Translate سكا.....

الأحد، 1 مايو 2022

جلد 2: غريب الحديث أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)

 

2: غريب الحديث أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)

 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ قُلْ السَّلامُ عَلَيْكَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أيوب ثنا مسدد ثنا
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب 4/353 والترمذي في الاستئذان 5/72 وغيرهما.

(1/691)


يَحْيَى عَنْ أَبِي غِفَارٍ حَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ عَنْ أَبِي دُرَيْدٍ أَوْ أَبِي جُرِّيٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ: "عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ" إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ تَجْرِي عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي تَحِيَّةِ الْمَوْتَى وَإِخْبَارٌ عَنْ مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَى جِهَةِ الأَمْرِ بِهِ وَالتَّعْلِيمِ فِيهِ أَلا تَرَاهُ يَقُولُ حِينَ دَخَلَ الْمَقْبُرَةَ: "السَّلامُ علَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ فَجَعَلَ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَوْتَى كَهُوَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتْ تَحِيَّةَ الْمَيِّتِ قَدَّمَتِ اسْمَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالتَّسْلِيمِ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْكَلامِ وَالشِّعْرِ قَالَ عَبْدَةُ بْن الطَّبيب:
عليكَ سَلامُ الله قَيسَ بْن عَاصمٍ ... ورحمتُه إن شَاءَ أن يَتَرَحَّما2
وقال الشَّمّاخُ:
عليك سلامٌ من أميرٍ وبَاركت ... يدُ الله في ذَاك الأَدِيم المُمزَّق3
وكانت إذَا أرادت تحيّة الحَيّ قدّمَتْ لفظَ السّلام كقَوْل لَقِيط الإيادي حين كتب إلى قومه يُنذرهم بِكِسْرى:
__________
1 أخرجه أبو داود في الجنائز 3/219 وأحمد في مسنده 2/300, 375, 408 وغيرهما.
2 اللسان "سلم" دون عزو.
3 اللسان "سلم" دون عزو والديوان /488 برواية: "جزى الله خيرا من أمير وباركت".

(1/692)


سَلامٌ في الصّحِيفَةِ من لقيطٍ ... إلى مَنْ بالجزيرة من إيادِ
بأنَّ اللّيْثَ كِسْرَى قد أتاكُم ... فلا يَحْبِسْكُمُ سُوقُ النِّقَاد1
وكقول بعض الأعْراب لابنه وقد بعث بِهِ إلى بعض الأمراء يستميحهُ:
إذَا جِئتَ الأميرَ فقُلْ سَلامٌ ... عليكَ ورحْمَةُ اللهِ الرَحِيم
وهكذا هُوَ في كلّ دُعَاء بخَيْر وبه نطق كتاب الله جل وعز فَقَالَ: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} 2 {سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} 3. وقال في قصَّة إبراهيم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} 4. فأما الدُّعَاء بالشَّرّ فقد جَرتْ عادتُهم فيه بتقديم اسمِ المَدعُوِّ5 عَلَيْهِ غالبًا6 كقولك: عَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وعليه غضَبُ الله. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} 7. وقال في قصّة المُلاعَنةِ: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 8 قال {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} 9 وقال زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمى:
تحمَّل أهْلُها عنها فبادوا ... عَلَى آثار ما ذهب العفاء10
__________
1 الديوان /35, 36.
2 سورة الصافات: 130. وهي قراءة نافع وابن عامر. وأما قراءة باقي القراء فهي "إلياسين" بكسر الهمزة وإسكان اللام الكشف عن وجوجد القراءات 2/227.
3 سورة الصافات: 120.
4 سورة هود: 73.
5 ط: "اسم المدعى عليه".
6 من م.
7 سورة ص: 78.
8 سورة النور: 9.
9 من م. والآية في سورة التوبة: 98.
10 الديوان /58 برواية: "فبانوا" بدل "فبادوا".

(1/693)


ومِثْلُ هذا في الكلام كثير.
وفي التّسْليم لُغتان. يُقالُ سلامٌ عليْكم والسَّلامُ عليكم. وَوُقوعُ الألف واللامِ فيه بمعنى التَّفْخِيم.
أخبرني الرهني أخبرني ابن كيسان قَالَ: دُخول الألف واللام في الأَسماء عَلَى ثلاثة معانٍ للتّعريف والتَّجْنِيس والتَّعْظيم. فالتَعْريفُ كقْولك: الرجلُ والمرأةُ. والتَّجنيسُ. كقولك: الشَّاءُ خَيرٌ من الإبل والذَّهَبُ. خَيْرٌ من الفِضّة. والتّعظيمُ كقولك: حَسنُ بْن علي وعبّاس بْن عَبْد المطّلب. ثُمَّ تَقُول الحَسَن بْن عَليّ والعباس بن عبد المطلب.
فيه لغةٌ ثالثةٌ. قَالَ الفرَّاء تقولُ العربُ سِلْمٌ. بمعنى سَلام كما قَالُوا حِلّ وحلالٌ وحِرْمٌ وَحَرامٌ. قَالَ وأنشدني بَعْضُ العرب:
وقَفْنا فقُلْنا إِيهِ سِلْمًا فَسَلَّمَتْ ... كما انكلَّ بالبْرق الغَمامُ اللوَائحُ1
وكانوا يستحسنون أن يقولوا في أوّل الكلام سَلامٌ عليك بمعنى التحيّة وفي آخره السَّلام عليك بمعْنى الوَدَاع الأَوّل كقَوْلِ ذِي الرُّمّة:
أمَنْزِلَتَيْ مَيٍّ سَلامٌ عليكما ... هل الأَزْمُن الَّلائي مَضْينَ رواجِعُ2
والآخر كقول جَرِير:
يا أُختَ ناجِيةَ السّلامُ عليكمُ ... قبْل الرَّحيل وقبل لَوْم العذَّل3
وقال الشافعيُّ: فيما رَوَى الرّبيعُ بْن سُليمان عَنْهُ في تسليم المُصَلّي: أقلُّ ما يكفي المُصَلّي من تسليمه أن يَقُولُ: السَّلامُ عليكم فإن نَقَص من هذا
__________
1 اللسان والتاج "كلل" وعزي لأبي ذؤيب. ولم أقف عليه في شرح أشعار الهذليين.
2 الديوان /332.
3 الديوان /443 برواية: ياأم ناجية ... الخ.

(1/694)


حَرفًا عاد فسلَّم. قَالَ أبو سليمان: فيُشبُه عَلَى هذا أن يكون السلامُ في مذهبه اسمًا من أسماء الله تَعَالَى فلذلك لم يَرَ حذف الألف والّلام جَائزًا.
ويَشَهْدُ لِذَلِكَ1 حَدِيثٌ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَفْشُوهُ بينكم" 2.
__________
1 ح: "ويشهد لك". تحريف.
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/131.

(1/695)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَليٍّ: "أَنْتَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الصَّادُ" 1.
يَرْوِيهِ سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ عَنْ حَرَامِ2 بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ3.
البعير الصّادُ هُوَ الَّذِي بِهِ الصَّيَدُ وهو داءٌ يأخذ في الرأس لا يقدرُ من أجله أن يَلْوِيَ عُنقَه وبهيشبه ذُو الكِبْر فيقالُ رَجُلٌ أَصْيَدُ إذَا كَانَ من كِبْره لا يلتفِت إلى أحدٍ ويقالُ إنّه داءٌ يأخذ في العينين والشُؤُون4 يقالُ بَعِيرٌ أَصْيَدُ وبه صَيَدٌ كما يقال: أجيدُ وأغيدُ من الجيد والغيد
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 9139 بلفظ: "أنا أذود عن حوض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كما تذوة السقاة غريبة الإبل عن حياضهم" وعزاه للطبراني في الأوسط وذكر الحافظ في ترجمة: حرام بن عثمان عن جابر: " ... إنك لذواد عن حوضي ... " الخ لسان الميزان 2/183.
2 ط, ح: حزام "تصحيف" وفي لسان الميزان 2/182: حرام بن عثمان الأنصاري المدني. وفي المشتبه للذهبي 1/214: حرام. فتح الباء.
3 من ح, م.
4 ساقطة من ح.

(1/695)


وقال ابن السكيت الصَّادُ والصَّيَد داء يصيب الإبل في رؤوسها فيسيل من أنوفها مثلُ الزَّبَدِ وتسمو عند ذلك برؤوسها1
وتقرير قوله: "بَعيرٌ صَادٌ" تقدير قوله: رَجُلٌ مَالٌ أي ذُو مالٍ وكبْشٌ صافٌ أي ذو صوفٍ ومثله يومٌ راحٌ ذو ريحٍ شديدة والأصل رائحٌ ويوم طانٌ أي كثير الطين وكما خَفَّفوا الحائجة فقالوا حاجة2 يقال صَادَ البَعيرُ يَصادُ كما قَالُوا عَار بَصرُهُ يعارُ ولغةُ أهل الحجاز صَيِدَ البَعير يَصْيَدُ وعَوِرَ يَعْوَرُ يُثْبتون الألف والياء فهو صايِدٌ بلا هَمْزٍ وعاوِرٌ.
قَالَ المبرّدُ كُلّ فعْلٍ من الثلاثة ممّا عَيْنه ياء أَوْ واو إذَا كانت معتلةً ساكنة نحو قَالَ يقُولُ وباعَ يَبيعُ وخافَ يخافُ وهابَ يُهابُ فإن موضعَ العيْن منه يُهْمَز نحو قائلٍ وخائفٍ وَبائع فإن صحَّت العَيْنُ من الفعل صحَّت من اسم الفاعِل نحو عور فهو عاوِرٌ وصيدَ البعيرُ فهو صايدٌ غدا3.
__________
1 من م, ت.
2 من ت, م.
3 من م, ح.

(1/696)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا مِنَ الْجِنِّ أَتَاهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَقَطْعِ الأَرْحَامِ وَإِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ: "بِئْسَ لَعَمرُو اللَّهِ عَمَلُ الشَّيْخِ الْمُتَوَسِّمِ وَالشَّابِّ الْمُتَلَوِّمِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ أَبَانٍ الْبُنْدَارِ
__________
1 أخرجه العقيلي في الضعفاء في ترجمة إسحاق بن بشر الكاهلي لوحة 48-ب وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/207 وابن كثير في السيرة النبوية 4/185 بطوله وغيرهم.

(1/696)


نا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ.
الشَيْخُ المُتَوسّم هُوَ المُتحَلّي بِسمَةِ الشيوخ. والشابُّ المُتلَوّم هُوَ المتَعرّض للأّئمةِ بالفعل القبيح. يقالُ تَلَوَّم الرجُلُ إذَا تعرَّض لِلائمة كما يُقالُ تحمّد من الحمد ومثْله تجبب وتودَّد.

(1/697)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "طَلاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَقَرْؤُهَا حَيْضَتَانِ" 1
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا أَبُو قِلابَةَ الرُّقَاشِيُّ نا أَبُو عَاصِمٍ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ ثُمَّ لَقِيتُ مُظَاهِرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ.
قوله: قَرْؤُها حيضتان أَصلُ القَرْءِ الوَقْتُ. قَالَ الأصمعيّ: يقالُ رجع فُلانٌ لِقَرْئه وقارئه أي رجَع لِوقْتِهِ المَعْلُوم قَالَ الشاعر:
كَرهْتُ العقْرَ عَقْرَ بَني شُلَيْلٍ ... إذَا هَبَّتْ لِقَارِئها الّرياحُ2
فالقَرءُ زمانُ العِدَّة ولذلك وقع هذا الاسمُ مُشْتَركًا بين الحيْض والطُّهْر لأنّهم إنّما اعتبروا وقت معاودتهما وكلاهما يتعاقبان عَلَى مَرِّ الأيّام لِميقَاتٍ مَعْلوم.
وقد يحتجُّ بهذا الحديث مَنْ يَرَى العِدَّة بالحيض ومن لا يَرَى الطَّلاق معتبرًا بالرجل إلا أنَّ أهْلَ الحديث يُضَعّفُونَه.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق 2/257 والترمذي في 3/479 وابن ماجه في 1/673 وغيرهم.
2 اللسان والتاج "عقر" دون عزو.

(1/697)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ قِبْطِيًّا يَتَحَدَّثُ إِلَى مَارِيَةَ فَأَمَرَ عَلِيًّا بِقَتْلِهِ قَالَ عَلِيٌّ: فَأَخَذْتُ السَّيْفَ وَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي رَقِيَ عَلَى شَجَرَةٍ فَرَفَعَتِ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فَإِذَا هُوَ حَصُورٌ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "إِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
الحَصُور الَّذِي لا يأتي النساء وهو المْجبوُبُ في هذا الحديث سُمّي حَصُورًا لأنّه حُصِرَ عَنِ الجِماع أي حُبِس عَنْه ومُنِع منه جاء عَلَى وَزْن فَعُولٍ ومعناهُ مفعول كما قَالُوا شاةٌ حَلُوبٌ وفَرسٌ رَكوُبٌ
قَالَ الله تَعَالَى: في قصّة يحيى {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} 2.
قَالَ سفيان بْن عُيَيْنَة خُلِق يحيى من غير شَهْوة فجاء بغير شهوة يُريدُ أنّ خَلْقَه كَانَ آيةً من آيات الله لم يكُنْ عَنْ شهْوة بشريّة ألا تَراه يَقُولُ: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} 3 الآية.
وقوله: شفاء العِيّ السُؤَالُ فإن العي هاهنا الجَهْلُ. يُقَالُ عَيَّ الرَجُلُ بأَمْرِه يَعْيَا عِيًّا إذَا لم يَهْتَدِ لَهُ قَالَ الشاعر:
عَيُّوا بأَمرهُم كما عيت ... ببيضتها الحمامه4
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 4/329 بلفظ: "فإذا هو أجب أمسح ماله من قليل ولا كثير" بدل "فإذا هو حصور" ولم يذكر الجملة الأخيرة وعزاه للبزار.
2 سورة آل عمران: 39.
3 سورة آل عمران: 40.
4 اللسان والتاج "عيي" وعزي لعبيد بن الأبرص وهو في ديوانه /126.

(1/698)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ أُخْتَ شَدَّادِ بْنِ قَيْسٍ بَعَثَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ عِنْدَ فِطْرِهِ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ مَرْثِيةً لَكَ مِنْ طُولِ النَّهَارِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ1.
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ نا الْهَيْثَمُ نا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ.
هكذا قَالَ مَرثِيةً والصّواب مَرثَاةً2. يقالُ: رثَيْتُ للحَيّ وهو أن يقع في مكروه فتوجعتُ لَهُ أرثي لَهُ رَثْيًا ومَرْثاةً ورثَيْتُ الميّتَ أرثيه مَرثيةً وهو أن تبكيه وتَذكُرَ محاسنَه.
أخبرني أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ نا أَبِي حدثني أبو أيوب سليمان بْن أيوب قَالَ: قِيلَ للِكُمَيت لِمَ لم تَرْثِ أخاك فَقَالَ إنّ مرثيته لا ترد مرزيته.
__________
1 أخرجه أحمد في كتاب الزهد /398 وابن الأثير في أسد الغابة 7/359 وغيرهما.
2 في القاموس والتاج "رثى": رثيت الميت رثيا ورثاية بكسرهما ومرثاة ومرثية مخففة وعلى الأخير اقتصر الجوهري.

(1/699)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَبَقَّه وَتَوَقَّهْ" 1.
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ2 نا قَاسِمُ بْنُ محمد بن حماد نا أبو بلال الأَشْعريّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قوله: "تَبقَّهْ " يُريدُ استبقِ نَفْسك ولا تُعرّضْها للتَّلَف وتوقَّهْ أي تحَّرز من الآفات وتَباعَد من المَهالك والمعاطِب. وهذا خلافُ قول من يزعم أن
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/98 بلفظ: "تنقه وتوقه" وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير وقال: معنى هذا عندنا "والله أعلم" تنق الصديق واحذره.. وفي الفائق "بقى" 1/122. والنهاية "وفى" 5/217.
2 القاموس "خلد": وجعفر الخلدي غير منسوب إليه بل لقب له.

(1/699)


التَّوكَّلَ إنّما هُوَ في الاستسلام وتَركِ الحَذَر والتَّوقّي ولا يرى أنّ للأمور عِلَلًا وأَسْبابًا قد تعبدّنا اللهُ بمراعاتها واستأثر بعلم الغيب فيها وقد مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدفٍ مائلٍ فأسرع المَشْي وقال: "كَرِهْتُ مَوتَ الفَوات" 1.
وأخبرني العنبَريّ نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ ثنا ابْنُ عائشة ثنا حَمّاد بْن سَلَمة عَنْ ثابت قَالَ قَالَ مُطرِّفُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيِّرَ لَيْسَ ينبغي لأحدنا أن يَصْعدَ فوق بَيْتٍ فيتردَّى منه ثُمَّ يَقُولُ هكذا قضي عليّ ولكن يحتَرِز ويَحْتاطُ فإن أصابه شيء علم أنّه من قدَر الله تعالى.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة في 2/356 بلفظ: "بجار أو حائط مائل" بدل "بهدف" وذكره الهيثمي في مجمعه 2/318 وعزاه لأحمد وأبي يعلى. وفي النهاية لابن الأثير "فوت" موت الفوات أي موت الفجأة من قولك فاتني فلان بكذا أي سبقني به.

(1/700)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينِ: أَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَاقُوا الإِبِلَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ فِي طَلَبِهِمْ قَافَةً فَأُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمْ يَكْدِمُ الأَرْضَ بِفِيهِ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ أنا ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ.
القافةُ جَمع قائفٍ وهو الَّذِي يقوف الآثار ويتتبَّعُها. قَالَ الأصمعي: يقالُ فلانٌ يَقُوفُ الأَثر ويقتافُه ويقتفِره. قَالَ والتَّأبِينُ مِثلُه قَالَ أَوس بن حجر.
__________
1 أخرجه أبو داود في الحدود 4/130 والبخاري في مواضع بألفاظ متقاربة منها في المحاربين 8/202 ومسلم في 3/1296 والنسائي في 17/93-98 والإمام أحمد في 3/287, 290 وجاء في النهاية "سمل" 2/403: وسمل أعينهم باللام وجاء كذلك في الشرح وهما روايتان.

(1/700)


يقول له الراؤون هَذاكَ راكِبٌ ... يُؤبِّنُ شَخْصًا فوق علياء واقف1
وقوله: يَكْدِمُ الأرضَ أي يَقْبِضُ عليها بأسْنانه يُقال كدم وكزَمَ وأزَمَ وعَزمَ بمعنى عَضَّ. والعرب تَقُولُ ما بَقِي من مرعانا إلا كُدَامَة أي بَقِيَّةٌ تكدِمُها المالُ بأسنانها ولا يشبَع منها2.
وقد تكلَّم العُلماءُ في هذا وفي أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسَمْل أعيُنهم. قَالَ ابنُ سِيرِين إنّما فعل ذَلِكَ قبل نُزولِ الأَحكام في الحُدُود وقبل تحريم المُثْلَة. وقال أبُو الزِّناد لمَّا فعَلَ النبي عليه السلام ذلك عاتبَه اللهُ فأنزل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 3 الآية.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ بِهِمْ لأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ وَقَتَلُوهُمْ4.
حَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ لا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ جَازَاهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمُ امْتِثَالا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} 5.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الْعُرَنِيِّينَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا مَجْهُودِينَ مَضْرُورِينَ قَدْ كَادُوا يهلكون فأنزلهم
__________
1 ك: "راقب" بدل "واقف" وفي اللسان "ابن" يصف حمارا برواية: "وقف". وحكى ابن بري قال: روى ابن الأعرابي يوبر قال: ومعنى يوبر شخصا: أي ينظر إليه ليستبينه والبيت في الديوان /69.
2 من م.
3 سورة المائدة: 33.
4 أخرجه مسلم في 3/1298.
5 سورة النحل: 126.

(1/701)


عِنْدَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُنَحِّيَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَخْرَجَهُمْ إِلَى لِقَاحٍ بِفَيْفَاءَ الخبار1 من وراءه الْحِمَى فِيهَا مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ اسْمُهُ يَسَارٌ2 فَقَتَلُوهُ ثُمَّ مَثَّلُوا بِهِ وَاسْتَاقُوا اللقاح. وذكر الحديث بطوله.
__________
1 في جميع النسخ: بفيقار الخبار "تحريف" وفي معجم البلدان "الخبار, فيفاء" فيفاء الخبار أو فيف الخبار. وقال ابن اسحاق: فيفاء الحيار قال الحازمي: كذا وجدته مضبوطا بخط أبي الحسن بن الفرات بالحاء المهملة والياء المشددة والمشهور الأول.
2 كذا في س. ط, م, ح وفي ت: "سيار".

(1/702)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسَدَّدَ لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصُّوَّامِ الْقُوَّامِ 1 بِآيَاتِ اللَّهِ بِحُسْنِ ضَرِيبَتِه" 2.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ عَنْ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ3 حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بن يزيد عن ابن حجيرة الأَكْبَرِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ4: "الضَّرِيبَةُ الطَّبِيعَةُ". قَالَ زُهَيْرٌ:
ومِنْ ضَرِيبَتِه التَّقْوَى ويَعْصِمُه ... من سيىء العَثَراتِ اللهُ والرَّحِمُ5
قَالَ الأصمعيُّ: وكان أبُو عَمْرو بْن العلاء يُنشِده. والرُّحُم بالضمّ والرُّحْمُ6: الرَّحْمَةُ.
__________
1 م: "الصوام القوام" بفتح الصاد المشددة وبفتح القاف والمثبت من س, ت.
2 أخرجه أحمد في مسنده 2/177, 220 بلفظ: "بحسن خلقه وكرم ضريبته".
3 م: "عن أم لهيعة". وفي التقريب 2/524 ابن لهيعة هو عبد الله.
4 من ت.
5 الديوان /162.
6 م: "والرحم" عبى وزن كتف. وفي القاموس "رحم": الرحمة ويحرك الرقة والمغفرة والتعطف كالمرحمة بالضم وبضمتين والفعل كعلم.

(1/702)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِمَةً مُشْرِكَةً أَفَأَصِلُهَا قَالَ: "نَعَمْ فَصِلِي أُمَّكِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا هِشَامُ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ.
قَولُها راغمة أي كارهةً لإسْلامِي وهجْرَتِي. وقال بعضُ أصحابنا معناه هاربةً من قومها واحتجّ بقول الله جل وعز: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} 2. وأنشد للْجَعْدي:
وكان زِيادٌ ثِمالًا لنا ... ونَعْشًا كفى غيْبَةَ الغُيَّب
كَطَوْدٍ نَلُوذُ بأَكنافِه ... عَزِيزَ المُراغَمِ والمَهْرَب3
وقال أبو سليمان: ولو كَانَ أراد هذا المعنى لقال مُراغِمةً لا راغمة وكان أبو عَمْرو بْن العلاء يتأوّل قولَه تَعَالَى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً} 2. عَلَى غير هذا المعنى.
أخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأَصْمَعِيُّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء في قوله: يَجِدْ في الأرض مُراغمًا كثيرًا. الخرُوجُ عَنِ العَدُوّ يُرغِمُ أنفَه.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَعْدَانُ نا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَأَلتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَتَتْنِي أُمِّي وهي راغبة أفأعطيها قال:
__________
1 أخرجه أبوداود في الزكاة 2/127.
2 سورة النساء: 100.
3 الديوان /33.

(1/703)


"نَعَمْ فَصِلِيهَا" 1. هَكَذَا قَالَ رَاغِبَة من الرغبة. وأصل الرّغْبة الحرصُ والسّؤال ومن هذا قول الدَّاعِي اللهم إنّي أرغَبُ إليك في كذا أي أسألك بحِرصٍ وفاقَةٍ2.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها في 8/5 ومسلم في الزكاة 2/696 وأحمد في 6/344, 347, 355.
2 من م, ت.

(1/704)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا فِي الْمَسْجِدِ يَقُولُ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأحمر فقال: "لا وجدت لاوجدت" 1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ.
قَولُه: مَن دعَا إلى الجَمل الأحمر يريدُ من وَجدَ الجَمل فدَعَا إِلَيْهِ صاحبَه ليردَّه عَلَيْهِ وقد نَهى عَلَيْهِ السلام أن تُنْشَدَ الضَّالَّةُ في المسجد2 فلذلك قال: "لاوجدت".
__________
1 أخرجه مسلم 1/397 بدون تكرار: "لاوجدت" وابن ماجه في المساجد 1/252.
2 أخرجه ابن ماجه 1/252.

(1/704)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَهُ فَقَالَ: عَلِّمْنِي عَمَلا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ". قَالَ: أَوَ لَيْسَا وَاحِدًا قَالَ: "لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا. وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا. وَالْمَنِيحَةُ الْوَكُوفُ وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنا سُوَيْدٌ أنا ابن
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/299 والطحاوي في مشكل الاثار 4/2.

(1/704)


الْمُبَارَكِ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ الْيَامِيُّ1 حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
قوله: أقصرتَ الخُطْبة أي جئتَ بها قصيرةً. يُقالُ أَكبرَ الرَّجُلُ إذَا جاء بالكبيرة وأَصغَر إذَا جاء بالصَّغيرة ومثله أذكرتِ المرأةُ إذَا جاءت بولَدٍ ذكَرٍ وآنثَتْ إذَا جاءت بأنثى وأَدْهَت إذَا جاء وَلَدُها دَاهِيًا وأحمقَتْ من الحُمْق وأكاسَتْ من الكَيْس قَالَ الشاعر:
فلو كُنتُمْ لِكَيِّسَةٍ أَكاسَتْ ... وكَيْسُ الأُمِّ للبَنِينَا2
وكذلك قوله: أعرَضْت المسألةَ معناه جئتَ بها عَرِيضَةً. والعَرْضُ عند العرب السَّعَةُ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} 3.
يريد واللهُ أعْلَمُ سَعتها دُونَ العَرْض الَّذِي هُوَ خِلافُ الطُّول قَالَ الشاعر:
كأَنَّ بِلادَ الله وَهْيَ عَرِيضَةٌ ... عَلَى الخائِفَ المَطلوب كِفّةُ حابِلِ4
وقال مالك بْن الرَّيْب:
ولا تَحْسدَاني بارك اللهُ فِيكُما ... عَلَى الأرضِ ذَاتِ العَرض أنْ تُوسِعَا لِيَا5
وأَفْعَلَ ينصرف في الكلام عَلَى وجوهٍ. يُقالُ: أفعلت الشيء6 بمعنى
__________
1 س: عيسى بن عبد الرحمن بن طلحة اليامي والمثبت من ت, ط, م. وانظر التقريب 2/99, 1/379.
2 اللسان "كيس" برواية:
فلو كنتم لمكيسة أكاست ... وكيس الأم يعرف البنينا
وعزي لرافع بن هريم.
3 سورة آل عمران: 133.
4 اللسان والتاج "كفف". والكامل للمبرد 3/131.
5 خزانة الآداب 1/319.
6 م: "أفعلت الرجل".

(1/705)


عرضته للفعل كقولك أَقتَلْتُ الرِّجُلَ إذَا عرَّضْتَهُ للقَتْل وتكونُ أفعلتُ بمعنى أصابني ذَلِكَ كقولك: أقحَطْتُ1 من القَحْط وأَسْنَتُّ من السَّنة ويكون أفعل بمعنى حانَ ذَلِكَ منه2 كما قِيلَ أَركبَ المُهْرُ وأقْطفَتِ الثَّمرةُ. ويكون أَفعلْت الشيء بمعنى وَجَدْتُه كذلك كقولك أحْمَدْتُ الرَجُلَ إذَا وجَدْتَهُ مَحمودًا وأَبْخَلْتُه إذَا وَجْدتَه بخيلًا.
وأما قوله: "أعتقِ النَّسمة وفُكَّ الرَّقَبَةَ" وسُؤالُ الأعرابي مُسْتَفْرِقًا3 بينهما فقد سبق من بيانه ما وقع به الفصْلُ بينهما لمن تأَمَّلَهُ وإيضاحُ ذَلِكَ أنّ الإعتاق في كلام العرب إنهاءُ الشيء غايَتَه.
أخبرني أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ: تَقُولُ: العرب للشيء إذَا بلغ الغاية قد عَتَقَ قَالَ: وقال أعرابي: هذا أَوانُ عَتَقَت الشَّقْراء أي سبقتْ ومعناهُ بلغَتْ غاية الشأْو. قَالَ ويُقالُ: جَاريةٌ عاتِقٌ إذَا أَدْرَكتْ مَدْرَكَ النّساء. وإعتاق النسمة: حقيقته إعتاق ذي النَّسَمة والنَّسَمة النفس وسميت نسمة لتنَسُّمها الريح4.
فإِعْتاقُ النّسَمة إنّما هُوَ إطْلاقُها من المِلْكِ وتخليصُها من الرّق وأما الفَكُّ فإنّما هُوَ كالحل والفَتح. يقالُ فَكَكْتُ يدَ الرّجُل إذَا فتحْتَها عمَّا فيها وسَقَطَ فُلانٌ فانفكّت رجْلُه أي انخلعَت من غير أن تبين من المِفْصَل فالفَكُّ عَلَى هذا إنّما يكون بمنزلة الإرخاء من الوَثاقِ والتَّنْفِيس عَنْهُ وهو معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا": أي تُعينَ غَيرَك فتُشَاركَه فيها ليس بأن تنفرد بها
__________
1 م: "أقحط من القَحْط وأَسْنَتُّ من السَّنة".
2 من م.
3 كذا في س, ت, م, ح وفي ط: "متفرقا".
4 من م.

(1/706)


وفي هذا من الفقْه أنّ الكلمةَ من خطابِ الشريعةِ إذَا أمْكن حملُها عَلَى الإفادة لم تُحْمَلْ عَلَى التَّكرار والإعادَةِ ولذلك طالبه الأعرابيُّ بالفرق بينهما وراجعه الكلامَ فيهما والمنيحةُ الوَكوفُ وهي الغَزيرة التي يَكِفُّ دَرُّها أي يقْطُر. والفَيءُ عَلَى ذي الرَّحِم الكاشح العَطْفُ عَلَيْهِ والرُجُوعُ إلى بِرِّه.

(1/707)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ نا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرَقُّفِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
معنى الظِّلّ العِزُّ والمَنَعَة قَالَ الشاعرُ:
فلوْ كُنْتَ مَوْلَى الظِّل أوْ في ظِلاله ... ظَلَمْتَ ولكن لا يَديْ لك بالظُّلْم
أي لو كنتَ ذا عِزٍّ أوْ في ظلال ذي عزة.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد بالظِّلّ السِّتْرَ كما يَقُولُ القائلُ للرجل الشَّريف: أنا في ظلِّك أي في سِتْرك وذَرَاكَ ولا أزالَ اللهُ عنّا ظِلَّك وما أشْبَه هذا من الكلام. ومن هذا ظلّ الشجرة وكذلك ظلّ الليل إنّما هُوَ سِتْره.
قَالَ ذو الرُّمَّة:
قد أَعسِفُ النازحَ المَجْهُولَ مَعْسِفُه ... في ظلّ أخضَر يَدْعو هامَهُ البُومُ2
والمعنى عَلَى الوَجْهين معًا إيجابُ طاعة الأَئِمَّة والأَمرُ بلزوم الجماعة.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الصغير 4/143 وعزاه إلى البيهقي في شعب الإيمان.
2 الديوان /574 واللسان "هوم".

(1/707)


يقولُ اسْتَظِلُّوا بِظِّلِّهم ولا تَشُقّوا العَصَا بالخروج عليهم. ويُصَدّقُه حديثُه الآخرُ.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِرْيَانَانِيُّ1 ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا السُّلْطَانِ الَّذِي ذَلَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَخَضَعَتْ لَهُ الأَجْسَادُ مَا هُوَ قَالَ: "ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ فَإِذَا أَحْسَنَ فَلَهُ الأَجْرُ وَعَلَيْكُمُ الشُّكْرُ وَإِذَا أَسَاءَ فَعَلَيْهِ الإِصْرُ وَعَلَيْكُمُ الصَّبْرُ" 2.
يريد بالإصْر الوِزر وأَصْلُ الإصْر العَهْدُ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} 3: أي عهدي.
وقد يكون الظِّلُّ أيضًا بِمعنى القُرب والدُّنوّ كقولك أظلّني الأَمْرُ وأَظَلَّنَا شَهْرُ الصُّوم وما أشبه ذَلِكَ. قَالَ أبو صَخْرٍ الهُذَلّي:
ورَنَّقَت المنيَّةُ فهْي ظِلٌّ ... عَلَى الأَبْطال دَانِيَةُ الجَناح4
والمعنى عَلَى هذا التّأويل القُرب والاختِصاص.
وفيه وجه آخر وهو أنَّ مَعْنَى قوله: ظِلّ الله أي خليفته على خلقه
__________
1 ت: "الفرياني" والمثبت من بقية النسخ. وفي اللباب 2/427: الفرياني يكسر الفاء وسكون الاء وفتح الياء آخر الحروف وسكون الألفين بينهما نون مفتوحة وفي آخرها نون ثانية نسبة إلى فريانان قرية عند مرو.
2 الفائق "أصر" 1/45 والنهاية "أصر" 1/52. وهو في كنز العمال 5/751.
3 سورة آل عمران: 81.
4 شرح أشعار الهذليين 3/1331 واللسان والتاج والأساس "رنق".

(1/708)


في إمضاء أحكامه وإقامة حدوده وهذا من كلام التقريب لا من كلام التحقيق وذلك أن الظل يرى أبدًا خليفةً للشمس في ذوات الأشخاص1.
__________
1 من م.

(1/709)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّمَا كَانَ أَكْثَرَ دُعَائِي وَدُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَاتٍ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 1.
قوله: "أكثرُ دُعائي" يريد أكثر ما أفتتحُ بِهِ دُعائي وذلك أنّ الدَّاعي يفْتتح دُعاءَه بالثَّناء عَلَى الله ويُقَدّمه أمام مسألته فسمّى الثّناءَ دعاء إذ كَانَ مُقدّمةً لَهُ وذَرِيعةً إِلَيْهِ عَلَى مذهبهم في تسميةِ الشيء باسم سببه.
وحدَّثني أحمَدُ بْن المُظفّر نا محمد بْن صالح الكِيلاني2 نا الحُسَين بْن الحسن المروزي قَالَ: سألتُ سفيان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ هذا فقُلتُ لَهُ هذا ثناءٌ وليس بدُعاء. فَقَالَ أما بلغك حديثُ منصور عَنْ مالك بْن الحارث يَقُولُ الله تَعَالَى: "إذَا شغل عبدي ثناؤهُ عليَّ عَنْ مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أُعْطِي السائلين" 3 فقُلتُ: حدثني عَبْد الرحمن بْن مهدي عَنْ سُفيان الثوري عَنْ منصور وحدثتني أنتَ عَنْ منصور عَنْ مالك4 بن
__________
1 أخرجه الترمذي في 5/572 في الدعوات بلفظ "..خير ماقلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله..الخ والإماما مالك في الموطأ 1/423 بألفاظ متقاربة. وذكره الهيثمي في مجمعه 3/252 عن عبد الله بن عمرو قال: كان أكثر دعاء رسول الله يوم عرفة لا إله إلا الله..الخ.
2 س: "الكلابي".
3 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/1010 بلفظ: "من شغله ذكري عن مسألتي" عن عمر وعزاه للبخاري في خلق أفعال العباد.
4 آخر ماجاء في نسخة م.

(1/709)


الحارث. فَقَالَ: هذا تفسيره. ثُمَّ قَالَ أما بلغك ما قَالَ أميّة بْن أَبِي الصّلْت حين أتى ابن جُدْعان يَطْلُب فَضْلَه ونائلَهُ فَقَالَ:
أَأَطْلُبُ حَاجَتي أَم قَدْ كَفَاني ... حَياؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الحَياءُ
إذَا أَثنى عليك المَرْءُ يَوْمًا ... كفَاهُ من تَعرُّضه الثناءُ1
ثُمَّ قَالَ يا حُسَيْنُ هذا مْخلُوقٌ يكتفي بالثّناء عَلَيْهِ دُونَ مسألته فكيف بالخالق جَلَّ وعز.
__________
1 شعراء النصرانية 2/220.

(1/710)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ" 1.
ذكره أبو عُبَيْد في كتابه2 فَقَالَ: الحَبَطُ أَنْ تأكلَ الدَّابَّةُ فتُكْثِر حتّى ينتفخ لذلك بَطْنُها أو تمرَضَ عَنْهُ. يقال حَبِطَتْ تَحْبَطُ حَبَطًا.
قَالَ أبو سُليمان وهذا حَديث طويلٌ لم يَذْكُرْ أبو عُبَيْدٍ منه إلا هذا الفَصْلَ وفيه أمْثالٌ ومعانٍ يُحْتاجُ إلى ذكرها وتفسير المُشْكل منها ونُحِبّ أن نَسْرُد الحديثَ بطوله لنُبَيِّنَ مَواضِعَها منه. فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ أَنَّهُ سَمِعَ عِيَاضَ بن عَبْد الله بن أبي سرح العامري يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ وَزَهْرَةِ الدُّنْيَا" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ رَسُولُ الله: "إِنَّ الْخَيْرَ لا يَأْتِي إِلا بِالْخَيْرِ وَلَكِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَمِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلا آكِلَةَ
__________
1 سيأتي تخريجه.
2 غريب الحديث 1/89.

(1/710)


الْخَضِرِ تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ ثُمَّ أَفَاضَتْ فَاجْتَرَّتْ مَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَ مَالا بِغَيْرِ حَقَّهِ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ" 1.
قَوله: "إنّ الخيرَ لا يَأْتِي إِلا بِالْخَيْرِ وَلَكِنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ" مَثَلٌ يُريدُ أنّ جَمْعَ المَال واكتِسابَه غيْرُ مُحرَّمٍ ولكنّ الاستكْثارَ منه والخروجَ من حد الاقتصاد فِيهِ ضار كَمَا أن الاستكثار من المآكل مسقم والاقتصاد فيه محمود. ونظيرُ هذا من الكلام قول الأحْنف بْن قيْس. وقيل لَهُ الحياءُ خَيْرٌ كله فَقَالَ إِنّ مِنهُ ضُعْفًا يُريدُ أنّ ما خَرجَ من حدِّ الاعْتدال لم يَكُنْ خيْرًا لكن ذَلِكَ يسْتَحيلُ ضُعْفًا وَخَوَرًا كالجُود إذَا أفْرطَ صارَ سَرَفًا وكالشّجاعة إذَا أَفْرَطَتْ صارت تَهوُّرًا وَكَالحزْم إذَا أَفْرَطَ صار جبنا إلى ما أشْبه هذا.
وقولُهُ: "الدُنْيا حُلْوةٌ خَضِرَةٌ" فإنَّ العربَ تسمّى الشَيءَ المُشْرِق خَضِرًا تشبيهًا لَهُ بالنبات الأخْضر ويُقالُ إنّما سُمّي الخَضِرُ خَضِرًا لحُسنِه وإشْراق وجْهه. ويقال: بل سُمّي خضِرًا لأنَّه كَانَ إذَا جلس في مكان اخْضَرَّ ما حَوْلَه. يَقُولُ إنّ الدنيا حسَنَةُ المَنْظَر مُونقَةٌ تُعْجِبُ الناظرين وتَحْلَى في أعْيُنهم فيَدْعوهم حُسْنُها إلى الاستكثار منها فإذ فعلوا ذَلِكَ تَضَرَّرُوا بِهِ كالماشِية إذَا استكثَرتْ من المرْعَى حَبِطَت2. وسَمِعْتُ الأزهَرِيّ في هذا الحديث يقولُ هما مثَلان.
أما قوله: "وَإنَّ ممّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ما يقْتُل حبَطًا أو يُلُّم" فهو مثل3
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 2/325 والبخاري في عدة مواضع منها في الرقاق 8/113. وابن ماجه في الفتن 2/1323 والإمام أحمد في 2/7, 21 وغيرهم.
2 حبطت: وجع بطنها من كلا تستولبه أو من كثرة الأكل.
3 جمهرة الأمثال 1/16 ومجمع الأمثال 1/8 والمستقصي 1/415 واللسان "حبط".

(1/711)


المُفرِط الحريصِ عَلَى جَمْع المال وَمَنْعه من حَقَه وذلك أَنَّ الرّبيعَ ينبتُ أحرارَ العُشْب التي تَحْلَوليْها الماشية فتسْتَكْثر منها حتّى تنتفخُ بُطونها فتهْلك كذلك الَّذِي يَجْمَعُ الدُنْيا ويحرِصُ عليها ويمنَع ذا الحقّ حَقّه منها يهلك في الآخرة بدخول النار واستِيجاب العذاب.
وأمّا مَثَلُ المقتَصِد المحمود فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إلا آكلة الخَضِر فإنَّها أكلت حتّى إذَا امتلأت خواصِرُها استقبلَت عَيْنَ الشّمس فثَلطَتْ وبالَتْ ثُمَّ أرتعَتْ" وذلك أن الخضِرَ لَيْسَ من أحرار البقول التي تستكْثِر منها الماشيةُ فتنهكه أَكْلًا ولكنّه من الجَنْبَة التي ترعاها بعد هَيْج العُشْب ويُبْسِها. وأكثر ما رأيتُ العربَ يقُولون الخَضِر لما كَانَ أَخْضَر من الحَلِيِّ الَّذِي لم يَصفّر والماشيةُ من الإبل ترتَع منه سِنًّا سنًا ولا يتستكثر منه ولا تَحبَط بطُونُها عَنْهُ وقد ذكرَه طرفَةُ فبيّن أنّه ينبت في الصيف فقال:
كبنات المَخْرِ يَمْأَدْنَ إذَا ... أنْبتَ الصَيْفُ عسَالِيجَ الخَضِرْ1
فالخَضِرْ من كَلأَ الصَيْف في القَيْظ وليس من أحرار بُقُول الربيع والنَّعَم لا تَسْتَوْبلُه ولا تَحْبَطُ بُطونُها عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حُرُوفٍ مِنْ حَدِيثِ طَهْفَةَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ النَّهْدِيِّ لَمَّا وَفَدَ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بن أبي سليم عن حبة العرني وفسره فَقَالَ فِيهِ: "قَدْ نَشِفَ الْمُدْهُنُ وَيَبِسَ الْجِعْثَنُ وَسَقَطَ الأُمْلُوجُ وَمَاتَ الْعُسْلُوجُ" 2.
قَالَ ابن قُتَيْبة: الأُمْلُوجُ جمعه الأَماليج وهو ورق كالعِيدان يكون
__________
1 الديوان /80 والفائق 2/140.
2 سيأتي تخريجه.

(1/712)


لضرْب من شَجَر البَرِّ وفيه أيضًا. ولنا نِعمٌ أغفالٌ لا تبِضُّ ببِلالٍ ووقيرٌ قَلِيلُ الرِّسْلِ كثيرُ الرَّسَل أصابَتْه سنةٌ حمراء مُؤْزَلةٌ لَيْسَ بها عَلَل ولا نَهل. قَالَ ابن قُتَيبة: الوَقَيرُ الغَنَم. والرِّسْلُ اللَّبَن والرَّسَلُ ما يُرْسَلُ مِنْها إلى المَرْعَى يريد أنّها كثيرة العدَد قَلِيلَةُ اللَبَن. وفيه أيضًا ولكم العَارضُ والفَرِيش. قَالَ ابن قتيبة: العَارِضُ المريضة وهي التي أصابها كسر والفَرِيشُ هي التي وضَعَت حديثًا كالنُّفَساء من النِّساء. قَالَ وقال الأصمَعيُّ: فَرَسٌ فَرِيشٌ إذَا حُمِل عليها بعد النِّتاج بسَبع وهي كالرُّبَّى وفيه أيضًا لا يُمنَعُ سَرْحُكُم ولا يُعْضَدُ طَلْحُكُم ولا يُحْبَسُ دَرُّكُم ما لم تُضْمِروا الإِماق وتأكُلُوا الرِّباقَ قَالَ ابنُ قُتَيْبة وأصْلهُ الإمآق ثُمَّ تُخفَّفُ الهمزَة وهو من المأقة والمأقَةُ الأنفَةُ والحدَّة. يُقَالُ رَجُلٌ مَئِقٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ فيه وإنّما أراد بالإماق هاهنا النّكثَ والغَدْر وسمّي ذَلِكَ إِماقًا لأنَّه يكون من الأَنَفة والحَمِيَّة من أن يَسْمعُوا أَوْ يُطيعوا وَيُذعنوا بما أُلْزِمُوهُ في أمْوالهم. هذا كُلّه في كتاب ابن قُتيبة1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو سَعِيدٍ الْحَارِثِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعُذْرِيُّ نا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخْعِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَقَالَ فِيهِ: قَدْ نَشِفَ الْمُدْهُنُ وَيَبِسَ الْجِعْثَنُ وَسَقَطَ الأُمْلُوجُ مِنَ الْبِكَارَةِ 2 وَفَسَّرَهُ الْعُذْرِيُّ فَقَالَ يُرِيدُ الْبَكْرَ السَّمِينَ يُدْرِكُهُ الْهُزَالُ.
قَالَ أبو سُليمان: يريد أنَّ السِّمَنَ الَّذِي قد علاه بما ارْتَعى من هذا الشجر
__________
1 تتبعت ألفاظ هذا الحديث في كتاب غريب الحديث المطبوع في بغداد فلم أقف على لفظ منها ولعل الحديث ساقط منه.
2 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 202- م وذكره الحافظ في الإصابة 2/235 ومنال الطالب 1/39 والفائق 2/279.

(1/713)


قد سَقَط عَنْهُ فسمَّاه باسْم المرْعَى إذْ كَانَ سببًا لَهُ كقول الشاعر يَصِف غَيْثًا:
أَقْبَل في المُسْتَنِّ من رَبابِه ... أَسنِمهُ الآبالِ في سَحابِه1
وقوله: ووقير قليل الرِّسْل كثير الرَّسل. قَالَ العُذري قوله: كثيرُ الرَّسَل أي شَدِيد التّفرّق في طَلَب المرعى.
قال أبو سُليمان: هذا أشْبَه من قول ابنِ قُتيبة إنّها كثيرةُ العَدَد قليلةُ اللَّبَن لأنّ الحال التّي ذكرها أشبَه بصفةِ الجَدْب وكيْف يَصِفُها بكثرةِ العَدَد وهو يَقُول في أوّل هذا الحديث ماتَ الوَدِيُّ وهَلَك الهَدِيُّ والهدي الإِبلُ وهي أَبْقَى عَلَى السَّنَة من الغنَم فإذا هَلَكَ الإبلُ كيف تسلَمُ الغَنمُ وتَنْمى حتى يَكْثُرَ عَدَدها وإنّما الوَجْهُ مَا قاله العُذْريُّ وهو أَنَّهُ وصف قِلّة المرْعى وعزّ الشجر وأنّ الغنم تَنْتَشِرُ في طلب الرِّعْي أَرسالًا مُتفرقين. وقال العُذْري: في روايته ولكم الفارض والفريض مكان الفَرِيش والفَرِيضُ والفارِضُ المُسِنُّ ومن هذا قوله: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} 2 وفي هذه الرواية ما لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرياق3. قَالَ العُذريّ: والرِّمَاقُ النِّفَاق.
قَالَ أبو سُليمان: وهذا هُوَ المحفُوظُ وهو مصْدَرُ رامَقني رماقًا وهو نظر الكاشِح الَّذِي يُضْمِرُ العداوةَ. فذلك النَّظرُ منه يَدُلّ عَلَى نغَل الضمير وسُوءِ الدِّخْلَةِ. يَقُولُ ما لم يفعَلُوا هذا ولم يخالفْ ظاهرُ أمركم باطنَه.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون ذَلِكَ من قولك رمَّقت عَلَى فلان بمعنى
__________
1 منال الطالب 1/39 والفائق 2/279 والكامل للمبرد 3/91.
2 سورة البقرة: 68.
3 في النهاية "ربق" 2/190: شبه مايلزم الأعناق من العهد بالرباق واستعار الأكل لنقض العهد فإن البهيمة إذا أكلت الربق خلصت من الشد.

(1/714)


ضيَّقْتُ عَلَيْهِ. وَعَيْشُ فُلانٍ رِماقٌ أي ضيق ومعروفه رِماقٌ أي يَسِيرٌ. قَالَ الراجِزُ:
مَا وَجْزُ مَعْرُوفِكَ بالرِّماقِ ... ولا مُؤاخاتُك بالمِذَاقِ1
يقُول: ما لم تضق صدوركم من أداءِ الحقّ الواجب في أموالكم ولم تمتنعوا من ذَلِكَ لأنه نفاق ونكث للعهد.
__________
1 اللسان والتاج "رمق" وعزي لرؤبة وهو في ديوانه /116. وروي في ت, م: "مازخر" بدل "ماوجز".

(1/715)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" 1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ ثنا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قولهُ: "ثُوّبَ بالصَّلاة" أي دُعِي إليْها والأصْلُ في التَّثْويب أنّ الرَجُلَ إذَا جاء فَزِعًا أو مُسْتَصْرِخًا لوَّح بثَوْبه وكان ذَلِكَ كالدُّعاء والإنْذار ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حتى سُمِّي الدُّعاء تَثْوِيبًا قَالَ الشاعر:
يَأوِي إلى ساحَته المُثَوِّبُ
أي المستَغِيثُ. وقال ذُو الرُمَّة:
وإِنْ ثوَّبَ الدَّاعي لها يالَ خِنْدفٍ ... فيا لك مِن دَاعٍ مُعَزٍّ ومُكْرَمِ2
والعَامَّةُ لا تعرفُ التَّثويبَ في الأَذان إلا قولَ: المُؤذّن في أذان الفَجْر: الصّلاةُ خَيْرٌ من النَّوْم. قَالَ: وإنّما سُمِّي هذا القولُ تثويبا لأن المؤذن يرجع
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب المساجد 1/421 وأحمد في مسنده 2/427, 460, 529.
2 الديوان /635.

(1/715)


إِلَيْهِ مرة بعد أُخْرَى فيَقُوله. يُقالُ: ثابَتْ إلى المريض نَفْسُه إذَا رجَعتْ إِلَيْهِ قُوَّتُه. وثابَ إلى المَرْءِ عَقْلُه. ومنه اشْتُقّ الثّوابُ وتأويلُه ما يَثُوب إليك من فَضْلِ الله في جزاء الأعمال الصالحة وبه سُمِّيَت المرأةُ ثَيِّبًا وذلك لأنّها تَثُوبُ إلى أهْلِها من بيت زوجها.
وهذه مُقطَّعاتُ من الحديث لم يَحْضُرْني إسْنادُها:

(1/716)


جاء في الحديث: أَنّ النَّبِيّ عَلَيْهِ السلام أَتى قومَه فأَضَلَّهُم 1.
حدّثني الحسن بْن خَلاد قَالَ: سَمِعْتُ أبا مُوسَى الَّذِي يُعرفَ بالحامِض يرويه قَالَ: ومعناهُ أَنَّهُ وَجَدَهم ضُلالًا
تقولُ العَربُ أتيتُ بَني فُلان فأحمدْتُهم أي وجَدْتُهم محمودِين وأبْخَلْتهُم وجَدْتُهم بُخَلاءَ. وأَضْلَلْتهُم وجَدْتُهم ضُلالًا. قَالَ الشاعرُ:
أَوْ وَجْد شيْخٍ أَضَلَّ ناقَته ... حينَ تولَّى الحجِيجُ واندَفَعُوا
ومن هذا قولُ عَمْرو بْن مَعدي كَرِب لبِني سُلَيْم: يا بني سليم قاتَلْناكُم فَما أَجْبنَّاكُم وهاجَيْناكم فَما أَفْحمْناكم وسألْناكُم فَما أبْخلْناكُم يُريدُ ما وجَدْنَاكم جُبنَاءَ ولا بُخلاءَ ولا مُفْحَمِين وقال آخرُ:
فأَصْمَمْتُ عَمرًا وأعَميْتُه ... عَنِ الجُود والفَخر يَوْمَ الفخار2
أي وَجَدْتهُ أَصمَّ أعمى.
__________
1 الفائق "ضلل" 2/346 والنهاية "ضلل" 3/98.
2 اللسان والتاج "فخر".

(1/716)


وفي حديثه: أن خُلُقَه كَانَ سَجِيَّة ولم يكن تَلَهْوُقًا 1.
التَّلَهْوُقُ: التَّصَنُّع في الكلام والحديث. يُقالُ لَهْوقَ الرَّجُلُ بلسانه إذَا أظهر من القَوْل ما لا يُضْمرُه بقلبه.
__________
1 في الفائق "لهق" 2/335 وقال الزمخشري: وعنجي أنه تفوعل من اللهق وهو الأبيض في موضع الكريم لنقاء عرضه مما يدنسه من ملامات اللئام وفي النهاية "لهق" 4/282.

(1/716)


وفي حديثه: أَنَّهُ دخل عَلَى أَبِي عمير فرآهُ مكبُوتًا.
أي: حزينًا كَمدًا ومِثْلهُ المَأكُوم والمَوكُوم.

(1/717)


وَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاةِ إِذَا صَارَتِ الشَّمْسُ كَالأَثَارِبِ 1
أُرَاه من ثُرُوب الشّحْم وهي سماحيق رقاق من الشحم تشبه الشَمْسُ بها إذَا رقّ ضَوْءُها عند العَشيّ وضَعُفَ نُورُها عند اقتراب غرُوبها وواحدُ الثّروب ثَرْبٌ والأثارِبُ جَمْعُ الجمع كأنّه جمع الثّربَ أثرابًا ثُمَّ جمعها أثارب.
__________
1 في الفائق "ثرب" 1/165 الأثارب: الشحم الرقق المبسوط على الكرش والأمعاء شبه بها ضياء الشمس إذا رق عند العشي والنهاية "ثرب" 1/209.

(1/717)


وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أُرَاهُ مِنَ الأَنْصَارِ: "أَنْتَ طَيِّبٌ طَيّبُ الْوَرَقِ" 1. ويُقالُ إنّه قَالَ: ذَلِكَ لعمّارٍ يريدُ بالورَق النَسْل والولَد يُقالُ: للصِبْيَان الورَق تشبيهًا لهم بالوَرَق الَّذِي يتولّد من الأَغْصان قَالَ ابْنُ السِّكيْت وَرَقُ القَوْم أحْدَاثُهم وأَنْشد:
تَرى ورَقَ الفِتْيَان فيها كأنَّهُم ... دَراهِمُ مِنْها جَائزَاتٌ وَزُيَّفُ2
ويُرْوَى أَنّ عمّارًا دخل عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَرحبًا بالطَّيِّب المطيب" 3.
__________
1 النهاية "ورق" 5/175.
2 اللسان والتاج "زيف" وعزي لهدبة بن الخشرم.
3 أخرجه الترمذي في المناقب 5/668 وابن ماجه في المقدمة 1/52 وأحمد في مسنده 1/100, 123.

(1/717)


ومعنى الطيب ها هُنا الطَّاهر كقوله جَلَّ وعز: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 1: أي طاهرا.
__________
1 سورة المائدة: 6.

(1/718)


وفي حديث: أَنَّهُ لَعَنَ الرُّكَاكَةَ 1.
وتفسيره الَّذِي لا يَغار عَلَى أَهْله والأصل فيه الضَّعْف أي ضعْفُ الغِيرة من قولهم: مَطرّ رِكٌّ أي: ضعيف.
ويُقالُ: رَجُلٌ ركيك ورُكَاكة إذا كان ضعيف العقل.
__________
1 في الفائق "ركك" 2/80 الركاكة سماه ركاكة الديوث سماه ركاكة على المبالغة في وصفه بالركاكة من جهتين إحداهما البناء لأن فعالة أبلغ من فعيل كقولك طوال في طويل. والثانية إلحاق التاء للمبالغة.
والنهاية "ركك" 2/259.

(1/718)


وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سمت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَمَدَتْ إِلَى سَمٍّ لا يُطْنِي 1: أي لا يَسْلَم منه مَنْ سُمَّ بِهِ. يُقال: أفْعَى لا تُطْنِي أي لا يُفْلتُ سَلِيمُها.
__________
1 الفائق "طني" 2/369 والنهاية "طني" 3/141.

(1/718)


وَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّهُ لَعَنَ الْغَارِفَةَ 1.
يريدُ بالغارفة الّتي تَجُزُّ ناصِيَتها عند المُصِيبة يقال غَرفْتُ ناصيةَ الفرسِ إذَا جَزَزْتَها.
وَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّهُ أَقْطَعَ مِنْ أَرْضِ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ عَفَاءً2.
قَالَ الأصمعيّ: عَفاءُ الأرْض ما كَانَ عافيا أي دارسا لَيْسَ فيه لمُسْلمٍ ولا لمعاهد شيء.
__________
1 في الفائق "غرف" 3/58 الغارفة على معنيين: أحدهما أن تكون فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية وهي التي تقطعها المرأة وتسويها على وسط جبينها والثاني أن تكون مصدرا بمعنى الغرف كاللاغية والراغية والثاغية. والحديث في النهاية ايضا 3/360.
2 في النهاية "عفا" 3/266: ماكان عفاء أي ماليس فيه لأحد أثر وهو من عفا الشئ إذا درس ولم يبقى له أثر. يقال: عفت الدار عفاء. أو ماليس لأحد فيه ملك من عفا الشئ يعفو إذا صفا وخلص.

(1/718)


وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُهْدِي إِلَيْهِ كُلَّ عَامٍ رَاوِيَةً مِنْ خَمْرٍ فَجَاءَهُ بِهَا عَامَ حُرِّمَتْ فَهَتَّهَا فِي الْبَطْحَاءِ:
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "فبَعَّهَا"1.
قولُهُ: هَتَّها معناه صبها فاندفعت وهي تهب أي تحكي صوتَ المخْنُوق وهو الهَتِيتُ. وبَعَّها كالأوّل إلا أَنَّهُ أكثرُ وأوْسَعُ. وأصله من البَعاع وهو شدّة المطر. يُقالُ بعَّ المطر يبع بعا وبعاعا.
__________
1 الفائق "هتت" 3/255 والنهاية "بع" 1/140 "هتت" 5/242. والحديث تقدم تخريجه بغير هذا اللفظ.

(1/718)


وفي حديثه أَنَّهُ دخَل المقابرَ فَقَالَ: "السّلامُ عليْكم أصبْتُم خيرًا بجيلا وسبقتهم شرًّا طويلًا" 1.
البَجِيلُ الضَخْمُ. يُقالُ رجُلٌ بَجِيلٌ وبَجالٌ. ومن هذا قولهم بجّل فُلانٌ فُلانًا إذَا عظمه.
__________
1 النهاية "بجل" 1/98.

(1/719)


وفي حديثه: أنّ أصحابه لمّا هاجروا إلى أرض الحبشة قَالَ لهم النّجاشيُّ: امْكُثُوا فأنْتُم سُيُوم 1.
تفسيره في الحديث الأمانُ. قَالُوا: السيوم الآمنون.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/203 بلفظ: "اذهبوا فأنتم سيوم". وكذلك في 5/292.

(1/719)


في قصّة النجاشي أيضا أنّهم لمّا دَخلُوا عَلَيْهِ قَالَ: لهم نَخِّروا 1
أي: تكلّموا ولَسْتُ أدرى أهُوَ من كلام العرب أم لا وقد كَانَ النجاشيّ مُسْتَعْبَدًا في أرض العرب قبل أن يتَملَّك.
__________
1 تقدم تخريجه.

(1/719)


في حديثه أَنَّهُ قَالَ في غزوة الحُدَيْبِيَة: "من كَانَ معه ثُفْلٌ فليصطنع" 1.
يريدُ بالثُّفْل الدَّقيقَ ونحْوَه ممّا لا يُشْرَبُ فيَكُون سَوِيقًا أو نحوه.
__________
1 رواه الواقدي في مغازيه 2/585 بلفظ: "ثقل" تصحيف.

(1/720)


وفي حديثه: أَنَّهُ كَانَ إذَا نزل عَلَيْهِ الوحْيُ وُقِظَ في رأسه واربدَّ وَجْهُه ووَجَدَ بَرْدًا في أسنانه 1.
الوقَظُ لَغَة: في الوقَذ يريدُ أَنَّهُ كَانَ إذَا نزل عليْه الوحْي ثقُلَ رأسُه من قولك وقَذْتُ الرَّجُلَ أقِذُه وقد وقذته الجمي. ومنه المَوْقُوذَةُ التّي حرَّمها الله في كتابه وهي الذَّبِيحة تُضرَب بخشَب أو غيره ممّا تقْتُلُ بثقْلهِ حتّى تزهقَ نفْسُها. واربدَّ من الرُّبْدَة وهي لَوْنٌ إلى الكُمودة والسَّوَاد.
وفيه وجه آخر وهو أن يُرْوَى بالطَّاء التي هي أخت التَّاء. يقال: ضربه قوقطه إذَا صرعه صرعةً لا يَقوم منها والموقوط الصريع2.
__________
1 أخرجه مسلم في الفضائل 4/1817 بلفظ: "تربد وجهه". وفي رواية أخرى: "إذ أنزل عليه الوحي نكس رأسه" والإمام أحمد في 2/317, 318, 327.
2 من ت. وفي الفائق "وقط" 4/75: "وقط رأسه" يقال: وقطه إذا ضربه حتى أثقله فهو وقيط وموقوط وقيل: الوقيط الذي طار نومه فأمسى منكسرا ثقيلا.

(1/720)


وَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ بِمِنًى فِيهِ عَيْشُومَةٌ 1.
قَالَ الأَصْمَعيُّ: العَيْشُومُ نَبْتٌ قَالَ غَيْرهُ: هُوَ الحُمَّاضُ إذَا يَبِس قَالَ ذو الرُمَّة:
كَما تناوَحَ يَوْمَ الرِّيَح عَيْشُومُ2
وأخبرني محمد بْن نافع قَالَ: قَالَ عمّي إسحاق بْن أحمد الخُزاعي هي شجرةٌ خضراء كأنّها إِذْخرَةٌ. قَالَ: وقال الأَزْرَقي فيُقال لَهُ مسجد العَيْشُومة فيه عَيْشُومَةٌ خضراء أبدًا في الخصب والجدب.
__________
1 أخرجه الأرزقي في أخبار مكة 2/174, 175.
2 الديوان /575 وصدره:
للجن بالليل في حافاتها زجل
وفي اللسان والتاج "عشم".

(1/720)


فِي حَدِيثِهِ: أَنَّهُ أَعْطَى الْعَطَايَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَارِعَةً مِنَ الْغَنَائِمِ 1.
يريد أنّه أعطَاها من رأس الغنائم ومن أعلاها قبل أن تُخمَّس وتُقَسَّم. وأصْله من فَرَّع الشيءُ إذَا طال وارْتَفَع ورجُلٌ فارِعُ الجِسْم إذَا كَانَ طوِيلًا مُشْرفًا.
__________
1 الفائق "فرع" 3/105 والنهاية "فرع" 3/436.

(1/721)


وَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ كَانَتْ تَنْظُرُ وَتَعْتَافُ فَدَعَتْهُ أَنْ يَسْتَبْضِعَ مِنْهَا 1.
قوله: تَنْظرُ أي تَتَكهَّنُ. وتعْتافُ من عِيافَة الزّجْر.
والاستِبْضَاعُ نَوعٌ من نِكاحِ أهْلِ الجاهليّة وكان النِّكاحُ عندهم عَلَى أربعة أنحاء وله مَوضعٌ غير هذا يُذْكَرُ فيه إن شَاءَ الله.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/95.

(1/721)


وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ قَالَ: "تُفْتَتَحُ الأَرْيَافُ فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا النَّاسُ ثُمَّ يُبْعَثُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ إِنَّكُمْ بِأَرْضٍ جَرَدِيَّةٍ" 1.
الجَرِدِيَّة مَنْسُوبَةٌ إلى الجَرَدِ وهي كُلُّ أرْضٍ لا نَباتَ بها ولا شجَر يُقالُ جرَدَتِ الأرْضُ جَرَدًا وسنَةٌ جَرْدَاءُ أي قحطة.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/349 بلفظ: "تفتح الأرياف فيأتي ناس إلى معارفهم فيذهبون معهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". قالها مرتين وانظر النهاية 1/257.

(1/721)


وأخبرني الكُرانِيّ نا عَبْد الله بْن شَبِيب1 نا زكريا المِنْقَرِيّ نا الأصمعيّ قَالَ سألتُ امرأةً من الأعراب فَقَالَت سَنَةٌ جَرِدَتْ وأَيْدٍ جَمَدَتْ وحالٌ جهدت فهل فاعلٌ للخَيْر أو دَالٌّ عَلَيْهِ رَحِم الله مَنْ رَحِمَ وأقرض من لا يظلم2.
__________
1 آخر ماجاء في نسخة س من الجزء الأول.
2 آخر الجزء الأول من نسخة ط وجاء فيها: آخر أحاديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والحمد لله حق حمده وصلى الله على عبده محمد وجنده.
وكذلك آخر الجزء الأول من نسخة ح وجاء فيها: آخر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوها أحاديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

(1/722)


وروى 1 بعض أهل اللغة حديثًا إن فلانًا كَانَ حَرَمِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفسّره فَقَالَ: إن أشرافَ العرب الذين كانوا يتحمَّسُون في دينهم إذا حجَّ أحَدُهم لم يأكل إلا طعامَ رَجُلٍ من الحرَم ولم يَطُفْ إلا في ثِيابِه فكان لكُلّ شريفٍ من أشراف العَرب رَجُل من قريش فكل واحد منهما حرمي صاحبه.
__________
1 من هنا من نسخة ت. وقد انفردت بهذه الزيادة دون سائر النسخ.

(1/722)


وَفِي حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا فَجَاءَتْ بِدَشِيشَةٍ فَأَكَلْنَاهَا 1.
الدّشيشَة: لغة في الجشيشة2.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب في أبواب النوم رقم الحديث 5040 بلفظ: "بحشيشة" تصحيف بدل "بدشيشة" 4/309 واخرجه أحمد كذلك في مسنده 3/429, 5/426.
2 القاموس "جش": الجشيش: حنطة تطحن قليلا فتجعل في قدر ويلقى فيها لحم أو تمر فيطبخ.

(1/722)


وَفِي حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى صَعْدَةٍ يَتْبَعُهَا حُذَاقِيٌّ عَلَيْهَا قَوْصَفٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا قَرْقَرُهَا 1
رُوي ذَلِكَ عَنِ النَّضر بْن شُمَيل ولم أجده في كتاب غريب الحديث لَهُ. قَالَ: والصَّعْدَةُ الأَتانُ والحُذَاقيّ الجَحْش. والقَوْصَفُ القطيفةُ. والقرقرةُ ظهرها. تم أحاديث النبي.
وهذا أيضًا زيادات في أحاديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
1 الفائق "صعد" 2/298 والنهاية "صعد" 3/29.

(1/723)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ مَا آتَانِي اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ فِيهَا أَجَارِدُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَطَائِفَةٌ أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً" 1.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ نا الْحُسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ أجَادِبُ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى نا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَاهُ أَبُو أُسَامَةَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ أَحَارِبُ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَ أبو سليمان واللّفْظَان معا غَلَط وتَصْحيف وإنما هُوَ الأَجارِد بالجيم والراء والدال قَالَ الأصمعي الأَجاردُ من الأرض ما لا تُنبِت.
يُقالُ أرضٌ جَرْداءُ ومكان أَجْرَدُ. والجرَدُ من الأرض فَضاءٌ لا نبات فيها.
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب العلم 1/30 وأحمد في مسنده 4/399 وغيرها بلفظ: "أجادب".

(1/723)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَطْرَقَ1 مُسْلِمًا فَعَقَّتْ لَهُ الْفَرَسُ كَانَ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا حَمَلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ" 2.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبُرْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ أَبِي رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ3 عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ.
قَالَ أبو سليمان قوله: "عَقَّتْ لَهُ الفرس" معناه حَمَلَتْ واللغة العالية أَعَقَّتْ بالألف. يقال أَعقَّت الفرسُ تُعِقُّ فهي مُعِقٌ وعَقوقٌ. قَالَ الشّاعرُ:
طَلَبَ الأبلقَ العَقُوق فلمَّا ... فاتَه ذاك رام بيض الأنوق4
وقال: أقَصَّتِ الفَرسُ والأَتانُ في أوّل حَمْلِها وأعَقَّت إذَا استبان حَمْلُها. ويقال: إنّما سُمِّيت عَقُوقًا إذَا نَبتَت العَقِيقةُ في بطنها عَلَى الولد وهي الشَّعَر الَّذِي يُولد به الولد.
__________
1 القاموس "طرق": أطرق فلانا فحله: أعاره ليضرب في إبله.
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/231 بلفظ: "من أطرق فعقب له الفرس" وابن حبان في صحيحه كما في الموارد /394 بلفظ: "من أطرق فرسا فعقب له الفرس ... " الخ.
3 ت: أبي راشد بن سعيد "تحريف" وفي مسند أحمد راشد بن سعد وهو الصواب لأن راشد بن سعد روى عن عامر الهوزني وروى عنه محمد بن الوليد الزبيدي كما في تهذيب الكمال.
4 اللسان والتاج "أنق, عق" دون عزو. وروي: "فما لم ينله أراد بيض الأنوق".

(1/724)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلْحِقُوا الْمَالَ بِالْفَرَائِضِ فَمَا أَبْقَتِ السِّهَامُ فِلأَوْلَى رَجُلٍ ذكر" 1.
__________
1 أخرجه البخاري في الفرائض بلفظ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" 8/188. وفي 8/190 بلفظ: "فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر". وفي مسلم في الفرائض أيضا 3/1233. النهاية "ولى" 5/229.

(1/724)


قَالَ الخطّابي قوله: أَوْلَى معناه أدنَى وأَقْرَب نَسَبًا مأخوذٌ من الوَلْي وهو القُرب. قَالَ الشّاعر:
وشَطَّ وَلْيُ النَّوَى إنَّ النَّوَى قَذَفٌ ... نَيَّاحَةٌ غَرْبَةٌ بالدَّارِ أَحْيانا1
ومنه اشْتُقَّ الوَلِيُّ الَّذِي يلي اليَتيم أَمْرَه وعلى المرأة عَقْدَ نِكاحها لأنّه قد جُعِلَ أقرب النَّاس من المَوالي عَلَيْهِ.
وقال أبو سليمان: وقد يحتَجُّ بهذا الحديث مَنْ لا يرى الأخوات مَعَ البَنات عُصْبَةً وهو مَذهبُ ابنِ عَبَّاس وإليه ذهب إسحاقُ بْن راهَوَيْه وإنما جاء هذا خاصًّا في العُمُومَة مَعَ العَمَّات وبني العُمومة وبَنِي الإخوة ومن أَشبَهَهُم من العَصَبة إذا كان معهم أخوات وليس هذا في البنين والبنات والإخوة والأخوات لأنَّ مَنْ ترك امرأةً وأُمًّا وبنين وبناتٍ أو أُخوةً وأَخواتٍ فلا خلافَ أنّ الباقي بعد فَرْض المرأة والأُمِّ بين البنين والبنات أو الإِخوة والأَخوات للذَّكَر مثلُ حَظّ الأنثيين ولو كَانَ الحديث على ما تَأَوَّلُوه كَانَ الباقي بعد فَرْض المرأة والأُمِّ للابْنِ أو للأخ دون أخواته.
__________
1 اللسان والتاج "ولي".

(1/725)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا طَلَعَتْ قَارَنَهَا وَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا" 1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "إِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ" 2.
قَالَ أبو سليمان: فيه أقوال: أحدها أَنَّ قَرْنَي الشَّيطان ناحِيتَا رأسه وقيل قرناه جَمْعاه اللذان يُغرِيهما بإضْلال البَشَر يقال هَؤُلَاءِ قَرْن من
__________
1 أخرجه النسائي في المواقيت 1/175 بلفظه وابن ماجه في إقامة الصلاة 1/397 بلفظ: "معها قرنا الشيطان".
2 أخرجه الترمذي في بدء الخلق 4/149 ومسلم في المساجد 1/427, 568.

(1/725)


الناس. ويقال: معنى القَرْنِ الاقتران يريد أَنَّهُ يَظْهَر مَعَ الشَّمْس مقارِنًا لها وقيل مَعْنَى القَرْن القُوَّة وذلك أَنَّ القُرون لذَوَاتِ القُرون أسْلحَةٌ. يَقُولُ إنّ الشمس إنّما تطلُع حين قُوّة الشيطان أي وَقْت يَقْوَى فيه أَمرُ الشيطان وهو أَنّ عَبَدة الشَّمس يَرْصُدُون بصلاتهم وقت بُزُوغِها فإذا بَزَغَت سَجَدُوا لها وذلك من تسويل الشيطان لهم فنهى عَنِ الصّلاة في ذَلِكَ الوَقْت لتكون صلاة مَنْ عَبَد الله في غيرِ وقتِ صلاةِ مَنْ عَبْد الشَّيطان واللهُ أعلم.

(1/726)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُرَاسِلًا يَعْنِي ثَيِّبًا فَقَالَ النبي: "فَهَلا بِكْرًا تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ" 1.
يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الكسائي: امرأةٌ مراسِلٌ وهي التي مات زوجُها أو طَلَّقها. وقال المازنيّ نحْوًا من ذَلِكَ وأنشد:
يَمشِي هُبَيْرةُ بَعْد مقتل شيخِه ... مَشْي المُرَاسِل بُشِّرَت بطلاق2
__________
1 أخرجه البخاري في النكاح 7/51 ومسلم في الرضاع 2/1088 وليس فيه: "امرأة مراسل".
2 اللسان والتاج "رسل" وعزي لجرير وهو في ديوانه /113.

(1/726)


حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ السَّلاسِلِ قَالَ: فَانْطَلَقُوا حتى نزلوا جبل طيئ
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ السَّلاسِلِ قَالَ: فَانْطَلَقُوا حتى نزلوا جبل طيىء فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ انْظُرُوا رَجُلا يَتَجَنَّبُ بِنَا الطَّرِيقَ وَيَأْخُذُ بِنَا الْمَفَاوِزَ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إلا رافع بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ رَبِيلًا في الجاهلية1. قال: فسألت
__________
1النهاية "ربل".

(1/726)


طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ مَا الرَّبِيلُ قَالَ: اللِّصُّ الَّذِي يَغْزُو الْقَوْمَ وَحْدَهُ.
هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ نا إِسْرَائِيلُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ الْمُحَدِّثُ: رَبِيلا: الْبَاءُ قَبْلَ الْيَاءِ.
قَالَ أبو سليمان: وأُراه الرَّيْبَل الحرْف السَّقيم قبل الحَرْف الصّحيح. قَالَ الليث: يقالُ: ذِئبٌ رِئبالٌ ولصٌّ رِئبالٌ وهو من الجَرَاءة وارْتِصادِ الشَّرِّ. يُقال: فعل ذلك عَنْ رابِلَتِه وخُبثه.
وقال أبو عُبيدة معمر بْن المثنى في خبرٍ ذكره في كتاب الديباج خرج أَوْفَى بْن مطر وشِهابٌ الخُزاعِيّ وفلان يترابَلُون أي يَغْزُون ويَشْرُفون وحدَهم.
وقال غيره كَانَ أَوفَى بنُ مَطَر وسُلَيكُ بْن سُلَكَة وتأبَّطَ شرًّا والشَّنْفَرَى يُسَمَّوْن رَبَابِيل العَرَب لأنَّهم كانوا يَغْزُون عَلَى أَرْجُلِهِم وَحْدهم. قَالَ وَسُمِّي الأَسَدُ: رئبالًا لأنّه يُغِير وَحْده قَالَ ابن دُرَيد: اشتقاق الرِّئْبال في اسمِ الأَسدِ من تَرَبُّل لَحمِه وغِلَظه والياء فيه زائِدَة فعَلَى هذا القول يجوز أن يكون رَبِيلًا عَلَى ما جاء في الحديث.

(1/727)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ فِي سَفَرٍ قَطُّ إِلا قَالَ حِينَ يَنْهَضُ مِنْ جُلُوسِهِ: "اللَّهُمَّ بِكَ ابْتَسَرْتُ وإليك توجهت وبك اعتصمت" 1.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/130 بلفظ: "اللهم بك انتشرت" وعزاه إلى أبي يعلى وفي النهاية "نشره" 5/55: اللهم بك انتشرت: أي ابتدأت سفري وكل شئ أخذته غضا فقد نشرته وانتشرته ومرجعه إلى النشر ضد الطي. ويروى بالباء الموحدة والسين المهملة.

(1/727)


يَرْوِيهِ هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ نا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسَاوِرٍ الْعِجْلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ أبو سليمان قوله: "ابْتَسَرْتُ" أي ابتدأتُ بسَفرِي وكلّ شيء أخذته غضا فقد بَسَرْتَهُ وَابْتَسَرْتَه. يقالُ ابْتَسَرْتُ الماءَ إذَا أخذتَهُ سَاعَةَ ينزل من المُزْن. والبُسرُ الماءُ ساعة يُمْطر. وبَسَرْتُ النباتَ أَبْسُرُهُ بَسْرًا إذَا رَعيْتَهُ غَضًّا.

(1/728)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ النِّسَاءَ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ إِلا صَاحِبَةَ الْقِسْطِ وَالسِّرَاجِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ الإِسْمَاعِيلِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ نا بَقِيَّةُ نا بَحِيرُ2 بْنُ سعيد عن خالد بن معادان عَنْ أَبِي شَجَرَةَ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ رَفَعَهُ.
قَالَ بَقِيَّةُ: هي التي تقوم عَلَى رأس زوجِهَا السراج تُوضِّئُه الماء.
وقال أبو سليمان: وأراد بالقِسْط الإناءَ الَّذِي توضِّئه فيه. والقِسْط نِصفُ صاعٍ قاله أبو عبيد وغيره.
__________
1 النهاية "قسط" 4/60.
2 ت: بحير بن سعد "تحريف" والتصويب من التقريب 1/93 وتهذيب التهذيب 1/421 مات بعد المائة.

(1/728)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ هَدَى زُقَاقًا فَهُوَ عَدْلُ رَقَبَةٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرزاق أنا معمر عن
__________
1 أخرجه الترمذي في البر والصلة 4/340 وغيره. والفائق "منح" 3/389 برواية: "من منح منحة ورق أو لبنا أو نسمة".

(1/728)


مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
قَالَ أبو سليمان: مَنِيحَةُ الوَرِق هي القَرْضُ قاله أحمد بْن حنبل. ومعنى المنيحة إباحة المنفعة مع استِيفاء الرَّقبَة. ومنه مَنِيحة الغَنَم وهو أن تمنَحه شاةً حَلُوبًا يشرب لَبَنَها فإذا لَجَّبَتْ2 رَدَّها إلى صاحِبَها.
قَالَ أبو سليمان: في هذا دلالة عَلَى أنّ عَيْن القَرْض ما دامت باقِيةً كانت مِلْكًا لِلْمُقْرِض وإن كانت دراهم أو دنانير كغيرها من المتاع.
وقوله: هدى زُقَاقًا معناه تَصدَّق بزُقاق من النّخل فجعله هَدِيًّا. والزُّقَاق الطريقة المستوية المُصْطَفَّة من النخل وهو السِّكَّةُ أيضًا إلا أنّ السِّكّة أَوْسَع من الزُّقاق.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ فَرَسٌ مَأْمُورَةٌ" 3.
ويحتمل أن يكون معنى قولِه: هَدَى زُقاقًا من هِداية الطَّريق والدَّلالَة عليه والله أعلم.
__________
1 في التقريب 3/379: طلحة بن مصرف بن كعب اليامي بالتحتانية الكوفي ثقة قارئ فاضل.
2 القاموس "لجب": لجبت الشاة قل لبنها وغزر لبنها "ضد".
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/468 بلفظ: "مهرة مأمورة" بدل "فرس مأمورة" والحديث في الفائق "سكك" 2/189 برواية: "ومهرة مأمورة" وجاء في الشرح: المأبورة الملقحة والمأمورة الكثيرة النتاج وكان ينبغي أن يقول المؤمرة ولكن زاوج بها المأبورة كماقال: "مأزورات غير مأجورات".
وعن أبي عبيدة: أمرته بمعنى آمرته: أي كثرته ولم يقله غره. ويجوز أن يراد أنها لكثرة نتاجها كأنها مأمورة بذلك.

(1/729)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجنة" 1.
__________
1 أخرجه مسلم في الذكر والدعاء 4/2036 والترمذي في الدعوات 5/530 وغيرها.

(1/729)


حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ نا أَبُو أُسَامَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ أبو سليمان: معنى الإحصاء في اللغة عَلَى ثلاثة أوجُه أحدها الإحْصاء الَّذِي هُوَ بمعنى العَدِّ كقولهِ تَعَالَى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} 1. والثاني بمعنى الإطاقة كقوله سبحانه: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} 2: أي لن تطيقوه. والثالث بمعنى العقل والمَعرفَة. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أحْصَيْتُ كلَّ القرآن إلا حرْفَيْن. يريد أدْركْتُ عِلْمَه وعقَلْتُ معناه. ويقال: فلان ذو حَصَاةٍ إذَا كَانَ ذا عَقْلٍ وتَحْصيل. قال الشاعر:
وأَنَّ لِسَانَ المرءِ ما لم تكن لَهُ ... حَصَاةٌ عَلَى عَوْراته لَدلِيلُ3
قَالَ أبو سليمان: فَمنْ حمل الخَبَر عَلَى معنى الإحصاء الَّذِي هُوَ العَدُّ قَالَ إنّ معناه أَنَّ من يَعدّ هذه الأسماء ذاكِرًا الله عَزَّ وجَلَّ ومُثنِيًا عَلَيْهِ بها واستدلّ في ذَلِكَ بان التسعة والتسعين لما كانت عَدَدًا من الأَعداد ثُمَّ عطفَ بالإِحصاء عليها عُلِم أن المراد بِهِ إحصاء العَدَد دُون غيره.
ومن حمله عَلَى الإطاقة قَالَ معناهُ أن يطيق القيام بحقَّها في معاملة الله تَعَالَى بها. ومُطالَبة النّفس بمواجبِها فيُخْطِرَ بقلبه معنى العَفْو والمَغْفِرة إذَا سَمّاهُ عَفُوًّا وغَفُورًا فيرجو مغفرة الله وعَفوَه ويحذَرُ نِقْمتَه إذَا قَالَ المنتقم وَيَثِقُ بما وَعَد من الرّزق وتطمئن بِهِ نَفْسُه إلى ما ضَمِنَه منه إذَا قال الرزاق, وإذا
__________
1 سورة الجن: 28.
2 سورة المزمل: 20.
3 اللسان والتاج "حصا" وعزي لكعب بن سعد الغنوي وعزاه الأزهري لطرفة ولم أقف عليه في ديوانه /ط برلين. وقبله:
وأعلم علما ليس بالظن أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل

(1/730)


قَالَ رقيب راقَبَ ربَّه وعلم أنه مطلع عَلَى سِرَّه إلى ما يُشبه ذَلِكَ من الأمور التي تقتضيها معاني هذه الأسماء.
وأمّا من تأوَّلَه عَلَى الإحصاء الَّذِي هُوَ العَقل والمعرفة قَالَ معناه من عرفها وعَقَل معانيها وآمن بها استحق دُخُولَ الجنة. وهذه الأقاويل الثّلاثة كلّها متوجهة غَيرُ بَعِيدَة والله أعلم.
حروف في حديث أمّ زَرْع. حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ نا ابْنُ أَبِي سَمِينَةَ نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نا يَحْيَى بْنُ الْعَلاءِ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً اجْتَمَعْنَ فَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ وَمَا ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَصِفْرُ رِدَائِهَا1.
قَالَ أبو سليمان: لم يقع هذا الحرف فيما فَسَّرَه أبُو عُبَيْد يريد بذلك أَنَّ أعلاها شَطْب غير عبل فرداؤها صِفْر لا يمتلىء منه وأسْفَلها ردَاحٌ ثقيل يَملأُ الكِساء إذَا تغطّت بِهِ وتُوصَف بِهِ النساء ويُحمد ذَلِكَ من خلقهن يقال ضيب في كثيب قَالَ الأعشى:
صِفْر الرِّداءِ وملءُ الدِّرع بَهْكَنَةٌ ... إذَا تأتى يكاد الخصر ينخزل2
__________
1 حديث أم زرع أخرجه البخاري في النكاح 4/24 ومسلم في فضائل الصحابة 4/1896 وغيرهما.
2 الديوان /145 برواية: "ملء الوشاح وصفر الدرع بهكنة".

(1/731)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عَنْهُ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ عَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ الْمُتَرَّجِ 1.
يَرْوِيهِ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ شَرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يعني بالمترج هاهنا الْمُشْبَعَ حُمْرَةً.
قَالَ أبو سليمان: ولَسْتُ أعرِف حقيقةَ هذا ولا أدري ما أصله. فأمّا القَسِّيُّ فهو منسوبٌ إلى موضعٍ. وقد ذكره أبو عُبيد2 في كتابه. ويقال إن القسي هو الفزي أي المعمول من القز.
__________
1 أخرجه مسلم في 3/1648 وأحمد في أكثر من عشر مرات وكلها بدون كلمة: "المترج". انظر مسند أحمد 1/80, 81, 92, 94, 104, 114.
2 في غربي الحديث لأبي عبيد 1/226: "القسي" وجاء في هامشه: بتشديد الياء وتخفيف السين.
وفي الفائق قسس 3/192: القسي نسبة إلى قرية على ساحل البحر يقال لها القس وكذلك قال لها أبو عبيد وأراد شعر ربيعة بن مقروم:
جعل عتيق أنماط خدورا ... وأظهرن الكرادي والعهونا
على الأحداج واستشعرن ريطا ... عراقيا وقسيا مصونا
وانظر النهاية 1/186.
وقال أبو عبيد أيضا: أصحاب الحديث يقولون: القسي بكسر القاف وقال القسي: ثياب يؤتى مصر فيها حرير.

(1/732)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 1 جمع رسول الله بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنْذَرَهُمْ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَهَدَّ مَا سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ2.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خزيمة نا محمد بن
__________
1 سورة الشعراء: 214.
2 أخرجه الطبري في تفسيره في حديث طويل 19/122.
والفائق "هدد" 4/96.

(1/732)


عِيسَى نا سَلَمَةُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ أبو سليمان قوله: لهد ما سَحَركم كلمة تعجُّب معناه ما أسْحَر صَاحِبَكم وما أعلَمه بالسِّحر تَقُولُ العرب لهَدَّ الرَّجُلُ رَجُلًا أي ما أشدَّه من رَجُل وأَشْجَعَه. ويقال: هَدَّك من رَجُلٍ بمعنى حَسْبُكَ وأنشد ابن الأعرابي:
ولي صَاحِبٌ في الغار هدَّك صَاحِبًا1
يصف ذِئبًا. قَالَ: ومعنى هدَّكَ أي ما أجلّه وما أَنْبلَه. والهَدُّ الرَّجُل الجوادُ الكريم.
__________
آخر أحاديث رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين والحمد لله على الدوام وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام والحمد لله أولا وآخرا باطنا وظاهرا2.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني، وهو أحاديث الصحابة، رضي الله عنهم.
__________
1 اللسان والتاج "هدد".
2 آخر نسخة ت.

(1/733)


المجلد الثاني
أحاديث الصحابة
حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شُكِيَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: "لا أَشِيمُ سيفا ... ".
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [2]
رَبِّ يَسِّرْ
1- حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّهُ شُكِيَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: لا أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ"1.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قَوْلُه: لا أشيم سيفا معناه لا أُغْمِد يُقَالُ: شِمْتُ السيفَ أغمدتُه وسَلَلْتُهُ والحَرْفُ من الأَضْداد قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيمو سُيُوفَهُم ... ولم يُكْثِرُوا القَتْلَى بِهَا حين سُلَّتِ2
يُرِيد لم يُغْمِدوا سيوفهم إلا وقد كَثُر القَتْلُ بها حين سُلَّتِ.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن محمد بن زياد حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا أَبُو غُزَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ أَبِي شَاهِرًا سَيْفَهُ رَاكِبًا رَاحِلَتَهُ إِلَى ذَاتِ الْقَصَّةِ فَجَاءَ عَلِيُّ بن أبي طالب فقال:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/212" والطبري في تاريخه "3/242, 4/30.
2 لم أقف عليه في ديوانه وفي الديوان ثلاث قصائد على الوزن والقافية.

(2/5)


إِلَى أَيْنَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ شِمْ سَيْفَكَ وَلا تُفْجِعْنَا بِنَفْسِكَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ أُصِبْنَا بِكَ لا يَكُونُ بَعْدَكَ لِلإِسْلامِ نِظَامٌ أبدا فرجع وأمضى الجيش1.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/1069" وعزاه لزكريا الساحي – وذكره ابن كثير بلفظ "لم سيفك" وفي البداية والنهاية "6/315" وذكره السيةطي في باريخ الخلفاء: 75 عن ابن عمر بألفاظ متقاربة وفيه "شم سيفك" وعزاه للدارقطني.

(2/6)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَبَّ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: "يَا عَنْتَرُ"1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو موسى الزمن حدثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ الْعَطَّارُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هَكَذَا قَالَ ابنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: يَا غَنْثَرُ2 بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
فالعَنْتَر الذُّبَابُ شبَّهَهُ بالذُّبَاب تَحْقِيرا لَهُ وتَصْغِيرا لقدره.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ: العَنْتَرُ الذُّبَاب وسُمِّيَ عَنْتَرًا لصوتِهِ قَالَ غيره: العَنْتَرُ الأَزْرِقُ مِن الذُّبَاب.
وحدثنا أَبُو بَكْر3 الإسماعيلي أنبأنا الحسن بن سفيان أخبرنا عَبْد4 اللَّه بن معاذ العنبري أخبرنا مُعْتَمِر بن سليمان قَالَ قَالَ أبي أخبرنا أبو عثمان عن
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "1/198" بلفظ "يا عنثر أو غنثر" – وقال الحافط في فتح الباري "6/598": "وحكاه الخطابي بلفظ: عنتر, اسم الشاعر المشهور وهو بالمهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها قي "1/148, 4/236" – وسلم في الأشربة "3/1628" وغيرها.
3 ط: "أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي".
4 ح: "عبيد الله بن معاذ العنبري".

(2/6)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وذكر الحديث وَقَالَ: يا غُنْثَرُ بالغين مُعجمة مَضْمُومَة وأما الغَنْثَر فَمَأْخُوذٌ من الغَثَارَةِ وهي الجَهْل يُقَالُ رجل غَثِرٌ والنون في الغَنْثَر زيادة وإنما سُمِّيَتِ الضَبُعُ غَثْرَاء لحُمْقِها وحكى بَعْضُ أهل اللُّغَة الغَنْثَرَةُ شُرْبُ الماء عن غير عطش.

(2/7)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ سَعْدًا الأَسْلَمِيَّ قَال: رَأَيْتُهُ بِالْخَذَوَاتِ وَقَدْ حَلَّ سُفْرَةً مُعَلَّقَةً فِي مُؤَخِرِ الْحِصَارِ فَإِذَا قُرَيْصٌ مِنْ مِلَّةٍ فِيهِ أَثَرُ الرَّضِيفِ وَإِذَا حَمِيتُ مِنْ سَمْنٍ فَدَعَانِي فَأَصَبْتُ مِنْ طعامه1.
رويه الْوَاقِدِيُّ حدَّثَني هَاشِمُ بْنُ عَاصِمٍ عن عبد الله بن سعد عن أبيه.
قال الأصمعيُّ: الحِصارُ حَقِيبة على البعير يُرْفَعُ مُؤَخِّرُهَا فيُجْعَلُ كأخَرَة2 الرَّحْل ويُحْشَى مقدِّمُها فيكون كقادِمَةِ الرَّحْل وتُشَدُّ على البعير ويُرْكَبُ يُقَال منه: قد احتَصَرْتُ البَعِيرَ.
وَقَوْلُهُ: قُرَيْصٌ من مَلَّة يُرِيدُ قُرْصًا قد مُلّ. يقول: مَلَلْتُ الخُبْزَةَ أَمُلُّهَا مَلًّا وخُبز مَمْلُولٌ وأَصْلُ المَلَّةَ الرَّمَادُ / والجَمْر. [3]
وقَوْلُ العَامةُ أَكَلْتُ ملَّةً غَلَط والصواب أن يُقال: أَكَلْتُ خُبْزَ ملّةٍ أي خُبْزًا قد أُنْضِجَ وأُصْلِحَ في المَلَّة وهي جَمْرٌ ورَمَادٌ
ومنه قولهم بات فُلانٌ يَتَمَلْمَل إذا بات كأنَّهُ يتقلّب على الجَمْر.
ومن هذا حديث النبي أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رسول
__________
1 لم أقف عليه في مغازي الواقدي المطبوعة, وهو في الفائق "خذو" "1/358" والنهاية "خذو" "2/17".
2 ح: "كآخرة الرجل".

(2/7)


اللَّهِ إِنَّ لِي جِيرَانًا أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ فقال رسول الله: "إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَأَنَّكَ إِنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ" 1 أَيْ تُطْعِمُهُمُ الْجَمْرَ والرضيف ما يُشْوَى به اللَّحْم على الرَّضْفِ وهو الحِجَارَةُ المُحْماةُ يُلْقَي عليها اللَّحْمُ حتى يَنْشَوي فهو رَضِيفٌ ومَرْضُوفٌ وأثرُهُ في القُرَيْص ما عَلِقَ به من دسمه قال الكميت:
مرضوفة لم تُؤْنَ في الطَّبْخِ طاهيا ... عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها حين غَرْغَرَا2
يريد قِدْرَا قد أُنْضِجَت بالرَّضْفِ والحَمِيتُ وعاءٌ للسَّمْن لطيفٌ كالعُكَّة ونحوها ويقال: إنَّ الحَمِيَتْ ما كان مُزْفِتًا من الأَسْقِية والوطْبُ ما كان مَرْبُوبًا مِنْهَا فإذا لم يكن مَرْبُوبا ولا مُزَفَّتًا فهو نحي.
__________
1 أخرجه مسلم في البر "4/1982" وأحمد في مسنده "2/300 – 412, 484".
2 شعر الكميت "1/199".

(2/8)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا مَاتَ قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى بَابِ البَيْتِ الَّذِي هُوَ مسجى فيه قال: كُنْتَ وَاللَّهِ للدِّينِ يَعْسُوبا أَوَّلا حِينَ نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ وَآخِرًا حِينَ فَيَّلُوا طِرْتَ لِعُبَابِهَا وُفُزْتَ بِحُبَابِهَا وذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا كُنْتَ كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَلا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ فِي كَلامٍ طَوِيلٍ ويُرْوَى حَتَّى فَشِلُوا1.
حدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ2 بْنُ الحسين التيمي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَهْلٍ أخبرنا
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/47" في حديث طويل وعزاه للبزار بلفظ: "حين فشلوا" وبلفظ: "طرت بغناها, وفزت بحياها" وذكره صاحب كنز العمال "12/542" بلفظ "حين فشلوا وحين فلوا" وذكره الطبري في الرياض النضرة "1/183" بلفظ "طرت بغناها وفزت بحبائها".
2 ط: "محمد بن الحسن التيمي".

(2/8)


أحمد بن مصعب المروزي حدثنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ صَفْوَانٍ.
اليَعْسِوُبُ فَحْلُ النَّحْل وسَيِّدها ضربَهُ مَثَلا لِسَبْقِهِ إلى الإسلام ومُبَادَرَتِهِ الناسَ إلى قبولِهِ فصار النَّاسُ بَعْدُ تَبْعًا لَهُ كاليَعْسُوب يَتَقَدَّم النَّحْل إذا طارت فَتَتَبَعُهُ طرائقٌ مُطَّردةً
ويقال: هذا نَحْلَةٌ للواحدِ منها ذكرا كان أو أُنْثي حتى إذا أردْت الذَّكَر مِنْها قُلْتَ يَعْسُوب كما يُقَالُ: هذا نعامةٌ ثم يقول: في الذَّكَر ظَلِيم وهذا دُرَّاجةٌ للذَّكَر والأُنْثى ثم تقول للذكر حَيْقُطان وهذا حُبَارَى للذَّكَر والأُنْثَى ثم تقول للذكر خَرَبٌ.
وَقَوْلُهُ: حِينَ فَيَّلُوا أي حِينَ فَالَ رَأْيُهُمْ فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الْحَقَّ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: والله لأُقاتِلَنّ مَنْ فَرّق بين الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ1 فَلَمَّا رَأَوْا مِنْهُ الْجِدَّ تَابُعُوهُ.
يُقَالُ: فَالَ الرجلُ في رأيه وفَيَّل إذا لم يُصِبْ فيه ويُقَال: رَجُلٌ فَيْلُ الرَّأي وفالُ الرَّأي وفَيِّلُ الرَّأْي وفائِلُ الرأي وما كُنْتُ أُحِبُ أنْ أرى في رأيِكَ فَيَالَةً أي ضَعْفًا وسُخْفًا قال الشاعر:
رأَيْتُكَ يا أُخَيْطلُ إذْ جَرَيْنا ... وجُرِّبَت الفَرَاسَةُ كُنَتَ فَالا2
وعُبَابُ الماء أَوَّلُه ويُقَال: مُعْظَمُه وهو الأُبَابُ أَيْضا قال ذو الرُّمَّة:
إذا المُضَرُ الحمراءُ عَبَّ عُبَابُهَا ... فَمَنْ يَتَصَدَّى مَوْجَهَا حينَ تَطْحَرُ3
وحَبَابُ الماء هُنا مُعْظَمُهُ قال طرفة:
__________
1 سيأتي تخريجه.
2 اللسان والتاج "فيل" وعزي لحرير وهو في ديوانه: "329".
3 الديوان: "327" برواية: "إذا مضر الحمراء".

(2/9)


يَشُقُ حبَابَ المَاءِ حَيْزومُها بِهِ ... كَمَا قَسَمَ التُرْبُ المُفَايَلَ باليَدِ1
[4] / والحَبَابُ أَيْضا فقاقيعُ المَاء وهي ما يعلوهم من الزَّبَد قال المُتَلَمِّسُ:
عُقَارا عُتِّقَت في الدنِّ حينا ... كَأَنَّ حَبَابها حَدَقُ الجَرَادِ2
وهذه أمثالٌ ضَرَبَها يقول: وَرَدْتُ المَاءَ أَوَّلُ النَّاسَ وسبقت إلى جمَّتِهِ فشربتَ من صَفْوِهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَدَّرْ أيْ أَحْرَزْتَ سَوَابِقَ الإسلام وأَدْرَكْت أوائلَه وفضائلَه ورواه بعضهم طِرْتَ لغنائها وفزت بحبائها3.
__________
1 الديوان: "8".
2 ط: "عقار أعقت" والبيت في الديوان: "166" برواية: "في الدن حتى".
3 في اللسان "عبب": قال بعض فضلاء المتأخرين, بعد أن أورد قوله: فزت بحبابها هذا تفسير الكلمة على الصواب لو ساعد النقل وهذا هو الحديث أسيد بن صفوان قال: لما مات أبو بكر جاء علي فمدحه فقال في كلامه: طرت بغنائها بالغين النعجمة والنون وفزت بحيائها, بالحاء في الصحابة" وفي كتابه: "المؤتلف والمختلف" وكذا ذكره ابن بطة في الإبانة.

(2/10)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَنِي إِلا مَا أَجِدُ مِنْ حَاقِّ الْجُوعِ1.
يَرْوِيهِ عَليُّ بْنُ خشرم حدثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: حَاقَّ الجُوع يُرْوى بالتَّخْفِيف والتَّثْقِيل فمن ثقَّلَ فمعناه كَلَبُ الجُوعِ وشِدَّتُهُ قال عروة بن الورد:
__________
1 أخرجه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن: "627" في حديث طويل.

(2/10)


أَتَهْزَأُ مِنِّي أَنْ سَمِنْتَ وأَنْ تَرَى ... بِوَجْهِي مَسَّ الحقِّ والحَقُّ جَاهدُ
أُقَسِّمُ جِسْمِي في جُسُومٍ كَثِيرَةٍ ... وأَحْسُو قَرَاحَ الماءِ والمَاءُ بارِدُ1
يُرِيدُ صِدْقَ الجُوع.
والعربُ تَقُول فُلانٌ واللهِ الرَّجُل حَاقٌّ الرَّجُل وحاقَّةُ الرَّجُل وحَاقَ الشُّجَاع وحاقَّةُ الشُّجَاع بإِدْخَالِ الهَاءِ وإسْقَاطها يريد تحقيقَ نَعْتِهِ بالشَّجَاعةِ والبَأْس والأَصْلُ في هذا كله الحَقُّ لا كَذِبَ فيه ومِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} 2 ومعناها والله أعلم الكائِنَةُ التي لا كذب فيها ولا مَدْفعَ لها.
ومن رَوَاه بالتَّخْفِيِف جَعَلَهُ مَصْدَرا يقومُ مَقَامَ الاسْم من قولك حَاقَ به البَلاءُ يَحِيقُ حَيْقا وحَاقا كما قيل عابَهُ عَيْبا وعابا وفي مَصْدَرٍ يقول3: قيلا وقالا وقد قرىء: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} 4.
__________
1 شعراء النصرانية: "شحون الحق" بدل: "مس الحق".
2 سورة الحاقة: "1".
3 ج: "وفي مصدر القول".
4 سورة مريم"34".

(2/11)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَرَجَ فِي بُغَاءِ إِبِلٍ فَدَخَلَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا حَيَّةٌ فَسَقَتْهُ ضَيْحَةً حَامِضَةً1.
حَدَّثْنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حنبل حدثنا سريج عن يونس أخبرنا أزهر بن سعد السمان
__________
1 أخرجه الدارمي في المقدمة "1/70" عن ابن عون وكذلك ذكره صاحب كنز العمال "5/754" وعزاه لمسدد وابن منيع والدارمي. وأشار إليه ابن الأثير في أسد الغابة "7/76" والحافظ في الإصابة "4/279" ولم يذكراه.

(2/11)


قَالَ ابن عَوْن: أَخْبَرَنِي عَنْ عمرو بن سعيد عَنْ أَبِي زُرْعَة بن عمرو بن جرير عَنْ حَيَّة1 بنت أبي حَيَّة.
قوله: في بُغَاء إبل أي في طلب إبلٍ.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: بَغَت المَرْأةُ تَبْغي بِغَاءً إذا فَجَرَتْ وبغي الرَّجُل طَلَبَتْهُ فهو يَبْغِيَها بُغَاءً بِضَم الباءِ وبَغْيَةً والضَيْحُ والضَّيَاحُ الَّلبَنُ الخَاثِرُ يُصَبُّ عَلَيِهِ المَاء حَتَّى يرِقَّ قَالَ الرَّاجِزُ:
امتَحَضا وسَقِّياني ضَيْحا ... وقد كَفْيتُ صاحبيَّ المَيْحَا2
ويُقَالُ: ضَيَّحْتُ الَّلبَن إذا مَذَقْتَه بالماء وفي بعض الأمثالِ الصَيْفَ ضَيَّحْتِ الّلَبَن3 والمَشْهُور عِنْدَ العَامّة ضَيَّعْتِ اللَّبَن بالعين وأَصْلُهُ أَنَّ امرأة كانت تَحْتَ رَجُلٍ مُوسِر فَكَرِهَتْهُ لِكبَره فطلّقها فتزوّجها رَجُلٌ مُمْلِقٌ فَبَعَثَتْ إلى زَوْجِهَا الأوّل تَسْتَمِيحُهُ فَقَالَ لها ذلك فجري مَثَلًا وخُصَّ الصَّيْف لأنَّ الأَلْبَان تَكْثُر في ذَلِك الوَقْت.
قَالَ الأصمعي: إذا خُلِطَ اللَّبَنُ بالماء4 فهو المذيق ومنه قيل: فلان
__________
1 في الإصابة "4/279" وأسد الغابة "7/76" والدارمي "1/70" وتجريد أسماء الصحابة "2/261" والإكمال "2/323, 324" حية بنت أبي حية" وفي جميع نسخ الكتاب: "حية بن أبي حية".
2 اللسان والتاج "ضيح" أورده الأبيات الآتية:
قد علت يوم وردنا سيحا
...
أنبي كفيت أخويها الميحا
فامتحضا وسقياني ضيحا
وهي مختلفة الترتيب والرواية ومن غير عزو.3 الضبي: "7" الفاخر "111" العسكري "1/175" الميداني "2/68" الزمخشري "1/329" البكري "357" اللسان "صيف" أمثال أبي عبيد: "247".
4 د: "إذا خلط اللبن والماء".

(2/12)


يَمْذُقُ الوُدَّ إذا لم يُخْلِصْهُ فإذا كثر ماؤه / فهو الضَّيّاحُ والضَّيْح وعند ذلك تعلوه كُهْبَةٌ1 قَالَ الشاعر: [5]
ما زِلْتُ أعدُو معهم وأَلْتَبِطْ
...
حتّى إذا جَنَّ الظلام المختلط
جاءوا بضيج هل ريت الذئب قَطْ2
قَالَ: فإذا جعلتَهُ أرقَّ ما يكون فهو السَّجَاج وأَنْشَد:
يَشْرَبُهُ مَذْقَا ويَسْقِي عِيَالَهُ ... سجاجا كأقراب الثعالب أورقا3
__________
1 القاموس "قهب" الكهبة: الأبيض علته كدرة.
2 الرجز في شرح شواهد المغني للسيوطي: "214" باختلاف في الرواية وعزي لأحمد الرحاز.
3 اللسان والتاج "سجج" دون عزة برواية: "يشربه محضا".

(2/13)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مَرَّ بِالنَّهْدِيَّةِ إِحْدَى مَوَالِيهِ وَهِيَ تَطْحَنُ لِمَوْلاتِهَا وَهِيَ تَقُولُ وَاللَّهِ لا أَعْتِقُكِ حَتَّى تُعْتِقُكِ صُبَاتُكِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حِلا أُمَّ فُلانٍ وَاشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا1وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِبِلالٍ وَقَدْ شُبِحَ فِي الرَّمْضَاءِ يُقَالُ لَهُ: اتْرُكْ دِينَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ2.
الأَوَّلُ يرويه ابن ادريس أخبرنا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: حلا معناه تَحَلَّلِي من يَمِينك واستَثْني فيها قال الشاعر:
__________
1ذكره ابن هشام في السيرة "1/278" بألفاظ متقاربة وطذلك ابن كثير في السيرة النبوية "1/493" وعزواه لابن إسحاق وهو في سيرة ابن إسحاق: ""171".
وفي اللسان "صبا": صبا إليه صبوة وصبوا: حن وكانت قريش تسمى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صباة.
2 ذكره ابن هشام في السيرة "1/277" وابن كثير في السيرة النبوية "1/493" بألفاظ متقاربة وليس فيها "وقد شبخ في الرمضاء" وعزاه كذلك لابن إسحاك

(2/13)


حِلا أَبيْتَ اللَعْنَ حِلْلا ... إنّ فيما قُلْتَ آمَةْ1
والآمَةُ العَيْبُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حَدِّثْنَا بِبَعْضِ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: وَأَتَحَلَّلُ أَيْ أَسْتَثْنِي. وَقَالَ النَّمِرُ بن تَوْلَب:
وأُرْسِلُ أَيْمَانِي فَلا أَتَحَلَّلُ2
يُرِيدُ كِبَر سِنِّهِ وغَلَبَةَ النِّسْيِان عليه حَتَّى صَارَ يَحْلُفُ ولا يَسْتَثْني.
وقَوْلُهُ: شُبِحَ بِالرَّمْضَاء أي مُدَّ عَلَيْهَا. قال ذُو الرُّمَّة:
لَظًى تَلْفَحُ الحِرْبَاءَ حَتَّى كَأَنَّهُ ... أَخُو جَرماتٍ بَزَّ ثَوْبَيِهِ شَابِحُ3
وَقَالَ أيضا يَصِفُ الحِرْبَاء:
ويَشْبَحُ بالكَفَّيِنِ شَبْحَا كَأَنَّهُ ... أَخُو فَجْرَةٍ عالَى بِهِ الجِذْعُ صالبه4
__________
1 اللسان والتاج "أيم" برواية:
مهلا أبييت اللعن مهلا ... إن فيما قلت آمه.
2 شعر النمر بن تولب: "85" وصدره:
فيضحى قريبا غير ذاهب غربة.
وأرسل أيمان: أحلف ولا أستثني.
3 الديوان: "101" وجاء في الشرح: أخو حرمات: أي كأنه أخذ في عمل سوء, وقد شبح لجلد وذلك أنه انتصب على الشجرة وقد مد يديه فكأنه صاحب جرم قد مد لجلد.
4 الديوان: "37".

(2/14)


حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يوتر من أول الليل ويقول: "احرزاه وأبتغي النوافل".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَيَقُولُ: وَاحَرَزَاهُ وأبتغي النوافل1
__________
1أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/15" محرفا وذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/1060" محرفا أيضا وعزاه إلى عبد الرزاق.

