَى الأَئِمّة. ويحملون قولَه: "ما استَقَامُوا لكم" عَلَى العَدْلِ في السِّيرة وإنما الاستِقامةُ هاهنا الإقامةُ عَلَى الإسْلام. يقال: أقام واستقام بمعنى واحد كما يُقال أجاب واستْجاب. قَالَ الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 2. وقال الشاعر:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى ... فلم يسْتَجِبْهُ عِند ذاك مُجِيبُ3
والمعنى اسْتَقِيموا لهم ما أقَاموا عَلَى الشريعة ولم يُبدِّلوها ويدل عَلَى صحّة ما تأوّلْنَاه في الاستقامة حديث أبي بكر الصديق.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ نِمْرَانَ البَجَلِيِّ قَالَ قُرِئَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} 4. قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا.
ويؤيد هذا المعنى حديثُه الآخر حَدَّثَنَاه إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْبَيَاضِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِّيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سيليكم أمراء تقشعر منهم
__________
1 ط: "الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ".
2 سورة غافر: 60.
3 م: "وداع دعانا من يجيب الندى". والبيت في اللسان "جوب" وعزي لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار.
4 سورة فصلت: 30.

(1/362)


الْجُلُودُ وَتَشْمَئِزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: "لا مَا أَقَامُوا الصَّلاةَ" 1.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فُجَّارِهَا" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا الْفَضْلُ بْنُ يُوسُفَ الْجُعْفِيُّ ثنا الْفَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ3 الْبَجَلِيُّ نا مِسْعَرٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فُجَّارِهَا".
وَحَدَّثَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ نا شُعَيْبُ بْنُ أيوب الصريفيني نا أَبُو أُسَامَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ" 4. فإنما هُوَ عَلَى جهة الإخْبار عنهم لا عَلَى طريق الحُكْم فيهم. يقول: إذا صلح الناسُ وبَرُّوا وَلِيَهم الأَبرارُ وإذا فَسَدُوا وفَجَروا سلَّط الله عليهم الأشرار.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ: "كَمَا تَكُونُونَ كذلك يسلط عليكم".
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/28, 29 بلفظ: "يكون عليكم أمراء" الخ.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك 4/76 والبيهقي في السنن الكبرى 8/143 بلفظ: "الإئمة من قريش" فقط وعبد الرزاق في المصنف 11/58 بلفظ آخر.
3 كذا في ت, م السنن الكبرى 8/143وفي س: الفيض بن الفيض "تحريف".
4 أخرجه أحمد بهذا اللفظ في مسنده 12/261 وكذلك في 2/433 وأخرجه مسلم 2/1451 بلفظ آخر.

(1/363)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُنَيْفًا سَأَلَهُ عَنْ نَحْرِ الإِبِلِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْوِيَ رُؤُوسَهَا1 وَيَفْتُقَ لَبَّتَهَا2.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الدَّغْوَلِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ نا مَعْرُوفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُزَابَة حَدَّثَتْنِي بُهَيْسَةُ3 عَنْ أُنَيْفٍ:
قوله: يَعْوِي رؤوسَها أي يَعْطِفها ويلوي أعناقَها لتَبْرُزَ اللبَّةُ وهي المَنْحر يُقال عَويْتُ الناقةَ إذا عُجْتَها قَالَ القُطاميّ:
فرَحَلتُ يَعْملَةَ النَّجاءِ شِمِلَّةً ... تُرْضي الزَّمِيلَ إذا الزِّمامُ عواها4
ويقال عَويْتُ الحبْلَ: إذا ثَنيْتَهُ ويُقال: إنّما سُمِّيت العوّاء لانعطافها وهي خمسة كواكب كأنها أَلِفٌ معطوفة الذنب.
__________
1 س, ط: رأسها.
2 ذكر صاحب كنز العمال حديث أنيف هذا بلفظ آخر في 6/140 والإصابة 1/78.
3 م: "بهيسة" كجميلة والمثبت من باقي النسخ وفي الإصابة 1/78 نهيشة بالنون.
4 الديوان /118.

(1/364)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَرْوِيهِ جَابِرُ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ: أَنَّهُ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَرَمَيْنَاهُ بِجَلامِيدِ الْحَرَّةِ حَتَّى سَكَتَ2
حَدَّثَنِيهِ حلف بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل
__________
1 أخرجه مسلم 3/1318 وأحمد في مسنده 2/453 بلفظ: "هرب". والترمذي 3/37 بلفظ: "فر".
2 أخرجه مسلم 2/1321

(1/364)


الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ.
قوله: أَذْلقَتْه: أي عضّتْه وأوجَعَتْه.
وقوله: جَمزَ: أي أَسْرَعَ يُهَرْوِلُ. وقال بعضُ السّلف: لرَجُل اتَّقِ الله قبل أن يُجْمَزَ بك يُريدُ المشْيَ السريع في جنازته. قال الكسائي: الناقة تعدو الجَمزَي والوَلَقَى وهو العَدْوُ الّذي كأنّه يَنْزُو قَالَ غيره: ناقَةٌ جَمزَى وبَشَكَى وَوَثَبَى أي سريعَةٌ. قَالَ الشاعر:
وخَيلٍ تلافَيْتُ رَيْعانَها ... بِعِجْلِزَةٍ جَمزَى المُدَّخَرْ
وقال رؤبة:
فإن تَريْنِي اليَوْمَ أُمَّ حَمْزِ ... قَارَبْتُ بعْدَ عَنَقِي وجَمْزِي1
وقوله: حتّى سَكَت: يريد سُكوتَ2 الموْت. يُقال: أَسْكتَ اللهُ نَأْمتَه إذا دعا عَلَيْهِ بالموت.
قَالَ المُتَلِّمس يَذكُر مقْتل عَديّ بْن زَيْد3:
ولقَدْ شفَى نَفسِي وَأَبرأَ دَاءها ... أَخْذُ الرِّجَال بحلْقِه حتّى سَكَتْ
وقال الأصمعي سَكَت الرَّجلُ إذا لم يتكلّم وأَسْكَتَ إذا أطرقَ وأنْشد:
أبُوكَ الَّذِي أجْدَى عَليَّ بِنَصْرِه ... فأسكتَ عنّي بعْدَه كُلّ قائل4
__________
1 الديوان /64.
2 ت, م: "سكون الموت".
3 ت: "علي بن زيد"ز ولم أقف على البيت في ديوانه.
4 الجمهرة لابن دريد 3/437.

(1/365)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا كَانَ فِي يَدَيْهِ مَالُ يَتَامَى فَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا فَلَّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا انْطَلَقَ إِلَى النبي فَقَصَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: "أَهْرِقْهَا" وَكَانَ الْمَالُ نَهْزَ عَشْرَةَ آلافٍ"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ عَنِ عبد الله عن جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله: نَهْزَ عَشْرَة آلاف: أي قريبًا من عَشْرة آلاف من قولهم: يُناهِزُ الشَّرفَ أي يُطالعِه وناهَزَ الغُلامُ الحُلُمَ إذا قارَبَه قَالَ الشاعر:
تُرضِعُ شِبْلَيْن في مَغارِهما ... قد نَاهَزَا للفِطام أَوْ فُطِمَا2
وفي الحديث من الفِقْه أَنَّهُ لم يأمُرْه بالاستِينَاء بها حتى تتخلل وفيه أن الوصي لاغرامة عَلَيْهِ فيما لم تَجْنِ يَدُه3.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/119, 118, 3/260 بدون "وَكَانَ الْمَالُ نَهْزَ عَشْرَةَ آلافٍ" وعبد الرزاق مرسلا 6/76.
2 اللسان والتاج "نهز" دون عزو.
3 ت: "تجزيده".

(1/366)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ فَخُفِقَ بِالنِّعَالَ وَبُهِزَ بِالأَيْدِي"1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قوله: بُهِزَ أي وجىء بها. والبَهْزُ الدَّفْعُ العَنِيف قَالَ رُؤبةُ:
صَكِّي حِجَاجِي رأسِه وبَهْزِي2
__________
1 أخرجه أجمد في مسنده 2/24 بلفظ: "فنهز بالأيدي" وكذلك أخرجه في 3/46 مختصرا.
2 الديوان /64.

(1/366)


وفيه من الفِقْه أنّ حَدَّ السَّكران1 أخفُّ الحُدودِ وأنّهُ لا يُضرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا كما يُضْرَبُ في سائر الحُدود.
وفي حديث آخر: أَنَّهُ أُتي بِشارِب فَقَالَ: "بكتوه" فبكتوه.
والتبكيت هاهنا2 التقريع باللّسان وهو أن يُقال: لَهُ3 أَمَا اتّقيْتَ الله أما خَشِيتَ اللهَ أما استَحيَيتَ من النّاس ونحو هذا من الكلام.
__________
1 ت, م: "حد السكر".
2 أخرجه أبو داود في الحدود 4/163.
3 من ت, م.

(1/367)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ أَنَّهُ قَالَ: "أَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تُفْتَنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلا مَشْعُوفٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَعْدَانُ نا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ.
قوله: "بي تُفْتَنُون": أي تُمْتَحنُون يُريُد سْؤالَ المَلَك إيَّاه. وقوله: "مَنْ رَبُّك ومن نَبيُّك".
وأخبرني أبو عُمَر عَنْ ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ: يُقال فتَنْتُ الفِضَّةَ إذا أدْخَلْتَها النار لتعرف بها جودتَها هذا أَصْل الفِتْنة.
وقوله: غيْر مَشْعُوف: أي غير فَزِع ولا مَذعُورٍ
والشَعَفُ الفَزَع وقد يُسْتعَارُ فيُوضَعُ مَوْضع الحُبِّ يُقالُ شُعِفَ فلانٌ بفُلانةَ إذا أحبَّها
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 6/140 بلفظه في حديث طويل وابن ماجة 2/1426 مختصرا.

(1/367)


فوَجَدَ بها كما يَجِدُ الفَزِعُ في قَلْبه. قَالَ أبو زَيْد: الشَعَفُ: أن يذهب الحُبُّ بالقَلْب.
قَالَ امرؤُ القيْس:
لتَقتُلَنِي وقد شَعَفْتُ فُؤادَها ... كما شعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَجُلَ الطَالي1
قَالَ فشَعَفُ المرأة من الحُبّ وشَعفُ المَهْنُوءَةِ من الذُّعْر شبَّه لَوْعةَ الحُبّ وجَواهُ بذلك.
__________
1 الديوان /23 برواية:
أتقتلني وقد شغفت فؤادها ... كما المهنوءة والرجل الطالي

(1/368)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا إِسْعَادَ وَلا عَقْرَ فِي الإِسْلامِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: لا إِسْعَادَ: مِنْ إِسْعَادِ النِّسَاءِ فِي الْمَنَاحَاتِ وَهُوَ أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ فِي الْمَأْتَمِ فَتَقُومُ مَعَهَا أُخْرَى فَيُقَالُ قَدْ أَسْعَدَتْهَا وَهِيَ مُسْعِدَةٌ.
وَيُرْوَى فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ أَسْعَدَتْنِي أَفَأُسْعِدُهَا فَقَالَ: "لا" وَنَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
فالإِسْعَادُ خَاصٌّ في هذا المعنى كقول الشاعر:
ألا يَا عين ويحك أسعديني
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/560, 6/184 مختصرا وأحمد في مسنده 3/197.

(1/368)


وكقول الأحُوَص:
بكيتُ الهَوى جَهْدِي فمنْ شَاءَ لامَنِي ... ومَنْ شاءَ آسى في البكاءِ وأَسْعَدا1
فأمّا المساعدة فهي عامّة في كل مَعُونةٍ. ويقال: إنّها مأخوذة من وَضْع الرَّجُل يدَه عَلَى ساعِد صاحِبِه إذا تماشَيا في حاجة.
وقوله: لا عقر فهو ما كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الجاهِلَّية من عَقْر الإبل عَلَى قبُور المَوْتى كانوا إذا مات الرَّجُل الشَّريفُ الجوادُ عَقرُوا عنْد قَبْره وكانوا يقولون إنَّ صاحبَ القَبْر كَانَ يَعْقِرُهَا للأَضْياف يَقرِيهم أيّام حياتِه فيُكَافأُ عَلَيْهِ بمثل صَنِيعه ويُقال إنّما كانوا يعقِرونها لتَطعَمَها السِّباعُ والطيرُ عند قبْره فيُدْعَى مُطْعِمًا حَيًّا ومَيّتًا ويقال بل كَانَ من مَذْهَبهم أَنَّ صَدَى الميّت يُصِيبُ من ذَلِكَ الطّعام وذلك من تُرَّهاتِ الجاهليّة وقد تَتَابَع الشُّعراءُ في هذا فَقَالَ بعضُهم ومرَّ عَلَى قَبْر النجاشي فعَقَر ناقَتَه:
نحَرْتُ عَلَى قَبْر النَجاشيّ نَاقَتِي ... بأبْيَض عَضْبٍ أَخلصَتْه صَيَاقِلُهْ
عَلَى قَبر مَنْ لو أنّني مِتُّ قَبْلَه ... لَهانَتْ عَلَيْهِ عندَ قَبِري روَاحِلُهْ
وقال حسّان بْن ثابت ومرّ بقبْر ربيعةَ بْنِ مُكَدَّم:
لا يَبْعدنَّ رِبيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الغَوادي قبرَهُ بذَنُوبِ
نفرت قَلُوصي من حِجَارةِ حرة ... بُنِيَتْ عَلَى طَلق اليَديْن وَهُوب
لَوْلا السِّفَارُ وبُعْدُ خَرْقِ مَهْمَهٍ ... لتَركتُها تحْبُو عَلَى العُرقُوبِ2
وقال زِياد الأعجم يَرثِي المُغيرةَ بْن المهلَّب أنشدنيه أبو عُمَر:
إنّ السمَاحَةَ والمُروءةَ ضُمِّنا ... قبرًا بِمرْوَ عَلَى الطريق الوَاضح
__________
1 الديوان /98 برواية: بكيت الصبا.
2 الديوان /364.

(1/369)


فإِذَا مَررْتَ بِقَبْره فَاعقِرْ بهِ ... كُوم الهِجَان وكلَّ طِرْفٍ سَابح1
ومثله كثيرٌ.
وكان من مذاهبهم أن يَعْمِدوا إلى راحلة الميِّت فيَعقلُوهَا عَلَى قبره لا يَسقُونَها حتّى تَهْلِك عطشًا وكانوا يُسَمُّونها البلية قال الشاعر:
كالبلايا رؤوسها في الوَلايا ... مَانِحات السَّمُومِ حُرَّ الخُدُود2
والولايا البَراذِعُ واحدتها وَلِيَّةٌ كانوا يُعلِّقونها في أعناقها وكان من تأويلهم في ذَلِكَ أنَّ صاحبَها يُحْشر في القيامة عليها وأَنَّ مَنْ لَم يُفْعل بِهِ ذَلِكَ بعد موته حُشِر مَاشِيًا وكان هذا صنِيع مَنْ يؤمن بالبَعْث منهم ورووا في هذا لِخْزَيْمَة3 بْن أُشَيْم الفَقْعَسيّ أَنَّهُ أوصى ابنه سعدا عند موته فَقَالَ:
يا سَعْدُ إمّا أَهْلِكَنَّ فإنَّنِي ... أُوصيكَ إنّ أخا الوَصَاةِ الأقْرَبُ
لا أعرفنّ أباكَ يُحْشَرُ بَعدَكُم ... نَقِبًا يَخِرُّ عَلَى اليَديْن ويُنكَبُ
واحْمِلْ أَباكَ عَلَى بعير صَالح ... وتَقِ الخِيانةَ إنّ ذَلِكَ أَصْوَبُ
فلقَلَّ لي مِمَّا جمعت مطية ... في الحشر أركبهاإذا قِيل ارْكَبُوا
فأما الحديثُ في معاقرة الأعراب4 فهي أن يتبارى الرجلان
__________
1 ت: "فاعقر له" بدل "فاعقر به".
2 اللسان والتاج "بلا" وعزي لأبي زبيد. وهو في شعر أبي زبيد /56 وجاء بروايات مختلفة.
3 س: "لجذيمة بن أشعف الفقعسي".
4 أخرجه أبو داود في الأضاحي 3/101 بلفظ: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن معاقرة الأعراب".

(1/370)


فيَعْقِر كلُّ واحدٍ مِنْهُما يُجاوِدُ بِهِ صاحبَه فأكثرهُما عَقْرًا أجودُهما نُهِي عَنْ أكْلِه لأنّه مِمّا أُهِلَّ بِهِ لغير الله.

(1/371)


وَقَالَ أَبُو سليمان في حديث النبي أَنَّهُ لاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ وَامْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ: "انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَحْتَمَ فَلا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا" 1. قَالَ: فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ بِهِ فَكَانَ يُنْسَبُ بَعْدُ إِلَى أُمِّهِ.
مِنْ حَدِيثِ الْفِرْيَابِيِّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ.
الأسْحَمُ الأسْوَدُ والسُّحْمَةُ السَّوادُ والأَحْتَم الخالص السواد وأراه شُبِّه بلون الغُراب لأَنَّ الغُراب يُسمَّى حاتِمًا قَالَ الشاعر:
ولقَد غَدوْتُ وَكنْتُ لا ... أَغْدُو عَلَى واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذاك لا شرٌّ ولا خَيْرٌ عَلَى أحَدٍ بِدائم2
ويقال: إنّه سُمّي حاتما: لأنّه في مذْهَبِهم يَحْتِم بالفِراق كما سَمَّوه غُرابَ البيْن.
__________
1 أخرجه البخاري 6/125 في تفسير سورة النور بلفظ: "أسحم أدعج العينين ... فا أحسب عويمرا إلا قد صدق" وابن ماجه في مسنده 5/334 والبيهقي في سننه 7/339, 400.
2 زيادة من ت ليست في س, م, ط والبيتان الأولان في اللسان والتاج "وقى" معزوان لمرقش وفي هاشم م: الواقي: الطائر يشبه الغراب.

(1/371)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1 أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ وَتَكْلِيلِهَا2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ عَنِ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بن سعد.
أما التقصيص فإنه التجصيص. ومنه الحديثُ في الحائض. إنّها لا تغتَسِلُ حتّى ترى القَصَّة البَيْضاء3
يُريد النَّقاء. وأما التَّكلِيل فمعناه بناء الكِلَل عليها وهي القِبابُ والصّوامعُ التي تُبْنَى عَلَى القبُور.
وقال الدَّبَرِيّ: قَالَ بعضهم: التكليل أن يطلى عليه شيء يُشبه القَصّةَ. قَالَ غيره: إنما هُوَ التَّكلْيِس والكِلْسُ الصّاروجُ. قَالَ عِديُّ بنُ زيد:
شَادَهُ مَرْمرًا وَجَلّلَهُ كِلْسًا ... فلِلطَّيْر في ذُراه وُكُورُ4
وكان الأصْمعيّ يُنشدُه: وخَلّلَهُ بالخاء مُعجمة أي صيرَّ الكِلْس في خلل الحجارة وكان يتعجب مِمَّن رواهُ بالجيم ويقول متى رأوا حصنا مصهرجا.
__________
1 سقط من نسخة ت حديثان وأسنادهما وشرحهما ويقعان في نحو ثلاث صفحات من حجم الفلوسكاب.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصتفه 3/507 ومسلم في 2/667 بدون لفظ: تكليلها وغيرهما.
3 الموطأ للإمام مالك /60 وأخرجه البخاري تعليقا 1/83 والبيهقي في السنن الكبرى 1/336 وكلهم بلفظ: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء".
4 اللسان والتاج "كلس".

(1/372)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَصَابَ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا هَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ الأَرَاكِ ضَوَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَهُ غَنَائِمَهُمْ حَتَّى عَدَلُوا نَاقَتَهُ إِلَى سَمُرَاتٍ فَمَرَشْنَ ظَهْرَهُ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو عَرُوبَةَ نا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
قوله: ضَوَى إِلَيْهِ المُسْلمون: أي مالوا إِلَيْهِ يُقالُ: ضوَيْتُ إلى فُلانٍ أَضْوِي إِلَيْهِ ضُوِيًّا إذا أوَيْتَ إِلَيْهِ.
وقوله: مَرشْنِ ظهْرَه فإنّ المَرشَ الخَدْشُ الخَفِيف كالتَّناوُلِ بالأَظافِير ونحوِها ويُقال: فُلانٌ يَمْتَرِشُ الطَّعام إذا كَانَ يتناوله من أَطْراف الصَحْفَة وكذلك يمتَرِشُ المالَ إذا كَانَ يكسِبُه ويجمَعُهُ من كل وجْهٍ ومثله يقْتَرِشُ المالَ ويُقال إنّما سُمِّيَتْ قُريشٌ قريْشًا للتجارة وجَمْع المال قَالَ الشّاعُر:
إِخْوَةٌ قرَّشُوا الذُّنُوبَ علينا ... في حَديثٍ من عَهْدهم وقَدِيم
والتَّقْرِيشُ أيضًا: التَّفتيشُ. وقال معروف بْن خَرَبُوذ إنما سُمِّيت قُريْشًا لأنّهم كانوا يُفتِّشون الحاجَّ عَنْ خَلَّتِهم فيَسدُّونها يُطعمون جائعَهم ويَكْسُون عَارِيَهم ويَحْمِلُون المُنْقطَعَ بِهِ. قَالَ الحارثُ بْن حِلِّزة:
أيُّها الشَامِتُ المُقَرِّشُ عنَّا ... عِنْدَ عَمرو وهل لِذاك بَقاءُ2
ويُقال: بل سُمِّيت قُريشًا لأنها تقرَّشَتْ: أي اجتمعَتْ بعد التفرق وكانوا
__________
1 أشار ابن كثير في السير ة النبوية إلى هذه الرواية 3/672 وانظر النهاية 3/319 برواية: "إلى شجرات" بدل "إلى سمرات".
2 اللسان والتاج "قرش". والديوان /11.

(1/373)


مُتبدِّدين في الأرض حتّى جمعهم قُصَيُّ بْن كلاب في الحرَم فسُمِيّ بذلك مُجمِّعا قَالَ الشاعر:
أبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجمِّعا ... بِهِ جَمعَ الله القبائلَ منْ فِهْر1
وهذا راجع إلى المعنى الأول.
__________
1 اللسان والتاج "جمع" دون عزو. والعقد الفريد 3/313 وعزي لحذاقة بن غانم القرشي والاشتقاق /155.

(1/374)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ فَتُجَلِّي وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الإِخْوَانِ 1 لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ 2 ".
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: "تَخْطِم أنفَ الكافر": يريد أَنَّها تَسِم أنفَه بسِمَة يُعرف بها والخِطام: سِمَة في عُرضِ الوَجْه إلى الخَدِّ
قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيل يقال: جَملٌ مَخْطومُ خِطام ومَخْطومُ خِطامَيْن عَلَى الإضافة. قَالَ: ورُبَّما وُسِم بخِطام وربّما وُسِم بِخطَامَينْ3
وقوله: أهل الإخوان يُرِيد الخِوانَ الَّذِي يُنصبُ لِلطَّعام ويؤكل عليه قال الشاعر:
__________
1 في مسند أحمد 2/295: "أهل الإخوان" وفي ابن ماجه 2/1351: "أهل الحواء". وفي القاموس "خون": الخوان كغراب وكتاب: مايؤكل عليه الطعام كالإخوان.
2 أخرجه ابن ماجه في الفتن 2/1351 بلفظ: "فتجلو وجه المؤمن" وأحمد في مسنده 2/295, 491. وفي الفائق 1/382: "فتحلي وجه المؤمن".
3 ساقط من ط, ح.

(1/374)


ومَنْحَرِ مِئناتٍ تَجُرُّ حَوَارَها ... ومَوضِعِ إِخْوَانٍ إلى جَنْبِ إخْوانِ1
يُريدُ جفنة إلى جنب جفنة.
__________
1 اللسان والتاج "خون" والفائق "خطم" 1/382.

(1/375)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ لاعَنَ امْرَأَتَهُ فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ فَهُوَ لِهِلالٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الأُريْصِح تصغير الأَرسَح وهو الخفِيفُ الأَلْيتين أُبْدلَتْ سِينُه صادًا أو يكون تصْغَير الأَرصَع أُبْدِلَت عَيْنُه حَاءً قَالَ الأصْمَعيُّ: الأرصَعُ والأَرسَحُ قَالَ: والأَزلّ مِثلُه. وأنشد:
في القَلْب مِنه لِكُلّهِنّ موَّدةٌ ... إِلا لكُلّ دَمِيمَةٍ زَلاءِ
والأُثَيْبِجُ2: مُفَسَّرٌ في كتاب أبي عبيد
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق "باب اللعان" 2/277 في حديث طويل.
2 في النهاية "ثبج" 1/206: الأثيبج تصغير الأثبج وهو الناتيء الثبج: أي ما بين الكتفين والكاهل. ورجل أثبج أيضا: عظيم الجوف ولم أقف عليه في كِتاب أَبِي عُبَيْدٍ.

(1/375)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَقَالَ: "حَلالٌ" فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْن". وَفِي غَيْرِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: "أَوْ فِي أَيِّ الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دبرها فلا" 1
__________
1 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده. كما في بدائع المنن 2/360.

(1/375)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنِي محمد بن النصر نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو1 بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ.
كُلُّ ثَقْب مستدير خُربَةٌ والجميعُ خُرَب قَالَ ذُو الرُّمَّة:
كأنّه حَبَشِيٌّ يبتغي أَثَرًا ... أوْ من مَعاشرَ في آذانها الخرب2
والخرزة مِثْلُ الخُرْبة وهو من خَرْزِ الأديم3. فالخرزة بفتح الخاء: الطعنة بالإشْفَى والخُرْزَةُ الثُقْبَةُ والعَربُ تَقُولُ: سَيْريْن في خُرزةٍ تُرِيدُ حاجَتيْن في حاجةٍ. والخُصْفَةٌ مِثْلُ الخُرْزَة وهو من قولك خصَفْتُ النّعْلَ ومنه المِخْصَفُ وهو الحديدة التي يُثقَبُ بها النِّعالُ قَالَ الهُذَليُّ يَصِفُ العُقابَ:
حتى انتَهَيْتُ إلى فراش عَزِيزَةٍ ... سوداءَ رَوْثَةٌ أَنْفِها كالمخصف4
__________
1 ت, عن عمر بن أحيحة "تحريف" وفي التقريب 2/65: عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغرا ابن الجلاح "بضم الجيم وتخفيف اللام" الأنصاري المدني المقبول ووهم من زعم أن له صحبة فكأن الصحابي جد جده وافق هو اسمه واسم أبيه.
2 اللسان والتاج "خرب" والديوان /29.
3 م: "الأدم".
4 البيت لأبي كبير الهذلي وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1089.

(1/376)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: "آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَدْعَجُ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثدي المرأة تدردر" 1.
__________
1 أخرجه البخاري 8/47, 9/22 ومسلم 2/744 وأحمد في مسنده 3/65 وكلها بألفاظ متقاربة دون لفظ أدعج.

(1/376)


حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ1 نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ نا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ نا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
الدُعْجَةُ عند العامَّة سَوادُ الحَدَقة فَقط وهي عند العرب السَّوادُ العامُ يُقال: رجلٌ أدعَجُ إذا كَانَ أسْوَد الجِلد وَلَيْلٌ أدْعَجُ أي أَسْوَدُ مُظْلم. قَالَ الشاعر:
حتَّى تَرى أعناقَ صُبْحٍ أَبْلَجَا ... تَسُورُ في أَعجازِ لَيلٍ أَدْعَجا2
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ3 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغِرَ سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعَجَ جَعْدًا فَهُوَ لِلَّذِي يُتَّهَمُ".4 فجاءت بِهِ أُدَيْعِج فالأُدَيْعجُ: تصْغيرُ الأَدْعَجِ وهو الأَسْوَدُ. والأُمَيْغِرُ: تصْغِيرُ الأَمْغَر وهو الأحمر.
والسبط: التامُّ الخَلْق. والجَعْدُ القصيرُ وإنّما تأوّلْنا الخبرَ في قصّة الخوارج عَلَى سواد5 الجِلْد لأنّه قدْ رُوي في خَبرٍ آخر: "آيتُهُم رَجُلٌ أَسْوَدُ" 6. وفي خبر آخر: "رَجُل أَسمرُ". ويُقال في معناه: رجل دغمان
__________
1 ت: أحمر بن إبراهيم بن فراس.
2 اقتصر اللسان والتاج "دعج" على البيت الثاني وعزي للعجاج يصف انفلاق الصبح وهما في الديوان /368, 369.
3 ت: وعبد الله بن عبد الله "تحريف" والمثبت من س, م, ط, ح.
4 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده بلفظ: "إن جاءت به أشقر سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ به أديعج فهو للذي يتهمه" كما في بدائع المنن 2/391, 392.
5 ت: كل سواد جلد.
6 أخرجه البخاري في المناقب 4/243 وأحمد في مسنده 3/56.

(1/377)


ودُحْسُمانُ. وَيُقَالُ دُحْمُسَانُ وليل دَحْمسٌ ودُحُمسٌ. قَالَ أبو نُخَيلَةَ الراجزُ:
وَادَّرعي جِلْبَابَ لَيْلٍ دِحْمَس1
وَمِنْهُ حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُوسَ نا الْمَكِّيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ نا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أُنْفِرَ بِنَا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ إِصْبَعِي حَتَّى جَمَعُوا عَلَيْهَا ظُهُورَهُمْ2 ومثْل هذا حدِيثُه الآخر:
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجَا أَضَاءَتْ لَهُمَا عَصَا أَحَدُهُمَا فَمَشَيَا فِي ضَوْئِهَا فلما تفرق بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصَاهُ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا3
يُقَالُ ليْلَةُ حِنْدِسٌ: أي شديدة الظلمة قال الشاعر:
ليلة من اللَّيالي حِنْدِس ... لَوْنُ حَواشِيها كَلَوْنِ السُّنْدُسِ
ويُقالُ: لَيْلةٌ غَيْهَبٌ وغَيْهَمٌ: أي مُظْلِمه وليلةٌ دَيْجورٌ وديجوج مثله
__________
1 اللسان والتاج "دحمس" من غير عزو وبعده: "أسود داجن مثل لون السندس".
2 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/1/46 بلفظ: "كنا مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فتفرقنا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ أصابعي..".
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/190, 272 وأخرجه في 3/183 بلفظ: "شديد الظلمة". أخرجه الحاكم في المستدرك 3/288.

(1/378)


ويُقَالُ: ليلةٌ طَخْياءُ بيَّنةُ الطَّخاء إذا كَانَ فيها سحابٌ ولا قَمَر فتشتدُّ ظُلمتُها وقال:
وَليْلةٍ طَخْياءَ تَرْمَعِلُّ ... فيها عَلى السَّاري نَدًى مُخْضَلُّ
كأَنّما طَعْمُ سُراها الخلُّ1
وقوله: "مِثل ثَدْي المرأة تَدَرْدَرُ" أي تَضْطَرب وتتحرَّك. ومنه دردور الماء.
__________
1 اقتصر اللسان "خضل" على البيت الأول برواية: "وليلة ذات ندى مخضل".

(1/379)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَصْحَابَهُ أَسَرُوا رَجُلا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي وَثَاقٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلامَ تَأْخُذُنِي وَتَأْخُذُ سَابِقَةَ الْحَاجِّ قَالَ: "نَأْخُذُكَ بَجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ" وَكَانَ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فلما مضى النبي عليه السلام نَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ" قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ" فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي إِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ: "هَذِهِ حَاجَتُكَ" أَوْ قَالَ: "هَذِهِ حَاجَتُهُ" قَالَ: فَفُدِيَ الرَّجُلُ بَعْدُ بِالرَّجُلَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالا نا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي2 الْمُهَلَّبِ عن عمران بن حصين.
__________
1 أخرجه مسلم مطولا في كتاب النذر 3/1262 وأبو داود في الأيمان والنذور 2/239 والإمام أحمد أحمد في مسنده 4/430, 433 وغيرهم.
2 ت: ابن المهلب "تحريف".

(1/379)


قوله: نأخذك أُخِذْت1 بجرِيرة حُلفائك فيه قولان:
أحدهما ما ذَهَب إِلَيْهِ الشافعي وذكره في بعض كتبه فَقَالَ وذلك لأَنَّ المأخوذ مُشرِكٌ مُباحُ الدم والمال ولما كَانَ حَبْسَه حلالا بغَيْر جِنايَةٍ جاز أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذَلِكَ بنفسه.
والقولُ الآخر ما ذهب إِلَيْهِ بعضُ أهل العلم حَدَّثَني الحسن بْن يَحْيى عن ابنِ المُنذِر قَالَ: قَالَ بعض أهل العلم قولُه: "أُخِذْتَ بجريرة حُلفائك دَلالةٌ" 2 أنّه كَانَ بيْنه وبيْنَهُم مُوادَعةٌ أو صُلحٌ فَنَقَضَتْ ثَقِيفٌ المُوادعةَ والصُّلْحَ وترك بنو عُقَيل الإنْكارَ عليهم ومنْعَهم من صَنِيعهم ذَلِكَ فصاروا كأنَّهم نَقَضُوا العهْد.
قَالَ أبو سليمان: وفيه وجْهٌ ثالث: وهو أن يكون معناه أُخِذْتَ لِتُدْفَع بك جَرِيرةُ حُلفائِك من ثقيف وأَضمرَه في الكلام كقوله:
مَن شاءَ دَلَّى النَفْسَ في هُوَّةٍ ... ضَنكٍ وَلَكنْ مَن لهُ بالمَضِيق3
يُريدُ مَنْ لَهُ بالخروج من المَضِيق ويدُلّ عَلَى صحّة هذا التّأويل قولُه:
ففُدِي بعدُ بالرَّجْلَيْن. والمعنى أُخِذْتَ ليُسْتنقَذ بك مَنْ أَسرَتْه ثقيف.
وقَولُه: "لو قُلتَها وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاح" معناه لو أسْلَمْتَ قَبْل الإِسَار أفْلحْتَ الفَلاح التامَّ بأن تكون مُسْلِمًا حُرًّا وذلك أَنَّه إذا أُسِرَ كافرًا كَانَ عبْدًا وإن أسْلم فأما فِداؤُه إِيّاه بالرّجْلَينْ ورده إلى دار الكُفْر بعْدَ إظهاره كلمة الإسْلام فإن هذا المعنى خاصٌّ للنبي صَلَّى الله عليه وسلم,
__________
1 هامش م: نأخذك.
2 م: دلالته.
3 اللسان والتاج "ضيق" من غير عزو برواية: "من شا يذلي النفس في هوة".

(1/380)


وذلك أَنَّهُ قد علم أَنَّهُ غيرُ صادق في قوله: وأَنّه إنّما أظهر كلمة الإسلام رَغْبةً أو رهبة ألا تراه حين استطْعَمه واستسْقاه هذه حاجَتْك فأمّا اليوم فقد انْقَطَع الوحْيُ ولا سبيلَ إلى علم ما في الضمائر فَمنْ أظهر الإسْلام قُبِل منه ووُكِلَتْ سريرَتُهُ إلى ربّه.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ أَسَرَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَصْرًا فَأَعْتَقَهُ فَأَسْلَمَ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ففيه دليل عَلَى أن للإمام أن يُمنَّ عَلَى الأَسِير من غير فِداءٍ ولا مَال.
وقولهُ: قَصرًا معْنَاهُ حَبْسًا عَلَيْهِ وإجْبارًا يُقال: قَصَرتُ نَفْسِي عَلَى الشيء إذا حَبسْتَها عَلَيْهِ2.ومِنْ هذا قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} 3. أي مَحْبُوساتٌ عَلَى أَزْواجِهنّ مُخدَّرات.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُبَيْدٍ4 الأَشْهَلِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَحَوَامِلُ أَوْلادِكُمْ فَهَلْ نُشَارِكُكُمْ فِي الأَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه 2/252 بلفظ: "وإن أسلم قصرا فلا" وقد أخرجه البخاري في 5/215 ومسلم 3/1386 وأبو داود في مسنده 2/246/452 في قصة إسلام ثمامة بألفاظ متقاربة ولم يذكروا: "فأبى أن يسلم قصرا".
2 ت: "قصرت نفسي عن الشئ إذا حبستها عنه".
3 سورة الرحمن: 72.
4 لاتوجد في الصحابيات واحدة بهذا الاسم ولعله تحريف والصواب: "أسماء بنت يزيد الأشهلية".

(1/381)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجِكُنَّ وَطَلَبْتُنَّ مَرْضَاتَهُمْ" 1. ويُقال: امرأةٌ قَصُوَرة2 وقَصِيرة أي مُخدّرَةٌ أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
وأَنْتِ التي حبَّبْتِ كُلَّ قَصيرة ... إلَيَّ وَلم تعْلَم بذاكَ القَصائرُ
عنَيْتُ قَصِيرَاتِ الحِجَال ولم أُرِد ... قِصارَ الخُطَا شَرُّ النِساء البَهاتِرُ3
البَهاترُ: القِصارُ يُقالُ للقَصِير بُهْتُرٌ وَبُحْتُرٌ.
وقال آخرُ:
أُحِبُّ منَ النِّسْوان كُلَّ قَصيرةٍ ... لها نسَبٌ في الصَّالحين قَصِيرُ4
أراد بالقصيرة المُخدَّرة وقِصرُ نسَبِها أن تُعرَف بأوّل آبائها كقوله: رُؤبة أتَيْتُ النَّسابَةَ البَكْريَّ فَقَالَ من أَنْتَ قلت ابنُ العجّاج قال قصرت وعرفت5 فَقَالَ رؤبة:
قَدْ نوَّه العجَّاجُ باسمي فادْعُنِي ... باسْمٍ إذا الأنسابُ طالتْ يَكْفِني6
وقد يحْتملُ أن يكون أَرادَ قَسْر الغَلَبة والقَهْر أَبْدَل السِّينَ صَادًا. وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد الله بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يحيى
__________
1 ذكر هذا الحديث ابن الأثير في أسد الغابة 7/19 في ترجمة أسماء بنت يزيد الأشهلية.
2 كذا في س, ت. وفي م: "مقصورة" وفي القاموس قصر: قصير من قصراء وقصار. وقصيرة من قصلر وقصارة أو القصارة: القصير "نادر".
3 اللسان والتاج "بهتر" وعزي لكثير وهما في الديوان /369.
4 اللسان والتاج "قصر" دون عزو.
5 م: "قصرت وعرفت". وفي ط: قصرت وعرقت.
6 الديوان /16 وروي البيت الأول: "قد رفع العجاج ذكرا فادعني".

(1/382)


المِنْقَرِيَ نا الأصمعيّ قَالَ: اختلف رجلٌ من مُضَرَ ورجلٌ من ربيعةَ فَقَالَ المضَرِيّ السَّقْر وقال الرَّبعيُّ الصَّقْرُ فأقبلَ رجلٌ من قُضاعةَ فأخبراهُ فَقَالَ لا أقُولُ كما قُلتُما إنّما هُوَ الزَّقْرُ وقد قرىء الصِراطُ والسِّراطُ ورُوِي عَنْ بعضهم الزِّراطُ وهذه الحروف متقاربة في مخارجها من اللِّسان فلذلك جَرَى1 فيها الإبدال.
__________
1 ت: جاز.

(1/383)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ فَاطِمَةَ خَرَجَتْ فِي تَعْزِيَةِ بَعْضِ جِيرَانِهَا عَلَى مَيِّتٍ لَهُمْ فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: "لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُرَى". قالت: معاذا اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ نا الْمُفَضَّلُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هكذا قَالَ الكُرَى وقال: سألتُ ربيعةَ عَن الكُرى فَقَالَ: القبور.
وأخبرناه ابن داسة عَنْ أَبِي داود بإسْنَادِه إلا أَنَّهُ قَالَ الكُدَى بالدال.
أمّا الكُرَى وقوْل ربيعة: إنّها القبُور2 فإنّما هُوَ من قولك كرَوْتُ الأرضَ إذا حَفْرتَها وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَنَّ الأَنْصَارَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ فِي نهر
__________
1 أخرجه أبو داود في الجنائز 3/192 وأحمد في مسنده 2/169 وكلاهما بلفظ: "الجدى" بدل "الكرى". والنسائي في الجنائز 4/27.
2 ط: "إنها من القبور".

(1/383)


يَكْرُونَهُ لَهُمْ سَيْحًا.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا الْمُبَارَكُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الأَنْصَارَ أَتَوْهُ فِي نَهْرٍ يَكْرُونَهُ لَهُمْ سَيْحًا فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالأَنْصَارِ مَرْحَبًا بِالأَنْصَارِ" 1.
يُقال: كروت نهرا إذا استحدثت حفره وكريته وكروت البئر إذا طويتها فالكُرَى جَمْعُ كُرْيَةٍ وهو ما يُكْرَى من الأرض كالحُفْرة لِمَا يُحْفَرُ ومثلها الأُكره يقالُ: أكَرْتُ بمعنى حَفْرتُ وبه سُمِّي الأَكّار
قَالَ الشاعر:
... وَيَتَأَكّرْنَ الأُكَرْ2
وفي بعض الحديث: نُهِي عَن المُؤاكَرة3. وهي المُخَابَرة.
وأمّا الكُدَى فهو جمع كُدْيَةٍ وهي القِطْعَةُ الصُلْبَةُ من الأرض تُحفَرُ فيها القبُور
ويقالُ ما هُوَ إلا ضَبُّ كُديَةٍ وذلك أَنَّهُ لا يتخذ جحره إلا في المواضع الصلبة لئلا ينهار عَلَيْهِ وقال بعضُ الأعراب:
سَقَى اللهُ أرضًا يعلم الضَّبُّ أنّها ... عَذِيَّةُ تُرْبِ الطِّين طَيّبَةُ البقل
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/139.
2 اللسان "أكر" والجمهرة 2/414 وعزي للعجاج والبيت:
"من سهله ويتأكرن الأكر
وهو قي الديوان /21.
3 في النهاية "أكر" 1/57 وفيها: يعني المزارعة على نصيب معلوم مما يزرع في الأرض وهي المخابرة. يقال: أكرت الأرض: أي حفرتها والأكرة الحفرة وبه سمي الأكار. وأخرجه النسائي 7/37 بلفظ: "نهى عن المخابرة ونهى عن كراء الأرض". وانظر كذلك 7/49 وغيره.

(1/384)


بَنَى بَيْتَهُ في رأس نَشْزٍ وكدية ... وكل امرىء في حرفة العَيْش ذُو عَقْل
وكُدِيّ وكَدَاءُ: جبلان بمكة قَالَ الشاعر:
أنت ابن معتلج البطا ... ح كديها وكدائها1
__________
1 من ت, م والبيت في اللسان "كدا" وعزي لابن قيس الرقيات وجاء في هامش اللسان: في التكملة قال عبيد الله بن قيس يمدح عبد اللملك بن مروان:
فاسمع أمير المؤمنين لمدحتي وثنائها
وهما في الديوان /117 وتهذيب اللغة 10/325.

(1/385)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرِنْ وَاعْجَلْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ أَوْ ظُفْرٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا أَبُو الأَحْوَصِ نا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
هَكَذَا قَالَ ابْنُ دَاسَةَ أَرِنْ مَكْسُورَةُ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ عَرِنْ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَرْنِ سَاكِنَةُ الرَّاءِ على وزن عرن.
هكذا حدثني خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ.
وهذا حَرفٌ طالما اسْتَثْبَتُّ فيه الرُّواةَ وسألْتُ عَنْهُ أهلَ العلم باللُّغَة فلم
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها الذبائح 7/120 ومسلم في الأضاحي 3/1558 وأبو داود 3/102 وغيرهم.

(1/385)


أجد عند واحدٍ منهُم شيئًا يُقطَعُ بصحّته وقد طلَبْتُ لَهُ مخرجا فرأيته يتجه لوجوه:
أحدها أن يكون مأخوذًا من قولهم: أَرانَ القَومُ فهُم مُرِينُون إذا هَلَكت مَواشيهم فيكون مَعْناهُ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا وأَزْهقْ أَنفُسَها بكُلِّ ما أَنْهرَ الدَّمَ غير السِّنِّ والظُّفْر هذا إذا رَوَيْتَه أَرِنْ بكسر الرَّاء عَلَى ما رَواه أبو داود.
والوجْهُ الثاني أن يُقال: ائْرَنْ مَهمُوز عَلَى وزن اعْرَنْ من أرِنَ يأرَنُ أَرَنًا إذا نَشِطَ وَخفَّ يَقُولُ: خفَّ واعْجَلْ لِئلّا تَقْتُلَها خَنْقًا وذلك أن غيْرَ الحديد لا يَمُور في الذَّكاةِ مَوْرَه والأَرَنُ الخِفَّةُ والنَّشَاطُ ويُقَالُ: في مثَل: سَمِنَ فأَرِنَ1 أي بَطِر.
قَالَ الفَرَّاءُ: العَرَصُ والهَبَصُ والأَرَنُ والتَّرمُّعُ2 والتَّقلُّزُ كُلّهُ النَّشاط وقد هَبِصَ وعَرِصَ وأَرِن وَرَجُلٌ أَرونٌ: أي نَشِيطٌ خَفِيفٌ ومُهْرٌ أَرونٌ قَالَ حُمَيْدُ بْن ثَورٍ:
يظَلُّ خباؤنا وكأنَّ حَبْلًا ... بِهِ مُتعَلِّقٌ مُهْرًا أَرُونَا3
والوجْهُ الثالثُ: أن يكون ارْنُ4. بمعنى أدِمِ الحزَّ ولا تِفْتُرْ من قولك رَنَوْتُ النّظرَ إلى الشيء إذا أَدَمْتَه. وكَأسٌ رَنْوَنَاةٌ: دائِبةٌ لا تفتر
__________
1 مجمع الأمثال 1/388 والمستقصي 2/122 ويوى: سمنوا فأرنوا".
2 كذا في م وفي بقية النسخ: "الترصع". وفي القاموس: "رصع": الترصيع النشاط وفي "رمع": رمع فلانا رمعا ورمعانا: سار سريعا.
3 ط: "تظل جيادنا.." ولم أقف على البيت في ديوانه.
4 كذا في ت, وفي س, ط: "ارْنُ بمعنى أدِمِ الحزَّ".

(1/386)


ولا تنقْطَع أو يكون أراد أَدِم النظرَ إليْه وراعِهِ بِبَصرك لا يزِلّ عَن المَذْبح.
قَالَ: وأقرب من هذا كُلّه أن يكون أَرِزَّ بالزّاي: أي شُدَّ يَدَكَ عَلَى المحزِّ واعْتمِدْ بها عَلَيْهِ.
من قولك: أَرزَّ الرَّجُلُ إصْبَعه إذا أثاخَها في الشَّيء وأرزَّت الجَرادةُ إرْزَازًا إذا أَدْخلَتْ ذَنَبَها في الأرض لكي تَبيضَ. وارتز السَّهْمُ في الجِدار إذا ثبت. هذا إن ساعدته الرِّواية واللهُ أعْلَمُ بالصواب.

(1/387)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلا عَلَى الصَّدَقَةِ فجاءه1 بفصيل مخلول أو محلول سيىء الحال مهزول فقال هذا مِنْ صَدَقَةِ بَنِي فُلانٍ فَقَالَ: "لا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِي إِبِلِهِ" فَبَلَغَ الرَّجُلَ دُعَاءُ النَّبِيِّ فَجَاءَ بِنَاقَةٍ كَوْمَاءَ يَتُلُّهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَلَّهَا إِلَيْهِ فَدَعَا لَهُ فِيهِ وَفِي إِبِلِهِ بِالْبَرَكَةِ.2
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ عَنْ علي بن عَبْد العزيز عن أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.
قوله: فصيل مخلول هو المَضُرور المَنْهُوك يقالُ: رَجُلٌ خَلٌّ إذا كَانَ باديَ الضُّرِّ والهُزال قَالَ الشَّنفرى:
فاسْقِيَاني يا سَوادَ بْن عَمرٍو ... إن جسمِي بَعْدَ خالي لخل3
__________
1 م: "فجاء".
2 أخرجه النسائي في الزكاة بلفظ "ناقة حسناء" بدل "كوماء" وبدون قوبه: "يتلها" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/157 بنحوه.
3 ت, م واللسان "خلل": فاسقنيها.

(1/387)


وثَوْبٌ خَلٌّ وهو الَّذِي أَخَذ منه البِلَى. ومنه سُمِّي الفَقِيرُ خَلِيلًا. قَالَ زُهَيْرٌ:
وإِنْ أتاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مسِألةٍ ... يقُول لا غائِبٌ مالي ولا حَرِمُ1
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون المَخْلول هُوَ الَّذِي فُطِمَ حديثًا وذلك أنّهْم إذا أرادُوا فِطامَه عَمَدوا إلى خِلالٍ فشَدُّوه فوق أَنفِه وتركوه ناتئًا منه حتّى إذا أراد الرّضاع نَخَس الخِلالُ ضَرْعَ النَّاقة فَزَبَنَتْهُ فيُهْزَل عند ذَلِكَ الفَصِيل وأما المَحْلُولُ فهو الَّذِي حُلَّ عَنْ أوْصَالِه اللَّحْمُ فعَري منه.
وقوله: فتّلها إِلَيْهِ معناه أناخها إِلَيْهِ من قولك: تلَلْتُ الرَّجُلَ إذا صرَعْتَه. قَالَ الله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} 2.
وكلُّ شيءٍ ألقيتَه عَلَى الأرضِ مِمَّا لَهُ جثّةٌ فقد تَللْتَه ومنه سُمِّي التَّلُّ من التُّراب قَالَ حُمَيْد بنُ ثور يَصفُ الظَلِيمَ:
كأَنَّه بالبِيد لَمَّا أنْ دَمجْ ... مُروَّقٌ في الرِّيح مَتْلُولُ الشَّرَجْ 3
يريد حِبالَة4 رِواقٍ مُلْقَى الشَّرَج.
ومن هنا حديثه الآخر أنّه قَالَ: "أُتِيتُ بمفاتيحِ الأرضِ فَتُلَّتْ في يَدي" 5. أي أُلْقِيَت إليَّ وتُرِكَت في يَدِي.
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدّ نا حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ نا أَبُو مُصْعَبٍ نا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ
__________
1 اللسان والتاج "حرم" والديوان /53.
2 سورة الصافات: 103.
3 في الديوان /63 قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذان البيتان.
4 ت, ح: "يريد خباء له رواق" والمثبت من س, م, ط.
5 أخرجه الإمام أحمد في مسنده بهذا اللفظ 2/502 وفي البخاري 9/43 ومسلم 1/371 وغيرهما بلفظ: "فوضعت في يدي".

(1/388)


بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ فَقَالَ للْغُلامُ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ" فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي يَدِهِ1.
والكوماءُ المرتَفِعَةُ السَّنام يقال: كوَّمتُ الشيءَ إذا جعَلْتَ بَعْضَه فوْقَ بَعْضٍ وكوَّمْتُ التُرابَ إذا جمعته.
__________
1 أخرجه البخاري في المظالم 3/170 وفي الهبة 3/211 وأخرجه مسلم في الأشربة 3/1604 والإمام أحمد في مسنده 5/333.

(1/389)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مُلَمْلَمَةٍ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا1.
يَرْوِيهِ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ.
المُلمْلَمة وهي المُستَدِيرة سِمَنًا أُخِذَتْ من اللَّمِّ وهو الجَمْعُ. قَالَ الله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً} 2 أي: أَكْلًا كثيرًا مُجْتَمِعًا
وإنّما ردّها لأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهى المُصدِّقَ عَنْ أخذِ خيارِ المالِ ونَهى صاحبَ المال أن يُعْطِيَ من رُذَالَتِه ولكن وسَطًا بينهما3 لا يَضُرُّ بأهْل الصدقة ولا يُجْحِفُ بأَرْبَاب المال.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الزكاة 1/576 والنسائي 5/30 بلفظ "بناقة كوماء" وكذلك أحمد في مسنده 4/315.
2 سورة الفجر: 19.
3 ت: بينها.

(1/389)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَعْرَ1 بْنَ دَيْسَمَ وَيُقَالُ سَعْنُ قَالَ: كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَ رَجُلانِ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالا: إِنَّا رَسُولا رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ لِتُؤَدِّيَ صَدَقَةَ غَنَمِكَ فَقُلْتُ: مَا عَلَيَّ فِيهَا فَقَالا شَاةٌ فَأَعْمِدُ إِلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةٍ مَحْضًا وَشَحْمًا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا فَقَالا: هَذِهِ شَاةٌ شَافِعٌ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ثَفْنَةَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ سَعْرِ بْنِ دَيْسَمٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ وَأَخْطَأَ فِيهِ وَكِيعٌ هَكَذَا قَالَ بِشْر بْن السَّريّ ورَوْح بْن عُبَادَة قَالَ وأَخْطَأَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ مَحْضًا وَإِنَّمَا هُوَ مَخَاضًا وَشَحْمًا.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّقْرِ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مُرَارَةَ الْجُهَنِيِّ عَنِ ابْنِ سَعْنٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَ رَجُلٌ يَعْنِي مصدق النبي قَالَ فَجِئْتُهُ بِشَاةٍ مَاخِضٍ خَيْرُ مَا وَجَدْتُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: لَيْسَ حَقُّنَا فِي هَذِهِ فَقُلْتُ: فَفِيمَ حَقُّكَ قَالَ: فِي الثنية والجذعة اللَّجْبَةِ3.
المْحضُ اللبَن قَالَ الحطيئةُ:
قَرَوْا جَارَك العَيْمانَ لما جفَوْتَه ... وَقَلَّصَ من بَرْدِ الشِّتاء مشَافرُه
__________
1 ح: "سعد بن دسيم". وفي القريب 1/291: سعر بفتح أوله وآخره راء ابن سوادة أو ابن ديسم الكناني الديلي مخضرم وقيل: له صحبة.
2 أخرجه أبو داود في الزكاة 2/103 والبيهقي في السنن الكبرى 4/96 وغيرهما.
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/2/199 بنحوه.

(1/390)


سَنَامًا ومَحْضًا أَنْبَتا اللَّحْم فاكتسَتْ ... عظام امرىء ما كَانَ يشبع طائرُه1
وأمّا قوله: مَخاضًا فإنّه مَصْدَر مَخَضَت الشاةُ مَخاضًا ومِخاضًا إذا دنا نتاجُها يريد أَنَّها قد امتلأتْ حَمْلًا وسِمَنًا.
وروايةُ إبراهيم بْن المنذر تَشْهَدُ لقول يَحْيَى بْن مَعِين والمخاضُ في غير هذا الإِبِلُ الحَواملُ واحدتُها خَلِفةٌ عَلَى غير قياسٍ كما قَالُوا للواحدة من النِّساءِ امرأةٌ. واللَّجْبَةُ التي لا لبن لها. قَالَ الأصمعيُّ: هي التي أَتَى عليها بعْد نِتاجها أَربعة أشْهُرٍ فخفَّ2 لَبَنُها. والشَّافِعُ تفسيره في الحديث هي التي في بَطْنها وَلَدٌ يريد أنّها بِوَلَدِها قَدْ صارتْ شَفْعًا.
__________
1 الديوان /184.
2 ت, م: "فجف" والمثبت من س, ط.

(1/391)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْمًا يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ وَرَجُلٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْبَيْتِ قَدْ لَجَأَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ الطَّرِيقُ قَدْ تَجْمَعُ التَّاجِرَ وَابْنَ السَّبِيلَ وَالْمُسْتَبْصِرَ وَالْمَجْبُورَ قَالَ: "يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى" 1.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ يَسْأَلانِ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
المُسْتَبْصِرُ المُسْتَبِينُ للشيء قَالَ الله تعالى: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
__________
1 أخرجه مسلم في الفتن 4/2208-2210 ثم أخرجه عن عائشة بسياق أقرب إلى هذا. وانظر مسند أحمد 6/105 و 6/259.

(1/391)


وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} 1: أي كانوا عَلَى بصيرةٍ من ضلالتهم2. يريد أن تِلْكَ الرُّفقة قد تَجمَع مَنْ لَيْسَ قَصْدُه الإِلحادَ في الحَرَم من عابرِ سبيل وتاجرٍ ومُستبْصِرٍ بالحقّ مفارق لهم في النِّيَّةِ والقَصْدِ. والمَجْبُورُ مَنْ جَبَروه كَرْهًا عَلَى الخروج معهم يُقالُ: جَبَره وأَجْبره لُغَتان وأعلاهما بالأَلف أنشدني أبو عُمَر عَنْ ثَعْلب:
قد أجْبر القاضي بحْكمٍ فَصْلِ ... أَنْ يَمْخَنُوها بثَلاثٍ أدل3
__________
1 سورة العنكبوت: 28.
2 ت, م: ضلالهم.
3 ت: "أن يمتحوها" وفي هامش م: أي ينزحوها. والبيتان فس اللسان والتاج "مخن" برواية:
قد أمر القاضي بأمر عدل ... أن تمخنوها بثمان أَدْلِ

(1/392)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ الْخَيْلِ الأَدْهَمُ الأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ الأَرْثَمُ طَلْقُ الْيَدِ الْيُمْنَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا بُنْدَارٌ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا أَبِي سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عُلَيِّ2 بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ.
الأَقْرَحُ من الخَيْل: ما كَانَ في جَبْهَته قُرْحَةٌ وهي بياضٌ يَسِيرٌ في وسط
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الجهاد 2/932 بلفظه وأخرجه الترمذي في الجهاد أيضا 4/203 والدارمي 2/212 بألفاظ متقاربة.
2 في التقريب 2/36: علي بن رباح بن قصير ضد الطويل اللخمي ثقة والمشهور علي بالتصغير مات سنة بضع عشرة ومائة.

(1/392)


الجَبْهَة. والأَرثَمُ: ما كَانَ بجِحْفَلِته وأنْفِه بَياضٌ كأنّه رُثِمَ بِهِ أي لُطِخَ.
قَالَ الشاعر:
كأَنَّ مَارِنَها بالمِسْك مَرْثُومُ1
فإن كَانَ البَياضُ بالجَحْفَلة ولم يَفْشُ إلى الأَنْف فهو أَلْمَظُ: لأَنَّ لسانَه ينالُه إذا تلّمظَه. والمُحجَّلُ: أن يكون في قوائِمه تَحجيلٌ وهو بياضٌ يبلُغ الرُّسْغَ أُخِذَ من الحِجْل وهو الخَلخَال. قوله: طَلق اليَدِ اليُمْنى أي مُطْلقُها. ويقال: في هذا مُمسَكُ الأَياسِرِ مُطْلَقُ الأَيامنِ وهو مُسْتَحبٌّ. ومُمْسك الأَيامن مُطْلَقُ الأياسر وهو مكروه. ويقال: بَعِير طَلْق اليَدَيْن غيرُ مُقَيَّد وجمعه أَطْلاق. ورجل طليق الوجه وطَلْق الوَجْه وهو طليق اللسان وطِلْق وطَلْق ورَجُل طَلْق اليَدَيْن إذا كَانَ سخِيًّا وقد طَلَقَت يدُه ولسانه طُلُوقَةً وطُلوقًا2.
وكان رَسُولُ الله يكْرَهُ الشِّكالَ في الخَيْل: وهو أن تكون يَدا الفرسِ وإحدى رجلَيْها مُحجَّلةً. قَالَ الشاعر:
أَبغِضُ كُلَّ فَرَسٍ مشْكُولِ ... تَعادَت الثَّلاثُ بالتّحجيلِ
مِنه ورِجلٌ ما بها تَشْكِيل
فوصفَه بهذا النعت.
__________
1 اللسان والتاج "رثم" والبيت:
تثني النقاب على عرنين أرنبة ... شماء مارنها بالمسك مرثوم
وعزيزلذي الرمة وهو في الديوان /572 والمازن: الأنف أو مالان منه.
2 ساقط من س, ط أثبتناه من نسخة ت, م.

(1/393)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ إِبْلِيسُ فِيهَ أَدْحَرُ وَلا أَدْحَقُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ" قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ.
قوله: أَدْحرُ معناه أذلُّ وأبْعَدُ. يُقال: دَحرْتُ الرَجُلَ إذا طردته ونحيته عن المكان ومنه قولُ الله تعالى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} 2.
يريد والله أعلم مَهجُورًا مُقْصى. والدحق قريبٌ: من الدَّحْر يُقال أَدْحَقَهُ اللهُ أي أبْعَدَه ورجُلٌ دَحِيقٌ سَحْيقٌ أي مُبْعَدٌ مَطْرودٌ. قَالَ حسّانُ بْن ثابت:
رَجَمْتُكَ في الشعر حتى خضعـ ... ت وصِرْتَ لحْينكَ فذًّا دَحِيقا3
وقوله: يَزعُ الملائكة يريد أَنَّه جاء يَتَقَدَّمُهُم فيكُفُّ ريْعَانَهُم4.
ومن هذا قولهم: وزَعْتُ الرَجْلَ عَن الضَلالَة وَوَزَعْتُ القَلْبَ عَن الهَوَى5 قَالَ عُمَرُ بْن أَبِي ربيعة:
زَعِ القَلْبَ واستَبْق الحياءَ فإنّما ... يُبَعِّدُ أو يدني الرباب المقادر6
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/378 والإمام مالك في الموطأ مرسلا 1/422.
2 سورة الإسراء: 29.
3 لم أقف عليه في ديوانه ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
4 في النهاية 5/180: "أي يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب فكأنه يكفهم عن التفرق والانتشار".
5 ت: وزعت القلب عن الهم.
6 الديوان /133.

(1/394)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ فُرْسَانًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ مُسَوَّمِينَ وَفُرْسَانًا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مُعْلَمِينَ فَفُرْسَانُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ قَيْسٌ إِنَّ قَيْسًا ضِرَاءُ اللَّهِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ الْعَبْسِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ غَالِبٍ الأَبْجَرِ.
المُسَوَّمُ: المُعْلَمُ. يقالُ: سَوَّم الفارسُ فَرَسَه إذا أعْلَمه بعلامةٍ يُعْرَفُ بها من غَيْرِه والاسم منه السُّومَة
والضِّراءُ جمع ضِرْوٍ وهو من السِّباع ما لهج بالفَرائس ومن الكلاب ما ضَرِي بالصَّيْد. قَالَ ذُو الرُمَّة:
مُقَزَّعٌ أطْلسُ الأَطْمار لَيْسَ لَهُ ... إلا الضِّراءَ وإلا صَيْدَها نَشَبُ2
المُقَزَّع: الخفيف الشّعر3 وأما الضَّراء مفتوحة الضّاد فهو ما وَاراك منْ شجرٍ
ويقال فُلانٌ يَمشي الضَّراءَ إذا كَانَ يَخْتِل الصَّيْد في استِخفاء حتى يأخذه قَالَ الكميت:
وإِنّي عَلَى حُبّيْهم وَتَطلُّعي ... إلى نَصْرِهُم أَمْشي الضَّراءَ وأَخْتِلُ4
وقيس توصف بالفروسة.
__________
1 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/98 مختصرا وذكره الهيثمي في مجمعه 10/49 بأطول منه وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط.
2 اللسان والتاج "قزع" والأساس "ضرى" والديوان /24.
3 من ت.
4 لم أقف عليه في شعر الكميت ط بغداد.

(1/395)


أخبرني محمد بْن الطَّيب المَرْوَزي نا عَلِيّك الرَّازي نا داود بْن رُشَيْد نا سلَمةُ بْنُ بشر نا حُجْرُ بْن الحَارِث عَنْ عَبْد الله بْن عَوْف القاري قَالَ: كَانَ يُقال: يُسَوَّدُ السَّيِّد في تمِيم بالحِلْم وفي قَيسٍ بالفُروسَةِ وفي رَبيْعة بالجُود.

(1/396)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ" 1.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ وَصَافَنَّاهُمْ إِذَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ وَيَقُولُ لَهُمْ يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ. يَا قَوْمُ اعْصُبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ. وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هذا لأعضضته قد ملىء جَوْفُكَ رُعْبًا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قد ملىء سَحْرُكَ فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تَعْنِي2 يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا الْيَوْمَ أَجْبَنُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ3.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا شَبَابَةُ نا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ.
قَالَ الأصمعيّ: الضِّلَعُ جُبَيْلٌ صَغيرٌ ليْس بمُنْقادٍ. وقال غيره إنما سُمِّي ضِلَعًا لمَيْله وانْحرافِه تَمثِيلًا لَهُ بضِلَع الإِنسان. والضَّلْعُ المَيْلُ. ومن هذا قولُك ضَلْعُك مَعَ فُلانٍ أي صغوك وميلك إليه. قال النابغة:
__________
1 كذا في مسند أحمد 1/117 م, ت وفي س: من الخيل.
2 في مسند أحمد 1/117: تعير بدل تعني.
3 أخرجه أحمد في مسنده 1/117 والبيهقي في دلائل النبوة 2/341-343 والطبري في تاريخه 2/269. وذكره الهيثمي في مجمعه 6/75, 76 وعزاه للبزار أيضا.

(1/396)


أتُوعدُ عبْدًا لم يَخُنْك أَمانةً ... وتَتْرُكُ عبْدًا ظالما وهْو ضَالعُ1
وقوله: صَافَنَّاهم أي واقفْناهم في مركز القِتال. والصّافنُ الواقفُ. ومنه الحديثُ: "مَن سرَّه أن يَقْومَ له الرِّجالُ صُفُونًا فليتبوّأ مقْعدَه من النار" 2.
وقال حُمَيد بْن ثَورٍ:
كأنّ سَمُومَها سَرَعَانُ نَارٍ ... إذا ما شَمْسُها صفَنَتْ صُفُونَا3
يُقالُ: صَفَن الفَرسُ إذا قام عَلَى ثلاث قوائم قَالَ الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} 4.
فأمّا قَولُ الفرزْدق:
فلما تَصافَنَّا الإداوة أجهشت ... إلي عضون العَنبرَيّ الجُراضم5
فالتَّصَافُن: أن يُطرحَ في الإناء حَجرٌ ثُمَّ يُصَبَّ فيه من الماء ما يَغْمرُه لِئلّا يتغابنُوا يَفْعَلُون ذَلِكَ في الأَسْفار عند ضِيقِ الماء وإعوازِه. واسمُ تِلْكَ الحَصاةِ المُقْلَةُ.
وقوله: أَرَى قومًا مُستَمِيتين أي مُسْتَقْتِلين. والمُسْتَمِيتُ الَّذِي يُقاتِلُ عَلَى المَوْت. قَالَ حَمزةُ بْن عَبْد المُطَّلب:
بِكَفَّي مَاجدٍ لا عَيْبَ فيه ... إذا لقي الكريهة يستميت
__________
1 الديوان /169.
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد 2/453 وأبو داود 4/358 بلفظ: "من أحب أن يمتثل له الناس قياما فليتبوأ" وأخرجه الحاوي في مشكل الآثار 2/40 بلفظ: "من أحب أن يستجم له الرجال قياما وجبت له النار".
3 ليس في الديوان ط دار الكتب المصرية وفيه مقطوعة على الوزن والقافية.
4 سورة ص: 31.
5 اللسان والتاج "صفن" والديوان 2/297.

(1/397)


وقوله: اعْصِبُوهَا برأسِي يُريدُ الحرْبَ وهي تُؤنَّثُ أو يكون أرادَ السُبَّةَ التي تَلحقُهم بالفِرار من الحَرْب. والجُنُوحِ إلى السَّلْم فأَضمَرها في الكلام اعتمادًا عَلَى مَعْرِفه المخاطبين بها. وقوله: ملىء سحْرُكَ. قَالَ أبو زَيْد: يقالُ للرّجلُ: إذا جَبُنَ وانْكَسَر قد انتفَخ سَحْرُه. قَالَ: والسَّحْرُ ما تعلَّق بالحُلْقُوم وَالرِّئَة.
قَالَ الشاعر:
ونارٍ كسَحْر العَوْدِ يرفَعُ ضَوْءَها م ... ع اللَّيْل هَبَّاتُ الرِّياحِ الصَواردِ
وقال أبو عُبيدةَ في قولِه: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} 1. يريد ممن لَهُ سَحْرٌ ممّا تَعَلَّقَ بالحُلْقُوم. قَالَ: وكُلُّ من احْتاجَ إلى غِذاء فهْو مُسحَّرٌ. وأنشد للبِيدٍ:
فإن تسْألِينا فِيمَ نَحْنُ فإِنَّنا ... عَصافِيرُ من هذا الأَنامِ المُسحَّرِ2
ويُقالُ: انصرف الرجلُ من حاجته صَرِيمَ سَحْرٍ إذا صار آيسًا منها. قَالَ قَيسُ بنُ الخَطِيم:
تقولُ ظَعِينَتي لمَّا استقلَّتْ ... أَتترُكُ ما جَمعْتَ صَرِيمَ سَحْر3
وأما قوله: يا مُصَفِّر اسْتِه فقد قِيلَ إنّه نَسَبَه إلى التَّوضِيع والتَّأنيث.
وقد قَالَ فيه بعضُ الأنصار:
ومِن جَهْلٍ أبو جَهْلٍ أخوكم ... غَزا بدرًا بِمِجْمَرةٍ وَتَوْرِ4
__________
1 سورة الشعراء: 153.
2 شرح الديوان /56.
3 الديوان /120.
4 الكامل للمبرد 1/177. والمجمرة: إناء يوضع فيه الجمر مع البخور. والتور: إناء يشرب فيه "القاموس, الوسيط".

(1/398)


وقد قيلَ إنّه لم يُرِد بهِ ذاك وإنّما هُوَ كلمةٌ. يُقالُ للرّجُل المُتَرف الَّذِي يُؤْثِر الراحَةَ ويَمِيل إلى التَنعُّم.

(1/399)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا رأى كثرة استشارة النبي أَصْحَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ ظَنَّ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَنْطِقُ الأَنْصَارَ شَفَقًا أَنْ لا يَسْتَحْلِبُوا مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَفِيهِ أَنَّ خَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى بَلَغَ الصَّفْرَاءَ فَأَصَابَ سَاقَهُ نَصِيلُ حَجَرٍ فَرَجَعَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِسَهْمِهِ1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عن محمد بن فلح عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
يقال: أَحْلبَ القَومُ واستحْلَبُوا إذا اجتمعوا لأمْرٍ وتَعاونوا عَلَيْهِ. قَالَ الأُمَويُّ: يقال: هُم يَحْفِشُون عليكَ ويُحْلِبُونَ عليك أي يجتمِعُون عليك.
قَالَ الكُمَيْتُ:
عَلى تِلْكَ إجْرِيَّايَ وَهْي ضَريبَتي ... وَإنْ أَجْلَبُوا طُرًّا عَليَّ وَأَحلَبُوا2
يُقالُ: فلان على إجرياء حسَنةٍ: أي حالٍ وطريقةٍ حسنةٍ.
وقوله: أحْلَبُوا: أي أَعانَ بعضُهم بعْضًا والنَّصِيلُ حجرٌ مُحدَّدُ الأَطْرافِ كأنه نصل لحدته.
__________
1 لم أقف على رواية موسى بن عقبة هذه والقصة ذكرها الواقدي في مغازيه 1/48 والطبري في تاريخه 2/274 وابن كثير في السير ة النبوية 2/392 بألفاظ أخرى. والفائق "حلب" 1/307.
2 اللسان والتاج "جرى" ولم أقف عليه في شعر الكميت ط بغداد.

(1/399)


وفي قصَّة بَدْرٍ بهذا الإسْناد أن أبا سفيان خرج في ثلاثين فارسًا حتى نزل بجَبَل من جِبال المدينة فبعث رجُلَيْن من أصحابه فأحْرقُوا صَوْرًا من صِيران الغُرَيْض فخرج رَسُول الله في أصحابه حتى بلغ قَرقَرة الكُدْر فأَغْدَرُوهُ1.
يُقالُ أغدرْت الشيء وأخدَرْتُه إذا خلّفْتَهُ قَالَ الشاعرُ:
كأَنّها أمُّ سَاجي الطَّرْف أَخْدرَها ... مستودع خمر الوعساء مرخوم2
__________
1 ذكر ابن هشام هذه القصة في السيرة بألفاظ متقاربة 3/44 -45 وفي الفائق "صور" 2/318.
2 اللسان والتاج "رخم" وعزي لذي الرمة وهو في ديوانه /570 وأم ساجي الطرف يعني الظبية.

(1/400)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَاعْتَشَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَانْقَطَعَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ يَذْكُرُهُ.
قوله: اعْتَشَى يُرِيدُ أَنَّهُ سارَ في وقْت العَشاء.
قَالَ الشاعر:
وجُوهٌ لو أنَّ المعتفين اعتشوا بها ... صَدَعْنَ الدُّجَى حتى يُرَى الليل ينجل2
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/168, 169 مختصرا وأخرجه المزي في تهذيب الكمال 1/228 بطوله في ترجمة: زياد بن نعيم عن زياد الصدائي.
2 اللسان والتاج "عشا" وعزي لمزاحم العقيلي جعل الإعتشاء بالوجوه كالاعتشاء بالنار يمدح قوما بالجمال وقبله:
يزين نسا الماوي كل عشية ... على غفلات الزين والمتجمل

(1/400)


ومثلهُ اغُتَدَى إذا سارَ غُدْوةً وابتكر إذا سار بُكْرَةً واستَحَر إذا سار سُحْرةً. قَالَ زُهيْرٌ:
بَكرْنَ بُكُورًا واستحْرنَ بسُحْرَةٍ ... فهُنَّ لوَادِي الرَّسِّ كالْيَد للْفَمِ1
وفسَّرهُ بَعْضُهُم فقال: يريدُ أَنَّهُ نزل ليتعشّى أو ليُصَلّي العِشاء وهذا غَلطٌ لأنّ في الخَبَر أَنّ زيَادا الصُّدائي قَالَ اعْتشى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَانْقَطَعَ عَنْهُ أصحابُه ولَزِمْتُهُ فلما كَانَ وقتُ الأَذان أمرني فأذّنْتُ فلمّا نزل للصلاة لحِقه أصحابُه فأرادَ بلالٌ أن يُقيِم فَقَالَ لَهُ: "إنّ أَخَا صُدَاء هُوَ أذّن ومن أذن فهو يقيم".
__________
1 الديوان /10 برواية: "فهن ووادي الرس كاليد في الفم".

(1/401)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْخِلافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْحُكْمُ فِي الأَنْصَارِ وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ" 1.
يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ ثَوْبٍ الْحَضْرَمِيِّ2 عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ.
الدَّعْوَةُ الأَذان وجعله في الحبشة تَفضِيلًا لِبلال مؤذِّنه وجعل الحُكْمَ في الأَنصارِ لأَنّ أكثر فُقهاء الصّحابة منهم مُعَاذٌ وأُبَيُّ بنُ كعب وزيد بْن ثابت وغيرهم.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/185 وذكره الهيثمي في مجمعه 4/192 وعزاه للطبراني أيضا.
2 م: اسماعيل بن عياش بن ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ ثَوْبٍ الحضرمي.
وفي التقريب 1/73: "اسماعيل بن عياش بن سليم العنسي".
وفيه أيضا 1/375: "ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ ثَوْبٍ "يضم المثلثة وفتح الواو ثم موحدة" الحضرمي الحمصي. فيها اثنان لا واحدِ.

(1/401)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَنَعَ طَعَامًا فِي تَزْوِيجِ فَاطِمَةَ وَقَالَ لِبِلالٍ: "أَدْخِلِ النَّاسَ عَلَيَّ زُفَّةً زُفَّةً" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ الْمُسَيِّبِ2 عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: "زُفّةً زُفّةً" أي فَوْجًا فَوجًا وزُمْرةً زُمْرةً وأُراها سُمِّيَتْ زُفَّةً لِزَفِيفها وهو إقْبالُها في سُرْعةٍ. ومنه زَفيفُ النّعَامَة. يقال: زَفَّت النّعامةُ تَزِفُّ زَفِيفًا
ومن هذا قوله: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} 3. أي: يُسْرِعُون
وأخبرني أبو عُمَر أنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلب قَالَ: يُقالُ: للجماعَةَ كُبْكُبَةٌ وكبكبة وهلتاة4 وزَرافَةٌ وغَيْثَرةٌ وبِرزِيقٌ وَصَتٌ وصَتيتٌ ولُمَةٌ5 ولُمعَةٌ وثُبَةٌ وحَضيرَةٌ وثُلّةٌ ولِبْدَةٌ وقِدَّةٌ وصَرْمٌ وعُنُقٌ من النّاس وعنْوٌ وأَعْناء وفِنْوٌ وأَفْناءٌ6 وعِرْوٌ وأعْراء وقَنيفٌ من الناس وهم الأخلاط والأشابات. وروى غير أَبِي عُمَر هِلثاءة بالثاء المثلثة7.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/487 وذكره الهيثمي في مجمعه 9/207-209 في حديث طويل.
2 في المصنف لعبد الرزاق 5/487 "سمرة بن المسيب" والمثبت في جميع النسخ.
3 سورة الصافات: 94.
4 القاموس "هلت": الهلتات الجماعة يقيمون ويظعنون.
5 س: "وأمة" والمثبت من م, ت, ط. وفي القاموس "لما": اللمة "كثبة": الجماعة من الثلاثة إلى العشرة.
6 ح: "وقنو وأقناء". وفي القاموس "قنو": القنو بالكسر والضم والقناء بالكسر والفتح: الكباسة جمعه أقناء وقنينان وقنوان مثلين.
7 من م وفي القاموس "هلث": الهلثي والهلثاء والهلثاءة ويكسران والهلثة بالضم: جماعة علت أصواتهم.

(1/402)


وقال أبو حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ أن يأتيها
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهَا فَأَبَتْ إِلا أَنْ تُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَبُو الإِصْبَغِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: شَرِي أمرُهُما أي عَظُمَ أمْرُهُما وَارتفع إلى رَسُول الله. وأصْلهُ من قولك شَرِي البَرْقُ إذا تتابع لمعَانُه ثُمَّ كَثُر حتى قِيلَ لِكُلّ مَنْ لجَّ في أَمْرٍ وتَمادى فيه قد شَرِي في الأَمْر واسْتَشْرى فيه.
__________
1 أخرجه أبو داود في المناكح 2/249 وغيره. والآية في سورة البقرة: 223.
وفي الفائق 1/274: الحرف: الطرف والناحية والممعنى إتيانها على جنب وقيل: معنى على حرف ألا يتمكن منها تمكن النتوسط المتبجح في الأمر. والشرح: أن يتمكن منها من شرح الأمر وهو فتح ما انغلق منه. وشرح المرأة إذا سلقها على قفاها ثم غشيها.

(1/403)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُحَدِّثُهُ 1 قَيْلَةُ: أَنَّهَا خَرَجَتْ بِابْنَتِهَا تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ قَالَتْ: فَلَحِقَنَا أَثْوَبُ بْنُ أَزْهَرَ عَمُّ بَنَاتِهَا يَسْعَى بِالسَّيْفِ صَلْتًا فَوَأَلْنَا إِلَى حِوَاءٍ ضَخْمٍ قَالَتْ وَمَضَيْتُ إِلَى أُخْتٍ لِي نَاكِحٍ فِي بَنِي شَيْبَانَ أَبْتَغِي الصَّحَابَةَ فَذَكَرُوا حُرَيْثَ بْنَ حَسَّانٍ الشَّيْبَانِيَّ فَنَشَدْتُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ الصُّحْبَةَ وَذَكَرَتْ قُدُومَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالدَّهْنَاءِ اعْتَرَضْتُ فِيهِ فَأَمَرَ أَنْ لا يكتب له فتمثل
__________
1 ت: "ترويه".

(1/403)


حُرَيْثٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ كَمَا قَالَ حَتْفَهَا ضَأْنٌ تَحْمِلُ بِأَظْلافِهَا1.
فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ سَائِرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ2.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ قَالُوا: نا عَبْدُ اللَّهِ3 بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا عُلَيْبَةَ أَنَّ قَيْلَةَ أَخْبَرَتْهُمَا بِذَلِكَ.
قولُها: وأَلْنا معناه لَجأنا إِلَيْهِ. يُقال: وَأَلَ الرَّجُلُ إلى المكان إذا لَجأ إِلَيْهِ. والمَوْئِلُ المَلْجَأُ والمَهْرَبُ. يقال: لا وألَتْ نفْسُهُ أي لا نَجَتْ. وفُلانّ يُوائِلُ أي يُسابِقُ ويُبَادِرُ لِيَنْجُو. قَالَ الأعْشى:
وقد أُحاذِر ربَّ البيتِ غَفْلتَه ... وقد يُحَاذر منّي ثُمَّ لا يَئِل4
أي: لا يَنْجُو.
والحِواء: بُيوتٌ مجتمعة عَلَى ماءٍ وتُجمَعُ عَلَى أَحْويه. قَالَ ذو الرمّة:
إلى لَوائح من أطْلال أَحْويَةٍ ... كأَنَّها خلل موشية قشب5
__________
1 في النهاية 1/388: "حتفها تحمل ضأن بأظلافها" هذا مثل وأصله أن رجلا كان جائعا بالبلد القفر فوجد شاة ولم يكن معه مايذبحها به فبحثت الشاة بالأرض فظهر فيها مدية فذبحها بها فصارت مثلا من أعان على نفسه بسوء تدبيره وهو في اللسان حتف وجمهرة الأمثال 1/363 ومجمع الأمثال 1/192 والمستقصي 2/95.
2 أخرج البخاري في الأدب المفرد 2/607 في باب القرفصاء طرفا منه. والترمذي 5/120 جزء منه. وذكره الحافظ في الإصابة 4/391 بطوله وكذلك المزي في تهذيب الكمال 2/431 ولم أقف عليه في غريب الحديث لأبي عبيد.
3 كذا في ت, م وفي س, ط, ح: علي بن عثمان اللاحقي.
4 ت, م: "وقد أخالس.. ثم مايئل". وكذلك في الديوان /147.
5 اللسان والتاج "قشب, خلل". والديوان /3.