(2/14)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
وفي رواية أخرى "أَحْرَزْتُ1 نَهْبِي وأَبْتَغي النَّوَافِل".
قوله: واحَرَزَاه وأَبْتَغي النَّوَافِل مَثَلٌ2 للعَرَب تقول عند الظَّفَر بالشيء وإحرازِ المَطْلُوب مِنْهُ
يُرِيدُ أَنّهُ قَدْ قَضَى الوَاجِب مِن الوتر وأَمِنَ فَوَاتَهُ3 وأَحْرَز أَجْرَهُ فإن استَيْقَظ مِن اللَّيْلِ تَنَفَّل وإلا فَقَد خَرَجَ مِن ضَمَان الوَاجِب وتَخَلَّصَ مِن عُهْدَتِهِ.
والحَرَزُ مَفْتُوحَةَ الرَّاء ما أَحْرَزْتَه من شيء كالرَّسَل4 لما أَرسَلْتُهُ والقَبْض لمِا قَبَضْتَه والهَدْمَ لِمَا هَدَمْتَه والنَّوَافِلُ ما زَادَ على الفَرَائِض وَوَلَد الوَلَد يُسَمَّى نافِلَةً على معنى أَنَّهُ زيادة على الأَصْل فأَمَّا الأَنْفَالُ فوَاحِدُها نَفَلٌ وأَصْلُهُ العَطَاء قال لَبيدٌ:
إنَّ تَقْوَي رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ5
وهُوَ مَا أَعْطَي اللهُ المُسْلِمِين من أموال الكَفَرَةِ وأَغْنَمَهُ إِيَّاهم والنَّهْبُ:
الغنيمة قَالَ بِشْرٌ بن أبي خازِمٍ:
تُؤَمِّلُ أن أؤوب لها بِنَهْبٍ ... ولم تعْلَمْ بأَنّ السهم صابا6
__________
1 د: "أحرزت وأبتغي النوافل".
2 كتاب الأمثال لأبي عبيد: "200" برواية: "ياحرزي" وعند العسكري "2/423" الميداني "2/419" البكري "293" اللسان "حرز".
3 د: "وأمن ثوابه" "تحريف".
4 د: "كالرسن" تحريف وفي القاموس "رسل": الرسل محركة: القطيع من كل شيء.
5 الديوان: "174" وبعده: "وبإذن الله ريثي وعجل".
6 الديوان: "25" وجمهرة اللغة "3/438" وسبق في الجزء الأول لوحة "183".

(2/15)


وَقَالَ العَبَّاسُ بن مِرْداسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْدِ ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ1
[6] / حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أنبأنا الصائغ أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أن رسول الله لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَضَّلَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ فِي الْعَطَاءِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
وَكَانَتْ نِهَابًا تَلافَيْتُهَا ... وَكَرى عَلَى الْمُهْرِ بِالأَجْرَعِ2
فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ العبيـ ... ـدبين عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْقَوْمِ ذَا تُدْرَأ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا ولَمْ أُمْنَعِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اقْطَعُوا لِسَانَهُ عَنِّي" 3.
النَّهَاب جَمْعُ نَهْبٍ والأَجْرَعُ المكان الواسع وفيه حُزُونَةْ يُقَالُ أَرْضٌ جَرْعَاء ومِثْلُهُ الأَمْعَزُ والمَعْزَاءُ وهو الأَرْضُ الكثيرة الحَصَا والأَبْطَحُ والبَطْحَاءُ وهو ما انْبَطَحَ مِن الأَرْض من ذَكَّر أراد المكانَ ومَنْ أَنَّثَ فَعَلى نِيَّةِ البُقْعَة والعُبَيْدُ فَرَسُهُ وفيه ما أعلَمْتُك أَنَّهُ كَانَ يُسْهَمُ للفَرَسِ كَمَا يُسْهَمُ للفارس ولذلك أضاف النَّهْب إلى فَرَسِهِ كما أضافَهُ إلى نفسه.
وَقَوْلُهُ: ذا تُدْرِأٍ أي ذا, هُجُوم واقتِحَامٍ. ويقال: دَرَأَ عليهم السَّيْلُ إذا
__________
1 الديوان: "84" برواية: "فأصبح نهبي".
2 رواية الديوان:
وكانت نهانا تلافيها ... بكري على المهر في الأجرع.
3 أخرجه ابن كثير في السيرة النبوية "3/680" وابن هشام في السيرة "4/102" وفيهما: "وقد كنت في الحرب" بدل "القوم" وأخرجه مسلم في الزكاة عن رافع بن خديج "2/738" بنحوه وأخرجه الطيري في باريخه "3/137".

(2/16)


هَجَمَ والتَّاء زائِدَة كِهَي في قولهم شَرٌّ تُرْتَبٌ أي راتِبٌ دائم قال القُلاخُ المِنْقَري:
وَذِي تُدْرَأٍ ما اللَّيْثُ في أَصْلِ غَابَةٍ ... بِأَشْجَعَ مِنْهُ عِنْدَ قِرْنٍ يُنَازِلُه1
وَقَالَ بعضهم: تُدْرَأُ القوم رَئيسُهُم.
وقولُهُ اقْطَعُوا لِسَانَهُ مَعْنَاه أَعْطُوهُ ما يُسْكِتُهُ ويُرْضِيِهِ كَنَى باللِّسانِ عَنِ الكلام كَقَوْل الشَّاعِر:
إنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لا أُسِرُّ بِهَا ... من عَلْوَ لا كَذِبٌ فيها ولا سَخَرُ2
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أتى شاعر النبي فَقَالَ: "يَا بِلالُ اقْطَعْ لِسَانَهُ" فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ: قَطَعْتَ وَاللَّهِ لِسَانِي3.
وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَوْ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ فَتَعَرَّضَ لَهُ بِالشِّعْرِ فَأَعْطَاهُ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ لا لِشِعْرِهِ.
وقد رُوِّينَا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ" 4 يُرِيدُ الرَّدَّ وَالْخَيْبَةَ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ عِنْدَمَا يُذْكَرُ مِنْ خَيْبَةِ الرَّجُلِ وَخَسَارَةِ صَفْقَتِهِ لَمْ يُحصِّلْ فِي كَفِّهِ غَيْرَ التُّرَابِ وَمَا فِي يَدِهِ غَيْرُ التَّيْرَبِ5.
__________
1 في التاج "درأ" وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي "الحماسة "362" وجاء في الشرح: وإنما قال: "في أصل غابة" إشارة إلى دخوله وتمكنه من غابتها.
2 اللسان "علا" وعزى لأعشى باهلة وجاء فيه: "من علو ومن علو: أي أتاني خبر من أعلى".
3 أخرجه البيهقي في سننه "10/241".
4 أخرجه مسلم في "4/2297" وأبو داود في "4/254" بلفظ: "إذا لقيتم".
5 القاموس "ترب": التيرب: التراب.

(2/17)


ونَظِيرُ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن سلمان النجاد أخبرنا هلال بن العلاء الرقي أخبرنا أبي أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ عَنِ ابن عباس عن النبي أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: "إِذَا أَتَاكَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا" 1.
ورَوَيْنَا عَنِ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَثَا التُّرَابَ فِي وَجْهِ الْمَادِحِ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا.
أَخْبَرَنَا ابنُ داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أخبرنا وكيع أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ [7] إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَأَثْنَى عَلَى عُثْمَانَ فَأَخَذَ المِقْدَادُ ترابا / فحثا في وجهه2.
__________
1 أخرجه أبو داود في "3/279" وأحمد في مسنده "1/278, 350" وغيرهما.
2 أخرجه أبو داود في "4/254" ومسلم بنحوه في "4/2297".

(2/18)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي بَكْر أَنَّ أَبَا الأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا جِئْنَاكَ في غَيْرِ مُحِمَّةٍ ولا عَدَمٍ1
المُحِمَّةُ الحَاجَةُ اللازِمَة للإنسان يُقَالُ أحمَّت الحاجةُ قَالَ زُهَيْرٌ:
وكُنْتُ إذا ما جِئْتُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... مَضَتْ وأَحَمَّتْ حَاجةُ الغد ما تخلو2
__________
1 لفائق "حمم" "1/317" والنهاية "حمم" "1/445".
2 شرح الديوان"97" برواية: "أجمت" وقال أيو عمرو: "أحمت وأجمت واحدِ".

(2/18)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ: "أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُعْطُونَ الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ قَدْ تَضَعْضَعَ بِهُمُ الدَّهْرُ فَأَصْبَحُوا كَلا شَيْءٍ وَأَصْبَحُوا قَدْ فُقِدُوا وَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ الْوَحَا الوحا النجا النجا"1
__________
1أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/34" وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء "102" وغيرهما.

(2/18)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا أبو داود أخبرنا صفوان بن صالح أخبرنا الوليد أخبرنا الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ.
قوله تَضَعْضَعَ بِهُم الدَّهْرُ أي ضَعْضَعَهُم الدَّهْر ومَعْنَاهُ بَدَّدَهم وشَتَّتَ شَمْلَهُم والضَّعْضَعَةُ التَّبْدِيدُ والتَّفْرِيقُ. قال جريرٌ:
بَازٍ يُضَعْضِعُ بالدَّهْنَا قَطًا جُونَا1
ومثله الدَّغْدَغَةُ ومن كلام العرب في تَبْدِيد الشَّمْل صار القَوْمُ أيادِيَ سَبَا وتَفَّرقُوا شذَرَ مذَرَ وشَغَرَ بَغَرَ إذا صاروا عَبَادِيدَ شَتَّى وإِنَّمَا نُسِبَ للتفرق والتَّبَدُّدُ إلى الدَّهْرِ عَلَى مَعْنى أنَّ وقوعهما كان في أَيَّام الدَّهْر والعَرَبُ تقول في الرَّجُل إذا طال عُمُرُهُ قد أكل عليه الدَّهْرُ وشَرِب يُرِيدُ أَنَّهُ أَكَلَ وَشَرِبَ دَهْرًا طَويلا
ومن هذا قول اللَّه تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 2 أي مَكْرُكُم في اللَّيْلِ والنَّهَار ومثله قَوْلُهُم لَيْلٌ نَائِمٌ أَيْ مَنُومٌ فِيِهِ قال الشَّاعِر:
لَقَد لُمْتِنَا يا أُمُّ غَيْلان في السُّرَى ... ونِمْتِ ومَا لَيْلُ المَطيِّ بِنَائِمِ3
والوَحَا السُّرعَةُ والاستِعْجَال في السَّيْرِ والفِعْلُ مِنْهُ تَوَحَّيْتُ تَوَحِّيا.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِصَّةِ الْغَارِ أنه كان له غنم
__________
1 الديوان "481" برواية: "بالسهبا" بدل "بالدهنا" من قصيدة يهجو فيها التيم وصدره:
كأن حاديها لما أصر بها.
2 سورة سبأ: 33.
3 الخزانة "1/465" برواية: "بالسري" والبيت لجرير من قصيدة يرد على الفرزدق, وهو في الديوان: "454" وتقدم في الجزء الأول, لوحة "158".

(2/19)


فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يُعَزِّبَ بِهَا فَكَانَ يُرَوِّحُ عَلَيْهِمَا مُغْسِقًا وَهُمَا فِي الْغَارِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ مَوْهَبٍ سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَذْكُرُهُ.
قوله يُعَزِّبُ أَيْ يُبْعِدُ في المَرْعَى وكلأٌ عَازِبٌ إذا كَانَ بَعيدَ المَطْلَب ويَرُوحُ بمعنى يُرِيحُ أي يَرُدُّ الغَنَم قَالَ الأَعْشَى:
إذا رَوَّحَ الرَّاعِي اللِّقَاحَ مُعَزِّبًا ... وأَمْسَتْ عَلَى آفاقها غَبَرَاتُها2
وَقَوْلُهُ مُغْسِقًا أي في غَسَقِ اللَّيْل وهو ظلمته.
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "2/208" عن عائشة بألفاظ متقاربة, وهو في الفائق "عزب" "2/426".
2 الديوان "33".

(2/20)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا نَسَّابَةً فَوَقَفَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ رَبِيعَةَ فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ فَقَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةٍ أَنْتُمْ أَمِنْ هَامِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ هَامِهَا الْعُظْمَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ أَيُّهَا؟ قَالُوا: ذُهْلٌ الأَكْبَرُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمِنْكُمُ عَوْفٌ الَّذِي يُقَالُ لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ 1 قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بن قيس أبو القرى ومنتهى الأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لا قَالَ؟ فَمِنْكُمْ جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ مَانِعُ الْجَارِ؟ قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ قَاتلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ الْحُرُّ صَاحِبُ [8] الْعَمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لا قَالَ فَمِنْكُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ مِنْ / لَخْمٍ؟ قَالُوا: لا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَسْتُمْ بِذُهْلٍ الأَكْبَرِ إِنَّمَا أَنْتُم ذُهْلٌ الأصغر فقام إليه
__________
1مثل أورده أبو عبيد "94" والفاخر "236" والعسكري "2/406" والميداني "2/236" والزمخشري "2/262" واللسان "عوف".

(2/20)


غلام من بين شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ: دَغْفَلٌ حِينَ بَقَلَ وَجْهُهُ فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالْعِبْءُ لا تَعْرِفْهُ أَوْ تَحْمِلَهْ1
يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ سَأَلَتَنَا فَأَخْبَرْنَاكَ وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا. فَمَنِ2 الرَّجُلُ؟ قَالَ أبو بكر: أنبأنا مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّيَاسَةِ فَمِنْ أَيِّ القُرَشِيِّينَ قَالَ: مِنْ وَلَدِ تَيْمِ بْنِ مَرَّةَ فَقَالَ الْفَتَى: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ مِنْ سَوَاءِ الثُّغْرَةِ3 فَمِنْكُمْ قُصَيٌّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ وَكَانَ يُدْعَى فِي قُرَيْشٍ مُجَمِّعًا قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ هاشم الذي شم الثَّريدَ لقَوْمه ورجالُ مَكَّة مُسْنِتُون عِجَافٌ؟ قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ4 شَيْبَةُ الْحَمْدِ مُطْعِمُ طَيْرَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ النَّدْوَةِ؟ قَالَ: لا فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ؟ قَالَ: لا قَالَ: وَاجْتَذَبَ أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ فَقَالَ الْفَتَى:
صَادَفَ دَرْءَ السَّيْلِ دَرْءٌ يَدْفَعُهْ ... يَهِيضُهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهُ5
نا ابْنُ الأعرابي أخبرنا جعفر بن عنبسة اليشكري عن محمد بن الحسن القردوسي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ السُّكُونِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أبان بن تغلب ن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ علي بن أبي طالب.
__________
1 أنساب العرب "1/33".
2 د: "ممن الرجل".
3 في الأنساب "1/33" "أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة".
4 في الأنساب "1/33" "فمنكم شيبة الحمد: عبد المطلب مطعم طبر السماء الذي كأن القمر في وجهه يضيء في الليلة الداجنة الظلماء؟ قال: لا".
5 أخرجه البيهقي في الدلائل "2/164" والسمعاني في الأنساب "1/33" والطبري في الرياض النضير "1/102" وذكره المتقي الهندي في كنز العمال "12/516" وكذلك صاحب سبائك الذهب "5" وقال: حكى صاحب الريحان والريعان عن الخطابي وفسره بقوله: أي يكسر مرة ويشقه أخرى" وفي النهاية "هيض" "5/288" واللسان "هيض" البيت الثاني فقط.

(2/21)


وحدثنيه محمد بن الحسين أخبرنا السراج أخبرنا عبد الجبار بن كثير أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ أَمِنْ هَامِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِها. يُرِيدُ مِنْ أَشْرَافِها أَنْتَ أَوْ مِنْ أَوْسَاطِها واللَّهَازِمُ أُصُولُ الحَنَكَيْن واحدها لِهْزَمَة يُقَالُ لَهْزَمْتُ الرَّجُلَ إذا أَصَبْتَ لَهَازِمَه. قال الشَّاعِرُ:
إمَّا تَرَى شَيْبًا عَلانِي أَغْثَمُهْ ... لهزَمَ خَدَّيَّ به مُلَهْزِمُهْ1
وَقَالَ النَّسَّابُون: بكر بن وائل على جِذْمَيْنِ جِذْمٌ يُقَالُ لَهُ: الذُّهْلان وجِذْمٌ يُقَالُ لَهُ: اللَّهَازِمُ فَالذُّهْلان بَنُو شَيْبَان بْن ثَعْلَبَةَ وبنو ذُهْل بن ثَعْلَبَة واللَّهَازِمُ بَنُو قَيْس بن ثَعْلَبَة وبَنُو تَيْم اللات بنْ ثَعْلَبَة قَالَ الفَرَزْدَق:
وأَرْضَى بحُكْمِ الحَيِّ بكر بن وَائِلٍ ... إذَا كَانَ في الذُّهْلَيْنِ أَوْ في اللَّهَازِمِ2
وقَوْلُهُ لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ فإنَّمَا كَانَ يُقَالُ ذَلِك لِعِزِّهَ وشَرَفِهِ يُرِيدُونَ أَنَّ النَّاسَ لَهُ كالعَبيِدِ والخَوَل وهَوَ عَوْفُ بْنُ مُحَلِّم بن ذُهْل ولهُمُ القُبَّة الَّتي يُقَالُ لَهَا المَعَاذَةُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهَا أَعَاذُوُه.
وأَمَّا بَسْطَامْ بنْ قَيْس فَهُوَ فَارِس بَكْر وكَان يَقْرِي الضَّيْف ويُؤْوِي الرَّهِيقَ3 ويكنى أبا الصهباء
__________
1 اللسان والتاج "لهمز" وجاء فيهما: "وأنشد أبو زيد لأحمد بني فزارة وهو في النوادر "52" ومعه أبيات أخرى.
2 لم أقف عليه في ديوانه: ط دار صادر – بيروت. وانظر أمالي ابن الشجري "1/164" وهو فيها غير منسوب.
3 التاج "رهق" الرهق: الذلة والضعف, عن الزجاج.

(2/22)


قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والعَرَب تَعُدُّ مِنَ الفِرْسَان ثَلاثَة عَدُّوا عُتَيْبَةَ بْنَ الحارث اليَرْبُوعِيّ فارسَ تَمِيم وعَدُّوا بِسْطَام بن قَيْس بن خَالِد الشَّيْبَانِي فَارِس بَكْر وعَدُّوا عامِر بن الطُفَيْل الجَعْفَرِيّ فَارِسُ قَيْس وَقَالَ الفَرَزْدَق يذكر بِسْطَامًا:
وقد مَاتَ بِسْطامُ بن قَيْس بن خَالِدٍ ... ومَاتَ أَبُو غَسَّان شَيْخُ اللَّهَازِمِ1
فَأَمَّا جَسَّاس ومَنْعَهُ الجَارَ فإنَّ أَبَا عُبَيْدَة يَزْعُم أَنَّ أُخْتُهُ كَانَتْ تَحْتَ كُلَيْب بن وائل وكانَت البَسُوسُ وهي خالَةُ جَسَّاس نَازِلَةٌ عَلَيْه وجارَةً لِبَنِي مرّة / ومعها ابنٌ لها ولهم نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّرَّارُ وكانت خوّارة [9] صفيَّة فذكر أَنَّ أُخْت جَسَّاس بَيْنَا هي تَغْسِلُ رَأْس كُلَيْب وتُسَرِّحُهُ إِذْ قَالَ لها من أعز وائل فضمرت2 فَأَعَادَ عَلَيْهَا القَوْلَ فَلَمَّا أَكْثَرَ قَالَتْ أَخَوَايَ جَسَّاس وهَمَّام فَنَزَعَ رَأْسَهُ مِنْ يَدِهَا وأَخَذَ القَوْس فَرَمَي فَصِيَل نَاقَة البَسُوس فَأَقْصَدَهُ فَغَضِبَ جَسَّاس لِذَلِك فَقَتَلَ كُلَيْبًا فَهَاجَ الشَّرُ بِسَبَبِهِ بَيْنَ بَكْرٍ وَتَغْلِب وكَانَ كُلَيْبُ إِذَا حَمَى حِمًى لَمْ يُقْرَبْ وإِذَا أَجَارَ رَجُلا لَمْ يُهِجْ لِعِزَّةٍ وبِهِ كَانَ يُضْرَبُ المَثَل في العِزِّ والمَنْعَةِ وكان لا يُرَفَعُ في نَادِيهِ صَوْتٌ فَقَال قَائِلُهُم:
ذَهَبَ الخِيَارُ من المعاشِرِ كُلِّهم ... واستَبَّ بَعْدَكَ يا كُلَيْبُ الْمَجِلسُ3
والبَسُوسُ4 في غير قَوْلِ عُبَيْدَة اسم النَّاقَة الَّتي رَمَاهَا كُلَيْبٌ فَصَارَ مَثَلا في الشُّؤْم فَيُقَال: أَشْأَمُ مِن البَسُوس والبَسُوسُ النَّاقَةُ الَّتِي تدر على الدعاء
__________
1 الديوان "2/206" برواية: "وقد مَاتَ بِسْطامُ بن قَيْس وعامر".
2 ح: "فصمتت" وضمزت: سكتت.
3 مجالس ثعلبة "47, 652" وعزى لمهلهل بن ربيعة برواية:
"أودى الخيار من المعاشر كلها".
والتاج "جلس" وروى فيه الشطر الأول: "تبئت أن النار بعدك أوقدت" والعقد الفريد "3/298" برواية الخطابي. والشطر الثاني في النوادر لأبي زيد "29".
4 د: "والبسوس في قول أبي عبيدة" والمثبت من بقية النسخ.

(2/23)


والمَلَقِ والإِبْسَاسُ أَنْ تَدْعُو النَّاقَةَ باسْمِهِا وتُلِينَ لَهَا الطَّرِيقَ إلى الحَلْب.
وأَمَّا الحَوْفزانُ فَاسْمُهُ الحارِثُ بن شَريك بن مَطَر ولُقِّبَ بالحَوْفَزَان لأنَّ بَسْطَام1 بن قَيْس حَفَزَهُ بالرُّمْحِ فَاقْتَلَعَهُ عَنْ سِرْجِهِ وهو أَحَدُ الشُّجْعَان المَذْكُورِين وإيَّاهُ عَنَى الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ:
غَابَ المُثَنَّى فَلَمْ يَشْهَد نِكَاحَهُمَا ... والحَوْفَزانُ ولَمْ يَشْهَدْهُ مَفْرُوقُ
وَأَمَّا المُزْدَلِفُ فإِنَّمَا قِيلَ لَهُ صَاحِبُ العَمَامة الفَرْدَةِ لأَنَّهُ كان إذا ركب لم يعتَمَّ مَعَهُ غَيْرَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْد واسْمُهُ الخَصِيب2 قَالَ غَيْرُهُ: ويُكَنَّى بِأَبِي رَبِيعَة وَكَان سَعِيُد بن العَاصِ أَبُو أُحَيْحَة يُلَقَّبُ ذا العِصَابَةِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا اعتَمَّ لم يعتَمَّ قُرشيٌّ إعظامًا لهُ قال الشَّاعِرُ:
فَتَاةٌ أَبُوهَا ذُو العِصَابَةِ وابْنُهُ ... وَعُثْمَانُ ما أَكْفَاؤُها بِكَثِيرِ
وسُمِّيَ المُزْدَلِفُ في حَرْبِ كُلَيْبٍ قَال: ازْدَلِفُوا قَوْسِي أَوْ قَدْرَها يُرِيُد تَقَدَّمُوا في الحَرْب يُقَالُ: ازْدَلَفَ القَوْمُ إذا اقْتَرَبُوا وسُمِّيَ المُزْدَلِفَة لاقْتِرَابِهِم إلى مِنًى بَعَدَ الإفَاضَةَ مِنْ عَرَفَات.
ويُقَالُ: بَلْ سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَة لأَنَّهَا مَنْزِلَة وقُرْبَةٌ من اللَّه عزَّ وجَلَّ وهُوَ قَوْلُ أَبي العَبَّاس ثَعْلَبْ
قَالْ ومِنْهُ قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} 3 أي رَأَوْا العَذَابَ قُرْبَةً
ومِثْلُهُ قوله {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} 4 أي قربناهم من الهلاك
__________
1 في الاشتقاق لابن دريد: "358" "سمي الحوافزان لأن قيس بن عاصم اقتلعه عن سرحه بالرمح".
2 ط: "واسمه الحصين" والمثبت نت باقي النسخ والتاج "زلف".
3 سورة الملك: "27".
4 سورة الشعراء:"64".

(2/24)


وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ كَتَبَ رَسُولُ الله إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: "انْظُرْ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي تَجَهَّزَ فِيهِ الْيَهُودُ لِسَبْتِهَا فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَازْدَلِفْ إِلَى اللَّهِ فيه بِرَكْعَتَيْنِ وَاخْطُبْ فِيهِمَا" 1.
وَقَوْلُهُ أُمْكِنْتَ مِنْ سَوَاء الثَّغْرَة يُرِيدُ وَسَط الثَّغْرَة وهي نَقْرَة النَّحْر وسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُه قَال الشَّاعِرُ:
وصاحِبٍ غَيْرِ ذِي ظِلٍّ ولا نَفَسٍ ... هَيَّجْتُهُ بِسوَاءِ البِيدِ فَاهْتَاجَا
وفي رواية ابن الأعرابي أَمْكَنْتَ من صَفَاة الثُّغْرَةِ.
وأمَّا قَوْلُهُ مِنْكُم قُصَيُّ الَّذِي جَمَعَ القَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ فَإنَّهُ قُصَيُّ بنِ كلاب بن مرة واسمه زيذ وإنَّمَا سُمِّيَ قُصَيًّا لأَنَّهُ قَصَّى قومه أي تقصاهم وهم بالشَّام فَنَقَلَهُم إلى مَكَّة / فُعَيْل مِن قَصَا يَقْصُو ويُسَّمَّى أَيْضًا [10] مُجمِّعا قَالَ الشاعر:
أبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجمِّعا ... بِهِ جَمعَ اللهُ القَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ2
وحَدَّثَنِي محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أنبأنا أبُو الوَليِد الأَزْرَقِيِّ قَال قَالَ ابن جُرَيْج: كانت السِّدَانَةُ والرِّيَاسَةُ بِمَكَّة إلى حُلَيْل بن حَبَشِيَّةِ الخُزَاعِي فَخَطَبَ إليِهِ قُصَيٌّ ابنَتَهُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ دَعَا قُصَيًّا
__________
1 أخرجه السهلي في الروض الأنف "4/101" بسنده عن ابن عباس بلفظ: "تجهر فيه اليهود فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الحمعة فتقربوا إلى الله بركعتين" وعزاه للدارقطني ولم أقف عليه في سننه.
2 اللسان والتاج "جمع" وعزي لحذافة بن غانم بن عامر القرشي ثم العدوي, والاستقاق: "155" برواية: "أبونا قصي" والعقد الفريد "3/313" برواية: "قصي أبوكم" وتقدم في الجزء الأول, لوحة "136".

(2/25)


فَجَعَلَ إليِهِ وِلاية البَيْتِ فَوَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ وجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِم إلى مَكَّة يَسْتَعِزُّ بِهْم فَتَمَلَّكَ عَلى قَوْمِهِ1.
وأمَّا هَاشِم الَّذي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ فَإنَّهُ عَمْرُو بن عَبْد مناف وسُمِّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وكَانُوا قد أَصَابَتْهُم مَجَاعَةٌ شَدِيدَة فَبَعَثَ عِيرًا إلى الشَّام وحَمَّلَهَا كَعْكًا ونَحَرَ جَزُورًا2 وطَبَخَهَا وأَطْعَمَ النَّاسَ الثَّريد وفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لِقَوْمه ... ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ3
وأَمَّا شَيْبَةُ الحَمْدِ فَهْوَ عَبْدُ المُطَّلِب بن هاشم ولُقِّبَ بِشَيْبَة لأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ كَانَتْ في رَأْسِهِ شَعْرَةٌ بَيْضَاء وسُمِّيَ مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاء لأَنَّهُ حِينَ أَخَذَ في حَفْرِ زَمْزَم وكَانَت قد دَرَسَت وانْدَفَنَتْ جَعَلَت قُرَيْش تُعَنِّتُهُ4 وتَهْزَأُ بِهِ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنْ سَقَيْتَ الحَجِيج ذَبَحْتُ لَكْ بَعْضَ وَلَدي فَاسْقَي الحَجِيجَ مِنْهَا وَأَقْرَعَ بَيْنَ وَلَدِهِ فخرجت القرعة على ابنه عبد الله فَأَرَادَ ذَبْحَهُ فَقَالَتْ بَنُو مَخْزُوم وهُم أَخْوَالُهُ: أَرْضِ رَبَّكَ وَافْدِ ابْنَكَ فَجَاءَ بِعَشْرٍ مِن الإِبِل فَخَرَجَتِ القُرْعَةُ عَلَى ابْنِهِ فَلَمْ يَزَل يُزِيدُ عَلَى الإِبِلِ عَشْرًا عَشْرًا كُلُّ ذَلِك يَخْرُجُ عَلَى عبد الله إلى أَنْ بَلَغَ بِهَا مِائَةَ فَخَرَجَتِ القُرْعَةُ عَلَى الإِبِل فَنَحَرَهَا بِمَكَّةَ في رُؤُوسِ الجِبَالِ فَسُمِّيَ مُطْعِمُ الطَّيْرِ وجَرَتِ السُنَّةُ في الدِّيَّةِ بِمِائَةٍ مِن الإِبِل.
وأَمَّا الإِفَاضَةُ فَقَد اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فأخبرني محمد بن نافع حدثنا الخزاعي حدثنا الأَزْرَقِيُ قَال قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق كانت الإفاضة إلى
__________
1 ذكره الأزرقي في أخبار مكة في كلام طويل "1/105, 107".
2 ط: "جزرا".
3 اللسان والتاج "سنت" وعزى لعبد الله بن الزبعري.
4 س: "تعيبه".

(2/26)


صُوفَةَ وَصُوفَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الأَخْزَمُ1 بْنُ الْعَاصِ وَكَانَ لَهُ ابنٌ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَة يَخْدِمُهَا فَجَعَلَ إليِهِ حُبَشِيَّةُ بْنُ سَلُولٍ الخُزَاعِيُّ الإِفَاضَةَ وكَانَ يَوْمَئِذٍ يَلِيَ أَمْر مَكَّة فَكَانَتِ الإِجَازَةُ فِي وَلَدِ صُوفَةَ حَتَّى انْقَرَضُوا ثُمَّ صَارَت الإِفَاضَةُ فِي عَدْوَانٍ يَتَوَارَثُونَهَا حَتَّى كَانَ الَّذي قَامَ عَلَيْهِ الإِسْلامُ أَبُو سَيَّارَة العدواني وكان يدفع الناس عَلى أَتَانٍ عَوْرَاء رسَنُها لِيفٌ وهِيَ الَّتي يُضْرَبُ بِهَا المَثَلُ فَيُقَالُ: "أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أَبِي سَيَّارَةَ"2 حَجَّ المُسْلِمُون والمُشْرِكُون عامَئِذٍ فَكَانَ المُسْلِمُون فِي نَاحِيَةٍ يَدْفَعُ بِهِم عَتَّابُ بْنُ أُسَيْد لأَنَّهُ أَمِيرُ البَلَد وكَانَ المُشْرِكُون يَدْفَعُ بِهِم أَبُو سَيَّارَة فَلَمَّا كَانَت سَنَةُ تِسْعٍ أَرْسَلَ رَسُول اللَّه عليه أَبَا بَكْر واسْتَعْمَلَهُ عَلى الحَجِّ وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فَبَعَثَ بِها عَلِيًّا فَخَطَبَ ونَبَذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ وقَالَ: "لا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ ومُشْرِكٌ عَلى هَذَا الْمَوْقِفِ"3.
وقَالَ غَيْرُهُ كَانَت الإِفَاضَةُ فِي تَمِيمٍ فِي بَنِي صَفْوَانَ بْنِ شِجْنَةَ4 بْنِ عُطَارِدَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَقَالَ أَوَسُ بْنُ مَغْرَاءَ يَذْكُرُ ذَلِك:
وَلا يَرِيمُونَ فِي التَّعْرِيفِ مَوْضِعَهُم ... حَتَّى يُقَالَ أَفِيضُوا آَلَ صَفْوَانَا
مَجْدًا بَنَاهُ لَنَا قِدْمًا أَوَائِلُنَا ... وأَوْرَثُوهُ طَوَالَ الدَّهْرِ أُخْرَانَا5
قَالَ: ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُم إِلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عِنْدَ مَوْتِ آخِرِ مَن بقي من بني صفوان
__________
1 ش: "الأخذم" ط: "الأخذم" والمثبت من د, ح.
2 المثل في اللسان "سير" وجمهرة الأمثال "1/588" والدرة الفاحرة "1/271" ومجمع الأمثال "1/410" والمستقصى "1/205".
3 ذكره الأزرقي في أخبار مكة "1/186" بتقديم وتأخير.
4 س: "شجنة" بفتح الشين والمثبت من د والقاموس "شجن".
5 البيت الأول في الجمهرة "3/83" برواية:
ولا يريمون في التعرف موقفهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا

(2/27)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي غَيْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا قَبْل كَانَ قُصَيٌّ قَدْ حَازَهَا فِيمَا حَازَ مِنْ مَكَارِمِهِ ومِنْ ثَمَّ نَالَهَا هَاشِمٌ.
فَأَمَّا النَّدْوَةُ والسِّقَايَةُ والحِجَابَةُ فإِنَّ قُصَيًّا جَعَلَهَا فِي وَلَدِهِ.
قَالَ الزُّبَيْرُ* بْنُ بَكَّارٍ: قَسَم قُصيٌّ مكارمَه بين ولده فأعطى عبْدَ مناف السِّقايةَ والنَّدْوةَ وأعطى عبد الدار الحجابةَ واللِّواءَ وأعطى عَبْدَ العُزَّى الرِّفادةَ وأعطى عبْدَ بْن قُصَيٍّ جَلْهَةَ الْوَادِي قَالَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ اصطلحتْ قُريش عَلَى أن وَلِي هاشم بْن عَبْد مناف السّقايةَ والرِّفادةَ وأُقِرَّت الحِجابةُ في بني عَبْدِ الدَّارِ وَقَرَّرَهَا الإِسْلامُ لَهُمْ أعطى رسول الله عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ مِفْتَاحُ الْبَيْتِ وقال: " خذوها يا بني عبد الدار خَالِدَةً تَالِدَةً لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمُ إِلا ظَالِمٌ" 1.
وقَوْلُهُ دَرْءُ السَّيْلِ أي هُجُومهُ وإقباله وفيه لُغَتَان ضَمُّ الدَّال وفَتْحُها قال الفَرَّاءُ يُقَالُ: سَالَ الوَادي دَرْءًا ودَرْءًا إذا سَالَ مِن مَطَر غَيْر أَرْضِهِ وسَالَ الوَادِي ظُهْرا وظُهْرا إذا سَالَ مِن مَطَرِ أَرْضِهِ.
وقَالَ غَيْرُهُ يُقَالُ: دَرَأَنَا السَّيْلُ أي جاء فجاءة.
وقَوْلهُ يَهِيضُه مَعْنَاهُ يَرُدُّهُ ويَغْلِبُه وأَصْلُ الهَيْضِ الكَسْرُ وأَكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ في كَسْرِ العَظْمِ الَّذِي جُبِرَ ثُمَّ [11] انْكَسَرَ ثَانِيَا / فَيُقَالُ: عَظْمٌ مَهِيضٌ وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ ذَلِك عَلى التَّمْثِيِلِ بِهِ.
وقوله يصدعه أي يشقه.
__________
* سقط من نسخة د من هنا ثلاث صفحات من حجم الفلوسكاب.
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/111" وذكره السيوطي في الدر المنثور "2/175" وعزاه للطبراني وكلاهما بلفظ: "يا أبي طاحة" بدل "يا بني عبد الدار".

(2/28)


وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "لَقَدْ وَقَعْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ مِنَ الأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ" فَقَالَ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلا وَفَوْقَهَا طَامَّةٌ"1.
فالطَامَّة الدَّاهِيَة العَظِيمَة وأَصْلُهَا مِن قَوْلِك طَمَّ المَاءُ إذا عَظُمَ وارْتَفَعَ.
ومِن هَذَا قَوْلُهُم جَاءَ فُلانُ بِالطِّمّ والرِّمّ فَالطِّمّ المَاءُ الكَثيِر والرِّمُ مَا يحمله المَاءُ مِن قُمَاشٍ وغُثَاءٍ وَنَحْوِهُ.
ويُقَالُ: بَلِ الرَّمِ العِظَامُ البَاليةُ ويُقَالُ: جَاءَ بالطِّمّ والرِّمّ بِكَسْرِ الطَّاء فإذا أُفْرِدَت الطِّمّ ولَمْ تذكر بعد الرِّمّ فُتِحَت الطَّاءُ فَقُلْتُ جَاءَ بالطِّمِّ يَا هَذَا.
وَالطِّمْطَامُ مُعْظَمُ مَاءِ الْبَحْرِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ وَلَوْلا مكاني لكان في الطمطام".
__________
1 في دلائل البيهقي "2/165" أن عليا رضي الله عنه قال: هذا لأبي بكر فقال أبو بكر: "أجل أبا حسن ما من طامة".

(2/29)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَا فِي مَرَضِهِ بِدَوَاةٍ وَمِزْبَرٍ فَكَتَبَ اسْمَ الْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ1.
ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ فِي إِسْنَادٍ لَهُ.
المِزْبَرُ القَلَمُ ويُقَالُ: زَبَرْتُ الكِتَابَ أَزْبِرُهُ وأَزْبُرُهُ وذَبَرْتُهُ أَذْبِرُهُ وأَذْبُرُه.
وسُمِّيَ الكِتَابُ زَبُورًا عَلَى أَنَّهُ مَزْبُورٌ كَقَوْلِهِم حَلُوبٌ بِمَعْنَى مَحْلُوبٌ ورَكُوبٌ بمعنى مركوب.
__________
1 الفائق "زبر" "2/103" والنهاية "2/293".

(2/29)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَهْدَى لَنَا أَبُو بَكْرٍ رِجْلَ شَاةٍ مَشْوِيَّةٍ فَقَسَمْتُهَا إِلا كتفها1.
[12] حدثناه الْخُلْدِيُّ / قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ الْكِسَائِيُّ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ.
قَوْلُها رِجْلُ شَاةٍ تُرِيدُ رِجْلَها بِمَا يَلِيَهَا مِنْ شِقِّها طُولا ولَوْلا ذَلِك لم يَكُنْ فِيها كَتِفْ وقَدْ يَجُوز أن تكون أرادت شَاةً وَافِيَةَ الأَعْضَاء كُنِيَ عَنْهَا بالرِّجْلِ كَمَا يُكَنَّى عَنْهَا بالرأس.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "1/405" عن عائشة وعن حميد بن هلال عن عائشة بمعناه بدون قولها: "فقسمتها إلا كتفها".

(2/30)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ: مِنَّا الأُمَرَاءُ وَمِنْكُمُ الْوُزَرَاءُ وَالأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كَقَدِّ الأُبْلِمَةِ فَقَالَ حُبَابُ1 بْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّا وَاللَّهِ لا نَنْفَسُ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ هَذَا الأَمْرُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَلِينَا بَعْدَكُمْ قَوْمٌ قَتَلْنَا آباءهم وأبناءهم2.
__________
1في الإصابة "1/302" الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي ثم السلمي شهد بدرا وكان يكنى أبا عمر.
2 لم أجده من حديث القاسم وقد أخرجه البخاري من جديث عائشة في فضائل أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "5/8" في حديث طويل بدون: "والأمر بيننا وبينكم ... الخ.
وانظره في الفائق "قدد" "3/166" بلفظ.

(2/30)


أَخْبَرْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا بُنْدَارُ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
الأَبْلُمَةُ: خَوْصَةُ1 المُقل وفِيها ثَلاثُ لُغَات أُبْلُمة وأَبْلَمة وإِبْلِمَة2.
يَقُولُ: نَحْنُ وإيِّاكُم سَوَاءٌ في الحُكْمِ لا فَضْلَ لأَمِيرٍ عَلى مَأْمُور كَالخُوصَة إذا شُقَّت طُولا باثْنَينِ تَسَاوى شِقَّاهُما فَلَم يَكُن لأَحَدِهِمَا فَضْلٌ عَلى الآَخَر والعَرَبُ تَقُول الأَمْرُ بَيْنَنَا شَقُّ الأَبْلَمَة وهَذَا وذَاك سَوَاء والقَدُّ القَطْعُ والشَّقُ مَعًا.
وقَوْلُهُ: لا نَنْفَسُ أن يَكُونَ هَذَا الأَمْر فَيكُم أَيْ لا نَحْسِدُكُم عليه ولا نُزَاحِمُكُم عَلى الدُّخول فيه ومِنْهُ المُنَافَسَة في الشَّيء وأَصْلُهَا شِدَّةُ الرَّغْبَة ومِنْهُ قَوْل اللَّه تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} 3 وأنشدني أبو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب:
فَمَا هِبرِزِيٌّ مِن دَنَانِيرِ أَيْلَةٍ ... بِأَيْدِي الوُشَاةِ نَاصِعٌ يَتَأَكَّلُ
بِأَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَ أُصْبِحَ غَادِيًا ... ونَفَّسَنِي فِيِه الحِمَامُ المُعَجَّلُ4
يُرِيدُ رَغَّبَنِي فِيِهِ. والوُشَاةُ جَمْعُ الوَاشِي وهُوَ ضَرَّابُ الدَّنَانِيرُ وسُمِّيَ وَاشِيا لِمَا يَنْقُشُه فِيهَا مِن اسْمِ اللَّه تَعَالى فَكَأَنَّهُ وَشَاهُ بِهِ وَشْيا وَسُمِّيَ النَّمَّام وَاشِيا لتَحْسِينَهُ القَوْلَ إذا بَلَّغَهُ وتزويره إياه.
__________
1 ط: س: "خوص المقل".
2 في القاموس "بلم" الأبلمة "مثلثة الهمزة واللام".
3 سورة المطففين: "26".
4 في التاج "هبرز" والبيتان لأحيحة بن الجلاح يرثي ابنا له وهما في اللسان "هبرز نفس". دون عزو.

(2/31)


وفي هذه القِصَّة مِن غَيْرِ هذا الوجه أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِي اللَّهُ عَنْه أَتَى الأَنْصَارَ فَإِذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَلَى سَرِيرِهِ وَإِذَا عِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمُ الْحُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ فقال:
أنا الذي لايصطلى بِنَارِهِ ... وَلا يَنَامُ النَّاسُ مِن سُعَارِهِ
نَحْنُ أَهْلُ الْحَلْقةِ وَالْحُصُونُ فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا1.
حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن محمد حدثنا ابن الجنيد حدثنا محمد بن قدامة المروزي أنبأنا النضر بن شميل أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ2.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ يُقَالُ: فلان لا يصطلى بناره إذا كان لا يُتَعرَّضُ لحدِّهِ3 والسُّعَارُ حَرُّ النَّارُ والسَّعِيُر النَّارُ نَفْسَها والسَّاعُور التَنُّورُ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَة السُّعَار والسُّعْرُ كالجُنُون. قَال والعَرَبُ تَقُولُ نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ إذا كانت كَأَنَّهَا مَجْنُونَةٌ مِنْ نشاطها واحتج بقول الشاعر:
تَخَالُ بِهَا سُعْرًا إذا العيس هَزَّهَا ... ذَمِيلٌ وتَوْضيعٌ مَن السَّيِرِ مُتْعَبُ
والحَلْقَةُ السِّلاحُ وأَدَاةُ الحَرْب وأكثر ما يُقال ذَلِكَ في الدروع.
__________
1 الفائق "قدد" "3/166" والنهاية "سعر" "2/367" والرجز في الفائق.
2 ساقطة من س, ط.
3الوسيط "صلى" فلان لا يصطلي بناره إذا كان شجاعا لا يطاق.

(2/32)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يلقب بعتيق.
أخبرنا ابن الأعرابي حدثنا عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَال: كَانَ وَجْهُهُ جَمِيلا فَسُمِّيَ عَتِيقًا1.
وأخبرنا أَبُو عُمَر حدثنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ العرب تقول للشيء قد بلغ النِّهَايةَ في الجَوْدَةِ عَتِيقٌ ويُقَالُ: عَتَق الفَرَسُ إذا سَبَق وقَدْ رَوَيْنَا فِيِهِ وَجْهًا آخر.
أخبرنا ابن الأعرابي حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بن عبد الله الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ فقال رسول الله: "أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ" فَسُمِّيَ عَتِيقًا 2.
ويُقَالُ إنَّ تِلادَ اسْمُهُ عَتيِق رَوَي عَنْ عَائِشَة أَنَّها قَالَتْ كان لأبي قُحَافَةَ ثَلاثَةٌ مِن الوَلَد فَسمَّاهُم عَتِيقا ومُعَتِّقا ومُعَيْتِقا3.
حَدَّثَنِيِهِ الحَسَنُ بْنُ عبد الرحيم حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابْنُ لُهَيْعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَة عَنِ اسْمِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فقالت عبد الله فَقُلْتُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَتِيقٌ فَذَكَرَتْ ذلك
__________
1 ذكره ابن معين في تاريخه "3/20" ورقم النص "85" وذكره الحافظ في الإصابة "2/342".
2 في هامش س: "إنه عتيق الله من النار" وأخرجه ابن حبان في صحيحه انظر موارد الظمآن "532" وذكره الهيثمي في مجمعه "9/40" وعزاه للبزار والطبراني.
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/41" بلفظ "فسمي واحدا عتيقا ومعيتقا ومعتقا وعزاه للطبراني وأخرجه بنحوه الطيري في تاريخه "4/50" بلفظ "عتيق, ومعتق, وعتيق," وانظر تاريخ الخلفاء "28".

(2/34)


[13] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مَعَ رَسُولِ الله إِلَى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ رَجُلٌ بِكِرَاعِ الْغَمِيمِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَاغٍ وَهَادٍ وَكَانَ يَرْكَبُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(2/32)


فَيَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ عَلَى صَدْرِ الرَّاحِلَةِ حَتَّى تُعَرِّبَ عَنَّا مَنْ لَقِيَنَا فَيَقُولُ: أَكُونُ وَرَاءَكَ وَأُعْرِبُ عَنْكَ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بن عطاء عن أَبِي مَرَوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قال أَبُو سُلَيْمَانَ وَقَوْلُهُ أُعْرِبُ عَنْكَ قَالَ الفَرَّاءُ عَرَّبْتُ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا تَكَّلَمْت عَنْهُ واحْتَجَجْتَ لَهُ.
وقَوْلهُ بَاغٍ وهَادٍ يُعَرِّضُ بِبُغَاء الإِبِل وبِهداية الطَّرِيق وهو يريد أَنَّهُ يَبْغِي الخَيْر ويَطْلُبُ الدِّينَ2 وأَنَّ صَاحِبَهُ يهْدِي مِنَ الضَّلالة يقالُ: بَغَى الرَّجُل ضَالَّتَهُ يبغي بُغَاءً مَضْمُومَةُ البَاء ورَجُلٍ بَاغٍ وقَوْمٍ بُغَاةٌ وبُغْيَانٌ.
ومِنْهُ حَدِيث سُرَاقَةَ بنِ مَالِك بن جَعْشَم في قِصَّةِ خُرُوج رسول الله إلى المدينة وطَلَب المُشْرِكِين إيَّاهُ قال سراقة: فبينا أنبأنا جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِل أَرَاهُ مُحَمَّدا وأَصْحَابه.
قَالَ فقلت: إنهم لَيْسُوا بِهِم ولكن رأيتَ فلانا وفلانا وفُلانا انْطَلَقوا بُغْيَانا3 ومثله رَاعٍ ورُعَاةٍ ورُعْيَان وقَالَ نُصَيْبٌ:
ومَا أَنْشَدَ الرُّعْيَانُ إلا تَعِلَّةً ... بِواضحة الأنياب طيبة النشر4
__________
1 الفائق "كرى" "3/256" والنهاية "بغى" "1/143".
2 د: "وطلب أيدين".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/6" بلفظ "انطلقوا بغاة" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "3/185" وكذلك في السيرة النبوية "2/247" إلا أنه قال: "انطلقوا بأعيننا" بدل "بغيانا" وفي الفائق "أنف" "1/64" الأسودة جمع سواد وهو الشخص.
4 شعر نصيب "93".

(2/33)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَلِيتُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ مَذْهَبُ هَذَا الكَلام وطَرِيقُه مَذْهَبُ التَّوَاضُع وتَرْك الاعْتِدَاد بالوِلاية والتَّبَاعُد مِنَ كِبْرِيَاء السَّلْطَنَة ولَمْ يَزَل مِنْ شِيَمِ الإبْرَار ومَذَاهِب الصَّالِحِينَ والأَخْيَار أَنْ يَهْتَضِمُوا أَنْفُسَهُم وأَنْ يَسُوغُوا مِنَ حُقُوقِهم.
وَقَدْ كَانَ لَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حِينَ يَقُولُ: "لَيْسَ لأَحَدٍ أن يقول: أنبأنا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" 2 وهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيّدُ وَلَدِ آدَم أَحمرِهم وأَسْودِهم.
وأخبرناه ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: بَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ / ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ هَذَا ثُمَّ قَالَ: "بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرَهُمْ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ يَهْضِمُ نَفْسَهُ"3. [14]
ومما يُشْبِهُ ذَلِك من كلامه قولَهُ حِينَ خَطَب.
أَخْبَرْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِي اللَّهُ عَنْه خَطَبَ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُعْصَمُ بِالْوَحْيِ وَكَانَ مَعَهُ مَلَكٌ وَإِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِيَنِي فإذا غضبت فاجتنبوني لا أوثر فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ أَلا فَرَاعُونِي فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زِغْتُ فقوموني4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/336" والطبري في تاريخه "3/203".
2 أخرجه البخاري في مواضع منها "6/52" ومسلم في "4/1846" وغيرهما.
3 ذكره الطبري في الرياض النضرة عن الحسن "1/176".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/336" برواية: "ولا أبشاركم".

(2/35)


وَقَدْ يَعِيبُهُ بِهَذَا وَبِمَا يُشَبِّهُهُ مِنْ كَلامِهِ قَوْمٌ لا رَوِيَّةَ لَهُمْ وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ سَلِيمٌ من العيب إذا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ الله مَعْصُومًا وَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا مِنْكُمْ مَنْ أَحَدٍ إِلا زَلَّهُ شَيْطَانٌ قَالُوا وَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَلِيَ إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيِهِ فَأَسْلَمَ" 1.
وَكَانَ أبو بَكْر رضي الله عَنْهُ يُوصَفُ بِبَعْضِ الْحِدَّةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ بَرِيًّا تَقِيًّا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَادَى مِنْهُ غَرْبٌ2 أَيْ حِدَّةٌ.
وَقَوْلُهُ يُصَادَى قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَعْنَاهُ يُمَارَسُ وأنشدني أبو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أَبُو الْعَبَّاس عَنْ أَبِي نَصْر عَنِ الأَصْمَعيّ لجابر بن مُؤْتَلِقٍ يُعَاتِبُ أخاه:
أَبيتُ أَكُفُّ نَفْسِي عَنْكَ كَفَّا ... وتُغْشِينِي أَذَاكَ عَلى وِسَادِي
فَلَنْ تَلْقَى أَخًا إِنْ مِتُّ مِثْلِي ... يُصَادِي الحَرْبَ عَنْكَ كَمَا أُصَادِي
قَال وَقَال الأَصْمَعِيُّ: يقول: الرَّجُلُ لَنِاقَتِهِ إذا مُخِضَتْ بِتُّ أُصَادِيها وذَاكَ أَنَّهُ يَكْرَهُ أن يَعْقِلها فَيُعْنِتُها أو يَدَعَها فَتَفَرُقَ فيأكلَها الذِّئب فَيَبِيتُ يُصَادِيها والرَّجُلُ يُصَادِي وَلَدَهُ وأَخَاهُ أَنْ يَقَعَ في حَرْبٍ أَوْ خُصُومَةٍ أو أَمْرٍ يكرهُه فيُمَارِسُهُ ويُدَاريِهِ فيَتَرَضَّاهُ قَالَ أَبُو عُمَر وأَنْشَدَني أبو العبّاس عن ابن الأعرابي لمُزَرِّدٍ:
ظَلِلْنَا نُصَادِي أُمِّنَا عَنْ حَميتها ... كَأَهْلِ الشَّمُوسِ كُلُّهُم يَتَوَدَّدُ3
قَالَ: يريد نُدَارِيها ونَتَرَضَّاها ونُنَاشِدُها ونديرها عنه
__________
1 أخرجه مسلم في "4/2168" والنسائي في "7/72" وأحمد في مسنده "1/397, 401".
2 في الفائق "صدا" "2/289" وجاء فيه: "من رجل" بيان كقوله: {مِنَ الْأَوْثَانِ} في قوله سبحانه {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} .
3 الفائق "صدى" "2/289".

(2/36)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي يَرْوِيهِ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ فِي استِخْلافِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ فُلانًا دَخَلَ عَلَيْهِ فَنَالَ مِنْ عُمَرَ وَقَالَ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ فُلانًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ فَعَلْتُ ذَلِك لَجَعَلْتُ أَنْفَكَ فِي قَفَاكَ ولَمَّا أَخَذْتَ مِنْ أَهْلِكَ حَقًّا فِي كَلامٍ طَوِيلٍ يُقَرِّعُهُ بِهِ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله جَعَلْتَ أَنْفَكَ في قفاك يُتَأَوَّلُ على وَجْهَيْن أحدهما أن يُرِيدَ بذلك إعراضِهِ عَن الحقِّ وإقْبَالِهِ على البَاطِل لأَنَّ مَن أَعْرَض بِوَجهِهِ فَقَد أَقْبَلَ بِأَنْفِهِ إلى قَفَاه ولذلك قيل للمُنْهَزِم عَيْنَاهُ في قَفَاه وذَلِك أَنَّهُ يُكْثِر الالْتَفَاتَ إلى ما وراءه خَوْفًا من الطَّلَب قَالَ الشَّاعِرُ:
أُلْفِيَتَا عَيْنَاكَ عِنْدَ القَفَا ... أَوْلَى فَأَوْلى لَكَ ذا واقِيَه2
والوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّكَ تُقْبِلُ بِوَجْهِك عَلى مَنْ وَرَاءك من أَشْيَاعِك فَتُؤْثِرُهُم بِبِرِّكَ وتَخُصُّهُم بِهِ ويَدُل عَلى صِحَّةِ هَذَا المَعْنَى قَوْلُهُ وَلَمَّا أَخَذْتَ مِنْ أَهْلِكَ حَقَّا.
وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بن فراس حدثنا ابن سالم حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا / عبد الرزاق حدثنا [15] مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَلى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَشْتَكِي مِنْ مَرَضِهِ3 فَقَالَ لَهُ: أَتَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا عُمَرَ وَقَدْ عَتَا عَلَيْنَا وَلا سُلْطَانَ لَهُ فَلَوْ مَلَكَنَا كَانَ أَعْتَى وَأَعْتَى فَكَيْفَ تَقُولُ لِلَّهِ إِذَا لَقِيتَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُفَرِّقُنِي فَإِنِّي أَقُولُ لَهُ إذا لقيته
__________
1 النهاية "أنف" "1/76".
2 النوادر "62" وعزى لعمرو بن ملقط "جاهلي".
3 في ح, ط: "وهو يشتكي في مرضه".

(2/37)


اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ1 يُرِيَدُ خَيْرَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَهْلَ اللَّهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ وَكَمَا جَاءَ إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ وَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ.
وَشَبِيهٌ بِالْقِصَّةِ الأُولَى خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَقُلْتُ أَرَاكَ بَارِئًا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي عَلَى ذَلِكَ لَشَدِيدُ الْوَجَعِ وَلِمَا لَقِيتُ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ2 أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ وَجَعِي إِنِّي وَلَّيْتُ أُمُورَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ3 أَنْفُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الأَمْرُ دُونَهُ وَاللَّهِ لتَتَّخِذُنَّ نَضَائِدَ الدِّيبَاجِ وَسُتُورِ الْحَرِيرِ وَلَتَأْلَمُنَّ النَّوْمَ عَلَى الصُّوفِ الأَذْرِبِيِّ كَمَا يَأْلَمُ أَحَدُكُمُ النَّوْمَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ وَاللَّهِ لأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَتُضْرَبَ رَقَبَتُهُ فِي غَيْرِ حد لَهُ مِنْ أَنْ يَخُوضَ غَمَرَاتِ الدُّنْيِا يَا هَادِيَ الطَّرِيقِ جُرْتَ إِنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ أَوِ الْبَجْرِ4.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: قوله فَكُلُّكُم وَرِمَ أَنْفُهُ أي امتَلأَ مِن ذلك غَيْظَا قَالَ الشاعر:
ولا يُهَاجُ إذا ما أَنْفُهُ وَرِمَا5
أي لا يُكَلَّم عند الغَضَب ونَضَائِد الدَّيباج يَعْنِي بِهِ الوَسَائِد والفُرُشَ ونَحْوَهَا وذَلِك لأَنَّهَا تُنضدُ ويجعل بعضها فوق بعض واحدتها نَضِيدَة ويُقَالُ لمَتَاعُ البَيْت المرفوع بَعْضهُ فوق بَعْضٍ: النَّضَدُ قال النابغة
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده "ل 13 أ" وعبد الرزاق في مصنفه "5/449".
2 ساقط من د.
3 د: "فكلكم ورم أنفه" بتشديد الراء.
4 أخرجه الطبري في تاريحه "4/52" باختلاف يسير وانظر كذلك في كنز العمال "12/531, 533" وإنما هُوَ الفَجْرُ أو البَجْر" مَثَلٌ عند الميداني "1/68".
5 اللسان والتاج "ورم" ولم يعز.

(2/38)


خَلَّتْ سَبِيلَ أَتِيٍّ كَانَ يَحْبِسُهُ ... ورَفَّعَتْهُ إلى السِّجْفَيْنِ فَالنَّضَدِ1
والصُّوفُ الأَذْرُبِيّ مَنْسُوب إلى أَذْرَبِيجَان وكذلك تَقُولُ العَرَبُ تُسَكِّنُ الذَّالَ مِنْهَا قال الشاعر:
ذكرتها وَهْنًا وقَدْ حَالَ دُونها ... قُرَى أَذْرَبيجان المَسَالِحُ والجالُ2
وَقَوْلُهُ هُوَ الفَجْرُ أو البَجْر مَثَلٌ والبَجْر الدَّاهِيَةُ والأَمْرُ العَظِيم يُقَال: جِئْتَ يا هذا بِبَجْرٍ أَي بِأَمرٍ مُنْكَرٍ يقول: إن انتظرت حَتَّى يُضِيءَ لَكَ الفَجْرُ أَبْصَرْتَ الطَّرِيقَ وإن خبطتَ الظَّلمَاء أَفْضَت بِكَ إلى المكروه ويقال: بَجْرٌ وبُجْرٌ.
__________
1 الديوان "4" وشعراء النصرانية "4/659".
2 معجم البلدان "أذربيجان" وعزى للشماخ وفي اللسان والتاج "سلح" المسالح: مواضع المخافة والبيت في الديوان "456" برواية: "قرى أذربيجان المسالح والجالي".
ورواية: "والجال" بالرفع على البدل من قرى ويكون في البيت إقواء, لأن القافية مجرورة وفي الكامل للمبرد "1/8" "المسالح والجال: بالجر فيهما على الإضافة وقال المرصفي في رغبة الآمل "1/57" والجال: اسنم الجماعة الخيل والإبل وأضاف أذربيجان إليها إشعارا بأنها مملوءة بها.

(2/39)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ هُنَيدَةَ مَوْلَى أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ قَدْ طَلَعَ فِي طَرِيقٍ مُعْوِرَةٍ حَزْنَةٍ وَأَنَّ رَاحَلَتَهُ قَدْ أذمت به وأزحفت فَقَال: أَيْنَ أَهلَكَ يَا مَسْعُودُ فَقُلْتُ1 بِهَذِهِ الأَظْرُبِ السَّوَاقِطِ.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَني هاشِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَن أَبِيهِ عَنْ مَسْعُودِ بن هنيدة2.
__________
1 د: "فقلت: بهذه الأطرب السواقط".
2 لم أقف عليه في المغازي وقد أخرجه ابن سعد في طيقاته "4/311" عن مسعود بألفاظ أخرى وهو في النهاية "عور" "3/319".

(2/39)


قَالَ أَبُو سُلَيْمان قوله في طَرِيقٍ مُعْوِرَةٍ أَي ذات عَوْرة يُخَاف فيها الضَّلالُ والانْقِطاعُ.
يُقَالُ: أَعْوَر المَكَان فَهْوَ مُعْوِرٌ إذا خِيفَ فيه القَطْعَ والهَلاكَ وكُلُّ عَيْبٍ وخَلَل في شيء فَهُوَ عَوْرَة ومِنْهُ [16] قَوْلُ / اللهِ تَعَالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} 1 أي ليست بِحَرِيزَةٍ ولا حَصِينَة وقولُهُ قد أَذَمَّت مَعْنَاهُ كَلَّت وأعبت.
قَالَ بعضُ أَهْلِ اللُّغَة مَعْنَاهُ: أَنَّهَا صارت إلى حَالٍ تُذَمُّ عَلَيْهَا كَمَا يُقَالُ أَحمَد إذا جاء بما يُحمَد عليه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ويُحتَمَل أَنْ يَكُون المَعْنَى في ذلك انقِطَاع سَيْرِها مِن قَوْلِك بِئْرٌ ذَمَّةٌ وَقَدْ ذَمَّت البِئْرُ وأَذَمَّت إذا قَلَّ مَاؤُها وانْقَطَعَ وأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أبو العبّاس ثَعْلَب:
أُرَجّي نائلًا من سَيْب رَبٍّ ... لَهُ نُعْمَى وذَمَّتهُ سِجَال2
وقَوْلُهُ أُزْحِفَتْ أي قَامَت مِن الإِعْياء وأَصلُ الزَّحْف أَنْ يَجُرُّ البَعِيرُ فِرسِنَه من الإعياء.
يُقَالُ: زَحَفَ البَعِير وهو زَاحِفٌ وأَزْحَفَهُ السَّيْر فَهُوَ مُزْحَفٌ والأَظْرُبُ جَمعُ الظَّرِب وهُوَ ما دُونَ الجَبَل يُقَالُ في القَليل: أَظْرُبٌ وفي جَمْعِ الكَثِيرِ ظِرابٌ والسَّوَاقِطُ المُنْخَفِضَةُ منَها اللاطئة بالأرض.
__________
1 سورة الأحزاب: "13".
2 اللسان والتاج "ذمم" برواية: "نرجي نائلا" ولم يعز.
وفي "سجل" برواية: "والذمة: البئر القليلة الماء والسجل: الدلو الملأى والمعنى قليله كثير. سبق في الجزء الأول, لوحة "183".

(2/40)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مَعَ رسول الله مُهَاجِرًا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَبِلالا قَالَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقُلْتُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ فَقَالَ:
كُلُّ امرىء مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ1
فَقُلْتُ: إِنِّا لِلَّهِ إِنَّ أَبِي ليَهْذِي ثُمَّ قُلْتُ لِعَامِرٍ كَيْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... وَالْمَرْءُ يَأْتِي حَتْفُهُ مِنْ فَوقِهِ
كل امرىء مُجَاهِدٌ بِطَوقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي أَنْفَهُ بِرَوْقُهِ2
فَقُلْتُ وَهَذَا وَاللَّهِ مَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ثُمَّ قِيلَ لِبِلالٍ كَيْفَ أَصْبَحتَ فَقَالَ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحْولِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنَ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ3
قَالَتْ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ومدنا اللهم انقل
__________
1 اللسان والتاجى "صبح" والفائق "صبح" "2/283".
2 اللسان والتاج "طوق" وعزي فيهما لعمرو بن أمامة وقال: أراد بالطوق العنق, والبيتان في الفائق "صبح" "2/283" دون عزو.
3 د:"بواد" بدل "بفخ" وروي أيضا "بفخ" والمثبت من س, ح, ط, ومعجم ما استعحم "3/1014" وجاء فيه: فخ: موضع اغتسل لنبي صلى الله عليه وسلم قبل دخول مكة وبفخ مقابر المهاجرين كل من جاور بمكة منهم فمات يواري هناك.
والبيتان في الفائق "صبح" "2/283" دون عزو ومعجم البلدان "شامة" وغزيا لبلال بن حمامة وقد هاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتوى المدينة وانظر "معجم البلدان".

(2/41)


حُمَّاهَا إِلَى مَهْيَعَةَ" 1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ2 بن عبد الرحيم حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى القطعي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَوْلُه المَرءُ يَأتي حَتفُه من فوقِهِ قَالَ ابنُ الكَلِبيّ3 أوّلُ من قَال ذلك عَمْرُو بن مَامة في شِعْرٍ لَهُ وهُوَ قَوُلُهُ: إنَّ4 الجَبَانَ حَتْفُه من فَوقِهِ يريد إن حذره وجبته غير دافعٍ عَنْهُ المَنِيّة إذا حَلَّ بِهِ قَدَرُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ والطَّوقُ أَقْصَى الطَّاقَة.
وقَولُهُ كالثَّورِ يحمي أَنْفَهُ بَروْقهِ مَعْنَاهُ يَذُبّ عَنْ نَفْسِهِ بِقرْنِه والرَّوْقُ القَرْن وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَظَلَّ يعجم أَعلى الروق مُنْقَبِضًا ... في حالك اللَّوْنِ صِدْقٍ غَيْرِ ذِي أَوَدِ5
فَأَمَّا قَولهُم أَكَلَ6 فُلانٌ رَوْقَه فَمَعْنَاهُ طَالَ عُمْره حتَّى تحاتَّ أَسْنَانُهُ وهُوَ من الرَّوْق وهو طول الأَسْنان والنَّعت أَرْوَق وكُنَّى بالأنف عن
__________
1 أخرجه أحمد مع اختلاف بعض الألفاظ في مسنده "6/65, 222, 240, 260.
2 س: "الحسين بن عبد الرحيم".
3 من س, ح, ط.
4 د: "إن الجبان يأتي حتفه من فوقه".
5 الشطر الأول في اللسان والتاج "عجم" وجاء في التاج أي يعض على قرنه وهو يقاتله زيقال: عضه ليعلم صلابته من خوره, أو عجمه إذا لاكه للأكل أو للخبرة وكانوا يعجمون القدحبين الضرسين إذا كان معروفا بالفوز ليؤثروا فيه أثرا يعرفونه به, وعزي للنابغة وهو في ديوانه.
6 د: "أكل آل فلان روقه" والمثبت من باقي النسخ.

(2/42)


النَّفس كَقَوْلِهِم فُلانٌ حَمِيّ الأَنْفِ إذا كان مَنِيعًا لا يُرَامُ وقَالَ مالك بن خُرَيْم:
مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وصارِمًا ... وأَنْفًا حَمِيًّا تَجْتَنبْكَ المَظَالِمُ1
والجَليلُ الثُّمامُ ومَجنَّةٌ مَوْضِعُ سُوقٍ بِأَسْفَلِ مَكَّة على قَدْرِ بريدٍ مِنْهَا وشَامَةٌ وطَفِيلُ جَبَلان [17] مُشْرِفَانِ عَلى مَجَنَّة.
__________
1 الأمالي "2/122" وعزى لعمرو بن براقة الهمذاني وعزى في شرخ الحماسة للمرزوقي "حماسة "4334" لمالك بن خخريم. وفي التبريزي والقاموس "مادة حرم" ونوادر أبي زيد "96" "حريم" وقال ابن النحاس في السمط "2/748" قرأت على أبي إسحاق كتاب سيبويه في بيت أنشده له: "مالك بن حريم" بالخاء المضموم والراء المهملة المفتوحة.

(2/43)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَمْ تكوني جزتية وَإِنِّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ الْوَارِثِ1.
مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بن الصباح الزعفراني حدثنا شبابة أنبأنا لَيْثٌ عَنْ ابِن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ: جَادَّ عِشْرِينَ وسْقًا أَي نَخْلًا يُجَدُّ مِنْهُ ما يَبْلُغ عِشْرِين وَسْقًا والجَادُّ هاهُنا بمعنى المَجْدُود فَاعِل بمعنى مَفْعُول.
يُقَالُ: جَدَدتُ النَّخْلَ أَجدهُ جَدًّا وجِدَادًا إذا صرمتَهُ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: إذا صُرِمَ النَّخْلُ فَذَلِكَ القَطاعُ والجزَالُ والجَزازُ والجِزَارُ2 والجزامُ والجَدَادُ يُقَالُ في جميع ذلك بالفَتْحَ والكسر.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ "468" بلفظ: "فلو كنت جددته واحتزتيه كان لك ... " والبيهقي في سننه "6/170" وعبد الرزاق في مصنفه "9/101" بلفظ "لو كنت حزبيه كان لك" وابن سعد في الطبقات "3/194, 195" بلفظ "جدا د عشرين" بدل "حاد عشرين".
2 ليس في ط.

(2/43)


وأَصْلُ الجَدِّ القطعُ ويُقَالُ: إن الجديد من الثِّياب مأخوذ من قَطْعِ الحائِك إيَّاهُ عَن مِنْوَالِهِ وقَالَ الشَّاعِر:
أَبَي حُبيّ سُلَيْمَي أن يَبيدَا ... وأَمْسَى حَبْلُها خَلَقًا جديدا
أنشدني أبو عمر قَالَ أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عَن الفَرَّاء:
فَوَاللهِ لَوْلا البَيْنُ ما انْقَطَعَ الهَوَى ... ولَوْلا الهَوَى مَا حَنَّ للبَيْنِ آلِفُ2
وقد قرىء {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 3 ومعناهُ وَصْلَكُم.
وَأَخْبَرَنَا4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ حدثنا الصائغ حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عن عبيد الله بن عبد الله بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بِجَادٍّ مِائَةَ وَسْقٍ لِلأَشْعَرِيِّيِّنَ وَبِجَادٍّ مِائَةَ وَسْقٍ لِلشَّنْئيِّينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلشَّنْوِيِّينَ5.
قَالَ يَعْقُوب: هُمْ أَزْدُ6 شَنُوءَة على فَعُولة ولا يُقَال: شَنْوة والنِّسْبَةُ إليهَا
__________
1 اللسان والتاج "جدد" والكامل للمبرد "3/137" دون عزو وقال المبرد: أصبح خلقا مقطوعا لأن جديدا في معنى مجدود أي كما تقول: "فتيل ومقتول" و "جريح ومجروح".
2 اللسان والتاج "بين" برواية: "لعنرك لولا البين لا نقطع الهوى" وعزى فيهما لقيس بن ذريح.
3 سورة الأنعام: "94".
4 ط: "أخيرنا أبو عمر: محمد بن يحيى الشيباني.
5 ذكره السهلي في الروض الأنف "6/528" عن ابن إسحاك بسنده بلفظ...."أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق من خيبر وللداريين بجاد مائة وسق من خيبر وللسبئيين وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر".
6 ح, ط: "أسد شنوءة".

(2/44)


شنائِيّ1 ويُقَالُ: أَزْدُ شَنُوَّةَ بتشديد الوَاوِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ ويُنْسَبُ إليها الشَّنَوِيّ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنبأنا الصائغ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحارث عن محمد بن عبد الرحمن عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْبِطُوا الْخَيْلَ فَمَنْ رَبَطَ فَرَسًا فَلَهُ جَادُّ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَسْقًا" 2 وَيُقَالُ: إِنَّ هَذَا كَانَ فِي بَدْوِ أَمْرِ الإِسْلامِ وفي الخيل إذا ذَلِكَ قِلَّةٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ النُحْلَ لا تَصِحُّ مِلْكًا حَتَّى تُقْبَضَ.
__________
1 ط: "والنسبة إليها شتئي" في القاموس "شنأ" "شنائي: وفي هامشه: "شنئي".
2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/177".

(2/45)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كِتَابًا حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَإِذَا فِيهِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يعطه1.
حدثناه ابن داسة2 حدثنا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل حدثنا حَمَّادُ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بن عبد الله بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأَنَسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: قولَهُ فَرَضَها رسول اللَّه معناه قَدَّرَهَا وبين كميتها3
__________
1 أخرجه البخاري في "2/146" وأبو داود في "2/96" والنسائي في "5/18".
2 ساقط من ط.
3 ح: "كيفيتها".

(2/45)


وأَصْلُ الفَرْضِ القَطْعُ ومنه أُخِذَ فَرْضُ النَّفَقَات وهو بَيَانُ مقدارها وكَذَلك فَرْضُ المَهْر.
[18] / قَالَ اللهُ تَعَالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} 1 ومثلُهُ فَرضُ الجُنْد فهو ما يُقْطَعُ لَهُم2 من العَطَاء وإنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ على فَرْضِ التَّقْدِير دُونَ فَرْض الإيجابِ والإلزام لأن فرضَ الزَّكَاة قَد ثَبُتَ بالكِتَاب فَوَقَعَت بِهِ الكِفَايَة وإنَّمَا وَرَدَ عَن رسول الله فيها ما هو بَيَانٌ لَهَا وتَقْدِيرٌ لِكِمِّيتِهَا وذَلِك بَيِّنٌ في قَوْلِهِ هَذهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَة الَّتي فرضها رسول الله على المسلمين التي أمر بها نبيه فقد أَعْلَمَكَ أَنَّ الأَمْرَ بِهَا مِن اللهِ تَعَالى مُتَقدّم وإنَّمَا أَحْكَمَت السُّنَّةُ بَيَانَهَا وبَيَّنَت مِقْدَارَها.
وقولهُ من سُئِلَ فَوْقَهَا فلا يُعْطِهِ يُتَأَوَّلُ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أن لا يُعْطَى الزِّيَادةَ والآَخَر أَنْ لا يُعْطَى شَيْئا مِن الصَّدَقَة لأَنَّهُ إذا طَلَبَ مَا فَوْق الوَاجب كان خائنا وإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته.
__________
1 سورة البقرة: "236".
2 س: "فهو ما يقطع لهن.

(2/46)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ مَنَعَتْهُ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا مِمَّا أَدَّوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ كَمَا أُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلاةِ1.
فَسَّرَهُ أبو عبيد في كتابه2 فَقَالَ: العِقالُ صَدَقَةُ عَامٍ وأَنْشَدَ لِعمرو بن العداء الكلبي:
__________
1أخرجه البخاري في "9/115" ومسلم "1/51" وأبو داود في "2/93" والنسائي في "5/14" وغيرهم.
2 غريب أبي عبيد "3/209".

(2/46)


سَعَى عِقَالا فَلَم يَتْرُكْ لَنَا سَبدًا ... فَكَيْفَ لو قَدْ سَعَى عمر وعقالين1
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وقد خُولِفَ أَبُو عُبَيْد في هذا التَّفْسِير وذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاء في تَفْسِيِرِه إلى غَيْرِ وَجْهٍ وأَنَا أَحْكي أَقَاوِيلَهُم وأَعْزِي كُلًّا مِنْهَا إلى قائله بمشيئة اللَّه وعَوْنِه.
أَخْبَرَني أحمد بن الحُسَيْن التيمي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن إبراهيم بن سعيد العَبْديَّ يُنْكِرُ ما ذهب إليه أَبُو عُبَيْد في تَفْسِير هَذَا الحَدِيث ويَقُول: إنَّمَا يُضْرَبُ المَثَل في مِثْلِ هَذَا بالأَقَلِّ فَمَا فَوْقَهُ كَمَا يَقُول الرَّجُل للرَّجُل: إذا مَنَعَهُ الكَثِيرَ من المَال لا أُعْطِيكَ ولا دِرْهَمًا مِنْهُ ولَيْسَ بالسَّائِغَ أَنْ يَقُولَ: لا أُعْطِيكَ ولا مِائَةَ أَلْفٍ ونَحْوَهَا وكَانَ يَقُول: لَيْسَ بِسَائِر في لِسَانِهِم أَنَّ العِقَال صَدَقَةُ عَام والبَيْتُ الَّذي اسْتُشْهِدَ به ليس بالثبت الَّذي يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ: وفِيِهِ أَيْضًا أَنَّ العَرَب لَمْ تَقُل: إنَّا لا نَقْبَلُ2 الصَّدَقَةَ إلا عَامًا واحِدًا ولَمْ يَكُن مَنْعُهُمُ الصَّدَقَات إلا عَلى الأَبَد فَكَيْفَ يَكُون العِقَالُ الَّذي يَمْنَعُونَهُ صَدَقَة عَامٍ واحِد وهُم يَتَأَوَّلُونَ في تَرْكِها أَنَّهُم كانوا مأمورين بِأَدَائِها إلى رسول الله دون القائم بعده ويحتجُّون بقولِهِ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 3 الآية ويَزْعُمُون أَنَّ تَطْهِيرَ مَن بَعْدِهِ وتَزْكِيَتِهِ لَهُم لَيْسَ كَرَسُول الله ولذلك يقول قائلهم:
__________
1 البيت في اللسان والتاج "عقل" وجاء بعده:
لأصبج الحي أوبادا ولم يجدوا ... عند التفرق في الهيجا حمالين
والفائق "عقل" "3/14" وجاء في الشرح: "أراد مدة عقال فنصبه على الظرف".
2 هامش س: "لا نعطيك الصدقة" والمثبت من هامش د.
3 سورة التوبة: "103".

(2/47)


أطعنا رسول الله ما دام بَيْنَنَا ... فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مُلْكِ أَبِي بَكْرِ1
قَالَ: وسَمِعْتُ ابْنُ عَائشة يقول: العِقَال الحَبْلُ وذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَةَ كانت إذا هُبِطَ بِهَا إلى رَسُولِ اللَّه عَقِلَ بِكُلِّ عِقَالٍ بَعِيرَان.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: واسمُ الحَبْلَ الَّذي يَقْرَنُ2 بِهِ البَعِيرَان القَرَن مَفْتُوحَةُ الرَّاء ويُجْمَعُ عَلى الأَقْرَان والقَرَن أيضا البَعِير المقرون بآخر3 قَالَ الشاعر: [19]
وَلَو عِنْدَ غَسَّانُ السُّلَيْطِيّ عَرَّسَتْ ... رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ
وفيه قَوْلٌ آَخَر ذَهَبَ إِلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ العَرَبُ تَقُولُ: أَفرضَتْ إبلكم4 إذا وَجَبَتْ فِيهَا الفريضةُ وأَشنَقَتْ إبِلكم.
قَالَ: والشَنَقُ أن يكون في خَمْسٍ مِن الإِبِل شَاةٌ وفي عَشْرٍ شَاتَان إلى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وعِشْرِين فإذا وَجَبَتْ فيها ابنَةُ مَخَاضٍ فهي العِقَالُ.
وفِيهِ قَوْلٌ آَخَر يُحْكَى عَن بَعْضِ أَهْلِ العِلْم قَال: قَوْله لو مَنَعُونِي عِقَالا مَعْنَاهُ ما يُسَاوِي عقالا.
__________
1 تاريخ الطبري "3/223" برواية:
أَطْعنا رَسُولَ الله ما كَانَ بيننا ... فيال عباد الله ما لأبي بكر
وجاء بعده ثلاث أبيات وتقدم في الجزء الأول, لوحة "205".
2 س, ط: "يعفل به".
3 قال ابن بري في اللسان "قرن": وأنكر علي بن حمزة أن يكون القرن البعير المقرون بآخر, وقال: إنما القرن الحبل الذي يقرن به البعير. وأما قول الأعور: "رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ" فإنه على حذف مضاف مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} والبيت في اللسان والتاج "قرن" وعزى للأعور النبهاني يهجو جريرا ويمدح غسان السلطي وقبله:
أقول لها أمي سلطان بأرضها ... فبئس مناخ النازلين جرير
وقي "كوس" برواية: "رغا فرق منها".
4 س, ط: "أفرضت إبلك".

(2/48)


وفيه قَوْلٌ آَخَر قاله أَبُو سَعِيد الضَّرير قَالَ العِقَالُ: كُلّ مَا أُخِذَ مِن الأَصْنَافِ مِن الإِبِلِ والبقَرِ والغَنَم والثِّمَار الَّتي يُؤْخَذُ مِنْهَا العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ فَهَذَا كُلُّهُ عِقَالٌ في صَنْفِهِ وسُمِّيَ عِقَالا لأَنَّ المُؤَدِّي لَهُ قَدْ عَقَلَ عَنْهُ طَلِبَةُ السُّلْطَان وتَبِعَتَهُ وعَقَلَ عَنْهُ الإِثْم الَّذِي يطلبهُ اللهُ بِهِ إذا مَنَعَ الزَّكَاة قَالَ: ولذلك سُمِّيَت العَاقِلَةُ الَّتي تُؤَدِّي دِيَّةَ الخَطَأ لأَنَّهَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِك عَقَلَتْ عَنْ وَلِيّها تَبِعَة أَوْلِياءِ المَقْتُول.
وفيِهِ قَوْلٌ آخَر قَالَهُ أَبُو العَبَّاس مُحَمَّد بن يزيد بن عَبْد الأكبر قَالَ: إذا أَخَذَ المُصَدِّق مِن الصَّدَقَة مَا فِيهَا ولَمْ يَأْخُذْ ثَمَنَهَا قِيلَ أَخَذَ عِقَالًا وإذا أَخَذَ الثَّمَن قِيلَ أَخَذَ نَقْدًا وأَنْشَدَ لِبَعْضِهِم:
أَتَانَا أَبُو الخَطَّابِ يَضْرِبُ طَبْلَهُ ... فَرَدَّ ولَمْ يَأْخُذْ عِقَالًا وَلا نَقْدًا1
قَال أَبُو سليمان وفي أكثر الروايات أَنَّهُ قَالَ: والله لو مَنَعُونِي عَنَاقًا لقَاتَلْتُهُم2 وهُوَ مُشَاكِلُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ العَبْدِيُّ في مَعْنَى العِقَال.
وفي رِوَايةٍ أُخْرَى ذَكَرَها ابن الأعرابي محمد بن زياد والله لو مَنَعُونِي جِدْيًا أَذْوَطَ لَقَاتَلْتُهُم عَلَيْهِ.
قَالَ: والأَذَوْطُ الصَّغِيرُ الفك والذقن.
__________
1 الكامل للمبرد "1/392" دون عزو وكان الأمراء إذا خرجوا لأخذ الصدقة يضربون الطبول.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها في "2/131" وأبو داود "2/94" والنسائي في "6/5 و7/77" وأحمد في مسنده "1/19, 36, 48" وغيرهم.

(2/49)


حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(2/49)


أَصَابَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ فَمَا زَالَ يَحْرِي بَدَنُهُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ1.
ذَكَرَهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: يُرْوَى ذَلِك عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قوله يَحْرِي بَدَنُهُ أَي يَذُوب وينقُص قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: رَمَاهُ اللهُ بِأَفْعَى حَارِيَة وذَلِك أَنَّهَا إذَا طَالَ عُمْرُها نَقَصَ جِسْمُها وهي أَخْبَثُ مَا تَكُون ويُقَالُ: إنَّهُ ليحرِي كما يَحْرِي القَمَر إذا نَقُصَ شَيْئًا بعد شيء قَالَ الشاعر:
حَتَّى كَأَنِّي خَاتل قَنَصَا ... والمَرْءُ بَعْدَ تَمَامِهِ يَحْرِي2
ويُقَالُ: إنِّ أَبَا بَكْر مات وبه طَرَفٌ من السل.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/63" وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 81 بألفاظ متقاربة وانظر كنز العمال "12/538".
2 الفائق "حرى" دون عزو.

(2/50)


حديْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: "مَنْ كَانَ حَلِيفًا أَوْ عَرِيرًا فِي قَوْمٍ قَدْ عَقَلُوا عَنْهُ وَنَصَرُوهُ ... ".
...
حديْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: "مَنْ كَانَ حَلِيفًا أَوْ عَرِيرًا فِي قَوْمٍ قَدْ عَقَلُوا عَنْهُ وَنَصَرُوهُ فَمِيرَاثُهُ لَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ يُعْلَمُ"1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَرِيرًا أي نَزِيلا فِيهِم وخَلِيَطًا لَهُم لَيْسَ من أَنْفُسِهِم.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: عَرَّه واعْتَرَهُ إذَا أَتَاهُ وأَلَمَّ بِهِ وأنشد لابن أَحْمَر:
/ ثمّ تَعُرَّ المَاءَ فيمَنْ يَعُرّ2 [20]
ومِن هَذَا قَولُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} 3 فالقانع السائل والمُعَتَّرُ الَّذي يَغْشَاكَ ويتعرض لك ولا يفصح بحاجته قَال الشَّاعِرُ:
سَلي الطَّارِقَ المُعْتَرَّ يا أُمَّ مَالِكٍ ... إذا ما أَتَانِي بَيْنَ قِدْري ومَجْزَري
أَيُبْشِرُ وَجْهِي أَنَّهُ أَوَّلُ القِرَى ... وأَبْذُلُ معروفي له دون منكري4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/307" بلفط "عديدا في قوم" وهو تحريف, والحديث في الفائق "حلف" "1/309" بلفظ "عريرا".
2 في د: "أورد البيت كاملا:
ترعى الفطاة الخمس قفورها ... ثمّ تَعُرَّ المَاءَ فيمَنْ يَعُرّ
والبيت في اللسان والتاج "عرر" والمقاببيس "5/114" والديوان "67".
3 سورة الحج: "36".
4 البيتان في شرح الحماسة للمرزوقي "4: الحماسة: 680" برواية: "أيسفر وجهي" بدل "أيبشر وجهي" وهما لعروة بن الورد ديوان: "99".

(2/51)


ويُقَالُ أَيْضًا: عَرَاهُ واعْتَرَاهُ بِمَعْنَى عَرَّهُ واعْتَرَّهُ قال النَّابِغَةُ:
أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي ... عَلى خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونَ1
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن إبراهيم بن خزيمة أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا قتيبة أخبرنا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخَذَ الْكِتَابَ الَّذي كَتَبَهُ حَاطبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ جَاءَ حَاطِبٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ عَرِيرًا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ2 أَيْ نَزِيلا فِيهِمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا أَدْفَعُ بِهَا عَنْ أهلي ومالي3.
__________
1 الديوان "264" برواية "فحئتك" بدل "أتيتك" وشعراء النصرانية "4/640" وتهذيب اللغة "3/15".
2 أخرجه أحمد في مسنده "3/350" عن جابر برواية: "عزيزا بين أظهرهم" وذكره الهيثمي في مجمعه "9/303" برواية "عويرا" وكلاهما تحريف وتصحيف.
3 أخرجه البخاري في الجهاد "4/72" وفي المغازي "5/184" ومسلم في فضائل الصحابة "4/1941" وأبو داود في الجهاد "3/47" وأحمد في مسنده "1/79".

(2/52)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّ أَسْلَم مَوْلاهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِحَرَّةِ1 واقِم فَإِذَا نَارٌ تُؤَرَّثُ بصرار.
حدثناه ابن مالك أخبرنا الدغولي أخبرنا محمد بن حاتم المظفري أخبرنا مصعب أخبرنا أَبِي عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا صِرَارًا فَقَال عُمَر: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الضَّوْءِ وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ: يَا أَهْلَ النَّارِ. أَأَدْنُو فَقِيلَ ادْنُ بِخَيْرٍ أَوْ دَعْ قَالَ: وَإِذَا هُمْ رَكْبٌ قُدْ قَصَرَ بِهِمُ اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ وَالْجُوعُ وَإِذَا امْرَأةٌ وَصِبْيَانٌ فَنَكَصَ عُمَرُ على عقبيه وأدبر
__________
1 معجم ما استعحم "حرة واقم" "2/437" بالواو والقاف وواقم: أطم من آطام المدينة تنسب إليه الحرة.

(2/52)


يُهَرْوِل حَتَّى أَتَى دَارَ الدَّقِيقِ فاسْتَخْرَجَ عِدْلًا مِنْ دَقِيق وَجَعَلَ فِيِه كُبَّةً مِنْ شَحْمٍ ثُمَّ حَمَلَهُ حَتَّى أَتَاهُمْ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: ذُرِّي وَأَنَا أَحُرُّ لَكِ1.
قَوْلهُ تُؤَرِّثُ أي تُوقِدُ يُقَالُ: أَرَّثْتُ النَّارَ وحُشتُها وأَحْمَشتها وحَضَأْتُها إذا أوقدْتَها. قال عَدِي بن زَيْد:
رُبَّ نَارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا ... تَقْضَمُ الهِنْدِيُّ والغَارَا
عِنَدَها ظَبْيٌ يُؤَرِّثُها ... عاقِدٌ في الجيدِ تِقْصَارَا2
أراد بالهنْدِي العُودَ ولَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كان يُوقِدُهَا بالعُود وإنَّمَا أَوْقَدَهَا بالغَار وهو شَجَر وكان يَقْضُمُها العُودَ أَيْ يُلْقِي عَلَيْهَا قِطَعَ العُودِ.
والتِّقْصَارُ: بِكَسْرِ التَّاءِ قلادة.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين قالا: لم يأت من المصادر على تِفْعَال إلا حَرْفَان تِبْيَان وتِلْقَاء فإذا تَرَكْتَ هَذَيْنِ اسْتَوَى لَكَ القِيَاسَ في كَلام النَّاس فَقُلْتُ في كُلِّ مَصْدَر تَفْعال بِفَتْحِ التَّاء مِثْل تِسْيِار وتِهْمَام. وقُلْتُ في كُلِّ اسْمِ تِفْعَال بِكَسْرِهَا مِثَلَ تِقْصَار وتِمَثَال.
وقَوْلهُ أَحُرُّ لَكِ. أَي أَتَّخِذ لك حَرِيرَةً وهي حِسَاءٌ مِن دَقِيق ودَسَم فَأَمَّا الخَزِيرَةُ فَلَحْمٌ يُقَطَّعُ صِغَارًا ويُصَبُّ عَلَيه مَاءٌ كَثِير فإذا نَضِجَ ذُرَّ عليه الدقيق.
__________
1 أخرجه الطيري في تاريخه "5/20" بلفظ "وأنا أحرك لك" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/136" بلفظ "جراب شحم" بدل "كبة من شحم" وفي القاموس "كب" الكية: بعض الشحم.
2 د: "يا رب نار" والبيتان في شعراء النصرانية "2/474" برواية "عندها خل يثورها" والبيت الثاني في اللسان والتاج "قصر" برواية "ولها ظبي" والأول في "قضم" واستعار عدي القضم للنار.
والبيتان في الديوان "100" برواية "عاقد في الخصر زنارا".

(2/53)


وصِرَار بِئْرٌ قَدِيمَة وهي على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العِرَاق.

(2/54)


[21] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الظُّفْرِ إِذَا اعْرَنْجَمَ بِقَلُوصٍ1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرحمن بن الأسد أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أناابن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
قوله اعرنْجَم تَفْسيره في الحديث فَسَد ولَسْتُ أَعْرِف حَقِيَقَته وأراه احْرَنْجَم بالحَاء ومَعْنَاهُ تُقْبَض وتُجْمَع ويُقَال بل هُوَ أَنْ يَتَجَمَّعَ ويتراجَعَ إلى خَلْف.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُقَال: احْرَنْجَم واقْرَنْبَع بِمَعنى واحِد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/393" والقلوص: الناقة الشابة.

(2/54)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِ رَجُل ثُمَّ قَال: إذا قَبَّ ظَهْرَهُ فَرَدُّوه1.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُرِيدُ إذا جَفَّ وانْدَمَل آثَار الضَّرْب فَرَدُّوه.
يُقَال: قَبَّ يَقِبّ قُبُوبًا إذا يبس.
__________
1 الفائق "قبب" "3/154" والنهاية "قبب" "4/3".

(2/54)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودِ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ: مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ يلبس الشملة ويجتزىء بِالْعُلْقَةِ مَعَهُ قَوْمٌ صُدُورُهُمْ أَنَاجِيلُهُمْ قربانهم دماؤهم1.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "4/172" إلى هذا الحديث ولم يذكر بتمامه وانظر الفتوح لابن الأعثم "1/297" والحديث في الفائق "شمل"2/262".

(2/54)


يرويه الواقدي أخبرنا عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ.
العَلْقَةُ البُلْغةُ مِن القُوتِ قال الشَّاعِر:
وأَجْتَزِي من كَفَافِ القُوتِ بالعُلَقِ1
وقَوْلُهُ صُدُورُهم أَنَاجِيلُهُم يُرِيدُ أَنَّهُم يقرؤون كِتَابَ اللهِ ظَاهِرًا ويَجْمَعُونَهُ في صُدُورِهِم حِفْظًا وكَانَ أَهْلُ الكِتَاب إنَّمَا يَقْرَؤون كُتُبَهُم في المَصَاحِف ولا يَكَادُ الواحِدُ مِنْهُم يَسْتَوفيه حِفْظًا وإنَّمَا قَالُوا: القَوْل العَظِيمَ في عُزَيْر لأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ التَّوْرَاةَ حفظا وأملأها عليهم في ظَهْرِ قَلْبِه بَعْدَما كَانت قد دَرَسَت أَيَّام بُخْت نَصَّر فَعَظُمَ تَعَجُّبُهُم لِذَلك وفُتِنَ بِهِ من فُتِنَ مِنْهُم فَقَالَ: فيه الإِفْكَ والعَضِيهَة2.
قَوله قُربَانُهم دِمَاؤُهُم يُرِيدُ أَنَّهُم أَهْلُ الجِهَاد وأَصحَاب المَلاحِم والقِتَال وأَنَّهُم يَتَقَرَّبُون إلى رَبِّهِم بإراقَةِ دِمَائِهم والقُربان مَصدَرٌ كَالقُرْب يُقَالُ: قَرِبتُ الرَّجُل أُقَرِّبهُ قُرْبًا وقُرْبَانًا وكان الرَّجُل من أَهْلِ الكِتَاب إذا رَفَعَ إلى اللَّه حَاجَة قَدَّمَ أَمَامَها نَسِيكَة فَكَانَت تِلْكَ الذَّبِيحَة تُسَمَّى قُرْبَانًا إذ كان صَاحِبُها يَتَقَرَّبُ بِها إلى رَبِّهِ فَذَكَر أَنَّ مِن صِفَةِ هَذِه الأُمَّةِ أَنَّهُم إنَّمَا يَتَقَرَّبُون إلى اللَّه بمُهَج أَنْفُسِهِم وَهَذَا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "يَا كَعْبُ الصَّومُ جُنَّةٌ وَالصَّلاةُ قُرْبَانٌ" 3 أَيْ بِهَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَيُسْتَشْفَعُ في الحاجة لديه.
__________
1 الفائق "شمل" "2/262" دون عزو.
2 القاموس "عضه" العضيهة: الكذب.
3 أخرجه أحمد في مسنده "2/321, 399" وابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن "378" وأبو نعيم في الحلية "8/247" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/97".

(2/55)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ الْتَقَطَ شَبَكَةً عَلَى ظَهْرِ جَلالٍ بِقُلَّةِ الْحَزْنِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْقِنِي شَبَكَةً عَلَى ظَهْرِ جَلالٍ بِقُلَّةِ الْحَزْنِ فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَرَكْتُ عَلَيْهَا مِنَ الشَّارِبَةِ قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَا أَخَا تَمِيمٍ تَسْأَلُ خَيْرًا قَلِيلا قال عمر: مَا خَيْرٌ قَلِيلٌ قِرْبَتَانِ قِرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ وَقِرْبَةٌ مِنْ لَبَنٍ تُغَادِيَانِ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ مُضَرٍ لا بَلْ خَيْرٌ كَثِيرٌ قَدْ أَسْقَاكَهُ اللَّهُ1.
يَرْوِيهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
[22] الشَبَكَةُ واحِدةُ الشِّبَاك وهي آبَارٌ مُتَجَاوِرَة قَرِيبَةِ القَعْر / يُفْضِي بَعْضُها إلى بَعْض.
وقولُهُ الْتَقَط يُرِيدُ أَنَّهُ هَجَمَ عَليْهَا فُجَاءَةً. قَالَ الشاعر:
منهل وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا
...
لَمْ أَرَ إذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا
إلا القَطَا أوابدًا غَطَاطَا2
وجَلال: جَبَل, وقولهُ: أَسْقِنِيهَا بِقَطْعِ الأَلِف مَعنَاهُ اجْعَلْهَا لي سقيا تقطعنيها.
وقَوْلُ عُمَر قِرْبَةٌ من ماء وقِرْبَةٌ من لَبَن يُرِيدُ أَنَّ الإبل ترد الماء ترعى بقُرْبِهِ فَيَأْتِيهم المَاءُ واللَّبَن وقُلَّةُ الحزن موضع معروف.
__________
1 الفائق "لقط" "3/326" والنهاية "لقط" "4/264".
2 الرجز في اللسان والتاج "فرط", "لقط" برواية "لم ألق" بدل "لم أر" و"إلا الحمام الورق والغطاططا" وعزي لنقادة الأسدي.

(2/56)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ أُخْتَكَ وَزَوْجَهَا قَدْ صَبَأَ وَتَرَكَا دِينَكَ فَمَشِيَ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا1.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/267 – 268" والبيهقي في دلائل النبوة "2/6 – 7".

(2/56)


أَخَبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زيرك أخبرنا ابن المنادي أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله ذامِرًا مَعْنَاهُ مُتَهَدِّدًا لَهُمَا وأَصْلُ الذَمْرِ التَّحْرِيضُ على القتال والذِّمْر الرَّجُل الشُجَاع والجميع الأَذْمار ويقال: فُلانٌ حَامِي الذِّمَار وتَذَمَّرَ الرَّجُل إذا لام نَفْسَهُ على التَّقْصِير في الأَمر وتَذَامَرَ القَوْمُ إذا تلاوَمُوا.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِضَجْنَانَ1 أَوْ بِعَسْفَانِ2 لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ فَحَضَرَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ قَالَ: فَتَذَامَرَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: هَلا كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ3.
أي تَلاومُوا فِيمَا بَيْنَهُم واسْتَقْصَرُوا أَنْفُسَهُم على الغَفْلَة وتَرْك الفُرْصَة. وقد يَكُونُ مَعْنَاهُ تَحَاضُّوا على القِتَال.
يُقَالُ: ذَمَر الرَّجُل صَاحِبَهُ إذا حَضَّهُ عَلى القِتَال وقَالَ عَنْتَرَة:
لمَا رَأَيْتَ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُم ... يَتَذَامَرُونَ كررت غير مذمم4
__________
1 معجم ما استعجم "ضجنان" "3/856" بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده نون وألف: على وزن فعلان: جبل بناحية مكة على طريق المدينة.
2 معجم البلدان "عسفان" "6/173" منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة وقال السكري: عسفان: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة والجحفة على ثلاث مراحل.
3 أخرجه الطبري في تفسيره "5/2 57" بنحوه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وذكره الهيثمي في مجمعه "2/196" عن ابن عباس بنحوه بألفاظ متقاربة.
4 الديوان: "153".

(2/57)


حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ الأقرع قال: "حضرت طعامه ... ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ الأَقْرَعِ قال:

(2/57)


"حضرت طعامه فدعا غَلِيظٍ وَخُبْزٍ مُتَهَجِّسٍ"1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ.
حَدَّثَنِيهِ الْخُزَيْمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادٍ المُتَهَجِّس مِن الخُبْزِ الفَطير الَّذِي لم يَخْتَمِر عَجِينُه.
قَالَ أَبُو زيد: الهَجِيسَةُ الغَرِيض من اللَّبَن قَال: والخَامِطُ والسَّامِطُ مِثْلُه هذا الأَصْلُ في ذلك ثُمَّ اسْتُعِير واسْتُعْمِلَ في الخُبْزِ وغَيْرِه.
ورَوَاهُ بَعْضُهُم مُتَجَمِّس وهو غَلَطٌ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بن زياد الحارِثي: وكان عاملًا لعُمَر على البَحْرين حَضَرْتُ طَعَام عُمَر فَدَعا بخُبْزٍ يَابِس وأَكْسَارَ بعير فَقُلْتُ يا أميرَ المُؤْمِنِين إنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُون إلى صَلاحِك فَلَو عَمَدت لِطَعَامٍ أَلْيَنَ مِن هَذا فَزَجَرَني ثُمَّ قَال: كَيْفَ قُلتَ فَقُلْتُ يا أميرَ المُؤْمِنِين إنَّ تنظر إلى قُوتِكَ من الطَّحِين فيُخْبَزُ لَكَ قبل إرادتِكَ إيَّاهُ بِيَوم ويُطْبَخُ اللَّحْمَ كَذَلك فَتُؤْتَي بالخُبْزِ لَيِّنًا وباللَّحْمِ غَرِيضًا فَسَكن من غَرْبه وَقَالَ: أهاهنا غُرْتَ فَقُلْتُ نَعَم
فَقَال: يا ربيعُ إن اللَّه نَعَى على قَوْمٍ شَهَواتِهِم
فَقَالَ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} 2
[23] قوله: أَكْسَار جَمْعُ كَسْر وهو عَظْمٌ / يَنْفَصِلُ بِمَا عليهِ3 من اللَّحْمِ والغريض الطري.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/199" في قصة طويلة بهذا المعنى بألفاظ أخرى, عن أبي وائل وانظر الفائق "هجس" "4/94" والنهاية "هجس" "5/247" بلفظ "بلحم عبيط".
2 أخرجه ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/52" بنحوه بألفاظ متقاربة وهو في كنز العمال "12/624" بألفاظ أخرى والنهاية "عرض" "3/360" والآية في سورة الأحقاف: 20.
3 ط: "ينفصل عما غليه".

(2/58)


وقَوْلُهُ أَهَاهُنَا غُرْتَ يُرِيدُ إليه ذَهَبْتَ مِن قَوْلِك غَارَ الرَّجُل إذا أتى غورا وأنجد إذا أتي نَجْدًا. ويُقَالُ: لِلْرَجُل ذِي الصِّيت غَار ذِكْرُهُ في البِلاد وأنجد أي ذَهَبَ غَوْرًا ونَجْدًا.
وقَوْلَهُ نَعَى مَعْنَاهُ عَابَ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا محمد بن أيوب أخبرنا أبو الوليد الطيالسي أخبرنا مبارك بن فضالة أخبرنا الحسن أنبأنا حَفْصُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عِنْدَ عُمَرٍ فَكَانَ يَجِيئُنَا بِطَعَامٍ جَشِبٍ غَلِيظٍ وَكَانَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ: كُلُوا فَكُنَّا نُعَذِّرُ1.
يُقَالُ: طَعَامٌ جَشِبٌ إذا كَان غَيْرَ مَأْدُوم والتَّعْذِيرُ أَنْ يُقَصِّرُ الرَّجُل وهُوَ يَرَي صَاحِبُهُ أَنَّهُ مُجْتَهِد. يُقَالُ: عُذِرْتُ في الأَمْرِ إذا قَصَّرْتَ وأُعْذِرْتَ إذَا بَالَغْت قال حُمَيْد بن ثَوْر:
فمِثْلُكَ أَصْبى لو رَجَعْتَ إلى الصِّبا ... فؤادا تناهى بعد ما كَانَ أَعْذَرَا2
وَحَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عبيد الله العمري أخبرنا أبو أمية الطرسوسي أخبرنا عبيد الله بن موسى أنبأنا الْعَلاءُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا وُضِعَتِ الْمَائدَةُ فَلْيَأْكُلِ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِيهِ وَلا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ وَلْيُعَذَّرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ "3.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ مع قوم كان آخرهم أكلا4.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "1/347" إلى هذا الحديث ولم يذكره بطوله. وهو في كنز العمال "12/623" بطوله بدون الجملة الأخيرة.
2 لم أقف عليه في ديوان ط دار الكتب المصرية.
3 أخرجه ابن ماجة في الأطعمة "2/1089, 1097".
4 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/420" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبيه والخطيب في تاريخه "10: 239".

(2/59)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَأُتِيَ بِسَطِيحَتَيْنِ فِيهِمَا نَبِيذٌ فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا وَعَدَّى عَنِ الأُخْرَى1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قوله عَدَّى عَنِ الأُخْرَى أي تَرَكَها وصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا وذلك لشيءٍ رَابَهُ مَنْهَا يُقَالُ: عَدَّيْتُ عَن الأَمْر إذا انْصَرَفْتُ عَنْهُ وتَقُول للرَّجُل عَدِّ عَن هَذا الأَمْر وخُذ في غَيْرِه. كقول النابغة:
فَعَدَّ عَمَّا تَرَى إذ لا ارْتِجَاعَ لَهُ2
وَقَالَ آخر:
نُعَدى بِذِكْرِ اللَّه في ذَاتِ بَيْنَنَا ... إذَا كان قلبانا بنا يردان3
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/206" بلفظ "عدل" والحديث في الفائق "سطخ" "2/177" وجاء في الشرح: السطيحة من جلدين والمزادة هي التي تفأم بجلد ثالث بين الجلدين لتتيع.
2 الديوان "5" وعجزه: وانم القتود على عيرانة أجد" وشعراء النصرانية "4/659".
3 ح: "إذا كان قلبا نائيا بردان" وفي د "إذا كان قلبا ثابتا يردان" والمثبت من سو ط.

(2/60)


وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ جِلْدُ كَبْشٍ جَوْنِيٍّ وَزِمَامُهُ مِنْ خُلَبِ النخل1.
حدثناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ.
المُوقُ الخُفُّ ويُجْمَعُ عَلى الأَمْوَاق. قال النِّمْرُ بن تَوْلَب:
فَتَرَى النِّعَاجُ بِهِ تَمْشِي خَلْفَهُ ... مَشْيِ العَبَادِيّيْن في الأَمْوَاق2
ومن العَرَبِ من يُسَمَّى الخُفَافُ التَّسَاخِين.
قَالَ أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب ولا واحِدٌ لَهَا من لَفْظِها.
قَالَ المبرِّد: واحِدُها تِسْخَان.
وَقَالَ بعضم: التَّسَّاخِين كُلُّ ما يُسَّخنُ بِهِ القَدَمُ من خُفٍّ وجَوْرَب ونَحْوَ ذَلِك. والكَبْشُ الجَوْنِي هُوَ الأَسْوَد الَّذِي أُشْرِبَ حُمْرَةً إذا نَسَبُوا قالوا: جُونِي وإذا نَعَتُوا قَالُوا: جَوْنٌ وجَوْنَة ومِنْهُ قِيلَ للقَطَا جوني والخلب الليف.
__________
1 الفائق "جون" "1/245" والتهاية "جون" "1/318".
2 البيت في اللسان والتاج "موق" برواية "فترى النعاج تمشى خلفه" وفي الفائق "موق" "3/393" برواية "فترى النعاج تمشي خلفه" والديوان "80".

(2/61)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى قَوْمًا وَهُمْ يَرْمُونَ فَقَالَ: ارْتَمُوا فَإِنَّ الرَّمْيَ جَلادَةٌ وَانْتَسِئُوا / عَنِ الْبُيُوتِ لا تُطَمُّ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِي يَسْمَعُ كَلامَكُمْ فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا خلوا تكلموا1. [24]
__________
1 ذكره أبو منصور البغدادي في كتابه "الناسخ والمنسوخ" ص 31. وهو في كنز العمال "4/461" بلفظ "ارموا فإن الرمي عدة وجلادة" وعزاه لأبي يكر بن أبي شيبة وهو في الفائق "نسأ" "3/426".

(2/61)


حدثنيه محمد بن سعدويه أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّوَاسِيُّ عَنْ أَبِيهِ.
قَوْله انْتَسِئُوا مَعْنَاهُ تَأَخَّرُوا عَنِ البِيوت وتَزَحْزَحُوا عَنْهَا. مِن قولك نَسَأْتُ الشَّيء إذا أَخَّرْتَهُ ونسأ اللهُ في عُمْرِكَ1 ورواه أَكْثَرُ أصحابنا وانبسوا2 عَنِ البيوت وهُوَ خَطَأ لا وَجْهَ لَهُ هَاهُنَا والصَّوَاب انْتَسِئُوا عَلى وَزْنِ افْتَعِلوا مِن النِّسَاء كَذَلك رُوِيَ لنا عَن مُحَمَّد بن الأَزْهَر عَنْ قُتَيْبَة عَنْ حميد عن أبيه.
فيه وَجْهٌ آخرُ وهو أن يُقال: بَنِّسُوا عَن البيوت. قَالَ الأصمعي: بَنِّسُوا تَبْنِيسًا الباء قبل النُون أي تَأَخَّرُوا قال اللحياني: تَبَنَّسَ إذا قَعَد3.
وقَوْلُه لا تُطَمُّ امْرَأَةٌ مَعْنَاهُ لا تُرَاعُ ولا تُغْلَبُ بِكَلِمَة تَسْمَعُها من الرَّفَث أَلا تَرَاهُ يَقُولُ: فإنَّ القَوْم إذا خَلَوْا تَكَلَّمُوا يُرِيدُ أَرْفَثُوا في الكَلامِ الدَّائِر فيما بينهم والرَّمْيُ في الغَالِب إنَّمَا هُوَ للأحداث والشُّبَّان وأَصْلُ ذلك من قَوْلِهِم طَمَّ الأَمْر إذا عَظُم وطَمَّ المَاءُ إذا كَثُر وغَلَب.
وسَمِعْتُ رَجُلًا فَصِيحًا من أهل حَضْرَمَوْت يَقُول: إنَّمَا هُوَ لا تُطَمَّى امْرَأةٌ أي لا يُصْبَأُ بِها نَحْوَ الهَوَى. يُقَالُ: أَطْمَى فُلانٌ قَالَ وهذا في كَلامِهِم معروف.
__________
1 ح: "نسأ الله عمرك".
2 ط: "وانفسوأ".
3 من د.

(2/62)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِالْكَلامِ المذكور عنه يوم وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبُوِيعَ لأَبِي بَكْرٍ قَامَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قد

(2/62)


قلت لكم مقالة لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ وَلَكِنَّنِي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدَبِّرَنَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ.
قوله يَدْبُرَنا مَعْنَاهُ يَخْلُفنا بعد موتِنا ويَبْقَي خِلافَنَا.
أَخْبَرَني أَبُو عُمَر أَخْبَرَنِي أَبُو موسى عَنْ أبي العَبّاس ثعلب قَالَ: يقال: للرَّجُل إذا مَشَى خَلْفَ الرَّجُل هو يَخْلُفَه ويَذْنُبُه ويَدْبُرُه.
وقَالَ الأَصْمَعِيّ: يُقَالُ: دَبَر السَّهْمُ الهَدَف وهو يَدْبُرُهُ دبِرًا إذا صار من وراء الهدف وقع خَلْفَهُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَن قَرَأَ "واللَّيْلُ إذا دَبَرَ"2 أَرَادَ أَنَّهُ يَدْبُرُ النَّهَار فَيَكُونُ في آخِرِه وَمَن قَرَأَ {إذا أَدْبَر} أَرَادَ إذا وَلَّى. ودَابِرُ القَوم آخِرُهُم.
ومِنْهُ قَوُلُ اللهِ تَعَالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} 3 وَقَالَ الشاعر:
آلُ المُهَلَّبُ جَذَّ اللهُ دابِرُهُم ... أَضْحُوا رَمَادًا فلا أصل ولا طرف4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/437 – 438" والبخاري في الأحكام "9/100" وابن سعد في الطبقات "2/271" بمعناه والفائق "دبر" "1/409".
2 سورة المدثر: "33".
3 سزورة الأنعام: "45".
4 ط: "بنو المهلب" والبيت في الكامل للمبرد "3/135" وعزي لجرير وهو في ديوانه "308".

(2/63)


وَكَانَ كَلامُ عُمَرُ الَّذِي1 اسْتَقَالَ الْعَثْرَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا نُعِيَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ أَصَابَتْهُ حِيرَةً شَدِيدَةً وَتَصَعَّدَتْهُ كَآبَةٌ انْقَطَعَ مَعَهَا عَنْ تَأَمُّلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 2 الآية. فَأَنْكَرَ لِذَلِكَ مَوْتَهُ وَتَوَعَّدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لا يَمُوتُ حَتَّى يَتَقَدَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِ الآيَةَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فَمَا فَهِمْتُهَا حَتَّى الآنَ وَاسْتَيْقَنَ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا ما رواهُ لنا ابْنُ الأَعْرَابيّ حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي أخبرنا يعقوب بن محمد الزهري أخبرنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ [25] عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ كُنْتُ أَتَوَقَّلُ كَمَا تَتَوَقَّلُ الأَرْوِيَةُ / فَانْتَهيتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية3.
وقَوْلُهُ أَتَوَقَّلُ مَعْنَاهُ أَرْقَى في الجَبَل. يُقَالُ: وَعِلٌ وقِلٌ وَوَقُلٌ4 وَوَقَلٌ. وقد وَقَلَ الرَّجُل في الجَبَل وتَوَقَّل إذا ارْتَقَى فِيِهِ. قَال الأَعْشَى يَذْكُرُ رَجُلا ارتَقَى في جَبَلٍ يَشْتَارُ عَسَلا:
فَهَراق في طَرَفِ العَسِيبِ إلى ... مُتَوَقِّلٍ بنواطف صفر5
__________
1 ح: "لما استقال العثرة".
2 سورة آل عمران: "144".
3 ذكره السيوطي في الدر المنثور "2/80" بنحوه عن كليب بلفظ "فصعدت الجبل" والآية في سورة آل عمران: "144".
4 ساقط من س, وهي في القاموس "وقل".
5 لم أقف عليه في د يوانه ط بيروت النموذجية بالقاهرة.

(2/64)


والعَسِيبُ جَبَلٌ. يُرِيدُ أَنَّهُ مَدَّ إليه حَبْلا ويُقَالُ: تَقَذْقَذ1 الرَّجُل في الجَبَل وَزَنَأ فِيه إذا صَعِد. قال الشاعر:
وارْقَ إلى الخَيْرَاتِ زَنْأً في الجَبَل2
والأُرْوِية الأُنْثَى مِن الوُعُول. يُقَالُ: أُرْوِيَّةً وأَرَاوِي ما بَيْنَ الثَّلاث إلى العَشْر فإذا كَثُرَت فَهِي الأَرْوَى.
__________
1 ط: "تقزقز الرجل في الجبل" وفي القاموس "قذذ" تقذقذ في الجبل: صعد.
2 اللسان والتاج "زنأ" وهو ضمن رجز قاله قيس بن عاصم المنقري وأخذ صبيا من أمه منفوسة بنت زيد الفوارس والصبي هو حكيم ابنه والرجز:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل ... ولا تكونن كهلوف وكل
يصبح في مدجعه قد انجدل ... وارق إلى.........
وعمل: اسم رجل وهو خاله وسبق هذا الرجز في الجزء الأول لوحة "67".

(2/65)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي جُذَيْمَةَ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ1 بِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ طَوِيلٌ فِيهِ هَنَعٌ خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ قَالَ: ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ2.
يَرْوِيهِ عُبَيْدُ3 اللَّهِ بْنُ سعد الزهري أخبرنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ4 بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ بَلَّغَهُ ذَلِكَ.
الهَنَعُ والجَنَأُ بِمَعْنَى واحِد وهُوَ أَنْ يَكُون في الإنْسَان قَلِيلُ مَيْلٍ وانحِنَاء. ويُقَالُ: بل الهَنَعُ تَطَامن في العُنُقِ خَاصَّة قال الراعي:
__________
1 ط: "فأخبر ما صنع".
2 الفائق "هنع" "4/116" والنهاية "هنع" "5/278".
3 د: "عبد الله بن سعد الزهري". وفي التقريب "1/533" وتهذيب التهذيب "7/15" عبد الله بن سعد بن إبراهيم بن عوف الزهري أبو الفضل البغدادي. ثقة ت "260 هـ".
4 سقط من د.

(2/65)


مُلْسُ المَنَاكِبِ في أعْنَاقِهِا هَنَعُ1
__________
1 الديوان "130" وصدره: "كأن أينقنا حولي موردة".
والأينق جمع ناقةو وحولي: أتى عليه حول. وعجز البيت في الفائق "هنع" "4/116".

(2/66)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ قيل: الصُّلْعَانُ خَيْرٌ أَم الفُرْعَان؟ فَقَال: الفُرعَان خَيْرٌ1.
قَالَ الأصمعيِّ: كَانَ أَبُو بَكْر أَفْرَع وكان عُمَر أَصْلَع له حِفَافٌ وإنَّمَا أَرَاد عُمَر تَفْضِيل أبي بَكْر على نَفْسِه.
يُقَالُ رَجُلٌ: أَفْرَعٌ إذا كَان وافيَ الشَّعر لم يَذْهَب مِنُهْ شَيء وقَوْمٌ فُرْعٌ وفُرْعَان. كما قيل أَسْوَد وسُودٌ وسُودَان. وقَالَ نَصْرُ بنُ حَجَّاج وقد حَلَقَه عُمرُ ونَفَاه من المَدِينةِ وكان حَسَنَ اللَّمَّة:
لَقَدْ حَسَد الفُرْعَان أَصْلَعُ لَمْ يَكُن ... إذا ما مَشَي بالفَرْعِ بالمُتَخَايِلِ2
وقَوْلَهُ حِفَاف. قال الأصمعيُّ: هُوَ أَنْ يَنْكَشِف الشَّعْرُ عَنْ وَسَط الرَّأْس ويَبْقَى حَوْلَهُ كالطُّرَّة. يُقَالُ: ما بَقِيَ على رَأْسِهِ إلا حِفَافٌ من الشَّعَرِ. وحِفَافَا الجَبَل جانِبَاهُ. قال حُمَيْد بن ثور:
غادره بين حِفَافِيُّ شَاهِقٌ ... في ظِلِّ حجلاوَيْنِ سَيْلٌ مُعْتَلجْ3
ومن هذا حديث وَهْب بن مُنَبَّه أَنَّ إبراهيم حين أَرَادَ رَفْعَ قَوَاعِدَ البَيْت ظَلَّلَ اللهُ لَهُ مكانَ البَيْتِ بِغَمَامَة فكانت حفاف البيت4.
__________
1 الفائق "فرع" "3/108" والنهاية "فرع" "3/436".
وفي النهاية "حفف" "1/408" "كان اصلح له حفاف".
2 التاج "صلع, فرع" والفائق "فرع".
3 الشطر الثاني في الديوان "64" ط دار الكتب المصرية ولم يهتد المحقق للشطر الأول فترك مكانه بياضا.
4 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/61".

(2/66)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ حَلُّوا نِسَاءَكُمُ الْفِضَّةَ وَلا تَحِلُّوا نِسَاءَكُمُ الذَّهَبَ وَعَلِّمُوهُنَّ سُورَةَ النُّورِ1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَاذَانَ الْكُرَانِيُّ أخبرنا أحمد بن عمرو القطراني أخبرنا إبراهيم بن بشار الرمادي أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَال: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بِذَلِكَ.
إنَّمَا خَصَّ النِّسَاء بِتَعْلِيم هَذِه السُورَةَ مِن بين سائِر السُّور لِيَبْعَثَهُنَّ بِذَلك على العِفَّةِ ولُزُوم / الحَيَاء [26] وذَلِك أَنَّهُنَ إذا تَأَمَّلْنَ ما فِيهَا مِن بَيَان حُكْمِ الزُّنَاة وإِغْلاظِ العُقُوبةِ لهم وتَرْكِ الهَوَادَةِ في أَمْرِهِم ارتَدَعْنَ عَنِ الفَوَاحِش وإذا تَدَبّرْنَ ما فيها من بيان الحِجَاب2 وما أُخِذَ عَلَيْهُنَّ مِن غَضِّ البَصَر وحِفْظِ الأَطْرَاف وتَرْك التَّبَرُّج بالزِّيِنة لَبِسْنَ بِهِ الحَيَاء ولَزِمْنَ الخَفَر ومن أَجْلِ ذَلِك خُصَّت فَاتِحَةُ هذه السُّورة بالمُقَدِّمَة الَّتي لَيْسَت لِغَيْرِها من السِّوَر.
أَعْنِي قَوْلَهُ {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} 3 وقَد عَلِمْنَا أَنَّ القُرْآن كُلّهُ مُنَزَّل وأَنَّ العَمَل بِمُحْكَمِهِ فَرْضٌ وإنَّمَا أَرَادَ4 والله أعلم تَأْكِيد هذه الأَحْكَام والتَّشْدِيد عَلَى أَهْلِها فِيهَا.
ونَظِيرُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: "عَلِّمُوا أَرِقَّاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ".
__________
1 ذكره السييوطي في الدر المنثور "5/18" عن حارثة بن مضرب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا نسائكم سورة النور وقال: أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن".
وقد ذكره الحافظ فس الإصابة "4/145" في ترجمة أبي عطية الوادعي وجاء عنه أنه قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب فقط.
2 ح:, د: "من بيان أمر الحجاب".
3 سورة النور: "1".
4 د: "وإنما أوردوا".

(2/67)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِليْهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنِّي لا أَحْمِلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْوَادٍ نَجَّرَهَا النَّجَّارُ وَجَلْفَظَهَا الْجِلْفَاطُ يَحْمِلُهُمْ عَدُوُّهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن الحسين أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الجوهري أخبرنا أحمد بن عيسى اللخمي أخبرنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي ابن زبر أخبرنا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلابِيُّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ.
الجِلْفَاطُ هو الَّذِي يَشُدُّ أَلْوَاحَ السَّفُن ويُصْلِحُهَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الحُسَين جَلْفَظَهَا بالظَّاءِ مُعْجَمَة والصَّوَابُ بالطَّاءِ غَيْرِ مُعْجَمة وأَظُنُّ الكَلِمَة لَيْسَت بالَمَحْضَة في العَرَبِيَّة.
وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ الْبَحْرَ خَلْقٌ عَظِيمٌ يَرْكَبُهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ دُودٌ عَلَى عُودٍ بَيْنَ فَرْقٍ وَبَرَقٍ2.
وَقَوْلُهُ يحمِلُهُم عَدُوُّهُم إلى عَدُوِّهِم فإنَّ النَّوَاتِي الَّذِينَ كَانُوا يَجُرُّون السُّفُن ويُعَالِجُونَهَا كَانُوا أو أْكَثَرَهُم عُلُوجًا أَعْدَاءً3 للمُسْلِمِين. وقد يُحْتَمَل أن يراد بالعدو البحر.
__________
1 الفائق "جلفظ" "1/228" والنهاية "جلفظ" "1/287".
2 ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/137" والطبري في تاريخه "4/258, 259".
3 د: "أعداء المسلمين".

(2/68)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ جَاءَهُ فَقَالَ: مَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا وَجَدْتَ قِرْفَ الأَرْضِ فَلا تَقْرَبْهَا.

(2/68)


قَالَ: فَإنِّي أَجِدُ قِرْفَ الأَرْضِ وأَجِدُ حَشَرَاتِهَا قَالَ: كَفَاكَ كَفَاك1 يرَوْيِهِ الوَاقِدِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ.
قِرْفُ الأَرْضِ بَقْلُها ونَبَاتُها والأَصْلُ في القِرْفِ القِشْرَة وقِرْفُ كُلِّ شَيء قِشْرُه.
قَالَ أَبُو ذُؤَيب:
لا در درِّي إنْ أَطْعَمْتُ نَازِلَكُم ... قِرْفَ الحَتيِّ وعِنْدي البُرُّ مَكْنُوز2
والحَتِيِّ المُقْلُ. وهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أنه سئل3 مَتَى تَحِلُّ لَنَا الميتة فقال: ما لم تصطحبوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلا4.
__________
1 الفائق "قرف" "3/180" والنهاية "قرف" "4/47".
2 شرح أشعار الهذليين "3/1263" والبيت للمتنخل الهذلي لا لأبي ذؤيب.
3 من د, ح.
4 أخرجه أحمد فس مسنده "5/218" والحاكم في المستدرك "5/125" وذكره الهيثمي في مجمعه "4/165, و5/50" عن أبي واقد.

(2/69)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ مَحْصُورٌ أَنَّهُ مَهْمَا تنزل بامرىء شَدِيدَةٌ يَجْعَلُ5 اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا فَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ1.
يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قوله لن يَغْلب عُسْرٌ يُسْرَيْن إنَّمَا هُوَ تَأْوِيل قول اللَّه {فَإِنَّ مَعَ
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ "276 – 277" عن زيد بن أسلم وابن المبارك في متاب الجهاد "164" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أبيه.

(2/69)


الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} 1 وفي ظَاهِرِ التِّلاوَةِ هَاهُنَا عُسْرَانِ ويُسْرَانِ إلا أَنَّ المُرَاد بِهِ عُسْرٌ وَاحِد [27] لأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ التَّعْرِيف / واليُسْرُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ التَّنْكِير مَرَّتَيْنِ فَكَان كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الآخَر.
قَالَ الفَرَّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَت نَكِرَةً ثُمَّ أَعَادَتْهَا بِنَكِرَةٍ مِثْلَهَا صَارَتَا اثْنَتَيْنِ كَقَوْلَكَ إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأَنْفِق دِرْهَمًا فَالثَّانِي غَيْرُ الأَوَّل وإذا أَعَادَتْهَا بِمَعْرِفة فَهِي هِي كَقَوْلِكَ إذا كَسبْتَ دِرْهَمًا فَأَنْفِق الدِرْهَم فَالثَّاني هُوَ الأَوَّل قَال: ومِن هَذَا قَوْلُ بَعْض الصَّحَابةِ لَنْ يَغْلِب عُسْرٌ يُسْرَيْن.
ذَكَرَهُ لَنَا أَبُو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنْ سَلَمَة عَنِ الفَرَّاء.
وقَالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِين: هُمَا سَوَاءٌ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قال: والَّذي اسْتَشْهَدَ بِهِ الفَرَّاءُ غَيْرُ دَالٍّ عَلى ما زَعْمِهِ وذَلِك أَنَّ القَائِل إذا قَال: إنَّ في الدَّارِ زَيْدًا إنَّ في الدَّارِ زَيْدًا مَرَّتَيْن لَمْ يَدُلَّ بِهِ على أَكْثَرِ مِنْ زَيْدٍ وَاحِد كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلى أَكْثَرِ مِن دَارٍ وَاحِدَة قَالَ: وقَوْل عُمَر: لَنْ2 يَغْلُب عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. مَعْنَاهُ أَنَّ العُسْرَ بَيْن يُسْرَيِن إما فرج عاجل فِي الدُّنْيَا وإما ثواب في الآخرة.
وأخبرني ابن الفارسي حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن المُؤَمَّلُ العَدَوِيّ في قَوْلِهِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} قَال: هَذا مِن مَظَاهر القَوْل يُرَادُ بِهِ التَّوكِيد كَقوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} 3 وكقول الشاعر:
__________
1 سورة الشرح: الآيتان "5, 6".
2 س: "أن يغلب".
3 سورة التكاثر:" 3, 4".

(2/70)


إذَا التَيَّازِ ذُو العَضَلاتِ قُلْنَا ... إليكَ إليكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعَا1
وكَقَوْلِ الآخَر:
هَلا سَأَلْتَ جُموعَ كِنْدَةَ ... حَينَ وَلُّوا أَيْنَ أَيْنَا
__________
1 اللسان ةالتاج "تيز" ضمن ثلاثة أبيات معزوة للقطامي يصف يكرة اقتضبها "ركبها قبل أن تراض" وقد أحسن القيام عليها إلى أن قويت وسمنت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقمتها وعزة نفسها, والتياز من الرجال: القصير الغليظ الشديد العضل.

(2/71)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ قَال: لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ على امْرَأةٍ وإن قِيلَ حَمْؤُها أَلا حَمْؤُها المَوْت1.
قوله ألا حَمْؤُها المَوت. قَالَ ثَعْلَب: سألتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ: هذه كلِمَة تَقُولُهَا العَرَب مَثَلًا كَمَا تَقُولُ الأَسَدُ المَوْتُ أي لِقَاؤُهُ مِثْلَ الْمَوْت وكما تَقُول السُّلْطَانُ نَارٌ أَي مِثْلَ النَّارِ والمَعْنَى احذَرُوه كَمَا تَحْذَرُونَ المَوْت.
قَال أَبُو سُلَيْمَان وقَد ذكره أبو عبيدة في ضِمْنِ حَدِيثٍ2 فَقَال: مَعْنَاهُ فَلْيَمُتْ ولا يَفْعَل ذَلِك وهَذا بَعِيد وإنَّما الوَجْهُ مَا قَالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ. ومِن هَذَا البَاب قَوْلُهُ تَعَالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} 3 أي مِثْلَ المَوْتِ من الشِدَّةِ والكَرَاهِيَةِ ولَو كَانَ أَرَادَ نَفْسَ المَوْت لَكَانَ قَدْ مَات ومِثْلُهُ قَوْلُ عامِر بن فُهَيْرَة:
لَقَدْ وجدت الموت قبل ذوقه4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق ف مصنفه "7/137" وأبو عبيد في غريبه "3/353".
2 هو حديث عمر: "ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرا وسادة عند امرأة مغزية يتحدث إليها وتتحدث إليه, عليكم بالجنبة فإنها عفاف إنما النساء على وضم إلا ما ذب عنه" غريب الحديث لأبي عبيد "3/352".
3 سورة ابراهيم: "17"
4 تقدم الرجز في اللوحة "16".

(2/71)


وَقَالَ رُوَيْشِدٌ الطَّائِيُّ:
يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتِ
وقُلْ لَهُم بَادِروا بالعُذْرِ والْتَمِسُوا ... قَوْلًا يبرئكم إني أنبأنا المَوْتُ1
ومِثْلُ هذا كَثِيرٌ في الكَلام.
والحَموُ أَبُو الزَّوْج وأَخُو الزَّوُج وكُلُّ مَنْ وَلِيَهُ مِن ذَوِي قَرَابَتِهِ. قَال الأَصْمَعِيّ: الأَحْمَاءُ مِن قِبَلِ الزِّوُج والأَخْتَانِ مِن قِبَلِ المَرْأَة والصِّهْرُ يَجْمَعُهَما والحَمَاةُ أُمُّ الزَّوْج والخَتَنَة أُمُّ المَرْأَة.
ويُقَالُ: هذا حَمُوهَا وحَمَاهَا وحَمْؤُهَا مهموز مقصور.
__________
1 شرح الماسة للمرزوقي "2/166" وجاء فس الشرح: وإنما قال: ما هذه الصوت والصوت مذكر لأنه الصيحة والجلبة, ومفعول بادروا محذوف كأنه قال: بادروا العقاب بالعذر: أي سابقوه.

(2/72)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ حِمْصٍ: "لا تَنَبَّطُوا فِي الْمَدَائِنِ وَلا تُعَلِّمُوا أَبْكَارَ أَوْلادِكُمْ كِتَابَ النَّصَارَى وَتَمَعْزَزُوا وَكُونُوا عَرَبًا خُشْنًا"1.
[28] يَرْوِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَمْرٍو / عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ بِذَلِكَ.
قوله لا تَنَبَّطُوا في المَدَائِن يُرِيدُ لا تبنَّكُوا بِها ولا تَتَّخِذُوها دَارَ إقَامَةٍ فَتَكُونُوا كالأَنْبَاط يَنْزَلُون الأَرْيَافَ يَحُضُّهم على الجِهَاد ويَأْمُرُهُم بالاستِعْدَاد للغَزْو وقَدْ يَكُون المَعْنَى أَنَّهُ كَرِهَ لَهُم اتِّخَاذ الضيعة وأَرَادَ بِأَبْكَارِ الأَوْلاد أَحْدَاثَهُم ومن كَانَ مَوْلُودًا مِنْهُم في الإِسْلام وبكر الرجل أول ولده.
__________
1 الفائق "نبط" "3/402" والنهاية "نبط" "5/9".

(2/72)


وقَوْلَه تَمَعْزَزُوا تَحْتَمِل وَجْهَين أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُون مِن المَعْزِ وهُو الشِدَّة والصَّلابَة. يُقَال: رَجُلٌ مَاعِز ومَا أَمْعَزَهُ من رَجُلٍ أي ما أَشَدَّهُ وأَصْلَبَهُ ومِنْهُ قِيلَ للأرض الحَزْنَةِ ذَاتِ الحِجَارة المَعْزَاء ومَكَانٌ أَمْعَز وقَال الفَرَزْدَق:
قَطَعْتُ إلى مَعْرُوفِهَا مُنْكَراتِهَا ... إذا خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ المُتَوَضِّحُ1
والتَّمَعْزُز على هذه وَزْنَهُ التَّفَعْلُل من المَعْز.
والوَجْهُ الآخَر أَن يَكُون مُشْتَقًّا مِن العِزّ وهو الشِدَّةُ والقُوَّة قَالَ اللَّه تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} 2.
ومنه قولهم "من عزز بر"3 أَي مَن غَلَبَ سَلَب وتَكُون المِيم عَلَى هذا التَأْوِيل زَائِدةٌ لَيْسَت مِنْ نَفْسِ الحَرْف كَمَا قَالوا: تَمَدْرَعَ الرَّجُل من الدُرَاعَة وتَمَسْكَن وأَصْلُهُ من السُّكُون والمِيم زَائِدة. وهَذَا كحدِيِثِه الآخَر أَنَّهُ قَالَ4: تَمَعْدَدُوا واخْشَوشِنُوا. وقَد فَسَّرَهُ أبو عبيد في كتابه5.
__________
1 الديوان "124" برواية "إذا خب آل دونها يتوضح".
2 سورة يّس: "14".
3 مثل في اللسان "بزز" وعند الضبي "53" الفاخر "89" حمهرة الأمثال "2/288" مجمع الأمثال "2/307" أمثال المستقصى "2/357" أمثال أبي عبيد "113".
4 من د.
5 غريب الحديث "3/327".

(2/73)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى أَهْلُ الشَّامِ كَتَبُوا لَهُ كِتَابًا إِنَّا لا نُحْدِثُ فِي مَدِينَتِنَا كَنِيسَةً وَلا قِلِّيَّةً وَلا نُخْرِجُ سعانينا ولا باعوثا1
__________
1 أخرجه ابن عساكر في مقدمة تاريخه بهذا السند "564, 565" بلفظ "ولا نخرج شعانينا ولا باعوثنا ... " في حديث طويل وفي رواية في ص "567" بلفظ "وأن لا نخرج شعانين ولا باعوثا".

(2/73)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا محمد بن إسحاق الصغاني1 أخبرنا الربيع بن ثعلب أخبرنا يَحْيَى بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الْعَيْزَارِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوريِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عن عبد الرحمن2 بْنِ غَنْمٍ.
القِلِّيَّةُ يُقَالُ: أَنَّهَا شِبْهُ الصَّوْمَعَة تَكُونُ للرَّاهِب والسَّعَانين يُقَالُ: إنَّهُ عِيدُهُم الأَوَّلُ وذَلِكَ قَبْلُ فُصْحِهِم بأُسْبُوع يخرجون بصُلْبَانِهِم.
والبَاعُوثُ يُقَالُ: إِنَّهُ اسْتِسْقَاء النَّصَارَى يَخْرُجُونَ بِصُلْبَانِهِم إلى الصَّحَارَى يَسْتَسْقُون صُولِحُوا عَلى أَنْ لا يُخْرِجُوا زِيَّهُم ولا يُظْهِرُوهُ للمُسْلِمِين فَيَفْتِنُوهُم بِذَلِك.
وقَالَ بَعْضُهُم: إنَّمَا هُوَ الباغوت بالغَين مُعْجَمَة والتَّاء الَّتي هي أُخْتُ الطَّاء وهُو عِيدٌ للنَّصَارى اسم أعجمي.
__________
1 د: "محمد بن إسحاق الصفار" تحريف وفي التقريب "2/244" محمد بن إسحاق الصغاني بفتح المهملة ثم المعجمة أبو بكر نزيل بغداد ثقة ثبت ت 270 هـ.
2 س: "عبد الرحيم بن غنم" والمثبت من د, ط, وتاريخ ابن عساكر.

(2/74)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّ عُمَر بن عَبْد العزيز وَصَفَهُ فَقَال دُعَامَةٌ: للضَّعِيف مُزَمْهِرٌ على الكَافِر1 في كَلامٍ فِيهِ طُولٌ.
يَرْوِيه العَبَّاسُ بن الوليد بن مزيد أخبرنا أَبِي حَدَّثَنِي المُغِيرَةُ بن المُغِيرَة العبدي عن إبراهيم بن عبد الله بن الأَهْتَم عَن عُمَر.
قَال أَبُو عُبَيْد المُزَمْهِر الشَّدِيد الغَضَب.
وقَالَ الفَرَّاءُ: المُزَمْهِر الَّذِي قَد احْمَرَّت عَيْنَاهُ. يُقَالُ: ازْمَهَرَّت عَيْنَاهُ وزَمْهَرَت فَأَمَّا المُزَبْئِرُ فَهُوَ الَّذِي اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِن غَضَبٍ أَو خوف أو نحوه.
__________
1 الفائق "دعم" "1/427" والنهاية "دعم" "2/120".

(2/74)


قَالَ الأَصْمَعيُّ: والمُزَمْئِرُ اللازِمُ مَكَانَهُ لا يَبْرَحُ والمُزَرْئِم المُنْقَبِض وأَنْشَدَنِي أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
وشاعر جاؤوا به عبم ... إذ يُقَالُ هَاتَ يَزْرَئِمّ
فَهُو فِدى لشاعر لهم
والمعرنزم المُنْقَبِضُ ويُقَالُ: المُنْقَطِعُ. [29]
أَخْبَرَنِي ابْن مالك أخبرنا الدغولي حدثنا المُظَفَّرِيُّ عَنْ سليمان بن مَعْبَد قَالَ قُلْتُ للأَصْمَعِيّ يا أبا سَعِيد ما معنى قولهم الحَقُّ مَغضَبَة فَقَال: يا بُنَي وهَل يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا إلا رَازِمٌ1. قَلَّ مَا يُكِعُّ2 أَحَدٌ بالحق إلا اعرنزم له.
__________
1 الوسيط "رزم" رزم: سقط من الإعياء والهزل ولم يتحرك أو قام في مكانه ولم يتحرك من الهزل.
2 أكع الخوف فلانا: حبسه عن وجهه ورده عَنْهُ.

(2/75)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّ أَبَا عثمان النَّهدي كان يَكْثُرُ أَنْ يَقُول: لَوْ كَانَ عُمَر مِيزَانًا ما كَانَ فِيهِ مَيْطُ شَعْرَه1.
من حَدِيث مُحَمَّد بن إسحَاق الثَّقَفِي نا سعيد بن يحيى الأُمَوِيّ نا أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير نا عاصِم الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عثمان النَّهديّ.
قَولُهُ مَيْطُ شَعْرَه أَصْلُهُ المَيْلُ والعُدُولُ عَن المَحَجَّةِ يُقَالُ: مَاطَ الرَّجُل في مَشْيِه إذَا عَدَل يَمْنَة ويُسْرَة
قال رُؤْبَة:
بادَرْتُهُ قَبْلَ الغَطَاطِ اللُّغَّطِ ... وَوِرْدَ مَيَّاطِ الذئاب الميط2
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/293".
2 الديوان "84" برواية "باكرته" بدل "بادرته".

(2/75)


وَقَالَ الأعشى:
قد تَعَلَّلتُها على نَكَظِ المَيْطِ ... إذَا خَبَّ لامِعَاتُ الآلِ1
يَقُول ركبْتُها على عِلَّتِهَا والمَيْطُ البُعْدُ هَاهُنَا. ومِنْهُ قَوْلُهُم وَقَعْنَا في الهِيَاطِ والمِياط.
وَقَالَ جابر بن عبد الله لَمَّا تَكَلَّمَ أَسْعَد بن زُرارة ليلة العَقَبة بِكَلامِهِ المَذْكُور عَنْه قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مِطْ عَنَّا يَا أَسْعَد فَوَالله لا نَذَرُ هَذِه البَيْعَة ولا نَسْتَقِيلُها2.
يُرِيدُ ابعد عنا ومن هذا إماطة الأَذَي عَنِ الطَّرِيق.
ورُوِي عَن بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ عُمَر فَقَال: "لَو كَان مِيزَانًا لَكَان مترصا أي محكما مقوما".
__________
1 الديوان "165" برواية "وقد خب".
2 أخرجه أحمد في مسنده "3/340" وفي "5/323" بلفظ "لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها" عن جابر.

(2/76)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَ دَارَ السِّجْنِ بأربعة آلاف وأعربوا فيها أربعمائة دِرْهَمٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَوْلُهُ: أَعْرَبُوا أي أَسْلَفُوا مِن العُرْبَان وبَيْعُ العُرْبَان2 أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ العَبْدَ أو الدَّابَّةَ فيدفع إلى البائع دينارا أو درهما على أَنَّهُ إن تم البيع كان من ثمنه وإن لم يتم كان للبائع وقد نهى رسول اللَّه عَنْ بيع
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/148" بدون: "وأعربوا فيها أربعمائة درهم".
2 سقط من د.

(2/76)


العربان1 لما فيه من الغرر ولا يجوز أن يذهب ذاك ويخفى بيانه على عُمَر وإنما تولى عقد البيع خليفة عُمَر فأضيف الفعل إليه.
رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدَ الْحَارِثِ اشْتَرَى دَارَ السِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فلصفوان أربعمائة2.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُسْكَانِ3 وَهُوَ الْعُرْبَانِ أَيْضًا وَيُجْمَعُ عَلَى الْمُسَاكِينِ كَمَا يُجْمَعُ الْعُرْبَانُ4 عَلَى الْعُرَابِينِ وفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الأُرْبَانُ واللغة العالية العربون.
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع "3/283" وابن ماجة في التجارات "2/738".
2 أخرجه البخاري تعليقا في الخصومات "3/161", والبيهقي في السنن الكبرى "6/34".
3 الفائق "عرب" 2/410", والنهاية "مسك" "4/431".
4 ساقطة من د

(2/77)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ وقفت عليه امرأة عشمة بأهدام لها فقالت: حياكم اللَّه قوما تحية السلام وأمارة الإسلام إني امرأة جحيمر طهملة أقبلت من هكران1 وكوكب أجاءتني النائد إلى استيشاء2 الأباعد بعد الرف والوقير فهل من ناصر يجبر أو داع يشكر أعاذكم اللَّه من جوح الدهر وضغم الفقر3. في ألفاظ كثيرة ظننت بها الصنعة فتركتها.
/ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إسماعيل القفال أخبرنا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن دريد أنبأنا أَبُو عثمان سعيد [30] بن هارون أخبرنا التوري عَنْ أَبِي عبيدة حَدَّثَنِي بلال بن
__________
1 ح: "من كهران".
2 ح: "استنشاء".
3 الفائق "عشم" "2/434" والنهاية "3/241".

(2/77)


شهم السلمي من ولد العباس بن مرداس بن السلمي قَالَ: سمعت غير واحد من علمائنا يذكره.
العشمة العجوز القحلة ويقال: خبز عاشم أي يابس والأهدام: أخلاق الثياب واحدها هدم. قال أوس بن حجر:
وذات هدم عار أشاجعها ... تصمت بالماء تولبا جدعا1
وقولها جحيمر تصغير جحمرش وهي العجوز التي قد اقسأنت وخشنت والطهملة المسترخية اللحم وهكران وكوكب جبلان.
وقولها أجاءتني النائد أي اضطرتني قَالَ الشاعر:
تواكلها الأزمان حتى أجأنها ... إلى جلد منها ضعيف الأسافل2
والنائد الدواهي والوحد ناد والاستيشاء استخراج الشيء الكامن. يُقَالُ: استوشيت الناقة إذا حلبتها واستوشيت المسألة إذا استنبطت فقهها ومعناها والرف الإبل العظيمة. والوقير القطيع العظيم من الغنم ولا تسمى الغنم وقيرا حتى يكون معها كلبها وكرازها3 والقرة الغنم أيضا. قال الشاعر:
ما إن رأينا ملكا أغارا ... أكثر منه قرة وقارا4
والقار الإبل. وقولها هل من ناصر أي معط. قال الشاعر:
__________
1 الديوان "55" برواية "عار نواشرها" والتولب: طفلها, والجدع: السيء الغذاء وسبق في الجزء الأول بوحة "122".
2 التهذيب "12/430" برواية "قليل الأسافل" وقال: أي قليل الأولاد. ولم يعز البيت.
3 القاموس "كرز" الكراز: الكبش يحمل خرج الراعي.
4اللسان والتاج "قور" والرجز للأغلب العجلي.

(2/78)


أبُوكَ الَّذِي أجْدَى عَليَّ بِنَصْرِه ... فأسكتَ عنّي بعْدَه كُلّ قائِلِ1
وجوح الدهر من قولك جاحهم الزمان يجوحهم جوحا إذا غشيهم بالجوائح. والضغم العض وبه سمي الأسد ضيغما.
__________
1 الجمهرة لابن دريد "3/437" من غير عزو وسبق هذا البيت في الجزء الأول لوحة "133"

(2/79)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر أنه خرج إلى ناحية السُّوقِ فَتَعَلَّقَتِ امْرَأَةٌ بِثِيَابِهِ وَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ إِنِّي مُؤْتِمَةٌ تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَهُمْ مَا لَهُمْ مِنْ زَرْعٍ وَلا ضَرْعٍ وَمَا يَسْتَنْضِجُ أَكْبَرُهُمُ الْكِرَاعَ وأَخَافُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضِّبَعُ وَأَنَا ابْنَةُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغَفَّارِيِّ فَانْصَرَفَ مَعَهَا فَعَمَدَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرَحَلَ وَدَعَا بِغَرَّارَتَيْنِ فَمَلأَهُمَا طَعَامًا وَوَدَكَا وَوَضَعَ فِيهَا صُرَّةَ نَفَقَةٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا: قُودِي.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الطيب المروزي أخبرنا أبو العلاء الوكيعي أخبرنا أحمد بن صالح المصري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا مَالِكٌ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وذَكَرَ الْقَصَّةَ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَكْثَرْتَ لَهَا1 يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنِّي أَرَى أَبَا هَذِهِ مَا كَانَ يُحَاصِرُ الْحِصْنَ مِنَ الْحُصُونِ حَتَّى افْتَتَحَهُ فَأَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَصْنِ2.
قولها إني مؤتمة أي ذات صبية أيتام وقولها ما يستنضج أكبرهم الكراع تريد أنهم صغار لا يكفون أنفسهم وهو مثل3 يضرب للعاجز الَّذِي لا غناء عنده قَالَ النابغة الجعدي يهجو قوما:
__________
1 ساقط من د.
2 أخرجه البخاري في المغازي "5/158" باختلاف بعض الألفاظ وأخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال "334" طرفا منه, وهو في كنز العمال "5/685" وذكره الحافظ في فتنح الباري "445:7" بأن الدارقطني أخرجه وأشار إلى بعض الألفاظ التي جاءت في غريب الحديث للخطابي.
3 في مجمع الأمثال "1/291" بلفظ: "مابنضج كراعا ولا يرد رواية" وفي المستقصى "2/338".

(2/79)


بالأرض أستاههم عجزا وآنفهم ... عند الكواكب بغيا يا لذا عجبا
ولو أصابوا كراعا لا طعام بها ... لم ينضجوها ولو أعطوا لها حطبا1
[31] / وقولهم2 أخاف أن تأكلهم الضبع فِيهِ قولان أحدهما أن يراد بالضبع السنة والجدب.
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا ثعلب قَالَ يُقَالُ: أصابتهم الضبع وأصابتهم كحل إذا إصابتهم السنة.
والقول الآخر أنهم يموتون جوعا فتنبشهم الضبع فتأكلهم والضباع تعرض للموتى وتثير الأرض عنهم وإلى هذا المعنى ذهب ابن الأعرابي في تأويل الخبر الَّذِي يروى أن أناسا أتوا رسول اللَّه فقالوا: قد أكلتنا الضبع3 وإلى القول الأول مال أَبُو عبيد.
والبعير الظهير هو الشديد الظهر القوي على الرحلة.
وَقَوْلُهُ نستفيء سهمانه أي نسترجعها غنما وأصله من الفيء وهو رجوع الشيء من حال إلى حال.
ويقال: إنما سمي مال المشركين فيئا لأنه مال كان للمسلمين خارجا عَنْ أيديهم فرجع إليهم.
ومن هذا حديث الأنصارية.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد أخبرنا بشر بن المفضل أخبرنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جابر بن عبد الله: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَتْ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا ثَابِتِ بْنِ قيس قتل معك
__________
1 شعر النابغة الجعدي "212" برواية: "وأنفهم" بدل "وآنفهم".
2 ح: "وقولها".
3 أخرجه أحمد في مسنده "5/117, 153, 154, 178" بألفاظ متقاربة.

(2/80)


يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ1 تُرِيدُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَرْجَعَ مَوْرُثَهُمَا2 مِنْ أَبِيهِمَا وَاسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ.
وأخبرني محمد بن علي أخبرنا ابن دريد أنبأنا أبو حاتم أنبأنا الأصمعي حَدَّثَني خلف قَالَ: أقبل أعرابي إلى قوم من أهل البصرة على غدير النحيت يشربون شرابا لهم ومغن لهم يتغنى فجعل يكسر عينيه ويمط خديه ويثني أصابعه فلما سكت قَالَ للأعرابي3: كيف رأيت؟ فَقَالَ:
أراك صحيحا قبل شدوك سالما ... فلما تغنيت استفاء لك الخبل
فإن كان ترجيع الغناء مورثا ... جنونا فأخزى اللَّه ذلك من عمل
قوله استفاء لك الخبل معناه استجلبه عليك واستدعاه إليك.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن سعدوية عَنْ بعض شيوخه قَالَ: استفتي أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فلما أفتاه عنها قَالَ له الأعرابي: أقدوة؟ 4 فَقَالَ: نعم عَنْ رسول اللَّه. فَقَالَ: استسمنت القدوة فاء الله لك بالرشد.
__________
1 أخرجه أبو داود في الفرائض "3/120 – 12" والدارمي في سننه "4/78".
2 ط:"موروثهما".
3 ساقط من د.
4 القاموس "قدو" القدوة: "مثلثة وكعدة": ما تسننت به واقتديت.

(2/81)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ ذكر امرأ القيس فَقَالَ: خسف لهم عين الشعر وافتقر عَنْ معان عور أصح بصر.
فسره ابن قتيبة في كتابه5 فَقَالَ: خسف من الخسف وهو البئر تحفر في حجارة فيستخرج منها ماء كثير وافتقر فتح وهو من الفقير والفقير القناة.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/7 -8".

(2/81)


وَقَوْلُهُ عَنْ معان عور يريد أن امرأ القيس من اليمن وليست لهم فصاحة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا لا وجه له ولا موضع لاستعماله فيمن لا فصاحة له وإنما أراد بالعور هاهنا غموض المعاني ودقتها من قولك عورت الركية إذا دفنتها وركية عوراء. قال الشاعر:
ومنهل أعور إحدى العينين ... بصيرة الأخرى أصم الأذنين1
جعل العين التي تنبع بالماء بصيرة وجعل المندفنة عوراء فالمعاني العور على هذا هي الباطنة الخفية كقولك2 هذا كلام معمى أي غامض غير واضح.
[32] / أراد عُمَر أَنَّهُ قد غاص على معان خفية على الناس فكشفها لهم وضرب العور مثلا لغموضها وخفائها وصحة البصر مثلا في ظهورها وبيانها وذلك كما أجمعت عليه الرواة3 من سبقه إلى معان كثيرة لم يحتذ فيها على مثال متقدم كابتدائه في القصيدة بالتشبيب والبكاء في الأطلال والتشبيهات المصيبة والمعاني المقتضبة التي تفرد بها فتبعه الشعراء عليها وامتثلوا رسمه فيها.
__________
1 اللسان والتاج "عور" برواية "بصر أخرى وأصم الأذنين" ولم يعز.
2 ط: "فقولك".
3 د: "الرواية".

(2/82)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْنِي أُبَايِعُهَا فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَيْهَا1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مهران عن ابن عباس
__________
1 النهاية "دولج" "2/141".

(2/82)


الدَّوْلَجُ المخدع وفيه لغة أخرى التولج وأصله الولج وهوكل ما ولجت فيه من كهف أو سرب أو نحوه والتاء زائدة. وقَالَ بعضهم: أصله وولج ثم قلبوا الواو تاء.

(2/83)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ مُقْفَلاتٌ النَّذْرُ وَالطَّلاقُ وَالْعِتَاقُ وَالنِّكَاحُ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عن عبد الله بْنِ صَالَحٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بن عبد الله بْنِ طَعْمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
قوله مقفلات معناه أَنَّهُ لا مخرج منهن إذا جرى بهن القول وجب فيهن الحكم وهذا كالحديث الآخر "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق2".
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "7/341" بطريق البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عمر رضي الله عنه, وأخرجه سعيد بن منصور في سننه "1/384" بلفظ: "أربع جائزات إذا تكلم بهن".
2 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/485" وعزاه للقاضي أبي علي الطبري في الأربعين بلفظه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الطلاق "2/259" وكذلك الترمذي في الطلاق "3/481" وابن ماجة في الطلاق أيضا "1/658" وكلهم بلفظ: " الرجعة" بدل "العتاق".

(2/83)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي اشْتَرَكَ فِيهِ سَبْعَةُ نَفَرٍ أَنَّهُ كَادَ يَشُكُّ فِي الْقَوْدِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَفَرًا اشْتَرَكُوا فِي سَرِقَةِ جَزُورٍ فَأَخَذَ هَذَا عُضْوًا وَهَذَا عُضْوًا أَكُنْتَ قَاطِعِهُمْ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ اسْتُهْرَجَ له الرأي1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/477" بلفظ "استمدح" بدل "استهرج".

(2/83)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ.
قوله: استهرج أصله في الكلام السعة والكثرة.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: هرج الفرس يهرج هرجا إذا كثر جريه.
يقال: فرس مهرج وهراج قَالَ العجاج:
من كل هراج نبيل محزمة1
وهرج القوم في الحديث إذا أكثروا ومن ذلك الهرج في القتال وفي النكاح والمعنى أن رأيه قد قوي في ذلك واتسع لوضوح الدلالة وقرب التمثيل ومعناه راجع إلى الكثرة.
__________
1 الديوان "435" والهراج: الكثير العدو, ونبيل محزمه يريد ضخم الوسيط.

(2/84)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سُمْرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ بَاعَ خَمْرًا قَاتَلَ اللَّهُ سُمْرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رسول الله قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومَ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ذكره أَبُو عبيد في كتابه2 واقتصر على تفسير اللفظ ولم يعرض للمعنى وهو عندي مما لا يجوز جهله.
__________
1 ح: "فباعوا" وأخرج الحديث مسلم في المساقاة "3/1207" والنسائي في الفرع والعتيرة "7/177" وأحمد في مسنده "1/25".
2 أخرجه أبو عبيد في غريبه "3/407" بلفظ: "لعن الله فلانا ألم يعلم ... "الخ, وقال: جملوها يعني أذابوها.

(2/84)


ووجه ذلك والله أعلم أَنَّهُ نقم على سمرة بيع العصير ممن يتخذه خمرا لما يروى من الكراهية1 في ذلك ولا يجوز عليه وهو رجل من الصحابة أن يستحل بيع الخمر بعينها أو2 يجهل تحريمه مع الاستفاضة والشهرة في علم ذلك وقد يلزم العصير اسم الخمر / [33] مجازا لأنه يؤول خمرا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} 3 يريد والله أعلم عنبا يؤول إلى خمر.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى المنقري.
حَدَّثَنِي الأصمعي حدثنا المعتمر قَالَ: لقيت خيبريا معه عنب فقلت ما معك قَالَ خمر: ولقيت عمانيا4 معه فحم فقلت ما معك قَالَ سخام5: وعلى هذا قول الشاعر يصف غَيْثًا.
أَقْبَل في المُسْتَنِّ من رَبابِه ... أَسنِمهُ الآبالِ في سَحابِه6
يريد أَنَّهُ ينبت ما ترعاه الإبل فتسمن وتعظم أسنمتها.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون سمرة باع خمرا قد كان عالجها فصارت7 خلا فرآه عُمَر خمرا لا يحل بيعه على معنى نهيه عَنْ تحليل الخمر يدل على صحة هذا التأويل تمثيل عُمَر فعله بفعل اليهود في اجتمالهم
__________
1 د: "الكراهة".
2 د: "ويجهل تحريمه".
3 سورة يوسف: "36".
4 د: "عماليا".
5 القاموس "سخم": السخام: الفحم.
6 الكامل للمبرد "3/91".
7 س: "فصار" وفي المصباح: الخمر تذكر وتؤنث.

(2/85)


ثروب الشحم1 وإذابتهم لها حتى يكون ودكا متوهمين أنها إذا خرجت عَنْ أن يلزمها اسم الأصل خرجت عَنْ أن يلزمها حكم الأصل تقول فكما لم يكن فعل اليهود مزيلا لحرمتها كذلك فعل سمرة في تحليل الخمر لا يكون مبيحا لبيعها فهذا موضع المضاهاة لفعل اليهود والله أعلم.
__________
1 د: "الشحوم".

(2/86)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عبد الله قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ. قَالَ: هُمْ كَسِهَامِ الْجُعْبَةِ مِنْهَا الْقَائِمُ الرَّائِشُ وَمِنْهَا الْعَصِلُ الطَّائِشُ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَغْمِزُ عَصِلَهَا وَيُقِيمُ مَيْلَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ أخبرنا إسماعيل بن أبي الحارث أخبرنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عبد الله بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ عن جرير بن عبد الله.
القائم الرائش هوالمستقيم2 ذو الريش.
يُقَالُ: رشت السهم أريشه وسهم مريش وارتاش الرجل وتريش إذا حسنت حاله فصار كالسهم المريش والعصل من السهام المعوج. قال لبيد:
فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعصل ولا بالمفتعل3
والعصل الالتواء. ومنه قيل للأمعاء الأعصال والطائش الزال4 عَنِ
__________
1 في تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/106" بلفظ: "العدل" بدل "العصل" تحريف".
2د: "المستقيم الريش".
3 الديوان "194" برواية "ولا بالمقعثل" وفي اللسان والتاج "عصل" برواية "لسن بالعصل ولا بالمفتعل" وقال: يروى: ليس.
4د: "الزائل".

(2/86)


الهدف والذاهب عنه. والمعنى أن الناس من بين مستقيم له ومعوج مستعصٍ عليه وهو على ذلك يثقفهم ويقيم1 أودهم.
وقد روينا عَنْ جرير بن عَبْد اللَّه غير هذا القول في قدمة قدمها على عُمَر.
أَخْبَرَنِي محمد بن علي أنبأنا ابن دريد أنبأنا أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قال: قدم جرير بن عبد الله عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَرِيرٌ قَالَ جَرِيرٌ قَالَ2: أَجْلِسُ قَالَ: فَجَلَسَ فَقَالَ: كَيْفَ سَعْدٌ قَالَ صَالِحٌ: إِمَّا ظَالِمٌ وَإِمَّا مَظْلُومٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَخِّرْ هَذَا الْكَلامَ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهُ.
كَيْفَ النَّاسُ قَالَ: كَمَا يُحِبُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَثُرَ النَّسْلُ وَاجْتَمَعَ الشَّمْلُ وَدَرَّ الْعَطَاءُ وَقَلَّ الْبَلاءُ فَلا تَسْأَلْ عَنْ صَلاحٍ فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَلُمَّ كِتَابَ صَاحِبِكَ. فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي كِتَابٌ قَالَ: فَبِغَيْرِ إِذْنِهِ3 خَرَجْتَ [34] / فَرَفَعَ عُمَرُ الدُّرَّةَ فَضَرَبَهُ بِهَا وَقَالَ: مَا حملك على ذلك يابن أُمَيْمَةَ4؟ فَقَالَ جَرِيرٌ: مَا أَعْلَمَكَ اسْمَهَا إِلا كَرِمٌ أَوْ لَؤُمٌ فَقَدْ رَابَنِي إِذْ نَسَبْتَنِي إِلَيْهَا حِينَ غَضِبْتَ قَالَ: فَارْتَاعَ عُمَرُ وَقَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلا خَيْرًا فَلِمَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: أَسَاءَ صُحْبَتِي وَأُرِيدُ أَنْ تُصْلِحَهُ أَوْ تُصْلِحُنِي. قَالَ: فَهَاتِ عَنْهُ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ رَأَيْتُ خَيْرًا وَظَنَنْتُ شرًّا فَمَا يَتْرُكُنِي ظَنِّي لِعِلْمِي وَلا عِلْمِي لِظَنِّي. فَقَالَ عُمَرُ: أَقْصِرْ عَلَيْكَ فَلا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَدَقْتَ وَقَصَدْتَ فَمَكَثَ جَرِيرٌ يَخْتَلِفُ إِلَى عُمَرَ فَبَيَّنَّا عمر لاه يكلم إنسانا
__________
1 د, ط: "قال: ويقوم".
2 ح: "قال: اجلس فجلس".
3 د: "فبغير إذن خرجت".
4 د: "يابن أمية".

(2/87)


إِذِ انْدَفَعَ جَرِيرٌ يَمْدَحُ عُمَرَ وَيَقُولُ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ أَنَّهُ وَإِنَّهُ وَجَعَلَ يُطْرِيهِ وَيُطْنِبُ فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّهُ يَسْمَعُهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا جَرِيرُ فَعَرَفَ جَرِيرٌ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: ذَكَرْتُ أَبَا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ فَقَالَ عُمَرُ: اقْلِبْ قِلابِ وَسَكَتَ1
قوله: اقلب. مثل يضرب للرجل تكون منه السقطة فيتداركها بأن يقلبها عَنْ جهتها ويصرفها إلى غير معناها وأصل ذلك فيما يذكر عَنِ المفضل الضبي أن زهير بن جناب الكلبي وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدى بن جناب وكان عدي محمقا فلما دخل على الملك شكا الملك إلى زهير علة كانت بأمه شديدة وكان ملاطفا له فَقَالَ له: عدي أيها الملك اطلب لها كمرة حارة فغضب الملك وأمر به أن يقتل. فَقَالَ له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي أن ينعت لها الكمأة فإنا نسخنها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد فَقَالَ له: زعم زهير أنك إنما أردت به كذا وكذا فنظر عدى إلى زهير فَقَالَ: اقلب قلاب فأرسلها مثلا2.
__________
1 في الفائق "قلب" "2/221" الجزء الأخير فقط, وكذلك في النهاية "قلب" "4/97".
2 اللسان "قلب" الصبي "79" جمهرة الأمثال "1/94" المستفصى "1/286".

(2/88)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي1 أُسَيْدٍ قَالَ: الْتَقَطْتُ ظِبْيَةً فِيهَا أَلْفُ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَلْبَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَاتَبَنِي مَوْلايَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَعْطَانِي مِائَتِي دِرْهَمٍ فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَصَبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا رِقُّكَ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ عُتِقَ وَأَنْشِدْهَا فِي الْمَوْسِمِ عَامًا فَأَنْشَدْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ لَهَا عَارِفًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ2
__________
1 ح, د: "مولى أبي أسيد" تحريف. والصواب أسيد, قال الحافظ في الإصابة "4:99" أبو سعيد مولى بني أسيد "بالتصغير".
2 الفائق "ظبى" "2/374" والنهاية "ظبي" "3/155".

(2/88)


حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو مَنْصُورٍ الأَزْهَرِيُّ حدثني بهذا الحديث السعدي أخبرنا عبيد الله بن جرير أخبرنا حجاج أخبرنا حَمَّادٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُسَيْدٍ قَالَ: الْتَقَطْتُ ظِبْيَةً فِيهَا أَلْفُ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَلْبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا.
الظبية شبه الجراب الصغير. ويقال: بل هي كالإداوة تخرز من الأدم والقلب الخلخال ويقال السوار ومعنى أنشدها عرفها. يُقَالُ: أنشدت بالألف إذا عرفت ونشدت إذا طلبت. ومنه الحديث أيها الناشد غيرك الواجد1.
وَقَوْلُهُ: أعطاني مولاي مائتي درهم يريد أنه سوغ له من مال الكتابة مائتي درهم وذلك من المعروف الَّذِي أمر اللَّه به فَقَالَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 2.
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأى العتق واقعا وإن كان الأداء من مال لم يستقر له ملكه / وفيه أَنَّهُ لم يجعل [35] اللقطة ملكا له بعد تعريفها سنة.
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "2/133".
2 سورة النور: "33".

(2/89)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حِينَ اسْتُخْلِفَ خَطَبَ فَقَالَ: إِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِكَلِمَاتٍ فَهَيْمِنُوا عَلَيْهِنَّ1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا ذَا قَرَابَةٍ لِي يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَخْطُبُ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله هيمنوا أي أمنوا عليهن أبدلت الهزة هاء كقولهم أرقت الماء وهرقته وإبرية وهبرية وقد تبدل في موضع التثقيل من الميم ياء كقولهم أيما بمعنى أما قَالَ عمر بن أبي ربيعة:
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/275" بلفظ "ثلاث كلمات إذا قلتها فهيمنوا عليها. وأخرجه أبو نعيم في الحلية "1/53" بنحوه.

(2/90)


رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر1
وقال آخر:
بها جيف الحسرى فأيما عظامها ... فبيض وأيما لحمها فصليب2
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه اشهدوا عليهن من قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 3.
قَالَ أهل التفسير: المهيمن الشهيد وَقَالَ بعضهم: قائما عليه واحتج بقول الشاعر:
إلا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر4
يريد القائم بعده.
وسمعت من يوثق بعلمه يحكي عَنِ العرب هيمن الطائر إذا رفرف على وكره شفقا على فراخه فيكون معناه على هذا راعوهن وأحسنوا حفظهن والقيام عليهن.
__________
1 الديوان "130" ط بيروت برواية "وأما بالعشي فبخصر" وجاء في مغني اللبيب "1/53" برواية "أيما".
2 الجمهرة "1/298" والمفضليات "394" برواية " ... فأما ... وأما جلدها فصليب" وعزى لعلقمة بن عبدة يصف طريقا, والصلب: الودك, وبهسمي المصلوب: لأنه نصب حتى سال ودكه.
3 سورة المائدة: "48".
4 اللسان والتاج "همن" دون عزو.

(2/91)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْجَرْفِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تُطْرِقُوا1 النِّسَاءَ
__________
1 ح: "لاتطرقوا" من أطرق.

(2/91)


وَلا تَغْتَرُّوهُنَّ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرزاق عن عبيد الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله لا تغتروهن معناه لا تغتفلوهن ولا تفاجئوهن على غرة منهن وترك استعداد.
يُقَالُ: اغتررت القوم إذا طلبت الفرصة في غرتهم فأتيتهم وهم لاهون غافلون قَالَ الشاعر:
تأملتها مغترة فكأنما ... رأيت بها من سنة البدر مطلعا
[36] / وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارَ عن جابر أن النبي نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَوْرَاتِهِمْ2.
ومَعْنَاهُ كَيْلا يَطَّلِعَ مِنْهُمْ عَلَى خِيَانَةٍ أَوْ رَيْبَةٍ.
وقد تقع أن الخفيفة بمعنى كيلا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 3 وفي رواية أخرى أَنَّهُ نهى عَنْ ذلك وَقَالَ: لتمتشط الشعثة وتستحد المغيبة4.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/495" عن ابن عمر وأخرجه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا في "9/174" وفي الفائق "غرر" "3/64" ونسب للرسول عليه الصلاة والسلام. وفي معجم البلدان "الجرف": الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام به أموال لعمر بن الخطاب ولأهل المدينة.
2 أخرجه مسلم في الإمارة "3/1528" بلفظ "عثراتهم" بدل "عوراتهم" وأخرجه البخاري عن شعبة عن محارب في العمرة "3/9" مختصرا.
3 سورة النساء: "176".
4 اللسان "حدد" تستحد المغيبة: أي تحلق عانتها والحديث أخرجه البخاري في النكاح "7/6" ومسلم في الإمارة "3/1527" وأبو داود في الجهاد "3/90" والدارمي في النكاح "2/146".

(2/92)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ ثَارَتْ إِلَيْهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَامَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَفْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَيْهِ حَبْرَةٌ وَقَمِيصٌ فُرْقُبِي فَقَالَ: هَكَذَا عَنِ الرَّجُلِ فَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِفَ عَنْهُ1.
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ يحيى بن زكريا المروزي أخبرنا عَمَّارٌ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
الفرقبية يُقَالُ: ثياب بيض من كتان وَقَالَ بعضهم: هو منسوب إلى قرقوب ورواه قرقبي بقافين وحذفوا الواو في النسبة إليها كما حذفوها في النسبة إلى سابور فقالوا: ثوب سابري فإذا قالوا: سابوريّ فأنه ينسب حينئذ إلى نيسابور.
وذكر أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ فَقَالَ: يُقَالُ: ثوب فرقبي الأول بالفاء والثاني بالقاف ومثله ثرقبي كما قالوا: ثوم وفوم وجدث وجدف.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ثَارُوا إِلَيْهِ لَمَّا بَلَغَهُمْ خَبَرُ إِسْلامِهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى طُلِحَ2 يُرِيدُ أعيا وفتر.
__________
1 ذكرهابن هشام في سيرته "1/298 – 299" بلفظ "قميص موشي" بدل "قميص فرقبي" وبلفظ "ثوبا كشط عنه" بدل "ثوبا كشف عنه" وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية "3/82".
2 تقدم تخريجه وهذه الرواية متداخلة في الأولى في السيرة لابن هشام.

(2/93)


يُقَالُ: طلح الرجل يطلح طلحا وبعير طليح وناقة طليح بغير هاء وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا ثعلب للضحاك العقيلي:
وَقَالَ صحابي: هدهد فوق بانة ... هدي وبيان بالنجاح يلوح
وَقَالُوا: حمامات فحم لقاؤها ... وطلح فنيلت والمطي طليح1
والطلح النعمة أيضا قاله ابن السّكّيت عن أبي عَمْرو قَالَ الأعشى:
كم رأينا من أناس هلكوا ... ورأينا الملك عمرا بطلح2
__________
1 الدرة الفاخرة "251" برواية:
وقالوا: تغنى هدهد فوق بانة ... فقلت: هدى نغدو به ونروح
وقالوا: حمام قلت: حم لقاؤهم ... وعادت لنا ريح الوصال تفوح
والبيتان في المحاسن والمساوئ "17" والحيوان "3/446" والمعاني الكبير "265" دون عزو.
2 الجوهرة "طلح" "2/171" وجاء فيها: وذو طلح موضع. وجاء في معجم ما استعجم "3/892" وجاء فيه: طلح بفتح أوله وثانيه بعده جاء مهملة موضع في ديار بني يربوع. ووقال يعقوب: الطلح ابنعمة وأنشد بيت الأعشى ثم قال: ويقال طلح: موضع والبيت في الديوان "237" ط النموزجية بالقاهرة سنة "1950" برواية "رأينا المرأ عمرا بطلح".

(2/94)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ لما عزل حبيب بن مسلمة عَنْ حمص وولى عَبْد اللَّه بن قرط قَالَ حبيب: رحم اللَّه عُمَر ينزع قومه ويبعث القوم العدى1.
العدى الأباعد والأجانب ولم يأت من النعوت على وزنه إلا قولهم مكان سوى2 قال الشاعر:
__________
1 الفائق "2/400" والنهاية "عدا" "3/194".
2 في اللسانن "عدا" قال ابن سيرافي: لم يأت فعل صفةإلا قوم عدى, مكان سوى وماء روى وماء صرى, وملامة ثنى وواد طوى. وقد جاء الضم في سوى وثنى وطوى, قال: وجاء على فعل من غير المعتل: لحم زيم وسبي طيبة.

(2/94)


إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب1
والعدى الأعداء أيضا وليس هذا موضعه قَالَ الشاعر:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدهر2
فأما العدى مضمومة العين فهم الأعداء لا غير.
__________
1 اللسان والتاج "عدا" وقال لين يري: هذا البيت يروى لزرارة بن سبيع الأسدي وقيل: هو لنضلة بن خالد الأسدي وقال ابن السيرافي: هو لدودان بن سعد الأسدي وهو في الفائق "عدا" من غير عزو.
2 اللسان والتاج "عدا" وعزي للأخطل وقال ابن الأعرابي: معنى العدى في قول الأخطل التباعد وهو في ديوانه "1/179" من قصيدة يهجو بها قبائل قيس.

(2/95)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ مَاتَ فَأُبْسِلَ مَالُهُ بَدَيْنِهِ فَبَلَغَ عُمَرُ فَرَدَّهُ فَبَاعَهُ ثَلاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً فَقَضَى دَيْنَهُ1.
مِنْ حَدِيثِ قتيبة بن سعيد أخبرنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
قوله: / أبسل ماله أي أسلم ماله إذ كان المال بالدين مستغرقا. [37]
يُقَالُ: أبسل الرجل بجريرته إذا أسلم لها ومنه قول اللَّه {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} 2 وَقَالَ الشنفري:
هنالك لا أرجو حياة تسرني ... سجيس الليالي مبسلا بالحرائر3
والبسل أيضا بمعنى الحرام قال الشاعر:
__________
1 د: "يقضي دينه" والحديث ذكره الحافظ في الإصابة "1/49" بنحوه عن عروة وعزاه لابن السكن.
2 سورة الأنعام: "70".
3 الفائق "بسل" "1/108" والطرائف الأدبية "36" واللسان "بسل" برواية:
"سمير الليالى مبسلا لجرايري"
وفي مادة "سجس"
"سجس الليالي مبسلا بالجرائري".

(2/95)


فجارتكم بسل علينا محرم ... وجارتنا حل لكم وحليلها1
ولهذا سمي الرجل الشجاع باسلا وتأويله أن يكون ممنوعا من قرنه محرما عليه قرنه.
فأما قول عُمَر في دعائه آمين وبسلا2 فمعناه إيجابا يا رب وتحقيقا له وهو أن يدعو الداعي فإذا فرغ من دعائه قَالَ: آمين وبسلا قال الرجز:
لا خاب من نفعك من رجاكا ... بسلا وعادي اللَّه من عاداكا3
وكان رد عُمَر بيع أصول النخل على وجه النظر للورثة والإبقاء عليهم ورأي أن يبيع ثمرها ثلاث سنين فيقضي منه دينه أي4 يؤاجرها.
والحديث إن جاء بلفظ البيع فالمراد به الإجارة وبيع المنفعة كبيع العين.
__________
1 اللسان والتاج "بسل" برواية: "أجارتكم بسل" وعزي للأعشى, وهو في ديوانه "1/175" برواية "أجرتكم".
2 الفائق "بسل" "1/108" والنهاية "بسل" "1/128".
3 د: "من نفسك" بدل "من نفعك" وهو في الفائق "بسل" "1/108" وعزي لأبي نخيلة ونسب في اللسان "سل" للمتلمس, والبيتان في ديوانه "307".
4 س: "أن يؤاجرها".

(2/96)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ الْخَيْلَ أَغَارَتْ بِالشَّامِ فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابُ مِنْ يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتِ الْكَوَادِنُ ضُحَى الْغَدِ وَعَلَى الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمَدَانَ يُقَالُ لَهُ المنذر بن أبي حمضة فَقَالَ: لا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ فَفَضَّلَ الْخَيْلَ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: هَبِلَتِ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ امْضُوهَا عَلَى ما قال:1\
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/302" وعبد الرزاق في مصنفه "5/183" والبيهقي في سننه "6/326, 9/51" بنحوه.

(2/96)


أخبرناه محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ.
قوله لقد أذكرت به أي جاءت به ذكرا من الرجال شهما.
يُقَالُ: أذكرتِ المرأةُ إذَا جاءت بولَدٍ ذكر فهي مذكر فإذا كانت من عادتها أن تلد الرجال1 قيل مذكار وكذلك آنثت المرأة فهي مؤنث إذا جاءت بأنثى فإذا كان ذلك من عادتها قيل مئناث وكذلك أتأمت فهي مئتم فإذا كان ذلك من عادتها قيل متآم قَالَ ذو الرمة:
أبونا إياس قدنا من أديمه ... لوالدة تدهي البنين وتذكر2
أي تأتي بهم ذكورا دهاة ومن هذا قول الزهري الحديث ذكر ولا يحبه إلا ذكور الرجال.
وَقَوْلُهُ هبلت الوادعي أمه لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح والتقريظ ويقع ذلك في كلامهم على وجهين أحدهما للمدح والآخر للحض والتحريض.
ووادعة بطن من همدان ومن المحدثين من يرويه لقد أذكرت به يذهب إلى أَنَّهُ قد ذكر بقوله أمرا قد كان أنسيه وليس هذا بشيء فأما قوله تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} 3 فقد قرىء4 بالتخفيف والتثقيل ومعنى أحدهما غير معنى الآخر
__________
1 ح: "الذكور".
2 الديوان "238" وجاء في الشرح: لوالدة يعني خندف.
3 سورة البقرة: "282".
4 ح: "روي" بدل "قرئ".

(2/97)


أخبرنا أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن [38] العلاء من قرأ فَتُذَكِّرَ / إحداهما الأخرى بالتشديد فهو من طريق التذكير بعد النسيان تقول لها تذكرين يوم شهدنا في موضع كذا وبحضرتنا فلان أو فلانة حتى تذكر الشهادة.
ومن قرأ فتذكر قَالَ: إذا شهدت المرأة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها أذكرتها لأنهما يقومان مقام رجل

(2/98)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ نَدَبَ النَّاسُ مَعَ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَشْجَعِيِّ إِلَى بَعْضِ أَرْضِ فَارِسَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَصَابُوا سَفَطَيْنِ مَمْلُوءَيْنِ جَوْهَرًا فرأوا أن يكونا لِعُمَرَ خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَدَعَا سَلَمَةَ رَجُلا فَأَمَرَهُ بِحَمْلِ السَّفْطَيْنِ إِلَى عُمَرَ فَانْطَلَقْنَا بِالسَّفْطَيْنِ نَهُزُّ بِهِمَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَذَكَرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَحَضَرَ طَعَامَهُ فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ بِسُوَيْقٍ فَنَاوَلَتْهُ إياه قال: فجعلت إذا أنبأنا حَرَّكْتُهُ ثَارَ لَهُ قُشَارٌ وَإِذَا تَرَكْتُهُ نَثَدَ قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى ذِكْرِ السَّفْطَيْنِ فَلَكَأَنَّمَا1 أَرْسَلْتُ عَلَيْهِ الأَفَاعِي وَالأَسَاوِدَ وَالأَرَاقِمَ وَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. قَالَ: ثُمَّ حَمَلَنِي وَصَاحِبِي عَلَى نَاقَتَيْنِ ظَهِيرَتَيْنِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ المعتمر حدثني شقيق بن
__________
1 د، ح: فكأنما".
2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه ط2/192" في حديث طويل جدا بلفظ: "تند" بدل "نثد" وهو تصحيف.

(2/98)


سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ عَنْ رَجُلٍ1 قَالَ: أَرْسَلَنِي سَلَمَةُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى عُمَرَ.
قوله نهز بهما أي نسرع ونحمل على الإبل في السير وأصل الوهز شدة الوطء ورواه بعضهم نهز بهما أي نحرك بهما من الهز.
والقشار القشر. وقولهُ نثد لا أدري ما هو وأراه رثد أي اجتمع في قعر القدح وصار بعضه فوق بعض.
يُقَالُ: رثدت الشيء إذا نضدته والاسم منه الرثد مثل النضد.
قَالَ الشاعر يذكر النعامة والظليم:
فتذكرا رثدا نضيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر2
ويجوز أن يكون نثد من النثط والدال تبدل طاء لقرب مخرجهما وَقَالَ أعرابي لرجل: ما أبعط طارك يريد ما أبعد دارك.
وَقَالَ ابن الأعرابي والنثط التثقيل ويروي عَنْ كعب أَنَّهُ قَالَ: نثطت الأرض بالآكام أي ثقلت بها.
وَقَوْلُهُ ناقتين ظهيرتين أي قويتين يُقَالُ: بعير ظهير أي قوي
__________
1 في سنن سعيد بن منصور "2/192" عن الرسول الذي جرى بين غمر بن الخطاب رضي اللععنه وسلمة بن قيس الأسدي.
2 اللسان والتاج "رثد" برواية "فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما" والبيت في المفضليات "130" ضمن قصيدة طويلة لثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني برواية اللسان – وجاء في شرح المفضليات: الثقل: التاع, وكل شيء مصون, وأورد به بيضها والرثيد: المنضود بعضه فوق بعض, ذكاء: اسم للشمس الكافر: الليل لأنه يغطي يظلمته كل شيء وقوله: "ألقت يمينها في كافر" أي تهيأت للمغيب.

(2/99)


الظهر وناقة ظهيرة والفعل منه ظهر ظهارة والأساود الحيات جمع أسود سالخ1.
وأفعل إذا كان نعتا جمع على فعل كقولك أسود وسود وعلى أفعلين نحو أسودين وأحمرين قَالَ الكميت:
فما وجدت بنات بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا2
وإذا كان أفعل اسما جمع على أفاعل كالأجادل والأداهم إذا أردت القيد وهو نعت غالب يجري مجري الأسماء قَالَ الشاعر:
وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود
__________
1 اللسان "سود" قيل للأسود أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام.
2 شعر كميت "2/116" برواية: "فما وجدت نساء بني نزار".

(2/100)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرْسَلَ أُمَّ كُلْثُومَ إِلَيْهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَجَاءَتْهُ [39] فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي يَقُولُ لَكَ: هَلْ / رَضِيتَ الحلة فقال: نعم قد رَضِيتُهَا1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث عن هشام به سَعْدٍ عَنْ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيُّ. كَانَ عُمَرُ قَدْ خَطَبَ إِلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ وَإِنِّي مُرْسِلُهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى صِغَرِهَا فَأَرْسَلَهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِا قَالَ: قَدْ رَضِيتُ الْحُلَّةَ يُكَنِّي بِذَلِكَ عَنْهَا وَقَدْ يُكَنَّى عَنِ النِّسَاءِ بِالثِّيَابِ وَاللِّبَاسِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 2
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "8/464" بلفظ "البرد" بدل "الحلة".
2 سورة البقرة: "187".

(2/100)


وأخبرني بعضُ أصحابنا عَنْ إبراهيم بن مُحَمَّد بن عرفة النحوي في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 معناه نساءك طهرهن. ويقال: نفسك طهرها لأن الثياب يكني بها عَنِ النفس أنشدني بعضهم أنشدنا ابن الأنباري:
رَموْها بأثوابٍ خِفَافٍ فَلنْ تَرَى ... لها شَبَهًا إلا النعام المنفرا2
يريد بأنفس خفاف وقال آخر:
ألا أبلغ حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري3
أي نفسي ويقال: بل أراد فدى لك أهلي وكلاهما وجه4. ومِنْ هَذَا قَوْلُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ حِينَ قال رسول الله لِلأَنْصَارِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ" فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بنْ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ والذي بعثك بالحق لنمنعنك مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَزْرَنَا5 أَيْ أَنْفُسُنَا وَنِسَاءُنَا.
والحلة: ثوبان إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون جديدة تحل عَنْ طيها.
__________
1 سورة المدثر:"4".
2 اللسان والتاج "ثوب" وعزي لمرئ القيس ولم أقف عليه في ديوانه: المعارف. وسبق في الجزء الأول لوزحة "78, 234".
3 اللسان والتاج "أزر" والبيت لنفيلة الأكبر الأشجعي وكنيته أبو المنهال وهو ضمن ستة أبيات وللشعر قصة في اللسان.
4 في اللسان "أزر" قال أبو عمرو الجرمي: يريد بالإزر ههنا المرأة.
5 أخرجه البيهقي في حديث طويل في دلائل النبوة "2/185" وابن هشام في سيرته "2/63" وذكره ابن كثير في السيرة النبوية "2/197".

(2/101)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: تَصَدَّقْ بِأَرْضِ كَذَا قَالَ عُمَرُ: وَلَمْ يَكُنْ لَنَا مَالٌ أَرْصَفُ بِنَا مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "تَصَدَّقْ وَاشْتَرِطْ" 1.
حَدَّثَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ الأُبَلِيُّ ناعبد الله بن رجاء الغداني أنبأنا حرب بن فلان أراه بن شَدَّادٍ ذَهَبَ اسْمُهُ مِنْ كِتَابِي عن يَحْيَى بن أبي كَثير حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ بذلك.
قال ابن داسة أرصف وهو غلط والصواب أرضف بالصاد غير معجمة يريد أرفق بنا والرصافة الرفق في الأمور.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ: عرض على رجل عدة من الغلمان فَقَالَ أعرابي اشتر هذا فإنه أرصف بك في أمورك أي أوفق لك وأرفق بك قَالَ: وسميت الرصافة لأنه بناها قوم كان لهم بصر ورفق.
__________
1 أخرجه البخاري قصة وقف عمر في الوصايا "4/14" ومسلم في الوصية "3/1255" والبيهقي في سننه "6/159" وغيرهم بلفظ " ... أصبت أرضا مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها", فتصدق عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث ... ".
والحديث في الفائق "رصف" "2/61" والنهاية "رصف" "2/228".

(2/102)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا بَيْنَ الْجِبَالِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا نَاسٌ بَيْنَ الْجِبَالِ لا نُهِلُّ الْهِلالَ إِذَا أَهَلَّهُ النَّاسُ فَبِمَ تَأْمُرُنَا قَالَ: الْوَضْحُ إِلَى الْوَضْحِ فَإِنْ خُفِيَ عَلَيْكُمْ فَأَتِّمُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ انسكوا1.
__________
1 لم أجده من حديث عمر وقد أخرجه الطبراني عن والد أبي المليح بلفظ "صوموا من وضح إلى وضح", كما في كنز العمال "8/490" وانظر الفائق "هلل" "4/110".

(2/102)


أخبرناه محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أنبأنا أَبُو عُوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله الوضح إلى الوضح يريد الهلال إلى الهلال وأصل الوضح البياض ومنه الحديث "غيروا الوضح" 1 أي بياض الشيب قَالَ لبيد:
/ إن ترى رأسي أمسى واضحا ... سلط الشيب عليه فاشتعل2 [40]
ويقال بفلان وضح أي بياض يكنون به عَنِ البرص وَقَالَ الطرماح يصف ثورا:
أَحَمُّ بأطرافه حُوَّةٌ ... وسائِرُ أجلادِه واضحه3
ويقال: وضح القمر إذ بان بيانا تاما وبهر إذا أضاء.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ المروزي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ أخبرنا أحمد بن زيد الخزاز أخبرنا ضمرة أخبرنا يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ عَنْ أَبَانَ عن أنس أن النبي أَمَرَ بِصِيَامِ الأَوَاضِحِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وأربع عشرة وخمس عشرة4.
__________
1 الفائق "وضح" "4/66" والنهاية "وضح" "196:5".
2 كذا في س, وشرح الديوان "177" وفي د, ح: "أن ترى ... ".
3 الديوان "77" وجاء في الشرح: الأحم هنا الأبيض والحوة: سواد ليس بشديد إلى الخضرة ما هو, وأجلاده: جماعة جسمه, واضحة: بيضاء من الوضح وهو البياض, وسبق في الجزء الأول لوحة "114".
4 لم أجده من حديث أنس وقد أخرجه البيهقي في سننه "4/294" عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عبد الملك بن قتادة عن أبيه بلفظ: " ... يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة, وأربع عشرة, ةخمس عشرة" وانظر الفائق "وضح" "4/66" والنهاية "وضح" "5/196".

(2/103)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَغْذُوا أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ"1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سلمة أخبرنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ عَنِ الْحَسَنِ.
يُقَالُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَطْءُ الْحَبَالَى مِنَ السَّبْيِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلمفي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: "لا تُنْكَحُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلا حَائِلٌ حَتَّى تحيض" 2.
__________
1 النهاية "إذا" "3/348".
2 أخرجه أبو داود في النكاح "2/248" بلفظ "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" والدارمي في الطلاق "2/171" بمثله, كذلك أحمد في مسنده "3/87" والبيهقي في السنن الكبرى "7/449" وأخرجه أحمد في مسنده "3/62" بلفظ: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" وذكره الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية "3/234" بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع أو الحامل حتى تستبرأ بالحيضة".

(2/104)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً مُتَزَيِّنَةً أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْبُرُوزِ فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: هذه الخارجة وهذا المرسلها ولو قَدَرْتُ عَلَيْهِمَا لَشَتَّرْتُ بِهِمَا ثُمَّ قَالَ: تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ إِلَى أَبِيهَا يَكِيدُ بِنَفْسِهِ أَوْ إِلَى أَخِيهَا يَكِيدُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا خَرَجَتْ فَلْتَلْبِسْ مَعَاوِزَهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ. أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر عن ليث
__________
1 أخرحه عبد الرزاق في مصنفه "4/371 – 372" بدون لفظ "في البروز" وبلفظ "وهذا لمرسلها" وقال: "يكيد بنفسه وإلى أخيها".

(2/104)


قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: شترت بالرجل وهجلت به ونددت به وسمعت به تشتيرا وتهجيلا إذا أسمعته القبيح وشتمته.
قَالَ شمر بن حمدويه شنرت بالرجل بالنون تشنيرا من الشنار وهو العيب1.
قَالَ ويقال: تثول القوم على تثولا وتبكلوا تبكلا واغرندوا اغرنداء واغلنتوا اغلنتاء كل هذا إذا علوه بالشتم والضرب.
والمعاوز خلقان الثياب واحدها معوز ومعوزة قَالَ الشماخ يصف قوسا:
إذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيرا ولم تدرج عليها المعاوز2
وَقَوْلُهُ يكيد بنفسه أي يسوق سياق الموت.
__________
1 ساقط من د.
2 الديوان "193" برواية "وأكرمت" بدل وأشعرت".

(2/105)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَخَرَجَ بِالْقِسَامِ فَقَسَّمُوهَا عَلَى عَدَدِ السِّهَامِ وَأَعْلَمُوا أُرَفَهَا وَجَعَلُوا السِّهَامَ تَجْرِي فَكَانَ لِعُثْمَانَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ وَلِفُلانٍ خَطَرٌ. وَلِفُلانٍ نِصْفَ خَطَرٍ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ.
الأرف الحدود واحدتها أرفة. وفي بعض الحديث "إذا وقعت الأرف فلا شفعة" 2.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/720 – 721".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/105" بلفظ "والأرف تقطع كل شفعة" عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(2/105)


قال أبو عمرو: قد روي بعض الحديث "إذا وقعت الجوامد بطلت الشفعة" 1. قال: والجامد الحد بين الدارين والخطر معناه الحظ والنصيب ولا يُقَالُ: ذلك إلا في الشيء الَّذِي له قدر ومزية ويستعمل في الشيء التافه.
ويقال: فلان خطير فلان إذا كان نظيره ومعادلا في القدر والمنزلة له. والمعنى أن عُمَر فضل بعضهم على بعض فجعل لعثمان وعبد الرحمن الحظ الوافي منها ونقص غيرهما.
[41] قَالَ الواقدي وإنما هذه الطعم من خمس رسول اللَّه صلى الله عليه / أطعمهم إياها سوى سهمانهم التي ضربوا فيها من المغنم.
__________
1 الفائق "جمد" "1/237" والنهاية "جمد" "1/292" وعزاه للغريبين وهو في الغريبين "1/391

(2/106)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَر الَّذِي يُرْوَى1 أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا2.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يحيى أنبأنا ابن المنذر أخبرنا إبراهيم بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن بكر حدثنا هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنِ الْجَدِّ فقال: ماتصنع بِالْجَدِّ لَقَدْ حَفِظْتُ عَنْ عُمَرَ مِائَةَ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد أنكر بعض العلماء هذه الرواية إنكارا شديدا وَقَالَ: أرى هذا من مطاعن من يتنقص السلف ويتتبع لهم المساوىء قال:
__________
1 ط: "يرويه".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/245".

(2/106)


وأين بيان1 ما يدعى من ذلك وفي أي رواية توجد هذه المائة2 قضية بل أين العشر منها فما دونها وإلى أي الوجوه3 ينشعب مائة حكم مختلف من مسائل توريث الجد. هذا لا وجه له ولا موضع لتوهمه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كان أمر الجد مع الإخوة من الأمور التي ظهر فيها الاختلاف زمان عُمَر وكثر تتبعه لعلمه واشتد فحصه عنه فأما زمان أبي بكر رحمه اللَّه فقد مضى وتصرم على أن الحكم الجد مع الأخوة حكم الأب لم يظهر فيه من أحد من الصحابة ما يعد خلافا وإنما كان اختلاف القوم واجتهاد الرأي منهم فيه على عهد عُمَر وذلك أنهم لم يجدوا في كتاب اللَّه للجد ذكرا ولا في سنة رسول اللَّه من أمره بيانا شافيا إنما أكثر شيء بلغهم أنه ورث الجد السدس على الإبهام دون التمييز له والتفصيل لمواضعه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أخبرنا أبو داود أخبرنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا ورث رسول الله الْجَدَّ فَقَالَ مَعْقَلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَا وَرَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ السُّدُسَ فَقَالَ: مَعَ مَنْ قَالَ: لا أدري قال: لا دريت فما يُغْنِي إِذًا4 ثُمَّ انْتَهَى بِهِ الأَمْرُ إِلَى تَوْرِيثِ الإِخْوَةِ مَعَهُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَارْتِفَاعٍ فِيهَا وَانْحِطَاطٍ فَكَانَ أَوَّلا يُوَرِّثُهُ السُّدُسَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ ثُمَّ رَفَعَهُ بعد إلى
__________
1 ساقطة من د.
2 ط, ح: "المائة القضية".
3 د: "وجه".
4 أخرجه أبو داود في الفرائض "3/122" والبيهقي في السنن الكبرى "6/244" بنحوه.

(2/107)


الثُّلُثِ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ انْتِقَالٌ عن هذه الجملة ولا خروج عَنْهَا آخِرَ أَيَّامِهِ.
ووجه ما رويناه عَنْ عبيدة وتأويله أن عمر رحمه الله وإن كان قد صار إلى المقاسمة بالإخوة الجد فإنما كانه مصدره عَنْ رأي ارتآه واجتهاد اجتهده فكان لا يزال يجد في نفسه منه شيئا يريبه وشبهة تعارضه إذ ليس للاجتهاد موقف النص في بيان الأحكام ولو وجد نصا أو توقيفا لانتهى إليه ولم يعرج علي غيره فكان دأبه أن يستبرىء تلك الشبه أبدا ويناظر الصحابة عليها ويفتن به القول في الحجاج ويتشعب في وجوه تكثر وتختلف يحسبها من ليس بالكامل فقها وعلما إنها كلها على اختلافها وتباين جهاتها قضايا منه وأحكام فعلى هذا المعنى أضيفت إليه هذه الأقوال والله أعلم.
وأخبرنا محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ [42] عُمَرُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلالَةِ كِتَابًا فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ خَيْرًا فَامْضِهِ حَتَّى إِذَا طُعِنَ / دَعَا بِالْكِتَابِ فَمُحِيَ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلالَةِ كِتَابًا وَكُنْتُ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كنتم عليه1.
__________
1 أخرجه عبد الرواق في مصنفه "10/301" بزيادة "فمحي فلم يدر أحد ما كان فيه" وبلفظ "استخير الله" بدل "استخرت الله" وانظر كنز العمال "11/80".

(2/108)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَجَدَ رِيحً طَيِّب فَقَالَ: مَنْ قَشَبَنَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَطَيَّبَتْنِي وَكَسَتْنِي هَذِهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ أَخَا الْحَاجِّ الأَشْعَثَ الأدفر الأشعر1.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "6/325" بطوله بألفاظ متقاربة عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عمر وانظر كنز العمال "5/245, 247, 249".

(2/108)


أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ حدثنا سعيد بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن زياد أخبرنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله من قشبنا يريد من أصابنا بهذه الرائحة ومن أنشقناها. يُقَالُ: قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأصل القشب خلط السم بالطعام يُقَالُ: قشبه إذا سمه وقشبتنا الدُّنْيَا أي فتنتنا فصار حبها كالسم الضار ثم قيل على هذا قشبه الدخان وقشبته الريح الذكية إذا بلغت منه الكظم ومثله فغمته. والقشب نوع من السم.
وَقَوْلُهُ إن أخا الحاج الأشعث يريد الحاج نفسه والأخ صلة وزيادة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ولا تجهروا له بالقول {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} 1 يَا رَسُولَ اللَّهِ لا كَلَّمْتُكَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ إِلا كَأَخِي السِّرَارِ2. سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ يَقُولُ أَرَادَ كَالسِّرَارِ فأنشدنا عَنْ أَبِي العباس:
لا يدرك الحاجة بعد الكرب ... إلا محب وأخو محب
وقد يجوز أن يكون معناه كصاحب السرار والأدفر السيىء الرائحة ومنه قيل للدنيا أم دفر فأما الذفر بالذال معجمة فهو كل ريح ذكية طيبة كانت أو منتنة. يُقَالُ: مسك أذفر والأشعر الوافي الشعر يريد أن من حكم الحاج وصفته أن يكون كذلك.
__________
1 سورة الحجرات: "2".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/462" وذكره السيوطس في الدار المنثور "6/84" وعزاه لعبد بن حميد والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وكلاهما بلفظ "لاأكلمك".

(2/109)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: أَكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَسْهَلَ لَكَ عِنْدَ أَوَانِ نُزُولِهِ فلماذا مَلِلْتَ مِنْ أُمَّتِكَ إِمَّا تُعِينُ صَالِحًا أَوْ تُقَوِّمُ فَاسِدًا فَقَالَ: يابن عَبَّاسٍ إِنِّي قَائِلٌ قَوْلا وَهُوَ إِلَيْكَ قَالَ: قُلْتُ لَنْ يَعْدُونِي. قال: كَيْفَ لا أُحِبُّ فِرَاقَهُمْ وَفِيهِمْ نَاسٌ كُلُّهُمْ فَاتِحٌ فَاهُ لِلْهُوَّةِ مِنَ الدُّنْيَا. إِمَّا بِحَقٍّ لا يَنُوءُ بِهِ أَوْ1 بِبَاطِلٍ لا يَنَالُهُ وَلَوْلا أَنْ أُسْأَلَ عَنْكُمْ لَهَرَبْتُ مِنْكُمْ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ مِنِّي بَلاقِعَ فَمَضَيْتُ لِشَأْنِي وَمَا قُلْتُ مَا فَعَلَ الْغَالِبُونَ2.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن إسماعيل3 أخبرنا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن دريد أنبأنا أَبُو حَاتِمِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ.
قوله وهو إليك يريد وهو سر أفضي به إليك أو أمانة ألقيها إليك أو نحو هذا من الكلام. وفيه إضمار واختصار.
قوله كلهم فاتح فاه يريد كل واحد منهم فاتح فاه كقول الشاعر أنشدناه أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس أنشدنا الزبير بن بكار:
فكلهم لا بارك اللَّه فيهم ... إذا جاء ألقي خده فتسمعا
واللهوة العطية وتجمع على اللهى قَالَ الشاعر:
أتيتك إذ لم يبق في الناس سيد ... ولا جابر يعطي اللهى والرغائبا
__________
1 ح: "وإما بباطل".
2 الفائق "خشي" "1/371" والنهاية "خشي" "2/35" و"بلق" "1/153" و"لهق" "4/284" وفي الشرح: اللهو ما ألقى من الحب في فم الرحى فاستعير للعطية والمنالة والبلاقع جمع بلفع وصف بالجمع مبالغة.
3 ط: "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ".

(2/110)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ حَانُوتًا.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعْدِ1 بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ أَحْرَقَ بَيْتَهُ2.
قوله كان حانوتا يريد بيتًا تعاقر فيه الخمر وتباع وكانت العرب تسمى بيوت الخمارين الحوانيت قَالَ طرفه:
وإن تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد3
وأهل العراق يسمونها المواخير فأمَّا حوانيت الباعة والتجار فإن أهل الحجاز يسمونها المقاعد قَالَ غنيم بن قيس يرثي رسول الله صلى لله عليه:
ألالي الويل على مُحَمَّد ... قد كنت في حياته بمقعدي
أنام ليلي آمنا إلى الغد
ومقعد الرجل أيضا منزله ومسكنه.
__________
1 س: "سعيد بن إبراهيم" والمثبت من د, ح, والإصابة "522".
2 ذكره الحافظ في الإصابة "1/522".
3 الديوان "29".

(2/112)


ضروس وهي التي تعض حالبها والضمس كالضبس سواء وقد ذكره أَبُو عبيد في كتابة1.
والباء قد تبدل ميما وكذلك الميم تبدل باء وذلك لقرب مخرجيهما2 كقولهم سمد رأسه وسبده ولازم ولازب والأكنع الأشل وقد كانت يده أصيبت مع رسول اللَّه وقاه بها يوم أحد.
__________
1 أخرجه أبو غبيد في غريبه "3/323".
2 د, ط: "لقرب مخارجهما".

(2/112)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر أن عمرو بن معديكرب قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلاةَ الصُّبْحِ فَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلا يُصَلِّيَنَّ وَهُوَ مُوجَحٌ قُلْنَا وَمَا الْمُوجِحُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: مَنْ خَلاءٍ وَبَوْلٍ1.
حَدَّثَنِيهِ عبد العزيز بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أنبأنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ عبد الله بْنَ رَافِعٍ الْحَضْرَمِيَّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ معديكرب.
قوله موجح مأخوذ من الوجاح وهو الستر والغطاء يريد وهو / مثقل بالأخبثين. يُقَالُ: ثوب [44] وجيح إذا كان كثيفا ويقال: ليس بيني وبينه وجاح أي ستر قَالَ ابن السكيت وفيه لغات:
وجاح ووجاح وإجاح وإجاح وثوب موجح. قال ابن هرمة:
تسر صديقي بالحجاز ويكتسي ... عدوى بها ثوبا من الرغم موجحا2
والوجح أيضا الملجأ والملاذ فعلى هذا يكون معنى الموجح الملجأ المرهق.
__________
1 الفائق "وجح" "4/45" والنهاية "وجح" "5/155".
2 لم أقف عليه قي شعر اين هرمة طبعتي دمشق وبغداد.

(2/113)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّ السَّائِبَ بْنَ الأَقْرَعِ قَالَ: وَرِدْتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ بِخَبَرِ فَتْحِ نَهَاوَنْدَ فَلَمَّا رَآنِي نَادَانِي مِنْ بَعِيدٍ وَيْحَكَ مَا وَرَاءَكَ فَوَاللَّهِ مَا بِتُّ هَذَهِ اللَّيْلَةَ إِلا تَغْوِيرًا. قُلْتُ أَبْشِرْ بِفَتْحِ اللَّهِ

(2/113)


وَنَصْرِهِ. قَالَ: وَكُنْتُ حَمَلْتُ مَعِي سَفْطَيْنِ مِنَ الْجَوْهَرِ فَفَتَحْهُمَا كَأَنَّهُ النِّيرَانِ يَشِبُّ بَعْضُهُ بَعْضًا1.
حَدَّثَنِيهِ الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا قتيبة أخبرنا عمرو بن محمد العنقري أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ2 عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ إِلا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: تَغْرِيرًا.
ورواه مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فَقَالَ: تغويرا وهو الصواب.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: غور الرجل تغويرا إذا قَالَ: والتغوير القائلة يريد أنه لم ينم تلك الليلة إنما كان نومه من النهار قائلة وَقَالَ الراعي:
ونحن إلى دفوف مغورات ... نقيس على الحصا نطفا بقينا3
يريد إبلا قوائل استراحت ساعة ثم ارتحلت. ومن رواه تغريرا جعله من الغرار وهو النوم القليل. يُقَالُ: ما ينام المريض إلا غرارا.
وَقَوْلُهُ يشب بعضه بعضا يريد أَنَّهُ كان يتلألأ ويتوقد كالنار ضياء ونورا. يُقَالُ: شببت النار إذا أوقدتها.
__________
1 الفائق "غور" "3/80" والنهاية "غور" "80:3" والنهاية "غور" "3/393".
وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/11, 112" قصة السفطين بسياق آخر.
2 ح: "الذهلي" تحريف وفي التقريب "2/401" أبو بكر الهذلي قيل: اسمه سلمي بضم المهملة ابن عبد الله وقيل: روح أخباري, متروك الحديث "توفي 167 هـ.
3 اللسان والتاج "غور" برواية "يقسن على الحصا تطفا لقينا" والديوان "147".

(2/114)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ وَلِيدَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا مَرْجَانَةُ أَتَتْ بِوَلَدِ زِنًا فَكَانَ عُمَرُ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ ويسلت خشمه1.
__________
1 الفائق "سلت" "2/193" والنهاية "سلت" "2/388".

(2/114)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا منصور بن سلمة الخزاعي أخبرنا خَلادُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ حَدَّثَنِي نَافِع بن أَبِي نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ.
قوله يسلت خشمه أي يمري أنفه ويمسح ما سأل منه وأصل السلت القطع ومنه سلت القصعة وهو أن يمسح ما علق بها من الطعام فيقطعه عنها.
ومنه الحديث الآخر أن عاصم بن سفيان الثقفي حدث عُمَر بحديث فيه تشديد على الولاة. فَقَالَ عُمَر على جبهته إنا لله وإنا إليه راجعون من يأخذها بما فيها فَقَالَ سلمان من سلت اللَّه أنفه وألزق خده بالأرض1.
قَالَ أَبُو مالك2: كل شيء سلته وانتزعته من شيء فهو سليت قَالَ: ومنه قيل للدهن سليت3 وسليط وتقلب التاء طاء والخشم ما يسيل من الخياشم.
وفي الحديث من العلم أن حكم ولد الزنا حكم غيره في مراعاة الحرمة وأنه لا ذنب له فيما ارتكب والداه قَالَ اللَّه تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 4 فأَمَّا الحديث الَّذِي يروى "ولد الزنا شر الثلاثة" 5. فقد روي عَنْ بعض السلف أَنَّهُ قَالَ: إنما جاء ذلك في رجل بعينه كان موسوما بالشر.
__________
1 أخرجه ابن الأثير حديث التشديد على الولاة في أسد الغابة "3/113 – 114" عن بشير بن عاصم عن أبيه بدون ذكر عمر وسليمان وذكره صاحب كنز العمال في "5/758, 762" إلا أنه ذكر الحديث عن بشير بن عاصم وذكر أبا ذر بدل سليمان.
2 د: "ابن مالك".
3 ساقط من د, ح.
4 سورة الأنعام: "164".
5 أخرجه أحمد في مسنده "2/311" وأبو داود في العتق "4/29" عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "ولد الزنا أشر الثلاثة" راجع مصنف عبد الرزاق "7/455".

(2/115)


[45] وَقَالَ بعضهم: إنما صار ولد الزنا شرا من والديه لأن الحد قد يقام عليهما / فتكون العقوبة تمحيصا لهما وهذا في علم اللَّه تعالى لا يدرى ما يصنع به وما يفعل في ذنوبه.
أَخْبَرَنَا ابْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم قَالَ كَانَ أَبُو وَلَدِ الزِّنَا يكثر أن يمر بالنبي فَيَقُولُونَ هُوَ رَجُلُ سُوءٍ يَا رسول الله فيقول: هُوَ شَرُّ الثَّلاثَةِ يَعْنِي الأَبَ قَالَ فَحَوَّلَ النَّاسُ الْوَلَدَ شَرُّ الثَّلاثَةِ. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قِيلَ وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلاثَةِ قَالَ بَلْ هُوَ خَيْرُ الثلاثة1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/455".

(2/116)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَأَتَوْهُ بِهِ فَقَالَ إِيتُونِي بِسَوْطٍ فَأَتَاهُ أَسْلَمُ مَوْلاهُ بِسَوْطٍ دَقِيقٍ فَقَالَ عُمَرُ لأَسْلَمَ لَقَدْ1 أَخْذَتْكَ دِقْرَارَةُ أَهْلِكَ إِيتِنِي بِغَيْرِ هَذَا فَأَتَاهُ بِسَوْطٍ تَامٍّ فَجَلَدَهُ بِهِ2.
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي عُرَابَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَاحِبٍ أخبرنا أبو أسامة الحلبي أخبرنا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مُنَيْعٍ الرُّصَافِيُّ حدثني جدي عبيد الله بن أبي زياد أخبرنا الزهري أخبرني عبد الله بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
قوله أخذتك دقرارة أهلك أي عادة أهلك في الخلاف.
__________
1 كذا في هامش د, وفي س, د: "أقد" بدل "لقد".
2 ذكره عبد الرزاق في مصنفه "9/240 – 243" القصة بألفاظ أخرى والبيهقي في السنن الكيرى "8/315" بطريق عبد الرزاق بمثله وذكره الطبري في الرياض النضرة "2/35" بهذا اللفظ وعزاه للحميدي.

(2/116)


قَالَ ابن الأعرابي معنى الدقرارة المخالفة في هذا الحديث حكاه لي الأزهري أَخْبَرَنِي به المنذري عَنْ ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي.
قَالَ ابن الأعرابي والدقرارة التبان والدقرارة القصير من الرجال والدقرارة النمام والدقرارة العومرة وهي الخصومة المتعبة والدقرارة الداهية من الدواهي والدقرارة الحديث المفتعل وَقَالَ الكميت:
على دقارير أحكيها وأفتعل1
__________
1 عجز بيت من شعر كميت "2/407" وصدره "ولن أبيت من الأسرار هينمة".

(2/117)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: اعْقِلْ عَنِّي ثَلاثًا: الإِمَارَةُ شُورَى, وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِيِّ مَكَانَ عَبْدٍ عَبْدٌ وَفِي ابْنِ الأَمَةِ عَبْدَانِ1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ فِيمَنْ سُبِيَ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَةِ فَأَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ عِنْدَ2 مَنْ سَبَاهُ أَنْ يُرَدَّ حُرًّا إِلَى نَسَبِهِ وَتُكُونُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ يؤديها إليه فجعل ما كان كُلِّ رَأْسٍ مِنْهُمْ رَأْسًا مِنَ الرَّقِيقِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَوَّمَ رَأْسًا مِنْهُمْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ.
أخبرناه ابن هاشم ناالدبري عن عبد الرزاق عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَيْسَ عَلَى عربي
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/103" بلفظ "وفي فداء العرب" بدل "العربي" وزاد في آخره "وكتم ابن طاووس الثالثة" وكذا في "7/278" و "5/446".
2 د: "وهو عبد من سباه".

(2/117)


مِلْكٌ وَلَسْنَا بِنَازِعِينَ مِنْ يَدِ رَجُلٍ شَيْئًا أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّا نُقَوِّمُهُمُ الْمِلَّةَ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ1.
قَالَ ابن الأعرابي الملة الدية وجمعها ملل قَالَ وأنشدني أَبُو المكارم:
غنائم الأموال أيام الوهل ... ومن عطايا الرؤساء والملل2
وَقَالَ غيره الملة الرأس من الرقيق. وأما قوله وفي ابن الأمة عبدان فإنه يريد به الرجل من العرب يتزوج أمة لقوم فتلد منه ولدا يقول أَنَّهُ لا يسترق ولكنه يفدى بعبدين وذهب إلى هذا الرأي من فقهاء الأمصار سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه فأما سائر العلماء من أهل الحجاز وأهل العراق فإن استرقاق العربي في مذهبهم جائز كالعجمي سواء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/278" بدون "خمسا من الإبل" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "9/74" وذكره المتقى في كنز الغمال "6/545" مع الزيادة وعزاه لعبد الرزاق وأبي عبيد في الأموال وابن راهوية والبيهقي.
2 اللسان والتاج "ملل" دون عزو بروابة:
غنائم الفتيان في يوم الوهل ... ومن عطايا الرؤساء في الملل

(2/118)


[46] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ أَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لا يَقْتُلُوا هِمًّا وَلا امْرَأَةً وَلا وَلِيدًا وَأَنْ يَتَّقُوا قَتْلَهُمْ إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَعِنْدَ حُمَّةِ النَّهْضَاتِ1.
الهم الشيخ الفاني ويقال أَنَّهُ سمي هما لأن بدنه قد هم أي نحل وذاب يُقَالُ هممت الودك إذا أذبته قال الشاعر:
__________
1 ذكره صاحب كنز العمال في "5/689 – 690" في حديث طويل إلا أن فيه "هرما" بدل "هما" و "جمة النهضات" "تصحيف" وعزاه لكتاب المداراة.

(2/118)


تبسم عَنْ كالبرد المنهم1
ومنه قولهم همني هذا الأمر ومن قَالَ أهمني كان معناه أقلقني وحمة النهضات شدتها ومعظمها وحمة كل شيء معظمة. يُقَالُ حمة الحر ويقال حم له قضاء الله بمعنى قدر له وحم الأمر قدره قَالَ الشاعر:
وصاحب ليل كنت حم مبيته ... وقد حان من نجم العشاء خفوق
__________
1 اللسان "همم" برواية "يضحكن عن كالبر المنهم" وبعده

(2/119)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِبِلالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا أَقْطَعَكَ رَسُولُ اللَّهِ الْعَقِيقَ لِتَحْتَجَنَّهُ فَأَقْطِعْهُ النَّاسَ1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد2 أنبأنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ بِلالٍ يَذْكُرُهُ.
قوله تحتجنه أي تحوزه وتمتلكه دون الناس قَالَ الأعشى:
فيا عجب الدهر للقائلا ... ت من آخر الليل ماذا احتجن3
ومن هذا سمي المحجن وهو عصا معقفة الرأس يحجن بها الشيء وكان في الجاهلية رجل يسرق الحاج بمحجن له فإذا قيل له في ذلك قَالَ إنما سرق محجني
__________
1 أخرجه أو عبيد في الأموال "368" بلفظ "لتحجره" بدل "لتحتجنه". وذكره السمهودي في وفاء الوفاء "3/1042" عن ابن الزبالة وابن شية.
2 د: "سعيد بن منصور".
3 الديوان "210".

(2/119)


وكان عُمَر يرى أن الإقطاع من الإمام ليس على وجه التمليك لمن يقطعه إنما هو على وجه الإرفاق والإمتاع به إلى مدة1.
__________
1 في هذا الرأي نظر لأن عمر رضي الله عنه كان يرى هذا إذا لم يعمره صاحب الإقناع وتركه دون إحياء انظر تفصيل ذلك في وفاء الوفاء "3/1042 – 143".

(2/120)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر أن رجلا جاءه فِي نَاقَةٍ نُحِرَتْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ فِي نَاقَتَيْنِ عُشْرَاءَيْنِ مُرْبَغَتَيْنِ سَمِينَتَيْنِ بِنَاقَتِكَ فَإِنَّا لا نَقْطَعُ فِي عَامٍ السَّنَةِ1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ.
العشراء الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر فلا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعد ذلك إلى مدة وجمعها عشار
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} 2 ومما جاء على وزنه امرأة نفساء ونساء نفاس وَقَوْلُهُ مربغتين معناه مخصبتين.
قَالَ الأصمعي: الإرباغ إرسال الإبل على الماء ترده أي وقت شاءت يقال أربغتها فربغت ويقال عيش رابغ ورافغ أي واسع ناعم.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/242 – 243" بلفظ "عشاريتين مربغتين".
2 سورة التكوير:"4".

(2/120)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِيَّاكُمْ وَرَضَاعُ السُّوءِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَنَدَّمَ يَوْمًا مَا1
قوله يتندم أي يظهر أثره والندم الأثر وأري الأصل فيه الندب وهو الأثر.
__________
1 ذكره العجلي في كشف الخفاء "1/431" ضمن الحديث الآتي وعزاه للخطابي.

(2/120)


وانقلاب الباء عن الميم والميم عَنِ الباء في كلامهم كثير كقولهم سمد رأسه وسبد ولازم ولازب وما اسمك وباسمك.
والموماة والبوباة وهذا كالحديث الآخر: "الرضاع يغير الطباع"1.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "6/270" والعجلوني في كشف الخفاء "1/431".

(2/121)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ أُمَّ صَبِيَةٍ الْجُهَنِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نَكُونُ عَلَى عَهْدِ النبي وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ / نِسْوَةً قد تجاللن وربما غزلنا فِيهِ فَقَالَ عُمَرُ لأَرُدَنَّكُنَّ حَرَائِرَ [47] فَأَخْرَجَنَا مِنْهُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَتْنِي سَوْدَةُ بِنْتُ أَبِي ضُبَيْسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أُمِّ صَبِيَّةٍ الْجُهَنِيَّةِ.
قوله تجاللن أي طعن في السن وكبرن يُقَالُ تجالت المرأة فهي متجالة وجلت فهي جليلة إذا كبرت وعجزت قَالَ كثير:
أصَابَ الرَّدى منْ كَانَ يَهْوَى لكِ الرَّدَى ... وَجُنَّ اللّواتي قُلْنَ عزة جلت2
ويروى جنت.
وَقَوْلُهُ لأردنكن حرائر يريد لزوم البيوت وذلك أن الحجاب إنما ضرب على الحرائر دون الإماء.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "8/296" بطوله.
2 الأغاني "9/29" وديوانه "107" وجعله من الأبيات التي نسب لكثير وسبق في الجزء الأول لوحة "298".

(2/121)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً مَهْزُولَةً تَطِيشُ

(2/121)


مَرَّةً وَتَقُومُ أُخْرَى فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ تَيَّا؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هِيَ وَاللَّهِ إِحْدَى بَنَاتِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أخبرنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ.
قوله تيا إنما هو تصغير تا كما قيل ذيا في تصغير ذا. يريد من يعرف هذه يُقَالُ2 هذه المرأة وهذي المرأة وتا المرأة وذي المرأة قَالَ النابغة:
ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد3
ويروى عَنْ بعض السلف أَنَّهُ أخذ تبنة من الأرض ثم قَالَ تيا من التوفيق خير من كذا وكذا من العمل. فأما قول الأعشى:
أتشفيك تيا أم تركت بدائكا ... وكانت قتولا للرجال كذلكا4
فيقال إنه اسم امرأة بعينها.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/277" بنحوه بلفظ "من هذه الجارية؟ " بدل "من يعرف تيا".
2 سقط من س, وهو في د, ح, ط.
3 الديوان "26" برواية "ها إن تا عذرة إلا تكن نفعت".
وفي شعراء النصرانية "4/664" برواية:
ها إن ذي عذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النكد.
4 الديوان "130" وهو مطلع قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي.

(2/122)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَى الله شرها1.
__________
1 أخرجه البخاري في حديث طويل في كتاب المحارب "8/208 – 211" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/441" "3/355" والطبري في تاريخه "3/200" وأبو عبيد في عريبه "2/231".

(2/122)


أخبرني عبد الله بن محمد المسكي أنبأنا علي بن عبد العزيز عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ قَوْلَ عُمَرَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَإِنَّ مَعْنَى الْفَلْتَةِ الْفُجَاءَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرَ بِهَا الْعَوَامُّ إِنَّمَا ابتدرها أكابر أصحاب محمد مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَعَامَّةِ الأَنْصَارِ إِلا تِلْكَ الطِّيَرَةُ الَّتِي كَانَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ أَصْفَقُوا لَهُ كُلُّهُمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ1 أَنْ لَيْسَ لأَبِي بَكْرٍ مُنَازِعٌ وَلا شَرِيكٌ فِي الْفَضْلِ وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي أَمْرِهِ إِلَى نَظَرٍ وَمُشَاوَرَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ فَلْتَةً قَالَ وَقَالَ عُمَر لا بَيْعَةَ إِلا عَنْ مَشُورَةٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَايَعَ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَلا يُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا هَذِهِ حِكَايَةُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ2 فِي كِتَابِهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد تكون الفلتة بمعنى الفجاءة وليست بالذي3 أراد عمر ولا لها موضع في هذا الحديث ولا لمعناها قرار هاهنا وحاش لتلك البيعة أن تكون فجاءة لا مشورة فيها ولست أعلم شيئا أبلغ في الطعن عليها من هذا التأويل. وكيف يسوغ ذلك وعمر نفسه يقول في هذه القصة لا بيعة إِلا عَنْ مَشُورَةٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَايَعَ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَلا يُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةً أَنْ يقتلا4.
__________
1 س, ط: "بمعرفتهم" والمثبت من د, ح.
في القاموس "صفق" أصفقوا له: أطبقوا.
2 د: "هذه حكاية أبي عبيد في كتابه انظر غريب الحديث "2/231, 3/356".
3د, ح: "وليس بالتي أراد عمر".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/445" بنحوه في قصة طويلة.
وأخرجه البخاري "8/210" بلفظ "من باع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" في حديث طويل.