(1/404)


وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلَبَ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا أَبِي نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلَبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفِيضَ الْمَالُ وَيَكْثُرَ وَتَفْشُوَ التِّجَارَةُ وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ" 1.
قَالَ عَمْرٌو: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلانٍ وَيُلْتَمَسُ فِي الْحِوَاءِ الْعَظِيمِ الْكَاتِبُ فَمَا يُوجَدُ.
قولُها ناكحٌ في بني شيبان تريد أنّها ذاتُ زوج وقد تَسقُط الهاءُ في مثل هذا من نعت المؤنث إذ أَرَدْتَ الحال الرَّاهِنَة2 كقولك امرأةٌ طالقٌ وحاملٌ فإذا جَعَلتَه للمُسْتَقْبَل قلت حامِلةٌ وطالِقةٌ. قَالَ الأَعشَى:
أجَارتَنا بِيني فإنّكِ طالقَه3
وَقَولُها: فنَشَدتُ عَنْه أي سأَلْتُ عَنْهُ وطَلبتُ. يقال: نشَدْتُ الضَالّةَ أَنْشُدُها إذا طَلَبْتَها وأنشَدْتُها إذا عرَّفْتَها.
وأخبرني ابنُ الزِّئْبَقي نا الكُدَيْمي نا الأصمَعي قَالَ ضَلَّ بعير لرجُلٍ من الأَعراب فجَعَل ينْشُدُه وهو يَقُولُ: مَن وجدَهُ فهو لَهُ فقيل: لَهُ فَما تَتَعَنّى في طلبه قَالَ فأينَ فَرحةُ الوجدان.
__________
1 أخرجه النسائي في البيوع 7/244 بلفظ: "يفشو المال.. ويظهر العلم بدل: "القلم" ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد.
والطبراني بلفظ.. "أن يقبض العلم ويظهر القلم وتفشو التجارة". وابن عساكر في التاريخ بلفظ: "يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو التجارة". "انظر الجامع الكبير 1/271
2 هامش س, ط, ت: "الذاهبة" والمثبت من م, ح.
3 الديوان /122 والبيت فيه:
ياجارتي بيني فإنك طالقة ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه

(1/405)


وأما قَولُه: حَتْفَها ضَأنٌ تحمِلُ بأظلافها فإنّه مَثَل1 ضربَهُ لها ولِصَنِيعها بِهِ حينَ اعتَرضَتْ عَلَيْهِ في الدَّهناء وَحالَت بينه وبينها. وأَصلُ هذا أَنّ النُّعمانَ بنَ المنذر عمد إلى كبش فَعلَّق في عُنقة مُدْيةً ثُمَّ أَرْسَلَه ونذَر أن يَقتُل من عَرَض لَهُ فكان الكبْشُ يَسْرَحُ ولا يُمَسّ ثُمَّ إنّهُ مَرَّ عَلَى أَرقَم بْن عِلباءَ اليَشْكُريّ فَقَالَ: كَبْشٌ يحمِلُ حَتْفَهُ بأظْلافه ثُمَّ وثَب عَلَيْهِ فذَبَحه واشْتَواه وقال شِعْرًا طويلًا فيه:
أُخَوَّفُ بالنّعْمان حتّى كأنّني ... قَتَلْتُ لَهُ خَالًا كِريْمًا أو ابنَ عَمّ
__________
1 سبق تخريجه.

(1/406)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَسُولا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَبَلَّغَهُ رِسَالَتَهُ فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ لأَبِي سُفْيَانَ مَا أَتَاكَ بِهِ ابْنُ عَمِّكَ قَالَ أَتَانِي بِشَرٍّ سَأَلَنِي أَنْ أُخَلِّيَ مَكَّةَ لِجَعَاسِيسِ أَهْلِ يَثْرِبَ1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ.
الجَعاسيسُ اللِّئامُ واحدهم جُعْسُوس قَالَ الراعي:
ضِعافُ القُوَى لَيْسُوا كَمنْ يبتَني العُلا ... جعَاسيسُ قَصَّارون دون المَكَارِم2
فأمّا الجُعْشُوشُ بالشِّين مُعجمة فهو الطويل الدقيق قاله الأصمعي.
__________
1 في الفائق 1/217 برواية: "لجعاسيس مضر". والحديث برواية كتابنا هذا في النهاية "جعسس" 1/276.
2 لم أقف عليه في شعره ط دمشق. وهو في ديوانه /245 ط بغداد وفي الفائق "جعسس" 1/217.

(1/406)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ فَلَمَّا انْفَتَلَ تَنَاوَلَ قَرَدَةً مِنْ وَبَرِ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَقَالَ: "إِنَّهُ لا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مَا يَزِنُ هَذِهِ إِلا الْخُمْسُ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ" 1.
يَرْوِيهِ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زِيَادٍ الْمُصَفَّرِ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الْمِقْدَامِ الرُّهَاوِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
القَرَدَةُ: القِطعةُ من الوَبَر تَنْسُلُ منه. قَالَ رُؤبَةُ:
مَدَّ بخَيْطَيْ قَرَدٍ وصُوف2
ويُقالُ إنَّ القَرَدَ أرْدَأُ الصُّوفِ والوَبَر قَالَ الشاعر يهْجُو قَوْمًا:
لَوْ كُنْتُمُ ماء لكنتم زَبَدا ... أو كنتم صوفا لكنتم قردا3
ومن أمثالهم في التَّفرِيط في الحاجة وهي مُمْكِنَةٌ ثُمَّ تُطلَبُ بعد الفَوت قَولُهم:
عثَرتْ عَلَى الغَزْل بأَخَره ... فلم تَدعْ بنَجْدٍ قَرَدَه
قَالَ الأَصمَعِيُّ: وأصْلُه أن تَدَعَ المرْأةُ الغَزْلَ وهي تَجِدُ ما تغْزله من قطْن أو كِتّان حتّى إذا فَاتَها تتبَّعت القَرَدَ في القُمامات تَلْتقطها فتغْزلها.
ويُقالُ: سنامٌ قَردٌ أي جَعْدُ الوَبَر. قَالَ بشر بن أبي خازم يصف ناقة4:
__________
1 أخرجه ابن ماجه /950 بنحوه وأخرجه ابن عساكر في تاريخه بلفظه كما ذكر السيوطي في الجامع الكبير 2/425.
2 في الديوان أرجوزة على هذه القافية ليس منها هذا البيت.
3 في الفائق 3/170 واللسان والتاج "قرد" برواية: "عكرت" بدل "عثرت". وعكرت: عطفت والمثل في جمهرة الأمثال 2/48 ومجمع الأمثال 2/5 والمستقصي 2/157.
4 ت: "ناقته".

(1/407)


لها قِردٌ كَجُثْو النَّمْل جَعْدٌ ... يَغَصٌ بِهِ العَراقي والقُدُوحُ1
والعَراقي: عيدان الرحل.
__________
1 ح: "كجثو النخل" وهو في الديوان /50 باختلاف في بعض الألفاظ. وفي هامش م: القدوح جمع قدح خشيبات تكون في الرحل.

(1/408)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ لِعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بن اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَأَصَابَتْه رَمْيَةٌ يَوْمَ الطَّائِفِ فَضَمِنَ مِنْهَا فَقَالَ النبي لأُمِّهِ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ نَسُوءٌ: "أَبْشِرِي بِعَبْدِ اللَّهِ خَلَفًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ" فَوَلَدَتْ غُلامًا فَسَمَّتْهُ عَبْدَ اللَّهِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرَ بِإِسْنَادٍ ذَكَرَهُ.
قولهُ: ضَمِنَ منْها أي زَمِنَ يُقالُ: ضَمِنَ الّرجُلُ ضَمانةً ورجلٌ ضمِنٌ ورِجَالٌ ضَمْنَى. ومنه الحديثُ: "من اكْتَتَب ضَمِنًا بعثَه اللهُ زَمِنًا" وهذا في الرجل يضرب عليه البعث فيتعالل ويتمارَض وليْس بِهِ مَرَضٌ.
وأخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعلب أن أعرابيا جاء إلى صاحب الفَرْضِ فَقَالَ:
إِنْ تَكْتُبوا الضَّمْنَى فإنّي لَضَمِن ... مِنَ داخِل القَلْب ودَاءٍ مُسْتَكِنْ2
وقوله: وهي نَسْوءٌ أي مَظْنُونٌ بها الحَمْل3. قال الأصمعي: يقال
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه 1/21 رقم النص: 123 وذكره الحافظ في الإصابة 2/329.
2 الفائق 2/347.
3 ت: الحبل.

(1/408)


للمرأة أوّلَ ما تَحْمِلُ قد نُسِئَتْ فهي نَسْءٌ. قَالَ غيره: امرأَةٌ نَسْءٌ ونِساءٌ نِسَاءٌ1 جَمْعُ نَسْءٍ وفيها ثلاثُ لُغات نَسْءٌ ونُسْءٌ ونِسْءٌ2 وإنما قِيلَ لها نَسْءٌ لأنّ حيْضَها تأخَّر عَنْ وقْتِه من نَسَأَ فُلانٌ الشيء إذا أَخَّره. ومنه النَسِيئَةُ في البَيْع. قَالَ الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} 3 وهو تأْخيرهُم الأَشْهُر الحْرُم إلى أشهُر الحِلٌ واستِحلالُهم فيها القِتال. قَالَ الشاعر:
ألَسْنا النَّاسِئينَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الحِلّ نجْعلُها حَرامَا4
ويُقالُ في الدُّعَاء: نَسَأَ اللهُ في أَجَله وأَنْسَأه اللهُ.
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ أنا أَبِي عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمُرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَرْسَلَهَا إِلَى أَبِيهَا وَهِيَ نَسُوءٌ فَأَنْفَرَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ بَعِيرَهَا حَتَّى سَقَطَتْ فَنَفِثَتِ الدِّمَاءَ مَكَانَهَا وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَلَمْ تَزَلْ مِنْهُ5 ضَمِنَةً حَتَّى مَاتَتْ عند رسول الله6.
__________
1 ط, س: ونساء ونسوء بكسر النون وفتح السين والمثبت من ت, م, ح.
2 اللسان "نسأ": امرأة نسء ونسوء ونسوة نساء إذا تأخر حيضها ورجي حبلها.
3 سورة التوبة: 37.
4 اللسان والتاج "نسأ" وعزي لعمير بن قيس بن جذل الطعان.
5 ت: "منها".
6 ذكر الحاكم في المستدرك 4/42-44 قصة هجرة زينب بألفاظ متقاربة وبطرق متعددة وذكره الهيثمي كذلك في مجمعه 9/216 عن عروة بألفاظ متشابهة.

(1/409)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُضَرَ بِالسَّنَةِ" فَجَاءَهُ مُضَرِيٌّ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا يَخْطِرُ لَنَا جَمَلٌ وَمَا يَتَزَوَّدُ لَنَا رَاعٍ1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَغِطُّ لَنَا بَعِيرٌ2.
قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ فَمَا مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ حَتَّى مُطِرُوا وَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى أَعْطَنَ3 النَّاسُ فِي الْعُشْبِ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ. وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ4 بْنِ سَعِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ.
السَّنَةُ الجَدْبُ. يقال: أَسْنَتَ القومُ إذا أجْدَبُوا فهم مُسْنِتون قَالَ الشاعر:
عَمرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لِقَوْمه ... ورجالُ مَكَّة مُسْنِتُون عِجَافُ5
وقوله: ما يَخْطِرُ لنا جَمْلٌ يريد أَنَّ الفُحُولَة لِمَا بها من الضُرِّ والهُزال لا تَغْتَلم فتَهْدِر وإنّما يَخْطِر البَعِيرُ بذَنَبِه إذا اغتلم. وقال عبد الملك بنُ مَرْوان لمّا قَتَل عَمرو بْنَ سَعِيد: لَقدْ قَتَلْتُه وإنَّهُ لأَعَزُّ عليَّ من جِلْدَةِ ما بين عيْنَيَّ ولكن لا يَخْطِرُ فَحْلان في شَوْلٍ
وحدثني أحمد بْن إبراهيم بْن خُزَيْمة نا إسحاق بْن إبراهيم نا أحمد بْن مُصعَب المروَزِيّ نا الفَضلُ بْن مُوسَى السِّيناني عَنْ داودَ العطار قال:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/89.
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/91.
3 ت: "أغطى" "تحريف".
4 في المصنف 3/91 عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ سالم بن أبي الجعد. وفي س: "عن ابن عبد الله عن عمر بن سعيد".
5 اللسان والتاج "سنت" وعزي لابن الزبعري وانظر للكامل في المبرد 1/252.كذا في م, ت والمشتبه 1/382. وفي س: "السينابي. وفي ط: "السيباني".
وفي التقريب 2/111: الفضل بن موسى السيناني بمهملة مكسورة ونونين أبو عبد الله المروزي ثقة ثبت مات سنة 292هـ.
وفي اللباب: ينسبإلى سينان إحدى قرى مرو.

(1/410)


سَمِعَ سُليمانُ بْن عَبْد الملك في مُعَسكره صوتَ غِناء فدعا بهم ثُمَّ قَالَ لهم: أَمَا إنَّ الفَرسَ ليَصْهَل فتسْتَودِقُ لَهُ الرَّمَكةُ وَإِنَّ الجَمَل ليَخْطِر1 فتَضْبَع لَهُ النّاقَةُ. وإنّ التَيْسَ ليِنبُّ فتستحْرم لَهُ العَنْزُ وإنّ الرجُل ليُغَنّي فتشتاق إِلَيْهِ المرأة اخصوهم. فَقَالَ عُمَرُ بْن عَبْد العزيز: إنّها مُثْلَةٌ وطلب إِلَيْهِ فَخَلَّى سَبيلهم ويقال: خَطَر البَعيرُ بذَنَبه خَطْرًا وخَطِيرًا وخَطَر الشيءُ ببالي خُطُورًا وخَطَر الرجلُ في مِشْيته خَطَرَانا2.
قَالَ أبُو زيْدٍ: يُقَالُ غَطَّ البَعيرُ إذا هَدرَ في الشِقْشِقَةِ فإذا لم يَكُنْ في الشّقْشِقَة فهو هَدِيرٌ
والناقةُ تَهْدِرُ ولا تَغِطُّ لأنّه لا شِقْشِقَةَ لها. وقال الأصمعيُّ: إذا بلغَ الذَّكرُ من الإبل الهديرَ فأوَّلُه الكَشِيشُ فإذا ارتَفَع قَلِيلًا فهو الكَتِيتُ فإذا أَفْصَح بالهَدْر قِيلَ هدَرَ هَدِيرًا فإذا صَفَا صوتُه قِيلَ قَرْقَر فإذا جَعَل يَهْدِرُ هَدِيرًا كأنه يُقَصَّره قِيلَ زَغَد يَزْغَدُ زَغْدًا3 فإذا جَعل كأنّه يَقْلَعُه قَلْعًا قِيلَ قَلَخَ وبعيرٌ قَلاخٌ4. ويُقالُ لكُلّ ذَاتِ ظِلْفٍ
__________
1 اللسان "خطر": خطر الفحل بذنبه يخطر من باب ضرب خطرا وخطرانا وخطيرا رفعه مرة بعد مرة وضرب به حاذيه وهو ماظهر من فخذيه حيث يقع شعر الذنب وقيل ضرب به يمينا وشمالا.
وقد ذكر ابن كتير هذه القصة في البداية والنهاية 9/180 بلفظ: "ليهدر" بدل "ليخطر" فتستخذي" بدل "فتستحرم.
2 ساقط من س, أثبتناه من ت, م.
3 ت, ح: "رغديرغد رغدا "تصحيف وفي القاموس "زغد": زغد البعير كمنع: هدر شديدا.
4 ت: "فلخ وبعير فلاخ". تصحيف وفي القاموس "قلخ": قلخ الفحل كمنع قلخا وقليخا هدر وفي س: بعير قلاخ بدون تشديد.

(1/411)


إذا أرادَت الفَحْلَ استحْرمَتْ ولِكُلّ ذات حافز استَودقَتْ ولِكُل ذاتَ مِخْلَبٍ كالكَلْب ونحْوه صَرفَتْ واستَجْعلَتْ ويُقال للناقة ضَبِعَتْ.
وقولُه: حتى أَعْطنَ الناسُ في العُشْب يُريدُ أَنّ الغُدران قد امتلأت ماءً فصارت أعْطانُ الإبل في مراعيها والعَطَنُ مناخُ الإِبل عنْد الحَوْض بعد الصَّدَر وإنّما يُعْطَنُ بَعْدَ الري قَالَ عُمَرُ1 بْنُ لَجأ:
يْمشي إلى رواء عاطناتها2
__________
1 ت: "عمرو".
2 اللسان والتاج "عطن".

(1/412)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ يَوْمًا: "هَلْ مِنْ وَضُوءٍ" فَجَاءَ رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ فَاقْتَضَّهَا فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ فَصُبَّتْ فِي قَدَحٍ قَالَ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً نُدَغْفِقُهَا دَغْفَقَةً1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ نا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ.
النُّطْفَةُ القَلِيلُ من الماء قَالَ بِشرُ بْن أَبِي خَازمٍ:
مُعّرسُ أَرْبَعٍ متقابلات ... يُبادِرْنَ القَطَا سَمَلُ النِّطَاف2
يريدُ بقايا الماء ويُقال للماء الكثير أيْضًا نُطْفَةٌ والحرفُ من الأضداد.
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب اللقطة 3/1354 بلفظ: "فأفرغها" بدل "فاقتضها".
2 الديوان 146.

(1/412)


وقوله: اقْتَضّها هكذا قَالَ بالقافِ فإن كَانَ محفُوظًا فمعناه أنّه فَتَح رأسَ الإِداوَة ومن هذا اقْتِضاضُ البِكْر واقتِضاضُ اللُؤلؤة ونحْوِها. وإن كانت الرِّوايةُ بالفاء فمعناه أنّه قد صَبَّ شَيئًا منْها يُقال فَضَّ الماءَ وافتضَّهُ إذا صَبَّ شيئًا منه بعْدَ شيء. قَالَ حُمَيد بْن ثَوْر:
إذا النُّوقُ لم تملك سِجالا تَفُضُّها ... من البَوْل واهْتَزَّ الخُفافُ السَّميْدَعُ1
يُريدُ أنّها لم تَمِلك البَوْل من شدَّة السَّيْرِ.
وقال جِميلُ بْن مَعْمَرٍ:
قامَتْ تودّعْنا والعَيْنُ سَاجِمَةٌ ... إنْسَانُها بفَضِيض الدَمْعِ مكتحلُ
يُريدُ الدّمْع المُتَفرق.
والدَغْفَقَةُ الكَثْرَةُ والسعة. يقال فلان في نَعيم دَغْفَقٍ أي واسعٍ. قَالَ الشاعر:
بعد التَّصابي والشَّباب الغَيْدَقِ ... أَزْمَانَ إذ نَحْنُ بعَيْشٍ دَغْفَقِ2
والغَيْدَقُ والغَيْداقُ مِثْلهُ. يُقال: مَطرٌ غَيْداقٌ أي واسِعٌ كثيرٌ.
وشَبِيةٌ بهذا حَدِيثُ المِيضَأة وَهُوَ مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي سفر مع رسول الله فَبَيْنَا نَحْنُ لَيْلَةً مُتَسَاتِلِينَ عَنِ الطَّرِيقِ نَعِسَ رَسُولُ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَدَلْتَ فَنَزَلْتَ حَتَّى يَذْهَبَ كَرَاكَ. قَالَ: "فَابْغِنَا مَكَانًا خَمِرًا" قَالَ: فَعَدَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ فَإِذَا أَنَا بِعُقْدَةٍ مِنْ شَجَرٍ قَالَ: فَنَزَلْنَا فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إِلا بِالشَّمْسِ فَقُمْنَا وَهِلِينَ من
__________
1 في الديوان قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذا البيت.
2 اللسان والتاج "غدق" واقتصرا على البيت الأول.

(1/413)


صَلاتِنَا. قَالَ: وَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْعَطَشَ فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَهَا فِي ضِبْنِهِ ثُمَّ الْتَقَمَ فَمَهَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَفَثَ فِيهَا أَمْ لا فَشَرِبَ النَّاسُ حَتَّى رَوَوْا1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَتَكَابَّ النَّاسُ عَلَى الْمِيضَأَةِ فَقَالَ: "أَحْسِنُوا الْمَلأَ فَكُلُّكُمْ سَيَرْوَى" 2.
قولُهُ: مُتساتلين مَعْناهُ مُتَقاطِرِين واحدًا في إثر واحدٍ. وكلُّ شيء تَبِع بعضُه بَعْضًا فقد تَساتَل كالدَّمْع إذا تتابع قَطْرهُ والعِقْد إذا انْقَطَع سِلْكُهُ. والخمر ما واراك من الشجر ومكان خَمِرٌ أي أَشِبٌ. قَالَ الأصمعيُّ: والعُقْدَةُ من الأرْض البُقْعَةُ الكَثِيرةٌ الشَّجَر. فأمّا العَقِدَةُ فالقِطْعَةُ من الرَّمْلِ قد تراكم بعضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَجَمْعُها عَقِدٌ. وقال أبُو عَمْرو هُوَ العَقَدُ بالفَتْح. وقوله: وَهِليْن مَعْناه فَزِعيْن.
والوَهَل الفَزَعُ. والمِيضَأةُ مِطْهَرةٌ غَيرُ كَبِيرة يُتَوضَّأُ منها. والضَّبْنُ ما بيْن الكَشْح والإِبْطِ. وقال: اضْطَبَنْتُ الشّيءَ إذا حَمَلْتَه فأمْسَكْتَه عَلَى ضِبْنِك.
وقوله: أَحْسِنُوا المَلأَ. قَالَ أبُو زَيدٍ: يُقال لِلرجُل: أَحْسِنْ مَلأَكَ أي خلقك.
__________
1 خرجه مسلم بطوله في 1/472 بنحوه وأبو داود في 1/119, 120 وابن ماجه طرفا منه وأحمد في مسنده 5/298, 302, 307.
2 في صحيح مسلم 1/472 هذه الرواية متداخلة في الأولى التي تقدمت.

(1/414)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِهِ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ" فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَاللَّهِ لأَضْرِبَنَّهُ بِالسَّيْفِ وَلا أَنْتَظِرُ أَنْ آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "انْظُرُوا إِلَى سَيِّدِنَا هَذَا مَا يَقُولُ" 1.
يَرْوِيهِ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ بُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: "انظُروا إلى سيّدنا" يُريدُ إلى مَنْ سَوَّدْنَاه عَلَى قَوْمه ورأَسْناهُ عليهم كما يَقولُ السلْطَانُ الأعظمُ فُلانٌ أمِيرُنا وقائدُنا أي مَن أَمَّرناه عَلَى الناس وَرتّبْنَاه لِقيادة الجُيُوش وكان سعدُ بنُ عُبادَة سيِّد الخَزرَج في الجاهليّة وجَعله رَسُولُ الله نَقِيبًا في الإسْلام. فعلى هذا يُتأوّلُ قولهُ: سيّدنا لا أعْلمُ للحَديثِ وَجْهًا غيره.
وكيف يَجُوزُ أن يكونَ أحدٌ يسوده وهو سيّدُ وَلَدِ آدَم أَحمرِهم وأَسْودِهم وإنما جاء في أكثر الرّوايات انظروا إلى ما يَقُولُ سَيّدُكُم.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: أَنَّ وَفْدَ بَنِي عَامِرٍ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْبُنَانِيُّ نا عَبْدُوسُ الْمَدَائِنِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ نا غَيْلانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قدمنا على رسول الله فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ. قَالَ: فَقُلْنَا: أَنْتَ وَالِدُنَا وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْتَ أَطْوَلُنَا طُولًا وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ فَقَالَ: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ". وَرُبَّمَا قَالَ: "لا يستجرينكم الشيطان" 2.
__________
1 لم أقف على رواية أسلم بن جرة وقد أخرجه مسلم في اللعان 2/1135, 1136 بنحوه من حديث أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الديلت 4/181.
2 أخرجه الإمام أحمد في 4/25 بلفظ: "ولينا" بدل: "والدنا", وأبو داوود في 4/254 مختصرا.

(1/415)


وإنما أنكر هذا القَوْلَ: مِنْهُم لأنّه من تحيّةِ أَهلِ الجاهليّة كانوا يحيون بذلك ملوكهم ويثنون بِهِ عَلَى رؤسائِهم فَقَالَ لهم قُولوا بقَولِكُم أي بِقَول أهْل دينكم ومِلَّتِكُم يأمرهم بأن يُثْنوا عَلَيْهِ بالدِّين وأن يُخاطِبُوه بالنبيّ والرَسُول كما ذكره اللهُ في كتابه وعلى ما جَرتْ بِهِ عادةُ قومهِ وأَصحَابِه وقد يكون معناه كراهةَ التَّشْدِيق في الخُطَب يأمرهم بالاقتصاد في القول لئلا يذهب بهم المَقالُ إلى ما لا تَعْتَقِدُه قُلُوبُهُم. وهذا كما روي في حديث هند بن أَبِي هَالَة أنّه كَانَ لا يقبل الثناء إلا من مكافىء1.يُرِيد واللهُ أعلم أنّه لا يقبَلُه إلا من مَقْتَصِدٍ في القَوْل يعرفُ حقيقةَ إِسْلامِه ولا يَدْخُل عنده في جُملَة المُنافقين الّذين يقولون بألسنَتِهم ما لَيْسَ في قُلوبهم وقد تأوّلَه ابن قُتيبة عَلَى غير هذا فَقَالَ معناه أَنَّه كَانَ إذا أَنعَم عَلَى رَجُلٍ نِعْمةً وكافأَة وأثنَى عَلَيْهِ قَبِل ثناءَه وإذا أثْنَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ قَبْل أن يُنعِمَ النبي لم يقبل ثَناءَه.
قَالَ ابنُ الأنباري: وهذا غَلَطُ بيِّنٌ لأنَّه لَيْسَ في الأرض أحدٌ من جميع الناس ينفكُّ من إنعام رسول الله إذْ كَانَ اللهُ قد بَعَثَه إلى جميع الناس ورحِم بِهِ الخَلْق وانتاشهم وأنقذهم ببعثته2 إليهم من المهالك والمعاطب فنعمته سابقةٌ إلى كُلِّ الخَلْق لا يَخْرُج منها مكافىء ولا غير مكافىء وغير جائز أن يُقال مَن كافأ رَسُولَ الله بالثَّناء عَلَى نعمة سبقت منه قبل ثناءه ومن لا فلا لأن الثناء عَلَى رسول الله فرض عَلَى جميع الناس لا يَتِمُّ إسلامُهُم إلا بِهِ ولا يتحقّقُ دُخُولُهُم في الشريعة إلا من جهته.
__________
1 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/244 والهيثمي في مجمع الزوائد 8/275 وغيرهما.
2 ت: "يبعثه" والمثبت من س, م, ح.

(1/416)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ البغل فحلمني عليه ثم انطلق يهوي بِي كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ رِجْلاهُ مَعَ يَدَيْهِ 1 وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَدَاهُ مَعَ رِجْلَيْهِ 2 " 3.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ قَنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْمِيِّ نا أَبُو ظِبْيَانَ الْجَنْبِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قولهُ: "يهوي بنا" معناهُ يَسِيرُ بنا وقد يكون ذَلِكَ في الصُّعُود والهبُوط معًا وإنّما يختلِفُ في المَصْدر فيُقال هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا إذا هَبَطَ وهُويًّا بالضَّمِّ إذا صَعِد. أنشدني4 أبو رَجَاء الغَنَويّ عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلب:
وَالدَّلْوُ في إصعَادِهَا عَجْلى الهُوِيّ5
وقال بعضُ القرشيين:
بينما نحن بالبلاكث فالقا ... ع سراعًا والعِيسُ تَهْوِي هَوِيَّا
خطرَتْ خطرة على القلب من ذكرا ... ك وهْنًا فَما استَطعْتُ مَضِيّا6
وقوله: كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ رِجْلاهُ مَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَداه مَعَ رجْلَيْه فيه قولان:
__________
1 م, ط, ,ح: يده.
2 ط: "زجله" والنثبت من م.
3 ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/147 وعزاه لابن عرفة في جزئه كما ذكره أبو نعيم في الدلائل وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/606 والهيثمي في مجمعه 1/74 بنحوه.
4 م: "أنشد".
5 ت: "على الهوي". وهو في اللسان "هوى".
6 اللسان والتاج "بلكث".

(1/417)


أحدهما: أن تكون مَسافَةُ العَقَبة كُلّها خُطْوَة واحدة من خُطَاهُ إذا هُوَ صَعد أو هبَط1.
والقولُ الآخَرُ أن يكون سيرها بِهِ في العِقَاب كَسَيْرها في مُسْتوى الأَرْض وذلك أن الدَّابّة إذا هبَطتْ من ثِنيَّةٍ أكبَّتْ عَلَى مُقدَّمها وإذا صَعِدَت أوْفَتْ عَلَى مُؤخّرها فَيَعْنَتُ لذلك راكبُها فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّها قد سُخِّرَت لَهُ فسارت بِهِ في العِقَاب سَيْر الدّوابِّ على متون الأرض.
__________
1 م: "إذا هي صعد أو هبطت" والدابة تذكر وتؤنث.

(1/418)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ خَشَبَةٌ يَقُومُ عِنْدَهَا إِذَا خَطَبَ فَقَالُوا: لَوْ جَعَلْنَا لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى تُسْمِعَ النَّاسَ فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ الْخَلُوجِ فَأَتَاهَا النَّبِيُّ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمُقْرِي نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ2 نا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ نا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ.
الناقةُ الخَلُوجُ هي التي اختُلِج ولَدُها أي انْتُزِع منها. والخَلْجُ الجَذْبُ وإنّما سُمِيّ الوتدُ خَلِيجًا لأنَّهُ يَخْلِجُ الدَّابّةَ إذا رُبِطَتْ. قَالَ ابنُ مُقْبلٍ:
وَباتَ يُغَنّي في الخليج كأَنَّهُ ... كُمَيْتٌ مُدَمًّى نَاصِعُ اللّوْن أَقْرَحُ3
__________
1 أخرجه الدارمي في المقدمة 1/17 بلفظ: "حنين الناقة الخلوج" وبلفظ: "حنين العشار". وأخرجه البيهقي في دلائب النبوة 2/274.
1 من م.
3 الديوان /38.

(1/418)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأبي ذر: "ما لي أَرَاكَ لَقًّا بَقًّا كَيْفَ بِكَ إِذَا أَخْرَجُوكَ مِنَ الْمَدِينَةِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ.
قوله: "لَقَّا بَقًّا" معناهُما كَثرةُ الكَلامِ والإِسْهَابُ فيه يُقال رَجلٌ لقٌّ بَقٌّ ولَقْلاقٌ بَقْباقٌ وبه سُمِّيَ اللِسّانُ لَقْلقًا.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَهْلُ بْنُ عَلِيٍّ الدُّورِيُّ نا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ثنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ الْعُطَارِدِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ نَظَرَ ابْنُ الْخَطَّابِ إِلَى شَابٌّ فَقَالَ يَا شَابُّ إِنْ وُقِيتَ شَرَّ لَقْلَقِكَ وَقَبْقَبِكَ وَذَبْذَبِكَ فَقَدْ وُقِيتَ شَرَّ الشَّبَابِ2.
قَالَ الأَصمعيُّ: فاللَقْلَقُ اللِّسان والقَبْقَبُ البَطْنُ والذَبْذَبُ الفَرجُ والبَقاقُ3: كثّرَةُ الكلام. ويُقالُ رَجُلٌ مِبَقُ إذا كَانَ كَثِيرَ الكَلامِ.
وكان أبو ذَرٍّ رحمه الله فيه شدة على الأمراء إغلاظ لهم وكان عُثمانُ رضي الله عَنْهُ يُبَلَّغُ عَنْهُ إلى أن استأذنه أبو ذر في الخروج إلى الرَّبَذةِ فأذن لَهُ في ذَلِكَ عَلَى النَّظَر لَهُ.
ورَوَاه بَعضُهم لقًا بقًا مُخفَّفيْن ومعناه عَلَى هذه الرواية ما لي أَراكَ مُلقى وكُلُّ شيء أَلقيتَه فهو لقى قال الشاعر:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/711 وانظركنز العمال 5/471 وعزاه لنعيم في الفتن ولم نقف عليه في مصنف عبد الرزاق.
2 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 168-ب.
3 ت, ط: البقباق: كثرة الكلام تحريف وفي القاموس "بق": بق على القوم بقا وبقاقا: كثر كلامه.

(1/419)


لَقى بْين أيْدي الطائِفين حَريمُ1
وقوله: بقًا إتْبَاع ليزْدَوجَ بِهِ الكلام كقولهم شيْطَانٌ لَيْطانٌ وعَطشانُ نَطْشَان وجائعٌ نائعٌ.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ: قلتُ لأبي المُكارِم ما قَولُكُم جائعٌ نائعٌ قَالَ: إنما هُوَ شيء نَتِدُ2 بِهِ كَلامَنا ويدلُ عَلَى صحّة هذا التأويل مَا رَوَاهُ مُعْتَمِرُ3 بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ4 عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: أتاني نبي الله عليه السلام وَأَنَا نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: "أَلا أَرَاكَ نَائِمًا فِيهِ" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ غَلَبَتْنِي عَيْنِي قَالَ: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ". قُلْتُ: مَا أَصْنَعُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَضْرِبُ بِسَيْفِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ رُشْدًا تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَتَنْسَاقُ لَهُمْ حَيْثُ سَاقُوكَ" 5.
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ6 نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْبَيَاضِيُّ نا
__________
1 اللسان والتاج "حرم" دون عزو وصدر البيت: "كفى حزنا كرى عليه كأنه".
والحربم: ماكان المحرمون يلقونه من الثياب كانت العرب في الجاهلية إذا حجت البيت تخلع ثيابها التي عليها إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما داموا في الحرم.
2 القاموس "وتد": وتد الوتد يتده وتدا وتدة: ثبته.
3 ت: "معمر بن سليمان" وفي تهذيب التهذيب 10/227 وهو معتمر بن سليمان بن طرخان بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء معجمة وبراء وبنون التميمي أبو محمد البصري قيل: إنه كان يلقب بالطفيل روى عن أبيه ... وداود بن أبي هند وغيرهما.
4 كذا في جميع النسخ. وفي مسند أحمد 5/156 وتهذيب التهذيب 12/69: "ابن أبي الأسود الديلي". وفي التقريب 2/391: أبو الأسود الديلي "بكسر امهملة وسكون التحتانية" ويقال: الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة البصري. اسمه: ظالم بن عمرو بن سفيان ثقة فاضل مخضرم. مات سنة 69هـ.
5 أخرجه أحمد في مسنده 5/156 وكذلك في 5/144 بسند آخر بألفاظ متقاربة.
6 ت: "الهنقسي" تحريف والمثبت من س, م, ط.

(1/420)


مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ1: سَمِعْتُ كَهْمَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِمَعْنَاهُ.
__________
1 من م.

(1/421)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَزَلَ وَأَبُو بَكْرٍ بِأُمِّ مَعْبَدَ وَذْفَانَ مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ شَاةً فَرَأَى فِيهَا بُصْرَةً مِنْ لَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَى ضَرْعِهَا فَقَالَ: "إِنَّ بِهَذِهِ لَبَنًا وَلَكِنْ أَبْغِينِي 1 شَاةً لَيْسَ فِيهَا لَبَنٌ" فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ فَقَبِلَهَا2 قَالَ هِشَامُ بْنُ حُبَيْشٍ الْكَعْبِيُّ: أَنَا رَأَيْتُ الشَّاةَ وَإِنَّهَا لَتَأْدُمُهَا وَتَأْدُمُ صِرْمَتَهَا.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الدَّغُولِيُّ نا غِيَاثُ بْنُ حَمْزَةَ نا أَبُو الأَشْعَثِ حَفْصُ بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ نا حِزَامُ بْنُ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ الْكَعْبِيُّ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ بِذَلِكَ.
قوله: وَذْفَان مَخْرجه مَعْنَاهُ حِدثان مَخْرجه أو عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ من الوَقْت أوْ ما يُشْبِهُ هذا من الكلام وقال بعضهم أَصْلهُ من الخِفّة والإِسْراع في السَّيْر. ومنه قِيلَ: تَوذَّفَ الرجل إذا مَرَّ مرًّا سَرِيعًا وهذا كقولهم سَرْعَانَ ما فعَلْتَ ذَلِكَ ووَشْكَانَ ما رأيتَ كَذَا قَالَ الشاعرُ:
أتَخْطُب فيهم بعد قَتْلِ رِجَالهم ... لسَرْعانَ هذا والدّماءُ تصبب3
__________
1 س, ط: "أبغني".
2 لم أجده بهذه الألفاظ وقد ذكره الهيثمي 6/55-58 بطوله بألفاظ متقاربة وعزاه للطبراني وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 1/451 بنحوه.
3 اللسان والتاج "سرع" وعزي لبشر بن أبي خازم وهو في ديوانه /12 برواية:
وحالفتم قوما هراقوا دماءكم ... لوشكان هذا والدّماءُ تَصبَّبُ

(1/421)


وفي بعض الأمثال: سَرْعانَ ذِي إهَالَة1. وأَصْلُه أَنَّ رجلًا كَانَ يُحمَّقُ فاشترى شاةً عجْفاء يَسيلُ مُخَاطُها هُزَالًا فَقَالَ هذه الإِهَالَةُ تِسيلُ فقيل سَرْعان ذي إهالة أي ما أَسْرَع هذه الإِهَالَة من إِهالة وذي بمعنى هذه. قَالَ الأصمعيُّ: ليْسَ في الكلام نُونٌ تُشْبهُ نُونَ الاثنين إلا جَاءَتْ مَكْسُورةً غير نُون شَتّانَ وأَخواتِها. قَالَ: ويُشْبهُ أن يكون شتانَ مصْدرًا ونُونُها مَفْتُوحةٌ في الأحْوال كُلّها وكذلك وشكانَ وسَرْعَان وبَطْآن.
وقولهُ: بُصْرةً من لبَن فإنّه يُريدُ أَثرًا من لَبنٍ يُبْصَرُ في الضّرْع فأمّا البَصِيرَةُ فهي الطريقة من طرائف الدم إذا سالت عَلَى الجَسَد وجَمْعُها البصَائر والصِّرْمُ النّفرُ يَنْزِلُون بإبلهم عَلَى ماء. والصِّرمَةُ القَطِيعُ من الإبل ليسَ بالكثير. ويُقال: أَدَمْتُ الخُبْزَ آدُمُهُ والاسْمُ الإِدَام والأُدُمُ ويقال من اللّبْن لبَنْتُه أَلْبِنُهُ وأَلْبُنُه ومن التَّمْر تَمْرتُه أَتْمُره ومن اللَّحْم أَلْحَمْتُه بالأَلِف.
__________
1 اللسان "وشك" وجمهرة الأمثال 1/519 ومجمع الأمثال 1/336 والمستقصي 2/301 ويروى: "لوشكان ذا إهالة".

(1/422)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ" 1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ نا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ القتباني أن شييم2
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهاة 1/9 والنسائي في الزينة 8/135 وأحمد في مسنده 4/108, 109.
2 ط: شيم "بضم الشين". وفي تقريب التهذيب 1/357: شبم بكسر أوله وفتح التحتانية وسكون مثلها بعدها ابن بيتان بلفظ القتباني بكسر القاف وسكون المثناة المصري ثقة.

(1/422)


بْنَ بَيْتَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
عَقْد اللِّحَى يُفسَّرُ عَلَى وجهين:
أحَدُهما أَنَّهم كانوا يعقدونها في الحروب نَهاهُم عَنْ ذَلِكَ وأمَرهم بإرسالها.
والوجه الآخر أن يكون أراد تَعقِيدَ الشَّعْر وهو مُعَالَجتُه ليتعقَّد ويتَجَعَّد. وأمّا تَقْلِيدُ الوتَر فإنّ مالكَ بْن أنس كَانَ يرى كراهيةَ ذَلِكَ من أجْلِ العَيْن عَلَى ما كَانَ من مذهبهم في تَعْلِيق التَّمائم ونحْوِها. ويُقال: إنّما نَهاهم عَنْ ذَلِكَ للأجْراس التي كانت تُعَلَّق فيها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَشِيرٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ الله فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولا أَنْ لا تَبْقَى فِي رَقَبَةِ بَعيِرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ إِلا قُطِعَتْ1. ويُقال: بل نَهَى عَنْ ذَلِكَ في الخَيْل2: لئلًا تَخْتَنِقَ بها عنْد الركض.
__________
1 رواه البخاري في الجهاد 4/72 وأبو داود في الجهاد 3/24 وأحمد في مسنده 5/216.
2 أخرجه البخاري وأو في الجهاد "باب إكرام الخيل" 3/24.

(1/423)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَاهُ مِنَ اللَّبَنِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لِي شَاةٌ تُحْلَبُ غَيْرُ عَنَاقٍ حَمَلَتْ1 أَوَّلَ الشِّتَاءِ فَمَا لَهَا لَبَنٌ وَقَدِ اهْتُجِنَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِيتِنَا بِهَا فدعا عليها رسول الله بالبركة ثم حلب عسا" 2.
__________
1 م: "حبلت".
2 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/224 وابن عبد البر في الاستيعاب 3/1301 والهيثمي في مجمعه 6/58 والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/470 بألفاظ متقاربة.

(1/423)


مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ ثنا عبيد الله بن إياد سمعت إيادا يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ قَيْسِ بْنِ النعمان السدوسي.
قولُه: اهتْجِنَتْ معناه أنّ الحَمْلَ قد ظهر بها والهاجِنُ العَنَاق التي حَمَلتْ قبْلَ وَقْتِها. قَالَ الأُمَويُّ: من أمْثال العرب جَلّت الهاجِنُ عَنِ الولد1. والهاجن الصَّغيرةُ يريدون أنّها صَغُرَتْ عَنِ الوِلادة يُقالُ للصَّغير: جَللٌ كما يُقالُ ذَلِكَ للكَبير. ويُقال: اهتُجِنَتِ الجاريَةُ إذا افْتُرِعَت قبلَ الأوَان. وقال الأَصْمَعِيُّ: إذا حَمَلت النخْلَةُ وهي صغيرة قِيلَ: هي مُهْتَجنَةٌ. ويقال أيضا: متهجنة.
__________
1 جمهرة الأمثال 1/307 ومجمع الأمثال 1/159 والمستقصي 2/53 واللسان "هجن".

(1/424)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد قَالَ: لَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ الرَّوْحَاءِ عَارَضَتْ رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ صَبِيًّا بِهِ جُنُونٌ قَالَ: فَحَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ الرَّاحِلَةَ ثُمَّ اكْتَنَعَ إِلَيْهَا فَوَضَعْتُهُ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ1.
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِنُخْرَةِ الصَّبِيِّ فَقَالَ: "اخْرُجْ بِاسْمِ اللَّهِ" فَعُوفِيَ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمِ نا زَكَرِيَّا بْنُ حَمْدَوَيْهِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ.
قوله: اكْتَنَع إليها أي دنا منها. والكُنُوعُ: القُرْبُ والدُّنُوُّ من الشيء. والنُخْرَةُ الأنْفُ. قَالَ ذو الرمة:
__________
1 رواه أبو يعلى كما في المطالبة العالية 4/8 والسيوطي في الجامع الكبير 2/248.

(1/424)


قِيامًا تَذُبُّ البَقّ عَنْ نخُراتِها ... بنهز كإيماء الرؤوس الموانعِ1
قَالَ الأصمعيّ: النَّخُورُ من الإبل: هي التي لا تدرّ حتى يضرب أنفها.
__________
1 الديوان /363 برواية "صياما" بدل قياما".

(1/425)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِي أَسْمَاءَ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِيهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "وَأَنَا الْعَاقِبُ" وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ في كتابه2 إلا أنّه لم يُفسِّرْ قَوْلَهُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ" وفيه قولان:
أحدهما أَنَّهُ أول من يُحشر من الخَلْق ثُمَّ يُحْشَرُ الناس عَلَى قدمِه: أي عَلَى أَثَره. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: "وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبَيَّ" 3.
والآخر أن يكون أراد بقَدَمه عَهدَه وزَمانَه. قَالَ بعضُ أهلِ اللغة: يُقال: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رِجْلِ فُلانٍ وعلى قَدَمِ فُلان وعلى حَيَّ فُلان أي في عهده وزمانه.
__________
1 أخرجه البخاري في المناقب 4/225 ومسلم في الفضائل 4/1828 وأحمد في مسنده 4/80, 81. وفي النهاية "حشر": وأنا الحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره.
2 2/242 وفيه: العاقب آخر الأنبياء.. وآخر كل شئ عقبه.
3 رواية أبي خيثمة رواها مسلم في الفضائل 4/1828.

(1/425)


وحُكِي عَنِ الأصمعي قَالَ: قَالَ سعيدُ بْن المُسَيَّب ذات يوم إني رأيت في المنام1 موسى يمشي عَلَى البحر حتّى صَعِد إلى قَصْرٍ ثُمَّ أخذ برِجْل شيْطانٍ فألقَاه عَلَى2 البحر وإني لا أعْلُم نِبيًّا هلكَ عَلَى رِجْله من الجبَابرة ما هلكَ عَلَى رِجْل مُوسَى وأظن هذا قد هلك يعني عَبْد الملك بْنَ مروان فجاء نَعِيُّه بعد أربَعٍ.
قَالَ الأصمعيُّ قَولُه: عَلَى رِجْل مُوسَى أي في زَمانه والمعنى أَنَّ شَرِيعَته لا تُنْسَخُ إلى يَومِ القيامة.
وأمّا قولُهُ: إنّ لي أسماءَ فإنه أَرادَ والله أعلم أَنَّ هذه الأسماءَ مذكورة في كُتُب الله المُنزّلَة على الأمم التي كذبت بنبوته حُجّة عليهم.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ لَهُ اسْمَانِ غَيْرُ الْمَسِيحِ وَيَعْقُوبِ إِسْرَائِيلَ.
وقال غَيرهُ: خمسةٌ من الأنبياء لهم اسمان: أحمدُ ومحمد وعِيسَى والمسيح وذو الكِفْل وإلياس وإسرائيل ويَعْقوب ويُونُس وذُو النون.
__________
1 من ح.
2 م: "في البَحْر".

(1/426)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: مَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيَّةٍ عَجُوزٍ فَجَلَسْنَا قَرِيبًا مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ مَعَ1 الْمَسَاءِ جَاءَ بُنَيٌّ لَهَا يَفَعَةٌ بِأَعْنُزٍ مَعَهُ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الشَّفْرَةَ وَالْعَنْزَ2 فَأَتَانَا بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "رُدِّ الشَّفْرَةَ وَأْتِنِي بقدح أو قعب" قال:
__________
1 م: "عند".
2 ساقطة من ح.

(1/426)


يَا هَذَا إِنَّ غَنَمَنَا قَدْ غَرَزَتْ قَالَ: "انْطَلِقْ فَأْتِنِي بِهِ" فَأَتَاهُ فَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ الْعَنْزِ ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلأَ الْقَدَحَ1.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الرحمن بن الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
يُقال غَرزَتِ الغَنمُ غِرازًا إذا قلٌ لبَنُها وغَرَّزَها صاحبُها إذا ترك حَلْبَها ليذهبَ رِفْدُها. وقال الأصمعيُّ: إذا أُتِي عَلَى الشّاةِ بَعْد نِتاجها أربعَةُ أَشْهُرٍ فجَفَّ لَبَنُها وقلّ فهي لَجْبَةٌ وجَمعُها لِجَابٌ ولَجَبَاتٌ.
قَالَ أبو زَيد: اللَّجْبَةُ من المَعِز خاصّةً. قَالَ: والمَصُورُ مِثلُ اللَّجْبَة وهي في المَعِز أيضًا ومِثْلُها من الضَّأن الجَدُودُ وجَمعُها جَدائِدُ. قَالَ الأَصْمَعيُّ: فإن كانت أَلبانُها قد يَبَّسَها أَصحابُها عَمْدًا فذلك التَّصْويَةُ
وقد صَوَّيْتُها وإنما يُفعَل ذَلِكَ ليكون أسمن لها.
__________
1 رواه البيهقي في دلائل النبوة 2/222 بلفظ: "وقد عزبت" بدل "غرزت" وبدون كلمة يفعة.

(1/427)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي سَنَةً فَتُرْمِدَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو الْوَلِيدِ2 عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
قوله: تُرمِدُهُم معناهُ تُهْلكهُم والرَّمْدُ الهَلاكُ وبه سُمّيَ عامُ الرمادة.
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/19 بلفظ: "فتهلكهم عامة" وقال: أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجه وابن المنذر واللفظ له.
2 ح: ابن الوليد.

(1/427)


وقال قائلٌ: قد رأيْنا عَالمًا من أمته هَلَكُوا هُزْلًا1 وجُوعًا في عام الرَّمادَة في عهد عُمَر بْن الخطاب. ثُمَّ في الغَلاء الَّذِي كَانَ بالبَصْرة أيّامَ زياد ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا إلى عَصْرِنا هذا لم يَزَل النّاسُ تُصِيبهُم الجَوائحُ في البُلْدَان والقُرَى والأَعْرابُ تُقحِمهُم السَّنَةُ وتُصِيبهُم المَجاعةُ وأقْربُ ما عَهِدْنَا من ذَلِكَ ما وقع بمدينة السَّلام من الغَلاء الَّذِي أَجْلَى أهْلَها وأَتَى عَلَى أكْثَرهم فأين بَيَانُ استِجابةِ دُعَائِه فيُقالُ له إنما دعا النبي بأن لا يُهْلِك أمَّته هَلاكًا عَامًّا وأن لا يُسْتَأصَلُوا فيجْتَاحُوا أَصْلًا سُنَّةَ مَنْ هلك من الأُمَم الخالِية والقُرُونِ الماضية. وأمّا أن يقحط قوم ويُخصَبَ آخرُون ويُجدبَ بلدٌ مُدّةً من الزمان ثُمَّ يَحيَا بعد فليس مِمَّا جرت بِهِ الدعوة ولا عرضت لَهُ المسألة ولم يزل من سُنَّة الله في خَلْقه أن يختلفَ أمرُ بلاده في الجَدْب والخِصْب وأحْوال عِباده في الجدة2 والعسر فمرفة3 لَهُ ومُقتَّرٌ عَلَيْهِ أَمرٌ قد جَرتْ بِهِ المقاديرُ فلا مَردَّ له ولا اعْتراض عَلَيْهِ.
وهذا كالمُفسّر في حَديثٍ آخر. حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيُهْلِكَهُمْ وَأَنْ لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ عَطَاءً لا مَرَدَّ لَهُ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لا يُهْلَكُوا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لا يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ
__________
1 ت: "هزالا" والمثبت من م, س, ح.
2 ح: "في الحديث" بدل "في الجدة".
3 ح: "فمروة له" بدل "فمرفه".

(1/428)


يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي 1 بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يُفْنِي بَعْضًا" 2. فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ. وَالسَّنَةُ الْعَامَّةُ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَلا هِيَ كَائِنَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأن3 الله رؤوف بالعباد غير مخلف للميعاد.
__________
1 م, ط, ح: "ويسبي بعضا".
2 أخرجه مسلم في الفتن في 4/2215 وأبو داود كذلك في 4/97 والترمذي 4/472 وابن ماجه 2/1403 باختلاف بعض الألفاظ.
3 م: "لأنه رؤوف بالعباد".

(1/429)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ السِّبَاعِ1. حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجِ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْحُورِيِّ2.
السِّبَاعُ تفسيره في الحديث المُفَاخَرةُ بالجِماع ولا أُراهُ أخِذ إلا من قَوْلهم سبعت الرجل إذا وقعْت فيه وذكرتَهُ بما يَكْرَه وذلك لأنّ هذا المعنى ممّا يُكْرَهُ ذكْرُه3 ويُسْتَرُ عَنِ الناس أَمرهُ. وروى أبو عُمَر ولم أسمعْهُ منه عَنْ أَبِي العبَّاس عَنِ ابن الأعرابيّ قَالَ السِّبَاعُ كَثْرَةُ الجماع. ورُوي في حديث آخر أَنَّهُ اغْتَسل من سِباعٍ كَانَ منه في رَمَضان أي من مُقَارفَةِ جماع.
وقال بعض أههل اللغة: السِّبَاعُ في الجِماع معناه راجع إلى الكثرة قَالَ والتّسبيع التّضْعيف والعرب تَقُولُ سبَّع الله لك الأجْرَ أي ضاعَفَه.
قَالَ: ولم يريدوا بهذا عَدَدَ السَّبْع حتى لا يجاوزوه قَالَ ومن هذا قوله: سُبْحَانْه: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} 4. هو من باب
__________
1 أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة "دراج" والكامل لوحة 4/339 –ب وأخرجه العقيلي في الضعفاء "السباع حرام" لوحة 73-ب.
2 من م.
3 ساقظة من ح.
4 سورة التوبة: 80.

(1/429)


تكثير العدد وتضعيفه لا من بَابُ حَصْر العَدَد. والمعنى لا يغفر لهم وإن استكثرت من الدعاء1.
__________
1 من م.

(1/430)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْخُرَّاصِ إِذَا بَعَثَهُمُ: "احْتَاطُوا لأَهْلِ الأَمْوَالِ فِي النَّائِبَةِ وَالْوَاطِئَةِ" 1.
قَالَ ابن قُتَيبة: الوَاطِئةُ المارَّةُ والسَّابِلَةُ سُمُّوا بذلك لِوَطْئهم الطريقَ.
قَالَ: ومعنى الحديث أنّه أَمَر خُرّاصَ النَخْل أن يَسْتَظْهِروا لأصْحَاب النخل في الخَرْص لِمَا يَنُوبُهْم ويَنزِلُ بهم من الأَضْياف ويَجْتازُ عليهم من أبناء السبيل.
قَالَ: وفيه وجْهٌ آخر هُوَ أشْبَه بمعنى الحدَيث وهو أَنَّ الواطِئَة هي سُقاطةُ التَمْر وما يَقَع منه بالأرضِ فيُوطأُ ويُداس جاء بلْفظ فاعِل وهو بمعنى مَفْعول كقولِه: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2. أي لا مَعْصُومَ وكَقَوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 3. أي مَرْضيّة.
والعربُ تَقُولُ: ماءٌ دَافِقٌ أي مَدْفُوقٌ وسِرٌّ كاتمٌ أي مَكْتُومٌ ولَيلٌ نائِمٌ أي يُنَامُ فيه. قَالَ الشّاعُر:
لقَدْ لُمْتِنا يا أُمَّ عِمْرانَ في السُّرَى ... ونِمْتِ ومَا لَيْلُ المَطيِّ بنائم4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/129 والبيهقي في السنن الكبرى 4/124 بدون النائبة.
2 سورة هود: 43.
3 سورة الحاقة: 21.
4 البيت لجرير وهو في ديوانه /454. وخزانة الأدب 1/465.
وفي س: "ياأم غيلان". وفي هامشه ت, م, ط: "يا أم عمران".

(1/430)


ومما جاء بلفْظ مفعولٍ ومَعْناهُ معنى فاعل قوله: {حِجَاباً مَسْتُوراً} 1. أيْ سَاتِرًا. وقَولُه: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} 2. أي آتِيًا والله أعلم.
وإنّما صِرْنَا إلى هذا لأنّ المعنى الَّذِي تأوَّلهُ ابنُ قُتيبة قد استُفِيد بالنّائبة ووقَع بيانُه بها فلم يَكُنْ لِحَمْل الكلام الثاني عَلَيْهِ وَجْهٌ وقد رُوِي معنى ما ذهَبْنَا إِلَيْهِ عَنْ عُمَر بْن الخطاب.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ لِلْخَارِصِ دَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَقَعُ وَقَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ3
وفيه وَجهٌ ثالث عَنْ أَبِي سَعِيد الضَّرِير قَالَ هي الوَطَايا واحِدَتُها وطِيَّةٌ وهي تَجْرِي مجْرَى العَرِيَّة وسُمِّيَتْ وطِيّةً لأَنَّ صَاحِبَها وطّأها لنفسه أو لأَهْلِه فهي لا تَدْخُل في الخَرص إذا خَرصَ الخارصُ يُعْفَى لَهُ عنها وذلك عَلَى قَدْر النَّخْل يكون فيها وَطَايَا عِدَّةٌ أو وَطِيَّةٌ واحدة.
__________
1 سورة الإسراء: 45.
2 سورة مريم: 61.
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/129.

(1/431)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَقَى فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ" 1.
قد وَقَع هذا الحديث أولا في كتاب أَبِي عُبَيْد وثانيا في كتاب ابن
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها مناقب عمره 5/13 ومسلم في الفضائل 4/1860 وغيرهما.

(1/431)


قُتيبَة وفَسَّر كُلُّ واحدٍ منهما طائِفةً من لفظه ولَمْ يعرِض واحدٌ منهما لمَعْناه. وقد علمْنا أنّ هذا مَثلٌ في رُؤْيا أريها وإنما يُرادُ بالمَثَل تَقْريبُ علمِ الشيء وإيضَاحُه بِذكر نَظِيره وفي إغفال بيانهِ والذَّهاب عَنْ معناه وعن مَوضِع التَّشْبِيه فيه إبْطالُ فَائدةِ المَثَل وإثباتُ التَّفْضِيل1 لعُمَر عَلَى أَبِي بَكْرٍ إذ قد وُصِف بالقُوَّة من حَيْثُ وُصِفَ أبو بَكْر بالضَّعْف وتلك خُطَّةٌ أَبَاها المُسْلِمُون. والمَعنى والله أعلم أنه إنّما أراد بهذا القوْل إثباتَ خِلافَتِهما والإِخْبارَ عَنْ مُدّة ولايتِهما والإبانةَ عمّا جَرَى عَلَيْهِ أحْوَالُ أُمّته في أيّامهما فشَبّه أمرَ المسلمين بالقَليب وهو البِئُر العادِيَّة وذلك لِمَا يكون فيها من الماء الَّذِي بِهِ حَياةُ العِباد وصلاحُ البِلاد وشَبَّه الوَالي عليهم والقائَم بأمورهم بالنَّازعِ الَّذِي يستَقِي الماءَ وَيَقْرِيهِ2 للوَاردة ونَزع أبو بَكْر ذَنُوبًا أو ذَنُوبَين عَلَى ضعف فيه إنّما هُوَ قِصَرُ مُدّةِ خِلافَته والذَنُوبَان مثَلٌ في السَّنَتْين اللَّتين ولِيَهُما وأَشْهُرًا بعدهما وانْقضَتْ أيامُه في قِتال أهلِ الردة واستِصْلاح أهلِ الدَّعوة ولم يتفَرَّغ لافتِتاح الأَمْصارِ وجِبايةِ الأَمْوال فذلك ضَعْفُ نَزْعِه. وأمّا عُمَر فقد طالت أيّامُه واتّسعَتْ وِلايتُهُ وفتح اللهُ عَلَى عهده العِراقَ والسَّوَادَ وأرضَ مصْر وكثيرًا من بلاد الشام وقد غنِم أموالَها فقسَّمَها في المسْلمين فأخصبَت رِحالُهم وحَسُنَتْ بها أحوالُهُم فكان جَوْدَةُ نَزْعِه مَثلًا لما نالُوهُ من الخَيْر في زمانه واللهُ أعلم.
والعرَبُ تضربُ المثلَ في المُفاخرة والمغالبة بالمُساقاة والمساجَلة فتَقولُ فلان يُسَاجلُ فُلانًا أي يُقاوِمُهُ ويُغَالبِه وأَصْلُ ذَلِكَ أن يسْتقيَ ساقِيَان فيُخرج كلّ واحد مِنهما في سَجْله مثل ما يُخرِج الآخرُ فأيُّهما نَكَل غُلِبَ. وقال العبّاسُ بنُ الفضل اللهبي يذكر ذلك.
__________
1 ت, م: "الفضيلة".
2 س, ت, ط: "ويقربه".

(1/432)


مَن يُسَاجِلْني يُساجِلْ ماجدًا ... يَمْلأُ الدلو إلى عقد الكرب1
__________
1 اللسان والتاج "سجل" وعزي للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.

(1/433)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي وَهُوَ يُقَتِّرُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ رَامِيًا وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُشَوِّرُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ لَهُ1 إِذَا رَفَعَ شَخْصَهُ هَكَذَا بِأَبِي وَأُمِّي لا يُصِيبُكَ سَهْمٌ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا عَفَّانُ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ.
قولهُ: يُقَتِّرُ معناه يجمع لَهُ الحَصَا والتُرابَ يجعله قُتَرًا وكُلُّ كُثْبَةٍ منْها قُتْرَةٌ وهي العَلامَة. وقال الأَصمعيُّ: القِتْرُ: نَصْلُ الأَهْدَاف.
وأنشد لأَبي ذُؤَيبٍ:
كَقِتْر الغِلاء مُسْتَدِرًا صِيَابُها3
وزعم محمدُ بْن السَّائب الكلبيّ أنّ يكسوم ابن أخي الأشرم أهدى للنبي سِلاحًا فيه سَهْمٌ لَغْبٌ وقد رُكّبتْ مِعْبَلَةٌ في رُعْظِه فقَوَّم فُوقَه وقال هُوَ مستحِكم الرِّصاف وسمَّاهُ قِتْرَ الغِلاء. يُقال للسَّهْم الَّذِي لم يَلْتَئِمْ رِيشُهُ لَغْبٌ وهو اللغاب.
__________
1 من م.
2 أخرجه البخاري في المغازي 5/125 ومسلم في الجهاد 3/1443 بدون "يقتر, ويشور".
3 شرح أشعار الهذليين 1/50 وصدره: "إذا نهضت فيه تصعد نقرها" أي نهضت هذه النحل في هذا الموضع شق على نفر منها. والقتر: "نصال سهام الأهداف. ومستدر: ذاهب. وصيابها: قواصدها.

(1/433)


قَالَ بِشْرُ بْن أَبِي خازِم:
وإِنَّ الوَائليَّ أصَابَ قَلْبي ... بسَهْمٍ لم يَكُنْ نِكْسًا لُغَابَا1
فإذا التأم ريشُهُ وهو أن يكونَ بَطْنُ الرِّيشَة إلى ظهر الأُخرى فهو اللُّؤَامُ. والمِعْبَلَةُ نَصْلٌ عَرِيضٌ وَالرُّعْظُ. مَدْخَل النَّصْل في السَّهْم. والرِّصافُ عقَبةٌ تُلْوَى عَلَى الرُّعْظ. والغِلاءُ الرِّماء. يقال: غالَيْتُه أغالِيه غِلاءً أي رامَيْتُه. والغَلْوَةُ مَدَى الرَّمْيَة.
وقوله: يُشَوِّرُ نفسه: أي يَسْعَى ويَخفّ يُظْهِرُ بذلك قُوَّتَه.
يقال شُرْتُ الدابَّة إذا أَجْرَيْتَها لتنظر إلى سيرها2.
__________
1 اللسان "لغب" برواية:
فإن الوائلي أصاب قلبي ... بسهم ريش لم يكس اللغابا
2 م, ط: سيرتها.

(1/434)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُهُ.
قولُه: تأكُل القُرى يُريدُ أَنَّ الله يَنْصُرُ الإِسلام بأهل المدينة وهم الأنْصار ويفتح عَلَى أيديهم القُرَى وَيُغنِّمُها إيَّاهُم فيأكُلونَها وهذا في الاتّساع والاخْتِصار كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2. يريد أهل القرية
__________
1 أخرجه البخاري في فصل المدينة 2/26 ومسلم في الحج 2/1006 والحميدي في مسنده 2/488 وغيرهم.
2 سورة يوسف: 82.

(1/434)


وكقوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} 1. وكانوا يُسَمُّون المدينة يَثْرِبَ وهي اسمُ أَرضٍ بها فغيَّر رَسُولُ الله اسمها وسماها طيبة كراهية للتثريب.
__________
1 سورة الأنبياء: 11.

(1/435)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَطَبَ فِي أَضْحَى فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحًا ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَجَزَّعُوهَا1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله: تجزَّعُوها أي تَوزَّعُوها واقْتسمُوها وأصْلُه من جَزعْتُ الشيءَ إذا قَطعْتَه والجُزعَةُ القِطْعَةُ من الشيء.
__________
1 أخرجه البخاري في الأضاحي 7/129, 130 ومسلم كذلك 3/1554 والنسائي في العيدين 3/193.

(1/435)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رُقَيْقَةَ بِنْتَ أَبِي صَيْفِيِّ وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَتْ تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُوُّ جَدْبٍ قَدْ أَقْحَلَتِ الظِّلْفَ وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدَةٌ اللَّهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ وَمَعِي صِنْوي إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ صَيِّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ مِنْكُمْ1 هَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ فَحَيَّ هَلا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ أَلا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلا طُوَالا عُظَامًا أَبْيَضَ بَضًّا أَشَمَّ الْعِرْنِينِ لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ عَلَيْهِ أَلا فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بطن
__________
1 س: "المبعوث فيكم".

(1/435)


رَجُلٌ أَلا فَلْيَشُنُّوا مِنَ الْمَاءِ وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا أَلا وَفِيهُمُ الطَّيِّبُ الطَّاهِرُ لِدَاتُهُ أَلا فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ وَلْيُؤَمَّنِ الْقَوْمُ أَلا فَغِثْتُمْ إِذًا أَبَدًا مَا شِئْتُمْ وَعِشْتُمْ قَالَتْ فَأَصْبَحْتُ مَذْعُورَةً قَدْ قَفَّ جِلْدِي وَوَلِهَ عقلي فاقتصصت رؤياي فوا لحرمة وَالْحَرَمِ إِنْ بَقِيَ أَبْطَحِيٌّ إِلا قَالَ هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ وَتَتَامَّتْ عِنْدَهُ قُرَيْشٌ وَانْقَضَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَشَنُّوا وَمَسُّوا وَاسْتَلَمُوا وَاطَّوَّفُوا ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفُّونَ حَوْلَهُ مَا إِنْ يُدْرِكُ سَعْيَهُمْ مَهَلَةٌ حَتَّى قَرُّوا بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ وَاسْتَكَفُّوا جِنَابَيْهِ فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَطِيبًا1فَاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِهِ مُحَمَّدًا فَرَفَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ قَدْ كَرَبَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ أَنْتَ عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبداك وَإِماؤُكَ بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ فَاسْمَعَنَّ اللَّهُمَّ وَأمْطِرَنَّ عَلَيْنَا غَيْثًا مُرْبِعًا مُغْدِقًا فَمَا رَامُوا وَالْبَيْتِ حَتَّى انْفَجَرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَكَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ حَوَيِّصَةَ3 قَالَ: تَحَدَّثَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ أَبِي صَيْفِيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ4 إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الجوهري,
__________
1 من ح.
2 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 148- ب وابن سعد في الطبقات 1/89 والبيهقي في دلائل النبوة 1/300-304 وذكره السيوطي ف الخصائص الكبرى 1/198.
3 ت: "عن أبي حويصة".
4 ط: "وحدثناه ابْنُ مَالِكٍ".

(1/436)


نا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرِ بْنِ الْعَلاءِ الأَوْدِيُّ النَّحْوِيُّ نا أَبُو السُّكَيْنِ: زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ خُرَيْمِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ الطَّائِيُّ نا عم أبي زخر بْنُ حِصْنٍ عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ قَالَ قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ يُحَدِّثُ مَخْرَمَةَ وَرُبَّمَا قَالَ حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ إِلا أَنَّهُ قَالَ فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلا وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا أَوْطَفَ الأَهْدَابِ وَإِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَامَ وَمَعَهُ1 رَسُولُ اللَّهِ غُلامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
قولها2: أَقْحلَت الظِّلْفَ من القُحُولَةِ وهي اليبُوسَة. يُقالُ: قَحَل الشيءُ قُحُولًا أي يبس وخُبْرٌ قاحِلٌ.
والتّهْوِيمُ فوق السِّنَة ودُون3 النُّعاس قَالَ الشاعرُ:
مَا تَطعَمُ العَيْنُ نَومًا غَيْرَ تَهْوِيمِ4
وقال المُفضَّلُ: السِّنَةُ في الرَّأْسِ والنَّومُ في القَلْب. والصَّحَلُ بُحَّةٌ في الصَّوْت وصوتٌ صَحِلٌ ومثله الجُشَّة وهي شِدّة الصَّوْت مَعَ بَحّةٍ. يُقال: رجلٌ أجَشُّ وامرأَةٌ جَشَّاءُ. قَالَ مُتَمَّمُ بن نويرة:
__________
1 من ت, م.
2 س: "قوله".
3 ط: "وفوق النعاس".
4 اللسان والتاج "هوم" وعزي للفرزدق يصف صائدا وصدره:
عاري الأشاجع مشفوه أخو قنص
وهو في الديوان 2/184 برواية:
عاري الأشاجع مسعور أخو قنص ... فما ينام بحير غير تهويم
ونوم التهويم: هو أن يهز النائم رأيه من النعاس.

(1/437)


ولا شَارفٍ جَشّاءَ هاجَتْ فرجّعَتْ ... حَنِينًا فأبْكى شَجْوُها البَرْكَ أَجْمَعا1
وقولُه: هذا إبّانُ نُجومهِ أي وَقْتُ ظهوره. يُقال: نَجمَ النَبتُ إذا طَلَع. وقوله: فحيَّ هَلًا كَلَمَةُ حَثٍّ واسْتِعجال. قَالَ لَبيدٌ:
يتَمارَى في الَّذِي قُلتُ لَهُ ... ولقَد يَسْمَع صوْتي حَيّ هَلْ2
والحَيَا مَقْصُورٌ المَطرُ الذّي يُحْيي الأَرضَ. والحَياءُ ممدود من الاسْتِحْياء. وحَيَاءُ الناقة يُمدُّ ويُقْصَرُ. ويُقالُ: رَجُلٌ عُظامٌ بمعنى عَظِيم وجُسام بمعنى جَسِيم ومِثْله كُرامٌ وكُبارٌ قَالَ الشاعرُ:
كحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رَغَالٍ ... يَسْمعُهَا لآهَةُ الكُبَارُ3
فإذا أَرادُوا المُبَالغةَ في الوصْف شَدَّدُوا كَقولِه: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} 4. ويُقالُ رجُلٌ وَسِيطٌ إذا كَانَ حَسِيبًا في قومه والفِعْلُ وسُطَ وسَاطةً وسِطَةً. قَالَ العَرْجِيُّ:
كَأنِّي لم أَكُنْ فيهم وسِيطًا ... وَلَمْ تَكُ نِسْبَتي في آل عَمْرِو5
وقوله: فلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ أي ليُقْبِلْ إِلَيْهِ. يُقال: دَلَفَ يَدْلِفُ دَليفًا6 وهو أن يُمشي مَشْيًا يُقارِبُ بين الخُطَا.
وقوله: فَلْيَشُنُّوا من الماء يريد التَطهُّرَ بالماء والاغتسَال بِهِ وأصْلُ الشَّنِّ التَّفريقُ. يُقَالُ: شَنَّ الماءَ عَلَى الشراب إذا مَزَجَه بِهِ ففرَّقه عَلَيْهِ. والماءُ الشُّنِانُ المُتَفرِّقُ. فأَمَّا السَّنُّ فهْوَ الصب. يقال:
__________
1 اللسان والتاج "برك" برواية إذا شارف منهن قامت ورجعت والمفضليات /270
2 شرح الديوان /183 برواية: "قولي" بدل "صوتي".
3 اللسان والتاج "أله" وعزي للأعشى وهو في ديوانه /72.
4 سورة نوح: 22.
5 اللسان والتاج "وسط".
6 س: "دلوفا".

(1/438)


سَنَّ الماءَ عَلَى وجْهِه سَنًّا إذا صَبَّه عَلَيْهِ صَبًّا سهلا ويُرْوَى عَنِ ابنِ عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهه ولا يَشنَّه.
وقوله: الطّاهرُ لِداتُه يُريد موَالِدَه جَعلَ المصْدر اسْمًا ثمّ جَمَعه. يُقالُ: وَلَدَ وِلادةً وَلِدةً كما قِيلَ وَعدَ عِدةً ووَجِدَ جِدةً.
وقولهُ: أَلا فَغِثْتُم يَقولُ سُقِيتُم الغَيْثَ. قَالَ أبو عُبَيْدة: العرَبُ تقُول غِيثَتِ الأَرْضُ فهي مَغِيثَةٌ أي أصَابَها الغَيْثُ. قَالَ ذُو الرُمَّة: ما رأيْتُ أفْصحَ من جارية بني فُلانٍ قِيلَ لها كيف كانَ المطرُ عِنْدَكم قالتْ: غِثْنَا ما شِئْنَا. وقوْلُها1: قفَّ جِلْدِي أي قفَّ شَعرُ جلْدي فَقام من الفزَع. ويُقَالُ: قفَّ النَبْتُ إذا يَبِسَ. وقالت: امرأَةٌ من كَلْبٍ2 لمِعاوية ونزل بها أُعيذُكَ بالله أن تنزل واديا فتدع أوله يرِفّ وآخره يَقِفّ. والولَهُ ذَهَابُ العَقْل.
والدّفِيفُ المَرُّ السَرِيعُ: يُقالُ دَفَّ يَدِفّ دَفِيفًا. ومنه دَفِيف الطّائر إذا أراد النُهوضَ قبل أن يَسْتَقلّ. والعربُ تقولُ يُحِبُّ كلُّ شيء ولدَه حتّى الحُبَارَى وتَدِفُّ عِنْدَهُ3.
وقولُها استكفُّوا جِنَابَيْه أي أحْدَقُوا بِهِ واستَدارُوا حَوْله ويقال استكفّت الحيَّةُ إذا ترحّت أي استدارت كالرحى4 ومنه كِفَّةُ الميزان
أخبرني أبو عُمر عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأَعْرابي قَالَ ما اسْتدارَ فهوَ كِفَّةٌ وما استَطال فهو كُفّةٌ.
__________
1 ت: "وقوله".
2 س: "كعب".
3 هامش م: وتدف عنده وأصله من المعاندة: أي يطير مرة هكذا ورمة هكذا.
4 من ت, م.

(1/439)


وقولها جِنابَيْهِ تُريدُ حَوالَيه. قَالَ كَعْبُ بنُ زُهَيْر:
يَسْعَى الرّجَالُ جنابَيْها وقِيلَهُم ... إِنَّكَ يابْنَ أَبِي سلمى لمقتول1
أي يقُولُون قِيلَهُم.
وقولُها: قدْ أَيْفَع يُرِيدُ أَنَّهُ صارَ يافِعًا. قَالَ الأَصمعيُّ: يُقالُ أَيْفَع الغُلامُ إيفاعًا إذا ارتفع ولم يَبْلُغُ. وغُلامٌ يافِعٌ ويَفَعَةٌ وَغِلْمانٌ يفَعَةٌ الوَاحدُ والجَمِيعُ سَواءٌ. ويُقال أَيْضًا: غِلمانٌ أَيْفاعٌ وقد يَخْرُجُ الاسْمُ من بِناء الرُّبَاعي إلى الثُّلاثي كقَولهم أَيْفَع الغُلامُ فهْوَ يافِعٌ وكان القِياسُ مُوِفع وأَبقَل المكانُ فهو باقِلٌ وأَوْرسَ الشجَرُ فهو وارِس.
قَالَ بَعْضُ أهلِ اللُغة: اليفَعةُ: مشتقٌّ من اليَفَاع وهو المَكانُ المرتِفعُ العَالي.
وقوله: كَرب أي قارب الإدْراك ومنهُ الملائِكة الكَرْوبيّون وهم المُقَرَّبُون. وقال بَعْضُهم: إنّما سُمّوا كَرْوبِيِّين لأَنَّهم يُدْخِلُون الكَرْبَ عَلَى الكُفَّار وليس هذا بشيء. وقوله: عِبِدَّاك يُريد عِبادَك يُقال عَبْدٌ وأَعْبُدٌ وعَبِيدٌ وعِبِدَّاء ومَعْبُودَاءُ وأَنشدَ يَعقوبَ عَنِ الفَرّاء:
تَركْتُ العِبدّا ينقُرُون عِجانَه ... كأنّ غُرابًا فَوْق أَنْفِكَ واقعُ
وقد يُجمَعُ العَبْدُ أيضًا عَلَى العُبْدانِ قَالَ الشاعر:
عَلامَ يُعْبِدُني قَومِي وقَدْ كَثُرَتْ ... فِيهم أَباعِرُ ما شاؤوا وعبدان2
__________
1 الديوان /19 برواية: "يسعى الرجال بجنبيها وقولهم".
2 اللسان والتاج "عبد" ولم يعز.

(1/440)


والعَذِرَاتُ: الأَفْنيَةُ. والعَذِرَةُ الفِنَاءُ. وكانوا يَقْضُونَ حوائجَهُم في أفْنية الدُّورِ فصارت العَذِرَةُ اسمًا للرَّجِيع بسبب المُجاوَرَةِ.
وقوله: غَيْثًا مُرْبِعًا أي مُنْبِتًا للرَّبيع. والمُغْدِقُ المُروِي وماء غَدَقٌ أي كَثير عَذْبٌ. وكظَّ الوَادِي أي امْتلأ.
والثَّجِيجُ الماء السَّائِل. قَالَ أبو ذُؤيب:
سقَى أُمَّ عَمروٍ كلَّ آخر ليْلَةٍ ... حنَاتِمُ سُودٌ مَاؤهُنّ ثَجِيجُ1
وأصْلُ الثَجّ الصَّبُّ. ومن هذا قوله تعالى: {مَاءً ثَجَّاجاً} 2. قَالُوا: مَثْجُوجًا. فاعل بمعنى مَفْعول.
__________
1 شرح أشعار الهذليين 1/128 والحناتم: الجرار الخضر شبهها بالسحاب الأسود والأخضر الأسود. وثجيج: صبوب.
2 سورة النبأ: 14.

(1/441)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالإِقْرَادَ إِيَّاكُمْ وَالإِقْرَادَ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الإِقْرَادُ. قَالَ: "الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَكُونُ أَمِيرًا أَوْ عَامِلا فَيَأْتِيهِ الْمِسْكِينُ وَالأَرْمَلَةُ فَيَقُولُ لَهُمْ مَكَانَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ فِي حَوَائِجِكُمْ وَيَأْتِيهِ الشَّرِيفُ وَالْغَنِيُّ فَيُدْنِيه وَيَقُولُ عَجِّلُوا قَضَاءَ حَاجَتِهِ وَيُتْرَكُ الآخَرُونَ مُقْرِدِينَ" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عن عطاء الخراساني.
أخبرني أبو عمر عن أبي العبّاس ثعْلب قَالَ: يُقال: أَخْردَ2 الرجل إذا سكت
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/108 بلفظ: "إياي" بدل: "إياكم" عن أبي هريرة مرفوعا وانظر كنز العمال 6/14.
2 ح: "أقرد" بدل "أخرد". وفي القاموس "خرد": أخرد: سكت من ذل لاحياء. وفي "قرد": أقرد الرجل: سكت عيا.

(1/441)


حَياءً وأَقْردَ إذا سَكَت ذُلًا. وأنشدنا عَنِ ابن الأعرابي:
ولَسْتُ بِقوَّالٍ لَموْلايَ إنْ جَنى ... هلكْتَ ولا إن ضامَك القَومُ أَقْرِدِ
ولسْتُ بِقوّالٍ لذي الزَّادِ أَبْقِه ... فإنّك إنْ لم تُبْق زادَك يَنْفَدِ
قَالَ أبو العبّاس: وقال لي خَلفُ بْن هِشَام البَزَّارُ1: جَمعْتُ بين الكسائي واليَزِيديّ فَقَالَ لَهُ اليَزيدِيّ: يا أبا الحسن إنّه يأتينا مِنْ قِبَلك أشياءُ من اللغة لا نَعْرِفها فَقَالَ لَهُ الكِسائيُّ وما أنت وهذَا ما مَعَ النّاسِ من هذا العلم إلا فَضلُ بُزَاقِي قَالَ فأقردَ اليَزِيدِيُّ. والأصْلُ في الإقْرادِ أن يَقَع الغُرابُ عَلَى ظُهورِ الإبل ورُؤوُسِها فيَلْقُط ما عليها من قُرادٍ وحمنانة ونحوهما فتَقرُّ الإبِل عند ذَلِكَ وتَهدأُ لما تَجِدُ لَهُ من الرّاحة فيُقالُ عند ذَلِكَ أقْرَدَتِ الإبلُ ولُصُوصُ العرب إذا جاء الواحِدُ منهم إلى إِبِل مُناخَةٍ بالليل لِيأخُذَ منها بَعِيرًا دنا من البعير فحكَّه بيَده ثُمَّ نَزَع منه قُرادًا فيَسكن إِلَيْهِ ثُمَّ يخطمه ولا يرغو ويشُدُّ عَلَيْهِ الرَّحْلَ ويَرْكَبُه فيُقال قد أَقرَدَ ومنه قول الشاعر:
لعَمْرُكَ ما قُرادُ بني نُمَيرٍ ... إذا نُزِعَ القُرادُ بمُسْتَطاع2
ويُقال: قَرَّدتُ البعير إذا نزعْتَ عَنْهُ قراده.
وهذا كحديثه الآخَرُ. حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَشَّاشُ نا عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو حَفْصٍ الرَّفَّا نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بن مرة
__________
1 م: "البزاز". وفي تقريب التهذيب 1/226: خلف ابن هشام بن ثعلب بامثلثة والمهملة البزار بالراء آخره ثقة مات سنة 229هـ.
2 اللسان والتاج "قرد" وهو للحطيئة في ديوانه /62 ونسبه للأزهري في اللسان للأخطل.

(1/442)


عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُشَرِّفُونَ الْمُتْرَفِينَ وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْعَابِدِينَ وَيَعَمْلُونَ بِالْقُرْآنِ مَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ تَرَكُوهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب ويكفرون ببعض يسعون فيا يُدْرَكُ بِغَيْرِ سَعْيٍ مِنَ الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ وَالأَجَلِ الْمَكْتُوبِ وَالرِّزْقِ الْمَقْسُومِ أَفَلا يَسْعَوْنَ فِيمَا لا يُدْرَكُ إِلا بِالسَّعْيِ مِنَ الْجَزَاءِ الْمَوْفُورِ وَالسَّعْيِ الْمَشْكُورِ وَالتِّجَارَةِ الَّتِي لا تبور" 1.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/697 وعزاه للطبراني في الكبير وابن منده في غرائب شعبه ولأبي نعيم والبيهقي.