(2/123)


وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المسلمين فاقتلوه"1.
أخبرنا محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنِ الْمَعْرُورِ [48] بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَرَ. وثبت عنه أَنَّهُ جعل الأمر بعد وفاته شورى بين النفر الستة فكيف يجوز عليه / مع هذا أن تكون بيعته لأبي بكر ودعوته إليها إلا عَنْ مشورة وتقدمة نظر هذا مما لا يشكل فساده ومما يبين ذلك أن الأخبار المروية في هذه القصة كلها دالة على أنها لم تكن فجاءة وأن المهاجرين والأنصار تآمروا2 لها وتراجعوا الرأي بينهم فيها.
أَخْبَرَنَا ابن الأعرابي أخبرنا ابن أبي خيثمة أخبرنا معاوية بن عمرو أخبرنا زَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عن عبد الله قَالَ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَتِ الأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَأَتَى3 عُمَرُ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رسول الله أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ4.
ومما يؤكد ذلك ويزيده وضوحا حديث سالم بن عبيد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/445" بلفظ "مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه.
2 في جميع النسخ "توامروا لها" وفي اللسان "أمر" من المؤامرة: المشاورة.... ويقال: وامرته وليس بفصيج.
3 س: "فأبى" والمثبت من بقية النسح.
4 أخرجه المسائي في الإمارة "2/74" وانظر مجمع الزوائد "5/183".

(2/124)


حدثناه جعفر الخلدي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ النسائي أخبرنا قُتَيْبَةُ وَحَدَّثَنَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ إِسْحَاقَ أخبرنا قتيبة أخبرنا حميد بن عبد الرحمن الرَّؤَاسِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ. وذَكَرَ قِصَّةَ موت رسول الله قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ فَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ قَالَ ثُمَّ قَالُوا: انْطَلِقُوا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتِ الأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ عُمَرُ سَيْفَانِ فِي غَمْدٍ إِذًا لا يَصْطَلِحَانِ1 قَالَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلاثُ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 2 مَنْ صَاحِبُهُ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ مَنْ هُمَا مَعَ مَنْ قَالَ ثُمَّ بَايَعَهُ فَبَايَعُهُ3 النَّاسُ أَحْسَنَ بَيْعَةٍ وَأَجْمَلَهَا4.
فتأمل قوله فجعلوا يتشاورون بينهم فإنه قد صرح بأنها لم تكن فجاءة وأن القوم لم يعطوا الصفقة إلا بعد التشاور والتناظر واتفاق الملأ منهم على التقديم لحقه والرضا بإمامته والأخبار في هذا الباب كثيرة وفيما أوردناه كفاية.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وكلام أبي عبيد في الفصل الأول إذا تأملته تبينت منه نفس هذا المعنى وعلمت أَنَّهُ إنما منع في الجملة ما أعطاه في التفصيل وذلك أَنَّهُ قَالَ إنما كانت بيعته فجاءة لأنه لم ينتظر بِهَا العوام وإنما ابتدرها أكابر
__________
1 مثل أورده العسكري "2/329" والميداني "2/230".
2 سورة التوبة: "40".
3 من د.
4 أخرجه الترمذي في الشمائل "207" بلفظ "بيعة حسنة جميلة" في حديث طويل وأخرجه ابن ماجة في الصلاة "1/390" مختصرا وأخرجه النسائي في السنن الكيرى كما في تحفة الأشراف "3/254" وذكره الهيثمي في مجمعه "5/182" وعزاه للطبراني.

(2/125)


أصحاب رسول الله من المهاجرين وعامة الأنصار إلاتلك الطِّيَرَةُ الَّتِي كَانَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ أَصْفَقُوا لَهُ كُلُّهُمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ أَنْ لَيْسَ لأَبِي بَكْرٍ مُنَازِعٌ ولا شريك في الفضل فتأمل كيف يقضى آخر كلامه على أوله وهل يشكل أن مثل الَّذِي وصفه لا يكون فجاءة. قَالَ ومعنى الحديث صحيح من حديث لا متعلق عليه لطاعن.
الفلتة عند العرب آخر ليلة من الأشهر الحرم.
أَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ الفلتة الليلة التي يشك فيها كما يشك في* اليوم فيقول قوم هي من شعبان ويقول قوم بل هي من رجب وبيان هذه الجملة أن العرب كانوا يعظمون الأشهر الحرم ويتحاجزون فيها فلا يتقاتلون يرى الرجل منهم قاتل أبيه فلا يمسه بسوء ولا ينداه1 بمكروه ولذلك [49] كانوا يسمون رجبا شهر اللَّه الأصم وذلك لأن الحرب تضع أوزارها فلا تسمع قعقعة سلاح ولا صوت قتال ويسمونه كذلك / منصل2 الأسنة لأن الأسنة كانت تنزع من الرماح فلا يزال هذا دأبهم ما بقي من أشهر الحرم شيء إلى أن تكون آخر ليلة منها فربما يشك قوم فيقولون هي من الحل وبعضهم يقول بل هي من الحرم فيبادر الموتور الحنق في تلك الليلة فينتهز الفرصة في إدراك ثأره غير متلوم أن تنصرم عَنْ يقين علم فيكثر الفساد في تلك الليلة وتسفك الدماء وتشن الغارات قَالَ الشاعر يذكر ذلك
__________
* من هنا نقص كبير من نسخة د.
1 س, ح: "يبدؤه" وفي هامش س: "الصواب ينداه".
وفي الوسيط "ندى" ولا ينداه بمكروه أي لا يصيبه به.
2 القاموس "نصل" أنصل السهم ونصله: جعل فيه نصلا وأزاله عنه "ضد".

(2/126)


سائل لقيطا وأشياعها ... ولا تدعن وسلن جعفرا
غداة العروبة من فلتة ... لمن تركوا الدار والمحضرا
يعيرهم بالمقام أيام السلم والفرار لما حل القتال.
وَقَالَ أَبُو داود الإيادي يصف خيلا:
والخيل ساهمة الوجوه ... كأنما يقضمن ملحا
صادفن منصل آلة ... في فلته فحوين سرحا1
فشبه عُمَر أيام حياة رسول الله وما كان الناس عليه في عهده من اجتماع الكلمة وشمول الألفة ووقوع الأمنة بالشهر الحرام الَّذِي لا قتال فيه ولا نزاع وكان موته شبيه القصة بالفلتة التي هي خروج من الحرم لما نجم عند ذلك من الخلاف وظهر من الفساد ولما كان من أمر أهل الردة ومنع العرب الزكاة وتخلف من تخلف من الأنصار عَنِ الطاعة جريا منهم على عادة العرب في أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم2 فوقي اللَّه شرها بتلك البيعة المباركة التي كانت جماعا للخير ونظاما للألفة وسببا للطاعة. وقد روينا نص هذا المعنى عن سالم بن عبد الله بْنِ عُمَرَ بن الخطاب.
أَخْبَرَنِي الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ شُعَيْبُ بْنُ عُمَرَ التميمي أخبرنا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُبَشِّرٍ عن سالم بن عبد الله قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ كَانَتْ إِمَارَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا قُلْتُ وَمَا الْفَلْتَةُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَحَاجَزُونَ فِي الْحَرَمِ فَإِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُشَكُّ فِيهَا أَدْغَلُوا فَأَغَارُوا وكذلك كان يوم
__________
1 اللسان "فلت" والبيتان في تهذيب الأزهري "14/288" دون عزو.
2 ح, ط: "منها" بعود الضمير على القبيلة.

(2/127)


مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ أَدْغَلَ النَّاسُ مِنْ بَيْنِ مُدَّعٍ إِمَارَةً أَوْ جَاحِدٍ زَكَاةً فَلَوْلا اعْتِرَاضُ أَبِي بَكْرٍ دُونَهَا لَكَانَتِ الْفَضِيحَةُ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وفي هذه القصة حرف قد يشكل معناه وهو قول عُمَر حين ازدحم الناس على مصافحة أبي بكر للبيعة فوثبوا على سعد وكان مضطجعا على فراشه فَقَالَ بعض الأنصار قتلتم سعدا فَقَالَ عُمَر "اقتلوه قتله اللَّه"2 ومعناه والله أعلم أن هذه الكلمة جرت منه جوابا على مذهب المطابقة للفظ الأنصاري يريد بها إبطال معذرته في التثبيط عَنِ البيعة مكان سعد ولم يقصد بها إيقاع الفعل وإنما قَالَ اقتلوه بمعنى لا [50] تبالوا بما ناله من الضغط والألم وأقبلوا على شأنكم وأحكموا أمر البيعة وهذا في مذهب / المطابقة كقوله {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 3 فسمي الجزاء على العدوان عدوانا وإنما هو جزاء ومكافأة وليس بعدوان في الحقيقة وَقَالَ عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا4
يريد فنجازيه على جهله ونزيد عليه.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون المعنى اجعلوه كمن قتل واحسبوه في عداد من مات وهلك أي لا تعتدوا بمشهده ولا تعرجوا على قوله وذلك أن سعدا إنما أحضر ذلك المقام لأن ينصب أميرا على قومه على مذهب العرب في الجاهلية أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها وكان حكم الإسلام خلاف ذلك فأراد
__________
1 الفائق "فلت" "3/139" والنهاية "فلت" "3/467".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/444".
3 سورة البقرة: "194".
4 شرح القصائد العشر "238".

(2/128)


عُمَر إبطاله بأغلظ ما يكون من القول وأبشعه وكل شيء أبطلت فعله وسلبت قوته فقد قتلته وأمته ولذلك قيل قتلت الشراب إذا مزجته لتقل سورته وتنكسر شدته قَالَ حسان بن ثابت:
إن التي هاتيتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل1
وَقَالَ عُمَر في خطبته: "لا تأكلوا من هاتين الشجرتين إلا أن تميتوهما طبخا"2. يريد البصل والثوم أي تنضجوهما طبخا فتضعف قوتهما وتذهب حدتهما وحرافتهما ولهذا قيل للبليد الَّذِي لا حراك به ولا انبعاث له في الأمور أَنَّهُ لميت وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَتَأَوَّلُ قَوْلُ عُمَرَ مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اجْعَلُوهُ كَمَنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ بِأَنْ لا تَقْبَلُوا لَهُ قَوْلا ولا تقيموا له دعوة وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يُتَأَوَّلُ حَدِيثُهُ الْمَرْفُوعُ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا".
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا إبراهيم بن الوليد الجشاش أخبرنا علي بن المديني أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله: "إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" 3 يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَخْلَعَ وَتُلْغَى بَيْعَتُهُ حَتَّى يَكُونَ فِي عِدَادِ مَنْ قُتِلَ وَبَطَلَ وَاللَّهُ أعلم
__________
1 الديوان "124" يرواية "إن التي ناولتني فرددتها" وفي الأغاني "8/163" ط ساس: "إن التي عاطيتني فرددتها".
2 أخرجه مسلم في المساجد "1/396" بنحوه في حديث طويل والنسائي كذلك في المساجد "2/43" وابن ماجة في الأطعمة "2/1116" بألفاظ متقاربة.
3 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "125" أ. وذكره الهيثمي في مجمعه "5/198" وعزاه للبزار والطبراني وقد أخرجه مسلم في الإمارة "3/1480" عن أبي سعيد الخدري.

(2/129)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقِيَهُ وَخَاضَ الْمَاءَ1.
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد ص 207 والحاكم في المستدرك "1/62" بلفظ: "خفية" بدل "موقية" وكذلك أبو نعيم في الحلية "1/47" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/60".

(2/60)


وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ جِلْدُ كَبْشٍ جَوْنِيٍّ وَزِمَامُهُ مِنْ خُلَبِ النخل1.
حدثناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ.
المُوقُ: الخُفُّ ويُجْمَعُ عَلى الأَمْوَاق. قال النِّمْرُ بن تَوْلَب:
فَتَرَى النِّعَاجُ بِهِ تَمْشِي خَلْفَهُ ... مَشْيِ العَبَادِيّيْن في الأَمْوَاق2
ومن العَرَبِ من يُسَمَّى الخُفَافُ التَّسَاخِين.
قَالَ أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب ولا واحِدٌ لَهَا من لَفْظِها.
قَالَ المبرِّد: واحِدُها تِسْخَان.
وَقَالَ بعضم: التَّسَّاخِين كُلُّ ما يُسَّخنُ بِهِ القَدَمُ من خُفٍّ وجَوْرَب ونَحْوَ ذَلِك. والكَبْشُ الجَوْنِي هُوَ الأَسْوَد الَّذِي أُشْرِبَ حُمْرَةً إذا نَسَبُوا قالوا: جُونِي وإذا نَعَتُوا قَالُوا: جَوْنٌ وجَوْنَة ومِنْهُ قِيلَ للقَطَا جوني والخلب الليف.
__________
1 الفائق "جون" "1/245" والتهاية "جون" "1/318".
2 البيت في اللسان والتاج "موق" برواية "فترى النعاج تمشى خلفه" وفي الفائق "موق" "3/393" برواية "فترى النعاج تمشي خلفه" والديوان "80".

(2/61)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لا يَصْلُحُ أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ إِلا حَصِيفُ الْعُقْدَةِ قَلِيلُ الْغِرَّةِ الشَّدِيدُ فِي غَيْرِ عُنْفٍ اللَّيِنُ فِي غَيْرِ ضعفذ1 الجواد في غير سرف البخيل فِي غَيْرِ وَكْفٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا قتيبة أنبأنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ غيلان.
__________
1 د: "اللين من غير ضعف".
2 ذكره صاحب كنز العمال "5/776" كتاب عمر إلى أبي عبيدة بألفاظ متقاربة, وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف وكذلك في "5/735, 337, 741" بألفاظ متقاربة.

(2/89)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله الوكف النقص. قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: ليس عليك من ذلك وكف أي منقصة وَقَالَ الشاعر:
الحافظو الجار والعشيرة لا ... يأتيهم من ورائهم وكف1
والسرف أن يضع العطاء في غير أهله. يُقَالُ: أردتكم فسرفتكم أي أخطأتكم إلى غيركم قَالَ جرير:
أعطوا هنيدة يحذوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف2
ويروى عَنْ بعض السلف أَنَّهُ قَالَ: كل ما أنفقته في طاعة اللَّه فليس بسرف وإن كثر وما أنفقته في غير طاعته كان سرفا وإن قل.
__________
1 اللسان والتاج "وكف" برواية: "الحافظو عورة العشيرة" وهو لعمرو بن امرئ القيس ويقال لقيس بن الخطيم وهو في ديوان قيس بن الخطيم "64" برواية اللسان وذكر بعده ستة أبيات قال المحقق: الصحيح أن هذه الأبيات السبعة في قصيدة طويلة لعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في قصة مفصلة في الأغاني "3/19, 20, والخزانة "2/189, 190".
2 الديوان "307".

(2/90)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ذَكَرَ لَهُ عُثْمَانَ لِلْخِلافَةِ فَقَالَ: أَخْشَى [43] حَفْدَهُ وَأَثْرَتَهُ قَالَ فَالزُّبَيْرُ. قَالَ: ضَرِسٌ ضَبِسٌ أَوْ قَالَ: ضَمِسٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ورَوَى أَبُو الْمَلِيحِ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ طَلْحَةَ فَقَالَ الأَكْنَعُ إِنَّ فِيهِ كِبْرًا أَوْ نَخْوَةً.
قوله أخشى حفده يريد إقباله على أقاربه وخفوفه في مرضاتهم وأصل الحفد الخدمة والخفة في العمل. ومنه قولهم الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي نخف في مرضاتك ونسرع إلى طاعتك.
قَالَ أَبُو عبيدة: الحفدة الأعوان يُقَالُ: حفدني بخير وهو حافدي وأنشد لطرفة:
يحفدون الضيف في أبياتهم ... كرما ذلك منهم غير ذل2
وَقَالَ غيره الحفدة الخدم ويقال لولد الولد الحفدة. قال الفراء: واحد الحفدة حافد كقولك كامل وكملة
قال: ويجوز أن يُقَالُ في جمع حافد حفد كما قالوا: غائب وغيب قَالَ الشاعر:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعد كثير3
وَقَوْلُهُ ضرس أي سيىء الخلق يُقَالُ رجل ضرس شرس وناقة
__________
1 أخرجه عبد الرزلق في مصنفه "5/448" بلفظ "أخشى عقده وأثرته" بلفظ "ضرس" فقظ.
2 لم أقف عليه في ديوانه طبعتي بيروت.
3 اللسان والتاج "حفد" ولم يعز.

(2/111)


حَدِيثِ عثمان رضي الله عنه
حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ صَعْصَعَةَ بْنَ صَوْحَانَ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ فَأَكْثَرَ فَقَالَ: "أيها الناس ... ".
...
حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ صَعْصَعَةَ بْنَ صَوْحَانَ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ فَأَكْثَرَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الْبَجْبَاجَ النَفَّاجَ لا يَدْرِي مَا اللَّهُ وَلا أَيْنَ اللَّهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا الزعفراني2 أخبرنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن عبد الله بْنِ الْحَارِثِ.
ورواه بعضهم الفجفاج بالفاء.
البجباج الكثير البجبجة في كلامه وهي الهذر من غير بيان يقال مازال يبجبج في كلامه ويبقبق والفجفاج مثله أو قريب منه.
يُقَالُ رجل فجفج وفجافج وهو المهذار المتشبع بما ليس عنده والبجباج أيضا الرهل البدن المسترخي اللحم قَالَ ابن ميادة.
فأتين مطرد القميص سميدعا ... كالبدر أهيف ليس بالبجباج
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ والبجباج الأحمق أيضا وأنشدنا:
__________
1 الفائق "بجيج" "1/78". والنهاية "بجبج" "1/96".
2 ك, ح: "نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَفَّانُ نا حماد بن سلمة".

(2/130)


حتى ترى البجباجة الضياطا ... يمسح لما خالف الإغباطا [51]
بالجرف من ساعده المخاطا1
قَالَ أَبُو عُمَر الضياط الأحمق والنفاج ذو النفج والتمدح بما ليس فيه وكل شيء ربا وارتفع فقد انتفج. ومنه قيل للبعير منتفج الجنبين ويقال إن النفج من السمن والنفج من المرض.
قَالَ ابن الأعرابي كان صعصعة أحد الخطباء وتكلم يوما في مجلس فأطال فَقَالَ له بعض القرشيين: جهدت نفسك أبا عُمَر حتى عرقت وزبب صماغاك فَقَالَ: إن العتاق نضاحة بالعرق.
والصماغان مجتمعا الريق في جانبي الشفة وهما الصامغان أيضا.
قَالَ: ويروى عَنْ علي أَنَّهُ قَالَ: نظفوا الصماغين فإنهما مقعدا الملكين.
__________
1 اللسان والتاج "بجج" وعزي لنقاد الأسدي وجاء شاهدا على السمن المضطرب اللحم وفي اللسان: الإغباط: ملامة الغبيط, وهو الرجل.

(2/131)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ أُمَّ عَيَّاشٍ قَالَتْ كُنْتُ أَمْغُثُ لَهُ الزَّبِيبَ غُدْوَةَ فيشربه عشية وأمغثته عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةَ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا أحمد بن حنبل أخبرنا عَفَّانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ صَفْوَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ عَيَّاشٍ.
المغث مرس الشيء ودلكه بالأصابع ونحوها يريد أنها كانت تنقع له
__________
1 ذكره الحافظ في الإصابة "4/481" بلفظ "أنبذه" بدل "أمغثه" وفي مسنده عن أمه عن جدته أم عياش وعزاه لأبي نعيم.

(2/131)


الزبيب فلا تتركه أكثر من هذه المدة حتى تمرسه وتصفيه قبل أن يتغير ويشتد.
وَمِنْ هذا حديث ابن عياش. حدثنيه محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبو الوليد الأزرقي أخبرنا جدي أخبرنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ جريج. أخبرني حسين بن عبد الله قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَاءَ النبي عَبَّاسًا فَقَالَ اسْقُونَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا شَرَابٌ قَدْ مُغِثَ وَمُرِثَ أَفَلا نَسْقِيكَ لَبَنًا وَعَسَلا قَالَ اسْقُونَا مِمَّا تَسْقُونَ مِنْهُ النَّاسَ1. يُرِيدُ أَنَّهُ شَرَابٌ قَدْ نَالَتْهُ الأَيْدِي وَخَالَطَتْهُ وَالْمُغُثُ فِي أَشْيَاءٍ غَيْرِ هَذَا.
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ المغث الضرب والمغث الغثيان والمغث الشتم قَالَ حسان:
نوليها الملامة إن ألامت ... إذا ما كان مغث أو لحاء2
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "1/320, 336".
2 اللسان "مغث" والديوان "72".

(2/132)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عثمان حين شعث الناس في الطعن عليه1. يرويه علي بن عبد العزيز أنبأنا حجاج بن منهال أنبأنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن عبد الله بن عامر فِي حَدِيثِ فيه طول.
قوله حين شعث الناس معناه حين أخذوا في التثريب والفساد وأصله من الشعث وهو انتشار الأمر وفساده قَالَ النابغة:
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/178" بلفظ "نسب" بدل "شعث" وذكره ابن الجوزي "1/449" بمثله والحديث في الفائق "شعث" "2/250" والنهاية "شعث" "2/478". وفي ح: "شعث" والمثبت من باقي النسخ.

(2/132)


ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب1
__________
1 الديوان "78" وشعراء النصرانية "2/640".

(2/133)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ النَّفَرُ الَّذِينَ قَتَلُوهُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ جَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيَكْرُدُهُمْ بِسَيْفِهِ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ2.
قوله يكردهم أي يكفهم ويطردهم عنه والكرد سوق العدو وطرده.
ويقال للرجل إذا هزم القوم فانطردوا وهو يتبعهم مر يطردهم ويكردهم / ويكسعهم ويشلهم. [52]
ومنه حديث الزهري قَالَ سمعت حرام بن سعد بن محيصة يقول لما أراد القوم ليلة العقبة أن يبايعوا رسول الله تكلم رجل من القوم فَقَالَ: يا معشر الخزرج3 لا تعجلوا هل تدرون على ما تقدمون عليه تقدمون على قتل الأشراف وذهاب الأموال فَقَالَ القوم نعم نقدم على قتل الأشراف وذهاب الأموال
قال الزهري فقلت لحرام بن سعد كأن هذا المتكلم كرد القوم قَالَ لا والله إلا أَنَّهُ أحب أن يأخذ بالثقة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 يريد بقوله كرد القوم صرفهم عَنْ رأيهم وردهم عنه فأما قول الشاعر:
__________
1 أخرجه الطبري في تاريخه "4/382" قصة قتل عثمان ودفاع المغيرة عنه بلفظ "فحمل المغيرة بن الأخنش الثقفي على القوم" بدون ويكردهم.
2 في التقريب "كرد" "2/481" أبو نضرة العبدي هو المنذر بن مالك بن قطعة.
3 ح: "الخوارج".
4 لم أجده من حديث حرام وقد أخرجه البيهقي في الدلائل "2/182, 188" من حديث =

(2/133)


وكنا إذا القيسي نَبَّ عتوده ... ضربنا دون الأنثيين على الكرد1
فالكرد العنق هاهنا ويقال أَنَّهُ فارسي معرب وأراد بالأنثيين الأذنين.
__________
= جابر وقتادة وكذلك ابن كثير في السيرة النبوية "2/195, 201" وكلاهما بألفاظ متقاربة وهو في النهاية "كرد" "4/162".
1 اللسان "كرد" برواية "وكنا إذا الجبار صعر خده" وروى أيضا:
وكنا إذا العبسي نب عتوده ... ضربناه بين الأنثيين على الكرد
قال ابن نري: البيت للفرزدق وصواب إنشاده: وكنا إذا القيسي بالقاف. والعتود: ما اشتد وقوي من ذكور أولاد المعز. ونبيبه: صوته عند الهياج. وهو في ديوان القرزدق "1/178" برواية:
وكنا إذا القيسي نب عتوده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد.

(2/134)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ رَبَاحًا قَالَ زَوَّجَنِي أَهْلِي أَمَةً لَهُمْ رُومِيَّةً فَوَلَدَتْ لِي غُلامًا أَسْوَدَ مِثْلِي ثُمَّ طَبِنَ لَهَا غُلامٌ رُومِيٌّ مِنْ أَهْلِي فَرَاطَنَهَا بِلِسَانِهِ فَوَلَدَتْ غُلامًا كَأَنَّهُ وَزَغَةٌ فَقُلْتُ لَهَا مَا هَذَا قَالَتْ هَذَا لِيُوحَنَّةَ فَرُفِعَا إِلَى عُثْمَانَ قَالَ فَجَلَدَهَا وَجَلَدَهُ وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ أخبرنا أبو داود أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا مهدي بن ميمون أخبرنا محمد بن عبد الله بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَبَاحٍ.
طبن لها أي خببها وأفسدها عليه وأصل الطبن الفطنة للشيء والهجوم على باطنه يُقَالُ طَبِنَ طَبَانَةً وَطَبَنًا فَهُوَ طَبِنٌ قال كثير: وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ رَبَاحًا قَالَ زَوَّجَنِي أَهْلِي أَمَةً لَهُمْ رُومِيَّةً فَوَلَدَتْ لِي غُلامًا أَسْوَدَ مِثْلِي ثُمَّ طَبِنَ لَهَا غُلامٌ رُومِيٌّ مِنْ أَهْلِي فَرَاطَنَهَا بِلِسَانِهِ فَوَلَدَتْ غُلامًا كَأَنَّهُ وَزَغَةٌ فَقُلْتُ لَهَا مَا هَذَا قَالَتْ هَذَا لِيُوحَنَّةَ فَرُفِعَا إِلَى عُثْمَانَ قَالَ فَجَلَدَهَا وَجَلَدَهُ وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا مهدي بن ميمون أخبرنا محمد بن عبد الله بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَبَاحٍ.
طبن لها أي خببها وأفسدها عليه وأصل الطبن الفطنة للشيء والهجوم على باطنه يُقَالُ طَبِنَ طَبَانَةً وَطَبَنًا فَهُوَ طَبِنٌ قَالَ كثير:
بأبي وأمي أنت من موموقة ... طبن العدو لها فغير حالها2
ومثله تبن تبانة وتبنا إلا أن هذا في الشر خاصة والطبن قد يكون فيه وفي غيره.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق "2/283" والإمام أحمد في مسنده "1/59, 65, 69".
2 الديوان "394" برواية "مظلومة" بل "موموقة" وأمالي القالي "3/67" وفيه طبن لها: تأتي لخدعها بفطنه.

(2/134)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا حُوصِرَ أَشَارَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ أَنْ يَلْحِقَ بِجُنْدِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَيَمْنَعُوهُ فَقَالَ مَا كُنْتُ لأَدَعَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ جُفَّيْنِ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ1.
رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَتَّابِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن الرومي عن عبد الله بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِي عَنْ أَبِيهِ.
الجف والجفة الجمع الكثير من الناس وإنما قيل لبكر وتميم الجفان لكثرة عددهما ويقال بل لجفائهما.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي أخبرنا أبي عَنِ التوزي سمعت أبا عبيدة يقول الجف الجافي وإنما سمي بكر وتميم الجفين لأن فيهما جفاء وأنشد لرجل من بني سعد:
علام هجتني ولم أهجها ... عمير بن جف فراخ الرخم
__________
1 ذكره الهروي في الغريبين "1/371".

(2/135)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي الْعِيرَ حُكْرَةً ثُمَّ يَقُولُ مَنْ يُرْبِحُنِي عُقْلَهَا1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا هشيم أخبرنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ سيرين
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "8/133" عن أبي فلابة بلفظ "كان عثمان يشتريالإبل بأجملها, ثم يقول: من يضع في يدي دينارا؟ من يربحني عقلها؟
والبيهقي في السنن الكبرى "5/329" بلفظ "يشتري العير فيقول".

(2/135)


قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيل قوله حكره أي جزافا وَقَالَ غيره أصل الحكر الجمع والإمساك ومنه أخذ الاحتكار [53] في الطعام وهو الاحتباس به طلب الغلاء والعير / الإبل بما عليها من الأحمال يريد أَنَّهُ كان يشتريها جملة إذا وردت المدينة طلب الربح فيها فأما قوله تعالى: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} 1 فالعير هاهنا القوم على الإبل.
__________
1 سُورَةَ يُوسُفَ: "70".

(2/136)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْهُ فَقَالَتْ مَقَوْتُمُوهُ مَقْوَ الطَّسْتِ ثُمَّ قَتَلْتُمُوهُ1.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بن خريت عن عبد الله بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ.
يقول مقوت الطست إذا جلوته ومقوت السيف إذا صقلته ومثله مهوت السيف وذلك أنهم قد نقمواعليه في أشياء وعاتبوه عليها فأعتبهم وخرج إليهم نقيا من العيب كالطست المجلو من الدرن وهذا كقولها في خطبة لها مصتموه كما يماص الثوب ثم عدوتم عليه الفقر الثلاث حرمة الإسلام وحرمة الشهر وحرمة الخلافة2 أي غسلتموه كما يغسل الثوب والفقر واحدتها فقرة.
قَالَ ابن الأعرابي فيما ذكره أَبو عُمَر عن أبي العباس عنه الفقرة القرمة قَالَ وذلك أن القرم من الإبل إذا كان صعبا لا ينقاد قرم أنفه
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/82" بلفظ "مصتموه موص الإناء ثم قتلتموه" يعني عثمان عن عارم عن حماد بن زيد.
2 أخرجه الطيري في تاريخه "4/448 – 449" بلفظ "ماصوه كما يماص الثوب بالماء" في حديث طويل من حوادث سنة 36.

(2/136)


أي قطعت قرامته1 وهي جليدة فإن لم يلن قرم أخرى حتى يلين.
ورواه بعض أصحابنا عَنْ يحيى بن أبي طالب قَالَ عرضت هذا الكلام على ابن الأعرابي فَقَالَ هذا مثل وذلك أن البعير إذا ند وضع عليه الفقار ليلين فإن هو لان وإلا وضع عليه فقار آخر فإن لان وإلا وضع عليه الفقار الثالث أي الحبل.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وبيان ذلك ما أوضحه الأصمعي يُقَالُ الفقر أن يحز أنف البعير حتى يخلص إلى العظم أو قريب منه ثم يلوى عليه جرير.
قَالَ ومنه قولهم عملت به الفاقرة.
وروى عَنْ عثمان أنهم لما عاتبوه في أمر عمار اعتذر إليهم وَقَالَ: "تناوله رسولي من غير أمري فهذه يدي لعمار فليصطبر"2 أي فليقص مقدار ما ضرب.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان عن مسعر عن عبد الملك عن النزال قال سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: "أَتُوبُ إِلَى الله"3.
__________
1 ح, ط: "قطعت منه قرامة".
2 النهاية "صبر" 3/8" والفائق "صير" "2/242".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "2/69" بنحوه عن عمرو بن العاص وذكره الحافظ في المطالب العالية "4/283" عن أبي سعيد في حديث طويل.

(2/137)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ إِنِّي لَسْتُ بِمِيزَانَ لا أَعُولُ1.
يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ عَنْ هَشِيمٍ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حوشب
__________
1 ذكره صاحب كنز العمال "5/744" وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(2/137)


قوله لا أعول معناه لا أميل ولا أحور عَنِ القصد يُقَالُ عال الميزان إذا شال قَالَ الشاعر:
موازين عدل كلها غير عائل1
ويقال عال الرجل إذا جار في الحكم. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} 2 قَالَ أكثر المفسرين ألا تجوروا وقال بعضهم: معناه ألا يكثر من تعولون وإليه ذهب الشافعي رحمه اللَّه.
وروى لنا أَبُو عُمَر عَنْ أَبِي العباس عَنْ سلمة عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ عال يعول بمعنى كثر عياله فصيحة سمعتها من العرب فأما عامة أهل اللغة فإنهم يجعلون الإعالة بمعنى كثرة العيال.
[54] قالوا: أعال الرجل إذا كثر عياله فهو معيل وعال يعول افتقر وعال / يعول إذا جار ومنه العول في المواريث وهو أن يضيق المال عَنْ أهل الفرائض فيزاد في السهمان ويرفع في الحساب كقول علي في ابنتين وأبوين وامرأة صار ثمنها تسعا.
وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ أول من أعال الفرائض عُمَر بن الخطاب وذلك لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا وكان امرأ ورعا فَقَالَ: "ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر وما أجد شيئا أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة"3.
__________
1 الفائق "عول" "3/39" برواية "موازين صدق".
2 سورة النساء: "3".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/253" في حديث طويل وانظر كنز العمال "11/28".

(2/138)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ جَمَالا فَقَالَ: "دَسِّمُوا نُونَتَهُ"1.
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَعْرَابِيِّ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْهُ قَالَ وَسَأَلْتُهُ فَقَالَ أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه والتدسيم التسويد أراد سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين قَالَ ومن هذا خبر عائشة أن رسول الله صلى الله عليه خطب الناس ذات يوم على رأسه عمامة دسماء2 أي سوداء قَالَ الشاعر:
إلى كل دسماء الذراعين والعقب3
__________
1 الفائق "دسم" "1/424" والنهاية "دسم" "2/117".
2 لم أجده من حديث عائشة وقد ذكره ابن كثير في السيرة النبوية "4/708" من حديث عمرو بن حريب بلفظ "خطب رسول الله صلى الله غليه وسلم الناس وعليه عمامة دسماء".
3 الجمهرة "2/265" وجاء فيها الدسمة: غبرة فيها سواد. الذكر أدسم والأنثى دسماء.

(2/139)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يَقْطَعُ سمرة الْيَمَامِ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ هَذَا الشَّجَرَ لِبَعِيرِكَ وَشَاتِكَ وَأَنْتَ تَعْقِرُهُ. وَيْحَكَ أَلَسْتَ تَرْعَى مَعْوَتَهَا وَبَلَّتْهَا وَفَتْلَتْهَا وَبَرْمَتَهَا وَحُبْلَتَهَا قَالَ بَلَى. وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَسْتُ بِعَائِدٍ مَا حَيِّيتُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ عن سحبل وهو عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عن سمراء بْنِ أَبِي مَرَوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ ورُوِيَ نَحْوُ مِنْ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
السمرة: واحدة السمر وهي شجر من العضاه والعضاه كل شجر له شوك وبعض العرب يقول للواحدة منها عضاهة وفي الجمع عضاه على وزن دجاجة ودجاج والمعوة أصلها في ثمر النخل إذا أرطب البسر قيل أمعت النخلة ويقال رطب معو فقد يكون شبه السمر إذا تناهى إدراكه بالمعو من الرطب والبلة نور العضاه قبل أن تعقد ويسمى بلة مادام باقيا له فإذا تعقد وتفتل فهو الفتلة والفتل من ورق الشجر ما كان مفتولا كورق الأرطى والأثل والطرفاء ونحوها وهو العبل أيضا والبرمة واحدة البرم. قال أَبُو عمرو هو ثمر الطلح وَقَالَ غيره ثمر السلم وهما من العضاه قَالَ الشاعر:
جارية لم تَرْعَ فِينَا غَنَما ... يَوْمًا ولم تهشش لبهم برما
فأما البرير فثمر الأراك والحبلة أيضا ثمر العضاه. ومنه قول بعض
__________
1 لم أجده من حديث عثمان وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/143 و145" من حديث عمر بمعناه, وأخرجه البيهقي في سننه "5/196" كذلك.
وهو في الفائق "صحر" "2/287" والنهاية "معا" "4/344".

(2/140)


الصحابة لقد رأيتنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر1.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها في الأطعمة "7/96" عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ومسلم في الزهد "4/2278" والترمذي كذلك في الزهد "4/582" وأحمد في مسنده "1/181, 168".

(2/141)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَبْحِ الْكِلابِ والحمام1. [55]
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عفان أخبرنا همام أخبرنا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ اكْفُونِي الْكِلابَ وَالْحَمَامَ.
أَمَّا قَتْلُ الْكِلابِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رسول الله الأَمْرُ بِقَتْلِ السُّودِ مِنْهَا وَقَالَ لَوْلا أَنَّهَا أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا وَلَكِنِ اقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدٍ بَهِيمٍ2.
يريد أَنَّهُ لا يأمر بإفناء أمه بأسرها حتى لا يغادر لها أصلا ولا يبقي منها نسلا فإن في كل أمة من خلق اللَّه حكمة وفي كل جيل من الحيوان منفعة ولكنه أمر بقتل السود منها إذا كانت تقل منفعتها وتكثر مضرتها. وَيُقَالُ إِنَّ سُودَ الْكِلابِ شِرَارُهَا وَعُقَّرُهَا. وَقَالَ فِي الْكَلْبِ الأَسْوَدِ: "إِنَّهُ شَيْطَانٌ" 3.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "1/ 72" وانظر البداية والنهاية "7/214".
2 أخرجه أبو داود في الصيد "2/108" والترمذي في الأحكام "4/78 و80" والنسائي في الصيد "7/185" والدارمي في الصيد "2/90" وكذلك ابن ماجة "2/1069".
3أخرجه مسلم في المسافاة "3/1200" عن جابر وأخرجه أحمد في مسنده "6/157" عن عائشة والترمذي في الأحكام "4/79" عقب الحديث السابق بلفظ ويروى في بعض الحديث "الكلب الأسود البهيم شَيْطَانٌ".

(2/141)


وأما الحمام فإنه أمر بذبحها على النظر ووجه التأديب فيها والردع لأصحابها وللإمام يفعل مثل هذا الصنيع على النظر للرعية واختيار الأصلح لهم وقد بين يُونُس بن عبيد السبب في ذلك.
أخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا عباس بن محمد الدوري أخبرنا أبو بكر بن أبي الأسود أنبأنا عبد الله بن عيسى قَالَ قلت ليونس ما ذنب الحمام أن يذبحن حين أمر عثمان بقتلهن فَقَالَ إن أصحابها كانوا يؤذون الناس بالرمي فلذلك أمر بذبحهن وكانوا يتحارشون بالكلاب فأمر بقتلها حتى يخرجوا بها فتكون الكلاب خارجة من المدينة.
ونظير هذا روي عَنْ عُمَر في ذبح الديكة وذلك أَنَّهُ قد بلغه أن نفرا منهم قد تقامروا على ديكين ثم أمر بإلامساك عنه.
فأما نهي النبي عَنْ ذبح الحيوان إلا لمأكلة فهذا غير داخل في معناه وإنما يقع ذلك على وجهين:
أحدهما أن يتلعب الرجل بالشيء منها ويولع بتعذيبه وذبحه ثم يرمي به لا يأكله.
والوجه الآخر أن يكون ذَلِكَ في الحيوان الَّذِي لا يؤكل لحمه ولا ضرر على الناس في بقائه كالهدهد والصرد ونحو ذلك مما نهى عَنْ قتله.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراس أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا الحارث بن عبد الله الهمداني أنبأنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عبيد الله بن عبد الله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَهَى رسول الله عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ

(2/142)


"النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ" 1 وَلَيْسَ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْحَمَامِ وَبَيْنَ أَكْلِهَا إِنَّمَا أَمَرَ بِذَبْحِهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا.
وَقَالَ بعض السلف رحم اللَّه عثمان لقد نقموا عليه أشياء لو فعلها أَبُو بكر وعمر لاتخذوها سنة.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب "4/367" والدارمي في الأضاحي "2/89" وأحمد في مسنده "1/332, 347".

(2/143)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا حُصِرَ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ فَقِيرٍ فِي دَارِهِ فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بِمَاءٍ فِي إِدَاوَةٍ وَقَدْ سَتَرَتْهَا وَقَالَتْ: "سُبْحَانَ اللَّهِ كَأَنَّ وَجْهَهُ مِصْحَاةٌ"1.
حُدِّثْتُ بِهِ عن أبي روق الهزاني أخبرنا الرِّيَاشِيُّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ يَذْكُرُهُ قَالَ الرياشي المصحاة إناء من فضة وأنشد:2
إذا صب في المصحاة خالط عندما
والفقير بئر يفضي إلى بئر
__________
1 الفائق "فقر" "3/132".
2 الفائق "فقر" وصدره "بكأس وإبريف كأن شرايه".
وفي اللسان "صخا" برواية "بقما" بدل "عندما" وكذلك في الجمهرة "2/166" وعزي فيها للأعشى وهو في ديوانه "293" ط – النموزجية.

(2/139)


حَدِيثِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي وَجْهٍ وَقَالَ: "إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فعالجا عن دينكما".
...
حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي وَجْهٍ وَقَالَ إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا حفص بن عمر أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُرَّةَ عن عبد الله بْنِ سَلَمَةَ.
العلج الجافي الغليظ. يُقَالُ رجل علج وعلج وهو الصلب الشديد ويقال للحمار الوحشي علج وذلك لاستعلاج خلقه وشدة أسره أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أَبُو العباس في وصف دلو:
[56] / قد سقطت في قضة من شَرْجِ ... ثُمَّ استَقَلَّت مِثَل شِدْقِ العلج
يريد أنها خرجت فارغة يابسة لا ماء فيها مثل شدق العير لأنه منضم أبدا.
وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا سلمة الأبرش حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إسحاق قَالَ رأيت سالما وكان علج الخلق يعالج بيديه ويعمل ويلبس الصوف.
وَقَوْلُهُ فعالجا عَنْ دينكما أي جاهدا عَنْ دينكما ودافعا عنه ويقال اعتلج القوم إذا تدافعوا فيما بينهم واعلتج الرجلان إذا تصارعا. وقَالَ أَبُو ذؤيب يصف الحمر:
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهارة "1/59" وأحمد في مسنده "1/107".

(2/144)


فلبثن حينا يعتلجن بروضه ... فيجد حينا في العلاج ويشمع1
وَأَخْبَرَنَا ابن الزيبقي أخبرنا الحسين بن حميد الربيع اللخمي نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي2 أخبرنا زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ عطية السامي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: "إِنَّ الدُّعَاءَ لَيَلْقَى الْبَلاءَ فَيَعْتَلِجَانِ إلى يوم القيامة" 3.
__________
1 شرح أشعار الهذليين "1/14" وسبق في الجزء الأول لوحة "84".
2 سقط من ح.
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "10/146" وعزاه للطبراني والبزار.

(2/145)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ سَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ بَعْدَكَ مِنَ الإِدَدِ وَالأَوْدِ1.
حَدَّثَنِيهُ الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا عبد الله بن زيدان أخبرنا هَارُونُ بْنُ أَبِي بُرَدَةَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ أَبِي عبد الرحمن الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّهَوِيِّ عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ.
وَقَالَ بعضهم: اللدد مكان الإدد. والإدد الدواهي العظام واحدتها إدة والإد الأمر الفظيع والإد العجب قَالَ الراجز:
قد لقي الأعداء مني نكرا ... داهية دهياء إدا إمرا2
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/36" بلفظ "من الأود واللدد" في قصة طويلة وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/12" وتفسيره فيه الأود: العوج, واللدد: الخصومة وذكره المتقي في كنز العمال "13/190" وعزاه لأبي يعلى.
2 اللسان "أمر" برواية "قد لقي الأقران" ولم يعز.

(2/145)


ومن هذا قول الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} 1
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس ثعلب قَالَ الإد العجب والإد الصوت والأيد والآد القوة وأنشد:
من أن تبدلت بآد آدا ... لم يك ينآد فأمسي انآدا2
وأما فهو شدة الخصومة يُقَالُ رجل ألد وقوم لد.
__________
1 سورة مريم:"89".
2 اللسان "أود" وعزي للعجاج برواية "من أن تبدلت بآدي آدا" ولم أقف عليه في ديوانه.

(2/146)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: أَخْبَرَنِي عَنْ قُرَيْشٍ. قَالَ أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَأَنْجَادُ أَمْجَادٍ وَأَمَّا إِخْوَانُنَا بَنُو أُمَيَّةَ فَقَادَةٌ. أُدَبَةٌ ذَادَةً1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عَلِيًّا.
الأنجاد واحدهم نجد. وَقَالَ الأصمعي: رجل نجد ونجد من شدة البأس. وَقَالَ غيره النجد ضد البليد والأصل فيهما واحد وإنما أخذ من نجد البلاد وهو ما علا وارتفع من الأرض فالنجد من الرجال الرفيع العالي. قَالَ ذو الرمة:
ولكنني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كريما يمانيا2
قَالَ أَبُو عبيدة: يُقَالُ: أنجدت الرجل إذا أعنته ونجدته أنجده إذا غلبته والأمجاد الكرام واحدهم ماجد كقولك شاهد وأشهاد
__________
1 أخرجه عيد الرزاق في مصنفه "5/452" وفي "11/57".
2 اللسان "قسا" والدوان "654" برواية "أزور امرأ محصنا نجيبا يمانيا".

(2/146)


قَالَ ابن الأعرابي المجد الرفعة والسناء.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِجَارِيَتِهَا نَاوِلِينِي الْمَجِيدَ تُرِيدُ الْمُصْحَفَ تُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} 1
/ وَقَالَ بعض أهل اللغة: أصل المجد الكثرة. يقال أمجدت الرجل سبا وأمجدته ذما بمعنى أكثرت [57] ومن أمثالهم في كل شجرة نار واستمجد المرخ والعفار2 أي استكثرا منها وهما شجران يتخذ منهما الزناد.
وَقَالَ بعضهم: أصل المجد امتلاء بطن البعير من العلف ثم قالوا: مجد فلان فهو ماجد أي امتلأ كرما والقادة جمع قائد والذادة جمع ذائد وهم الرؤساء الذين يقودون الجيوش ويدافعون عنها والذود الدفع عَنِ الحريم قَالَ زهير:
ومن لا يذد عَنْ حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم3
وأخبرني محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبُو الوَليِد الأَزْرَقِيِّ قَال قَالَ مُحَمَّد بن إسحاق لما قسم قصي مكارمه بين ولده أعطى القيادة عَبْد مناف فوليها من بعد عَبْد مناف عَبْد شمس ثم وليها من بعده أمية بن عَبْد شمس ثم من بعده حرب بن أمية فقاد بالناس يوم عكاظ في
__________
1 سورة البروج:"21".
2 أمثال أبي عبيد "136" والعسكري "2/92" والميداني "2/74" والزمخشري "2/183" والبكري "202" واللسان "مرخ, عفر" وجاء في الشرح: المرخ والعفار: شجرتان فيهمانار ليست في غيرهما من الشجر ويسوي من أغصانهما الزناد فيقدح بها وزنادهما أسرع الزناد وريا, والعرب تضرب بهما المثل في الشرف العالي.
3 شرح الديوان "32".

(2/147)


حرب قريش وقيس وعيلان وفي الفجارين الأول والثاني ثم قاد بالناس أَبُو سفيان بن حرب فلما كان يوم بدر قاد الناس عتبة بن ربيعة وكان أَبُو سفيان في العير فلما كان يوم أحد قاد الناس أَبُو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الأحزاب وكانت آخر وقعة لقريش ثم جاء اللَّه بالإسلام1.
والأدبة جمع الآدب وهو الَّذِي يدعو على الطعام قَالَ طرفة:
لا ترى الآدب فينا ينتقر2
يُقَالُ أدب على القوم يأدب أدبا فهو آدب وهم أدبة كما قيل كاتب كتبة وحافظ وحفظة. قال ثعلب يُقَالُ ما كنت أديبا ولقد أدبت وما كنت آدبا ولقد أدبت أي داعيا والاسم المأدبة والمأدبة يصفهم بأنهم مطاعيم في الجدب مساعير في الحرب.
__________
1 ذكره الأزرقي في أخبار مكة "1/115" في قصة طويلة.
2 الديوان "65" وصدره "نحن في المشتاة ندعو الجفلى.

(2/148)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غَيْرُ مَشْكُوكٍ1.
هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا دَعْلَجُ بْنُ أحمد أخبرنا الصائغ أخبرنا أحمد بن شبيب أخبرنا أبي بن رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ مشكوك بالشين معجمة وإنما هو مسكوك والسك تضبيب الباب والخشب بالحديد. ومن هذا قيل للحديدة التي تطبع عَلَيْهَا الدراهم والدنانير سكة يريد أن المنبر لم يكن خشباته مسمرة بالمسامير بل كانت خشبة واحدة غير مشرفة
__________
1 الفائق "سكك" "2/190" بلفظ غير مسكوك والنهاية "سكك" "2/384" وفيهما "ويروى بالشين".

(2/148)


فأما المشكوك فمعناه المشدود المثبت يُقَالُ رماه فشك قدمه بالأرض أي أثبتها في الأرض. قَالَ الشاعر:
كأن الذارعإ المشكوكَ فيه ... سَلِيبٌ من رجال الديبلان1
وإنما يشك لئلا ينقلب فينصب ما فيه والذارع واحد الذوارع وهي الزقاق.
وَقَالَ بعض أهل اللغة ولا واحد لها من لفظها وهذا البيت يدل على خلاف قوله.
فأمَّا حديث علي أَنَّهُ خطبهم بعد الحكمين على شغلة2.
فإن ابن الأعرابي قَالَ هي البيدر. يُقَالُ: شغله وشغل يريد حصيدا قد كدس ورفع بعضه فوق بعض.
__________
1 التهذيب "14/126" برواية "المشكوك منها" وجاء فيه: شبه سواد الرق بالأسود المشلح من رجال السند.
2 الفائق "شغل" "2/254" والنهاية "شغل" 2/483".

(2/149)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَوَدَدْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ رَضُوا وَنَفَّلْنَاهُمْ خَمْسِينَ رَجُلا [58] مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَحْلِفُونَ مَا قَتَلْنَا عُثْمَانَ وَلا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أنبأنا الصائغ حدثنا سعيد بن منصور أخبرنا أبو معاوية أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عليا يقوله.
__________
1 أحرجه سعيد في سننه "2/364".

(2/149)


قوله نفلناهم أي حلفنا لهم خمسين منا على البراءة من دمه والنفل أصله النفي.
يُقَالُ نفلت الرجل عن نسبه نفلا ونفالة وانتقل الرجل من نسبه إذا تبرأ منه.
ومنه حديث ابن عُمَر أن رجلا لاعَنِ امرأته وانتفل من ولدها ففرق رسول اللَّه صلى الله عليه بينهما وألحق الولد بالمرأة1.
وَقَالَ المتلمس:
أري عصما في نصر بهثة دائبا ... وينفلني من آل زيد فبئسما2
أي ينفيني من آل زيد.
وَقَالَ الزبير بن بكار قالت بنو ضمرة لنصيب إنك منا فدعنا نصحح نسبك. قَالَ أعلم أنكم تريدون ذلك رغبة في مالي وما كنت لأقفو العجوز وأنتفل عَنِ الشيخ ولأن أكون مولى لائقا أحب إلى من أن أكون عربيا لاحقا.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ. حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا محمد بن كامل المروزي أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءَ مَوْلَى أَبِي قُلابَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه قَالَ لأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ: "أَتَرْضَوْنَ بِنَفْلِ خمسين من اليهود
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها في الفرائض "8/191" ومسلم في اللعان "2/1132 – 1133" وأبو داود في الطلاق "2/278" والترمذي في الطلاق أيضا "3/399" والبيهقي في سننه "7/402" وكلهم بلفظ "انتقى" بدل "انتقل".
2 الديوان "39".

(2/150)


مَا قَتَلُوهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا جَمِيعًا ثُمَّ يَنْفِلُونَ1 أَيْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَسُمِّيَتِ الْيَمِينُ فِي الْقَسَامَةِ نَفْلا لأَنَّ الْقَصَاصَ يُنْفَى بِهَا. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُفَسَّرًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرِ.
حَدَّثَنَاهُ الأصم أخبرنا بحر بن نصر الخولاني أخبرنا ابن وهب وأخبرني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "وَدَدْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ قَبِلُوا مِنِّي خَمْسِينَ يَمِينًا قَسَامَةً أَحْلِفُ بِهَا مَا أَمَرْتُ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلا مَالَيْتُ"2.
قوله: ماليت معناه طابقت وساعدت. وأصله مالأت مهموزا من ملأ القوم يريد أَنَّهُ لم يدخل في ملائهم ولم يطابقهم على رأيهم.
ويقال: ما كان هذا الأمر عن ملاء منا أي عَنْ تشاور واجتماع عليه وقد تبدل الهمزة ياء.
أخبرني أبو عمر أنبأنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عَنِ الفراء قَالَ: العرب تحقق الهمزة وتبدلها وتلينها فالتحقيق أن تقول قرأت وخبأت والإبدال أن تقول قريت وخبيت والتليين أن تقول قرات وخبات.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: ثلاثة أحرف تركت العرب الهمز فيها وأصله الهمز البرية للخلق من برأ اللَّه الخلق والبنا أصله من البناء والخابية أصلها من خبأت الشيء
__________
1 أخرجه البخاري في الديات "9/11 – 12" في حديث طويل.
2 لم أقف عليه بهذا اللفظ وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/450" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بلفظ: "والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ويكن غلبت" وأخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/364" بطريق آخر بلفظ: "ما قتلت عثمان ولا اشتركت ولا أمرت ولا رضيت" وانظر كنز العمال "13/91.

(2/151)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كانت ضرباته مبتكرات لا عونا1.
رواه ابن عائشة بإسناد له.
قَالَ ابن الأنباري تفسيره أن ضربته كانت بكرا واحدة يقتل بها ولا يحتاج إلى أن يعيد الضربة بعدها والعون جمع العوان والعوان المرأة الثيب والحرب العوان التي قوتل فيها مرة بعد مرة والحاجة العوان التي طلبت مرة بعد أخرى.
[59] / ويروى عَنْ بعضهم أَنَّهُ قَالَ كان لعلي ضربتان كان إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط ومعنى القد القطع والقط نحو منه إلا أن القد أكثره في الجلد والقط في العظام.
وَقَالَ بعضهم: القد ما قطع طولا والقط ما كان منه عرضا.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب: رأيت يوم بدر رجلا من المشركين فارسا مقنعا في الحديد كان وسعد بن خيثمة يقتتلان فاقتحم عَنْ فرسه لما عرفني فناداني هلم ابن أبي طالب البراز قَالَ فعطفت عليه فانحط إلى مقبلا وكنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل وكرهت أن يعلوني فَقَالَ يا ابن أبي طالب أفررت فقلت فررت مفر ابن الشتراء. فلما دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحج فأضربه2 على عاتقه وهو دارع فارتعش ولقد قط سيفي
__________
1 الفائق "بكر" "1/125" والنهاية "عون" "3/323".
2 الفائق "شتر" "2/221" بلفظ "فأمر به" بدل "فأشربه" والمثت من جميع النسخ.

(2/152)


درعه فإذا بريق سيف من ورائي فأطن قحف رأسه وإذا هو حمزة بن عَبْد المطلب1.
قَالَ الخطابي2 لم أسمع أحدا إلا يقول بريق أما البريق فمعروف.
ويقال أبرق الرجل بسيفه يبرق إذا لمع به وسمى السيف إبريقا وهو إفعيل من البريق قال بن أحمر:
تقلدت إبريقا وعلقت جعبة ... لتهلك حيا ذا زهاء وجامل3
وأما الريق فمن قولك راق السراب يريق ريقا إذا لمع وترقرق على متن الأرض يريد لمعان السيف وتلألؤه. وابن الشتراء يُقَالُ أَنَّهُ رجل كان يصيب الطريق وكان يأتي الرفقة فيدنو منهم حتى إذا هموا به نأى قليلا ثم عاودهم حتى يصيب منهم غرة.
__________
1 أخرحه الواقدي في مغازي "1/92 – 93" مع زيادة بعض الألفاظ واختلاف في بعض.
2 في جميع النسح قال الواقدي والصواب: قال الخطابي.
3 اللسان "برق" تعلق إبريق وأظهر جعبة ليهلك....." وفي التاج "برق" برواية "تقلدت إبريق وأظهرت جعبة" والبيت في الديوان "137".

(2/153)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ رِجَالٌ فَقَالُوا: لا نَفْعَلُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمَلْحُ فِي الْمَاءِ1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلامَ ثَقِيفٍ اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ فَازَ بِكُمْ فقد فاز بالقدح الأخيب2
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/12" بلفظ: "اللهم أمت قلوبهم موت الملح في الماء" في دعاء طويل.
2 أخرجه الطبري في تاريخه "5/134" الجزء الأول فقط وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/320" بلفظ "ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب".

(2/153)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدقيقي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا قَيْسٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ1 عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ.
يُقَالُ مثت الشيء أميثه وأموثه إذا ذقته وأذبته في ماء أو نحوه وانماث الشيء وتميث إذا ذاب.
وقيل لأعرابي من عذرة ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث كما ينماث الملح في الماء أما تجلدون فَقَالَ إنا ننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها. وَقَالَ الشاعر:
ولقد نضحت مليلتي فتميثت ... عَنْ آل عتاب بماء بارد
وَقَوْلُهُ: من فاز بكم فاز بالقدح الأخيب أي بالخائب الَّذِي لا نصيب له من قداح الميسر2. وقال أبو عمرو بن العلاء تقول العرب ذهب فلان في الأخيب ووقع في الخيباء أي في الخيبة والقداح التي لا نصيب لَهَا في الميسر ثلاثة المنيح والسفيح والوغد وأما القداح التي لها أنصباء معلومة فهي سبعة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أَبُو الوليد الأزرقي قَالَ أعظم القداح قدرا [60] عندهم المعلى وفيه سبعة فروض ثم المسبل وفيه ستة فروض ثم / الحلس وفيه خمسة فروض ثم النافس وفيه أربعة فروض ثم الضريب وفيه ثلاثة فروض ثم التوأم وفيه فرضان ثم الفذ وفيه فرض واحد وهو أدناها عندهم.
قَالَ وَقَالَ عروة بن الورد العبسي يمدح الربيع بن زياد وإخوته من
__________
1 ح: "أبو حصين" كزبير.
2 مثل ذكره أبو عبيد "182" والميداني "2/302" والزمخشري "2/358".

(2/154)


بني عبس وأمهم فاطمة بنت الخرشب فذكر القداح السبعة:
هو السيد المعلوم لابنه خرشب ... مجير المنايا والمجير على الحرم
أتت بالمعلى وهو أول سورة ... وبالمسبل الثاني وبالحلس والتؤم
وجاءت بفذ والضريب ثلاثة ... وبالنافس المعلوم في الكف والقدم1
وقد يسمى الضريب الرقيب أيضا وهذا مثل ضربه علي لأصحابه لما رأى من استعصائهم عليه وقلة مواتاتهم له يقول لا حظ لي في صحبتكم كما لا حظ لصاحب الميسر في القدح الخائب من قداحه.
__________
1 لم أقف على الأبيات في ديوان عروة ط بيروت سنة 1964 ولا شعراء النصرانية "القسم الرابع.

(2/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا فَيَأْخُذُونَ النَّاسَ بِالرَّبَائِثِ فَيُذَكِّرُونَهُمُ الْحَاجَاتِ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا الدغولي أخبرنا أحمد بن سيار أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ أُمِّ عُثْمَانَ وَهِيَ مَوْلاةُ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَلِيًّا يَقُولُهُ.
الربائث جمع ربيثة وهي كالعلة تعرض فتحبس الإنسان عَنْ حاجته.
يُقَالُ ربثت الرجل عَنِ الحاجة إذا حبسته عنها أربثه ربثا والربيثى على وزن الهجيرى ما يخدع به الرجل عَنْ حظه ويصرف به وجهه عن قصده.
__________
1 الفائق "ربث" "2/29" والنهاية "ربث" "2/182".

(2/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ صَرِيعٌ فَقَالَ: "أَعْزِزْ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْ أَرَاكَ مُجَدَّلا تَحْتَ نُجُومِ السَّمَاءِ

(2/155)


إِلَى اللَّهِ أَشْتَكِي عُجَرِي وَبُجَرِي"1.
حدثنا أحمد بن عبدوس أخبرنا محمد بن يونس الكديمي أخبرنا محمد بن عباد المهلبي أخبرنا هشيم عن مخالد عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قوله مجدلا أي صريعا مطرحا يُقَالُ جدلت الرجل فانجدل قَالَ الشاعر:
لكن ترى رجلا في إثره رجل ... فقد غادروا رجلا بالقاع منجدلا
ويقال إن التجديل مشتق من الجدالة وهي وجه الأرض فإذا قيل جدلت الرجل كان معناه ضربته بالجدالة.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثعلب قَالَ يُقَالُ حطأت بفلان الأرض وردست وكدست ولطست وحبجت ولبجت وحثأت ولثأت وحدست وعدست كله بمعنى واحد.
وأخبرنا محمد بن المكي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ناابن أخي ابن وهب أخبرنا عمي أخبرنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ هِلالٍ السُّلَمِيُّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" 2.
قوله وآدم منجدل في طينته أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح بعد.
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/248" بلفظ "يعز علي أن أراك مجدولا".
2 أخرجه أحمد في مسنده "4/127, 128".

(2/156)


وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَبَدْءِ خَلْقِهِ.
/ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بن [61] يحيى الغساني أخبرنا أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الأَنْبِيَاءُ قَالَ "مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الرُّسُلِ مِنْ ذَلِكَ قال "ثلثمائة وثلاثة عشرة جَمًّا غَفِيرًا" فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَوَّلُهُمْ قَالَ "آدَمُ" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيُّ مُرْسَلٌ قَالَ "نَعَمْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ثم سواه قبلا1" وفي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ فإنه يريد والله أعلم أَنَّهُ خلقه فسواه ثم نفخ فيه الروح. وفي الكلام تقديم وتأخير يدل على ذلك.
قوله: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} 2 ومثل هذا في التقديم والتأخير قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 3 المعنى أني رافعك ثم متوفيك
وَقَوْلُهُ "قبلا" إذا كسرت القاف كان معناه المقابلة والعيان وكذلك قبلا يُقَالُ لقيت فلانا قبلا وقبلا أي مقابلة وإذا فتحت القاف والباء كان معناه الاستقبال والاستئناف وقد قرىء قوله "أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قِبَلا وَقُبُلا"4 ويقال لا آتيك إلى عشر من ذي قبل أي إلى عشر فيما استأنف،
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/178", 179, 266". بنحوه كذلك أبو دبو داود الطيالسي في مسنده كما في منحه المعبود "2/31, 81" وذكره الهيثمي في مجمعه "1/158 – 159 – 196" وفي "8/210" بألفاظ متقاربة, وانظر المطالب العالية "3/112, 269".
2 سورة السجدة: "9".
3 سورة آل عمران: "55".
4 سورة الكهف "55" وانظر كتاب عن وجوه القراءات السبع "2/74".

(2/157)


ويقال رأيت الهلال قبلا أي أول ما يرى.
وقد روي من علامات الساعة أن يرى الهلال قبلا1 وهذا كما جاء من أشراط الساعة أن نرى الهلال لليلته فيقال هذا ابن ليلتين2 وكما جاء من أشراطها انتفاخ الأهلة3 وكلها متقاربة ومعنى الحديث على الوجه الأول وهو إذا رويته قبلا بكسر القاف إن اللَّه جل وعز خلقه بيده تخصيصا له بالكرامة من غير أن يولي أمره أحدا من ملائكته فيكون أسوة ولده كما قَالَ في قصة عيسى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} 4. وكما روي أن اللَّه إذا أراد خلق ابن آدم بعث ملكا فيكتب خلقه ورزقه وعمره ثم يقول يا رب أشقي أم سعيد5 يقول فلم يكن خلق آدم على هذا المعنى لكن تناولته الخلقة قبلا من غير تقديم سبب أو توسيط ملك أو غيره تخصيصا بالكرامة وتفضيلا له على ولده وعلى نحو من هذا يتأول قوله: "خلق اللَّه آدم على صورته" 6 يريد والله أعلم أَنَّهُ خلقه بشرا سويا على صورته تلك لم تشتمل عليه الأرحام ولم تتناقله الأحوال من صغر إلى كبر ومن نقص إلى تمام
__________
1 النهاية "قبل" "4/8".
2 ذكره الهيثمي في مجنعه "7/325" عن أنس بن مالك وعزاه للطراني في الصغير والأوسط وفي "3/146" عن أبي هريرة وعزاه للطبراني في الصغير.
3 ذكره الهيثمي في مجمغه "3/146" عن أبي هيريرة للطبراتي وعزاه للطبراني في الصغير.
4 سورة مريم: "17".
5 أخرجه البخاري في مواضع منها في بدء الخلق "4/135" والقدر "8/153" ومسلم في القدر "4/2036" وغيرهما.
6 أخرجه مسلم في البر "4/2017" وفي الجنة "4/2183" وأحمد في مسنده "2/244, 251, 315" وغيرهما.

(2/158)


وَقَوْلُهُ "جما غفيرا" كلمه معناها الوفور والكثرة وفيها ثلاث لغات يُقَالُ جاء القوم جما غفيرا وجماء الغفير والجماء الغفير حكاها لنا أَبُو عُمَر وذكر مناظرة جرت بين أبوي عباس فيها وفي الاعتلال لها والاحتجاج لإلزامها النصب من الإعراب.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ البصريون ومن يقول بالاشتقاق الجماء مشتقة من قولهم بئر جمة أي كثيرة الماء والغفير مأخوذ من الغفر وهو الستر قالوا: ومنه سمي المغفر وذلك لأنه يغطي الرأس ويستره قالوا: والمعنى أنهم لكثرتهم يغطون وجه الأرض.
وأما قوله: / دعوة إبراهيم فهي قوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} 1 [62] وبشارة عيسى قوله {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} 2
وَقَوْلُهُ عجري وبجري أي ما أبصره وأكتمه من أمري وهو قول سائر في أمثال العرب3. يُقَالُ لقى فلان فلانا فأبثه عجره وبجره. وقَالَ الكديمي في الحديث قلت للأصمعي ما عجري وبجري فَقَالَ همومي وأحزاني.
ويروى عن علي أنه مر يوم الجمل بمحمد بن طلحة قتيلا فَقَالَ هذا الَّذِي قتله بره بأبيه.
__________
1 سورة البقرة: "129".
2 سورة الصف: "6".
3 اللسان "بجر عجر" جمهرة الأمثال "1/448" مجمع الأمثال "1/237" المستصفى "1/93" ونص المثل "أخبرته بعجري وبجري".

(2/159)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي العلات1.
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عبد الجبار أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ.
أعيان بني الأم هم الإخوة لأب واحد وأم وبنو العلات الإخوة لأب واحد وأمهات شتى وهو أن يموت الرجل ويترك إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه فالمال للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب قَالَ أوس بن حجر:
وهم لمقل المال أولاد علة ... وإن كان محضا في العمومة مخولا2
وَقَالَ الكميت:
وكان يُقَالُ إن بني نزار ... لعلات فأمسوا توأمينا3
ويقال: إنما سميت ضرة المرأة علة لأنها تعل بعد صاحبتها أي ينتقل الزوج من إحداهما إلى الأخرى كالعلل في الشرب بعد النهل فإذا كان الإخوة لأم واحدة وآباء شتى فهم الأخياف لاختلاف أصولهم.
والخيف أصله في الخيل وهو أن يكون الفرس إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء. يُقَالُ فرس أخيف ويقال لأوشاب الناس أخياف قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/249" والترمذي في الفرائض "4/416" وابن ماحة كذلك في الفرائض "2/915" والبهيقي في سننه "6/232" مع تفسير أعيان بني الأم.
2 الديوان "91" وشعراء النصرانية "4/496".
3 شعر الكميت "2/646".

(2/160)


الناس أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم1
__________
1 اللسان والتاج "أدم".

(2/161)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ تِلْعَابَةُ فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ1.
حدثت به عن المطين أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عمرو الْقُرَشِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ كَذَلِكَ قَالَهُ عُثْمَانُ.
وَقَالَ غيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش.
قوله تلعابة من اللعب يريد أنه كان حسن الخلق يمزح ويلعب إذا خلا في خاصته قَالَ العجير يمدح رجلا: وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ تِلْعَابَةُ فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ2.
حدثت به عن المطين أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عمرو الْقُرَشِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ كَذَلِكَ قَالَهُ عُثْمَانُ.
وَقَالَ غيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش.
قوله تلعابة من اللعب يريد أنه كان حسن الخلق يمزح ويلعب إذا خلا في خاصته قَالَ العجير يمدح رجلا:
هو الظفر الميمون إن راح أو غدا ... به الركب والتلعابة المتحبب2
ويقال رجل تلعابة مثل تقوالة وتلعابة مشددة والهاء تزاد في مثل هذه الأسماء للمبالغة في النعت.
ويروى عَنْ علي أَنَّهُ قَالَ زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابةٌ أُعافِسُ وَأُمَارِسُ هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ ومَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ فَفِي هَذَا عَنْ هَذَا واعظ وزاجر.3
وقد فسرنا هذا فيما تقدم من الكتاب.
__________
1 الفائق "لعب" "3/319" والنهاية "تلعب" "1/1195" وفي "لعب" "4/253" وفي "ضرس" "3/83" بلفظ "فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حديد".
2 اللسان والتاج "ظفر" وجاء في اللسان: رجل مظفر وظفر وظفير: لا يحاول أمرا إلا ظفر به.
3 الفائق "لعب" "3/319" والنهاية "تلعب" "1/194".

(2/161)


ويقال في هذا المعنى رجل لعبة بفتح العين إذا كان كثير التلعب والتمرس بالناس فإذا كان يتلعب به الناس ويولعون بمداعبته فهو لعبة ساكنة العين.
[63] وَقَوْلُهُ ضرس من حديد فإن الضرس من الرجال الصعب الخلق يُقَالُ رجل ضرس / إذا كان زعر1 الخلق ومكان ضرس إذا كان خشنا يعقر قوائم الدواب. ومنه قول دريد بن الصمة يوم حنين نعم مجال الخيل لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دهس2.
ويقال ناقة ضروس وهي التي تمتنع عَنِ الحالب وتعضه عند الحلب.
ورواه بعضهم فإذا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ على إضافة الضرس إلى الحديد كأنه يريد واحد الأضراس أو واحد الضروس وهي الآكام الخشنة ذوات الحجارة أي كأنه جبل من حديد.
وقد توهم من لا يبصر وجوه الكلام ولا يضع الأمور مواضعها أن هذا القول من واصفه طعن عليه وإزراء به وتعلق مع ذلك بقول عُمَر وقد سئل عنه للخلافة فَقَالَ: "لولا دعابة فيه"3. والأمر في ذلك بحمد اللَّه على خلاف ما توهمه ولم يذهب عُمَر في هذا إلى أن يعيبه بالمزاح وإنما أراد أن السائس قد يحتاج في سياسته إلى نوع من الشدة والغلظة ليخافه أهل الريبة وأن من هش لعامة الناس ولان جانبه لهم قلّت هيبته في صدورهم
وقد قيل من مرح استخف به وإنما هذا كقوله إن هذا الأمر لا يصلح له
__________
1 القاموس "زعر" زعر الخلق: سيئ الخلق.
2 ذكره ابن كثير في السيرة النبوية "3/611".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/448" بلفظ "مزاحة" بدل "دعاية" وذكره المتقي في كنز العمال "5/737".

(2/162)


إلا الشديد في غير عنف اللين فِي غير ضعف وكان علي رضي اللَّه عنه يوصف ببعض الفكاهة وهو أن يكون الإنسان فكه الحديث حلوه. والأصل في هذه الكلمة الإعجاب.
قَالَ الفراء معنى قوله: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} 1 معجبين بما آتاهم ربهم.
ويقال: فكه الرجل وتفكه إذا تعجب وأنشد:
ولقد فكهت من الذين تقاتلوا ... يوم الخميس بلا سلاح ظاهر2
وَقَدْ وُصِفَ رَسُولُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ وَكَانَ يَقُولُ: "إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا" 3 فَكَيْفَ يُعَابُ عَلِيٌّ بِشَيْءٍ نُعِتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بعض العلماء كان علي قد علق من أخلاق رسول اللَّه وطيب كلامه فكان إذا خلا مع صاغيته4 مزح وانبسط وإذا رأى العدو قطب وعبس قَالَ وأنشدنا ابْنُ الأعرابي في نحو هذا يمدح رجلا:
يتلقى الندى بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح
فبهذا وذا تتم المعالى طرق ... الجد غير طرق المزاح
وسئل بعض السلف عَنْ مزح الرسول عليه السلام فَقَالَ كانت له مهابة فكان يبسط الناس بالدعابة.
__________
1 سورة الطور: "18".
2 الجمهرة "3/474" ولم يعز.
3 ذكره المبقي في كنز العمال "7/140" بلفظ: "كان فيه دعابة قليلة" وعزاه للخطيب وابن عساكر عن ابن عباس.
4 القاموس "صغا" صاغيتك: الذين يميلون إليك في حوائجهم.

(2/163)


وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمُونِي أُحَدِّثُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ غَيْرِهِ فإنما أنبأنا رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَالْحَرْبُ خِدْعَةٌ1.
يريد أن الخداع في الحرب جائز ومعناه أن يظهر الرجل من أمره خلاف ما يضمره يريد بذلك أن يلبس أمره على عدوه لئلا يفطن لعوراته وَأَصْلُ الْخَدْعُ السِّتْرُ وَالإِخْفَاءُ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَيْتُ الَّذِي يُخَبَّأُ فِيهِ الْمَتَاعُ مَخْدَعًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَرْبُ خَدْعَةٌ".
[64] أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ / الْعَطَارِدِيُّ أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ نُعَيْمٌ رَجُلا نَمُومًا2 فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ يَهُودَ بَعَثَتْ إِلَيَّ إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ رِجَالا رَهْنًا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطْفَانَ فَنَدْفَعُهُمْ إِلَيْكَ فَنَقْتُلُهُمْ" فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَرْبُ خَدْعَةٌ" 3.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنُ سَمْعَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلا ثَلاثٌ الرَّجُلُ يَكْذِبُ أَهْلَهُ يُرْضِيهَا وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ" 4.
__________
1 أخرجه البخاري في المناقب "4/244" وكذلك في الاستتابة "9/21" وأبو داود في السنة "4/244" وأحمد في مسنده "1/131, 134".
2 القاموس "نم" النم: رفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب ينم وينم فهو نموم ونمام ومنم ونم.
3 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "83, 84".
4 ذكره الهيثمي في مجمعه "8/81" وعزاه للطبراني.

(2/164)


فأما ما أبيح من كذب الرجل لأهله فهو مثل أن يقول لها إني لأحبك وإنك لمن أعز أهلي ونحو هذا من كلام الاستمالة ومثل أن يمنيها ويعدها يطيب نفسها بذلك.
وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ الاثْنِينِ فَهُوَ أَنْ يُرَقِّقَ الْقَوْلَ لَهُمَا وَيُنَمِّي الْجَمِيلَ إِلَى كُلَّ وَاحَدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ يَسْتَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَّى خَيْرًا".1
وأما الكذب في الحرب فقد تقدم بيانه وإنما أبيح ذلك لأنه من باب المكيدة في الحرب للإبقاء على النفس وقد أرخص اللَّه للمسلم إذا أكره على الكفر أن يعطى الفتنه بلسانه ويتكلم بها على التقية ذبا عَنْ مهجة نفسه ومحاماة على روحه.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهاهنا أمور متقاربة في ظاهر الاسم متباينة في المعنى والحكم منها الغدر والفتك والمكر والكيد والغيلة فالغدر محرم في الحرب وغيرها وهو أن يؤمن الرجل ثم يغدر به فيقتله ومثله الفتك وقد جاء قيد الإيمان الفتك والمكر محرم في كل حال والكيد مباح في الحرب.
وأما الغيلة فهو أن يخدع الرجل فيخرجه من المصر إلى الجبانة2 أو من العمارة إلى الخراب فإذا خلا معه وثب عليه فقتله
__________
1 أخرجه البخاري في الإصلاح بين الناس "3/240" عن أم كلثوم بنت عقبة ومسلم في البر "4/2011" وعبد الرزاق في مصنفه "11/158" وأبوداود في الأدب "4/280" والترمذي في البر والصلة "4/331" وأحمد في مسنده "6/403, 404" وذكره الهيثمي في مجمعه "8/80 – 81" بهذا اللفظ عن شداد بن أوس وعزاه في الكبير والأوسط.
2 القاموس "جبن" الجبانة: المقبرة والصحراء.

(2/165)


وفي قوله "الحرب خدعه" ثلاث لغات أعلاها خدعة بفتح الخاء. سمعت ابن الأعرابي يذكر عَنِ ابن أبي مسرة عَنِ الحميدي عَنْ سفيان عَنْ عمرو بن دينار قَالَ أهل العربية يقولون خدعة بالنصب.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي أنبأنا أَبُو العباس ثعلب قَالَ الحرب خدعة بلغنا أنها لغة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بعض أهل اللغة معنى الخدعة المرة الواحدة أي من خدع فيها مرة لم يقل العثرة بعدها.
وروى يعقوب عَنِ الكسائي وأبي زيد خدعة وخدعة ويقال إن الخدعة إنها تخدع الرجال وتمنيهم الظفر ثم لا تفي لهم.

(2/166)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا مُوَلَّدًا فَشَدَخَتْهُ فَشَهِدَتْ نِسْوَةٌ عِنْدَهُ أَنَّهَا قَتَلَتْهُ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُنَّ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: إِنِّي خُدِعْتُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ مِثْلُ الْعَقْرَبِ تَلْدَغُ وَتَصِيءُ1.
حَدَّثَنِيهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي طَلْقٍ أَنَّ امْرَأَةً حَدَّثَتْهُ بِذَلِكَ.
[65] قوله: تصيء: أي تضج وتجزع يُقَالُ: صأت العقرب تصئي صئيا وكذلك / الفأر. وأكثر صغار الطير وكذلك صغار السباع. قَالَ العجاج وذكر الكلاب والثور:
لهن من شباته صئي2
__________
1 الفائق "صيأ" "2/324" والنهاية "صيأ" "3/64" وهو مثل ما أورده العسكري "2/423" والميداني "1/121" والزمخسري "2/31" واللسان "صأى, صيأ".
2 الديوان "333".

(2/166)


يريد بالشباة قرن الثور وفيه لغة أخرى وهي صأت على وزن رأت ويقال جاء فلان بما صأى وسكت1 أي بما نطق وسكت. قَالَ الراجز:
مالي إذا أجذبها صأيت ... أكبر قد غالني أم بيت2
يريد بالبيت المرأة.
وأنشدني أَبُو عُمَر عَنْ أَبِي العباس ثعلب:
لم يختر البيت على التعزب ... ولا اعتناق رجله عَنْ موكب
فهو ممر كمقاط القنب
وَقَالَ بعض أهل العلم في قوله {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} 3 أراد النهي عَنْ إتيان النساء في أدبارهن.
وَقَالَ الفراء العقرب تنق نقيقا بمعني تصئي صئيا وأنشد لجرير:
كأن نعيق الحب في حاويائه ... فحيح الأفاعي أو نقيق العقارب4
وإنما قبل شهادتهن في القتل لأن الصبي كان مملوكا فلم يجب بالشهادة غير المال ولو كانت الجناية موجبة للقصاص لم تقبل شهادتهن.
__________
1 مثل أورده أبو عبيد "187" والضبي "66" والعسكري "1/320" والزمخشري "2/42" واللسان "صأى".
2 اللسان "بيت" و"صأى" برواية "أكبر غيري أم بيت" قال: والبيت: التزويج, عن كراع.
3 سورة البقرة: "189".
4 الديوان "68" برواية "نقيق الأفاعي" والحاوياء ما انقبض من الأمعاء.

(2/167)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أن سويد بن غفلة قَالَ دخلت عليه يوم عيد فإذا عنده فاثور عليه خبز السمراء وصحفة فيها خطيفة وملبنة1.
حدثني أَبُو عُمَرَ أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ قَالَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ عِيدٍ وَخَطِيفَةٍ فَقَالَ إِنِّمَا هَذَا عِيدُ مَنْ غُفِرَ لَهُ.
قَالَ أَبُو عُمَر: الفاثور: الخوان, وخبز السمراء: خبز الخشكار, والخطيفة: الكبولاء2.
وَقَالَ غيره: الخطيفة: لبن يوضع على النار ثم يذر عليه دقيق ثم يطبخ. ويقال: إنما سميت خطيفة لأنها تختطف أي تستلب بالملاعق استلابا في سرعة.
ومن هذا قول عائشة في الرضاع: لا تحرم الخطفة ولا الخطفتان3 والملبنة: الملعقة.
__________
1 الفائق "فثر" "3/89" والنهاية "فثر" "3/412" وفي "خطف" "2/49".
2 في التاج "فثر" الفاثور: بالمثلثة: الخوان من رخام أو فض أو ذهب وعم بعضهم به جميع الأخونة, وخص الأزهري: فقال: وأهل الشام يتخذونه من رخام يسمونه الفاثور وفي الوسيط "1/235" الخشكار: الخير الأسمر غير النقي.
3 أخرجه التسائي في النكاح "6/102".

(2/168)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وقال إني أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأَطَرْتُهَا بين نسائي1.
__________
1أخرجه أبو داود في اللباس "4/47" والنسائي في الزينة "8/197" وأحمد في مسنده "1/90, 139, 153".

(2/168)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عفان أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الْحَنَفِيَّ يَذْكُرُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
قوله أطرتها بين نسائي أي قسمتها شققا بينهن. قال الشاعر:
كأن فؤادي يوم جاء نعيها ... ملاءة قز بين أيد تطيرها1
أي تشققها ويقال في القسمة طار لفلان السهم الأول ولفلان السهم الثاني أي صار قَالَ الشاعر:
فما طار لي في السهم إلا ثمينها2
أي ثمنها ومنه أخذ التطير وهو أخذ الطائر والحظ من الشيء الَّذِي يعرض لك.
قال أبو عبيدة الطائر عِنْدَ العرب الحظ وهو الَّذِي تسميه العوام البخت. قَالَ غيره ومن هذا قولهم [66] / طير اللَّه لا طيرك, ويقال أيضا طائر اللَّه لا طائرك أي فعل اللَّه وحكمه لا فعلك وما يتخوفه منك.
ومن هذا الباب حديث رويفع بن ثابت الأنصاري.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ3 أخبرنا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ أَنَّ شِيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زمان رسول
__________
1 الفائق "سير" "2/215".
2 اللسان "ثمن" برواية "فما صار في القسم إلا ثمنها" وصدره "وألفيت سهمي وسطهم حين أوحسوا" وعزي ليزيد بن الطثرية وجاء في مادة "وخش" وجاء قبله: "أرى سبعة يسعون للوصل كلهم" والبيت في الديوان "105".
3 في سنن أبي داود "1/9" يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الله بن موهب الهمداني.

(2/169)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ نضو أخيه على أن لَهُ النِّصْفُ مِمَّا يَغْنَمُ وَلَهُ النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ وَلِلآخَرِ الْقَدَحُ يَطِيرُ لَهُ1. معناه يخصه ويصيبه.
وفيه من الفقه أن الشيء إذا احتمل القسمة وطلبها بعض الشركاء قسم له بينهم مادام الشيء الَّذِي يصيبه من ذلك ينتفع به وإن قل وفيه حجه لمن أجاز شركة الأبدان.
فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ أُكَيْدَرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ وَأَعْطَاهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُعْطِينِي هَذِهِ الْحُلَّةَ وَقَدْ قُلْتَ أَمْسَ فِي حُلَّةِ عَطَارِدَ مَا قُلْتَ إِنِّمَا يَلْبِسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا وَلَكِنْ لِتُعْطِيهَا بَعْضَ نِسَائِكَ يَتَّخِذْنَهَا طُرَّاتٍ بَيْنَهُنَّ" 2 فَمَعْنَاهُ يَقْطَعْنَهَا وَيَتَّخِذْنَهَا خُمُرًا وَأَصْلُ الطُّرِ الْقَطْعُ وَبِهِ سُمِّيَ الطَّرَّارُ ومنه اشتقت طرة الشعر وذلك لأنها مطرورة أي مقطوعة من جملة الشعر كما اشتقت القصة من القص.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهارة "1/9 – 10".
2 أخرجه البخاري في البيوع "3/83" والحميدي في مسنده "2/299" وأبو داود في اللباس "4/47" والنسائي في الزينة "8/198, 200" كلهم بدون ذكر أكيدر دومة, وبدون تقسيمها بين نسائه. وذكره بعضه ابن الأثير في أسد الغابة "1/135" والحافظ في الإصابة "1/125".

(2/170)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ رَأَيْتُهُ يَوْمَ بدر وهو يقول:
بازل عامينإ حَدِيثٌ سِنِّي ... سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كَأَنِّي جِنِّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي1
__________
1 ذكره المتفي في كنز العمال "10/411" وعزاه لأبي نعيم في المعرفة.

(2/170)


وَيُرْوَي سَمَعْمَعٌ كَأَنَّنِي مِنْ جِنٍّ.
حدثناه أحمد بن عبدوس أخبرنا الكديمي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُعَلَّى القردوسي1 أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله بازل عامين أصله في أسنان الإبل وهو أن البعير إذا تم له ثمان سنين قيل له بازل عام ثم بازل عامين وذلك حين يتم سن شبابه وتكمل قوته ثم يأخذ بعد ذلك في النقصان فتمثل به علي وأراد أَنَّهُ مستجمع الشباب مستكمل القوة كذلك.
ويقال شاب حديث السن فإذا لم يذكر السن قالوا: حدث.
وسنحنح من السنوح يريد أَنَّهُ ابن ليل يسري فيه ولا ينام والسمعمع السريع الخفيف ويوصف به الذئب لسرعته وهو من الرجال اللطيف الرأس أيضا.
__________
1 المشتيه "2/505" محمد بن الحسن القردوسي.

(2/171)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ وَهُوَ يَتَقَلْقَلُ وَكَانَ كَيِّسَ الْفِعْلِ1.
حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ الْمُطَيِّنِ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُلَمِيِّ قَالَ الْحَضْرَمِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ فَقَالَ يتفلفل بالفاء أما التقلقل بالقاف / فمعناه الخفة والإسراع ويقال فرس قلقل أي سريع وأما يتفلفل بالفاء فمعناه يمشي مشية المتبختر. [67]
__________
1 الفائق "فلفل" "3/140" والنهاية "فلفل" "3/471".

(2/171)


قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ: تفلفل الرجل إذا تبختر ومثله تفيأ وتأطر قَالَ عُمَر بن أبي ربيعة:
خرجت تأطر في الثياب كأنها ... أيم يسيب علا كثيبا أهيلا1
قَالَ ابن الأعرابي فأما الحديث الَّذِي يرويه عَبْد خير عَنْ علي أَنَّهُ خرج وقت السحر وهو يتفلفل فسأله عَنِ الوتر فَقَالَ نعم ساعة الوتر هذه2 فمعناه يستاك يُقَالُ جاءنا فلان متفلفلا إذا جاء والمسواك في فيه يشوصه به.
وَقَوْلُهُ كيس الفعل يريد حسن شكل الفعل والكيس من الأمور3 يجري مجرى الرفق فيها.
__________
1 الديوان "332" برواية "على كثيب أهيلا".
2 ذكره الهيثمي في مجمعه "2/245, 246" بدون "يتفلفل" وانظر كنز العمال "8/65".
3 ح: "والكيس في الأمور".

(2/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "كَلِمَةُ الزُّورِ وَالَّذِي يَمُدُّ بِحَبْلِهَا فِي الإِثْمِ سواء".
من حديث أبي لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بْنِ زُرَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ.
يريد أن الَّذِي يحكى كلمة الزور وينميها كقائلها في الإثم ويقال الرواية أحد الكاذبين1.
__________
1 لم أجد بهذا اللفظ وقد أخرجه الترمذي في العلم "5/36, 37" بلفظ: "من حدث عني حديثا وهو يرى إنه كذب فهو أحد الكاذبين" وكذلك ابن ماجة في المقدمة "1/15" وأحمد في مسنده "5/14, 20".

(2/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَعَظَ رَجُلا فِي صحبة رجل زهق1.
حدثناه عبد الله بن شاذان الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعي أخبرنا سَلَمَةُ بْنُ بِلالٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ هَكَذَا قَالَ الْكُرَانِيُّ زهق بالزاي وهو غلط والصواب رهق بالراء وهو السفيه المستخف بدينه والرهق السفه قَالَ أَبُو طالب يذم أبا جهل:
ومخزوم أقل القوم حلما ... إذا طاشت من الرهق الحلوم
وَقَالَ الأعشى:
من ليس فيه إذا قاولته رهق ... وليس فيه إذا عاسرته عسر2
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ فلان يرهق في دينه وذلك إذا أثني3 عليه قله ورع. ويقال فلان فيه رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم واستخفاف بدينه.
__________
1 الفائق "رهق" "2/95" والنهاية "رهق" "2/284".
2 لم أقف عليه في ديوانه طبعتي بيروت والنموزحية بالقاهرة.
3 القاموس "ثنى" والتثنية: وصف بمدح أو ذم, أو خاص بالمدح وقد أثنى عليه وثنى.

(2/173)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْبَصْرَةِ قَالَ أَصْحَابُهُ بِمَ تُحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلا تُحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الأَحْنَفُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَكَ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لأَيْمُ اللَّهِ لأُتَيِّسَنَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ. قوله لأتيسنهم معناه لأردنهم عَنْ ذلك ولأبطلن قولهم وأراه مشتقا ومبنيًا من قولهم تيسي وهي كلمة للعرب تقولها تريد بها إبطال الشيء والتكذيب به. ومن هذا حديث أبي أيوب في قصة الغول تيسي جعار2 يريد إبطال ما جاءت به من كيدها.
ومن أمثال العرب في الرجل يتكلم بكلمة حمق احمقي وتيسي3 هكذا أصل المثل على خطاب التأنيث لأن أول من قيل له هذا المثل امرأة
__________
1الفائق "يمن" "4/129" والنهاية "تيس" برواية "لأتيسنهم" بفتح الهمزة وكسر التاء.
2النهاية "1/202" وهو مثل أورده مجمع الأمثال "1/140".
3المستقصى "1/86".

(2/175)


فنقل على وجهه يريد إنك عندي. بمنزلة التي قيل لها ومثله أطري إنك ناعلة1.
وَقَالَ أَبُو زيد يُقَالُ احمقي وتيسي للرجل إذا تكلم بحمق أو بما لا يشبه شيئا. وقَالَ ابن السكيت العرب تشتم المرأة فتقول لها قومي جعار تشبه بالضبع ويقولون لها تيسي جعار واذهبي لكاع.
وَقَالَ غيره إنما قيل للضبع جعار بمعنى جاعرة وذلك لأنها متلوثة بجعرها فلما كان هذا صفة لازمة جعل اسما من أسمائها والعرب تقول أفسد من جعار2 وأعيث من جعار3 وهي أعيث السباع إذا وقعت في غنم لم تبق قَالَ الشاعر:
فقلت لها عيثي جعار وأبشري ... بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره4
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ في تفسير هذه الكلمة عندي نظر وقد سمعت قوما من المولدين يقول في الماء إذا احتبس في مكان وتحير فيه قد تتيس الماء ولست أدري ما صحته.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لا تَأْخُذَنَّ مِنَ الزُّخَّةِ ولا النخة شيئا5
__________
1 اللسان "طرر" جمهرة الأمثال "1/50" مجمع الأمثال "1/430 والمستقصى "1/221".
2 الدرة الفاحرة "1/328" جمهرة الأمثال "2/104" مجمع الأمثال "2/84" المستقصى "1/271" ويروى "أفسد من الضبع" وجعار: الضبع.
3.الدرة الفاخرة "1/310" جمهرة الأمثال "2/72" مجمع الأمثال "2/50" المستفصى "1/256".
4 اللسان والتاج "جعر" برواية
فقلت لها: عيثي جعاروجرري ... بلحم امرئ لم يشهد القوم ناصره
5 ذكره عبد الرزاق في مصنفه "4/6" كتاب بعثه إلى عثمان في موضوع الزكاة ولم يذكر محتوياته والحديث في الفائق "زخخ" "2/107" والنهاية "زخخ" "2/208" والمراد بعثمان هو =

(2/176)


حَدَّثَنِيه الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أخبرنا أَبُو هَمَّامِ بْنِ أَبِي بَدْرٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعُوفِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
تفسير الزخة في الحديث أنها أولاد الغنم ويقال أنها إنما سميت زخة لأنها تزخ أي تساق والزخ الدفع من وراء.
وتفسير النخة قد جاء في هذا الحديث أنها أولاد الإبل. قَالَ أبو عبيد هي البقرة العوامل1. وَقَالَ أَبُو سعيد الضرير ليس تقع النخة على البقر العوامل وحدها ولكن على كل عوامل من الإبل والبقر وكل [69] دابة / استعملت فهي نخة قَالَ والرقيق نخة أيضا قَالَ غيره النخ أن تناخ الغنم قريبا من المصدق حتى يصدقها2 قَالَ الراجز وسرق إبلا:
لا تضربا ضربا ونخانخا ... لم يدع النخ لهن مخا3
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: "أَدُّوا الزَّكَاةَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَاحَكُمْ مِنَ السَّجَّةِ وَالْبَجَّةِ وَالْجَبْهَةِ" 4.
فإنما السجة: المذقة من اللبن يصب عليها الماء حتى تصير سجاجا
__________
= عثمان ين حنيف كما ذكر ذلك بن الأثير في النهاية.
1 غريب الحديث "1/7".
2 من هامش س. ليست في ط, ح.
3 الفائق "زخخ" "2/107" وفي اللسان والتاج "نخخ" برواية "ما ترك النخ".
4 أخرجه أبو عبيد في غريبه "1/9" بلفظ: "أخرجوا الصدقات فإن......." وذكره الهيثمي في مجمعه "2/69" عن عبد الرحمن بن سمرة بلفظ: "لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة" وانظر في كنز العمال "6/330.

(2/177)


والسجاج كل لبن غالب عليه الماء والبجة الفصد الَّذِي كانوا يفصدون فيستدمون فيأكلونه قَالَ العجاج يصف ثورا وكلابا:
يطعنهن في كلي الخصور ... وبج كل عاند نعور1
قَالَ: والجبهة هاهنا المذلة يقول هذا الكلام للعرب يذكرهم آلاء اللَّه عليهم يقول كنتم في مذلة تجبهكم وكان قوتكم السجاج من اللبن والفصيد من الدم فقد جعلكم خلفاء في الأرض ووسع عليكم وأنكر تفسير أبي عبيد لها وقول من زعم أنها كانت آلهة تعبد من دون الله.
قال أَبُو سُلَيْمَانَ: وإنما لا تؤخذ الصدقة من السخال والفصلان إذا كانت منفردة عَنِ الأمهات فأما إذا كانت مع أمهاتها فإنها تعد على أصحابها ولا تؤخذ في الصدقة كما لا تؤخذ الخيار من المسان إنما يعترض المال فيؤخذ من وسطه وهو معنى حديث عُمَر وقد شكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء وهو صغار المال.
فقالوا: إن كنت معتدا علينا بالغذاء فخذ منه صدقته فَقَالَ إنَّا نعتد بالغذاء كله حتى السخلة يروح بها الراعي على يده وإني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ولا الربي ولا الماخض ولكن آخذ العناق والجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره2.
__________
1 الديوان "238, 240".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/11, 12" والبيهقي في سننه "4/100" وابن ابي شيبة في مصنفه "3/134" وذكره الهيثمي في مجمعه "3/74 – 75" بلفظ "السخلة" بدل "الغذاء" وعزاه للطبراني في الكبير.

(2/178)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ وُلِدَ لَنَا غُلامٌ أَحْدَرُ شَيْءٍ وَأَسْمَنُهُ فَحَلَفَ أَبُوهُ لا يَقْرَبُ أُمَّهُ حَتَّى تَفْطِمَهُ فَارْتَفَعُوا إِلَى عَلِيٍّ،

(2/178)


فَقَالَ: أَمِنْ غَضَبٍ غَضِبْتَ عَلَيْهَا قَالَ: لا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَصْلُحَ وَلَدِي فَقَالَ: لَيْسَ فِي الإِصْلاحِ إِيلاءٌ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَمَّاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ.
الحدارة السمن والاكتناز يُقَالُ رجل حادر إذا كان غليظا.
قَالَ ابن الأعرابي وبه سمي الأسد حيدرا وذلك لغلظ رقبته ومنه قول علي
أنا الَّذِي سمتني أمي حيدره2.
وكانت أم علي فاطمة بنت أسد سمته حين ولدته أسدا باسم أبيها وأبو طالب إذ ذاك غائب فلما قدم سماه عليا. ويقال: إن بعض الكهان قد كان أنذر مرحبا بأن قاتله رجل يسمى حيدره فلما بارز عليا وسمعه يقول هذا القول أوجس خيفة وسقط في يده ورام الفرار ثم دعته الحمية إلى الإقدام حتى قتل.
وفي الحديث من الفقه أَنَّهُ لم ير الإيلاء إلا في الضرار.
ويروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنما الإيلاء في الغضب3 وهو مذهب مالك والأوزاعي فأما عامة فقهاء / الأنصار من أهل الحجاز وأهل العراق فالإيلاء عندهم لازم في السخط والرضا كالطلاق والظهار سواء. [70]
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه "7/381 – 382" وعبد الرزاق في مصنفه "6/451" وابن أبي شيبة في مصنفه "5/141" والطبري في تفسبره "2/418, 419" كلهم باختلاف يسير في الألفاظ واختلاف في السند أيضا وانظر كنز العمال "3/927".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/39" بطوله.
3 أخرجه الطبري في تفسيره "2/419".

(2/179)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ قَالَ لَهُ: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُدْعَى الضُّرَاحُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ملك على ثكنتهم1.
حدثنا ابن الأعرابي أخبرنا عباس بن محمد الدوري أخبرنا أحمد بن يونس أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
الثكنة في ثلاثة أشياء قَالَ ابن الأعرابي الثكنة الجماعة من الناس والثكنة الراية والثكنة القبر قَالَ الملتمس يصف مصلوبا:
وما كنت في الأحياء حيا مملكا ... وما كنت في الأموات في ثكنة القبر2
والذي أريد بالثكنة في هذا الخبر الراية يريد أن الملائكة تدخله أفواجا برايات لهم وعلامات وقد جاء هذا مفسرا في الحديث.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/29" عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء عليا..... والأزرقي في أخبار مكة "1/49, 50" عن أبي الطفيل بدون قوله: "على ثكنتهم".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط معهد المخطوطات جامعة الدول العربية.

(2/180)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَعَا بِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مِنَ السِّجْنِ. فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَتُبْ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ انْطَلِقْ إِلَى الْعَسْكَرِ فَمَا وَجَدْتَ مِنْ سِلاحٍ أَوْ ثَوْبٍ ارْتَبِقْ فَاقْبِضْهُ وَاتَّقِ اللَّهِ وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ قُطْرِيٍّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ.
قوله ارتبق أي أصيب واعتقل يُقَالُ ربقت الشيء وارتبقته كما قيل ربطته وارتبطته ومنه ربق الغنم وهو أن يتخذ لها عند ولادها
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "138" آ.

(2/180)


ربق فتشد في أعناق سخالها وإنما يفعل ذلك لأنها لا تقوى على أن تتباعد في المرعي مع الأمهات فتربق حتى تجيء أمهاتها فترضعها وتفسير الربق أن يتخذ من الحبل عرى تجعل في أعناق السخال فكل عروة منها ربقة.
أَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا أَبُو العباس قَالَ العرب تقول رمدت الضأن فربق ربق رمدت المعزي فرنق رنق قَالَ والترميد أن يتلمع الضرع وأن تسود الحلمتان فيستبين حملها وتعظم ضروعها. قَالَ ومعنى ربق أعد الحبال فإن الضأن تعجل بولادها. ورنق معناه انتظر لأن المعزى تبطىء بالولاد والترنيق الانتظار.
وكان من حكم علي في أهل البغي أن لا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية وإن من وجد منهم ماله في يدي غيره استرجعه وأمر يوم الجمل فنودي لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ولا يقتل أسير ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية.
ويروى عنه أَنَّهُ سمع تحكيما في ناحية المسجد وهو على المنبر فَقَالَ كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نبدؤكم بقتال حتى تقاتلونا ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فيها اسم اللَّه1.
فهذه أحكامه التي سنها فيهم وكان أَبُو حنيفة يقول لولا أن عليا قاتل أهل القبلة ما درينا كيف الحكم فيهم.
__________
1 أخرجه الطيري في تاريخه "5/73" والبداية والنهاية "7/282" بنحوه.

(2/181)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ / أن بعض السلف كان يقول/ النظر إلى وجه علي عبادة1. [71]
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك بطرق كثبرة "3/141" وابن حبان في الموضوعات "1/358 - =

(2/181)


معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر اللَّه لما يتوسم فيه من نور الإسلام ويرى عليه من بهجة الإيمان ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيما الخشوع وبذلك نعته اللَّه فيمن معه من صحابة الرسول عليه السلام فَقَالَ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} 1. وهذا كما يروى لابن سيرين أَنَّهُ دخل السوق فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا.
أَخْبَرَنَاهُ إسماعيل بن مُحَمَّد الصفار أخبرنا محمد بن وهب المقري أخبرنا مسدد أخبرنا أَبُو عوانة قَالَ رأيت مُحَمَّد بن سيرين دخل السوق فلما رأوه سبحوا.
__________
= 361" والسيوطي في الللآلي المصنوعة "1/342" والقارى في الأسرار المرفوعة "371" وابن عراق في تنزيه الشريعة "1/382" وغبرهم وأجمعوا على رفعه.
1 سورة الفتح: "29".

(2/182)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنِ الْوِتْرِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ وَقَامَ مِنْ جَوْزِ اللَّيْلِ لِيُصَلِّي وَقَدْ طَرَّتِ النُّجُومِ فَقَالَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 1 أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْوِتْرِ نَعَمْ ساعة الوتر هذه2.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الله بن موسى الخلمي أخبرنا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَدَينِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عليا عن الوتر فذكره.
__________
1 سورة التكوير:"17".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/18" بنحوه عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وعن عبد خير وأخرجه الطيري في تفسير الآية "17" من سورة النكوير بدون "قام من جوز الليل وطرت النجوم" وذكره الهيثمي كذلك في مجمعه "2/245 – 246".
وفي نسخة س: "نعم ساعة الوتر هذه" والمثبت من ح, ط, والفائق "جوز" "1/246".

(2/182)


جوز الليل وسطه قَالَ ذو الرمة:
وخافق الرأس مثل السيف قلت له ... زع بالزمام وجوز الليل مركوم1
وَقَوْلُهُ: طرت النجوم أي طلعت فتتامت واتَّسَقَت.
يُقَالُ: طر النبات يطر طرورا إذا نبت وكذلك طر شارب الغلام وفيه وجه آخر وهو أن يُقَالُ طرت النجوم ومعناه أنها توقدت وأضاءت يُقَالُ طررت السيف إذا صقلته وطررت السنان إذا مهوته وسيف مطرور أي صقيل.
وفي بعض الكلام: بالغوا في اصطناع تلامذة العلوم فإن ألسنتهم أسنة مطرورة وقلوبهم كنوز مذخورة هم العدة عند الشدة والذكر بعد المدة.
ومن هذا قولهم رجل طرير الوجه أي جميل الوجه وضيئه قَالَ العباس بن مرداس.
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ضنك الرجل الطرير2
وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أبو العبّاس ثَعْلَب عن أَبِي نصر عَنِ الأصمعي:`
ينام محاق الشهر صدر نهاره ... وفي الحي ريان العشي طرير
يريد أَنَّهُ يتزين بالعشي ليدب في السوءات والريب.
__________
1 الديوان "579" برواية "فوق الرحل" بدل "مثل السيف" واللسان "زوع" والتاج "حفق".
2 اللسان والتاج "طرر" وهو في ديوانه "59".

(2/183)


ومن هذا حديث عطاء بن أبي رباح.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريح عَنْ عطاء قَالَ: إذا طررت مسجدك بمدر فيه الروث فلا تصل فيه حتى تغسله السماء1.
ومعنى حديث علي أَنَّهُ قام في وسط الليل فصلى حتى كان السحر ثم قَالَ للسائل نعم ساعة الوتر هذه.
وَقَالَ المفضل أحسن ما تكون النجوم وقت السحر وذلك حين تكثر أضواؤها وأنشد:
بجيش كضوء نجوم السحر2
وَقَوْلُهُ عسعس أصله في الكلام أظلم.
ويقال عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر يجعلونه من الأضداد. قال الزجاج ليس من الأضداد ولكن ظلمته في إقباله كظلمته في إدباره.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/446" بلفظ "إذا طينت مسجدا فيه مدر بروث فلا تصل فيه حتى تغسله.
2 المفضليات "235" وعزي لمرقش الأكبر وصدره: "بأن بني الوخم ساروا معا" وقبله:
أتتني لسان بني عامر ... فجلت أحاديثها عن بصر
وقال الأصمعي: في "الأصمعية "7:53": إنما خص نجوم السحر لأت النجوم التي تطلع في آحر الليل كبار النجوم ودراريها وهي المضيئة منها.

(2/184)


حديث علي أنه بعث عمار إلى السوق فقال: "لا تأكلو الانكليس من السمك".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علي أنه بعث عمار إِلَى السُّوقِ فَقَالَ: "لا تَأْكُلُوا الأَنْكِلِيسَ مِنَ السَّمَكِ". هَذَا شَيْءٌ يَرْوِيهِ الشَّيِعَةُ عَنْ عَلِيٍّ1.
قَالَ أبو عمر قَالَ أبو العبَّاس سألت ابن الأعرابي عنه فَقَالَ هذا الجريث قَالَ أَبُو عُمَر وهو الشلق.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا النوع من السمك يذمه الأطباء ويزعمون أَنَّهُ رديء الغذاء.
قَالَ حنين الأنكليس هو السمك الشبيه بالحيات.
ويشبه أن يكون علي إنما كره أكله لهذا دون أن يراه محرما وقد روينا عنه بإسناد ثابت أَنَّهُ أباح أكل الجريث ولا أعلم أحدا كرهه من فقهاء الأمصار ولا أعلم فيه شيئا من الأثر إلا حديث المسوخ وهو حديث لا أصل له.
حَدَّثَنَاهُ ابن السماك أخبرنا الحسن بن سلام السواق أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي أخبرنا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعْتَبٍ مَوْلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُسُوخِ فَقَالَ: "ثَلاثَةَ عَشَرَ: الْفِيلُ وَالدُّبُّ وَالْخِنْزِيرُ وَالْقِرْدُ وَالْجُرَيْثُ وَالضَّبُّ وَالْوَطْوَاطُ وَالْعَقْرَبُ وَالدَّعْمُوصُ2 وَالْعَنْكَبُوتُ والأرنب وسهيل والزهرة"3.
__________
1 الفائق "أنكليس" "1/62" والنهاية "أنكليس" "1/77" وأخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "8/275" بلفظ "كان لا يأكل الجريث والطحال".
2 القاموس "دعمص" الدعموص: دويبة أو دودة سوداء تكون في الغدران إذا نشت.
3 أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات "1/185" بدون "الجريث" وكذلك ابن الغراق في تنزيه الشريعة "1/177".

(2/185)


وفيه أن الجريث كان ديوثا يدعو الرجال إلى حليلته.
وقال أَبُو سُلَيْمَانَ وعموم قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} 1 قد أتى على إباحة أكل الجريث وغيره من أنواع السمك والله أعلم.
__________
1 سورة المائدة: "96".

(2/186)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ بَنَى سِجْنًا مِنْ قَصَبٍ فَسَمَّاهُ نَافِعًا فَنَقَبَهُ اللُّصُوصُ ثُمَّ بَنَى سِجْنًا مِنْ مَدَرٍ فَسَمَّاهُ مُخَيِّسًا ثُمَّ قَالَ:
أَلا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيِّسًا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيِّسًا1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ.
أصل الكيس حسن التأتي للأمور يُقَالُ رجل كيس وقوم أكياس وكيسة وكيسى. قال عقيل بن علفة:
فكن أكيس الكيسى إذا ما لقيتهم ... وإن كنت في الحمقى فكن مثل أحمقا2
والتخييس معناه التذليل والتسخير قَالَ المتلمس:
شدوا الرحال على إبل مخيسة ... والظلم ينكره القوم المكاييس3
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/700 – 701".
والفائق "خيس" "1/405" والنهاية "خيس" "2/92" "كيس" "4/218".
والبيتان في الفائق وجاء بعدها: "بابا حصينا وأمينا كيسا".
2 اللسان والتاج "كيس" دون عزو برواية:
فكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم
وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا.
وجاء في اللسان: "إنما كسره هنا على كيسى لمكان الحمقى أجرى الضد مجرى هذه وقال أبن سيده: وعندي أنها تأنيث الأكيس.
3 الديوان "80" برواية "شدوا الجمال بأكوار على عجل" وبروى:....=

(2/186)


وَقَالَ النابغة:
وخيس الجن أني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد1
وَقَالَ بعض أهل اللغة التخييس التخليد في الحبس واشتقاقه من خيس الأسد وهو الموضع الَّذِي يأوي إليه ويلازمه.
وَقَالَ غيره بل هو مأخوذ من خاس الشيء في وعائه إذا فسد وذلك كالحب ونحوه إذا طال عليه مر الزمان يريد أَنَّهُ يفسده بطول الحبس ويبليه.
__________
= شدوا الرحال على بزل مخيسة".
1 الديوان "13" وشعراء النصرانية "2/640" يرواية: "وخير الجن.....".

(2/187)


حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فَاطِمَةَ قِيلَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: "فرسي وبدني".
...
وقال أبو سليمان في ديث عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فَاطِمَةَ قِيلَ مَا عِنْدَكَ قَالَ فَرَسِي وَبَدَنِي1
يَرْوِيهِ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
البدن الدرع القصيرة وتسمى بدنا لأنها مجول للبدن ليست بسابغة تعم الأطراف قَالَ الشاعر:
تخشخش أبدان الحَدِيد عليهمُ ... كما خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحصاد جنوب2
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/295" في حديث طويل وعزاه للطيراني.
2 اللسان والتاج "خشش" وعزي لعلقمة بن عبدة وهوفي المفضليات "395" وسبق في الجزء الأول لوحة "218".

(2/189)


وَقَالَ بعض أهل التفسير في قوله {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} 1 أي بدرعك.
ويروى أن درع علي كانت صدرا لا قب لها أي لا ظهر لها2.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِجْوَلٌ"3 تُرِيدُ صُدْرَةً مِنْ حَدِيدٍ.
__________
1 سورة يونس: "92".
2 الفائق: "قبب" "3/154: والنهاية "قبب" "4/3".
3 الفائق "جول" "1/242: والنهاية "جول" "1/318".

(2/190)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ شَرَصَةِ علي1.
أخبرناه أبو عمر أنبأنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[74] قَالَ أَبُو عُمَر الشرصة الجلحة / قَالَ: وهما الشرصتان أي النزعتان.
قَالَ غيره الشرص النزعة والجمع شرصة وشراص وأنشد للأغلب:
صلت الجبين ظاهر الشراص2
__________
1 النهاية "شرص" "2/459".
وفي جميع النسخ: شرصة. "يفتح الراء" وجاء في الفائق "شرص" "2/237" هو بكسر الشين وسكون الراء وهما شرصتان والجمع شراص.
2 الرجز في الفائق "شرص" وزاد على هذا البيت فقال:
يا رب شيخ أشمط العناصي ... صلت الجبين ظاهر الشراص
كأنما أفلت من مناص
والبيتان الأول والثاني في التاج "شرص" وفي اللسان "شرص" البيت الثاني فقط.

(2/190)


وفي نعت علي أَنَّهُ كان أجلح1 وهو الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسه فأما الأجلى فهو الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسِه حتى يتصل بالصلعة قال العجاج:
مع الجلا ولائح القتير2
وفي نعت المهدي أَنَّهُ أجلى الجبهة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ نا أَبُو قلابة أخبرنا عفان أخبرنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ3 عَنْ قَتَادَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَمْلِكُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ قَالَ مِنْ أُمَّتِي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلا وَقِسْطًا" 4 وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ "رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي" 5.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الرهني قَالَ سئل أَبُو العباس ثعلب عَنِ العترة فَقَالَ العترة الدمعة الصافية والعترة القطعة من المسك يُقَالُ لها الشافجة والعترة الشجرة تنبت عند جحر الضب فتخرج الضبة فتتمرغ عليها فيقول العرب في الذلة إنَّهُ لأذل من عترة الضب.
والعترة ولد الرجل من صلبه فقول أبي بكر: نحن عترة رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 فَقَالَ: سألت ابن الأعرابي فَقَالَ: نحن أهل بلده مولدو بيضته ويقال: عترة الرجل أهل بيته الأدنين
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطيقات "3/26".
2 الديوان "221".
3 سقط من ح.
4 أخرجه أبو داود في كتاب المهدي "4/107".
5 أخرجه أبو داود في كتاب المهدي أيضا "4/107" عن أم سلمة.
6 النهاية "عتر" "3/1 77".

(2/191)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "خلفت فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي" 1 فإن أبا عُمَر أَخْبَرَنِي عن أبي العباس ثعلب قَالَ قَالَ إنما سميا الثقلين لأن العمل بهما ثقيل.
وَأَخْبَرَنِي بعض أصحابنا عَنْ مُحَمَّد بن جرير الطبري2 قَالَ: دليل هذا من القرآن: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} 3.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ ابن الأعرابي الثقل عند العرب كل شيء مصون يعز على أهله قَالَ والأصل فيه بيض النعام المصون قَالَ وأنشدني المفضل:
فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر4
وقد قيل في العترة أَنَّهُ أراد بها أصحابه الذين هم حمال الأثر وحفاظ السنن كأنه قَالَ عليكم بكتاب اللَّه وسنتي.
وقيل أَنَّهُ عنى بها الخلفاء الراشدين بعده وهذا كقوله "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي" 5
__________
1 اخرجه الإمام أحمد في مسنده "3/59" والترمذي في المناقب "5/662, 663" والحاكم في المستدرك "3/109" وابن سعج في كبقاته "2/194" وابن الجوزي في العلل المتناهية "1/257" وغيرهم.
2 من ح.
3 سورة المزمل:"5".
4 اللسان والتاج "ثقل" وعزي لثعلية المازني يذكر الظليم والنعامة وفي المفضليات "120" برواية "فتذكرت" وجاء فيها: قال الأنباري: أي تذكرت النعامة البيض. الثقل: المتاع وأراد بيضها, الرثيد: المنضود بعضه فوق بعض. ذكاء بضم الذال الشمس. الكافر: الليل. وقوله: ألقت يمينها في كافر: أي تهيأت للمغيب وسبق في هذا الجزء لوحة "38".
5 أخرجه أبو داود في السنن "4/201" والترمذي في العلم "5/44" وابن ماجة في المقدمة "1/16" وغيرهم.

(2/192)


حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَا ابْنَيْهِمَا يسألانه أن يبعثهما على الصدقات
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَا ابْنَيْهِمَا الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ يَسْأَلانِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلْهُمَا عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لا يستعمل منكم أحدا عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَبِيعَةُ هَذَا أَمْرُكَ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ نَحْسُدْكَ عَلَيْهِ فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ فَقَالَ أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرْمُ وَاللِّهِ لا أَرِيمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا أَبْنَاءَكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ فَقَالَ صلى الله عليه مسلم: "إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنِّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أحمد بن صالح أخبرنا عنبسة بن خالد / أخبرنا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عبد الله بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيُّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [75]
القرم السيد الكريم من الرجال وأصله الفحل من الإبل يكرم ولا يمتهن بالحمل إنما يعد للضراب قَالَ الشاعر:
فحز وظيف القرم في نصف ساقه ... وذاك عقال لا ينشط عاقله
وهو المقرم أيضا قال الشاعر:
إذا مقرم منا ذرا حدنا به ... تخمط فينا ناب آخر مقرم2
وَقَوْلُهُ بحور ما بعثتما أي بجواب ما بعثتما يُقَالُ كلمت الرجل فما رد إليّ حورا ولا حويرا أي جوابا وما يتكلم فلان إلا محورة قال كثير
__________
1 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748 – 749" وأبو داود في الخراح والأمارة "2/147" وأحمد في مسنده "4/166" بلفظ "بجواب" بدل "بحور".
2 اللسان والتاج والأساس "قرم" وعزي لأوس وهو في ديوان "122" براية "وإن مقرم" وفي كنز الحفاظ "589".

(2/193)


كواظم لا ينطقن إلا محورة ... رجيعة قول بعد أن يتفهما1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد به الخيبة والإخفاق وأصل الحور الرجوع إلى النقص ومنه قول الله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} 2 وقال لبيد:
ما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع3
ومن هذا قولهم الحور بعد الكور أي النقص بعد الكمال ويقال أيضا الحور بعد الكون.
أَخْبَرَنِي عَبْد الرحمن بن الأسد أخبرنا الدَّبَرِيُّ قَالَ قلنا لعبد الرزاق فالحور بعد الكور قَالَ سمعت معمرا يقول هو الكنتي قلت وما الكنتي قَالَ الرجل يكون صالحا ثم يتحول امرأ سوء4.
وَقَالَ أَبُو عُمَر: قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ للرجل: كنتي إذا كان لا يزال يقول كنت شابا كنت شجاعا أو نحو هذا وكاني إذا قَالَ كان لي مال فكنت أهب وكان لي خيل فكنت أركب ونحو هذا من الكلام.
ومن الحور الَّذِي هو الرجوع إلى الحال المذمومة حديث عائشة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الهجري أخبرنا عباد بن
__________
1 الديوان "137" وكواظم: صانتان ورجيعة قول: رد على قول أي لا يبدأن الحديث وإنما يكتفين بالرد على ما يسألنه.
2 سورة الانشقاق:"14".
3 الديوان "169".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/433" بلفظ "كساء" بدل "الكنتي" في الموضعين, وأخرجه مسلم في الحج "2/979" بلفظ "الحور بعد الكون" وكذلك الترمذي في الدعاء "5/497" إلا أن الترمذي قال: "ويروى الحور بعد الكور".
وابن قتيبة في عيون الأخبار "1/138" وغيرهم.

(2/194)


صهيب أخبرنا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
ارْفَعْ ضَعِيفَكَ لا يَحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ ... يَوْمًا فَتُدْرِكْهُ العواقب قدنما
يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنَى عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى1
أي لا يصرفك ضعفه عَنِ اصطناعه ولا يؤيسك عَنْ أن تعود له حال حسنة فيجزيك عَنْ معروفك قولا أو فعلا ويقال إن هذا الشعر لزهير بن جناب الكلبي ومثله قول الآخر:
لا تهين الضعيف علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه2
أراد لا تهينن بالنون الخفيفة فحذفها لالتقاء الساكنين وَقَالَ آخر في مَعْنَاهُ:
وأكرم كريما إن أتاك لحاجة ... لعاقبة إن العضاة تروح3
يقول: كما أن الشجر اليابس قد يتروح فيورق بعد اليبس فلا تأيس أن تعود للفقير حال من اليسار تنعشه وتجبره وقد يكون الحور أيضا بمعنى العود إلى الحال المتقدمة خيرا كانت أو شرا.
ويقال إنما سمي العود الَّذِي تدور عليه البكرة محورا لأن دورانه يتكرر / فيعود كل مرة إلى مداره الأول [76]
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "208" – أبلفظ "لا يحل" بدل "لا يحر".
2 اللسان والتاج "هون" من غير عزو.
وفي البيان والتبيين "3/341" برواية "لا تحقرن الفقير" بدل "لا تهين الضعيف" وجاء بعده:
قد يجمع المال غير آكله ... وبأكل المال غير من جمعا
وعزي للأضبط بن قريع.
3 الكامل للمبرد: 2/136".

(2/195)


فأما الحور بضم الحاء فهو الخسران والنقصان قَالَ الشاعر:
الذم يبقى وزاد القوم في حور1
قَالَ يعقوب: أي في نقصان قَالَ ويقال في مثل "حور في محارة"2 أي نقصان في نقصان ويقال أن الباطل في حور أي في نقص وخسران وقال العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر3
ولا هاهنا صلة. وزعم بعض النحويين أنها ليست بصلة ولكنها لا الجحد ومعناه المتأول إنما هو بئر ما لا يحير عليه شيئا كأنه قَالَ إلى غير رشد وما درى.
قَالَ: والعرب تقول: طحنتنا الطاحنة فما أحارت شيئا مَعْنَاهُ لم يتبين لها أثر عمل.
وَفِي الحديث أن الفضل وعبد المطلب قَالا لَمَّا صِرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاكَلْنَا الْكَلامَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِآذَانِهِمَا وَقَالَ "أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ مِنَ الْكَلامِ" 4.
قوله: تواكلنا الكلام أي اتكل كل واحد منا على الآخر فيه.
وَقَوْلُهُ: أخرجا ما تصرران أي ما تجمعان من الكلام وكل شيء جمعته فقد صررته ويقال للأسير مصرور
__________
1 اللسان والتاج "حور" والمعنى: الأكل يذهب والذم يبقى.
2 أمثال أبي عبيد "118" العسكري "1/347" الميداني "1/195" الزمخشي "2/68" البكري "175" اللسان "حور".
3 الديوان "14".
4 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748 – 749" وأبو داود في الخراج والإمارة "3/147" وأحمد في مسنده: 4/166" وهذا جزء من الحديث الذي تقدم تخريجه.

(2/196)


وفي الحديث من الفقه أَنَّ الهاشمي إذا عمل لم يعط من سهم العاملين وليس كالغني من غير بني هاشم إذا عمل أعطي العمالة لأن الصدقة حرمت عينها على بني هاشم صيانة لهم لأنها أوساخ الناس والفقير والغني منهم والعامل وغير العامل فيها بمثابة واحدة.

(2/197)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَقِيَ الْخَوَارِجَ وَعَلَيْهِمْ عبد الله بن وهب الراسي فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَاسْتَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الرزاق عن عبد الملك بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ.
قوله: وحشوا برماحهم أي رموا بها قدما على بعد منهم.
يُقَالُ للرجل إذا كان بيده شيء فزجه زجا بعيدا قد وحش به قَالَ الشاعر:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم ... فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق2
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الآخَرُ حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الخلدي أخبرنا الحسين بن الكميت حدثنا غسان بن الربيع أخبرنا يُوسُفُ بْنُ عَبْدَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قِتَالٌ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُمْ نَادَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 3 حتى فرغ
__________
1 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748" وأبو داود في السنة "4/244" في حديث طويل.
2 اللسان والتاج "وحش" وعزي لأم عمرو بنت وقدان.
3 سورة آل عمران: "102".

(2/197)


مِنَ الآيَاتِ قَالَ فَوَحَّشُوا بِأَسْلِحَتِهِمْ وَاعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا1 أَيْ رَمُوا بِهَا عَلَى الْبُعْدِ مِنْهُمْ.
قوله شجرهم الناس برماحهم أي شبكهم الناس بالرماح ومنه التشاجر في الحرب والخصومة ونحوهما قَالَ أَبُو صخر الهذلي:
رأيت فضيلة القرشي لما ... رأيت الخيل تشجر بالرماح2
__________
1 لم أقف عليه من حديث أنس وقد أخرجه الطيري في تفسيره "4/23" والسيوطي في الدر المنثور "2/57" حديثا آخر عن زيد بن أسلم بألفاظ متقاربة.
2 شرح أشعار الهذليين "3/1330" وبعده:
ورَنَّقَت المنيَّةُ فهْي ظِلٌّ ... عَلَى الأبطال دانية الجناح
وهما من الزيادات المنسوبة إليه والبيت الثاني في اللسان والتاج "رنق" والأساس "رنق".

(2/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَقْبَلَ وَعَلَيْهِ أَنْدَرْوَرْدِيَّةُ1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبا ماوية قَالَ: رَأَيْتُهَا عَلَى عَلِيٍّ.
[77] قَالَ سفيان وقد روى هذا الحديث هي / فوق التبان ودون السراويل تغطي الركبة وأراها منسوبة إلى موضع أو إلى صانع
__________
1 الفائق "أندرورد" "1/63" والنهاية "أندروردية" "1/74".
وفي القاموس "أندرورد" أندرور وأندروردية: موع من السراويل مشمر فوق التبان أو هي التبان أعجمية استعملوها.

(2/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لما أخرج عين أبي نيزر وهي ضيعة له جعل يضرب بالمعول حتى عرق جبينه فانتكف العرق عَنْ جبينه1.
__________
1 الفائق "مكف" "4/25" والنهاية "نكف" "5/116".

(2/198)


يُقَالُ نكفت العرق والدمع إذا سلته بإصبعك وانتكف العرق إذا سال وانقطع.
قَالَ يعقوب يُقَالُ نكفت الغيث أنكفه إذا قطعته وقد انتكف الشيء إذا انقطع عنك وهذا غيث لا ينكف أي لا يقطع.
ويقال في قصة حنين أن مالك بن عوف النصري قَالَ لغلام له حاد البصر ما تري فَقَالَ أري كتيبة حرشف كأنهم قد تشذروا للحملة ثم قَالَ له: ويلك صف لي قَالَ قد جاء جيش لا يكت ولا ينكف آخره1.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ ابن الأعرابي الحرشف الرجالة.
وَقَوْلُهُ تشذروا للحملة أي تهيؤوا لها.
وَقَوْلُهُ لا يكت أي لا يحصى ولا ينكف أي لا يقطع آخره.
__________
1 الفائق "حدد" "1/264" والنهاية "شذر" "2/453".

(2/199)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِقَضِيَّةٍ شَدِيدَةٍ قَالَ مُعْضِلَةٌ وَلا أَبَا حَسَنٍ لَهَا1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الطيب المرزوي أخبرنا عليك الرازي أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ أخبرنا الحكم بن عبد الملك عَنْ قَتَادَةَ.
قوله ولا أبا حسن لها نادر جدا وذلك أن التبرئة لا تقع على المعرفة إنما حقها في النكرة كقولك لا باكية لحمزة ولا حامية للجيش. وكقول الشاعر:
__________
1 لم أجد من حديث معاوية وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/350" عن عمر "أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها".
وفي الفائق "عضل" "2/445" عن عمر "أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن" وروي "معضلة".

(2/199)


تعدو الذئاب على من لا كلاب له1
وذكر سلمة عَنِ الفراء أَنَّهُ قَالَ هذه معرفة وضعت في مكان نكرة فأعطيت إعرابها قَالَ والمعنى كأنه قَالَ معضلة ولا رجل كأبي حسن يؤخذ علمها من قبله والمعضلة إذا خففتها كانت من قولك أعضل الأمر إذا اشتد وداء عضال أي شديد لا يقبل الدواء ومن ثقل كانت من قولهم عضلت المرأة إذا نشب الولد فبرز بعضه وبقي سائره معترضا.
__________
1 اللسان والتاج والأساس ثفر وعجزه: "وتتقي مربض المستثقر الحامي" وعزي للنابغة وهو في ديوانه "222" وهو مثل أورده العسكري "1/140".

(2/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً تَكُونُ فَقَالَ لِعَمَّارٍ أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَتَشْحُوَنَّ فِيهَا شَحْوًا لا يُدْرِكُكَ الرَّجُلُ السَّرِيعُ ثَوْبُكَ فِيهَا أَنْقَى مِنَ الْبَرَدِ وَرِيحُكَ فِيهَا أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ1.
حُدِّثْتُ به عن أبي روق أخبرنا محمد بن محمد بن خلاد الباهلي أخبرنا أَبُو قُبَيْصَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. قوله لتشحون فيها يريد السعي والتقدم فيها وأصل الشحو سعة الخطو. ويقال دابة شحوى إذا كانت وساعا يأخذ وقع قوائمها أخذا كثيرا من الأرض.
ومن حديث خبر كعب ذكره أَبُو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أن كعبا كان في سفينة ومعه شاب من قريش فَقَالَ له القرشي: قد أكثرت القول رأيت في الكتاب الأول فأخبرني أرأيت نعت سفينتنا في الكتاب الأول قَالَ لا ولكني رأيت في الكتاب الأول تكون فتنة ينهض فيها رجل أشغي يشحو فيها شحوا كثيرا ثم يقتل2.
قَالَ ابن الأعرابي وكان الفتي أشغي فوجم وانكسر قَالَ فلما كان يوم صفين قتل الفتى.
__________
1 الفائق "شحا" "2/225" والنهاية "شحا" "2/450".
2 الفائق "شغى" "2/253 – 254" والنهاية "شغى" "2/484".

(2/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ / أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَ [78] بِالْمُهَيْمِنَاتٍ1.
مِنْ حَدِيثِ إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أَبِي عَنْ أَيُّوبَ أَوِ الزُّبَيْرِ بن خريث عَنْ عِكْرِمَةَ هَكَذَا أُثْبِتَ لِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ بعض رواة هذا الكلام المهيمنات القضايا.
قَالَ بعض أهل اللغة الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد:
إلا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر2
يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم واحتج بقول اللَّه تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 3 قَالَ: معناه قائما عليه وَقَالَ الأكثرون من أهل التفسير شاهدا عليه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنِّمَا أَرَادَ بِهَا الْقَضَايَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْقَضَاءَ مِمَّا يَتَوَلَّى الْقِيَامُ بِهِ الْوُلاةُ أَوْ لأَنَّهُ مِمَّا قَدْ تَدْخُلُهُ الشَّهَادَاتُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أقضاكم علي" 4
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "2/367" بلفط "المبهمات" بدل "المهيمنات" وانظر الفائق "همن" "4/113" والنهاية "5/276".
2 اللسان والتاج "همن" دون عزو وسبق في هذا الجزء لوحة "32".
3 سورة المائدة: "48".
4 أخرجه ابن ماجه في المقدمة "1/55" من حديث أنس رضي الله عنه في حديث ... =

(2/201)


قالوا: ولم يأت مفيعل في غير التصغير إلا في ثلاثة أحرف مسيطر ومبيطر ومهيمن.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد ذاكرت بهذا الحديث بعض أهل اللغة فَقَالَ إنما هي المهيمات أي المسائل الدقيقة التي تهيم الإنسان وتحيره.
يُقَالُ هام الرجل إذا تحير وهيمه الأمر إذا حيره.
وَقَالَ أَبُو مالك يُقَالُ هيم الرجل إذا جعل يهذي بالشيء يتذكره قَالَ الأخطل:
هيم لنفسك يا جميع ولا تكن ... لبني قريبة والبطون تهيم1
ويروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذكر عليا فأثني عليه وَقَالَ علمي إلى علمه كالقرارة في المثعنجر2 أي كالغدير في البحر. وأصل القرارة الموضع المطمئن من الأرض يستقر فيه ماء المطر قَالَ عقيل بن بلال بن جرير:
وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدر كان صفوا غديرها3
وَقَالَ عنترة:
فتركن كل قرارة كالدرهم4
ويقال اثعنجر الماء إذا سال واثعنجر السحاب بالمطر إذا جاد به
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ولست أبعد أن يكون الصحيح المبهمات وإنما تابعت الرواية.
__________
= طويل وقد أخرجه البخاري أيضا في التفسير "6/23" من قول عمر بلفظ "أقضانا" وكذلك أحمد في "5/113".
1 اللسان والتاج "هيم" برواية "فاهيم" وشعر الأخطل "1/390" برواية اللسان.
2 الفائق "قرر" "3/181" والنهاية "قرر" "4/38".
3 الفائق "قرر" وعزي في هامش س لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير.
4 عجز بيت في الديوان "145" وصدره "جادت عليها كل عين ثرة".

(2/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَبَّةَ أَرَاهُ الْعُرَنِيَّ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَقَسَّمَ مَا فِي الْعَسْكَرِ بَيْنَنَا أصاب كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا خَمْسَ مِائَةٍ خَمْسَ مِائَةٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ صِفِّينَ فِي كَلامٍ لَهُ:
قُلْتُ لِنَفْسِي السُّوءَ لا تَفِرِّينَ ... لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلِ الإِحِرِّينَ1
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن موسى أخبرنا عبد الله بْنُ أَجْلَحَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ حَبَّةَ. أراد بالإحرين جمع الحرة وهو جمع على غير قياس يُقَالُ حرة وحرات وحرار وإحرون.
قال بعضهم: إحرون والحرة أرض ذات حجارة سود يخاطب نفسه يقول لها ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة. ورواه بعضهم لا خمس بكسر الخاء من ورد الماء خمسا وأنشده:
لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلِ الإِحِرِّينَ ... والخمس قد جشمك الأمرين
والخمس بفتح الخاء أليق بمعنى الحديث يعنى الخمس المئات التي أخذوها يوم الجمل. [79]
__________
1 الفائق "خمس" "1/396" والنهاية "خمس" 365" والرجز في اللسان والتاج "حرر" من قطعة عدتها عشرة أبيات وهي معزوة لزيد ين عتاهية التميمي.

(2/203)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْهُ فَاسْتَأْمَرُوهُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ فَنَهَاهُمْ وَقَالَ إن تفعلوا فبيضا فلتفرخنه1.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طيقاته "3/65" عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم بلفظ "لا آمركم فإن أبيتم فبيض فليفرح..=

(2/203)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ حدثني عبد الله بن عمر أخبرنا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
هذا مثل يقول إن قتلتموه نتجتم فتنة ولودا وشبهها بالبيض الَّذِي يخرج منه الفراخ قَالَ الأعشى:
وفى كل عام بيضة تفقؤونها ... فتفقا وتبقى بيضة لا أخالها1
__________
= وفي النهاية "فرخ" "3/424" وجاء فيها: "ونصب بيضا بفعل مصمر دل الفعل المذكور عليه تقديره: فلتفرخن بيضا, كما تقول: زيدت ضربت أي ضربت زيدا ضربت, فحذف الأول وإلا وجه لصحته بدون هذا التقدير, لأن الفاء الثانية لا بد لها من معطوف عليه ولا تكون لجواب الشرط لكون الأول لذلك ويقال: أفرخت البيضة إذا خلت من الفرخ, وأفرختها أمها.
1 الديوان "307" برواية فتؤذي" بدل "فتفقا".

(2/204)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لا أَدْعُ الْحَجَّ وَلَوْ أَنْ أَتَزَرْنَقُ1.
قَالَ بعض أهل اللغة يريد أخذ الزرنقة وهي العينة.
ويروى عَنْ عائشة أنها كانت تأخذ الزرنقة أي تعتان.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ ابن الأعرابي معناه ولو أن أستقي بالزرنوق وأجمع وأحج وهذا أشبه.
__________
1 الفائق "زرنق" "2/108" والنهاية "زرنق" "2/301" وجاء فيها: العينة: أن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل, ثم يبيعه أو من غيره بأقل مما اشتراه وكأنه معرب زرنه: أي ليس الذهب معي.
وجاء فيها أيضا: الزرنق: آلة معروفة من الآلات التي يستقي بها من الآبار وهو أن ينصب على البئر أعواد وتعلق عليها البكرة.

(2/204)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ جَاءَهَا ابْنَهَا مِنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيكَ فقال علي: عَزَمْتُ عَلَيْكِ لَتَقْضِيَنَّ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لابْنِ جَعْفَرٍ كَانَ أَبُوكَ خَيْرَ شَبَابِ النَّاسِ وَقَالَتْ لابْنِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَبُوكَ خَيْرَ كُهُولِ النَّاسِ ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَتْ إِنَّ ثَلاثَةً أَنْتَ آخِرُهُمْ لخيار1.
حدثناه ابن السماك أخبرنا جعفر بن شاكر الصائغ أخبرنا محمد بن سابق أخبرنا عَيْثَرُ أَبُو زُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد سمعت في هذا الخبر ولا أعرف إسناده أن عليا قَالَ لأولادها منه قد فسكلتني أمكم2.
الفسكل آخر فرس جاء في الحلبة والخيل إذا تسابقت3 فأولها السابق ثم المصلى ثم الثالث والرابع كذلك إلى التاسع فإذا انتهت إلى العاشر فاسمه السكيت وهو آخر ما يعتد به فإذا لم يبق منها إلا واحد فجاء آخر الخيل فهو الفسكل
__________
1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء "2/75 – 76.
2 الفائق "فسكل" "3/117" وجعله تابعا للحديث المتقدم والنهاية "فسكل" "3/446".
3 ط: "سابفت".

(2/205)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا الْتَقَى الْفَرِيقَانِ يَوْمَ الْجَمَلِ صَاحَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ:
رُدُّوا عَلَيْنَا شَيْخَنَا ثُمَّ بَجَلْ
فقالوا1:
__________
1 "فقالوا" ساقط من ح.

(2/173)


كَيْفَ يُرَدُّ شَيْخُكُمْ وَقَدْ قَحَلْ1
قَالَ ثُمَّ اقْتَتَلُوا. قَالَ الرَّاوِي: فَمَا شَبَّهْتُ وَقْعَ السُّيُوفِ عَلَى الْهَامِ إِلا بِصَوْتِ الْبَيَازِرِ عَلَى الْمَوَاجِنِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَعْرَابِيِّ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْهُ.
وَحُدِّثْتُ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي إِسْنَادٍ لَهُ إِلا أَنَّ بَعْضَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ.
قوله ثم بجل أي حسب يُقَالُ حسبي وبجلي وشرعي. بمعني واحد.
ومن هذا قول علي واشتري قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ثم قَالَ شرعك ما بلغك المحل2.
وقولهم قحل أي مات وجف جلده على عظمه. يُقَالُ جلد قاحل وخبز قاحل أي يابس ورجل متقحل أي متقشف. ومن هذا حديث أم ليلى قالت: "أمرنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نقحل أيدينا من خضاب"3.
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عبدوس أخبرنا محمد بن عبد الله بن نوفل أخبرنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ [68] عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ هَارُونُ بْنُ رَبَابٍ عَنْ كَنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عن نعيم عن / قبيصة عن المخارق عن
__________
1 أخرحه الطيري في تاريخه "4/518, 530, 531" بدون قول الراوي: فما شبهت.....
2 أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد ص "130" قصة اشترائه القميص بثلاثة دراهم, وأبو نعيم في الحلية "1/83" وكلاهما بدون قوله: "شرعك مابلغك المحل" وهذه الجملة مثل في الميداني "1/362" والزمخشري "2/132" البكري "249" واللسان "شرع" ومعناه: حسبك من الزاد ما يبلغك مقصدك.
3 ذكره الحافظ في ترجمة أم ليلى في الإصابة "4/493".

(2/174)


طارق1 قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ يَعْصِبَهُ أَحَدُكُمْ بِقَدٍّ حَتَّى يَقْحَلَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ فِي نِكَاحٍ" 2.
والبيازر العصي واحدتها بيزارة. يُقَالُ بزره بالعصا إذا ضربه بها والمواجن واحدتها ميجنة وهي الخشبة التي يدق عليها القصار الثياب.
قَالَ ابن الأعرابي يُقَالُ للرجل العظيم الرقبة كأن رقبته ميجنة.
__________
1 من هامش س.
2 الفائق "قحل" "3/163" والنهاية "قحل" "4/18".

(2/175)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حَبَّذَا أرض الكوفة أرض سواء سَهْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا عباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
قَالَ الدوري قلت ليحيى بن معين ما قوله أرض سواء قَالَ مستوية.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا صحيح كما قاله وكل مستو من أرض ومكان أو غير ذلك من شيء فهو [73] سواء وَمِنْهُ قَوْلُ الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} 2 أي عدل ذات استواء قَالَ الشاعر:
فاضرب وجوه الغدر الأعداء ... حتى يجيبوك إلى السواء
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/51" "رقم "3097" ولم يذكر عمرو بن دينار بين سفيان وعلي.
2 سورة آل عمران: "64"

(2/187)


والسواء الوسط أيضا وَقَالَ عيسى بن عُمَر في كلام له لقد كتبت حتى انقطع سوائي يريد ظهره وَقَالَ حسان:
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد1
والسواء التمام أيضا يُقَالُ هذا درهم سواء أي تام ومن هذا قول اللَّه تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 2 معناه والله أعلم تماما.
ويقال هذا مكان سوى إذا كان وسطا بين موضعين ومن هذا قوله تعالى: {مَكَاناً سُوَىً} 3 وَقَالَ الشاعر:
وإن أبانا كان حل ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر4
والسهلة إذا أردت نعت الأرض كانت نقيضة الحزنة وإذا كسرت السين فهي الأرض التي ترابها كالرمل وتربة أرض الكوفة شبيهة بذلك.
واختلفوا في تسمية الكوفة فَقَالَ بعضهم: إنما سميت الكوفة لاستدارتها والعرب تسمي الرملة المستديرة كوفانا وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدني العطافي:
اربع على القبر بظهر الكوفة ... وقل لكوفان شبيه الجنة
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط الهيئة المصرية للكتاب.
2 سورة فصلت: "10".
3 سورة طه: "58". في كتاب الكشاف عن وجوه القراءات السبع "2/98" قوله {مَكَاناً سُوَىً} قرأ ابن عامر وحمزة بضم السين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان مثل "طوى وطوى" وهو نعت لـ مكان ومعناه: مكانا نصفا فيما بين الفريقين, وهو فعل من التسوية فالمعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين وفعل قليل في الصفات نحو عدى وفعل كثير في الصفات نحو قولك: لبد وحطم.
4 اللسان والتاج "سوا" برواية "وجدنا أبانا" وعزي لموسى بن جاير وفي الجمرة "2/323" وجاء فيها: وقد سمت العرب فزارة, وهو أبو حي من العرب وفزرا وفزيرا.

(2/188)


وَقَالَ آخرون إنما سميت كوفة لاجتماع الناس بها. يُقَالُ تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا.
وَقَالَ الأصمعي: سميت الكوفة لأن سعدا لما فتح القادسية نزل المسلمون الأنبار فأذاهم البق فخرج سعد يرتاد لهم موضعا وَقَالَ لهم تكوفوا في هذا الموضع أي اجتمعوا فيه ويقال بل أخذت من الكوفان يُقَالُ هم في كوفان أي في بلاء وشر. قال الشاعر:
وما أضحي ولا أمسيت إلا ... أراني منكم في كوفان1
والمعروفة الطيبة العرف.
وأخبرني أبو عُمر قَالَ: قَالَ أَبُو العباس: يُقَالُ: حبذا كذا بمعنى ما أحبه قَالَ: ومثله شبذا.
__________
1 اللسان والتاج "كوف" برواية:
فما أضحي وما أمسيت إلا ... وإني منكم في كوفان
دون عزو.

(2/189)


حَدِيثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي كَلامٍ لَهُ: "وَاللَّهِ لا أَشْرِي عَمَلِي بِشَيْءٍ ... ".
...
حَدِيثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لابنه عبد الله فِي كَلامٍ لَهُ وَاللَّهِ لا أَشْرِي عَمَلِي بِشَيْءٍ وَلَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِنْحَةِ سَاحَةٍ أَوْ قَالَ سَحْسَاحَةٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عبد العزيز بن شابوره أخبرنا علي بن عبد العزيز أخبرنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ.
قوله لا أشري عملي أي لا أبيعه بشيء يُقَالُ شريت الشيء بمعنى بعته وشريته إذا ابتعته والحرف من الأضداد قَالَ الشاعر:
إنا بني منقر لا ننتمي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا2
وبهذا المعنى سميت الخوارج بالشراة لأنهم بزعمهم باعوا الدُّنْيَا بالآخرة.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري3 عَنِ الأصمعي قَالَ باع ابن مفرغ الحميري غلامه بردا فندم فَقَالَ:
[80] / وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامة
__________
1 الفائق "شرى" "2/237" والنهاية "شرى" "2/469".
2 الكامل للمبرد "1/111" وعزي لأبي مخزوم: بشامة بن حزن النهشلي, يفخر بقومه برواية "إنا بني نهشل لا ندعي لأب".
3 ح: "زكريا المنقري".

(2/206)


هامة تدعو الصدى ... بين المشقر واليمامة1
وقد جاء في بعض اللغات باع بمعنى اشترى.
وَأَخْبَرَنِي محمد بن هاشم أخبرنا عبد الله بن موسى البزار أخبرنا أحمد بن عيسى2 أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ أَعْرَابِيٍّ حِمْلَ خَبَطٍ فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ قَالَ لَهُ: "اخْتَرْ" فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِيُّ: عَمَّرَكَ اللَّهُ بَيِّعًا3.
وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَاعًا فَسَمَّاهُ الأَعْرَابِيُّ بَيِّعًا وَمِنْ هَذَا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" 4 يريد البائع والمشتري. وفي خبر الأعرابي حجة لمن رأي أن التفرق القاطع للخيار إنما هو التفرق بالأبدان.
وَقَالَ أَبُو عُمَر سأل أَبُو موسى أبا العباس هل بين يفترقان ويتفرقان خلاف؟
قَالَ: نعم أخبرنا ابْنُ الأعرابي عَنِ المفضل قَالَ يُقَالُ افترقا بالكلام وتفرقا بالأجسام. والمنحة الساحة هي السمينة.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ بعير منتق إذا سمن قليلا ثم شنون ثم سمين ثم
__________
1 طبقات فحول الشعراء لبن سلام "2/689" برواية "بدعو صدى" والبيت الأول في اللسان والتاج "شرى".
2 ح, ط: "أحمد بن عيسى المصري".
3 أخرجه ابن ماجة في التجارة "2/736".
4 أخرجه البخاري في مواضع منها في البيوع "3/76 – 84" ومسلم في مواضع منها في البيوع "3/1163, 1164" وأبو داود في البيوع "3/274" والترمذي في البيوع أيضا "3/538, 539" وغيرهم.

(2/207)


ساح ثم مترطم وهو الَّذِي انتهى سمنا ويقال سحت الشاة تسح سحوحة.
وفي وجه آخر وهو أن يكون أراد بالساحة الغزيرة لأن المنحة أكثر ما تكون في اللبن وأصل السح الصب يُقَالُ سح يسح سحا والسحساحة مبنية من السح ويقال مطر سحسح وسحساح. قال الشاعر يصف طعنة:
مسحسحة تنفي الحصا عَنْ طريقها

(2/208)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا الْتَقَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْنَا النُّعَاسَ فَوَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَتَشَدَّدُ فَيُجْلَدُ بِي ثُمَّ أَتَشَدَّدُ فَيُجْلَدُ بِي1.
رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الْقُرَشِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ.
قوله فيجلد بي أي يغلبني النوم حتى يصرعني يُقَالُ جلدت بالرجل الأرض إذا صرعته.
وفي هذا حديث حذيفة:
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السماك أخبرنا محمد بن الحسين الحنيني أخبرنا بكر القاضي أخبرنا عِيسَى بْنُ مُخْتَارٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ عيسى عن عبد الرحمن عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِيتُ عِنْدَكَ اللَّيْلَةَ فَأُصَلِّي مَعَكَ قَالَ أَنْتَ لا تَطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَدَخَلَ مَعَهُ فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ السُّورَةَ الَّتِي تذكر
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازي "1/54" بألفاظ متقاربة.

(2/208)


فِيهَا الْبَقْرَةُ وَيُرَتِّلُ1 فِي الْقِرَاءَةِ وَرَكَعَ ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَجَلَدَ بِالرَّجُلِ نَوْمًا2. أَيْ سَقَطَ إِلَى الأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ النَّوْمِ يُقَالُ جلد بالرجل ولبط به ولبج به بمعنى واحد.
__________
1 ح، ط: "وترتل".
2 لم أقف عليه وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين "1/536" من حديث حذيفة حديثا في تطويل القراءة في صلاة الليل وكذلك أحمد في مسنده "5/384, 397" وانظر الفائق "رتل" "2/34" والنهاية "جلد" "1/285"

(2/209)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَاتَلَهُ غُلامٌ فَكَسَرَ الزُّبْيَرُ يَدَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَمَرَّ بِهِ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ يُحْمَلُ فَقَالَتْ مَا شَأْنُهُ فَقَالُوا: قَاتَلَ الزُّبَيْرَ فَأَشْعَرَهُ فَقَالَتْ:
كَيْفَ رَأَيْتَ زَبْرًا ... أَأَقَطَا أَوْ تَمْرًا ... أَوْ مُشْمَعِلا صَقْرًا3
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بن إسحاق الثقفي أخبرنا أبو همام أخبرنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. [81] / قوله أشعره أي ضربه حتى أدماه وَمِنْهُ إشعار البدن وهو أن يطعن في أسنمتها حتى تسيل مِنْهَا الدم
وقولها:
كيف رأيت زبرا: سمته بالاسم المكبر والزبير مصغر من زبر وهو القوي الشديد يُقَالُ رجل زبر وزبر قَالَ الراجز:
إني إذا طرف الجبان احمرا ... وكان خير الخصلتين الشرا
أكون ثم أسدا زبرا4
__________
1 ح، ط: "وترتل".
2 لم أقف عليه وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين "1/536" من حديث حذيفة حديثا في تطويل القراءة في صلاة الليل وكذلك أحمد في مسنده "5/384, 397" وانظر الفائق "رتل" "2/34" والنهاية "جلد" "1/285".
3 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/101" بلفظ "أأقطا حسبته أم تمرا" وهو في اللسان "شمعل".
4 في التكملة للثغاني "3/5" والرواية "هيجت مني أسد زبرا" قال: والرجز للمرار بن سعيد الفقعسي وكنيته أبو حسان وفي التهذيب "13/198" البيت الثالث.

(2/209)


وقولها: أأقطا أو تمرا مثل ضربته تقول: وجدته طعاما يؤكل كالأقط والتمر أم رأيته كالصقر الَّذِي يختطف الصيد.
وقولها: أو تمرا ليس بمعنى الفصل وإنما هو بمنزلة واو العطف كقوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} 1 وكقوله: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} 2 قَالَ جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر3
وَقَالَ توبة بن الحمير:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عَلَيْهَا فجورها4
وَقَوْلُهُ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 5 فقد اختلف في تأويله.
قَالَ أَبُو العباس ثعلب ذهب قوم إلى أن أو بمعنى الواو وَقَالَ قوم هو بمعنى بل وَقَالَ قوم أراد أو يزيدون عندكم يجعل مَعْنَاهُ للمخاطبين أي هم أصحاب شارة وجمال إذا رآهم الناس قالوا: هؤلاء مائتا ألف.
قَالَ المبرد: مَعْنَاهُ إنا أرسلناه إلى مائة ألف فهم فرضه الَّذِي عليه أن يؤديه فإن زادوا بالأولاد فعليه أيضا دعاؤهم نافلة غير فرض.
والمشمعل السريع الماضي وقد اشمعل الرجل واشمعلت الحرب إذا ثارت قَالَ الشاعر:
__________
1 سورة النور: "61".
2 سورة الانسان: "24".
3 الديوان "211" والبيت في مدح عمر بن عبد العزيز.
4 أمالي ابن الشحري "2/317".
5 سورة الصافات:"147".

(2/210)


بني أسد إن تقتلوني تحاربوا ... تميمًا إذا الحرب العوان اشمعلت1
__________
1 العقد الفريد "6/270" وعزي لمرة بن محكان السعدي وجاء بعده:
ولست وإن كانت إلي حبيبة ... بباك على الدنيا إذا ما تولت.

(2/211)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ارْتُثَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ بِهِ الزُّبَيْرُ يَقُودُ بِزِمَامِ رَاحِلَتِهِ وَلَوْ مَاتَ يَوْمَئِذٍ كَعْبُ عَنِ الرِّيحِ وَالضِّيحِ لَوَرِثَهُ الزُّبَيْرُ وَقَدْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قوله ارتث معناه حمل من المعركة مثخنا والضيح يجري مجرى الريح إذا فارقها وقلما يتكلم به وحده.
وَقَالَ يعقوب لا يُقَالُ جاء فلان بالضيح والريح إنما يُقَالُ بالضح والريح والضح الشمس ويقال بل هو ضوء الشمس قَالَ ذو الرمة:
غدا أكهب الأعلى وراح كأنه ... من الضح واستقباله الشمس أخضر2
ومن هذا حديث عياش بن أبي ربيعة أَنَّهُ لما هاجر أقسمت أمه بالله لا / يظلها ظل ولا تزال في الضح والريح حتى يرجع إليها3. [82]
والمعنى أن كعبا لو مات عَنْ كل مال طلعت عليه الشمس وجرت عليه
__________
1 ذكر السيوطي في الدر المنثور "3/207" القصة بغير هذه الألفاظ والآية في سورة الأنفال "75".
2 الديوان "229" واللسان "ضحضح" وغدا يعني الحرباء أكهب: أغبر إلى السواد.
3 ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب "3/1231" وابن الأثير في أسد الغابة "4/321" بلفظ "أن أمه حلفت ألا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه.

(2/211)


الريح لورثه الزبير وكانوا يتوارثون في صدر الإسلام بالحلف وقد حالف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار في أَوَّل مقدمه المدينة أي آخى بينهم.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا الحميدي أخبرنا سفيان أخبرنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِنَا فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ: "لا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ" فَأَعَادَهَا أَنَسٌ وَقَالَ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِنَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ1.
قَالَ سفيان: فسر العلماء: حالف: آخى.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده "2/507" وأبو داود في الفرائض "3/129" وأخرجه البخاري في الأدب "8/27" عن إسماعيل بن زكريا عن عاصم وفي كتاب الاعتصام "9/130" عن عباد بن عباد عن عاصم ومسلم في فضائل الصحابة "4/1960" عن حفص بن غياث وعن عبدة بن سليمان عن عاصم والبخاري في الأدب المفرد "200" وأحمد في مسنده "3/111, 145, 281".

(2/212)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَمَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ على نوفل بن عبد الله بْنِ الْمُغِيرَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى شَقَّهُ بِاثْنَيْنِ وَقَطَعَ أَبْدُوجَ سِرْجَهُ وَيُقَالُ خَلَصَ إِلَى كَاهِلِ الْفَرَسِ فَقِيلَ يا أبا عبد الله مَا رَأَيْنَا مِثْلَ سَيْفِكَ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا هُوَ السَّيْفُ وَلَكِنَّهَا السَّاعِدُ أَكْرَهْتُهَا1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي محمد بن عبد الله وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
أبدوج السرج لبده هكذا فسره بعض رواة هذا الحديث ولست أدري ما صحته. وخليق أن يكون أبدود السرج يريد لبد بدادية والله أعلم.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/472" بلفظ "أندوج" بدل "أبدوج" مع شرحه بقوله: "اللبد الذي يكون تحت السرج وبدون قوله أكرهتها.
وفي القاموس "أبدوج" أبدوج السرج بالضم: لبد بداديه معرب أبدود.

(2/212)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ يَا آلَ خِنْدَفٍ فَخَرَجَ وَبِيَدِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ خِنْدَفٌ إِلَيْكَ أَيُّهَا الْمُخَنْدَفُ وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ مَظْلُومًا لأَنْصُرَنَّكَ1.
الخندفة الهرولة وخندف لقب لقبت به ليلي القضاعية وهي ابنة عمران بن الحاف بن قضاعة وكانت تحت إلياس بن مضر وقد ولدت له فيما يذكر ثلاثة بنين عمروا وعامرا وعميرا فندت لهم إبل فندوا في طلبها فأدركها عامر فسمي مدركة وأما عمرو فاقتنص أرنبا فطبخها فسمي طابخة وأما عمير فانقمع في بيته فسمي قمعة فلما ابطؤوا خرجت في إثرهم فقالت ما زلت أخندف في إثركم فلقبت خندفا.
وانشعب نسب مضر إلى شعبين أحدهما خندف والآخر قيس عيلان فكل قرشي فهو من خندف لأن قريشا يجمعها في النسب كنانة وهو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
__________
1 الفائق "خندف" "1/399" بلفظ "يا لخندف" و "أخندف" بدل "خندف" والتهاية "خندف" "2/82".

(2/213)


حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى غُلامًا بخمسائة درهم وأعتقه ...
...
حديث طلحة بن عبيد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى غُلامًا بِخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْتَقَهُ فَكَتَبَ هَذَا مَا اشْتَرَى طلحة بن عبيد الله مِنْ فُلانِ بْنِ فُلانٍ الْعَبْشَمِيِّ اشْتَرَى مِنْهُ فَتَاهُ دِينَارًا بِخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْحَسَبِ وَالطِّيِّبِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ وَأَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ فَلَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إِلا سبيل الولاء1.
حدثنيه عبد الله بن شاذان الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى المنقري أخبرنا الأصمعي أخبرنا أَبُو الْجَرَّاحِ الْمَهْرِيُّ عَنْ أَبِي جَهْضَمَ مُوسَى بْنُ سَالِمٍ.
قوله بالحسب والطيب معناه أَنَّهُ بيع رغبة وطيب نفس لا بيع ضغط وإكراه والحسب الكرامة يُقَالُ حسبت الرجل أي أكرمته.
[883] أخبرنا ابن الأعرابي ناعباس الدوري أخبرنا يحيى بن معين / أخبرنا الأصمعي عَنْ شعبة قَالَ سمعت سمال بن حرب يقول ما حسبوا ضيفهم يريد ما أكرموه.
ومن هذا قولهم رجل حسيب أي كريم والحسب والكرم من قبل النفس والمجد والشرف من قبل الآباء.
وَقَالَ بعض أهل اللغة الحسيب من يحسب لنفسه أفعالا ومآثر جميلة
__________
1 الفائق "حسب" "1/282" والنهاية "حسب" "1/382".

(2/214)


قال غيره الحسب أصله الكثرة ومنه اشتق الحساب قَالَ ويقال للجمع الكثير من الناس حساب وأنشد للهذلي يصف رجلا غشيه العدو وهو نائم.
فلم ينتبه حتى أحاط بظهره ... حساب ورجل كالجراد يسوم1
ويقال: أحسبت الرجل إذا أكثرت له من العطاء حتى يقول حسبي قَالَ الشاعر:
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع2
وقد يجوز أن يكون أراد بقوله بالحسب والطيب إيفاء الثمن وإعطاءه الكافي من القيمة من غير غبن أَو بخس من قولك أحسبت الرجل إذا أتيته بما يكفيه من طعام أو نحوه ويروى مكان قوله بالحسب بالنقد الجيد.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي عَنْ أَبِي الْمَكَارِمِ قَالَ وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحُ مِنْهُ مُذْ ثَلاثِينَ سَنَةً قَالَ جَاءَنَا ضَيْفٌ فِي الْمُلَيْسَاءِ فَقُلْنَا لَهُ أَتَيْتَنَا فِي الْمُلَيْسَاءِ وَقَدْ فَاتَ الْغَدَاءُ وَلَمْ يُهَيَّأِ الْعَشَاءُ قَالَ فَانْصَرَفَ ثُمَّ جاء بالعشي فأدخلناه وحسبناه وإحيلناه وَأَكْثَمْنَاهُ وَأَوْتَلْنَاهُ وَكَبَّيْنَاهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ نَعَّمْنَاهُ.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ أَبُو العباس سألت ابن الأعرابي عَنْ هذا فَقَالَ المليساء نصف النهار. وَقَوْلُهُ حسبناه أي ألقينا له حسبانة وهي
__________
1 في اللسان "حسب" ساعدة بن جؤية الهذلي برواية "حساب وسرب كالجراد يسوم" وجاء في شرح أشعار الهذليين "3/1160" برواية اللسان, وفي الشرح: الحساب هنا العدد الكثير وسربك قطيع رجال, ويسوم: يسرح, يقال: كأنه جراد يسرح.
2 اللسان والتاج "حسب" قالته امرأة من بني قشير.

(2/215)


الوسادة وأحسبناه أتيناه بما يحسبه أي يكفيه وأكثمناه أشبعناه من الطعام وأوتلناه أرويناه من الشراب وكبيناه بخرناه ونعمناه مشينا معه حفاة.
وَقَالَ غيره المليساء وقت تنقطع فيه الميرة قَالَ وهو شهر بين الصفرية1 والشتاء. وأنشد لزيد بن كثوة:
أفينا تسوم الساهرية بعدما ... بدا لك في شهر المليساء كوكب2
ويقال تنعم الرجل إذا مشى حافيا واشتقاقه من نعامة القدم وهى باطنه أي مشى على باطن قدمه. وأنشدني بعض أصحابنا ابن لنكك أو غيره:
تنعمت لما جاءني سوء فعلهم ... ألا إنما البأساء للمتنعم
__________
1 القاموس "صفر" الصفرية محركة هي تولي الحر وإقبال البر. أو أول الأزمنة وتكون شهرا.
2 اللسان والتاج "ملس" دون عزو وجاء في اللسان: أتعرض علينا الطيب في هذا الوقت ولا ميرة.

(2/216)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى يَرْضَى1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عبدوس أنبأنا موسى بن زكرياء حدثنا خليفة بن خياط أنبأنا عبد الرحمن بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
الكسعي يضرب به المثل في الندامة2 وهو رجل من بني كسيعة ويقال اسمه محارب بن قيس كان يرعى غنما إذا بصر بنبعة في صخرة فلم
__________
1أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب"2/766" بلفظه والطبري في الرياض النضرة "2/259" وابن الأثير في أسد الغابة "3/87" وابن سعد في طبقاته "3/222 – 223".
2 المثل أورده الفاخر "90" والعسكري "2/324" والميداني "2/348" والزمخشري "1/386" واللسان "كسع".

(2/216)


يزل يتعهدها حتى أدركت فقطعها وبرى منها قوسا فرمى ليلا عيرا فنفذ السهم من مقتل العير لخفته فظن أَنَّهُ لم يصبه فضجر وكسر القوس فلما أصبح رأى العير / صريعا فندم فصار مثلا في الندامة قَالَ الفرزدق: [84]
ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار1
__________
1 هامش ح: "رأت عيناه ما صنعت يداه" بدل "الشطر الثاني والبيت قي الديوان "1/294" برواية الخطابي.

(2/217)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْثُلُ دِرْعَهُ إِذْ جَاءَ سَهْمٌ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن سعدويه أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَذْكُرُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَهْمُ غَرِبٍ.
يُقَالُ نثل الرجل درعه إذا صبها على نفسه ليلبسها ونثل كنانته إذا نثرها ونثل البئر إذا كسحها.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عبد العزيز أَنَّهُ دَخَلَ دَارًا فِيهَا رَوَثٌ فَقَالَ أَلا كَنَسْتُمْ هَذَا النَّثِيلَ. وكَانَ لا يُسَمِّي قَبِيحًا بِقَبِيحٍ.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ أصابه سهم غرب وسهم غرب فأما غرب ساكنة الراء فإذا أتاك من حيث لا تدري وأما غرب فإذا رماه فأصاب غيره. ويقال أن الَّذِي رماه يوم الجمل مروان بن الحكم.
__________
1ذكره الطبري في الرياض النضرة "2/259" بدون قوله: "كان ينثل درعه" وذكر الزمخشري القصة في خصائص العشرة الكرام البررة "114".

(2/217)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّ قُبَيْصَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْطَى لِجَزِيلٍ عَنْ ظَهْرِ يَدٍ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عبيد الله1.
__________
1أخرجه ابن سعد في طبقانه "3/221" عن ابن عيينة عن مجالد عن عامر عن ... =

(2/217)


حدثنيه محمد بن سعدويه أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ قُبَيْصَةُ. قَوْلَهُ عَنْ ظَهْرِ يَدٍ مَعْنَاهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُكَافَأَةٍ وَكَانَ طَلْحَةُ أَحَدَ الأَجْوَادِ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ سَعْدَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى1 قَالَ حَدَّثَتْنِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ الْمُرِّيَّةُ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُهُ مَغْمُومًا فَقُلْتُ مَا لَكَ أَرَاكَ كَالِحَ الْوَجْهِ أَرَابَكَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْءٌ قَالَ لا وَاللَّهِ مَا رَابَنِي مِنْ أَمْرِكِ شَيْءٌ وَلَنِعْمَ الصَّاحِبَةُ أَنْتِ وَلَكِنَّ مَالا اجْتَمَعَ عِنْدِي قَالَتْ فَقُلْتُ ابْعَثْ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ وَقَوْمِكَ فَاقْسِمْ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَفَعَلَ فَسَأَلْتُ الْخَازِنَ كَمْ قَسَّمَ فَقَالَ أربعمائة أَلْفٍ. وكَانَ طَلْحَةُ يُلَقَّبُ بِالْفَيَّاضِ2.
أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءَ الْغَنَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحُزَامِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ طَلْحَةَ اشْتَرَى بِئْرًا فَتَصَدَّقَ بِهَا وَنَحَرَ جَزُورًا فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا طَلْحَةُ أَنْتَ الْفَيَّاضُ". فَسُمِّيَ الْفَيَّاضُ3 وَالْفَيَّاضُ الْجَوَّادُ الواسع
__________
= قبيصة بن جابر بلفظ "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْطَى لِجَزِيلٍ مأل من غبر مسألة من طلخة بن عبيد الله" وبنحوه أبو نعيم في حلية الأولياء "1/88" وكذلك الهيثمي في مجمعه "9/147" وعزاه للطبراني.
1 كذا في الحاكم وس ود – وفي ط وحلية الأولياء: "طلحة بن يحيى بن طلحة".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/377 – 378" وأبو نعيم في الحلية "1/88" والهيثمي في مجمعه "9/148" إلا أن المصدرين الأخيرين لم يذكر الجملة الأخيرة, كذلك ابن سعد في طبقاته "3/220" وأحمد في كتاب الزهد "145" مختصرا.
3 أخرجه الخاكم في المستدرك "3/374" والهيثمي في مجمعه "9/149" والطبري في الرياض النضرة "2/250".

(2/218)


الْعَطَاءِ. قال زهير:
وأبيض فياض نداه غمامة ... على المعتفين ما تغب نوافله1
وأصله من قولك فاض الماء إذا سال. وحديث مستفيض أي شائع منتشر
__________
1 شرح الديوان "139" برواية "يداه" بدل "نداه" و "على معتفيه" بدل "على المعتفين".

(2/219)


حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رحمه الله
حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: "رَمَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فقطت نساه ... ".
...
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رحمه الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ رَمَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْتُ نَسَاهُ فَانْثَعَبَتْ جَدِيَّةُ الدَّمِ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشيباني حدثنا الصائغ أخبرنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
الجدية أول دفعة من الدم قَالَ ذو الرمة:
تقدمها للموت حتى لبانها ... من الطعن نضاخ الجديات أحمر2
[85] وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عَلَى رَايَةِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ قُتِلَ مِنْ بَنِي عبد الدار / أَخَذَ اللِّوَاءَ غُلامٌ لَهُمْ أَسْوَدٌ وَكَانَ قَدِ انْتَكَسَ فَنَصَبَهُ الْعَبْدُ وَبَرْبَرَ يَسُبُّ قَالَ سَعْدٌ فَرَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُ ثَغْرَتَهُ فَسَقَطَ صَرِيعًا فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ مَنْ رَدَاهُ مَنْ رَدَاهُ يُرِيدُ مَنْ رَمَاهُ مَنْ رَمَاهُ3 وَمَنْ أَصَابَهُ.
ويقال رديت الرجل بالحجر إذا رميته به وأكثر ما يكون ذلك في الحجر الضخم الَّذِي يشدخ بثقله ومنه المرداة يكسر بها الشيء الصلب فأما أرداه فمعناه أهلكه والردى الهلاك والردي الهالك قال دريد بن الصمة:
__________
1 ح: "فنبعثت" وأخرجه الواقدي في مغازيه "1/105" بألفاظ متقارية وانظر الفائق "جدى" "1/196".
2 الديوان "232".
3 من ط, ح.

(2/220)


تنادوا فقالوا: أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد اللَّه ذلكم الردي1
وَقَوْلُهُ بربر أكثر الكلام في غضب والبربرة كثرة الكلام في غير بيان. ويقال إن بعض ملوك حمير غزا البربر فظفر بهم فَقَالَ ما أكثر بربرتهم أو جلبتهم فسموا بربر.
وَكَانَ سَعْدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ رَامِيًا وَقَدْ جَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: "ارْمِ فداك أبي وأمي" 2.
__________
1 شعراء المصرانية "4/757".
2 أخرجه البخاري في الجهاد "4/47" ومسلم في فضائل الصحابة "4/1876" والترمذي في المناقب "5/650" وابن سعد في الطبقات "3/141" وأحمد في مسنده "1/92, 124, 137" وغيرهم.

(2/221)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نُودِيَ لِيَخْرُجَ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ إِلا آلَ رَسُولِ اللَّهِ وَآلَ عَلِيٍّ خَرَجْنَا نَجُرُّ قِلاعَنَا1.
حَدَّثَنِيهُ بعض أصحابنا أخبرنا الهيثم بن كليب أخبرنا أحمد بن شداد الترمذي أخبرنا علي بن قادم أنبأنا إسرائيل عن عبد الله بْنِ شَرِيكٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَعْدٍ.
القلاع جمع قلع وهو الكنف الَّذِي يكون فيه المتاع أي خرجنا ننقل متاعنا قَالَ ابن الأعرابي والعرب تقول شحمتي في قلعي يضرب مثلا لمن حصل ما يريد2 فأما القلع بكسر القاف فهو الشراع وربما قيل القلاع بمعنى الواحد ويحتمل أن يكون سعد أراد به الشراع متمثلا براكب البحر إذا أراد السير الحثيث رفع الشراع.
__________
1 الفائق "قلع" "3/222" والنهاية "قلع" "4/102".
2اللسان "قلع" جمهرة الأمثال "1/555" مجمع الأمثال "1/364" المستصفى "2/127".

(2/221)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا نُجَالِسُهُ وَكَانَ يَتَحَدَّثُ حَدِيثَ النَّاسِ وَالأَخْلاقِ وَكَانَ يُسَاقِطُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بن عبد الله بْنِ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ.
قوله يساقط الحديث معناه يروي الحديث في خلال كلامه قَالَ أَبُو حية النميري:
إذا هن ساقطن الحديث كأنه ... سقاط حصى المرجان من سلك ناظم
رمين فأقصدن القلوب ولم تجد ... دما مائرا إلا جوى في الحيازم2
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/497" وفيه "والجهاد" بدل "والأخلاق" وفيه "بشر بن سعيد" بدل "بسر بن سعيد" تصحيف.
وفي التقريب "1/97" بسر بن سعيد المدني العابد مولى ابن الحضرمي وثقة جليل مات سنة مائة.
2 شعر أبي حية النميري "86" باختلاف في بعض الألفاظ كما روي بروايات مختلفة في كتب الأدب واللغة.

(2/222)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَسْلَمْتُ رَاغَمَتْنِي أُمِّي فَكَانَتْ تَلْقَانِي مَرَّةً بِالْبِشْرِ وَمَرَّةً بِالْبُسْرِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ2 مِسْمَارٍ عَنْ سَعْدٍ.
البسر: القطوب والتعبيس يُقَالُ: بسر الرجل وجهه بسرا ومن هذا
__________
1 في تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/102" بألفاظ أخرى وانظر الفائق "رغم" "2/68" والنهاية "بسر" "1/126".
2 في التقريب "2/278" مخاجر بن مسمار الزهري مولى سعد المدني مقبول مات بعد المائة.

(2/222)


قوله تعالى: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} 1 ومثله بسل الرجل وجهه إذا عبسه وحمضه ويقال بسل الشراب بسولا ويوم باسل أي كريه قَالَ الأخطل:
نفسي فداء أمير المؤمنين إذا ... أبدى النواجذ يوم باسل ذكر2
__________
1 سورة المدثر:"22".
2 اللسان والتاج "بسل" وشعر الأخطل "1/199".

(2/223)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ حَبَسَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي / شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ [87] الْقَادِسِيَّةِ رَأَى فَارِسًا لا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ إِلا هَزَمَهُمْ فَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ الضَّبْرُ ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا أبو معاوية ناعمرو بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَعْدًا حَبَسَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ لامْرَأَةِ سَعْدٍ أَطْلِقِينِي وَلَكِ الله علي إن سلمني أَنْ أَرْجِعَ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ فَخَلَّتْهُ فَوَثَبَ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ فَجَعَلَ لا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُّوِ إِلا هَزَمَهُمْ وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ الضَّبْرُ ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ. فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُّوُ رَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْقَيْدِ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِمَا كَانَ من أمره فخلى سبيله فقال أَبُو مِحْجَنٍ قَدْ كُنْتُ أَشْرَبُهَا إذ كَانَ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ وَأَطْهَرُ مِنْهَا فَأَمَّا إِذْ بَهْرَجَتْنِي فَلا أشربها أبدا2.
__________
1 سيأتي تخريجه.
2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/211 – 213" في حديث طويل وابن عبد البر في =

(2/223)


الضبر عدو الفرس وهو أن يجمع قوائمه ثم يثب.
قَالَ أَبُو عمرو: الالتباط في العدو كالضبر قَالَ: ومثله الخندفه والنعثلة قَالَ وهو أن يمشي مفاجا يقلب قدميه كأنه يغرف بهما.
ومن هذا قيل للرجل: المجتمع الخلق مضبور وللحزمة من الكتب إضبارة وللجماعة يغرون ضبر.
وَقَوْلُهُ بهرجتني معناه أهدرتني بإسقاط الحد عني.
وَقَالَ بعض أهل اللغة أصل البهرجة أن يطل السلطان دم الرجل ويهدره فيقال عند ذلك بهرج السلطان دم فلان.
قَالَ ونظر أعرابي إلى دجلة فَقَالَ إنها البهرج لكل أحد أي المباح.
ومن هذا قيل دينار بهرج أي لا قيمة له.
وَقَالَ أَبُو عُمَر: أصل البهرج أن يعدل بالشيء عَن الجادة القاصدة إلى غيرها. ومنه حديث الحجاج أَنَّهُ كتب إلى بعض عماله أن ابعث إلى بالجشير اللؤلؤ قَالَ فبهرج به أي عدل به عَنِ الجادة قَالَ والجشير الجراب. والبهرج من الدينار والدرهم على هذا التأويل هو الَّذِي عدل به عَنِ السكة المعروفة إلى الضرب المجهول.
ويقال: درهم بهرج ونبهرج ودراهم بهارج.
وَأَخْبَرَنِي ابن داسة أخبرنا الزيبقي أخبرنا أبو حاتم أخبرنا الأصمعي قَالَ باعت أعرابية غزلا لَهَا فدلس عليها درهم فقالت:
__________
= الاستيعاب "4/1750" وأخرجه قريبا من هذا عبد الرزاق في مصنفه "9/243" وذكره الحافظ في الإصابة "4/174".

(2/224)


يا رب من دلس فلسا بهرجا ... يأخذه ممن يراه أحوجا
فاقذف به في النار حتى ينضجا
ويقال إن أصل هذه الكلمة ليس بالمحض في العربية.

(2/225)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلَتِ فَكَرِهَهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ داسة أخبرنا أبو داود حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بْنِ يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ أَبِي عَيَّاشٍ2 أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدًا.
البيضاء الرطب من السلت كره بيعه باليابس منه لأنه مما يدخله الربا فلا يجوز بيع3 بعضه ببعض إلا متماثلين ولا سبيل إلى معرفة التماثل فيهما وأحدهما رطب والآخر يابس وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ". فَقِيلَ: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ4. [87]
والسلت حب بين الحنطة والشعير لا قشر له.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ في البيوع "2/624" والترمذي في البيوع "3/519" وأبو داود في البيوغ أيضا "3/251" وابن ماجة في التجارات "2/761" والنسائي في البيوع في شراء التمر بالرطب "7/269" وأحمد في مسنده "1/179".
2 ط: "عن زيد بن أبي عياش" وكذلك في مسند أحمد "1/179" والنسائي "7/269" والمثبت من س, ح. وفي التقريب "1/278" "زيد أبو عياش" وكذلك عند مالك والترمذي وابن ماجة وأبو داود.
3 ح: "بيعه بعضه ببعض".
4 تقدم تخريجه ضمن حديث بيع البيضاء بالسلت المتقدم آنفا.

(2/225)


حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَدِيثِ سَعْيدٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَجَ ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدين ... ".
...
حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْيدٍ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو يَطْلُبَانِ الدِّينَ حَتَّى مَرَّا بِالشَّامِّ فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ وَأَمَّا زَيْدٌ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُهُ أَمَامَكَ وَسَيْظَهَرُ بِأَرْضِكَ فَأَقْبَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا ... تَعَبُّدًا وَرِقًّا
الْبِرُّ أَبْغِي لا الخَالْ ... وهل مُهجِّرٌ كَمن قَالْ
أَنْفِي لَكَ عَانٍ رَاغِمْ ... مَهْمَا تجشمني فإني جاشم1
يرويه عبد الله بن رجاء الغداني2 أخبرنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قوله لبيك معناه إجابة لك وإقامة عندك وأصله من لب الرجل بالمكان وألب به أي أقام قَالَ الشاعر:
لب بأرض ما تخطاها الغيم3
__________
1 أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده كما في منحة المعبود "2/161" باب ما جاء في مناقب بعض أهل الفترة والبيهقي في الدلائل "1/475 - 476" ومجمع الزوائد "9/417" والبداية والنهاية "2/239" وكنز العمال "14/32" والمطالب العالية ""4/94" والرياض النضرة "2/302" وفي تهذيب ابن عساكر "6/32".
2 في ح: "الغداني" الدال المشددة, وفي التقريب "1/414" عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني بضم الغين المعجمة والتخفيف. بصري صدوق يهم قليلا, مات سنة 120 هـ وقيل قبلها.
3 اللسان والتاج "لبب".

(2/226)


ثم قالوا: لبيت كما قالوا: تظنيت من الظن وأصله تظننت.
وكقولهم تسريت سرية وأصله تسررت من السر وهو النكاح.
قَالَ الأحمر وإنما فعلوا ذلك كراهة أن يجمعوا في الكلمة بين ثلاث ياءات ونونات فأبدلوا من الأخيرة ياء وأنشد أَبُو عبيدة:
فقلت لها فيئي إليك فإنني ... حرام وإني بعد ذاك لبيب1
أي ملب.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أَبُو الوليد الأزرقي عَنْ جده عَنْ سعيد بن سالم عَنِ ابن جريج عَنِ ابن شهاب قَالَ كانت تلبية قريش وأهل مكة في الجاهلية تلبية إبراهيم خليل الرحمن حتى كان عمرو بن لحي فزاد فيه عند قوله لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك2.
قَالَ وتلبية نزار ومضر:
لبيك حقا حقا ... تعبدا ورقا
جئناك للنصاحه ... لم نأت للرقاحه
وفي رواية أخرى جئناك للرباحه3.
قَالَ وتلبية قيس ومن والاها وكان بينها وبين بكر بن عَبْد مناة بن
__________
1 اللسان والتاج ومقاييس اللغة "لبب" وعزي للمضرب بن كعب.
2 ذكر الأزرقي في أخبار مكة "1/194" قصة إدخال إبليس هذه الألفاظ في التلبية على عمرو بن لحي بطريق آخر. وفي تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/32" بلفظه.
3 في تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/32 – 33" برواية "وكانت تلبية نزار بن مضر" بدل "وتلبية مزار ومضر.

(2/227)


كنانة حرب في الجاهلية فكانوا لا يستطيعون أن يدخلوا مكة متفرقين.
والله لولا أن بكرا دونكا
...
يبرك الناس ويفجرونكا
ما زال منا عثج يأتونكا
قَالَ وكانت تلبية عك:
أتتك عك عانيه
...
عبادك أم يمانيه1
على قلاص ناجيه
النصاحه إخلاص العمل والناصح الخالص من كل شيء ويقال نصحت العسل إذا صفيتها.
والرباحة الربح يُقَالُ ربح وربح ورباح ورباحة.
والرقاحة كسب المال وجمعه والرقاحي التاجر وفلان يرقح معيشته أي يصلحها قَالَ الحارث بن حِلِّزة:
يَتْرُك ما رَقَّحَ من عَيْشِه ... يَعيث فيه هَمَجٌ هامج2
والعثج: جماعة في سفر.
والعانية: الخاضعة الأعناق يُقَالُ عنا الرجل يعنو إذا خضع وذل ولذلك قيل للأسير عان.
وَقَوْلُهُ عبادك أم يمانيه يريد اليمانية جعل الميم بدلا من اللام
__________
1 ط. زتهذيب تاريخ ابن عساكر "6/33" "عبادكم يمانية".
2 ط, س: "يعيش فيه همج هامج" والمثبت من هامش س, ح, اللسان والتاج "رقح" والديوان "21" وسيق في الجزء الأول لوحة "103".

(2/228)


وهي لغة كقول أَبِي هُرَيْرَةَ طاب أم ضرب1 يريد طاب الضرب أي حل القتال. والخال / الخيلاء قَالَ العجاج: [88]
والخال ثوب من ثياب الجهال2
يُقَالُ خال الرجل يخول إذا اختال قَالَ الشاعر:
فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل3
والتهجير: سير الهاجرة وهو ما بين وقت الزوال إلى قرب العصر يُقَالُ: هجر الرجل إذا سار في الهاجرة قَالَ ابن أبي ربيعة:
أمن آل نعم أنت غَادٍ فُمبْكِرُ ... غداةَ غدٍ أمْ رائح فمهجر4
وَقَالَ: من القائلة.
__________
1 في تهذيب ابن عساكر "6/33".
2 في التهذيب "7/560" واللسان والتاج "خيل" وبعده "والدهر فيه غفلة للغفال".
3 اللسان والتاج "خيل" برواية "فاذهب فخل" بفتح الخاء دون عزو. وقال ابن بري: ى وروي البيت: "فاذهب فخل" بضم الخاء لأن فعله خال يخول, وقال: وكان حقه أن يذكر في مادة خول, وذكر الجوهري هنا لقولهم: الخيلاء, وقياسه الخولاء, وإنما قلبت الواو فيه ياء حملا على الاختيال.
4 الديوان "184".

(2/229)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ قَالَ لَهُ الْخَطَّابُ بْنُ نُفَيْلٍ: إِنِّي لأَحْسِبُكَ خَالِفَةَ بَنِي عَدِيٍّ هَلْ تَرَى أَحَدًا يَصْنَعُ مِنْ قومك ما تصنع؟ 1
يرويه الواقدي أخبرنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّعْدِيُّ عَنْ أبيه
__________
1 تهذيب تاريخ بن عساكر "6/31".

(2/229)


يُقَالُ رجل خالفة أي مخالف كثير الخلاف كما قيل رواية ولحانة ونسابة قَالَ الشاعر:
يا أيها الخالفة اللجوج1
ويقال: فلان خالفة من الخوالف إذا كان فاسدا لا خير فيه وما أبين الخلافة فيه أي الجهل.
وَقَالَ بعضهم: اشتقاقه من قولهم لحم خالف وهو الَّذِي قد بدا يروح2 ومنه أخذ خلوف الفم وهو تغير ريحه من صوم أو نحوه.
قَالَ أَبُو عُمَر قد تكون الخالفة أيضا بمعنى الخير3.
قَالَ وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَنْتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ لا قال فما أنت قال أنبأنا الْخَالِفَةُ بَعْدَهُ أي الْقَاعِدَ بَعْدَهُ قَالَ وَالْخَالِفَةُ الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ الرَّئِيسُ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ4.
قَالَ ابن الأنباري وإنما يختلف في المصدر فيقال خلفه يخلفه خلافة إذا صار خليفة له وخلافة إذا كان متخلفا لا خير فيه ميؤوسا من رشده.
__________
1 الفائق "خلف" "1/392".
2 ح: "يروح" من الفعل الثلاثي راح, والمثبت من س, ط, وفي المصباح "راح": راح الشيء وأروح: أنتن.
3 في تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/31" بلفظ "قال أبو عمرو: وقد يكون الخالفة أيضا بمعنى الخبير" "تحريف" في كلمتي أبو عمرو والخير, قال ابن الأعرابي: وَالْخَالِفَةُ: الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ الرَّئِيسُ عَلَى قومه وأهله.
4 الحديث في الفائق "خلف" "1/301" وجاء في الشرح يقال: هو خالفة أهل بيته, وهو خالفة من الخوالف, وما أدري أي خالفة هو؟ أراد تصغير شأنه وتوضيعها. ولما كان سؤاله عن الصفة دون الذات قال: فما أنت؟ ولم يقل: فمن أنت؟

(2/230)


حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: "طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ... ".
...
حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سليمان في حديث عبد الرحمن أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ طرقني عبد الرحمن بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ فَأَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَانْثَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ أَمْرِ الشُّورَى1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا الحسن بن زياد السري أخبرنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عبد الرحمن عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
يُقَالُ لقيته بعد هجع وهجعة من الليل أي طائفة من الليل ومثله بعد هزع من الليل وهزيع منه ويقال أتيته بعد وهن من الليل وبعد هدء2 من الليل وهونحو من الربع أو قريب منه ويقال أتانا بعد ما مضي جرش3 من الليل وجوش من الليل وجوشن من الليل أي بعد ما مضى وجوش من الليل صدر صالح منه وأتانا في جوز الليل أي وسطه.
__________
1 أخرجه البخاري في الأحكام "9/97" في قصة طويل بدون جملة: "انثال الناس عليه". وقال الحافظ في الفتح الباري "13/ 97" "وأخرجه الدارمي في غرائب مالك عن سعيد بن عامر وفيه "فانثال الناس إلى آحره".
2 ح, ط: "هدو".
3 س: "جرس" تصحيف" وفي القاموس "جرش" أتيته بعد جرش من الليل: أي ما بين أوله إلى ثلثه وأتاه بجرش منه: بآخر منه.

(2/231)


وَقَوْلُهُ حتى ابهار الليل أي مضى نصف الليل قاله أَبُو عبيدة قَالَ وبهرة الليل وسطه.
قَالَ أَبُو سعيد الضرير قد يبهارُّ الليل قبل أن ينتصف وإنما ابهيراره طلوع نجومه إذا تتامت لأن الليل إذا أقبل أقبلت فحمته وإذا تطالعت النجوم واشتبكت ذهبت تلك الفحمة والباهر الممتلىء النور قَالَ الأعشى:
جئتماه فقضي فيكما ... أبلج مثل القمر الباهر1
[89] / وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ يَرْوَى عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيٍّ أُصَلِّي الضُّحَى إِذَا بَزَغَتِ الشَّمْسُ قَالَ لا حَتَّى تَبْهَرَ الْبُتَيْرَاءُ2 يُرِيدُ الشَّمْسَ أَيْ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَيَقْوَى ضَوْءُهَا وَشُعَاعُهَا.
وَأَخْبَرَنِي ابن الفارسي عن الغلابي أخبرنا إبراهيم بن عُمَر في قول عُمَر بن أبي ربيعة:
ثم قالوا: تحبها قلت بهرا ... عدد القطر والحصى والتراب3
قَالَ كنت أحسب قوله بهرا دعاء عليهم كقوله جدعا وتعسا وبعدا وسحقا وما أشبه ذلك كقول ابن ميادة:
فبعدا لقومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا4
__________
1 س, ح, ط: "حكمتماني" بدل "جئتماه" وفي الديوان "93" "حكمتموني" والمثبت من هامش س وقال: هو الصواب. وجاء قبله:
إن الذي فيه بداريتما ... بين للسامع والآثر
2 الفائق "بتر" "1/72" والنهاية "بتر" "1/94".
3 الديوان "64" برواية "عدد النجم".
4 اللسان والتاج "بهر" برواية: "ألا يا لقومي" وفي مادة "فقد" برواية "تفاقد....=

(2/232)


يدعو عليهم من قولهم بهره الأمر يبهره إذا غلبه حتى فَسَّرَهُ الأصمعي فَقَالَ مَعْنَاهُ قلت لهم معلنا غير مكتتم بذلك قال ومنه بتهر فلان بفلانة إذا ذكرها مشتهرا به وَمِنْهُ قول الشاعر:
وقد بهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا1
وَقَوْلُهُ: انثال عليه الناس أي مالوا عليه وكثروا حتى ركب بعضهم بعضا وكل شيء منهال ركب بعضه بعضا2 كالبر ونحوه فهو منثال.
وَمِنْهُ قول العجاج يعنى قصيدة له: قلتها في ليلة واحدة وانثالت على القوافي انثيالا.
__________
= قومي" وفي الكتاب لسيبويه "1/157".
1 اللسان والتاج "بهر" وعزي لذي الرمة يمدح عمر بن هبيرة برواية:
حتى بهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أكمه لا يعرف القمر
والبيت في الديوان "191" برواية الخطاني.

(2/233)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الرحمن أَنَّهُ قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا فِي أَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظُهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق الثقفي أخبرنا علي بن مسلم أخبرنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَاجَشُونُ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ.
صاغية الرجل: خاصته ومن يصغوا بقلبه ويميل إليه.
__________
1 أخرجه البخاري في الوكالة: باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب "3/129" في حديث طويل.

(2/233)


ومنه قولهم صغوك مع فلان أي ميلك ومن هذا إصغاء الإناء وكذلك أصغى1 السمع إلى المحدث.
قَالَ ثعلب هم الصاغية والبطانة والحزانة2 قَالَ وحزانة الرجل من حزنه ما يحزنهم.
__________
1 ح: "وكذلك إصغاء إلى المحدث".
2 القاموس "حزن" حزانتك: عيالك الذين تتحزن لأمرهم.

(2/234)


حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه
حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ فأصابهم جوع فأكلوا الخبط
...
حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سليمان في حديث عُبَيْدَةَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ فَأَصَابَهُمْ جُوعٌ فَأَكَلُوا الْخَبَطَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ذُو مَشْرَةٍ حَتَّى أَنَّ شِدْقَ أَحَدِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مِشْفَرِ الْبَعِيرِ الْعَضِهِ وَحَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَوْ لَقِينَا الْعَدُّوَ مَا كَانَ مِنَّا حَرَكَةً إِلَيْهِ فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لِرَجُلٍ مِنَ جُهَيْنَةَ بِعْنِي جُزُرًا وَأُوَفِّيكَ شِقَّةً مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ فَشَرَطَ عَلَيْهِ الأَعْرَابِيُّ تَمْرَ ذَخِيرَةٍ مُصَلِّبَةٍ مِنْ تَمْرِ آلِ دُلَيْمٍ. قَالَ الْجُهَيْنِيُّ أَشْهِدْ لِي وَكَانَ فَيمَنِ اسْتُشْهِدَ عُمَرُ فَقَالَ لا أَشْهَدُ هَذَا يَدِينُ وَلا مَالَ لَهُ إِنِّمَا المال مال أبيه فقال الجهيني وَاللَّهِ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيُخْنِي بِابْنِهِ فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ وَخَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَبَعْضُهُمْ قَدْ زَادَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ. الخبط ورق العضاه يضرب بالعصي ليتناثر فتعلفه الإبل والخبط الضرب بالمخبط وهو العصا.
وَقَوْلُهُ ذو مشرة فإن المشرة شبه الخوصة تخرج في العضاه لها ورق وأغصان رخصة. / يُقَالُ أمشر الشجر وأمشرت الأرض إذا طر نباتها. [90]
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ يَرْوِي عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَكَلْتُ اللَّحْمَ وَجَدْتُ فِي نَفْسِي تَمْشِيرًا لَمْ يَكُنْ أَيْ قوة ونشاطا.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/774" في قصة طويلة وفي الفائق "خبط" "1/352".

(2/235)


والبعير العضه الَّذِي قد أكل العضاه فقرحت مشافره وذلك أن لها شوكا يعقرها قَالَ الشاعر:
مشافر قرحي أكلن البريرا1
والمصلبة من الصلابة وتمر المدينة صلب وهو أجود ما يكون.
وقول عُمَر يدين ولا مال له معناه يأخذ الدين يُقَالُ دان الرجل وادان واستدان بمعنى واحد وهو أن يأخذ الدين وأدان يدين إذا أعطي غيره فالمعطي مدين والآخذ مدان.
وَقَوْلُهُ ما كان سعد ليخني بابنه أي لم يكن ليسلمه ويخفر ذمته وأصله من الخنى وهو الفحش يُقَالُ أخنى الرجل في كلامه إذا أفحش2 وأخنى عليه الدهر إذا أهلكه قَالَ النابغة:
أخنى عليه الَّذِي أخنى على لبد3
__________
1 اللسان والتاج "قرح" وعزي للكميت وشعر الكميت "1/191" وصدره: "تشبيه في الهام آثارها".
2 من ط.
3 في الديوان "5" يرواية "أخنى عليها" وكذلك في شعراء النصرانية "4/659" وصدره "أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا".

(2/236)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ كَانَ أَهْتَمُ الثَّنَايَا وَكَانَ قَدِ انْحَازَ عَلَى حَلْقَةٍ قَدْ نَشَبَتْ فِي جِرَاحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَحَدٍ فَأَزَمَ عَلَيْهَا فَعَضَّهَا فَنَزَعَهَا. وَمِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ زَرَدَتَيْنِ مِنْ زَرَدِ التَّسْبِغَةِ قَدْ نَشَبَتَا فِي خَدِّهِ فَعَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَنَزَعَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ ثُمَّ عَكَرَ عَلَى الأُخْرَى فنزعها فسقطت ثنيته الأخرى1.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/266" بلفظ "أكار" بدل "عكر" وتهذيب ابن عساكر "7/162" مختصرا, وأخرجه ابن سعد في طبقاته "3/410" هذه القصة بألفاظ أخرى وقال في.=

(2/236)


حدثنيه الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا موسى بن إسماعيل أنبأنا ابن المبارك أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ.
الأهتم الثنايا الَّذِي انكسرت ثناياه من الأصل والأقصم الَّذِي انكسرت أسنانه من عرضها يُقَالُ رجل أقصم الثنية بين القصم وأهتم بين الهتم قال الفرزذق:
إن الأراقم لن ينال قديمها ... كلب عوى متهتم الأسنان1
وَأَخْبَرَنِي* أبو محمد الكراني أخبرنا البيروذي أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء من تدلت ثنيتاه2 إلى أسفل فهو أروق وإذا كانتا خارجتين عَنِ الفم قيل أشغى والمكسور الثنية يُقَالُ له: أقصم والسن على السن يُقَالُ له: الراغول والمقلوع الثنيتين يُقَالُ له: أهتم.
وَقَوْلُهُ: انحاز عليها: أي أكب عليها والانحياز أن يجمع نفسه وينضم بعضه إلى بعض.
وَقَوْلُهُ أزمَّ عليها أي قبض عليها بأسنانه يُقَالُ: أزم يأزم وأزم يأزم إذا قبض على الشيء بفمه وبزم إذا كان ذلك بمقدم الفم يُقَالُ: أزم عليهم الدهر إذا عضهم كلبه والأزمة السنة قَالَ الراجز:
أرأيت إن كان الكتاب قد جلد ... وأزم الدهر علينا وجمد
ولم يكن لي سبد ولا لبد ... أآخذي أنت بما لست أجد
__________
= آخرها "فكان أبو عبيدة في الناس أثرم" وفي كنز العمال "10/425".
1 الديوان "2/883".
* من أول هنا سقط من نسخة ح نحو ثلاث ورقات من حجم الفلوسكاب.
2 ط: "ثناياه.

(2/237)


يعنى الكتاب الَّذِي يكتبه المصدق في عدد الأبل والغنم وَقَالَ آخر:
حلفت له بطه والمثاني ... لقد فنيت وقد بقي الكتاب
ألظ بها رماديإ أزوم ... له ظفر تخرمها وناب
[91] يصف السنة أنها عضوض والرمادي منسوب إلى سنة صعبة كانت قد أتت عليهم وهي عام الرمادة.
وَقَوْلُهُ عكر عليه أي عطف عليه واعتكر القوم إذا رجع بعضهم على بعض ومنه اعتكار الليل وهو اعتكار1 سواده والتباسه.
__________
1 ط: "اختلاط سواده".

(2/238)


حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه
حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا صَيِّتًا وَأَنَّهُ نَادَى يَوْمَ حُنَيْنٍ فقال: "ياأصحاب السمرة".
...
حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا صَيِّتًا وَأَنَّهُ نَادَى يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ, فَرَجَعَ النَّاسُ بَعْدَ مَا وَلَّوْا حَتَّى تَنَاشَبُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكُوهُ فِي حَرَجَةِ سَلَمٍ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ وَالْعَبَّاسُ يَشْتَجِرُهَا بِلِجَامِهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الفضل بن العباس القرطمي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي أخبرنا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ.
قوله: تناشبوا: معناه تدانوا وتضامُّوا حتى نشب بعضهم ببعض يُقَالُ: نشب الشيء بالشيء إذا تعلق به ونشب الصيد في الحبالة إذا لم يقدر على الخلاص.
وفي رواية أخرى حتى تأشبوا وهذا والأول سواء يُقَالُ: تأشب النبات إذا كثر والتف ويقال: أمر أشب أي مختلط. ومنه الأوشاب وهم أخلاط الناس والحرجة الشجراء الملتفة قَالَ الشاعر:
أيا حرجات الحي يوم تحملوا ... بذي سلم لا جادكن ربيع2
__________
1 أخرجه مسلم في الجهاد والسير "3/1398" القصة بألفاظ متقاربة وكذلك الحاكم في المستدرك "3/328" وابن سعد في طبقاته "4/18" وعبد الرزاق في مصنفه "5/380" والسمرة: الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان يوم الحيبية.
2 اللسان والتاج "حرج" برواية "حين تحملوا" ولم يعز.

(2/239)


والسلم: شجر من العضاه وهو كل شجر لها شوك وَقَوْلُهُ يشتجرها بلجامها معناه يمسكها ويردها ومنه الشجار وهو الخشبة التي توضع خلف الباب سميت شجارا لأنها ترد الباب وتمسك1 والشجر أن ترفع ما يتدلى من غصن شجر وذيل ثوب أو ما أشبه ذلك.
__________
1 ط: "وتمسكه".

(2/240)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَدِ اسْتَبْطَنْتُمْ بِأَشْهَبَ بَازِلِ1.
مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ الْوَاشِحِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عكرمة.
قوله بأشهب بازل أي بأمر شديد أو بيوم صعب أو نحو ذلك من نعت المكروه قَالَ مقاس العائذي وهو جاهلي:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب2
ويقال: جَيْشٌ أشهب وكتيبة شهباء لما فيهما من بياض السلاح والشهباء أيضا من أسماء السنة.
أَخْبَرَنِي أبو عمر أنبأنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلَبٍ قَالَ: يُقَالُ: أصابتهم كحل, والضبع, والشهباء, والبيضاء, والبرشاء, والرشماء, والقشفاء, والقشراء, والرملاء, والسوداء, والحمراء, وأصابتهم أزمة
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/799" في حديث طويل وانظر كنز العمال "10/524 – 528".
2 اللسان والتاج "شهب" دون عزو وفي المقتصب "4/96" "استشهد به سيبويه "1/21" على أن كان تامة بمعنى وقع وأراد باليوم يوما من أيان الحرب, وصفه بالشدة فجعله كالليل تبدو فيه الكواكب.

(2/240)


وأزبة, وأزلة وعام, كل ذلك في الجدب والمحل ويقال: أيضا يومٌ أشهب إذا كان شديد البرد قَالَ ابن هرمة:
وكانت لعباس ثلاث يعدها ... إذا ما جناب الناس أصبح أشهبا
فسلسلة تنهى الظلوم وجفنة ... تراح فتكسوها السنام المرعبا
وحلة عصب ما تزال معدة ... لعار ضريك ثوبه قد تهببا1
ويقال: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم ومقطرة لجاهلهم. [92]
فالشبهة في كل ما وصفوه من هذا يراد بها المكروة ينذرهم العباس يقول لهم دهيتم بأمر صعب لا طاقة لكم به والبازل المسن الشديد من الإبل ضربه مثلا لشدة الأمر الَّذِي نزل بهم.
__________
1 الديوان "56" والأبيات في تهذيب ابن عساكر "7/231 – 132".

(2/241)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَالَ: اسقوني دهاقا1
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/512" بعبارة "اسقنا وادهق لنا" وذكره السيوطي في الدر المنثور "6/309" مثله وأخرجه الطبري في تفسيره "30/80" بلفظ "اسقني دهاقا" عن ابن عباس.

(2/244)


حدثناه ابن مالك أخبرنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حُصَيْنٍ1 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُبَّمَا سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ اسْقُونِي دِهَاقًا.
إنما ذكر هذا استشهاد لقوله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} 2 وَهِيَ الْمَمْلُوءَةُ والكأس تؤنث على نية الخمر وأنشد أَبُو عبيدة.
أتانا عامر يبغي قرانا ... فأترعنا له كأسا دهاقا3
وَقَالَ سعيد بن جبير هي المتتابعة.
__________
1 في س: "حسين" والمثبت من ح. ط.
2 سورة النبأ:"34".
3 اللسان والتاج "دهق" برواية "يرجو قرانا" بدل "يبغي قرانا" وعزي لخداش ابن زهير.

(2/245)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَرَكَكُمْ عَلَى طَرِيقٍ نَاهِجَةٍ وَإِنْ يَكُ مَا يَقُولُ ابْنُ الْخَطَّابِ حَقًّا1 فَإِنَّهُ لَنْ نَعْجَزَ أَنْ نَحْثُوَ عَنْهُ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ يَأْسُنُ كَمَا يَأْسُنُ النَّاسُ2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ.
الناهجة الواضحة البينة وقد نهج الأمر وأنهج لغتان إذا وضح وطريق نهج أي بين والطريق يذكر ويؤنث.
__________
1 ح: "وإن يك ما تقول يابن الخطاب حقا".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/434" وأخرجه بنحوه الدارمي في سننه "1/39" وابن سعد في طبقاته "2/226" عن عكرمة.

(2/241)


وَقَوْلُهُ يأسن معناه تغير الرائحة قَالَ اللَّه تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} 1 قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: أجن الماء يأجن أجونا إذا تغير غير أَنَّهُ شروب وأسن يأسن ويأسن أسنا وأسونا وهو الَّذِي لا يشربه أحد لنتنه ويقال: ماء أجن وآجن وأسن وآسن.
فأما قوله: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} 2 فمعناه التَّغَيُّر والفساد من طول مر السنين ومضي الأعوام عليه وليس من الأسن وتغير الريح في شيء هذا باب وذاك باب آخر والهاء في قوله لم يتسنه أصلية في مذهب من قرأ في الوصل لَمْ يتسنه وانظر وذلك لأن بعض العرب يقول سنه وفي الجمع سنهات وأكريت الدار مسانهة وهي في مذهب الآخرين زائدة يجعلونها من الواو فيقال: سنة وسنوات وقرؤوا في الوصل لم يتسن وانظر فإذا وقفوا قالوا: لَمْ يَتَسَنَّهْ زادوا الهاء لبيان الحركة بمنزلة الهاء في قوله {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 3 وكتابيه وحسابيه ونحو ذلك.
وكان عُمَر قد مانعهم في دفن رسول اللَّه وَقَالَ: أَنَّهُ لم يمت ولكنه صعق كما صعق موسى ثم تبين الحق فاعتذر إليهم في مقام آخر بكلام له قد ذكرناه في حديثه.
__________
1 سورة محمد: "15".
2 سورة البقرة: "259".
3 سورة الأنعام: "90".

(2/242)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ بِهِ يَسْتَسْقِي فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ وَقَفِيَّةِ آبَائِهِ فَإِنَّكَ تَقُولُ: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا

(2/242)


صَالِحاً} 1 فَحَفِظْتَهُمَا2 فَاحْفَظِ اللَّهُمَّ نَبِيَّكَ فِي عَمِّهِ فَقَدْ دَلَوْنَا بِهِ إِلَيْكَ مُسْتَشْفِعِينَ3.
هذا قد ذكره ابن قتيبة4 في كتابه وفسره فَقَالَ قوله قفية آبائه يريد تلوهم وتابعهم وهو من قفوت الرجل إذا تبعته وكنت في إثره يُقَالُ: هذا قفي الإشياخ وقفيتهم إذا كان الخلف منهم.
وَقَوْلُهُ دلونا إليك أي متتنا واستشفعنا وأصله من الدلو.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أما قفية آبائه فإنه تلوهم وتابعهم والخلف منهم فمن المستقيم المطرد في اللغة إلا أَنَّهُ من البعيد الممتنع أن يكون عُمَر جعل العبَّاس / تابع آبائه أو رآه خلفا منهم في طريق دين أو دنيا وإنما [93] يحسن أن يتأول المتأول الكلام على معانيه اللائقة به المنقادة له دون الوجوه الأبية عليه النافرة عنه ومعنى القفية المختار.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: اقتفيت الشيء بمعنى اخترته والاسم القفوة يريد أَنَّهُ المختار من آبائه ومنه القفي وهو ما يؤثر به الرجل من طعام
وقد يحتمل أن يكون أراد أَنَّهُ تابعهم والمتقيل لأثرهم في الاستسقاء وذلك أن عبد المطلب قد استسقى لأهل الحرم حين أقحطوا فسقاهم اللَّه وقد ذكرنا هذه القصة وفسرناها فِي حَدِيثِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا أعلم لما
__________
1 سورة الكهف: "82".
2 ح: "فحفظتهما لصلاح أبيهما".
3 أخرجه البخاري في صلاة الاستسقاء "2/34" عن أنس بعبارة."اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون" وكذلك البيهقي في السنن الكيرى "3/352" وتهذيب ابن عساكر "7/241" عن ابن عمر مختصرا.
4 غريب الحديث لابن قتيبة "2/182".

(2/243)


ذهب إليه ابن قتيبة وجها غير هذا وكان الواجب عليه إن كان أراده أن يذكره ولا يغفله.
وأما قوله دلونا به إليك أي متتنا واستشفعنا فإنه محرف عَنْ وجهه وموضوع في غير موضعه إنما يُقَالُ: أدليت بالألف بمعنى متت وتوسلت.
يُقَالُ: فلان يدلي بحجة ويدلي بقرابة ونحو ذلك تمثيلا لَهُ. ومن يرسل الدلو يستقي ماء يُقَالُ: أدلى الرجل دلوه إذا ألقاها في البئر ودلاها إذا نزعها ومعنى دلونا في قول عُمَر أقبلنا به وسرنا قَالَ الفراء الدلو السير الرويد وأنشد:
لا تعجلا بالسير وادلواها1
وَقَالَ غيره الدلو السير2 الرفيق وكلاهما واحد وقال الراجز:
لا تقلواها وادلوها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا3
__________
1 اللسان والتاج "دلو" دون عزو وفي الجمهرة "3/164".
لا تقلوها وادلواها ... لبئسما بطء ولا ترعاها
وجاء فيها: ادلواها: ارفقا بها.
2 ح, ط: "السوق الرفبق".
3 اللسان "غدو" برواية "لا تغلواها".

(2/244)


حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ إِمَامٌ تَخَافُ عَتْرَسَتُهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ رَبِّ السموات ... ".
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سليمان في حديث عبد الله أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ إِمَامٌ تَخَافُ عَتْرَسَتُهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ كُنْ لِي جَارًا مِنْ فُلانٍ1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سويد عن عبد الله.
العترسة القسر والغلبة وبه سمي الأسد عنتريسا كما لقسره يسمى قسورة وكما لحدارته يسمى حيدرة والحادر الغليظ.
والعنتريس من نعت الإبل وهو الشديد ويقال: الجريء.
وقد روينا عن عبد الله بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي سَفَرٍ فَسُرِقَتْ عَيْبَةٌ لِي وَمَعَنَا رَجُلٌ يُتَّهَمُ فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ أَرَدْتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ آتِي بِهِ مَصْفُودًا قَالَ: تَأْتِينِي بِهِ مَصْفُودًا تَعْتَرِسُهُ فَغَضِبَ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ2.
والمصفود المقيد والصفد ساكنة الفاء القيد. والصفد مفتوحها العطاء يُقَالُ: صفدته من القيد وأصفدته من العطاء قال الشاعر:
__________
1 كنز العمال "2/661" بلفظ "تغطرسه" بدل "عترسته" وفي الجامع الكبير "2/534" بلفظ "بطشه".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/217" إلا أن فيه "عبد الله بن أبي عامر" بدل "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ".

(2/246)


وأصفدني على الزمانة قائدا1
وَقَالَ النابغة:
هذا الثناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد2
__________
1 اللسان والتاج "صفد" وصدره "تضيفه يوما فقرب مقعدي" وهو للأعشى في العطية يمدح رجلا, والبيت في الديوان "65" – ط: النموزجية.
2 الديوان "24" وشعراء النصرانية "4/66*".

(2/247)


وَقَالَ أبو سليمان في حديث عبد الله أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْتَ لِي عَدُوٌّ فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا بِالإِسْلامِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الحسن بن سهل المجوز أخبرنا شعيث بن محرز أخبرنا شُعْبَةُ قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ أَخْبَرَنِي قَالَ قَالَ أَبُو وَائَلٍ سمعت عبد الله يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ شُعْبَةُ وَهَذَا حَدِيثٌ شَدِيدٌ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وجه هذا والله أعلم أَنَّهُ أراد كفران النعمة لأن اللَّه جل وعز قد من على المسلمين بما جمعهم عليه من ألفة الإسلام فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 2 إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخوانا فمن جهل هذه النعمة ولم يعظم موقع المنة فيها فقد قابلها بالكفران ولو أراد الكفر المطلق الَّذِي هو الخروج من الملة لأشبه
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معحمه لوحة "142" – أ.
2 سورة الأحزاب: "9".

(2/248)


أن يقول كفرا وكفر بالله وإنما قَالَ: فقد كفر بالإسلام إشارة إلى هذا المعني والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون المعنى في تكفيره إياه أن كان أراد بالكفر خروجه من الملة أَنَّهُ مكذب بالقرآن فقد أخبر اللَّه في كتابة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1 وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2 فمن جعل بعضهم أعداء بعض فقد كذب بالقرآن والمكذب به كافر.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "قِتَالُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ" 3 فَمَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لَهُ وَالتَّغْلِيظُ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَالْكُفْرِ فَلا تُقَاتِلُهُ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: الْفَقْرُ الْمَوْتُ أَيْ كالموت ونظير هذا قوله: "كُفْرٌ بِاللَّهِ انْتِفَاءٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ وَادِّعَاءُ نَسَبٍ لا يُعْرَفُ" 4. أَيْ كَالْكُفْرِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ مَنِ ادَّعَى نَسَبًا لا يُعْرَفُ كَانَ كَافِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْكَلامِ كَثِيرٌ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" 5 فَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ لا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا بِهِ أَنْ تُقَاتِلُوا وَيَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ بهذا الكلام أهل الردة.
__________
1 سورة الحجرات: "10".
2 سورة التوبة: "71".
3 أخرجه البخاري في مواضع منها الفتن "9/63ط ومسلم في الإيمان "1/81" والترمذي في البر والصلة "4/353" وابن ماجة في المقدمة "1/27" وغيرهم.
4 أخرجه الدارمي في الفرائض "2/344" عن أبي بكر الصديق وابن مسعود وأحمد في مسنده "2/215" وعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده.
5 أخرجه اليخاري في موايضع منها الفتن "9/63" ومسلم في الإيمان "1/82" والترمذي في الفتن "4/486" وأبو داود في السنة "4/221" وغيرهم.

(2/249)


أَخْبَرَنِي إبراهيم بن فراس سمعت موسى بن هارون يقول هؤلاء أهل الردة قتلهم أَبُو بَكْر وقد قيل معنى قوله كفارا متكفرين بالسلاح أي لابسين له.
قَالَ بعض أهل اللغة إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا قيل قد كفر فهو كافر وقال: كل ما غطى شيئا فقد كفره قَالَ الشاعر:
قد درست غير رماد مكفور ... مكتئب اللون مروح ممطور1
يريد أن الريح سفت عليه التراب فوارته به قَالَ: ومن هذا اشتقاق الكافر وذلك أنه غطى نعمة اللَّه ولم يظهرها.
وَقَالَ بعضهم: الكافر بمعنى المكفور فاعل بمعنى مفعول وذلك أَنَّهُ مغمور على قلبه مغطى عليه.
وَقَوْلُهُ فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا بِالإِسْلامِ أَرَادَ بِهِ الْقَائِلَ دُونَ الْمَقُولِ لَهُ وَمِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي كَلامِهَا وَتَرْكُ التَّصْرِيحِ بِالسُّوءِ وَهُوَ كَقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِرَجُلٍ قَدْ عَلِمَتَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: إِنَّ أَحَدَنَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْنِيهِ بِذَلِكَ وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ وَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2.
__________
1 اللسان والتاج "كفر" وقبله "هل يعرف الدار بأعلى ذي القور".
2 سورة سبأ: "24".

(2/250)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "مَحَاشُّ النِّسَاءِ عَلَيْكُمْ حرام1"
__________
1 أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار "3/46" عن أبي بشر الرقي عن أبي ... =

(2/250)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٌ عَنْ أبي القعقاع عن عبد الله.
يريد الأدبار والمحشة الدبر وهي المحسة أيضا ومن أسمائها التينة والرماعة والعفاقة ومنه قولهم للرجل كذبت عفاقته.
__________
= معاوية, والبيهقي في سننه "7/199" وأخرجه الطيراني مرفوعا عن جابر برواية "نهى عن محاش النساء" كما في مجمع الزوائد "4/299".

(2/251)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ ذَكَرَ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ الرُّومَ وَفَتْحَ قُسْطَنْطِينِيَّةِ فَقَالَ: يَسْتَمِدُّ الْمُسْلِمُونَ1 بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَلْتَقُونَ تُشْرَطُ2 شُرْطَةٌ لِلْمَوْتِ لا يَرْجِعُونَ إِلا غَالِبِينَ3.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الشرطة أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة قَالَ الهذلي:
ألا لله درك من ... فتى قوم إذا رهبوا
فكان أخي لشرطتهم ... إذا يدعى لها يثب4
__________
1 ح: "المؤمنون".
2 ح: "تشريط شرطة الموت".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/385 – 387" بلفظ "فيقتلون" بدل "فيلتقون" وأخرجه مسلم في الفتن "4/2223" باختلاف بعض الألفاظ وكذلك الإمام أحمد في مسنده "1/435" والحاكم في المستدرك "4/477" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/534" والحديث في الفائق "شرط" "2/238" وجاء في الشرح يقال: أشرط نفسه لكذا إذا أعلمها له وأعدها فحذف المفعول.
4 شرح أشعار الهذليين "1/426" والشعر لأبي العيال الهذلي والبيت الثاني برواية:
فلم يوجد لشرطتهم ... فتى فيهم وقد ندبوا

(2/251)


[96] / وإنما سموا شرطة لتقدمهم أمام الجيش1 ولذلك سمي قرنا الحمل الشرطين وهو أول نجم من الربيع.
قَالَ بعض أهل اللغة ومن هذا سمي نخبة أصحاب السلطان الشرط وذلك لأنه قد رتبهم ببابه وقدمهم على غيرهم من جنده وأنكر ما ذهب إليه أَبُو عبيد من أنهم سموا شرطا لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامة عرفوا بها وأنكر قوله في أشراط الساعة أنها علاماتها وأن يكون الاشتراط الَّذِي يشترطه الناس بعضهم على بعض من هذا قال: وذلك لأن الشرط يجمع على الشروط لا على الأشراط قَالَ: وإنما الأشراط جمع الشرط مفتوحة الراء قَالَ: والشرط الدون من كل شيء وأنشد للكميت:
وجدت الناس غير بني نزار ... ولم أذممهم شرطا ودونا2
قَالَ: فأشراط الساعة ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة قَالَ: فأما قول الشاعر:
فأشرط فيها نفسه وهو معصم ... وألقى بأسباب له وتوكلا3
وتأويل أبي عبيد أَنَّهُ أعلم نفسه فغلط قَالَ: ومعناه أَنَّهُ استخف بنفسه واستهان بها فجعلها شرطا كشرط المال.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ: هم الشرط والنسبة إليهم شرطي والشرطة والنسبة إليهم شرطي ويقال:
__________
= وجاء بعده:
فكنت فتاهم فيها ... إذا تدعى لها تثب
1 الفائق "شرط" سموا بذلك لأنهم يشرطون أنفسهم للهلكة.
2 شعر كمنت "2/629".
3 اللسان والتاج "شرط" وعزي لأوس بن حجر وهو في ديوانه "87".

(2/252)


مطر أشراطي إذا نسب إلى نوء الشرطين ورجل شريطي إذا كان يعمل الشرط وهي جمع شريطة وهي العيبة.

(2/253)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ زِيَادًا الْيَرْبُوعِيَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكَبِهِ وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: اعْلُ عَنَّجِ1.
هَكَذَا حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ علي بن عبد العزيز أخبرنا حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أخبرنا سيار بن سلامة أَبُو الْمِنْهَالِ عَنْ رَفِيعِ أَبِي الْعَالِيَةِ.
قوله عنج إنما هو عني أبدل الياء جيما وهو لغة لبعضهم وأنشدوا في ذلك:
يا رب إن كنت قبلت حجتج ... فلا يزال راكب يأتيك بج2
فأما الذين من لغتهم أن يجعلوا الياء الثقيلة جيما أعجمية فهم قوم من ربيعة وأنشدوا لهم:
المطعمون اللحم بالعشج ... وبالغداة فلق البرنج3
فأما من يجعل كاف المخاطبة جيما فهم قبائل من اليمن ولقد رأيت رجلا منهم يسأل بعض الفقهاء عَنْ مسألة فَقَالَ له: أصلحج الله ماتقول في كذا يريد أصلحك اللَّه وعلى هذا رووا حديث عائشة: "إيذني له فإنه عمج".
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/57" بلفظ "اعل عني".
2 نوادر أبي زيد "164" برواية "فلا يزال شاحج".
3 اللسان والتاج "برن" برواية "المطمعان" وجاء قبل البيتين "خالي عويف وأبو علج" أراد أبو علي وبالعشي والبرني.

(2/253)


حَدَّثَنِيهُ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ أهل مدينة السلام أخبرنا محمد بن عمر البجيري أخبرنا عبيد بن محمد الكشوري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَرَأْنَا على مطهر أخبرنا هِشَامٌ الْقُرَدُوسِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة عن أبيه عن الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي قُعَيْسٍ أَرْضَعَتْنِي وَإِنَّ أَخًا لأَبِي قُعَيْسٍ يَأْتِينِي فَيَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فقال النبي: "ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمَّجِ" يُرِيدُ عَمَّكِ1 وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قبل بعض النقلة وكان لا يَتَكَلَّمُ إِلا بِاللُّغَةِ الْعَالِيَةِ.
[97] فأما الذين من لغتهم أن يجعلوا / كاف خطاب المؤنث شينا فهم بكر وتُسَمَّى هذه كشكشة وبها قرأ من قرأ منهم: "إن اللَّه اصطفاش وطهرش"2.
وَأَخْبَرَنِي محمد بن الرهني أخبرنا ابن دريد أخبرنا أبو حاتم أخبرنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: أَيُّ النَّاسِ أَفْصَحُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ السِّمَاطِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ارْتَفَعُوا عَنْ فُرَاتِيَّةِ الْعِرَاقِ وَتَيَاسَرُوا عَنْ كَشْكَشَةِ بَكْرٍ وَتَيَامَنُوا عَنْ عَنْعَنَةِ تَمِيمٍ لَيْسَ فِيهِمْ غمغمة قضاعة ولا طمطانية حِمْيَرَ قَالَ: فَمَنْ هُمْ قَالَ قَوْمُكَ قُرَيْشٌ3.
وَقَوْلُهُ: أعل عني معناه تنح عني قَالَ الكسائي يُقَالُ: أعل عَنِ الوسادة وعال عنها أي تنح عنها.
__________
1 لم أقف عليه بلفظ "عمج" وأخرجه مالك في الموطأ "2/601" والبخاري في النكاح "7/49" ومسلم في الرضاع "2/1070" والدارمي في النكاح "2/156" وغيرهم بلفظ "عمك".
2 سورة آل عمران "42".
3 العقد الفريد "3/320".