(1/443)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْغَزْوَ فَقَالَ: "مَنْ أَطَاعَ الإِمَامَ 1 وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ وَمَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً فَإِنَّهُ لا يَرْجِعُ بِالْكَفَافِ" 2.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سهم ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوطيُّ نا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرِ3 بْنِ سَعِيدٍ نا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّة عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
قولهُ: ياسَر الشَريكَ أي عاونَة وَسَاعَده. يُقال: رجُلٌ يَسْرٌ ويَسَرٌ إذا كان سريعَ الانقِياد والمُتَابعةٍ.
قَالَ الشَّاعرُ:
أَعْسَرُ إِن مَارَسْتَني بعُسْرِ ... ويَسَرٌ لَمنْ أرَادَ يُسْرِي4
وقال جريرٌ:
__________
1 س: "الأمير".
2 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/13 والدارمي في 2/208 والنسائي في الجهاد كذلك 6/49 وأحمد في مسنده 5/234.
3 ت, م, ط: بحير بن سعد. وفي التقريب 1/93: بحير: بكسر المهملة ابن سعيد السحولي بمهملتين أبو خالد الحمصي ثقة ثبت.
4 م: "إان منارسني" والمثبت من س واللسان والتاج "يسر" ولم يعز.

(1/443)


بِشْرُ بْن مَرْوَانٍ إذَا عَاسَرْتَه ... عسر وعند يساره ميسور1
__________
1 الديوان /31 برواية: "بشر أبو مروان ... الخ".

(1/444)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ فَارِعَةَ بِنْتَ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ جَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عَنْ قِصَّةِ أَخِيهَا أُمَيَّةَ فَقَالَتْ: قَدِمَ أَخِي مِنْ سَفَرٍ فَأَتَانِي فَوَثَبَ عَلَى سَرِيرِي فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ فَسَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ فَشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِهِ إِلَى ثُنَّتِهِ فَأَيْقَظْتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَخِي هَلْ تَجِدُ شَيْئًا قَالَ لا وَاللَّهِ إِلا تَوْصِيبًا وَذَكَرَتِ الْقِصَّةَ فِي مَوْتِهِ1
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يحيى بن هانىء حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَولُها: وثَبَ عَلَى سَرِيري مَعْنَاه اتَّكأ عَلَيْهِ أو نام أو نحو ذَلِكَ. وهي لُغَةٌ حِمْيَريّة. يُقال: وَثَب الرَجُلُ إذا قَعَد واستَقَرَّ عَلَى المكان. والوِثابُ الفِراشُ في لُغَتِهم. والثُنَّةُ العَانَة. ويُقالُ: هي ما بين السرة والعانة.
والتوصيب كالتوصيم وهو فتور وتكسُّر يَجِده الإِنسانُ في نفسه. قَالَ لَبِيدٌ:
وإِذَا رُمْتَ رحيلًا فارتحِلْ ... واعْصِ ما يَأمُر تَوصيمُ الكَسَلْ2
وَأَخْبَرَني أبو رَجَاء الغَنَويّ أخبرني محمد بْن يحيى المُقري نا سَلَمة عَنِ الفراء قَالَ: قِيلَ لأعرابي: كيفِ تجدك فقال:
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 7/215 بلفظ: "فرقد على سريري" بدل "فوثب على سريري" وأشار الحافظ إلى هذا الحديث في الإصابة 4/375 ولم يذكره.
2 شرح الديوان /179.

(1/444)


صُداعٌ وتَوصِيمُ العِظَام وَفَتْرَةٌ ... وغَثْيٌ مع الإشراق في الجوف لاتب1
وقد تُبْدَلُ المِيمُ باءً لِقُرب مخارجهما كقولهم سَمَّد رأسَه وسبَّده وأمر لازم ولازب.
__________
1 اللسان والتاج "لتب" برواية: "وغم مع الإشراق".

(1/445)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَوَادَةَ بْنَ الرَّبِيعِ قَالَ: أَتَيْتُهُ بِأُمِّي فَأَمَرَ لَهَا بِشِيَاهِ غَنَمٍ وَقَالَ: "مُرِي بَنِيكِ أَنْ يُقَلِّمَوا أَظْفَارَهُمْ أَنْ يُوجِعُوا أَوْ يَعْبِطُوا ضُرُوعَ الْغَنَمِ وَأْمُرِي بَنِيكِ أَنْ يُحْسِنُوا غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ" 1.
نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضريس نا مسلم نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الخثعمي نا سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجرمي عَنْ سَوَادَةَ بْنِ الرَّبِيعِ.
قوله: شِيَاهُ غَنَم إنّما عرَّفها بالغَنَم لأَنَّ العرب تُسَمّي البقرةَ الوحْشيّةَ شَاةً. قَالَ الشاعرُ:
وكان انْطِلاقُ الشّاةِ من حَيثُ خَيَّما2
وقوله: أن يُوجِعوا معناه لئلّا يُوجِعُوا كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 3: أي لئلّا تَضِلُّوا.
وكقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/484 بلفظ: "أتبت ... فأمر لي بذود" بدل "أتبته بأمي فأمر لها". وذكره الحافظ في الإصابة 2/97 برواية أحمد ثم قال: ورواه البغوي بوجه آخر وذكر مثل الذي هنا.
2 اللسان والتاج "شوه" وعزي للأعشى وهو في ديوانه /188 وصدره:
فلما أضاء الصبح قام مبادرا
3 سورة النساء: 176.

(1/445)


بِكُمْ} 1: ونَظِيره في الكلام أن يُقالَ: لا تَأتِ السُلْطَان أن يُصِيبَك مَكْرُوهٌ ولا تَقْرب الأسَدَ أنْ يَفْتَرسَك ويُنصبُ عَلَى إضمار الحَذر أو الخوف كأَنَّه قَالَ لا تَقْرَبْه مخافَة أن يُصِيبَك منه مَكْرُوه.
وفيه وَجْهٌ آخر وهو إضمارٌ لا كأنّه قَالَ: مُري بَنِيك أَنْ لا يُوجِعُوا ضُروعَ الغنم والعَرَبُ تُضْمِرُ لا وَتُعْمِلُها كقول الشَّاعِر:
أُوصِيكَ أَنْ يَحْمِدَكَ الأَقارِبُ ... ويَرجع المِسْكِينُ وهوَ خَائِبُ
يريدُ ولا يَرجِعَ المِسْكينُ خائبًا.
وقوله: أو يَعْبِطُوا ضُروعَ الغَنَم مَعْناه أو يَعْقُروها فيُدَمُّوها. والعَبِيطُ الدّمُ الطَرِيّ. ويُقال: ماتَ فُلانٌ عَبْطَةً واعتبطَ إذا مات في شَبابِه وطَراءةِ سِنِّه. قَالَ أُميّةُ:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هرَمًا ... لِلموتِ كأسٌ فالمرءُ ذائِقُها2
وقوله: مَرِي بَنِيك أن يُحْسِنُوا غِذاءَ رِباعِهم فإنَّ الرِّباع جَمْعُ الرُّبَع وهو ولَدُ النَّاقة إذا نُتِجَتْ في الرَّبِيع قَالَ الأصمعيُّ: سَمِعْتُ عيسى بْن عُمَر يَقُولُ سمِعْتُ العربَ تُنْشِدُ.
وعُلْبَةً نَازَعَتْها رِباعي ... وعلبة عند مقيل الراعي3
__________
1 سورة لقمان: 10.
2 اللسان والتاج "عبط" وهو لأمية بن أبي الصلت في شعراء النصرانية 3/235 برواية:
من لم يمت عبطا ... الخ.
وقبله:
يشوك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها
3 الأساس "ربع" ولم ينسبه. وانظر الأمالي 1/181.

(1/446)


والمعنى أنه كره استِقْصَاءَ الحَلَب إبقَاءً عَلَى الرِّباعِ. يَقُولُ: إذا حَلَبْتَ فَابْقِ في ضُروعها ما يُغَذّي رِباعَها.

(1/447)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَازِنَ1 بْنَ الْغَضُوبَةِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ سَادِنَ صَنَمِهِمْ أَتَاهُ فَآمَنَ بِهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مُولَعٌ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْهَلُوكَ مِنَ النِّسَاءِ فَقَالَ: النبي "اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالْعَهْرِ عِفَّةَ الْفَرْجِ وَبِالْخَمْرِ رِيًّا لا إِثْمَ فِيهِ". قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ هَجَرُوهُ وَعَادَوْهُ. قَالَ مَازِنٌ1: ثُمَّ أَتَتْنِي مِنْهُمْ أَزْفَلَةٌ عَظِيمَةٌ فَعَاتَبُونِي ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدُ بِالإِسْلامِ2.
حدثنيه علي بن العباس الإسكندراني نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَهْرَانِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعتُ هِشَامَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَانِيُّ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَازِنُ1 بْنُ الْغَضُوبَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
السَّادِنُ الخادمُ. يُقالُ سدَنَ الرجلُ سَدَانةً. والهَلوكُ من النساء الفاجِرَة. قَالَ الشاعرُ:
مَشْيَ الهَلُوكِ عليها الخيعل الفضل3
__________
1 في جميع النسخ: مالك بن الغضوبة وتكرر ذكره. وفي الكتب التي تترجم للصحابة: "مازن بن الغضوبة". زلم يذكر واحدا منها مالكا. وفي النهاية هللك ذكر جزء من الحديث وفيه: وفي حديث مازن: إني مولع بالخمر والهلوك من النساء ... الخ.
2 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/6 في ترجمة: "ماون بن الغضوبة" وأشار الحافظ في الإصابة 3/336 في ترجمته إلى هذا الحديث.
3 اللسان والتاج "خعل" وعزي للمتنخل الهذلي وصدره:
السالك الثغرة اليقظان كالئها
وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1281.

(1/447)


ويُقال إنّما سُمِّيت هَلْوكًا لأنّها تَهالَكُ أي تَثَنَّى وتَمايلُ ومنه قول زياد لابنه: يابني إذا دخلتَ عَلَى أمير المؤمنين يعني معاوية فلا يَرَينَّ منك تَهالْكًا إِلَيْهِ ولا انقِباضًا عَنْهُ والعَهرُ الزِّنَا والعاهرُ الزاني. ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الوَلَدُ للفِراش وَللْعاهر الحَجَرُ" 1. قَالَ: عَلْقَمةُ بنُ عُلاثَة لِعامر بْن الطُّفَيْل لمّا نافَرَه أنا وَلُودٌ وأنت عاقِر وأنا وَفِيٌّ وأنت غادِرٌ وأنا عَفِيفٌ وأنت عِاهِرٌ. والأزفلة: الجماعة الضخمة.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها 3/70 وغيره.

(1/448)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوْعَةُ الْعِشَاءِ" 1.
حَمَّادٌ عَنْ حَبِيبٍ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ.
فوْعَةُ العِشَاءِ: إِقْبالُ اللَّيْل. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: أتيْتُه في فوْعَةِ النّهار أي في أوّله. وقال: غَيرهُ شمِمْتُ فَوْعَةَ الطِّيبِ أي شِدَّة رائحِته أوّلَ ما تفوحُ. قَالَ أبو حاتم: قلتُ للأصمَعِيّ: ما الحُمَةُ قَالَ فَوْعَةُ السَّمِّ.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/362.
2 سقط من ح.

(1/448)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَرْبَعَةً تَفَاتَوْا إِلَيْهِ1.
يَرْوِيهِ رَوْحٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قولُه: تَفاتَوْا معناه تَحاكَمُوا إِلَيْهِ من الفتوى. قال الطرماح:
__________
1 الفائق "فتا" 3/87.

(1/448)


أَنخْ بفناءٍ أَشْدقَ منْ عَديٍّ ... ومن جَرْمٍ وهُمْ أهْلُ التَّفَاتي1
وقال جَرير للفرزدق:
تَعالَوا ففَاتُونا ففي الحُكْم مَقْنَعٌ ... إلى الغُرّ مِنْ آلِ البِطَاح الأكارمِ2
يُريدُ حاكمونا إليهم.
__________
1 الفائق 3/87 والديوان /36 واللسان "فتى". والأشدق: الوتسع الشدق.
2 في هامش ط, م: آل البطاح الذين ينزلون بطحاء مكة" والبيت في الديوان /556 وروي الشطر الأول:
تعالوا نحاكمكم وفي الحق مقنع

(1/449)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جَمَلِي أَسِيرُ وَكَانَ جَمَلٌ فِيهِ قِطَافٌ فَلَحِقَ بِي فَضَرَبَ عَجُزَ الْجَمَلِ بِسَوْطٍ فَانْطَلَقَ أَوْسَعَ جَمَلٍ رَكِبْتُهُ قَطُّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا عُبَيْدَةُ2 بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً وَإِنَّمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ.
القِطافُ: الإبِطاءُ في السَّيْر والمُقاربَةُ بين الخُطَى. يُقالُ: جَمْلٌ قَطُوفٌ. وقوله: أَوْسَعَ جَمَلٍ يريدُ أسْرع جَمَلٍ سَيْرًا. يُقالُ: جَمَل وَسَاعٌ وسَيْر وَسِيعٌ. قَالَ سويد بن كراع:
__________
1 أخرجه البخاري 3/81 ومسلم 3/1221 والنسائي 7/297 مختصرا والإمام أحمد في مسنده 3/375 بأطول مما تقدم. وانظر الخصائص الكبرى 1/564.
2 في التقريب 1/547: "عبيدة بن حميد الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف بالحذاء التيمي أو الليثي أو الضبي صدوق نحو وربما أخطأ مات سنة 290هـ.

(1/449)


وَإذَا الرّكابُ تَكلّفتْها عطَّفَتْ ... ثَمرُ السِّيَاط قَطُوفَها وَوَساعَها
والمُواهَقَةُ: أنْ تَسِير مِثْلَ سَيْر صاحِبك وهي المُباراةُ. قَالَ ابنُ أحمر:
وتَوَاهَقَتْ أَخْفَافُها طبَقًا ... والظِّلُّ لم يَفْضُلْ ولم يكر1
__________
1 اللسان والتاج "وهق". والديوان /113 وتواهقت: تسابقت. وجاءت الإبل طبقا واحدا: أي على خف واحدِ.

(1/450)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ وَلَكِنْ قَالَتْ بَنُو قُصَيٍّ: فِينَا الْحِجَابَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا وَفِينَا اللِّوَاءُ قُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا فِينَا النَّدْوَةُ قُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا فِينَا السِّقَايَةُ قُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا مِنَّا نَبِيٌّ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا أَبُو نُعَيْمٍ نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ قَالَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.
الحجابة: حِجابةُ البيْت وهي في بَني عَبْد الدّار واللِّواءُ لِواءُ الحرْب وهو فيهم إذ ذاك قَالَ حَسَّان بْن ثابت يَهْجو مُسَافِعَ بْن عِياضٍ التَّيميّ:
لوْ كُنْتَ من هاشم أوْ من بني أَسَدٍ ... أو عَبْدٍ شَمْسِ أو أصحابِ اللِّوَا الصِّيدِ
أَوْ من بَني نَوْفَلٍ أَو رَهْطِ مُطْلِبٍ ... لله دَرُّك لم تَهْمُمْ بتهديدي2
__________
1 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/453.
2 هامش م: أي السادات والبيتان في الديوان: 344, 345 وروي الشطر الأول من البيت الثاني:
أو كنت من نوفل أو ولد عبد المطلب

(1/450)


قَصر اللِوَاء وهو مَمْدُود. والندْوة الاجْتِمَاع للمَشُورة كانوا إذا حَزَبَهم أمْرٌ تَنادَوْا في دارِ عَبْد مناف1 أي اجتمعوا فتشاوروا. ويُقال: تَنَادَى القومُ إذا اجتمعوا في النادي. قَالَ المُرقِّش الأكبر:
لا يبعد الله التلبب في ال ... غارات إذا قَالَ الخَمِيسُ نَعمْ
وَالمشْيَ بين المْجلِسَيْن وقد ... آد العشيّ وقد تنادى العَمّ2
ومن هذا قِيلَ دارُ النّدوة.
وقوله: إذا تحاكّت الرُّكَب. فيه قولان قَالَ النَّضرُ بْن شُميْلٍ: إذا تساوينا في الشَّرف. وقال غيره: معناه إذا جَمَعَتْنَا المحافِل فتَمَاسَّت الرُّكَبُ.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ: يقال: فلان يَقُذُّ3 فلانًا ويأنُفُه ويَجْنُبُه ويُحاكُّه إذا كَانَ معه إلى جَنْبه غير متفاوتين.
قَالَ أبو عبيدة: كَانَ قُصَيُّ بْن كِلابٍ مُعَظَّمًا في عَصْره مُطاعًا في قوْمه وكانت قُريشٌ لا تَقْطَع أمْرًا إلا بمَشْهَدٍ منه وكان لا يُعذَرُ4 غُلامٌ إلا في داره ولا يُعْقَدُ لِواءُ الحرب إلّا في داره ولا تُنكحُ جاريةٌ إلا في دارِه وكان لَهُ أربعة أوْلاد عبْدُ منافٍ وعبْد العُزَّى وعَبْدُ بْن قُصَيٍّ وعبدُ الدار
__________
1 في س, ط والفائق "حكك" 1/301 عنى بالندوة تناديهم في دار عبد المطلب للتشاور إذا حزبهم أمر والمثبت عن ت, وهامش س, م, ح.
2 هامش م: "أي جماعة الناس" والبيتان في اللسان والتاج "عمم" والمفضليات /240.
3 كذا في ت, م. وفي س "يقذ" كيعد.
4 القاموس "عذر": أعذر الغلام: ختنه.

(1/451)


وكان عبدُ الدار أكْبَر ولدِه1 فلمّا استعْلى إخْوتُه قَالَ لَهُ أبوهُ قُصَيّ والله لأجعلنَّ إخْوتَك يَطِئْون عَقِبَيْك لا يدخل رجلٌ منهم الكعبةَ إلا بإذنك ولا يَعْقِدُ لقُرشيٍّ لِواءً إلا أَنْتَ وفي دارك ولا تَقْضي قريشٌ أمورَها إلا في دارك ولا يشرب رَجلٌ بمكّةَ إلا من سِقايتك ولا يأكل أحدٌ في الموْسِم إلا من طعامِك فأَعطاهُ النَّدوةَ والحجابةَ والسِّقايةَ والرِّفادةَ.
وقال الزُّبيرُ بْن بَكّار: قَسَم قُصيٌّ مكارمَه بين ولده فأعطى عبْدَ مناف السِّقايةَ والنَّدْوةَ وأعطى عَبْدَ الدارِ الحجابةَ واللِّواءَ وأعطى عَبْدَ العُزَّى الرِّفادةَ وأعطى عبْدَ بْن قُصَيٍّ جَلْهَتي الوادِي. قَالَ الزُّبَيْر: ثُمَّ اصطلحتْ قُريش عَلَى أن وَلِي هاشم بْن عَبْد مناف السّقايةَ والرِّفادةَ وأُقِرَّت الحِجابةُ في بني عَبْد الدَّار.
والرِّفادةُ الضِّيافة وكان هاشمُ بْن عَبْد مناف يُخرِجُ في كلّ مَوْسمٍ من مواسم الحَجِّ مالًا كبيرًا2 من أطيب ماله ويترافدُ سائِر القبائل من قُريش فتُرسِل كلُّ قبيلة بشيء ثُمَّ يَجمعُونه فيَشْتَرون بِهِ الجزر3 والكعك والسويق فينحرونها ويطحمون الحاجَّ ويَسْقُونهم وكانوا يقولون نحن أهْلُ اللهِ وجِيرانُ بيْتِه والحاجُّ وفْدُ الله وأَضْيافُه فنحن أوْلى بقِراهُم وإنما سُمّي هاشمًا واسْمُهُ عَمْرو لأنّه هَشَم الثَّريدَ وأطعم في عام جَدْبٍ ولذلك يَقُولُ شاعرُهم:
عَمرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لقومه ... ورجال مكة مسئتون عجاف4
__________
1 كذا في س. م. وفي س: صوابه أصغر ولده وفي الطبقات لابن سعد 1/70: "ولد لقصي بن كلاب من حبى بنت حليل: عبد الدار بن قصي وكان بكره ... الخ وانظر سيرة ابن هشام 1/129 وتاريخ الطبري 2/184.
2 ح, م: "كثيرا".
3 ح: "الجزور" والمثبت من م, ت.
4 اللسان والتاج "هشم" وعزي في المحكم لابنة هشام بن عبد مناف وفي التهذيب لمطرود الخزاعي. وقال ابن بري: الشعر لابن الزبعري. انظر اللوحة /150.

(1/452)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ بَعْثًا وَأَنَّهُمْ أَصْبَحُوا بِأَرض عَزُوبَةٍ بَجْرَاءَ فَإِذَا هُمْ بأعرابي في قبة له غَنَمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَاءَهُ الْقَوْمُ فَقَالُوا: أَجْزِرْنَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ شَاةً فَسَحَطُوهَا ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُمْ أُخْرَى فَسَحَطُوهَا ثُمَّ قَالَ1: مَا بَقِيَ فِي غَنَمِي إِلا فَحْلٌ أَوْ شَاةٌ رُبَّى2 فَلَمَّا أَبْهَرَ الْقَوْمُ احْتَرَقُوا وَقَدْ أَقَالَ الأَعْرَابِيُّ غَنَمَهُ فِي الْقُبَّةِ فَقَالُوا نَحْنُ أَحَقُّ بِالظِّلِّ مِنَ الْغَنَمِ أَخْرِجْهَا عَنَّا فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَتَى تُخْرِجُونَ غَنَمِي3 فِي الْحَرِّ تَرْمَضُ وَتَطْرَحُ أَوْلادَهَا وَإِنِّي رَجُلٌ قَدْ زَكَّيْتُ وَصَلَّيْتُ وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ مِنْ حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ4.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَشْعَرِيَّةِ5.
قوله: بأرض عزوبة هي الأَرَضُ البَعيدة المَضَرب إلى الكَلأ. ويُقال: كَلأ عازبٌ. والتَعْزِيبُ في الرَّعْي: أن يَبِيت الرجلُ في الكلأ لا يريح ماشيته قاله الأصمَعِيُّ وأنشدَ للنّابِغَة الذُّبيانيّ:
ضَلَّتْ حُلُومُهُم عنهم وغرّهُمُ ... سَنُّ المُعِيدِيّ في رَعْيٍ وتَعْزِيبِ6
يُقالُ للمال الغائب عازبٌ وللْمالِ المُقِيم7 عَاهِنٌ. قَالَ ابنُ هَرْمَةَ:
تَمُدُّ عيْنيْك في عرض وفي عهن
__________
1 ت, م: "حتى قال".
2 القاموس "رب": الربى الشاة إذا ولدت إذا مات ولدها أيضا.
3 من ن, ت, م, ط, ح.
4 أخرج الترمذي في 4/331 طرفا منه وذكره الهيثمي في مجمعه 6/208 بطوله وعزاه للطبراني.
5 ت: "الأشعري".
6 الديوان /89.
7 ح: "وللمال الحاضر عاهن". وشعر ابن هرمة لم أقف عليه في ديوانه ط مجمع اللغة العربية بدمشق.

(1/453)


والأرضُ البجْراءُ هي المرتفعةُ الصُّلْبة وقَلَّ ما تُنْبِتُ وإنَّما النَّباتُ في البُطْنَان والوِهادِ. والأَبجرُ من الناس هُو الَّذِي انْدَلَقتْ1 سُرَّتُه فبَقِيت ناتِئةً مرتفعةً عَنْ بَطْنه. قَالَ الشاعر:
يَمرُّون بالدَهْنَا خِفافًا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحَقائِب2
يُريدُ عِظامَ الحقائِب
وقولهُ: أجْزِرنا شَاةً: أي أَعْطِنا شَاةً نذبحها واسْمُ تِلْكَ الشاة جَزَرَةٌ وتُجمعُ عَلَى الجَزَرِ ولا تكون الجَزَرة من الإبل قَاله يَعْقُوب.
وقولُه: سَحَطُوها أي ذَبَحُوها. والسَّحْطُ ذبْحٌ وَحِيٌّ3. وقولُه: أبْهَرُوا يُريدُ أنّهم صَارُوا في بُهرة النَّهار: أي وسَطِه. وبُهْرة الشّيء وسَطُه.
وقولُه: تَرْمَضُ أي تحترق في الرَّمْضاء. يُقال رَمِضَ الرجُلُ يَرْمضُ رَمَضًا إذا احْتَرقتْ قدماهُ من الشَّمس. وترمَّضَت الظِّباء وهو أن تَطْرُدها في الرَّمضاءِ حتّى تحْترقَ قوائُمها فتُصَاد. قَالَ يعقوب: ويُقال: رَمِضَت الغنم ترمض رمضا إذا رعَتْ في شدّة الحر فتجبن4 رِئَاتُها. وأَكبادُها يُصيبُها فيها قَرْحٌ.
__________
1 القاموس "دلق": اندلق: خرج من مكانه.
2 الأساس "بجر" من غير عزو.
وفي معجم البلدان: "دارين": دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند والنسبة إليها داري واختلف في نسبة البيت فقيل للأحوص وقيل لغيره. انظر شعر الأحوص /215.
3 ذبح وحي: أي سريع.
4 القاموس "حبن": الحبن محركة داء البطن يعظم منه ويرم وقد حبن كعني وفرح حبنا ويحرك وهو أحبن وهي حبناء.

(1/454)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلا الذَّوَّاقَاتِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ.
هذا في النكاح كره أن يكون الرّجلُ كثيرَ النِّكاح سريعَ الطَّلاق بمنزلة الذائق للطّعام غير الآكل منه قَالَ الأَعْشَى:
وذُوقِي فَتَى حَيٍّ فإنّي ذائِقٌ ... فَتاةً لأقوامٍ كَما أنْتِ ذائِقَهْ2
يقول: استطرفي زوجا غيري
__________
1 ذكره الهيثمي عن أبي موسى في مجمعه 4/355 وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط.
2 الديوان /123 برواية:
وذوقي فتى قوم فإني ذائق ... فتاة أناث مثا ما أنت ذائقه

(1/455)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ وَعَلَيْهِ قُشْبَانِيَّتَانِ 1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا مُوسَى2 بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ النَّصِيبِيُّ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَهْرَانَ الْمَغَازِلِيُّ نا أَبُو غِرَارٍ الْبَدَوِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ بي النبي ذَا وَفْرَةٍ وَعَلَيْهِ قُشْبَانِيَّتَانِ.
قوله: "قُشْبَانيَّتان" يُريدُ بُرْدتَيْن والأصْلُ فيه القَشِيبُ وله مَعْنيان مُتضَادَّان يقالُ للجَديد قَشِيب وللخَلَق قَشيبٌ ويُجمعُ قُشُبًا وقُشْبَانًا ويُقالُ ثِيابٌ قُشْبَانِيَّةٌ إذا كانت خلقانا.
__________
1 الفائق "قشب" 3/197 والنهاية "قشب" 4/64.
2 هامش م:"محمد بن سهل الرملي".

(1/455)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ" 1.
يُريد الوَرَع وذلك أنَّ العِبادات تَنْقسِم إلى قسمَيْن نُسْكٍ ووَرَعٍ فالنُسْكُ ما أمَرتْ بِهِ الشَّرِيعَة والورَعُ ما نَهتْ عَنْهُ وإنما ينتهي عَنْ ذَلِكَ بالصَّبْر فصار الصَبْرُ عَلَى هذا المعْنى كأَنّه نصف الإيمان.
__________
1 ذكره الغزالي في الأحياء 4/77 وقال العراقي: أخرجه أبو نعيم والخطيب من حديث ابن مسعود.

(1/456)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ1.
أَصْلُ السِّكَّة الحديدةُ التي تُطبَعُ عليها الدّراهُم ثُمَّ قِيلَ للدَّراهم المضرُوبة سِكَّة لأنَّها ضُرِبَتْ بها. وفي كراهيته2 لذلك وجُوهٌ أحَدُها أن يكون كَرِه تقطيع الدِّرهم الصّحيح والدِّينار الصّحيح وتقريضَهما لما فيهما من ذكر الله جل وعز وإلى هذا المعنى ذَهَب أحمدُ بْن حَنْبَل حدّثونا عَنْ أَبِي داوُد قَالَ: قلتُ لأحمدَ: معي درهمٌ صَحيحٌ وقد حضَر سائِل أَكْسِره فَقَالَ لا. ويُقالُ إنما كرِه ذَلِكَ لأَنّه يَضَعُ3 من قيمته. وقدْ نُهِي عَنْ إضَاعَة المال. ويُقال: بل المعْنى فيه كراهية التَّدْنِيق وذَمُّه. وكان الحسنُ يقول: لعن الله الدانق وأول من أحدث الدّانِق ما كانت العَربُ تعرفه ولا أبناء الفُرس.
وفيه وَجْه آخر وهو أن يكون إنّما نهى عَنْ كَسْره عَلَى أن يُعاد تبرًا فأَمَّا أن يُرْصَدَ للنفقة فلا وإلى هذا ذهب محمد بْن عَبْد الله الأنصاري قاضي
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع 3/271 وابن ماجه في التجارات 2/761 والإمام أحمد في 3/419.
2 ت: "وفي كراهية".
3 ط: "يضيع".

(1/456)


البصرة وقد يَكون ذَلِكَ أيضًا بأن يُكْسَر فيتَّخذَ منها أَوانٍ وزُخْرفًا ونحوها ويُقال: إن المُعاملة كانت تجري بها في صدر الإسلام عَدَدًا لا وزنًا وكان بَعضُهم يكسرها ويأخُذ أَطرافَها قَرْضًا بالمقَاريض فكان ذَلِكَ سببَ النهي والله أعلم.
فأما الحديث مَا دَخلت السِّكَّةُ دَار قَومٍ إلا ذلوا. فإن السكة هاهنا الحديْدَة التي يُحرَثُ1 بها أَراد أنّ أهْلَ الحَرْث يَنالهُم الذّلّ لما يلحقهُم من المطالبات بالخراج والعُشْرِ ونحْوهما.
ويُقال: العِزُّ في نواصي الخيْل والذُلُّ في أَذْنابِ البقر.
__________
1 م: "فإنّ السِّكَّةَ هَا هُنَا الحديْدَة التي يحدث بها أراد أن أهل الحديث ينالهم الذل ... الخ". تحريف والمثبت من باقي النسخ.

(1/457)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ عَادَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ وَأَخَذَتْهُ الذُّبْحَةُ فَأَمَرَ مَنْ لَعَطَهُ بِالنَّارِ 1.
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ.
قولُه: لعَطَهُ بالنّار أي كَواهُ في عُرْض عُنُقِه. قَالَ أبو زيد: يُقال للِشاة إذا كَانَ بعُرْض عُنُقِها سَوادٌ لَعْطَاء وقد يَجوزُ أن يكون اللَّعْطُ مقلوبًا من العَلْط وهو الوَسْمُ عَرْضًا عَلَى العُنُق والاسْمُ العِلاطُ وهوَ العِراضُ أيضًا. فإذا كَانَ ذَلِكَ طُولًا قِيلَ لَهُ السِّطَاعُ. والصِّدَارُ ما كَانَ في الصَدْر والجِنَابُ عَلَى الجَنْب والكِشَاحُ عَلَى الكَشْح والخباط وسم في الوجه
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 5/99 بلفظ: "من يبطه" بدل "من لعطه" تحريف. وفي هامش م: الذبحة: وجع الحلق.

(1/457)


والدِّمَاعُ1 في مَجْرى الدَمْع وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعْلب:
يا مَنْ لِعَيْنٍ لاتَنِي تَهْماعا ... قدْ ترك الدَمْعُ بها دِمَاعا2
أي بقى لَهُ أَثرٌ من البُكاء. كأنّهُ وَسْمٌ. قَالَ الأصمعيُّ: يُقالُ علطَهُ بِشَرٍّ إذا وسمَهُ بِهِ وقالَ الهُذَليّ:
فلا والله نادى الحيُّ ضَيْفي ... هُدُوءًا بالمساءَة والعِلاط3
وقال أبو عُمَر4: الصَيْعريّة سِمَةٌ في العُنق. وقال المُسيَّبُ بْن عَلَسٍ:
وقدْ أتنَاسى الهمَّ عند احتضَاره ... بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَريّة مُكدَمِ5
فيُقالُ: إنّ طرفةَ مرَّ بِهِ وهو صبيٌّ فسمعه يُنشد هذا البيْت فَقَالَ: اسْتنْوقَ الجَملُ6 فصار مَثَلًا وذلك لأَن الصيعرية سمة للنوق خاصة.
__________
1 الوسيط "دمع": الدماع ككتاب من سمات الإبل في مجرى الدمع وهو خط صغير.
2 اللسان والتاج "دمع" دون عزو برواية: "دماعا" كغراب. وهو ماء العين من علة أو كبر ليس الدمع.
3 شرح أشعار الهذليين 3/1269 وهو للمتنخل الهذلي. يقول لا والله لا ينادي الحي ضيفي بعد هدوء بالمساءة والعلاط. يقال: علطهبشر: أي ترك عليه مثل علاط البعير.
4 م, ح: "أبو عمرو".
5 اللسان والتاج "صعر" وعزي للمتلمس وهو في ديوانه /320 ضمن ثلاثة أبيات.
6 اللسان "نوق’ صعر" والمستقصي 1/158.

(1/458)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا وَقَالَ لَهُ: أَدْرَاجَكَ يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبِ المغازي.
__________
1 سيرلا ابن هشام 2/125.

(1/458)


قوله: أَدْراجَكَ أي خُذْ طرِيقَك الَّذِي جِئْتَ منه ولا يُقالُ إذا أخذ في غير الوَجْه الَّذِي جاء منه. قَالَ الرَّاعي: يصفُ نِساءً بات عِنْدَهُنّ ثُمَّ رجعَ حين أصْبَح:
لمّا دَعَا الدَعْوَةَ الأُولَى فأسْمَعني ... أخَذْتُ ثوبيَّ فاستمررت أدراجي1
__________
1 شعر الراعي /35.

(1/459)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ فَأَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَرَدُّوا عَلَيْهِ جَمِيلا وَقَبِلُوهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ عَمَدْتُمْ إِلَى دَحِيقِ قَوْمٍ فَأَجَرْتُمُوهُ لَتَرْمِيَنَّكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اعْمِدْ لِطِيَّتِكَ وَأَصْلِحْ قَوْمَكَ فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيكَ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ.
الدَّحِيق الطَّريد المُقصَى. وقولهم: اعمِدْ لِطيَّتكَ معْناه امضِ لقَصْدكَ. يُقالُ: مَضَى لِطيَّتهِ أي لِنِيّتِه ووِجْهَته وقد بَعُدَتْ عنَّا طِيَّتُه. قَالَ ذُو الرُّمَّة:
دِيَارٌ لِميٍّ أصْبَحَ اليَوْمَ أهْلُها ... عَلَى طِيَّةٍ زَوْراءَ شَتَّى شُعُوبها2
وقال عُمارَةُ بْن عَقِيلٍ:
بَلْ أيُّها الرّاكِب الماضي لِطِيَّتِه ... بَلِّغْ حنِيفةَ وانشر فيهم الخبرا
__________
1 القصة ذكرها ابن كثير بألفاظ متقاربة في السيرة النبوية 2/160 والحديث في الفائق "دح" 1/415 وبعضه في النهاية "دحق" 2/105.
2 الديوان /65.

(1/459)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ1 وسلمة بن هشام وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَرُّوا مِنَ المشركين إلى النبي وَعَيَّاشٌ وَسَلَمَةُ مُتَكَفِّلانِ عَلَى بَعِيرٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ.
هُوَ من الكِفْل وهو أن يُدَارَ الكِساءُ حَوْل سَنامِ البَعِير ثُمَّ يُرْكبُ. يُقال: اكتَفلْتُ البعيرَ. قَالَ الشاعر:
ورَاكبٍ عَلَى البَعيرِ مُكتَفِلْ ... يَحْفَى عَلَى آثارها ويَنْتَعِلْ
وقال حُمَيْد بْن ثورٍ:
وَجِيئَا عَلَى نضْوَيْن مُكْتَفلَيْهما ... وَلا تَحمِلا إلا زِنَادًا وأَسْهُمَا3
قَالَ: بعضُ أهل اللغة الكِفْلُ ما يَحْفَظُ الرَّاكبَ من خَلْفِه. قَالَ: ومن هذا قِيلَ تكفَّلْتُ بالشيء ومنه أُخذَ الكفيل.
__________
1 ح: "عياش بن ربيعة" وفي التقريب 2/95 "عياش بت أبي ربيعة بن عبد الله القرشي".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/447 وذكره الهيثمي في مجمعه 2/137 وعزاه للطبراني.
3 الديوان /29 برواية: "وسيرا على نضوين مكتنفهما".

(1/460)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ جُدُودَ الْعَرَبِ فَإِذَا جَدُّ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ جَمَلٌ آدَمُ مُقَيَّدٌ بِعُصُمٍ يَأْكُلُ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ إسماعيل بن محمد حدثنا ابن حرب نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا موسى
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/346 بلفظ: "من أطراف الشجر" وبدون "مقيد معصم" من حديث بريدة الأسلمي.

(1/460)


بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي العلاء.
الجمل الآدمُ هُوَ الأَبيَضُ مَعَ سَوادِ المقلتين فإن خالطته حمرة فهو أصهب فإن خالطت بياضه شقرة فهو أعيس.
وقال الأموي عبد الله بن سعيد: قيل لابن لسان الحمرة أَخبِرْنا عَنِ الإبل فَقَالَ حمراها صُبْرَاهَا وَعِيساها حُسْنَاها ووُرقاها غُزراها ولا أبِيعُ جَوْنةً ولا أَشْهَدُ مَشْراهَا أي لا أشهد مَبِيعَها.
وقولُه: مُقيَّدٌ بعُصُمٍ فإنّ العُصُمَ ما يبقَى من آثار البَوْل والهِناءِ عَلَى أَفخاذِ الإبل وهو العَصِيمُ أيضًا. قَالَ المُتلمِّسُ:
أَصْبَحُوا لائطي المحلة في عج ... ل كما لاط مُجْرِبٌ بعَصِيم1
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: العُصْمُ أَثرُ كُلّ شيء من ورس أو زعفران أو نحْوه. قَالَ: وَسَمِعْتُ امرأةً من العرب تَقُولُ: أَعْطِني عُصْمَ حِنّائك أي مَا سَلتِّ منه والمعنى أَنَّهُ وصفه بالخِصْب وكثرة الرَّعْي يُريد أنّ العُصْمَ صار2 كالقَيْد لَهُ ويَدل عَلَى صحّة هذا التأويل حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ الله عَنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: "جَمَلٌ مُتَفَاجٌّ يَتَنَاوَلُ مِنْ أَطْرَافِ الشَّجَرِ" 3.
والمُتَفاجُّ الَّذِي لا يزالُ يُفرّج ما بين رجليه ليَبُول وإنّما يكثرُ بَوْلُه للخِصْب. والعَبَسُ مِثْلُ العَصِيم قَالَ أبو النجم يصف ذلك:
__________
1 هامش م: "أراد بني عجل". ولم أقف عليه في ديوانه معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
2 هامش م: "كان" بدل "صار".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/43 بلفظ: "جمل أزهر يأكل من أطراف الشجر" وعزاه للطبراني في الأوسط.

(1/461)


كَأَنَّ في أَذْنابِهنَّ الشُوَّلِ ... من عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأُيَّلِ1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون العُصْمُ جمع العِصَامِ وهو مِساكُ كُلِّ شيء ورباطُه ومنه عِصَامُ المْحمِل وهو شِكَالُه وقَيْدُهُ ومنه عِصَامُ القِربَة.
وأخبرني ابنُ الزِّئبقي نا الكُدَيْمي نا الأصمَعي قَالَ: أَتيتُ بعضَ البَوادي فإذا غلامٌ بيده قِربةٌ مَملُوءةٌ مُمْسِكٌ عِصَامَها وهو يقُول يا أَبه أَدْرِك القِربَةَ أَدْرِكْ فاهَا غَلبَني فُوهَا خَرجَ الماءُ من فِيها فتعَجَّبْتُ من إعرابه والمعنى أَنَّ خِصْبَ بلاده قد حَبَسَه بفنائه فهو لا يَبْعُدُ في طَلَب المْرعَى فصار بمنْزلة المُقَيَّد الَّذِي لا يَبْرَحُ مَكانَه ومن هذا قَولُ قَيْلةَ في الدَّهْناء إنّها مُقيَّد الجَمل أي أنّ الجملَ إذا وجدَها كَانَ فيها كالمُقيَّدِ لا يَنْزعُ إلى غيرها من البلاد.
ومِثْلهُ حديثُ جَرِير بْن عَبْد الله البَجَلِيّ ووَصَفَ خِصْبَ بلاده فَقَالَ لا يُقَامُ ماتِحُها ولا يَحْسَرُ صَابِحُها ولا يَعزُبُ سَارحُها فالصَّابحُ الَّذِي يَصْبَحُ الإِبلَ أي يَسْقيها صباحًا يَقُولُ لا يَعْيا في سَقْيها ولا يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لأَنَّ سَقْيَها تَشْريعٌ لَيْسَ بنَزْعٍ ولا مَتْحٍ.
وقَوله لا يَعْزُب سَارِحُها. فالسَّارِحُ من النَّعَم ما سرحَ أي رَعَى يريدُ أَنَّه لا يَبْعُد في طلب المَرْعَى وأنشد سَلَمةُ صَاحِبُ الفَرَّاء قَالَ ولا أعْلمهُ إلا عَنِ الأَصْمَعيّ:
إنَّك يا عَمرو وَتَرْكَ النَّدَى ... كالعَبْد إِذْ قَيَّد أَجْمالَه
يقولُ لأنّه إذَا وَجَد مَوْضعَ الكَلأ والخِصْب ثبتَ بِهِ ولم يجاوزه فكأنه قيدها.
__________
1 اللسان والتاج "أول" دون عزو. واقتصر في مادة "شول" على البيت الأول. وفي مادة "عبس" ذكر البيتين. وفسر العبس بأنه على هلب الذنوب من البول والبعر.

(1/462)


وقال رجلٌ من مُزَيْنة:
خَليليَّ بالبَوْباةِ عُوجَا فلا أَرى ... بهما مَنْزلًا إلا جَدِيبَ المُقَيَّدِ1
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثعلب أنا أبو نصر عَنِ الأصمعي قَالَ العرَبُ: تَقُولُ: في صفة الكَلأ كَلأ الحابِسُ فيه كالمُقيم وَكَلأ المُقِيمُ فيه كالمسافر. وقوله: يأكلُ من فُروع الشجر فإِنه يصِفه بالسَّنَق2 والامتلاء يَقُولُ إنّه يَسْتطْرفُ ويتعلَّلُ بما طَابَ من فروع الشجر.
__________
1 ح: "حريب المقيد" والبيت في معجم البلدان 2/301 وبعده:
نذق برد نجد بعدما لغبت بنا ... تهامة في حمامها المتوقد
2 هامش م: "السنق": التخمة.

(1/463)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا صَفَرَ وَلا غُولَ وَلَكِنَّ السَّعَالِي" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ.
السّعَالِي سَحَرةُ الجنّ جَمْعُ سِعْلاةٍ. والمعنى أن الغُولَ لا تستطيعُ أن تَغُولَ أحدًا أو تُضِلَّه ولكن في الجِنّ سحرةٌ كسَحَرة الإنْس لهم تَلِبيس وتخْييل.
وَمِثْلُهُ2 حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأْذَنُوا بِالصَّلاةِ.
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب السلام 4/1745 والإمام أحمد في مسنده 3/312, 382 وكلاهما لم يذكر: "ولكن السعالي".
2 م: "ومنه".

(1/463)


وقد تُشبَّهُ المرْأَةُ المُنْكرَةُ الخَلْق بالسِّعْلاة قَالَ الشَاعر:
لقَد رأيْتُ عجبًا مُذ أَمْسَا ... عجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسَا1
وقال الأعْشى:
وشُيوخٍ صَرْعَى بشطّي أريكٍ ... ونِساءٍ كأنَّهُنَّ السعالى2
__________
1 الجمهرة لابن دريد 3/32 برواية: إني رأيت. وجاء بعدهما:
يأكلن مافي رحلهن همسا ... لا ترك الله لهن ضرسا
2 الديوان /269.

(1/464)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَمْ تُطْعِمْهَا حَتَّى مَاتَتْ هُزْلا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: مِنْ جَرّاء هِرّةٍ يُريدُ من أجْلِ هرّةٍ أو سَبَبِ هرّة قَالَ أبو النجم:
فاضَتْ دمُوعُ العَيْن منْ جَرَّاها ... واهًا لِرَيَّا ثُمَّ واهًا وَاهَا2
ويُقالُ: فعلتُ ذاكَ مِنْ أجْلِكَ ومن جَريرِك3 ومن جَرَّاك. وكلامُ العامّة فعَلْتُ ذاك مجْرَاك وهو غَلَطٌ والصّواب من جرَّاك. وقال ابنُ السّكِّيت: يُقال: فَعَلْتُ ذَلِكَ من أجْلاك ومن إجلاك ومن جلالك
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة 4/2023 وأخرجه أحمد في مسنده 2/317 وعبد الرزاق في المصنف 11/284 بلفظ: "في هرة".
2 اللسان والتاج "جرر".
3 ت, ط: "ومن جريرتك".

(1/464)


ورَواه عَنِ الفراء عَنِ الكسائي وفيه لُغَةٌ أخْرى فعَلْتُهُ مِنْ جَلَلِك قَالَ الشاعرُ:
رَسْمُ دَارٍ وقَفْتُ في طَلَلِهْ ... كِدْت أَقْضي الحَياةَ من جَلَلهْ1
وقد يكونُ جَرى بمعنى الجَريرة كقول الحارث بْن حِلّزَة:
أَمْ علَيْنا جرَّى حَنيفَةَ أمْ مَا ... جَمَّعَتْ من مُحَارِبٍ غَبْراءُ2
يُريدُ جريرةَ حنيفة.
فعلى هذا قد يَجوزُ أن يكون المُرادُ أنّها دخلت النَّارَ بجريرتها على هرة.
__________
1 البيت في اللسان والتاج "جلل" وعزي لجميل وهو في ديوانه /105.
2 المعلقات العشر /256 ط-السلفية. والديوان /13.

(1/465)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَفَعَ بهاتين الآيتين صوته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} 1. فَتَأَشَّبَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ وَأَبْلَسُوا حَتَّى مَا أَوْضَحُوا بِضَاحِكَةٍ2.
حَدَّثَنِيهِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ3 نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
قَولُهُ: تَأشّبَ أَصْحَابُه أي اجتَمعُوا إِلَيْهِ وأَحاطوا بِهِ. ومنه الأُشابَةُ وهم أخْلاطُ الناس المجتَمعُون من كُلّ ناحيَةٍ وأوْب. وأراها أخذت من الأشب
__________
1 سورة الحج: 1.
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/435 وفيه: "حتى بلغ آخر الآيتين".
3 س: "المتقوم" تحريف والمثبت من ت. وفي تهذيب التهذيب 11/198: يحى بن حكيم المقوم بتشديد الواو المكسورة ويقال المقومي أبو سعيد البصري ذكره ابن حبان في الثقات وكان ممن جمع وصنف مات سنة 256 هـ.

(1/465)


وهو اجْتماعُ الشَّجَر في مكان واحد والتفافُها وقوله: أَبْلَسُوا مَعْناه سَكَتُوا1 والمُبْلِسُ السَّاكتُ من الحُزن قَالَ العجّاجُ:
يا صَاح هَلْ تَعرفُ رسْمًا مُكْرَسا ... قَالَ نعم أعرِفُه وأبْلَسا2
أي سكت. وقال رُؤبةُ:
وفي الوجُوه صُفْرَةٌ وإِبْلاس3
أي كآبَةٌ وحزْنٌ.
وقوله: ما أوضَحُوا بضاحِكَةٍ فإنّها واحدةُ الضَّواحِك وهي أربعة وسُمِّيت ضَواحِك لأَنّها تَظهَر عند الضَّحِك ويُقال لِواحدها ضَاحكٌ بغيْر هاء وأَكثرُ أهْل اللّغة عَلَى تذْكِيرِه. قَالَ أبو زَيْد: للإنسان أرْبَعُ ثَنايَا وَأربَعُ رُبَاعِيَاتٍ وأَربعةُ أنيابٍ وأربعةُ ضواحك واثنَتا عشرة رَحًا. ثلاثٌ في كلّ شِقٍّ وأربعةُ نواجذَ وهي أقصاها.
وأخبرني أبو عُمَر عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قَالَ: الأَسْنان تُؤنَّث والأَضراسُ تُذَكَّرُ وأَنْشد:
وسِرْبٍ مِلاحٍ قَدْ رأيْتُ وجُوهَه ... إِنَاثٌ أَدَانِيه ذُكُورٌ أواخرُهْ
قَالَ: والسِّرْبُ ثَغُر الجَارية
__________
1 النهاية "بلس": أبلسوا بالبناء للمفعول: أي أسكتوا.
2 الديوان /122.
3 الديوان /67.

(1/466)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ الْجَنَّةَ". فَقَالَ1 قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أن أتجمل بجلاز
__________
1 س: "قال قائل: يارسول الله" والمثبت من م, ت, ح.

(1/466)


سَوْطِي وَشِسْعِ نَعْلِي فَقَالَ النَّبِيُّ: "إِنَّ ذَلِكَ1 لَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ إِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمِصَ النَّاسَ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثنا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي سعيد بن مرثد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ثَوْبَانَ بْنِ شَهْرٍ الأَشْعَرِيِّ. سَمِعْتُ كُرَيْبَ بْنَ أَبْرَهَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى جِلانُ: السَّوطِ بالنُّون وهو غَلطٌ إنما هُوَ جِلازُ السَّوْط بالزَّاي وهو السّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ في طرفه.
قَالَ ابن السِّكِّيت: جَلْزُ السَّوْطِ مَقْبِضُه ومِنه اشتُقَّ أبو مجْلَزٍ. ويُقالُ: جَلَزْتُ القَوسَ إذَا لويْتَ عليها عَقَبًا.
يُقالُ: لِلرَّجل إنّهُ لمَجْلُوزُ الخَلْق إذَا كَانَ مَفْتُولًا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يصف ناقةً:
وحاذان مَجْلوزٌ عَلَى نَقَوَيْهما ... بَضيعٌ كَمَكْنُوزِ الثَّرى حينَ تُحنِقُ3
أي حين تَضْمُر.
والمحنِقُ الضَّامرُ والمَجْلوزُ المَطْوِيُّ يُريدُ أَنَّ لحْم فخِذيْها صُلب ويُقال: جَلَز الرجلُ إذَا مَرَّ مرًّا خفيفًا أنشدنا أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
__________
1 م: "إن ذاك".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/133, 134, 151 باختلاف في بعض الألفاظ.
3 البيت في الديوان 1/473 ط دمشق.

(1/467)


يومُ شَمالٍ باردُ الأَرِيزِ ... أَخْرجَ فِتيانًا ذَوي مَعِيزِ1
قدْ جَلَّزُوا لَوْ يَنْفَعُ التَّجْلِيزُ
الأَرِيزُ: البَرْدُ الشديد.
__________
1 س: "ذوي ضعيز" والمثبت من م وفي الهامش: أراد المعزى فقلب.

(1/468)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَرِجَ أَوْ كُسِرَ أَوْ حُبِسَ فَلْيَجْزِ مِثْلَهَا وَهُوَ حِلٌّ" 1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ2 نا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سلمة قال سألت الحجاج بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
قوله: فليَجْزِ مثلَها يريد فليَقْض مِثْلَها. يُقالُ: جَزيْتُ فُلانًا دَيْنَه أي قضَيْتُه. ومنه قِيلَ: للمُتَقاضي المُتَجازي. ومنه حديثُ مُعاذَة قالت: سَألْتُ عائشة أتَجْزِي الحائِضُ الصَّلاةَ فقالت: أَحُروريَّةٌ أنْتِ قد حِضْنَ أَزْوَاجُ النبي أَفأَمَرهُنَّ أن يَجْزِينَ الصَّلاةَ3 أي يَقْضِين. وفيه حُجّة لَمنْ رأى المُحرِم بالمَرض مُحْصَرًا.
وأخبرني الغَنويّ عن أبي العباس ثعلب قَالَ: يُقالُ: عَرِجَ الرّجُل يَعْرَجُ إذَا صَارَ أعْرَجَ وعرَجَ يَعْرُجُ إذَا غمز من شيء أصابه.
__________
1 أخرجه أبو ادود في المناسك 2/173 والترمذي في الحج 3/368 وابن ماجه في 2/1028 والنسائي 5/198 وأحمد في 3/450 بألفاظ متقاربة ولم يذكر أحد "أَوْ حُبِسَ فَلْيَجْزِ مِثْلَهَا وَهُوَ حل". وأشار الشوكاني في نيله الأوطار 5/103 إلى رواية أو حبس الخ.
2 ت: "الباهلي".
3 أخرجه أبو داود في الطهارة 1/68 والنسائي في الحيض 1/191 والإمام أحمد 6/32, 97 والبيهقي في السنن الكبرى 1/308 بنحوه.

(1/468)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الأَعْمَيَيْنِ وَمِنْ قِتْرَةَ وَمَا وَلَدَ" 1. مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
أَخْبَرَنَاهُ مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ.
يريد بالأعميين السيل والحريق وهما الأيهمان. وقد فَسَّرَه أبُو عُبَيْدٍ. وقِتْرَةُ اسْمُ إبليس. ويُقالُ: كُنْيَتُهُ أبو قِتْرة. قَالَ ابنُ الأعرابي: ابنُ قترة2 حية خبيثة.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/144 عن قدامة بن مظعون بلفظ: "اللهم إني أغوذ بك من شر الأعميين" قيل: يارسول الله وما الأعميان قال: "السيل والبعير الصؤول". وعزاه إلى الطبراني.
2 ط: "أبو قترة" وكذلك في القاموس "قَتْر".

(1/469)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ مِنْ رُومَةَ قَالَ: "هَذَا النُّقَاخُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الزِّئْبَقِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ.
النُّقَاخُ الماءُ العَذْبُ وسُمِّي نُقاخًا لأنّه يَكْسِرُ العَطشَ. والنَقْخُ الكَسْرُ. قَالَ الشاعرُ:
فإِن شِئتِ حَرّمتُ النّساءَ سِوَاكم ... وإن شئتِ لم أشرَب نُقَاخًا ولا بَرْدَا2
والمَسُوس في العُذوبَة دُونَ النقاخ والفرات أعذب العذب
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/506.
2 اللسان والتاج "نقخ, برد" وعزي للمرجي.

(1/469)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ مَلأ اللَّهُ مَسَامِعَهُ مِنَ الآنُكِ أَوِ الْبَرَمِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ نا أَبِي عَنْ لَيْثٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحَدُهُمَا الآنُكُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَرَمُ. أَمَّا الآنُكُ فَهُوَ الأُسْرُبُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الْبَرَمُ فَهُوَ الْكُحْلُ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ الْمُفَضَّلُ: الْبَرَمُ الْكُحْل الْمُذَابُ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الأَصْبِهَانِيِّ2 نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عبد الملك عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ مَلأ الله سمعه مِنَ الْبَيْرَمِ". هَكَذَا قَالَ: والبَيْرم هو البرم بعينه والياء زائدة فأما بيرم النّجّار وهو العَتَلةُ الكبيرةُ فليس من هذا في شيء. والبَرَمُ أيضًا ثَمرُ الطّلْحِ. قَالَ الشاعرُ:
جاريَةٌ لم تَرْعَ فِينَا غَنَما ... يَوْمًا ولم تَهْشُشْ لبَهْمٍ بَرَما
والبَرَمُ أيْضًا جَمْع بَرَمَةٍ وهي دُوَيْبَةٌ ذاتُ أرْجُلٍ تُشْبهُ الكُرّاشَ3.
يُقالُ: أَرْضٌ بَرِمَةٌ.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/246 والدارمي 2/298 في كتاب الرقاق بلفظ: "صب في أذنه الآنك" بدون كلمة "البرم".
والحديث في النهاية "أنك, برم" بروايتين مختلفتين.
2 س, م: "الأصبهاني" والمثيت من ت, ح وفي تهذيب التهذيب 9/188: محمد بن سعيد بن سليمان بن عبد الله الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني ولقبه حمدان.
3 القاموس "كرش": الكراش كزنار: دويبة وفي التاج "كرش": دويبة تلسع الناس توجد في مبارك الإبل وهي ضرب من القردان..واحدته كراشة.

(1/470)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا انْقَعَرَ عَنْ مَالٍ لَهُ فَأَتَتِ ابْنَةُ أَخِيهِ رَسُولَ الله تَسْأَلُهُ الْمِيرَاثَ فَقَالَ: "لا شَيْءَ لَكِ اللَّهُمَّ مَنْ مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ2 نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْم رَفَعَهُ.
الانقِعارُ الانْقلاعُ من الأصل ومن هذا قولُه تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 3. وقال الشاعر:
حتى تركنا عُبَيْدَ الله مُنْجدِلًا ... كأَنَّه جِذعُ نَخْلٍ مال مُنْقَعرُ
وفي هذا حُجّةٌ لِمَنْ لم يَر لِذَوِي الأَرْحام مِيراثًا.
__________
1 الفائق "قعر" 3/213 وفي النهاية "قعر" 4/87 جزء من الحديث برواية: "تقعر" وجاء فيها: قعره إذا قلعه يعني أنه مات عن مال له والحديث في سنن سعيد بن منصور 1/49.
2 ت: "مكي".
3 سورة القمر: 20.

(1/471)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَا اشْتَكَى فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى غُمِرَ عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ.
قوله: غُمِرَ عَلَيْهِ أي أُغْمِيَ عَلَيْهِ وهو من قولك غمرت الشيء إذا
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده الجزء الرابع لوحة 13 بلفظه. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/428 بلفظ: "أغمي عليه" بدل "غمر عليه".

(1/471)


سَتَرْتَه وغَمرَه الماءُ إذَا علاهُ فغيَّبه. ومن هذا أُخِذَ غُمار الناس ومنه قِيلَ للرجل المُلْتبس الرأي غُمْرٌ.

(1/472)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فَقَالَ: "هُوَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حِينَ يَفْرُطُ مِنْكَ فَتَستَغْفِرُ اللَّهَ بِنَدَامَتَكَ عِنْدَ الْحَافِرِ ثُمَّ لا تَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ أَبُو خَبَّابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوله: عند الحافِرِ معناهُ عند مُواقَعَة الذّنْب لا تُؤخرها فتكُون مُصِرًّا. قَالَ الكسائي: العَربُ تَقُولُ النّقْدُ عند الحافِرة مَعْناهُ عند أوّل كلمةٍ يُريدُ لا تَبْرح حتى تنقد. ويقال: التقَى القوْمُ فاقتَتَلُوا عند الحافرة أي عِنْدَ أول ما التقوا. قَالَ أبو العبّاس ثعْلب: قولهم النَّقْدُ عند الحافرة معناه النّقدُ عند السَّبْقِ. قَالَ: وذلك أنّ الفَرَسَ إذَا سبق أُخِذ الرَّهْنُ. قَالَ: والحافرةُ التي حفَر الفَرسُ بقوائمه قَالَ الله تَعَالَى: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} 2. قَالَ: والحافرَةُ الأرضُ والأَصْلُ فيها مَحفُورَةٌ فصُرِفَتْ عَنْ مَفْعُولَةٍ إلى فاعلة كما قِيلَ ماء دافِقٌ أي مَدْفُوقٌ. وسِرٌّ كاتمٌ أي مَكتُومٌ. وقال أبُو زَيْدٍ: أَتَيْتُ فُلانًا ثُمَّ رَجَعْتُ عَلَى حافِرَتِي أي في طَريقي الَّذِي أَصْعَدْتُ فيه. ويُقالُ عاد فلان في حافِرتِه أي طريقتهِ الأُولى. ومنه قوله
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/245 وعزاه لابن أب حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان.
2 سورة النازعات: /10.

(1/472)


تعالى: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} 1: أي إلى الأمر الأول من الحياة. قَالَ الشاعر:
أحَافرةً عَلَى صَلَعٍ وشَيْب ... مَعَاذَ الله من سفَهٍ وعارِ2
قَالَ الأصمعيُّ: وفي معناه رجع فُلانٌ عَلَى قَرْواه أي عَلَى أوَّلِ أمْره. وقال سَلَمة: أَحْفَظُ عَنِ الفَرَّاء أَنَّهُ روى حديثًا قَالَ: "لا تَرجِعُ هَذه الأُمَّةُ عَلَى قَرْواها" 3. أي على أول أمرها.
__________
1 سورة النازعات: 10.
2 اللسان والتاج "حفر".
3 النهاية "قرا" 4/57. وفيها: ويروى: "على قروائها" بالمد.

(1/473)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا إِلَى الْجِنِّ فَقَالَ لَهُ: "سِرْ ثَلاثًا مَلْسًا حَتَّى إِذَا لَمْ تَرَ شَمْسًا فَاعْلِفْ بَعِيرًا أَوْ أَشْبِعْ نَفْسًا حَتَّى تَأْتِيَ فَتَيَاتٍ قُعْسًا وَرِجَالًا طُلْسًا وَنِسَاءً خُلْسًا" فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اشْفَعْ شُوسًا1.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ مِلْحَانَ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ أَنّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَأُرَانِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ابْنِ مَالِكٍ وَأَثْبَتَهُ لِي عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
قَولُه: "مَلْسًا" يُريد سَيْرًا سريعًا. يُقال: مَلَسَ الرجل في سيره يملس
__________
1 الفائق "ملس" 3/385 إلى قوله: "ونساء خلسا" أخرجه ابن حبان في المجروحين 2/42 بلفظ "خنسا بل خلسا". وفي النهاية "شوس" 2/508 فقال: "يانبي الله أشفع شوس". والمثبت من جميع النسخ.

(1/473)


مَلْسًا. قَالَ الشاعر:
يَا صَاحبيَّ ارتَحلا ثُمَّ امْلُسَا ... لا تَحبِسَنْ لدَى الحُصَيْنِ مَحْبسا1
وقال ابن الأعرابي: المَلْس ضربٌ من السير الرفيق. وقال بعضهم: ملَسْتُ بالإبل إذا سُقْتَها سوقًا في خُفْية2.
وقولهُ: فاعِلفْ بعيرًا أَو أَشْبعْ نَفْسًا لم يُرِدْ أَحَدَ الأَمْرَيْن دُونَ الآخر لأنّ الحاجة إليهما واحدةٌ وإنّما هُوَ اعْلِفْ بعيرًا وَأَشْبِعْ نفْسَا. والأَلفُ مُقْحَمَةٌ كقوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 3.والمعنى ويَزيدُون. قَالَ النابغة:
قالَتْ ألا ليْتَما هذا الحَمام لنا ... إلى حَمامتنا أَوْ نِصْفَه فقَدِ4
يريد ونِصْفَه.
والقَعَسُ نُتُوءُ5 الصَدْرِ خِلْقةً. والحَدبُ نُتُوءُ6 الظَّهْر. قَالَ الشاعِرُ:
فاقْعَسْ إذَا حَدِبُوا واحْدَبُ إذَا قَعِسُوا ... ووَازِن الشَّرَّ مِثْقَالًا بمِثْقالِ
وقال آخرُ:
تَقُولُ وصَكَّتْ صَدْرَهَا بيَمينِهَا ... أبَعْلِيَ هذا بِالرَّحَا المتقاعس7
__________
1 ت, م: "أنشد المبرد".
2 كذا في س, ت, وفي م: "لاتحسبا لدى الحصين نحبسا. والبيتان في الكامل للمبرد 3/282 برواية: "لاتحسبا" وجاء بعدهما: "إن لجى الأركان ناسا بؤسا".
3 من م.
4 سورة الصافات: 147.
5 الديوان /85.
6 ت, م: "نتو" وفي الموضعين.
7 ت, م: "وصكت وجهها".

(1/474)


المُتَقاعِسُ الَّذِي خَرجَ صَدْرُه ودخل ظَهرُه. ويُقَالُ: عِزّةٌ قَعْساءُ أي لا تضع ظهْرَها إلى الأرض1. وقوله: رِجالًا طُلْسَا فإِنَّ الطُلْسَةَ لَوْنٌ كالغُبْرَة. ومنه قِيلَ لِلذِّئبِ أَطْلَس. وقولهُ: "ونساء خُلْسًا" يُريدُ سُمرًا.
والخِلاسُ: الوَلَدُ بين أبْيض وسْودَاء ومن ذَلِكَ قِيلَ رَجْلٌ خِلاسيٌّ وَدِيكٌ خِلاسيٌّ1وهوَ أن يخرج بين جنْسَيْن مُخْتَلفَين. ويُقال: شَعره مُخْلِسٌ وخَلِيسٌ2 وقد أَخْلسَتْ لحْيَتُه إذَا شَمِطَتْ قَالَ الشّاعرُ:
لمَّا رَأيْنَ لِمَّتي خَلِيسَا ... رَأيْنَ سُودًا ورَأيْنَ عيْسَا3
والشُوسُ الطِوالُ والواحِدُ أشْوَسُ قَالَ طَرفَةُ:
نُعْمانُ لو خِفْتُ الَّذِي قَدْ حَلَّ بي ... لحلَلْتُ حِصْنًا ذا بِنَاءٍ أَشْوسِ4
يُريدُ بِناءً صَعْبًا مُرْتَفعًا.
__________
1 سقط من ح.
2 كذا في س, ح, ت. وفي م: "وخليس" كزبير.
3 الجمهرة لابن دريد 2/220 وعزي لرؤبة.
4 ابيس في الديوان ط بيروت ولا ط دمشق.

(1/475)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ نا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا فَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى.
قوله: عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ معناه عَلَى أثَرِ ذَلِكَ وفيه لُغَةٌ أُخرَى. يُقال:
__________
1 النهاية "تفأ" 1/192.

(1/475)


جئتُهُ عَلَى تَئِفَّةِ ذَلِكَ1. ويُقال: في مَعْناه جِئْتُهُ عَلَى إِفَّان ذَلِكَ وإِبّان ذَلِكَ وعِدّان ذَلِكَ2 وأفَفِ ذَلِكَ وقال الأُمَوي: أَتيْتهُ3 عَلَى حَبالَّة ذَلِكَ أي عَلَى حين ذَلِكَ وعلى رُبَّانه وأنشد:
وإنَّما العَيْشُ برُبَّانِه ... وأَنْتَ منْ أفنانه معتصر4
__________
1 م: "تئفة" بالتخفيف.
2 من م, ت.
3 م: "جئته".
4 اللسان والتاج "عصر" وعزي لابن أحمر.

(1/476)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ" 1.
أَخْبَرَنِي ابْنُ دَاسَةَ قَالَ: سُئِل أَبُو دَاوُدَ سُليْمَانُ بْنُ الأشْعَثِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ وَمَعْنَاهُ مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ عَنَتًا2 وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ.
قَالَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْن عُمَر بْن ميْسَرَة وحُميدُ بْن مَسْعدَة قالا نا حسّان بْن إبراهيم قَالَ سألتُ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ قَطْع السِّدر وهو مُسِندٌ إلى قَصْر عُرْوة فَقَالَ تُرَى هذه الأبواب والمصاريع إنَّما هي من سِدْرِ عُروةَ وكان عُرْوَةُ يَقطَعُه من أرضه وقال: لا بَأسَ بِهِ.
وسُئِلَ عَنْ هذا الحديث إسماعيلُ بْنُ يحيى المُزَنيّ فَقَالَ وجْهُه أن يكون
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب 4/361 والبيهقي في السنن الكبرى 6/139 وهو في الفاءق "سدر" 2/168.
2 في سنن أبي داود 4/361 "عبثا" ومثله في سنن البيهقي 6/141 ونسخه م وفي ح وهامش م: الصحيح: عنتا.

(1/476)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَنْ هَجَم عَلَى قَطْع سِدْرٍ لقوم أو لِيَتيم أو لمن حَرَّم الله أن يَقْطع عَلَيْهِ فتحامَل عَلَيْهِ فقَطَعه فيَسْتحق ما قاله لِهجُومه عَلَى خلاف أمرِ الله فتَكُون المسأَلَة سبقَتِ السَّامعَ فسمِعَ الجَوابَ ولم يسْمَع المسألَة فأدَّى ما سَمِع دون ما لم يَسْمَع.
وَنَظِيرُهُ مَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" 1. فَسَمِعَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَسْمَعِ المسألة. وقد قال: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًّا بِيَدٍّ" 2.
قَالَ المُزَني: والدليلُ عَلَى جَوازِ قَطْع السِّدْر أنّ المَرْءَ أَحَقُّ بماله ولمّا لم أَرَ أحدًا يمنَعُ من ورَق السِّدْر والورَق من بَعْضها كالغُصْنِ منها وقد سوَّى رَسُولُ الله فيما حَرَّم قَطْعَه بيْنَهُ وبين عضده لقوله في شَجَر مَكَّة: "لا يُعْضَدُ شجرها". وفي إجازة النبي أن يُغسَّل الميِّتُ بالسِّدْر دَلِيلٌ عَلَى أن قَطْعَه من شَجره مُباحٌ ولو كَانَ حرامًا لم يَجُز الانتفاعُ بِهِ.
قَالَ مالك بن أنس: إنما نهى عَنْ قطع السِّدرِ بالمدينة ليكون مُستَظَلًّا للناس وليستأنسوا بِهِ ولا تستوحِشَ عَرْصَتُها.3
فأمّا حديث أبيض بْن حمَّال قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ الله مَاذا يُحْمَى من الأَراكِ قَالَ: "ما لم تَنَلْه أَخفَافُ الإِبل" 4. فإِن أَبَا عُبَيْد ذكره في كتابه,
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/200, 202, 206, 209 عن أسامة بألفاظ متقاربة. وأخرجه مسلم في المساقاة 3/1217, 1218.
2 أخرجه البخاري في البوع 3/97 ومسلم في المساقاة 3/1208 وأحمد في سمنده 3/4, 9.
3 من م. وفي القاموس "عرص": العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
4 أخرجه أبو داود في الخراج 3/175 والترمذي في الأحكام 3/655.

(1/477)


قَالَ: وإنما نَهى أن يُحَمَى ما نالَتْه أَخفافُ الإبل من الأَراك لأنّه مَرعى لها فرآه مُباحًا لابن السَّبيل وذلك لأنّه كلأ والنَّاسُ شُركَاءُ في الماء والكلأ وما لم تَنلْه أخفافُ الإبل كَانَ لَمنْ شَاءَ أن يحمِيه حَمَاه.
قَالَ أبو سُليمان: وهذا كما قاله أبو عُبَيْدٍ إلا أنّه مَعَ ذَلِكَ لم يُبيّنْ ما تَناله أَخفافُ الإبل ممّا لا تَناله فيُعْلم ما يجوز أن يُحمَى مِمّا لا يَجوزُ حِماه وبَيانُ ذَلِكَ ما أخبرناهُ ابن داسة عَنْ أَبِي داود عَنْ هارون بْن عَبْد الله قَالَ: قَالَ لي محمد بْن الحسن المخزومي: ما لم تَنَلْهُ أخْفافُ الإبل هُوَ أنّ الإبل تأكُل مُنْتَهى رُؤوسِها ويُحْمى1 ما فوقه.
وفيه وجهٌ آخَرُ وهو أن يُرادَ بأخْفافِ الإبل مسانُّها. قَالَ الأصمعيُّ: الخُفُّ الجَملُ المُسِنُّ وأَنْشَد:
سَألْتُ زيدًا بَعْدَ بَكْرٍ خُفَّا ... والدَّلوُ قد تُسْمَعُ كي تَخِفَّا2
3 أَيْ سَأَلْتُه بَكْرًا من الإبل فلمّا منعه اقتصرْتُ عَلَى خُفٍّ وهو المُسِنُّ. ويُقَال: أَسْمَعْتُ الدَّلْوَ إذَا شَدَدْتَ عَلَى أسْفَلِها خيطا لئلا تمتلىء ماء فتخف عَلَى المُسْتَقِي4. والمعنى أَنَّ ما قَرُبَ من المَرْعَى لا يُحْمَى بل يُتْرك لمسَانِّ الإبل. ولِمَا في معناها من حاشية المال وضِعَافِها التي لا تَقْوى عَلَى الإِمْعَان في طلَب المَرْعى.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا محمد بن
__________
1 ت: "فتفنى" وفي النهاية "خفف": نهى عن حمي الأراك إلا مالم تنله أخفاف الإبل: أي مالم تبلغه أفواهها بمشيها إلبيه.
2 الفائق 2/400 واللسان والتاج "خفف" دون عزو.
3 ساقط من هنا من نسخة ط نحو ست صفحات من حجم الفلوسكاب.
4 ساقط من م, ت.

(1/478)


أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ نا فَرَجُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي عَمِّي ثَابِتُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عن أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ حِمَى الأَرَاكِ فَقَالَ: "لا حِمَى فِي الأرَاكِ". قَالَ: أَرَاكَةٌ فِي حَظَارِي1.
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لا حِمَى فِي الأَرَاكِ" 2. قَالَ: فَرجٌ يَعْنِي بالحَظَار الأَرضَ التي فيها الزَرْعُ المُحاطُ عليها وقال الليث بْن المظفَّر هُوَ الحَظار بفتح الحاء وهو حائط الحظيرة ويقال حظَّر فلان عَلَى نَعَمِه حَظيرة3.
قَالَ أبو سُليمان ونرَى واللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنما لم يَحْمِ لَهُ الأَراكة التي في حَظاره لأنّها أرض قد كان أحياها وهذا الأراكةُ فيها فَمَلك الأرضَ بما أحْدث فيها من العِمارة ولم يكُن لَهُ صُنْعٌ في الأراكة فيَملِكَها فبقيَتْ عَلَى أصْل الإباحة والأصْلُ أَنّ كُلّ ما كَانَ لَهُ نَفْعٌ عاجل وللمسلمين فيه مِرفَقٌ لم يَجُزْ حِماه ولا إقْطاعه أَلا ترى أن رسولَ الله لما أقْطَعَه المِلَحَ الَّذِي بمأرب فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّما أَقْطَعْتَ لَهُ الماءَ العِدَّ رجعه منه4.
__________
1 ت: "حظارتي".
2 أخرجه أبو داود في الخراج 3/175.
3 من ت, م.
4 أخرجه أبو داود 3/175.

(1/479)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ: "ثَلاثٌ يَنْقُصُ بِهِنَّ الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا وَيُدْرِكُ بِهِنَّ فِي الآخِرَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الرُّحْمُ وَالْحَيَاءُ وَعِيُّ اللِّسَانِ" 1.
حَدَّثَنِيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أنا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ محمد بن كعب القرظي
__________
1 الفائق "رحم" 2/49.

(1/479)


الرُّحْمُ الرَّحْمَةُ1 ومنه قولُه تَعالَى: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} 2: أي بِرًّا ومَرْحَمةً. قَالَ الشّاعِرُ:
أحْنَى وأَرْحَمُ مِن أُمٍّ بوَاحدها ... رُحْمًا وأَشْجَعُ من ذِي لِبْدَةٍ ضاري3
__________
1 في الفائق 2/49: "يقال رحم رحما كرغم أنفه رغما وفعل في المصادر يجئ مجيئا صالحا وقرئ: أقرب رحما ورحما مخففا ومثقلا. وقالوا لمكة: أم رحم وأم رحم وذلك من الحديث إشارة إلى مصدر ينقص ولابد من مضاف محذوف كأنه قال ماهو أعظم من ضد ذلك النقصان وهو ماينال المرء بقسوة القلب ووقاحة الوجه وبسطة اللسان التي هي أضداد تللك الخصال من الزيادة وهي من قبيل الإنجازات التي يشجع المتكلم على تناولها أمن الالتباس ويجوز أن يكون المعنى ما هوأبلغ في معظمه منهن في نقصانها فاختصر الكلام كقولهم: البر خير من الفاجر".
2 سورة الكهف: 81.
3 م, ح: أحيا وارحم. والبيت في اللسان والتاج "رحم".

(1/480)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بِالتَّمْرَةِ الْعَائِرَةَ فَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِهَا إِلا مَخَافَةَ1 أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْنِيُّ قَالا نا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
العائرَةُ السّاقطةُ لا يُعْرَفُ لها مالِكٌ. يُقال: عارَ الرجُل إذَا انْهَمَكَ في الخلاعة ورجل عَيَّارٌ وعارَ الفرسُ عِيارًا إذَا مرَّ عَلَى وَجْهه كالمُنْفَلت من صاحِبِه.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً لا تدري أيهما تتبع" 3.
__________
1 من, م.
2 أخرجه أبو داود في الزكاة 3/193, 241, 258 بدون: "العائرة".
3 أخرجه مسلم في صفات المنافقين 4/2146 والنسائي في الإيمان 8/124 وأحمد في مسنده 2/47, 143.

(1/480)


رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ يَعْفُرُ بن زوذى عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْيَاعِرَةُ مَكَانَ الْعَائِرَةِ.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن عثمان بن يَزْدَوَيْهِ عَنْ يَعْفُرَ بْنِ زُوذَى1 سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَهُوَ يَقُصُّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ 2 الشَّاةِ الرَّابِضَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْن" 3.
والياعِرةُ من اليَعار وهو صَوْتُها. قَالَ ابن الأعرابي: وفي بعض الروايات مثَلُ المُنافق مثَلُ شَاةٍ بيْنَ رَبِيضَين تَعْمُو إلى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً. قال: ويقال عما يعمو إذَا خَضَع وذلّ. ويَدخُل هذا الحديثُ في أبوابٍ من الوَرَع واجْتنابِ الشُّبُهات.
وفي حديث آخر أَنَّهُ قَالَ: "لا يَكُونُ الرَّجُلُ من المُتَّقين حتّى يدَع ما لا بأسَ بِهِ حَذَرًا ممّا به البأس" 4.
__________
1 في االجرح 4/2/314: "يعفر بن رذوى" وكذلك في المصنف ومسند أحمد.
2 م, ح: "كمثل".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/436 وأحمد في مسنده 2/88 بلفظ: "العائرة".
4 أخرجه الترمذي في القيامة 4/634 وابن ماجه في الزهد 2/1409.

(1/481)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ1 بْنِ التَّيِّهَانِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَدْ خَرَجَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَسْتَعْذِبُ الْمَاءَ فَدَخَلُوا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَحْمِلُ الْمَاءَ قِرْبَةً يَزْعَبُهَا ثُمَّ رَقِيَ عَذْقًا لَهُ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فِيهِ زَهْوُهُ وَرُطَبُهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ الْحِسْيِ ثُمَّ
__________
1 م, ح: "أنه جاء منزل أبي الهيثم".

(1/481)


قَالَ: يَا أَبَا الْهَيْثَمِ أَلا أَرَى لَكَ هَانِئًا فَإِذَا جَاءَنَا السَّبْيُ أَخْدَمْنَاكَ خَادِمًا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ ثنا الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. لَمْ يَذْكُرُ ابْنُ الْمَكِّيِّ فِي رِوَايَتِهِ يَزْعَبُهَا. رَوَاهُ غَيْرُهُ.
قوله: يَزعَبُها قَالَ الأصْمَعيُّ: يُقال: مرَّ2 يَزْعَبُ بِحملِه إذَا استقام بِهِ. وأَنشد قولَ جَمِيل بْن مَعْمَر:
لَهُ من خَوافي النَّسر حُمٌّ نَظائِرٌ ... ونَصْلٌ كنَصْل الزّاعبيّ فَتِيقُ3
يُريدُ بالزّاعِبيّ ما اعتدل من الرِّماح واسْتقام.
وقال غيره الزّاعبيُّ مَنْسُوب إلى زَاعبٍ رَجُل من الخزْرَج كَانَ يَعْمَلُ الأَسِنَّةَ. والفَتِيقُ المُحدَّدُ.
وقوله: رَقِي عَذْقًا يُريدُ نَخْلةً. والعَذْقُ بالفَتْح النَّخلُ. والعِذْقُ بالكَسْر الثَّمرُ والقِنْوُ العِثْكَالُ بما عَليْه من الثَّمرِ. وفي رواية أخرى أنَّه أخَذ مِخْرفًا فأتى عَذْقًا لَهُ. والمِخْرَفُ وِعاءٌ شِبْهُ الدَوْخلَّة يُجْمَعُ فيه جَنِيُّ الثمَر فأمّا المَخْرَفُ فهو جَنَى النَّخْل قاله أبو عُبَيْدٍ. وعلى هذا تأوّل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَائدُ المريض عَلَى مَخارِف الجنَّة" 4. وقال أبو عُبَيْدٍ: إنّما سُمّي مَخْرَفًا لأنه يُخْتَرف منه أي يُجْتَنَى. وأنكر ابن قَتَيبَة هذا التفسير وزعم أنّه غلطٌ بيّنٌ من أَبِي عُبَيْدٍ لأنّه ذكر أن المخْرفَ جَنَى النّخْل
__________
1 أخرجه الترمذي في الزهد 4/584.
2 م: "مر بزعب يحمله".
3 اللسان والتاج "زعب".
4 أخرجه مسلم في البر 4/1989 وأحمد في مسنده 5/276, 279.

(1/482)


وجَنَى النَخْل: رُطَبُه وَثَمَره وذلك مَخْروف النخل قَالَ: وإنّما المْخرَفُ النَخْلُ بعَيْنه. والدليلُ عَلَى ذَلِكَ قول أبي طلحة للنبي إنَّ لي مَخْرفًا وإني أُريدُ أَن أَجْعَلَه صَدقةً1. أراد أَنّ لي نَخْلًا. وأراد أنّ عائد المريض في بساتين الجنة لأنه استحقَّها بالعِيادةِ فهو صَائرٌ إليها.
قَالَ أبو سليمان قولُ أَبِي عُبَيْد صَحِيح. ووَجْهُه بيّنٌ واضحٌ في مذهب اللغَة. والمَخْرَفُ خُرْفَةُ الثَّمَر وهو ما يُخْتَرفُ منه كالمَحْرمِ في الحُرمة. يُقالُ: هتَكَ فُلانٌ مَحْرَمًا أي حُرْمَةً. قَالَ حميد بْن ثور:
فأردتُ أن أغشى إليها محرما ... ولمثلها يعشى إليها المحرم 2
وقد جاء هذا في حديثٍ مرفوعٍ.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الأشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رسول اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ: "جَنَاهَا".3
والحِسْيُ حَفِيرةٌ قريبة القَعْر. ويُقالُ: إنّ الحِسْيَ لا يكون إلا في أرْضٍ أسْفلُها حِجارة وفوقها رَملٌ فإذا مُطِرت نَشِفَتْه الرمال فإذا انتهى إلى الحجارة أَمْسَكَتْه فإذا جاء وَقْتُ الحرِّ نُبِش عَنْهُ الرَّمْلُ واسْتُقِي منه الماءُ العذب.
__________
1 أخرجه الترمذي في 3/48 وأبو داود 3/118 وغيرهما بدون ذكر أبي طلحة.
2 من م والبيت في الديوان ط داتر الكتب المصرية.
3 أخرجه مسلم في البر 4/1989 والترمذي في الجنائز 3/300 وأحمد في مسنده 5/377, 281, 283.