(2/254)


وقَالَ غيره يُقَالُ: علوت عَنِ1 الوسادة إذا ارتفعت عنها وأعليت عنها إذا نزلت قَالَ: وإذا وقع ثوب الرجل تحت رجل آخر قَالَ له: أعل عَنْ ثوبي أي خل عنه.
وَقَالَ بعضهم: قول الناس تعال بمعنى أقبل إنما هو تفاعل من العلو أي ارتفع قَالَ الفراء ثم كثر استعماله حتى جعلوه بمنزلة أقبل.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ومن هذا قول أبي سفيان بن حرب لعمر يوم أحد أنعمت فعال عنها.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا جَرَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مَا جَرَى مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَثْلِ أَقْبَلَ أَبُو سفيان وهو يقال: اعْلُ هُبَلَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانُ: أَنْعَمَتْ فَعَالِ عَنْهَا2.
ومعنى هذا الكلام أن الرجل من قريش كان إذا أراد أن يبتدىء أمرا عمد إلى سهمين من سهامه فكتب على أحدهما نعم وعلى الآخر لا ثم يتقدم إلى هذا الصنم فيجيل سهامه فإن خرج سهم الإنعام أقدم على أمره وتم لوجهه وإن خرج السهم الزاجر تركه وأعرض عنه وهو معنى ما ذكره اللَّه في كتابه من استقسامهم بالأزلام وهي القداح التي كانوا يحيلونها ويسمونها أيضا الأقلام لأنهم كانوا يكتبون عليها بأقلامهم نعم ولا ومن هذا قوله تعالى:
__________
1 ط: "علوت على الوسادة إذا ارتفعت عليها.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/366" بلفظ "أنعمت عينا" بدل "أنعمت فعال عنها" في حديث طويل وقد أخرجه الواقدي في مغازيه "1/297" بهذا اللفظ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "4/38" بلفظ "أنعمت" فقط وانظر الفائق "هبل" "4/88, 89".

(2/255)


{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 1 يريد والله أعلم سهامهم حين أقرعوا أيهم يكفلها أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب عَنِ ابن نَجْدَة عَنْ أَبِي زيد:
إن امرأ أمن الحوادث سالما ... ورجا الخلود كضارب بقداح
يريد أَنَّهُ في جهله كمن يستفتي الصنم ويستقسم بالأزلام وكان أَبُو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد امتنعت عليه رجال قومه لما أصابهم من البلية يوم بدر فواضعهم على أن يستفتي هذا الصنم فخرج له سهم الإنعام فاستجر بذلك قريشا وقادهم إلى أحد فذلك قوله أنعمت فعال عنها أي تجاف عنها ولا تذكرها بسوء فقد صدقت في فتواها.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِكَسْرِ هُبَلَ فَكُسِّرَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ قَدْ كُسِّرَ هُبَلُ أَمَا إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ مِنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فِي غُرُورٍ حِينَ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ دع هذا [98] عنك يابن الْعَوَّامِ / فَقَدْ أَرَى لَوْ كَانَ مَعَ إِلَهِ مُحَمَّدٍ غَيْرُهُ لَكَانَ غير ما كان2.
__________
1 سورة آل عمران: "44".
2 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/832" بلفظ.

(2/256)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَتَعَاجَمُ أَنَّ مَلِكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ1
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلِيلٍ أخبرنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شُرَيْكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافَعٍ عن عبد الله
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال في "12/599" وعزاه لابن عساكر.

(2/256)


قَوْلُهُ: نَتَعَاجَمُ أَيْ نُكَنِّي وَنُوَرِّي وكل من كنى عَنْ شيء وأخفى بيانه فلم يفصح به فقد أعجمه قَالَ ذو الرمة:
أُحِبُّ المَكانَ القَفْرَ من أجْل أَنَّني ... بِهِ أتَغنَّى باسمها غَيْرَ معجم1
وإنما قيل للبهيمة عجماء لأنه لا بيان لصوتها ويقال: رجل أعجم إذا كان في لسانه عجمة قَالَ كثير:
وما زال كتمانيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم
وأخبرنا ابن مالك أخبرنا الدغولي عن المازني أخبرنا الأصمعي قَالَ: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء وبين مُحَمَّد بن مسعر الفدكي فَقَالَ أَبُو عمرو ما تقول قَالَ: أقول إن اللَّه وعد وعدا وأوعد إيعادا فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده فَقَالَ أَبُو عمرو: إنك رجل أعجم لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب إن العرب تعد الرجوع عَنِ الوعد لؤما وعَنِ الإيعاد كرما وأنشد:
فإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي2
ويقال: رجل أعجم إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل أعجمي وعجمي إذا كان أصله من العجم وإن كان فصيح اللسان.
قَالَ الفراء: ويقال: رجل أعرابي إذا نسب إلى أَنَّهُ من أعراب البادية وعربي إذا نسبته إلى آبائه من العرب فإذا كان يتكلم بالعربية وهو من العجم قلت عرباني.
__________
1 الديوان "628" وتقدم في الجزء الأول لوحة "246".
2 اللسان والتاج "وعد" وروي الشطر الثاني فيهما "لأخلف إيعادي وأنجز موعدي".
وعزي لعامر بن الطفيل وهو في ديوانه يرواية اللسان.

(2/257)


وحدثني عبد العزيز بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ لا نَشُكُّ أَنَّ السَّكِينَةَ تَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ عمر رضي الله عنه1.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "12/601" وعزاه للطبراني في الأوسط.

(2/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَ لَهَا الْخَلِيلُ تَلْبِسُ الْقَالِبَيْنِ تَطَاوَلُ بِهِمَا لِخَلِيلِهَا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ"1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابن مسعود قال فقلت لعبد الرزاق مَا الْقَالِبَيْنِ قَالَ: رَقِيصَيْنِ مِنْ خَشَبٍ. الرَّقِيصُ النَّعْلُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَبَنُو أَسَدٍ يُسَمُّونَ النَّعْلَ الْغَرِيفَةَ وَإِنَّمَا أُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ عُقُوبَةً لَهُنَّ لِئَلا يَشْهَدْنَ الْجَمَاعَةَ مع الرجال.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/149" بلفظ: "فقلنا لأبي بكر" بدل "فقلت لعبد الرزاق" وأشار الحافظ في الفتح "1/341" في كتاب الحيض إلى هذا الحديث فقال: أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح.

(2/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّكُمْ مَعَاشِرَ هَمْدَانَ مِنْ أَحْجَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ يَمُوتُ أَحَدُكُمْ وَلا يَتْرُكُ عَصَبَةً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيُوصِ بِمَالِهِ كُلِّهِ"1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سفيان أخبرنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شرحبيل عن عبد الله.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "1/60" وأخرجه بنحوه الطبراني كما في مجمع الزوائد "4/212".

(2/258)


قوله أحجى معناه أولى وأجدر قَالَ الأعشي:
أم الصبر أحجى فإن امرأ ... سينفعه علمه إن علم1
ويقال أحج بذاك وأعس به وأحر به وأقمن به وأجدر به وأخلق به كله بمعنى التعجب ويقال: [99] هو حجي أن يفعل وعسي ومنهم من يحذف الياء فيقول حج وعس ومنهم من يقول حجي وحرى.
قَالَ ابن كيسان: أصله من الحجى وهو العقل يراد أن العقل يوجب فعله. قال: وأما عسي فهو من قولك عسى أن يقوم زيد أي مظنون به لذلك وذكر في سائرهن اشتقاقا لا يعتمد أكثره.
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأي أن بطلان الوصية بأكثر من الثلث إنما هو لحق الوارث فإذا لم تكن ورثة كان لصاحب المال أن يضعه حيث شاء وفيه أَنَّهُ لم يأمر برد ماله إلى القبيلة إذا لم يكن له قعود2 في النسب.
__________
1 الديوان "196".
2 القاموس "قعد" قعيد النسب وقعدد وقعدد ... قريب الآباء من الجد الأكبر والقعدد: البعيد الآباء منه "ضد".

(2/259)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: سَرْجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَحْلٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ1.
قَالَ أَبُو عبيد: كأنه كره المحمل.
قَالَ ابن قتيبة: المحامل إنما أحدثت في زمن الحجاج فكيف يكره ابن مسعود ما لم يره ولم يحدث في زمانه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد كانت المحامل قبل زمان الحجاج وإنما كان من الحجاج فيها أَنَّهُ أمر بإحكام صنعتها والزيادة في قدرها والتوسيع لها لينام المسافر فيها فعلى هذا المعنى نسبت إليه والأمر في ذلك بين عند أصحاب المعرفة بالأخبار وأهل العناية فيها وفي ذلك يقول بعضهم:
ومحملا أترص حجاجيا
أي أحكم وسوي وكانوا قبل يسمون المحامل الملابن قَالَ الراجز:
لا يحمل الملبن إلا الجرشع2
__________
1 أخرجه أبو عبيد في عريبه "4/113" ولم أقف عليه في غريب الحديث لابن قتيبة.
2 الجمهرة "1/328" وبعده "المكرب الأوظفة الموقع" وعزي لمسعود بن وكيع.

(2/261)


يريد الضخم من الإبل ولم يزل من عادة العرب أن يتخذوا لأسفارهم المراكب والمشاجر والهوادج ويركب فيها الشيوخ والنساء والضعفة فأما الملابن فإنما كان يتخذها أهل الترفه والنعمة ومن مال إلى الدعة فيهم وكل هذه المراكب على اختلافها في القدر والسعة محامل وإن كانت قد تختلف في الأسماء لما لها من اختلاف الصنعة والتركيب والهيئة وإذا كانت هذه الأمور موجودة في الزمان الأول وكان معلوما أنهم إنما كانوا يتخذونها طلبا لراحة الدعة وهربا من تعب المشقة وكان الأمر في الرحل بخلافها لقلة ارتفاق المسافر به وعدم الدِّعة في ركوبه وكانت الإشارة من عبد الله للحاج1 إليه إنَّمَا هو لأن يقل حظه من الدعة2 والراحة وليمسه طرف من المشقة فيكون أفضل لحجه وأكثر لأجره فقد عقل أن الَّذِي أحدثه الناس بعد من المحامل والكنائس والعماريات داخل تحت هذا المعنى الَّذِي أشار عبد الله إليه ولاحق بحكمه فعلى هذا المعنى تأول أَبُو عبيد الحديث وأضاف إلى عبد الله كراهية المحمل وإن كان هذا النوع من المحامل غير موجود في زمانه.
وَنَظِيرُ هَذَا فِي الحَدِيثُ أن رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه قَدْ نَهَى عَنْ إِسْبَالِ الإِزَارِ لأنه من المخيلة قال: "لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلاءَ", وَقَالَ: "فَضْلُ الإِزَارِ فِي النَّارِ" 3 وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي عَهْدِه إِنَّمَا يَلْبِسُونَ الأَرديَةَ وَالأُزِرِ فلما لبس الناس المقطعات وصار عامة لباسهم القمص واتخذوا الدراريع4 وأذالوها واستعملوا محدث اللباس كان حكمها حكم الإزار في كراهة السدل والتذييل فكان للمستدل أن يستبدل فيها بخبر الإزار وأن
__________
1 س, ط: "للحجاج".
2 من ط.
3 أخرجه البخاري في اللباس "7:182 – 183" عن ابن عمر وأبي هريرة ومسلم في اللباس "3/1651 – 1653" وأبو داود في اللباس "4/56" وغيرهم.
4 ح: "الدرائع" وفي القاموس "درع" الدراعة: ثوب من صوف.

(2/262)


يمد بحكمه عليها وإن يضيف النهي عنها والكراهية لها إلى رسول الله إذ كانت كلها داخلة في معنى ما نهى عنه من ذلك.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ما قاله رسول الله فِي الإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ1.
وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحَاجُّ, فَقَالَ: "الأَشْعَثُ التَّفِلُ" 2 يُرِيدُ أَنَّ مِنْ صِفَةِ الْحَاجِّ أَنْ يَهْجُرَ الطِّيبَ وَالدُّهْنَ حَتَّى يَشْعَثَ بَدَنُهُ وَتَتَغَيَّرَ رَائِحَتُهُ ولو استدل مستدل بها على أَنَّهُ كره للحاج استعمال / الغالية [101] وتغليف رأسه بها لكان مصيبا في الاستدلال واضعا في موضعه وإن كانت الغالية إنما أحدثت بعد عصره بزمان طويل وإنما يذكر أنها صنعت لبعض ملوك بني مروان هشام أو غيره وأنهم لما رفعوا الحساب فيها وقد أكثروا النفقة عليها قَالَ هذه غالية فلقبت بها.
وَقِيلَ لِرَسُولِ الله وَقَدْ وَكَفَ مَسْجِدُهُ أَلا نَرْفَعُ لَكَ هَذَا الْمَسْجِدَ وَنُصْلِحُهُ فَقَالَ: "لا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى" 3.
فلو اقتضي مقتض من هذا نهيه عَنْ تنجيد المساجد وتزويقها واتخاذها بمشاوب الذهب كان مصيبا في ذلك وإن لم يكن شيء منها معهودا في ذلك الزمان وإنما أحدث تزويق المساجد فيما يذكر الوليد بن عَبْد الملك وأنكر فعله فيها أكثر العلماء ومثل هذا كثير والأمر فيه بين واضح إن شاء اللَّه.
__________
1 أخرجه أبو داود في اللباس "4/60" والبخاري بنحوه في اللباس أيضا "7/183" وأحمد في مسنده "2/110 – 137".
2 أخرجه الترمذي في التفسير "5/115" وابن ماجة في المناسك "2/966".
3 ذكره السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير "4/311" بلفظ "عرش كعرش موسى" وبلفظ "عريش كعريش موسى" وعزاه للبيهقي عن سالم بن عطية مرسلا وانطر صحيح الجامع الصغير "4/30".
وهو في الفائق "وشع" "4/62" برواية "خشبات وثمامات وعريش كعريش موسى" وفي النهاية "وشع" "5/188" والقاموس "عرش": العرش: البيت الذي يستظل به.

(2/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ ابْنَ مُعَيْزٍ1 السَّعْدِيَّ قَالَ خَرَجْتُ سَحَرًا أَسَقِّدُ بِفَرَسٍ لِي فَمَرَرْتُ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فسمتهم يَذْكُرُونَ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ نبي فأتيت عبد الله بْنَ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِمِ الشُّرْطَ فَجَاؤُوا بِهِمْ فَاسْتَتَابَهُمْ قَالَ فَتَابُوا فَخَلَّى عَنْهُمْ وَقَدِمَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ2.
حَدَّثَنِيهُ الأَزْهَرِيُّ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السلمي3 أخبرنا أبو الصلت أخبرنا أبو بكر بن عياش أنبأنا عَاصِمُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْزٍ السَّعْدِيِّ.
قوله أسقد فرسا أي أضمره والسقدد الفرس المضمر يُقَالُ سقده وسلقده أي ضمره.
__________
1 في جميع النسخ ابن معير "تصحيف" والمثبت من طبقات ابن سعد "6/196" وفي المستبه "2/598" "وتصغير معز: عبد الله بن معيز السعدي عن ابن مسعود وعنه أبو وائل.
2 أخرجه ابن سعد في طبقاته "6/196" مختصرا بلفظ "خرجت أسفد فرسا لي بالسحر قال: فَمَرَرْتُ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ.
3 س: "محمد بن عبد الرحمن الشامي" والمثبت من ح, ط.

(2/264)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ بِابْنِ أَخِيهِ وهو سكران فأمر عبد الله بِسَوْطٍ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ قَالَ لِلْجَلادِ اضْرِبْ وَارْجِعْ يَدَيْكَ ثُمَّ قَالَ بِئْسَ لَعَمْرِو اللَّهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ هَذَا مَا أَدَّبْتَ فَأَحْسَنْتَ الأَدْبَ وَلا سَتَرْتَ الْخَرْبَةَ فَقَالَ يا أبا عبد الرحمن أَنَّهُ لابْنُ أَخِي وَإِنِّي لأَجِدُ لَهُ مِنَ الَّلاعَةِ مَا أَجِدُ لولدي ولكن لم آله1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/380 – 372" في حديث طويل بلفظ "اللوعة" بدل "اللاعة" والبيهقي في سننه "8/326, 331" والحميدي في مسنده "1/48" مع اخبلاف في بعض الألفاظ وهو في مجمع الزوائد "6/275 – 276" والجامع الكبير "2/538".

(2/264)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عبد الله التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ أَبُو مَاجِدٍ ارْجِعْ يَدَيْكَ يُرِيدُ لا تَتَمَتَّى.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يريد أَنَّهُ لا يرفع يديه ولا يمدهما إذا أرادت1 الضرب والتمتي. هو التَّمَطِّي يُقَالُ مط ومت ومد بمعنى واحد ومنه قولهم مت فلان إلى فلان بحرمه أي مد إليه بها وتقرب بسببها.
قَالَ الفراء: إنما قيل تمطى الرجل لأنه يمد مطاه أي ظهره يُقَالُ منه مطوت أمطوا وَقَالَ أَبُو عبيدة تمطى أصله تمطط فاستثقلوا الجمع بين الطاءات فقالوا: تمطى كقوله:
تقضي البازي إذا البازي كسر2
وثمرة السوط عذبته وهي طرفه المرسل قَالَ الشاعر:
وإذا الركاب تكلفتها عطفت ... ثمر السياط قطوفها ووساعها3
ومن هذه ثمرة اللسان وهي عذبته وَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ آخِذًا بِثَمَرَةِ لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَكَ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَأَمْسِكْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ4.
/ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ خَيْرَانَ الأبلي أخبرنا إبراهيم بن فهد أخبرنا معاذ بن [102]
__________
1 ط: "أراد".
2 اللسان والتاج "قضى كسر" وعزى للعجاج وهو في ديوانه "28" وقبله: "إذا الكرام ابتدروا الباع بدر".
3 الأساس "ثمر" دون عزو.
4 أخرجه بن المبارك في الزهد "125 – 126" وأحمد في كتاب الزهد كذلك: 189" وأبو تعيم في حلية الأولياء "1/328".

(2/265)


أسد أخبرنا ابن المبارك أخبرنا سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
والخربة العورة وأصلها العيب والفساد يُقَالُ ما في فلان خربة أي عيب والخارب اللص1 ويقال أصل الخرابة في سرقة الإبل خاصة قَالَ الشاعر:
والخارب اللص يحب الخاربا ... وتلك قربى مثل أن تناسبا
وتشبه الضرائب الضرائبا2
واللاعة ما يجده الإنسان من الحرقة لحميمه مثل اللوعة يُقَالُ لاعني الشيء يلوعني وفيه لغة أخرى لاع يلاع وقد لعت من الشيء فأنا لائع ولاع مقلوب كما قالوا: جرف هائر وهار قَالَ الشاعر:
ولا فرح بخير إن أتاه ... ولا جزع من الحدثان لاع3
وَقَالَ الأعشى يصف أتانا:
ملمع لاعة الفؤاد إلى جحش ... فلاه عنها فبئس الفالي4
أي لائعة الفؤاد محترقة على ولدها
__________
1 س, ط: "اللص الفاسد".
2 الكامل للمبرد "3/43" برواية "أن تشبه الضرائب الضرائبا".
3 اللسان والتاج "لوع" وعزى لمرداس بن حصين.
4 الديوان "165".

(2/266)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ: الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ وَشَرُّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ وَمَنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزُهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إِلا دُبْرًا وَلا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا مُهَاجِرًا1.
أخبرناه ابن الأعرابي أنبأنا بن عفان العامري2 ناعبد الله بن نمير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس أخبرنا إياس3 عن عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ.
إنما جعل الشباب شعبة من الجنون لأن الجنون آفة تنال العقل فتزيله وكذلك الشباب قد يسرع إلى غلبة العقل بماله من قوة الميل إلى الشهوات وشدة النزاع إليها وهذا كقولهم4: الغضب جنون ساعة وإنما سمي المجنون مجنونا لأنه قد أطبق على عقله وأصله من الجن وهو الستر ولذلك سمي الترس مجنا والقبر جننا قَالَ المقنع الكندي.
والصاحب السوء كالداء العياء إذا ... ما ارفض في الجسم يجري هاهنا وهنا
فذاك إن عاش كن منه بمعزلة ... أو مات يوما فلا تشهد له جننا5
وَقَوْلُهُ شر الروايا روايا الكذب فإنها جمع روية وهو ما يروي فيه الإنسان ويقدمه من الفكر أمام العمل إذا أرده يقال روأت في الأمر
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/138" في خطبة طويلة وفيها: "ومن يتول الدنيا" بدل "ومن ينو الدنيا" وكذلك فيها: "ولا يذكر الله إلا هجرا" بدل "مهاجرا" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/554".
2 ح: "الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ العامري".
3 ح, ط: "أناس".
4 ح: "كقول بعضهم".
5 الشغر والشعراء لابن قتيبة "ترجمة المقنع الكندي" "2/740" يرواية:
وصاحب السوء كالداء العياء إذا ... ما ارفض من الجلد يحري ها هنا وهنا
إن يحيى ذلك فكن منه بمعزلة ... أو مات ذاك فلا تشهد له جننا
يريد: لا تشهد جنازته ودفنه.

(2/267)


وتركوا الهمز في الروية يريد أن من شر الأمور وأضرها أن تكذب روية الإنسان وتفسد نيته لأنها الأصل الَّذِي يصدر عنه فعله والمقدمة التي يبني عليها أمره.
وَقَالَ بعضهم: الروايا جمع راوية يريد الكذب في الحديث والتزيد فيه. وقولهُ من ينو الدُّنْيَا تعجزه أي من يسع لها يخب يُقَالُ نويت الشيء إذا جددت في طلبه ولي عند فلان نية ونواة أي طلبة وحاجة قال كثير:
وإن الَّذِي ينوي من المال أهلها ... أوارك لما تأتلف وعوادي1
يريد الَّذِي يطلب أهلها من المهر
[103] يقول: / من جد في طلب الدُّنْيَا ليبلغ الغاية منها أعجزته فلا تجدوا في طلبها ولا تحرصوا عليها.
وَقَوْلُهُ ومن النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إلا دبرا يروى على وجهين بفتح الدال وضمها ودبر الشيء ودبره آخره يريد أَنَّهُ لا يأتي الصلاة في أول وقتها لكن يغفلها حتى إذا أدبرت صلاها في آخر وقتها وبهذا وصف اللَّه المنافقين فَقَالَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} 2 قَالَ أَبُو زيد فلان لا يصلى الصلاة إلا دبريا أي في آخر وقتها قَالَ والمحدثون يقولون دبريا
وروى ابن الأنباري دبريا ودبريا ودبريا والمعنى أن يأتيها في آخر وقتها
__________
1 إصلاح المنطق "310 – 375" وملحقات الديوان "444" واللسان والتاج "أرك, عدا".
2 سورة النساء: "142".

(2/268)


فأما قولهم شر الرأي الدبري فإنه بفتح الدال والباء.
وَقَوْلُهُ ومن الناس من لا يذكر اللَّه إلا مهاجرا فمعناه هجران القلب. يريد أَنَّهُ لا يطمئن قلبه إلى الذكر ولا ينشرح صدره به وهذا أيضا مما نعت به المنافقين فَقَالَ {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} 1 {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} 2 يريد ذكر القلب والله أعلم.
__________
1 سورة الفتح: "11".
2 سورة النساء: "142".

(2/269)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ دَافَّ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَالُ داففت الرجل أدافه إذا أجهزت عليه أي قتلته ومثله ذففت عليه وهي أشهر اللغتين وإنما صادفه ابن مسعود صريعا فأجهز عليه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى الشيباني أخبرنا الصائغ أخبرنا الحزامي أخبرنا وكيع أخبرنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ أَقْعَصَ ابْنَا عَفْرَاءَ أَبَا جَهْلٍ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ2.
والإقعاص إعجال القتل قَالَ النابغة:
لما رأي واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود3
يريد أنهما كانا أثخناه4
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/91" بلفظ "وذافه بن مسعود".
2 كنز العمال "10/418".
3 الديوان "12" وشعراء النصرانية "4/662".
4 ط, ح: "قد أدفناه".

(2/269)


وروي الواقدي عَنِ ابن أبي الزناد قَالَ قَالَ معاذ بن عمرو بن الجموح نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة فصمدت له حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه فضربته ضربة طرحت رجله من الساق فشبهتها النواة تنزو من تحت المراضخ1 وهي جمع المرضخة وهي حجر يرضخ به النوى وهى المرضاخ أيضا.
وفي قصة أبي جهل يوم بدر أَنَّهُ لما رأي الدبرة قَالَ أن اللَّه قد أراد لقريش التؤلة.
قَالَ أَبُو عُمَر التؤلة مضمومة التاء مهموزة الداهية المنكرة فأما التولة فضرب من السحر وقد فسره أَبُو عبيد فِي حَدِيثِ ابن مسعود رضي الله عنه2.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/87".
2 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/50" بلفظ "إن التمائم زالرقى والتولة من الشرك" وأحمد في مسنده "1/381" وأبو داود قي الطب "4/9" وغيرهم, والحديث في الفائق "تول" "1/157" وفي القاموس "دبر" الدبرة: العاقبة والهزيمة في القتال.

(2/270)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله إِنَّ ظِئْرًا لَهُ قَالَتْ إِنَّ ابْنَتَكَ سَقَطَتْ لَهَاتُهَا أَفَأَقْطَعُهَا قَالَ لا تَقْطَعِيهَا فَإِنَّهَا إِنْ يَكُنْ لَهَا بَقِيَّةٌ مِنْ عُمْرٍ فَسَوْفَ تَبْلُغُهَا وَإِلا فَمَا رَابَكِ إِلَى قطعها1
حدثنيه ابن مالك أنبأنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ سَهْلِ أَبِي أَسَدٍ عن عبد الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ.
قوله ما رابك هكذا يرويه أصحاب الحديث وإنما وجه الكلام ما إربك أي ما حاجتك إلى قطعها [104] والإرب الحاجة وفي بعض /
__________
1النهاية "ريب" "2/287".

(2/270)


الأمثال: "مأرب لا حفاوة"1 يضرب للرجل يتملقك وهو لا يحبك يراد إنما تملقك لحاجَةٍ لا لحب.
__________
1 جمهرة الأمثال 2/230, المستقصى 2/309, اللسان والتاج "أرب".

(2/271)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ لأَبِي الْعُبَيْدَيْنِ إِذَا ضَنُّوا عَلَيْكَ بِالْمُطَلْفَحَةِ فَكُلْ رَغِيفَكَ وَرِدِ النَّهْرَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ دِينَكَ1.
حدثنيه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانَ عن عبد الله بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: قَالَ عبد الله: هَكَذَا قَالَ: المطلفحة الطاء قبل اللام والفاء وأراها المفلطحة وهي الرقاقة التي قد فلطحت أي دحيت وبسطت يُقَالُ فلطحت الرقاقة إذا بسطتها وقد يحتمل أن يكون هذا من المقلوب فيقال فلطحت وطلفحت بمعنى واحد كقولهم جذب وجبذ ونحوها.
__________
1 أخرحه ابن سعد في طبقاته "6/193" بلفظ "بالمفلطحة".

(2/271)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أسلم1
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا أبو نعيم أخبرنا زُهَيْرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْقَاسِمِ عن عبد الله لم يرد عبد الله بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ أَوَّلُ النَّاسِ إسلاما إذا كَانَ مَسْبُوقًا فَجَمَاعَةٌ2مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ تَقَدَّمَ إِسْلامُهُمْ لَهُ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَهَذَا عَلَى مَجَازِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} 3يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُؤْمِنِي أَهْلِ
__________
1 النهاية "سلم" "2/395".
2 ط: "بجماعة".
3 سورة لأعراف: "143".

(2/271)


زَمَانِهِ وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الإِسْلامِ وَيُرْوَى عنه أنه قال أنبأنا سَادِسُ سِتَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وقد اختلفت الروايات في أول من أسلم من الصحابة فروى راوون أن أبا بكر أولهم إسلاما وآخرون أن عليا أول من أسلم وروى بعضهم أن أول من أسلم خديجة بنت خويلد.
وقد جمع بعض العلماء بين هذه الروايات وتحرى التوفيق بينهما فَقَالَ أول من أسلم من الرجال البالغين وذوي الأسنان أَبُو بَكْر وأول من أسلم من الأحداث علي ومن النساء خديجة.
ويروى أن عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين هذا قول الأكثر من الرواة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الغفار بن داود أخبرنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ1 وَغَيْرُهُ أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً2.
وروى بعضهم أنه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا أولى بالفضيلة لأنه إذا كان أكبر كان أعقل لما يأتيه من ذلك وأوكد لما يعتقده منه والله أعلم.
__________
1 تاريخ ابن معين "3/49" "أبو الأسد" تحريف وفي التقريب "2/185" محمد بن عبد الرخمن بن نوفل الأسدي المدني يتيم عروة ثقة مات سنة بضع وثلاثين.
2 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/49".

(2/272)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى سَوَاءِ جَهَنَّمَ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ الْمُرْهِفِ مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ قَالَ: فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ التَّئِقِ الْجَوَّادِ1.
حَدَّثْتُ به عن علي بن عبد العزيز أخبرنا حجاج بن منهال أخبرنا حماد بن زيد أخبرنا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بن حبيش عن عبد الله.
قوله سواء جهنم أي متن جهنم وسواء كل شيء وسطه.
أخبرني الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى أخبرنا الأصمعي قَالَ: قَالَ عيسى بن عُمَر: لقد كتبت حتى انقطع سوائي.
وَقَوْلُهُ مدحضة أي مزلة يُقَالُ: دحض الرجل إذا زل قدمه وقد أدحضت حجة فلان إذا أزللتها وأبطلتها ويقال: هذا مزلة ومزلة لغتان.
والفرس التئق هو النشيط الشديد الجري يقال: فرس تئق وتائق قَالَ امرؤ القيس:
فإما تريني اليوم في رأس شاهق ... فقد أغتدي أقود أجرد تائقا2
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "10/359" برواية "السيف الرهف" و "كحري الفرس" وعزاه للطبراني.
2 الديوان "195".

(2/247)


ويقال: إن الفرس التئق إنما هو الممتلىء نشاطا ومرحا وأصل التأق الامتلاء يُقَالُ: أتأقت الإناء إذا ملأته وهو متأق قَالَ الأعشى:
وظلت شعيب عذبة الماء عندنا ... وأسحم مملوء من الراح متأق1
ويروى متأق.
وفي بعض الأمثال أنت تئق وأنا مئق فمتي نتفق2 أي أنك ذو كبر وأنا ذو أنفة فكيف الائتلاف مع هذا. والمأقة الأنفة وعم بعض أهل اللغة أن المائق مأخوذ من هذا قَالَ: وتفسيره السيىء الخلق.
__________
1 الديوان "118" برواية "غربة الماء" بدل "عذبة الماء".
2 جمهرة الأمثال "1/106" محمع الأمثال "1/47" المستقصى "1/379" اللسان "تأق, مأق".

(2/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ طُولَ الصَّلاةِ وَقِصَرَ الْخُطْبَةِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرجل1".
قال أبو عبيدة: مئنة معناه مظنة ومعلم واحتج بقول المرار:
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/61" والبيهقي في سننه الكبرى "3/208" وابن أبي شيبة في مصنفه "2/114" وذكره الهيثمي في مجمعه "2/190" عن ابن مسعود مرفوعا بنخوه مع زيادة وقال: رواه البزار وروى الطبراني بعضه موقوفا في الكبير.

(2/259)


فتهامسوا سرا فقالوا: عرسوا ... من غير تمئنة لغير معرس1
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا غلط فاحش والعجب من ابن قتيبة يترك مثل هذا من غلط أبي عبيد لا يعرض له ثم يعنق في خلافه والاعتراض عليه فيما لا طائل له ونسأل اللَّه التوفيق. وموضع الغلط فيه أَنَّهُ جعل عروض تمئنة عروض معلم ومظنة وجعل مبني مئنة من المأن على أن تكون الميم فيها أصلية وليس هو كذلك وإنما هو تمئنة تفعله من المأن على وزن الشأن. وهو من الثلاثي المعتل الحشو ومعناه التهيئة تقول العرب: ما مأنت مأنه ولا شأنت شأنه أي ما علمت علمه ولا تهيأت له. ومئنة مفعلة من الأن على وزن العن من باب المضعف فأين يلتقيان.
فأما اشتقاقها فإنه لم يبلغني فيه عَنْ أحد من علماء اللغة شيء أعتمده إلا أن بعض أهل النظر زعم أنها مبنية من أنية الشيء بمعنى الإثبات له وتحريره2 أن يُقَالُ: أَنَّهُ كذا.
أَخْبَرَنِي من يوثق بعلمه من أهل اللغة أَنَّهُ وجد هذا الحرف لأبي الْحَسَن اللحياني في باب الحروف التي تعاقب فيه الظاء والهمزة قَالَ يُقَالُ: بيت حسن الأهرة والظهرة وهي متاع البيت وقد أفر وظفر إذا وثب ويقال: هو مئنة أن يفعل ذاك ومظنة أن يفعل ذاك كقولك مخلقة ومجدرة فكأن الهمزة عنده مبدلة من الظاء.
ونظير هذا لأبي عبيد حرف آخر ذكره فِي حَدِيثِ عمران بن حصين وهو قوله: "إن في المعاريض مندوحة عَنِ الكذب"3.
__________
1 اللسان "أنن, مأن, همس" وفي كتاب شعراء أمويين "459" وانظر اللسان مادة "مأن".
2 س: "وتحزيره".
3 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/287".

(2/260)


قَالَ أَبُو عبيد مندوحة السعة قَالَ: ومن هذا انداح بطنه واندحى وليس الأمر على ما توهمه مندوحة من الثلاثي الصحيح من قولك ندحت الشيء إذا وسعته. يُقَالُ: واد نادح أي واسع وأرض مندوحة أي واسعة ويقال للرجل إنك لفي ندحة ومندوحة من هذا الأمر أي في سعة وقولهم انداح بطنه واندحى من المعتل يُقَالُ: دحوت الشيء إذا بسطته ووسعته كالرقاقة تدحوها ومنه أدحي النعام وهو موضع بيضها وذلك أنها تدحوه وتوسعه يُقَالُ: / دحوت الشيء فاندحى. [100]

(2/261)


حديث أبي ذر حندب بْنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ قَعْنَبَ قَالَ: أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ وَأَدْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ...
...
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ قَعْنَبَ قَالَ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ وَأَدْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ثُمَّ عَاجَ رَأْسَهُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَأَمَرَهَا بِطَعَامٍ فَجَاءَتْ بِثَرِيدَةٍ كَأَنَّهَا قَطَاةٌ فَقَالَ كُلْ وَلا أَهُولَنَّكَ فَإِنِّي صَائِمٌ فَجَعَلَ يُهَذِّبُ الرُّكُوعَ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ / عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبَ. [105]
قوله عاج رأسه إلى المرأة أي التفت إليها. يُقَالُ عجت الناقة إذا عطفتها بزمامها أعوجها قَالَ نصيب:
فعاجوا فاثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب2
ويقال ناقة عاج بغير هاء أي منقادة مطواع ومن هذا قولهم ما أعوج بكلام فلان أي ما ألتفت إليه قَالَ يعقوب هكذا يقول بنو أسد يأخذونه من عجت الناقة. قال وغيرهم يقولون ما أعيج من كلامه بشيء أي ما أعبأ به.
قَالَ أَبُو عمر يقال عجت إلى فلان فما عجت بشيء أي ما انتفعت منه بشيء.
وَقَوْلُهُ يهذب الركوع أي يتابع الركوع في سرعة يُقَالُ أهذب
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/150" في حديث طويل.
2 شعر نصيب "59" من قصيدة يمدح فيها سليمان بن عيد الملك وسبق في الجزء الأول لوحة "252".

(2/273)


الرجل في سيرة وأهرب وألهب بمعنى واحد ويقال أهذب الظليم إذا جفل قَالَ امرؤ القيس:
فللزجر ألهوب وللساق درة ... وللسوط منه وقع أخرج مهذب1
ويقال أهذب الفرس في جريه والطائر في طيرانه والمتكلم في خطبته بمعنى أسرع.
__________
1 الديوان "387" دار المعارف بالقاهرة زفي ط "الجزائر" "143" برواية:
فللساق ألهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب
وجاء في الشرح: الألهوب: شدة جري الفرس والدرة: الدفعة, والأخرج: الظليم, والإهذاب: الإسراع في الطيران والعدو.

(2/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ: فِرْقٌ لَنَا وَذَوْدٌ قِيلَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّمَا سَأَلْتُكَ عَنْ صَامِتِ الْمَالِ قَالَ: مَا أَصْبَحَ لا أَمْسَى وَمَا أَمْسَى لا أَصْبَحَ1.
يَرْوِيهِ مِسْلِمُ بن إبراهيم أخبرنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ يَزِيدَ بن عبد الله بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرَّفٍ.
الفرق القطعة من الغنم قَالَ الشاعر:
كأني إذ أتيتهم بفرقي ... أتيتهم بأثقل من نضاد2
ونضاد جبل يُقَالُ فرق من الطير وفريق وفرقة وفرق من الناس كذلك.
وَقَالَ أعرابي لصبيان رآهم هؤلاء فرق سوء.
والذود من الإبل ما دون العشرة اسم جماعة لا واحد لها من لفظه كالإبل ويجمع على الأذواد قَالَ الشاعر:
يا صاحبي ألا لاحيَّ بالوادي ... إلا عبيد وآم بين أذواد3
وَقَوْلُهُ ما أصبح لا أمسى يريد لم يمس وقد تقع لا في ماضي الفعل بمعنى لم كقوله:
وأي عَبْد لك لا ألما4
__________
1 الفائق "فرق" "3/111" والنهاية "فرق" "3/440".
2 معجم ما استعجم "نضاد" "4/1311" برواية "لفرقي" ولم يعز والفرق: القطعة من الغنم ونضاد: جبل.
3 اللسان والتاج "أما" وعزي للسليك.
4 اللسان والتاج "لمم" رجز لأبي خراش الهذلي وجاء قبل:
لاهم هذ خامس إن تما ... أتمه الله وقد أتما
إِن تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغفِرْ جَمَّا ... وأَيُّ عَبْدٍ لك لا أَلمَّا

(2/275)


أي لم يلم بذنب ولم يقارف1 إثما وَقَالَ آخر:
زنا عَلَى أبيهِ ثُمَّ قَتلَهْ ... فأَيُّ فعل سيىء لا فعله2
وتقع لم بمعنى لا كقولك ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن أي ما لا يشاء لا يكون.
يريد أَبُو ذر أنه لا يدخر صامتا ولا يمسكه تمام يوم أو ليلة إنما يصطرف منه ما ينفقه لوقته.
__________
1 س: "ولم يقارب" والمثبت من ح, ".
2 البيت الأول في اللسان "زنى" وفيه: زنى عليه: ضيق وجاء في مادة "زنأ" وعزي للعفيف العبدي قال: وأصله زنأ بالهمز, قال ابن كميت: إنما ترك همزه ضرورة والبيتان في شرح شواهد المغني "212 – 213" ضمن أربعة ألبيات قالها في الحارث بن أبي شمر الغساني الأعرج: وقال ابن الشجري في آماله: يروى بتخفيف النون في زنى وتشديدها, فمن خففها فمعناه زنى بامرأة, ومن رآه مشددا فأصله زنأ مهموزا ومعناه ضيق عليه وهذا القول أوجه وسبق هذا الرجز في الجزء الأول لوحة "193".

(2/276)


[106] وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ / فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ أُحِبُّ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ وَأُحِبُّ الْغَثْرَاءَ1
حَدَّثَنِيهُ محمد بن سعدويه أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى أنبأنا حُمَيْدٌ النَّحْوِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ الأصمعي: الغثراء من الناس الغوغاء وَقَالَ أَبُو زيد هم الكثير المختلطون وَقَالَ بعض أهل اللغة إنما سميت العامة الغثراء لغلبة الجهل عليها يُقَالُ رجل أغثر إذا كان جاهلا وامرأة غثراء وفي فلان غثارة ولم يرد أَبُو ذر بالغثراء هاهنا الغوغاء والجهال وإنما أراد بها عامة الناس ودهماءهم وأراد بالمحبة المناصحة لهم والشفقة عليهم ويقال إنهم إنما سموا
__________
1الفائق "غثر" "3/54" والتهاية "3/343".

(2/276)


الغثراء لكثرتهم ووفور عددهم. يُقَالُ: شاة غثراء إذا كانت كثيرة الصوف وكساء أغثر إذا غلظ صوفه وكثر زئبره.
أَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ هم الغثراء والبغثاء والبرشاء.

(2/277)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ لَحِبيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ: يُوَاقفكُمْ عَدُوُّكُمْ حَلَبَ شَاةٍ نَثُورٍ قَالَ أي وَاللَّهِ وَأَرْبَعُ عُزُزٍ1 فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ غَلَلْتُمْ وَاللَّهِ. وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حَلَبَ شَاةٍ فَتُوحٍ2.
يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حبيب بن عبيد الرحبي عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ. النثور الواسعة الإحليل وسميت نثورا لغزارتها وسهولة خروج اللبن من إحليلها كأنها تنثره نثرا ويقال امرأة نثور إذا كانت كثيرة الولد.
قَالَ أَبُو زيد والفتوح الواسعة الإحليل وهي الثرور أيضا ويقال فتحت الشاة وأفتحت قَالَ والحصور الضيقة الإحليل وقد حصرت وأحصرت والعزز جمع عزوز وهى البكئة التي تجهد في الحلب يُقَالُ عزت الشاة وأعزت وتعززت.
__________
1 ح: "عزوز".
2 الفائق "حلب" "1/309" والنهاية "حلب" "1/423".
3 أخرجه النسائي في الصوم "4/219" الجزء المرفوع فقط وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/644" بنحوه وعزاه لابن جرير.

(2/283)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ وَقَرَّبَ أَصْحَابُهُ السُّفْرَةَ وَدَعَوْهُ إِلَيْهَا فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَلَمَّا فَرَغُوا جَعَلَ يَنْقُدُ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِمْ فَقَالُوا: أَلَمْ تَقُلْ إِنَّكَ صَائِمٌ فَقَالَ صَدَقْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه يَقُولُ: "مَنْ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَقَدْ تَمَّ له صوم الشهر" 1.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن ابن المبارك أنبأنا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ هَكَذَا قال عبد العزيز يَنْقُدُ بِالدَّالِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْقُرُ
__________
1 أخرجه النسائي في الصوم "4/219" الجزء المرفوع فقط وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/644" بنحوه وعزاه لابن جرير.

(2/283)


[109] إما ينقد فله معنيان / أحدهما أن يرمق الشيء ببصره يُقَالُ نقد الرجل بعينه إلى الشيء ينقد نقودا وهو أن يديم النظر إليه اختلاسا كي لا يفطن له يريد أَنَّهُ كان يرمق طعامهم ويراعيه كأنه يريد أن يتناوله سرا والمعنى الآخر أن يكون من قولك نقدت الشيء بإصبعي أنقده ونقد الطائر الحب ينقده إذا كان يلقطه واحدا واحدا ومن هذا نقد الدراهم. وَقَالَ أَبُو الدرداء إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك يريد عبتهم واغتبتهم.
فأما النفر في الطعام فإنما يكون بمعنى التخير منه كأنه ينقره بإصبعه يستطرف منه يُقَالُ نقر الرجل في الطعام إذا تعلل بالشيء بعد الشيء منه.
وحدثونا عَنِ الكديمي حدثنا الأصمعي قَالَ مررت بأعلى الخريبة فنظرت إلى أعرابي يسأل فأخذت بيده فأتيت به المنزل فقدمت إليه الطعام فجعل ينقره فقلت له ألا تستوفي الأكل فجثا على ركبتيه ثم قَالَ:
إني على ما كان من هزال1 وقله اللحم على أوصالي أجثو على الركبة وأعظم اللقمة فإن يكن صاحبي كريما فسره اللَّه وإن كان لئيما فأعضه اللَّه بكيت.
والنقر أيضا بمعنى العيب قَالَ ابن السكيت نقرت الرجل أنقره نقرا إذا عبته قَالَ وقالت امرأة لزوجها مر بي على بني نظري ولا تمر بي على بنات نقرى أي مر بي على الرجال الذين ينظرون إلى ولا تمر بي على النساء اللواتي يعبن كل من مر بهن.
__________
1 ح: "هزالى".

(2/284)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ خَرَجَ فِي لقاح رسول الله وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرَّبُوهَا إِلَى الْغَابَةِ تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَعْدُو فِي الشَّجَرِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَإِنِّي لَفِي مَنْزِلِي وَاللِّقَاحُ قَدْ رُوِّحَتْ وَعُطِّنَتْ وَحُلِبَتْ عَتْمَتُهَا وَنِمْنَا فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ أَحْدَقَ بِنَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا وَاسْتَاقُوا اللِّقَاحَ وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيه طُولٍ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله قال لي "إي أخاف عليك من هَذَهِ الضَّاحِيَةِ أَنْ يَغِيرَ عَلَيْكَ عيينة" 1
رويه الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ.
اللقاح جمع لقحة وهي التي نتجت حديثا فهي لقحة ولقوح شهرين أو ثلاثة ثم هي لبون بعد ذلك.
وَقَوْلُهُ تعدو في الشجر معناه تقيم وترعى ويقال للإبل المقيمة في الخلة العوادي والخلة من النبات ما لا ملوحة فيه يُقَالُ إبِلٌ عادِيَةٌ وعَوَادٍ.
وَقَالَ ابن الأعرابي يُقَالُ للخلة العدوة فإذا رعتها الإبل فهي عواد فإذا كانت الإبل مقيمة في الحمض وهو من النبات ما فيه ملوحة قيل إبل أوارك وقد أدركت تارك إذا قامت في الحمض قال كثير:
وإن الَّذِي ينوي من المال أهلها ... أوارك لما تأتلف وعوادي2
وَقَوْلُهُ روحت أي رُدَّت من العشي
وعطنت أي أنيخت في مباركها وأصل العطن مناخ الإبل حول البئر ثم صار كل منزل لها يسمى
__________
1 أخرحه الواقدي في المغازي "2/538" في حديث طويل وفي الفائق "لقح" "3/328".
2 سبق تخريجه في هذا الجزء لوحة "102".

(2/285)


[110] عطنا / وورد النهي عَنِ الصلاة في أعطان الإبل يريد مباركها حيث كانت ورخص في الصلاة في مرابض الغنم وذلك لأن الإبل قد يسرع إليها النفار فالمُصَلى في أعطانها وبالقرب منها على وجل أن تفسد صلاته وهذا المعنى مأمون على الغنم فلذلك لم تكره الصلاة في مرابضها وزعم بعض أهل العلم أن المعنى في ذلك أن الإبل إنما تناخ في السهولة وتؤوي إلى الدماث وأنها إذا بولت1 لم تبن آثار النجاسة منها لأن الدماث تنشفها فنهى عَنِ الصلاة فيها لئلا يكون على نجاسة وأما الغنم فإن مرابضها إنما تكون في منون الأرض والأماكن الصلبة فلا تخفي آثار أبوالها ولا يعجز المصلى أن يتوقاها قَالَ ولم ترد الرخصة في أحدهما والتغليظ في الآخر. لأن بينهما فرقا في النجاسة والطهارة لأن الأمة2 في تنجيس بول ما يؤكل لحمه وتطهيره على قولين إما قائل بتطهيره أو بتنجيسه وإما قائل بفرق بين نوع ونوع ومنه في حكم الطهارة والنجاسة فلا نعلمه.
وفيه قول ثالث ذهب إليه بعض الفقهاء قَالَ الأعطان في هذا الحديث إنما أريد بها المواضع التي تحط الرحال وتوضع عَنِ الإبل الحمولة فيها قَالَ وإنما كرهت الصلاة في تلك البقعة لأن الناس في الأسفار إنما ينزلون بين ظهراني الإبل وبالقرب من مناخها فلا تكاد تخلو تلك البقعة من آثار النجاسة لأن براز القوم إنما يكون في الغالب بالقرب منها.
وَقَوْلُهُ: حلبت عتمتها فإن أصل العتمة ظلمة الليل. يُقَالُ عتم الليل إذا أظلم وقد أعتم الناس إذا دخلوا في ظلمة الليل وكان يحلبون
__________
1 ط: "بالت".
2 ط: الأصل".

(2/286)


الإبل في ذلك الوقت ويسمون تلك الحلبة العتمة وكانوا يؤخرونها إلى ذلك الوقت ليحضر الغائب ويطرق الضيف فيسقي اللبن.
والضاحية الناحية البارزة التي لا ستر دونها ولا حائل.

(2/287)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا عِنْدَنَا مِنْهُ عِلْمٌ1.
يَرْوِيهِ سُفْيَانُ عَنْ فِطْرٍ2 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
معناه أَنَّهُ قد استوفي بيان الشريعة حتى لم يغادر منه شيئا مشكلا وبين لهم أحكام الطير وما يحل ويحرم وكيف يذبح الطير ويذكى وما الذي يدى إذا أصابه المحرم مما لا يغدى منها إلى ما أشبه هذا من أمرها ولم يرد أن في الطير علما سوى هذا علمه إياهم ورخص لهم أن يتعاطوا زجر الطير الَّذِي كان أهل الجاهلية يعدونه علما ويظنونه حقا بل أبطله وزجر عنه
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/153, 162" بلفظ "تركنا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما, وابن سعد في طبقاته "2/354" عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ منذر الثوري عن أبي ذر.
2 التقريب "2/114" فطر بن خليفة المخزومي صدوق رمي بالتشيع: مات سنة 150 هـ.

(2/287)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ تَرَكَ أَتَانَيْنِ وعفوا1.
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدوري2 أخبرنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ.
العفو الجحش قَالَ الفراء وفيه ثلاث لغات وهو العفو والعفو والعفا وأنشد:
بضرب يزيل الهام عَنْ سكناته ... وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق3
قَالَ الأصمعي: العفو الذكر من الحمار والأنثى عفوة قَالَ والجحش من حين تضعه أمه إلى أن يفصل من الرضاع قَالَ فإذا استكمل الحول فهو تولب والهنبر الجحش أيضا ويقال للأتان أم الهنبر.
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/251" رقم "1177" وابن سعد في طبقاته "4/231".
2 ح: العباس بن محمد الدوري.
3 اللسان والتاج "عفا" وعزي لأبي الطمحان بن شرقي.

(2/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ التَّاجِرَ فَاجِرٌ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا عبد الله بن الصقر أخبرنا هناد بن السري أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عبد الله بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْفَارِسِ الأَبْلَقِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
التاجر عندهم الخمار اسم يخصونه من بين التجار قَالَ الشاعر:
وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأن عثنونه أذناب أجمال2
وَقَالَ الأسود بن يعفر:
ولقد أروح على التجار مرجلا ... مذلا بمالي لينا أجيادي3
فإن كان هو المراد فمن البين أَنَّهُ محل للفجور وموضع له وفيه وجه آخر وهو أشبه بمعنى الحديث وهو أن يكون أراد بالتاجر كل من تجر في مال
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/648" وعزاه لابن النجار بزيادة في آخره وفجور: أن يزين سلعته مما ليس فيها.
2 الكامل للمبرد "2/181" وعزي لقيس بن عاصم. قال المبرد: قال ذلك لأن ذنب البعير يضرب إلى الصهبة وفيه استواء وهو يشبه اللحية.
3 اللسان والتاج "تجر" وعزي للأسود ين يعقر, وفي المفضليات "218" وأصل المذل القلق, أي يقلق بماله حتى ينفقه والأجياد جمع جيد, وهو العنق وإنما أتى به مجموعا إرادة لجيده وما حوله ولين الجيد كناية عن الشباب. وفي اللسان: أنه أراد ميل عنقه من السكر.

(2/277)


وتصرف في بيع وشراء وإنما جعله فاجرا لأن البيع والشراء مظنة للفجور لكثرة ما يجري في البيوع من الأيمان الكاذبة ولما يقع فيها من الغبن والتدليس ولما يشوبها ويدخلها من الربا الَّذِي لا يتحاشاه كثير من التجار بل لا يشعرون به ولا يفطنون لموضعه لدقة علمه ولطف مسلكه.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا يُفْتِي وَيُسْتَفْتَى ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى. وقِيلَ لِلْحَسَنِ أَنُصَلِّي خَلْفَ الصَّيْرَفِّيِّ فَقَالَ ذَاكَ الْفَاسِقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ تَاجِرٍ بِعَيْنِهِ فَاجِرٌ وَلا أَنَّ التِّجَارَةَ فُجُورٌ وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَمَّا كَثُرَ وُجُودُهَا فِي التُّجَّارِ أُضِيفَتْ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ وَصَارَتْ سِمَةً لِعَامَّتِهِمْ وَهَذَا كَقَوْلِهِ أَكْثَرُ مُنَافِقِي هَذِهِ الأُمَّةِ قُرَّاؤُهَا1.
لم يرد بهذا أن القراءة نفاق وأن القارىء منافق وإنما أراد أن الرياء في القراء كثير والإخلاص فيهم قليل والرياء من صفة المنافقين قَالَ اللَّه تعالى: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} 2.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسَدِ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ شَيْخًا [107] يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الدرداء وأظنه شهر ابن حَوْشَبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه: "الزَّرْعُ أَمَانَةٌ / وَالتَّاجِرُ فَاجِرٌ" 3. فَجَعَلَ الأَمَانَةَ فِي الزَّرْعِ لِسَلامَتِهِ مِنْ هَذِهِ الآفَاتِ وَجَعَلَ الْفُجُورَ فِي التِّجَارَةِ. لِمَا يُعْرَضُ فِيهَا مِنَ الأسباب التي ذكرناها
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "2/175" من حديث عَبْد اللَّه بن عمرو وفي "4/151 – 155" من حديث عقبة بن عامر.
2 سورة النساء: "142".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/459".

(2/278)


وأصل الفجور الميل والعدول وإنما قيل للكذب الفجور وللكاذب الفاجر لميله عَنِ الصدق وعدوله عنه ومنه قول مطرف المعاذر مفاجر يريد أن العذر يشوبه الكذب.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الأَعْرَابِيِّ فِي عمر. حدثناه ابن الزيبقي أخبرنا إبراهيم بن فهد أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا جرير أخبرنا يَعْلِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَتَى أَعْرَابِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ إِنَّ أَهْلِي بَعِيدٌ وَإِنِّي عَلَى نَاقَةٍ دَبْرَاءَ عَجْفَاءَ نَقْبَاءَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى بَعِيرٍ فَظَنَّ أَنَّهُ كَذِبَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ فَانْطَلَقَ الأَعْرَابِيُّ فَحَمَلَ بَعِيرَهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْبَطْحَاءَ فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ يَمْشِي خَلْفَ بَعِيرِهِ:
أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ
مَا إِنْ بِهَا مِنْ نَقْبٍ وَلا دَبَرْ
اغْفِرْ لَه اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ1
وَعُمَرُ مُقْبِلٌ مِنْ أَعْلَى الْوَادِي يَمْشِي فَجَعَلَ إِذَا قَالَ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ قَالَ اللَّهُمَّ صَدَقَ حَتَّى الْتَقَيَا فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ ضَعْ عَنْ رَاحِلَتِكَ فَوَضَعَ فَإِذَا هِيَ نَقْبَةٌ عَجْفَاءُ دَبْرَةٌ فَانْطَلَق فَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ وَزَوَّدَهُ وَكَسَاهُ وَخَلَّى عَنْهُ2. يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إِنْ كَانَ فَجَرَ أَيْ مَالَ عَنِ الصِّدْقِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
حدثناه الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا أسد3 بن موسى أخبرنا شعبة بن يزيد بن
__________
1 الرجز في اللسان والتاج "فجر" برواية "ما مسها من نقب ولا دبر".
2 ذكره المتقي في كنز العمال "12/646" عن محمد بن سيرين وعزاه للحارث, وذكره أيضا في "12/650" عن أبي كبشة وعزاه للحاكم في الكنى, والطبري في تاريخه "4/203" عن الشعبي.
3 س: أسد بن سليمان "تحريف" والمثبت من ط, ح والتقريب "1/63" وفيه وهو ... =

(2/279)


خُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَوْسَطَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه عَامًا أَوَّلَ مَقَامِي هَذَا فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ" 1. ألا تراه جعل الفجور في حيز الكذب كما جعل البر في حيز الصدق يريد بذلك تأويل قوله {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 2.
ومما يدل على صحة ما اخترناه من القول الآخر في تأويل حديث أبي ذر حديث قيس بن أبي غرزة حَدَّثَنَاهُ ابن الأعرابي فيما أحسب أخبرنا ابن أبي ميسرة أخبرنا الحميدي أخبرنا سفيان أخبرنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بْنُ أَعْيَنَ3 وَعَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ أَبِي وَائِلٍ يَقُولُ سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي غُرَزَةَ يَقُولُ: كُنَّا نُسَمَّى السَّمَاسِرَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَتَانَا وَنَحْنُ بِالْبَقِيعِ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ: يامعشر التُّجَّارِ فَاسْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ فشوبوه بالصدقة" 4.
__________
= أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن داود الأموي أسد السنة مات سنة 212 وله ثمانون سنة.
1 أخرجه أحمد في مسنده "1/11" بلفظ: "عليكم بالصدق والبر فإنهما في الجنة وإياكم والكذب والفجور فإنهما في النار".
2 سورة الانفطار:"14".
3 في التقريب "1/517" "عبد الملك بن أعين الكوفي مولى بني شيبان صدوق شيعي مات بعد المائة.
4 أخرجه الحميدي في مسنده "1/208" بلفظ "فاجتمعنا إليه" بدل "فاستمعنا إليه" والترمذي في البيوع "3/505" وأبو داود في البيوع "3/242" والنسائي في الإيمان "7/14" والبيوع أيضا "7/247" وابن ماجة في التجارات "2/725" وأحمد في مسنده "4/6, 280" والحاكم في مستدركه "2/5".

(2/280)


والسماسرة واحدهم سمسار ويقال له: السفسير أيضا والسمسرة عندهم بمعنى البيع والشراء وأنشد أَبُو زيد لبعض الأعراب:
قد أمرتني زوجتي بالسمسرة ... فكان ما ربحت وسط العيثره
وفي الزحام إن وضعت عشره1
ويقال أَنَّهُ دخيل في كلام العرب. والسمسار عند العامة هو الَّذِي يتولى البيع والشراء لغيره وقد جاء في شعر الأعشى ما يشبه هذا المعنى وهو قوله:
فعشنا زمانا وما بيننا ... رسول يحدث أخبارها
/ وأصبحت لا أستطيع الجوا ... ب سوى أن أراجع سمسارها2 [108]
جعل السفير بينهما سمسارا
__________
1 ط: "العثيرة" بدل "العثيرة, والبيتان الثاني والثالث في اللسان "وضع" دون عزو.
2 الديوان "90" برواية "لا أستطيع الكلام".

(2/281)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ خُفَافَ بْنَ إِيمَاءَ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا يُصِيبُ الطَّرِيقَ وَكَانَ شُجَاعًا يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ وَيَغِيرُ عَلَى الصِّرْمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَذَفَ الإِسْلامَ فِي قلبه فسمع بالنبي فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَأَسْلَمَ1.
يَرْوِيهِ الواقدي أخبرنا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ2 بْنِ رَحْضَةَ الْغَفَّارِيِّ.
قَالَ: وحدثني أَبُو معشر أَنَّهُ لما خرج إلى مكة أخذ شيئا من البهش
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "4/222" وابن الجوزي في صفة الصفوة "1/585".
2 التقريب "1/224" خفاف بضم أوله وفائين ابن إيماء بكسر الهمزة بعدها تحتانية ساكنة الغفاري صحابي مات في خلافة عمر رضي الله عنه.

(2/281)


فتزوده إلى مكة1. الصرم النفر ينزلون بأهلهم على الماء يُقَالُ هم أهل صرم وتجمع على الأصرام وأما الصرمة بالهاء فالقطعة من الإبل يُقَالُ هي نحو الثلاثين من العدد يُقَالُ رجل مصرم إذا كان صاحب صرمة.
وعماية الصبح بقية ظلمة الليل قبل أن يسفر قَالَ الراعي:
حتى إذا نطق العصفور وانكشفت ... عماية الليل عنه وهو معتمد2
ويقال: فلان في عماية من أمره كما يُقَالُ في عمى3 من أمره ويقال لبقية ظلمة الليل بعد الفجر غبش فأما الغلس فبعيد ذلك.
وأخبرني عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَوْنَكَ بُسْتِي4 أخبرنا ابن الجنيد حدثنا محمد بن قوامة المروزي أخبرنا النضر بن شميل أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَنِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ لا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَبَشِ"5. قَالَ ذو الرمة:
كأن من الديباج جلدة وجهه ... إذا أسفرت أغباش ليل يماطله6
__________
1 أخرحه ابن سعد في طبقاته "4/223" وفي النهاية "بهش" "1/167" البهش: المقل الرطب.
2 الديوان "165".
3 ح: "في عماء".
4 ساقطة من ح.
5 أخرجه البخاري في مواضع منها مواقيت الصلاة "1/143" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "1/446" والترمذي في الصلاة "1/287" وأبو داود في الصلاة "1/115" والنسائي في المواقيت "1/271" وأحمد في مسنده "6/179, 248, 258" كلهم بلفظ: "الغلس" بدل: "الغبش".
6 الدبوان "471" برواية "جلدة رأسه".

(2/282)


حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ أُسَامَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمِيرُهَا غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ قَدْ أَحَاطُوا لَيْلا بالحاضر....
...
حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمِيرُهَا غَالِبُ بْنُ عبد الله وَأَنَّهُمْ قَدْ أَحَاطُوا لَيْلا بِالْحَاضِرِ وَفِي الْحَاضِرِ نَعَمٌ1 وَقَدْ عَطَّنُوا مُوَاشِيَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرِّجَالُ فَقَاتَلُوا سَاعَةً ثُمَّ وَلَّوْا قَالَ أُسَامَةُ [111] فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِ رَجُلٍ / مِنْهُمْ جَعَلَ يَتَهَكَّمُ بِي حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ وَلَحِمْتُهُ بِالسَّيْفِ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَلَمْ أُغْمِدْ عَنْهُ سَيْفِي حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوبَ2.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ محمد بن عبد الله بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الأَذَانَ.
الحاضر: الحي الحضور في المكان الَّذِي اتخذوه دارا اسم جامع لهم كالحاج والسامر ونحو ذلك وربما جعلوه اسما للمكان المحضور فاعلا بمعنى مفعول يُقَالُ نزلنا حاضر3 بني فلان قَالَ الشاعر:
لما نزلنا حاضر المدينة ... جاؤوا بعنز غثة سمينة4
أنشدني أَبُو عُمَر أنشدني ثعلب عَنِ ابن الأعرابي قلت لأبي المكارم كيف تكون العنز غثة سمينة قَالَ أراد أَنَّها كانت غثة مهزولة فرووها بالسمن
__________
1 ط: "بحاضر فعم" وفي س: "بحاضر نعم" والمثبت من مغازي الواقدي "2/724".
2 أخرجه الواقدي في مغازي "2/724".
3 س: "حاضرة".
4 اللسان والتاج "سمن" ضمن ستة أبيات.

(2/288)


وَقَوْلُهُ: عطنوا مواشيهم أي آووها إلى مراحها.
وَقَوْلُهُ: يتهكم بي أي يتعرض لي والتهكم التعرض للشر والاقتحام فيه وقد يجرى أيضا مجرى السخرية يُقَالُ تهكم فلان بفلان أي تهزأ به.
ومنه حديث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قَالَ: خرجت في سرية أميرها أَبُو قتادة فلقينا العدو فجعل رجل يتهكم بنا وهو يقول الجنة الجنة فرميته على جريداء متنه ثم رميته بنبلي حتى قتلته1.
يريد بقوله يتهكم يتهزأ بي ويسخر مني وجريداء المتن وسطه وهو موضع الفقار المتجرد عَنِ اللحم.
وَقَوْلُهُ: لحمته بالسيف أي أصبته به وهو من قولك لحمت الشيء إذا لأمته ويقال لحم الصائغ الفضة إذا لأمها ولاحمت الشيء بالشيء إذا ألصقته به فأما ألحمت بالألف فمعناه قتلت ويقال ألحمت القوم إذا قتلتهم حتى صاروا لحما ومنه الملاحم وهي الحروب التي يكثر فيها القتل واحدتها ملحمة.
وَقَوْلُهُ: أوردته شعوب يريد المنية وشعوب لا تصرف لأنها معرفة وسميت شعوب لأنها المفرقة للشمل يُقَالُ شعبت بين الشيئين إذا فرقت بينهما قَالَ الشاعر:
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصي ويلج في العصيان2
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/778 – 779".
2 اللسان والتاج "شعب" وهو لعلي بن غدير الغنوي, والبيان والتبيين "3/80".

(2/289)


ويقال أيضا: شعبت بمعنى جمعت وأصلحت والحرف من الأضداد.
وَمِنْ هذا حديث طلحة بن عبيد الله أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ مَالِكٍ أَقْبَلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ طَلْحَةُ: فَأَضْرِبُ عَرْقُوبَ فَرَسِهِ فَاكْتَسَعَتْ بِهِ فَمَا زِلْتُ وَاضِعًا رِجْلِي عَلَى خَدِّهِ حَتَّى أزرته شعوب1.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/255" بلفظ قال طلحة: "دلوني على محمد فأضرب عرقوب فرسه فانكسعت ثم أتناول رمحه فوالله ما أخطأت به عن حدقته فخار كما يخور الثور فما برحت به واضعا رجلي أَزَرْتُهُ شَعُوبَ".

(2/290)


حَدِيثُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ مُصَعْبٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: "كَانَ يُصِيبُنَا ظَلَفُ الْعَيْشِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا أَصَابَنَا البلاء اعتزمنا لذلك ... ".
...
حَدِيثُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُصَعْبٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَانَ يُصِيبُنَا ظَلَفُ الْعَيْشِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا أَصَابَنَا الْبَلاءُ اعْتَزَمْنَا لِذَلِكَ1 وَكَانَ مُصْعَبُ أَنْعَمُ غُلامٍ بِمَكَّةَ فَجُهِدَ فِي الإِسْلامِ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ جِلْدَهُ يَتَحَسَّفُ تَحَسُّفَ جِلْدِ الْحَيَّةِ عَنْهَا2.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ كَانَ مُصْعَبُ مْتُرَّفًا يُدَهَّنُ بِالْعَبِيرِ3 وَيُذَيَّلُ يُمْنَةَ الْيَمَنِ وَيَمْشِي فِي الْحَضْرَمِيِّ4 فَلَمَّا هاجر أصابه ظلف شديد فكان يَهْمَدُ مِنَ الْجُوعِ5.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعَطَارِدِيُّ أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ / عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ. [112]
وَالرِّوَايَةُ الأَخْرَى يَرْوِيهَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَاصِمِ بن عبيد الله عن عبد الله بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أبيه
__________
1 ح: "اعتزمنا بذلك" وفي الفائق "ظلف" "2/379" "اعتزمنا بذلك".
2 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة "5/182" وفيه: "اعتزفنا" بدل "اعتزمنا" وكذلك فيه "يتحشف" بدل "يتحسف".
3 ط:"بالبعير".
4 د: "ويمشي الحضرمي".
5 الفائق "ظلف" "2/379" والنهاية "ظلف" "3/159".

(2/291)


ظلف العيش بؤسه وشدته يُقَالُ رجل ظليف إذا كان سيىء الحال ومكان ظليف أي خشن وعر وقد ظلف الرجل نفسه إذا صرفها عَنِ النعيم إلى البؤس.
وَقَوْلُهُ اعتزمنا لذلك أي احتملناه وأطقناه وأصل العزم القوة قَالَ تأبط شرا:
وكنت إذا ما هممت اعتزمت ... وأولى إذا قلت أن أفعلا1
وَقَوْلُهُ: يَتَحَسَّف أي يتقشر جلده حتى يتساقط عنه ومنه الحسافة وهي سقاطة التمر ورديئه.
قَالَ الأصمعي: الحسافة ما سقط من التمر والجرامة ما التقط منه بعدما يصرم والحثالة الرديء من كل شيء والحفالة مثله.
وَقَوْلُهُ يذيل يمنة اليمن أي يلبسها ويتزر بها فيسدل ويطيل ذيلها وإنما هو من زي أهل الترفه قَالَ طرفه يصف قوما بذلك:
يلحفون الأرض هداب الأزر2
واليمنة ضرب من برود اليمن.
وَقَوْلُهُ كاد يهمد أي يهلك ويتلف يُقَالُ همد الثوب يهمد وهمدت النار تهمد همودا إذا طفئت.
__________
1 الشعر والشعراء لابن قتيبة "1/314" برواية "وأخر إذا قلت أن أفعلا".
2 الديوان "65" وتهذيب الأزهري "5/69" وصدره "ثم راحوا عبق المسك بَهْم".

(2/292)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُصْعَبٍ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: وَاللَّهِ لا أَلْبِسُ خِمَارًا وَلا أَسْتَظِلُّ أَبَدًا وَلا آكُلُ وَلا أَشْرَبُ حَتَّى تَدَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَكَانَتِ امْرَأَةً مَيْلَةً فَقَالَ أَخُوهُ أَبُو عُزَيْزِ بْنُ عُمَيْرٍ يَا أُمَّهْ دَعِينِي وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ غُلامٌ عَافٌ وَلَوْ أَصَابَهُ بَعْضُ الْجُوعِ لَتَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَحَبَسَهُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: ميلة أي ذات مال يُقَالُ رجل ميل من المال وامرأة ميلة كما قالوا: رجل صير من الصورة2 وشير من الشارة.
قَالَ الأصمعي: وأبو زيد مال الرجل يمال ويمول إذا صار ذا مال وملت أنبأنا وملت كذلك.
قال غيرهما: رَجُلٌ مَالٌ أي ذُو مالٍ كما قيل كبش صاف أي ذو صوف.
وَقَوْلُهُ3: أَنَّهُ غلام عاف أي وافر اللحم يريد أَنَّهُ رخص ناعم لا صبر له على الشدة وأصله من قولك عفا الشيء إذا كثر قَالَ اللَّه تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} 4 أي كثروا ونموا.
ويقال: عفا وبر البعير إذا طر وكثر ومثله عفا النبت قَالَ حميد بن ثور يصف دارا:
__________
1 ذكره السهلي في الروض الأنف "4/97" هذه القصة بمعناها, وأخرجه ابن سعد كذلك في طبقاته "3/116" بنعناها باختلاف في اللفظ عن إبراهيم العبدري عن أبيه.
2 د:"من الصور".
3 س: "ويقال".
4 سورة الأعراف: "95"
{َّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا}

(2/293)


عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت ... بها كبرياء الصعب فهي ركوب1
يقول: غطاها النبات والعشب كما طر وبر البعير ثم رجع إلى وصف الناقة وترك الدار فَقَالَ بها استكبار الصعب مما أجمت وهي ذلول.
__________
1 اللسان "عفا" والديوان "58".

(2/294)


حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ خَبَّابٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَهُ عِنْدَ قَاصٍ فَلَمَّا رَجَعَ اتَّزَرَ وَأَخَذَ السَّوْطَ وَقَالَ: "أَمَعَ الْعَمَالِقَةِ هذا قرن قد طلع".
...
حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَبَّابٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَهُ عِنْدَ قَاصٍ فَلَمَّا رَجَعَ اتَّزَرَ وَأَخَذَ السَّوْطَ وَقَالَ أَمَعَ1 الْعَمَالِقَةِ هَذَا قَرْنٌ قَدْ طَلَعَ2.
مِنْ حَدِيثِ شَرِيكِ عَنْ أَبِي سِنَانَ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ3 أَنَّ خَبَّابًا رَأَى ابْنَهُ عِنْدَ قَاصٍ.
العمالقة قوم من الجبابرة كانوا بالشام شبه بهم هؤلاء لما يوجد في بعضهم من الكبر / والاستطالة [113] على الناس وإنما ذم السلف هذا لما يقع فيه من الرياء والسمعة ولما يدخله من التصنع والتكلف وقد جاء لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو متكلف.
وَقَوْلُهُ: هذا قرن قد طلع معناه هذه بدعة قد ظهرت وأمر قد أحدث لم يكن في زمان رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب المثل به وذلك أن القرن في الحيوان إنما هو شيء يحدث لها ويطلع بعد أن لم يكن وما أكثر ما يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ذكر الفتن وطلوعها من ناحية المشرق فَقَالَ: "ومنه يطلع قرن الشيطان" 4
__________
1 س: "أنعي" والمثبت من باقي النسخ.
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/748".
3 ط: "ابن أبي الهذلي" تحريف" وفي التقريب "2/104, 483" أبو الهذيل غالب بن الهذيل الأودي الكوفي صدوق رمي بالرفض مات بعد المائة.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها في فرص الخمس "4/100" والفتن "9/67" مسلم أيضا في الفتن "4/2228" والترمذي في الفتن "4/530" وغيرهم.

(2/295)


وَقَالَ في الشمس: "إنها تطلع بين قرني الشيطان" 1في بعض الكلام أن الفتنة قد أطلعت قرنها وأتلعت عنقها ومثله كثير في الكلام.
والقرن أيضا أهل كل عصر يحدثون بعد فناء آخرين يُقَالُ قرن بعد قرن أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا ثعلب:
إذا ما مضى القَرْن الَّذِي أنت منهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب2
وقد يحتمل أن يكون أراد بالقرن هذا المعنى يريد أنهم قوم حدثوا بعد أن لم يكونوا. ويقال فلان قرني في السن وقرني في الشدة ومنه قول ابن الزبير لو كان قرني واحد كفيته.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 اللسان والتاج "قرن" برواية "إذا ذهب القرن الذي أنت فيه" دون عزو.

(2/296)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَبَّابٍ أَنَّهُ أَتَى بِكَفَنِهِ فَلَمَّا رَآهُ بَكَى وَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلا نَمِرَةٌ مَلْحَاءُ إِذَا غُطِيَ بِهَا رَأْسُهُ قَلَصَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ وَإِذَا غُطِيَ بِهَا قَدَمُهُ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ1
يرويه عبيد الله عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ خَبَّابٍ
النمرة بردة من صوف تلبس ومنه قول عتبة بن غزوان وجدت نمرة أنبأنا وسعد بن مالك فشققناها إزارين2
ومِنْ هَذَا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عبد الله الْبَجْلِيِّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حدثنا محمد بن أيوب أخبرنا أبو الوليد أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جحيفة قال:
__________
1أخرجه أحمد في مسنده "5/111".
2أخرجه مسلم في الزهد "4/2278" وأحمد في مسنده "4/174".

(2/296)


سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارَ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرٍ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرٍ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَغَيَّرَ لَمَّا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ1.
قوله: مجتابي النمار يريد أنهم قد اقتطعوها وشقوها أزرا بينهم. يُقَالُ جبت الثوب واجتبته قَالَ الشماخ:
كأنها وابن أيام ترببه ... من قرة العين مجتابا ديابود2
يريد أن هذه الوحشية من حبها لوالدها واشتمالها عليه بأطرافها كأنهما لابسا ثوب واحد وهو الديابود ويقال إنه البزيون وأصله فارسي معرب يريد ثوبا ذا نيرين ويقال أيضا اجتبت الثوب بمعنى لبسته.
وَقَالَ أَبُو عُمَر3 جبت القميص إذا قورت جيبه وجيبته إذا عملت له جيبا.
والملحاء: بردة صفيقة فيها خطوط من بياض وسواد يُقَالُ ثوب أملح وبردة ملحاء قَالَ الشاعر:
لكل دهر قد لبست أثوبا ... / حتى اكتسى الرأس قناعا أَشْيَبا [114]
أملح4 لا لذا ولا محببا
__________
1 أخرجه مسلم في الزكاة "2/705" وأحمد في مسنده "4/358, 361" وسيأتي تخرجه بأتم من هذا في أحاديث عتبة.
2 الديوان "112" وقال القالي في البارع "141": ديابود: ليست بعربية, وهو ثوب فيما ذكروا ويقال: هو كساء وهو الذي له سدتان وهو بالفارسية "دوبوذ" فعربوه بالدال.
3 س, ط: "أبو عمرو".
4 ساقطة من ح, والرجز في اللسان والتاج "ملح" برواية: "حتى اكتسى الشيب قناعا أسهبا" دون عزو.

(2/297)


وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ حدثنيه ابن مالك أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا هناد بن السري أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ كُنْتُ رَجُلا شَابًّا بِالْمَدِينَةِ فَخَرَجْتُ فِي بُرْدَيْنِ وَأَنَا مُسْبِلْهُمَا فَطَعَنَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ إِمَّا بِإِصْبَعِهِ وَإِمَّا بِقَضِيبٍ كَانَ مَعَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رسول الله قَالَ: فَقُلْتُ إِنِّمَا هِيَ مَلْحَاءُ قال: "وإن كانت ملحاء أمالك في أسوة"
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/364" وفيه "عبيدة بن خلف" بدل "عبيد بن خالد" وفي التقريب "1/542" عبيد بن خالد المحاربي ويقال: عبيدة بفتح العين بن خلف, صحابي له حديث في إسبال الإزار.

(2/298)


حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ عُتْبَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى كَانُوا بِالْمَرْبَدِ فَوَجَدُوا هَذَا الْكَذَّانِ فَقَالُوا: "مَا هَذِهِ الببصرة؟ ... ".
...
حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى كَانُوا بِالْمَرْبَدِ فَوَجَدُوا هَذَا الْكَذَّانِ فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْبَصْرَةُ ثُمَّ نَزَلُوا وَكَانَ يَوْمٌ عُكَاكٌ فَقَالَ عُتْبَةُ1: ابْغُوا لَنَا مَنْزِلا أَنْزَهَ مِنْ هَذَا2.
يَرْوِيهِ محمد بن بشار بندار حدثنا صفوان بن عيسى أخبرنا عَمْرُو بْنُ عِيسَى أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَشُوَيْسًا أَبَا الرُّقَادِ يَذْكُرَانِ ذَلِكَ.
البصر والبصرة حجارة رخوة إلى البياض وهي الكذان واحدتها كذانة قَالَ الطرماح يصف القطا:
مؤللة تهوي جميعا كما هوى ... عَنِ النيق فهر البصرة المتطحطح3
والعكاك شدة الحر مَعَ الومد جمع العكة.
ويقول ساجع العرب إذا طلع السماك ذهبت العكاك وقل على الماء اللكاك يريد الازدحام عليه لقلة شرب الإبل في ذلك الوقت4.
قَالَ أَبُو زيد إذا سكنت الريح مَعَ شدة الحر قيل يوم عكيك ويقال يوم عك وأك وقد عك يومنا قَالَ طرفة
__________
1 س: "فقالوا" والمثبت من ح, د.
2 أخرحه الطبري في تاريخه "3/591" بهذا السند في حديث طويل.
3 الديوان "127" برواية "موليةمن النيق" والنيق: رأس الجبل والفهر: الحجر. والبصرة: نوع من الحجارة رخوة, والمتطحطح: المنحدر إلى الأسفل.
4 من د.

(2/299)


وعكيك القيظ إن جاء بقر1
وَقَالَ آخر:
يوم عكيك يعصر الجلودا ... يترك حمران الرجال سودا2
وَقَالَ الأصمعي: يُقَالُ هذه أيام معتذلات إذا كانت شديدة الحر ومن هذا أخذ العذل الَّذِي هو اللوم.
قَالَ أَبُو عمرو: ويقال في شدة الحر يوم صهيب وصيخود أي شديد الحر.
__________
1 الديوان "58" وصدره "تطرد القر بحر صادق".
2 الجمهرة "1/112" دون عزو.

(2/300)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ: أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ قَدْ سُلِقَتْ أَفْوَاهُنَا مِنْ أَكْلِ الشَّجَرِ مَا مِنَّا الْيَوْمَ رَجُلٌ إِلا عَلَى مِصْرٍ من الأمصار1.
يرويه عبيد الله عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ.
سلقت من السلاق وهو كالبثر يخرج في باطن الفم.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّ عُتْبَةَ خَطَبَ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ الْبَشَامِ حَتَّى قرحت أشداقنا2
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "4/174" بطريق آخر عن عتبة بنحوه وكذلك ابن عبد البر في الاستيعاب "3/1028" بألفاظ متقاربة.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/421" ومسلم في الزهد "4/2278" عن حميد بن هلال ... =

(2/300)


والبشام: شجر طيب الريح يستاك به1 قَالَ جرير:
أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامة سقي البشام2
__________
= عن خالد بن عمير عن عتبة بلفظ "الشجر والحبلة" بدل "البشام" وأحمد في مسنده "4/174" وابن سعد في طبقاته "7/6" والحاكم في المستدرك "3/261" وابن المبارك في الزهد ص "188" وأبو نعيم في الحلية "1/171" وابن الأثير في أسد الغابة "3/566".
1 من ح.
2 الديوان "417" برواية:
أتنسى إذ تودعنا سلمى ... بفرع بشامة سقى البشام

(2/301)


حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمَخْدَجِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ حَقٌّ فَقَالَ: "كَذَبَ أبو محمد".
...
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمَخْدَجِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ حَقٌّ فَقَالَ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ1.
حَدَّثَنَاهُ مُكْرَمُ بن أحمد أخبرنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ الْمَخْدَجِيِّ2.
[115] قوله: الوتر حق أي واجب يُقَالُ حق الأمر يحق ويحق حقا إذا وجب وقد / حققت الشيء أحقه وأحققته أيضا أحقه.
وَقَوْلُهُ: كذب أَبُو مُحَمَّد لم يذهب به إلى الكذب الَّذِي هو الانحراف عَنِ الصدق والتعمد للزور وإنما أراد به أنه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى وذلك لأن حقيقة الكذب إنما يقع في الإخبار ولم يكن أَبُو مُحَمَّد في هذا مخبرا عَنْ غيره وإنما كان مفتيا عَنْ رأيه وقد نزه اللَّه أقدار الصحابة عَنِ الكذب وشهد لهم في محكم كتابه بالصدق والعدالة فَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} 3.
ولأبي مُحَمَّد هذا صحبة وهو رجل من الأنصار من بني النجار واسمه مسعود بن زيد بن سبيع مشهور عند العلماء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/5" والإمام مالك في الموطأ "1/123" وأبو داود في الوتر "2/62" والنسائي في الصلاة "1/230" وابن ماجة في إقامة الصلاة "1/448".
2 في التقريب "2/544" المخدجي راوي حديث الوتر, عن عبادة بن الصامت قيل: اسمه رفيع وقيل غير ذلك.
3 سورة الحديد: "19".

(2/302)


وَقَدْ يَجْرِي الْكَذِبُ فِي كَلامِهِمْ مَجْرَى الْخَطَأِ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخُلْفِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ كَذَبَ سَمْعِي وَكَذَبَ بَصَرِي وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْعَسَلَ: "صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ" 1. وَقَالَ الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... ملس الظلام من الرباب خيالا2
وَقَالَ ذو الرمة:
وقد توجس ركزا مقفر ندس ... لنبأة الصوت ما في سمعه كذب3
ومن هذا قول عروة في ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الدغولي أخبرنا المظفري أخبرنا مصعب الزبيري أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ كَمْ لَبِثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا. قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "لَبِثَ بِضْعَ عَشْرَةَ فَقَالَ كَذِبَ"4. ثُمَّ قَالَ: ذَهَبَ إِلَى شِعْرِ ابْنِ صِرْمَةَ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حَجَّةً ... يَذْكُرُ لَوْ يَلْقَى خَلِيلا مُوَاتِيَا
يُرِيدُ أَخْطَأَ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِسَمُرَةَ بن جندب.
وروى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قَالَ سمرة في
__________
1 أخرجه البخاري في الطب "7/159 – 165" ومسلم في السلام "4/1736" والترمذي في الطب "4/409" والإمام أحمد في مسنده "3/19, 20".
2 اللسان "كذب" برواية "غلس الظلام" وفي شعر الأخطل "1/105".
3 الديوان "21" برواية: "بنبأة الصوت".
4 أخرحه عبد الرزاق في مصنفه "3/599" بدون الشعر وأخرجه الحاكم في مستدرك مع الشعر "2/626" إلا أنه لم يذكر "كذب" برواية "يذكر ألفي صديقا مواتيا".

(2/303)


الْمُغَمَى عَلَيْهِ يُصَلِّي مَعَ كُلِّ صَلاةٍ صَلاةً حَتَّى يَقْضِيَهَا فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ كَذِبْتَ وَلَكِنَّهُنَّ يُصَلِّيهِنَّ مَعًا يُرِيدُ أَخْطَأْتَ1.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ أخبرنا عباس الدوري أخبرنا قراد2 أبو نوح أخبرنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الأنصاري أخبرنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ مِنَّا رَجُلٌ ظَهْرَهُ لِلسُّجُودِ حَتَّى يَضْعَ رَسُولَ اللَّهِ جَبِينَهُ عَلَى الأَرْضِ3.
قوله: وهو غير كذوب أي غير مظنون به الخطأ أو غير مجرب عليه الغلط في الرواية يصفه بالحفظ والإتقان.
وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ معين.
قَالَ: قوله: وهو غير كذوب يريد عبد الله بن زيد لا يُقَالُ لرجل من أصحاب رسول الله غير كذوب4.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ولا أعلم خلافا في أن الوتر ليس بفرض إلا أن بعض الفقهاء قد علق فيه القول وقد سبقه الإجماع بخلافه
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "2/269" عن حفص عن سليمان التيمي بلفظ فقال عمران: ليس كما يقال يقضيهن جميعا بدون "كذب".
2 في التقريب "1/494" هو عبد الرحمن بن غزوان بمعحمة مفتوحة وازي ساكنة, الصبي – أبو نوح المعروف بقراد بضم القاف وتخفيف الراء ثقة له أفراد مات سنة 187 هـ.
3 أخرجه البخاري في الأذان "باب متى يسجد من خلف الإمام" "1/168" ومسلم في الصلاة "1/345" والترمذي في الصلاة "2/70" وأبو داود في الصلاة "1/168" وأحمد في مسنده "4/300" بألفاظ متقاربة والبيهقي في سننه "2/92".
4 أخرجه ابن معين في تاريحه "3/518" رقم النص "2534" برواية "ولا يقال للبراء كان غير كذب".

(2/304)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَرَى الرَّجُلَ مِنْ ثَبَجِ الْمُسْلِمِينَ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَأَعَادَهُ وَأَبْدَاهُ لا يَحُورُ فِيكُمْ إِلا كَمَا يَحُورُ صَاحِبُ الْحِمَارِ الْمَيِّتِ1. حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن مالك أخبرنا
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "6/125 – 126".

(2/306)


الحسن بن زياد السري أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس أخبرنا عبد الحميد بن بهرام أخبرنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبَ عَنِ ابْنِ غَنْمٍ عَنْ عُبَادَةَ.
قوله: من ثبج المسلمين أي من سراتهم وعليتهم. والثبج أعلى متن الشيء.
ومنه حديث الزهري
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا الأصمعي أخبرنا مالك عَنِ الزهري قَالَ جالست ابن المسيب سبع سنين لا أحسب أن عالما غيره ثم تحولت إلى عروة بن الزبير ففجرت منه ثبج بحر1.
يريد معظم ماء البحر وروي2 بعضهم ثجة بحر أي دفعة من دفعات البحر والثج الصب ومن هذا قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} 3 مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ سَائِلا.
يُقَالُ: ثججته فثَجَّ أي صببته فانصب ويقال أراد مثجوجا فاعل بمعنى مفعول والله أعلم.
وَقَوْلُهُ: لا يحور فيكم معناه لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.
يُقَالُ: حار الشيء يحور بمعنى رجع أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب:
/ وقلت له أهلا وسهلا فلم يحر ... بك الليل إلا للجميل من الأمر [117]
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/282" رقم "4390".
2 د, ح: "ورواه تعضهم".
3 سوررة النبأ:"14".

(2/307)


وأكثر ما يراد بالحور الرجوع إلى النقص ومنه قولهم: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي النقص بعد التمام ويقال: أَنَّهُ مأخوذ من كور العمامة وحورها. يُقَالُ: كار الرجل عمامته إذا لواها على رأسه وحارها إذا نقضها.
وَقَالَ بعض السلف: لو عيرت رجلا بالرضع1 لخشيت أن يحور بي داؤه أي يكون علي مرجعه.
__________
1 النهاية "رضع" أي يرضع الغنم من ضرعها ولا يحلب في الإناء للؤمه, أي لو عيرته بهذا لخشيت أن أبتلى به.

(2/308)


حديث عبادة بْنُ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرْعَى ... ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبادة أو عبد الله بْنُ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرْعَى / فَوْقَ رُؤُوسِ الظِّرَابِ يَأْكُل [116] أَهْلُهَا مِنْ لُحْمَانِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا. وَجَرَاثِيمُ الْعَرَبِ تَرْتَهِسُ بِالْفِتْنَةِ1.
وَيُرْوَى تَرْتَهِشُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ عبد الله بْنِ الصَّامِتِ.
هَكَذَا حَدَّثُونَا عَنْ علي بن عبد العزيز عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حَمَّادٍ. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
الظراب جمع الظرب وهو ما ارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا.
وَقَوْلُهُ: ترتهس أي تختلف وتضطرب وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ:
إن الدواهي في الآفاق ترتهس2
والارتهاش قريب من الارتهاس ومعناه الاصطدام والاصطكاك ويقال للدابة إذا اصطكت يداها في السير قد ارتهشت.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ اخْتِلافٌ3.
حدثنيه محدث أخبرنا أَحْمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى أخبرنا حماد بن عباد المكي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَوَّلٍ الْبَهْزِيَّ عن السلمي
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/1019" وعزاه للحاكم وكذلك المتقي في كنز العمال "11/146" إلا أن الحديث في المستدرك للحاكم مرفوع, وفي بعض ألفاظ اختلاف يسير كما سيأتي بعد القليل.
2 الفائق "2/376" بدون عزو.
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "4/458" عن غبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ ... "شاتين مكية ومدنية ترعى فوق رؤوس الضراب".

(2/305)


قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ الْمَالِ فِيهِ غَنَمٌ تَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ وَتَرِدُ الْمَاءَ يَأْكُلُ صَاحِبُهَا مِنْ رِسْلِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ أَلْبَانِهَا وَيَلْبَسُ مِنْ أَصْوَافِهَا أَوْ قَالَ أَشْعَارِهَا وَالْفِتَنُ تَرْتَكِسُ بَيْنَ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ" 1.
قوله: ترتكس أي تعود مرة بعد أخرى وتنتكس يُقَالُ ركست الرجل وأركسته إذا نكسته في الشر ورددته إليه ومن هذا قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} 2 أي ردهم في كفرهم ونكسهم في ضلالتهم.
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ نَاوَلُوهُ3 بَعْرًا فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: "إِنَّهُ رِكْسٌ" 4 يُرِيدُ أَنَّهُ رَجِيعٌ قَدْ رُدَّ مِنَ الطَّهَارَةِ إِلَى النَّجَاسَةِ.
وجراثيم العرب جماعاتها وأصول قبائلها وجرثومة كل شيء مجتمع أصله5.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "7/303" عن مخول البهزي بدون أن يسند إلى السلمي عن أبيه وعزاه للطبراني في الأوسط وذكره أيضا في "7/304 – 305" حديثا آخر عن مخول البهزي ثم السلمي وعزاه لأبي يعلى والطبراني وذكره الحافظ في المطالب العالية "4/270" عن مخول البهزي وعزاه لأبي يعلى.
2 سورة النساء: "88".
3 د, ط: "ناوله".
4 أخرجه البخاري في الوضوء "1/49" والترمذي في الطهارة "1/25" والنسائي في الطهارة "1/40" وأحمد في مسنده "1/388, 418, 427, 465".
5 كذا في س, ح وفي د, ط "حرثومة كل شيء: معظمه".

(2/306)


حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ مَكَّةَ يُجَمِّعُونَ فِي الْحِجْرِ فَنَهَاهُمْ عن ذلك
...
حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ: وَجَدَ أَهْلَ مَكَّةَ يُجَمِّعُونَ فِي الْحِجْرِ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ عَنْ مُعَاذٍ.
ليس المعنى في نهيه عَنْ صلاة الجمعة في الحجر ما ذهب إليه بعض من كره صلاة الفريضة في البيت ولا ما ذهب إليه من كره الصلاة في الحجر وإنما المعنى أن معاذا وجدهم يجمعون قبل أن تزول الشمس وتفيء الكعبة من وجهها فكانوا يصلونها في الحجر يستظلون به فنهاهم عَنْ تقديم الصلاة قبل وقتها ولا أعلم جوازها قبل الزوال في قول أحد من أهل العلم إلا شيء يروى عَنِ ابن مسعود وتأولوا فيه خبرا رواه عَنْ رسول اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم.
حدثناه ابن السماك أخبرنا محمد بن عبدك القزاز أخبرنا أبو بلال الأشعري أخبرنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ2 بن عبد الله قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَإِنَّا لَنَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ الله في ظل الحطيم.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/176" وابن أبي شيبة في مصنفه "2/108".
2 د: "عبدة بن عبد الله" تحريف".

(2/309)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: لا تَأْوُوا لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَرَبَهُمْ بِذُلٍّ مُفْدَمٍ يَعْنِي النَّصَارَى وَأَنَّهُمْ سَبُّوا اللَّهَ سَبًّا لَمْ يَسُبَّهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ دَعَوْا اللَّهَ ثَالِثَ ثَلاثَةٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عمرو عن عبد الرحمن بْنِ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذٍ.
قوله: لا تأووا معناه لا ترقوا لهم ولا ترحموهم يقال أويت لفلان آوى له أية أي رحمته قَالَ الشاعر:
فإني ولا كفران بالله أية ... لنفسي لقد طالبت غير منمل2
أي مذعور وأنشد يعقوب:
لا تأويا للعيس وانبلاها ... فإنها ما سلمت قواها
بعيدة المصبح من ممساها3
يُقَالُ: نبل إبله ينبلها إذا ساقها سوقا شديدا.
وَقَوْلُهُ: بذل مفدم أي شديد مشبع4 وأصل الكلمة الثفل ومنه قولهم: رجل فدم: أي ثقيل وصبغ مفدم أي مشبع ومعناه الخاثر المثقل ومن هذا قيل للعيي الفدم وقد فدم فدامة إذا ثقل لسانه وأبطأ بيانه.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/342".
2 اللسان والتاج "نمل" بروية "فإني ولا كفران بالله أبة" وجاء في الشرح: قال أبو نصر: غير مذعور وقال غيره: غير مرهن ولا معجل عما أريد, وجاء في مادة "أوى" دون عزو في المادتين.
3 اللسان والتاج "نبل" وعزي لزفر بن الخيار المحاربي.
4 قال ابن الأثير "فدم" "3/421" "أي شديد مشبع فاستعار من الذوات للمعاني".

(2/311)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ معاذ أن عائذ اللَّه بن عمرو قَالَ: دخلت المسجد يوما مع أصحاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخمر ما كانوا أو أجمر ما كانوا ثم ذكر حدثيا حدثهم به معاذ1
__________
1خرجه أبو نعيم في الحلية "1/230" بلفظ "أحضر" بدل "أجمر أو أخمر".

(2/312)


من حديث يزيد بن هارون عن عبد الحميد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سمعت ابن غنم يحدث به عائذالله بن عمرو.
قوله: أخمر وأجمر كلاهما متقاربان والمعنى أوفر ما كانوا وأكثرهم عددا إلا أن أخمر بالخاء أحسنهما وهو مأخوذ من قول الرجل دخلت فِي خمار الناس أي فِي دهمائهم وجماعتهم.
قَالَ الكسائي يقال دخلت في خمار الناس وخمار الناس وخمر الناس أي جماعتهم وكثرتهم والخمر كل ما واراك وسترك من شجرة وغيره ولهذا1 المعنى سميت الخمر وذلك لأنها تخمر في إنائها أي تغطي ويقال إنما سميت خمرا لأنها تخمر عقل شاربها أي تستره وتغطية.
وإما أجمر بالجيم فهو من قول العرب: جمر القوم وتجمروا إذا تجمعوا.
قَالَ الأصمعي: تَجَمَّرَ بنو فلان أي اجتمع بعضهم إلى بعض وأنشد:
إذا الجمار أقبلت تجمر
ويقال: صار بنو فلان جمرة2
وجمرات العرب: أحياء لهم عدد وبأس. قَالَ المبرد: لقبوا بالجمرات لأنهم تجمعوا في أنفسهم ولم يدخلوا معهم غيرهم.
قَالَ: وإنما سمي موضع الحصى بمنى الجمار لاجتماع الحصى فيه وواحدة الجمار / جمرة. قَالَ: ومن [119] ثُمَّ قيل في المغازي لا تجمروهم فتفتنوهم أي لا تجمعوهم في المغازي
__________
1 د: "وبهذا المعنى".
2 اللسان والتاج "جمر" برواية "إذا الجمار جعلت تجمر" ولم يعز.

(2/313)


وَقَالَ بعض أهل اللغة: إنما قيل تجمر القوم بمعنى صاروا جمرة لأنهم صاروا في بأسهم كالجمر على أعدائهم وأنشد للنميري:
نمير جمرة العرب التي لم ... تزل في الحرب تلتهب التهابا1
وَقَالَ غيره: معنى تجمروا اجتمعوا وتضافروا فصاروا كالجمير من الشعر المضفور.
يُقَالُ: جمرت المرأة شعرها إذا ضفرته والجمار الجماعة قَالَ الأعشى:
فمن مبلغ قومنا مألكا ... وأعني بذلك بكرا جمارا2
ويقال عد فلان إبله جمارا أي جملة واحدة.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ يُقَالُ رأيت قوما جمارا وجماعة جمارا أي كثيرين وأنشدنا:
ألم تر أنني لاقيت يوما ... معاشر فيهم رجل جمارا
فقير الليل تلقاه غنيا ... إذا ما آنس الليل النهارا3
معناه: لقيت معاشر جمارا فيهم رجل فقير الليل.
قَالَ: ويقال: فلان فقير الليل إذا كانت إبله بيضا وغني الليل إذا كانت إبله سودا وقد سمعت هذا من غيره على العكس.
__________
1 الكامل للمبرد: 2/233" والعقد الفريد "3/367" ضمن أربعة أبيات يرد بها شعرهم على جرير.
2 الديوان "82" يرواية "مالكا".
3 اللسان والتاج "جمر" برواية "معاشر فيهم رجلا جمارا".

(2/314)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصِيبُهُ ذَعْرَةٌ وَلا نَخْبَةُ نَمْلَةٍ إِلا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهَ أَكْثَرَ"1.
مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بن منهال أخبرنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَزِيدَ بن عبد الله بْنِ الشِّخِّيرِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قوله: نخبة نملة أي لدغة نملة والنخب بمعنى الخرق للجلد ونحوه.
__________
1 الفائق "نخب" "3/414" والنهاية "نخب" "5/31".

(2/321)


قَالَ ابن الأعرابي: الماتح: الَّذِي يكون فوق رأس البئر يستقي والمائح الَّذِي يكون أسفل البئر والقابل الَّذِي يأخذ الدلو من الماتح والدالح الَّذِي يأخذها من القابل فيمشي بها إلى الحوض.

(2/321)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ: كَانَ فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتِ قَالَ مَا أَنْتُمْ مُبَارِحِينَ حَتَّى يَسْمَعَ وَخْطَ نِعَالِكُمْ وَذَكَرَ سُؤَالَ مَلَكِ الْقَبْرِ وَأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ ضَرَبَهُ بِمِرْصَافَةٍ وَسَطَ رَأْسِهِ حَتَّى يُفْضِي كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السراج أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ أخبرنا يحيى بن حسان أخبرنا مُعَاوِيَةُ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ سَلامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ قَالَ حدثنيه عبد الله بْنُ رَبِيعَةَ الرَّهَاوِيُّ عَنْ مُعَاذٍ.
قوله: وخط نعالكم يريد خفق النعال ووقعها على الأرض ومن هذا قولهم وخطت الرجل بالسيف إذا أصبته به ووخطته بالرمح إذا طعنته به ومنه وخط الشيب.
والمرصافة أراها كالمطرقة وسميت مرصافة لارتصافها واجتماعها وكل شيء ضممته إلى شيء فقد رصفته ولذلك قيل للحجارة المرصوف بعضها إلى بعض في مسيل رصف قَالَ العجاج:
من رصف نازع سيلا رصفا2
ومن قَالَ مرضافة ذهب إلى الرضف وهى الحجارة المحماة كأنه أراد مقمعة من نار وللمرضاحة أيضا في هذا موضع جيد وهو حجر ضخم يكسر عليه النوى وهو المرضاخ أيضا قَالَ الشاعر:
ترفض صم الحصى في كل منزلة ... كما تطاير عن مرضاحه العجم3
دويقال المرضاخ أيضا بالخاء معجمة والأشهر بالحاء غير معجمة.
وقوله: حتى يفضي كل شيء منه أي حتى يصير كله فضاء لا يبقي منه شيء / ويحتمل أن يُقَالُ حتى يفض كل شيء منه أي يكسر من فضضته فهو مفضوض. [118]
__________
1 الفائق "وخط" "4/49" وفيه "ما أنتم ببارحين" والنهاية "وخط" "5/164".
2 الديوان "492" وقبله "فشن في الإبريق منها مزفا".
3 د: "ترفض صم الصفا".

(2/310)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ: قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَعِنْدَهُ رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ فَقَالَ وَاللَّهِ لا أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا كَرْدَهُ1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
الكرد أعلى العنق قَالَ الشاعر:
وكنا إذا القيسي نَبَّ عتوده ... ضربناه تحت الأنثيين على الكرد2
ويقال أَنَّهُ فارسي معرب.
وفيه من الفقه أَنَّهُ لم ير أن يستتيبه ويستأني به ثلاثا لكن رأي أن يعجله على ظاهر قوله: "من بدل دينه فاقتلوه" 3.
__________
1 أخرجه عيد الرزاق في مصنفه "10/168" عن معمر عن أيوب بلفظ "عنقه" وعن معمر عن قتادة بلفظ "كرده" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/672" بلفظ "عنقه" وعزاه لابن أبي شيبة وأخرجه البيهقي في سننه "8/205, 206" بمعناه.
2 اللسان والتاج "كرد" وهو للفرزدق في ديوانه "1/178" وقد سبق في هذا الجزء لوحة "52".
3 أخرجه البخاري في مواضع منها في استتابة المرتدين "9/18, 19" والترمذي في الحدود "4/59" وابن ماجة في الحدود "2/848" وأحمد في مسنده "1/2, 282, 283".

(2/312)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ: لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُونَ قَالَ اللَّهُمَّ آتِ مُعَاذًا النَّصِيبَ الأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ فَمَا أَمْسَى حَتَّى طُعِنَ ابنه عبد الرحمن وَبِكْرُهُ وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ.
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا أبو مسلم الكشي أخبرنا عبد الله بن رجاء أنبأنا عبد الحميد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبَ حَدَّثَنِي عبد الرحمن بْنُ غَنْمٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ1 فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُونَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لا أَرَاهُ إِلا رَجِزًا وَطُوفَانًا فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: لَيْسَ بِرِجْزٍ وَلا طُوفَانٍ وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ اللَّهُمَّ آتِ مُعَاذًا النَّصِيبَ الأَوْفَرَ2.
بكر الرجل أول ولد يولد له أنشدني الغنوي أنشدنا ثعلب:
يا بكر بكرين ويا خلبإ الكبد ... أصبحت منى كذراع من عضد3
والخلب حجاب القلب ومن هذا قولهم قد خلبني حب فلان أي وصل إلى خلبي.
وأما قول العرب إذا لم تغلب فاخلب4 ففيه قولان أحدهما من هذا يقول تودد حتى تغلب على القلب وتخلص إلى خلبه والآخر أن يكون معناه إذا لم تظفر فاخدش من الإصابة بالأظافير ومنه مخلب الطير.
قَالَ ابن الأنباري ويحكى هذا القول عن ابن الأعرابي.
__________
1 د, ح: "اليمن" وكذا في س "وفي هامشها: صوابه: الشام".
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/240" عن غبد الحميد وابن الحميد في صفة الصفوة "1/500" وأخرحه أحمد في مسنده "5/240, 248" بنحوه بطريق آخر وعبد الرزاق في مصنفه "11/149" بنحوه عن قتادة.
3 اللسان والتاج "بكر" دون عزو.
4 اللسان "خلب" جمهرة الأمثال "1/66" محمع الأمثال "1/34" المستصفى "1/375".

(2/315)


وَقَالَ يعقوب: البكر الجارية التي لم تفتض والبكر أيضا التي حملت بطنا واحدا وبكرها ولدها ويقال ناقة ثني إذا ولدت بطنين وثنيها ولدها وثلثها ولدها الثالث ولا يُقَالُ ناقة ثلث ولكن يُقَالُ ولدت ثلثها.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ هذا بكر أبويه أي أول ولدهما وعجزة ولد أبوية أي آخرهم قَالَ ومنه1 نضاضة ولد أبويه ونضاضته أي آخره وبقيته.
[120] وَقَوْلُهُ: رجزا وطوفانا فإن الرجز العذاب والطوفان / البلاء.
قَالَ مجاهد الطوفان الموت وَقَالَ غيره الطوفان السيل ورواه بعضهم إنما هو وخز من الشيطان والوخز الطعن وكانت العرب تسمي الطاعون رماح الجن.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهَا دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ يُرِيدُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ".
حدثناه ابن مالك أخبرنا محمد بن أيوب أخبرنا هدبة حدثنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ كُرَيْبِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي بَرَدَةَ بْنِ قَيْسٍ أَخِي أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ" 2.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي فيما أحسب أخبرنا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ أخبرنا
__________
1 د: "ومثله" بدل "ومنه".
2 ساقط من ط, والحديث أخرجه أحمد في مسنده "4/238" عن أبي بردة وفي "4/395, 417" عن أبي موسى.

(2/316)


الحميدي أخبرنا سُفْيَانُ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ سَعْدًا عَنِ الطَّاعُونِ وَعِنْدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ أُسَامَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هَذَا عَذَابٌ وَرِجْزٌ أُرِسْلَ عَلَى أُنَاسٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَهُوَ يَجِيءُ أَحْيَانًا وَيَذْهَبُ أَحْيَانًا فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا" 1.
قَالَ سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لَعَلَّهُ لِقَوْمٍ عَذَابٌ وَلِقَوْمٍ شَهَادَةٌ قَالَ سُفْيَانُ فَأَعْجَبَنِي قَوْلُ عَمْرٍو هَذَا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ آخَرَ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ أخبرنا ابن بري أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدٍ الْوَاسِطِيُّ أَبُو نصَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَسِيبٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لأُمَّتِي وَرَحْمَةٌ لَهُمْ ورجس على الكفار" 2.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده "1/249" والبخاري في مواضع منها كتاب ترك الحيل "9/34" وفي كتاب الطب "7/168" ومسلم في السلام "4/1738" ومالك في الموطأ "2/896" وعبد الرزاق في مصنفه "11/146".
2 أخرجه أحمد في مسنده "5/81" وذكره ابن الأثير في اسد الغابة "6/214" مختصرا.

(2/317)


حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ أُبِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "هَلَكَ أهل العقدة ورب الكعبة ... ".
...
حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُبِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: هَلَكَ أَهْلُ الْعُقْدَةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَاللَّهِ مَا آسَى عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ يَضِلُّ1.
حَدَّثَنَاهُ أحمد بن عبدوس أخبرنا المكي بن عبد الله أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بن يعقوب السدوسي أخبرنا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أُبَيٍّ.
يروى في أهل العقدة عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ هم الأمراء وإنما قيل لهم أهل العقدة لأن الناس قد عقدوا لهم البيعة وأعطوهم الصفقة ومعنى العقدة البيعة المعقودة لهم ومن هذا عقدة الحبل وكذلك عقدة العقار وهي ما اعتقده صاحبه ملكا فأما العقد فهو فعل العاقد يُقَالُ عقدت الشيء أعقده عقدا وقد غلط بهذا بعض المتأولين لقوله: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 2 فزعم أَنَّهُ الولي ورأي على هذا التأويل أَنَّهُ يملك على المرأة مهرها لأنه يلي العقد عليها وإنما هو الزوج لأن عقدة النكاح بيده دون الولي والعقد غير العقدة على ما قد بيناه.
والعقد أيضا بمعنى العهد وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} 3 أي بالعهود يُقَالُ عقدت للرجل عقدا وقد تعاقد الرجلان إذا تعاهدا قال الشاعر:
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/252" بلفظ"على من أضلوا".
2 سورة البقرة: "237".
3 سورة المائدة: "1".

(2/318)


قوم إذاعقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا1
وَقَالَ الحطيئة:
أولئك قومّ إن بَنَوْا أَحْسَنُوا الْبِنَا ... وإن عاهَدُوا أوفَوْا وإن عَقَدوا شدوا2
__________
1 اللسان التاج "كرب" وعزي للحطيئة وهو في ديوانه "128" والعناج: حبل يشد أسفل الدلو العظيم إذا كانت ثقيلة والكرب: حبل يشد على عراقي الدلو ثم يثنى ثم يثلث "ج" أكراب.
2 الديوان "140" وقد سبق في الجزء الأول لوحة "9".