(1/483)


قوله: "لا أرى لك هانِئًا" فإنّ المشهُورَ من هذا الحديث أنّه قَالَ: "لا أرى لك1 ماهنًا". والماهنُ الخادِمُ. والمِهْنَةُ الخِدْمَةُ. فأما الهانىء فمن قولك هَنأْتُه أي أعْطَيْتُه. ومنه المثَلُ سُمَّيتَ هَانِئًا لِتَهْنَأَ2 أي إنما سُدْتَ لِتَحْمِلَ كُلَّ الناس وتفضل عليهم.
__________
1 من ت, م.
2 اللسان "هنأ" وجمهرة الأمثال 1/513 ومجمجع الأمثال 1/18 والمستقصي 1/418.

(1/484)


وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي الْعَنْبَرِ: "لَوْلا أَنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ ضَلالَةَ الْعَمَلِ مَا رَزَيْنَاكُمْ عِقَالًا" وَأُخِذَتْ لامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَرْبِيَّةٌ فَأُمِرَ بِهَا فَرُدَّتْ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نا عَمَّارُ بْنُ شُعَيْبِ2 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْبِ3 حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي الزُّبَيْبَ الْعَنْبَرِيَّ يَذْكُرُهُ.
قَولُه: ضلالة العمل هُو من قولكَ ضلَّ الشَّيء إذَا ضاعَ وهلك ومنه ضَالَّةُ المالِ وهو ما يَضِلّ عَنْ صاحِبه ويَضِيع وقد يكون الضَّلالُ بمعنى البُطلان كقوله عز وجل: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} 4: أي بَطَلنا ولحِقْنا بالتراب فلم يُوجَدْ لنا أَثرٌ. قَالَ أبو عُمَر أَصْلُ الضَّلال الغَيْبُوبَة. يُقال: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَن إذَا غاب وكذلك ضَل الناسِي إذَا غاب عَنْهُ حفْظُه وهو قَوْلُه تعالى: {لاَيَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} 5 وقوله: {أَنْ
__________
1 أخرجه أبو داود في الأقضية 3/309.
2 س: "شعيث" والمثبت" من م, ت.
3 ت: "الزبير" في الموضعين وهو تحريف والمثبت من س, م. وفي سنن أبي داود "عَمَّارُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ الله بن الزبيب العنبري".
4 سورة السجدة: 10.
5 سورة طه: 52.

(1/484)


تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} 1: أي تَغِيب عَنْ حِفْظها فتُذكِّرها الأخْرى. والزّرْبِيَّةُ الطَّنْفَسَةُ في قول الفراء. وقال أبو عُبَيْدَة: هي البِساطُ. وَرُوي في حديث آخر أنّها قَطِيفةٌ أُخِذَتْ لها. وقوله: رزيناكم اللغة الجيدة رزأناكم2.
__________
1 سورة البقرة: 282.
2 من ت, م.

(1/485)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ أَوْسٍ النَّهْشَلِيَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لأهْلِ الْغَائِطِ يُحْسِنُوا مُخَالَطَتِي قَالَ: فَسَمَّتَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ2 نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا غَسَّانُ بْنُ الأَغَرِّ حَدَّثَنِي عَمِّي زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ حُصَينِ بْنِ أَوْسٍ.
قوله: أَهْل الغَائِط يُرِيدُ أهْلَ الوادِي الَّذِي كَانَ يَنْزله. والغائطُ الوَادِي الواسِعُ. قَالَ عَمرُو بنُ مَعْد يكرب:
وَكَمْ مِنْ غائطٍ من دُونِ سَلمى ... قَليلِ الأُنْس ليسَ بِهِ كَتيعُ3
يُقالُ: ما بالدار كَتيْعٌ وما بِها صَافِرٌ وما بِها وابِرٌ وما بها عَرِيبٌ وما بِها شَفْرٌ وما بِها آرِمٌ4 وما بِها دَيَّارٌ وما بِها نافخٌ ضَرَمَةٍ أي ما بِها أَحَدٌ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نا عَبْدُ
__________
1 أخرجه النسائي مختصرا في الزينة 8/134و 135. والبخاري في التاريخ الكبير 2/1/1. في ترجمة حصين وذكره الحافظ في الإصابة 1/335 وعزاه للطبراني.
2 ت: "الباهلي" والنثبت من س, م, ط, ح.
3 اللسان والتاج "كتع" وجاء في شعر عمرو بن معد يكرب ط دمشق /133.
4 س: "إرم" والمثبت من بقية النسخ.

(1/485)


الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي نا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ نا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ1 سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَنْزِلُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ يَكْثُرُ أَهْلُهَا وَيَكُونُ مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ" 2.
يُريدُ بالغائط بَطْنًا من الأرضِ. والبَصْرَةُ ضَرْبٌ من الحجارة رِخْوٌ إلى البَيَاض. وفي قِصّة عُتْبَةَ بْن غَزْوانَ أَنَّهُ لمَّا نزل المِربَدَ وجَدُوا هذا الكَذَّان. فَقَالَ: ما هذه البصرة.
وقوله: سمَّتَ عَلَيْهِ أي دعا له بخير.
__________
1 ت: "أبو بكر" والمثبت من س, م.
2 أخرجه أبو داود في الملاحم 4/113.

(1/486)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنَا بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ هَاتُوا الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ وَتَزَقَّمُوا.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ2 نا عَارِمٌ نا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ3 نا هِلالُ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
التَّزَقُّمُ والازْدِقام التَّسَرُّطُ4 وَالازْدِرادُ والزُّبْدُ يُزْدَرَدُ لِلينِه وسَلاسَتِه. وكان هذا القَولُ من عَدُوِّ الله عَلَى مَذْهب المعارضة للآية.
ورُوِي أنها لمَّا نزلَتْ لم تعْرِفْ قُرَيْشٌ الزَّقُّوم فَقَالَ أبو جهل: إنّ هذه الشَّجرة ما تنبُت في بلادِنا فَمنْ منكم يعرِف الزَّقُّوم فَقَالَ رَجُل قدم من
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/374.
2 ت, م, ح: "العباس بن محمد الدوري".
3 ت: "زيد" تحريف.
4 القاموس "سرط" تسرطه: ابتلعه.

(1/486)


أَفريقية: إن الزَّقُّوم بلُغَة أَهْل أفرِيقيَّة هُوَ الزُّبْدُ بالتَّمر فَقَالَ أبو جَهْل: يا جاريةُ هاتي لنا زُبْدًا وتَمرًا نَزْدَقِمُه1 فجَعلوا يأكلون منه ويتزقمُون ويقولون: أَبَهذا يُخوّفُنَا مُحِّمدٌ في الآخرة فبيَّن اللهُ مُرادَه في آية أخْرى فَقَالَ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 2.
__________
1 القاموس "زقم": التزقم: التلقم وأزقمه فازدقمه: أبلعه فابتلعه.
2 سورة الصافات: 64, 65.

(1/487)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَهُ لَوْ أَخَذْتَ ذَاتَ الذَّنْبِ مِنَّا بِذَنْبِهَا قَالَ: "إِذًا أَدَعُهَا كَأَنَّهَا شَاةٌ مَعْطَاءٌ".1 يَرْوِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
المَعْطاءُ هي التي سَقَط صُوفُها لِهُزالٍ أو مَرضٍ. يُقال: امّعَطَ الشَعُر وامَّرَط إذَا تَناثَر وتساقَط.
وذِئبٌ أَمْعط وهو الَّذِي لا شعر على جسده.
__________
1 الفائق "معط" 3/374 برواية: "لو آخذت" بدل "لو أُخِذَتْ".

(1/487)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ قَالَ وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ فَيَشُقُّ عَلَى الرَّجُلِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى فَأَتَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَطَلَبَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَبِيعَهُ فَأَبَى وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى قَالَ: "فَهَبْهُ لَهُ 1 وَلَكَ كَذَا وَكَذَا" أَمْرًا أَرْغَبَهُ فِيهِ فَأَبَى فَقَالَ: "أَنْتَ مُضَارٌّ". وَقَالَ لِلأَنْصَارِيِّ: "اذهب فاقلع 2 نخله" 3.
__________
1 كذا في س, ت. وفي م: فهبه لي.
2 ت: "فاقتطع".
3 أخرجه أبو داود 3/315 في الأقضية بلفظ: "رغبه" بدل "أرغبه".

(1/487)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ نا حَمَّادٌ نا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ.
هَكَذَا قَالَ: عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَضِيدٌ مِنْ نَخْلٍ يُرِيدُ نَخْلًا لَمْ تَبْسُقْ وَلَمْ تَطُلْ. قَالَ الأصمعي: إذَا صار للنخلة جِذْعٌ يتناول منه المتناوِلُ فتِلْكَ النَخْلةُ العَضِيدُ وجمعُها عضدان فإذا فاتت اليد فهي جَبَّارَة فإذا ارتفعَتْ عَنْ ذَلِكَ فهي الرّقْلَةُ وجَمْعُها رَقْلٌ ورِقالٌ وهي عند أهل نَجْدٍ العَيْدانَة فإذا طالَتْ مَعَ انْجِرادٍ فهي سَحوقٌ وهُنَّ سُحُقٌ. وقال لَبِيدٌ يصف نَخْلًا:
فاخِراتٌ ضُرُوعها في ذُراها ... وأَنِيضُ العَيْدان والجبَّارُ1
العيدانة: النخلة التي فاتت اليد2.
والكتائل أيضًا: النخْلُ الطِّوالُ أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب:
قد أبصرتْ سُعدَى بها كتائلي ... مِثْل الجَواري الحُسَّرِ العَطابِلِ3
وفيه من الفقه أَنَّهُ أمر بإزالة الضَّرر وإن لحقَ المُضارّ فيه نقص ولم نَسْمَعْ في هذا الخبر أَنَّهُ قلع نَخْلَه وإنّما قَالَ ذَلِكَ لِيَرْدَعَه بِهِ عَنِ الإِضْرارِ كقوله: "من شَرِبَ الخمرَ فاجْلِدُوه فإِن عادَ فاجلِدُوهُ" ثُمَّ قَالَ في الثالثة أو
__________
1 شرح الديوان /42 ويروى: "وأناض العيدان والجبار".
2 من م.
3 الرجز في اللسان والتاج "كتل" برواية: "مثل العذارى الخرد العطابل".

(1/488)


الرابعة: "فاقْتلُوهُ" وهذا1 إذَا عاوَدَ شربها لم يقتل.
__________
1 م: طوهو إن عاود ... " أخرجه أبو داود في الحدود 4/185. وأمد في مواضع منها 2/176 وغيرها.

(1/489)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأبِي طَالِبٍ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ: "قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُصِبْ بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْلا رَهْبَةُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ دَهَرَهُ الْجَزَعُ فَيَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ لَفَعَلْتُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ.
يُقالُ دَهَرهُ أي نكبه الدَّهْرُ وأصابَه بِمكْرُوهه فجَزِع لذلك. يُقال: دَهَر فلانًا أمْرٌ أي نزل بِهِ مكروه من مكاره الدَّهْر وكان أهل الجاهلية يُضيفون المصائبَ والنوائِبَ إلى الدّهْر وهُم في ذَلِكَ فرْقَتان فرقةٌ لا تُؤمن بالله لا تَعْرفُ إلا الدّهْرَ الَّذِي هُوَ مَرُّ الزّمان واختلافُ اللّيْل والنَهار اللّذيْن هما مَحلُّ الحوادث2 وظَرْفٌ لمساقط الأَقْدار فتُنْسَبُ المكارِهُ إِلَيْهِ عَلَى أنّها من فعله ولا ترى أنه لَهُ مُدَبِّرًا ومُصَرِّفًا وهؤلاء الدَّهريّة الذين حكى الله عنهم في كتابه {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 3. وفرْقَةٌ تعْرف الخالق فتُنَزّهه أَنْ تنسُبَ إِلَيْهِ المكارهَ فتُضيفَها إلى الدَّهر والزمان. وعلى هذين الوجْهَيْنِ كانوا يَسبُّون الدَّهَر ويذمُّونه فيقول القائل منهم يا خيْبَةَ الدهر ويا بُؤسَ الدَّهْرِ إلى ما أَشْبَه هذا من قولهم
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/122.
2 م, ط: "محل لحوادث".
3 سورة الجاثية: 24

(1/489)


فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْطِلا ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ: "لا يَسُبَّنَّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" 1. يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِهَذَا الصَّنِيعِ بِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ2 الْفَاعِلُ لَهُ فَإِذَا سَبَبْتُمُ الَّذِي أَنْزَلَ بِكُمُ الْمَكَارِهَ رَجَعَ السَّبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَانْصَرَف إِلَيْهِ. ومعنى قوله: "أنا الدهر" أي أنا مالك الدهر ومصرفه فحذف اختصارًا لِلّفْظ واتِّساعًا في المعْنى وبيان هذا في حديث أَبِي هُريرَة.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ غَالِبٍ نا ابْنُ نُمَيْرٍ ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا الدَّهْرُ لِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أُجِدُّهُ وَأُبْلِيهِ وَأَذْهَبُ بِالْمُلُوكِ وَآتِي بِهِمْ" 3.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسَدِ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُهُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا" 4.
قَالَ أبو سليمان: وروى عامَّةُ النَّقلَة والرَّواةِ من أهل الحديثِ قِصَّةَ أَبِي طالب هذه فقالوا من جزع القلق. كذاك5 حدثناه الصفار ثنا
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/299 ومسلم بنحوه في 4/1763.
2 سقط من ح.
3 أخرجه أحمد في مسنده 2/496.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها 6/166, 9/175 ومسلم في كتاب الألفاظ 4/1762 وابو داود في 4/369 وأحمد في مسنده 3/272.
5 ط, ح: "كذلك".

(1/490)


عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ كِيسَانَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: "قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: لَوْلا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 1.
إلا أنّ أبَا عُمَر كَانَ يذكر عَنْ أَبِي العبّاس ثعلب أَنّه كَانَ يقُول إنّما هُوَ الخرع بمعْنَى الضَّعْف والخَوَر قَالَ وأَصْلُ الخرع اللِّينُ والاستِرخاء. قَالَ ومنْه قِيلَ للمرأة الفاجرة خَرِيعٌ. قَالَ الشاعر:
وفيهنّ أشباهُ المَهَا رعَتِ الفَلا ... نواعِمُ بِيضٌ في الهَوَى غير خَرَّعِ2
أي غير فواجر.
وقال أبو عُبيدة: إنّما سُمِّيَت المرأةُ خَرِيعًا لِلِينها وطاعَتِها. وقال أبو مالك: الخَرِعُ الَّذِي لَيْسَ بصُلْب. يُقال: رَجُل خَرِعٌ إذَا كَانَ ضَعيفًا خوَّارًا. قَالَ: ومِنْهُ اشتُقّ الخِرْوَعُ وذلك لِلِينِه.
قَالَ أبو سُلَيْمان: يقال: رَجُلٌ دَهْرِيّ3 إذَا نُسِبَ إلى رأي الدَّهريّة وشَيْخٌ دُهْرِيٌّ إذَا كَانَ مُعَمَّرًا.
وأخبرني الرُّهَنِي قَالَ سألْتُ ابنَ كيسان عَنِ الدُّهرِيّ والسُّهْلِي ودُخُول الضّمّة فيهما فقال نسبوهما إلى السهولة والدهورة.
__________
1 أخرجه مسلم في الإيمان 1/55 والترمذي في التفسير 5/341 وأحمد في مسنده 2/434, 441 وغيرهم. والآية في سورة القصص: 56.
2 اللسان والتاج "خرع" وعزي لكثير وهو في ديوانه /412.
3 الدهري ويضم: القائل ببقاء الدهر "القاموس: الدهر".

(1/491)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا مُطِرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيْبًا نَافِعًا". وَيُرْوى: "سَيْبًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا مِسْعَرٌ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُه2 سَيْبًا وَالَّذِي حَفِظُوا صيبًا أَجْوَدُ. والسَّيْبُ العطاء أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلب:
أُرَجّي نائلًا من سَيْب رَبٍّ ... لَهُ نُعْمَى وذَمَّتُه سِجالُ3
والذَّمَّة البئر القليلة الماء. قَالَ ابنُ السكّيت: والسَّيْبُ مَجرَى الماء وجَمْعُه سُيُوبٌ وقد سابَ سُيُوبًا إذَا جرى فأمّا الصَّيْبُ فأصْلُهُ الصَّوْبُ من صَاب يَصُوبُ يُقال صابَ المَطَرُ يَصُوب إذَا نزل. قَالَ الشَّاعرُ:
تَحدَّر منْ جوِّ السِّماءِ يَصُوبُ4
ومنه قوله تَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} 5 وزْنُه فَيْعل من صابَ يَصُوبُ إذَا نَزَل وقال المُبَرّدُ هُوَ من صابَ إذَا قَصَدَ وأنشد لبشر بن أبي خازم:
__________
1 أخرجه الحميدي في سمنده 1/121 وأخرجه البخاري في الاستسقاء 2/40 وأبو داود في الأدب 4/326 والنسائي 2/164 وابن ماجه في الدعاء 2/1280 وأحمد في 6/41, 90, 119 وكلهم برواية: "صيبا" ماعدا الحميدي فرواه: "سيبا".
2 س: "حفظت" والمثبت من ت, م.
3 م: "من سيب ربي" والبيت في اللسان والتاج "سجل".
4 اللسان والتاج "صوب" وصدره: "فلست لإنسي ولست لملاك". قال ابن بري: البيت لرجل من عبد القيس يمدح فيه النعمان وقيل هو لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير وقيل هو لعلقمة بن عبدة.
5 سورة البقرة: 19.

(1/492)


تؤمل أن أؤوب لها بِنَهْبٍ ... ولم تعْلَمْ بأَنّ السهم صابا1
__________
1 الديوان /25. وجمهرة ابن دريد 3/438.

(1/493)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَلِيَ شَعْرٌ طَوِيلٌ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: "ذُبَابٌ ذُبَابٌ" قَالَ: فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: "إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ وَهَذَا أَحْسَنُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْد الرزاق نا أبو داود نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ السُّوَائِيُّ وَهُوَ أَخُو قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ خُوَارٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ثَعْلَبًا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الذُّبَابُ الشُؤْمُ ويُقالُ رَجلٌ ذُبابِيٌّ أي مَشْؤُومٌ. والذُّبابُ أيضًا الشَّرُّ. قَالَ أَوسُ بْن حُجْر:
وليسَ بطَارق الجِيران مِنّي ... ذُبابٌ لا ينيم ولا ينام2
__________
1 أخرجه أبو داود في الترجل 4/82 والنسائي في الزينة 8/131 وابن ماجه في الباس 2/1200.
2 الديوان /115 برواية: "الجارات" بدل "الجيران".

(1/493)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ رسول الله فَذَهَبُوا بِالْعَضْبَاءِ وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَنَوَّمُوا لَيْلَةً فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَكَانَتْ إِذَا وَضَعَتْ يَدَيْهَا عَلَى سَنَامِ بَعِيرٍ أَوْ عَجُزِهِ رَفَعَ بُغَامَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَتَمَتْ بُغَامَهَا فَاسْتَوَتْ عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ أخرى وكانت ناقة مجرسة1.
__________
1 أخرجه مسلم في النذر 3/1262 وأبو داود في الأيمان والنذور 3/239. والإمام أحمد في 4/430 والبيهقي في السنن الكبرى 10/75 والحنيدي في مسنده 2/365.

(1/493)


يَرْوِيهِ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الأنْطَاكِيُّ عن أبي إسحاق الفراري عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ مَحْبُوبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ وَالرَّوِايَةُ الأُخْرَى حَمَّادٌ عَنْ أيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. حَدَّثَنَاهُ ابن داسة عَنْ أَبِي داود عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ حَمَّادٍ.
بُغامُها صَوْتُها. قَالَ الشاعِرُ:
حَسِبْتَ بُغامَ راحِلَتِي عَنَاقًا ... وما هيَ وَيْبَ غَيْرِك بالعنَاق1
والمُجرّسَةُ المُجَرَّبةُ المعتادة للركوب.
__________
1 اللسان والتاج "بغم" وعزى لذي الخرق.

(1/494)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "يَا أَبَانُ كَيْفَ تَرَكْتَ أَهْلَ مَكَّةَ" قَالَ تَرَكْتُهُمْ وَقَدْ جِيدُوا وَتَرَكْتُ الإِذْخِرَ وَقَدْ أَغْدَقَ وَتَرَكْتُ الثُّمَامَ وَقَدْ خَاصَ قَالَ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا هِلَالُ بْنُ الْعَلاءِ الرَّقِّيُّ نا مَرْوَانُ2 بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الضَّبِّيُّ وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبَانٍ3.
قولهُ: جِيدُوا أي أصابَهُم الجَوْدُ وهو المطَرُ الواسِع يُقَال جِيدَ من المَطَر جَوْدًا وجِيدَ من العَطشِ جوادا.
قال الشاعر:
__________
1 في الفائق "عذق" 1/403: أعذق الإذخر: خرجت ثمرته. وعض الحديث في النهاية "عذق" 3/200 وأخرجه ابن الأعرابي في معجمه بلفظه لوحة 243-ب.
2 م: "نا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الملك بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الحكم" والمثبت من ت, س, ط.
3 م: "عن الحسن بن أبان" والمثبت من س, ح, ط, ت.

(1/494)


ونَصْرُكَ خَاذِلٌ عنِّي بَطِيءٌ ... كأَنَّ بكم إلى خَذْلي جوادَا1
ويُقالُ: جَيِّدٌ بيِّنُ الجَوْدَة وَجوادٌ بيّنُ الجُودِ وفَرسٌ جَوادٌ بيّنُ الجُودَة وجاد بنفسه عند الموت جؤودا ويُقال جِيدَت الأرضُ فهي مَجُودَةٌ قَالَ لبيدٌ:
ومَجُودٍ من صُبابات الكَرَى ... عاطفِ النُّمْرِق صَدْق المُبْتذَل2
وقولهُ: خاص الثُّمامُ إنما هُوَ أخْوصَ إذَا تَمَّتْ خُوصَتُه. قَالَ أبو عَمرٍو: إذَا مُطِرَ العَرْفجُ ولان عُودُه قلتَ قد ثَقّبَ عُودُه فإذا اسْوَدَّ شيئًا قِيلَ قد قَمِل لأنّه يُشبَّه ما يخرج منه بالقَمْل فإذا ازداد قليلًا قِيلَ ارقَاطَّ فإذا زاد3 قليلا قيل أدبي لأنه يشبة بالدبا وهو حينئذ يصلح أن يؤكل فإذا تمت خوصته قيل قد أخوص.
__________
1 اللسان والتاج "جود" وعزي للباهلي.
2 شرح الديوان /181.
3 ت, ح: "ازداد".

(1/495)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِخَدِيجَةَ: "إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا سَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ" فَقَالَتْ1: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ قَالَ: "هُوَ بَيْتٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُجَبَّأَةٍ" 2.
حَدَّثَنِيه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ نا يُونُسَ أنا
__________
1 م: "فقلت".
2 لم أقف عليه في حديث عمرو بن موهب وقد أخرجه البخاري عن أبي هريرة وابن أبي أوفى بنحوه في 5/48. ومسلم في فضائل خديجة 4/1887 مختصرا. وذكره الهيثمي في مجمعه 9/223 بنحوه عن عبد الله بن جعفر وفاطمة. وفي الفائق "قصب" 3/203.

(1/495)


ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمُرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ1 بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَوْهَبٍ رَفَعَهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مُجَبَّأَة مُجوَّفة. قَالَ أبو سُليمان وهذا لا يستقيم عَلَى ما قاله ابن وَهْب إلا أن تَجعَلَه من المقلوب فيكون مُجوَّبة من الجَوْبِ وهو القَطْعُ قدمَّ الباءَ عَلَى الواوِ كقوله تَعَالَى: {هَارٍ} 2 والأصل فيه هائر وكقول الشاعر:
لاثٍ بهِ الأَشَاءُ وَالعُبْريّ3
وإنما هُوَ لائث والقَصَبُ قَصَبُ اللؤلؤ وهو ما استطالَ مِنْهُ في تجْويفٍ. وكُلُّ مُجوَّف قَصَبٌ.
وقوله: ببَيْتٍ أي بقَصْرٍ. يُقال: هذا بيت فلان أي قصره.
__________
1 ح: "شعهبة بن أبي هلال".
2 سورة التوبة: 109 وهي: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
3 اللسان والتاج "لوث".

(1/496)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِأَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأسْلَمِيِّ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مُتَوَجِّهَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَحَمَلَهُمَا عَلَى جَمَلٍ وَبَعَثَ مَعَهُمَا دَلِيلًا وَقَالَ: اسْلُكْ بِهِمَا حَيْثُ تَعْلَمُ مِنْ مَخَارِمِ الطُّرُقِ, قَالَ: وَكَانَ أَوْسٌ مُغْفِلًا فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَسِمَ إِبِلَهُ فِي أَعْنَاقِهَا قَيْدَ الْفَرَسِ1.
يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ نا فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْلَمِيِّ شيخ من أهل
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 6/55 بألفاظ متقاربة وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب 1/122 وذكره الحافظ في الإصابة 1/86 وقال: رواه البغوي وابن مندة.

(1/496)


الْعَرْجِ أَخْبَرَنِي أَبِي مَالِكُ بْنُ إِيَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ إِيَاسَ بْنَ مالك أخبره أنا أَبَاهُ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أنا أَبَاهُ أَوْسًا مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ.
المخَرِم: مُنْقَطعُ أَنْف الجبَل ويُجْمَع عَلَى المخَارِم. قَالَ الفَرزْدَقُ:
أرَى كُلّ حَيٍّ ما تزالُ طليعةٌ ... عَلَيْهِ المنَايَا من ثَنايا المَخارِم1
وقال أبو كَبِير الهُذَلي:
وإِذَا رمَيْتَ بِهِ الفِجاجَ رأَيْتَهُ ... يَهْوَى مخَارمَها هُوِيَّ الأَجْدَل2
والمُغْفِلُ مَنْ كَانَ إِبلُه أَغْفَالًا لا سِمَةَ لها وقد فسّرناه فيما مضى من هذا الكتاب
وقَيد الفرس سِمَةٌ معْروفَةٌ قَالَ الشاعر:
كُومٌ عَلَى أعناقِهَا قيْدُ الفَرسْ ... تَنْجُو إذَا الليْلُ تدانَى والْتَبسْ3
قَالَ صخرٌ: وهي سِمتُنَا اليَوْمَ قَالَ: ووَصَفها أوْسٌ حَلّق حَلْقَتَين ومد بينهما مدا.
__________
1الديوان 2/206.
2 شرح أشعار الهذليين 3/1074.
3اللسان والتاج "قيد".

(1/497)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لأَهْلِ نَجْرَانَ حِينَ صَالَحَهُمْ إِنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ وَمَا قَضَوْا مِنْ رِكَابٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ دُرُوعٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابِ ذَلِكَ1 وَعَلَى نَجْرَانَ مَثْوَى رُسُلِي عِشْرِينَ لَيْلَةً فَمَا دُونَهَا وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ عَلَى دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَثُلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَرَهَابِنَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ وشاهدهم وغائبهم وعلى أن لا يغيروا2 أسقفا من
__________
1من ت.
2 كذا في هامش س وهامش الفائق. وفي ت, م, ط, ح والفائق "ثوى": "يغزوا".

(1/497)


سِقّيفَاهُ وَلا وَاقِفًا مِنْ وِقِّيفَاهُ وَلا رَاهِبًا مِنْ رَهَابِنَتِهِ وَعَلَى أن لا يُحْشَرُوا وَلا يُعْشَرُوا.1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ.
الحُلَّةُ: ثوبان إزار ورِداء ولا تكون حُلَّةً إلّا وهي جَدِيدة تُحَلّ عَنْ طيّها فتُلْبَسُ والرِّكَابُ الإِبلُ التي تُرْكَبُ اسْمُ جماعة ولا يُفْرَدُ من لفظه اسْمُ الوَاحِد2.
وقوله: مَثْوى رُسُلي أي نُزلهم وما يَثْوِيهم مدَّة مُقامهم. والثّواءُ طُول المُكْثِ بالمكان والمَثوَى: المنزِل3.
ويُقال: لصاحب المنْزل أبو مثواه ولربة البيت أُمُّ مَثْواه. والثَوِيُّ الضيْفُ. والثُّلَّةُ الجماعَةُ من الناس والثَّلّةُ القطيعُ من الغَنم. قَالَ ابنُ السِّكِّيت: يُقالُ للضان الكثيرة ثَلّةٌ ولا يُقال للمَعِز ثَلّة وإنما يقال لها حَيْلةٌ إلا أن يخالطها الضأن فيكثر فيقال لها ثلة والثلة أيضا الصوف والشعر والرهابنة جَمعٌ عَلَى غير قياسٍ وإنّما يُجْمَع الرّاهبُ عَلَى الرُّهْبَان كما قِيلَ رَاكِب ورُكْبَان وقد يكونُ الرُّهبَان اسمًا للواحد أنشدني أبُو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب:
لو أبْصَرَتْ رُهبَان دَيرٍ في الجبل ... لانحدر الرُّهْبانُ يسْعَى ويُصَلٌ4
والأساقفةُ جَمْع الأُسْقُفّ. ويُقال إنّما سُمِّي أُسْقُفًّا لخُشُوعه. والأسْقَفُ الطَّويلُ الَّذِي فيه انحناء وميل. قال بشر:
__________
1 أخرجه أبو داود في الإمارة 3/167 عن ابن عباس مختصرا. والفائق "ثوى" 1/179.
2 سقط من ح.
3 م, ح: "الموضع".
4 اللسان والتاج "رهب" برواية:
لو كلمت رهبان دير في القلل ... لانحدر الرهبان يسعى فنزل

(1/498)


يَعْدُو بها سَبِطُ المناسم أسْقَفُ1
والسِّقِّيفَي إنْ كَانَ أراد جمع الأُسقُفٌ فهو جَمْعٌ عَلَى غير قياسٍ وإنّما جاء عَلَى وزنْه مصادِرُ من الكلام نحو الخِلِّيفَى وَالرِمّيَّا وَالحِجّيْزَى فإن سُلِك بها مَسْلَكَ المَصَادِر كَانَ معناهُ لا يُمنَعُ أسقُفٌّ من التَّسَقُّفِ ولا راهِبٌ من التَّرهُّبِ. والواقِفُ خَادِمُ البَيْعَة ويُقال: سُمّي واقفًا لأنه وقف نفسَه عَلَى الخِدْمَة وعَكفَها عَلَى العبَادة. وَيقال: لَهُ الواهِفُ أيضا رُوِي في حديث آخر لا يُغيَّرُ واهِفٌ عَنْ وَهْفِيّتِهِ وفي رواية أخْرَى عَنْ وهَافَته ولا قسيس عن قسيسيته وَالقِسِّيسُ كالعالم منهم والرّاهِبُ المُتَعبّدُ المُتَفَرِّدُ والأَبِيلُ العظيم من النَّصارى وأنشَدني ابنُ الفارسيّ عَنِ أبي العبّاس ثَعْلب:
وما سبَّح الرّهْبانُ في كلّ بلْدَةٍ ... أَبِيلَ الأَبِيليّينَ عِيسى بنَ مَرْيَما2
ومثله الأَيْبَليّ قَالَ الشّاعر:
لو عرضَتْ لأَيْبَليٍّ قس ... أشعت في هَيْكلهِ مُنْدَسِّ
حَنَّ إليَها كحَنِين الطَّسِّ3
فأمّا4 الأَرِيسيّ فهو الأكار أو الأجير فيما يُفَسّرُ.
وأخبرني بعضُ أصحابنا عَنْ إبراهيم الحربي قَالَ: الأَرارِسَةُ الزّرَّاعُون واحِدُهم إرِّيسٌ. وكَتَب رَسُول الله إلى هِرَقْل فإِن تولَيْتَ فإنَّ عليك إثمَ الإرِّيسِيِّين. يُريد الضُعفاءَ والأتباع منهم. ويقال: إن
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط دمشق.
2 اللسان والتاج "أبل" وعزي لعمرو بن عبد الجن. وانظر الخزانة 3/340.
3 اللسان والتاج "قسس".
4 ت, م: فأما الأريسي فهو منسوب إلى الاريس وهو الأكار ... الخ.

(1/499)


الإريسين الذين كانُوا يحرثُون أرضَهم كانوا مجُوسًا والرُومُ أَهْلُ كتابٍ يريدُ إن عليك مِثل وزْرِ المُجوس إن لم تُؤمنْ ولم تُصَدّقْ.
قَالَ أبو العَبَّاس ثَعْلَب: قَالَ ابن الأعرابي: الأَريسُ الأكار ويجمع على الأريسين وقد أرس يأرس أرسا إذَا صار أرِيسًا ويقال لَهُ أيضًا الإِرِّيسُ ويجمع عَلَى إرِّيسِين وأرارِسَة1.
وَحَدَّثَنَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ الْبَزَّارُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ1 أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أن رسول الله كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 2 الآيَةَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ3: فَلَمَّا قَالَ: مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّجَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ4
اللَّجَبُ صوت واختلاط في مثل صَخَب أو شَغَب. يقال عَسكرٌ لَجِبٌ وسحاب لَجِبُ بالرعد والريح5.
__________
1 من ت, م, ح.
2 سورة آل عمران: 64.
3 ح: "أبو سليمان" تحريف.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها بدء الوحي 1/7 بلفظ: "الصخب" بدل "اللجب". وفي 6/45 بلفظ: "اللغط". ومسلم في الجهاد 3/1393-1397 والإمام أحمد في 1/262 وغيرهم.
5 من ت, م.

(1/500)


وقوله: لا يُحْشَرُوا ولا يُعْشَرُوا أي لا يُؤخَذ العشر من أمْوالهم ولا يُكَلَّفُوا الخُروجَ في البعوث وقد كان يَسْتَعينُ ببَعْض أهْلِ الكُفْر عَلَى بعض واستَعان بيَهُودَ1 من بني قَيْنُقَاع وشهدَ معه صفْوانُ حُنَيْنًا وصَفْوانُ مُشْرِك. وهذا كحديثه الآخر في النساء: "إنّهُنَّ لا يُحْشَرْنَ ولا يُعْشَرْنَ" وقد ذكَرَه ابنُ قُتَيْبَة في كتابه2. وذكر عَنْ بَسَّام بْن عَبْدِ الرحمن أَنَّهُ قَالَ معناه أنّهنّ لا يَخْرُجْنَ في المغازي ثُمَّ قَالَ ابن قُتَيبة ولا وجْهَ لهذا إنّما معْنَاهُ أَنّهُنَّ لا يُحْشَرْنَ إلى المُصدِّق ليَأخذَ منهنَّ الصَدَقات ولكن تُؤخَذُ الصَدقاتُ منهنّ بمواضِعِهنَّ.
قَالَ أبو سليمان: ووجه الحديث ما ذهب إِلَيْهِ بسَّام لأنّ السُّنَّة في المسلمين كلّهم رِجَالِهم ونِسائِهم أَنْ لا يُحْشَرَوا إلى المُصدِّق وإنّما تُؤخذ صَدقاتُهم عند مياهِهِم وأفنيتهم فلم يكُنْ لتَخصِيصهنّ بهذا الحْكم دُونَ غيرهنّ معْنى.
ومما يَدُلّ على أن الحشر يراد به الجهادُ حَدِيثُه الآخر.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلالٍ حَدَّثَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ غَزِيَّةَ بْنِ الحارث أن رسول الله عليه قَالَ: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ إِنَّمَا هُوَ الْحَشْرُ وَالنِّيَّةُ وَالْجِهَادُ" 3.
يُريدُ بالحَشْر الخُروجَ في النَّفِير ويزيدُه بيانا حديثُ وفد ثقيف أنهم
__________
1 س: "بيهودي".
2 1/391.
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/109 وذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة غزية 3/185 بدون كلمة: "الحشر".

(1/501)


اشتَرطُوا عَلَى رَسُول الله أن لا يُعْشَروا ولا يُحْشَرُوا ولا يُجَبُّوا فَقَالَ لهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكم أن لا تُعشَرُوا ولا تُحشَرُوا ولا خَيْرَ في دينٍ لَيْسَ فيه ركُوعٌ" 1. يريدُ لا تؤُخذ منكم الصدقة ولا تُكَلَّفُون الجِهادَ.
وبيانُ هذا في حديث جابر أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا إِسْمَاعِيلُ2 يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبٍ قال سألت جابرا عن شأن ثَقِيفٍ فَقَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلا جِهَادَ وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: "سَيَصَّدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا" 3. ويشبه أن يكون والله أعلم إنما أرخص لهم في ذَلِكَ لأن الجهاد غير محصور الوَقْت وَإنّما يتعيَّن فرضُه عند حضُور العَدُوّ وكذلك الصدقة إنما يَكون وُجوبُها بكمال الحول وقد علم أنّهم يَفعَلون ذَلِكَ إذَا حانَ وقْتُه ولزِم فَرْضُه فأَمَّا الصَّلاةُ فلم يُرخِّصْ لهم في تَرْكها لأنَّ وقْتَها مَحْصُورٌ وهي تتكرَّر في كل يَوم وليلة ولا سَبيلَ إلى تركها بوَجْهٍ بل الّلازمُ فِعْلُها لا محالَة في حالتي الرَّفَاهَة4 والضَّرُورَةِ عَلَى حسب الطاقة والإمكان.
__________
1 أخرجه أبو داود في الخراج 2/164 وأحمد في 4/218.
2 ت: "اسماعيل بن عبد الكريم".
3 أخرجه أبو داود في الخراج 3/163.
4 ط: "الرفاهية".

(1/502)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يقولُ اللهُ تَعَالَى قسَّمْتُ الصَّلاة بيني وَبين عبدي نِصْفَين فنِصفُها لي ونصفها لِعَبْدي ولِعَبْدي مَا سأل يَقُولُ العَبدُ: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقولُ اللهُ: حَمَدني عَبْدي. يَقُولُ العبد: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} يقولُ اللهُ: أَثنَى عَليّ عبدي. يقول

(1/502)


العبد: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَقُولُ اللهُ: مجَّدني عَبْدِي يَقُولُ العَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآيةُ بيْنَي وَبينَ عبْدي ولِعَبْدي مَا سأل يَقُولُ العَبدُ1 {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ, صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فهذا لِعَبْدي وَلِعَبْدي مَا سَألَ" 2.
قولُه: "قَسَّمْتُ الصَّلاةَ بيْني وبيْن عبدي" معناه قسمت القراءة وسماها3 صَلاةً لأنّها رُكنٌ من أرْكان الصَّلاة وجُزءٌ من أجزائها وَوَجْه القِسْمَة فيها أَنّ نِصْفَ السُورَة عِبادَةٌ وثَناءٌ ونصْفَهَا مَسْألةٌ ودُعاءٌ ولم يُردْ بِهِ تَقْسِيط الآي والحُروف وَتقسيمَها قِسْمَيْن عَلَى السَّواء إنما هُوَ إشارَةٌ إلى انقسام السُّورة للعِبادة والمسألة فتكون حَقِيقةُ القِسمة بالمعْنَى لا باللَّفْظ وهذا كما يقال نِصْفُ السَّنَةِ سَفَرٌ ونِصْفُها حَضَرٌ لَيْسَ عَلَى تساوِي الزَّمانيْن فيهما لكن عَلَى انْقِسام الزَّمَانين لهما وإن تَفاوَت مُدَّتاهُما.
وقيل لشُرَيْح كيفَ أصْبَحْتَ فَقَالَ: أصْبَحْتُ ونصْفُ النَّاس عَليَّ غِضَابٌ يُريدُ أَنّ الناس مِن بيْن مَحْكُومٍ لَهُ ومَحْكُومٍ عَلَيْهِ فهُم حِزْبان مُخْتَلِفَان أحدُهُما رَاض عَنْهُ والآخَرُ ساخِطٌ عَلَيْهِ وهذا كقول الشاعر:
إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْن شَامِتٌ ... بموتي ومُثْنٍ بالذي كُنْتُ أَصْنَع4
وممَّا يَدُّل عَلَى أنّه أراد قِسْمَة المعاني لا الأَلْفاظ قوله: فهَذِهِ بيني وبيْن عَبدي ولا يَجُوزُ أن تكُونَ التّلاوةُ بيْنَه وبين عبده لأَنّ المَتْلُوَّ كلامُ اللهِ لَيْسَ للعَبْد فيه شرك.
__________
1 من ح, م.
2 أخرجه مسلم في الصلاة 1/296 وأبو داود في 217 والترمذي في التفسير 5/201 وغيرهم.
3 م: "وسماه".
4 كذا في هامش س وفي س, ط, ح, م: "أفعل" بدل "أصنع" والبيت للعجير اللولي وقافيته: أصنع. وانظر: نوادر أبي زيد /156.

(1/503)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ اسْمُ فَرَسِه السَّكْبَ 1:
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو عَرُوبَةَ نا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ.
قَالَ الأصمعيُّ: يقال فرَسٌ سَكْبٌ وهو الكثيرُ الجَرْي قَالَ أبو دواد:
وقد أغدو بطرف هي ... كل ذي مَيْعَةٍ سَكْبِ
وقال الواقدي: كان للنبي فرَسٌ يقال لَهُ السَّكبُ وآخرُ يقال: لَهُ اللَّحِيفُ وفرسٌ يقالُ لَهُ اللِّزازُ.
وفسَّرهُ محمدُ بْن إسحاق السَّهْميّ راوي هذا الخبر عَنِ الواقدي فَقَالَ إنّما سُمِّي اللِّزَازَ لِشِدَّة تَلَزُّزِهِ واللَّحِيفُ لكثْرَة سَابِله يَعْني ذَنبَه قَالَ والسَّكْب شُبِّهَ لَوْنُه بِلَوْن الشّقائق قَالَ وأنشدنا الأصمعيُّ:
كَالسَّكَب المُحْمَرِّ فوقَ الرّابيهْ
قَالَ الواقدي: ومن أَفراس النبي المُرْتَجِزُ سُمِّي مُرْتَجِزًا لحُسْنِ صِهِيله2. وَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسَدِ الْفَارِسِيُّ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرزاق.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته 1/490.
2 ح: "داود". تحريف والبيت في المقاييس 6/59 "هكل" وجاء في هامشه: البيت لعقبة بن سابق في كتاب الخيل لأبي عبيدة /117 برواية "بطرف سابح".

(1/504)


عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَهِلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مرة فركب فَرَسًا كَأَنَّهُ مُقْرِفٌ فَرَكَضَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: "وَجَدْناهُ بَحْرًا" 1.
والبَحْرُ الفَرسُ الواسِع الجَرْي. قَالَ الأَصَمعيّ: يُقال فرَس بَحْرٌ وفَيْضٌ وحَتٌّ وغَمْرٌ. وقال إبراهيم بْن محمد بْن عرفه نَفْطَويه: مَعْناه وجَدْناه كثيرَ الجَرْي لا يَفْنَى جَرْيُه كما لا يَفْنَى ماءُ البَحْر. والإقرافُ أن تكونَ الأُمُّ عربيّةً والفَحْلُ هِجِينًا. قَالَ الشاعر:
فإِنْ نُتِجَتْ مُهْرًا كَريمًا فبِالحَرى ... وإِنْ كَانَ إِقْرافٌ فمِن قِبَل الفحْلِ2
قَالَ حمّادُ بْن سَلَمة: كَانَ هذا الفَرسُ يُبَطَّأُ فلما قال النبي فيه هذا القول صار سابِقًا لا يلحق.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/163 والبخاري في الجهاد 4/63 بنحوه.
2 اقتصر اللسان والتاج "قرف" على العجز.

(1/505)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَنَفَرَتْ لَهُمْ هُذَيْلٌ فلما أحس بهم عاصم لجؤوا إِلَى قَرْدَدٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ أنا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ2 الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عن أبي
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/51 والبخاري بنحوه في المغازي 5/100.
2 في م: "حارثة" وفي باقي النسخ وسنن أبي داود: "عمرو بن جارية الثقفي". وفي البخاري: "عمرو بن أسيد بن جارية الثقفي". وفي التقريب 2/71: "عمرو بن أبي سفيان بن أسيد" بفتح أول جارية بالجيم الثقفي المدني ويقال: عمر.

(1/505)


هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: فَلَمَّا آنسهم عاصم لجؤوا إِلَى فَدْفَدٍ1.
والقَرْدَدُ: رابيةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى وهدَةٍ قَالَ طرفة:
كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ في دَأَياتها ... مَوارِدُ من خَلْقاءَ في ظَهْر قَرْدَدِ2
وقال: بعضهم القَرْدَدُ الأَرضُ المسْتوية الصُّلبَة والأوّلُ أصْوبُ لأنّه لا موضع لِلتحصُّن في الأرْض المُسْتوية ويَدلُ عَلَى صحّةِ هذا قولُ الشاعر:
متى ما تَزُرْنا آخرَ الدَهْر ... تَلْقَنا بقرقَرةٍ مَلْساءَ ليْسَت بقَرْدَدِ3
يريد أنّهم لِعزِّهم وشرفِهم لا ينزلُون الغِيطان وبُطونَ الأودية وإنما يَنْزلون مشارفَ الأرض ونجودَها
والفَدْفَد المرتفعُ من الأرض ومنه حديثُ ابن عُمَر أَنَّ رَسُولَ الله: كَانَ إذَا قَفلَ من سَفَرٍ فمرَّ بفَدْفَدٍ أَوْ نَشْزٍ كَبَّر ثلاثا4. وقال الشاعر:
قلائص إذا عَلَوْنَ فدْفَدا ... رَمِين بالطّرْف النّجادَ الأَبْعَدا5
وقوله: آنسَهُم أبْصرَهُم. يُقَالُ: آنسْتُ شَخْصًا من مكان كَذَا إذا رأيته وأنست لغة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/354 بلفظ: "أحسهم" بدل "آنسهم" وأخرجه أحمد في مسنده 2/294, 310.
2 الديوان /38.
3 اللسان والتاج "قرد".
4 أخرجه البخاري في الجهاد 4/69 ومسلم في الحج 2/980 والترمذي في الحج أيضا 3/285 وأحم دفي مسنده 2/5, 10, 15, 21 بدون كلمة "نشز" وقد جاءت "نشز" في حديث أنس عند أحمد في 3/127, 239.
5 اقتصر اللسان والتاج "نجد" على البيت الثاني.

(1/506)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ لَيْلَةَ بَدْرٍ: "كَيْفَ تُقَاتِلُوُنَ" فَقَالُوا إِذَا دَنَا الْقَوْمُ كَانَتِ الْمُرَاضَخَةُ فَإِذَا دَنَوا حَتَّى نَالُونَا وَنِلْنَاهُمْ كَانَتِ الْمُدَاعَسَةُ بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَقَصَّدَ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا عَاصِمُ بْنُ سُوَيْدٍ. أَخْبَرَنِي رفاعة بن الحجاج عن أبيه عن الحسين بن سائب.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ2 المُداعَسَة بالرِّمَاح المُطاعنَةُ بها. يُقالُ دَعَسْت بالرمح ورَجُل مِدْعَسٌ قَالَ الشاعر:
إذَا هابَ أَقْوامٌ تَجشَّمْتُ هَوْلَ ما ... يَهابُ حُميَّاه الأَلَدُّ المُداعِسُ3
وقال:
إذَا مَا شَدَدْنَا شَدّةً نَصبُوا لنا ... صُدُورَ المذاكي وَالرِماحَ المدَاعِسَا
وَالمُراضخَة الرَّمْيُ بالسهام. يُقالُ: تَراضَخَ القوْمُ إذَا تَرامَوا.
وقوله: حتّى تقَصَّد أي حتّى تَكَسَّر قِصَدًا قصدا أي كسرا كسرا.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/371 بلفظ: "تنقصف" بدل "تقصد" وعزاه لحسن بن سفيان وقال الحافظ في الإصابة 1/394: "أرسل حديثا ... " وأشار إلى هذا الحديث. ولم يذكره لطوله.
2 من ت, م.
3 اللسان والتاج "دعس".

(1/507)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أفْضَلُ الصَّدَقَةِ الْمَنِيحَةُ تغدو بعساء وتروح بعساء" 1.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 2/457 ومسلم في الزكاة 2/707 وأحمد في مسنده 2/242 وكلهم بلفظ: "تغدو بعس وتروح بعس".

(1/507)


حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الحُميْديّ العِسَاء العُسُّ الكبير قَالَ أبو سُليمان ولم أَسْمَعُه إلا في هذا الحديث والحُميْديُّ من أهْل اللِّسان ورواه ابن المبارك فَقَالَ تغدو برِفْد وتروح برِفْد وكان ذَلِكَ شاهدًا لقول الحُمَيْديّ لأن الرِّفد القَدَح الكبير1.
وأولُ الأقْدَاح الغُمْرُ وهو الذي لا يبلغ الرِّيّ ثُمَّ القَعْبُ وهو قَدْرُ رِيِّ الرَّجُل ثُمَّ القَدَحُ وهو يُروِي الاثْنَيْن والثَّلاثَة ثُمَّ العُسُّ يعُبُّ فيه الجَماعَةُ ثُمَّ الرِّفْدُ أكبرُ منه ثُمَّ الصَّحْنُ أكبرُ منه ثُمَّ التِّبْنُ2 وهو أكْبَرُها ثُمَّ أكبر منها الجَنْبَة تُعْمل من جنب البعير.
__________
1 من ت, م.
2 القاموس "تين": التبن: قد يروي العشرين.

(1/508)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ الإِيمَانَ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصٍ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنِ الزَّبِيدِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: رافدةً عَلَيْهِ من الرَّفْد وهو الإِعانَةُ. يقال: رفدت الرجل أرفده
__________
1 أخرجه أبو داود في الزكاة 2/103 برواية: "فقد طعم طعم الإيمان".

(1/508)


رَفْدًا. والرِّفْدُ العَطاءُ. وَالرَّافِدَه أَيضًا دِعامَةُ البِناءَ وأُخِذَت من الرَّفْد أيضًا لأَنَّ ثَباتَ البناء إنّما يَكونُ بها. والدَّرنَةُ الدُّونُ وأصْل الدَّرَن الوَسخُ. وَالشَّرَطُ رُذالَةُ المال كالصَّغِيرة والمُسِنَّة والأعْجَف والدَّبِر ونحْوها. قَالَ أبو عُبَيْدة: أَشْراطُ المَالِ صِغارُ الغَنَم وشِرارهُ. قَالَ جرير:
وفي شَرِطِ المِعْزَى لَهُنَّ مُهُورُ1
وقال أبو زيد: الشرط شرار المال والشَّوَى مِثْلهُ وَأنْشَدَ:
أَكَلنا الشَّوَى حَتّى إذَا لم نَجِده شوى ... أَشرْنا إلى خَيْرَاتها بالأصَابع2
أَخْبَرَنَا أبو عُمَر أنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ: الشَّوَى اليَدانِ والرِّجْلان والشَّوَى جَمْع شواةٍ وهي فَرْوَة الرَأس والشَّوَى ما عدَا المقْتل في الرمي والشوى رَدِيءُ المال. وَالشَّوَى الهَيِّنُ السِّهْلُ من كل شيء.
__________
1 الديوان /266 برواية: "وفي قزم المعزى" وصدره: "ترى شرط المعزى مهور نسائهم" وشرط المال أخسه وقزم المعزى: الصغار.
2 اللسان والتاج "شوى" دون عزو.

(1/509)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَعْظَمُ الصَّدَقَةِ رِبَاطُ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يُمْنَعُ كَوْمُهُ" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ رَفَعَهُ.
كَوْمُه: ضِرابُه يَقُولُ لا يمنَعه ولا يأخذ عليه عسبا ويقال لكل ذي حافر قَد كامَ ويُذكَرُ أَنَّ نُوحَ بن جرير بن الخطفي كان يقول وما
__________
1 في الفائق "كوم" 3/284: يقال: كام الفرس أنثاه كوما إذا علاها للسفاد والتركيب في معنى الارتفاع. والحديث في النهاية "كوم" أيضا 4/210.

(1/509)


جَريرٌ إنِّي لأَشْعَرُ منه والله لأَهجُونَّه قَالَ: فجَعَلت أُمُّه تنْهاهُ فلا ينتَهي فبلغَتْ جَريرًا فَقَالَ:
وكيفَ أُهاجي مَنْ فعَلْتُ بأُمِّه ... ثَلاثِين كَوما في ثَلاثِ ليَال1
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط بيروت.

(1/510)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ مُبَدَّأَةٌ يَوْمَ الْوِرْدِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الدَّغْوَلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُظَفَّرِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ السَّعْدِيُّ نا أَبُو الْجَعْدِ السُّلَمِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ الحِزامِيّ: مَعْناه إذَا ورَدَت الخَيْلُ والإِبلُ والغَنمُ الماءَ بدىء بالخيْل فتُسْقَى قَالَ وقال ابن الأعرابي: لَيْسَ للخَيْل وِرْدٌ إنّما هي عَلَى الماء تُسْقَى ويُقالُ لذلك الشُّرب رِفةٌ وأنشد:
سقَتْ رِفْهًا وَظاهِرةً وغِبًّا ... أَبا بِشْرٍ أهَاضِيبُ الغَمامِ
قَالَ الأصمعيُّ: أقْصَرُ الوِرْد وأسرعه الرِّفْهُ وهو أن تَشَربَ الإبلُ كُلَّ يَوْمٍ فإذا ورَدَتْ يومًا نصف النهار ويوما غُدْوةً فتِلْكَ العُرَيْجَاءُ فإذا ورَدَتْ يَوْمًا وتُركَتْ يَوْمًا فذلك الغِبُّ فإذا ارتفع عَنْ ذَلِكَ فالرِّبْعُ والخِمْسُ ثُمَّ كذلك إلى العِشْر وليس فيها ثِلْثٌ. قَالَ الأصمعيُّ: فإن2 أرسَلَ إبلَه عَلَى الماء كُلّما شاءتْ ورَدَتْ بلا وقْتٍ فذلك الإرباغْ فإن ردّدَها عَلَى الماء في اليوم مرارًا فذلك الرَّغْرغَة فإذا أوردها فالسَّقْيةُ الأُولَى النهل والثانية العلل
__________
1 أخرجه ابن ماجه في كتاب الرهون 2/830 بلفظ: "يبدأ بالخيل يوم وردها".
2 م: "فإذا".

(1/510)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للرجل: "صُمْ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمَيْنِ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: " صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ" وَأَلْحِمْ عِنْدَ الثَّالِثَةِ فَمَا كاد حَتَّى قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي قَالَ: "فَصُمُ الْحُرُمَ وَأَفْطِرْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ نا أَبُو السَّلِيلِ عَنْ مُجِيبَةَ عَجُوزٌ مِنْ بَاهِلَةَ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَنْ عَمِّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: أَلحم. مَعْنَاهُ وقَفَ عند الثالثة فلم يزده عليه يقالُ أَلْحَمَ الرَّجُلُ بالمكان إذَا أقام بِهِ فلم يَبْرَحْ ولَحُم الرجلُ إذَا صار ذا لحم. ولَحُمَ إذَا قُتِل فهو لحيمٌ. قال ساعدة بن جؤية هذلي2:
فقَالُوا تركْنَا الحَيَّ قَدْ حَصَروا بِهِ ... فلا رَيْبَ أَنْ قد كانَ ثَمَّ لحِيمُ
وأخبرني أبو محمد الكُرانِيّ نا البَيْرُوذِي3 نا المِنقَريّ عَنِ الأصمعي قَالَ يُقال كانَتْ في بني فُلانٍ مَلْحَمةٌ أي مَقتَلةٌ. والحُرُم التي أمرَ بِصيامها هي أربَعةُ أَشْهُرٍ ذو القَعْدة وَذُو الحجَّة والمُحرَّمُ ثلاثَةٌ مُتَواليَةٌ والرابعُ فَرْدٌ وهو رَجَبٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} 4. الآية. قيل لأَعرابيّ: كمِ الأَشهرُ الحُرُم قَالَ أربعةٌ ثَلاثَةٌ سَرْدٌ وَواحدٌ فَرْدٌ. فأما
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/28 وأبو داود في الصيام 2/323 بألفاظ متقاربة.
2 من ت والببيت في شرح أشعار الهذليين 3/1162.
3 م: "البروتي" والمثبت من باقي النسخ. وفي تبصير المنتبه 1/188 البيروذي.
4 سورة التوبة: 36.

(1/511)


قولُه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 1. فهذه غَيْرُ تلكَ. وإنّما هي أربعَةُ أشْهُرٍ أوَّلُها عشُرون يومًا من شهر ذي الحّجة والشَهرُ المُحرَّم وشَهر صَفَر وشَهْر ربيع الأوّل حرَّم الله فيها قِتالَ المُشْركين فَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 2 وذلك عَامَ حجَّ أبو بَكْر رضي الله عَنْهُ3 ثُمَّ انقضَتْ حُرمَتُها. فأمّا الأَشْهُر الحُرُم الّتي أُمِرَ بِصيامها فحرمَتُها باقيةٌ مُتأبِّدةٌ.
__________
1 سورة التوبة: 5.
2 سورة التوبة: 2.
3 في جميع النسخ "عام حج رسول الله" خطأ والصواب من هامش م وتفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن.

(1/512)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: "صُمْ يَوْمًا وَلَكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ" قَالَ: زِدْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ: "صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ تِسْعَةُ 1 أَيَّامٍ". قَالَ زِدْنِي فَإِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ" 2.
هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ مُطَرِّفًا فَقَالَ أُرَاهُ يُزَادُ فِي الْعَمَلِ وَيُنْقَصُ مِنَ الأَجْرِ.
وتفسيره ما ذهب إِلَيْهِ أحمدُ بنُ حنبل ذكره الأَثْرَمُ عَنْهُ غيْر أَنَّهُ قَالَ في حديثه: "صم يوما ولك عشرة" و "صم يومًا ولك تِسْعَةٌ" قَالَ: "وصُمْ يومًا ولك ثمانية". قَالَ: ووجْهُه أن يُزادَ العَدَدُ الثاني عَلَى العَدَدِ الأوَّل فيُقال صُمْ يومًا وعقَد بيده واحدًا ولك عَشَرة وعقَد أحَد عَشَر ثُمَّ قَالَ: صم يوما وعقد بيده
__________
1 ح: "سبعة".
2 أخرجه النسائي في الصيام 4/213.

(1/512)


اثني عَشَر ولك تسعة فذلك أَحَدٌ1 وعِشرون. ثُمَّ قَالَ: صم يومًا فذلك اثنان وعشرُون ولك ثمانية فذلك ثلاثون من كُلّ شهرٍ ثلاثة أيام.
وعلى رواية عفّان فتكون ثلاثةً وثلاثين لكل يوم عشرة أيام. وذلك تأويلُ قولِه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 2.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ3 قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّوْمِ فَقَالَ: "صُمْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: قَالَ: "صُمْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ". قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" 4.
فإنّه يريدُ في الحديث الأوّل5 أجرَ ما بقي من العَشْر. وفي الثاني أجرَ ما بقي من العِشْرين. وفي الثالث أجْرَ ما بَقِي من الشَّهْر. ولا يجوز أن ينقص من الأَجْر إذَا زاد في العمل
فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يوما قال: "ويطيق ذلك
__________
1 م, ط, ح: "واحد".
2 سورة الأنعام: 160.
3 من ح.
4 أخرجه مسلم في الصيام 2/817 والنسائي في الصيام أيضا 4/212, 217.
5 م, ط, ح: "فإنه يريد الأول".

(1/513)


أَحَدٌ" قَالَ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ: "ذَلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ". قَالَ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ قَالَ: "وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ" 1.
فوَجْهُه أن يكون ذَلِكَ إنّما هُوَ لحقِّ غيره لا لِعَجْز نفْسه. ونُرَى والله أعلم أَنَّ المانعَ لَهُ من أن يُطِيقَه ما كَانَ يَلْزَمُه من حُقوق النِّساء لأنَّ الصَوْمَ يخِلُّ بحقوقهنّ. وقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُواصِلُ بين الأَيَّام ويقول: "إنّي أبيت يطعمني رَبِّي ويَسْقِيني" 2.
وقال: "لو مُدَّ لنا الشَّهْرُ لوَاصَلْتُ وِصَالًا يدَعُ المُتعمّقُونَ تَعمُّقَهُم" 3.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كان رسول الله يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ مِنْهُ شيئا4.
__________
1 بأخرجه مسلم في الصيام 2/818 وأبو داود في الصيام أيضا 2/321 وغيرهما.
2 أخرجه البخاري في التمني 9/106 من حديث أبي هريرة.
3 أخرجه البخاري في التمني 9/106 من حديث أنس ومسلم في الصيام 2/775 بلفظ: "لو تماد لي الشهر".
4 أخرجه البخاري في التهجد 2/65.

(1/514)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ خَارِجَة الأَشْعَرِيَّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَجَّةً قَالَ وَكُنْتُ بَيْنَ جِرَانَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَلُغَامُهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا هشيم نا
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الوصايا 2/905 والترمذي في الوصايا أيضا 4/434 بلفظ: "لعابها" بدل "لغامها" والنسائي مختصرا في 6/247 وأحمد في 4/186, 238.

(1/514)


طَلْحَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى بَاهِلَةَ نا قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ. وَرَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ فَأَدْخَلَ بَيْنَ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ.
الجِرانُ مُقدَّمُ العنُق من لَدُنْ لَحْيِ1 البَعِير إلى لَبَّته. واللَّغَامُ اللُّعابُ. ويقال: الزَّبَدُ وأخبرني الْكَرَّانِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى المِنْقري نا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عَمْرو بْن العَلاءَ يُقالُ للزبد الأغام وللعاب الدبة اللُّغامُ. وقال ابنُ الأعرابي اللُّغامُ الزَّبَدُ وإنّما سُمِّي لُغامًا لأنّه يصير عَلَى المَلاغم وهو ما حَوْل الفمِ وقال أبو حِيَّة النميْري:
ولَكِنْ لعَمْرُو الله ما طَلّ مُسْلِمًا ... كَغُرِّ الثَّنايا واضِحاتِ الملاغِم2
يريدُ العَوارضَ.
وأخبرني أبو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنِ ابن الأعرابي قَالَ سَألتُ أبا المكارم عَنْ قَومٍ فقلتُ ما فَعَلُوا سَارُوا أو لم يَسِيروا فَقَالَ تَلَغَّمُوا بيَوْم الخَمِيس أي قَالُوا: يوم الخميس.
قَالَ أبو عُمر: ويُقال تلغّمْتُ بالطِّيب أي تغلّفْتُ بِهِ.
ومن هذا حديثُه الآخرُ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُحَارِبِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ إِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
1 كذا في س, م وفي ت: "لحيي".
2 اللسان والتاج "طلل" وشعر أبي حية النميري /88.

(1/515)


فَقَالَ: إِنَّا أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يتوَلَّجُ عَلَى النساء وهن مكشفات1 الرؤوس وَأَنَا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ يُصِيبُنِي لُغَامُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ2.
قَولُه: يتَولَّجُ عَلَى النِّساء يُريدُ أنّه لِصغَره يدخل عليهنّ فلا يحتجبن منه.
__________
1 ت: "منكشفات".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى في الحج 5/9 بلفظ: "يمسني لعابها" بدل "يصيبني لغابها".

(1/516)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالا قَطُّ إِلا أَهْلَكَتْهُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ الْجُمَحِيُّ نا هِشَامُ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
فيه قولان: أحَدُهما أن يكون هذا تحذيرًا لِوُلاة الصَّدقَة أن يَخْلِطُوا أمْوالَهُم بها أو يرتفقُوا بشيء منها.
والقَولُ الآخرُ: أن يكون معناه الأمْرَ بتَعْجِيل الزكاة وإخراجِها عند محلِّها. يَقُولُ إذَا فرَّط في ذَلِكَ وترك الصَّدقَة مُخْتَلطةً بماله هَلكَ مالُه وإلى هذا ذهب الحميدي.
__________
1 أخرجه الحُميْدي 1/115.

(1/516)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيَّ قَالَ: بَيْنَا أَنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذَالَ النَّاسُ الخيل ووضعوا السلاح1.
__________
1 أخرجه النسائي 6/214.

(1/516)


يَرْوِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ عن هانىء بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ.
قَولُه: أَذالُوا الخَيْل أي وضَعُوا الأداة عنها وَأَرْسَلُوها. والأَصْلُ في الإِذالة الإِهانَةً لها وسُوءُ القيام عليها والمُذَالُ المُهَانُ. قَالَ الأَعشَى:
أَأَذَلْتَ نَفْسَك بَعْدَ تَكْرِمَةٍ لها ... أَمْ كُنْتَ ذَا عَوَزٍ ومُنْتَظِرًا غدَا1
ونحو هذا حَدِيثهُ الآخرُ أنّهُم قَالُوا: يا رَسُول الله قَدْ أَبْهُوا2 الخَيْل وقد فسرَه أبو عُبَيْدٍ في كتابه3.
__________
1- الديوان /227 ط والنموذجية. برواية: "أذللت نفسك".
2- كذا في م والفائق في النهاية "بها".
وفي ت: "أبهموا" وفي الفائق "بها" 1/137 إبهاء الخيل: تعرية ظهورها عند ترك الغزو من قولهم: أبهى البيت إذا تركه غير مسكون وأبهى الإناء إذا فرغه.
3- 3/114.

(1/517)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ: "لا صَامَ وَلا آلَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ نا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ.
قَالَ ابنُ فِراس: آلَ عَلَى وزن عالَ قَالَ وقال إسحاق بْن راهويه قَالَ جريرٌ معناه لا رَجَعَ والصَّوابُ أَلَّى عَلَى وَزْن عَلَّى مُشدَّدة أوْ أَلا عَلَى وَزْن عَلا مُخفّفَة من ألَوْتُ آلو.
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده لوحة 262-ب.

(1/517)


وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ: أَنّ النبي كَانَ يَأْكُلُ طَعَامًا فَدَعَا رَجُلًا فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ: "مَا صَامَ وَلا أَلَّى" يُرَدِّدُهَا ثَلاثًا هَكَذَا قَالَ أَلَّى مُشَدَّدَة قَالَ الأصْمَعِيُّ أَلا الرَّجُلُ وأَلَّى لُغَتان مُخفّفٌ ومُشَدَّد وذلك إذَا قصَّر وترك الجهد وأنشد للعجاج:
أو عظة إن نفسُ حُرٍّ بَلَّتِ ... أَوْ أَدْرَكَتْ بالجَهْد ما قَدْ أَلَّت1
وقد يكون أَلَّى بمعْنى أَبْطأَ. أنشدني أبو عُمَر2 أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
جاءَتْ بِهِ مُرمَّدًا مَامُلًّا ... ما نِيَّ آل خَمَّ ثُمَّ أَلَّى3
يصف خُبْزَ مَلّة.
وقال أبُو عَمْرٍو4: سَألني القاسِمُ بنُ مَعْنٍ عَنْ بَيْت الرُّبَيْع بْن ضَبُع الفزاريّ:
وإنّ كَنائني لَنِساءُ صِدْقٍ ... وما ألَّى بَنِيَّ ولا أساؤوا5
فقُلتُ: أَبْطَؤوا. فَقَالَ: ما تَدعُ شيئا.
__________
1 الديوان /276.
2 ساقط من ت.
3 كذا في جميع النسخ وفي اللسان "ملل" برواية: "مافي آل خم حين ألى" تحريف. وفي ألو جاء كرواية النسخ وجاء في الشرح: يصف صرصا خبزته امكرأته فلم تنضجه فقال: جاءت به مرمدا أي ملوثا بالرماد. مامل: أي لم يمل في الجمر والرماد الحار. وقوله ماني: قال: مازائدة كأنه قال: ني الآل والآل: وجهه يعني وجه القرص. وقوله: خم أي تغير حين ألى: أي أبطأ في النضج.
4 م: أبو عمر.
5 مقاييس اللغة "ألا" دون عزو 1/128 برواية: "فما آلى" بمد الهمزة. والبيت في اللسان والتاج "ألا" والخزانة 3/306 وانظر أعلام الزركلي 3/39.

(1/518)


وهذا كالحديث الآخر أَنَّهُ سُئِلَ عمّنْ صامَ الدَّهْرَ فَقَالَ: "لا صامَ ولا أَفْطرَ" 1.
وأخبرني الحَسَن2 بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا إِسْحَاقُ بن إبراهيم نا أَبو داود المَصَاحفيّ قَالَ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيل.
قوله: "لا صَامَ ولا أَفْطَر" دُعاءٌ عَلَيْهِ ولو أراد الإِخْبَار لقال لم يَصْم ولم يُفْطر. وقال أبو سُليمان وقد يجوز أن يكون معناه الإِخبار كقوله تَعَالَى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} 3. قَالَ أُميَّةُ بنُ أَبِي الصَّلت:
إِن تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغفِرْ جَمَّا ... وأَيُّ عَبْدٍ لك لا أَلمَّا4
وقال آخَرُ:
زَنَّا عَلَى أبيهِ ثم قتله ... فأي فعل سيىء لا فَعَلَهْ5
وصِيام الدهر المنهيّ عَنْهُ أَن يَسْرُدَ الصَوْمَ فلا يُفْطر الأَيّامَ الخمْسَة المنهيّ عَنْ صَيامها. وهي العِيدان وأيّام التَّشْريق. فأمّا مَنْ أفْطَرَها وصامَ ما عَداها من أَيَّام الدّهر فليس بصيام الدهر المنهي عنه.
__________
1 أخرجه مسلم 2/819 والترمذي 3/138 والنسائي 4/206 وأبو داود 2/321 وغيرهم.
2 ط: "الحسين بن عبد الرحيم".
3 سورة القيامة: 31.
4 اللسان والتاج "لمم" وشعراء النصرانية 2/325.
5 اللسان والتاج "زنا":
لا هم إن الحارث بن جبله ... زَنَّا عَلَى أبيهِ ثُمَّ قَتلَهْ
وزنا عليه: ضيق وأصله: زنا وترك الهمزة للضرورة. وجاء الرجز ومعه ثلاثة أبيات أخرى في مادة "زنا" من اللسان وعزي للعفيف الْعَبْدِيِّ.

(1/519)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ فِي مَالِي شَيْءٌ إِذَا أَدَّيْتُ زَكَاتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "فَأَيْنَ مَا تَحَاوَتْ عَلَيْكَ الْفُضُولُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا حَرْمَلَةُ نا ابْنُ وَهْبٍ أنا عَمْرٌو عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ.
قولُه: تَحاوَت وَزْنُه تفاعلت من حَويْتُ الشيء إذَا جَمعْتَه. يَقُولُ: إذَا أدَّيْتَ الزَّكاةَ المَفْرُوضة فلا تَدعْ أن تُواسِيَ من فضْل مالِك وإن لم يكن فرضا عليك.
__________
1 الفائق 1/328 وفيه: الفضول: جمع فضل: وهو ما فضل من المال عن حوائجه. والنهاية 1/466.

(1/520)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ رَجُلٌ ارْتَبَطَ فَرَسًا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ عَلَفَهُ وَرَوْثَه وَأَثَرَهُ وَمَسْحًا عَنْهُ 1 وَعَارِيَّتَه فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَجُلٌ ارْتَبَطَ فَرَسًا لِيُغَالِقَ عَلَيْهَا أَوْ يُرَاهِنَ عَلَيْهَا فَإِنَّ عَلَفَهُ وَرَوْثَهُ وَمَسْحًا عَنْهُ 2 وِزْرٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَجُلٌ ارْتَبَطَ فَرَسًا لِيَسْتَنْبِطَهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَبْطِنَهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ مِنَ الْفَقْرِ" 3.
مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرُّبَيْعِ عَنْ سَعْدِ4 بْنِ إِيَاسٍ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
__________
1 م: عمرو بن صفوان بن سليم والمثبت من س, ت, ح, ط.
2 ط: "عليه".
3 أخرجه أحمد 4/69, 5/381 من طريق زائدة عن الركنين بالإسناد بنحوه. وانظر مجمع الزوائد 5/260.
4 س, م: سعيد. والمثبت من هامش م. وفي التقريب 1/286: سعد بن إياس: أبو عمرو الشيباني مات 95 أو 96هـ.

(1/520)


قولُه: لِيغالق عليها مَعْناهُ لِيُراهن عليها وأَصْلُه المُغالقَة في المَيْسِر. والمغلق السهم في سِهام المَيْسِر. قَالَ ابنُ قَمِيئَة:
بأيديهُم مَقْرومةٌ ومغالقُ ... يعُود بأرزاق العِيال مَنِيحُهَا1
وإنما كُرِه الرِّهانُ في الخَيْل إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مذهب أهل الجاهليّة وهو أن يتسابَق الرِّجُلان بفرسَيْهما من غير محلّلٍ معهما فيتواضَعا بينهما جُعْلًا يستَحقّه السّابقُ منهما وذلك من أكل المال بالباطل فأمّا إذَا تَراهَنا عَلَى الوجه الَّذِي أطلقَتْه الشَّريعة فَما تواضَعاهُ بينهما من جُعْلٍ فهو طِلقٌ حَلالٌ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا سَبْقَ إلّا في ثلاثٍ نَصْلٍ أَوْ حافرٍ أو خُفٍّ" 2.
والسَّبَقُ بفَتْح الباءِ ما يُجْعَلُ للسابق من الجَعْل.
وقوله: ليَسْتَنْبِطَها معْناه يتّخذُها لنَسْلها ونِتاجها والأَصْلُ في الاستنباط إِخْراجُ الماء3. والنَّبَطُ الماءُ يُقال للرجل إذَا حفر فانتهى إلى الماء قد أنْبَط واسْتَنْبَط وسُمّي النبَطُ نَبطًا لاسْتخراجهم المياهَ وعمارتهم الأَرَضِين ثُمَّ قِيلَ في كُلّ ما يستَخْرِجُهُ الإنسانُ من مكنون سِرٍّ أو غامِض علمٍ قد استَنْبطَه. وأمّا الاسْتِبْطان فهو طَلبُ النِّتاج الَّذِي تَشْتمل عليه بطونها.
__________
1 الديوان /30. والمقرومة: المعلمة بحز أو عض. والمغالق: قداح الميسر. والمنيح: القدح المستعار.
2 أخرجخ أبو داود 3/29 والترمذي 4/205 والنسائي 6/226 وغيرهم.
3 م, ح: "استخراج".

(1/521)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ أَجْرٌ وَسِتْرٌ وَوِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ الأَجْرُ فَرَجُلٌ حَبَسَ خَيْلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا سَنَّتْ لَهُ شَرَفًا 1 إِلا كَانَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ اسْتَعَفَّ بِهَا وَرَكِبَهَا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَذَلِكَ الَّذِي لَهُ سِتْرٌ وَرَجُلٌ حَبَسَ خَيْلًا فَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإسْلامِ فَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْوِزْرُ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ نا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَبَطَهَا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا احْتِسَابًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ شِبَعَهَا وجُوعَهَا ورِيَّهَا وَظَمَأَهَا وَأَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا فَلاحٌ فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".3
قوله: "حَبَس خَيْلًا" اللُغَةُ العالية أَنْ يقالَ أَحْبسَ بالأَلِف. وقَولُه: سَنَّتْ شَرفًا أي عَدَت طَلَقًا. يُقال: سنَّ الفرَسُ إذَا لجَّ في عَدْوه مُقبلًا وَمُدْبِرًا والشَّرَف من الأرض ما أشرف لك يقال أشرف لي شرف فَما زلت أَرْكُضُ حتّى عَلَوته4 والنِّوَاءُ مَصْدَرُ المُناوَأة وهي المُباهاةُ والمُبَارَاةُ قَالَ ابن السكيت: يقال ناوأتُ الرجلَ مناوَأةً ونِواءً إذَا عاديتَه وأصلُه أنّه ناء إليك ونُؤتَ إِلَيْهِ أي نهض إليك ونهضت إليه4. قال الشاعر:
__________
1 ت, م, ح: "فما سنت شرفا".
2 لم أجده بهذا السياق وأخرجه البخاري بنحوه 4/35, 252, 6/117 ومسلم 2/681 وابن ماجه 2/932 وأحمد 2/262, 383.
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/445.
4 من م, ت.

(1/522)


بَلَّتْ يَداه في النِّواء بِفَارسٍ ... لا طائِشٍ رَعِشٍ ولا وقَّاف1
وأرَادَ بِالفَلاح الأَجْرَ والمَثُوبَة. وأَصْلُ الفلاح البقاءُ وهو الفَلَحُ أيضًا. قَالَ الأعشى:
ولِئنْ كُنَّا كقَومٍ هلكُوا ... ما لَحيٍّ يا لَقَوْمٍ من فَلَحْ2
أي من بقاءٍ.
__________
1 في المقاييس 1/189 برواية: "بلت عرينة في اللقاء بفارس" من غير عزو.
2 الديوان /38. واللسان "فلح".

(1/523)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ رَكِبَ فَرَسًا لَهُ أُنْثَى فَمَرَّتْ بِشَجَرَةٍ فَطَارَ مِنْهَا طَائِرٌ فَحَادَتْ فَنَدَرَ عَنْهَا عَلَى أَرْضٍ غَلِيظَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفِّلٍ: فَأَتَيْنَاهُ نَسْعَى فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَعُرْضُ رُكْبَتَيْهِ وَحَرْقَفَتَيْهِ وَمَنْكِبَيْهِ وَعُرْضُ وَجْهِهِ مُنْسَحٍ يَبِضُّ مَاءً أَصْفَرَ1.
مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عُيَيْنَةَ2 بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ.
قَالَ الأصمِعِيّ: الحَرقفَتَان مُجْتَمعُ رأسِ الفَخِذ ورأسِ الوَرِك حيث يلتقيان من ظاهرٍ. ويُقال للمَرِيض إذَا طالَت ضجْعَتُه قد دَبِرتْ حَراقفُه قَالَ وهي الحَراكِلُ أَيضًا واحدَتُها حَرْكَلَةُ.
وقولهُ: مُنْسَح أي مُنْقَشِرٌ وَكُلُّ جِلْدٍ رقيقٍ سِحاءٌ. وقوله: يَبضٌ معناه يَنْدَى ويَقْطُر. يُقال بضَّ يَبِضَّ إذَا قطر. وقال حميد بن ثور:
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 5/264 وعزاه للطبراني.
2 ح: عتبة بن عبد الرحمن "تحريف".
وفي التقريب 2/103 عن عيينة بتحتانيتين مصغرا ابن عبد الرحمن بن جوشن "بجيم ومعجمة مفتوحتين بينهما واو ساكنة" الغطفاني بفتح المعجمة والمهملة ثم فاء صدوق مات في حدود 257 هـ.

(1/523)


مُنعَّمةٌ لو يَدْرُجُ الذَّرُّ ساريًا ... عَلَى جِلْدها بَضَّتْ مَدارجُها دَمَا1
__________
1 الديوان /17 برواية: "منعمة لو يصبح الذر ساريا".

(1/524)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُضَرٍ فَقَالَ: "كِنَانَةُ جَوْهَرُهَا وَأَسَدٌ لِسَانُهَا الْعَرَبِيُّ وَقَيْسٌ فُرْسَانُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَلاحِمِ وَتَمِيمٌ بُرْثُمَتُهَا وَجُرْثُمَتُهَا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْكُرَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْقَطْرَانِيُّ نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ نا يَعْلَى الأَشْدَقُ2 عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ.
قوله: "بُرثُمتُها" إنّما هي البُرْثُنة بالنون إحدى البَراثن وهي المَخالِبُ. يُريد شَوْكَتَها وقُوَّتَها. قَالَ حَسّان بْن ثابتٍ:
قد ثَكِلَتْ أمُّه مَنْ كُنْتَ واحِدَه ... وكان مُنْتَشِبًا في بُرثُن الأسَدِ3
وقدْ تتعاقَبُ المِيمُ وَالنُونُ في مواضع. والجُرثُمَة الجُرثُومَة وهي أصْل الشَّيء ومُجْتَمَعُه وقد يَجوزُ أن يكون إنّما أبدل النُونَ في البرثُنِ مِيمًا ليَزْدَوِجَ الكلامُ وزنًا وهجاءً كما قالُوا: إنَّه ليَأْتِينا بالغَدايا والعَشايا وقد تُوضَعُ النونّ مُقابلَة المِيم في القَوافِي كقوله:
يا رُبَّ جَعْدٍ فيهم لَوْ تَدْرِين ... يَضْربُ ضَرْبَ السَّبطِ المقاديم4
__________
1 وذكره الهيثمي في مجمعه 10/42 من حديث أبي الدرداء " ... إذا حاربت فحارب بقيس ألا إن وجوهها كنانة ولسانها أسد وفرسانها قيس يا أبا الدرداء: إن لله فرسانا في سمائه يحارب بهم أعداءه وهم الملائكة وله فرسان في أرضه يحارب بهم أعدائه وهم قيس". وقال: رواه البزار.
2 ت: "يعلى بن الأشدق".
3 الديوان /160.
4 اللسان والتاج "جعد".