(2/319)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لِزَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ كَأَيَّنْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الأَحْزَابِ فَقَالَ إِمَّا [121] ثَلاثًا وَسَبْعِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَسَبْعِينَ فَقَالَ أَقَطْ إِنْ كانت لتقارىء سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ هِيَ أَطْوَلُ مِنْهَا1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حبيش.
قوله: تقارىء سورة البقرة هكذا رواه لنا ابْنُ هاشم وفي أكثر الروايات إن كانت لتوازي سورة البقرة فإن كان ما قاله محفوظا فمعناه أنها كانت تجاريها مدى طولها في القراءة.
وَقَوْلُهُ: كأين تعدون معناه كم تعدون وقد تثقل وتخفف وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} 2تقرأ بالوجهين معا
وَقَوْلُهُ: أقط فإن الألف مزيدة للاستفهام ومعناه حسب يقال
__________
1خرجه عيد الرزاق في مصنفه "7/329 – 330" بلفظ "لبقارب" وأخرجه أيضا في "3/365" عن معمر عن قتادة بنحوه والبيهقي في سننه "8/211" بطريق سعيد بن منصور بلفظ "لتعدل" وهو في مسند أحمد "5/123" بلفظ "لتعادل" وأخرجه الحاكم في مستدركه "2/415" بلفظ "توازى" والطيالسي في مسنده بلفظ "لتضاهي" كما في منحه المعبود "2/9".
2سورة الحج: "45".

(2/319)


قطك هذا الشيء خفيفة أي حسبك وقطني أي حسبي تزيد فيه النون إذا أضفت إلى نفسك كما تقول قدني ويقال أيضا قدي بلا نون قَالَ دريد بن الصمة:
قدي اليوم من وجد على هالك قدي1
وأما قولك: ما كلمته قط فإنها مبنية على الضم كما قالوا: لا أكلمه عوض إلا أن قط لما مضى من الزمان وعوض لما يستقبل منه.
فأما قولك: ما أعطيت زيدا إلا مائة قط فإنه2 مجرور ليكون فرقا بين الزمان والعدد.
__________
1 لم أقف عليه في شعراء النصرانية "4/756" وفي الكتاب قصيدة على الوزن والقافية.
2 من ح, د.

(2/320)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُبِيٍّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ عُبَادٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ لِلِقَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ لِقَاءً مِنْ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ1 فَحَدَّثَ فَلَمْ أَرَ الرِّجَالَ مُتِحَتْ أَعْنَاقُهَا إِلَى شَيْءٍ مُتُوحَهَا إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا الرَّجُلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ2.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أخبرنا عمرو بن مرزوق أنبأنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ3 عَنْ إِيَّاسِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ.
قوله: متحت أعناقها يريد مدت أعناقها ومنه متح الدلو من البئر وهو مدك إياها وجذبك الرشاء بها
__________
1ساقط من ح.
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/252" وفي ح: "متوحها إليه".
3 في الحلية "1/252" شعبة عن أبي حمزة تصحيف وفي التقريب "2/430" أبو جمرة بالجيم البصري نصر بن عمران بن عصام الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة مهملة نزيل خراسا مشهور بكنيته ثقة ثبت مات سنة 128هـ.

(2/320)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصِيبُهُ ذَعْرَةٌ وَلا نَخْبَةُ نَمْلَةٍ إِلا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهَ أَكْثَرَ"1.
مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بن منهال أخبرنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَزِيدَ بن عبد الله بْنِ الشِّخِّيرِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قوله: نخبة نملة أي لدغة نملة والنخب بمعنى الخرق للجلد ونحوه.
__________
1 الفائق "نخب" "3/414" والنهاية "نخب" "5/31".

(2/321)


حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه
حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ خَرَجَتِ الأَوْسُ فَحَمَلُوهُ عَلَى شَنَذَةٍ مِنْ لِيفٍ
...
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ: لَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ خَرَجَتِ الأَوْسُ فَحَمَلُوهُ عَلَى شَنَذَةٍ مِنْ لِيفٍ فَأَطَافُوا بِهِ وَجَعَلُوا يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ وَحُلَفَائِكَ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ عَنْ خارجة بن عبد الله عَنْ دَاوُدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةِ.
[122] الشنذة يُقَالُ أنها / شبه الإكاف يجعل لمقدمها حنو ولست أدري بأي لسان هي.
والموالي الحلفاء هاهنا وكان بينه وبينهم حلف ويقال للحليف مولى قَالَ الشاعر:
موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطينا يسألون الأتاويا2
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/510 – 511" في حديث طويل.
2 اللسان التاج "ولي" وعزي للنابغة الجعدي وهو في ديوانه "178" والمعنى: هم حلفاء لا أبناء عَمّ.

(2/322)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ: كَانَ رَجُلا ضَخْمًا جِلْعَابًا1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى الذهلي أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/340" بلفظ."وكان رجلا جسيما جزلا" عن الحسن وانظر الفائق "حلعب" "1/230" والنهاية "جلعب" "1/286".

(2/322)


أخبرنا خالد بن الحارث أخبرنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن زياد عن عبد الرحمن بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وفي رواية أخرى جلحابا.
الجلعاب من نعت الطوال والجلعابة1 من النوق الطويلة وفيها سرعة وتعجرف ويقال اجلعب البعير في سيره أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا ثعلب:
بدوسري عينه كالوقب ... ناج أمام الركب مجلعب
والجلعاد بالدال أشبه بنعت الضخام يُقَالُ رجل جلعد وجلعاد وهو القوي الضخم قَالَ حسان:
أو من بني عامر الخضر الجلاعيد2
وأما الجلحاب فلا وجه له هاهنا لأنه من نعت المشايخ وذوي الأسنان القديمة وقد مات سعد شابا يُقَالُ ابن سبع وثلاثين رحمه الله.
__________
1 ط: "والجعلباة" وفي د: "والجلعباة".
2 الديوان "345" برواية "أو من بني جمح" وصدره "أو في الذؤابة من تيم وإخوتها".

(2/323)


حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ سَعْدٌ نَاحَتْهُ الْجِنُّ فَقَالَتْ: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عبادة
...
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ: لَمَّا مَاتَ سَعْدٌ نَاحَتْهُ الْجِنُّ فَقَالَتْ:
قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ
وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فؤاده1
حدثناه ابن السماك أخبرنا موسى بن سهل الوشاء أخبرنا يزيد بن هرون عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قوله: رَمَيْنَاه بسهمين تأوله بعض الناس على أن الجن قد عانته أي أصابته بعيونها وجعل السهمين كناية عَنِ العينين قَالَ: ويقال: عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح قَالَ: والعرب قد تكني بالسهام عَنِ العيون قَالَ امرؤ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل2
وَقَالَ جميل:
رمى اللَّه في عيني بثينة بالقذي ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يصب ... ظواهر جلدي وهو في القلب جارحي3
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/617" والحاكم في مستدركه "3/253" عن ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وذكره ابن الأثير في أسد الغابة "2/358".
2 الديوان "13 ط المعارف وفي ط الجزائر "69" برواية "لتقدحي" بدل "لتضربي".
3 الديوان "68" برواية "لم يضر" بدل "لم يصب".

(2/324)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا وجه يحتمله مذهب الكلام إلا أن اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قد أخبر في كتابه أن الجن قد يتأتى منهم الأفعال وأن لهم بطشا وحركة.
وروي عَنْ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبار في أن للجن خطفة وانتشارا وتأثيرا في بني آدم1: "والعين حق" 2. والله أعلم بالمراد
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ومن مذهب العرب في هذا النحو أنها كانت تسمي الطواعين رماح الجن وتزعم أنها طعن من الشيطان قَالَ زيد بن جندب:
ولولا رماح الجن ما كان هزهم ... رماح الأعادي من فصيح وأعجم3
وَقَالَ آخر:
لعمرك ما خشيت على أبي ... رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار4
يقول: لم أكن أخاف على أبي أن يقتله الأنذال ومن يرتبط العير5 ولكن إنما كنت أخافك عليه فتكون أنت الَّذِي تطعنه أو يصيبه طاعون الشام.
__________
1 حديث أن للجن خطفة وانتشارا: أخرجه البخاري في بدء الخلق "4/157" وأبو داود في الأشربة "3/339" وأحمد في مسنده "3/388".
2 حديث "العين حق" أخرجه مالك في الموطأ "2/938" من حديث سهل بن حنيف والبخاري في الطب "7/171" من حديث أبي هريرة ومسلم في السلام "4/1719" والترمذي في الطب "4/397" وأبو داود في الطب أيضا "4/9" وغيرهم.
3 أساس البلاغة "رمح".
4 اللسان التاج "رمح" دون عزو.
5 ط: "البعير".

(2/325)


[123] / قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد زعم بعض المحدثين أن معنى السهمين في بيت امرىء القيس غير معنى العينين وأنه أراد بهما سهمين من سهم الميسر وذلك أَنَّهُ قسم القلب أعشارا كأعشار الجزور فضربت بسهميها فخرج الثالث. وهو الضريب فأخذت ثلاثة أسهم ثم ثنت فخرج المعلى وله سبعة أنصباء فاحتازت قلبه أجمع.
وكذلك بيت جميل قد يتأول أيضا على غير معنى العينين اللتين تبصر بهما ويقال أَنَّهُ أراد بعينيها رقيبيها1 وبأنيابها سادات قومها حيث حالوا بينه وبينها.
فأما القول المرضي فيه فهو ما ذهب إليه أَبُو العباس ثعلب قَالَ هذا على مذهب الدعاء ومعناه التعجب يقول ما أحسن عينيها كما يُقَالُ قاتله اللَّه ما أشعره ولعنه اللَّه ما أشده إلى ما أشبه ذلك من كلامهم
__________
1 د: "رقيبها".

(2/326)


حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: "لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ونحن متوافرون".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ1 مُتَوَافِرُونَ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ لَوْ فُتِّشَ إِلا فُتِّشَ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ إِلا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ2.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن عبدوس أخبرنا المكي بن عبد الله أخبرنا هدية بن عبد الوهاب حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ أخبرنا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ.
أصل الجائفة والمنقلة إنما هو في الشجاج والجائفة الطعنة التي تخلص إلى الجوف والمنقلة منها ما يكسر العظم حتى ينقل منها فراشه.
وَقَالَ المبرد: إنما سميت منقلة لأنها تخرج منها عظام صغار كالنقل وهي الحجارة الصغار.
[124] وهذا مثل ضربه حذيفة يريد بذلك نزاهتهما عَنِ العيوب وسلامتهما من / الآفات ومثله قول جابر ما منا أحد إلا وقد مالت به الدُّنْيَا إلا عمر وابن عمر.
__________
1 من ط, د.
2 لم أجده من حديث حذيفة وقد أخرجه ابن قتيبة في غيون الأخيار "1/267" من حديث معاوية.

(2/328)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ: ذَكَرَ فِتْنَةً فَشَبَّهَهَا بِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَفِي الْقَوْمِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ كَيْفَ وَقَدْ نُعِتَ لَنَا الْمَسِيحُ وَهُوَ رَجُلٌ عَرِيضُ الْكَبْهَةِ مُشْرِفُ الْكَتَدِ بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكَبَيْنِ فَرُدِعَ لَهَا حُذَيْفَةُ رَدْعَةً1.
حدثناه عبد الله بن محمد المسكي حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ المكي2 أخبرنا يحيى بن حكيم المقوم أخبرنا ربعي بن إبراهيم أخبرنا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ عِمْرَانَ الْخَيَّاطِ أَوْ قَالَ الْحَنَّاطُ عَنْ زَيْدِ بن وهب.
قوله: ردع لها معناه وجم لها أو ضجر حتى تغير لونه من قولك ردعت الثوب بالزعفران إذ لونته به وثوب رديع أي صبيغ يدل على هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث: "ثم تساير عَنْ وجهه الغضب". وقد يكون ردع أيضا بمعنى ارتدع عَنِ الكلام وكف.
فأما قولهم ركب ردعه فمعناه سقط متنكسا.
قَالَ المبرد: يُقَالُ ركب البعير ردعه إذا سقط فدخل عنقه في جوفه مشتق من الردع يُقَالُ ردعت الرجل فارتدع أي رجع فتقدير3 ركب ردعه أن يرجع مقدم بدنه على مؤخره.
والكبهة لغة رديئة في الجبهة ومثله في كلامهم الكبل والركل يريدون الجبل والرجل وهو من كلام جفاة الأعراب والكتد ما بين أعلى الظهر والكاهل والنعت منه أكتد أي ضخم الكتد مشرفه.
__________
1 أخرجه الحاكم في مستدركه "4/535" بلفط "عريض الجبهة مشرف الجيد بعيد ما بين المنكبين فأنا رأيت حذيفة ودع منها ودعة.
2 من ط, د.
3 د: "فتقديره ركب ردعه: أي يرجع مقدم بدنه على مؤخره".

(2/329)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَتَدَافَعُوا فَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ قَالَ لَتَبْتِلُنَّ لَهَا إِمَامًا غَيْرِي أَوْ لَتُصَلُّنَّ وُحْدَانًا1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ حدثنا سعدان أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ.
قوله لتبتلن معناه لتنصبن لها إماما وتقطعون الأمر بإمامته وأصل البتل القطع ومنه قولهم في الصدقة بته بتلة أي منقطعة عَنْ ملك المتصدق بها.
وفي الطلاق ثلاث بتلة أي منقطعة لا عود فيها ولا رجعة للزوج عليها.
وقيل لمريم البكر البتول لانقطاعها عَنِ الناس وانتباذها مكانا شرقيا كما ذكره اللهُ في كتابه ويقال بل سميت البتول لانقطاعها عَنْ مقارفة البشر.
فأما فاطمة فإنما قيل لها البتول لأنها منقطعة القرين نبلا وشرفا.
ويحتمل أن يكون ذلك لتبتلن يعني لتختارن أو لتختبرن أو نحوهما من بلوت وابتليت.
فَأَمَّا مَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِ النَّضْرِ بْنِ كِلْدَةَ فِي قِصَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قُرَيْشٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتَلْتُمْ بَتْلَهُ2.
هَكَذَا حدثناه الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا محمد بن الحسين اللخمي أخبرنا العطاردي أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إسحاق حدثني شيخ قدي
zم مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّضْرَ بْنَ كِلْدَةَ قَالَ ذَلِكَ. فإنه غلط والصواب ما انتبلتم نبله ومعناه ما انتبهتم له ولم تعلموا علمه تقول العرب أنذرتك بالأمر فلم تنبتل نبله أي ما انتبهت / له قاله يعقوب قَالَ: وفيه أربع لغات ما [125] انتبل نبله ونبله ونباله ونبالته.
__________
1 الفائق "بتل" "1/73" والنهاية "بتل" "1/94".
2 النهاية "بتل" "1/94".

(2/330)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ مُصْفَحٌ كُتِبَ فِيهِ الإِيمَانُ والنفاق وقلب كذا وَقَلْبٌ كَذَا حَتَّى عَدَّهَا1.
مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْنِ تَغْلَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَوْلُهُ: مصفح أي ذو وجهين له صفحان يُقَالُ سيف مصفح أي ذو صفحين وقد ضربه بصفح السيف وصفح السيف لغتان ونظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه ومن هذا قولهم صفحت عَنِ الرجل إذا أعرضت عنه فوليته صفح وجهك قال كثير:
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت2
وقد يكون المصفح أيضا العريض الصفحة يُقَالُ فلان مصفح الصدر أي واسع الصدر قَالَ الشاعر:
وصدري مصفح للموت نهد ... إذا ضاقت عَنِ الموت الصدور3
ورواه المصاحفي عَنِ النضر بن شميل في كتاب غريب الحديث له فَقَالَ: قلب
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/276".
2 الديوان "98" برواية "صفوح" وقبله:
كأن أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
ومن رواه صفوح قدر أن تكون: هي صفوح, وبالنصب على تقدير: كأن أنادي صفوحأ, والصفوح: المعرض الهاجرة ومن شرطية, ذلك الوصل: لا وصل هناك, وإنما سمي هذا التوع من البخل الشديد وصلا لأنها لا تجود بغيره.
3 اللسان التاج "صفح" دون عزو.

(2/331)


مغلف وقلب مصفح وقلب كذا وقلب كذا ثم فسره فَقَالَ المغلف الَّذِي عليه غلاف والمصفح الَّذِي لا غلاف عليه وهذا شيء لا أعرف وجهه والتفسير ما ذكرته لك أولا.

(2/332)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ: لَمَّا أُتِيَ بِكَفَنِهِ فَقَالَ إِنْ يُصِبْ أَخُوكُمْ خَيْرًا فَعَسَى وَإِلا فَلْيَتَرَامَ بِي رَجْوَاهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا ابن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ.
قوله: رجواها يريد ناحيتي القبر وإنما أنث على نية الأرض أو إضمار الحفرة كقوله جل وعز: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} 2 ولم يتقدم للأرض ذكر وكقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 3 ولم يتقدم للشمس ذكر وَقَالَ حاتم: وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ: لَمَّا أُتِيَ بِكَفَنِهِ فَقَالَ إِنْ يُصِبْ أَخُوكُمْ خَيْرًا فَعَسَى وَإِلا فَلْيَتَرَامَ بِي رَجْوَاهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا ابن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ.
قوله: رجواها يريد ناحيتي القبر وإنما أنث على نية الأرض أو إضمار الحفرة كقوله جل وعز: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} 2 ولم يتقدم للأرض ذكر وكقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 3 ولم يتقدم للشمس ذكر وَقَالَ حاتم:
أماوي ما يغني الثراء عَنِ الفتي ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
يريد النفس. وإعمال الضمير في كلام العرب كثير.
وأرجاء الشيء: نواحيه قَالَ اللَّه تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} 4 وواحدها رجى مقصور والتثنية رجوان قال الشاعر:
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/282" عن قيس عن أبي مسعود بلفظ."إن كان صاحبكم صالحا ليبدلن الله تعالى به وإن كان غير ذلك ليترامن به رجواها إلى يوم القيامة" وهو في تهذيب تاريخ ابن عساكر "4/104" عن الخطابي بلفظ."فعسى وإلا فيكثر الندم في رجواها".
2 سورة النحل: "61".
3 سورة صّ: "32".
4 سورة الحاقة: "17".

(2/332)


فما أنا بابن العم يجعل دونه ... القصي ولا يرمى به الرجوان1
وإنما ظهرت الواو في التثنية على ما تأوله النحويون لأن الاسم في الأصل متحرك الحشو وتقدير بنائه فعل فقيل رجوان كما قالوا: أخوان وأبوان ولو كان ساكن الحشو لم تظهر الواو كقولهم يدان ودمان.
ويقال لناحية القبر جال وجول ومثله جال البئر وجولها قال النمر بن تولب:
وذي إبل يسعى ويحسبها له ... أخي نصب في رعيها ودؤوب
غدت وغدا رب سواه يقودها ... وبدل أحجارا وجال قليب2
/ وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أبو العبّاس ثَعْلَب عن ابن الأعرابي عَنِ المفضل: [126]
يمسح جولى عيلمإ رحب ... والدلو كالجاموسة الملبي
قَالَ: والعيلم: البئر الغزيرة الماء والملبي هي التي انتفخ ضرعها من اللباء وترك الهمزة فيها لوزن الشعر.
__________
1 في الجمهرة "3/223" وجاء فيها: "رجا البئر أو القبر: ناحيته, مقصور والجمع أرجاء ويثنى الرجاء في البئر والقبر رجوان".
2 شعر النمر بن تولب "40, 41" برواية "أحي نصب في سقيها ودؤوب".
وبرواية "غدت وغدا رب سواه يسوقها" والبيان في الكامل للمبرد "1/373" ضمن أربعة أبيات.

(2/333)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ.
ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ1 فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يفسره.
__________
1أخرجه أبو عبيد "4/120" ومسلم في الإيمان "1/128" وأحمد في مسنده "5/386, 405" في حديث طويل.

(2/333)


ويقال أَنَّهُ أراد بالحصير حصير الجنب وهو عرق أو لحمه تمتد معترضا على جنب الدابة إلى ناحية بطنها فشبهها بذلك وهذا التفسير1 عَنِ الليث ابن المظفر. وَقَالَ غيره معناه أن الفتن تحيط بالقلوب من جميع جوانبها ويقال حصرته القوم أي أطافوا به2.
__________
1 ط: "التأويل".
2 من د.

(2/334)


حديث حذيقة بن اليمان رحمه الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ سُبَيْعَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: أَتَيْنَا الْكُوفَةَ فإذا أنبأنا بِرِجَالٍ مُشْرِفِينَ عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَقَالَ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ فَبَرْشَمُوا إِلَيْهِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بن بشار بندار أخبرنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي سُبَيْعُ بْنُ خَالِدٍ.
البرشمة: تحديق النظر يُقَالُ برشم الرجل إلى الشيء إذا فتح عينيه وحدد النظر إليه فعل المنكر له أو المتعجب منه فهو مبرشم وأنشد يعقوب:
وألفيت الخصوم وهم إليه ... مبرشمة أهلوا ينظرونا
وَقَالَ آخر:
والقوم من مبرشم وضافر
أي ساكت.
ويقال أيضا برهم الرجل بمعنى برشم.
وتأويل هذا الكلام أَنَّهُ إنما كان يسأل عَنِ الشر ليعرف موضعه فيتوقاه وذلك أن الجاهل بالشر أسرع إليه وأشد وقوعا فيه.
ويروى عَنْ بعض السلف أَنَّهُ قيل له إن فلانا لا يعرف الشر فَقَالَ أجدر أن يقع فيه. ولهذا صار عامة ما يروى من أحاديث الفتن وأكثر ما يذكر من أحوال المنافقين ونعوتهم منسوبة إليه ومأخوذة عنه.
__________
1 أخرجه الحاكم في مستدركه "4/432" بألفاظ متقاربة بدون قوله: "فبرشموا إليه". والفائق "برشم" "1/102".

(2/327)


حَدِيثُ أَبِي الدِّرْدَاءِ عُوَيْمَرِ بْنِ مالك رضي الله عنه
حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: "وَيْلٌ لِلْقَلْبِ النَّخِيبِ وَالْجَوْفِ الرَّغِيبِ ولا يبال بقول الطبيب".
...
حَدِيثُ أَبِي الدِّرْدَاءِ عُوَيْمَرِ بْنِ مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: وَيْلٌ لِلْقَلْبِ النَّخِيبِ وَالْجَوْفِ الرَّغِيبِ وَلا يُبَالِي بِقَوْلِ الطبيب1.
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا أبو داود أخبرنا يزيد أخبرنا محمد الدمشقي أخبرنا أَبُو مُسْهَرٍ حَدَّثَنِي صَدَقَةُ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانىء عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
القلب النخيب هو الفاسد النغل وأصل هذا في الجبن يُقَالُ نخب قلب الرجل ينخب إذا جبن وضعف فهو منخوب ونخيب ورجل نخب وهو أنخب من نعامة قَالَ حسان بن ثابت2.
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت مجوف نخب هواء3
قال ابن السكيت إنما قيل للجبان منخوب ونخيب ومنتخب بمعنى أَنَّهُ منتزع الفؤاد ومنه قولهم انتخبت رجلا من القوم أي انتزعت والنخبة المنتزعة من المتاع وغيره المنتقاة.
قَالَ الأصمعي: من نعوت الجبان البرشاع وهو الذاهب القلب والجبأ الوهل الفزع قَالَ الشاعر:
__________
1 الفائق "نخب" "3/415" والنهاية "نخب" "5/31" بلفظ "بئس العون على الدين قلب نخيب".
2 من د.
3 الديوان "75".

(2/335)


فما أنا من ريب المنون بجبأ ... وما أنبأنا من سيب الإله بيائس1
قَالَ والمنفوه الضعيف الفؤاد والمفؤود مثله. والكهكاهة المتهيب.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب قَالَ الهيبان الجبان الهيوب قَالَ: والهيبان الراعي والهيبان التراب أيضا وأنشد:
أكل يوم شاعر مستحدث ... نحن إذا في الهيبان نبحث2
والرغيب الأكول الواسع الجوف ويقال إناء رغيب ومكان رغيب أي واسع قَالَ حُمَيْد بنُ ثور يَصفُ القطا:
تبادر أطفالا مساكين دونها ... فلا ما تخطاه العيون رغيب3
وروى أَبُو بَكْرِ بْن عياش عَنْ سليمان بن قرم قَالَ لما أراد الحجاج قتل سعيد بن جبير قَالَ ائتوني بسيف رغيب4 أي عريض الصفحتين.
__________
1 اللسان التاج "جبأ" وعزي لمفروق بن عمرو الشيباني يرثي إخوته: قيسا والدعاء وبشر القتلى في غزوة بارق بشط الفيض, وقبله:
أبكي على الدعاء في كل شنوة ... ولهفي على قيس زمام الفوارس
2 اللسان التاج "هيب" برواية "أكل يوم شعر مستحدث".
3 الديوان "54" برواية:
وتأوى إلى زغب مساكين دونها ... فلاما تخطاه العيون مهوب
4 أخرحه ابن سعد في طبقاته "6/265".تركوك لمتلك".

(2/336)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: فِي كَلامٍ لَهُ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ يَوْمٍ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَرْضِ إِلا عَرْضَ ذِرَاعَيْنِ فِي طُولِ أَرْبَعٍ أَتْقَنُوا عَلَيْكَ الْبُنْيَانَ وَتَرَكُوكَ لمتلك1.
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/375" مختصرا: الجزء الأخير فقط كما سيأتي أيضا وابن أبي شيبة في مصنفه "3/371" بتمامه في الجنائز بلفظ."ثم تركوك بمثل ذلك" بدل "ثم تركوك لمتلك".

(2/336)


حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا ابن أبي شيبة أخبرنا غُنْدَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءَ حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ غَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
/ وَقَوْلُهُ لمتلك أي لمصرعك يقال تلَلْتُ الرَّجُلَ إذا صرَعْتَه قَالَ أبو عبيدة في قوله: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} 1 [127] أي صرعه للوجه وأنشد:
وتل أبو حكم للجبيـ ... ـن وصار إلى أمه الهاوية
وروى حجاج عَنْ شعبه أَنَّهُ كان يرويه مصحفا يقول تركوك لمثلك.
حدثناه ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا حجاج قَالَ قلت لشعبة إن مستلم بن سعيد يقول لمتلك فَقَالَ شعبة قَالَ والله ما كنت أظنه يقيم حرفين فَقَالَ يحيى ولقول قول مستلم وصحف شعبة2.
__________
1 سورة الصافات: "103".
2 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/375" رقم "4849".

(2/337)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَيَجِيءُ وَهُوَ يُقَرْقِفُ فَأَضُمُّهُ بَيْنَ فَخْذِي وَهِيَ جُنُبٌ لَمْ تَغْتَسِلَ1.
يَرْوِيهِ حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ.
قولها: يقرقف أي يرعد من شدة البرد ومن هذا سميت الخمر
__________
1 أخرحه ابن أبي شيبة في مصنفه "1/76" عن عطاء عن أم الدرداء.

(2/337)


قرقفا ويقال هو يرعد ويقرقف ويؤرض ويقل من القل وهو الرعدة.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لأَخِيهِ زَيْدٍ لَمَّا وَدَّعَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْيَمَامَةَ: مَا هَذَا الْقِلُّ الَّذِي أَرَاهُ بِكَ يُرِيدُ الرَّعْدَةَ مِنَ الْفَزَعِ.
فأما القل بضم القاف فهو بمعنى القلة يقال رماه اللَّه بالقل والذل.
وأما يؤرض فمن الأرض وهو الرعدة ومنه قول ابْنِ عَبَّاسٍ أزلزلت الأرض أم بي أرض قَالَ ذو الرمة:
أو كان صاحب أرض أو به الموم1
__________
1 الديوان "587" وصدره "إذا توجس ركزا من سنابكها" وهو في الصحاح "موم" واللسان "وجس" والتاج "أرض".

(2/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ زَمَانِكُمْ فِيمَا غَيَّرْتُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ. إِنْ يَكُ خَيْرًا فَوَاهًا وَاهًا وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَاهًا آهًا1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ يحيى بن صالح أخبرنا محمد بن قتيبة العسقلاني أخبرنا عبد الله بن هانىء بن عبد الرحمن بْنِ أَبِي عَبْلَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
قوله: واها إنما يُقَالُ ذلك على التمني للخير والتعجب له قَالَ الشاعر:
واها لريا ثم واها واها2
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "10/230" بلفظ "فيما غيرتم" بدل "فيما غيرتم" وعزاه للطبراني.
2 مجالس ثعلب "228" من رجز لأبي النجم العجلي واللسان "ويه" وجاء بعده:
يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نرضي به أباها
فاضت دموع العين من حراها ... هي المنا لو أننا نلناها

(2/338)


وأما قوله: آها فإنما يُقَالُ ذلك في التوجع ومثله أها قَالَ نابغة بني شيبان:
أقطع الليل أهة وحنينا ... وابتهالا لله أي ابتهال1
وَقَالَ المثقب:
إذا قمت أرحلها بليل ... تأوه أهة الرجل الحزين2
ويروى آهة الرجل الحزين وفيه لغات غير هذه يُقَالُ أوه من عذاب اللَّه وآه من عذاب اللَّه وأه من عذاب اللَّه وأوه من عذاب اللَّه بالتشديد والقصر قَالَ الشاعر:
فأوه من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء3
وأما إيه وإيه لغير تنوين فإنها بمعنى الاستدعاء قَالَ ذو الرمة:
وقفنا فقلنا إيه عَنْ أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع4
وأما إيها فمعنى الزجر وأما ويها فله موضعان أحدهما إذا أغريت الرجل بالشيء قلت له ويها أبا فلان. والموضع الآخر إذا صدقت بالشيء وارتضيته قلت ويها ما أولاه.
__________
1 ديوان نابغة بني شيبان "69" برواية "لا يقطع الليل آهة وانتحابا".
2 اللسان التاج "أوه" برواية "تأوه آهة" وهو في ديوانه "194".
3 اللسان التاج "أوه" برواية "فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها".
4 الديوان "356" وجاء في الشرح: قال الأصمعي: أساء في قوله: إنه بلا تنوين وكان ينبغي أن يقول: إيه عن أم سلمة ومعناه: حدثنا عن أم سالم, فإذا كان نهيا قال: إيها أي اكفف عنا, فإن استطبت الشيء قلت واها له كما قال أبو النجم: "واهًا لِرَيَّا ثُمَّ واهًا وَاهَا" فإن زجرت قلت: ويها يا هذا.

(2/339)


ويقال تأوه الرجل إذا قَالَ أوه. وتويل إذا دعا بالويل.
[128] / وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر قَالَ حضرنا مجلس أبي العباس ثعلب فأقبل علينا فَقَالَ: كيف الفعل من الويل؟ فبلح1 القوم ولم يكن عند واحد منهم جواب وفي المجلس ابن كيسان وغيره فأنشدنا:
تويل إذ ملأت يدي وكانت ... يميني لا تعلل بالقليل2
قَالَ أَبُو عُمَر ويقال في هذا أيضا وال يويل على وزن مال يميل.
فأما قول اللَّه تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} 3 فقد روي في هذا أَنَّهُ كان إذا ذكر النار قَالَ أوه أوه4 ويقال الأواه الموقن5.
أخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا زيد بن الحباب أخبرنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ6 عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الأَوَّاهُ الْمُوقِنُ.
__________
1 بلح: وانقطع "عن التاج".
2 اللسان والتاج "ويل" برواية "تول إن مددت يدي وكانت".
3 سورة هود:"75".
4 ط: "آوه أوه".
5 أخرجه طبري في تفسيره "11/49" تحت آية {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} .
6 في التقريب "2/115" قابوس بن أبي ظبيان بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية.

(2/340)


قوله: زملا فإن الزمل في كلام العرب بمعنى الحمل ومنه قولهم ازدمل فلان الحمل أي احتمله يريد أَنَّهُ في كثرة ما جمعه من العلم وادخر منه كالحمل العظيم من المتاع المحزوم.
ورواه بعض أصحابنا عَنْ أَبِي العباس السراج عَنْ أَبِي كريب فَقَالَ زملا عظيما وهذا لا وجه له إنما الزمل الضعيف وكيف يكون صغيرا عظيما ضعيفا قويا هذا لا معنى له فإنما يكون بمعنى العظيم الإزمول وهو الشيخ الكبير.
ويقال للهرم من الوعول إزمول قَالَ ابن مقبل:
عودا أحم القرى إزمولة وقلا1
قَالَ ابن عيينة: قَالَ ابن أبي حسين: كان أَبُو الدرداء من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء2.
وَقَالَ مكحول: كان أصحاب رسول الله يقولون أتبعنا للعلم بالعمل أَبُو الدرداء.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: "نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الصَّنَخَةَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ"3.
مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطِيَّةَ4 بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عمرو السجستاني.
__________
1 الديوان "183" وعجزه "على تراث أبيه يتبع القذفا" وهو في اللسان والتاج "زمل, قذف".
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/225" عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أبي حسين عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يزيد بن معاوية.
3الفائق "صنخ" "2/317" والنهاية "صنخ" "3/55".
4 س: "عن عطية عن فيس" "تحريف" والمثبت عن بقية النسخ, وفي التهذيب "7/228" وعطية بن فيس يروي عن أبي الدرداء انظر ترجمة عطية ين قيس.

(2/341)


الصنخة سهوكة الريح من صنان أو درن أو نحوه يُقَالُ صنخ بدنه وسنخ والسين أشهر والصاد مسموعة وقد تتعاقب الصاد والسين في مواضع.

(2/342)


وأما قوله: ولا يعتق محرروهم فإنه قد فسره بمعنى أنهم إذا أعتقوا عبدا لم يطلقوه لكنهم يستخدمونه كما يستخدم العبد فمتى أراد فراقهم ادعوا رقه. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا وجه وقد بقي فيه قولان آخران:
أحدهما أنهم إذا أعتقوا عبدا اعتدوا عليه بالعتق واستعبدوه بالمنة فيبطل بذلك أجرهم قَالَ اللهُ تَعالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} 1.
والوَجْه الآخر أن يكون ذَلِكَ في ولاء من أعتقوه وذلك أن العرب كانت تبيع الولاء وتهبه وتناقله تناقل الملك فلذلك نهى عَنْ بيع الولاء وهبته2. وَقَالَ الولاء لحمة كلحمة النسب3.وأنشد ابن الأعرابي عَنِ المفضل يذكر هذا الصنيع لقوم في مولى لهم:
فباعوه عبدا ثم باعوه معتقا ... فليس له حتى الممات خلاص
[130] وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: / لَيْسَ فِيهَا مَنِيٌّ وَلا مَنِيَّةٌ إِنَّمَا تَدْحُمُوهُنَّ دَحْمًا4.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
الدحم: النكاح وفيه لغتان دحم ودحب يريد أنهم ينالون اللذات ويصانون من الآفات.
__________
1 سورة البقرة: "264".
2 أخرجه أبو داود في الفرائض "3/127" والدارمي في الفرائض أيضا "2/398".
3 أخرجه الحاكم في مستدركه "4/341" من حدديث عبد الله بن غمر وذكره الهيثمي في مجمعه "4/231" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى وعزاه للطبراني وأخرجه الدارمي ف الفرائض "2/398" من قول عبد الله ولم يرفعه.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/421".

(2/344)


وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلامُ مَرْفُوعًا. حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا محمد بن أيوب أخبرنا عمرو بن رافع أخبرنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ حُصَيْنُ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يكنى أبا عبد الرحمن يُحَدِّثُ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاةِ النَّبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَتَنَاكَحُ أَهْلُ الجنة قال نعم دحما دحما1.
__________
1 لم أجده من حديث ميمونة وذكره الهيثمي في مجمعه "10/416" من حديث أبي أمامة مرفوعا وذكره الحافظ في المطالب العالية هذا الحديث بلفظ "خداما خداما" وهو تحريف وفي كنز العمال "14/484" بلفظ "دحاما دحاما" عن أبي أمامة كذالك في "14/648".

(2/345)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ فِي حَدِيثِ رَوَتْهُ عَنْهُ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود.
أخبرنا رجاء بن المرجى حدثنا النضر بن شميل أخبرنا مُوسَى بْنُ ثَرَوَانَ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بن عبيد الله بْنِ كَرِيزٍ1 قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه يَقُولُ: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ" 2.
للسيد في هذا معنيان أحدهما أن يكون بمعنى الرئيس وأن تكون أرادت بهذا القول تسويده وتعظيمه. والآخر وهو أخصهما به أن يكون بمعنى الزوج.
__________
1كذا في المشتبه "2/551" طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كريز الخزاعي وفي التقريب "1/379" طلحة بن عبيد الله كريز بفتح أوله الخزاعي – أبو المطرف ثقة مات بعد المائة وفي جميع النسخ "طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كريز".
2 أخرجه أبو داود في الوتر "2/89" وأخرجه أحمد في مسنده "6/452" وابن الأثير في أسد الغابة "7/327" من حديث أم الدرداء.

(2/345)


أخبرني أَبُو عُمَرَ أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابن الأعرابي قَالَ السيد الزوج وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} 1 أي زوجها قَالَ الأعشى:
وسيد نعم ومستادها
ويقال استاد الرجل في بني فلان إذا نكح في سادتهم قَالَ الشاعر:
أراد ابنُ كُوزٍ والسَّفَاهَةُ كاسْمِها ... لِيَسْتَادَ منا أن شتونا لياليا3
وقد يتأول حديث عائشة أيضا على هذين المعنيين.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا أبو سعيد الحارثي أخبرنا يحيى بن سعيد القطان أخبرنا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ الرَّمَّامُ حَدَّثَتْنِي كَرِيمَةُ بِنْتُ هَمَّامٍ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ عَنِ الْخِضَابِ فَقَالَتْ كَانَ سَيِّدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ رِيحَتَهُ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْكُنَّ أَخَوَاتِي أَنْ تَخْتَضِبْنَ4.
وأشبه الوجهين أن تكون أرادت زوجي لأن الإضافة بالاسم الخاص يدل على معنى خاص وقد كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد المسلمين كافة ورئيس الخلق قاطبة.
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَ مِنَ الطِّيبِ وَأَنَّ الْمُحْرِمَةَ إِذَا اخْتَضَبَتْ بِهِ
__________
1 سورة يوسف: "25"
2 اللسان التاج "سود" برواية "وسيد تيا ومستادها" وصدره "فكنت الخليفة من بعلها" وفي الديوان "58" برواية الخطابي وصدره "فبت الخليفة من زوجها".
3 اللسان التاج "سود" برواية "تمنى ابن كوزوالبيت غير معزو.
4 أخرحه أبو داود في الترجل "4/76" عن علي بن المبارك عن يَحْيَى بن أبي كَثير عن كريمة بلفظ "لا بأس به ولكن أكرهه كان حبيبي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يكره ريحه" وأخرحه النسائي في زينة "8/142" عن علي بن المبارك عن كريمة وذكره المزي في الكمال "17/848" في ترجمة كريمة.

(2/346)


لم يكن عليها الفدية ألاتراه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ" 1 فَلَوْ كَانَ الْحِنَّاءُ مِنَ الطِّيب لَمْ يُكْرَهُ رِيحُهُ وَاللَّهُ أعلم.
__________
1 أخرجه النسائي في عشرة النساء "7/61" وأحمد في مسنده "3/128, 199, 285".

(2/347)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي الدرداء: نعم الفارس عويمر غير أفة1.
ذكره الواقدي في المغازي إما عزاه إلى رسول الله وإما إلى قائل أثني على أبي الدرداء بحضرته.
وقد جاء تفسيره غير جبان أو غير ثقيل هكذا جاء في الحديث وأرى الأصل فيه الأفف وهو الضجر قاله ابن الأعرابي يريد غير ضجر ولا وكل في الحرب.
وَقَالَ بعض أهل اللغة معنى الأفة المعدم المقل من الأفف وهو الشيء القليل قَالَ / وهو أيضا [131] الرجل القذر من الأف وهو وسخ الأذن. قال أَبُو سُلَيْمَانَ والقول الأول أجود لأنه قد ينتظم المعنيين المذكورين من الجبن والثقل والله أعلم.
ويقال فلان أفوفة وهو الَّذِي لا يزال يقول لصاحبه أف لك.
__________
1أخرجه الواقدي في مغازيه "1/253" مرفوعا بدون قوله: "غير أفة" وأخرجه في طبقاته "7/392" بتمامه بطريق الواقدي.

(2/347)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي الدرداء أَنَّهُ قَالَ: أقرض من عرضك ليوم فقرك1. قال ابن الأنباري معناه أن من سب أباك وأسلافك
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/218" وهو في تهذيب ابن عساكر "6/203" في حديث طويل بلفظ "ليوم فقدك" بدل "ليوم فقرك".

(2/347)


فلا تسب أباه وأسلافه ولكن اجعل ذلك قرضا عليه ليوم القصاص والجزاء قَالَ وَقَالَ ابن قتيبة العرض هاهنا النفس ولا يجوز أن يكون المراد به الأسلاف لأنه إذا ذكر أسلافه لم يكن التحليل إليه لأنه ذكر قوما موتي.
قَالَ أَبُو بَكْر وليس المعنى عندنا في هذا كما قَالَ لأنه لم يحلله من سبه الآباء إنما أحله مما وصل إليه من الأذى في ذكره أسلافه واحتج في العرض بقول مسكين الدارمي:
رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب1
قَالَ فمعناه رب مهزول الجسم والبدن كريم الآباء. وقَالَ آخر:
قاتلك اللَّه ما أشد عليك البذل ... في صون عرضك الخرب2
يريد في صون أسلافك اللئام.
__________
1 اللسان التاج "عرض".
2 اللسان التاج "عرض" برواية "الجرب" بدل "الخرب".

(2/348)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلا قَالَ: لَهُ إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقْرِئُونَكَ السَّلامُ وَيَأْمُرُونَكَ أَنْ تَعِظَهُمْ فَقَالَ اقْرَأْ عَلَيْهِمِ السَّلامَ وَمُرْهُمْ أَنْ يُعْطُوا الْقُرْآنَ بِخَزَائِمِهِمْ1.
أخبرناه ابن مكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد أخبرنا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قُلابَةَ الخزائم جمع خزامة وهي ما يجعل في أنف البعير ليذلل به فما كان من الشعر فهو خزامة وما كان من خشب فهو خشاش وما كان من صفر فهو
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/368" عن معمر عن أيوب والدارمي في سننه "2/434" في فضائل القرآن عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أيوب.

(2/348)


برة يُقَالُ خزمت الناقة من الخزامة وخششتها من الخشاش وأبريتها من البرة هذه وحدها بالألف.
يريد بإعطائهم القرآن بخزائمهم إلقاء الأزمة إليه والانقياد لحكمه والباء في قوله: بخزائمهم مزيدة كقولك أخذت بالشيء بمعنى أخذته وكقول الشاعر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

(2/349)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: سَلُونِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُونِي لَتَفْقِدُنَّ زِمْلا عَظِيمًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ1.
مِنْ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أبي الدرداء
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/641" وعزاه للروياني وابن عساكر.

(2/340)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لأَنَا أَعْلَمُ بِشِرَارِكُمْ مِنَ الْبَيْطَارِ بِالْخَيْلِ هُمُ الَّذِينَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا دَبْرًا وَلا يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ إِلا هَجْرًا وَلا يُعْتَقُ مُحَرَّرُوهُمْ1.
حدثنيه ابن مالك أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا ابن أبي شيبة حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابٍه وَرَوَاهُ: لا يسمعون القول إِلا هَجْرًا قَالَ: وَهُوَ الْخَنَا وَالْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هذا غلط وذلك لأن أحدا ممن أنكر القرآن أو عارضه لم يزعم أن شيئا من كلامه يدخله [129] الخنا أو يخالطه الفحش ولم يمكنه أن يدعي شيئا من هذا عليه لنزاهة / ألفاظه عَنْ دنس الهجر وبراءتها من قذع الفحش وإنما رموه بالصنعة والتزوير لرائع ألفاظه وبديع نظامه فمرة ادعوا عليه السحر لإعجازه ومرة نحلوه الصنعة لحسن بيانه فأما أن يعيبوه بأنه هجر من القول وإفحاش فأمر خارج عَنْ جملة ما أجروا إليه في رده وإنكاره وكيف كان يروج ذلك لمن تعاطاه والحواس من السامعين له تكذب القائلين به وتقضي بالجهل وسوء الفهم هذا لا وجه له ولا معنى فيه وإنما الرواية الصحيحة هجرا بفتح الهاء ومعناه الترك له والإعراض عنه يقال هجرت الشيء هجرا بمعنى أغفلته وتركته قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/221" وابن فتيبة في غريبه "2/272 – 273" برواية "ولا يعتق محررهم".

(2/342)


وأكثر هجر البيت حتى كأنني مللت وما بي من ملال ومن هجر وَيَدُّلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} 1 ومنه قول عبد الله بْنُ مَسْعُودٍ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إِلا دُبْرًا وَلا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا مُهَاجِرًا2 يُرِيدُ هُجْرَانَ الْقَلْبِ وَتَرْكَ الإِخْلاصِ فِي الذِّكْرِ وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ به المنافقين فقال {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} 3.
وقد يكون الهجر أيضا بمعنى الهذيان والتخليط في الكلام بمنزله كلام المبرسم4 وحديث من لا يعقل ما يقول يُقَالُ هجر المريض يهجر هجرا ومنه قوله تعالى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} 5 فأما الهجر بضم الهاء فهو الفحش يُقَالُ منه أهجر إهجارا بالألف
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وأري ابن قتيبة6 إنما أتي في هذا التأويل من جهة اختلاف7 اللفظ وذلك أَنَّهُ رواه في كتابه ولا يسمعون القول مكان قوله: ولا يسمعون القرآن فتوهم أَنَّهُ أراد به قول الناس وحديثهم. وإنما الصحيح من الرواية ما كتبناه هاهنا على أَنَّهُ لا فرق بينهما في المعنى وذلك لأنه إنما أراد بالقول القرآن كقوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} 8 يريد القرآن والله أعلم.
__________
1 سورة الفرقان:"30".
2 تقدم تحريحه في أحاديث ابن مسعود.
3 سورة النساء: "142".
4 القاموس "برسم" اليرسام: علة يهذى فيها, برسم بالضم فهو مبرسم.
5 سورة المؤمنون: "67".
6 د, ح: "وأرى القتبي".
7 د: "اخبلاط".
8 سورة الزمر: "18".

(2/343)


حَدِيثُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا امْرَأَتَهُ بُقَيْرَةَ فَقَالَ لَهَا: "إِنَّ لِي الْيَوْمَ زُوَّارًا ... ".
...
حَدِيثُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ: لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا امْرَأَتَهُ بُقَيْرَةَ فَقَالَ لَهَا إِنَّ لِي الْيَوْمَ زُوَّارًا ثُمَّ دَعَا بِمِسْكٍ فَقَالَ أَوْخِفِيهِ فِي تَوْرٍ فَفَعَلَتْ فَقَالَ انْضَحِيهِ حَوْلَ فراشي1.
يرويه عبيد الله بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَخْبَرَنِي الْجَزْلُ عَنِ امْرَأَةِ سَلْمَانَ بُقَيْرَةَ.
قوله: أوخفيه أي اضربيه بالماء
قَالَ أَبُو عبيدة يُقَالُ لجنت الخطمي وأوخفته والاسم منه اللجين والوخيف قَالَ الراجز:
إني إذا ما الأمرُ كان مَعْلا ... وأَوْخَفَت أَيدي الجبان غسلا2
شبه ارتعاش يد الجبان من الخوف بيدي موخف الخطمي.
[131] والميخف الإناء الَّذِي يوخف الخطمي فِيهِ وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ اسْتَقْبَلَ الْحُسَيْنَ بْنِ / عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: اكْشِفْ لِي عَنِ
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "4/92" بلفظ"أديفيه في تنور" بدل "أوخفي في تور" وأبو نعيم في الحلية "1/208" بلفظ "أذيفيه في تور" وذكره الهيثمي في مجمعه "9/344" بلفظ "أديفيه في ثور" وعزاه للطبراني وهو في الفائق "وخف" "4/49".
2 اللسان التاج "معل" وعزي الرجز للقلاح برواية "وأوخفت أيدي الرجال الغسلا" وجاء بعدهما "لم تلفني دارجة ووغلا: وجاء في الشرح إذا كان الأمر اختلاسا. "وأوخفت أيدي الرجال الغسلا" أي قلبوا أيديهم في الخصومة كأنهم يضربون الخطمي قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا توقفت للحرب تفاخرت قبل الوقعة فترفع أيديها وتشتر بها فتقول: فعل أبي كذا وكذا, وقام بالأمر كذا وكذا فشبهت أيديهم بالأيدي التي توخف الخطمي وهو الغسل, والدارجة والوغل: الخسيس.

(2/350)


الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُهُ مِنْكَ فَكَشَفَ لَهُ عَنْ سُرَّتِهِ كَأَنَّهَا مِيخَفُ لُجَيْنٍ فَانْكَبَّ عَلَيْهَا يُقَبِّلُهَا1 أَيْ مُدْهَنُ لُجَيْنٍ.
__________
1 النهاية "وخف" "5/164"

(2/351)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ: رُئِيَ مَطْمُومُ الرَّأْسِ وَكَانَ أَرْفَشَ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ سعدويه أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن ابن المبارك عن عبد الله بْنِ شَوْذَبَ.
هكذا قَالَ أرفش وإنما هو أشرف وهو الطويل الأذنين يُقَالُ أذن شرفاء أي طويلة.
وأخبرني الكراني أخبرنا ابن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء من صغرت أذناه قيل له أصمع ومن قصرت أذناه فهو أسك ومن عظمت أذناه فهو أغضف.
وَقَالَ بعض أهل اللغة الأرفش العريض الأذن شبه بالرفش وهو المجرفة من الخشب.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ سلمان رئي مطموم الرأس مُزَقَّقًا وَقِيلَ لَهُ شَوَّهْتَ نَفْسَكَ فَقَالَ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَةِ2 أَيْ كَهَيْئَةِ الزِقِّ يُجَزُّ شَعْرُهُ.
وَقَالَ الأصمعي: المزقق الجلد يسلخ من قبل رأسه وَقَالَ الطرماح:
ولو أن يربوعا يزقق مسكه ... إذا نهلت منه تميم وعلت3
__________
1الفائق "طمم" "2/368" والنهاية "رفش" "2/243" و "طمم" "3/139".
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/199" عن ابن شوذب بلفظ"كان سلمان رضي الله عنه يحلق رأسه قال: فيقال له: ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: إنما العيش عيش الآخرة.
3الديوان "63" الأساس "زقق" يهجو تميما.

(2/351)


أي يتخذ منه زق.
وقَالَ غيره الجلد المرجل الَّذِي يسلخ من قبل الرجل والمزقق الَّذِي يسلخ من قبل رأسه1.
__________
1 من د.

(2/352)


وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ: دُخِلَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَنَظَرُوا فِي بَيْتِهِ فَإِذَا إِكَافٌ وَقُرْطَاطٌ وَمُتَيْعٌ1.
حَدَّثْتُ بِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عبد العزيز حدثنا حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
القرطاط حشية تكون تحت الإكاف لذوات الحافر كالبرذعة للبعير والعامة تجعل البرذعة لذوات الحافر وإنما هي للإبل قَالَ الشاعر:
كأن جلب الرحل والقرطاط ... على سراة ناشط وخاط2
وفيه لغة أخرى وهو القرطان بالنون. والحلس الكساء الَّذِي يجعل تحت البرذعة يُقَالُ أحلست البعير من الحلس3 وأقتبته من القتب وأبطنته من البطان وألببته من اللبب وأعذرته من العذار وأشنقته من الشناق
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/196" هن مؤرق العجلي بلفظ"إلا إكافا ووطاء ومتاعا" وأخرجه أيضا في "1/196" عن ابن المسيب ما عدا قوله الأخير وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة "1/551" وأخرجه ابن المبارك في الزهد ص "344" عن مؤرق بعض أصحابه ممن أدرك سلمان بلفظ"فلم نر إلا إكافا وقرطاطا" والقرطاط: البرذعة التي تكون تحت الإكاف وانظر تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/211".
2 ديوان العجاج "250" برواية "ناشط خطاط" والخطاط: الذي يشق الأرض يقطعها إلى غبرها.
3 ط, د: "بالحلس".

(2/352)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ بِهِ فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَرَةِ هَذَا مَوَاضِعٌ لِسُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ1.
حدثنيه الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا بشر بن هلال الصواف أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ ثَابِتٍ.
القصرة أصل الرقبة.
وروى الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي صالح الأشعري عَنْ أبي ريحانة قال إني لأجد في بعض ما أنزل من الكتب الأقبل القصير القصرة صاحب العراقين مبدل السنة يلعنه أهل السماء وأهل الأرض ويل له ثم ويل له2.
والقصر داء يأخذ في العنق فيلتوي منه قَالَ طرفه:
وأنا امرؤ أكوي من القصر الـ ... ـبادي وأغشى الدهم بالدهم3
__________
1 الفائق "قصر" "3/202" والنهاية "قصر" "4/68" وجاء فيها: وذلك قبل أن يسلم فإنهم كانوا حراصا على قتله, وقيل: كان بعد إسلامه.
2 النهاية "قصر" "4/68".
3 الديوان "95".

(2/353)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سلمان أنه: إِذَا أَصَابَ / الشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَمَدَ إِلَى [133] جِلْدِهَا فَجَعَلَ مِنْهُ جَرَابًا وَإِلَى شَعْرِهَا فَجَعَلَ مِنْهُ حَبْلا فَيَنْظُرُ رَجُلا قَدْ صَوَّعَ بِهِ فَرَسُهُ فَيُعْطِيَهُ1.
يَرْوِيهِ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حدثنا عبد الرحمن بْنُ زِيَادٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/295" وفيه: "قد صرع به" بدل "قد صرع به" كما في تهذيب ابن عساكر "6/208 – 209".

(2/353)


قوله: صوع به فرسه أي جمح برأسه وامتنع وأكثر ما يُقَالُ هذا في الطائر إذا تابع تحريك رأسه قيل صوع رأسه ويقال: تصوع القوم إذا ولو سراعا مثل انصاعوا وتصوع الشعر إذا تفرق قَالَ متمم1:
وأرملة تمشي بأشعث محثل ... كفرخ الحبارى رأسه قد تصوعا
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأى ما يصيبه الرجل في دار الحرب ملكا له دون أصحابه سواء كان طعاما أو غيره وهو رأي مالك فأما الشافعي فلا يجيز له الانتفاع إلا بالطعام ومن انتفع بشيء سواه فاستهلكه أدى قيمته وما نقصه ضمنه لأهل المغنم.
__________
1 د: "تميم" البيت لمتمم بن نويرة, جاء ضمن قصيدة في المفضليات "266" برواية "قد تضوعا" بدل "قد تصوعا".

(2/354)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ امرىء جُوَّانِيًّا وَبرَّانِيًّا فَمَنْ يُصْلِحُ جُوَّانِيَّهُ يُصْلِحُ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ. وَمَنْ يُفْسِدُ جُوَّانِيَّهُ يُفْسِدُ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ1.
حَدَّثَنِيهُ عبد الله بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيِّ عَنْ سَلْمَانَ.
جوانيه سره ودخلته منسوب2 إلى الجو زيدت في النسبة الألف والنون كقولهم رباني إذا نسبوا إلى الرب ولحياني وجماني إذا وصف بعظم اللحية ووفور الجمة والبراني منسوب إلى البر يقول من أصلح باطن أمره فيما بينه وبين اللَّه أصلح اللَّه له ظاهره وحسن في أعين الناس أمره ومن أفسد سره ونيته أفسد اللَّه أمره وقبح في عيون الناس علانيته
__________
1 أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد كما في زيادات نعيم بن نعيم بن حماد "17" وأخرجه أبو نعيم في الحلية "1/203".
2 د: "منسوبة إلى الجو".

(2/354)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ: "كَاتَبَ أَهْلَهُ عَلَى ثلاثمائة وَسِتِّينَ عَذْقًا وَعَلَى أَرْبَعِينَ أَوْقِيَّةً خِلاصٍ فَأَعَانَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بستين عذقا"1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ.
العذق بفتح العين النخلة والعذق بكسرها الكباسة وكان أهله كاتبوه على أن يغرسها لهم فسلانا ففعل فما أخطأت منها ودية والخلاص والخلاصة ما أخلصته النار من الذهب ومنه خلاصة السمن إذا سلي وخلاصه قَالَ أَبُو الدقيش الزبد خلاص اللبن.
__________
1 لم أجده في مغازي الواقدي وقد أخرجه قصة إسلام سلمان ومكاتبته محمد بن إسحاق في السيرة "66 – 70" وأحمد في مسنده "5/442 – 443" وغيرهما بألفاظ متقاربة وانظر الفائق "عذق" "2/406".

(2/355)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ: كَتَبَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَا أَخِي إِنْ تَكُنْ بَعُدَتِ الدَّارُ مِنَ الدَّارِ فَإِنَّ الرُّوحَ مِنَ الرُّوحِ قَرِيبُ وَطَيْرُ السَّمَاءِ عَلَى أَرْفَهِ خَمَرِ الأَرْضِ تقع1.
حدثناه الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا بقية بن الوليد أخبرنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَعْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الأرض المقدسة فكتب إليه سَلْمَانُ بِذَلِكَ. فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ رَوَاهُ الأَصَمُّ أَرْفَهُ بِفَتْحِ الأَلِفِ أَوْ أُرْفَهُ بِضَمِّهَا فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ أَرْفَهُ فَمَعْنَاهُ أَخْصَبَ مِنَ الرفة / وإن كانت أرفة فمعناه الْحَدُّ وَالْعَلَمُ يُجْعَلُ بَيْنَ أَرْضَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَفِي [134] الْحَدِيثِ "إِذَا وَقَعَتِ الأُرَفُ انْقَطَعَتِ الشُّفْعَةُ" 2يُرِيدُ الحدود
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/205" قصة دعوة أبي الدرداء لسليمان إلى الأرض المقدسة وذكره ما كتبه له سليمان بألفاظ مختلفة وهو في تهذيب ابن عساكر "6/209".
2 لم أجده بهذا اللفظ وقد أخرجه أبو عبيد في غريبه "417:3" من حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ "والأرف تقطع كل شفعة" والبيهقي في سننه "6/105" وانظر كنز العمال "11:7".

(2/355)


ومنه حديث عبد الله بن سلام: "وايم اللَّه ما أجد لهذه الأمة من أرفة أجل بعد السبعين" 1 يريد من حد ينتهي إليه.
وحكى بعض أهل اللغة أن امرأة من العرب كانت تبيع تمرًا فقالت إن زوجي أرف لي أرفة لا أجاوزها تريد أَنَّهُ حد لها في السعر حدًا لا تجاوزه والخمر كل ما واراك وسترك من شجر وغيره ويقال في الرجل الذليل أَنَّهُ لا يدب إلا في خمر ولا يشرب إلا من كدر وإنما أريد به الشجر هاهنا لأنه مأوي الطير ومسقطه وهذا مثل2 ضربه يريد به الاعتذار إليه يقول مقامي في وطني أرفق بي.
__________
1 النهاية "أرف" "1/40".
2 أورده الميداني "2/417" والزمخشري "2/400" واللسان "خمر, ضرا" مع اختلاف الرواية.

(2/356)


حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ كَعْبٍ أَنَّهُ جَرَتْ مُحَاوَرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَقَالَ كَعْبٌ: "فقلت كلمة أزبيه بذلك".
...
حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَنَّهُ: جَرَتْ مُحَاوَرَةٌ بينه وبين عبد الله بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَقَالَ كَعْبٌ فَقُلْتُ كَلِمَةً أَزْبِيهِ بِذَلِكَ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْكَلامِ أَزْبِيهِ أَيْ أُحَرِّكُهُ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ يُقَالُ زبيت الشيء وازدبيته إذا احتملته فإن كان محفوظا فمعناه أزعجه وأقلقه كالشيء يحمل فيزال عَنْ مكانه والعرب تقول غضب الرجل حتى احتمل أي استخفه الغضب حتى أزعج عَنْ مكانه. قَالَ بعض أهل اللغة وقد ذاكرته بهذا الحرف هذا مقلوب من قولك أبزيت الرجل وبزوته إذا قهرته وأنشد لأبي طالب:
كذبتم وبيت اللَّه يبزي مُحَمَّد ... ولما نجالد دونه ونضارب2
ولو قَالَ قائل أربيه بالراء غير معجمة بعد أن يرويه ثقة لكنت أرى له وجها3 من قولك ربا الإنسان إذا غضب فانتفخ من شدة الغضب فإذا أردت أنك أغضبته قلت أربيته [أربيه] 4
__________
1 الفائق: زبى" "2/104" والنهاية "2/295".
2 اللسان والتاج "بزا" برواية:
كذبتم وحق الله يبزى محمد ... ولما نطاعن دونه ونناضل
3 د, ط: "لكنت أراه وجها".
4 ساقط من ط.

(2/357)


حديث المقداد رحمه الله
حَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّ أَبَا رَاشِدٍ الْحَبْرَانِيَّ قَالَ: "رَأَيْتُهُ جَالِسًا عَلَى تَابُوتٍ مِنْ تَوَابِيتِ الصَّيَارِفَةِ وَقَدْ فضل عنها عظما".
...
حَدِيثُ الْمِقْدَادِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّ أَبَا رَاشِدٍ الْحَبْرَانِيَّ قَالَ: رَأَيْتُهُ جَالِسًا عَلَى تَابُوتٍ مِنْ تَوَابِيتِ الصَّيَارِفَةِ وَقَدْ فَضَلَ عَنْهَا1 عِظَمًا قُلْتُ يَا أَبَا الأَسْوَدِ لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ قَالَ أَبَتْ عَلَيْنَا سُورَةُ الْبُحُوثِ {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 2.
يَرْوِيهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ الرَّحَبِيِّ عَنْ عبد الرحمن بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ.
قوله: أعذر اللَّه إليك معناه بلغ بك موضع العذر يتأول قوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 3 وجعل ثقل البدن بمنزلة المرض والزمانة اللذين يرخصان في ترك الجهاد.
قَالَ أَبُو عبيدة يُقَالُ أعذرت الرجل بمعنى عذرته وأنشد للأخطل:
فإن تك حرب ابني نزار تواضعت ... فقد أعذرتنا في كلاب وفي كعب4
__________
1 د, ح: "فضل عليها".
2 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/163" والطبري في تفسيره "10/139" والحاكم في مستدركه "2/118, 349:3" وأبة نعيم في الحلية "1/176" وابن المبارك في كتابه الجهاد "88" بطريق آخر, عن جبير بن نفير, والبيهقي في السنن الكبرى "9/21" عن جبير بن نفير أيضا – والآية في سورة التوبة: "41".
3 سورة النساء: "95".
4 اللسان "عذر" برواية "عذرتنا" بدل "أعذرتنا" وجاء فيه: "ويروى أعذرتنا" وفي شعر الأخطل "1/48" برواية "فقد عذرتنا من كلاب ومن كعب".

(2/358)


وقال الفراء أعذر الرجل فهل معذر إذا بلغ أقصى العذر ومن هذا / قولهم أعذر من أنذر فأما [135] قولهم من عذيري من فلان ومن يعذرني منه فأبين شيء سمعت فيه قول أبي مالك قَالَ ومعناه من القائم بعذر فلان عندي فيما يصنعه قَالَ ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد1
يقول من القائم بعذره عندي في مكافأتي على الخير بالشر ونصب عذيرك على معنى هلم معذرتك.
وَقَوْلُهُ: أبت علينا سورة البحوث يريد سورة التوبة وسميت بها لكثرة ما في هذه السورة من ذكر المنافقين وشدة البحث عنهم والكشف عَنْ سرائرهم ويقال لها المبعثرة أيضا لهذا المعنى والله أعلم.
__________
1 العقد الفريد "1/142" برواية: "أريد حياته" وهو في شعر عمر بن معد يكرب "92".

(2/359)


حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ أَنْهَكِ أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
...
حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ أنهك أصحاب رسول الله1.
يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانَ عَنْ عبد الرحمن بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَايةَ بْنِ رَافِعٍ.
قوله: أنهك معناه أشد وأشجع2 يُقَالُ رجل نهيك بين النهاكة أي الشجاعة وأصل النهك المبالغة في العمل.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ نهكت في الطعام إذا أكل أكلا شديدا.
قَالَ الأصمعي: قَالَ أعرابي ما دعاني أحد إلى طعام إلا نهكت فيه فإن كان يسره سررته وإن كان يغمه ففعل اللَّه به وفعل قَالَ وَقَالَ شيخ من هوازن وددت أَنَّهُ لم يكن لي طعام إلا اللحم والتمر ما عشت فينهكني هذا على هذا وهذا على هذا أي يشحذني ويقال نهكته الحمى إذا هزلته وأذابته والنهك التنقص قَالَ زهير:
فلا تكونن كأقوام علمتهم ... يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا3
وأخبرنا ابن مالك حدثنا الفضل بن عمرو حدثنا محمد بن سلام الجمحي حدثنا
__________
1 الفائق "نهك" "4/35" والنهاية "نهك" "5/138".
2 ط: "معناه أجلد وأشجع".
3 شرح الديوان "181".

(2/360)


زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرَّقَّادِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا أُمَّ عَطِيَّةَ إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي وَلا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَسْرَي لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ" 1.
يريد لا تبالغي في الخفض وهو الختان وَقَوْلُهُ: أسرى للوجه أي أصفي للونه وأبقي لنضارته من قولك سروت الثوب عَنِ البدن إذا نضوته وسروت الجل عَنِ الدابة إذا نزعته قَالَ الشاعر:
سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل2
__________
1 ذكره ابن القيم بهذا اللفظ في تحفة المودود بأحكام المولود "189" عن ميمونة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنها قالت للخاتنة: "إذاخفضت فأشمي" وأخرحه أبو داود بنحوه في الأدب "4/368" عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل" وذكره السيوظي في الجامع الكبير "1/950" بلفظ "اخفضي" بدل "أشمي" عن الضحاك بن فيس وعزاه لابن منده وابن عساكر.
2 اللسان والتاج "سرا" وعجزه "وودع للبين الخليط المزايل" وعزي لابن هرمة.

(2/361)


حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنْ كان رسول الله يبعثنا ومالنا طَعَامٌ إِلا السْلَفُ مِنَ التَّمْرِ ... ".
...
حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كان رسول الله يبعثنا ومالنا طَعَامٌ إِلا السْلَفُ مِنَ التَّمْرِ فَنَقْسِمُهُ قَبْضَةً قَبْضَةً حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى تَمْرَةٍ تَمْرَةٍ قَالَ لَهُ عبد الله بن عامر: ماعسى أَنْ تَنْفَعَكُمْ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ قَالَ لا تَقُلْ ذَاكَ1 فَوَاللَّهِ مَا عَدَا أَنْ فَقَدْنَاهَا اخْتَلَلْنَاهَا2.
حَدَّثَنَاهُ ابن مالك أخبرنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عن عبد الله بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ.
السلف الجراب ويجمع على السلوف.
وَقَوْلُهُ: اختللناها معناه افتقرنا إليها أو طلبناها طلب خلة والخلة حاجة الفقر ومنه الحديث: "تفقهوا فإن [136] أحدكم لا يدري متى يختل إليه" 3 أي يحتاج إلى علمه ويقال رجل / خليل بمعنى فقير قَالَ زهير:
وإن أتاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مسِألةٍ ... يقُول لا غائِبٌ مالي ولا حَرِمُ4
__________
1 د: "لاتقل ذلك".
2 أخرجه أحمد في مسنده "3/446" وأبو نعيم في الحلية "1/179" وهو في الفائق "سلف" "2/194" برواية "كان رسول الله".
3 الفائق "خلل" "1/393".
4 شرح الديوان "153" وسبق في الجزء الأول لوحة "141".

(2/362)


حَدِيثُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ بَشِيرٍ أَنَّهُ خَرَجَ فِي سَرِّيَةٍ إِلَى فَدَكٍ فَأَدْرَكَهُ الدَّهْمُ عند الليل وأصيب أصحابه ...
...
حَدِيثُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ بَشِيرٍ أَنَّهُ: خَرَجَ فِي سَرِّيَةٍ1 إِلَى فَدَكٍ فَأَدْرَكَهُ الدَّهْمُ عِنْدَ اللَّيْلِ وَأُصِيبَ أَصْحَابُهُ وَوَلَّى2 مِنْهُمْ مَنْ وَلَّى وَقَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى ضُرِبَ كَعْبُهُ وَقِيلَ قَدْ مَاتَ3.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عبد الله بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ: أدركه الدهم يريد العدو والدهم العدد الكثير قَالَ الشاعر:
جاءوا بدهم يدحر الدهوما ... مجر كأن فوقه النجوما4
وَقَوْلُهُ: ضرب كعبه إنما يفعل ذلك بمن يوجد صريعا5 في المعركة ليعلم أحي هو أم ميت فإذا ضرب كعبه فلم يتحرك أيقنوا بموته
__________
1 د: "إلى سربة".
2 د: "فولى من ولى".
3 أخرحه الواقدي في مغازيه "2/723".
4 اللسان التاج "دهم" برواية "جئنا بدهم بدهم الدهوما".
5 د: "مرميا" بدل "صريعا".

(2/363)


حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه
حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: أَتَيْتُهُ لَمَّا قتل عثمان فاستشرته فقال: "ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ لِقَوْسِكَ وَتَرٌ فاقطعه ... ".
...
حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بْنُ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: أَتَيْتُهُ لَمَّا قُتِلَ عثمان فاستشرته. فقال: ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ لِقَوْسِكَ وَتَرٌ فَاقْطَعْهُ وَإِنْ كَانَ لِرُمْحِكَ سَنَانٌ فَانْصِلْهُ1.
حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ ابْنِ أبي خيثمة أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس أخبرنا زَائِدَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ.
قوله: أنصله أي انزعه يُقَالُ نصلت الرمح إذا جعلت له نصلا وأنصلته إذا نزعت نصله وكانوا يسمون رجبا منصل الأسنة لأنهم يتحاجزون عَنِ القتال في الأشهر الحرم.
وأخبرني أبُو عُمَر أَخْبَرَنَا أبو العَبَّاس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ أنصلت السهم إذا نزعت نصله فهو منصل ورجب منصل الأسنة ونصلته إذا ركبت عليه النصل وسهم منصل قَالَ والمنصول2 أيضا إذا أخذت نصله ومثله الناصل وأنشدنا:
ورميت في الهيجا بأفوق ناصل
فحاصل قول ابن الأعرابي أن أنصلت ونصلت بمعنى نزعت ونصلت مثقلة بمعنى ركبت عليه النصل فأما المنصل فهو السيف.
__________
1 الفائق "نضل" "3/437" والنهاية "نضل" "5/67".
2 د, ح: "والمنصول أيضا ما أخذت نصله".

(2/364)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَي أَنَّهُ قَالَ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَا ثَبَّرَ النَّاسَ مَا بَطَّأَ بِهِمْ قَالَ أَنَسٌ: الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ.
قوله: ثبر الناس أصله من الثبرة وهو تراب شبيه بالنورة يكون بين ظهراني الأرض فإذا بلغه عرق النخلة وقف ولم ينفذ يقولون عند ذلك2: بلغت النخلة ثبرة الأرض فضعفت.
يريد أَبُو موسى والله أعلم هذا المعنى يقول ما الَّذِي صد الناس ومنعهم عَنْ طاعة اللَّه ويشبه أن يكون هذا أصل الثبور الَّذِي هو الهلاك.
يُقَالُ: ثبره اللَّه بمعنى أهلكه ومنه قول الله تعالى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} 3 يقال: ثبره الله يثبره ثبرا وثبورا.
__________
1 د: "ما بطأ" كمنع وأخرجه أبو نعيم في حايته "1/259" بلفظ: ما أبطأ بالناس عن الآخرة وما ثبرهم عنهم؟ قال: قلت: الشهوات والشيطان".
2 د, ح: "بلغت النخلة ثبرة من الأرض".
3 سورة الاسراء: "102".

(2/365)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَتَاهُ يتَحَدَّثُ عِنْدَهُ فَلَمَّا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ زَحَلَ وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَتَقَدَّمُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ1.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد حدثنا / ابن الجنيد أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ [137] عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله: زحل معناه تأخر يُقَالُ مالي عنك مزحل قَالَ مالك بن الريب:
__________
1 الفائق "زحل" "2/195" والنهاية "زحل" "2/289".

(2/365)


فإن لنا عنكم مراحا ومزحلا ... بعيس إلى ريح الفلاة صوادي1
وفيه من الفقه أن للرجل أن يؤم صاحب الدار في داره إذا أذن له.
__________
1 شعر أمويون "1/51" من قصيدة يهجو فيها الحجاج بن يوسف ومنها:
فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير زياد

(2/366)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ الأُتْرَجَّةِ طَيِّبٌ رِيحُهَا طَيِّبٌ خَرَاجُهَا وَمَثَلُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ وَلا يَقْرَأُهُ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ طَيِّبٌ خَرَاجُهَا وَلا رِيحَ لَهَا"1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي مُوسَى.
قوله: طيب خراجها يريد طعم ثمرها وكل ما خرج من شيء وحصل من نفعه فهو خراجه فخراج الشجر ثمرها وخراج الحيوان نسلها ودرها.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" 2. وَالخراج والخرج3 أيضا بمعنى الأجرة والعمالة قَالَ اللَّه تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} 4 أي ثواب الله خير.
__________
1 أخرجه البخاري في التوحيد "9/198" عن أبي موسى مرفوعا: باختلاف يسير وكذلك الترمذي في الأمثال "5/150" والنسائي في الإيمان "8/125" وابن ماجة في المقدمة "1/77" والدارمي في فضائل القرآن "2/442" كلهم أتى به مرفوعا عن أبي موسى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
2 تقدم تخريجه.
3 ساقط من ط.
4 سورة المؤمنون: "72".

(2/366)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي موسى أن أبا وائل ذكره فَقَالَ: ما كان أنكره1 يرويه حماد بن زيد عَنْ عاصم عَنْ أَبِي وائل.
قوله: ما كان أنكره يريد ما كان أدهاه وأفطنه من النكر مفتوحة النون وهو الدهاء.
قَالَ يعقوب النكر أن يكون الرجل فطنا منكرا ويقال ما أشد نكره.
والنكر المنكر والنكراء المنكر أيضا قَالَ الشاعر:
قد كان عندك للمعروف معرفة ... وكان عندك للنكراء تنكير2
__________
1 الفائق "نكر" "4/25" والنهاية "نكر" "5/115".
2 هامش س: "تنكير أي تعيير".

(2/367)


حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه
حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَمْعِ الْقُرْآنِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَعُمَرُ مُحْزَئِلٌّ في المجلس".
...
حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَمْعِ الْقُرْآنِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَعُمَرُ مُحْزَئِلٌّ فِي الْمَجْلِسِ1.
يَرْوِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
يُقَالُ احزأل الرجل إذا جمع نفسه واستوفز لأمر يريده قَالَ الطرماح:
ولو خرج الدجال ينشد دينه ... لزافت تميم حوله واحزألت2
وكان عُمَر إذ ذاك ينكر3 رأي أبي بكر في جمع القرآن فَقَالَ له: كيف تصنع شيئا لم يصنعه رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم وافقه بعد وعلم أن الحق في متابعته.
__________
1 الفائق "حزل" "1/279" والنهاية "حزل" "1/379".
2 الديوان "56" وفي اللسان "حزل" والفائق "حزل" "1/257" برواية الخطابي. ذافت أي أسرعت في المشي, واحزألت: اجتمعت وارتفعت إليه.
3 س: "منكر".

(2/368)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْخَرَمَاتِ الثَّلاثِ فِي الأَنْفِ الدِّيَةُ, وَفِي كل واحدة منها ثلث الدية"1
__________
1أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/88" عن أحمد عن عباد بن العوام.

(2/368)


يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة أخبرنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
الخرمات جمع الخرمة وهي بمنزلة الاسم من نعت الأخرم كالشترة من الأشتر والقطعة من الأقطع.
قال الأصمعي: الخرم في الأنف أن تنشق الوترة التي بين المنخرين أو ينخرم الأنف من عرضه. يُقَالُ رجل أخرم / وأصل الخرم في الأنف قطع لا يبلغ الجدع يريد أنه إذا قطع إحدى الناشرتين كان فيها [138] ثلث الدية وإن قطعهما معا كان فيهما ثلثا الدية فإن قطع الناشرتين مع الوترة وهو أن يستوعب المارن كله كانت فيه الدية كاملة.

(2/369)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ: قَضَى فِي الْبَازِلَةِ بِثَلاثَةِ أَبْعِرَةِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا هَشِيمٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مَكْحُولٍ.
البازلة في الشجاج هي التي يسمونها المتلاحمة وسميت بازلة لأنها تبزل أي يشق عنها اللحم ومن هذا بزول ناب البعير وهو طلوعه أول ما يفطر.
قَالَ الأصمعي: أول الشجاج الحارصة وهي التي تحرص الجلد. قليلا أي تشقه ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة وهي التي قد أخذت في اللحم ثم السمحاق وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة ثم الموضحة وهي التي تبدي وضح العظم وفيها خمس من الإبل.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/307" بلفظ "في المتلاحمة ثلاث من الإبل" في حديث طويل وكذلك البيهقي في السنن الكبرى "8/84" والدارمي في سننه "3/201" بطريق عبد الرزاق.

(2/369)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ: كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْتَعْطِفُهُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفِي الْكِتَابِ أَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدِهِمْ بِالْفِتْنَةِ قَدْ مَصَعَتْهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْجَذْمُ وَالْجَدْبُ وَأَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنْ لَيْسَ عِنْدَ مَرْوَانَ مَالٌ يُجَادُونَهُ عَلَيْهِ إِلا مَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ1.
يَرْوِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ داود أنبأنا عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان عن أبي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قوله: مصعتهم أي عركتهم ونالت منهم والمصع الضرب وقد يكون ذلك بالسلاح وبغيره ويقال تماصع القوم إذا تضاربوا فأما المعص فهو الوجع2 ويقال إن المعص داء يصيب الإنسان في عصبه من كثره المشي.
ويروى أن عمرو بن معد يكرب شكاه إلى عُمَر فَقَالَ: "كذب عليك العسل"3 أي عليك بالعسلان وهو ضرب من العدو مثل عدو الذئب قَالَ الشاعر:
والله لولا وجع بالعرقوب ... لكنت أبقى عسلا من الذيب4
ومثله النسلان.
__________
1 الفائق "مصع" "3/370" والنهاية "مصع" "4/337".
2 د, ح: "فأما المعص فمن الوجع".
3 النهاية "عسل" "3/237".
4 اللسان والتاج "عسل" دون عزو.

(2/370)


وحدثني أحمد بن عبدوس أخبرنا أحمد بن عمرو الزيبقي أخبرنا محمد بن معمر البحراني1 أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا ابن جريح حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ شَكَا نَاسٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ الْمَشْيِ فَدَعَا لَهُمْ وَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالنَّسَلانِ" 2 وقالوا: فَنَسَلْنَا فَوَجَدْنَاهُ أَيْسَرَ عَلَيْنَا والجذم القطع وبه سمى الأقطع أجذم يُقَالُ جذمت الشيء فانجذم قَالَ الأعشى:
أتترك غانية أم تلم ... أم الحبل واه بها منجذم3
يريد بالجذم انقطاع الميرة عنهم.
وَقَوْلُهُ: يجادونه عليه من الجدا4 وهو العطاء يُقَالُ جدا عليه يجدو إذا أعطاه والجدوى العطية.
__________
1 د: "النجراني" تصحيف والمثبت في باقي النسخ. وفي التقريب "2/209" محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري البحراني, بالموحدة والمهملة صدوق مات سنة 250 هـ.
2 النهاية "نسل" "5/49" والفائق "مسل" "3/421".
3 مطلع قصيدة في ديوانه "196" برواية "أتهجر" بدل "أتترك".
4 د: "من الجداء".

(2/371)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَكِيمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَعْرَابِيَّةً فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ خَضْرَاءُ فَكَرِهَهَا فَلَمْ يَكْشِفْهَا فَطَلَّقَهَا فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ فِي ذَلِكَ إِلَى زَيْدٍ فَجَعَلَ لَهَا صَدَّاقًا كَامِلا1
/ حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ صالح أخبرنا ابن المنذر أخبرنا ابن عبد الحكم أنبأنا ابن وهب أخبرنا ابن أبي [139] الزناد عن أبيه أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ بِذَلِكَ.
__________
1 خرجه عبد الرزاق في مصنفه "6/286" في قصة طويلة وفيه "الحارث بن الحكم" بدل "الحارث بن الحكيم" وكذلك: غريبه بدل أعرابية. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "7/256" مختصرا. وأخرجه الدارقطني في سننه "4/207" القصة بسياق آخر بألفاظ متقاربة.

(2/371)


قوله: فإذا هي خضراء أي سوداء والخضرة عند العرب السودا قَالَ الفضل بن العباس اللهبي1:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من بيت العرب2
افتخر بسواد لونه لأنه يدل على صراحة النسب وإن لم تعرق فيه الإماء.
ويقال أَنَّهُ أراد بخضره الجلد ما هو فيه من الخصب وسعة العيش ومنه قول النابغة:
يصونون أبدانا قديما نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب3
قَالَ الأصمعي: يعني بذلك ما هم فيه من الخصب قَالَ ومن هذا قولهم أباد اللَّه خضراءهم أي خصبهم وسعتهم فأما قول حسان:
أو من بني عامر الخضر الجلاعيد4
فيقال أَنَّهُ شبههم في جودهم بالبحور والبحر أخضر.
وَقَالَ ابن الأنباري للخضرة في كلام العرب معنيان أحدهما أن يكون مدحا والآخر أن يكون ذما فإن كان مدحا فمعناه كثرة الخصب وسعة العطاء.
__________
1 من د, ح.
2 في التاج "خضر" والجمهرة "2/209" وجاء فيها: يريد أنه من خالص العرب لأن ألوان العرب السمرة والأدمة, يقول: أنا في صميمهم وخالصهم, وفي الكامل للمبرد "1/253" ورسائل الجاحظ "71" ومعحم المرزباني "309" والأضداد "335" وكنايات الجرجاني "51" ونسب في كل هذا للفضل بن العباس اللهبي. وفي اللسان "خضر" عزى لعتبة بن أبي لهب وذكره في المقاييس "2/195" دون عزو.
3 الديوان "63" وشعراء النصرانية "2/648" برواية "يصونون أجسادا طويلا نعيمها".
4 الديوان "345" وصدره "أوفى الذؤابة من بيم وإخوتها".

(2/372)


من قولهم أباد اللَّه خضراءهم أي خصبهم وإذا ذم فقيل هو أخضر فمعناه هو لئيم والخضرة عندهم اللؤم قَالَ الشاعر:
كسا اللؤم تيمًا خضرة في جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الخضر1
ويقال: فلان أخضر القفا يريدون أنه ولدته أمة سوداء فإذا قيل: أخضر البطن فإنما يريدون أَنَّهُ حائل لطول التزاقه بالخشبة التي يطوى عليها الثوب فإذا قيل أخضر النواجذ فإنما يراد به أَنَّهُ من أهل القرى ممن يكثر أكل البصل والكراث قَالَ جرير:
كم عمة لك يا خليد وخالة ... خضر نواجذها من الكراث2
__________
1 البيت لجرير وهو في ديوانه "163" برواية "في وجوهها" بدل "في جلودها" و"فيا خزي تيم" بدل "فويل لتيم".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط: دار صادر وهو في طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي "1/450" وجاء بعده:
نبتت بمنبته فطاب لشمتها ... ونأت عن القيصوم والجثجاث

(2/373)


حديث عَبْد اللَّه بن سلام رضي الله عنه
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي لَفِي عَذْقٍ أُنْجِي مِنْهُ رطبا".
...
حديث عبد الله بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَفِي عَذْقٍ أُنْجِي مِنْهُ رُطَبًا. وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَسْتَنْجِي رُطَبًا إِلَى أَنْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ قَدْ قَدِمَ صَاحِبُهُمُ السَّاعَةِ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَنِي أَفْكُلٌ مِنْ رَأْسِ الْعَذْقِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ يُوسُفَ بن عبد الله بْنِ سَلامٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أنجي وأستنجي واحد.
قَالَ الأصمعي: استنجيت النخلة استنجاء إذا لقطتها وقد نجوت غصون الشجر إذا قطعتها.
قَالَ غيره نجوت الشجرة وأنجيت واستنجيت إذا قطعتها وإنما قيل لمن استعمل الحجارة في الخلاء قد استنجى لأنه يقطع النجاسة بها عَنْ بدنه ويزيلها عنه ومن هذا قولهم نجوت جلد البعير وأنجيته إذا سلخته قَالَ يعقوب والاسم منه النجو والنجا وأنشد:
فقلت أنجو عنها نجا الجلد أَنَّهُ ... سيرضيكما منها سنام وغاربه2
__________
1 ذكر الهيثمي في مجمعه "326:9" القصة بألفاظ أخرى.
2 اللسان والتاج "نجا" والشاعر يخاطب ضيفين طرقاه.

(2/374)


وأنشد غيره:
فتبازت فتبازخت لها ... جلسة الجازر يستنجي الوتر1
قوله: يستنجي الوتر أي يقطعه ويستخرجه من اللحم ويخلصه منه / والعذق بفتح العين النخلة [140] والعذق بكسرها الكباسة والأفكل الرعدة.
__________
1 كذا في س واللسان والتاج "بزخ, نجا" وعزي لعبد الرحمن بن حسان واستنجى الجازر وتر المتن: قطعه, وأصله الذي يتخذ أوتار القسي, لأنه يخرج ما في المصادرين من النجو, وفي باقي النسخ: "الوبر" بدل "الوتر" تصحيف.

(2/375)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ: جَاءَ لَمَّا حُوصِرَ عُثْمَانُ. فَجَعَلَ يَأْتِي تِلْكَ الْجُمُوعَ فَيَقُولُ اتَّقُوا اللَّهَ. وَلا تَقْتُلُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكُمْ قَتْلُهُ فَمَا زَالَ يَتَقَرَّاهُمْ وَيَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ1
مِنْ حديث ابن المبارك أنبأنا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قوله: يتقراهم معناه يقصدهم ويتتبعهم واحدا بعد آخر يُقَالُ قروت القوم واقتريتهم واستقريتهم بمعنى واحد.
__________
1 فائق "قرى" "3/185" والنهاية "قرى" "4/56" بلفظ "فما زال عثمان يتقراهم.

(2/375)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مُوسَى: لِجِبْرِيلَ هَلْ يَنَامُ رَبُّكَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ لَهُ فَلْيَأْخُذْ قَارُورَتَيْنِ أَوْ قَازُوزَتَيْنِ وَلْيُقِمْ عَلَى الْجَبَلِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ حَتَّى يُصْبِحَ1
يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رَبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ2عَنْ
__________
1الفائق "قزز" "3/191: والنهاية "قزز" "4/58".
2في التقريب "1/243" ربعي بن حراش, بكسر المهملة وأخره معجمة أبو مريم العبسي الكوفي ثقة عابد مخصرم مات سنة "100" هـ وقيل غير ذلك.

(2/375)


خرشة بن الحر عن عبد الله بْنِ سَلامٍ هَكَذَا رَوَاهُ مَشْكُوكًا فِيهِ.
القازوزة مشربة كالقاقوزة ويجمع على القوازيز فأما القاقزة فليست من كلام العرب وقد استعملوها قال الجعدي:
ظللت كأنني نادمت كسرى ... له قاقزة ولي اثنتان1
وَأَخْبَرَنِي الغنوي عَنْ أَبِي العباس ثعلب قَالَ: هي القاقوزة والقازوزة ولا تقل قاقزة.
__________
1 شعر النابغة الجعدي "164" برواية "فظلت".

(2/376)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ: آمَنَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ يَهُودٍ وَتَنَخُوا فِي الإسلام 1
دثنيه ابْنُ أَبِي عُرَابَةَ عَنْ شَيْخٍ له سماه حدثنا عمار أخبرنا سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: تنخوا معناه أقاموا وثبتوا يُقَالُ تنخ الرجل بالمكان تنوخا إذا أقام به وبذلك سميت تنوخ وذلك لأنها قبائل تحالفت وأقامت في مواضعها فإذا قلت نتخوا النون قبل التاء كَانَ معناه رسخوا في الإسلام وخلصوا إلى سره واستنبطوا علمه من قولك تنخت الشوكة من رجلي إذا أخرجتها ومنه سمي المنقاش منتاخا.
__________
1الفائق "تنخ" "1/156" والتهاية "تنخ" "1/198".

(2/376)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيَّامَ حُصِرَ عُثْمَانُ مَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ قَطْ حَتَّى يَرْفَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى السلطان1
__________
1ذكره الحافظ في المطالب العالية "4/287" في حديث طويل وفي آخر الحديث: قال سليمان بن المغيرة قلت لحميد: كيف برفعون القرآن على السلطان؟ قال: "ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان".

(2/376)


مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ.
قَوْلُهُ: يَرْفَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى السُّلْطَانِ مَعْنَاهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَيْهِ وَيَرَوْنَ الْخُرُوجَ بِهِ عَلَى الْوُلاةِ.

(2/377)


حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَا من عملي أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا والسماء تهلبني".
...
حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَالسَّمَاءُ تَهْلُبُنِي.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عن عبد الله الْمُخْتَارُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ثُمَّ شَكَّ حَمَّادُ فِي أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ خَالِدٌ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: "لَقَدْ طَلَبْتُ الْقَتْلَ مَظَانَّةً فَلَمْ يُقَدَّرْ لِيَ إِلا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي وَمَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ بِتِرْسِي وَالسَّمَاءُ تَهْلُبُنِي"1.
[141] قوله: تهلبني أي تجودني وتمطرني يُقَالُ يوم هلاب إذا كان مطره شديدا وفرس هلاب شديد الجري / شبه جريه بدفعات المطر وشآبيبه والهلاب من خيل العرب معروف قَالَ الطرماح:
بيت سماعة والأمين عماده ... والأثرمان وفارس الهلاب2
وروى أَبُو عُمَر عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قال الهلوب
__________
1 أخرحه ابن المبارك في كتاب الجهاد "55 – 56" وفيه "بفرسي" بدل "بترسي" وكذلك "والسماء تهلني" بدل "تهلبني" وذكره الهيثمي في محمعه "9/350" بدون قوله: "مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَالسَّمَاءُ تَهْلُبُنِي" وعزاه الحافظ في الإصابة "1/415" عن ابن المبارك بلفظ "تهلني" وفي تهذيب ابن عساكر "5/113" بلفظ "والسماء تنهل".
2 س: الشماخ, والمثبت من باقي النسخ. وهو في ديوانه الطرماح "5" والهلاب: اسم فرس.

(2/378)


في نعت النساء بمعنيين أحدهما التي تحب بعلها وتواتيه شبهت بالمطر السهل قَالَ: ومنه قول عُمَر: "رحم اللَّه الهلوب"1. يعني المرأة المواتية لزوجها المحبة لبعلها قَالَ: والهلوب التي تفرك بعلها وتبغضه شبهت بالمطر الشديد الضار.
__________
1 في النهاية "هلب" "5/268" "رحم الله الهلوب ولعن الله الهلوب".

(2/379)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ إِنَّ النَّاسَ قَدِ انْدَفَعُوا فِي الْخَمْرِ وَتَزَاهَدُوا الْجَلْدَ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا أبو معاوية أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
قوله: تزاهدوا الجلد أي تقالوا: عدده وتحاقروه ولذلك قيل للشيء القليل زهيد وللفقير مزهد قَالَ الأعشى:
فلن يطلبوا سرها للغنى ... ولن يسلموها لإزهادها2
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجمعة. حدثناه ابن الفارسي أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا يزيد بن إبراهيم أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أن فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمًا يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" وَقَالَ: "بِيَدِهِ يُزْهِدُهَا أَي يُقَلِّلُهَا" 3.
قَالَ ابن الأعرابي: والزهد: الحزر, يقول: أتينا بزاهد يزهد: أي بخارص يخرص.
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/320" بطريق آخر في حديث طويل بلفظ: "إن الناس قد النهمكوا في الخمر وتحاقروا فيه" وكذلك ذكره المتقي في كنز العمال "5/478, 492" بطريقين.
2 الديوان "61".
3 أخرجه البخاري في الطلاق "7/66" والدعوات "8/106" ومسلم في الجمعة "2/584" والنسائي في الجمعة أيضا "3/166" وأحمد في مسنده "2/230, 255, 498".

(2/379)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا مُشَيِّعًا وَإِنَّ رَجُلا كَانَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ عَلَى حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ فأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا فَأَرْسَلَ خَالِدًا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالُوا: مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُمْ خَالِدٌ الْخَبَرَ فَخَنُّوا يَبْكُونَ وَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَكْفُرَ1.
يَرْوِيهِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ. المشيع:
الرجل الشجاع قَالَ تأبط شرا:
قليل غرار النوم أكبر همه ... دم الثأر أو يلقى كميا مشيعا2
وخنوا من الخنين وهو دون الحنين الخنين بالخاء معجمة من الأنف والحنين من الحلق والصدر قَالَ الشاعر:
فما ابنك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى حنين المآتم3
أنشده أَبُو زيد بالخاء معجمة.
أخبرني الغنوي أخبرنا أبي حَدَّثَنِي الزبير بن بكار حَدَّثَنِي بكار بن رباح الأخنسي عَنْ إسحاق بن مقمة قَالَ أشرف ابن سريج على أخشب مني فَقَالَ:
ليس بين الرحيل والبين إلا ... أن يردوا جمالهم فتزما
قَالَ: فما شئت أن أسمع من موضع من منى حنينا أو حنينا إلا سمعته.
__________
1 الفائق "شيع" "2/275" والنهاية "شيع" "2/520".
2 شرح ديوان الحماسة للمرزوقي "حماسة 165" "2/492" برواية "مسفعا" بدل "مشيعا" وجاء في الشرح أو ملاقاة كمي مسفع الوجه لدوام تبذله للسمائم وتسياره في الهواجر.
3 نوادر أبي زيد "35" برواية "فما ابنك إلا ابن من الناس فاصبري"
وروي أيضا: "فما ابنك إلا من بني الناس فاصبري"
وعزي للفرزدق وهو في ديوانه "2/206" برواية:
فما ابنك إلا ابن من الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى حنين المآتم

(2/380)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ رَعْبَلُوا فُسْطَاطَهُ بِالسَّيْفِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ.
يريد أن المسلمين / لما انهزموا خلص2 العدو إلى فسطاطه فقطعوه بالسيوف يُقَالُ ثوب رعابيل [142] أي قطع قَالَ الكميت:
بهم صلح الناس بعد الفسا ... د وقد حيص بالفتق ما رعبلوا3
__________
1 أخرجه الطبري في تاريخه "3/248" وهو في الفائق "رعبل" "2/67".
2 س, ط: "خاض" بدل "خلص" والمثبت من د. ح.
3 شعر الكميت "2/29" برواية:
بهم صلح الناس بعد ألفسا ... د وحيص من الفتق ما رعبلوا

(2/381)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى الْعُزَّى أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُولُ:
كُفْرَانَكَ لا سُبْحَانَكَ ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكَ
وَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ فجزلها باثنين1.
حدثنيه الخزاعي أخبرنا عمي أخبرنا الأَزْرُقِيُّ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ عن الواقدي عن عبد الله بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عمرو الهذلي.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/127- 128" وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب "2/428" وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة "2/110" وذكره ابن سعد في طبقاته "2/146" القصة باختلاف يسير وهي في تهذيب ابن عساكر "5/101".

(2/381)


قوله: كفرانك مصدر كفر الرجل كفرا وكفرانًا وَقَوْلُهُ: سبحانك مصدر سبحت اللَّه أي نزهته عَنِ السوء.
قَالَ الفراء: وإنما نصب على المصدر كأنك قلت: سبحت اللَّه تسبيحًا فجعل السبحان في موضع التسبيح كما تقول: كفرت عَنْ يميني تكفيرًا ثم تجعل الكفران في موضع التكفير فتقول: كفرت عَنْ يميني كفرانًا.
وَقَوْلُهُ: فجزلها باثنين أي قطعها نصفين يُقَالُ جزلت الشيء إذا قطعته ومنه جزال النخل وجزاله وهو قطع التمر كالجزام.

(2/382)


حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه
حديث جابر أنه قال: "ماجزر عند الماء وضفير البحر فكله".
...
حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ وَضَفِيرُ الْبَحْرِ فَكُلْهُ1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
ضفير البحر شطه وأكثر ما يُقَالُ الضفيرة بالهاء يُقَالُ ضفيرة الوادي وهي الجانب الَّذِي علاه الماء فبطحة فأما الجانب الَّذِي يلي جبلا أو جرفا فإنما يُقَالُ له: السيف وكذلك ما داناه من الساحل يُقَالُ له: السيف والضفيرة المسناة أيضا.
__________
1 أخرحه أبو داود في الأطعمة "3/358" مرفوعا عن جابر بلفظ: "ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطأ فلا تأكلوه" ثم أشار إلى أنه في بعض الطرق موقوف على جابر, وأخرجه ابن ماجة مرفوعا في كتاب الصيد "2/1082".

(2/383)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّمَا شَفَاعَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ وَأَغْلَقَ ظَهْرَهُ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النجاد أخبرنا هلال بن العلاء الرقي أخبرنا ابن نفيل أخبرنا زُهَيْرٌ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ.
قوله: أغلق ظهره الأصل فيه أن يدبر ظهر البعير حتى ينغل باطنه
__________
1 ذكره صاحب كنز العمال "14/631" بلفظ "وأثقل ظهره" بدل "أغلق ظهره" وعزاه للبيهقي في البعث وابن عساكر في تاريحه وذكره العجلوني في كشف الخفاء "2/15" بلفظه في حديث الشفاعة وذكره ابن كثير في النهاية في الفتن "2/203" بلفظ "لمن أوثق نفسه وأغلق ظهره" وعزاه للبيهقي.

(2/383)


فلا يكاد يبرأ يُقَالُ غلق ظهر البعير غلقا وأغلقه صاحبه إذا أثقل حمله حتى يصيبه ذلك شبه الذنوب التي أثقلت ظهره بذلك.
وَقَالَ بعض أهل اللغة أصل هذا لن يعمد صاحب الإبل إلى البعير الَّذِي أمأت1 به إبله فينزع سناسن من فقرته ويعقر سنامه لئلا يركب كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وهو شبيه بالحامي الَّذِي كانوا يحمون ظهره ويحرمون ركوبة قَالَ والغلق الظهر من الإبل ما لا يركب ظهره لكثره ندوبه وسيلانها.
وَقَوْلُهُ: أوبق نفسه أي أهلكها ومن هذا قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} 2 أي يهلكهن يُقَالُ3: وبق الرجل يبق إذا هلك قَالَ الشاعر:
أستغفر اللَّه ذنبا لست محصيه ... من عثرة أن يؤاخذني بما أبق
__________
1 القاموس "مأى" أمأت به إبله: بلغت به المائة.
2 سورة الشورى: "34".
3 د: "قال الكسائي: يقال: وبق الرجلالخ".

(2/384)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مجببة جَاءَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} 1 الآيَةَ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ2.
حَدَّثَنَاهُ3 إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراس أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا أبي أخبرنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أخبرنا أَبِي سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ المنكدر عن جابر.
__________
1 سورة البقرة: "223".
2 أخرجه مسلم في النكاح "2/1059" والبيهقي في السنن الكيرى "7/195" والطبري في تفسيره "2/397" بدون الجملة الأخير.
3 ط: "أحمد بن فراس".

(2/384)


التجبية أن يأتيها من خلفها وأصلها1 من قولك جبى الرجل إذا أكب على وجهه والصمام يريد2 به الفرج وإنما هو الشيء الَّذِي يسد به الفرجة ومنه صمام القارورة إلا أنهم ربما سموا الشيء باسم غيره إذا جاوره وقاربه كتسميتهم المطر سماء وذلك لأنه من السماء ينزل وتسميتهم الكلأ غيثا لأنه بالمطر ينبت.
وقد يروى سماما بالسين وسمام الإبرة وسمها واحد.
أخبرنا عبد الرحمن بن أسد3 أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ أَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النِّسَاءَ في أدبارهن وفروجهن فأنكرن ذَلِكَ فَجِئْنَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ سِمَامًا وَاحِدًا" 4.
يُرِيدُ أَنَّهُ لا يَعْدُو الْفَرْجَ الَّذِي هُوَ المأتى.
__________
1 د, ح, ط: "وأصله".
2 د, ح: "يراد به".
3 د: "عبد الرحمن بن راشد".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/443" عن صفية بنت شيبة ولم يذكر أم سلمة وأخرجه الترمذي في تفسيره "5/215" عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة مختصرا برواية: "صماما" ثم قال: ويروى "في سمام واحد" وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/230 – 231" والبيهقي في السنن الكبرى "7/195" وكلاهما بلفظ "صماما" والطبري في تفسيره "2/396" بلفظ "صماما واحدا".

(2/385)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَأَقْبَلْنَا رَاجِعِينَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ الْعَسْكَرِ إِذْ عَارَضَنَا رَجُلٌ شَرْجَبٌ فِي حَدِيثِ طَوِيلٍ ذكره1.
يرويه سعد بن عبد الحميد بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الفضل عن القاسم بن عبد الرحمن الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله.
الشرجب الطويل من الرجال قَالَ العجير:
فقام فأدني من وسادي وساده ... طوي البطن ممشوق الذراعين شرجب2
__________
1 الفائق "شرجب" "2/239" والنهاية "شرجب" "2/456".
2 الفائق "شرجب" "2/239".

(2/386)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: سِرْتُ مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُزَاةٍ1 فَقَامَ فَصَلَّى وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةً فَذَهَبْتُ أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا فَلَمْ تَبْلُغْ وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبٌ فَنَكَسْتُهَا وَخَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا لا تسقط2.
أخبرناه عن ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا يحيى بن الفضل السجستاني أخبرنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ جابر.
ذباذب الثوب: أهدابه وسميت ذباذب لتذبذبها وهو أن تجيء وتذهب.
قَالَ أَبُو عمرو: أطراف الثياب يُقَالُ لها الذعاليب واحدها ذعلوب،
__________
1 د: "في غزوة".
2 أخرجه مسلم في الزهد "4/2305" وأبو داود في الصلاة "1/171" والفائق: ذبذب" "2/6".

(2/386)


وهي الذناذن أيضا واحدها ذنذن مثل ذنذن الشجر سواء وأسافل القميص يُقَالُ لها1 الذلاذل واحدها ذلذل قَالَ الشاعر:
إذا خرج الفتيان للغزو شمرت ... عَنِ الساق يوم الروع منه ذلاذله
وَقَوْلُهُ: تواقصت عليها أي أمسكت عليها بعنقي لئلا تسقط وهو أن يحني عليها عنقه2 كأنه يحكي خلقة الأوقص وهو الَّذِي قصرت عنقه كأنه رد في جوف صدره.
وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عَلَيْهِ وسلم نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ / وَقَالَ لَهُ: "إِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا [144] فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ على حقويك" 3.
__________
1 د: "يقال له الذلاذل".
2 سقط من ح.
3 د, ح, ط, "حقوك".

(2/387)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي قِصَّةِ خَيْبَرٍ لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى حِصْنِ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ أَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نُقَاتِلُهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ خَرَجَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ الرَّقْلُ فِي يَدِهِ حَرْبَةٌ وَخَرَجَتْ عَادِيَتُهُ مَعَهُ وَأَمْطَرُوا عَلَيْنَا1 النَّبْلَ فَكَأَنَّ نَبْلَهُمْ رِجْلُ جَرَادٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ2.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه.
__________
1 ط: "وأمطروا عليه النبل".
2 أخرجه الواقدي في مغازي "2/662 – 663" وفيه "الدقل" بدل "الرقل". و"مثل الجراد" بدل "رجل جراد".

(2/387)


الرقل: النخل الطوال واحدتها رقلة شبهه في طوله بالنخلة.
ويقال أرقلت الشجرة إذاعظمت وطالت.
وَقَوْلُهُ: خرجت عاديته يريد أصحابه وأعوانه والعادية خيل تعدو للغارة أي تشد وتقبل ويقال للرجالة أيضا عادية ومن هذا عدوة اللص وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي لسليك.
يا صاحبي ألا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وآم بين أذواد
أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريحإ للعادي1
والريح: القوة والغلبة قَالَ اللَّه تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} 2.
ورجل3 جراد: جماعة من الجراد.
__________
1 في اللسان والتاج "أما" البيت الأول وعزي للسليك وفي مادة "روح" البيت الثاني وعزي لسليك أو تأبط شرا. قال ابن بري: قيل الشعر لأعشى فهم من قصيدة أزلها:
يا دارك بين غبارات وأكباد ... أقوت ومر عليها عهد آباد
جرت عليها رياح الصيف أذيلها ... وصوب المزن فيها بعد إصعاد
2 سورة لأنفال: "46".
3 في القاموس "رجل" الرجل: القطعة العظيمة من الجراد "ج" أرجال.

(2/388)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ: ذَكَرَ مَبْعَثَ سَرِيَّةٍ كَانَ فِيهَا وَأَنَّهُمْ أَرْمَلُوا مِنَ الزَّادِ قَالَ فَبَيَّنَّا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا رَأَيْنَا سَوَادًا فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ إِذَا دَابَّةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الأَرْضِ فَأَنَاخَ عَلَيْهِ الْعَسْكَرُ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً يَأْكُلُونَ مِنْهَا ما شاءوا حتى ارتعفوا1.
__________
1أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "9/252" بلفظه غير أنه قال: أزمنا الزاد, وهو تصحيف. وكذالك قال: "حتى أربعوا" بدل "حتى أرتعفوا" وقال: رواه مسلم وقد راجعت صحبح مسلم فرأيت أنه يسوق السند ولم يذكر الألفاظ انظر "3/1537".
وأخرجه النسائي في الصيد "7/207" والدارمي في 2/91, وكلاهما بألفاظ أخرى.

(2/388)


من حديث أبي أسامة حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ.
حَدَّثَنِيهُ الثقة من أصحابنا أخبرنا ابن زيرك عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
الارتعاف بمعنى السبق والتقدم يُقَالُ: رعف الفرس إذا سبق يرعف بفتح العين ومن الرعاف يرعف بضمها يريد أنهم أكلوا منها حتى ثابت إليهم أنفسهم وقويت أبدانهم فصاروا يتسارعون على أقدامهم أو يتسابقون شدا على أرجلهم أو نحو هذا من الكلام وفي هذا الحرف1 عندي نظر وقد جاء في رواية أخرى: "فأكلوا منها حتى سمنوا"2.
__________
1 ح: "وفي هذا الكلام".
2 أخرجه مسلم في الصيد "3/1535" بلفظ "حتى سمنا".
وفي النهاية "رعف" "2/235" ارتعفوا أي أقدامهم فركبوها وتقدموا.

(2/389)


حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ خَوَّاتٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَجْتُ زَمَنَ الْخَنْدَقِ عَيْنًا إِلَى بَنِي قريظة فلما دنون من القوم ... ".
...
حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ خَوَّاتٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ زَمَنَ الْخَنْدَقِ عَيْنًا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الْقَوْمِ كَمَنْتُ وَرَمَقْتُ الْحُصُونَ سَاعَةً ثُمَّ ذَهَبَ بِيَ النَّوْمُ فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا بِرَجُلٍ قَدِ احْتَمَلَنِي فَلَمَّا رَقِيَ بِي إِلَى حُصُونُهُمْ قَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ أَبْشِرْ بِجَزرَةٍ سَمِينَةٍ قَالَ فَتَنَاوَمْتُ فَلَمَّا شُغِلَ عَنِّي انْتَزَعْتُ مِغْوَلا كَانَ فِي وَسَطِهِ فَوَجَأْتُ بِهِ كَبِدَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ أَخْبَرَنِي بِهِ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ2.
الجزرة الشاة التي أعدت لأن تجزر أي تذبح للأكل. وَقَالَ بعض أهل اللغة هي من الغنم خاصة وَقَالَ غيره الغنم وغيرها سواء في ذلك ويقال للرجل أجزرنا شاة من غنمك أي أعطنا شاة نذبحها ويقال تركت فلانا جزر السباع أي قتيلا تنتابه السباع قَالَ عنترة:
إن تشتما عرضي فإن أباكما ... جزر السباع وكل نسر قشعم3
وإنما سموها جزرة لأنها تجزر أي تقطع أوصالها وتفصل وأصل الجزر القطع ومنه جزر الماء وهو انقطاعه بعد المد ولذلك سميت البقاع المرتفعة التي لا يغمرها الماء وسط البحور جزائر والجزيرة المعروفة هي التي ببلاد ربيعه ومضر لأنها بين النهرين دجلة والفرات والمغول شبه الخنجر إلا أَنَّهُ أطول طولا منه يشده الفاتك على وسطه يغتال به الناس.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/460 – 461" في حديث طويل.
2 من د.
3 الديوان "154" برواية "إن يفعلا فلقد تركت أباها".