(1/524)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْعَوَازِمِ أَوْ بِالْقَوَارِيرِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا صَالِحُ بْنُ أَصْبَغَ الْمَنْبِجِيُّ نا أَبُو حِفَاظٍ الْيُسَيْرُ بْنُ مُوسَى الْمَنْبِجِيُّ نا عِيسَى بْنُ يونس عن سليمان التيمي عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ العَوازِمُ المَسانُّ من الإبل.
قَالَ الأصمعي: العَوْزَم النّاقةُ التي قد أسنَّت وفيها بَقِيّة. والضِّرزِمُ مثل العَوْزم. قَالَ وفيه لغة أخرى العَزُوم قَالَ الشاعر:
السِّنُّ من جلفزِيزٍ عَوْزَمٍ خَلَقٍ ... والعَقْل عَقْلُ فَتَاةٍ تَمْرُثُ الوَدَعَهْ2
قَالَ الراعي:
بُويزِلُ عامٍ لا قَلُوصٌ مُمَلَّةٌ ... ولا عَوْزَمٌ في السّنّ فانٍ شَبِيبها3
قال الأصمعي: والجعماء عن النوق المسنة. والدردج التي قد لصقت
__________
1 أخرجه البخاري 8/44, 55 ومسلم 4/1811 والدارمي 2/295 وأحمد 3/107, 117, 187, 227, 254 بلفظ: "القوارير" فقط وما بين المعقوفتين سقط من ح.
والفائق "عزم" 2/424 والنهاية "عزم" 3/233.
وجاء في النهاية: كنى بها الناقة عن النساء كما كنى عنهن بالقوارير ويجوز أن أراد النوق بنفسها لضعفها.
2 اللسان والتاج "ودع, جلفز": أنشده الجوهري: "والحلم حلم صبي يمرث الودعه".
قال الزبيدي: طكذا أنشده السهيلي في الروض والبيت لأبي داود الرواسي والرواية:
السِّنُّ من جلفزِيزٍ عَوْزَمٍ خَلَقٍ ... والعقل عقل صبي يمرس الودعه
والجلفزيز العجوز التي أسنت وفيها بقية. ويمرث ويمرس: يمص.
3 ليس في شعر الراعي ط/ دمشق وهو في شعره ط بغداد /184 والأساس "ملل" وجاء فيه: بعير ممل وناقة مملة: متعبان أكثر ركوبهما.

(1/525)


أسنانها من الكِبَر واللِّطْلِطُ مثلُها والدَّلُوق التي قد تكسَّر أسنانُها فتمُجُّ الماءَ. والدِّلْقِمُ التي ينكَسِر فُوها ويَسِيل مَرْغُها وهو اللعاب.

(1/526)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنْ نَسَّانِي الشَّيْطَانُ شَيْئًا مِنْ صَلاتِي فَلْيُسَبِّحِ الْقَوْمُ وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ طُفَاوَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْقَوْمُ مُرْسِلَةٌ إِذَا أُطْلِقَ لَقِيَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} 2.
ومنه قول الشاعر:
وما أدرِي وسوف إخال أَدْرِي ... أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نِساءُ3
يريد: أَرِجالٌ أم نساء.
والقوم أيضًا جمع قَائِم: كالصَّومِ جَمعُ صَائِم والزَّورُ جَمْع زائِر ويجمع القَائِم أيضًا عَلَى القَامَةِ كالقَائِد عَلَى القَادَة وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابنِ الأَعرابي:
لمَّا رأيتُ أنه لاقامه ... وأَنَّنِي ساقٍ عَلَى السَّآمة
نَزَعْتُ نزعا زعزع الدعامة4
__________
1 أخرجه أبو داود 2/253 وأحمد في مسنده 2/541.
2 سورة الحجرات: 11.
3 اللسان والتاج "حصن" وعزي لزهير وهو في ديوانه /73.
4 اللسان والتاج "دعم" من غير عزو.

(1/526)


قَالَ: فقلت لابن الأعرابي كيف تُزَعزِع الدَّعامةَ ولا قامةَ هُناك قَالَ: أراد أَنَّهُ لَيْسَ هناك قَومٌ يَستَقُون.

(1/527)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ اسْمُهُ حُبَابًا1 فسماه رسول الله عَبْدَ اللَّهِ. وَقَالَ: "إِنَّ الْحُبَابَ اسْمُ شَيْطَانٍ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الأصمعي: الحُبَاب الحَيَّة وإنما قِيل الحُبَاب اسمُ شيطان لأنَّ الحَيَّة يقال لها شَيْطان وأنشد:
تَعَمّج شَيْطان بذي خِرْوعٍ قَفْر3
وقال المبّرد: الحُبابُ حيَّة بعَيْنها وأنشد لعُمر بْن أَبِي ربيعة يَصِفُ أنَّه زار عشيقتَه4:
ونَفَّضت عني العين أقبلت مشية ال ... حباب وركني خيفة القوم أزور
وأما قول الشاعر:
وفي البَقْل إن لم يدفع اللهُ شرَّه ... شياطين يَنْزُو بعضُهنَّ عَلَى بعض5
فيقال: إنه أراد بالشياطين الحيّات. ويقال: بل هُوَ مَثَلٌ يريد أنَّ الناسَ إذَا أخْصَبُوا بَطِرُوا فصارُوا شياطين وإنما كَرِه واللهُ أعلم اسم الحية
__________
1 ح: "الحباب".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/40.
3 اللسان "عمج, خرع, شطن" من غير عزو وصدره:
تلاعب مثنى حضرمي كأنه
وهو في وصف زمام ناقة.
4 من م.
5 الديوان /96 برواية:
وخفض عني الصوت أقبلت مشية ال ... حباب وشخصي خشية الحي أزور

(1/527)


لخبثها وغائلتها وكان يغير الاسم القبيح بالاسْمِ الحَسَن وقد غيّر عِدّة أسامٍ.
أخبرني ابنُ داسَة قَالَ قَالَ أبو داود غيَّر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمَ العَاص وَعَزِيز وعتَلَة وشَيْطان والحَكَم وغُرَاب وشهاب. وَسمَّى المضطجِع المُنْبِعثَ وسمَّى شِعبَ الضّلالةِ شِعْبَ الهُدَى ومرّ بأرض تسمى عَثِرة فسمّاها خَضِرة1. وقال غَيْر ابن داسة: عَفِرة وقال غير أَبِي دَاودَ غَدِره.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرَّ بِأَرْضٍ2 تُسَمَّى غَدِرَةً فَسَمَّاهَا خَضِرَةً3.
أَمَّا تَغْيِيرُهُ اسْمَ الْعَاصِ فَلِكَرَاهِيَةِ الْعِصْيَانِ الَّذِي هُوَ مُنَافٍ لِصِفَةِ الْمُؤْمِنِ وَإِنَّمَا شِعَارُ الْمُؤْمِنِ الطَّاعَةُ وَسِمَتُهُ الْعُبُودِيَّةُ. وَأَمَّا تَغْيِيرُهُ اسْمَ الْعَزِيزِ فَلأَنَّ الْعِزَّ لا يَلِيقُ بِالْعَبِيدِ إِنَّمَا يُوصَفُونَ بِالذُلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي. وَقَدْ قَالَ عِنْدَمَا يُقَرِّعُ بَعْضَ أَعْدَائِهِ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 4.
وأمّا عتَلَةُ فإنما كَره والله أعلم بشاعةَ الاسْمِ وذلك أنّ معناها الشدة والغلظة. يقال: عتَلْتُ الرجُلَ إذَا جَذبْتَه جَذْبًا عَنيفًا ومنه قِيلَ رَجُلٌ عُتُلٌّ ومُعَتِّلٌ. قَالَ ذو الإِصْبَع العَدْوانِيُّ:
__________
1 راجع سنن أبي داود 4/289.
2 هامش م: "برياض".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/51 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط.
4 سورة الدخان: 49.

(1/528)


والدَّهْرُ يَغْذُو مُعَتِّلًا جَذَعًا1
أي شابًّا قويًّا.
وقد وَصَف اللهُ المُؤمِنين بلِين الجَانِب وخَفْضِ الجَناح فَقَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} 2. وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المُسْلِمُون هَيْنُون لَيْنُون كالجَمل الأَنِفِ" 3.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجدّ سعيد بْن المُسَيَّب: "ما اسْمُك" قَالَ حَزْن قَالَ: "اسْمُكَ سَهْلٌ" 4.
وأمّا الشَيْطانُ فاسْمٌ لكُلّ مارِدٍ من الجنّ والإِنْس قَالَ الله تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} 5.
ويُقال: سُمِّي شَيْطانًا لِبُعْده عَنِ الخَيْر. يُقال: نَوى شَطُون أي بَعِيدةٌ وبِئرٌ شَطُون إذَا كانت بعيدةَ المَهْوَى وكذلك الأمْرُ في اسْم الغُراب لأنّه فيما يُقالُ مأخُوذٌ من البُعْد والاغْتراب. ويُقالُ: للرَجُل اغرُب عنّي أي ابعُد وغرَبت الشَمْسُ إذَا غابَتْ فبَعُدَتْ عَنِ6 الأبْصار. واغترب الرجلُ إذَا بَعُدَ عَنْ أهْله عَلَى أَنَّ الغُرابَ نفسَه كأخبَث الطَّيْر لوقُوعه عَلَى الجِيَف وبَحْثِه عَنِ النَّجاسةِ وقد حرَّم رَسُولُ الله أكْلَه وأباح للمحرم قتله.
__________
1 شعراء النصرانية 2/629 برواية: "والدهر يغدو مصمما جذعا". وصدره: "أهلكنا الليل والنهار معا".
2 سورة الفرقان: 63.
3 م, ح: "الأنف" ذكره السيوطي في الجامع الصغير 6/258 بلفظ المؤمنون وقال: رواه ابن مبارك عن مكحولا مرسلا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر.
4 أخرجه أبو داود في سننه 4/89.
5 سورة الأنعام: 112.
6 ت: "من الأبصار".

(1/529)


وأمّا الحَكَمُ فهو من أسماء الله وتأويله الحاكِمُ الَّذِي لا مُعَقّبَ لحكمه وهذه الصِّفَةُ لا تَلِيقُ بمخْلُوقٍ1.
وأمّا الشِّهابُ فالشُّعْلَة من النّار والنَّارُ عقُوبَةُ الله لِلْكُفّار فكَرِه أن يتَسَّمى بها المُسْلُم.
وأمّا قَوله: عَثِرة فهي الأرضُ التي لا نبات فيها إنّما هي صَعِيدٌ قد علاها العِثْيَرُ وهو الغُبارُ وكذلك العَفِرةُ مَأخوذٌ من عُفْرة الأرض وهي لونها الأغبر. فوسمها بالخُضرة لأنّها إذَا اخْضرَّت تَغطَّى تُرابُها وذَهَب غُبارُها. والغَدِرَةُ من الأرْض هي التي لا تَسمَحُ بالنَّبات أو تُنبِتُ شَيئًا ثُمَّ تُسرعُ إليه الآفةُ فَيبِيدُ ويَتْلف شُبِّهَت بالغَادِر الَّذِي يُخَيِّل قَوْلًا ولا يَفي فِعْلًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ بَيْنِ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ غَدَّارَةً أَوْ خَدَّاعَةً يَكْثُرُ فِيهَا الْمَطَرُ وَيَقِلُّ النَّبَاتُ" 2.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: أَنَّهُ نَهَى أَنْ نُسَمِّيَ الْعَبِيدَ3 يَسَارًا أَوْ رَبَاحًا.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الضَّبِّيُّ نا عَفَّانُ نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الرُّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا أَرْبَعَةَ أَسَامٍ أَفْلَحَ وَرَبَاحًا وَيَسَارًا وَنَافِعًا4 فَقَدْ جَاءَ إِنَّمَا كره ذلك للتطير.
__________
1 م: "المخلوق".
2 أخرجه ابن ماجه في الفتن 2/1339 وأحمد في مسنده 2/291 مختصرا وذكره الهيثمي في مجمعه 7/330 بلفظ: "يكون أمام الدجال سنون خوادع ... ".
3 م: "يسمى العبد".
4 أخرجه مسلم 8/1685 وأبو داود 4/290 وابن ماجه 2/1229.

(1/530)


حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْد الرزاق نا أبو داود نا النُّفَيْلِيُّ نا زُهَيْرٌ نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ رَبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَارًا وَلا رَبَاحًا وَلا نَجِيحًا وَلا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَّمَ هُوَ فَيَقُولُ1: لا إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدَنَّ عَلَيَّ" 2. فَأَمَّا مَنْ سَلَكَ بِهِ مَذْهَبَ الْفَأْلِ وَقَصَدَ فِيهِ الْيُمْنَ وَالتَّبَرُّكَ فَأَنَا3 أَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ بِهِ حَرَجًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ غُلامٌ يُقَالُ: لَهُ رَبَاحٌ وَسَمَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ4 غُلامَهُ نَافِعًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ عَنْ أبيه قال: كان للنبي غُلامٌ اسْمُهُ رَبَاحٌ5
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْكُرَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَنْبَرِ نا الْحَسَنُ6 بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَلْ تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي سَالِمًا قُلْتُ لا قَالَ: بِاسْمِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ هَلْ تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي وَاقِدًا قُلْتُ: لا قَالَ بِاسْمِ واقد بن
__________
1 م: "فيقال".
2 أخرجه أبو داود 4/290 والترمذي 5/133.
3 م: "فإنا نرجو".
4 من م.
5 أخرجه أحمد في مسنده 4/64.
6 ت, ح: "الحسين بن علي الحلواني". وفي التقريب 1/168. الحسن بن علي بن محمد الهذلي أبو علي الخلال الحلواني "بضم المهملة" نزيل مكة ثقة حافظ له تصانيف مات 242هـ.

(1/531)


عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيِّ هَلْ تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي عَبْدَ اللَّهِ قُلْتُ لا قَالَ: بِاسْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.

(1/532)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ لا يُبَيِّتُ مَالًا وَلا يُقَيِّلُهُ: 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا أَبُو رِفَاعَةَ الْعَدَوِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: لا يُبَيِّتُ مَالًا معناه أنّ مَالَ الصَّدقةِ إذَا وافاه مساءً لم يُمْسكْه عنده2 إلى الليْل لكنّه يفرِّقه في أهله وإذا جاءه صَباحًا لم يُمْسِكْه إلى وَقْت القائلة وهي قَبَيْل الظُّهْر إلى أن ينتَصِف النهارُ. والقَيْلُولَة النَّومُ في ذَلِكَ الوقت والقَيْلُ الشُّربُ فيه.
أخبرني أبو عُمَر أنا أبو العبّاس ثعلب عَنِ الكوفيّين والمُبرّدُ عَنِ البصريّين قَالُوا شُرْبُ الغَداة الصَّبُوحُ وفي نِصْف النهار القَيْلُ وبالعَشِيّ الغَبُوقُ وبين المغرب والعَتَمة الفَحْمَةُ وفي السَّحر الجاشِرِيَّة وكُلُّ شرابٍ شُرِبَ في أيِّ زمانٍ كَانَ فهو الصَّفْحُ. يقال: أتاني فصَفَحْتُه أي سَقيْتُه وأتاني فأصْفحْتُه إذَا حَرمْتَه وَردَدْتَه قَالَ الشاعر:
وندمَانٍ يَزِيدُ الكَأْسَ طِيبًا ... سقيْتُ الجاشِرِيَّةَ أوْ سَقاني3
ومن هذا حدِيثُه في الدَّنانير السَبْعَة.
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في مجمعه لوحة 196- ب والفائق للزمخشري 1/142 والنهاية 4/133.
2 سقطت من هنا لوحة من مخطوطة م.
3 اللسان والتاج "جشر" من غير عزو. والجاشرية: الشرب يكون مع جشور الصبح: أي طلوعه.

(1/532)


حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ فَخَشِيتُ ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ما لك سَاهِمُ الْوَجْهِ قَالَ: "مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَمْسَيْنَا وَلَمْ نُقَسِّمْهَا وَهِيَ فِي خُصْمِ أَوْ خضم الفراش" 1.
والخصم الناحيةُ من الشيء والّزاوية منه.
__________
1 أخرجه أحمد 6/293, 314 برواية: "فحسبت" بدل "فخشيت".

(1/533)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ فِيهِ خُضُرَاتٌ مِنَ الْبُقُولِ. 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ ابنُ وهْبٍ: يعني بالبَدْر الطَّبَق. قَالَ أبو سُليمان: وأُراهُ سُمّي بَدْرًا لاستدارَتِه واتّساقِه ولذلك سُمِّي القَمرُ عنْد اتِّساقِه بَدْرًا ومنه قِيلَ عَيْنٌ بَدْرَةٌ إذَا كانت وَاسِعةً مُرْتَويةً. قَالَ امرؤُ القَيْس:
وَعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ... شُقَّتْ مآقِيهِمَا من أُخُرْ2
والبَدْرَةُ مَسْكُ السَّخْلَة وبه سُمِّيَتْ بَدْرَةُ المال.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأطعمة باب في أكل الثوم 3/360. وأخرجه البخاري بنحوه في 1/205 وأحمد 3/360 والفائق "بدر" 1/87 برواية: "أتي بقدر فيه خضروات من بقول".
2 في الديوان /166. وحدرة بدرة يعني مكتنزه صلبة ضخمة. وقوله: بدرة: يعني تبدر النظر. والبيت في اللسان "بدر".

(1/533)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ للِنِّسَاءِ مِنْ بَاحَةِ الطَّرِيقِ شَيْءٌ وَلَكِنْ لَهُنَّ حَجْرَتَا الطَّرِيقِ" 1.
مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْمُعَارِكِ بْنِ عَبَّادٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
باحَةُ الطريق وسَطُها ومِثْلهُ باحَةُ الدَّار وهي عَرصَتُها. يُقال: لقيتُ فلانًا في باحَة الدَّار وفي قاعة الدَّار وفي صَرْحَة الدَّار وفي رَبِاعَة الدَّارِ إذَا رأيتَه فيما لَيْسَ فيه بناء من وَسَطِها قَالَ الشَّاعر:
لنا بَاحَةٌ ضَبِسٌ نابُها ... يَهُون عَلَى حامِيَيْها الوَعِيد
وحَجْرتا الطريق جانباه وفي مَثَلٍ يَأكُلُ خَضْرَةً ويَنَامُ حَجْرَةً2: أي يأكل من الروضَة ويربِضُ ناحيةً يُقالُ: ذَلِكَ لِلجَدْي أو للحَمَل.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلنِّسَاءِ: "لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقِقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ" 3.
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالية 2/439 مختصرا وعزاه لأبي يعلى وابن حبان في صحيحه بلفظ: "ليس للنساء وسط الطريق". وهو في الموارد /484.
2 اللسان "حجر" وجمهرة الأمثال 2/430 ومجمع الأمثال 2/415 والمستقصي 2/411 ويروى "يربض حجرة ويرتقي وسطا".
3 أخرجه أبو داود في الأدب 4/369.

(1/534)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ إِذَا الناس يرسمون نحوه1.
__________
1 أخرجه الحاكم 2/459 وأبو داود 3/76 وأحمد 3/420 بنحوه.

(1/534)


حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ1 بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ2 حَدَّثَنِي مُجَمِّعٌ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ يَذْكُرُهُ.
قوله: يرسُمُون معنَاه يُقْبلونَ في سُرعَةٍ. والرَّسِيمُ ضَرْبٌ من السَّيْر يَخُدُّ في الأرض ويُؤثَّرُ فيها. والفعْل منه رسَمَ يَرْسُمُ. قَالَ ذو الرُّمّة:
بمائرَة الضَّبْعَين مُعوجَّة النَّسَا ... يَشجُّ الحصَا تخْوِيدُها ورسِيمُها3
وقال الفرزدق:
وما منهما إلا بَعَثْنا بِرأسِهِ ... إلى الشأم فوق الشاحجات الرواسم4
__________
1 ح: الحسين بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ.
2 س: ابن أبي إدريس "تحريف" والمثبت من ت, ط, ح. وفي التقريب 2/494 وابن أبي أويس إسماعيل. وفي التهذيب 10/48, 49 أن ممن روى عم مجمع اسماعيل بن أبي أويس.
3 الديوان /644.
4 الديوان 2/855.

(1/535)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَيُّوبَ فَقَالَ: "كَانَ إِذَا مَرَّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَيُكَفَّرُ عَنْهُمَا" 1.
يَرْوِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ.
قولُه: يتَزاعَمان مَعْناهُ يتَداعيان شَيئًا فيَخْتلفان فيه فَيزْعُم أَحَدهُما شيئًا والآخرُ شيئًا بخلافه ولا يكادُ يُقال الزعْمُ إلا في خِلافٍ أو أمْرٍ غير
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/208. والحافظ في المطالب العالية 3/272 كلاهما بلفظ: "يتنازعان" في حديث طويل وعزاه لأبي يعلى والبزار.

(1/535)


مَوْثوق بِهِ ولذلك قِيلَ زَعَمُوا مَطِيَّةُ الكَذِب. قَالَ الأصمعيّ: الزَّعُومُ من الغَنَم هي التي لا يُدْرَى أَبِها شَحْمٌ أم لا ومنه قِيلَ في قوْل فُلانٍ مُزاعَمٌ وهو الَّذِي لا يُوثَقُ به.

(1/536)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ نا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تأويلُ هذا عَلَى وَجْهَين: أحدهما أن يكون ذَلِكَ في أصْحاب الوَعِيد ومن يَرَى رأْيَ الغُلاة منهم في الخُلُود عَلَى الكَبِيرة والإِياسِ من عَفْوِ الله والقُنُوط من رحمته يَقُولُ فَمَنْ رأى هذا الرأيَ كَانَ أَشدّ هَلاكًا وأعظم وِزْرًا ممَّن قارف الخطيئة ثُمَّ لم يأيَسْ من الرّحمة.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ نا حَفصٌ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2 أَهُوَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَهُمْ أَلْفٌ وَالسَّيْفُ بِيَدِهِ قَالَ: لا وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَيَقُولُ: لا تَوْبَةَ لِي3.
والوَجْه الآخر أن يكون ذَلِكَ في الرَّجُل يُولَع بِذكر النّاس وإحصاء عيوبِهِم وعَدِّ مساوئهم فهو لا يزال يَقُولُ: هَلَك النّاسُ وفسدَتْ نيّاتهم
__________
1 أخرجه مسلم 4/2024 وأبو داود 4/296 ومالك 2/984 وأحمد 2/272, 342, 465, 517.
2 سورة البقرة: 195.
3 أخرجه الطبري في تفسيره 3/202, 203 من عدة طرق.

(1/536)


وقَلّت أَماناتُهم ويذهب بنفسه عُجْبًا ويَرَى لها عَلَى الناس فَضَلًا يَقُولُ فهذا بما ينَالُه في ذَلِكَ من الإثم أَشدُّهم هلاكًا وأعظمهم وزرا.
ومن هذا الحديث أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فَجَاءَ الأَعْرَابُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ1 عَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا أَشْيَاءَ لا بَأْسَ بِهَا فَقَالَ: "عِبَادَ اللَّهِ رَفَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ" أَوْ قَالَ: "وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ إِلا امْرَأً اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا فَذَلِكَ حَرِجَ وَهَلَكَ" 2.
قوله: اقْترض أي اغتابَه سبعه أي شتمه3.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بن إبراهيم بن سعيد البُوشَنْجِيّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ قِيلَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مَا قَوْلُهُ: أَهْلَكُهُمْ قَالَ: أَفْسَلُهُمْ وَأَدْنَاهُمْ.
__________
1 ط: "هل علينا حرج في أشياء لا بأس بها".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/278 بلفظ: "إلا امرأ اقتضى" مكان "اقترض". وأخرجه أبو داود في المناسك 3/211 والبهقي في السنن الكبرى 5/146 بنحوه بلفظ: "إلا رجل اقترض عرض رجل مسلم".
3 من ت, م.

(1/537)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي لَقِيتُ أَبِي فِي الْمُشْرِكِينَ فَسَمِعْتُ مِنْهُ مَقَالَةً قَبِيحَةً لَكَ فَمَا صَبَرْتُ أَنْ طَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ فَقَتَلْتُهُ فَمَا سَوَّأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو عَرُوبَةَ نا المسيب بن واضح
__________
1 ذكره ابن حجر في الإصابة 3/351 بنحوه وقال: أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده في الوحدان والبغوي في معجمه.

(1/537)


نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ1 بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ.
قَوْلُهُ: مَا سَوَّأَ ذَلِكَ2 عَلَيْهِ يُرِيدُ مَا عَابَهُ وَلا قَالَ لَهُ: أَسَأْتَ وَهُوَ مَهمُوزٌ مِنَ السُّوءِ. وَمِنْهُ قَولُهُ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} 3. وَزْنُهُ فُعْلَى مِنَ السُّوءِ.
وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ:
أنَّي جَزَوْا عامِرًا سُوآى بفعْلِهم ... أَم كَيْفَ يَجْزُونَني السُّوآى مِنَ الْحَسَنِ
أَمْ كَيْف يَنْفَعُ مَا تُعْطِي العَلُوقُ بِهِ ... رِئْمانُ أَنْفٍ إذَا مَا ضُنَّ بِاللَّبَنِ4
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ. حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْمَدَنِيُّ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لأَبِيهِ وَاللَّهِ لا تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ الأَعَزُّ وَأَنَا الأَذَلُّ. قَالَ: وَجَاءَ إلى رسول الله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ أَبِي فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ قَطُّ هَيْبَةً لَهُ وَلَئِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ بِرَأْسِهِ لآتِيَنَّكَ بِهِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أرى قاتل أبي5.
__________
1 م: "اسماعيل عن سميع" والمثبت من باقي النسخ.
2 من ت.
3 سورة الروم: 10.
4 اقتصر اللسان والتاج "علق" و "رأم" على البيت الثاني وعزي لأفنون التغلبي.
5 أخرجه الحُميْدي 2/520.

(1/538)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى شَرِيعَةٍ مَا لَمْ يَظهَرْ فِيهِمْ ثَلاثٌ مَا لَمْ يقبض منهم العلم ويكثر فيها أوْلادُ الْخُبْثِ" أَوْ قَالَ: "وَلَدُ الْحِنْثِ وَيَظْهَرْ فِيهِمُ السَّقَّارُونَ". قَالُوا: وَمَا السَّقَّارُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "نَشْءٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَحِيَّتُهُمْ إِذَا الْتَقَوُا التَّلاعُنُ" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ زَبَّانِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ.
قولُهُ: السَّقارون قد جاء من تفسيره في الحَديث عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كَفَى وأَقْنَعْ وذكره أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عن الفراء أنه قَالَ الصَّقَّارُ اللَّعَّانُ لغَيْر المستحقين والصَّاد مَعَ القاف قد تُبْدَلُ سِينًا. وأمّا أولادُ الحِنْث فهُمُ الذين وُلِدُوا لغيْر رِشدةٍ وأَصْلُ الحِنْث الذَّنب العظيم. ومنه قِيلَ بلغ الغُلامُ الحِنْثَ أي صار إلى حَدٍّ يَجْرِي عَلَيْهِ القَلَم ويُؤاخَذُ بالذنُّوب وذكر ابن لَنْكك عَنْ بعض فُصحاء الأعراب وذكر اسْمَه إلا أنَّي نَسِيتُه قَالَ: سألْتُه عَنِ الحِنْث فَقَالَ هُوَ العِدْلُ الثَّقِيل قَالَ: والأحناث عندنا الأعدال الثقال فشبه الذنب العظيم بالعدل الثقيل والزنا كبيرة فسميّ حِنْثًا. والنِّشءُ القَرْنُ الذين يَنشَؤون بعد قَرْنٍ مَضَى. فأمّا النَّشَأُ فأحْدَاثُ الناس واحدهم ناشىء تقديره خَادِمٌ وَخَدَمٌ. قَالَ نُصَيْبٌ:
وَلَوْلا أَنْ يُقالَ صَبَا نُصَيْبٌ ... لقلت بنفسي النشأ الصغار2
__________
1 أخرجه أحمد في 3/439 بلفظ: "الصعارون" بالصاد بدل "السقارون" وذكره الهيثمي في مجمعه 1/202 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير. وقال أبو موسى الأصفهاني: المحفوظ نشء "بسكون الشين" كأنه تسمية بالمصدر.
2 الديوان /88.

(1/539)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى قَبْرِ مَنْبُوذٍ فصلى عليه1.
__________
1 أخرجه البخاري 1/206. 2/107 والنسائي 4/85.

(1/539)


وهذا يُروَى عَلَى وجْهَيْن أحدهُما أن يُجْعَلَ المَنْبوذُ نعْتًا للقَبْر ومعناه عَلَى هذه الرواية أنّه قَبرٌ مُنتَبذٌ عَنِ القُبور ولذلك استجازَ الصّلاة عَلَيْهِ مَعَ نهْيِه عَنِ الصَّلاة في المقابر وذلك أن أرضها إذا قلبت ونبشت تنجست لِمَا يُخالِطها من رِمَّةِ العِظام فلم تَجُز الصّلاة فيها.
والوجْه الآخَر أن تكون الرِّوايةُ عَلَى الإضافة للقَبْر إلى المنبوذ ومعناه أنّه مرّ بقَبْرِ لقيطٍ فصلّى عَلَيْهِ والمَنبوذُ المَلقُوطُ وهو المزكوم أيضًا يُقال زَكَمَتْ بِهِ أُمُّه وهو زُكْمَةُ فُلانٍ أنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعْلب:
زُكْمَةُ عمّارٍ بَنُو عمَّارِ ... مثل الحراقيص على الحمار1
__________
1 اللسان والتاج "حرقص, زكم" ولم يعز.

(1/540)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لأبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيْ كُلا فَقَالا إِنَّا صَائِمَانِ فَقَالَ: "ارْحَلُوا بِصَاحِبَيْكُمْ اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ2 عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الأوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ فِي السَّفَرِ يَضْعُفُ عَنْ مُزَاوَلَةِ شَأْنِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِأَصْحَابِهِ فيقول فلا تفعلا ذَلِكَ فإنّه يُفْضِي بكما إلى أن تَقُولا مثلَ هذا القول.
__________
1 ح, س: "ارحلوا لصاحبيكم" وأخرجه النسائي في الصيام 4/177 وأحمد في مسنده 2/336.
2 التقريب 2/419: أبو داود الحفري اسمه عمرو بن سعد.

(1/540)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فيهم رسول الله فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: "مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ" قَالُوا السَّحَابُ. قَالَ: "وَالْمُزْنُ" قَالُوا: وَالْمُزْنُ. قَالَ: "وَالْغَيْذَى" 1.
وَذَكَرَ حَدِيثًا أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ2.
قوله: الغَيذَى لم أَسمعْهُ في أَسماءِ السحاب إلا في هذا الحديث. والمشهور من3 هذا الحديث أَنَّهُ قَالَ: والعَنان: مكان الغَيْذى. والعَنانُ معروف من أسماء السُّحاب. وقد ذكره أبو عُبَيْد في كِتابِه4. فأمّا الغَيْذى فإن كَانَ محفوظًا فإنيّ لا أراه سُمّيَ بِهِ إلا لسَيَلان الماء. يُقالُ: غَذَا العِرْقُ إذَا سال يغذو.
__________
1 أخرجه أبو داود في السنة 4/231 والترمذي في التفسير 5/424 وابن ماجه في المقدمة 1/69. وعند الجميع العنان بدل الغيذى إلا أن أبا داود قال: لم أتقن العنان جيدا.
2 من ت, م, ح وسنن أبي دواد 4/231.
3 م: "في هَذَا".
4 4/84.

(1/541)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ غُلامًا لأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلامٍ لأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَوْا به النبي فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ فَتَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الديات 4/196 والدارمي في الديات أيضا 2/193 والنسائي في القيامة 8/26 وأحمد في 4/438.

(1/541)


حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ الْخُصْرِيُّ1 نا الْكُدَيْمِيُّ2 نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْفَرَجِ نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
وهذا يُتأول عَلَى أنّ الجاني كَانَ حُرًّا وكانت جنايته خَطأ. وعاقلته فُقَراء فلم يُلزِمهم3 الدِّيةَ وإِضافةُ الغلامِ إليهم إضافةُ تَعْريفٍ لا إضافةُ تَمْليك وقد تُسمّي العربُ الرجُلَ المُسْتجمِعَ القُوَّةَ غُلامًا قالت لَيلَى الأَخيليَّةُ:
إذَا نَزَلَ الحجّاجُ أرضًا مَريضةً ... تتَبَّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الدَّاء العُقَامِ الَّذِي بها ... غُلامٌ إذَا هزَّ القَناة سقاها4
__________
1 ت: "الحصري".
2 م, ح: "محمد بن يونس الكديمي" وفي التقريب 2/222: محمد بن يونس بن موسى بن سليمان الكديمي بالتصغير أبو العباس السامي بالمهملة البصر مات 286هـ.
3 م: "فم تلزمهم الدية".
4 اللسان والتاج "عقم".

(1/542)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِالْحَكَمِ أَبِي مَرْوَانَ1فَجَعَلَ الْحَكَمُ يَغْمِزُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِهِ وَزَغًا فَرَجَفَ مَكَانَهُ" 2.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْبَطَّالِ الْيَمَانِيُّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ الرَّسِّيُّ3 نا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ نا
__________
1 هامش م: "الحكم بن العاص" وفي س: "بالحكم بن مروان" خطأ وفي أسد الغابة 5/419 والإصابة 3/613: "مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالحكم بن مروان".
2 أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 5/419 ف ترجمة هند وابن حجر ف الإصابة 3/612.
3 س, ط: الراسي والمثبت من م, ت, ح.

(1/542)


السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ هِنْدِ ابْنِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الوزَغُ: الارتِعاشُ وقد جاء هذا مُفَسَّرًا في الحديث وأصله من تَوزِيغ الجَنِين في بَطْن أمّه وهو حركَتُه يُقالُ وَزَغَ الجَنِينُ إذَا تحرك وأَوْزَغَت الناقةُ ببولِها ووَزَغَتْ1 بِهِ وزْغًا إذَا رمَتْ شيئًا شيئًا وقطعته دُفْعةً دُفْعةً ومنه قِيلَ لسامِّ أبرص وزغ وذلك لخفته وسرعة حركته.
__________
1 ت: "ووزغت به" وفي القاموس "وزغ": وزغت الناقة ببولها كوعد: رمته دفعة دفعة كأوزغت به.

(1/543)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَرَّسَ بِلَيْلٍ تَوَسَّدَ لَيْنَةً وَإِذَا عَرَّسَ عِنْدَ الصُّبْحِ نَصَبَ سَاعِدَهُ نَصْبًا وَعَمَدَهَا إِلَى الأرْضِ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ1.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ2 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ.
اللَّيْنَةُ هي كالمِسْورة أو الرِّفادةِ ولا أُراها سُمّيَتْ لَيْنةً إلا للِينها ووثارَتِها يُقالُ لَيِّنٌ ولَيْنٌ كما يُقالُ هَيِّنٌ وهَيْنٌ وميِّتٌ ومَيْتٌ. وفي الحديث: "المُسْلِمُون هَيْنُون لَيْنُون كالجَمل الأنف" 3. وقال الراجز:
ومنهل فيْهِ الغُرابُ مَيْتُ ... سَقَيْتُ منه القوم واستقيت
__________
1 أخرجه أحمد في 5/298 من طريق حماد بالإسناد نفسه بلفظ: "إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه وإذا عرس الصبح وضع رأسه على مفه اليمنى وأقام ساعده". وأخرجه أيضا في موضع آخر 5/309 بنحوه.
2 كذا في س, م وفي ت: عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن رباح بن أبي قتادة.
3 تقدم تخريجه. لوحة 196.

(1/543)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ جَاءَتْهُ وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَوَضَعَتْ بِأَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مات فقال رسول الله: "يَا سُبَيْعَةُ ارْبَعِي بِنَفْسِكِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ من أصحاب النبي بِذَلِكَ.
قوله: ارْبَعي بنَفْسك تأوّله بعضُهم عَلَى معنى قول الناس اربَعْ عَلَى نَفْسك أي أَبْقِ عَلَى نفسِك يذهب إلى أَنَّهُ أمرها بالتّوقُّف2 والتَّأنّي عَلَى مذهب من يُلزمُها أن تَعْتدَّ آخرَ الأجَلَيْن وهذا تأْويلٌ فاسدٌ والأَخبَارُ تَنْطقُ بخِلافه وبإباحة النَّبِيّ عَلَيْهِ السلام لها أن تَنْكِحَ3
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ لِلأَزْوَاجِ لا حتى
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/474 والنسائي 6/194 وأحمد في مسنده 6/432 بنحوه من حديث: سبيعة الأسلمية.
2 س: "بالتوقيف".
3 في النهاية لابن الأثير "ربع": له تأويلان: أحدهما أن يكون بمعنى التوقف والانتظار فيكون قد أمرها أن تكف عن التزوج وأن تنتظر تمام عدة الوفاء على مذهب من يقول: إن عدتها أبعد الأجلين وهو من ربع يربع إذا وقف وانتظر. والثاني أن يكون من ربع الرجل إذا أخصب وأربع إذا دخل في الربيع: أي نفسي عن نفسك وأخرجيها من بؤس العدة وسوء الحال. وهذا على مذهب من يرى أن عدتها أدنى الأجلين ولهذا قال عمر: إذا ولدت وزوجها على سريره –يعني لم يدفن- جاز أن تتزوج.

(1/544)


تَأْتِيَ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشُهِرٍ وَعَشْرٌ فأتت رسول الله فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "كَذَبَ فَانْكِحِي فَقَدْ حَلَلْتِ" 1.
قَالَ أبو سليمان قوله: "اربَعي بنَفْسك" معناه اسْكُني وانْزِلي حيْثُ شِئتِ فقد انقَضَتْ عِدَّتُك وحَلَلْتِ للأَزْواج. والرَّبْعُ دَارُ الإقامة وقد رَبَعَ الرَّجلُ بالمكان إذا أقام به.
__________
1 أخرجه الشافعي في مسنده كما في بدائع المنن 2/402 والبيهقي من عدة وجوه 6/94-96.

(1/545)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعَتْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَشَكَتْهُ فَقَالَ: يَا عَقِيلُ انطلق فإيتني بِهِ فَأَتَيْتُهُ فَاسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ فَجَعَلَ يَتَّبِعُ الْفَيْءَ مِنْ شِدَّةِ الرَّمَضِ1.
مِنْ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ طَلْحَةَ2 بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
الكِبْسُ الكِنُّ يأوي إِلَيْهِ الإنسانُ وكلُّ ما سَدَّ من الهواء مَسَدًّا فهو كِبْسٌ. وقال بعضُهم: الكِبْسُ السِّربُ تحت الأرض.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 6/14 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير. وفي الفائق 3/245 والنهاية كبس 4/143 قال: وبروى بالنون من الكناس: وهو بيت الظبي.
2 ت, عن طلحة بن موسى عن موسى بن طلحة والمثبت من س, م, ح.

(1/545)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ لامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ". قَالَتْ: فَإِنَّهُ يَا رَسُولَ الله قد جاءني هبة1.
__________
1 أخرجه أحمد في 6/299 بنحوه وذكره الهيثمي في مجمعه 4/341 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

(1/545)


حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَبَّةٌ تُرِيدُ مَرَّةً.
قال أبو سليمان: للهبة هاهنا مَعْنَيان أحَدُهما أن تكون بمعْنى الوقْعة يُقالُ إنّه لَذُو هَبَّة إذَا كانت لَهُ وقعةٌ شديدة ومنه يُقالُ احذَرْ هبَّة السَّيْف أي وَقْعَته فالمعْنَى على هذا أنّه قد أتاها وَقْعةً واحدةً وهو معنى تفسير ابن وهْبٍ.
والوَجْهُ الآخرُ أن تكون الهَبَّةُ بمعنى الحِقبَة من الدّهْر. قَالَ أبو زَيْدٍ: يُقال غَنِينا بذلك هَبّةً من الدَّهر والدهر هَبَّاتٌ وسَبَّاتٌ أي عصْرٌ بعد عَصْرٍ وكان بعضهم يتأوَّلُه عَلَى غير هذا وذَاكَ ويَراه من هِبابِ الجَمَل أو هَبِيب التَّيْسِ إذَا اهتاج للسفاد والأول أجود وأَشْبَه.
وفي الحَدِيثِ من الفِقه أنَّهُ إذَا طلَّقها قبل أن يُواقِعها لم تَحِلّ للزَوْج الأول. والعُسَيْلَةُ تصغير العَسَل وهي كِناية عَنِ اللَّذَّة. قَالَ ابنُ المُنْذر: وفيه كالدّلالة عَلَى أنّ الزَّوْج إذَا أتاها وهي نائمةٌ لا تَشْعُر أو مُغْمى عليها لا تُحِسّ باللّذة لم تَحِلَّ للزَّوْج الأوّل.
وفي هذا الحديث أنّها قالت: إني1 كنت عند رفاعة فطلّقني فبَتَّ طَلاقي فتزوجتُ عبدَ الرحمن بنَ الزُّبير وأنّه والله ما مَعَه إلا مثْلُ هذه الهُدْبَة وأخَذتْ هُدْبةً من جِلْبابِها2.
وفي هذا دليلٌ عَلَى أنّ لامرأة العِنِّين المطالبةَ بحقِّها وأنّ لها أن تدعو إلى
__________
1 من ح, م.
2 أخرجه البخاري في 3/220, 7/55, 184 ومسلم في 2/1056 والترمذي 3/417 والنسائي 6/93 ,146 وابن ماجه 1/621 وغيرهم.

(1/546)


فسخ النكاح وذلك إنّما ادّعتْ بهذا القوْل عَلَيْهِ العُنَّةَ ولم تُرِدْ أنَّ ذَلِكَ منه في دِقَّة الهُدْبَة إنّما أرادَتْ أنّه كالهُدْبة ضَعْفًا واستِرخاءً.
يدلّ عَلَى صحّة هذا روايةُ عِكرمَة ذكره محمد بْن إسماعيل البُخاريّ عَنْ محمد بْن بَشَّار عَنْ عَبْدِ الوهاب عَنْ أيوب عَنْ عِكرِمَة أَنَّ رفاعةَ طلّق امرأتَه فتزوَّجَها عبدُ الرحمن بْن الزبير قالت: عائشة فجاءَت وعليها خِمارٌ أخضَرُ فشكَتْ إلى عائشةَ وأَرَتْها خُضْرةً بجِلدها فلما جاء رسول الله والنِّساءُ يَنْصرُ بعضُهنّ بَعْضًا قالت عائشة: ما رأيتُ مثلَ ما تلقى المؤمنات1 لجلدها أَشدُّ خُضرةً من ثوْبها. قَالَ: وسمع أنّها قد أتَتْ رَسُولَ الله فجاء ومعه ابنان لَهُ من غيرها. قالت: واللهِ ما لي إِلَيْهِ من ذنْبٍ إلا أنّ ما معه لَيْسَ بأغنى عَنّي من هذه وأخذت هُدبةً من ثوبها فَقَالَ: كذبَتْ والله يا رَسُول الله إني لأنفُضُها نَفْضَ الأَدِيم ولكنها ناشِزٌ تُريد رفاعةَ فقال رسول لله: "فإن كَانَ ذَلِكَ لم تَحِلِّي له حتى تَذُوقي عُسَيْلتَه" قَالَ: فأبصر معه ابنين لَهُ فَقَالَ: "بَنُوكَ هَؤُلَاءِ" فَقَالَ نعم قَالَ: "هذا الَّذِي تَزعُمين ما تَزْعُمين فوالله لَهُم أشبَهُ بِهِ من الغُراب بالغُراب" 2.
فهذه القِصَّةُ بِطُولها تدلّ عَلَى أنّها جاءت تدعي عليه العنة.
__________
1 من ت, م, ح.
2 البخاري 7/192. وجاء في فتح الباري 10/282 أن خضرة جلدها من ضرب زوجها لها أو لهزالها والأول أرجح.

(1/547)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أتي بقناع جزء1.
__________
1 كذا في س, ت, م. وضبط بفتح الجيم في النهاية لابن الأثير والفائق للزمخشري "قنع".

(1/547)


رُوِيَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي يَعْلَى أَحْمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غَسَّانَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
هَكَذَا قَالَ الرَّاوِي: جُزْءٌ وَزَعَمَ أَنَّ الْجُزْءَ الرُّطَبُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وهذا شيء لا أثِق بِهِ ولا أعتَمِده فإن كَانَ الأمْرُ عَلَى ما قَالَ فلا أراهم يسمُّونَهُ جُزْءًا إلا من قِبَل اجتزائِهم بِهِ عَنِ الطّعام كتَسْمِيَتهم الكَلأَ جُزْءًا وجُزُؤًا لُغتان لاجتزاء الإبل بِهِ عَنِ الماء. يُقال: جَزأَتِ الإبلُ عَنِ الماء إذَا اجْتزأت بالرُّطْب فلم تَشربْ.
قَالَ أبو سليمان: وأَحسِبُهُ أُتِي بقِناع جِرْوٍ وهو في كلام أهلِ المدينة وغيرهم من أهلِ الحِجاز القِثَّاءُ الصِّغار.
أخبرني أبو عُمر قَالَ قَالَ السَّيَّاري1: عَنْ بعْض أصحابِه قَالَ: كنتُ أمرُّ في بَعضِ طُرُقاتِ المدينة فإذا أنا بحمّالٍ عَلَى رأسِه طَنّ2 فَقَالَ لي3: أعْطِني ذَلِكَ الجَرْوَ فتبَصَّرتُ فلم أرَ كلْبًا وَلا جَرْوًا فقلتُ ما هاهنا جَرْوٌ فَقَالَ: أنتَ عِراقيّ أعطني تِلكَ القِثَّاءة.
وهذا كحديثه الآخر: أَنَّهُ أُتِي بقِناع رُطَب وأَجْرٍ زُغْبٍ4 وقد فسَّرهُ ابنُ قُتيبة5 في كتابه.
__________
1 في المشتبه /379: "السياري" بتشديد السين والياء مفتوحتين.
2 في القاموس "طن": الطن "بفتح الطاء": رطب أحمر شديد الحلاوة وفي اللسان "طن" قال أبو حنيفة: الطن بضم الطاء من القصب ومن الأغصان الرطبة الوريقة تجمع ونحزم ويجعل في جوفها النور أو الجني.
3 س: "فقال له".
4 أخرجه أحمد في مسنده 6/359.
5 في غريب الحديث لابن فتيبة 1/271: "وأخبرني السجستاني عن أبي زيد أنه قنع وهو الطبق الذي تجعل فيه الفاكهة أو غيرها ثم يأكلون عليه جمعه أقناع. وقال غيره عن أبي زيد: إنه يقال: القناع أيضا على ماجاء الحديث والزغب: القثاء.

(1/548)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَدُورُ رَحَا الإسْلامِ فِي ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ سَنَةً وَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الأُمَمِ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سِوَى الثَّلاثٍ وَالثَّلاثِينَ قَالَ: "نَعَمْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى السَّعْدِيُّ نا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ وَحَدَّثَنَاهُ سَوَادَةُ بْنُ عَلِيٍّ الأَحْمَسِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ نا شَاذَانُ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ2 عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُكْرِمٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "تَدُورُ رَحَا الإِسْلامِ بَعْدَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ بَقُوا بَقِيَ لَهُمْ دِينُهُمْ سَبْعِينَ عَامًا" 3.
قوله: تَدُورُ رحَا الإسْلام في ثلاث وثلاثين سنة مَثَلٌ يريد أن هذه المُدَّةُ إذَا انتهت حَدَث في الإسلام أَمرٌ عظيم يُخافُ لذلك عَلَى أهْلِه الهلاكُ. يُقالُ: للأَمر إذَا تَغَيَّر واسْتَحال قد دَارَت رَحَاه قَالَ الحُطيْئَةُ:
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 82- ب وأحمد في مسنده 1/390, 393 وأبو داود بنحوه في 4/98.
2 ت: "الربعي".
3 أخرجه أحمد 1/390.

(1/549)


وكنتُ إذَا دَارَت رحَا الأَمْر زُعْتُه ... بمَخْلُوجةٍ فيها عَنِ الأَمْر مَصرفُ1
المَخلُوجَةُ: الرأيُ.
وهذا والله أعلم إشارةٌ إلى انقضاء مُدَّةِ الخِلافَةِ واستِيلاء بني أميّة عَلَى المُلْك وكان استواءُ الأَمر لمُعاوية سَنَةَ الْجَماعة وهي السَّنةُ التي بايَعَه فيها الحَسَنُ بنُ عَلِيّ وذلك سنة إحدى وأربعين2 ولا يَزالُ النَّاس يُشَبِّهون صُروفَ الزَّمان3 وعُقَب الأَيَّام وانقلابَ الدُّوَل بالرَّحا الدّوَّارة والمَنْجَنُون المُنْقَلِب4 وهذا في كلامهم أكثُر من أن يُسْتَشْهَدَ لَهُ أو يُدَلَّ عَلَيْهِ.
وفيه وجه آخر وهو أن يراد بدَورِ الرَّحَا وقُوعُ الفِتَن وهَيْجُ الحُروب.
قَالَ الشّاعرُ يصفُ حَربًا:
فدَارَتْ رحانا واسْتَدارتْ رحاهُمُ ... سَراةَ النَّهارِ ما تُولَّى المناكِبُ
وقال أبو الغُول:
معاشرُ لا يَملّون المنايا ... إذَا دارَتْ رَحا الحَرْبِ الطّحُون
وقال زُهَيْر:
فتَعْرككُم عَركَ الرَّحَا بثِفَالها ... وَتَلْقحْ كِشَافًا ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِم5
وقوله: بقي لهم دينُهم سبعين سنَةً أي مُلكهم فكان مِنْ لدُنْ وَلِي معاويةُ إلى أن مَلكَ مَروانُ الَّذِي يُقال: لَهُ الحِمَار وظهر بخُراسَان أَمرُ أَبِي مُسْلم وَوَهَى أمْرُ بني أُميّة نحو من سَبْعين سنَةً. والدّين: المُلكُ والسُّلْطانُ. قَالَ الله
__________
1 س: "رعته" والمثبت من م والديوان /382.
2 كذا في تهذيب التهذيب 2/229 وفي الأصل سنة 33 خطأ.
3 س: "ضروب الزمان".
4 ت: "المتقلب".
5 الديوان /19.

(1/550)


تَعَالَى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} 1: أي في سُلطانه ومُلكه.
وقال الشاعر من أهلِ الرِّدَّة:
أطعْنَا رَسُولَ الله إذْ كَانَ حاضِرًا ... فيالهْفَتا مَا بَالُ دينِ أَبِي بَكْر
يُريُد مُلكَهُ. ويُرْوَى مُلكِ أَبِي بَكْر.
وقال الأمويُّ: يقالُ دِنْتُهُ أي ملكْتهُ. وأنشد للحُطَيئة:
لقد دينت أمر بنيك حَتى ... تركتَهُم أَدقَّ من الطَّحيْنِ2
يريد ملكت أمرهم
3وقد روي معنى ما تأولناه عن ابن مسعود.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِذَا كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ حَدَثَ أَمْرٌ عَظيِمٌ فَإِنْ يَهْلِكُوا فَبِالْحَرَى. وَإِنْ يَنْجُوا فَعَسَى فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ رَأَيْتُمْ مَا تُنْكِرُونَ4.
__________
1 سورة يوسف: 76.
2 الديوان /278 برواية:
فقد سوست أمر بنيك حَتى ... تركتَهُم أَدقَّ من الطَّحيْنِ
3 سقط من ط من هاهنا نحو ست وأربعين صفحة من حجم الفلوسكاب.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/375.

(1/551)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ وَفِتْنَتَهُ ثُمَّ خرج لحاجته فانتحب الْقَوْمُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَأَخَذَ بلجبتي الباب فقال: "مهيم" 1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في 11/391 بلفظ: "لحمتي الباب" وأحمد" في 6/455 بلفظ: "بلجمتي الباب" والطبراني كما في مجمع الزوائد 7/345 بلفظ: "لحمتي الباب" وانظر الفائق "لجف" 3/304.

(1/551)


أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ.
هَكَذَا قَالَ الأَصَمُّ: لَجْبَتَيِ الْبَابِ وَأُرَاهُ لَجْفَتَيِ الْبَابِ بِالْفَاءِ. وقد اختلف فيه فَقَالَ بعضهم اللّجاف والنّجافُ أُسكُفَّهُ1 الباب. وقال آخرون: اللجافُ ما يُجْعَلُ من الخشَب فوق الباب لِيُمْسِكَهُ وَيَرُدَّه والّذي أُرِيدَ بِهِ في الحديث إنّما هُوَ العَضادتان دون الأسْكُفَّة وَدون ما يجعل فوق الباب من الخشب واللَّجَفُ أيضًا ما تلجّف من الطِّين في أسفل الحَوضِ والبئرِ أي تقطَّع وتقلع منه. قَالَ الشاعرُ:
يَحُجُّ مَأمومةً في قعرها لَجَفٌ ... فاسْتُ الطَّبيِب قَذاها كالمغَاريد2
أي الكمأة3
واللّجَفُ أيضًا حجر ناتىء4 ربمّا تَعلَّقت بِهِ الدَّلوُ فتَقطَّعت قَالَ الشاعر:
الدلْوُ دَلْوِي إن نَجَت من اللَّجَفْ ... وإن نجا صاحبها من اللفف5
__________
1 كذا في ت وفي القاموس "سكف": الأسكفة خشبة الباب التي يوطأ عليها. وفي س, م, ح سكفة الباب.
2 اللسان "لجف" والبيت لعذار بن درة الطائي وجاء فيه: الجوهري: اللجف: حفر في جانب البئر ولجفت البئر لجفا وهي لجفاء وتلجفت كلاهما تحفرت وأكلت من أعلاها وأسفلها وقد استعير ذلك في الجرح.
3 من ت.
4 م: "حجر نات".
5 اللسان والتاج "لفف" دون عزو.

(1/552)


قَالَ الأصمعي: يقال بِئْر مُتَلَجَّفَةٌ قَالَ واللَّجفُ أيضًا سُرَّةُ الوادي قَالَ: وهو البُعْثطُ أيضًا. وَمَهْيَمَ كلمة استفهام واستخبار.

(1/553)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وهم يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهم يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي هُشَيْمَ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قوله: يُردّ مُشِدُّهم عَلَى مُضْعِفِهم معناه أنَّ مَنْ حَضَر الوقعة من ضَعيفٍ أوْ قويّ حَاز المغنم وكان أُسوةَ أصحابه لا يفَضَّل قويٌّ كَثُر بلاؤُه عَلَى ضعيفٍ يقالُ رَجُلٌ مُشِدٌّ إذَا كانت دوابُّهُ شديدةٌ قويةً ومُضْعِف إذَا كانت دوابُّهُ ضِعافًا. وفي بعض3 الحديث: أنَّ المُضِعف أميرُ الرُّفقة يُريدُ أنَّ على القوم أن يسيروا بسيره أنشدني أبو عُمَرَ:
عَهْدي بهمْ في الحي قد سندوا ... تهدي صِعابَ مَطيّهم ذُلَلُهُ4
وفيه من الفقه أنّ الجياد لا تُفضَّلُ في السهمان عَلَى المقارِيف. وقوله: ومُتَسَرِّيهم عَلَى قاعدهم معناه أن الخارج في السَّرية يَرُدُّ عَلَى القاعد ما يُصيبه منِ الغنيمة وهذا في السَّريّة يبعثُهم الإمامُ وهو خارجٌ إلى بلاد العدو فإذا غَنِموا شيْئًا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وبين أهلِ العَسكْر عامةً لأنهم ردء لهم فأما
__________
1 أخرجه أبو داود 3/80, 4/181. وابن ماجه 2/895 مختصرا.
2 م: "هشام" والمثبت من ت, س, ح.
3 م: "وفي الحديث".
4 هامش م: سندوا أي صعدوا في الجبل.

(1/553)


إذَا بَعَثَهم الإمام وهو مُقيم فإنّ القاعدَ معه لا يَشْرك الظاعنَ في المغنم فإن كَانَ الإمام جعل لهم نَفلَا لم يَشْركهمْ غيرهم في شيء من ذَلِكَ عَلَى الوجهين مَعًا وكان رَسُول الله يُنَفِّل السَّريَّة إذَا بعثهم في البدأة والرَّجْعَة وهو أن يجْعَلَ لهم شَطْرَ ما غَنِمُوه بعد الخُمس ليكونَ أنشطَ لهم في الغَزْو وأحرص عَلَى الجهاد.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ التَّمِيمِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدْأَةِ وَنَفَلَ الثُّلْثَ بَعْدَ الْخُمْسِ إِذَا قَفَلَ1.
ويشْبه أن يكون والله أعلم إنما فَضَّل العطاء في الرَّجْعَةِ عَلَى البَدْأة لقُوَّة الظَّهر عند دُخُولهم وضَعْفِه عند رجوعهم فَجعل المعونةَ لهم بإزاء المؤُونةِ عليهم.
وفيه من الفقه جوازُ أَمانِ العَبْد قاتل أو لم يقاتل.
__________
1 أخرجه أوب داود في 4/80 وابن ماجه 2/951 وأجمد 4/160.

(1/554)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا بَلَغَهُمْ خُرُوجُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بَدْرٍ يَرْصُدُونَ الْعِيرَ قَالُوا اخْرُجُوا إِلَى مَعَايِشِكُمْ وَحَرَائِثِكُمْ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا حُدِّثْتُ بِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْهُ.
الحرائثُ أنْضاءُ الإبل واحدتها حَرِيثَة وأصلُه في الخيل إذا هزلت.
__________
1 الفائق "حرب" "حرث" 1/274.

(1/554)


يقال: أَحرثْنا الخَيْلَ وحَرَثْنَاهَا أي هَزَلْنَاهَا وإنّما يُقالُ في الإبل أحرفْناها. يقال: ناقة حَرْفٌ أي هَزيل. ويقالُ سُمِّي حَرْفا لانحرافه عَنِ السّمن إلى الهزال. وقد تكون الحرائثُ يُرادُ بها المكاسب والمتاجر. والاحتراث اكْتِسابُ المالِ. قَالَ امرؤُ القَيْس:
ومنْ يحْتَرث حَرثي وحرْثَكَ يُهزَلِ1
وبعضهم يرويه إلى حرائبكم2 جمع حَرِيَبة. وحَرِيبةُ الرَّجل ماله الَّذِي يعيش بِهِ وهذا أشبه والله أعلم.
__________
1 الديوان/372 وصدره: "كلانا إذا مانال شيئا أفأته". ومن يحترث: أي من يفعل فعلي وفعلك.
2 النهاية حرب: وفي حديث بدر قال المشركون: اخرجوا إلى حرائبكم هكذا جاء في بعض الروايات بالباء الموحدة جمع حريبة وهو مال الرجل الذي يقوم به بأمره والمعروف بالثاء المثلثة: "حرائثكم".

(1/555)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قدموا على رسول الله قَالَ لَهُمْ: "أَمَعَكُمْ مِنْ أَزْوِدَتِكُمْ شَيْءٌ" قَالُوا: نَعَمْ. وَقَامُوا بِصُبَرِ التَّمْرِ فَوَضَعُوهُ عَلَى نِطَعٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِيَدِهِ جَرِيدَةٌ كَانَ يَخْتَصِرُ بِهَا فَأَوْمَأَ إِلَى صُبْرَةٍ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ فَقَالَ: "أَتُسَمُّونَ هَذَا التَّعْضُوضَ" قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. "وَتُسَمُّونَ هَذَا الصَّرَفَانَ" قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. "وَتُسَمُّونَ هَذَا الْبَرْنِيَّ" قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "هُوَ خَيْرُ تَمْرِكُمْ وَأَنْفَعُهُ لَكُمْ". قَالَ: فَأَقْبَلْنَا مِنْ وِفَادَتِنَا تِلْكَ وَإِنَّمَا كَانَتْ عِنْدَنَا خَصْبَةٌ نَعْلِفُهَا إِبِلَنَا وَحَمِيرَنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا عَظُمَتْ رَغْبَتُنَا فِيهَا ونسلناها1 حتى تحولت
__________
1 ت: "وتسائلنا" والمثبت من م, ح والنهاية "نسل" وجاء فيها: فنسلناها: أي استثمرناها وأخذنا نسلها وهو على حذف الجار أي نسلنا بها أو منها على نحو أمرتك الخير أي بالخير.

(1/555)


ثِمَارُنَا فِيهَا وَرَأَيْنَا الْبَرَكَةَ فِيهَا1.
حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ2 نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبْدِيُّ3 أَنَّ بَعْضَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ ذَكَرَهُ.
الخَصْبَة الدَّقَل نَوعٌ منه يُسَمَّى الخَصْب قَالَ الأعشى:
وكل كميت كجذع الخصا ... ب يَرْدِي عَلَى سَلِطاتٍ لُثُمْ4
قَالَ أبو عبيدة: الخِصَاب جمع الخَصْبة وهي الدقل.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/432, 4/206.
2 ت: "عن أبي خيثمة" والمثبت من م, ح, س.
3 م, ح: "العصري".
4 البيت في اللسان والتاج "خصب" وفي هامش م: سلطات: قوائم قوية تسلطه كأنها تلثم الأرض والبيت في الديوان /199 برواية: "كجذع الطَّرِيقِ".

(1/556)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَخَلَّفَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ إِذْنَ رَبِّهِ فِي الْخُرُوجِ اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرِهِ فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ عَلَيْهِ بَتٌّ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنِّي مُشِيرٌ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلامًا شَابًّا نَهْدًا ثُمَّ يُعْطَى سَيْفًا صَارِمًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَقْتُلُوهُ. ثُمَّ وَدَيْنَاهُ وَقَطَعْنَا عَنَّا شَأْفَتَهُ وَاسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَقَالَ: الشَّيْخُ هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْيُ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ2 حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابن عباس
__________
1 ذكره ابن هشام في السيرة 2/89, 90 في حديث طويل.
2 من م.

(1/556)


يُقالُ: شيخٌ جليل إذَا كَانَ مُسِنًا كبيرًا وقد جَلّ الرَجُلُ إذَا أسنَّ قَالَ كُثَيّر:
أصَابَ الرَّدى منْ كَانَ يَهْوَى لكِ الرَّدَى ... وَجُنَّ اللّواتي قُلْنَ عزَّةُ جُنَّتِ1
أنشَدَنيه بعض أصحابنا أنشدنا الدُرَيديّ قَالَ كَانَ الرَّياشي يرويه:
وجُنَّ اللواتي قُلْن عزَّةُ جَلَّت
أي أسَنَّتْ وَعَجَّزتْ وذلك أن النَّاس لاموه فيها وقالوا: ما تصنع بِهَا وقد كبرت وعجزت. وسائر الناس يروونه:
وَجُنَّ اللّواتي قُلْنَ عزَّةُ جُنَّتِ
ويقال أيضًا: للرَّجل الطويلِ القامة الجهير المنظَر جَلِيلٌ. وناقَةٌ جُلالَةٌ إذَا كانت قوية ضخمة. والبت كساءٌ غليظٌ مُربّعٌ. وقوله: غُلامًا نَهْدًا يريد القَوِيَّ الجَلْدَ وأكثرُ ما يوصفُ بِهِ الخَيْل. يقال فَرسٌ نَهْدٌ وهو الجَسيمُ المُشْرِفُ من الخيل.
__________
1 الديوان /107 والأغاني 9/29.

(1/557)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لأَبِيهِ قَالَ: "فَيَمْسَخُهُ اللَّهُ ضِبْعَانًا أَمْجَرَ ثُمَّ يُدْخَلُ فِي النَّارِ" 1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "فَيُحَوِّلُهُ اللَّهُ ذِيخًا" 2.
الأَوَّلُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ.
__________
1 الفائق "ضبع" 2/328 والنهاية "مجر" 4/299.
2 أخرجه البخاري 4/169.

(1/557)


وَالآخَرُ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الأمجر: العظيم البطن المهزول الجسم. ورواهُ أبوُ عبيدٍ ضِبْعَانًا أمْدَرَ. قَالَ والأَمْدَرُ العظيم البَطْن المنتفخ الجنْبيْن. قَالَ ويُقالُ الأَمْدَرُ الَّذِي قد تَتَّرب جَنْبَاه من المدَر. والذَّيخُ ذكَرُ الضِّبَاع. قَالَ كثيرٌ يصف ناقةً:
وذِفْرى ككَاهِل ذيْخ الخلي ف ... أصابَ فَريقَةَ لَيْلٍ فعاثَا1
والضِّبْعانُ الذّكَرُ من الضِباع. والضَبعُ الأُنثى وهذا كما قِيلَ للذكر من العقارب عُقْرُبَانٌ وَلِذَكَر الثعالب ثُعْلُبانٌ. قَالَ أبو عُمَر ورواه لنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ: فإذا هُوَ عَيْلامٌ أَمْدَرُ. قَالَ: والعيْلامُ ذَكَرُ الضِّباع وأنشد:
تَمُدُّ بالعِلْبَاءِ والأَخَادِع ... رَأسًا كعَيْلام الضباع الظالع2
__________
1 الديوان /212.
2 الفائق /328 برواية: "الضالع" بدل "الظَّالعِ".

(1/558)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُعَطَّلَ السُّيُوفُ مِنَ الْجِهَادِ وَأَنْ تُخْتَلَّ الدُّنْيَا بِالدِّينِ".
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: "وتُتَّخذُ السُّيوفُ مَنَاجِلَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ نا محمد بن بشر نا أَبُو عَقِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هريرة.
__________
1 أخرجه أحمد 2/482 برواية: "وتتخذ السيوف مناجل" والحديث في الفائق "ختل" 1/354 والنهاية "ختل" 2/9.

(1/558)


قوله: تُخْتَل الدُنيا بالدِّين يريد أنّها تُطلَبُ بعَمَل الآخِرة وأَصْلُ الخَتْل الخَدْعُ. يُقالُ خَتلْتُ الرجُلَ إذَا خَدعْتَه وأنشدني أبو عُمَر:
أدَوْتُ لهُ لأَخْتِلَه ... فَهَيْهاتَ الفَتَى حَذِرُ1
ويقالُ: ختَلْتُ الصَيْدَ إذَا أتَيْتَه من حيث لا يَراكَ ومثله درَيْتُ الصَّيْدَ. قَالَ الشَّاعر:
فإن كنتُ لا أَدْري الظِّباءَ ... فإنَّني أَدُسُّ لها تحْتَ التُرَابِ الدّوَاهِيا2
وقال الأَخْطَلُ:
وإن كُنتِ قد أقْصَدْتِني إذْ رَمَيْتِني ... بسَهْمَيك والرَّامِي يُصِيب3
وما يَدْرِي يُريدُ أنّه قد يُصيب الرَّمية من غير أن يَخْتِل ومنه قولهم يُصِيبُ وما يَدْري ويُخْطِئُ إن دَرَى ويُرْوَى يَصِيدُ وما يَدْري.
وقوله: تُتَّخذ السّيوفُ مناجِلَ يرِيدُ أنّ الناس يَتْركُون الجهاد ويَشْتَغِلون بالحرث والزراعة.
__________
1 اللسان والتاج "أدو" برواية: "أدوت له لآخذه".
2 اللسان والتاج "درى" من غير عزو.
3 شعر الأخطل /179 برواية:
وإن كنت قد أصميتني إذ رميتني ... بسهمك فالرامي يصيد ولا يدري

(1/559)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ نَاوَلَهُ الْحَرْبَةَ فَلَمَّا أَنْ أَخَذَهَا انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً فَتَطَايَرْنَا1 عَنْهَا تَطَايُرَ الشعارير عن ظهر البعير2.
__________
1 م, ح: "تطايرنا".
2 الفائق "شعر" 2/348 والنهاية "شعر" 2/480.

(1/559)


أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِي الشَّجَرِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: شَكَكْتُ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ وَأَثْبَتَهُ لِي عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
الشَّعاريرُ أصلها المتفرّقة. يقال: تفرّقوا شَعَارِيرَ وشَعَالِيلَ. والعرب تَقُولُ: في التَّفرُّق والتَّشَتُّتِ ذهبوا شَعَارِيرَ بِقنْذَحْرَةَ ومثلُه شَعَارِيرَ بِقِذَّان2 عَنْ أَبِي عَمْرو بْن العلاء.
وإنما أراد بالشَّعَارِير ما يجتمعُ عَلَى دَبَرة البَعِيرِ من الذِّبَّانِ فإذا هُيِّجَتْ تطايَرت عنها وتَفَرَّقت. والشَّعْراءُ3 ذُبابُ الكَلْب ويُجْمَعُ عَلَى الشُّعْر.
__________
1 من ت, م.
2 في اللسان "شعر": ذهبوا شعاليل وشعارير بقذان وقذان متفرقين واحدهم شعرور وكذلك ذهبوا شعارير بقردحمة. قال اللحياني: أصبحت سعارير بقردحمة وقردخمة وقندحرة وقندحرة وقدحرة معنى كل ذلك بحيث لا يقدر عليهما يعني اللحياني أصبحت قبيلة.
3 اللسان "شعر": أبو حنيفة: الشعراء نوعان للكلب شعراء معروفة وللإبل شعراء. فأما شعراء الكلب فإنها إلى الزرقة والحمرة ولا تمس شيئا غير الكلب. وأما شعراء الإبل فتضرب إلى الصفرة وهي أضخم من شعر الكلب ولها أجنحة وهي زغباء تحت الأجنحة. قال: وربما كثرت في النعم حت لا يقدر أهل الإبل على ان يحتلبوا في النهار ولا أن يركبوا منها شيئا معها فيتركون ذلك إلى الليل وهي تلسع الإبل في مراق الضلوع وما حولها وما تحت الذنب والبطن والإبطين وليس يتقونها بشئ إذا كان ذلك بالقطران وهي تطير على الإبل حتى تسمع لصوتها دويا والجمع من كل ذلك شعار.

(1/560)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "النَّاسُ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَة وَلا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ مِثْلَ الَّذِي تَرَى لَهُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلانِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَيُّوبَ الْحَوْرَانِيُّ نا بَكْرُ بْنُ سُلَيْمٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ.
قوله: "كأَسْنان المُشْط" مَثَلٌ والمعنى أَنّهم سَواء في أصْل الخِلْقَة والجِبِلَّة كما أنّ أَسنانَ المُشْط سواء لا يَفْضُلُ سِنٌّ منها سنًّا2. ويُقال في وجهٍ آخر هم كأسْنان الحِمَار وذلك في الذَّمِّ لا غير. قَالَ الشاعر:
سَوَاسِيَةٌ كأسْنَان الحِمَار3
فأما قوله: الناسُ كإبِلٍ مائةٍ لا تكاد تجد فيها راحلة4 فمعناه أنهم مُتَساوون في الحُكْم لا فَضْل لشَرِيف عَلَى مَشْرُوفٍ ولا لِرَفيعٍ عَلَى وَضِيع.
وقوله: "لا خَيرْ في صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ مِثْلَ الَّذِي ترى له" يُتَأَوّلُ عَلَى وَجْهَين أحدهما أن يكون حذَّرَه صُحْبَةَ مَنْ يذهب بنَفْسه تِيهًا وكِبْرًا فلا يَرَى لأحدٍ عَلَى نَفْسه حَقًا.
والوَجْهُ الآخرُ أن يكون حَثَّه بذلك عَلَى شُكْرِ العارفة والمُكافأةِ عَلَى
__________
1 ذكره السيوطي في اللآلئ 2/290. وعزاه لحسن بن سفيان في المسند والدولابي في الكنى وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 3/80 من حديث أنس وعزاه لابن عدي. وهو مثل في مجمع الأمثال 2/340 والمستقصي 1/352.
2 ح: "لا يفضل شئ منها سنا".
3 اللسان والتاج "سوا" وصدره: "شبابهم وشيبهم سواء" ولم يعز.
4 أخرجه البخاري 8/130 ومسلم 4/1973 وابن ماجه 2/1321 وأححمد 2/7.

(1/561)


الإحْسان كأنّه قَالَ: لا خيرَ لك في صُحْبَة مَنْ لا يرى لك عنده من الصنيعة مِثَل الَّذِي تراه لَهُ عندك يُريدُ لا تَرْضَ بأن تكون مَغْمُورًا بِبِرِّ من تَصْحَبُه حتّى تُنيلَه من بِرِّك مثْل ما تَنَالُ من بِرِّهِ وعلى هذا المعنى يُتأوَّلُ قَولُ جرير بْن الْخَطَفي:
وإنّي لأستَحِيي أخي أَن أَرَى لَهُ ... عَليَّ من الحَقَّ الذي لا يرى ليا1
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط / بيروت. وفي الديوان قصيدة على الوزن والقافية.

(1/562)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَبُوهُ: "رَجُلٌ طُوَالٌ مُضْطَرِبُ اللَّحْمِ طَوِيلُ الأنْفِ كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ فِرْضَاخِيَّةٌ عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ" 1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ نا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ2 يقال: رجل فِرضاخٌ وامرأةٌ فِرْضاخَةٌ. والفِرضاخُ الكثير اللحم العريض الصدر.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/40, 49.
2 من ت, م.

(1/562)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرٍ عَلَى أَنَّ لَهُ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ وَالْحَلْقَةَ فَإِنْ كَتَمُوا شَيْئًا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ فَغَيَّبُوا مَسْكًا لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَوَجَدُوه فَقَتَلَ ابْنَ أَبِي الحقيق وسبى ذراريهم1.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/157.

(1/562)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ1 نا أَبِي نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
الصَّفراء الذَهَبُ. والبيضاءُ الفِضَّةُ. ويُقالُ ما لِفُلان صَفراءُ ولا بيْضاء. والحَلْقَةُ الدُّروعُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرب:
قَوْمٌ إذَا لبسوا الحدي ... د تنمروا حَلَقًا وقِدَّا2
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى الْيَهُودِ إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْلا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ فِي شَيْءٍ3.
فالحَلْقَةُ: الدُّرُوعُ والخَدَمُ الخلاخِيلُ واحدَتُها خَدَمَة. والمُخدَّمُ موضع الخَلْخَالِ من السَّاقِ. وقوله: فَغَيَّبُوا مَسْكًا لِحُيَيّ فإنَّ محمَّد بْن يحيى الشّيْبانِيّ أخبرني عَنِ الصائغ عَنْ إبراهيم بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَ من مالِ أَبِي الحُقَيق كَنْزٌ يُسمَّى مَسْك الحَمَل كَانَ يَلِيه الأكبرُ فالأكبرُ منهُم وإنّهم غَيَّبوه وكَتَمُوه فقتلهم رَسُولُ الله بنقضهم العهد.
__________
1 ت: "هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزرقان أبي" وفي م: "هارون بن يزيد عن أبي زرقاء". وفي تقريب التهذيب 2/311: هارون بن أبي زيد بن أبي الزرقاء التغلبي أبو محمد الموصلي مات سنة 250هـ. وفي سنن أبي داود مثل ماجاء في المتن.
2 اللسان والتاج "نمر" وشعر عمرو بن معد يكرب ط دمشق/64.
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/358 وأبو داود في الخراج والإمارة والفئ 3/156 حديث طويل.

(1/563)


ورَوَى الواقديُّ عَنْ أَبِي مَعْشَر قَالَ: مَسْكُ الحَمَل كَنْزُ آل أَبِي الحُقَيْق وحُلِيٌّ من حُلِيّهِم كَانَ يكونُ في مَسْك حَمَلٍ ثُمَّ في مَسْك ثَوْرٍ ثُمَّ في مَسْكٍ جَمَلٍ. وكان العُرْسُ يكون بمكّة فيُسْتعار مِنهم ذَلِكَ الحُلِيّ قَالَ: الواقدي وقد قوّموه1 نحو عشرة آلاف دينار.
__________
1 م: "قدموه".

(1/564)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأكْوَعِ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ الْحُدَيْبِيَةَ فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى جَبَاهَا فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا قَالَ ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسُّونَا الصُلْحَ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَاصْطَلَحْنَا1. فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ.
يَرْوِيهِ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الأصمعيُّ: الجَبَا ما حَوْل البِئْر مَقْصُورا. والجِبَا بالكَسْر ما جَمعْتَ فيه الماء. قَالَ رؤبة:
ذَاكَ وغَمْراتٌ جِباها مُتْرَع2
وأنشدنا ابن الأعرابي أنشدنا ابن أَبِي الدنيا:
إذَا المَرْءُ جازَ الأَرْبَعيْنَ فَقُلْ لَهُ ... بَلَغْتَ مَدَى الشُبَّان ويْحَكَ فاحْذَر
فإِنَّك لا تَدْرِي متى أنْتَ وارِدٌ ... جَبَا مَنْهَلٍ جَمِّ الشَّريعَة أكْدَر
وقولهُ: راسّونا الصُلْحَ أي راودونا الصُّلْحَ. قَالَ: أبو زَيْدٍ يقال:
__________
1 أخرجه مسلم في 3/1433.
2 لم أقف عليه في الديوان وفي ملحقه /177 قطعة على الوزن والقافية ليس فيها هذا البيت.

(1/564)


رسَسْتُ بين القوم أَرُسّ رَسًّا إذَا أصلحْتَ بينهم ومثله أسْمَلْتُ بين القوم إسْمالا. قَالَ الأصمعيّ ومثله أسوت بينهم آسو أَسْوًا. وقال الكسائي سَملْتُ بين القوم وسَممْتُ إذَا أصْلَحْتَ بينهم. قَالَ الكُمَيْتُ:
وتنْأَى قُعورُهم في الأمو ... ر عَلَى من يَسُمُّ ومَنْ يَسْمُلُ1
__________
1 الديوان 2/18 وفي اللسان والتاج "سم".

(1/565)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ الصَّلاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ2 النَّجَّادُ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ نا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ نا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
هذا يُتأوَّل عَلَى وجهين:
أَحدُهما أن يكون في مَمَالِيك الرَّقِيق أَمَر بالإحسان إليهم. والتَّخْفِيف عنهم.
والوَجْه الآخرُ أن يكون ذَلِكَ في حُقُوقِ الزَّكاةِ وإخراجِها من الأَمْوال التي تَمْلكُها الأَيْمانُ عَلَى مُشَاكَلة قَولِه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3.
وقد يكون عَلِم بما أَطْلَعَه اللهُ عَلَيْهِ من غيبه وأوحى إليه
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/900 والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 1/319.
2 في بعض النسخ أحمد بن سليمان والمثبت من س, ح وفي لسان الميزان 1/180: أحمد بن سليمان بن الحسن بن اسرائيل بن يونس أبو بكر النجاد الفقيه الحنبلي المشهور توفي سنة 348هـ.
3 سورة البقرة: 110.

(1/565)


من أمره أَنَّ العَربَ تُنكِرُ الزَّكاةَ وتمتنعُ من أَدائِها إلى القائِم من بعده وتَفزَعُ في ذَلِكَ إلى الشُّبْهة التي قد تَعلَّق بها أَهلُ الرِّدَّة فاحتجّوا بها عَلَى أَبِي بَكْر فقالوا إنَّ فرْض الزَّكَاةِ قد انْقَطَع بموت رسول الله وأنّه لَيْس للقائِم بعدَه أَخْذُها لأنّ الخِطابَ في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 1 خارجٌ مَخرَجَ الخُصُوصِ لَهُ وأَنّ غيره من أمّته لا يتَّسِعُ للتَّطْهِير والتَّزكِية ولذلك يَقُولُ شاعِرُهم:
أَطْعنا رَسُولَ الله ما كَانَ بيننا ... فَوا عجبا ما بال مُلْك أَبِي بَكْر2
فقَطَع رَسُولُ الله دَعْواهم هذه بأن جَعَل آخرَ كلامِه الوَصِيَّةَ في الصّلاة خَلْفَ الأئِمّة بعدَه وأداءَ الزكاة إليهم وعَقَل أبو بَكْر هذا المعنى من الآية والخَبَر فاحتجّ بِهِ عَلَى الصَّحابة فَقَالَ: والله لأُقاتِلَنّ مَنْ فَرّق بين الصلاة والزكاة.
__________
1 سورة التوبة: 103.
2 سبق هذا البيت لوحة 205.

(1/566)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأكْوَعِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَرَأَيْنَا رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ قَالَ: فَخَرَجَ نَاسٌ فِي أَثَرِهِ وَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ1 مِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ وَأَنَا عَلَى رِجْلِي فَأَعْتَرِقُهَا حَتَّى آخُذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَأَضْرِبُ رَأْسَهُ فَنَفَّلَنِي رَسُولُ الله سَلَبَهُ2.
يَرْوِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكوع3 عن أبيه.
__________
1 م: "من قومي".
2 أخرجه مسلم 3/1374 وأبو داود 3/49 وأحمد 4/50, 51 بدون لفظ: "فأعترقها".
3 من م, ح.

(1/566)


قوله: أعترقها لَسْتُ أدرِي كيف الرِّواية في هذا الحرف بالعَيْن أو بالغَيْن فإن كانت بالغَيْن مُعجمةً كَانَ معناه أنّه سَعَى شَدًّا عَلَى رِجْله حتى تَقدَّمها فأخذ بخِطام الجمل. يُقال: للفرس إذَا خالطَ الخَيْل ثمّ سَبقَها قد اغْتَرقَها. وإنْ كانت الرِّواية بالعَيْن فمن قولهم: عَرَق الرَّجلُ عُروقًا في الأرض إذَا ذَهَب وَجَرت الخيْلُ عَرَقًا أي طَلَقًا وعلى هذا تأوَّل ابنُ دُريد قَولَ قَيسِ بْنِ الخَطيم:
تَعْتَرقُ الطَّرْفَ وهْيَ لاهَيةٌ ... كأنَّما شَفَّ وَجْهَهَا نزَفُ1
زعم2 مَبْرمانُ النَحْويُّ أنّه أَنشدهم هذا البَيْتَ تَعْتَرِقُ بالعيْن غيرِ مُعجمة يريد أَنَّها تَسْبِق نَظَر العَيْن وتَفُوتُه فلا يَقْدر عَلَى استِيفاءِ مَحاسِنها. قَالَ: والروايةُ الصحيحةُ تَغْتَرِقُ بالغيْن مُعجمة ورِوَايةُ ابنِ دُرَيد تَصْحيف
وقال المُفجَّع يذكرُ ذلِك في أشياء زعم أن صَحّفَ فيها:
ألَسْتَ قِدْمًا جعَلْتَ تعترق الط ... رف بِجَهْلٍ مَكَانَ تَغْتَرِقُ
وقُلْتَ كَانَ الخِباءُ من أَدَمٍ ... وهو حِباء يُهدَى ويُصْطَدَقُ3
يُرِيدُ قَولَ مُهلهِل بْن ربيعة:
أنكحَها فَقْدُها الأراقَم في ... جَنْبٍ وكان الحِبَاءُ مِنْ أدَم
زعم أَنَّهُ أنشدهم البيت بالخاء وإنما هُوَ الحِبَاء بالحاء وهو عَطِيّة الصَّدَاق وكان مُهَلهل نَزَل في آخر حَرْبِ البَسُوسِ في جَنْب ابنِ عَمْرو وهو
__________
1 الديوان /55.
2 م: "حكى" وفي ت: "يحكى".
3 في هامش م: "يصطدق من الصداق.

(1/567)


حَيٌّ من أحياء مَذْحِج وضِيعٌ فخُطِبَتِ ابنَتُهُ ومُهِرَتْ أَدَمًا فلم يقدِرْ عَلَى الامْتَناع فزوَّجَها. وقال:
أنكحَها فَقْدُها الأراقَم في ... جَنْبٍ وكان الحِباءُ مِن أدَمِ
لَوْ بأبا نين جاء خاطِبُها ... ضُرِّجَ ما أَنْفُ خاطب بِدَمِ1
والأَراقُم قَبِيلةٌ من تَغْلِب سموا أراقم لأن أعينهم شبهت بعيون الأراقم. وهي الحيات.
__________
1 اقتصر اللسان والتاج "ضرج" على البيت الثاني والبيت الأول في اللسان والتاج "جنب, رقم" برواية: زوجها بدل: أنكحها.

(1/568)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ حُميدَ بْنَ ثَوْرٍ الْهِلالِيَّ أَتَاهُ حِينَ أَسْلَمَ فَقَالَ:
أصْبَحَ قَلْبِي مِنْ سُلَيْمَى مُقْصِدَا ... إِنْ خَطَأَ مِنْهَا وَإِنْ تَعَمَّدَا
فَحُمِّلَ الْهَمُّ كِلازًا جَلْعَدَا ... تَرَى الْعُلَيْفيَّ عَلَيْهِ مُؤَكَّدَا
وَبَيْنَ نِسْعَيْهِ خِدَبًّا مُلْبِدَا ... إِذَا السَّرَابُ بِالْفَلاةِ أَطْرَدَا
وَنَجِدَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَرَّدَا ... تَورُّدَ السِّيِّدِ أَرَادَ الْمَرْصَدَا
حَتَّى أَرَانَا رَبُّنا مُحَمَّدَا1
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ نا يَعْلَى بْنُ الأَشْدَقِ2 قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الهلالي.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/125 وعزاه للطبراني وذكره الحافظ في الإصابة 1/365 وقد قال: روى ابن شاهين والخطابي في الغريب والعقيلي في الضعفاء والطبراني كلهم من طريق يعلى ابن الأشدق. والرجز في الديوان /77, 78 ويروى أنه لما أسلم أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنشده إياه.
2 ت: الأشرف "تحريف" والمثبت من م, ح.

(1/568)


يُقالُ: أقْصَدْتُ الرَّجُلَ إذَا طعَنْتَه فلم تُخْطِ مقاتلَه. قَالَ الشاعرُ:
وإن كُنتِ قد أقْصَدْتِني إذْ رَمَيْتِني ... بسَهْمَيك والرَّامِي يُصِيب وما يَدْري1
وقوله: فَحُمِّل الهَمُّ هكذا أنشدوه2 بكَسر الهاء. والهِمُّ الشَيْخُ الفاني والهِمُّ الجَملُ أيْضًا. والكِلازُ المُجْتِعُ الخَلْقِ. يقال اكْلأَزَّ الرَّجُلُ إذَا تقبّض وتجمَّع. قَالَ الشاعر:
أَقْولُ وَالنّاقَةُ بي تقحَّمُ ... وأنا منها مُكْلَئِزٌّ مُعْصِمُ3
والجَلْعَدُ: الغَلِيظ الضَخْمُ. قَالَ الهُذَليُّ:
أَرَى الدَهْرَ لا يَبْقَى عَلَى حدثانه ... أَبُودٌ بأطْرَاف المنَاعَة جَلْعَدُ4
والعُليْفيُّ: الرجُلُ منسوبٌ إلى قَوْمٍ كانُوا يعملون الرِّحالَ. يقال: لهم بنو عِلافِ قَالَ النابغة:
شُعَبُ العِلافِيَّات بَيْن فُروجِهم ... والمُحْصنَات عَوازِبُ الأَطْهار5
يريدُ أنّهم اختاروا الغَزْوَ عَلَى النِّساء.
قَالَ ابنُ الكَلِبيّ: أوّلُ من عَمِل الرِّحالَ عِلافٌ وهو زَبّانُ أبُو جَرْمٍ ولذلك قِيلَ للرِّحَال عِلافيَّةٌ
والمؤكَدُ الموثَّقُ الشَّدِيدُ الأَسْر ويروى:
__________
1 سبق في لوحة 209.
2 م: "أنشده الراوي".
3 اللسان والتاج "قحم, كلز" ولم يعز.
4 شرح أشعار الهذليين 3/1170 وهو لساعدة بن جؤبة الهذلي. والأبود: الأبد وهو المتوحش والجلعد: الغليظ والمناعة: بلد.
5 الديوان /107.

(1/569)


تَرَى العُلَيْفيَّ عليْه مُوفِدَا
ومعناه مُشْرِفا. والخِدَبُّ الضّخْمُ يريد بِهِ سَنامَه أو جُفْرةَ جَنْبَيْه. والمُلبِدُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ لِبْدةٌ من الوَبَر. ويُقالُ اطّردَ السَّرابُ إذَا خَفَق ولَمَع. وقوله: نَجِدَ الماءُ أي سال العَرقُ. يُقال نَجِدَ يَنْجَدُ نَجَدًا قاله الأصمعيُّ وغيره وأراد بالماء الَّذِي تورّدَ العَرقَ الّذي يَسيلُ من ذِفْرَيَيِ1 البَعِير أسْود فيَقْطُر ثُمَّ يصفَرُّ وتورُّدُه تلونه شبه تلونه بتلون السِّيد وهو الذئْب إذَا تلوّن فجاء من كل وَجْه. وقَولُ الله تَعَالَى: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 2 من هذا.
__________
1 س, ح: "ذفري".
2 سورة الرحمن: 37.

(1/570)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا الْعَطَاءَ مَا كَانَ عَطَاءً فَإِذَا تَجَاحَفَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْمُلْكِ وَكَانَ عَنْ دِينِ أَحَدِكُمْ فَدَعُوهُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ2 نا سُلَيْمَانُ أَوْ سُلَيْمُ بْنُ مُطَيْرٍ الشَّكُّ مِنِّي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ وَادِي الْقُرَى. حَدَّثَنِي أَبِي مُطَيْرٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهَ يَقُولُ ذَلِكَ.
قولُه: تجاحَفَتْ مَعْنَاه تنازَعَت المُلْكَ وتَقاتلَتْ عَلَيْهِ. ومنه قولهم أَجْحفَت بنا السَّنَةُ أي أذهبَتِ المالَ وأَضَرَّت بِهِ. قَالَ الأصمعيّ يُقال سيْلٌ جُحافٌ وجُرافٌ وهو الَّذِي يذهب بكلّ شيء. قَالَ امرؤُ القَيْس:
__________
1 أخرجه أبو داود في كتاب الخراج 3/138.
2 في التقريب 1/14: أحمد بن أبي الحواري. هو ابن عبد الله بن ميمون. وفي التهذيب 1/26مات 246هـ.

(1/570)


لها عجز كصفاة المسي ... ل أبرز عنها الجحاف المضر1
__________
1 الديوان /164 برواية: "جحاف مضر".

(1/571)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ يُجْرَحْ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَتَشَلْشَلُ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ" 1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: يتشلشل معناه يتَقاطَرُ دَمًا. قَالَ ذُو الرمة:
__________
1 أخرجه البخاري في 4/22 والترمذي في فضائل الجهاد 4/184 وابن ماجه في الجهاد 2/934 بنحوه بدون لفظ: "يتشلشل".
2 الديوان /1 واللسان والتاج "متشلشل".

(1/571)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا تُحَرِّمُ الْمَلْحَةُ وَالْمَلْحَتَانِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ.
المَلْحَةُ بالحاء الرَّضْعَةُ الواحِدَة. والمِلْحُ الرَّضاعُ. قَالَ أبو الطَّمحان القينيّ:
وإنّي لأَرْجُو مِلْحَها في بُطُونِكم ... وما بَسَطتْ من جلْد أَشْعَثَ أغبرا2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 7/469 بلفظ: "المللجة والملجتان".
2 اللسان والتاج "ملح" وجاء في اللسان: وكانت له إبل يسقي قوما من ألبانها ثم إنهم أغاروا عليها فأخذوها.

(1/571)


وكانوا أغاروا عَلَى إِبِله يَقُولُ أرجو أن يعطِفكم ما شَرِبْتُم من ألبانِها وتَرعَوْن لي حُرْمَةَ ذَلِكَ فتردُّونَها وقال آخر:
لا يبعد الله رب البلا ... د الملح ما ولَدَتْ خالدَه1
وقال عَمْرو بْن سعيد لعبد الملك يوم قَتَلَه: أذكِّرُكَ مِلْحَ فلانةَ يعني امرأَةً أرْضَعَتْهما معًا. والمِلْحُ الشَّحْمُ أيضًا. قَالَ مِسْكِينٌ الدارميّ:
لا تَلُمْها إنَّها من أمَّةٍ ... مِلْحُها مَوْضُوعَةٌ فوْقَ الرُّكَبْ2
وقال الأصمعيُّ: بعير مملَّح إذَا كَانَ فيه شيء من شَحْم. وقال عُرْوَةُ:
عشية رحنا سائرين وزادنا ... بقية شحْمٍ من جَزُورٍ مُمَلّح3
فأمَّا المَلْجَةُ بالجيم فهي المَصَّة. يُقالُ مَلَجَها ومَلَقَها ولا يُقالُ ملَحها من المِلح إنّما يُقالُ مَلَحتْ بِهِ إذَا أَرضَعَتْه.
وفي الحديث من الفقْه أَنَّ الرَّضْعة والرَّضْعتيْن لا تُوِقع الحُرْمة.
وفي بعض الرِّوايات: "لا تُحَرِّمُ الخَلْجَةُ والخَلْجتان" وأَصْل الخَلْج النَّزْع وكل قليل من الماء نُزِع عَنْ كثير فقد خُلِج منه ومن هذا خليج البحر4.
__________
1 اللسان والتاج "ملح" دون عزو.
2 ت: "إنها من نسوة" والبيت في اللسان والتاج "ملح".
3 م, والديوان /41 برواية: "بقية لحم" بدل "بقية شحم" والشاعر هو عروة بن الورد العبسي وروى الشطر الأول:
ينئون بالأيدي وأفضل زادهم
4 من ت, م.

(1/572)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ خَيْلًا أَغَارَتْ عَلَى سَرْحِ المدينة فخرج رسول الله وَجَاءَ أَبُو قَتَادَةَ وَقَدْ رَجَّلَ شعره فقال رسول الله: "إِنِّي لأَرَى شَعْرَكَ حَبَسَكَ" فَقَالَ: لآتِيَنَّكَ بِرَجُلٍ سَلَمٍ1.
يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قَوْلُهُ: سَلَم أي أَسِير وإنّما قِيلَ للأَسِير سَلَمٌ لأنّه قدْ أسلم وخذل. قال الفرزذق:
وقُوفًا بها صَحْبي عليَّ كَأنَّني ... بها سَلَمٌ في كفّ صَاحبِه ثَأرُ2
ومِثْلهُ: قَوْمٌ سَلمٌ الواحِدُ والجَمِيع سواءٌ قَالَ الشاعرُ:
فاتَّقَيْن مَرْوانُ في القَوْمِ السَّلَمْ
وهذا كما قِيلَ: رَجُلٌ خَصْمٌ وقَوْمٌ خَصْمٌ ورَجُلٌ عَدُوٌّ وقَوْمٌ عَدُوٌّ قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} 3. ويُقال: إنَّما سُمِّي اللَّدِيغُ سَليمًا لأنّه مُسْتَسْلِم لِمَا بِهِ.
أخبرني أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ سَأَلْتُ أَبَا المُكارِم عَنِ السَّلِيم فَقَالَ سُمِّي سِليمًا لأنّه مُسْتَسْلِمٌ لِما بِهِ. قَالَ وسُمِّيَتْ مَفازة لأن من قطعها فازَ بالحياة.
وقال بعضُهم: إنّما سُمِّيت مفَازةً من قولهم فوْزَ الرجلُ إذَا مات يريد أنّها مَهلكةٌ وأَنشدَ قولَ الكُميتِ:
وما ضرَّني أنَّ كَعْبًا ثَوى ... وفوّزَ مِنْ بَعْده جَرْوَلُ4
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في 5/319.
2 الديوان 1/253.
3 سورة الكهف: 50.
4 الديوان 2/26 برواية: "وماضرها".

(1/573)


فأما عامَّة أهل اللغة الأَصمَعِيُّ وغيره فإنَّهم قَالُوا سُمِّي سليمًا عَلَى مذهب التَطيُّر لِيَسْلم كما سُمَّيَتْ مفازةً ليَفُوزَ.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ أَخَذَ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَلَمًا1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ أنا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ.
مَعْنَاهُ أَنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَمِنْهُ قَولُه تَعَالَى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} 2 أي المقادة واستسلموا لكم.
__________
1 أخرجه مسلم في الجهاد والسير 3/1442 وأبو داود في الجهاد 3/61 والترمذي في التفسير 5/386 وأحمد في مسنده 3/290.
2 سورة النساء: 90.

(1/574)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ" قِيلَ وَمَا الْقُسَامَةُ قَالَ: "الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ نا الزَّمَعِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
المُحدِّثُون يقولون القَسامَة بفتْح القَافِ والقَسامَةُ من قسم اليمين وإنما هي القُسَامة بضمّ القاف وهو ما يأخذهُ القَسَّامُ لأُجْرته فيَعْزَل من رأسِ المالِ جُزْءًا معلومًا لنفسه كالسُّقاطَةِ اسْمًا لِما يَسْقُطُ والنُّشَارة لِما يُنشَر والنُّحاتَةُ لما يُنْحتُ والبُراية لِما يُبْرى وإنّما المكروه من ذَلِكَ ما يُقْتات بِهِ على أرباب المال من غير إذن منهم فيه عَلَى ما تواضعه الباعة وارتسمه
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/91.

(1/574)


السَّماسرة فيما بينهم من أَخْذهم من عُرْضِ المالِ شَيئًا مَعْلُومًا من كلّ ألْفِ درهم عشرين درهمًا أو نحوها وإنّما يلزَمُ في هذا أجرُ المِثْل بالغًا ما بلغ ولا أعلم أحدا كَره أُجْرةَ القَسَّامِ إلا ما يُرْوَى عَنْ بَعْض السَّلَف إنّه كَانَ يذهب في ذَلِكَ إلى أنّها لا تَحِلّ من أجْل أنّه زعم كالحاكم وإنّما أَجرُه في بيت المال.

(1/575)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ فَقِيلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ مِنْ أَطْوَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلاةً فَأَتَاهُ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَنَشَلَهُ نَشَلاتٍ وَقَالَ: "إِنَّ هَذَا أَخَذَ بِالْعُسْرِ وَتَرَكَ الْيُسْرَ" ثَلاثًا ثُمَّ دَفَعَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ 1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأَدْرَعِ.
قوله: نَشَله نَشَلاتٍ أي جَذَبَه جَذَباتٍ وبه سُمِّي المِنْشَلُ وهي الحديدة التي يُخرجُ بها اللّحْمُ من القدر.
__________
1 أخرجه أحمد 4/338, 5/32 بسياق آخر.

(1/575)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرٍ وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا وَكَانَ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو2 مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أنس بن مالك يذكره.
__________
1 أخرجه البخاري في 3/110, 4/43, 5/172, 997. وأحمد في 3/159.
2 م: "عمرو بن أبي عمر" والنثبت من س, ت, ح.

(1/575)


قوله: يُحَوّي هُوَ أن يُديرَ كِساءً حَوْلَ سَنامِ البَعِير ثُمَّ يركبُ وهو الحَوِيَّة. قَالَ الأصْمعيُّ: والسَّوِيّة كِساءٌ مَحْشُوٌّ بثُمامٍ أو ليفٍ أو نحوه يُجْعَل عَلَى ظَهْر البَعِير.
وفي قصّة بَدرٍ أنّ أَبَا جَهْلٍ بعث عُمَير بْن وَهْب الجُمحيَّ لِيَحزُرَ أصحابَ رسول الله فأطاف عمير برسول الله فلما رجع إلى أصحابه قَالَ: رأيْتُ الحَوايَا عليها المنايا نواضحُ يثرب تحمل الموت الناقع1.
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/269 بلفظ: " ... البلايا تحمل المنايا ... ".

(1/576)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الأَشْرَفِ عَاهَدَهُ أَنْ لا يُعِينَ عَلَيْهِ وَلا يُقَاتِلَهُ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ المدينة معلنا معاداة النبي فَخَزَعَ مِنْهُ هِجَاؤُهُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السلام حين يقول:
أذاهب أن لَمْ تَحْلُلِ بِمَرْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ
فِي أَبْيَاتٍ1 فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ2.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ أَرَاهُ ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قوله: فخزع منه هجاؤه للنبي أي قطع ذِمَّتَه وعَهْدَه هِجاؤُه للنّبيّ عَلَيْهِ السلام. يقال خَزَعَني ظَلَعٌ في رِجْلي أي قَطَعَني عَنِ المشْي وانْخزعَ فُلانٌ عنّا أي انْقَطَع. قَالَ حَسَّانُ بْن ثابت:
__________
1 من م.
2 الفائق "خزع" 1/367 والنهاية "خزع" 2/28.

(1/576)


فلّما هبَطْنا بَطْنَ مَرٍّ تَخزّعَتْ ... خُزاعةُ عَنَّا في حُلُولٍ كراكِرِ1
قوله: تخزّعَتْ خُزاعَةُ عَنَّا تَقَطّعَت وبه سُمِّيت خُزاعة وكان من أمر خزاعة ما حدَّثَنِي بِهِ محمد بْن نافع الخزاعي نا عمي إِسْحَاق بْن أَحْمَد الخزاعي نا أَبو الوليد الأزرَقي عَنْ سَعِيد بْن سالم القَدَّاح عَنْ عثمان بْن ساج عَنِ الكَلبي عَنْ أَبِي صالح قَالَ لمّا كَانَ من أمر مَأرِب وسَيْل العَرِم ما كَانَ اجتمعت العربُ إلى طُريْفَةَ الكاهنةِ فقالوا لها ماذا تأمُرين فقالت مَن كَانَ منكم ذَا هَمٍّ بعيدٍ وجَملٍ شَدِيد ومَزادٍ جَدِيد فلْيلحَقْ بقصر عُمانَ المَشِيد فكانت أَزْدَ عُمَان ثُمَّ قالت مَنْ كَانَ منكم ذا جَلَد وقَسْرٍ2 وصبْرٍ عَلَى أزمات الدَّهْر فعلَيْه بالأراك من بَطن مَرٍّ فكانت خُزَاعَة. ثُمَّ قالت مَنْ كَانَ منكم يريد الرَّاسِياتِ في الوَحْل المُطْعمِاتِ في المَحْل فليَلْحق بَيَثْربَ ذي النخل فكانت الأوس والخزرج. ثُمَّ قَالَتْ من كَانَ منكم يريد الخمر والخَمِيرَ والمُلْكَ والتّأمِيرَ ويَلبَس الدِّيباجَ والحرِيرَ فلْيلْحق بِبُصْرَى وغَوِير3 وهما من أرْض الشَّأْم فكان الذين سَكَنُوها آلُ جَفْنَة وغَسَّان ثُمَّ قالت مَنْ كَانَ منكم يُرِيد الثِّياب الرقاق والخيل العتاق وكنوز الأَرزاق4 والدَّمَ المُهراقَ فليَلْحَقْ بأرضِ العِراق فكان الذين سَكَنُوها آلُ جَذِيمَة الأبرش ومن كَانَ بالحِيرَةِ من آلِ غسّان وآل مُحرّق.
قَالَ فأقبلوا وسارَت الأَوسُ والخَزرجُ إلى المدينة وانخزعت خزاعة
__________
1 الديوان /386 واللسان والتاج "خزع" والاشتقاق /468 برواية:
فلما قطعنا بطن مر تخزعت ... خزاعة منا في جموع كراكر
2 م: "وقصر" والمثبت من ت, س, ح.
3 في معجم ما استعجم "الغوير" 3/1009 الغوير بفتح أوله وكسر ثانيه على وزن فعيل: موضع من أرض الشام وأشار إلى قصة طريفة الكاهنة.
4 ت, م: "الأوراق".

(1/577)


بمكّة فأقام بها وَوَلِي البيْتَ وذكر القصّة بطُولها1.
يريد أنها تخلّفَتْ عَنْ أصحابها وانقطعَتْ عنها.
__________
1 ذكر الأزرقي هذه القصة بطولها في أخبار مكة 1/94 وجاء فيها: "وانخرعت خزاعة بمكة فأقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر فولي أمر مكة وحجابة الكعبة".

(1/578)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ لا يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ2 مَا جُلُبَّانُ السِّلاحِ فَقَالَ الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ. الجُلُبَّانُ شيءٌ شبيهٌ بالجِراب من الأَدَمِ يضع فيه الراكبُ سيفَه بقِرابه ويضعُ فيه سوْطه يُعلِّقه الرّاكبُ من واسِطَة رَحْله أو من آخرِه3 وإنّما اشترطوا دخولَه مكّةَ والسيُوفُ في قُرُبِها ليكون ذَلِكَ عَلمًا للسلم إذ كان دخوله مكَّةَ صُلْحًا ولو دخلوها متقلَّدين لها لمِ تؤمن السَّلَّة كقول الشاعر:
إِنْ تَسْأَلُوا الحقَّ نُعْطِ الحقَّ سَائِلَه ... والدِّرْعُ مُحْقَبَةٌ والسَّيفُ مَقْرُوبُ
والعرب لا تضَعُ السِّلاحَ إلا في الأمْن. قَالَ مُرّةُ بنُ مَحْكان:
يَا رَبَّةَ البيْت قُومِي غَيْرَ صاغِرةٍ ... ضُمِّي إليكِ رِحالَ القوم والقُرُبَا
يُريدُ خُذِي سُيوفَهُم وأَعْلميهم أنهم في دار عز وأمان.
__________
1 أخرجه البخاري في 3/241 ومسلم 3/1410 وأبو داود في المناسك 2/167 وأحمد في 4/289, 291, 302.
2 م: "فسألت".
3 م, ح: "آخرته".

(1/578)


فأمّا خَبُر فتْحِ مكَّة ورواية مَنْ رَوَى أنّ رَسُولَ الله دخلها عَنْوةً فإنّ العَنْوة في كلام العرب لها مَعْنَيان متضَادَّان. قَالَ أبو العبّاس ثَعْلَب: يُقال: أَخذتُ الشيءَ عَنْوةً أي قهْرًا في عُنْفٍ وأَخذْتُه عَنْوةً أي صُلْحًا في رِفْق. قَالَ وأنشدنا ابن الأعرابي عَنِ المُفضَّل:
فَما أخذوها عنوة عن مودَّةٍ ... ولكنَّ حَدَّ المَشْرَفيّ استقالَها1
فهذه الرّواية تحَتمِلُ التَّأويل. ومَنْ روَى أَنَّهُ دَخَلَها صُلحًا لم يحتمل قولُه: التأويلُ فأصَحُّ الوجْهَيْن أولاهما.
__________
1 اللسان والتاج "عنا". وعزي لكثير وهو في ديوانه /80.

(1/579)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ لَمَّا انْصَرَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى حَامَّتِهِ قَالُوا أَتَيْنَا رَجُلًا فَظًّا غَلِيظًا قَدْ أَظْهَرَ السَّيْفَ وَأَدَاخَ الْعَرَبَ وَدَانَ لَهُ النَّاسُ وَكَانَ لَهُمْ بَيْتٌ يُسَمُّونَهُ الرَّبَّةَ كَانُوا يُضَاهُونَ بِهِ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ وَكَانَ يُسْتَرُ وَيُهْدَى إِلَيْهِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا جَاءَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَخَذَ الْكَرْزَيْنَ فَهَدَمَهَا فَبُهِتَتْ ثَقِيفٌ وَقَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُمْ: أَسْلَمَهَا الرُضَّاعُ وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ موسى بنعقبة عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
حَامَّةُ الرَّجُل خاصَّةُ أَهْلِه وهي السَّامَّة أيضًا. يُقال كَيْف السَّامَّةُ والعامَّةُ2. قَالَ العجّاجُ:
هُوَ الَّذِي أَنْعَم نُعْمَى عمَّتِ ... عَلَى الّذين أسْلَمُوا وسَمَّتِ3
__________
1 السيرة لابن كثير 4/62 بألفاظ متقاربة. وانظر البداية والنهاية 5/33.
2 م: "ذهب السامة والحامة" والمثبت من س, ت, ح.
3 الديوان /268.

(1/579)


وقال ابن الأعرابيّ المَسَمّةُ الخاصَّة والمَعَمَّةُ العامَّةُ1 وقولهُ: أداخَ العربَ معناهُ أذلَّهُم. يُقالُ أَدَخْتُ الرَّجُلَ فداخَ لي أي ذلّ وانقاد. قَالَ الشاعرُ:
حتى يَدُوخَ مَن كان عادانَا
وقوله: دَانَ لَهُ الناسُ. يُريدُ أَطاعُوه كَرهًا والدِّينُ الطّاعةُ. والكَرزينُ الفأسُ وهو الكِرْزنُ أيضًا. وَالرُّضَّاعُ اللِّئامُ جَمْعُ راضِعٍ من قولهم لَئيمٌ رَاضِعٌ وهو الَّذِي لا يَحْلُبُ الغنَمَ لكن يَرْضَعُها لئلا يُسْمعَ صَوْتُ الحَلَب ويقال بل هُوَ الَّذِي رَضِعَ اللُّؤمَ من أُمِّه أي وُلِدَ لَئِيمًا. والمِصاعُ المُضارَبَةُ بالسُّيوف يُريدُ أنّهم خَذَلُوها ولم يُقاتلوا دُونَها قال الأَعْشَى:
هُناكَ مِصَاعٌ باللَّطائِم بينَنا ... ولكنّه لم يُدْمِ هَامًا وجُمْجُما2
وقال القُطَامِيُّ:
تَراهُم يَغمِزُون مَن اسْتَركّوا ... ويَجْتَنِبُون مَنْ صَدَق المصاعا3
__________
1 من ت, م.
2 لم أقف عليه في يوانه ط /دار صادر.
3 اللسان والتاج "مصع" والديوان /35.

(1/580)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "رَأَيْتُهُ بَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ" 1.
هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ نا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ نا هِلالُ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابن عباس.
__________
1 أخرجه أحمد 1/374 بلفظ: "رأيته فيلما نيا".

(1/580)


وَرَوَاهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ. والفَيْلَم والفَيْلَمانيّ العظيمُ الجُثَّة وأنشد أبو عُبَيْد للهُذلي:
ويَحْمي المُضَافَ إذَا ما دَعَا ... إذَا فرَّ ذُو اللِّمَّة الفيْلَمُ1
ويُقالُ: بِئرٌ فيْلم أي واسعةُ الفَمِ وفي2 صِفَة الدَّجّال أَنَّهُ عَظِيمُ الخَلْق عريض النحر3. والهجان الأبيض.
__________
1 اللسان والتاج "فلم" وعزي للبريق الهذلي وهو في شرح أشعار الهذليين 2/752 برواية:
تفرق بالميل أوصاله ... كما فرق اللمة الفيلم
والفيلم: الجبان.
2 م: "وفي صفته".
3 أخرجه أحمد في مسنده 2/291.

(1/581)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لآدَمَ أَخْرِجْ نَصِيبَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ يَا رَبُّ كَمْ فَيَقُولُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعِينَ" فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ احْتُفِينَا إِذًا فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا قَالَ: "إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ" 1.
مِنْ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ محمد الدراوردي عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الاحْتفاءُ الاسْتِقَصاءُ في الشيء وبلوغُ الغاية منه. ومنه قولهم أحفَيْتَ في المسألة. وسِمعْتُ أبا عُمَر يذكر عَنْ بعض السّلف أن رجلًا سلَّم عَلَيْهِ فَقَالَ وعليكم السَّلامُ ورحمةُ الله وبركاته الزاكيات. فَقَالَ لَهُ أراكَ قد حَفَوْتَنا ثَوابها يُرِيدُ تقصيت ثوابها واستوفيته علينا.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في 2/378 من طريق قتيبة بالإسناد بلفظ: "فقلنا يارسول الله أرأيت إذا أخذ منا كل مائة تسة وتسعون فماذا يبقى منا". وأخرجه البخاري 8/137 من طريق سليمان عن ثور بمثله.

(1/581)


وفيه وجه آخر وهو أن يكون منَعْتَنا ثوابَها. قَالَ الأصمعيّ: يُقالُ حَفوتُ الرَّجُلَ من كلِّ خَير إذَا منعْتَه أحْفُوه حَفْوًا.

(1/582)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إِلا سَمِعْتُ خَشْخَشَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا: بِلالٌ ثُمَّ مَرَرْتُ بِقَصْرٍ مَشِيدٍ بَزِيعٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِيه مُحَدِّثٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ خَلِيلٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ فَقَالَ خَشْخَشَة وهي حَرَكَةٌ فيها صَوْتٌ قَالَ الشاعر:
تَخَشْخَش أَبْدَانُ الحَدِيد عليهمُ ... كما خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحَصاد جَنُوبُ2
والمَحْفُوظُ من هذا الحديث الخَشْفَة وهي الحركة أيضًا قَالَ الشاعر:
إذا أنتَ لم تَخْشِفُ مع الحِلْمِ خَشْفَةً ... من الجَهْلِ لم يعْزِز أَخٌ أَنْتَ ناصِرُهْ
والبزِيعُ الظَّريفُ من الناس شبَّه القَصْرَ به لحسنه وكماله3.
__________
1 أخرجه الترمذي في المناقب 5/620 بلفظ: " ... على قصر مربع مشرف" وأحمد في مسنده 5/354 بلفظ: "على قصر من ذهب مرتفع مشرلف" 5/360 بنحوه.
2 ت: "يبس الحصا وجنوب" تحريف. والبيت في اللسان والتاج "خشش" وعزي لعلقمة بن عبدة وهو في المفضليات /395.
3 سقط هذا الحديث من نسخة م. وأخرجه أحمد في مسنده 5/259. ومسلم في 4/1910.

(1/582)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ أُمَّتِي 1 أحذ إِلا وَأَنَا أَعْرِفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالُوا2: وَكَيْفَ تَعْرِفُهُمْ يَا رَسُولَ
__________
1 من ت, م, ح.
2 ت: "قيل".

(1/582)


اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ دَخَلْتَ صِيرَةً فِيهَا خَيْلٌ دُهْمٌ وَفِيهَا فَرَسٌ أَغَرُّ مُحَجَّلٌ أَمَا كُنْتَ تَعْرِفُهُ مِنْهَا" قَالَ: "فَإِنَّ أُمَّتِي غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ نا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ نا ابْنُ عَيَّاشٍ2 نا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ الرَّحْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ أبو عُبَيْد صَبْرة وهو غلط والصَّوابُ صَيرَة3 وهي كالحَظِيرة تُتَّخذ للدّوابّ من الحِجارة وأَغصانِ الشّجر ونحوها والجمعُ الصِّيَرُ قَالَ الأَخْطَلُ:
واذْكر غُدَانة عِتْدانا مُزَنَّمةً ... من الحَبلَّق تُبْنَى حَوْلَها الصِّيَرُ4
__________
1 أخرجه أحمد في 4/189 وفيه: "صبرة".
2 م: "ابن عباس".
3 ت: والصواب صبيرة "تحريف" وفي القاموس "صير": الصيرة: حظيرة للغنم والبقر.
4 هامش م: الحبلق: الغنم الصغار. والبيت في شعر الأخطل /209.

(1/583)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لا يَدْرُسُه أَحَدٌ يَكُونُ بَعْدَهُ" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
الكاهِنَان: قُريظَةُ والنَّضِير وكانوا أهْلَ كِتابٍ وفَهْمٍ وإزْكَان فيقال إنّ الرجل محمدَ بنَ كعْب القُرَظي وأَصْلُ الدِّراسةِ الرِّياضة والتَّعَهُّد للشيء ثُمَّ قِيلَ درسْتُ القرآنَ إذَا قرأتَه وتعهَّدته لتحفظَه وقال أبو العَبّاس ثعلب في
__________
1 أخرجه أحمد 6/11.

(1/583)


قوله تَعَالَى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} : أَيْ تَعَلَّمتَ1 ودرسْتُ الدابّةَ إذَا رُضْتَها وذلَّلْتَها للركوب ودَرسْتُ الحِنْطة إذَا دُسْتَها أو طحَنْتَها. قَالَ ابن ميّادة:
يكفِيك من بعضِ ازدَيار الآفاقْ ... سمراءُ مِمّا درَّس ابنُ مِخْراقْ2
معناه يكفيك من زيارة الآفاق والجولان فيها هذه النّاقةُ السَّمراء. ويُقال: أراد بالسَّمْراء حنطة بطحنها.
وفي حديث عِكرمةَ مولى ابن عبّاس وذكر أهلَ الجنَّة وأنهم يَرْكَبُون نُجُبًا هي ألْيَنُ مَشْيًا من الفِراشِ المَدرُوسِ3 يريد الموطّأ الممهود.
__________
1 من ت, م والآية في سورة الأنعام: 105.
2 في اللسان والتاج "درس" برواية: "حمراء" بدل "سمراء".
3 النهاية "درس" 2/113.

(1/584)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "صَوْمُ شَهْرِ الصَّوْمِ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ وَيَذْهَبُ بِمَغْلَةِ الصَّدْرِ". قِيلَ: وَمَا مَغْلَةُ الصَّدْرِ قَالَ: "حَسُّ الشَّيْطَانِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا حَجَّاجٌ نا حَمَّادٌ نا الأزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
المَغْلَةُ: أصْلُهَا وَجَعٌ يأخُذ الغَنَم في بُطونها. يُقال: عِند ذَلِكَ أمغَلَت أي أصَابَها ذَلِكَ الوَجَع. ومنه قِيلَ مَغَل الرَّجُل بصاحبه إذا وقع فيه يريد2
__________
1 أخرجه أحمد في 5/145 وفيه: "صوم شهر الصبر ... ورجس الشيطان".
2 م: "يراد".

(1/584)


أنّه عضّه بكلام أوْجعَه فمَغْلُ الصَّدْرِ ما يَجِدُه الواجِدُ في صدْره من الغِلّ والفَسَاد1.
وهذا كَحَديثهِ الآخَر أَنَّهُ قَالَ: "صَوْمُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يذهبُ بَوَحَر الصَدْر" 2.
وقد فسّرَه أبُو عُبَيْد في كتابه وقد يُرْوى هذا الحرفُ بالتَّثقيل فيقال: مَغِلَّه الصّدر من الغِلِّ كقَوْلِه: "ثلاثٌ لا يَغِلُّ علَيْهنَ قَلْبُ مُؤمنٍ إخْلاصُ العَمَل لله والنَّصِيحةُ لِوُلاة الأمرِ ولزُومُ جماعة المُسْلمين فإنّ دعْوتَهم تُحِيطُ من ورائه" 3.
قَالَ أبو عُبَيْدٍ4: يُروَى يَغِلّ ويُغِلّ فمن قَالَ يَغِلُّ بالفَتْح فإنه يجْعَلُه من الغِلّ وهو الضِّغْنُ والشّحْناء ومَنْ قَالَ: يُغِلُّ بضمّ الياء جعله من الخِيانَة من الإِغلال.
قَالَ أبو سليمان: أمّا وجْهُ الكَلام وإعرابُه فعلى ما ذكَره أبو عُبَيْدٍ وأما تأويله ومعناه فإنّه يرِيدُ والله أعلم أن هذه الخِلال الثَّلاثَ ممّا لا يُخالجُ القلبَ ريْبٌ أنَّهُنّ بِرٌّ وطاعةٌ لأنّها من المعروف الَّذِي تعرفه النُّفُوسُ وتَسْكنُ إِلَيْهِ القُلوبُ.
وهذا كحديثه الآخر أَنَّهُ سُئِل عَنِ البِرِّ والإِثم فَقَالَ: "البِرُّ حُسْنُ الخُلُق والإثُم ما حك في نفسك" 5.
__________
1 كذا في م, ت, ح وفي س: "من المغل والفساد".
2 أخرجه أحمد في 5/78, 363.
3 أخرجه ابن ماجه في 2/1016 والدارمي في 1/74 وأحمد في 3/225.
4 كتابه 1/199.
5 أخرجه مسلم في 4/1980 والترمذي في 4/597 والدارمي في 2/322 وأحمد في 4/182 وكلهم بلفظ: "والإثُم ماحَاكَّ في نفْسك".

(1/585)


وفيه وجه آخر وهو أن يكون أَرادَ أنّ القلبَ يُسْتَصْلَح بهذه الخِصال ويُعالَجُ نغَلُه وفَسادُه بها وأَنّ مَنْ تَمَسَّك بها لم يَجِدْ غِلا في قلبه عَلَى أحد يَحُضّ عَلَى لُزُومها والمحافَظَة عليها وكان أبو أُسامة حَمَّادُ بْن أُسامَة القرشيِّ يَرْوِيه لا يَغِلُ بالتَّخْفِيف هكذا حَدَّثُونا عَنْ مُوسَى بْن إسحاق الأنصاري عن أبي كريب عن أبي أُسَامة فإن كَانَ محفوظًا فوجْهُه أن يكون مأخوذا من الوُغُولِ وهو الدُّخُول في الشَّرِّ وقلّما يُقال الوُغُولُ في الخيْر. ومنه قِيلَ للرجلُ الَّذِي يَدخْلُ مَعَ القوم في الشُّرب ولا يُخرِجُ معهم شيئًا واغِل.
قَالَ امرؤُ القيس:
فاليَومَ أشرَبْ غيرَ مستحْقبٍ ... إثمًا من الله ولا واغلِ1
وبذلك سُمّي الرّجل الدَّنِيءُ وَغْلًا. ويقال: وَغَل عَلَى القوم في الشراب إذَا لم يُدْعَ إِلَيْهِ.
ورَشَنَ في الطَّعام وبه سُمِّي الطُّفَيْليّ راشِنًا. وهو الوارِشُ أيضًا وهو الشولقي أيضا2.
__________
1 الديوان /258 برواية: "فاليوم فاشرب".
2 من ت, م.

(1/586)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ" قَالَ أُبَيٌّ وَسَمَّانِي لَكَ قَالَ: "وَسَمَّاكَ لِي فَبَكَى أُبَيٌّ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عن أنس.
__________
1 أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 5/45 وفي التفسير 6/217. ومسلم في صلاة المسافرين 1/550. وأحمد في مسنده 3/130, 137, 185, 218, 233, 273, 284, 289. وفي بعض الطرق: "أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا..} " الخ.

(1/586)


وجْهُ هذا أن تكون قِراءَتُه القُرآنَ عَلَى أُبَيٍّ إنّما هُوَ ليَحْفَظَه أبيٌّ ويتلقَفَه من فيه فلا يتخالجه عند اختلاف القِراءَات بعده شَكٌّ ولا يَتَداخله رَيْبٌ وذلك أَنَّهُ خاف عَلَيْهِ الفِتْنة في هذا الباب.
حَدَّثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَل رَجُلٌ فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِرَاءَةً خِلافَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ فَقُمْنَا جَمِيعًا فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا دَخَلَ فَقَرأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَ هَذَا فَقَرَأَ قِرَاءَةً غَيْرَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ فقال لهما رسول الله: "اقْرَآ" فَقَرَآ فَقَالَ: "أَصَبْتُمَا" فَلَمَّا قَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِي قَالَ كَبُرَ عَلَيَّ وَلا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا رَأَى الَّذِي غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا فَقَالَ: "يَا أُبَيُّ إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أَمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أَمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَهُ 1 عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ مَسْأَلَةٌ تَسْأَلْنِيهَا قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَحْتَاجُ إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ" 2.
وَأَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب بمعناه.
__________
1 ساقط من ح.
2 أخرجه مسلم في 1/561 وأبو داود في 2/76 والنسائي 2/152.

(1/587)


ولا وجه للحديث أعْلَمُه غير هذا إذا لا يجوز أن يكون أحَدٌ أقرأَ لكتاب الله وأوْعى لَهُ1 وأعْلم بِهِ من رَسُول الله وقد نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قلْبِه ليكون من المُنذِرِين بلسان عربي مبين.
__________
1 سقط من ح.

(1/588)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُخْدَجَ 1 فَقَالَ: "لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَفِي رَأْسِ ثَدْيِهِ شُعَيْرَاتٌ كَأَنَّهَا كَلَبَةُ كَلْبٍ أَوْ كَلَبَةُ سِنَّوْرٍ" 2.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ رَوْح بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُمَارَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
كَلَبَةُ3 الْكَلْبِ: مخالِبُه وهي من البَازِي كلالِيبُه.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ قَالَ ونا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرِازِيُّ4 قَالَ: أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قام فينا فقال: "ألا
__________
1 المخدج: الناقص الخلق وانظر نهاية ابن الأثير "خدج".
2 أخرجه أبو ادود في السنة في أحاديث متفرقة 4/243-245 بنحوه.
3 وفي الفائق "كلب" 3/274: كَلَبَةُ كَلْبٍ أَوْ كَلَبَةُ سِنَّوْرٍ "بضم الكاف" وفسر الكلبة بأنها الشعر النابت في جانبي خطمه. وسقال للشعر الذي يخرز به الإسكاف كلبة عن الفراء: ومن فسرها بالمخالب نظرا إلى محنى الكلاليب في مخالب البازي فقد أبعد.
4 في التهذيب 1/204: أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحمصي ويقال: هو أزهر بن سعيد وثقه العجلي وفرق ابن حبان في الثقات بين الأزهر بن سعيد وأزهر بن عبد الله.

(1/588)


إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ" 1.
زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: "وَأَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ كَمَا تَجَارَى2 الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلا دَخَلَهُ" فَإِنَّ الْكَلَبَ دَاءٌ يُصِيبُ الإِنْسَانَ مِنْ عَضَّةِ الكَلْبِ الكَلِبُ3 وَهُوَ الَّذِي قَدْ ضَرِيَ بِلُحُومِ النَّاسِ فَإِذَا أَكْثَرَ مِنْهَا أَصَابَهُ شِبْهُ جُنُونٍ فَيُقَالُ: إِنَّهُ إِذَا عَقَرَ إِنْسَانًا أَصَابَهُ الْكَلَبُ فَيَعْوِي عُوَاءَ الْكَلْبِ وَيُمَزِّقُ4 على نفسه ثم يأخذ الْعُطَاشُ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلى الماء ولا يشربه.
__________
1 أخرجه أحمد في 4/102 وأبو داود في 4/198.
2 ت: "يتجارى" والمثبت من س, م, ح.
3 ساقطة من ت.
4 القاموس "مزق": مزق الطائر رمى بذرقه.

(1/589)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْمِزْرِ1 وَقَالُوا: إِنَّ أَرْضَنَا بَارِدَةٌ عَشْمَةٌ وَنَحْنُ قَوْمٌ نَحْتَرِثُ وَلا نَقْوَى عَلَى أَعْمَالِنَا إِلا بِهِ فَقَالَ رسول الله: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" 2.
حَدَّثَنِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُليْبٍ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الجمحي عن
__________
1 القاموس "مزر": المزر: نبيذ الذرة والشعير.
2 أخرجه النسائي في 8/297 وأحمد في 2/429, 105 بلفظ: "كل مسكر حرام" بدون القصة.

(1/589)


عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قولهُ: عَشْمَةٌ أي يَابِسَةٌ وقد عَشِمَ الخُبْزُ إذَا يَبِس. وعَجُوزٌ عَشْمَةٌ وهي التي أسنت وقحلت.
__________
1 من م, ح.

(1/590)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي ظل حجرة وقد كاد يَنْبَاصُ عَنْهُ الظِّلُّ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دَنُوقَا2 عَنْ مُحَمَّدٍ3 عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: يَنْبَاصُ4: أي يَنْقَبِضُ عَنْهُ الظل ويسبقه. يقال باص يَبُوصُ إذَا سَبَق قَالَ امرؤُ القَيْس:
أَمنْ ذِكْر ليْلَى أنْ نأتْكَ تنُوصُ ... فتقصِر عنها خُطْوةً وتَبُوصُ5
وقال آخر:
فلا تَعْجَل عَليَّ ولا تَبُصْنِي ... ودالكْني فإِنِّي ذو دلاك6
__________
1 النهاية "بوص" 1/162 والفائق "بوص" 1/134.
2 ت: دنوق وما أثبتناه من س, م. وفي المشتبه 1/282: "إبراهيم بن عبد الرحيم بن دموقا".
3 ت: محمد بن المصفى. وفي تهذيب التهذيب 9/460: عن محمد بن بهلول القرشي أبو عبد الله الحمصي الحافظ مات سنة 246هـ.
4 ت: ينباص "بتشديد الصاد" والمثبت من س, م.
5 الديوان /177.
6 اللسان والتاج "بوص".

(1/590)


والنَوْصُ: التَّأَخُّر والبَوْصُ التَّقَدُّم. وقال أبو سَعِيد الضَّرير انتَاصت الشّمسُ إذَا غابت وهو افْتعل من النوص1.
__________
1 من ت, م.

(1/591)


وقال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَأْخُذُ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَدِهِ ثُمَّ يَتَزَقَّفُهَا تَزَقُّفَ الرُّمَّانَةِ" 1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قوله: يَتَزَقَّفُها معناه يتلقَّفُها. والتَّزقُّفُ اسْتِلابُ الشيء وسُرعَةُ تناوُله. يقال تَزَقَّفْتُ الكُرةَ إذَا أخذتَها باليد بين السماء والأرض2.
__________
1 الفائق "زقف" 2/117 والنهاية "زقف" 2/305.
2 من ت, م.

(1/591)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَهُ فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُمْ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ الْحَنَّاطُ2 عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
قوله: لا يُشَبّكنَّ يدَهُ وَجْهُهُ أنّه كَرِه لِلْمُصَلّي ضَمَّ أطرافهِ بَعْضَها إلى بَعْضِ وعَقْدَ أصابِعه كما نَهاه عَنْ عَقْصِ الشّعَر وعن اشْتِمال الصُمَّاء وكان
__________
1 أخرجه أبو داود 1/154 والترمذي 2/228 والدارمي 1/327.
2 ح: "الخياط" تصحيف وفي التقريب 2/404: أبو ثمامة الحناط بمهملة ونون حجازي مجهول الحال.

(1/591)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يْفتَحُ أصابعَه عِنْد التَكْبير ويُفرّجُ بينها وقال: "أُمِرتُ أن أسْجُدَ عَلَى سَبْعَة أعْضاء وأَنْ لا أَكفَّ ثَوبًا ولا شعَرًا" 1.
وفيه وجْهٌ آخر وهو أن يكون إنّما كَرِه ذَلِكَ لأَنَّه يَجْلِبُ النوْمَ إذَا شَبَّك بين أصابعه واحْتبى بيَدَيْه نهاه عَنِ التَّعرُّض لنَقْض طهارته وقد ذهب بَعْضُ الناس في تَأْوِيله إلى وَجْهٍ يَبْعُدُ جدًا ويَنْبُو عَنْهُ لَفْظُ الحديث وزعم أَنَّ تَشبيكَ اليَد كِنايةٌ عَنْ ملابسة الخُصُومات والخَوْض فيها واحتجّ بقوله: عَلَيْهِ السلام حِينَ ذَكَر الفِتَن فشَبَّك بيْن أَصابعه وقال: "تكونون فيها هَكَذا" 2
ونزع في ذَلِكَ بِبَيْتٍ لبَعْض الشّعراء وهو قوله:
وكتيبَةٍ لبَّسْتُها بكَتيبةٍ ... حتى إذَا اشْتَبَكَتْ نفَضْتُ بهم يدي
أي خليت عنهم3.
__________
1 أخرجه مسلم 1/354 وابن ماجه 1/286 والنسائي 2/209.
2 أخرجه ابن ماجه في 2/1308 وعبد الرزاق في مصتفه 11/359.
3 من ت.

(1/592)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ فكان هوؤه وَقَلْبُهُ إِلَى اللَّهِ انْصَرَفَ كَمَا ولدته أمه" 1.
هوؤه هِمَّتُه. قَالَ رُؤبَةُ:
تَمدَّهِي ما شِئْتِ أن تَمَدَّهِي ... فَلَسْتِ من هَوْئي ولا ما أَشْتَهِي2
وقال الأصمعيُّ: يُقالُ فُلانٌ بَعيدُ الهَوْءِ أي بَعِيدُ الهِمَّة. قَالَ: ومثله السأو.
__________
1 أخرجه مسلم في 1/571 في حديث طويل بدون "هوؤه".
2 سبق الرجز في اللوحة 104, 221.

(1/592)


قَالَ ذُو الرُّمَّة:
دَامِي الأظَلِّ بعيد السأو مهيوم1
__________
1 اللسان والتاج "ظل" والديوان /569 وصدره:
كأنني من هوى خرقاء مطرف

(1/593)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ نا حُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُهُ.
فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُرْوَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى قَالَ سَأَلْتُ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ مَا أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا قَالَ الدُّنُوُّ مِنَ اللَّهِ.
وَالْوَجْهُ الآخَرُ ذَهَبَ إِلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَالَتْ أَعْنَاقُهُمْ لِئَلا يَغْشَاهُمْ ذَلِكَ الْكَرْبُ وَرَوَاهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إعْنَاقًا بكَسْر الأَلِف أي إسْرَاعًا إلى الجنَّةِ من سَيْر العَنَق.
وفيه وجه آخر وهو أن يُراد بالأعناق جماعات الناس من قولهم أتاني عُنُقٌ من الناس أي جماعة كثيرة يريد أن المؤذنين أكثر الناس أتباعا يوم القيامة. وأتباعهم القوم الذي أجابوهم إلى الصلوات2.
__________
1 أخرجه مسلم 1/290 وابن ماجه 1/240.
2 من م.

(1/593)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: "إِذَا رأيتموهم فأقرفوهم واقتلوهم" 1.
__________
1 أخرجه أحمد 1/81 بلفظ: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم".

(1/593)


عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ شَقِيقِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
القَرْفُ أَصْلهُ الخَدْش والجَرْحُ يُريدُ إذَا رأيْتموهم وقد خرجوا على الأئمة وشقوا العَصا فاضْربُوهُم بالسُّيُوف.

(1/594)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَحَلَّى ذَهَبًا أَوْ حَلَّى وَلَدَهُ مِثْلَ خَرْبَصِيصَةٍ أَوْ عَيْنِ جَرَادٍ كَانَ كَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".1
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي عَرَابَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ نا إِسْمَاعِيلُ أُرَاهُ ابْنَ أَبِي كُثَيْرٍ2 نا مَكِّيُّ بْنُ إبراهيم نا إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَ الأصمَعِيُّ وأبو زَيْد يقال ما عَلَيْهِ خربَصيصةٌ ولا هَلْبَسِيسَة أي شيء من الحُلِيِّ وعن البزيدي بالحَاءِ والخاء رَواه أبو عُبَيْدٍ3 عَنْهُ
وأكْثَرُ ما يُقال ذَلِكَ في النَّفْي. يقال ما عَلَيه خَرْبَصِيصَة وقلَّما يُقال في الإِيجاب قَالَ ابنُ الأعرابي والخَرْبَصِيصُ أيضًا الجَملُ الضَّعِيفُ قَالَ وأنشدني المُفضَّلُ:
قد أَقْطَعُ الخَرقَ البعيدَ بيْنُه ... بخربصيص ما تنام عينه
__________
1 أخرجه أحمد 4/227 من مسند عبد الرحمن بن غنم بلفظ: "من تحلى أو حلي بخربصيصة من ذهب كوي بها يوم القيامة". ومن مسند أسماء بنت يزيد بلفظ: "من تحلى وزن عين جرادة من ذهب أو خربصيصة كوي بها يوم القيامة" 6/460 وانظر الفائق "خربص" 1/362.
2 ح: "ابن كثير".
3 كتابه 4/328.

(1/594)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من اليد السفلى" 1.
__________
1 أخرجه البخاري 2/139, 4/6 ومسلم 2/717, 718 وأبو داود 2/122 والترمذي 2/56 والنسائي 5/60, 61, 62, 101 وغيرهم.

(1/594)


قَالَ ابنُ قُتَيْبَة العُلْيَا: المُعْطِيَةُ والسفلى السائلة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وهذا وجه حَسَنٌ. وفيه وَجْه آخر أشبَهُ بمعنى الحديث وهو أن تكون العُلْيَا المُتَعفِّفَة وقد رُوِي ذَلِكَ مَرْفُوعًا.
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا عَارِمٌ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر سمعت رسول الله يَخْطُبُ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى" 1.
اليَدُ العُليَا اليَدُ المُتَعفّفةُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافَعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى السَّائِلَةُ" 1.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ قَالَ رَوَى عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ2.
وَيُؤَكِّدُ هَذَا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دُونَ مَا أَعْطَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ حَكِيمٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ تُقَصِّرَ بِي دُونَ أَحَدٍ فَزَادَهُ حَتَّى رَضِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:
"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". قَالَ وَمِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَمِنِّي" قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَرْزَأُ بَعْدَكَ أَحَدًا شَيْئًا فلم يقبل عطاء
__________
1 أخرجه النسائي في 5/61 وأحمد في 2/67 بلفظ: "المنفقة".
2 سنن أبي داود 2/122.

(1/595)


وَلا دِيوَانًا حَتَّى مَاتَ1.
قَالَ أبو سليمان: فلو كَانَت اليَدُ العُلْيا المُعْطِية لكان حَكِيمٌ قد تَوهَّم أَنَّ يدًا خير من يدِ رَسُول الله لقوله: ومِنْك يا رَسُولَ الله يُرِيد أن التَّعَفَّفَ من مَسْأَلَتِك كَهُو عَنْ مَسْألة غيرك فَقَالَ: "نَعَم" فكان بعد ذَلِكَ لا يَقْبَل العَطاءَ. وكان عُمَر يَقُولُ اللهم اشهد أني عرضت عَلَيْهِ عَطاءَه فأبَى ولم يقبَلْه.
وأنشدني أبو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأَعرابيّ:
إذَا كَانَ بَابُ الذُلِّ من جانِب الغِنَى ... سمَوْتُ إلى العَلْياءِ من جَانِب الفَقْر2
صَبَرْتُ وكان الصَّبْرُ مِنّي سَجيّةً ... وحَسْبُكَ أَنَّ الله أثنَى عَلَى الصَّبْرِ
يُريدُ التعفّف عَنِ المسألة. يُقال: عَلِي يَعْلَى عَلاءً في المَكَارم وعَلا يَعْلُو عُلُوًّا في الجَبَل ونَحوِه. قَالَ الشّاعر:
وبَاعَ بنيْهِ بَعضُهم بخُشَارَةٍ ... وبِعْتَ لذُبيَان العَلاءَ بمالكَا3
ورُوِي فيه وَجْهٌ ثالث عَنِ الحَسَن قَالَ: اليَدُ العُليَا المعطية واليد السفلى المانعة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في 11/102.
2 هامش م: "العلياء: العفة".
3 الأساس واللسان "خشر" بهذه الرواية وعزي للحطيئة يقول: اشتريت لقومك الشرف بأموالك. قال ابن بري: بكسر الكاف وهو اسم ابن لعيينة بن حصن قتله بنو عامر فغزاهم عيينة فأدرك بثأره وغنم فقال الحطيئة:
فدى لابن حصن ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة للمهالك
وبَاعَ بنيْهِ بَعضُهم بخُشَارَةٍ ... وبِعْتَ لذبيان العلاء بن مالك
والبيتان في شرح الديوان /30 ضمن ستة أبيات.

(1/596)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلالًا أَذَّنَ بِلَيْلٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ ثَلاثًا1.
فيه وجهَان: أحدُهما أَنْ يكون أَرادَ أنّه سَهَا عَنِ الوقت وغَفَل عَنْهُ إذ قدَّم الأَذانَ قبل وقتِه.
والآخرُ أن يكون أراد أن يُعلِم الناسَ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا وأنه قد عَادَ للنَّوم لئَلَّا يعجَل الناسُ عَنْ نومِهم وسَحُورِهم.
وفي روايةٍ أخرى: أَلا إِنَّ الرَّجُلَ تَهِنٌ.
ذكرهُ أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي. قَالَ: والتَّهِنُ النائم.
__________
1 أخرجه أبو داود 1/146 والترمذي 1/394.

(1/597)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ أَفْلَجَ الأَسْنَانِ أَشْنَبَهَا وَكَانَ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ صَلْتَهُمَا فَعْمَ الأَوْصَالِ وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي فَوْدَيْ رَأْسِهِ وَكَانَ إِذَا رَضِيَ وَسُرَّ فَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمِرْآةُ وَكَأَنَّ الْجُدُرَ تُلاحِكُ وَجْهَهُ وَكَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ صَوَرٍ يَخْطُو تَكَفِّيًا1 وَيَمِشِي الْهُوَيْنَى يَبُذُّ الْقَوْمَ إِذَا سَارَعَ إِلَى خَيْرٍ أَوْ مَشَى إِلَيْهِ وَيَسُوقُهُمْ إِذَا لَمْ يُسَارِعْ إِلَى شَيْءٍ بِمِشْيَةِ الْهُوَيْنَى2.
حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ ثنا صَبِيحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرْغَانِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
__________
1 م: "تكفؤا".
2 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/222 في حديث طويل والزمخشري في الفائق 3/376.

(1/597)


الفَلَجُ في الأَسْنان تَباعُدُ ما بين الثَّنَايا والرَّباعِيات. والفَرَقُ تباعُدُ ما بين الثَّنِيّتين والنَعْتُ منهما أفْلَجُ وأفْرَقُ والشَّنَبُ ماءٌ وَرِقَّةٌ يجْرى عَلَى الثَّغْر والنّعْتُ أَشنَبُ قَالَ ذو الرُمَّة:
لَمياءُ في شفتيها حُوَّة لَعَسٌ ... وفي اللِّثات وفي أنْيابِها شَنَبُ1
وقولُه: صَلْتُ الخدَّيْن فإنّ الصَلْتَ الأَمْلَسُ النّقيُّ. والفَعْمُ الممتلىء. والأَوْصَالُ الأعضاء واحِدُها وِصْلٌ. قَالَ ذو الرُّمّة:
إِذَا ابنَ أَبِي مُوسَى بِلالًا بلَغْتِه ... فقام بفأسٍ بين وِصْلَيْكِ جَازِرُ2
والفَوْدان ناحِيتا الرّأسِ وكلُّ شِقٍّ3 منْهما فَوْدٌ. قَالَ الشاعرُ:
إِمّا تَريْ لِمَّتي الزَّمَانُ بِها ... وشيَّبَ الدَّهْرُ أصْداغي وأفْوادي
وقوله: كأنَّ4 الجُدر تُلاحِكُ وجْهَه يُريدُ أنّ شَخْصَ الجُدُر يُرَى في وجهه كَما يُرَى في المِرآة. والمُلاحكَةُ شِدّةُ المُلاءَمَة. قَالَ الشاعر:
لها فَخِذان يَحْفِزان مِحَالَهُ ... وصُلبًا كبُنْيَان الصفَا مُتلاحِكَا5
والصَوَرُ الميَلُ والنَعْتُ أَصْوَرُ. قَالَ الشاعر:
ومُسْتَنْبحٍ تَهْوِي مَساقِطُ رَأسِهِ ... إلى كُلّ شَخْص فهو للسَّمْع أصور
__________
1 الديوان /5 واللسان والتاج "لمس".
2 الديوان 253 برواية: "إذا ابن أبي موسى بلال".
3 م: "منها".
4 م, س: "كأنما".
5 اللسان والتاج "حفز" وعزي للأعشى وهو في ديوانه /131.

(1/598)


أي مَائلٌ متسمِّعٌ: ويُشْبِه أن تكون هذه الحالُ إنّما تَحْدُثُ لَهُ إذَا جَدٌ في السّيْر لا أَنْ تكون خِلْقةً وقد يُوجَدُ مثل هذا في عامّة مَنْ يُعالجُ أمرًا شاقًّا ولم يخْتلفُوا في أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام كَانَ مُعتَدِلَ القَناةِ غيْرَ أَجْنَى ولا أصْوَرَ. والهُوَيْنى مِشْيَةٌ فيها لِينٌ قَالَ الله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} 1.
وقوله: كَانَ يَسُوقُ أصْحابَه يريد أنّه كَانَ يقدِّمهُم بين يَدَيْه ثُمَّ يكون من ورائهم كالسّائِق وقد رُوي هذا في حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أحمد بْن مُصعَب المروَزِيّ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ إِذَا خَرَجُوا مَشَوْا أَمَامَهُ وَخَلَّوْا ظهره للملائكة2.
__________
1 سورة الفرقان: 63.
2 أخرجه ابن ماجه في 1/90 بلفظ: "إذا مشى أصحابه أمامه وتركوا ظَهْرَهُ لِلْمَلائِكَةِ".

(1/599)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ مَثَلَ بِالشَّعَرِ فَلَيْسَ لَهُ خَلاقٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا رِضى يَقُولُ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ رسول الله.
مُثْلَةُ الشَّعَر حَلْقُهُ في الخُدُود2 ويروى عن طاووس قَالَ: جعَلَه اللهُ طُهْرةً فجعله الناس نَكالًا.
وفي مُثْلةِ الشَّعَر وجه آخر وهو أن يكون أُرِيدَ بِهِ نَتْفُه أو تَغِيِيرُه
__________
1ذكره السيوطي في الجامع الصغير 6/227 وعزاه للطبراني عن ابن عباس.
2 الفائق "مثل" 3/344. وفي النهاية "مثل" 4/294. حلقه من الخدود.

(1/599)


بالسَّوَادِ. ويُرْوَى عَنِ ابن عبّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: عَشْر خِصال من فِعْل قَوْمِ لُوطٍ فذكر منها تَصْفِيفَ الشَّعَر.

(1/600)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أُهْدِيَتْ لِي فِدْرَةٌ مِنْ لَحْمٍ فَقُلْتُ للخادم1 ارفعيها لرسول الله فَإِذَا هِيَ قَدْ صَارَتْ مَرْوَةَ حَجَرٍ فَقَصَّتِ الْقِصَّةَ عَلَى رَسُولِ الله فَقَالَ: "لَعَلَّهُ قَامَ عَلَى بَابِكُمْ سَائِلٌ فَأَصْفَحْتُمُوهُ" قَالَتْ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَإِنَّ ذَلِكَ لِذَلِكَ" 2.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ ثنا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ نا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ نا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
قوله: "أَصُفَحْتُموه" أي ردَدْتُموه خائبًا. أخبرني أبو عُمَر أنا أبو العبّاس ثَعْلَب قَالَ: يُقال صَفحتُ الرّجُلَ إذَا أعطيْتَه وأصفَحْتُه إذَا حَرمْتَه وَرَدَدْتَه خائبًا قَالَ ابنُ هَرْمَه:
ضَمِنْتُ لِمَن يَبغي الغنى عنْدَ بابه ... إذَا صُفحَ الجادُونَ ألا يصفحا3
__________
1 المصباح المنير "خدم": خدمه يخدمه خدمة فهو خادم غلاما كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل والجمع خدم وخدام.
2 النهاية "صفح" 3/35 وفي الفائق "فدر" 3/95: الفدرة القطعة ويقال: هذه حجارة تفدر أي تتكسر وتصير فدرا والحديث ذكره صاحب الرصف 2/311 بلفظ: "فأهنتموه" بدل "فأصحفتموه" وعزاه للبيهقي وأبي نعيم.
3 لم أقف عليه في ديوانه ط مجمع اللغة العربية بدمشق وفيه قصيدة على الوزن والقافية.

(1/600)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النار جبار" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود 4/197 وابن ماجه 2/892. وفي القاموس "جبر": الجبار بالضم الهدر والباطل. ومن الحروب ما لاقود فيها والسيل وكل ما أفسد وأهلك والبرئ من الشئ.

(1/600)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
هذا يُتَاوّل عَلَى وجُوهٍ أحَدُها أن يكون معناه إباحةُ النَّار واقتباسُها من غير إذْن مُوقِدها وأَنّهُ إذَا أَخَذ منْها جَذْوةً1 لم يلزمْه لها قِيمَة. وقال بعضهم: تأويلُه النّارُ تَطير بها الريحُ فتُحرِق متاعًا لقَومٍ يريدُ أَنَّهُ لا يلزَمُ مُوقدهَا غَرامةٌ ومنهم من فرّق بْين النار يُوقِدُها رَجْلٌ ليَصْطَلي بها أو يَشْتَوِي عليها لَحْمًا وبيْن أن يُوقدَها عَبثًا لا لأرَبٍ فرَأى ما تَجْنِي تِلْكَ هَدرًا وفيما تَجنِي هذه الغرامة. وأنكرَ بعَضُهم هذه اللَفْظة وزعم أنّها تَصْحِيفٌ. أخبرني الحسَنُ بنُ يحيى سَمِعتُ ابنَ المنذر يَقولُ هذا تَصحِيفٌ وإنّما هُوَ الحديث الَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: البِئْرُ جُبَار2 وذلك أن أَهْلَ اليَمن يُمِيلُون النَّارَ فكتبها بعْضَهُم بالياءِ فرواه القارىء مصحفا.
__________
1 القاموس "جذو": الجذوة مثلثة القبسة من النار.
2 أخرجه البخاري 2/160 ومسلم 3/1334 وأبو داود 4/196 وغيرهم.

(1/601)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمُؤْتَةَ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَفِقَ يَسُبُّهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: وَاللَّهِ لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِهِ أَوْ لأَرْحَلَنَّكَ بِسَيْفِي هذا فلم يزدد إلا استعرابا فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً لَمْ تُجِزْ1 عَلَيْهِ وَتَعَاوَى عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ. قَالَ: ثُمَّ أَسْلَمَ الرَّجُلُ الْمَضْرُوبُ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ فَكَانَ يُقَالُ: لَهُ الرَّحِيلُ2.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانِ بن عطية
__________
1 م, الفائق 2/50: "لم تجز عليه" من باب نصر والمثبت من س, ت, ح. والمعنى لم تقتله.
2 النهاية "رحل" 2/210 واقتصر الفائق "رحل" 2/50 على رواية "تغاوى" بالغين وجاء في التفسير: التغاوي التجمع ولا يكون إلا على سبيل الغواية.

(1/601)


قوله: لأَرْحَلَنَّك يُريدُ لأَعْلُونَّك بالسَّيْف ضَربًا. يقالُ فُلانٌ يَرْحَلُ فُلانًا بما يَكره أي يَركبُهُ بمكرُوه. والاستِعْرابُ الإِفْحاشُ في القَول. فأمّا الاستِغرابُ بَالغين معجمة فهو الإفراطُ في الضحك خاصّة. وقوله: تعَاوَى عَلَيْهِ المشركون معناه تعاوَرُوهُ فيما بينهم حتّى قَتَلوه. قَالَ جرير:
عَوَى الشُعراءُ بعضُهم لبَعْضٍ ... عَلَيَّ فقد أصابَهُمُ انتقامُ1
وإن كانت الرواية تغاوى فإنّه مأخوذ من الغواية.
__________
1 الديوان /513. وعواؤهم: تناصروهم.

(1/602)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّلِبَ بْنَ ثَعْلَبَةَ الْعَنْبَرِيَّ قَالَ: أَصَابَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ جَوْثَةٌ فَرُقِيَ إِلَيْهِ أَنَّ عِنْدِي طَعَامًا فَاسْتَقْرَضَهُ مِنِّي1.
هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جُمْعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ نا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْقِسْمِلِيُّ ثنا غَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ مِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِيهِ التَّلِبِ.
قوله: جَوْثَة بالثاء لا أُراها مَحْفُوظَة وإنما هي الخَوْبَة وهي الحاجةُ والمَسْكنة. يُقال: أصابَتْهم خَوْبَةٌ إذَا ذهب ما عندهم من شيء. وقال أَبُو عُمَر يُقالُ: خابَ الرجلُ يَخُوبُ خَوْبًا إذَا افتقر. ويُقال: في معناه أصابتهم جالفة وجارفة.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 4/141 بدون لفظ: "جوثة". وفي الفائق "حوب" 1/401. والنهاية "خوب" 2/86 برواية: "خوبة" بدل "جوثة".

(1/602)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ" 1.
__________
1 أخرجه مسلم 2/857 وأبو داود 2/170 والنسائي 5/187, 189 وأحمد 2/8, 22, 37, 48, 54, 65, 67 بنحوه. وأخرجه بهذا اللفظ في مسلم في 2/856, 857 والنسائي في 5/208 من حديث عائشة.

(1/602)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَصلُ الفِسْق الخُروجُ من الشيء. ومنه قوله تَعَالَى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} 1: أي خَرَج. وسُمِّي الرجلُ فاسقًا لانسلاخه من الخير. قَالَ ابن قُتيبة2: لا أُرَى الغُرابَ سمَّاه فاسِقًا إلا لتخلّفه عَنْ أمرِ نوح حين أرسله ووقوعِه عَلَى الجِيفة وعِصيانِه إيّاه3. وحُكِي عَنِ الفَرّاء أَنَّهُ قَالَ لا أحْسَب الفَأْرة سُمِّيت فُويْسِقَةً إلا لخُروجِها من جُحرها عَلَى الناس.
قَالَ أبو سليمان وليس يُعجبني واحدٌ من القَوليْن وقد بَقِي عليهما أن يقولا مثْلَ ذَلِكَ في الحِدَأة والكلب إذْ كَانَ هذا النّعْت يجمعُهما وكان هذا اللّقَبُ يلزمُهُما لزُومَه4 الغُرابَ والفأرةَ وإنما أراد والله أعلم بالفِسْق الخُروجَ من الحُرْمة يَقُولُ: خَمس لا حُرمَةَ لهُنَّ ولا بُقيَا عَليْهنَّ ولا فِدْيَةَ عَلَى المُحْرِم فيهنّ إذَا أصابَهُنَّ وإنما أباح قتْلَهُنَّ دَفْعًا لعادِيَتِهِنَّ لأَنَّهنَّ كُلّهن من بين عَادٍ قتّالٍ أو مُؤذٍ ضَرَّار.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد بتَفْسِيقِها تحريمَ أكلِها كقوله تَعَالَى: وقد ذَكَر ما حَرَّم من المَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِير إلى آخر الآية. ثم قال: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} 5 ويدُلُّ عَلَى صحّة ما ذكرناه حديث عائشة.
__________
1 سورة الكهف: 50.
2 كتابة 1/328.
3 انظر القصة في غريب الحديث لابن قتيبة 1/327.
4 ح: "لزوم".
5 سورة المائدة: 3.

(1/603)


حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَارِسِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْغُرَابُ فَاسِقٌ" فَقَالَ رَجُلٌ: يُؤْكَلُ لَحْمُ الْغُرَابِ قَالَتْ: لا وَمَنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: "فَاسِقٌ" 1.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ الْفَاسِقَ2.
وَرَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنِّي لأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ أذن رسول الله فِي قَتْلِهِ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا وَاللَّهِ مَا هُوَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ3. تُرِيد قولَه تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} 4.
وممّا يدلّ عَلَى أنّ العرب كانت تَقْذَرُ لحمَه قَولُ الشاعر:
فَما لَحْمُ الغُراب لنا بزَادٍ ... ولا سرطَانُ أنْهَار البَريصِ5
وفيه من الفقه أن ما لا يُؤكل لَحْمه فلا جَزاءَ عَلَى المحرم في قتله.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في 2/1082 وأحمد في 6/209, 238.
2 ذكره الهيثمي في مجمعه 4/40 وعزاه للطبراني في الكبير.
3 ذكره الهيثمي في مجمعه 4/40 وعزاه للبزار.
4 سورة الأعراف: 157.
5 اللسان والتاج "برص" وعزي لوعلة الجرمي.

(1/604)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْعَقِيقَةِ عَنِ الغلام شاتان مكافئتان" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأضاحي 3/105 والترمذي في الأضاحي أيضا 4/97 وابن ماجه في الذبائح 2/1056 وغيرهم.

(1/604)


قال أبو عبيد والمحدثون يقولون شَاتَان مُكافَأَتان.1 يَقُولُ: متساوِيتَان وكلُّ شَيْءٍ ساوَى شَيْئًا حتّى يكون مثله فهو مكافىء لَهُ.
قلت: وهذا لا يُقْنِعُ في معنى الخَبَر وفي بيان حُكْمِه وإن أقْنَع في لفظِه وإنّما أراد بالتَّكافُؤِ التَّساوي في السَّنّ2 يَقُولُ لا يُعَقٌ إلا بِمُسِنَّةٍ كما لا يجوز في الضَّحايا إلا مُسِنَّة وأقلٌ ذَلِكَ أن يكون جَذَعًا فإن كانت إحداهما مُسِنّة والأُخْرَى غير مُكافِئَة لها في السِّنّ لم يَجُزْ ولا فرق بين المكافِئَتين والمُكَافَأَتَيْنِ لأنّ كُلّ واحدةٍ منهما إذَا كافأتْ صاحِبَتَها فقد كُوفِئَت من جهتها فهي مكافئة ومكافأة.
__________
1 سقط من ح. وهو في كتاب غريب الحديث لأبي عبيد 2/102.
2 ح: "في فوء السن".

(1/605)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَبَّحَ خَيْبَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ بُكْرَةً فَجَاءَ وَقَدْ فَتَحُوا الْحِصْنَ وَخَرَجُوا مِنْهُ مَعَهُمُ الْمَسَاحِيُّ فَلَمَّا رَأَوْهُ حَالُوا إِلَى الْحِصْنِ وَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا ابْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ2 نا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ نا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله: حالوا إلى الحِصْن أي تحوَّلوا إِلَيْهِ. يقال: حُلْتُ عَنِ المكان إذَا تَحوَّلْتَ عَنْهُ ومِثْله أَحلْتُ عَنْهُ.
والخَمِيسُ الجَيْشُ وسُمّيَتْ خميسًا لأنّها تَخمِسُ ما تَجِده من شَيء. قَالَ مُرقِّش:
لا يُبعد اللهُ التلبب في ال ... غارات إذ قال الخميس نعم3
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 2/504 والبخاري في 4/253.
2 س, ت, ط: "ابن أبي مسرة" والمثبت من م, ح.
3 سبق في اللوحة: 166.

(1/605)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا رَكِبَ أَحَدُكُمُ الدَّابَّةَ فَلْيَحْمِلْهَا عَلَى مَلاذِّهَا" 1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَدِيٍّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُوحٍ الأَذَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نا شُعَيْبُ بْنُ مُبَشِّرٍ نا مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
قوله: فليَحْمِلْها عَلَى ملاذِّها أي لِيَحمِلُها من الطريق عَلَى الجَدد وَدِمَاث الطرق التي تَسْتَلِذّها الدّوابُّ ولا يَحْمِلْها عَلَى الوُعُوثَة والحُزونَةِ التي يَشْتدُّ علَيْها السّيْرُ فيها فلا تَسْتَلِذُّه.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/365 وعزاه للدار قطني في الأفراد.

(1/606)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْجِهَادِ فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ بَعْلٍ" قَالَ: نَعَمْ قَالَ: "انْطَلِقْ فَجَاهِدْ فإن لكفيه مُجَاهَدًا حَسَنًا" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قوله: "هل لكَ من بَعْل" يُريدُ هل بَقِي من أهلك مَنْ تَلزمُك طاعَتُه من وَالدٍ أو والدةٍ أوْ مَنْ في مَعْناهُما يُقال: هذا بَعْلُ الدَّارِ وبَعْلُ الدّابّة أي مالِكُها. ومنه قِيلَ لزِوْج المرْأةِ بَعْل.
ورُوِي عَنِ ابن عبّاسٍ في قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} 2. قال: ربا.
__________
1 الفائق "بعل" 1/199 والنهاية "بعل" 1/141 وفيها: يقال: صار فلان بعلا على قومه: أي ثقلا وعيالا.
2 سورة الصافات: 125.

(1/606)


وأخبرني الحَسَن بْن عَبْد الرحيم نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيدَانَ1 نا هَارُونُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ الْبَجَلِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي رَوْقٍ: اخْتَصَمَ رَجُلانِ فِي نَاقَةٍ فَمَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِمَا وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ أَنَا وَاللَّهِ بَعْلُهَا أَنَا وَاللَّهِ بَعْلُهَا.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ أَنَّ رَجُلا جَاءَهُ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَالَ لَهُ: "هَلْ لَكَ مِنْ حَوْبَةٍ" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَفِيهَا فَجَاهِدْ".
فسَّرُوها الأُمَّ2. ويقالُ إنّها إنّما سُمِّيَتْ حَوْبةً لِمَا في تَضْييعها من الحَوْبِ وهو الإِثْم. يُقالُ: حابَ الرَّجُلُ إذَا أثِمَ يَحُوبُ حَوْبًا. قَالَ الشّاعر:
وإِنّ مُهاجِرَيْن تكنّفاها ... غداتئذٍ لَقدْ ظَلَما وَحابَا3
وقال المُنخَّلُ السَّعْديُّ4
وتُخبِرُني شَيْبانُ أَن لن يَعقَّني ... بَلَى جَيْرِ إِنْ فَارقْتَني وتَحُوب
والحُوبُ المَرضُ أيضًا.
وأنشدني أبو عُمَر: أنشدنا أبو العبّاس ثَعْلَب عن أَبِي نَصْر عَنِ الأَصْمَعِيّ:
تَداوَيْتُ من ليْلَى بِهجْران بَيْتها ... وداوَيْتُ أقْوامًا مِراضًا قُلُوبُها
فأمّا الَّذِي داوَيْتُ بِالهَجر فاشْتَفَى ... بِهَجرٍ وأمّا النفس فاغتل حوبها
__________
1 م: "عبد الله بن زيد".
2 ح: "الإثم" وأخرجه عبد الرزاق في المصتف 5/175 والنهاية حوب 1/445. وفي الفائق "حوب" 1/329: الحوبة: هي الحرمة التي يأثم في تضييعها من أم أو أخت أو بنت والتقدير ذات حوبة.
3 م, ح: "تكفناه" بدل "تكفناها".
4 من م.

(1/607)


قَالَ أبو العَبَّاس اغتلّ من الغُلَّة.
وفي البَعْل وَجْهٌ آخرُ وهو أن يُقال: هل لك من بَعِلٍ عَلَى وَزْن وَعِلٍ.
يريدُ هل في أهلكَ1 مَنْ بَعِلَ أي ضَعُف وعَجَز عَنِ السَّعْي والعمل.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأَعرابي قَالَ: يُقال بَعِلَ الرَّجلُ وبَحِرَ وبَقِر إذَا تحيَّر فلم يهْتَدِ لأمرِه. وامرأةٌ بَعِلَةٌ إذَا كانت بَلْهاءَ لا تُحْسِنُ أن تَلْبَسَ ثِيابَها وتُصْلِحَ أَمرَ نفْسِها.
وفيه لُغةٌ أخرى بَعَل بفتح العين فهو بَعْلٌ. حكاها ابنُ السّكِّيت عَنْ يُونُس قَالَ: يقال بَعَل الرَّجُلُ إذَا صَارَ بَعْلًا يَبْعَلُ وأنشد:
يا رب بَعْلٍ ساء ما كَانَ بَعَلْ
فالبَعْلُ عَلَى هذا مَعْناه الكَلّ من العِيال. يُقال: أَصْبَح فُلانٌ بَعْلًا عَلَى أهِله أي ثِقْلًا عليهم وكَلا.
وهذا كَحَدِيثه الآخر: أَنَّه جاءَه رجُلٌ يُريد الجهادَ فَقَالَ لَهُ: "هَلْ في أهِلك من كاهل" 2 يروى مَنْ كاهَلِ.
قَالَ أبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ هَلْ فيهم من أَسنَّ وصَارَ كَهْلًا ضَعِيفًا.
قَالَ أبو سليمان: ورأيتُ بعضَ أهلِ النظر يَذْهَبُ في ذَلِكَ إلى غير ما تأوله أبو عبيد ويرويه هَلْ في أهِلك من كاهِلٍ على وزن قاتل. قال:
__________
1 م: "هل من بعل" والمثبت من س, ط.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/176 بلفظ: "هل تركت في أهلك من كهل" وفي الفائق "كهل" 3/288: عن أبي سعيد الضرير أنه أنكر الكاهل وزعم أن العرب تقول للذي يخلف الرجل في أهله وماله كاهن. وقد كهنني فلان بكهنني كهونا. وقال: فإما أن تكون اللام مبدلة من النون أو أخطأ سمع السامع فظن أنه باللام وكذلك جاء في النهاية "كهل" 4/213.

(1/608)


يُقال: فُلانٌ كاهِلُ بني فلان إذَا رَأَسَهُم وَقام بأمْرِهم فاعتمدُوه لِما يَنُوبُهم. وأَصْله من كاهِل الظَّهْر لأَنَّه المُعْتَمد عَلَيْهِ فيما يُحتَمل. والعَربُ تَقُولُ تميم كاهلُ مُضَر لأنَّ العدَدَ فيهم. وسَعْد كاهِلُ تَمِيم. والمعنى أنّه قَالَ للرجل هل في أهلك مَنْ تَعْتَمِده للقِيام بأمْرِهم إذَا غِبْتَ عنهم يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قولُه: في هذا الخَبر ما هم إلا أُصَيْبِيَةٌ صِغَارٌ.

(1/609)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ نا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
معناه أَنَّ الأَنبياءَ لا يَقتُلُون إلا مَنْ يَستَحِقُّ القتْل لأنّ الغَلَطَ في الأحكام لا يجوز عليهم والأَئِمَّة إنّما يجتهدون في الأحكام والغلَطُ غير مأمُونٍ عليهم وهذا فيمَنْ قَتَله النَبِيُّ عُقوبةً لَهُ عَلَى كُفْره كأُبَيِّ بنِ خَلَف قتله رَسُول الله عقوبة لا فيمن قتله تطهيرًا لَهُ كَماعِز رَجَمَه النَّبِيّ عَلَيْهِ السلام طُهْرةً لَهُ وكفّارةً لذَنْبه أَلا تراه قد صلّى عَلَيْهِ واستغفر له.
__________
1 أخرجه أحمد 1/407.

(1/609)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله: "بخ ذلك مَالٌ رَابِحٌ أَوْ رَائِحٌ" 1.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بن عَبْد الله بن أبي طلحة عن أنس.
__________
1 أخرجه البخاري 2/141 ومسلم 2/693.

(1/609)


قوله: "رابح" أي ذُو رِبْح كقوله: ناصِب أي ذُو نَصبٍ. قَالَ النابغَةُ:
كلِيني لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصبِ1
وأما الرائِحُ فهو القريبُ المسافة الَّذِي يَرُوح خَيْره ولا يَعْزُب نَفْعُه قَالَ الشاعر:
سأطلبُ مالًا بالمدينة إنَّني ... أَرَى عَازِبَ الأَمْوال قَلَّتْ فَوَاضِلُهْ2
وقوله: بخٍ كلمةُ إعجابٍ وقد تُخفَّفُ وتُثَقَّلُ فإذا كُرِّرَتْ فالاخْتيارُ أن ينوَّنَ الأوَّلُ ويُسكَّن الثاني وهكذا هو في كل مُثنّى كقولهم صَهٍ صَهْ وطَابٍ طَابْ ونحوهما. قَالَ الأحمرُ: في بخً أربعُ لُغات الجَزْمُ والخفْضُ والتَّشْدِيدُ والتخفيف وأنشد:
روَافِدُهُ أَكرَمُ الرَّافدَات ... بَخٍ لَكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَمْ3
وقال آخر:
بَخْ بَخْ لوالدة وللمولود4
__________
1 الديوان /54 وعجزه:
وليل أقاسيه بطئ الكواكب
2 اللسان والتاج "فضل" ولم يعز.
3 اللسان والتاج "خضم" ولم يعز.
4 اللسان والتاج "بخخ" وعزي لأعشى همدان وصدره:
بين الأشج وبين قيس باذخ

(1/610)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكُهَّانَ فَقَالَ: "لَيْسَ بِشَيْءٍ" فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله فإنهم1 يقولون كلمة
__________
1 س: "فإنهن" والمثبت من م.

(1/610)


تَكُونُ حَقًّا قَالَ: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهُ الْجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهُ فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرِّ الدَّجَاجَةِ وَيَزِيدُونَ فِيهِ مِائَةَ كِذْبَةٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُقْبَةَ الْحَضْرَمِيِّ2 عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ.
قوله: "كقَرِّ الدَّجَاجة" هكذا قَالَ ابنُ الأعرابيّ فإن كَانَ محفوظًا فإنّه يُريد صَوْتَها يقالُ للدجاجة إذَا قَطَّعَتْ صَوْتَها قَرَّتْ تَقِرُّ قرًّا وقريرا فإذا رجَّعتْ فيه قِيلَ قرْقَرتْ قَرْقرةً وَقَرْ قَرِيرًا. قَالَ الشاعرُ:
وإن قرْقَرَتْ هاجَ الهَوى قَرْقَرِيرُها
وقال آخر:
صوت الشقراق إذَا قَالَ قَرِرْ3
فأظْهر التّضعيفَ عَلَى الحكاية والمْعنى أَن الجِنِّيَّ يَقْذف تِلْكَ الكلمةَ إلى وليّه الكاهن فيتسامع بها الشَّياطينُ كما تُؤذِنُ الدّجاجةُ بصَوْتها صواحباتِها فتتجاوب ومن شأنها أَنَّ الواحِدَةَ مِنْهُنَّ إذَا صاحتْ صاح سَائِرُهُنَّ وكذلك البَطُّ وكثير من الطَّيْر فيكون صوتُ الواحدة منها قد جَلَبَ صوت مائة منهن.
__________
1 أخرجه البخاري في 7/176, 8/58 ومسلم 4/1750 وأحمد في 6/87.
2 م: عن اسماعيل عن عقبة الحضرمي.
3 في اللسان والتاج "قرر":
كأن صوت صرعهن المنحدر ... صوت شقراق إذا قال قرر
ولم يعز.

(1/611)


وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرِّواية كقرِّ الزّجاجة1 يدلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ رَوَى اللَيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَلائِكَةُ تُحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقَرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ" 2.
فَذِكرُه القارورة في هذه الرواية يدلّ عَلَى ثبوت الرواية بالزُّجاجة في حديث ابن شهاب. قَالَ أبو زَيْدٍ: يُقالُ: قَررتُ الكَلامَ في أُذُنِ الرّجُلِ أَقُرُّهُ قَرًّا. وقال ابنُ الأعرابيّ: القَرُّ تَرْدِيدُك الكلامَ في أُذُنِ الأَبْكم حتى يفْهَمه. والقَرُّ صَبُّ الماءِ دَفْقةً3 واحدة.
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ وَاخْتِطَافَ الْجِنِّيِّ الْوَحْيَ قَالَ: "فَيَقْذِفُهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يُرَقُّونَ فِيهِ" 4.
قوله: يُرَقُّونَ أي يتزيَّدُونَ. يقال: رَقَّى فُلانٌ عَلَى الباطل إذَا تقوّلَ: ما لم يَكُنْ وأصله من الرُقِيِّ وهو الصُّعُودُ والارْتِفاع. وحقيقَتُه أنّهم يرتفعون إلى الباطل ويدَّعونَ فوْقَ ما يسمعون.
__________
1 في النهاية لابن الأثير "قر": ويروى "كقر الزجاجة": أي كصوتها إذا صب فيها الماء.
2 أخرجه البخاري في 4/152.
3 م: "دفعة".
4 أخرجه الترمذي في التفسير 5/362 بالطريق المذكور بلفظ: "ولكنهم يحرفون ويزيدون".

(1/612)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنِ الْمَيِّتِ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
هذا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجهَيْن: أَحدُهُما أن تكُونَ الثِّيابُ كنايةً عَنِ العَمل الَّذِي يَمُوتُ عليْه ويُخْتَمُ لَهُ بِهِ ويَدُلّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَاهُ محمد بن عَبْد الواحد النحوي نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَمَّالُ نا أَبُو نُعَيْمٍ نا سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ" 2.
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا الْفُضَيْلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَجَاهِدٍ فِي قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 3 قَالَ: وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ4. ويقال: فُلانٌ دَنِسُ الثَّوْبِ إذَا كَانَ خبِيثَ الفِعْل والمَذهَب. ولَبِسَ الرّجُلُ ثوْبَ غَدْرٍ إذَا غَدَرَ. كقَوْل الشاعر:
وإني بحمدِ الله لا ثَوْبَ غَادِرٍ ... لَبِسْتُ ولا مِن رِيبَة أتَقنَّعُ5
وقال آخرُ:
لا هُمَّ إِنّ عَامرَ بْن جَهْمِ ... أوْ ذَم حجًّا في ثيابٍ دُسْمِ6
__________
1 أخرجه أبو داود في الجنائز 3/190.
2 أخرجه مسلم في 4/2206 وابن ماجه في 2/1414 بلفظ: "يحشر الناس على نياتهم".
3 سورة المدثر: 4.
4 أخرجه ابن جرير في تفسيره 29/146.
5 اللسان والتاج "ثوب" دون عزو.
6 اللسان والتاج "دسم" دون عزو.

(1/613)


والوجْهُ الآخرُ أن يُراد بالثّياب ما يُلبَس ويُكْتَسَى يُريدُ أنّهم يُبْعَثُون من قُبُورهم وعليهم ثِيابُهم ثُمَّ يُحشَرُون إلى الموْقِف عُراةً لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا" 1.
وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّه لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ حَسِّنُوا كَفَنِي فَإِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثيابه التي يموت فيها.
__________
1 أخرجه البخاري في 4/169, 204 ومسلم في 4/2194 والترمذي في 4/615 وغيرهم.

(1/614)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نَاضِحَ آلِ فُلانٍ قَدْ أَبَدَّ عليهم فنهض رسول الله فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ سَجَدَ لَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ: "هَاتِ السِّفَارَ" فَجِيءَ بِالسِّفَارِ فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ1.
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ نا الْمَكِّيُّ نا فَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى.
السِّفارُ الزِّمامُ يُقال: أَسفَرتُ البعيرَ جعلتُ لَهُ سِفارًا. وقال أبو زَيْدٍ: السِّفارُ الحَدِيدَةُ التي يُخْطَمُ بها البعيرُ وفيه لُغَةٌ أخرى سَفَرتُ البعير.
__________
1 ذكره السيوطي في الخصائص الكبرى 2/255 بلفظ "أبق" بدل "أبد" وعزاه للبيهقي وأبي نعيم.

(1/614)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ ثُمَّ صُنِعَتْ فِي الإِرَةِ حَتَّى نَضِجَتْ.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.

(1/614)


الإرة: مستوقد النار يقال: وأَرْتُ إِرَةً إذَا حَفرْتَ لها حَفِيرةً ويجْمَعُ عَلَى الإِرِين. والإِرَةُ أيضًا لَحْمٌ يُطْبَخُ في كَرِشٍ وقد رُوي أَنَّ بُرَيْدة الأسلميَّ أهدى لرسول الله إرةً أي لحْمًا في كَرِشٍ.

(1/615)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَقُصُّ إِلا أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ أَوْ مُخْتَالٌ" 1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ2 نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ عَنْ كَثِير بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
بلغني عَنِ ابن سُرَيْج أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هذا في الخُطْب وذلك أَنَّ الأُمراء كانوا يتولَّوْنَها بأنْفُسِهم فَيَقُصُّون فيها عَلَى الناس ويَعِظُونهم. والمَأمُورُ مَنْ يختاره الأَئِمَّةُ3 فينْصِبُونَه لذلك ولا يكادون يَختارُون لَهُ إلا رِضًا من النّاسِ فاضلًا وما سِوَى ذَلِكَ فإنّه لا يكادُ ينْتَدِبُ له من الناس إلا مراء مُخْتالٌ.
وفيه قولٌ آخرُ هُوَ أَنَّهُ أَرادَ بِهِ الفَتْوى في الأحكام ويشهَدُ لَهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ سُئِلَ حُذَيْفَةُ: عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ إِنَّمَا يُفْتِي أَحَدُ ثَلاثَةٍ مَنْ عَرَفَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ أَوْ رَجُلٌ وَلِيَ سُلْطَانًا فَلا يَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا أَوْ متكلف4.
__________
1 أخرجه أحمد فب مسنده 6/27, 28, 29.
2 م: "الكجي". وفي تبصير المنتبه /1218: أبو مسلم إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم بن ماعز بن كش الكشي ويقال فيه الكجي الحافظ صاحب السنن.
3 س: "الإمام" والمثبت من بقية النسخ.
4 في المصتف لعبد الرزاق 11/231 بلفظ: " ... من عرف الناسخ والمنسوخ قالوا ومن يعرف ذلك قال عمر أو رجل ولي سلطانا ... الخ" والدارمي 3/62 بنحوه بتقديم وتأخير.

(1/615)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ خَيْلا فَقَالَ رَجُلٌ: خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ جَاعِلُو رِمَاحَهُمْ عَلَى مَنَاسِج خُيُولِهِمْ لابِسُو الْبُرُودِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ. فَقَالَ: كَذَبْتَ بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ الإيْمَانُ يَمَانٍ آلُ لَخْمٍ وَجُذَامَ وَعَامِلَةَ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى نا أبو المغيرة نا صفوان بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ.
مِنْسَجُ الفَرس. بمنزلة الكاهِل من الإنسان. قَالَ أبو عَمرٍو هُوَ المِنْسَجُ بِكَسْر الميم وفَتْح السِّين وهو من البَعِير حارَكٌ ومن الحمار سيساء.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/387.

(1/616)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأكْوَعِ قَالَ: لَمَّا أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ الْفَزَارِيُّ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللَّهِ نَادَيْتُ يَا صَبَاحَاهُ ثُمَّ خَرَجْتُ أَقْفُو فِي آثَارِهِمْ فَأَلْحَقُ رَجُلا فَأَرْشُقُهُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ فَقُلْتُ:
خُذْها وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... واليَومُ يَوْم الرُضَّعِ
قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ حَتَّى ألْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ رُمْحًا وَثَلاثِينَ بُرْدَةً لا يُلْقُونَ شَيْئًا إِلا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا قَالَ وَأَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ مُمِدًّا لَهُمْ فَقَعَدُوا يَتَضَحَّوْنَ1 وَقَعَدْتُ عَلَى قَرْنٍ فَوْقَهُمْ فَنَظَرَ عيينة فقال:
__________
1 م: "يتضحون" من اتضح والمثبت من س والفائق 2/173 وفي النهاية "ضحا": هو يتضحى أي يأكل في هذا الوقت كما قال يتغذى ويتعشى.

(1/616)


مَا هَذَا الَّذِي أَرَى فَقَالُوا: لقينا منه الْبَرْحَ1. فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
يَرْوِيهِ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ.
قولُه: أرشُقُهُ يُريدُ أَرْمِيه. يُقالُ إذَا رَمَى أَهْلُ النِّضال شوطا ثُمَّ عَادُوا قد رشَقُوا رَشْقًا والاسْمُ منه الرِّشْقُ بكسر الراء ونُغْضُ الكَتِف فَرعُ الكَتِف وسُمِّي نُغْضًا لأنّه يَنْغَضُ من الإنسان إذَا أَسْرَع أي يتحرّكُ منه. يُقالُ أَنْغضَ الرَّجُلُ رأسَه إذَا حرَّكه.
وقوله: اليَوْم يَومُ الرُضَّع يُريدُ اليَوم يَوْم هلاكِ اللِّئام. من قولهم: لَئيمٌ رَاضِعٌ وهو الَّذِي يَرْضَع الغَنَم لا يَحْلُبَها فيُسْمع صَوْتُ الحَلَب. قَالَ الشاعر:
لا يَحْلُبُ الضَّرْعَ لؤمًا في الإناء ولا ... يُرَى لَهُ في نَواحِي الصَّحْن آثارُ
والبُرْدَةُ شَمْلَةٌ من صُوفٍ مُخطَّطَة وجَمْعُها بُرَدٌ. والآرام الأَعْلامُ من الحجارة يُهْتدَى بها واحِدُها إِرَمٌ. كَانَ يُعلِمُ عليها ليَعْرِف مكانَها فيَلْتَقطَها عند انصرافه. قال الكميت:
واستشتت بنا مصَادِرُ شَتّى ... بعْدَ نَهْج السبيل ذي الآرام2
وقوله: وَهُمْ يتَضَحَّوْن أي يتَغَدَّوْنَ. والضّحاءُ الغَداءُ. والقَرْنُ جُبَيْل منفرد والبَرْحُ شِدَّةُ الأَذَى. ومنه قولُهُم برَّحَ بي الأَمْرُ. قَالَ جريرٌ:
ما كُنْتُ أوَّلَ مَشْعُوفٍ أَضَرَّ بِهِ ... بَرْحُ الهَوَى وعذابٌ غيرُ تقتير3
__________
1 أخرجه مسلم في الجهاد 3/1433 في حديث طويل وأحمد في مسنده 4/52.
2 لم أقف عليه في ديوانه ط /بغداد.
3 الديوان /253.

(1/617)


قَالَ الكِسائيّ: يُقال لَقِيتُ منه الأمَرِّينَ والبِرَحِينَ والفُتَكْرِينَ والأَقْوَرِينَ والأقوريّات1. كلها الدواهي والبلايا.
__________
1 من م.

(1/618)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا حَلِيمَ إِلا ذُو عَثْرَةٍ وَلا حَكِيمَ إِلا ذُو تَجْرِبَةٍ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى نا مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ العسقلاني نا يزيد بن موهب نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ نا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجِ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
يذهبُ عامّةُ الناسِ في قوله: "لا حَلِيمَ إِلا ذُو عَثْرَةٍ" إلى أَنَّ الحَلِيمَ لا يَسْلَمُ من أنْ2 تكون لَهُ عَثْرة أو تُوجَد منه زَلَّةٌ عَلَى معْنى قولِهم الجَوادُ يَعْثُر وكقولهم الكريمُ مَنْ عُدَّتْ هَفَواتُه ونحو ذَلِكَ من الكلام
والذي عندي في هذا خِلاف ما يذهَبُون إِلَيْهِ وذلك أَنَّ قَوْلَه: ذُو عَثْرة يَقتَضِي العَدَد والكَثْرَة كقولك فُلانٌ ذُو عَقْلٍ وأدبٍ وزَيْدٌ ذُو مَالٍ ونشَبٍ. ولا يَجوزُ أن يُوصَفَ الحليمُ بكَثْرة العَثَرات والتَّهافتِ في الزلات لأنه بالسُّخْف أَشْبَهُ وإلى السَّفَهِ أقربُ وإنّما وجهه أنّ المرءَ لا يُوصَفُ بالحِلْم ولا يترقَّى إلى درجته حتّى يرْكَبَ الأمورَ ويجرِّبَها فيعثُر مرةً بَعْد أخرى فيَعْتبِر بها ويَسْتَبين مَواضعَ الخطإِ فَيجْتنبُها. وهكذا معنى قوله: "لا حَكِيمَ إلا ذو تجربة".
__________
1 أخرجه الترمذي في البر والصلة 4/379 وأحمد في مسنده 3/8, 69 والحاكم في المستردك 4/293 وابن حبان في صحيحه كما في الموارد /507.
2 ح, م: "من أن توجد له عثرة أو تكون منه زلة".

(1/618)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام: "أَنَّهُ حَمَى غَرَزَ النَّقِيعِ لِخَيْلِ المسلمين"1.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/157 بدون لفظ: "غرز" وانظر وفاء الوفاء 3/1084.

(1/618)


يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
الغَرَزُ نَوْعٌ من الثُّمَامِ دَقِيقٌ لا ورَقَ لَهُ يَنْبُت في القِيعان وعلى شُطُوط الأَنْهار.
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لِيَرْفَأَ1 خَادِمِهِ كَمْ تَعْلِفُونَ هَذَا الْفَرَسَ لِفَرَسٍ رَآهُ قَالَ ثلاثة أمداد أوصاع فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذَا لَكَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُعَالِجَنَّ غَرَزَ النَّقِيعِ. قال الأصمعي: النقع القاع. يقال انزِل بذلك النّقْع أي بذلك القاع والجمع2 النقعان.
__________
1 القاموس "رفأ": يرفأ كيمنع: مولى عمر بن الخطاب.
2 م: "والجماع".

(1/619)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ" قَالَ: نَعَمْ قَالَ: "فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا" قَالَ نَعَمْ. قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبَحْرِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتْرُكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُؤَمِّلُ بْنُ الْفَضْلِ نا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قوله: لن يَتِرك مَعْناه لن يَنقُصَك. يُقالُ وتَرةُ يَتِرهُ تِرةً. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} 2 وقال تَعَالَى: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ
__________
1 أخرجه البخاري في الزكاة 2/145 ومسلم في الإمارة 3/1488 وأبو داود في الجهاد 3/3 والنسائي في البيعة 7/143 وأحمد في مسنده 3/14, 64.
2 سورة محمد: 35.

(1/619)


شَيْئاً} 1 معناه أيضا لا يَنْقُصُكُم. قَالَ اليزيدي: فيه لُغتان أَلَت يَأْلِتُ أَلْتًا ولاتَ يليت ليتا.
__________
1 سورة الحجرات: 14.

(1/620)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ بِأَبِي شُمَيْلَةَ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ: "اضْرِبُوهُ" فَضَرَبُوهُ بِالثِّيَابِ وَالنِّعَالِ وَبِأَيْدِيهِمْ والْمِيتَخُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَشَّاشُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا أَبِي سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ ابنُ الأعرابي: المِيتَخُ العَصَا الخَفِيفَة.
وَأَخْبَرَنَا ابنُ داسَة قَالَ قَالَ أبو داوُد قَالَ ابنُ وهْب المِيتَخَةُ الجريدَةُ الرَّطبةُ.
وأخبرني بَعْضُ أصحابنا عَنْ أَبِي عُمَرَ عَنْ أَبِي العبّاس ثَعْلَب عَنِ ابن نَجْدَة عَنْ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: يُقالُ لِلْعَصا المِتْيخَةً بسكون التاء وَالمِيتخَةُ الياء قبْل التاء والمِتّيْخَةُ بتشديد التّاء فمن قَالَ مِيتخَةٌ فهو من وَتَخ يَتِخُ مِفْعَلَةٌ مِنْهُ. ومن قَالَ: مِتْيَخَةٌ فهو من تَاخَ يَتُوخُ2 ومن قَالَ: متِّيخَةٌ فهي فِعِّيلَةٌ من متَخَ الجَرادُ إذَا أَرَّز أَذنابَه في الأرض وفي هذا دليلٌ عَلَى أنّ حَدّ الخَمْر أخفُّ الحُدُود. وأكثرُ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَلَغَ به في
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 105 /ب وذكره الحافظ في الإصابة 4/103.
2 في الفائق للزمخشري "متخ" 3/342: قالوا في المتيخة إنها من تاخ يتوخ وليس بصحيح لأنها منه لصحت الواو كقولك: مسورة ومروحة ومحوقة.

(1/620)


الخَمْر أَرْبَعين وكذلك رُوِي عَنْ أَبِي بَكْر وعمر شَطْرَ إمارِته ثُمَّ تشاور الصحابةُ في ذلك فبلَغُوا بِهِ حدَّ القذْف ثمانين.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَهَذَا حَدِيثُهُ قَالا: نا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يَقِتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ حَدًّا. قَالَ: وَشَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ فَلُقِيَ يَمِيلُ فِي الْفَجِّ فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا حَاذَى دَارَ الْعَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَقَالَ: "أَفَعَلَهَا" وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ1.
وفي هذا دَلالَةٌ عَلَى أنّ للإمامِ أن يَعْفُو عَنْ شارب الخَمْر وإنه وَإِن كَانَ من حقُوق الله فليْسَ كحدِّ الزِّنا والسَّرِقة ونحوهما.
وقولُه: لم يَقِتْ يريد لم يُوقِّتْ. يقالُ: وقَت يَقِتُ بالتَّخْفِيف ومنه قولُه تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 2.
__________
1 أخرجه أبو داود في كتاب الحدود 4/162 وأحمد في مسنده 1/322. والفج: الطريق.
2 سورة النساء: 103.

(1/621)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي قِصَّةِ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ فَأَبَى عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَنْ يَقْبَلَ الْغِيَرَ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شكة فقال يا رسول لله إِنِّي مَا أَجِدُ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإِسْلامِ مَثَلا إِلا غَنَمًا وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غدا1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الديات 4/171 وابن ماجه في الديات أيضا 2/176 مختصرا وأحمد في مسنده 5/112, 6/10.

(1/621)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالا نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ سَعْدِ بْنِ ضُمَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ.
الغِيَرُ تُفَسَّر الدِّيَة وقدْ ذكره أبو عُبيد في كتابه والشِكَّةُ السِّلاحُ قَالَ النابغةُ:
وَإِنّ تِلادي إنْ ذَكَرْتُ وشِكَّتِي ... ومُهْرِي وما ضمَّتْ إليَّ الأَناملُ1
ويُجْمَعُ عَلَى الشَّكَك قَالَ حُمَيْدُ بْن ثوْر:
والخَيْلُ عابسَةٌ نَضْحُ الدِّماءِ بها ... تنْعَى ابْنَ أرْوَى عَلَى فُرسانها الشِّككْ2
ويُقالُ: رجلٌ شاكٌّ في السّلاح وشاكِي السلاح. وغُرّةُ الإسْلام أوّلُه وقولهُ: اسنُنِ اليَوْمَ وغيِّر غَدًا مَثَل يريدُ إنّك إن لم تُقِصّ منه غَيَّرتَ سُنَّتَك وبَدّلْتَها. والسُّنَّةُ مأخوذةٌ من السَّنِّ وهو إمرارُكَ المِسنَّ عَلَى الخشبة ونحوها. فإذا تأثر له فيها طرائِق فكُلّ طريقةٍ منها سنة.
__________
1 الديوان 188.
2 الديوان /144 برواية: "على أبطالها" بدل "على فرسانها".

(1/622)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى فَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسٍ وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ أَلْفَ عَامٍ وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ وَرَأَى الْمُوبِذَانُ إِبَلا صِعَابًا1 تَقُودُ خَيْلا عِرَابًا وَقَدْ قَطَعَتِ الدِّجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بلادها فبعث كسرى عبد المسيح بْنَ عَمْرٍو الْغَسَّانِيَّ إِلَى سَطِيحٍ يستخبره
__________
1 م, ط, ت: "صغارا".

(1/622)


عِلْمَ ذَلِكَ وَيَسْتَعْبِرُهُ رُؤْيَا الْمُوبِذَانَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُحِرْ إِلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فأَنشأ عَبْدُ المسيح يقول:
أصم أم يسمع غِطْريفُ اليَمنْ1 ... أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ
يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ
وأمه من آل ذئب بن حجن ... أبيض فضفاض الرداء والبدن
رسول قَيْلِ الْعُجْم يَسْرِي لِلْوَسَنْ ... لا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلا رَيْبَ الزَّمَنْ
تَجُوبُ بِي الأَرْضَ عَلَنْدَاةٌ شَزِنْ ... يرفعني وجن وَتَهْوِي بِي وُجُنْ
حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي وَالْقَطَنْ ... تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ2
فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى جَمَلٍ مُشِيحٍ جَاءَ إِلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لارْتِجَاسِ الإِيوَانِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ وَرُؤيَا الْمُوبِذَانِ رَأَى إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتِ الدِّجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلادِهَا.
عَبْدُ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلاوَةُ وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ وَخُمِدَتْ نَارُ فَارِسَ وَغَاضَتْ بُحيْرَةُ سَاوَةَ وَغَاضَ وَادِي السَّمَاوَةَ فَلَيْسَتِ الشَّأْمُ لِسَطِيحٍ شَأْمًا وَلا بَابِلَ لِلْفُرْسِ مُقَامًا3 يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ عَلَى عَدَد الشُّرُفَاتِ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ4.
__________
1 اللسان والتاج "غطرف".
2 اللسان والتاج "بوغ" وفي تاريخ الطبري 2/331 الأبيات مع زيادة فيها وتقديم تأحير واختلاف في الرواية.
3 من ت.
4 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/67-71 وكذلك أبو نعيم في دلائل النبوة 1/173-176 وفي اللسان "بوغ" حديث سطيح.

(1/623)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِدْرِيسَ الْمَعْقِلِيُّ1 نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ الْبَجَلِيُّ. ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ آل جرير حدثني هانىء بن هانىء وَأَتَتْ لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ الْحَدِيثَ.
الغِطْريفُ: السّيد. رجلٌ غِطْريفٌ من قَوم غَطارفَه. وقوله: فَفَاد أي مات يُقَالُ فَادَ الرَّجُلُ يَفُود إذَا ماتَ. وفاد يَفِيدُ إذَا تَبَخْتر. قَالَ بِشْرُ بْن أَبِي خَازمٍ:
يا فَارِسًا مَا فَادَ أوَّل فارس ... ثَقْفًا إذَا انفَلَت العِنانُ من اليَدِ2
ورواه بعضهم فاز ومعناهما وَاحد
يقالُ فازَ الرَّجُلُ وفوَّز إذَا ماتَ وسُمّيت المفازَةُ لأنّها مهلكة.
وقوله: فازلم بِهِ شأوُ العَنَن سَمِعُتُ أبَا عُمَر يَقُولُ سألْتُ أبا العبّاس عن ذلك فقال ازلَم قَبَض. والشَّأْوُ السِبّاقُ إلى غاية. والعَنَن هاهنا المَوْتُ يُريدُ أنّ الموْتَ عَرض لَهُ فَقَبضه. يقال عنَّ لي أمْرٌ أي عَرَض.
وقوله: يا فاصلَ الخُطّة أَعْيت مَنْ ومن. قَالَ أبو العَبَّاس هذا كما يُقالُ أَعيَتْ فلانًا وفلانًا. قَالَ وقد يعمل فيه الإعرابُ إذَا قِيلَ رأيتُ رجلًا قلت مَنًا وإذا قِيلَ رأَيْتُ رجلينْ قلت مَنَيْن. وفي الجميع مَنُونَ. قَالَ وأنشد الفراءُ:
أتَوْا ناري فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُم ... فقالوا الجِنُّ قُلْتُ عِمُوا ظَلامًا3
__________
1 ت: إبراهيم بن إدريس المعقل. وفي المشتبه 2/603: إبراهيم بن محمد بن إدريس بن معقل المعقلي.
2 الديوان /60.
3 هامش م, ط: "صباحا" بدل "ظلاما" والبيت في اللسان والتاج "منن" برواية: "ظلاما" وعزي لشمر بن الحارث الضبي.

(1/624)


وقوله: فَضْفَاضُ الرِّداءِ والبَدنْ فإن الفَضْفَاضَ الواسعُ. وَسَعَةُ الرِّداءِ والبدَنِ1 كِنايةٌ عَنْ سَعَة الصَّدْر ورحْبِ الذراع عن لابسة قَالَ الشاعر:
مَعي كُلُّ فَضْفَاضِ القَمِيص كأنه ... إذا ما سَرى فيهِ المُدامُ فَنيقُ2
أراد بالقميص ما يشْتَمل عَلَيْهِ القَمِيصُ من بدَن لابسِه وهذا كما قِيلَ لِلرَّجُل السَّخِيّ إنّهُ لغَمْرُ الرِّداءِ قَالَ الشاعرُ:
غَمْرُ الرِّداءِ إذَا تبَسَّم ضاحكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكته رِقابُ المَال3
وأنشدونا عَنِ ابن الأنباري:
رَموْها بأثوابٍ خِفَافٍ فلَنْ تَرَى ... لها شَبَهًا إلا النّعامَ المُنَفَّرا4
أراد بالأثواب الأبدانَ ومِثْله كثيرٌ. والعَلَنْداةُ البَعِيرُ الصُّلْبُ. قَالَ ابنُ الأعرابيّ يُقال ناقَةٌ علَنْداةٌ وجَملٌ عَلنْداةٌ بالهاء وتجمعُ عَلَى العلانِدِ والعَلَنْديّاتِ. والشَّزِنُ المُعْيى من الحَفا. يقالُ شَزَنَ البَعِيرُ شزَنًا. وقد يكون الشَّزِنُ الَّذِي يَمْشي في شِقٍّ. والشَّزَنُ النّاحيةُ والشَّزَنُ الحزُونَةُ. ويقالُ بَاتَ فُلانٌ عَلَى شَزَنٍ أي عَلَى قَلقٍ يتقَلَّبُ من جَنبٍ إلى جَنْبٍ قَالَ ابن هَرْمة:
إلا تَقَلّبَ مكرُوبٍ عَلَى شزَنٍ ... كما تقلّبَ تَحْتَ القرة الصرد5
__________
1 ليست في م.
2 تقدم تخريجه في اللوحة 78.
3 اللسان والتاج "ضحك" وعزي لكثير وهو في ديوانه /288.
4 سبق في اللوحة 78.
5 هامش م: الصرد: الذي يجد البرد. وليس في ديوانه ط دمشق.

(1/625)


وقوله: يرفعني وجن فإنه جمع وجين. قَالَ أبو عُمَر1: وهو العارِض من الأرضِ يَنْقَادُ وهو غليظُ لم يزل هذا البعيرُ يرفعني مرة ويخفضني أخرى. والجآجىء عِظامُ الصَّدر. والقطَنُ ما بين الوَركَيْن. يَقُولُ إنّ السَّيْر قد هَزلَها وأخذ من لحمِها حتى عَرِي منه فبدَتْ عِظامُه والبَوْغاءُ دُقاقُ التُّراب. وقوله: أَوفَى عَلَى الضَّريح يريدُ القَبْرَ المَضْروحَ وهو المشقوقُ في الأرض طُولًا فإذا كَانَ مَلْحُودًا لم يُسَمَ ضَرِيحًا. والمشيح الجادُّ. قَالَ عَمْرُو بْن الإطْنابة:
وضَرْبي هامَةَ البطَلِ المُشيْحِ2
ويقال أيضًا رَجُلٌ شَيْحانُ. قَالَ تأبَّط شرًّا:
إذَا خاطَ عَينيه كَرَى النوم لم يزل ... له كالىء من قلب شيحان فاتك
__________
1 م, ح: "أبو عمرو".
2 اللسان والتاج "شيح" وصدره:
وإقدامي على المكروه نفسي

(1/626)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ فَاطِمَةَ إلى النبي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنِّي قَدْ وَعَدْتُهَا لِعَلِيٍّ وَلَسْتُ بِدَجَّالٍ" 1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ نا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مُوسَى عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ ثُمَّ قَالَ مَرَّةً عَنْ حُجْرِ بْنِ عنبس2.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 9/204 وابن الجوزي في الموضوعات 1/382 بألفاظ متقاربة.
2 في تهذيب التهذيب 2/214: حجر بن العنبس الحضرمي أبو العنبس وقال: أبو السكن الكوفي.

(1/626)


قوله: "لسْتُ بدجَّالٍ" معناهُ لسْتُ بِخدَّاع ولا مُلبّسٍ أمْرَك عليك. والدّجْلُ الخلْطُ. ويقالُ الطَّلْيُ وسُمِّي مَسِيحُ الضَلالَة دَجَّالًا لخَلْطه الحقَّ بالباطل.

(1/627)


حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ حَنِيفَةَ النَّعَمِ أَتَاهُ فَأَشْهَدَهُ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ بِأَرْبَعِينَ مِنَ الإبِلِ الَّتِي كَانَتْ تُسَمَّى المطية
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ حَنِيفَةَ النَّعَمِ أَتَاهُ فَأَشْهَدَهُ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ بِأَرْبَعِينَ مِنَ الإبِلِ الَّتِي كَانَتْ تُسَمَّى الْمُطَيَّبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "فَأَيْنَ يَتِيمُكَ يَا أَبَا حِذْيَمٍ" وَكَانَ قَدْ حَمَلَهُ مَعَهُ قَالَ هُوَ ذَاكَ النَّائِمُ قَالَ: وَكَانَ شِبْهَ الْمُحْتَلِمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لَعَظُمَتْ هَذِهِ هِرَاوَةُ يَتِيمٍ" 1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى الذهلي حدثني هانىء بْنُ يَحْيَى بْنِ سَيْفٍ السُّلَمِيُّ نا الذَّيَّالُ بْنُ عُبَيْدٍ سَمِعْتُ جَدِّي حَنْظَلَةَ بْنَ حِذْيَمِ بْنِ حَنِيفَةَ قَالَ جَاءَ حَنِيفَةُ النَّعَمِ.
قوله: "هِراوَةُ يتيم" يُريدُ شَخْصَه وجُثّتَه شَبَّههُ بالهِراوة وهي عصًا تكون مَعَ الرُعاة وتُجْمَعُ عَلَى الهَراوَى قَالَ العبّاس بنُ مِرداس السُّلَميُّ:
وتَضرِبُه الوَلِيدَةُ بالهراوَى ... فلا غير لديه ولا نكير2
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/68, 69 في حديث طويل وذكره الحافظ في الإصابة 1/359 وترجمة حنظلة. والفائق "هرا" 4/99 والنهاية 5/261 وجاء فيها: شبهه بالهراوة وهي العصا كأنه حين رآه عظيم الجثة استبعد أن يقال به يتيم لأن في الصغر.
2 الديوان /60.

(1/627)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَابِرًا قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ رسول الله: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيَتَعَجَّلْ" فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ وذكر حديثا1.
__________
1 أخرجه البخاري في الجهاد 4/36 وأحمد في مسنده 3/372.

(1/627)


حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ1 ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا مُسْلِمٌ نا أَبُو عَقِيلٍ نا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
الأَرْمَكُ الأَوْرَقُ من الإبل والرُّمْكَةُ وُرْقَةٌ يعلوها سَوادٌ.
__________
1 ساقط من ح.

(1/628)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَهَا" 1.
قَالَ أبو عُبَيْد: أراد بالأَسِنَّة الأَسْنانَ يريد أَمْكِنوها من المَرْعى. قَالَ ولا تُعرَف الأَسِنَّةُ في الكلام إلا أسِنّةَ الرِّماح فإن كَانَ مَحْفُوظًا فإنّه أراد جَمْع السِّن فَقَالَ أسنان ثُمَّ جَمَع الأسْنانَ. فَقَالَ أَسِنَّة فصار جَمْع الجمع هذا وَجْهٌ2 في العربية.
قَالَ أبو سُليمان وفيه وَجْهٌ آخر ذكرهُ ابنُ الأعرابي قَالَ: أبو داود أُراهُ السِّنجِيَّ3 قَالَ: سَألتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ يريدُ ارعَوْها وأحْسِنُوا رَعْيَها حَتّى تَسمَن وتَحْسُنَ في عَيْن النّاظر فيَمْنعه حُسْنُها من نَحْرِها فكأنَّما
__________
1 أخرجه مسلم في الإمارة 3/1525 والترمذي في الأدب 5/143 وأبو داود في الجهاد 2/28 وأحمد في مسنده 2/337, 378 وكذلك في 3/305, 382 بمعناه.
وفي غريب الحديث لأبي عبيد 2/69: "أما قوله الركب فإنها جمع الركاب والركاب هي الإبل التي يسار عليها ثم تجمع الركاب فيقال: ركب.
2 كذا في م وفي س: "وجهه".
3 في اللباب 1/570: السجني بكسر السين وسكون النون وفي أخرها جيم هذه النسبة إلى سنج وهي قرية كبيرة من قرى مرو وكان بها جماعة من العلماء منهم أبو داود سليمان بن معبد بن كوسجان السنجي كان أدبيا شاعرا عالما برواة الأخبار مات سنة 257هـ.

(1/628)


استَجَنَّت منه بِسِنانٍ1 وأنشد لخالد بن الظيفان:
لَهُ إِبلٌ فَرْشٌ ذَواتُ أَسنَّة ... صهابية هانت عليه حقوقها2
قال غيره أسنّتُها مراعيها يريد أنها تَتَقَوَّى بها عَلَى السيّر فتكون القوّة لها كالسِّنان3.
وفي حديث آخر: "أعْطُوا السِّنَّ حظَّها" 4 من السَّنُّ والسن الرَّعْيُ. قَالَ النابغةُ:
ضَلَّتْ حُلُومُهُم عنهم وغرّهُمُ ... سَنُّ المعيدي في رعي وتعزيب5
__________
1 في هامش م: استنتجت: امتنعت وانظر الفائق للزمخشري واللسان "ركب وسن".
2 اللسان "فرش" برواية: "وذات أسنة" ولم يعز.
3 من م, ت.
4 في الفائق "سنن" 2/203 وجاء فيه: أراد ذوات السن يعني الدواب.
5 هامش م أي لا يرجع الإبل بالليل إلى المنزل والبيت في اللسان والتاج "سنن" والديوان /89 وشعراء النصرانية 2/652.

(1/629)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّتْ بِهِ سَحَابَةٌ فَرَعَدَتْ فَقَالَ: "تَنَصَّلَتْ هَذِهِ أَوْ تَنْصَلِتُ هَذِهِ تَنْصُرُ بَنِي كَعْبٍ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ.
قوله: تنصّلَتْ معناه جاءت وأَقْبلَت من قولك نصَلَ علينا فُلانٌ إذَا خَرَج عليك من طريقٍ أو ظَهرٍ من وراء حِجابٍ ونحو ذَلِكَ. وأما تنصلت.
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/420 بلفظ: نشأت سحابة فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "رعدت هذه بنصر بني كعب".

(1/629)


فمعناهُ تنحُو1 وتَقْصِدُ يُقالُ للرَّجُل إذَا تَشَمَّر للأمْر وتَجرَّدَ لَهُ قد انْصَلتَ لَهُ. ومنه قولهم سَيْفٌ صَلْتٌ وقد أَصْلَته صاحبُه. وقال ذُو الرُّمّة يصف عَيْرًا وأتنا:
فراح منصلتا يحدو حلائلَه ... أَدْنَى تقَاذُفه التَّقْريبُ والخَببُ2
وقوله: تَنْصرُ بَني كعْب معناهُ تَجودُهم وتَمْطرُهم. قَالَ أبو عبيدة: يُقال نصَرَ المطَرُ أرْضَ فُلانٍ3 إذَا جَادَها وعَمَّها واحْتَجَّ بقوْلِ الشّاعر:
إذَا انْسلخ الشَّهْرُ الحَرامُ فودِّعي ... بِلاد تميمٍ وانْصُري أرْضَ عَامر4
وقال في قوله: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} 5 أي لن يَصْنَعَ6 اللهُ لَهُ ولن يرزُقَه
قَالَ ووقف أعرابي يسْأَلُ النَّاسَ في المسجد فَقَالَ من نصرني نصره الله.
__________
1 ت: "تتجرد" والمثبت من س, ط, م.
2 الديوان /12.
3 ت, م: "أرض بني فلان".
4 في الجمهرة لابن دريد 3/359 برواية: إذا أدبر الشهر الحرام فودعي.
5 سورة الحج: 15.
6 ح: "لن يضيع الله له".

(1/630)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْفَخَ فِي الإناء أو يتنفس فِيهِ1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ نا بِشْرٌ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ سَمِعْتُ عَبْدَ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيَّ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.
__________
1 أخرجه أبو ادود في الأشربة 3/338 وابن ماجه في الأطعمة 2/1094 وأحمد في مسنده 1/220.

(1/630)


نَهْيُه عَنِ النَّفْخ في الإناء لِمعْنَييْن أحَدهُما أنَّه إنّما يَنفُخُ فيه لشِدَّة حرارته والطَّعامُ الحارُّ الشَّديدُ الحرارة ضَارٌّ ثُمَّ إنّه بَعْدُ من أمَاراتِ الجشَع وَقِلّة مَلَكَةٍ النفس.
والآخرُ من أجْل أَنَّهُ لا يُؤمَنُ أن يَقَع فيه شيء من رِيقِه فيَعافَه الطّاعِمُ لَهُ ويَسْتَقذره مؤاكِلُه1 إِذْ كَانَ التقَزُّزُ في بَابُ الطعام والتنظُّفُ فيه من الغالب عَلَى طباع أكثر الناس نَهاه عَنْ ذَلِكَ لئلّا يُفْسِدَ الطعَّامَ عَلَى من يريد أن يتناوَلَه ولهذا المعنى كَرِه تَنفُّسَه في الإناءِ والله أعلم.
__________
1 س, م, ح: "آكله" والمثبت من هامش م.

(1/631)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يختم في القيامة 1 على الْعَبْدِ وَيُنْطِقُ يَدَيْهِ وَجِلْدَهُ بِعَمَلِهِ فيقول إني وعزتك لقد عَمِلْتُهَا وَإِنِّ عِنْدِي الْعَظَائِمَ الْمُطَمَّرَاتِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا أَعْلَمُ بِهِا مِنْكَ اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ" 2.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ نا أَبُو النَّضْرِ نا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِيلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرُّهاوِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلاعِيُّ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَذْكُرُهُ.
قولهُ: المُطَمَّرات يُريدُ المُخبَّآت. يُقالُ طمَّرْتُ الشَيءَ إذا خبأته حيث لا يُدْرَى. ومنه قِيلَ للحفائر تحْتَ الأَرضِ المَطَامِير واحدَتُها مَطْمُورَةٌ.
__________
1 م: "يختم يوم القيامة" والمثبت من هامشه وبقية النسخ.
2 الفائق "طمر" 2/368 والنهاية "طمر" 3/133 وذكره الهيثمي في مجمعه 10/402 بنحوه بلفظ: "المضمرات" بدل "العظائم المطمرات".

(1/631)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَالَ أبو سُليمان وَجْهَهُ واللهُ أعلم أن يَكونَ إنّما كَرِه أن يُكتَب شيء مَعَ القرآن في صحيفةٍ واحدةٍ أو يُجْمعَ بينهما في موضع واحد تَعْظيمًا للقرآن وتَنْزِيهًا لَهُ أن يُسَوَّى بينه وبَيْن كلام غَيْره. وهذا كنَهْيِهِ عَنِ القِراءة في الرّكُوع.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ2 الزَّعْفَرَانِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أَقْرَأَ وَأَنَا راكع3.
كره أن يُجْمَع بين كَلامِ الله وكَلامِ الآدَميّ في موطن واحدٍ فيكُونا عَلَى السّواء في المَحَلّ والمَوْقِع لا أعرِفُ للحديث وجْهًا غيره فقد ثبت عنه أنّه أذِن لعبد الله بْن عَمْرو بْن العاص في الكتاب عَنْهُ وكان عند عَبْد الله بْن عَمْرو صحيفةٌ يُسمّيها الصادقةَ وخطب عليه
__________
1 أخرجه مسلم في الزهد 4/2298 والدارمي في المقدمة 1/119 وأحمد في مسنده 3/12, 21, 39.
2 م: "الحسن بن محمد الصباغ" وفي التقريب 1/170: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ أبو علي البغدادي صاحب الشافعي.
3 أخرجه مسلم في الصلاة 1/349 وفي اللباس 3/1648 والترمذي في اللباس أيضا 4/226 وأبو داود في 4/47 وأحمد في مسنده 1/92.

(1/632)


السلام خُطْبةً بِمنًى فقام أبُو شَاةٍ الكَلْبيُّ فاسْتَكْتبَها فَقَالَ: "اكْتبُوها لأَبي شاةٍ" 1.
وشكا إِلَيْهِ رجُلٌ سُوءَ الحِفْظ فَقَالَ: "استَعِنْ بِيَمِينِك" 2. أي اكتُب وأثبِت عني لا تَنْساه3.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أنا عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ عَطَاءٍ أنا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ أَنَّهُ انْطَلَقَ إِلَى عَلِيٍّ هَوُ وَرَجُلٌ آخَرُ4 يُقَالُ لَهُ الأَشْتَرُ فَقَالا هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَقَالَ لا إِلا هَذَا فَإِذَا فِيهِ: "الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وهم يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهم يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلا وَلا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بِكَافِرٍ وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ أَلا وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَليْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولا عدل" 5.
__________
1 أخرجه البخاري في الديات 9/706 والترمذي في العلم 5/39 وأبو داود في الديات أيضا 4/172 وأحمد في مسنده 2/238.
2 أخرجه الترمذي في العلم 5/39.
3 من ت وهامش م.
4 من س, م.
5 أخرجه أبو داود في الديات 4/180 وأحمد في مسنده 1/119, 122 ومسلم في العتق 2/1147 بألفاظ متقاربة.

(1/633)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبلَ ابْنُ صَيَّادٍ فَوَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي1 مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ظَهْرَهُ
__________
1 س: "ابن مغالة".

(1/633)


بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ" فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: "آمَنْتُ بالله ورسله" 1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ نا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: رَصَّه أي ضَغَطه وضمّ بَعْضَه إلى بَعْض ومنه رَصُّ البناء وهو إِلْصَاقُ بَعْضِه ببَعْضٍ2. قَالَ الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} 3 ومنه التَّراصُّ في الصُّفُوف وهو التقارب والتداني وأنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي أنشدنا أبو المْكارِم:
ما لَقِي البِيضُ من الحُرْقُوصِ ... مِن مارِدٍ لِصٍّ من اللُّصُوصِ
يَدْخُلُ بيْنَ الغَلَقِ المرصُوصُ ... بمهرِ لا غالٍ ولا رَخِيص4
قَالَ أبو المْكارِم: الحُرْقُوصُ دُوَيْبَة يُقال لها عاشِق الأبكار لأنها تَلْزَمُ فرُوجَ الأَبْكار.
وفي رواية أخرى أنَّه قَالَ لابن صيَّادٍ: "أنّي خَبَأْتُ لك خَبِيئًا" فَما هُوَ فَقَالَ الدُّخُّ فَقَالَ: "اخْسَ فلن تَعْدُوَ قدرَك" 5.
__________
1 أخرجه البخاري في الجنائز 2/117 بلفظ: "فرضه" بدل "فرص" وكذلك في الجهاد 4/86 ومسم في الفتن 4/2244 بلفظ: البخاري وأبو داود في الملاحم 4/120 وأحمد في 2/148
2 ت: "وهو إلصاق بعضه إلى بعض".
3 سورة الصف: 4.
4 اللسان والتاج "حرقص" وقالت الرجز أعرابية.
5 هذه الرواية متداخلة في الرواية الأولى عند البخاري 2/117 وأخرجه مسلم في الفتن 4/2240, 2244.

(1/634)


والدُّخُّ الدُّخانُ. قَالَ الشاعرُ:
وسالَ غَرْبُ عَيْنِه فَلخَّا ... تَحْت رِواقِ البيت يغْشَى الدُّخَّا1
وفيه لُغَةٌ أخرى وهو الدَّخُّ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَفَّانُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ رسول الله سَأَلَ ابْنَ صَيَّادٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَقَالَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خالص فقال: "صدق" 2.
__________
1 هامش م: فلخ: أي لصق. والبيتان في اللسان والتاج "دخخ" ولم يعزوا.
2 أخرجه مسلم في الفتن 4/2243 وأحمد في مسنده 3/4, 25, 43 وفي النهاية "درمك" 2/115: الدرمكة: واحدة الدرمك وهو الدقيق الحواري وكذلك في الفائق "درمك" 1/422.

(1/635)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ عَلَى قَبْرِهِ النَّقْلُ 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْبَجَلِيِّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنِ الإِصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ.
النَّقَلُ الحِجارةُ قَالَ الأصمَعي: النَّقَلُ الحجارةُ كالأثافي. وقال أبو زَيْدٍ النَّقَلُ والغَدرُ والجَرَل كلّ هذا الحِجَارة مَعَ الشَّجَر. وقال غيره النَّقَلُ الحِجارَةُ الصِّغارُ ومنه سُمِّيت المُنَقِّلةُ في الجِراح وذلك أَنَّهُ يَخْرُجُ منها عِظامٌ صِغارٌ كالنْقَل.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ يَزِيدَ نا الْمَكِّيُّ بن عبد الله نا.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/574 وابن سعد في طبقاته 2/307 بنحوه.

(1/635)


يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّتَاهُ اكْشِفِي لِي عَنِ الْقُبُورِ قَالَ: فَكَشَفَتْ لِي فَإِذَا ثَلاثَةُ أَقْبُرٍ لا مُرْتَفِعَةٌ وَلا لاطِئَةٌ مَسْطُوحَةٌ عَلَيْهَا حَصْبَاءُ من حصباء العرصة1.
__________
1 أبو داود في الجنائز 3/215 بلفظ: "مبطوحة ببطحاء العرضة الحمراء" والحاكم في المستدرك 1/369.

(1/636)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْبُنَانِيُّ نا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نا هُشَيْمٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مَعنى الضَّمان في كَلام العَرَب الرِّعايةُ للشيء والمُحافَظةُ عَلَيْهِ ومنه قولهم في الدُّعاء للمُسافر في حِفْظِ الله وضَمانِه. قَالَ الشاعر:
رعَاكِ ضَمانُ الله يا أُمَّ مالكٍ ... ولله أن يشقيك أغنى وأوسع2
وقال الفرزدق:
أنا الضمامن الرَّاعي عليهم وإنّما ... يُدَافعُ عَنْ أحْسَابهم أنا أَوْ مثلي3
فقوله: الإِمامُ ضامِنٌ تأْويله أنّه يحفَظُ عَلَى القَوْم صلاتَهم وَيَرْعاها لهم وليس من ضَمان الغَرامَة في شَيْء ويُقالُ إنّه قد ضَمِن الدُعَاء لهم.
أَخْبَرَنَا النَّجَّادُ نا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ نا النُّفَيْلِيُّ نا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ
__________
1 أخرجه الترمذي في الصلاة 1/402 وأبو داود في 1/143 وأحمد في سمنده 2/232, 382, 419, 461.
2 س: "عن يشقيك" والمثبت من ط, م.
3 الديوان 2/712.

(1/636)


حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُوسَى نا يَزِيدُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَيِّ الْمُؤَذِّنُ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَ" 1.
__________
1 أخرجه الترمذي في الصلاة 2/189 وأبو داود في الطهارة 1/23 وابن ماجه في 289 وأحمد في مسنده 5/280.

(1/637)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَضُرُّ الْمَرْأَةَ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ أَنْ لا تَنْقُضَ شَعْرَهَا إِذَا أَصَابَ الْمَاءُ سُورَ الرَّأْسِ" أَوْ قَالَ: "شُورَ الرَّأْسِ" 1.
هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ نا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
قوله: سُور الرَّأس يريد أَعلى الرأْس. وكلّ مرتفع سُور ومن هذا سُورُ البِناء. ولفُلانٍ سُورةٌ في المَجْدِ والكرم أي رفعة وعلاء. قال النابغة:
ألَمْ تَر أَنَّ الله أعْطَاك سُورةً ... يُرَى كلُّ مَلْكٍ دُونَها يتَذبْذَبُ2
ومنه قِيلَ رجلٌ سَوَّارٌ وهو الَّذِي يُسْرعُ فيه الشَّرابُ فترتفع سَوْرَتُه إلى رأسِه. قَالَ الشاعرُ:
وَشَارِبٍ مُربحٍ بالكَأْسِ نادَمَني ... لا بالحَصُورِ ولا فيها بسَوَّارِ3
ويُرْوَى بسَأآر وهُوَ الَّذِي يُسْئِرُ في الكأس سُؤْرًا أي يبقي فيها بقية
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/74 عن جابر بلفظ: "الحائض والجنب يصبان الماء على رؤوسهما ولا ينقضان".
2 الديوان /56.
3 اللسان والتاج "حصر" وعزي للأخطل وهو في شعره 1/168.

(1/637)


وكَانَ القِياسُ أن يَقُول1: مُسْئِرًا من أَسْأَرْتُ ولكنهم ربَّما خرجوا من بِناء الرُّبَاعي إلى الثُّلاثي كقولهم جبَّار من أجْبَرْتُ ودَرَّاكُ من أدركْتُ.
وأمّا شَوْرُ الرأس فلا أعرفه وأُراه شوى الرأس جَمْعُ شواةٍ وهي جِلْدة الرأس2 قال الشاعر:
قالت قتيلة ما له ... قد جللت شيبا شواته3
__________
1 م, ح: "أن يكون".
2 في النهاية "سور": قال بعض المتأخرين: الروايتان غير معروفتين والمعروف شئون الرأس وهي أصول الشعر وطرائق الرأس.
3 اللسان والتاج "شوا" وجاء فيهما: قال أبو عبيد أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له: إنما هو سراته أي نواحيه فسكت أبو الخطاب الأخفش ثم قال لنا: بل هو صحف إنما هي شواته.

(1/638)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَنَتَ صَبِيحَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ والمستضعفين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" فَدَعَا لَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ1 صَبِيحَةُ الْفِطْرِ تَرَكَ الدُّعَاءَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب يا رسول2 الله ما لك لم تدع للنفر فقال: "أوما عَلِمْتَ بِأَنَّهُمْ قَدِمُوا" قَالَ فَبَيْنَا هُوَ يَذْكُرُهُمْ نَفَجَتْ بِهِمُ الطَّرِيقُ يَسُوقُ بِهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَسَارَ ثَلاثًا عَلَى قَدَمَيْهِ وَقَدْ نُكِبَ بِالْحَرَّةِ قَالَ فَنَهِجَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى قَضَى الدنيا فقال رسول الله: "هَذَا الشَّهِيدُ وَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ" 3.
يَرْوِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَنْ جابر بن عبد الله.
__________
1 ح: "صار صبيحة الفطر"
1 ح: يانبي الله.
3 أخرجه الحافظ بن حجر في فوائد الزيادات عن جابر كما ذكر ذلك في الفتح 8/226 في شرح حديث أبي هريرة.

(1/638)


قوله: نَفَجتْ بهم الطَّريقُ أي رمَتُ بهم الطَّريقُ فُجاءَةً. يُقال نَفَجت الرِيحُ إذَا جاءَتْ بَغْتَةً. ورياحٌ نوَافجُ ومنه انتفاجهُ الأَرْنب. وقوله: فَنَهجَ يريد بِهِ نَزْعَ الْمَوت يقال نَهِجَ الرّجلُ يَنْهَجُ إذَا علاه الرَّبْوُ وأُنْهِجَ إِنْهاجًا مِثْلُه.

(1/639)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أن جهيس بْنَ أَوْسٍ النَّخَعِيَّ قَدِمَ عَلَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا حَيٌّ مِنْ مَذْحِجٍ عُبَابُ سَالِفِهَا وَلُبَابُ شَرَفِهَا كِرَامٌ غَيْرُ أَبْرَامٍ نُجَبَاءُ غير دحض الأقدام وكائن قَطَعْنَا إِلَيْكَ مِنْ دَوِّيَّةٍ سَرْبَخٍ وَدَيْمُومَةٍ سَرْدَحٍ وَتَنُوفَةٍ صَحْصَحٍ يُضْحِي أَعْلامُهَا قَامِسًا وَيُمْسِي سَرَابُهَا طَامِسًا عَلَى حَرَاجِيجَ كَأَنَّهَا أَخَاشِبُ بِالْحَوْمَانَةِ مَائِلَةُ الأَرْجُلِ وَقَدْ أَسْلَمْنَا عَلَى أَنَّ لَنَا مِنْ أَرْضِنَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَهُدَّابَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ على مَذْحِجٍ وَعَلَى أَرْضِ مَذْحِجٍ حَيٌّ حُشَّدٌ رُفَّدٌ زُهْرٌ" 1. وَكَتَبَ لَهُمُ رسول الله كِتَابًا عَلَى شَهَادَةِ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ لِوَقْتِهَا وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ بِحَقِّهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَمَنْ أَدْرَكَهُ الإسْلامُ وَفِي يَدِهِ أَرْضٌ2 بَيْضَاءُ قَدْ سَقَتْهَا الأَنْوَاءُ فَنِصْفُ الْعُشْرِ وَمَا كَانَتْ مِنْ أَرْضٍ ظَاهِرَةِ الْمَاءِ فَالْعُشْرُ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ الله بن أنيس الجهني3.
__________
1 كذا في س, ت, م. وفي اللسان "زهر" والزهر جمع الأزهر وهو الرجل الأبض العتيق البياض النير الحسن وهو أحسن البياض كأن له بريقا ونورا يزهر كما يزهر النجم. وفي الفائق "عبب" 2/385: "زهر".
2 ساقطة من ت.
3 أشار ابن الأثير في أسد الغابة 1/369 والحافظ بن حجر في الإصابة 1/255 إلى هذا الحديث وعزاه إلى ابن مندة وعزاه ابن الأثير إلى نعيم أيضا إلا أنهما قالا جهيش بن روس. قال ابن حجر: وذكره الخطابي في "غريب الحديث" بطوله وفسر مافيه.

(1/639)


يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الأوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ حُدِّثْتُ بِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عن الأوزاعي رواه عنه عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّار الْمَرْوَزِيِّ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ اخْتِلافٌ1.
قوله: عُبَابُ سالِفِها العُبابُ أوّل الماء ومُعْظَمُه يريد أنّهم أهلُ سابقَةٍ وشرف والأَبرامُ اللِّئامُ وَاحِدُهُم بَرَمٌ. يُقالُ رجلٌ بَرمٌ وهو الَّذِي لا يُخرِجُ مَعَ أصحابه في المَيْسر شيئًا. ودُحَّضُ الأقدَامِ جَمْعُ داحِضٍ وهُم الذين لا ثباتَ لهم ولا عزيمةَ في الأُمور. ويُقالُ ذَلِكَ أيضًا للسَّاقِطِ المَرْتَبةٍ. من قولك دَحَض الرّجُلُ دَحْضًا إذَا زَلَّتْ قَدَمُه ودَحَضَتْ حُجّتُه إذَا بَطَلتْ. والدَّوِّيَّةُ الأَرْضُ المَلْساءُ التّي لا نَباتَ بها. والسَّرْبَخُ الأرض الواسعة. وأنشدني الحسن بنُ خلاد قَالَ أنشدنا ابنُ دُرَيْدٍ أنشدَنا أبو حاتم أنشدنا الأصمَعيُّ لشاعرٍ يَصفُ القَطَا:
غدَتْ في رَعِيلٍ ذي أدَاوَى مَنُوطَةٍ ... بلَبَّاتِها مَدْبُوغَةٍ لم تُمرَّخِ
إذَا سَرْبَخٌ غطَّتْ مَجالَ سَرابِه ... تَمطَّتْ فَحَطَّت بين أرجاءِ سَرْبَخ2
وقوله: ودَيمُومَة سَردَح فإنَّ الدَيْمُومَة المفَازَةُ المُتقاذِفةُ الأَرْجاء التّي يَدُومُ فيها السير فلا يكاد ينقطع. والصردح بالصَّاد المكانُ المُسْتَوي. فأمّا بالسِين فهو السرداح. قَالَ الأصمعي: وهي الأرض اللينة التي تنبت النصي وتجمع على السرادح. والصحصح المكان المستوي الواسع وهو الصحصحان أيضا.
__________
1 من م, ت.
2 في الجمهرة 3/302: السربخ الفضاء القفر من الأرض. قال عبيد بن الأبرص الأسدي:
فأبصرت ثعلبا بعيدا ... ودونه سربح جديب

(1/640)


وأخبرني أحمد بن أبي ذر أَنا ابن دريد أنا أبو حاتم عَنِ الأصمعيّ: قَالَ: لقِيتُ أعرابيا فقلت ممَّن أَنْتَ قَالَ: أَسَديٌّ قلت من أيّ البلاد قَالَ من أهل عُمَان. قلت فأنَّي لك هذه الفصاحة قَالَ إنّا سكنّا بأرضٍ لا نَسْمَعُ بها باخجةَ التَّيّار قلت فَصِفْ لي أرضك. قَالَ سِيفٌ أَفْيَحُ1 وفضاء صَحْصَح وجَبَلٌ صَلْدحٌ ورَمْلٌ أَصْبَحُ. قلتُ فَما مالُكَ قَالَ النّخْلُ. قُلتُ فأيْنَ أنْت عَنِ الإبل. قَالَ إنّ النَّخْلَ حملُها غِذاءٌ وسَعَفُها ضِيَاء وَجِذْعُها بناء وكَرَبُها صِلاء ولِيفُهَا رِشاء وخُوصُها وِعاء وقَرْوُها إناء.
قَالَ الباخِجَةُ: الصَوْت. والصَلْدَحُ الشديد الصّلب وهو الصّردح أيضا2 والأصبَحُ لونٌ إلى الحُمْرَة وَقْروُ النَخْلَة أصلُها يُنقَر فيُجْعَلُ كالجفْنَةِ.
وقولهُ: يُضْحِي أعلامُها قَامِسًا يريد بالأعْلام الجِبالَ الطِّوالَ واحدُها عَلَمٌ يريد أن جبَالها تبدو أو ترتَفِع للنّاظر مَرَّة وتَغِيب أخرى وذلك أن لمعان الآل يطفو بالأَشخاص في رأي العَيْن ويَرسُبُ بها. والقُمُوسُ أن يَغِيبَ الشيءُ في الماء. وطُمُوسُ السَّراب درُوسُه يريد أنّه يذهَب مرّةً ويَعُودُ أخرى كقول الشّاعر:
بِيدٌ تَرى قِيزانَهُنَّ طُمَّسَا ... بَوادِيًا مَرًّا وَمرًّا قُمَّسَا
وكان الأشبه أن يكون وسَرابُها طامِيًا وكيْف يَقْمُسُ الجَبلُ ويَغِيبُ في سَراب طامِس. وأُرَاه إنّما قَالَ: قامِسًا بلفظ الواحِد لأنّه ردَّه إلى كل عَلَم من
__________
1 القاموس "سيف": السيف بالكسر: ساحل البحر وساحل الوادي أو لكل ساحل سيف. وفي مادة "فاح" وبحر أفيح: زاسع.
2 من م.

(1/641)


أعلامها. قَالَ الكسائي: العَرَبُ تأتي بلَفْظ الجماعة والمعنى واحِد وأنشد:
وطابَ ألبَانُ اللِّقاح وبَرَد
أراد بالألبان اللبن ولذلك قَالَ: وبَرَد. قَالَ أبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وقد تأتي العَربُ بلفْظ الواحِد تُرِيدُ بِهِ الاثْنَين كقوله:
إِذَا رأيْتَ أنجُمًا منَ الأسَدْ ... جَبْهتَهُ أو الخراةَ والكَتَدْ1
قَالَ: أراد الخَراتَين. قَالَ: أخبرني أبو نصْر عَنِ الأَصمَعيّ وابن الأعرابي عَنِ المُفضَّل قَالَ الخَراتان من الأسَد كتِفاه قَالَ وتأتي بالواحد في معنى الجميع كقوله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2. فالإنسانُ هاهُنَا في معنى الجَمِيع لأنّه قد استَثْنى منه جَماعةً بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 3. فمُحَال أن يَسْتَثني جماعةً من واحد. والحراجيِجُ واحدتُها حُرْجُوج. قَالَ الأصمعيّ: هي الطويلة. وقال أبو عَمْرو هي النّاقةُ الضامرةُ
والأَخاشِبُ جَمْعُ الأخْشَب وهو كلّ جبَلٍ خشن4 غليظ الحجارة. والحوْمانَة وَاحدَة الحوَامين. قَالَ الأصمعيّ هي أماكِنُ غِلاظٌ مُنْقادَةٌ. والهُدَّابُ ورق الأَرطَى والواحدة هُدَّابَةٌ. وكلُّ ما لم ينبَسط وَرَقُه كالطّرفاءِ ونحْوه فَورَقُه هَدَبٌ وهُدَّابٌ ومنه هُدْبُ الثّوْبِ.
وقوله: حُشَّدٌ معناه أنّهم أهْلُ احتِشاد ومَعُونَة. والرُفَّدُ جمعُ رَافِدٍ وهو المُعِين والرِّفْدُ المَعُونة.
وقوله: سقَتْها الأَنواءُ أي سَقَتْها السّماء. والأَنواءُ النجومُ واحدُها نَوْءٌ. وكان من مذهب العرب أن يُضِيفوا وُقُوعَ المطر إلى الأَنْواء فخرج هذا على عادة كلامهم.
__________
1 اللسان والتاج "كتد".
2 سورة العصر: 1, 2.
3 سورة العصر: 3.
4 من ط, ح.

(1/642)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بن إبراهيم بن جناح ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
السَّومُ الرَّعي يقالُ سامَت الماشيةُ إذَا رَعَتْ فهي سائمة وأَسامَها صاحبُها. قَالَ الله تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} 2 قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ الْمُفَضَّلُ أصْلُ هذا أَنَّ داءً يقعُ عَلَى النَّباتِ فلا ينْحلُّ حتى تَطْلُعَ الشَّمسُ فَيذُوب فإن أكل منه المَالُ قبْل ذَلِكَ هلك قَالَ فرُبّما ندَّ البعيرُ فأكل منه قبل طلُوع الشَمْس فَماتَ فأي كَلْبٍ أكل مِنْ لحمه كلب.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في التجارات 2/744.
2 سورة النحل: 10.

(1/643)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حُبْلَى فَضَرَبَتْهَا ضَرَّتُهَا بِمِخْبَطٍ فَأُسْقِطَتْ فَحَكَمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِ بِغُرَّةٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
المِخْبَطُ عَصًا يُخْبَطُ بها وَرَقُ العِضاه وهو أن يَضْرِبَ أغصانَ الشَّجرِ فيتَحاتَّ الوَرقُ فيُعْلَفَ الماشية. يُقالُ: خبَطْتُ الورق خبطا فالخبط.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 10/59.

(1/643)


الفِعْل1 والخَبَطُ مفتُوحَ الباء الاسْمُ والهَشُّ نَحْوٌ من ذَلِكَ. ومنه قوله تَعَالَى: حكاية عَنْ موسَى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} 2.
__________
1 ت: "فاستخبط الفعل".
2 سورة ط: 18.

(1/644)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نَضْلَةَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ لَقِيَهُ بِمَرِيَّيْنَ وَهَجَمَ عَلَيْهِ شَوَائِلُ لَهُ فَسَقَاهُ مِنْ أَلْبَانِهَا1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ2 أَخْبَرَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ عَنْ أَبِيهِ مَعْنٍ عَنْ نَضْلَةَ بْنِ عمرو.
المري الناقة الغزيزة وسُمِيّت مَرِيًّا لأَنَّها تُمْرَى أي تُحلَب3. قَالَ الكسائِيُّ المَرِيُّ الغَزِيرَةُ وهي الصَّفيُّ والخُنْجُور والرُّهْشُوش والمُجَالح.
وَأَخْبَرَنَا أبو رجاء الغَنَويّ نا أَبِي عَنْ محمد بْن أنس الأسدي قال قيل الأعرابي مَا أعدَدْتَ للشِّتاء قَالَ جُلّةً رَبُوضًا وصِئْصِئةً سَلُوكًا ونَاقةً مجَالحًا وشَمْلةً مُكَوِّذةً وقُرْمُوصًا دَفِيئا ثُمَّ لا إِلا ولا ذِمّة4 قَالَ: يُريدُ جُلة تَمْرٍ مَلْءَ وقَرْنًا يُقْلَعُ بِهِ التّمر وَشَمْلةً تبْلغُ الكاذة وهي أصل
__________
1 أخرجه أحمد في 4/336 بلفظ: "فمم" بدل "هجم" والبخاري في التاريخ الكبير 4/2/118 مختصرا وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/613 وعزاه إلى تاريخ البخاري وأبي يعلى والبغوي.
2 كذا في ت, ط, م. وفي س: "مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ" وفي التقريب 2/209: "محمد بن معن الغفاري" مات سنة 290.
3 من ت, م.
4 من م.

(1/644)


الفَخِذ: والقُرمُوصُ سَرَبٌ في الأرض. قَالَ الشاعر:
جاء الشتاءُ ولمّا أَتَّخِذْ رَبَضًا ... يا وَيْحَ كَفِّيَ من حَفْر القَراميْصِ1
وقال رُؤبة في كلام لَهُ: ما افْتَحصَ طائر أُفْحُوصَه ولا تَقرْمصَ سَبُعٌ قَرْمُوصَه إلا بقَضاءٍ من الله وقَدَرٍ. والشَّوائلُ: جَمعُ شَائِلةٍ وهي التي شَالَ لبَنُها أي ارتفَع وخَفَّ2 وهيَ الشَّولُ أيضًا. قَالَ الحارِثُ بْن حِلّزة:
لا تكْسَع الشَّوْلَ بأَغْبارها ... إنّك لا تَدْري من النَاتج3
ويقال: إنّما سميت شَوْلا لأنه لم يبقَ في ضروعها إلا شَوْل من اللبن أي بقيّة منه فقيل لها شَوْل لأنها ذات شول يقال لبقية اللبن في الضّرع ولبقية الماء في المزادة شَوْلٌ4
قَالَ الأصمعيُّ: إذَا أتى عَلَى النّاقة من يَوْم حملها سَبْعَةُ أَشْهُرٍ خَفَّ لَبَنُها5 فهْيَ يومَئذٍ شائِلةً وجَمْعُها شَوْلٌ وإذا شالتْ بذنبها بعْد اللّقاح فهي شَائلٌ وجَمْعُها شُوَّلٌ.
__________
1 اللسان والتاج "ربص, قرمص" ولم يعز.
2 م: "وجف".
3 اللسان والتاج "كسع".
4 من م, ت.
5 في هامش اللسان "شول": عبارة الأزهري: "إذَا أتى عَلَى النّاقة من يَوْم حملها سَبْعَةُ أَشْهُرٍ خَفَّ لبنها وهو غلط والصواب: إذا أتى عليها من يوم نتاجها سبعة أشهر كما ذكرته لا من يوم حملها". وهو في التهذيب "شُوَّلٌ" 11/410.

(1/645)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ جَاءَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا الشَّيْءَ يَعْظُمُ1 أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ أَوِ الْكَلامَ بِهِ مَا نُحِبُّ أَنَّ لَنَا يَعْنِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا تَكَلَّمْنَا بِهِ فقال النبي
__________
1 م: "نعظم" من أعظم".

(1/645)


عَلَيْهِ السَّلامُ: "أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوه" قَالُوا نَعَمْ قَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو داود نا أحمد بن يُونُس نا زُهَيْرٌ نا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: "ذاك صَرِيحُ الإيمان" يريدُ أَنَّ صرِيحَ الإِيمان هُوَ الَّذِي يُعظّم ما تَجِدونَه في صدوركم ويمنعُكم من قبول ما يُلقِيه الشّيْطان في قلوبِكم ولولاه لم تتعاظموا ذَلِكَ ولم تُنْكِرُوهُ ولم يُرِد أن الوَسْوَسَةَ نَفسَها صريحُ الإيْمان وكيف تكون إيمانًا وهي فِعْل الشّيْطان وكَيْده ألا تراهُ عَلَيْهِ السلام يَقُولُ وسُئِلَ عَنْ هذا أو نحوه فَقَالَ: "الحمدُ لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" 2.
__________
1 أخرجه مسلم في الإيمان 1/119 وأبو داود في الأدب 4/329 وأحمد في مسنده 2/441.
2 أخرجه أبو داود في الأدب 4/330 وأحمد في مسنده 1/235.

(1/646)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لا تَشَاءُ لا يَكُونُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِكَ اللَّهُمَّ مَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ" 1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيِّ2 عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/191 في حديث طويل.
2 م: "عن أبي بكر بن مريم الغساني". وفي وتقريب التهذيب 2/398: أبو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي مريم الغساني الشامي مات سنة 156هـ.

(1/646)


قوله: "فَمشِيئتُكَ بيْنَ يدي ذَلِكَ كُلّه" مَعْنَاهُ تقديم شَرْطِ الاسْتِثناء في إيمانه ونُذُوره ومَواعِيده وتَعْلِيقه إيّاها بما سبَقَ من مشيئة الله فيها وفي هذا ما دلّ عَلَى جواز تَقْديم الاستِثْناء أمام اليَمِين وفيه حُجَّة لمَنْ أَعملَ الاستثناءَ من غير اتِّصالٍ بالكلام المُسْتَثْنى منه وهو مذهبُ ابن عبّاسٍ.
وقوله: "اللهُمّ ما صَلَّيْتُ مِنْ صَلاةٍ فَعَلَى مَنْ صلّيْتَ وما لعَنْتُ من لَعْنٍ فعلى من لعنت". الوجه في إعرابه أن يُرْفَع الأَوَّل وينصبَ الثاني وهو عَلَى مذهب الدُعَاء والمسأَلَةِ دُون الحِكَايَة والإِخْبار كأنّه يَقُولُ اللهمَّ اجعَل صلاتي وثنائي عَلَى مَنْ أكرَمْتَه بصَلاتِكَ وأهَّلْتَه لثنائك واصْرفْ لَعْنِي وسَبِّي إلى من اسْتَوْجَب لعْنَك واستَحقَّ عُقُوبتَك.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حدثنا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ نا مُحَمَّدُ بن إسماعيل الصائغ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأعْوَرُ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي شَرَطْتُ عَلَى رَبِّي أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذلك عليه صلاة ورحمة" 1.
__________
1 أخرجه أحمد في 3/333 والدارمي في 2/315 بلفظ: "زكاة ورحمة" ومسلم في 4/2007 بنحوه.

(1/647)


ققال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ صَادَفَ مِثْلَ خَطِّهِ" 1.
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ2 فَقَالَ: الخَطَّاطُ هُوَ الَّذِي يَخُطُّ بإصْبَعه في الرَّمْلِ ويَزْجُر. قَالَ وأخبرني أبو حاتمٍ عَنْ أَبِي زيد أنه قال: يقال
__________
1 أخرجه مسلم في السلام 4/1749 وأبو داود في الطب 4/16 والنسائي في السهو 3/16 والإمام أحمد 5/447.
2 2/403.

(1/647)


لِلخَطَّيْن اللَّذيْن يَخُطّهُما الخطّاطُ في الأَرْض ثُمَّ يَزْجُرُ ابنَا عِيَان فإذا زَجَرهما قَالَ ابْنَيْ عِيان أسْرِعَا البَيَان هذا جُمْلَةُ قوله: في تَفْسِير الخطّ.
قَالَ أبو سليمان: وليس في هذا مَقْنَع لمَنْ أحَبَّ أن يقفَ عَلَى صورَة الخطِّ وحقيقتِه وقد ذكره ابن الأعرابي فأوْضَحه قَالَ يأتي صاحِبُ الحاجة إلى الحازِي فيُعْطيه حُلْوانًا وهو جُعْلُه. فيقول: لَهُ اقْعُدْ حتى أخُطَّ لك قَالَ: وبين يَدي الحازِي1 غُلامٌ معه مِيل ثُمَّ يأتي إلى أرْضٍ رِخْوةٍ فيَخطّ خُطُوطًا كثيرةً بالعَجَلة لئلًا يلْحقَها العَدُّ قَالَ ثُمَّ يرجع فيمحو عَلَى مَهلٍ خَطَّيْن خَطَّيْن فإن بَقي منها خطّان فهُما عَلامةُ النّجاح فكانت العربُ تُسمِّي ذينْك الخَطَّين ابْنَي عِيانٍ فيقول الحازي ابنَي عِيَان أَسْرِعَا البَيَان وإن بَقِي خَطٌّ واحدٌ فهو عَلامة الخيْبة. وقال الشاعر:
جَرَى ابنَا عِيان بالشِّوَاء المُضهَّب
ذكرهُ لنا أبو عُمَر2 عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْخَطُّ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي عِلْمٌ قَدِيمٌ تَرَكَهُ النَّاسُ.
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولابِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: جل وعز: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} 3 قال: "الخط" 4.
__________
1 القاموس "حزا": حزا حزوا وتجزي تحزوا: زجر وتكهن.
2 ح: ابن عمر.
3 سورة الأحقاف: 4.
4 أخرجه الطبري في تسفيره 26/2 موقوفا على ابن عباس.

(1/648)


رَفَعَهُ لَنَا ابْنُ فِرَاسٍ وَالأَكْثَرُونَ يَقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وأخبرني أَبُو عُمَرَ أنا ثَعْلَبٌ عَنْ ابنِ الأعرابي قَالَ يُقال لِمَا يأخذه الكاهن الحلوان والنشغ والصهميم.

(1/649)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ مَزَابِي الْقُبُورِ1.
هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. المَزابِي إن كانت محفوظة فإنّي لا أعْلَمُها إلا من الزُبْيَة.
قَالَ أبو زَيْد الزُّبْيَةُ بئر تُحفَر للأسَدِ في رابية لا يَعلُوها الماء كَره والله أعلم أن يُشقَّ القبرُ ضريحًا كالزُّبْيَة لا يُلحَد وهذا كقوله: اللَّحْدُ لنا والشَّقُّ لغَيْرنا2. وما أُرَى هذا مَحُفُوظًا فَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرٌ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرَاثِي3. فأُرَى هذا ذاك بعَيْنِه صَحَّفَه بعضُ الرُّواة. والذي ذكرهُ4 من المراثي النِّياحَة وما يدخُلُ في معناها من تأْبين المَيّت عَلَى ما جَرَى عَلَيْهِ مذاهب أهلالجاهلية من قول المراثي ونصب النوائح على قبور مَوْتاهم. فأما المَرَاثي التي فيها ثناء على الميت ودعاء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/510 بلفظ: "نهى عن المزابي قبورا" والمزابي التي تتخذ للصيد.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/477 وابن ماجه في الجنائز 1/496.
3 أخرجه الحميدي في مسنده 2/313 وعبد الرزاق في مصنفه 3/482 وأحمد في 383 وابن ماجه في الجنائز 1/507 والبيهقي في السنن الكبرى 4/24.
4 م: "والذي كره من المراثي".

(1/649)


لَهُ فغَيْر مَكْرُوهَة وقد رَثى رَسُول الله غَير واحد من الصحَّابة ونَدبتْه فاطمةُ بكلام مذكور عنها ورُثِيَ أَبُو بَكر وعُمَرُ وغَيْرُهما من الصَّحابة بَمراث رَوَاها1 العُلماءُ ولم يكرَهُوا إنشادها وهي أكثر من أن تحصى.
__________
1 م: "ترواها العلماء".

(1/650)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاسْتِطَابَةِ فَقَالَ: "أَوَلا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلاثَةَ أَحْجَارٍ حجرين للصفحتين وحجر لِلْمَسْرُبَةِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أنا ابْنُ صَاعِدٍ نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَدَنِيُّ2 نا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُبَيْرِيُّ نا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
الصَّفْحتان ناحِيَتا المَخرَج. وصَفْحَةُ كُلّ شيء جَانِبُه3. والمَسْرُبَةُ مَجْرَى الغَائط وسُمّي مَسْرُبةً لأنّهُ مُمِرُّ الحَدَثِ ومُسِيلُه. يقال: سَرَب الماءُ يَسْرُبُ إذَا سال وجَرَى ووعاء سَرِبٌ إذَا كَانَ لا يَزالُ يَقْطُر ما فيه وفلان سَرِبُ الوِعاء. إذَا كَانَ لا يكتم سِرًّا والسَّرَبُ مفتوحُ الرّاء الماءُ يَخرُج من عيون الخَرْزِ إذا صُبَّ في المَزَادة الجَدِيدة لكي ينتَفِخ مواضِعُ الخَرْز. يُقالُ سَرِّبْ قِربَتك يا هذا. ومنه قَولُ ذِي الرُّمَّة:
كأَنَّه من كُلَى مفرية سرب4
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 1/211 وعزاه للطبراني في الكبير.
2 ت: "المزني" وفي تهذيب التهذيب 1/485: بكر بن عبد الوهاب بن محمد بن الوليد بن نجيح المدني بن أخت الواقدي.. قال أبو حاتم صدوق سمعت أحمد بن صالح أثنى عليه خيرا كان في سنة 200هـ.
3 ح, م: "وصفحتا كل شئ جانباه".
4 الديوان /1. وصدر البيت:
ما بال عينك منها الماء ينسكب
وهو في اللسان والتاج "سَربُ".

(1/650)


يروى سَرَب بفتح الراء وسرِب بكسرها فمن فتح الراء قَالَ معناه الماء ومن كَسَر قَالَ: معناه السَّائل1 وقال جريرُ:
نَعمْ فانْهَلَّ دَمْعُكَ غيْرَ نَزْرٍ ... كما عينت بالسرب الطبابا2
__________
1 من م, ت.
2 الديوان /64 برواية: "فارفض دمعك غير نزر".

(1/651)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا مِنْ مَغْنَمِ بَدْرٍ وأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ شَارِفًا فَأَنَخْتُهُمَا بِبَابِ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ وَحَمْزَةُ فِي الْبَيْتِ وَمَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ:
أَلا يَا حَمْزَ ذَا الشُّرُفِ النِّوَاءِ1
فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ أَكْبَادَهُمَا فَنَظَرْتُ2 إِلَى مَنْظَرٍ أَقْطَعَنِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَتَغَيَّظَ3 عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدُ آبَائِي قَالَ: فرجع رسول الله يُقَهْقِرُ4.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا أَبُو قِلابَةَ الرُّقَاشِيُّ نا أَبُو عاصم نا ابن جريج أخبرني ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فغنته الكرينة5.
__________
1 الفائق "شرف" 2/235.
2 ساقط من ت.
3 ط, س: "وتغيظ" والمثبت من م.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها المغازي 5/105 ومسلم في الأشربة 3/1568 وأبو داود في الخراج 3/148.
5 النهاية "كرن" 4/168 وجاء في الشرح: أي المغنية الضاربة بالكران وهو الصنج وقيل العود.

(1/651)


كَانَ ابْنُ السَّمَّاكِ يَرْوِيهِ ذَا الشَّرَفِ النَّوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ فِي الشَّرَفِ وَفَتْحَ النُونَ فِي النَّوَى وَقَصْرَهُ عَلَى وَزْنِ اللَّوَى وَهَكَذَا يَرْوِيهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ.
وأخبرني أبو بَكْر القَفَّال عَنْ محمد بْن جَرِير الطَّبري أنّه رَوَاه أيضًا كذلك وفسّره فَقَالَ النَّوى البُعْدُ والنَّوَى جَمْعُ النَّواةِ.
قَالَ أبو سليمان: والرِّوايةُ والتَّفسيرُ معًا غَلَطٌ وإنّما هُوَ النِّواءُ مَكسورة النُّون مَمدُودة الأَلف عَلَى وَزْن الرِّواءِ وأنشدنيه أبو عُمَر:
أَلا يَا حَمْزَ ذَا الشُّرُفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بِالفِناءِ1
القصيدة إلى آخرها.
والشُّرُف جَمْعُ الشَّارِف وهي المُسِنَّةُ من النّوقِ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا أَنَاخَ بِكُمُ الشُّرُفُ الْجُونُ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّرُفُ الْجُونُ قَالَ: "فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ" 2.
قَالَ ابن الأنباري: الشرف هاهنا فِتَنٌ تَتَّصِل أوْقاتُها وتَطُولُ أزمانُها حتى تصير كالشُّرُفِ من الإِبِل وهي النُوقُ المَسَانُّ والنِّواءُ السِّمانُ. والنَّيُّ السِّمنُ. قَالَ الأصمَعيُّ يُقالُ نَوت الناقةُ تَنْوِي فَهيَ ناوِيَةٌ وهُنَّ نِوَاء. وقال يَعْقُوب نَوتْ نِوايَةً ونَوايةً.
قَالَ الراجِزُ:
لطَالَ مَا جَررْتُكُنّ جَرَّا ... حَتّى نَوى الأعجف واستمرا3
__________
1 اللسان والتاج "شرف".
2 أخرج الترمذي في 4/556 طرفا منه والإمام أحمد في مسنده 2/418 , 432.
3 اللسان والتاج "جرر" دون عزو.

(1/652)


وقوله: يُقَهقِر. قَالَ أبو عَمْرو القَهْقَرى: الإحضَارُ فيكون عَلَى هذا أَنَّهُ أسرع في الانْصِراف. وقال الأخفَشُ: يُقالُ رَجَع القَهْقرى إذَا رجَعَ وراءَهُ ووجْهُهُ إليك. والكِرينَةُ المُغَنِّيَة. وقد احتجَّ بَعْضُ أهل العلم بهذا الحديث في إبْطال أحكام السَّكرَان وقالوا لو لزِمَ السَّكران ما يكون منه في حالِ سُكره كما يَلزمُهُ في حالِ صَحْوه لكان المُخاطِبُ رَسُولَ الله بما استقْبله بِهِ حمزة كافرًا مُبَاحَ الدَّم.
قَالَ أبو سُليمان: وقد ذهب عَلَى هذا القائل أنَّ ذَلِكَ منه إنّما كَانَ قبل تحرِيمِ الخَمْر وفي زمانٍ كَانَ شُرْبُها مُباحًا وإنّما حُرِّمَت الخَمرُ بعد غَزْوَةِ أُحُد. قَالَ جابرٌ: اصْطبحَ ناسٌ الخَمْر يَوْمَ أُحدُ ثُمَّ قُتِلُوا آخرَ النهار شُهَداءَ. فأَمَّا وقَدْ حُرِّمَتْ فَشُرْبُها مَعْصِية وما تولَّد منها لازِمٌ ورُخَصُ الله لا تَلْحقُ العَاصِين.

(1/653)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَقِيَ الْعَدُوَّ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ: "حَم لا يُنْصَرُونَ" 1.
يذهبُ كثيرٌ من الناس في معناه إلى أنّه دُعَاء. وَأُرَى أبا عُبَيْدٍ قد أشار إلى نحُوٍ من هذا. وبلغني عَنِ ابن كيسان أنه سأل عنه أبا العباس أحمد بن يحيى فَقَالَ هُوَ إخبار معناه واللهِ لا يُنْصَرُون ولوْ كَانَ دُعَاءً لكان مَجْزُومًا. وقال أهْلُ التفسير: حَامِيم اسْمٌ مِنْ أسْماءِ الله عَزَّ وجَلَّ فكأَنَّه حَلَف باسْمٍ من أَسْماءِ الله أنّهُم لا يُنْصَرُون ويدلّ عَلَى هذا قولُ الشاعر:
يُذَكّرني حَامِيم والرُّمحُ شَاجرٌ ... فهلا تلا حامِيمَ قبْل التَّقدُّم2
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/33 والترمذي في فضائل الجهاد 4/197 وأحمد في مسنده 4/289.
2 اللسان "حمم" وينسب إلى شريح بن أوفى العبسي وإلى الأشتر النخعي والضمير في يذكرني لمحمد بن طلحة وقتله الأشتر أو شريح.

(1/653)


أي يذكّرُني الله.
وَيُقال للِسُّوَر التي تُفتَحُ أوائلُها بحامِيم آلُ حامِيمُ والعامَّةُ يدعونها الحَواميْم وقيل لأَعرابيٍّ أتحفَظُ من القرآن شيئًا قَالَ نعَمْ القلاقل يريدُ السُوَر التي تُفْتَتَحُ أوائلُها بِقُلْ.

(1/654)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ وَعِنْدَ عَائِشَةَ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ مُضْطَجِعٌ مُسَجًّى1 ثَوْبُهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يُصْنَعُ هَذَا فَكَشَفَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: "دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" 2.
حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
القَيْنَةُ عند العامّة المُغنّية لا تعرفُ غيرَها. والقَينَةُ عند العرب الأمَةُ. والقَيْنُ العَبدُ. والقِيانُ الإماءُ. قَالَ زُهَيْر:
ردَّ القِيانُ جِمالَ الحيّ فاحْتَملُوا ... إلى الظَّهِيرة أَمرٌ بيْنَهُم لَبِك3
والقَيْنَةُ أيضًا: الماشِطَةُ وهي التي تُزَيّنِ العرائسَ يقال قد قيّنتْها فهيَ مُقَيِّنةٌ وإنما قِيلَ للمغنية قينة إذَا كَانَ الغناء صِناعةً لها والقيْنُ الصانع
__________
1 ح: "مسج ثوبه" بالبناء للفاعل.
2 أخرجه مسلم في صلاة العيدين 2/608 بلفظ:
"جاريتان" بدل "قينتان" والنسائي كذلك في العيدين 3/196 وأحمد في مسنده 6/84.
3 الديوان /164.

(1/654)


عند العرب إلا أن الغالب عَلَيْهِ الصانع بالحديد1 وأراد بالقينَتيْن هاهنا جاريتين كانتا عندها تُنشدان شِعْرًا.
وبيان ذَلِكَ ما رُوِي في هذا الحديث من وَجهٍ آخر أَنَّهُ دَخَل وعندها جاريتان من الأنصار تُغَنيّان بشعرٍ قِيلَ في يوم بُعاث وهو يومٌ من أيام الجاهلية مذكور. حَدَّثَنِيهِ أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ2 أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ أنا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ3. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ أبو سليمان4: والعرب تُثبت مآثِرَها بالشعر فَتُروِّيها أولادها وعبيدَهَا فيكثر إنشادُهُم لها ورِوايتهم إيّاهَا فيتناشده السّامِرُ في القَمْراء. والنَّادي بالفناء والسَّاقِيَةُ عَلَى الرَّكِيِّ والآبار ويترنَّمُ بِهِ الرفاقُ إذَا سارت بها الركابُ وكل ذَلِكَ عندهم غِناء ولم يُرِدْ بِالغناء هاهُنا ذِكْرَ الخَنَا والابتهار بالنساء والتعريضَ بالفواحش وما يُسمّيه المُجّانُ وأهلُ الموَاخير غِناء.
والعرب تَقُولُ سَمِعْتُ فلانًا يُغَنّي بهذا الحديث أي يَجْهَرُ بِهِ ويَصْرُخُ ولا يورّي ولا يكني. وأخبرني أحمد بْن عفْو الله الشيرازي5 نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ نا يحيى بْن عَبْد الرحيم الأَعمش نا أبو عاصم قَالَ أخذ بيدي ابن جريج
__________
1 من ت, م.
2 ت: أبو عمرو الحري "تحريف" وفي المشتبه 1/185: "ومن حيرة نيسابور أبو عمرو الحميري".
3 أخرجه مسلم في العيدين.
4 ساقط من ح.
5 من م.

(1/655)


ووَقَفني عَلَى أشْعب الطماع فَقَالَ غَنّ ابنَ أخي مَا بلغَ من طَمعِك فَقَالَ: بَلغ مِن طَمعي أَنَّهُ ما زُفَّتْ بالمدينة امرأةٌ إلا كسَحْتُ1 بَيْتي رجاءَ أَنْ يُهْدَى إليَّ.
يَقُول: أَخبِر ابن أخي مجاهرا بذلك غير مُساترٍ ومن هذا قَولُ ذِي الرُّمَّة:
أُحِبُّ المَكانَ القَفْرَ من أجْل أَنَّني ... بِهِ أتَغنَّى باسمها غَيْرَ مُعْجِم2
أي أجهر الصّوْتَ بذكرها ولا أكني عنها حِذارَ كاشِحٍ أو خوفًا من رقيب وعلى هذا تأوّل بعضُ العلماء قولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ منّا مَن لم يتغنَّ بالقرآن" 3. أي يَجْهَرُ بِهِ وقد يُروى هذا التفسير مَرفوعًا أو موصولًا بحديث مرفوع. فكُلّ من رفع صوته بشيءٍ ووالَى بِهِ مرَّةً بعْدَ أُخرى فصَوْتُه عند العرب غِناء وأكثره فيما شاقَ من صَوْتٍ أَوْ شجَا من نَغْمَةٍ ولَحْنٍ ولذلك قِيلَ غَنَّت الحمامةُ وتغنى الطائرُ. قَالَ المجْنُونُ:
أَيا قَاتَلَ اللهُ الحَمَامَةَ غُدوةً ... عَلَى الغُصْنِ ماذا هَيَّجْت حينَ غَنَّت4
وقال آخرُ:
تغنى الطَائران ببيْن سَلْمَى ... عَلَى غُصتَين من غَرَبٍ وبَانِ
وأنشدني ابنُ داسةَ أنشدني الزِّئبقيّ أنشدني عبدُ الله بْن شَبيْب لأعرابيٍّ من عَبْس باع ناقةً لَهُ فسَمِع حنينها وهي في سقيْفةٍ فَقَالَ:
__________
1 كسح البيت: كنسه "عن القاموس: كسح".
2 الديوان /628.
3 أخرجه البخاري في التوحيد 9/188 وأبو داود في 2/74 وأحمد في 1/172, 175, 179 وغيرهم.
4 الديوان /86.

(1/656)


لعمري لئن أصبحْتِ في دار تَوْلَبٍ ... يُغنّيكِ بالأَسحار دِيكٌ قُراقِفُ
فلَنْ تَرِدي ماء الطَّوِيّ ولَنْ تَري ... أَبَانيْن مَا غنَّى الحمامُ الهَواتِفُ1
وعلى هذا المعنى جَعلوا صلصلة الحديد وأطيْطَ الرِّحال غِناءً. وقال بعض المُسجّنين:
إِذا شِئتُ غنَّاني الحَديِدُ وأُوثِقَتْ ... مصَاريعُ من دُوني تُصِمُّ المنادِيَا
وقال آخَرُ:
وَلي مُسمِعَان وزمَّارَةٌ ... وَظِلٌّ ظَلِيلٌ وحِصْنٌ أَمَقّ2
وأنشدني الأصمعيّ:
ما إنْ رأَيْتُ من مُغَنّياتِ ... ذواتِ آذان وَجُمْجُماتِ
أَصْبَر مِنْهُنَّ عَلَى الصُّمَاتِ3
قَالَ الأصمعي: هذا يَصِفُ إبلًا. قَالَ وغِناؤُهنَّ صَريْفُهنَّ بأَنْيابِهنَّ وذلك من النَّشاط فإذا ضَجِرت الإبلُ رغَتْ. قَالَ: والصُّماتُ هاهُنَا العَطَشُ.
وقال ابن الأعرابي: الغِناءُ أَطِيطُ الرّحالِ. والصُّماتُ السّكوت ومثلُ هذا في كلامهم كثير.
__________
1 الأساس "قرف": ديك قراقف: شديد الصوت. وفي معجم ما استعجم "أبان" 1/95: أبان بفتح أوله: جبل وهما أبانان: أبان الأبيض وأبان الأسود بينهما نحو فرسخ ووادي الرمة يقطع بينهما..الخ.
2 اللسان والتاج "زمر", "سمع", "مقق". ومجالس ثعلب 2/473 والبيان والتبيين 3/64.
3 اللسان "صمت": من معنيات بالعين المهملة. ورواه الأصمعي: "من مغنيات".

(1/657)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي غِنَاءِ الأَعْرَابِ وَهُوَ صَوْتٌ كَالْحُدَاءِ يُسَمَّى النَّصْبَ إِلا أَنَّهُ رَقِيقٌ.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمَرْوَزِيُّ أنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالرَّوْحَاءِ كَلَّمَ الْقَوْمُ رَبَاحَ بْنَ الْمُغْتَرَفِ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ بِغِنَاءِ الأَعْرَابِ فَقَالُوا لَهُ: أَسْمِعْنَا وَقَصِّرْ عَنَّا الْمَسِيرَ. قَالَ إِنِّي أَفْرَقُ عُمَرَ فَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى عُمَرَ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ يَا رَبَاحُ أَسْمِعْهُمْ وَقَصِّرْ عَنْهُمُ الْمَسِيرَ فَإِذَا أَسْحَرْتَ فَارْفَعْ فَاكَ قَالَ: فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى1.
فهذا وما أشْبَهُه مِمَّا يُدْعى غِناء لم يَرَ بِهِ عُمَرُ بأْسًا ولم يَرَ فيه إثمًا لأنّه حُداءٌ يُقَصِّرُ المسير ويحُثّ المَطيّ ويُخَفّفُ عَنِ المسافِر.
ونحو هذا قولُ نُصَيْب أنشدنيه بعض أصحابنا أنشدنا بن دريدٍ أنشدنا أبو حاتم أنشدَتنْي أُمُّ الهيثَم لِنُصَيْبٍ:
فَهل يَمْقُتَنّي الله في أنْ ذَكرْتُها ... وعَلّلْتُ أصحَابي بها ليلةَ النَّفْرِ
وَطيَّرتُ ما بي مِنْ نُعاسٍ ومن كَرى ... ومَا بالمطايا من كَلالٍ ومن فتر2
__________
1 ذكر الحافظ بن حجر في الإصابة 1/502 في ترجمة رباح هذه القصة مختصرة.
2 الديوان /94, 95 برواية: "فهل يأثمني الله في أت ذكرتها.. وسكت مابي من نعاس.. ومابلمطايا من جنوح ومن فتر".

(1/658)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ الَّذِي في السماء يقال له الضراح وهو على منا الكعبة" 1.
__________
1 أخرجه الأزرقي وفي أخبار مكة بلفظ: "بحيال الكعبة" وبلفظ: "حذاء" بدل "منا الكعبة" وهو في النهاية "ضرح" 2/81.

(1/658)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَمِّي إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ نا جَدِّي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: عَلَى منَا الكعبة أي عَلَى قَدْرِها. ويُقالُ بحذائها. يَقُولُ داري مَنا دارِ فُلانٍ أي بحذائها.

(1/659)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الإِسْرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: "حُمِلْتُ عَلَى دَابَّةٍ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ طَوِيلِ الأُذُنَيْنِ فَعَمِلَتْ بِأُذُنَيْهَا وَقَبَضَتِ الأَرْضَ" 1.
يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
قوله: "فعَملَت بأذُنَيْها" أي طارَتْ فكانت الأُذُنَان لها كالجَناحَيْن والطَّائِرُ إذَا أَمْعَن في الطيران وأبْعَد في الجوّ فقد عَمِلَ وأعْملَ جناحَيْه وكذلك هُوَ في سَيْرِ الإِبل. يُقالُ أعَملتُ المَطيَّة فهي مُعْمَلَةٌ ونَاقَةٌ يَعْمَلَةٌ ونُوقٌ يَعْملاتٌ وبَعِيرٌ يَعْمليٌّ. ومن هذا قَولُ لُقمان بن عاد حين وصَفَ أَحدَ إخْوتِه للمرأة التي خطبها خذي مني أخي ذا العِفَاق صَفَّاقٌ أَفّاق يُعْمِلُ الناقةَ والسّاق.
وفي رواية أخرى من هذا الحديث: أَنَّهُ رَكِبَ البُراق وفي فخذَيْها جَناحان يَحفِزُ بهما رِجْلَيْها2.
وقولُه: "قبَضَتِ الأرْضَ" يُرِيدُ النَّجاءَ والسُرعةَ. يُقالُ: قَبَضت الدابَّةُ
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/213, 214 وكذلك ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/194 وعزاه إلى ابن سعد وابن عساكر.
2 أخرجه الطبري في تفسيره 15/3 وذكره السيوطي في الدر المنثور 4/157 وكلاهما بم يذكركلمة البراق وقالا.. فإذا دابة بيضاء الخ.

(1/659)


تَقْبِض قَبَضًا مُتَحَركة الباء وقباضَةً. وإِنّه لقَبيضٌ بيِّنُ القَبَض والقَباضَة إذَا كَانَ سَريعًا قَالَ الشاعرُ:
كيف تَراها والحُداةُ تَقبِضُ1
وقال آخر:
أتَتْكَ عِيرٌ تحْملُ المشِيَّا ... تُعجل ذَا القَباضَة الوَحِيَّا
أَنْ يرفع المئزر عنه شيا2
المَشِيُّ والمَشُوُّ الدَّوَاءُ الّذي يُسْهِلُ البَطْنَ يَقُولُ مَن يَشْربه لا يُلْبِثه أن يَرْفَعَ مِئزَرَه عَنْهُ.
__________
1 اللسان والتاج "قبض".
2 اللسان والتاج "قبض".

(1/660)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "تَهَيَّأْ حَتَّى تَسِيرَ إِلَى بَيْتِ قَوْمِكَ خَثْعَمٍ وَذِي الْخَلَصَةِ فَتَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَتَكْسِرَ صَنَمَهُمْ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ قَلِعٌ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا" 1.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ نا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ2 نا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ الأَحْمَسِيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ.
القَلِعُ الَّذِي لا يَثْبتُ في السَّرْج وقد قَلِعَ قلَعَةً. يُقال: رَجُلٌ قَلِعٌ مثل
__________
1 أخرجه البخاري في الجهاد 4/79, 91 ومسلم في الفضائل 4/1925 بألفاظ متقاربة وابن ماجه في المقدمة 1/56 مختصرا.
2 كذا في س, ط وفي م, ت, ح: "أبو الحسن مقاتل المروزي".

(1/660)


عَمِلٍ من العَمَل ولَبِثٍ من طُول اللُّبْث بالمكان. وقرأ بَعْضُهم: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} 1. وقال ساعدَةُ بْن جُؤيَّة:
حَتّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهنًا عَمِلٌ ... باتَتْ طِرَابًا وبات الّليلَ لم يَنمِ2
يُريدُ أَنَّ البَقر باتَتْ طرابًا إلى البرق وبات البَرْقُ لم ينم. والعَمِلُ من صفة البَرْق.
ويُقال رَجُل قِلْع بكسر القاف وسكون اللام3 والأَمْيَلُ مِثْلُ القَلِع وهو الَّذِي إذَا رَكَضَ الدَّابَّة مالَ سَريعًا فزال عَنْ مَتْنها.
وقال الأَعْشى:
نَحْنُ الفَوارِسُ يوْمَ الحنْوِ ضاحِيةً ... جَنْبيَ فُطَيْمَة لا مِيلٌ ولا عُزُلُ4
والأَمْيَلُ أيْضًا هُوَ الَّذِي إذَا رَكبَ كَانَ في شِقٍّ قَالَ الشاعر:
لم يَرْكَبُوا الخَيْلَ إلا بَعْدَ أَنْ هَرِمُوا ... فهم ثِقالٌ عَلَى أعجازها مِيلُ5
وحكى الأَصْمَعيُّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: رأيتُ رجُلًا رَاكِبًا وأبُوهُ يَمْشي فقلت أتركَبُ وأَبُوكَ يَمْشي فَقَالَ إنّه لا يَأتبِلُ أي لا يثْبتُ عَلَى الإبل ويُقالُ في ضدّ ذَلِكَ فارسٌ ثَبْتٌ إذَا كَانَ لا يَزُولُ عَنْ مَتْن فَرَسِه كما يُقالُ ثَبْتُ الجنَان إذَا كَانَ رابِطَ الجَأْشِ وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب:
__________
1 سورة النبأ: 23.
2 م: "وبات البرق" والبيت في شرح أشعار الهذليين 3/1129 برواية الكتاب وجاء في تفسيره: وبات الليل لم ينم: أي بات البرق يبرق ليلته.
3 من ت, م.
4 الديوان /149.
5 اللسان والتاج "ميل" وعزي لجرير وهو في ديوانه /373.

(1/661)


الرُّمْحُ لا أَمْلأ كفّي بِهِ ... واللِّبْدُ لا أتْبعُ تَزْوَالَه
يَقُولُ إن انْحَلّ الحِزامُ فمالَ اللِّبْدُ لم أَمِلْ معه. وقولُه: الرّمْحُ لا أملأُ كفّي بِهِ فيه قولان أحدُهُما أنّه لِحِذْقه بالطِّعان لا يَشُدُّ عَلَى الرّمح بجميع كفّهِ وإنما يختَلِسُ الطَّعْنَ خَلْسًا. والقَوْلُ الآخرُ أَنَّ الرُّمح لا يَمْلأُ كَفَّهُ بأن يشْغَلها عَنْ غيره من السِّلاح لَكنَّهُ يقاتل مَعَ الرُّمح بالسَّيف وغيره.

(1/662)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ أَيُّ أَمْوَالِنَا أَفْضَلُ قَالَ: "الْحَرْثُ وَالْمَاشِيَةُ" فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ: "تِلْكَ عَنَاجِيجُ الشَّيَاطِينِ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ نا الْوَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى النَّهْشَلِيُّ نا مِنْدَلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
العنَاجيجُ نَجائِبُ الإبل واحدها عُنُجُوجٌ يُريدُ أَنَّها مطايا الشَّياطين وهذا مَثلٌ ضَربَهُ يُريد أنّها قد يُسْرِع إليها الذُّعْرُ والنِّفارُ وهذا كقوله في الإبل: "إنّها جِنٌّ من جن خلقت".
__________
1 الفائق "عنج" 3/33 والنهاية "عنج" 3/307 وفي مصنف عبد الرزاق 11/460 عن قتادة بلفظ: "الغنم" بدل "الماشية" وبلفظ "عناتين" بدل "عناجيج".

(1/662)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّمُوسَ بِنْتَ النُّعْمَانِ قَالَتْ: رَأَيْتُهُ يُؤَسِّسُ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَكَانَ رُبَّمَا حَمَلَ الْحَجَرَ الْعَظِيمَ فَيُصْهِرُهُ إِلَى بَطْنِهِ فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ لِيَحْمِلَهُ فيقول: "دعه واحمل مثله" 1.
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 7/165 وعزاه إلى ابن مندة وأبي نعيم وابن عبد البر وذكره ابن حجر في الإصابة 4/343 وعزاه إلى الحسن بن سفيان وابن مندة.

(1/662)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ نا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى نا بِشْرُ بْنُ آدَمَ نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ عَامِرٍ الأنصاري عن عتبة بن وديعة1 عَنِ الشَّمُوسِ بِنْتِ النُّعْمَانِ.
قولُه: يُصْهِرُه إلى بَطْنه أي يُدْنِيه إلى بطنه2 رافعًا لَهُ إِلَيْهِ. وفيه لغتان يقال صَهَره وأصْهَرهُ بمعنى قَرَّبهُ وأَدْناه. ومِنْهُ مُصاهرَةُ النّكاح وهي المُواصَلة والمُقارَبة.
قَالَ الله تَعَالَى: {فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} 3. قَالَ: بَعضُ العُلماء أراد بالنَّسَب قرابة النَّسَب وبالصِّهْر قرابة النِّكاح. قَالَ: وَالصَّهْرُ في لُغَة العَرب بمعنى القرابة. يُقالُ: فُلانٌ مُصْهِرٌ ببني فُلانٍ إذَا قَاربَهُم في النّسب واحتجّ بقول زهيرٍ:
قَوْدُ الجياد وإصهار الملوك وصب ... ر في مواطن لو كانوا بها سَئِمُوا4
قَالَ: لم يُرِدْ ختُونَة الملوك إنما أراد القرابة منهم. ورواه بَعْضُهُم فيَهْصِرُه إلى بَطْنِهِ أي يَجْذِبُه.
__________
1 في الاستيعاب والإصابة: روى عنها عبيد بن وديعة. وفي أسد الغابة: عتبة بن وديعة.
2 من ح.
3 سورة الفرقان: 54.
4 س: "سلموا بدل سئنوا" والمثبت من ت والديوان /161.

(1/663)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود في كتاب الأدب 4/294 والبخاري في الأدب 8/52 ومسلم في كتاب الألفاظ 4/1763 بنحوه والإمام أحمد في 2/239, 259, 272 بألفاظ متقاربة.

(1/663)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: "إنّ الكَرْم الرَّجلُ المُسْلُم" يُريدُ الكريم وقد يُنْعت الفاعل بالمصدر كقولهم رَجُل عَدْل ورجل صَوْم بمعنى صائم ونوم بمعنى نائم1 وقد يُنْعَتُ بِهِ المفعول أيضًا كقولك رَجُل رِضًا وهذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأَمِير.
وجاءني الخَلْقُ يُريد المخلوقين فإذا نَعتَّ الفاعلَ بالمصْدر كَانَ الواحِدُ والجَمِيعُ والمذكَّر والمُؤَنَّث فيه سَواء
يُقال رَجُلٌ كَرْمٌ وقَومٌ كَرْمٌ2 وامرأة كَرْم ونِساءٌ كَرْمٌ2 قَالَ الشَّاعر:
وأن يَعْرَينَ إنْ كُسِي الجَوارِي ... فتَنْبُو العَيْنُ عَنْ كَرْمٍ عجافِ3
أي عن نساء كرائم.
والمعْنَى في تَغْيَيره عَلَيْهِ السَّلام هذا الاسْم إلى غيره أَنَّ الكَرْمَ عندهم اسمٌ مُشْتَقٌّ من الكَرَم واسمُهُ التَّلِيدُ عندهم إنّما هُوَ الجَفْنَة والحَبْلَةُ وهما أَصْلُ شجر الكَرْم قَالَ الأصمعي الحَبَلَة بفتح الباء وجوّز غَيرهُ الحبْلَة ساكنة الباء4 والأسْماء عَلَى ضَرْبيْن اسمٌ مُشتَقٌّ واسمٌ مَوضُوع وإنما لقَّبوه كَرْمًا لأَنَّ شارِبَ الخَمْر التّي تُتَّخذُ من عَصِيره يتعاطى الكَرْمَ إذَا شَرِبها كما سمَّوْها رَاحًا لأَنَّ شارِبها يَرْتاحُ لِلنَّدى وَيَنْبَسِطُ5 لِلجُود والسَّخاء وقد قال بعض الشعراء:
__________
1 من ت, م, ط.
2 ساقط من ت.
3 اللسان والتاج "عجف" وعزي لمرداس بن أذنة وجاء في مادتي "كرم, كسى" وعزي لأبي خالد القناني أو لسعيد بن مسحوج الشياني.
4 من ت, م.
5 ط: "وينشط".

(1/664)


والكَرْمُ مُشْتقَّةُ المَعْنَى منَ الكَرَمِ1
وقال آخرُ يَمْدَحُ رَجُلًا بمعاقَرَةِ الخَمْر ويَزْعمُ أنّها كَرَمٌ:
حُمَيْدُ الَّذِي أَمَجٌ دارُهُ ... أخُو الخَمْرِ ذُو الشَّيْبَةِ الأَصْلعُ
أتاهُ المَشِيبُ عَلَى شُربِها ... فكان كِريمًا فلم يَنْزع2
وقال حسّان بْن ثابت:
لا تنْفِري يا ناقُ منه فإنَّه ... شَرّابُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لِحُرُوبِ3
ومثل هذا في الشِّعْر كثير.
فرأى عَلَيْهِ السَّلام أنّ في تَسْلِيم هذا الاسْم لَهُم تَقْرِيرَ المعْنَى الَّذِي تأوَّلُوه من الكَرمِ فيها وأَشْفقَ أن يكون حُسْنُ اسمِها يَدعُوهم إلى شُرْبِها ويُحَسِّنُ لهم تَناولَ المُحرَّم منها وفي النفُوس من الشَّغَف بها والمَيْل إليها ما لا حاجَةَ مَعَ ذَلِكَ إلى أن تُهزَّ وَتُحرَّكَ بالثناء عليها فلذلك رأى أن يَسْلُبَه هذا الاسْمَ وأَن يُسْقِطَه عَنْ رُتْبَة الكَرَم وجعَله اسْمًا لِلمُسلم الَّذِي يتَّقي شُرْبَها ويَرى الكَرَم في تَرْكِها وكُلُّ ذلك تأكيد لحرمة الخمر وتأبيد لها والله أعلم.
ونحو هذا حديث ابن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أنْ يُقال السَّلَم بمعْنى السلف,
__________
1 كذا في اللسان "كرم" ت, م. وفي س, ط, ح: "الكرم مشتقة من الكرم".
2 اللسان والتاج "أمج" والكامل 1/252 ومعجم البلدان وعزي لحميد الأمجي وفي معجم ما استعجم 1/191 برواية: "وكان كريما فما ينزع" وبهذه الرواية لايكون في البيت إقواء.
3 الديوان /364 والأغاني 14/125 والكامل 4/89 ضمن خمسة أبيات في رثاء ربثعة بن مكدم.

(1/665)


وكان يَقُولُ: الإسْلامُ لله عَزَّ وجَلَّ ضَنَّ بالاسم الَّذِي هُوَ مَوْضُوعٌ للطَّاعة أن يُمْتَهن في غيرها وصانَه عَنْ أن يُبْتَذلَ فيما سِواها.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى1 نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ عَامٍ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ عَامًا وَقَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ: "إِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ". قَالَ الرَّجُلُ أَفَلا أَبِيعُهَا قَالَ: "لا". قَالَ: أَفَلا أُكَارِمُ بِهَا الْيَهُودَ. قَالَ: "إِنَّ2 الَّذِي حَرَّمَهَا حَرَّمَ أَنْ تُكَارِمَ بِهَا الْيَهُودَ". قَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا قَالَ: "سُنَّهَا فِي الْبَطْحَاءِ" 3.
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ يُهْدِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كُلَّ عَامٍ رَاوِيَةَ خَمْرٍ.
وقوله: سُنَّها أي صُبَّها. والسَّنُّ الصَّبُّ السَّهْلُ.
__________
1 من م, ح.
2 س: "إن الذي حرمها حرم شربها حَرَّمَ أَنْ تُكَارِمَ بِهَا الْيَهُودَ" والمثبت من ت, ط, م.
3 أخرجه الحميدي في مسنده 2/447, 448 إلا أن فيه شنها بدل سنها.

(1/666)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَصَفَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى 1 كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ" 2.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر.
__________
1 ط: "أعور عين اليمين".
2 أخرجه البخاري في مواضع منها التعبير 9/43 والفتن 9/75 ومسلم في 1/154, 4/2247 والترمذي في 4/514 وأحمد في 2/27, 33, 37, 122.

(1/666)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَانَ هذا الحديث عندي من الواضِح الَّذِي يُسْتَغْنَى بظاهره عَنْ تِفْسِيره. وقد بَقِيتُ زمانًا أحْسِبُه أراد بالعِنَبةِ الطَّافِية الحَبَّةَ من العِنَب تَطْفُو عَلَى مَتْن الماء وذلك لأَنَّ الحَدَقَةَ العَوْراء القائمةَ في المُقْلة النَّاتِئَة من أشبَهِ شيء بها حتّى أخبرني مُخبِرٌ عَنْ أَبِي عُمر صاحبِنا قَالَ سُئِل أبو العَبَّاس ثَعْلَبٌ عَنْ هذا القَوْل1 فَقَالَ الطَّافيةُ: العِنَبةُ التي خرجَت عَنْ حدِّ نبْتَةِ أَخواتِها فَعَلَتْ ونَتَأَتْ وظهرَتْ. يُقال طَفَا الشّيءُ إذَا علا وظَهَر. ومنه الطَّافي من السَّمك. وأنشَد لبَعْضهم يَهجُو رجلًا ويَعِيبُه بالجَهْل والنَّزَق:
قُبِّحْتَ من سالفَةٍ ومن قفَا شَيْخٌ ... إذَا ما رَسَبَ القَوْمُ طفَا2
يُريدُ أنّ الحُلماء إذَا ترزّنُوا في مجالسهم طَفا هُوَ أي عَلا وظَهَر بجَهْله.
قَالَ وقال أبو العَبَّاس: رُوِي في حديث آخر من أَمرِ الدَّجّال: أَنَّهُ وُلِدَ مَقْبورًا3.
وذلك أنّ أُمَّهُ وضَعَتْه جِلْدةً مُصْمَتة فقالت القابِلَةُ هذه سِلعةٌ4 فقالت: بَل فيها وَلَد وهو مَقبورٌ فيها. وقد كَانَ يَنْقُزُ في بطني فشَقُّوا عَنْهُ فلما رأَى الدّنيا ومَسَّه الهَواء استَهلّ صارِخًا. قَالَ الأصمعيُّ الخِشْعَةُ: الوَلَدُ الَّذِي يُبْقَرُ عَنْهُ بطن أمه إذا ماتت وهو حي.
__________
1 من ط.
2 اقتصر اللسان والتاج "طفا" على البيت الثاني برواية: "عبد" بدل "شيخ".
3 س: "مقبول أفاك" وفي ت: "مقبولا" والمثبت من م.
4 اللسان "سلع": السلعة قال الأزهري: هي الجدرة تخرج بالرأس وسائر الجسد تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها وقد تكون لسائر البدن في العنق وغيره وقد تكون من حمصة إلى بطيخة.

(1/667)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ اسْتَقْبَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُمْ بِالْفَتْحِ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَمَّنْ قُتِلَ فَقَالَ سَلامَةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ وَقْشٍ1: مَا قَتَلْنَا أَحَدًا بِهِ طُعْمٌ مَا قَتَلْنَا إِلا عَجَائِزَ صُلْعًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ الله وقال: "أولئك يا ابن سَلَمَةَ الْمَلأُ" 2.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عن ابن شهاب.
والملا الرُّؤساءُ والأَشْرافُ. يقالُ هَؤُلَاءِ ملأُ بني فُلانٍ أي ساداتهم. ومن هذا قولُ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "اللهمَّ عليك المَلأُ من قُرَيْش" 3 يريدُ الرُّؤساءَ منهُم وهم المَلأُ بالقَصْر والهَمْز فأَمّا المَلا مقصورًا غير مهموز فالمُتَّسعُ من الأرض قَالَ الشاعر:
ألا غنِّياني وارْفَعا الصَّوْتَ بالمَلا ... فإنَّ المَلا عِنْدي يزيد المدى بعدا4
__________
1 كذا في النسخ. وفي الاستيعاب 2/641 وأسد الغابة 2/428 والإصابة 2/65: سلمة بن سلامة بن وقش وسلامة بن سلمة ليس له ذكر في الصحابة أما سلمة بن سلامة وقش بن زغبة فقد شهد العقبتين وبدرا.
2 أخرجه ابن هشام في السيرة 2/286 عن يزيد بن رومان بألفاظ متقاربة. وانظر البداية والنهاية 2/205.
3 أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 5/57 ومسلم في الجهاد 3/1419 وأحمد 1/393 عن ابن مسعود.
4 اللسان والتاج "ملا".

(1/668)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زِيَادَ بْنَ عِلاقَةَ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَّا وَرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ شَيْءٌ فَشَجَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَالَ:
يَا خَيْرَ مَنْ يَمْشِي بِنَعْلٍ فَرْدِ ... أَوْهَبَهُ لِنَهْدَةٍ وَنَهْدِ
لا يُسْبَيَنَّ سَلَبِي وَجِلْدِي1
فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لا" 2.
حَدَّثَنَاه جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْحَضْرَمِيُّ نا ابْنُ نُمَيْرٍ نا ابْنُ إِدْرِيسَ سمعت مسعرا يذكره عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ إِلا أَنَّهُ قَالَ:
أَوْهِبَةٍ لِنَهْدَةٍ وَنَهْدِ3
وَقَالَ: غَيْرُهُ أَوْهَبَهُ مِنَ الْهِبَةِ وَهُوَ أَصْوَبُ.
قَوله: بنَعْلٍ فرْد فيه وجْهان أحَدُهما أن يُجعَلَ الفَرْدُ من نعْت النَّعْل وذلك جائزٌ مَعَ سقوط هاء التأنيث لأَنَّ كُلّ اسْمٍ لَيْسَ فيه عَلم التأنيث فتذكيره جَائز كالسَّماء والأَرضِ والشَّمْسِ والنَّارِ والبِئْر والحَرْبِ ونحوِها.
أخبرني أبو عُمَر أنا ثَعْلب عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء قَالَ العَربُ: تجْتَرئ عَلَى تَذْكِير كلِّ مؤنَّث لَيْسَ فيها عَلَمُ التأنيث وأنشد:
فلا مُزْنَةٌ ودَقَتْ وَدْقَها ... ولا أَرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَها
وأرادَ بالنَّعل الفَرْد السُّمُط4 التي لم تُخصف ولم تُطارَقْ. والعَربُ تمدحُ برِقّةِ النِّعال وتَجْعَلها من لِباسِ المُلُوك وزِيِّ أَهْلِ النِّعْمة قال النابغة:
__________
1 اللسان والتاج "نعل, نهد, فرد".
2 الفائق "فرد" 3/103 والنهاية "نهد" 5/135.
3 اللسان والتاج "ودوق" وعزي لعامر بن جوين الطائي.
4 هامش م: السميط: النعل الرقيق وفي القاموس "سمط" نعل سمط وسميط وأسماط: لارقعة فيها.

(1/669)


رِقاقُ النِّعالِ طَيِّبٌ حُجزاتُهُم ... يُحيَّوْنَ بالرِّيحان يوْمَ السَّباسِب1
والوَجْه الآخرُ أن يُجْعَل النَّعل مُضافةً إلى الفَرْد كأنّه قَالَ يا مَنْ هُوَ فَرْدٌ في النَّاس واحِدٌ لا نظِيرَ لَهُ عَلَى مذهب قَوْلِ الأعْشَى:
يا خَيْرَ مَن يركَبُ المَطيَّ ولا ... يَشْرَبُ يومًا بِكَفّ مَنْ بَخِلا2
يقولُ: إنّما تشرَبُ بِكَفِّك ولسْتَ بِبَخِيل ولُبْسُ النِّعَالِ من خَاصّ زِيِّ العرب وكذلك لُبْسُ العمائِم وكانت3 الفُرْسُ تَلْبَسُ الخِفافَ والقَلانِس. والنهْدُ الفَرسُ المُطهَّمُ والأُنْثَى نَهْدَةٌ وكُلَ ضَخْمٍ نَهْدٌ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ الأبْرص:
فذاك عَصْرٌ وقد أرَاني ... تَحْمِلُني نَهْدَةٌ سُرْحُوبُ4
والسُّرحُوبُ: الخفيفةُ. يُقال: فَرسٌ سُرْحُوبٌ. والسُّرْحُوبُ الطويلُ أيضًا.
وأخبرني الكُراني أنا عَبْد الله بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى المِنْقَريّ سَمِعْتُ الأصمعيّ يَقُولُ سمعت بعض الأعْراب5 يَقُولُ, السُّرحُوبُ: ابنُ آوَى والسرعوب ابن عرس.
__________
1 الديوان /63.
2 الديوان /171.
3 ح: "وكذلك الفرس".
4 الديوان /28.
5 م, ط, ح: "الْعَرَبِ".

(1/670)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَبْعَثُ اللَّهُ السَّحَابَ فَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ وَيَتَحَدَّثُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ" 1.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/435 بلفظ: "إن الله عز وجل ينشئ السحاب فينطق أحسن المنطق ويضحك أحسن الضحك".

(1/670)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ لَهُ صُحْبَةٌ.
وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ النَّسَوِيُّ نا يَعْقُوبُ1 بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ لِصُحْبَةٍ إِلا أَنَّهُ قَالَ وَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمَنْطِقِ2.
قوله: يَضْحَكُ أَرادَ أَنَّهُ ينجلي عَنِ البَرْق كما يَفْترُّ الضَّاحِكُ عَنِ الثَّغْر وهو من كلام الاسْتِعارة. قَالَ الشّاعر:
إِذَا لاحَ بَرْقُ الغَور غَوْرِ تِهامَةٍ ... تَجدَّدَ من شَوْقٍ عليِّ ضُروبُ
فطَورًا تراه ضاحكًا في ابتسامةٍ ... وطَوْرًا تَراه قد عَلاه قُطوبُ
وهذا كقولهم: ضَحِكت الأَرَضُ إذَا أخرجَتْ نَباتَها وزَهرَتها. قَالَ ابن مُطَيْر:
كُلَّ يَومٍ بأُقْحُوانٍ جَديدٍ ... تَضْحَكُ الأَرْضُ من بكاء السَّماءِ
وقال الأعْشَى يَصْفُ رَوْضةً:
يُضاحِكُ الشَمْسَ منها كَوكبٌ شَرِقٌ ... مُؤزَّرٌ بعَميم النَبْت مُكْتَهِلُ3
جعل مُطالعةَ الشَّمْس نباتَها ومقابلته إياها مُضَاحكةً لأنّه إنّما يَنْمى بطلوعها عَلَيْهِ وتتفتّق أَنْوارهُ بما يؤثِّر فيه من حرِّها وقُوَّتها والكوكبُ معظم النبات.
__________
1 م: يعقوب حميد بن كاسب. وفي التقريب 2/375: يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ المدني صدوق مات سنة 240هـ أو سنة 241هـ.
2 من ت, م.
3 الديوان /145.

(1/671)


والشرق الريان الممتلىء. وفي نحو هذا قَولُهُم بَكتِ السَّماءُ وبكت السَّحابُ إذَا جادت بالمطر. قال الشاعريصف سحابًا:
إذَا ما هَبطْنَ الأَرْضَ قد ماتَ عُودُه ... بَكيْنَ لها حتى يَعِيش هَشِيمُ1
ومثْلُ هذا كثيرٌ في الكلام والشِّعْر.
وأما قوله: يتحدّثُ أحْسنَ الحديث ففي الخَبَر أنّ حديثَه الرَّعْدُ وذلك أنّه شَبَّهه بالحديث من المتكلّم لأنه ينبىء عَنِ المطر ويُخبِر عَنْ وقوعه وقُرْب مجيئه فصار كالمُحدِّث بِهِ وهذا كقولهم نعْم المحدّثُ الدَّفتر وفي نحو من هذا قولُ نُصَيْبٍ:
فَعاجُوا فأَثْنَوا بالذي أنْت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب2
__________
1 م: "بكين بها" بدل "بكين لها".
2 الديوان /59.

(1/672)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَطْعِ الْمَسَدِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَالْمِنْجَدَةَ1.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي كُثَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
هذا في الحرَم وشَجَره وإنّما أَذِن في قَطْعها لأنها تُرفِقُ المارَّة والمسافرين. ولا تَضُرّ بأُصول2 الشّجَر. والمَسَدُ: أصْله اللِّيفُ ولا أُراه عَنَى اللِّيفَ بعَيْنه خصوصا3 دُونَ غيره وإنّما هُوَ كُلُّ ما يُمْسَد بِهِ حبل من
__________
1 أخرجه ابن عدي في الكامل 3/لوحة 11في ترجمة: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ والفائق "مسد" 3/366 والنهاية "نجد" 5/19.
2 م: "بأصل الشجرة".
3 من م.

(1/672)


نباتٍ ولحاءِ شَجَر ونحوه. يُقالُ: مَسَدْتُ الحبْلَ إذَا أَجدْتَ فَتْلَه ورَجُلٌ مَمْسُودٌ إذَا كَانَ مَجْدُولَ الخَلْق وقد يكون المَسَدُ من جُلُودِ الإبل ومن اللِّيف ومن الخُوصِ قَالَ الراجز:
يا مَسَد الخُوصِ تعوَّذْ منّي ... إن تَكُ لَدْنًا ليّنًا فإنّي
ما شِئتَ منْ أشمط مُقْسَئِنّ1
والمِنْجَدةُ يُقال إنها عصًا خَفِيفة يُساقُ بها الدَّوابّ ويَرْتَفِق بها المُسافرُ وهي أيضًا القَضِيبُ الَّذِي يكون مَعَ النَّجادِين يُصْلحُون بِهِ حَشْوَ الثِّياب ويجوزُ أن يكون أَرادَ بها العُودَ الَّذِي تُحْشَى بِهِ حَقِيبةُ الرَّحْل وأحْناؤْه لِيتَنَجَّد ويرتفع.
قَالَ ثَعْلَب: إنّما سُمِّي النَّجَّادُ نَجَّادًا لأنه يرفَعُ الثِّيابَ ويَزِيد فيها والنّجْدُ ما ارتفع من الأرض. وأنشد:
حتّى كأنّ بِلادَ القُفِّ أَلْبَسها ... من وَشْي عَبْقَر تَجِليلٌ وتنجيد2
__________
1 اللسان والتاج "قسن" مع غير عزو.
2 اللسان والتاج "نجد" وعزي لذي الرمة وهو في ديوانه /188. برواية "حتى رياض القف ... " الخ.

(1/673)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا عَامِرٍ الَّذِي يُلَقَّبُ بِالرَّاهِبِ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَكَانَ حَسُودًا فَسَاعَةَ بَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ بَايَعُوهُ تَغَيَّرَ وَخَبُتَ وعاب الحنيفية1.
__________
1 الفائق 1/350 والنهاية "خبت" 2/4.

(1/673)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ1 نا أَبُو حَازِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قوله: خَبُتَ هكذا يُروى بالتاء التي هي أُخت الطَّاء يُقالُ: رَجُل خَبِيتٌ وهو الفاسِدُ الرّديءُ كالخَبِيث سواء2 وليس هذا من الإخبات في شيء إنّما الإخباتُ من الخُشوع يُقالُ منه رجلٌ مُخبِتٌ. وقال اللحياني: رَجُل خَبِيتٌ نبيت أي خسيس حقير3.
__________
1 من ط.
2 في النهاية 2/4 وقيل: هو الحقر الردئ.
3 من م.

(1/674)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ قَدِمَ فِي فِدَاءِ أَبِيهِ وَكَانَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عِنْدِي فَرَسًا أُجِلُّهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عليها فقال رسول الله: "بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ" 1.
يَرْوِيهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الظَّفَرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أُجِلُّها معناه أَعلِفُها. وَالعَربُ تَضَعُ الإِجْلال موضع الإعطاء. قَالَ ابن السِكّيت: يقالُ أتَيْتُ فُلانًا فَما أَجلَّني ولا أحْشانِي أي ما أَعْطاني جليلةً ولا حاشيةً وهي صغَارُ المالِ والفَرَقُ مِكيَالٌ يُقالُ إنّه يسع سِتَّة عَشَر رطلا.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/46 عن سعيد بن المسيب بلفظ: "أعلفها" بدل "أجلها".

(1/674)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَبْعَثِ أَنَّهُ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي بَيْتِي أَتَانِي مَلَكَانِ فَانْطَلَقَا بِي إِلَى مَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمٍ فَسَلَقَانِي عَلَى قَفَايَ ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي فَأَخْرَجَا حِشْوَتِي فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شُقَّ قَلْبَهُ فَشَقَّ قَلْبِي فَأَخْرَجَ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَأَلْقَاهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الْبَرَهْرَهَةَ ثُمَّ ذَرَّ عَلَيْهِ مِنْ ذَرُورٍ مَعَهُ وَقَالَ: قَلْبٌ وَكِيعٌ وَاعٍ 1.." فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا سَمَّاهُمْ أَوْ سَمَّى بَعْضَهُمْ.
قوله: سَلَقاني معناه ضَرَبا بِي الأرضَ وأصله من السَّلْق وهو الضّربُ وقد فسّره2 ابن قُتَيْبة. وأما البَرَهْرَهَةُ فقد أكْثَرْتُ السُّؤالَ عنْها فلم أجد فيها قولا يَليقُ بمعنى الحديث يقطع بصحّته وإنّما أصْلُها في اللغة أَنَّ الجاريةَ البيْضاءَ النّاعمةَ التي ترْتجُّ لرطوبتها يُقال لها البَرهْرهَة وكَتبْتُ فيها إلى الأزهرِيّ فكان من جوابه أنّه تَصحِيفٌ من بعض النَّقَلَة وإنّما هُوَ من الحديث الَّذِي يروي أَنَّهُ شُقّ قلبُه ثُمَّ غُسِل في طَسْتٍ رَهْرَهٍ فعرَّف الرَّهرهَ وجعلَه البَرَهْرَهَ فأفسَدهُ قَالَ ويُقَال للِطَّسْت الواسِع الَّذِي لا قَعْرَ لَهُ طَسْت رَهرَهٌ ورَحْرَحٌ. وكنتُ قد عزمت عَلَى أن أُهملَ هذا الحرْف ولا أتكلّم في تفسيره إلى أن وَجَدْتُ هذه القصّة بغير هذا اللْفظ عَلَى نحو ما أرويه لك.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا أَبُو دَاوُدَ ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عروة عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يا رسول الله,
__________
1 الفائق "هول" 4/118. وفي النهاية "وكع" 5/220 بعض الحديث.
2 كتابه: غريب الحديث 1/381.

(1/675)


كَيْفَ عَلِمْتَ أَنَّكَ نَبِيٌّ فَقَالَ: "أَتَانِي مَلَكَانِ" وَقَصَّ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَذَكَرَ1 أَنَّهُ شُقَّ عَنْ قَلْبِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: "فَدَعَا بِسِكِّينَةٍ كَأَنَّهَا دِرْهَمَةٌ بَيْضَاءُ فَأُدْخِلَتْ قَلْبِي" 2 الْحَدِيثَ فَوَقَعَ لِي عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَرَهْرَهَةِ سِكِّينَةً بَيْضَاءَ صَافِيةَ الْحَدِيدَةِ شَبَّهَهَا بِالْبَرَهْرَهَةِ مِنَ النِّسَاءِ فِي بَيَاضِهَا وَصَفَاءِ لَوْنِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وقَولهُ: "قَلْبٌ وكيع" معناه متين صُلْبٌ. يُقال: سِقاءٌ وكيع إذَا أحكم خرزه لئلا يسرب ماؤه وقد استوكع السقاء.
__________
1 ح: "ذلك أنه شق".
2 أخرجه ابن كثير في السيرة النبوية 1/230 مختصرا وعزاه إلى ابن عساكر. وفي الفائق "كول": فعا بسكينة كأنها درهرهة بيضاء. وفي رواية: طكأنها درهمة بيضاء وهي السكينة المعوجة الرأس. فارسي معرب.

(1/676)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُمْ فَأُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي جَبَلَهُمْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَبُّ إِنِّي إِنْ آتِهِمْ بِهِ يُفْلَعُ رَأْسِي كَمَا تُفْلَعُ 1 الْعِتْرَةُ" 2.
هَذَا مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الثُّمَالِيِّ عن عياض بن حمار3.
__________
1 كذا في جميع النسخ بالعين المهملة. وفي النهاية "فلغ" يفلغ رأسي كما تفاغ العترة" بالغين المعجمة.
2 أخرجه مسلم في 4/2197 في حديث طويل: "إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت: إذا يثغلوا رأسي فيدعوه خبزة ... " الخ وأخرجه الإمام أحمد في 4/162.
3 ح: "عياض بن محمد" تحريف. وفي التقريب 2/95: عياض بكر أوله وتخفيف التحتانية وآخره معجمه ابن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم التيمم المجاشعي صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين.

(1/676)


قولُه: يُفْلعُ معناهُ يُشَقُّ. يُقَال: فَلعَ فُلانٌ رأسَ فُلانٍ إذَا شقَّه بحجر أو نحوه. وتَفلَّعَ الشيءُ إذَا تشقّق. والعِتْرَة يُقالُ إنها بقلة إذا قطعت خرج منها لبنٌ. وقال الأصمعيّ العِتْر نبت يَنْبُت مثل المرزَنْجُوش مُتفرّقًا. وأخبرني الرُّهَني عَنْ ثعْلَبٍ قَالَ العِتْرَة شجرة تنبت عند جِحَرة الضِّبَاب فتخرج الضَّبَّة فتتمرَّغ عليها فيقال في الذُلِّ إنّه لأذَلّ من عِتْرَة الضّبّ ورواه بعضُهم يُقْلَعُ رأسي بالقاف وهو تَصْحِيف وإنما يُفْلَعُ بالفاء لأنّ هذه اللَّفْظة بإزاءِ قوله: في الرّواية الأُخرى من هذا الحديث إنّي إن آتِهم بِهِ يُثْلَغُ رأسي كما تُثْلغُ الخُبْزَةُ. والثَّلْغُ: الهَشْمُ.

(1/677)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلُوا حِصْنَ ثَقِيفٍ فَتَآمَرُوا فَقَالُوا الرَّأْيُ أَنْ نُدْخِلَ فِي الْحِصْنِ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ فَاشِيَتِنَا وَأَنْ نبعث إلى مَا قَرُبَ مِنْ سَرْحِنَا وَخَيْلِنَا الْجَشَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّا لا نَأْمَنُ أَنْ يَأْتُوا بِضُبُورٍ1 فِي قِصَّةٍ فِيهَا طُولٌ.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ.
الفاشِيَةُ2 الإِبِل والغَنَم السائمة المنتشرة في المرعى وسُمّيتْ فاشيةً لأنّها تَفْشُو أي تَظْهُر وتَنْتَشُر ومن هذا فشَا السِّرُّ.
وفي حديث آخر: "إذَا كَانَ اللَيْلُ فَضُمّوا فواشِيَكم" والخَيْل الجَشَرُ ما أُرسِل منها في الرُّطَب أيّامَ الرَّبيع قَالَ الأصمعيُّ يُقالُ مَالٌ جَشَرٌ إذَا كَانَ لا يأوِي إلى أهله وقال غيره الجَشَرُ بُقُولُ الربيع هذا الأصل فيه, فإذا قِيلَ جَشَرْنا الدّوابَّ كَانَ معناه أرسلْناها في الجَشَر. والضُّبُورُ الدّبابات الّتي تُقدَّمُ إلى أصول حِيطان الحُصُون واحدها ضبر.
__________
1 لفائق "فشا" 3/118.
2 أخرجه مسلم في الأشربة 3/1595 بلفظ: "فكفوا صبيانكم" وبلفظ: "لاترسلوا فواشيكم وصبيانكم ... " والإمام أحمد في مسنده 3/312, 386, 395.

(1/677)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرَةٍ إِلَى بَدْرٍ: أَنَّهُ مَضَى حَتَّى قَطَعَ الْخُيُوفَ وَجَعَلَهَا يَسَارًا ثُمَّ جَزِعَ الصُّفَيْرَاءَ ثُمَّ صَبَّ فِي دَقْرَانَ1 حَتَّى أَفْتَقَ مِنَ الصَّدْمَتَيْنِ2.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ النُّعْمَانَ الْغِفَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ.
الخُيُوفُ جمع خَيْفٍ. قَالَ الأصمعيُّ: هُوَ ما ارْتفَعَ عَنْ موضع المَسِيل وانحدر من غِلَظ الجَبَل. وجَزَع الصُفَيْرَاء أي قَطَعها عرْضًا3 ولا يكون الجَزْعُ بمعنى القَطْع إلا عَرْضًا ومنه جِزْعُ الوادِي. قَالَ الأصمعيّ هُوَ مُنْعَرجُه بحيث ينعَطِف. وأفتق مَعْناه خَرَج من مَضِيق الوَادِي إلى فتْقٍ من الأَرْض وهو ما انفرج واتَّسَع منها. ويُقالُ أفْتق السّحابُ إذَا انكشف انكشافةً فكانت منه فرجة بين السحابتَيْن. قَالَ ذو الرُّمَّة:
تُريكَ بَياضَ غُرَّتِها ووَجْهًا ... كقْرن الشَمْسِ أفْتق ثُمَّ زالا4
وأراد بالصَّدْمَتْين جانبي الوادي وسُمِّيتَا صَدْمَتيْن لأنّهما لضيق المسلك الَّذِي يَشُقُّهُمَا كأنّهما يتَصَادمان كالجَبَلَيْن المُتَقابلين يُسمَّيان الصَّدَفَيْن5 لأنهما يَتَصادفان ويتلاقَيان ويُقال لناحِيَة الوادي العدوة. قال الشاعر:
__________
1 م: "ذقران" تصحبف والمثبت من س, ت, ح ومعجم البلدان 4/64.
2 أخرجه الواقدي في مغازيه 1/51 بلفظ: "فمضى حَتَّى قَطَعَ الْخُيُوفَ وَجَعَلَهَا يَسَارًا" وليس فيه: "ثم جزع الصفيراء"الخ.
3 ط: عزما "تحريف".
4 الأساس "فتق" والديوان /434 برواية: تريك بياض لبتها ... الخ.
5 س, ط: "الصدمتين" والمثبت من ت, م.

(1/678)


سَقَى الإِلَه عُدُواتِ الوَادِي ... وجَوفَه كُلَّ مُلثٍ غَادِي1
وفي قصّة بَدْرٍ من روايته أنّ رجُلًا من بني غِفارٍ قَالَ أقْبَلتُ وابنُ عَمٍّ لي حتى صَعَدْنا عَلَى حَبْلٍ ونحنُ مُشْرِكان2 عَلَى إحْدَى عُجْمَتي بدرٍ العُجْمَة الشامية ننتظر الوَقْعَة3.
الحَبْلُ من حِبال الرَّملِ وهو قطعة من الرَّمْل ضخمة ممتدة على وجه الأرْض. والعُجْمَةُ من الرَّمْل الجُمهورُ المُتراكم منه يُشرف عَلَى ما حوله.
__________
1 ح: عدوات الهادي "تحريف".
2 كذا في ت, م, ح وفي س, ط: "ونحن مشرفان".
3 أخرجه الواقدي في مغازيه 1/76.

(1/679)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا هَاجَتْ رِيحٌ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا تَجْعَلْهَا رِيحًا" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا أَبِي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحِبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قوله: "اجعَلْها رِياحًا" يريدُ اجْعَلْها لِقاحًا للسحاب, ولا تجعَلْها ريحا.
يُريدُ لا تجعلْها عَذابًا. والعرب تقول: لا تلقح السَّحاب إلا من ريَاحٍ. وقال الأصمعيُّ عَنْ بعض الأعراب إذَا كَثُرَت المُؤتَفِكَاتُ زَكَت الأرْضُ. وتَصديقُ هذا في كتاب الله عَزَّ وجَلَّ وبَيانه ما ذكر ابنُ عباس.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا الرَّبِيعُ ثنا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَنْ لا أتهم, نا العلاء
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/153 وعزاه للطبراني وذكره الحافظ في المطالب العالية 3/238 وعزاه لأبي يعلى مسدد.

(1/679)


بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعْنِي آيَةَ الرَّحْمَةِ: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 1 قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} 2 وَقَالَ يَعْنِي فِي آيَةِ الْعَذَابِ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} 3 وَقَالَ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} 4.
قَالَ أبو سليمان: والمُؤتفِكاتُ: الرِّياحُ إذَا اخْتَلَفَت وكانت لشِدّتهَا كأنّها تقلِبُ الأرضَ. ومن هذا قولُهم أفَكْتُ الرَّجلَ عَنْ رأيه إذَا صَرفْتَهُ عَنْهُ. ومنه سُمِّي الكَذِبُ إِفكًا لأنّهُ قد قَلِبَ عَنِ الحقّ إلى الباطل. وسُمّيَتْ مَدائنُ قوم لُوطٍ المؤتَفِكاتُ لانْقِلابها. قَالَ الله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} 5.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدٌ نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا حُصَيْنٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَذَكَرَ قِصَّةَ هَلاكِ قَوْمِ لُوطٍ وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ رُفِعَتِ الْقَرْيَةُ حَتَّى كَأَنَّ أَصْوَاتَ الطَيْرِ لَتُسْمَعُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ6 قَالَ: فَمَنْ أَصَابَتْهُ تِلْكَ الآفِكَةُ أَهْلَكَتْهُ.
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا حَدِيثُ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ. حَدَّثَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا عَمْرُو بْنُ حُصَيْنٍ الْعُقَيْلِيُّ نا الْفَضْلُ بْنُ الْعَلاءِ الْكُوفِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ محمد بن سعيد بن حنظلة عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "مِمَّنْ أَنْتَ" فَقَالَ: مِنْ رَبِيعَةَ قَالَ: "أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ لَوْلا رَبِيعَةُ لأْتَفَكَتِ الأَرْضُ بِمَنْ
__________
1 سورة الحجر: 22.
2 سورة الفرقان: 48.
3 سورة الذاريات: 41.
4 سورة القمر: 19.
5 سورة الحاقة: 9.
6 م: "تسمع في جو الهواء".

(1/680)


عَلَيْهَا" 1 أَيِ انْقَلَبَتْ بِأَهْلِهَا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى فِي السَّمَاءِ اخْتِيَالًا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ2.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الزِّئْبَقِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ نا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رِيحًا سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَإِذَا رَأَى فِي السَّمَاءِ اخْتِيَالا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ3. فَإِنَّ الاخْتِيَالَ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَهِيَ السَّحَابَةُ الَّتِي يُخَالُ بِهَا الْمَطَرُ. يُقَالُ خَيَّلَتِ السَّمَاءُ وَتَخَيَّلَتْ إِذَا أَرَتْ أَنَّهَا مَاطِرَةٌ والخالُ السحابُ الَّذِي يُخيلُك المَطَر. قَالَ الشاعر:
أتَيْناكَ رُوَّادًا ووَفْدًا وشَامةً ... لخالك خال الصدق يابن الأكارم
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/310 وعزاه لابن عساكر في تاريخه. وفي الفائق "أفك" 1/49 وجاء في الشرح: لانقلبت بأهلها من إفكه فائتفك منه والإفك هو الكذب لأنه مقلوب على وجهه والمعنى: لولاهم لهلك الناس. نزعمون بمعنى تقولون ومفعولها الجملة بأسرها.
2 أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء باب التعوذ عند رؤية الريح 2/616 وأخرجه أحمد بنحوه فيمسنده 6/240.
3 أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء 2/616 وأحمد في مسنده بنحوه.

(1/681)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَيَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَبْعَثُ الله الملك فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد" 1.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع. منها في القدرة 8/152 ومسلم في القدر أيضا 4/2036 والترمذي في 4/446 وأبو داود في كتاب السنو 4/228 وابن ماجه في المقدمة 1/29 وعبد الرزاق في المصنف 11/123.

(1/681)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ النَّخْعِيُّ نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قولهُ: يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ تَفْسِيرُهُ عن ابن مسعود حدثنا الأَصَمُّ نا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَبُو عُبَيْدَةَ ثنا قَبِيصَةُ نا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ قَالَ قُلْتُ لِلأَعْمَشِ مَا يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا.

(1/682)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَ: "وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّكُمْ لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ وَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ" 1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ.
الفَزَعُ في كلامهم عَلَى وجْهَيْن أَحدهما بمعنى الرُّعب. يقالُ فَزِع الرجلُ إذَا رعب وأفزعته أي رعَّبْتُه. والآخر بمعنى النُّصَرة والإِنْجاد يُقال فزِعتُ إلى فُلانٍ أي التجأتُ إِلَيْهِ فأفزعَنِي أي نَصَرني ويقال أيضًا فزَعَني قَالَ الشاعر:
فقُلْتُ لَكَأْسٍ أَلجِميها فإنّما ... حَلَلْنا الكَثِيبَ مِنْ زَرودَ لنَفْزَعا2
أي لنغيث.
__________
1 الفائق "فزع" 3/115.
2 البيت في الفائق "فزع" وعزي للكلحبة اليربوعي وفي اللسان والتاج "فزع, زرد" والكلبحة اسم أمه واسمه هبيرة بن عبد مناف وهو في المفضليات 32.

(1/682)


ويُقالُ فَزِعَ الرَّجلُ من نَوْمه أي انتَبَه وأَفْزَعْته إذَا أَنْبَهْتَه. وَمنه الحَدِيثُ أن رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِع من نَوْمه مُحمرًّا وَجْهُه1.
وفي حديثٍ لَهُ آخر: "ألا أَفْزَعْتُموني" 2 يريد ألا أنبهتموني.
__________
1 الفائق" فزع" 3/115 وروي: "نام ففزع وهو يضحك".
2 في الفائق "فزع" 3/155: "ألا أفزعتموني" لأن من نبه لا يخلو من فزع ما.

(1/683)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: "سَلِ اللَّهَ الْهُدَى وَأَنْتَ تَعْنِي بِهُدَاكَ هِدَايَةَ الطُّرُقِ وَسَلِ اللَّهَ السَّدَادَ وَأَنْتَ تَعْنِي بِذَلِكَ سَدَادَ السَّهْمِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "وَأَنْتَ تَذْكُرُ2 مَكَانَ قَوْلِكَ وَأَنْتَ تعْنِي".
معنى هذا الكلام أنّ الرامي لا يَرْمي إلا بالسّهْم الَّذِي قد سُوِّي قِدْحُه وأُصْلِحَ رِيشُه وفُوقُه حتّى يَعْتَدل ويتسَدّد وأنّه مهما قَصّرَ عَنْ شيء من هذا لم يتسدَّد رَمْيُه ولم يَمْض نحو الغرض سَهْمُه فأُمِر الدَّاعي إذَا سأل الله السَّداد أن يُخْطِرَ بباله صِفَةَ هذا السَّهْم المُسَدَّد وأن يُحضرها لِذكْره ليكون ما يسْأل اللهَ منه عَلَى شكلِه ومِثاله وكذلك هذا المعنى في طلب الهُدى جعل هِدايةَ الطُرُق مثَلًا لَهُ إذْ كَانَ الهُداةُ لا يَجُورُون عَنِ القَصْد, ولا يَعْدِلُون عَنِ المحجَّة إنّما يَرْكَبُون الجادَّة ويَلْزَمُون نَهجَها. يَقُولُ فلْيَكُن ما تَؤُمُّه من الهُدى وتَسْلكُه من طرقه كذلك.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/134.
2 أخرجه مسلم في كتاب الذكر 4/2090 بلفظ: "اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم" وأوب داو دفي كتاب الخاتم 4/90 بنحوه والإمام أحمد في 1/88, 138, 154 بألفاظ متقاربة.

(1/683)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَ طَبَقَهَا أَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ وَاضِعٌ يَدَهُ لِمُسِيءِ اللَّيْلِ لِيَتُوبَ بِالنَّهَارِ وَلِمُسِيءِ النَّهَارِ لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" 1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى نا جَرِيرٌ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى.
قوله: يَخْفِضُ القِسْطَ ويرفَعُه يريد بالقِسْط والله أعلم الرِّزقَ الَّذِي هُوَ قسْطُ كلّ أحدٍ وقسْمُه من قُوتِه ومعاشه. فالخَفْضُ تَقْتِيرُهُ وتَضْيِيقُه. والرَّفْعُ بَسْطُه وتَوْسِعَتُه2 يُرِيدُ أنّه مُقدِّر الرّزْق وقاسِمُه عَلَى الحِكمة فيه والمصلحة في مقداره.
وفيه وَجْهٌ آخر وهو أن يكون أراد بالقِسْط الميزانَ قَالَ الله تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 3 الآية وسُمّي الميزانُ قِسْطًا لأنّ القِسْطَ العَدْل وبالميزان يقَعُ العَدْلُ في القِسمَة فلذلك سُمِّي الميزانُ قسطا وإنما هذا مثل فيما يُدبِّرهُ من أمرِ الخَلْق ويُنْشِئُه من حكمه ويمضيه من
__________
1 أخرجه ملسم في الأيمان 1/162 وفي 4/2113 وابن ماجه في المقدمة 1/70 والإمام أحمد في 4/395, 401, 404, 405 بألفاظ متقاربة.
2 س: "وتوسيعه".
3 سورة الأنبياء: 47.

(1/684)


مَشِيئَتِه فيهم يَرفعُ قَوْمًا ويضَعُ آخرِين وهو الخافِضُ الرافِعُ العَدْلُ الحكيمُ تَبارك الله ربُّ العالَمِينَ وسُبُحاتُ وَجْهه جَلاله ونُورُه هكذا فسّرُوهُ واللهُ أعلمُ بمعناه.
فأمّا اشتِقاقُه من اللُّغَة1 فمن قولك سبَّحْتُ اللهَ أي نزّهْتُهُ من كُلّ عَيْبٍ وبرّأتُه من كل آفةٍ ونَقْص ويقال إنّ أصلَ التَسْبيح التّبعيد من قولك سَبَّحت في الأرض إذَا تباعدتَ فيها ومنه قوله تَعَالَى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2 قَالَ الأعشى:
أقُولُ لمّا جاءَني فَخرُهُ ... سُبْحانَ من عَلْقَمةَ الفَاخِر3
يَقُولُ مَا أبْعَدَ الفَخْرَ من عَلْقمة.
ومعْنى الكلام أَنَّهُ لم يُطِلْع الخلْقَ من جلال عَظمَته إلا عَلَى مِقْدار ما تُطِيقُه قُلوبُهم وتحتَمله قُواهم ولو أَطْلعَهم على كنه عظمته لانخلعت أَفْئِدتُهم وزهقَتْ أنْفُسهم ولو سَلَّط نُورَه عَلَى الأرض والجبال لاحْترقَتْ وذابت كقوله تَعَالَى في قِصّةِ مُوسَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} 4
وقوله: واضِعٌ يدَهُ لمُسيء النهار يُريدُ أَنَّهُ لا يعاجلُه بالعُقُوبة بل يُمْهلهُ ليَتُوبَ ويرجِع. يقال وضع فُلانٌ يَدَه عَنْ فُلانٍ أي كف عنه.
__________
1 م: "في اللغة".
2 من ت, م والآية في سورة الأنبياء: 23.
3 اليوان /94 برواية:
أقول لما جاءني فجره ... سبحان من علقمة الفاجر
وفجره: مخالفته.
4 سورة الأعراف: 143.

(1/685)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ لَمَّا أَسْلَمَتْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِجَدْيَيْنِ مَرْضُوفَيْنِ وَقَدٍّ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ الْهُذَلِيِّ.
المَرضُوفُ والرّضيفُ من اللَّحم المَشْويّ عَلَى الرِّضاف وهي الحجارةُ تُوقَدُ عليها النّار حتى إذَا حَمِيت أَلْقَى عليها اللّحمَ لِيَنْشَوِي وهو الحَنِيذُ وأراد بالقَدّ سِقاءً صَغِيرًا من لَبَن. قَالَ ابنُ السِّكَّيت القَدُّ جِلْدُ السَّخْلةِ الماعزة يقال ما تَجعَل قدك إلى أديمك.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه 2/868.

(1/686)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نَعْلَهُ كَانَتْ مُعَقَّبَةً مُخَصَّرَةً مُلَسَّنَةً1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو رَوْقٍ2 نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا هَمَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
المُعقَّبَةُ التي لها عقِبٌ. والمُخصَّرة التي قد قُطِع خَصْراها. والملسَّنةُ يقالُ هي الّتي قد تُركَ لها لِسانٌ. ولِسانُها الهُنَيَّةُ الناتِئَة من مُقَدَّمِهَا. قَالَ الشاعر:
إليكَ امْتَطيْنا الحَضْرَميَّ المُلسَّنَا
وحكى بن ابنُ دُريْدٍ عَنْ يُونُس قَالَ: خَرْثَمةُ3 النَّعْل رأْسُها فإذا لم
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/478 وجاء فيها قال هشام: رأيت نعل رسول الله ... الخ والحديث في النهاية "لسن, عقب".
2 م: طأبو رويق" كزبير "تحريف" والمثبت من س, ت وفي التقريب 2/24, 423: أبو روق الهمداني هو عطية بن الحارث بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف الكوفي صاحب التفسير صدوق مات بعد المائة.
3 اللسان "خرثم": خرثمة النعل وخرثمتها "بفتح الخاء والثاء وكسرهما": رأسها.

(1/686)


يكن لها خَرْثَمةٌ فهي لَسِنَة ومُلسَّنَة فإذا عَرُضَ رأسُها فهي المُخثَّمة وقال غيره إنّما هي الخِثْرمَةُ. والخِثْرمَةُ أيضًا الدائرة التي عند الأنف وسط الشفة العليا ورواه أبو عُبَيْد عَنِ الأحمر بالحاء غير معجمة1
ومّما جاء في الحديث من نُعُوت أدَاته حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ فِضَّةً2.
وقَبِيعَةُ السَيْف وهي التي عَلَى رأس القائِم. ويُقالُ لها الثُّومَةُ أيضًا.
وفي حديث آخر أنَّ رَوُثةَ سيفِه كانت فِضَّةً3.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ قِمَاعُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ وَرِقًا4.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن جناح نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ ذَكَرَهُمْ قالوا كان لرسول الله سَيْفٌ يُسَمَّى ذَا الْفَقَارِ وَآخَرُ يُقالُ لَهُ الْمِخْذَمُ وَآخَرُ يُقَالُ: لَهُ الرَّسُوبُ5.
المِخْذَمُ القَاطِعُ والخَذْمُ القطع. قال الشاعر:
__________
1 من م.
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/487.
3 في النهاية "روث" 2/271: "فسر أنها أهعلاه مما يلي من كف القابض".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/296 بلفظ: "أقماعه من ورق". يعني رأسه.
5 أخرجه ابن سعد بطوله عن مروان بن أبي سعيد المعلى في الطبقات 1/486.

(1/687)


ولا يَأكُلُون اللّحْمَ إلا تَخذُّمَا
والرَّسُوبُ الماضي أُخِذَ مِن رُسُوب الشيء في الماء إذَا غاب فذهبَ سُفْلًا يُريد أَنَّهُ يَرْسُب في الضَّرِيبة فيغيب فيها قَالَ الهُذَليُّ يَصفُ سَيْفًا:
أبْيَضُ كالرَّجْع رَسُوبٌ إذَا ... ما ثاخ في مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي1
وأراد بالرَّجْع الماء ومن هذا قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} 2 أي ذات المَطَر وكان لبَعضِ الصَّحابَةِ سَيفٌ يُقال لَهُ المِرْسبُ3.
__________
1 اللسان والتاج "رسب, ثوخ" وعزي للمتخل الهذلي وهو في شرح أشعار الهذليين 2/1260.
2 سورة الطارق: 11.
3 من م, ت.

(1/688)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أحلوا لِلَّهِ يَغْفِرْ لَكُمْ" 1.
يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عن عمير بن هانىء عَنْ أَبِي الْعَذْرَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ابْنُ ثَوْبَانَ أَحِلُّوا يُرِيدُ أَسْلِمُوا.
قَالَ أبو سُليمان: هكذا سِمعْتُه يُرْوَى بالحاء فإن كَانَ محفُوظًا فمعْناه الخُروجُ من خَطر الشِّركِ إلى حِلِّ الإسلام من قولهم أَحلَّ الرجلُ إذَا خرج من الحَرَم إلى الحِلِّ وأحَلَّ في يمينه إذا خرج من عُهْدَتِها بِبّر أو كفَّارة أو استِثْناء أو نحوها وكذلك أَحَلَّ في نَذْرِه قَالَ ذُو الرُّمّة:
أرشّتْ بها عَيْناك حتّى كأنّما ... تُحِلان من سفْح الدُّمُوع بها نذرا2
__________
1 أخرجه أحمد في سمنده 5/199 بهذا السند بلفظ: "أجلوا الله".
2 الديوان /170. وأرشت ورشت: سألت بالبكاء.

(1/688)


وكُلُّ من خرج من حَظْرٍ إلى إباحة فهو مُحِلٌّ وكان عَبْد الله بْن الزُّبَير يُدْعَى المُحِلّ لاستباحته القِتالَ في الحَرَم. قَالَ الشاعرُ يُشَبِّبُ بابنة الزُبَيْر:
ألا مَنْ لِقَلْبٍ مُعَنًّى غَزِلْ ... بذِكْر المُحِلّةِ أُخْتِ المُحِلّ
وقد جاء في بعض الحديث: "مَنْ أحالَ دَخَلَ الجنَّة" 1.
أخبرني أبُو عُمَر أَخْبَرَنَا أبو العَبَّاس ثَعْلَب عَنِ ابن الأعْرابي قَالَ أحالَ يُريدُ أسْلَم. قَالَ أبو سُليمان وليس هذا من الإِحْلال هذا من الإحالة. يُقالُ أحالَ الرجُلُ إذَا تحوَّل من شيء إلى غيره يُريد والله أعلم الانْتِقالَ من دِينِ الكُفْر إلى مِلّةِ الإسلام.
وروى هذا الحديث محمد بْن إسماعيل البُخاريّ عَنْ محمد بْن المُثنّى. عَنْ موسى بْن داود بإسناده سَواء. فَقَالَ: "أَجِلُّوا اللهَ يَغْفرْ لكْم" 2. بالجيم أي أَسْلِمُوا. والتّفسير مَوْصُولٌ بالحديث واللهُ أعلم أيّهُما الصَّحِيح. وقال بَعْضُ أصحابنا يُريدُ بقَوله: أَجِلُّوا اللهَ أي قولوا يا ذا الجلالِ أو آمنوا بالله ذِي الجلال وهذا كما رُوي: "ألِظُّوا بَيا ذا الجلال" 3.
__________
1 الفائق "حول" 1/344. وفي النهاية "حول" 1/463 أي أسلم يعني أنه نحول من الكفر إلى الإسلام.
2 لم أقف عليه في صحيح البخاري ولعله رواه من كتاب آخر له وقد تقدم تخريجه من مسند أحمد وهو في الفائق "حلل" 1/307 برواية: "أحلوا". وروي: "أجلوا".
3 أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات 5/539 والإمام أحمد في 4/177 وفي الفائق "لظ" 3/317. وجاء في النهاية "لظ" 4/252: أي ألزموه واثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم.

(1/689)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "المؤمن مكفر" 1.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك 1/58.

(1/689)


حَدَّثَنَاهُ النَّجَّادُ أنا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ نا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: "المؤمن 1 مُكَفَّر" معناه أنَّهُ مُرَزَّأ في نفسه وأهْلِه وأنّهُ لا يزالُ يُنْكَبُ وتُصِيبُه المكاره فتكون كفّارةً لذنُوبِه.
__________
1 من م, ح.

(1/690)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: "إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَلا تُنَازِعِ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى 1 بَوَاحًا أَوْ بَرَاحًا" 2.
يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ. فَقَالَ إِلا أَنْ تُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بَوَاحًا قَالَ مَعْمَرٌ وَسَمِعْتُ جَعْفَرًا الْجَزْرِيَّ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا إِلا أَنَّهُ قَالَ: بَرَاحًا.
قولُه: بَواحًا يريدُ ظاهرًا باديًا. ومنه قولهم باحَ بالشيء يَبُوح بِهِ بَوْحًا وبُوحًا3 إذَا أذاعَه وأظهَره. والبَراح مثله أو قريبٌ منه. وأصل البراح الأرض القفر الّتي لا أنيسَ بها ولا بِناءَ فيها. قَالَ الشاعرُ:
وقد أَجُوبُ البلدَ البَراحا ... المَرْمَرِيسَ القفْرَةَ الصَّحْصَاحا4
وأخبرني أبو عُمَر أنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ: يُقالُ: لَقِيتُه صَرْحةً بَرْحَةً أي لَقِيتُهُ ظاهرًا بَاديًا.
__________
1 من م, ح.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/331. وأخرجه البخاري في الفتن 9/59 ومسلم في الإمارة 3/1470 والإمام أحمد في 5/314, 321 بألفاظ متقاربة
3 م: "وبواحا" وفي القاموس "بوح": باح بسره بوحا وبؤوحا وبؤوحة: أظهره كأباحه.
4 المرمريس: الأملس والصحاح: مااستوى من الأرض "اللسان: مرس, صحح".

(1/690)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: هُوَ قَانِتٌ فَقَالَ لَهُ: "اذْكُرِ اللَّهَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ المسيب.
القنوت السكوت هاهنا وكان هذا الرجل قد نَذَر أن يقُومَ في الشَّمس ساكتًا لا يتكلم فأمره أن يذكر الله وأن لا يَسْكتَ عَنِ الخير.
وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيمٌ أنبا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ نا الْحَارِثُ بْنُ شُبَيْلٍ2 عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ يُكَّلِمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ بِحَاجَتِهِ فَنَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 3 فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ4.
والقُنُوتُ في أشْياء غير هذا منْها الطاعة ومنها القيام ومنها الدعاء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 8/439.
2 في التقريب 1/141: الحارث بن شبيل بالمعجمة والموحدة مصغرا البجلي أبو الطفيل ثقة.
3 سورة البقرة: 238.
4 أخرجه مسلم في كتاب المساجد 1/383 والترمذي في التفسير 5/218 وغيرهما.
 

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...