(2/390)


حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَنِيهِ حِينَ أَشْرَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وخلعوا بيعة زيد ...
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَنِيهِ حِينَ أَشْرَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَخَلَعُوا بَيْعَةَ يَزِيدَ فَقَالَ لا يُسَارِعُنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الأَمْرِ فَيَكُونَ الصَّيْلَمُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ1.
حَدَّثَنِيهُ عَلِيُّ بْنُ عيسى المؤدب حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ أخبرنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر.
الصيلم الأمر العظيم وأصله من الصلم وهو القطع والاستئصال ويقال وقعة صيلمية أي شديدة مفينة2 ورماه اللَّه بالصيلم وهي الداهية المنكرة وجاء فلان بالصيلم أي بالأمر العظيم. ومن هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وَحَدَّثَنِيهِ محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا الأَزْرَقِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ قَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر:3 اخرجوا يا أهل مَكَّةَ قِبَلَ الصَّيْلَمِ. كَأَنِّي بِهِ يَعْنِي الَّذِي يَهْدِمُ الْكَعْبَةَ أُفَيْحِجَ أُفَيْدِعَ أُصَيْلِعَ قَائِمًا عَلَيْهَا يَهْدِمُهَا بمسحاته4.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "2/96" في حديث طويل بلفظ "انتزي" بدل "أشرى" وابن سعد في طبقاته "4/183" بلفظ "ابتز".
2 ط: "مفتنة" والمثبت من باقي النسخ.
3 من ط, ح.
4 أخرجه الأرزقي في أخبار مكة "1/276" في حديث طويل وعيد الرزاق في مصنفه "5/137" مختصرا وأحمد في مسنده "2/220" والطبراني في الكبرى كما في مجمع الزوائد "3/298".

(2/391)


وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثعلب قَالَ والصيلم أيضا كالوجبة في الطعام يُقَالُ لا تأكل في اليوم إلا الصيلم والصيرم.
وأشرى معناه الخروج من طاعة السلطان أي صاروا كالشراة في فعلهم وإنما لزم الخوارج هذا اللقب لانهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوها فهم شراه جمع شار.

(2/392)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَعْطَيْتُ بَعْضَ بَنِيَّ نَاقَةً حَيَاتَهُ وَإِنِّهَا أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ فَقَالَ لِي: هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ فَقَالَ: فَإِنِّي تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْهِ قَالَ: فَذَلِكَ أَبْعَدُ لك منها1.
حدثناه الأصم أخبرنا الربيع أنبأنا الشافعي أنبأنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: تَنَاتَجَتْ وَقَالَ الآخَرُ: أَضَنَّتْ.
قوله: أضنت إنما هو ضنت بغير ألف أي كثر نتاجها.
قَالَ الكسائي: امرأة ماشية وضائنة ومعناهما أن يكثر ولدهما وقد مشت تمشي مشاء ممدود وضنت تضني ضناء وفيه لغة أخرى ضنأت تضنأ ضنئا وضنوءا والضن الولد قَالَ الشاعر:
أم جوار ضنؤها غير أمر2
__________
1 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده كما في بدائع المنن "2/217" بلفظ "تناجت" بدل "أضنت" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/174" عن الشافعي بطريقين باللفظين وقال: قال سليمان: صوابه ضنت, يعني تناجت, والحديث في الفائق "صنى" "2/349".
2 في اللسان والتاج "أمر" برواية "أم عيال" بدل "أم جوار" ولم يعز.

(2/392)


أي غير كثير/. [146]
وأنشدني أَبُو رجاء الغنوي في صفة النار والزناد:
ضنء يضر بوالديه قربه ... طفل يهون عليهما إغفاله
ذكران ينتج ظهر ذا من رأس ذا ... ومع النكاح نتاجه وفصاله
فأماالضنء بكسر الضاد فالأصل قَالَ الشاعر:
رأيتك في الضنء من ضئضىء ... أجل الأكابر فيه الصغارا1
وفي الحديث من الفقه أَنَّهُ جعل العمرى2 لمن أعمر حياته ولورثته بعد وفاته كسائر الأملاك ولم يجعل للأب الرجوع فيما نحل ولده.
__________
1 اللسان والتاج "ضأضأ" وعزي للكميت وهو في شعره "1/296" برواية "أجل الأكابر منه الصغارا".
2 في التاج "عمر" العمري "كبشرى" ما يجعل لك طول عمرك أو عمره. وقال ثعلب: هو أن يدفع الرجل إلى أخيه دارا فيقول هذه لك عمرك أو عمري أينا مات دفعت الدار إلى أهله وكذا كان فعلهم في الجاهلية.

(2/393)


المقوم، أخبرنا معاذ بن معاذ أخبرنا كهمس قال سمعت عبد الله بْنِ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ.
قوله: يتقفرون العلم أي يطلبونه ويتتبعونه يُقَالُ تقفرت أثر الشيء إذا قفوته قَالَ الفرزدق:
تنعلن أطراف الرباط وذيلت ... مخافة سهل الأرض أن يتقفرا1
وَقَوْلُهُ: الأمر أنف أي مستأنف لم يسبق به قدر يقال كلأ أنف إذا كان وافيا لم يرع منه شيء قَالَ عُمَر بن أبي ربيعة:
في روضة أنف تيممنا بها ... ميثاء رائقة بعيد سماء2
ويقال كأس أنف أي مليء وَقَالَ الحطيئة:
ويحرم سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع3
أي لم يؤكل منه شيء4.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ: طَائِرًا مَرَقَ عَلَيْهِ أَوْ مَزَقَ5.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ خَالِدِ بن كيسان.
__________
1 في الفائق "قفر" "3/218" والبيت في الديوان "1/288" برواية "تنعلن أطراف الرياط وواءلت".
2 في الديوان "11" برواية "في روضة يمتها موليةميثاء رابية".
3 الديوان "62".
4 د: "أي لم يؤكل منها شيء".
5 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/407" رقم النص "5009".

(2/394)


قوله: مرق بالراء غير معجمة غلط وإنما هو مزق يُقَالُ مزق الطائر إذا رمى بسلحه1.
قَالَ الأصمعي: ذرق الطائر وخذق ومزق وزرق بمعنى واحد قَالَ والمستقبل من هذا كله بالكسر.
__________
1 في الفائق "مزق" "3/364" من قولهم: ناقة مزاق, وهي السريعة التي يكاد جلدها يتمزق عنها ومصداق هذا قوله: "حتى تكاد تفرى عنها الأهب".

(2/395)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حديث ابن عُمَر أَنَّهُ: كَانَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَهُمَا مُتَلَفِعَتَانِ قَدْ شَرِقَ مِنْهُمَا الدَّمُ أَوْ قَالَ قَدْ شَرِقَ دَمًا1.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا ابْنُ الجنيد2 أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قوله: متلفعتان غلط والصواب متفلعتان أي متشققتان من البرد وكيف تكونان متلفعتين وهما بارزتان وإنما هو متفلعتان من قولك تفلع الشيء إذا تقطع والفلعة القطعة من الشيء.
وَقَوْلُهُ: قد شرق منهما الدم يريد أن الدم قد ظهر ولم يسل من قولك شرق الرجل بالماء إذا غص به / فبقي في حلقه لا يسيغه. [147]
وفي الحديث من الفقه أَنَّهُ لم يرخص للمصلي في تغطية يديه إذا سجد فاعتمد بهما على الأرض كالوجه لا يجوز تغطيته إذا سجد على جبهته وفيه أَنَّهُ لم ير ظهور الدم من يده ناقضًا لطهارته ولا مبطلا صلاته ما لم يسل فيبين من موضعه.
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "1/267" بلفظ "كان يخرج يديه إذا سجد وإنها لتقطران دما" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "2/107" عن نافع بألفاظ أخرى.
2 سقط من د.

(2/395)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ: تَصَلَّقَ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَتْ لَهُ صَفِيَّةٌ مَا بِكَ يَا أَبَا عبد الرحمن قَالَ الْجُوعُ فَأَمَرَتْ بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ أَدْخِلِي مَنْ بِالْبَابِ مِنَ الْمَسَاكِينَ فَقَالَتْ قَدِ انْقَلَبُوا قَالَ ارْفَعُوهَا وَلَمْ يَذُقْهَا1.
حَدَّثَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا أبو داود أخبرنا محمد بن العلاء أخبرنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ يَعْنِي ابْنِ حَمْزَةَ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ.
قوله: تصلق معناه تلوى وتململ على فراشه.
يُقَالُ: تصلق الحوت في الماء إذا تلوى فجاء وذهب ومنه حديث أبي مسلم الخولاني أَنَّهُ كان بأرض الروم وقد حفر في فسطاطه حفرة ثم جعل فيها نطعا ثم صب فيه من الماء وهو يتصلق فيها كما يتصلق النون فَقَالَ رجل يا أبا مسلم لو أخذت بالرخصة فَقَالَ أما إنَّهُ لو كان قتال لأفطرت إن الخيل لا تجري الغايات وهي بدن ولا تبلغها إلا وهي ضمر2.
ويقال للرجل إذا أصابه وجع فجعل يلقي نفسه مرة على يمينه وأخرى على يساره قد تصلق.
__________
1 أخرجه ابن سعد عن حبيب بن أبي مرزوق في قصة شبيهة بهذه في طبقاته "4/165".
2 ط: "مضمرة" والحديث ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة "4/209 – 210".

(2/396)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُوا اللبن واشربوه1, يريدالجبن2 وَلِذَلِكَ أَعَارَهُ اسْمَ الأَكْلِ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَكْرَهُ أَكْلَهُ لأَنَّ الْمَجُوسَ كَانَتْ تَعْمَلُهُ بِأَنَافِحِ الْمَيْتَةِ فَرَخَّصَ ابْنُ عُمَرَ فِي أَكْلِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ وُقُوعَ الْمُحَرَّمِ فيه.
__________
1 أخرحخ عبد الرزاق في مصنفه "4/539" إباحة أكل الجبن بدون هذا اللفظ وكذلك البيهقي في سننه "10/6" وأخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "8/289" بلفظ "كل الجبن واشربه ... " جوابا لسائل سأله عن الجبن.
2 في هامش د: "الجبن بتخفيف النون هو المختار".

(2/396)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ لِيَتِهِ فَمَا يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه: "لا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَيَجْلِسَ فِي مَكَانِهِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ.
قوله: من ليته إنما هو من إليته أي من قبل نفسه من غير أن يزعج أو يقام من مجلسه.
قَالَ ابن الأعرابي يُقَالُ فعلت ذاك من إلية نفسي أي من قبل نفسي مكسورة بالألف فأما ألية الشاة فهي مفتوحة الألف.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قال اللية القرابات2 يُقَالُ قد صرف الرجل معروفه إلى ليته وأنشدنا:
فمن يعصب بليته اعتزازا ... فإنك قد ملأت يدا وشاما3
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/268" بلفظ: "لا يقم" بدل "لا يقمن" وبلفظ "من بيته" بدل "من ليته" وأخرجه الترمذي في الأدب "5/88" عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق ولم يذكر من ليته وكذلك أحمد في مسنده "2/89" والحديث في الفائق "ألا" "1/54".
2 في الفائق "ألا" "1/5" وجاء في الشرح: أما اللية فالأقرباء الأدنون من اللي لأن الرجل ينتطق فكأنه يلويهم على نفسه.
3 اللسان والتاج "ألا" برواية "فمن يعصب بليته اغترارا".
أعطى أهل قرابته أحيانا خصوصا فإنك تعطي أهل اليمن والشام.

(2/397)


قال ابن الأعرابي واللية البخور أيضا والأصل فيه الألوة وهو العود الهندي وأنشدنا:
لا يصطلي ليلة ريح صرصر ... إلا بنار لية ومجمر1
__________
1 اللسان والتاج "ألا" برواية "أو مجمر" من غير عزو.

(2/398)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْهَبِينَ1.
[148] أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي حدثنا عباس الدوري / أخبرنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ وَرَوَاهُ الأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
يُقَالُ رجل مسهب ومسهك ومهت إذا كان كثير الكلام وكان القياس أن يُقَالُ مسهب بكسر الهاء من أسهب إلا أَنَّهُ جاء شاذا في حرفين آخرين. قالوا: ألفج الرجل بمعنى أفلس فهو ملفج بفتح الفاء وأحصن الرجل فهو محصن.
وَقَالَ بعضهم: ألفج وأحصن بضم الألف.
ويقال إن الإسهاب مشتق من السهب وهو الأرض الواسعة قال الأعشى: وكل من توسع في شيء فقد أسهب فيه قَالَ الشاعر:
وكم دونه من حزن قف ورملة ... وسهب به مستوضح الآل يبرق2
وكل من توسع في شيء فقد أسهب فيه قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخ "3/385" "رقم النص 1870".
2 الديوان "120" برواية "وكم دون ليلى من عدو وبلدة".

(2/398)


لا تعذليني بضغابيس القوم ... المسهبين في الطعام والنوم1
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن مكي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن عبدة حدثنا حفص بن جميع أخبرنا سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس أن رسول الله بَعَثَ خَيْلا فَأَسْهَبَ شَهْرًا لَمْ يَأْتِهِ مِنْهَا خَبَرٌ وَنَزَلَتْ {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} 2 ضَبَحَتْ بِمَنَاخِرِهَا السُّورَةُ.
وَحَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ أخبرنا المنذري أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ جميع بإسناده أن النبي بَعَثَ خَيْلا فأشْهَرَتْ لَمْ يَأْتِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} 3.
يريد أنها ركضت مسيرة شهر فأمعنت في السهوب والضبح نخير من الأنف ويقال بل هو نحيم يسمع من صدور الخيل إذا عدت قَالَ أَبُو داود الإيادي4:
وشوازبا قب البطو ... ن عوابسا يعدون ضبحا
وكان ابْنِ عَبَّاسٍ يقول في العاديات ضبحا إنها الخيل في الغزو5 وكان على يقول بل هي الإبل6 في الحج7
__________
1 الفائق "سهب" "2/212".
2 ذكره السيوطي في الدر المنثور "6/383" بلفظ "فاستمرت شهرا" بدل "فأسهب شهرا" وعزاه للبزار وابن المنذر وابن حاتم والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والآية رقم 1 من سورة العاديات.
3 سقط من د, ط والمثبت من س, ح.
4 د, ح: "أبو داود" تحريف".
5 س: "في العدو" والمثبت من د, والدر المنثور "6/383".
6 ساقط من س.
7 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/105" في حديث طويل وأخرجه الطبري في تفسير سورة العاديات والسيوطي في الدر المنثور "6/383".

(2/399)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنَّا نَخْتَلِفُ فِي أَشْيَاءٍ فَكَتَبْتُهَا فِي كِتَابٍ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهَا أَسْأَلُهُ عَنْهَا خَفِيًّا فَلَوْ عَلِمَ بِهَا كَانَتِ الْفَيْصَلَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ1.
مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدٍ.
مَعْنَى الفيصل القطيعة والانفصال وهو مأخوذ من الفصل بين الشيئين ويقال قضاء فيصل2 أي قاطع لا شبهة فيه وطعن فيصل وهو أن يحمل الرجل على القوم فيطعَنِ الطعنة فيهزم بها العدو فتلك الضربة فيصل لأنها فصلت بين القوم وفرقتهم قَالَ بشر بن أبي حازم:
بطعنة شزر أو بضربة فيصل ... إذا لم يكن للموت في القوم راجع3
__________
1 أخرجه ابن شيبة في مصنفه في الأدب "9/54" وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله "1/55, 56" عن حماد عن أيوب.
2 د: "ضرب فيصل" وفي ح: "طعن فيصل وضرب فيصل".
3 الديوان "117" برواية "إذا لم يكن للقوم في الموت راجع".

(2/400)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ فِي التَّحْمِيضِ؟ قَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قُلْتُ:1 أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ فِي دُبْرِهَا, قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ المسلمين2.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا قتيبة حدثنا اللَّيْثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عن سعيد بن يسار.
__________
1 من الفائق "حمض" "1/320".
2 أخرجه الدارمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عن الليث في "1/260" والطبري في بفسيره "2/394" عن الحارث بن يعقوب.

(2/400)


أصل التحميض أن ترعى الإبل الخلة وهو من النبات ما لا ملوحة فيه حتى إذا ملته اشتهت الحمض وهو ماله ملوحة يُقَالُ أحمضت الإبل إذا / انتقلت من الخلة إلى الحمض أنشدني الغنوي أنشدنا [149] ثعلب:
وخلة داويت بالإحماض1
قَالَ: ويقال: للرجل إذا جاء متهددا أنت مختل فتحمض وأنشدنا:
كانوا مخلين فلاقوا حمضا2
كنى سعيد بالتحميض عَنْ ذلك الفعل وشبه انتقاله عَنِ المأتى المباح بانتقال الإبل عَنِ الخلة إلى الحمض.
__________
1 التهذيب "4/569, 6/223" وأورد بيت الطرماح:
لا يني يحمض العدو وذو الخللة ... يشفى صداه بالإحماص
وهو في اللسان والتاج "حمص, خل".
2 اللسان والتاج "خلل" برواية "جاءوا مخلين فلاقوا حمصا" وعزي للعجاج وهو في ديوانه "89" برواية اللسان وفي الجمهرة "1/70" وجاء فيها يمدح الحجاج ويذكر أصحاب ابن الأشعث وجاء بعده "طاغين لا يزجر بعض بعضا.

(2/401)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: يُرَاجِعُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا قُلْتُ: فَيَعْتَدُّ بِهَا. قَالَ: فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ1.
حدثنيه ابن الفارسي أخبرنا يعقوب بن سفيان القاضي2 أخبرنا سليمان بن
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع في الطلاق بطريق مختلفة كما في "7/52, 54, 76" وكذلك مسلم في الطلاق "2/1096" والترمذي في الطلاق "3/469" والنسائي في الرجعة "6/2123" وابن ماجة في الطلاق "1/651" والبيهقي في السنن الكبرى "7/325".
2 ح: "يوسف بن يعقوب القاضي" وفي ط: "يعقوب بن يوسف القاضي" وكلاهما تحريف. والمثبت من س. وفي التقريب "2/375" يعقوب بن سفيان الفارسي أبو يوسف الفسوي ثقة حافظ مات سنة "277" هـ وجاء في التهذيب "11/385" روي عن سليمان بن حرب.

(2/401)


حرب أخبرنا يزيد بن إبراهيم أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ1.
قوله: أرأيت إن عجز واستحمق وفيه حذف واختصار كأنه قَالَ أرأيت إن عجز واستحمق أيبطل الطلاق ويذهب هدرا يعلمه أن الطلاق لازم له وأنه واقع في الحيض وقوعه في الطهر وإنما كان عجزه وحمقه أَنَّهُ خالف السنة بإيقاعه الطلاق في غير وقته يُقَالُ استحمق الرجل إذا صار أحمق أو فعل فعل الحمقى ومثله استنوك قَالَ الشاعر:
واستنوكت وللشباب نوك2
وهذا كقولهم استنوق الجمل واستأسد الرجل3 ونحوه.
__________
1 س: "يوسف بن كثبر" تحريف والمثبت من باقي النسخ.
وفي التقريب "2/384" يوسف بن جبير الباهلي أبو غلاب النصري ثقة مات بعد التسعين وجاء في التهذيب "11/436" روي عنه ابن سيرين.
2 اللسان والتاج "نوك" وقبله "تضحك مني شيخة ضحوك" ولم يعز.
3 د: "واستأسد الأسد".

(2/402)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَيْهِ وَكَانَ لَنَا غَنَمٌ فَأَرَدْنَا نَفِيتَيْنِ تُجَفِّفُ عَلَيْهِمَا الأَقِطَ فَكَتَبَ إِلَى قَيِّمَه بِخَيْبَرٍ اجْعَلْ لَهُ نَفِيتَيْنِ عَرِيضَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد2 حدثنا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هَكَذَا قَالَ نَفِيتَيْنِ عَلَى وَزْنِ بعيرين وإنما هو نفيتين واحدتهما نَفْيَةٌ وَهِيَ شَبَهُ الطَّبَقِ يُعْمَلُ من خوص يجفف عليه الأقط فأما النفيتة
__________
1 الفائق "نفى" "4/13" والنهاية "نفى" "50/100".
2 د: "سعيد بن منصور".

(2/402)


فالدقيق يذر على ماء ولبن حليب وهو1 أغلظ من السخينة يتوسع بها صاحب العيال وهي الحريقة أيضا ولا تؤكل النفيتة ولا السخينة إلا عند عزة الطعام وعجف المال2. .
__________
1 د, ح: "وهي".
2 القاموس "عجف" العجف: دهاب السمن, وهو أعجف وهي عجفاء وفي الوسيط: والمال: كل ما يملكه الفرد أو الجماعة من متاع أو عرض تجارية أو عقار أو نقود أو حيوان, وقد أطلق في الجاهلية على الإبل.

(2/403)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يَنَتْحِي فِي السُّجُودِ فَقَالَ: لا تَشِنْ صُورَتَكَ1.
حَدَّثَنِيهُ الثِّقَةُ مِنْ أصحابنا أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا سويد عن عبد الله عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله: ينتحي أي يعتمد على جبهته حتى يؤثر السجود فيها وكل من جد في أمر فقد انتحى فيه والفرس ينتحي في عدوه والبعير في سيره قَالَ الشاعر:
يستن في ثني الجديل وينتحي ... فعل الخلية في الخليج الجاري
__________
1 الفائق "نحى" "3/412" والنهاية "نحى" "5/30" بلفظ "يتنحى" ولعله تحريف.

(2/403)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لا يُبَالِي أَنْ يُصَلِّي فِي الْمَكَانِ الْجَدَدِ وَالْبَطْحَاءِ وَالتُّرَابِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ.
__________
1 أخرحه عبد الرزاق في مصنفه "1/392".

(2/403)


الجدد: المستوي من الأرض وفيه صلابة ومنه قول أكثم بن صيفي من سلك الجدد أمن العثار1 وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
ثم اغترزت على عنس عذافرة ... سي عليها خبار الأرض والجدد2
[150] / والبطحاء بطن مسيل فيه حجارة صغار.
__________
1 مثل أورده أبو عبيد "218" والعسكري "2/256" والميداني "2/306" والزمخشري "356" واللسان "جدد".
2 د: "سئي عليها" بدل "سي عليها" وفي هامضها: خبار: لين, والمثبت في الديوان "55".

(2/404)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ: أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِي بَدَنَةً فَرَأَى نَاقَةً كَوْمَاءَ عَظِيمَةَ السَّنَامِ فَقَالَ: فُرَّهَا فَقَالَ: شَارِفٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهَا جَذَعَةً فَنَظَرَ فَإِذَا هِيَ جَذَعَةٌ فَتَرَكَهَا1
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ.
قوله: فرها يريد النظر إلى سنها يُقَالُ فررت الدابة إذا فتحت فاها لتعرف سنها قَالَ أَبُو النجم:
وكم تركنا بالفلاة جملا ... يفر للغربان نابا أعصلا
وفي الحديث في قصة نزول عيسى: "أن حمة الهوام تنزع حتى تفر الجارية الأسد كما يفر ولد الكلب الصغير" 2.
ومن هذا قولهم افتر الرجل ضاحكا إذا كشر عَنْ أسنانه.
ويقال فر فلانا عما في نفسه أي امتحن ما عنده وفر الأمر جذعا
__________
1 النهاية "فرر" "3/437".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/400" بلفظ: "وترفع حمه كل ذات حمة".

(2/404)


إذا رجع عوده على بدئه قَالَ الشاعر:
وما ارتقيت على أكتاد مهلكة ... إلا منيت بأمر فر لي جذعا1
__________
1 اللسان والتاج "فرر" برواية "وما ارتقت على أرجاء مهلكة" ولم يعز.

(2/405)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا نَدَهْتُهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
النده: الزجر. قَالَ الأصمعي: ومنه قول العرب اذهب فلا أنده سربك أي لا حاجة لي فيك قَالَ وأصل النده الزجر أي لا أرد إبلك قَالَ والسرب ساكنة الراء الإبل يُقَالُ جاء سرب بني فلان إذا جاءت إبلهم.
قَالَ: ويقال للمرأة عند الطلاق اذهبي فلا أنده سربك2 فكانت تطلق بهذه الكلمة في الجاهلية وهو مثل قولهم حبلك على غاربك3 وذلك أن الناقة إذا رعت وعليها خطامها ألقي على غاربها وتركت ليس عليها الخطام وإذا رأت الخطام لم يهنئها شيء.
ويقال: إن حد النده في الزجر أن يُقَالُ صه ومه ونحو ذلك يقول لَوْ رَأَيْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الحرم لم أهجه ولم أعرض له ذهب إلى أن القاتل إذا
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/153" والأزرقي في أخبار مكة "2/139".
2اللسان "سرب" جمهرة الأمثال "1/382" مجمع الأمثال "1/277" المستصفى "1/136".
3 اللسان "غرب" جمهرة الأمثال "1/382" مجمع الأمثال "1/196" المستصفى "2/56".

(2/405)


اعتصم بالحرم لم يعرض له حتى يخرج منه على الظاهر من قوله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} 1.
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَيْهِ فَإِنِّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَأَنَّ الْحَرَمَ لا يُبْطِلُ حَقًّا وَلا يُؤَخِّرُهُ عَنْ وَقْتِهِ وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ".
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السماك أخبرنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي أخبرنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكعبة فقال رسول الله: "اقْتُلُوهُ" 2. وكَانَ ابْنُ خَطَلٍ قَتَلَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي بن الأزرقي أخبرنا جَدِّي عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه ابْنَ خَطَلٍ فِي حَاجَةٍ وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلا مِنْ مُزَيْنَةَ وَرَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَّرَ الأَنْصَارِيَّ عَلَيْهِمَا فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَأَطَاعَهُ وَوَثَبَ ابْنُ خطل عليه فقتله3.
__________
1 سورة آل عمران: "97".
2 أخرجه البخاري في مواضع منها في المغازي "5/188" ومسلم في الحج "2/990" وأبو داود في الجهاد "3/60" والترمذي في الجهاد أيضا "4/202" والنسائي في الحج "5/200" وأحمد في مسنده "3/164, 186, 231, 233" وغيرهم.
3 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "2/137".

(2/406)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لأَغْتَسِلُ قَبْلَ امْرَأَتِي ثُمَّ أَتْكَوَّى بها1.
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "1/76" بلفظه وعبد الرزاق في مصنفه "1/276" بلفظ "ثم أتكرى بها" تحريف.

(2/407)


مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ أخبرنا شعبة أنبأنا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُهُ.
قوله: أتكوى بها: معناه استدفىء بها وأصله من الكي وهو لذع الحديدة المحماة يُقَالُ: اكتوى الرجل إذا كوي واستكوى إذا طلب أن يكوى والكي في الأصل كوي مثل اللي أصله لوي1.
__________
1 من د.

(2/408)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ المتعة تجزىء فِيهَا شَاةٌ فَقَالَ: مَالِي وَللشَّوِيِّ1.
يَرْوِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ2 قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ.
الشوي: جمع الشاة3 ويقال: شاة وشوي كما قالوا: كلب وكليب قَالَ الشاعر:
أرباب خيل وشوي ونعم
ويقال: رجل شاوي: أي صاحب شاء ومعاز: صاحب معز وآبل: صاحب إبل قَالَ الراجز:
__________
1 أخرجه الطبري في بفسيره "2/218" عن ابن جبير عن ابن عمر بنحره, وكذلك ابن حزم في الحلى "7/150" عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ, عَنْ ابن عمر وكلاهما بدون لفظ "الشوى".
2د: "الزبير بن عرن" تحريف.
وفي التقريب "1/259" الزبير بن عربي بفتح الراء وبعدها موحدة النمري أبو سلمة البصري ليس به بأس وانظر تهذيب التهذيب "3/318".
3د: "جماعة الشاء".

(2/408)


لا تنفع الشاوي فيها شاتة ... ولا حماراه ولا علاته1
وكان من مذهب ابن عُمَر أن المتمتع بالعمرة إلى الحج لا تجزيه شاة وأن عليه بدنة.
__________
1 اللسان والتاج "حمر, شوا, علا" وعزي لمبشر بن هذيل بن فزارة الشمخي, والعلاة: حجر يجعل عليه الأقط.

(2/409)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حديث ابن عُمَر أن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَصْحَبُكَ قَالَ لا تَصْحَبْنِي عَلَى جِلالٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بن دينار عن عبد الرحمن بْنِ فَرُّوخٍ.
إنما كره ركوب الجلال لأن ريح الجلة يوجد في عرقها ولهذا المعنى "نهى عَنْ أكل لحومها"2.
قَالَ الشافعي رحمه اللَّه عليه في3 الإبل الجلالة: هي التي أكثر علفها العذرة اليابسة كره أكل لحومها لأن أرواح العذرة توجد في عرقها وجررها. ولحومها نغتذي بها فأما ما كان من الإبل أكثر علفه من غيرها وكان ينال منها قليلا فلا يبين في عرقه وجرره لأن اغتذاءه من غيره فليس بجلال منهي عنه.
قَالَ: والجلالة منهي عَنْ لحومها حتى تعلف علفا غيره فتصير به إلى أن يوجد عرقها وجررها قد انقلبت عما كانت تكون عليه فتؤكل إذا كانت هكذا قَالَ ولا تجد شيئا تستطيع أن تحده به أبين من هذا.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/522" وقد ورد النهي عن ركوب الجلالة مرفوعا أيضا عن ابن عمر كما في سنن أبي داود "3/25".
2 أخرجه أبو داود في الأطعمة "4/270" والنسائي في الأضحية "7/239, 240" والترمذي وابن ماجة في الذبائح "2/1064" وغيرهم.
3س: "من الإبل".

(2/409)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ أَرْضًا لَهُ فَرَأَى كَلْبًا فَقَالَ: أَحِيشُوهُ عَلَيَّ وَأَخَذَ الْمِسْحَاةَ [152] وَاسْتَقْفَاهُ فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ وَأَقْبَلَ / عَلَى قَيِّمَهِ فِي أَرْضِهِ فَقَالَ: أَتُدْخِلُ أرضي كلبا1.
أخبرناه محمد بن المكي أنبأنا الصائغ حدثنا سعيد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ.
قوله: أحيشوه معناه سوقوه إلى.
يُقَالُ: حشت الصيد وأحشته إذا أخذت من حواليه لتصرفه إلى الحبائل.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الأَعْرَابِ أَصَابَا صَيْدًا قَتَلَهُ أحدهما وأحاشه الآخر عليه فسألا عن الكفارة فقال لعبد الرحمن بْنِ عَوْفٍ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى شَاةً قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أرى ذلك وَأَحْسَبُهُ قَتَلَ ظَبْيًا قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَا قَالَ أَحَدُهُمَا: وَاللَّهِ مَا كَانَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا عِلْمٌ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ2.
رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عن داود عن أَبِي هِنْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عبد الله المزني.
__________
1 الفائق "حوش" "1/336" والنهاية "حوش" "1/461".
2 أخرجه عبد الرزاق القصة بطولها في مصنفه "4/406 – 498" باختلاف بعض الألفاظ وكذلك البيهقي في السنن الكبرى "5/181" والحاكم في المستدرك "3/310" وكلهم بدون لفظ "وأحاشه الآخر".

(2/410)


ذهب عُمَر إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 1 وتقديمه قول عَبْد الرحمن ليكون عمر قول آخرا فيقع به الحكم لأنه إمام.
وَقَوْلُهُ: استقفاه أي أتاه من قبل قفاه يُقَالُ تقفيت الرجل واستقفيته إذا أتيته من خلفه ومنه قافية الشعر.
__________
1 سورة المائدة: "95".

(2/411)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَمَ وَكَانَ يَقُولُ: الإِسْلامُ لِلَّهِ وَكَانَ يَقُولُ: السَّلَفَ1.
حدثناه ابن مكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد أخبرنا هشيم أنبأنا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
السلم الاستسلام قَالَ اللَّه تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} 2أي من استسلم وأعطى المقادة وكذلك الإسلام إنما هو الطاعة لله والانقياد لأمره واحدهما مشتق من الأخر كره ابن عُمَر أن يُقَالُ أسلمت إلى فلان أو أعطيته السلم بمعنى السلف وأحب أن يكون هذا الاسم محضا في طاعة اللَّه لا يدخله شيء غيره. ويقال: رجل سلم أي أسير قد أسلم وخذل ومثله قوم سلم قَالَ الشاعرُ:
فاتَّقَيْن مَرْوانُ في القَوْمِ السلم
__________
1أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8/15" عن إسماعيل عن ابن عون والبيهقي في سنن "6/29" عن وكيع عن ابن عون.
وفي النهاية "سلم" "2/396" ومنه حديث ابن عمر "كَانَ يَكْرَهُ أنْ يُقال: السَّلَم بمعنى السلف, ويقول: الإسلام لله عز وجل.
2 سورة النساء: "94".
وجاء في كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع "1/395" قوله: {السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} وقرأ حمزة ونافع وابن عامر بغير ألف على معنى الإستسلام والانقياد. ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} سورة النحل: "87".
فالمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم وانقاد لست مسلما فتقتلوه حتى تتبينوا أمره. وقرأ الباقون: {السلام} بألف على معنى السلام الذي هو تحية الإسلام.

(2/411)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذا أقبل عبد الله بْنُ الْحَارِثِ جَاءَ بَبَّهُ قَالَ وكان عبد الله غُلامًا حَادِرًا وَكَانَتْ أُمُّهُ تَنْبِزُهُ أَوْ تُنَزِيهِ1 تَقُولُ:
لأَنْكِحَنَّ بَبَّهْ ... جَارِيَةً خَدْبَهْ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: تَجُبُّ أَهْلَ الْكَعْبَةِ2.
يَرْوِيهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
الحادر: الغليظ قَالَ الأعشى:
وكل جوب مترص صنعه ... وصادق أكعبه حادر3
والجوب: الترس.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن نافع أخبرنا الخزاعي أخبرنا الأَزْرَقِيُ قَال قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق وذكر قصة أبرهة صاحب الفيل وأنه كان رجلا قصيرا حادرا
__________
1 ط: "تنبز به"والفعل متعد.
2 أخرجه الفسوي في تاريخه "3/363" والخطيب في تاريخ بغداد "1/212" وابن كثير في أسد الغابة بلفظ "إن أمه كانت ترقصه وهو طفل وتقول:
لأنكحن ببه ... جارية خدبه
مكرمة محبه ... تجب أهل الكعبه
وضبط الحافظ كلمة ببة في الإصابة "3/58" فقال: بموحدتين مفتوحتين, والثانية ثقيلة.
3 الديوان "96" برواية:
وكل مرنان له أزمل ... ولين أكعبه حادر

(2/412)


دحداحا وكان أصابته حربة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه فلذلك سمي أبرهه الأشرم1.
يريد بالحادر الغليظ السمين والدحداح مثله وإلى القصر ما هو والشرم القطع والشق.
قَالَ ابن الأعرابي ضاف2 رجلا ضيف فقدم إليه ثريدة فقال له: لا تصقعها ولا تقعرها ولا تشرمها3 فَقَالَ الضيف: فمن أين آكل قَالَ لا أدري فانصرف الرجل جائعا.
وَقَوْلُهُ: ببه ذكر أَبُو عُمَر عَنْ أَبِي العباس قَالَ يُقَالُ للرجل إذا كان ممتلئا نعمة وشبابا ببه.
/ وَقَالَ غيره هي كلمة يوصف بها الأحمق. [153]
والخدبة الغليظة يُقَالُ رجل خدب وبعير خدب.
وقولها تجب أهل الكعبة معناه تغلبهم بحسنها يُقَالُ جابت فلانة نساء بني فلان فجبتهن أي غلبتهن بالحسن والجمال.
__________
1 أخرجه الأرزقي في أخبار مكة "1/137" وفيه." ... فوقعت الحربة على جبهة أبرهة الخ".
2 التاج "ضيف" ضفته أضيفه ضيفا بالكسر: أي نزلت عليه ضيفا وملت إليه وقيل: نزلت به وصرت له ضيفا وفي حديث عائشة رضي الله عنها "ضافها ضيف فأمرت له بملحفة صفراء".
3 لا تقصعها: لا تقصدها. ولا تصل إلى قعرها ولا تشرمها: لا تشفها من جانبها "عن الوسيط".

(2/413)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ قَالَ: أَفَضْتُ مَعَهُ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى أَتَى جَمْعًا فَأَنَاخَ بُخْتِيَّتَهُ فَجَعَلَهَا قِبْلَةً فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ثُمَّ رَقَدَ فَقُلْنَا لِغُلامِهِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَأَيْقِظْنَا فَأَيْقَظَنَا وَنَحْنُ ارْتِهَاطٌ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ.
قوله: ونحن ارتهاط أي فرق مرتهطون من الرهط وهو جماعة غير كثيرة العدد.
ويقال: إن الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة وارتهاط مصدر أقامة مقام الفعل كقول الخنساء:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار2
أي مقبلة مرة ومدبرة أخرى.
وفيه وجه آخر وهو أن تكون أرادت ذات إقبال وإدبار وكقوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} 3 والمعني ولكن ذا البر من آمن بالله.
__________
1 الفائق "رهط" "2/95" برواية "فأناخ نجيبته" والنهاية "رهط" "2/282".
2 الديوان "48".
3 سورة البقرة: "177".

(2/414)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ بَيْعَتَكُمْ هَذِهِ إِلا قَقَّةً1.
مِنْ حَدِيثِ عَارِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ.
ققة ليس بكلام وإنما هو شيء يولع به الصبي فيهذي بترديده على
__________
1الفائق "قق" "3/219" والنهاية "قق" "4/95".

(2/414)


لسانه1 قبل أن يتذرب بالكلام يريد بهذا تهوين أمر تلك البيعة كأنه يقول أَنَّهُ أمر تولاه الأحداث ومن لا حجة في قوله: ولا اعتبار به كما لا اعتبار بقول الطفل إذا هذي بهذه اللفظة.
وَقَالَ بعضهم: ققة كناية عَنِ الحدث يتلطخ به الطفل.
__________
1 د: "فيهذي بترك يده على لسانه قبل أن يتذرب بالكلام" "تحريف".

(2/415)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مَوْلاةً لامْرَأَتِهِ جَاءَتْهُ وَكَانَتْ قَدِ اخْتَلَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ عَلَيْهَا حَتَّى نَقْبَتِهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافَعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
النقبة ثوب تأتزر به المرأة تشده على وسطها ويقال إنها كالنطاق تنتطق به.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "6/505" بلفط "نفسها" بدل "نقبتها" تحريف.
وأخرجه مالك في الموطأ "2/565" عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَر.

(2/415)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا وَالْبُدْنَ مَا لَمْ تسْنِنْ1
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ وَرَوَاهُ لَمْ تُسْنَنْ مضمومة التاء مفتوحة
__________
1أخرجه ابن قتيبة في غريب الحدبث "2/305" وأخرجه مالط في الموطأ "2/482" عن نافع أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كان يتقي من الضحايا والبدن في كتاب الضحايا التي لم تسن والتي نقص من خلقها". وفي الفائق "سنن" "2/203" برواية "ينفي من الضحايا والبدن التي لم تسنن".

(2/415)


النون على مذهب المفعول لم يسم فاعله وَقَالَ هي التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا وهذا كما تقول فلان لم يلبن أي لم يعط لبنا ولم يسمن أي لم يعط سمنا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخطب في هذا أيسر من ذلك ووجه الكلام بين ومعناه واضح إذا اتبع صوابه ولم يغير إعرابه وإنما هو لم تسنن أي لم تسن رده إلى الأصل فأظهر النونين يريد بذلك سن الإثناء وكذلك رواه لنا الأثبات من أصحابنا عَنْ علي بن عبد العزيز عَنِ القعنبي عَنْ مالك عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لم أر منهم في ذلك اختلافا.

(2/416)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَقْتَلَ مُسَيْلَمَةَ وَأَنَّهُ رَآهُ أَصْفَرَ الْوَجْهِ أَفْطَأَ الأَنْفِ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ1.
[154] الأفطأ: الأفطس / والفطأ الفطس
__________
1 الفائق "فطأ" "3/129" والنهاية "3/456".

(2/416)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أُنَاسٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ1 الْعِلْمَ وَإِنِّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ وَإِنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ فَقَالَ إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بريء وأنهم براء مني2.
حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ أخبرنا يحيى بن حكيم
__________
1 د: "يتفقرون" وانظر النهاية "فقر" "3/464".
2 أخرحه مسلم في كتاب الإيمان "1/36" عن وكيع ومعاذ عن كهمس في حديث طويل والترمذي في لإيمان "5/6" بطريق وكيع عن كهمس وأبو داود في كتاب السنة "4/223" بطريق معاذ عن كهمس وابن حبان في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان "1/221".

(2/393)


[151] وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَلْتَقِي فِي الْيَوْمِ مِرَارًا يَسْأَلُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَأَنْ نَقْرُبَ بِذَلِكَ إِلا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ1.
حدثنيه عبد الله بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أَخْبَرَنَا رَجُلٌ عَنْ مِسْعَرٍ وَلَمْ أَسْمَعُهُ مِنْهُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله: نقرب أي نطلب والأصل في هذا طلب الماء ثم قالوا: فلان يقرب حاجته2 أي يطلبها.
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا ثعلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ وأخبرنا المبرد عَنِ المازني قالا إذا بقيت ثلاث ليال إلى الورد فالأولى الحوز والثانية الطلق والثالثة القرب. قال بعض أهل اللغة معناهم في هذا أن تقرب الإبل من الماء فتستعجل لوروده وأنشد للبيد:
عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل3
وَقَالَ الأزهري: أن نقرب بذلك إلا أن نحمد اللَّه أي ما نقرب بذلك إلا حمد الله أي ما نطلب4
__________
1 الفائق "قرب" "3/184" والنهاية "قرب" "4/33".
2 د: "حاجة".
3 المحكم "1/303" والمبرد في الكامل "208" وابن دريد في الجمهرة "1/252" واللسان "عسل" وعزي فيها كلها للبيد وقال شارح الديوان "200" البت من قصيدة للنابغة الجعدي انظر شرح لامية العرب "38".
4 من د:

(2/406)


حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَمِرَّ عَلَى عِيَارِ الأذنين".
...
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَمِرَّ عَلَى عِيَارِ الأُذُنَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن زيرك أخبرنا العباس بن محمد الدوري أنبأنا أبو النضر أخبرنا أَبُو مَالِكٍ النَّخْعِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الدوري: يريد بالعيار ما فوق الأذنين كأنه يذهب إلى العيار الَّذِي تعتبر به الأشياء يريد به الموضع الَّذِي ينتهي إليه حد الأذن ولست أرى هذا شيئا لأنه لا سنة في غسل ما وراء الأذنين ولا في إمرار الماء على ما فوقها وإنما وردت السنة بمسح الأذن نفسها وكان يأخذ لهما ماء جديدًا فيمسح ظاهرهما وباطنهما وإنما العيار ما عار ونتأ من الأذن أي أشرف وارتفع منها وكل عظم ناتىء من البدن عير ومنه عير القدم وعير الكتف وهوالعظم الناتىء في وسطه وعير السيف حامله وهو ما غلظ من وسطه وكذلك عير النصل قَالَ الراعي:
فصادف سهمه أحجار قف ... كسرن العير منه والغرارا2
ولهذا المعنى سمي الوتد عيرا قَالَ الحارث بن حلزة:
زعموا أن كل من ضرب العير ... موال لنا وأنى الولاء3
__________
1 الفائق "عير" "3/44" والنهاية "عير" "3/329".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط المجمع العلمي العراقي.
3 د: "موالي لنا" والبيت في اللسان والتاج "عير" ورواية التاج: "موال لها" وقال: هكذا أنشده الصاغاني وهو في التكملة "3/133" ويروى: الولاء بالكسر, وهو في ديوانه "10".

(2/417)


قَالَ أصحاب المعاني: أراد بالعير الوتد وذلك لأن العرب نازلة العمد فكلهم يضربون الأوتاد لخيامهم إذا نزلوا.
وَقَالَ بعضهم: بل العير هاهنا المثال القائم الَّذِي يرى في حدقة الإنسان يريد كل من ضرب بجفن على عير.
وسئل أَبُو عمرو بن العلاء عَنْ تفسير هذا البيت فَقَالَ ذهب من كان يحسن أن يفسره.
قَالَ الأصمعي: ثم فسر العير فقال هو الناتىء في بؤبؤ العين قَالَ ومعناه كل من انتبه من نومه قَالَ ومنه قولهم: آتيك قبل عير وما جرى أي آتيك قبل أن ينتبه نائم.
وَقَالَ غير أبي عمرو في قولهم قبل عير وما جرى يراد به السرعة أي قبل لحظة العين وأنشد لتأبط شرا:
ونار قد حضأت بعيد هدء ... بدار ما أريد بها مقاما
سوى تحليل راحلة وعير ... أكالئه مخافة أن يناما1
قَالَ أَبُو العباس ثعلب معنى قوله: وأنى الولاء أي أصحاب الولاء
__________
1 الشعر في الحيوان للجاحظ "4/482, 7/196" والنوادر "123" واللسان والتاج "عير من" والمخصص "1/94" والميداني "1/320" في قائله وروايته فقيل: هو لسهم بن الحارث أو شمر بن الحارث الضبي أو شمير بن الحارث أو تأبط شرا كما رواه الخطابي وروى البيت الثاني في الحيوان والنوادر:
سوى تحليل راحلة وعين ... أكالئها مخافة أن تناما
جاء بعد البيتين آخران:
أتَوْا ناري فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُم ... فقالوا الجِنُّ قُلْتُ عِمُوا ظَلامًا
فقلت إلى الطعام فقال منهم ... زعيم نحيسد الإنس الطعاما

(2/418)


فأضمر قَالَ وهذا الحرف عنى أَبُو عمرو بن العلاء بقوله: ذهب من يحسنه وقد يحتمل أن يكون ذلك غيار الأذن بالغين معجمة وهو محارها.
ويقال غارت الشمس غيارا إذا غابت إلا أن الرواية جاءت بالعين غير معجمة والله أعلم بالصواب.

(2/419)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ شَيْخًا مِنْ طُفَاوَةَ قَالَ: تَثَوَّيْتُهُ فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَشَدُّ تَشْمِيرًا وَلا أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا مومل أخبرنا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ طُفَاوَةَ يَقُولُ ذَلِكَ.
قوله: تثويته أي تضيفته والثوي الضيف قَالَ القطامي:
/ فمن يكن استلام إلى ثوي ... فقد أكرمت يا زفر المتاعا2 [155]
وَقَالَ ذو الرمة:
فقلت لها لا بل هموم تضيفت ... ثويك والظلماء ملقى سدولها3
وأصل هذا من الثواء وهو المكث في الإقامة4 يُقَالُ ثوى الرجل وأثويته إذا أويته إلى منزلك قال الشاعر:
__________
1 أخرجه أبو داود في النكاح "2/254 – 254" في حديث طويل والإمام أحمد في مسنده "2/540" وفي الفائق "ثوى" "1/180" وفي القاموس "طفا" "طفاوة: حي من قيس عيلان.
2 س: "فمن يكن السلام" والمثبت من د, ح والديوان "37" وفي الأغاني "20/310" "ومن يكن استنام إلى التوقي".
3 الديوان "53".
4 س: "وهو المكث والإقامة" والمثبت من باقي النسخ.

(2/419)


فإن شئت أثويناك في الحي مكرما ... وإن شئت بلغناك أرضا تريدها1
يريد ضيفناك عندنا ومنه الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عليه كتب في صلح أهل نجران أن عليهم مثوى رسله ثلاثة أيام2 يريد ضيافتهم وما يقيمهم هذه المدة.
__________
1 شرح الحماسة للمرزوقي "4 حماسة "719" من غير عزو.
2 بهذا اللفظ أخرحه ابن زنجوية في كتابه "الأموال" كما ذكره ذلك الدكتور حميد الله في الوثائق السياسية ص "144" إلا أن فيه "مثوى رسلي عشرين ليلة فما دونها" وذكره رواية أخرى في ص "141" بلفظ."مؤونة رسلي" بدل "مثوى رسلي".

(2/420)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه مِنَ الْكِسَرِ الْيَابِسَةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ تَهْذِرُونَ الدُّنْيَا وَنَقَرَ بِإِصْبَعِهِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد أخبرنا عبد الحميد بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تهذرون يريد تبذير المال وتفريقه في كل وجه ومنه هذر الكلام وهو الإكثار منه مع الإسقاط فيه.
يُقَالُ: رجل هذر ومهذار. ورواه بعضهم تهذون2 الدنيا وهو أشبه بالصواب.
__________
1 كذا في س, ط, وفي د, ح "نقد بإصبعه" والحديث في الفائق "هذر" "4/98" وفي النهاية "نقد" "4/104" ونقد بإصبعه أي نقر, والحديث أخرجه ابن سعد في طبقاته "1/403" بطريق سعيد بن منصور إلا أنه قال: "تهدرون" بدل "تهذرون" وأخرجه مسلم في الزهد "4/2284" ... بلفظ "رأيت أبا هريرة يشير بإصتعه مرارا يقول: "والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأهله ثرثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا", والترمذي في الزهد "4/580" والإمام أحمد في مسنده "2/434" والرواية عند الجميع يشير بإصبعه.
2 كذا في الفائق "4/98" أي تقطعونها إلى أنفسكم وتجمعونها وتسرعون في إنفاقها من هذ القراءة.

(2/420)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ الْوُعُولَ تَجْرِشُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا مَا هِجْتُهَا وَلامَسْتُهَا لأَنَّ رسول الله حَرَّمَ شَجَرَهَا أَنْ يُعْضَدَ أَوْ يُخْبَطَ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن مالك أخبرنا عمر بن حفص الدوسي أخبرنا عاصم أخبرنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تجرش أي ترعى وتقضم والجرش أكل الشيء الخشن والجرش الحك أيضا قَالَ رؤبة:
يا ليتني كنت بقفر أجترش ... كل مكون في كداها تحترش2
فيحتمل أن يكون أراد هذا المعنى فتكون الرواية تجرش أي تحكك وتمرغ
وَقَوْلُهُ: مستها يريد مسستها يريد مسستها وهو لغة لهم في ذوات التضعيف إذا كثر استعمالها حذفوا أحد الحرفين طلبا للخفة كقولهم في ظللت ظلت وفي أحسست وَقَالُوا: في مسست مست ومست وأنشد الفراء:
لو مست مقدمها أو مؤخرا لسعا
يعني عقربا أراد مسست وشبهوه بالإدغام وليس بإدغام إلا أَنَّهُ بعلة الإدغام وذلك أنهم نحوا بالإدغام التخفيف لأن حروف التضعيف مما يثقل تكراره على اللسان وعلى هذا قرأ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 3 مفتوحة
__________
1 أخرجه الطبري في تهذيب الآثار كما في كنز العمال "14/134" بلفظه. وأخرجه مسلم في كتاب الحج "2/1000" بلفظ: "حرم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما بين لابتي المدينة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها".
2 لم أقف عليه في ديوانه ولا ملحق الديوان.
3 سورة الأحزاب: "33".

(2/421)


القاف من قر يقر قرارا وأنكره اليزيدي وَقَالَ لم نسمعهم يقولون ذلك إلا فيما كان من المضعف على فعلت مكسورة العين مثل مسست وظللت فيقولون مسن ومسن وظلن وظلن وإنما هي قررت في المنزل أقر قرارا فعلت فيها مفتوح ولو كانت قررت لجاز قرن وقرن وإنما القراءة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} من الوقار وقر يقر وقارا1.
__________
1 انظر كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها "2/197, 198" واللسان "قرر" "وقر".

(2/422)


[156] وَقَالَ / أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَزْنُوقَ فَقَالَ الْمَائِلُ شِقُّهُ لا يَذْكُرُ اللَّهَ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن حباب أخبرنا ابن خزيمة أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو بكر الحنفي أخبرنا الضَّحَّاكُ وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ الْحُزَامِيِّ أخبرنا سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
المزنوق المربوط بالزناق يُقَالُ: زنقت الدابة وهو أن تشد في الحلقة التي تقع تحت حنكها سيرا أو نحوه يمنعها من الجماح.
ومن هذا حديثه الآخر وذكر يوم القيامة وأن جهنم يقاد بها مزنوقة2.
وَقَالَ مجاهد في قول اللَّه {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً} 3قَالَ: شبه الزناق.
قَالَ يعقوب يُقَالُ حنك الرجل دابته حنكا واحتنكها احتناكا إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "2/330" عن أبي بكر الحنفي وانظر مجمع الزوائد "2/330".
2 الفائق "زنق" "2/127" والنهاية "زنق" "2/315".
3 سورة الاسراء: "62".

(2/422)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفُشُّ بَيْنَ أَلْيَتَيْ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَإِنْ وَجَدَ رِيحًا أَوْ سَمِعَ صَوْتًا فَلْيَتَوَضَّأْ1 وَإِلا فَلا2.
حدثنيه عبد العزيز أخبرنا بن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أنبأنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الفش: النفخ الضعيف يريد أنه يوسوس إليه فيوهمه خروج الريح منه.
__________
1 س: "فليتوض" والحديث في الفائق "فشش" "3/120".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/330" وأصل الحديث أخرجه مسلم في الحيض "1/276" والترمذي في الطهارة "1/109".

(2/423)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الْيَرْمُوكِ تَزَيَّنُوا لِلْحُورِ الْعِينِ وَجِوَارِ رَبِّكُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فَمَا رُئِيَ مَوْطِنٌ أَكْثَرُ قِحْفًا سَاقِطًا وَكُفًّا طَائِحَةً مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ1.
يَرْوِيهِ يَزِيدُ بْنُ الْمُغَفَّلِ عَنْ عبد الأعلى بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: كفا طائحة أي بائنة من معصمها ساقطة يُقَالُ طاح الشيء إذا ذهب وتلف.
__________
1 ذكره ابن كثير في اليداية "7/9"مختصرا والفائق "قحف" "3/164".

(2/423)


ومن هذا قول معاذ بن عمرو بن الجموح1 يوم بدر رأيت أبا جهل في مثل الحرجة فقصدت نحوه فلما أمكنني ضربته ضربة أطننت قدمه بنصف ساقه فطاحت2 وَقَالَ علقمة بن الأرث:
وكم من قتيل أثخنته سيوفنا ... كفاحا وكف قد أطيحت وأسوق
ويقال تطوح الرجل في البلدان إذا تقاذفته بقاعها.
__________
1 كذا في د وهامش س ومغازي الواقدي "1/87" وسيرة ابن هشام "2/634" والبداية والنهاية "3/286" وفي بقية النسخ "عمرو بن الجموح".
2 أخرجه ابن هشام في سيرته "2/634" بلفظ "صمدت" بدل "قصدت" والواقدي في مغازيه "1/87" بنحوه وابن كثير في البداية والنهاية "3/286".

(2/424)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ يَشْرَبُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى أَثْرِ طَعَامِهِمْ شَرَابٌ يُقَالُ لَهُ: طَهُورٌ إِذَا شُرِبَ مِنْهُ هَطَمَ طَعَامَهُمْ1.
يَرْوِيهِ حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: هطم معناه سرعة الهضم وأصل الحطم وهو الكسر قلبوا الحاء هاء.
ويقال للراعي إذا وصف بالعنف حطمة وذلك لأنه يحمل الإبل بعضها على بعض في السوق فتحطم وتكسر والحطمة اسم جهنم لأنها تحطم من ألقي فيها قَالَ اللَّه تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} 2.
وَقَالَ أَبُو عبيدة يُقَالُ للرجل الأكول أَنَّهُ لحطمة.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا أَبُو العباس ثعلب سمعت الزبير بن بَكَّار يقول قدر حطمة إذا كانت تقذف ما طبخ فيها.
__________
1 لم أجده من حديث أبي هريرة وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/415" عن أبي قلابة بلفظ "فإذا أكلوا وشربوا أتوا بالشراب الطهور ... ".
2 سورة الهمزة:"4".

(2/424)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَى الرِّبَا عَطْوُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ عِرْضَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ1.
يَرْوِيهِ2 / حَجَّاجُ بن منهال أخبرنا أبو عقيل الباهلي عن عبد الله بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [157]
العطو تناول الشيء يُقَالُ منه عطوت أعطو ومنه التعاطي في الأمور.
وفي بعض الأمثال: "عاط بغير أنواط"3.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَالُ: هرط الرجل عرض أخيه يهرطه هرطا إذا طعن فيه ومثله هرده وهرته ومرقه.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/37" بلفظ."إن أربى الربا عرض الرجل المسلم" بسقوط كلمة قبل عرض من حديث أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الأدب "4/269" عن سعيد بن زيد مرفوعا بلفظ: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" وأخرجه عن أبي هريرة أيضا بعده مباشرة بلفظ: "إن من أكبر الكبائر اسنطالة المرء ... " وذكره الهيثمي في مجمعه "7/92" عن أبي هريرة بلفط: "إن من أزنى الزنا استطالة المرء في عرض أخيه" تصحيف وعزاه للبزار".
2 من ح.
3 اللسان "نوط" وجمهرة الأمثال "2/24" والمستصفى "2/156" يضرب لمن يدعي ما ليس يملكه.

(2/425)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَاجَرَ فَقَالَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ وَكَانَتْ أَمَةً لأُمِّ إسحاق سارة1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/57" والبخاري في النكاح "7/7" ومسلم في الفضائل "4/1841" في حديث طويل.

(2/425)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: يا بني ماء السماء يريد العرب وهم أولاد إسماعيل وإنما نسبوا إلى ماء السماء لأنهم ينزلون البوادي والقفار وحيث لا ماء به من البقاع إنما يتتبعون1 مواقع قطر السماء ويعيشون بمائها فصاروا كأنهم أولاده وبنوه وأنشدنا أَبُو عُمَر في نحو من هذا أنشدنا ثعلب عَنِ ابن الأعرابي يصف سحابة:
جاءت به مشرفة ذراها ... مثل العروس ناقصا خطاها
كأنما ينطف من كلاها ... عناظب الجراد أو دباها
فاشمطت2 القيعان من رغاها ... واتخذتنا كلنا طلاها
والطلا: الولد يقول: عشنا بمائها فكأنا صرنا أولادها.
قَالَ أَبُو عُمَر: شبه كبار القطر بالعنظب وهو ذكر الجراد وشبه الصغار بالدبا وشبه سير السحابة بمشي العروس في تقارب خطاها. والرغا جمع رغوة وهو ما يعلو اللبن يقول ابيضت القيعان بمائها كبياض الجفان باللبن.
وَقَالَ بعضهم: إنما قيل للعرب بنو ماء السماء لأنهم من ولد إسماعيل وقد فجر اللَّه له زمزم وأعاشه بمائها وكان ذلك سقيا من اللَّه ورحمة نزل بها جبريل من السماء فأضيف الماء إليها.
__________
1 ح, س: "يتبعون".
2 ط: "وأشحطت".

(2/426)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَانِعُ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُعِثَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْمَنُ مَا كَانَتْ عَلَى أَكْتَافِهَا أَمْثَالُ النَّوَاجِدِ شَحْمًا تَدْعُونَهُ أَنْتُمُ الرَّوَادِفَ مُحْلَسٌ أَخْفَافُهَا شَوْكًا مِنْ حَدِيدٍ ثُمَّ يَبْطِحُ لَهَا بِقَاعِ قَرِقٍ فَتَضْرِبُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا وَشَوْكِهَا ثُمَّ ذَكَرَ حُقُوقَ الْمَالِ فَقَالَ: أَلا وَفِي وَبَرِهَا حَقٌّ وَسَيَجِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ قَدْ مَلأَتْ عِكْمَهَا مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ فَلْيُنَاهِزُهَا فَلْيَقْتَطِعُ فَلْيُرْسِلُ إِلَى جَارِهِ الَّذِي لا وَبَرَ لَهُ وَمَا مِنْ صَاحِبِ نَخْلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُعِثَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَعَفُهَا وَلِيفُهَا وَكَرَانِيفُهَا أَشَاجِعَ تَنْهَسُهُ فِي يَوْمٍ1 كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ2.
يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ3 قَالَ: سَمِعْتُ أبا هريرة يقوله: وَهُوَ قَائِمٌ عِنْد مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ.
النواجد: طرائق الشحم واحدتها ناجدة وسميت نواجد لارتفاع مواضعها ولذلك سمي ما ارتفع من الأرض نجدا.
قَالَ أَبُو العباس: ثعلب سمى النجاد نجادا لرفعه الثياب بزيادته عَلَيْهَا وضمه إليها ما / يعليها ويزيد في حدها. [158]
وَقَوْلُهُ: محلس أخفافها شوكا يريد أن أخفافها قد طورقت بشوك من حديد وأراه مأخوذا من الحلس وهو كساء يلي الظهر4 ويستعار في غير موضع فيقال كن في الفتنة حلس بيتك وبنو فلان أحلاس الخيل إذا وصفوا بكثرة ركوب الخيل وشدة الملازمة لظهورها يريد أن أخفافها قد ألزمت هذا الشوك وعوليت به كما ألزم ظهور الإبل أحلاسها.
__________
1 في د: "في كل يوم" وفي ط: "من غل يوم" بدل "في يوم".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/490" والنسائي في سننه "5/12" في الزكاة باختلاف في الألفاط بدون ذكر مانع النحل.
3 د: "علقمة بن خالد".
4 د, ح: "يلي ظهر البعير".

(2/427)


والعكم: ما جمع من المتاع وشد.
وَقَوْلُهُ: فليناهزها أي فليبادرها من قولك ناهزت فلانا السبق وانتهزت الفرصة.
والأشاجع: الحيات واحدها شجاع وفعال لا يجمع على أفاعل ويشبه أن يكون أراد جمع الجمع لأن جمع الأقل من فعال يكون على أفعله كقولك غراب وأغربة ثم يجمع على أفاعل قَالَ الأعشى:
أساود صرعى لم يوسد قتيلها1
أراد شخوص القتلى. جمع السواد أسودة ثم أساود.
__________
1 الديوان "135" وصدره "تناهيتم عنا وقد كان فيكم".

(2/428)


يتباكون فيها أي يتدافعون ويقال في هذا المعني ابتكت1 عليه الجماعة أي ازدحمت.
ويروى أن بني العجلان لما استعدوا على النجاشي عند عُمَر بن الخطاب فأنشدوه قوله:
ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوراد عَنْ كل منهل
قَالَ عُمَر: ذاك أقل للكاك2.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لا تَمْشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيكَ وَلا تَجْلِسْ3 قَبْلَهُ وَلا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ وَلا تَسْتَسِبَّ لَهُ4.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الزيبقي أخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ5 أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي أخبرنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: لا تستسب له يريد لا تعرض أباك للسب بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك وهذا على معنى قوله عز وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} 6.
ويقال أصل السب القطع ثم كثر حتى صار السب شتما قال الشاعر
__________
1 كذا في هامش د وفي جميع النسخ: "التكت عليه الجماعة" والتكت: ازدحمت.
2 اللكاك: الزحام.
3 س: "ولا تجلسن".
4 ذكره الهيثمي في مجمعه "8/148" جزاء منه وزاد أيضا عن أبي غسان الضبي عن أبي هريرة وعزاه للطبراني في الأوسط.
5 كذا في المشتبه "1/234" "بالكسر والتخفيف" من شيوخ مصر وفي النسخ "حساب".
6 سورة الأنعام: "108".

(2/429)


فما كان ذنب مالك ... بأن سب منهم غلام فسب1
سب أي شتم وسب أي قطع ويقال فلان سب فلان إذا كان يسابه قَالَ الشاعر:
لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم2
[159] / ويروي عَنْ معاوية أَنَّهُ قَالَ: مهما سببت بشيء فلست أسب بأربع خصال لست بنكح طلقة ولا سب ضرعة. يقول لست بالشتامة للرجال المضارع لهم والمضارعة المساواة ويقال هما ضرعان أي مثلان وفلان ضرع فلان أي مثله ونظيره.
قَالَ أَبُو عمرو تقول العرب في بعض أمثالها إن أخاك في الأشاوى ضرعك3 أي في الأشياء.
__________
1 اللسان التاج "سبب" وعزى لذي الخرق الطهوي والبيت في المقاييس "3/63" والجمهرة "1/30" والتكملة للصغائي "1/153" وجاء فيها والرواية "بأن شب بفتح الشين المعجمة أي بلغ منالشباب وليس من الشتم في شيء وشهرة القصة عند أهل الأدب تنادي بصحة المعنى وذلك أن امرأة من بني رباح نذرت إن زوجت ابنها عجردا أن تنحر جزورين فزوجت فنحرت جزورين لنذرها فوافق ذلك نحر غالب فظن أنها مؤامة له "قاصدة له" فثارت الفتنة وفي ذلك يقول الأخوص الرياحي:
فكنا بخير قبل عحرد ... وقبل جزوري أمه يوم صوأر
ويوضح أيضا صحة ذلك الذي يلي البيت المستشهد به وهو:
عرافيب كوم طوال الذرى ... يخر بوائكها للركب
بأرض يهتز ذي هبة ... يقط العظام ويبري العصب
2 كذا في س واللسان والتاج "سب" والمقاييس "3/63" وعزي لعبد الرحمن بن حسان يهجو مسكينا الدارمي وفي بقية النسخ: "لا تسبني".
3 المسبصفى "1/402".

(2/430)


حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أشراط الساعة وأن منها أن تعلو التحوت الاوعول ...
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ, وَأَنَّ مِنْهَا أَنْ تَعْلُوَ التُّحُوتُ الْوُعُولَ فَقِيلَ: مَا التُّحُوتُ؟ قَالَ: بُيُوتُ الْقَافِصَةِ يَرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ1.
قَالَ الْبُخَارِيّ: رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هريرة.
القافصة: اللئام وأكثر ما يقال بالسين يقال عبد أقفس وأمة قفساء وبين الصاد والسين تعاقب في مواضع وقد ذكرناه فيما تقدم وقد يحْتملُ أن يكون أَرادَ بالقافصة ذوي العيوب من قولهم أصبح فلان قفصا إذا عربت معدته وفسدت طبيعته شبه المعيب من الرجال به.
ويقال: أصبح الجراد قفصا إذا أصابه البرد فلم يستطع أن يطير.
والوعول الأشراف ضرب المثل بها لأنها تأوي إلى شغف الجبال وتعتصم بمعاقلها.
وفِي حَدِيثِ آخر: لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت قيل: وما التحوت؟ قَالَ: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعرفون ولا يشعر بهم2.
__________
1 أخرجه البخاري في الكنى ص "59" في ترجمة أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ بلفظ "القانصة" بدل "القافصة" وذكره الهيثمي في مجمعه "7/327" بلفظ: "أهل البيوت الغامضة" بدل "بيوت القافصة.
2 ذكره الهيثمي في مجمعه "7/324" وعزاه للطبراني في الأوسط.

(2/431)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ كُنْتُ لأَسْتَقْرِي الرَّجُلُ السُّورَةَ لأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ فَيُطْعِمُنِي وَذَلِكَ حِينَ لا آكُلُ الْخَمِيرَ ولا ألبس الحبير1.
__________
1 أخرجه البخاري في فضائل الصحابة "5/64" والأطعمة "7/100" بطوله وفي الفائق "خبر" والنهاية "خبر" برواية "لا آكل الخبير".

(2/431)


مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الحبير من البرود: ما كان فيه وشي وتخطيط يُقَالُ: حبرت الثوب وحبرته مخففا ويقال: هذا برد حبرة وكل شيء حسنته فقد حبرته.
ويروى أيضا حين لا آكل الخبير. قال أَبُو عمرو هو الإدام الطيب والخبرة الأدم. يُقَالُ جاءنا بطعام ولم يأتنا بخبرة أي بأدم1.
__________
1 من د.

(2/432)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ رَسُولِهِ سَرَقْتَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ وَلا عَدُوِّ رَسُولِهِ وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا وَلَكِنَّهَا سِهَامٌ اجْتَمَعَتْ وَنَتَاجُ خَيْلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْعَمَلِ فَأَبَى فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّ يُوسُفَ قَدْ سَأَلَ العمل قال لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ يُوسُفَ مني بريء وأنا منه براء وَأَخَافُ ثَلاثًا وَاثْنَتَيْنِ قَالَ: أَفَلا تَقُولُ خَمْسًا؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ حُكْمٍ وَأَقْضِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَخَافُ أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَأَنْ يُشْتَمَ عِرْضِي وَأَنْ يُؤْخَذَ مَالِي1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أخبرنا أبو عروبه حدثنا محمد بن سعيد الأنصاري أخبرنا مسكين حدثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قوله: إن يوسف مني بريء وأنا منه براء لم يرد به براءة الولاية
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/323" عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وابن سعد في طبقاته "4/335" عن أبي هلال عن ابن سيرين أولا بطوله ثم عن ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مختصرا وابن قتيبة في عيون الأخبار "1/53" وكلهم باختلاف بعض الألفاظ وأخرج أبو نعيم في الحلية "1/380" النصف الثاني فقط.

(2/432)


وكيف يتبرأ من نبي من الأنبياء هو مأمور بموالاته مفروض عليه الإيمان به والتصديق بنبوته وإنما أراد به البراءة عَنْ مساواته في الحكم والمقايسة به في القوة على العمل.
/ ويقال: أَنَّهُ منه بريء وبراء ويقال أيضا قوم براء وقد قرىء: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} 1 [160]
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ نحن منكم براء وبرآء وبراء.
قوله: أخاف ثلاثا واثنتين فإن تفصيل ذلك ما ذكره من الخلال الخمس التي عددها وهو قوله: أخاف أن أَقُولَ بِغَيْرِ حُكْمٍ وَأَقْضِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَخَافُ أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَأَنْ يُشْتَمَ عِرْضِي وَأَنْ يُؤْخَذَ مالي يعرض بالشكاية فيما ناله من عقوبة عُمَر ويشبه أن يكون إنما جعلها في العدد قسمين ولم يقل أخاف خمسا كما قَالَ له عُمَر: لأن الخلتين الأوليين من الحق عليه خاف أن يضيعه والخلال الثلاث من الحق له خاف أن يظلمه فجعله قسمين ليكون أبين للقول وأبلغ في العذر.
__________
1 سورة الممتحنة: "4".

(2/433)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ابْنَ لَبِيبَةَ قَالَ: جِئْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَانَ رَجُلا آدَمَ ذَا ضَفِيرَتَيْنِ1 أَفْشَغَ الثَّنِيَّتَيْنِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ إِذَا اصْطَفَقَ الآفَاقُ بِالْبَيَاضِ فَصَلِّ الْفَجْرَ إِلَى السدف وإياك والحنوة والإقعاء2
__________
1 د: "ذا ظفيرتين".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/537 - 539" بلفظ "الحبوة" بدل "الحنوة" "تصحيف" وبلفظ "أقنع" بدل "أفشغ" تحريف وتصحيف" في حديث طويل وأخرجه أيضا في "2/190" الجزء الأخير من الحديث وابن سعد في طبقاته "4/334" الجزء الأول من الحديث.

(2/433)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ.
يُقَالُ: رجل أفشغ الثنية أي ناتئها.
والسدف: ظلمة الليل وقد أسدف الليل إذا أظلم والسدف أيضا بياض النهار وهو من الأضداد والحنوة في الصلاة: أن يطأطىء رأسه ويقوس ظهره لا يمده يُقَالُ: حنوت الشيء أحنوه حنوا إذا عطفته وحنيته حنيا مثله والإقعاء: أن يضع وركيه على عقبيه ويعتمد بيديه على ركبتيه وقد يفسر تفسيرا آخر وهو أن يقعد الرجل بالأرض على أليتيه وينصب فخذيه كما تفعل السباع والكلاب.

(2/434)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي وِعَاءِ الْعَشْرَةِ حَقًّا لِلَّهِ وَاجِبًا, قِيلَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا وِعَاءُ الْعَشْرَةِ؟ قَالَ: رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى عَشْرَةِ عَيِّلٍ وِعَاءً مِنَ طَعَامٍ إِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّهُ حَرَقَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ1.
يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: عشرة عيل يريد عشرة أنفس يعولهم. قَالَ الأصمعي: واحد العيال عيل والجمع عيايل مثل سيد سيايد ويقال رجل معيل إذا كان صاحب عيال قَالَ امرؤ القيس:
__________
1 الفائق "عول" والنهاية "عول" "3/323".
2 س: "علقمة بن مجالد" والمثبت من باقي النسخ وفي التقريب "2/30" علقمة بن بجالة بفتح الموحدة وتخفيف الجيم مقبول توفي بعد المائة.

(2/434)


به الذئب يعوى كالخليع المعيل1
والعيل أيضا الصبي الصغير وقد يكون اسما للواحد والجماعة. أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
إليك أشكو عرق دهر ذي خبل ... وعيلا شعثا صغارا كالحجل2
فجعله اسم جماعة وكذلك هو في قول أَبِي هُرَيْرَةَ ألا تراه يقول عشرة عيل ولم يقل عيايل3.
ومن هذا الباب حديث حنظلة الكاتب.
حدثناه ابن مالك حدثنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا أَبِي أَخْبَرَنِي الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ4 أَخْبَرَنِي حَنْظَلَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَكَانَ مِنْ كتاب النبي قال كنا عند النبي فَوَعَظَنَا فَرَقَّتْ قُلُوبُنَا وَدَمِعَتْ أَعْيُنُنَا فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي / فَدَنَتْ مِنِّي الْمَرْأَةُ وَعَيِّلٌ أَوْ عَيِّلانِ فَأَخَذْنَا فِي [161] الدُّنْيَا وَنَسِيتُ مَا كَانَ عند النبي وذكر حديثا فيه طول5.
__________
1 الديوان "92" ط المعارف وصدره "وخرق كحوف العير قفر مضلة".
2 الفائق "عول" "3/36" من غير عزو.
3 ط, س: "عياييل" والمثبت من د, ط. وفي القاموس "عيل": "العيال ككتاب جمع عيل وجج عيايل".
4 من ح. ط.
5 أخرجه مسلم في التوبة "4/2106" والترمذي في القيامة "4/666" وأحمد في مسنده "4،148, 346" كلهم عن الجريري باختلاف بعض الألفاظ وليست فيها كلمة عيل.

(2/435)


حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ضَمْضَمَ بْنَ جَوْسٍ قَالَ: "رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ من ماء الشقيظ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ضَمْضَمَ بْنَ جوس1
__________
1 د: "ضمضم بن دوس" "تحريف" وفي التقريب "1/375" ضمضم بن جوس بفتح الجيم وسكون الواو ثم مهملة ويقال ابن الحارث بن جوس اليمامي ثقة مات بعد المائة.

(2/435)


قَالَ: رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الشَّقِيظِ1.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الْفَرَّاءِ.
قَالَ: يُرْوَى هَذَا عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ.
قال: الفراء: والشقيظ: الفخار2.
__________
1 الفائق "شقظ" "2/258" والنهاية "شفط" "2/491" بلفظ "الشقيط".
2 سقط من ط.

(2/436)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلاثِينَ كَانَ دِينُ اللَّهَ دَخَلا وَمَال اللَّهُ نُحْلا وَعِبَادُ اللَّهِ خَوَلا1.
حدثنيه عبد الله بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاءِ بن عبد الرحمن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الدخل: الغش والفساد وأصله أن يدخل في الأمر ما ليس منه ومثله2 الدغل يُقَالُ أدخل الرجل في أمره وأدغل بمعنى واحد يريد أنهم يدخلون في الدين أمورا ويحدثون أحكاما لم تجر بها السنة.
والنحل: ما كان من العطاء ابتداء على غير عوض يريد أنهم يعطون المال على الأثرة وحسن الرأي لا على الاستحقاق.
والخول: من كان3 استخدامه على سبيل قهر وذل جمع خائل.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "11/359" بلفظ "دخلا" وبلفظ "دعغلا" وعزاه لأبي يعلى وابن عساكر وذكره أيضا في "11/165" بدون عزو وأخرجه الإمام أحمد في مسنده "3/80" من حديث سعيد بلفظ "إذا بلغ بنو أبي فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا" وأخرجه الحاكم في مستدركه "4/479" من حديث أبي ذر بلفظ: "أربعين" بدل "ثلاثين" وفيه: "كتاب الله دغلا".
2د: "ومنه" بدل "ومثله".
3 د: "ما كان".

(2/436)


يُقَالُ: خائل وخول كما قالوا: حارس وحرس وطالب وطلب والخائل القائم بالأمر والمتعهد له. ويقال فلان خائل مال وخال مال إذا كان حسن القيام عليه وقد خلت المال أخوله خولا.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ: كان رسول الله يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ1.
قَالَ ابن السكيت: معناه يصلحنا بها ويقوم علينا بها.
ويقال: إن أصل الخائل الراعي ثم كثر ذلك في كلامهم حتى صار اسما لكل من ألزم خدمة وأكره عليها.
__________
1 أخرجه البخاري في العلم "1/27" ومسلم في المنافقين "4/2172" والترمذي في الأدب "5/142" وغيرهم.

(2/437)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ في ذلك اليوم لكل امرىء لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا أمرا كان بينه وبيه أَخِيهِ شَحْنَاءَ فَيَقُولُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم بن مالك أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا الحميدي أخبرنا سُفْيَانُ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: اركوا هذين يريد أخروهما. قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ: ركاه يركوه إذا أخره وَقَالَ غيره: يُقَالُ: ركوت على الرجل إذا سبعته وذكرته بالقبيح وركوت على البعير الحمل إذا ضاعفته وقد يروى هذا الكلام مرفوعا.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده "2/431" بلفظ "اتركوا" بدل "اركوا" ومسلم في البر "4/1987" بلفظ "اركوا" ومالك في الموطأ في حسن الخلق "2/909" باللفظين مع الشك.

(2/437)


حَدِيثِ أبي هريرة عن رسول الله: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَجْرِهِ قيراط".
...
وقد أصاحب أقواما طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم1
يريد الماء وذلك أَنَّهُ إذا أديم في المزادة اخضرت.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لابْنِ عُمَرَ رِوَايَتُهُ عن رسول الله: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطٌ" فَقَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ"2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
قد زعم بعض من لم يسدد في قوله: ولم يوفق لحسن الظن بسلفه أن ابن عُمَر إنما أخرج قوله: هذا مخرج الطعن على أَبِي هُرَيْرَةَ وأنه ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع قَالَ وكان ابن عُمَر يرويه ولا يذكر فيه كلب الزرع.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والأمر فيما زعمه بخلاف ما توهمه وإنما ذكر ابن عُمَر هذا تصديقا لقول أَبِي هُرَيْرَةَ وتحقيقا له ودل به على صحة روايته وثبوتها إذ كان كل من صدقت حاجته إلى شيء كثرت عنايته به وكثر سؤاله عنه.
يقول: إن أبا هريرة جدير بأن يكون عنده هذا العلم وأن يكون قد
__________
1 اللسان "نشم" برواية: "وقد أصاحب أقواما شرابهم" وجاء في الشرح: فيه تنشيم: تغيرت ريحه ولم يبلغ النتن.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/432" ومسلم فيالمساقاة "3/1202" بطريق عبد الرزاق بمثله وأبو داود في الصيد "3/108" والترمذي في الأحكام "4/80" والنسائي في الصيد "7/189" كلهم بطريق عبد الرزاق إلا أنهم لم يذكروا قول ابن عمر: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صاحب زرع" وكذلك البيهقي في السنن الكبرى "1/251".

(2/439)


سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عنه لحاجته كانت إليه إذا كان صاحب زرع يدل على صحة ذلك فتيا ابن عُمَر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أَبِي هُرَيْرَةَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا محمد بن أيوب أخبرنا يوسف بن يعقوب الصفار أخبرنا عبد الرحمن بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا صُبَيْحٌ شَيْخٌ لَنَا قَدِيمٌ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَر فَرَأَى كَلْبًا فَقَالَ: يَا صُبَيْحُ لِمَنْ هَذَا الْكَلْبُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لامْرَأَتَيْنِ هاهنا. قَالَ: لِضَرْعٍ أَوْ لِزَرْعٍ قَالَ: قُلْتُ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا قَالَ: فمرهما فلتقتلاه.
وقد روى عبد الله بْنُ مُغَفَّلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ أَبِي زهير عن رسول الله إِبَاحَةَ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الزَّرْعِ كَمَا رواه أبو هريرة.
حدثناه الصفار أخبرنا محمد بن منده الأصبهاني أخبرنا بكر بن بكار أخبرنا أَبُو حَرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عبد الله بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ زَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" 1.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا أحمد بن ملحان أخبرنا يحيى بن بكير أخبرنا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ2 بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شُنُوءَةَ من أصحاب رسول الله يُحَدِّثُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لا يغني عنه
__________
1 أخرجه مسلم في الطهارة "1/235" والمساقاة "3/1201" والترمذي في الأحكام "4/80" بألفاظ متقاربة.
2 س: "زيد ين خصيفة" تحريف" والمثبت من د والتقريب "2/367".

(2/440)


ضَرْعًا وَلا زَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله قَالَ: أَيْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ1.
وَحَدَّثَنِي عبد الله بن محمد المسكي أخبرنا عبد الله بن جعفر بن خاقان أخبرنا أحمد بن منيع أخبرنا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءَ عن الوليد بن عبد الرحمن عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمُنَا لِرَسُولِ اللَّهِ وأحفظنا لحديثه2.
__________
1 حديث سفيان بن أبي زهير أخرجه مسلم في المساقاة "3/1204" بلفظ "إي ورب هذا المسجد" بدل "الكعبة" عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عن يزيد ين خصيفة. وإسماعيل عن يزيد بن خصيفة.
2 أخرجه الترمذي في المناقب 5/684 والإمام أحمد في مسنده 3/2 إلا أنه قال: "أعلمنا" بدل "أحفظنا".

(2/441)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَتَدَاكَّ النَّاسُ عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن المكي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ أخبرنا إبراهيم بن الجنيد أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ دَارَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تداك الناس عليه أي ازدحموا حتى وقع بعضهم على بعض وأصل الدك الكسر ويقال الدق وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} 2 أي دقت جبالها وأنشازها حتى استوت ومثله تباك الناس عليه أي ازدحموا وتدافعوا ويقال إنما سميت بكة لأن الناس
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "2/454" عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلاءِ عن ابن دارة بدون "عن أبيه" وانظر النهاية في الفتن لابن كثير "2/326".
2 سورة الفجر:"21".

(2/428)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْكِلابِ إِذَا وَرَدْنَ الْحَكَرَ الصَّغِيرَ قَالَ: لا تطعمه1
حدثنيه عبد العزيز أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أنبأنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ مولى بني نصر عن سليم بن عبد الله بْنِ جُنَادَةَ الْفَهْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الحكر الماء المستنقع في غدير أو وقبة من الأرض أو نحوها وسمي حكرا لأنه يحكر فيه أي يجمع ويحبس ومنه الاحتكار في الطعام وهو الاحتباس به انتظار الغلاء.
وَقَوْلُهُ: لا تطعمه يريد لا تشربه على مجاز قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} 2.
وقال رسول الله فِي زَمْزَمَ: "طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ" 3.
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
[162] / نعاما بخطمة صعر الخدو ... د ولا تطعم الماء إلا صياما4
وقال آخر:
__________
1 الفائق "حكر" "1/302" والنهاية "حكر" "1/418".
2 سورة البقرة: "249".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "3/296" من حديث أبي ذر وعزاه للبزاري والطبراني في الصغير, ومن حديث ابن عباس أيضا وعزاه للطبراني في الكبير. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/115" وأحمد في مسنده "5/175" والأزرقي في أخبار مكة "2/49" في حديث طويل بدون "شفاء سقم" والحديث في اللسان "طعم" ومعناه: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام.
4 الديوان "191".

(2/438)


حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأْعَضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ ... ".
...
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَحِمَهُ الله
[163] / قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حديث سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ1 أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأْعَضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ تَقُولُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا"2.
حَدَّثَنَاهُ ابن مالك أخبرنا مسلم الكشي أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قوله: تكفر: أي تواضع وتذلل وأصله أن يومىء الرجل برأسه وينحني إذا أراد تعظيم صاحبه قَالَ جرير:
فإذا سمعت بحرب قيس بعدها ... فضعوا السلاح وكفروا تكفيرا3
وقد يكون التكفير وضع اليدين4 على الصدر قَالَ عمرو بن كلثوم:
تكفر باليدين إذا التقينا ... وتلقي من مخافتنا عصاكا5
__________
1 من د, ح.
2 أخرجه الترمذي في الزهد "4/605" عن محمد بن موسى عن حماد. وأحمد في مسنده "3/95 – 96" عن عفان عن حماد بن يزيد.
3 الديوان "22".
4 س: "اليد".
5 الفائق "كفر" "3/269".

(2/442)


ومثله1 التقليس قَالَ الشاعر:
إذا ما رأونا قلسوا من مهابة ... ويسعى علينا بالطعام جزيرها2
__________
1 د, ح: "ومنه".
2 اللسان التاج "جزر" دون عزو.

(2/443)


حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: "بَنَى ابْنُ أَخٍ لِي أَيَّامَ أحد ... ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حديث سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَنَى ابْنُ أَخٍ لِي أَيَّامَ أُحُدٍ فَاسْتَأْذَنَّا لَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَجَاءَ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتِهِ بَيْنَ بَابِ الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَسَدَّدَ الرُّمْحَ نَحْوَهَا فَقَالَتْ: لا تَعْجَلْ وَانْظُرْ مَا عَلَى فِرَاشِكَ فَإِذَا رَئِيٌّ مِثْلَ النَّحْيِ فَانْتَظَمَهُ بِسِنَانِهِ فَمَاتَا جَمِيعًا1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ عَنِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
الرئي الحية العظيمة ويقال إنها من مسخ الجن وفيه لغتان رئي ورئي على وزن رعى ورعي والنحي الزق الصغير ويقال أيضا للجرة يمخض فيها اللبن نحي.
__________
1 أخرجه مسلم في السلام "4/1756" بنحوه بألفاظ متقاربة في حديث طويل إلا أنه قال: "الخندق" بدل "أحد" وكذلك أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار "4/94".
وفي التقريب "1/289" في ترجمة سعد بن مالك أبي سعيد الخدري: استصغر بأحد ثم شهد ما بعدها" وهذا يرجح من قال: "أيام الخندق".

(2/443)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعِ بالدراهم جنيبا1
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ في البيوع "2/623" عن ابن المسيب عن أبي سعيد وكذلك البخاري في البيوع "3/102" وفي الوكالة أيضا "3/129" ومسلم في المساقاة "3/1215" والنسائي في البيوع "7/271" كلهم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.

(2/443)


يَرْوِيهِ دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الجنيب لون جيد من ألوان التمر والجمع الرديء منه وسمي جمعا لأنه أخلاط جمعت وكانوا يبيعون صاعين من الجمع بصاع من الجنيب وهذا محرم لما فيه من الربا فأمر من عنده تمر رديء فأراد أن يأخذ به خيرا منه أن يبيعه بالدراهم ثم يشتري بها التمر الجيد1.
__________
1 من د.

(2/444)


حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَحِمَهُ الله
حديث عمران بن حصين أَنَّهُ رَأَى بَيَدِ رَجُلٍ حَلَقَةً مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ ", قال: من الواهنة, ...
...
حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ رَأَى بَيَدِ رَجُلٍ حَلَقَةً مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ, قَالَ: أَمَا إِنِّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا هشيم أنبأنا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
قَالَ الفراء الواهنة القصيري وهي أسفل الأضلاع قَالَ غيره الواهنة عرق مستبطن حبل العاتق إلى الكتف إذا ضرب الإنسان أوجعه فيقال عند ذلك هني يا واهنة أي اسكني وإنما أنكر عليه اتخاذ الحلقة من الصفر لأنه إنما كان اتخذها على أنها تعصمه من ضربان العرق وكان ذلك عنده في معنى التمائم التي ورد النهى عَنْ تعلقها.
وَرَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاتم من حديد فقال: "ما لي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ", فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ من شبه فقال: "ما لي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِ شَيْءٍ أَتَّخِذَهُ؟ قَالَ: "مِنْ وَرَقٍ ولا تتمه مثقالا" 2.
__________
1 أخرجه ابن ماجة في الطب "2/1167" عن مبارك عن حسن وأحمد في مسنده "4/445" عن مبارك أيضا وعبد الرزاق في مصنفه "11/209" عن الحسن إلا أن ابن ماجة وأحمد أخرحاه مرفوعا وأخرجه الطبراني مرفوعا وموقوفا كما في الزوائد "5/103".
2 أخرجه أبو داود في الخاتم "4/90" والترمذي في اللباس "4/248" بلفظ "من صفر" بدل "من شبه" والنسائي في الزينة "8/172" وابن حبان في صحيحه كما قي الموارد ث "353".

(2/445)


حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أٍنه قَالَ: "أَعْطِهِمْ صَدَقَتَكَ وَإِنْ أَتَاكَ أَهْدَلُ الشفتين منفش المنخرين".
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَعْطِهِمْ صَدَقَتَكَ وَإِنْ أَتَاكَ أَهْدَلُ الشَّفَتَيْنِ منفش المنخرين1.
حدثناه عبد الله بن شاذان الكراني أخبرنا الساجي أخبرنا محمد بن موسى الحرشي أخبرنا عَبْدُ2 رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ سَمِعْتُ جَدِّي سَمَّاكَ بْنَ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيَّ / يُحَدِّثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [164]
الأهدل الَّذِي في شفتيه غلظ واسترخاء شفة هدلاء أي متهدلة وقلباء أي متقلبة وقد هدل البعير يهدل هدلا ومشفر هدل أي طويل قَالَ ذو الرمة:
على غائرات الطرف هدل المشافر3
وَقَالَ عمرو بن شاس:
وأسيافنا آثارهن كأنها ... مشافر قرحي في مباركها هدل4
__________
1 الفائق "هدل" "4/97" والنهاية "هدل" "5/251".
2 ح, ط: عبد ربه بن طارق الحنفي وفي س, د: عبد الله بن طارق الحنفي وفي التقريب "1/470" عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ الكوسج, أبو عبد الله الكوفي أصله من اليمامة ويقال اسمه عبد الله صدوق يخطىء وفي التهذيب "6/125" عن جده لأمه أبي زميل: سماك بن الوليد الحنفي وأشار إلى هذا الحديث.
3 الديوان "289" وصدره "تعادوا بيهيا من مداركة السرى".
4 س: "عمرو بن شماس" "تحريف" والمثبت من باقي النسخ واللسان والتاج "قرح" برواية "وأسيافهم".

(2/446)


ويقال تهدل الغصن إذا أثقله الثمر واسترخي وسقط بعضه على بعض.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي أخبرنا أبي عَنْ مُحَمَّد بن عَبْد العزيز بن عزان الكندي قَالَ كان الأريقط ينشد الحجاج فغضب الحجاج غضبة في بعض أموره فسكت الأريقط فَقَالَ له الحجاج خذ فيما كنت فيه فَقَالَ ما هو إلا أن غضب الأمير فأرعدت1 فرائصي واهدالت مفاصلي وعلمت أن سلطان اللَّه عزيز فذهب عني ما كنت فيه.
وَقَوْلُهُ: منفش المنخرين هو الَّذِي انفتح منخراه مع قصور المارن وانبطاحه وهذا من نعت أنوف الزنج والحبش وشفاهها وهو تأويل قوله عليه السلام: "اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عَبْد حبشي مجدع2".
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأي دفع الصدقات إلى الخارجي المتغلب إذا تأمر على الناس وأنه إذا أخذه مرة لم يكن لإمام الجماعة أن يعيدها على أهلها ثانية.
__________
1 ح: "فارتعدت".
2 أخرجه مسلم في الحج "2/944" وابن ماجة في الجهاد "2/955" والترمذي في الجهاد أيضا "4/109" وغيرهم كلهم عن أم الحصين الأحمسية وانظر النهاية "جدع" "1/247".

(2/447)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ فَقَالَ: آتِي الْبَحْرَ فَأَجِدُهُ قَدْ جَفَلَ سَمَكًا كَثِيرًا فَقَالَ: كُلْ مَا لَمْ تَرَ شَيْئًا طَافِيًا1.
يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ2 عَنِ الأَجْلَحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الهذيل
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "5/380" بلفظ."قد جعل" بدل "قد جفل" وهو تحريف".
2 د: "علي بن المسهر".

(2/447)


قوله: جفل سمكا أي رمى به وألقاه إلى الساحل يُقَالُ جفلت الريح السحاب إذا قطعته وذهبت به.
قَالَ أَبُو حاتم وكان رؤبة بن العجاج يقرأ "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَالا"1 قَالَ وكان لا يعرف اللغة الآخرة يعني أجفأت القدر بزبدها قَالَ الشاعر2:
وإن سناء اللئام الغني ... فإن زال صاروا غثاء جفالا
ويقال جفل البعير سنامه إذا قلبه من عظمه قَالَ أَبُو النجم:
بجفلها كل سنام مجفل3
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا حَمَلَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا خَرَجَ بِهَا مِنَ الْمَدِينَةِ جَفَلَهَا4 عَنْ رَحْلِهَا ثُمَّ تَجَثَّمَهَا لِيُنْكِحَهَا فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ مَا على هذا عاهدناكم فقتله5.
يريد أنه دفعها فقلبها عن الحمار.
__________
1 سورة الرعد: "17".
2 ط, د: "المتلمس" ولم أقف على البيت في ديوانه ط معهد المخطوطات العربية.
3 س: "يجفلهاكل سنام مجفل" من أجفل, وفي اللسان "جفل" برواية "يجفلها" من باب ضرب وجاء في الشرح: يريد يقلبها سنامها من ثقل إذا تمرغت ثم أرادت الاستواء قبلها ثقل أسنمها. وقال في المحكم: معناه أن يصرعها سنامها لعظمه كأنه أراد كل سنام منها مجفل وبالغ بكل كما تفول: أنت عالم كل عالم. وفي التاج "جفل": وسنام مجفل كمنبر: ثقيل وأورد الرجز وهو في الطرائف الأدبية "59".
4 د: "جعلها".
5 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "6/114 – 115" وفي "10/363" عن عوف بن مالك قصة شبيها تهذه بلفظ "نخس بامرأة مسلمة" والبيهقي في سننه "9/209" عن سويد عن غفلة بلفظ "فنخس الحمار ليصرعها" وذكره الحافظ في المطالب العالية "2/171".
والحديث في الفائق "جفل" "1/221".

(2/448)


وأخبرني ابن النفيلي أخبرنا أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه قَالَ قَالَ الزبير بن بكار فيما يتكلم به الناس على ألسنة البهائم تقول الضائنة أنبأنا أولد رخالا وأجز جفالاولم تر العين مثلي مالا.
فالجفال الكثير من الصوف وأصله أن صوف الضائنة لا يسقط منه على الأرض شيء حتى يجز كله فينجفل عند ذلك عنها والرخال جمع رخل وهو الأنثى من السخال يُقَالُ رخل ورخلان ورخال بضم الراء لا غير ويقال رخل أيضا.

(2/449)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} 1 قَالَ هُوَ رِكْزُ النَّاسِ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الركز الحس تحسه والصوت تسمعه يريد بذلك حس الصائد والقسورة الرماة فيما يفسر قَالَ ذو الرمة:
وقد توجس ركزا مقفر ندس ... بنبأة الصوت ما في سمعه كذب3
__________
1 سورة المدثر:"51".
2 أخرجه الطبري في تفسيره "29/170" وذكره السيوطي في الدر المنثور "6/286" وعزاه لسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر.
3 الديوان "21" واللسان "نبأ".

(2/449)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ غَضَّ النَّاسُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبْعِ لَكَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه: "الثلث والثلث كثير" 1.
__________
1أخرجه الحميدي في مسنده "1/240" والبخاري في الوصايا "4/3" والنسائي في الوصايا "6/244" إلا أن البحاري والنسائي لم يذكرا "لكان أحب إلي" وأخرجه البيهقي في سننه "6/269" بلفظ "لكان أفضل".

(2/449)


حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا الحميدي أخبرنا سفيان أخبرنا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا.
قوله: لو غض الناس: أي نقصوا وحطوا يُقَالُ: لا أغضك من حقك شيئا: أي لا أنقصك وأنشدونا عَنِ الرياشي:
بميزان قسط لا يغض شعيرة ... موازين قسط كلها غير عائل1
ويقال أصل الغض الكف ومنه قولهم غض الملامة أي كف عَنِ اللوم قَالَ حميد بن ثور:
ألا ليت شعري هل أقول لفتية ... وصهب بموماة تغض وترفع2
أي تكف.
__________
1 اللسان التاج "عيل" برواية:
بميزان صدق لا يغل شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل
وجاء قبله:
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجل غير آجل
وعزي لأبي طالب ين عيد المطلب.
2 ليس في الديوان ط دار الكتب وفيه قصيدة على الوزن والقافية.

(2/450)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سِتَّةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: فَذَكَرَ الْجُوَّاظَ وَالْجَعْثَلَ وَالْقَتَّاتَ فَقِيلَ لَهُ: مَا الجعثل؟ قال: الفظ الغليظ.1.
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور "6/252" وعزاه لعبد بن حميد بلفظ "الجعشل" وهو تحريف وانظر الفائق "جوط" "1/247".

(2/450)


يرويه يزيد بن هارون أخبرنا سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عبد الله عن شهر ابن حَوْشَبَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الجعثل مقلوب وإنما هو العثجل وهو العظيم البطن قَالَ الشاعر:
يسقي به ذات فراغ عثجلا
يريد الدلو ومنه1 الأثجل ومنه حديث أم معبد حين وصفت رسول الله وقالت: لم تعبه ثجلة2. والجواظ: الضخم, والقتات: النمام.
__________
1 د: "ومثله".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/9" والبيهقي في الدلائل "1/228" بلفظ "لم تعبه نحلة" وذكره ابن كثير في السير النبوية "2/261" والسيوطي في الخصائص الكبرى "1/467" وهو في النهاية "ثجل" "1/208" برواية "ولم تزر به ثجلة" أي ضخم بطن ويروى بالنون والحاء أي نحول ودقة.

(2/451)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيِ عَشْرَةَ سَنَةً. يَعْنِي الْمُفَصَّلَ1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ أخبرنا زكريا بن يحيى أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يونس أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عباس.
إنما سمي المفصل محكمالأنه لم ينسخ من المفصل شيء سمعت بعض العلماء يذكره واختلف القراء في أول المفصل فَقَالَ بعضهم: أول المفصل سورة القتال ويقال لها سورة مُحَمَّد وآخره سورة الناس وهي خاتمة القرآن،
__________
1ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/296" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس بلفظ "جمعت الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلت: وما المحكم؟ قال: المفضل".

(2/451)


وإنما قيل لها المفصل لكثرة الفصول بينها بآية التسمية. ويقال إن أول المفصل سورة قاف وهذا فِي حَدِيثِ يرويه عيسى بن يُونُس.
نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْلَى الطَّائِفِيُّ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ وفد على رسول الله فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ فَسَمِعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْزِبُ الْقُرْآنَ قَالَ: وَحَزَّبَ الْمُفَصَّلَ مِنْ "قَاف"1.
[166] وفيه قول ثالث وهو أن أول المفصل سورة "والضحي" وذلك لأن القارىء يفصل بين هذه السور بالتكبير وهو مذهب ابْنُ عَبَّاسٍ / وقراء أهل مكة.
أَخْبَرَنِي أَبُو رَجَاءٍ الغنوي أخبرنا ابن أبي مسرة أخبرنا أبي والحميدي قالا أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمَّا بَلَغْتُ "وَالضُّحَى" قَالَ: كَبِّرْ إِذَا خَتَمْتَ كُلَّ سُورَةٍ حَتَّى تَخْتِمَ2 وَيُقَالُ: إِنَّ الأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَحْيَ لَمَّا فَتَرَ عَنْ رسول الله قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ هَجَرَهُ شَيْطَانُهُ وَوَدَّعَهُ فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه فَلَمَّا نَزَلَ "وَالضُّحَى" كَبَّرَ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَحًا بِنُزُولِ الْوَحْيِ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ سُنَّةً وَفِي الْمُحْكَمِ قَوْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أُحْكِمَ بَيَانَهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى غَيْرِهِ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} 3 الآيَةُ فَالْمُحْكَمِ مَا لا يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ وَعُرِفَ بِنَفْسِهِ.
والمتشابه: ما احتمل الوجوه فلم يعرف بنفسه. فالمحكم أم المتشابه لأنه يعرف به.
__________
1 أهرجه أحمد في مسنده "4/9" وابن ماجة في إقامة الصلاة "2/427" في حديث طويل وهو في كنز العمال "2/348".
2 ذكره المتقي في كنز العمال "2/349" عن ابن غباس عن أبي بنحوه وعزاه للحاكم وابن مردويه ولم أجده في المستدرك قي تفسير سورة الضحى.
3 سورة آل عمران: "7".

(2/452)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ غَسْلَ الإِحْلِيلِ1.
حَدَّثَنِيهُ عبد العزيز بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أنبأنا كَهْمَسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: إِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ غَسْلَ الإِحْلِيلِ: معناه أرضاه لكم وأتقدم فيه إليكم كقول الرجل لصاحبه: أحمد اللَّه إليك أي أفضي بنعمة اللَّه إليك2.
ويقال معناه أحمد الله معك وحروف الصفات تتعاقب ويبدل بعضها مكان بعض كقوله عزوجل: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 3 يريد مع اللَّه.
وكقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} 4 أي مع أموالكم.
وكان قوم من السلف لا يستعملون الماء في الاستنجاء ويرون الحجارة مجزية وكان الأنصار يستنقون بالماء ويتطهرون به فأثنى اللَّه بذلك عليهم فَقَالَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 5
قال الزهري: كانوا يتوضون المبطنة يريد غسل الباطن بالماء.
__________
1 الفائق "حمد" "1/314" والنهاية "حمد" "1/437".
2 س: "أي أفضى بنعمة إليك" والمثبت في باقي النسخ.
3 سورة آل عمران: "52".
4 سورة النساء: "2".
5 سورة التوبة: "108".

(2/453)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُمْ كعصف مأكول} , قَالَ: الْهُبُّوطُ1.
هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ المغيرة أخبرنا سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الذَّرُّ الصَّغِيرُ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أري هذا وهما وإنما هو الهبور كذلك رواه أَبُو عوانة عَنْ عطاء بن السائب عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هو الهبور عصافة الزرع الَّذِي يؤكل.
حدثونا بِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ العزيز أخبرنا حجاج بن منهال عَنْ أَبِي عوانة قالوا: والهبور بالنبطية دقاق الزرع2 والعصافة ما تفتت من ورقه.
والمأكول ما أخذ حبه فأكل وبقي هو لا حب فيه.
وقد يحتمل أن يكون الهبور مأخوذا من الهبر وهو القطع يُقَالُ هبرت الشيء هبرا إذا قطعته قطعة قطعة.
وسيف هبار أي ماض قطاع ومنه هبرية الرأس وهي قطع صغار تكون في الشعر كهيئة النخالة.
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور "5/396" بلفظ "الطبور عصافة الزرع "ولعل الطبور تحريف من الهبور" وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وهو في النهاية "هبط" "5/239" والآية في سورة الفيل "5".
2 أخرجه الطبري في تفسيره: 30/304" عن الضحاك بلفظ "كعصف مأكول وهو الهبور بالنبطية".

(2/454)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي قول النبي: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حتى يكتاله". قال طاووس: فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: أَلا تَرَى أَنَّهُمْ يَتَبَايَعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامِ مُرَجَّأً1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ طاووس عن أبيه.
__________
1 أخرجه البخاري في البيوع "3/89" ومسلم في البيوع "3/1160" وأبو داود أيضا في البيوع "3/281".

(2/455)


قوله: والطعام مرجأ أي غائب مؤجل في ذمة البائع يُقَالُ رجيت الشيء وأرجأته إذا أخرته.
ومن هذا قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} 1.
وتفسير ذلك أن يسلف نقدا في طعام ثم يبيعه بنقد قبل أن يقبضه فيفسد البيع لأن ملكه لا يستقر ولا يتكامل إلا بالقبض وقد نهى رسول الله عَنْ ربح ما لم يضمن2 فإذا كان الطعام الَّذِي يبيعه مرجأ أي مؤخرا عَنْ ملكه ومضمونا على غيره لم يجز بيعه لأنهما إنما تبايعا ذهبا ليس بإزائه في الحقيقة طعام.
وَبَيَانُ هَذَا فِي حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ. حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ3 أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد4 أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: كُنَّا نُسْلِفُ فِي السيائب فَنَبِيعُهَا قَبْلَ أَنْ نَسْتَوْفِيهَا فَقَالَ: ذَاكَ بَيْعُ وَرَقٍ بِوَرَقٍ5.
يريد أن البيع لم يقع على الثياب الَّذِي هو مضمون على غيره وإنما تقابل الثمنان فصار بيع ورق بورق وبيع الورق بالورق لا يجوز إلا سواء بسواء يدا بيد والمعنيان جميعا ها هنا عدم فبطل البيع فإن كان المشتري إنما باعه من البائع نفسه قبل أن يقبضه كان في الفساد مثل الأول أو أشد وكان حينئد بيع ورق بورق لا غير فإن أقاله فبطل عنه الطعام وصار
__________
1 سورة التوبة: "106".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/175, 179, 205" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عن جده وأخرجه أبو داود في البيوع "3/283" والترمذي في البيوع أيضا "3/526" والنسائي كذلك في البيوع "7/288" وابن ماجة في التجارات "2/738".
3 د: "محمد بن المكي".
4 د: "سعيد بن منصور".
5 أخرجه مالك في الموطأ "2/659" وعبد الرزاق في مصنفه "8/44".

(2/456)


عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاءا بالذهب وتقابضا قبل أن يتفرقا. والإقالة فسخ وليس ببيع1.
وفيه أَنَّهُ رأي غير الطعام في هذا بمنزلة الطعام وأنه لا يجوز بيعه قبل أن يقبض كالطعام سواء وأجاز أهل المدينة بيع ما لم يقبض إلا في الطعام والمكيل والموزون.
__________
1 سقط من د, وط.

(2/457)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ تَجْرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَسَأَلَهُمْ فَقَالَ: هَلْ تَفَشَّغَ فِيكُمُ الْوَلَدُ؟ قَالُوا: وَمَا تَفَشَّغَ الْوَلَدُ؟ قَالَ: هَلْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنْكُمْ عَشْرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ذُكُورٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَهَلْ يَنْطِقُ فِيكُمُ الْكَرَعُ؟ قَالُوا: وَمَا الْكَرَعُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ الدَّنِيءُ النَّفْسِ وَالْمَكَانِ. قَالُوا: لا يَنْطِقُ فِي أَمْرِنَا إِلا أَهْلُ بُيُوتِنَا وَأَهْلُ رَأْيِنَا. قَالَ: إِنَّ أَمْرَكُمْ إِذًا لَمُقْبِلٌ فَإِذَا نَطَقَ فِي أَمْرِكُمُ الْكَرَعُ وَقَلَّ وَلَدُكُمْ أَدْبَرَ جدكم1.
/ يرويه الواقدي أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ [168] ابْنِ عَبَّاسٍ.
الكرع: سفلة الناس ولئامهم يُقَالُ: رجل كرع وقوم كرع وأرى أصله مصدرا جعل اسما كقولهم رجل كرم وقوم كرم والكرع دقة القوائم.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشيباني: الأكرع الدقيق الساق وفيه كرع أي دقة.
وقولهُ: تفشغ معناه كثر وانتشر ومنه قولهم تفشغ الشيب.
__________
1 الفائق "كرع" "3/119" والنهاية "كرع" "4/164" و"فشغ" "3/448" وفي القاموس "صحم" أصحم" أصحمة بن بحر ملك الحبشة النجاشي أسلم في عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(2/457)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَاجَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي آيَةٍ فَقَالَ عَمْرٌو: "تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ"1.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "حمئة" فلماخرج ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي مَا كَانَ بَيْنَكُمَا وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَكَ لَرَفَدْتُكَ بِأَبْيَاتٍ قَالَهَا تَبَّعٌ فَقَالَ2:
فَرَأْيُ مَغَارِ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلْبٍ وَثَأْطٍ حرمد5
__________
1 سورة الكهف: "86" وانظر كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها "2/73".
4 ح: "وأنشده".
2 س: "في طين ذي خلب" والبيت في اللسان والتاج "خلب" برواية: "فراى مغيب الشمس عند مآبها" وجاء في اللسان: "قال تبع أو غيره" وفي مادة "ثأط" برواية "فأتى مغيب الشمس عند مآبها" وقبله:
بلغ المشارق والمغاربة يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد
وعزي لأمية.
وفي مادة "حرمد" بروية: "فرآى مغيب الشمس عند مسائها".

(2/458)


فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: اكْتُبْهَا يَا غُلامُ1.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو رَجَاءَ الْغَنَوِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْبُنَانِيُّ قَالا: أخبرنا محمد بن الجهم السمري أخبرنا عبد الله بن عمرو أنبأنا الْحَكَمُ بْنُ ظَهِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ.
قوله: حمئة: مهموزة من الحمأة وهي الطين الأسود وحامية من الحمى مقصورا ومعناه الحارة كقولك: نار حامية والثأط. الحمأة والغرب تقول: ثأطة مدت بماء2.
يضرب مثلا للرجل المفرط الحمق يُقَالُ كأنه حمأة صب عليها ماء. فازدادت رطوبة وفسادا.
والخلب: الطين اللزج يُقَالُ ماء مخلب أي فيه خلب والحرمد الطين أيضا.
__________
1 أخرحه الطحاوي في مشكل الآثار "1/111 – 112" بالطريقين بلفظأنا أشد قولك بقول صاحبنا تبع وبلفظ: "لو كنت عندكم لوفدتك"وذكره السيوطي في الدر المنثور "4/48" بنحوه.
2 جمهرة الأمثال "1/288" مجمع الأمثال "1/153" المستصفى "2/34" اللسان "ثأط".

(2/459)


شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ثُمَّ حَضَرْنَا فِي الشُّعُوبِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِنَا الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ الْعَجَمُ وَمَنْ لا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلُ نَسَبٍ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الشُّعُوبُ الْجُمْهُورُ مِثْلُ مُضَرَ1.
حَدَّثَنِيهُ الأَزْهَرِيُّ أخبرنا السَّعْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المستورد أخبرنا مخول أخبرنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَرِثُ امْرَأَةً ذَاتَ قَرَابَةٍ فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي أخبرنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: أحكم اللَّه عَنْ ذلك أي منع منه ونهى عنه.
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا ثعلب والمبرد قالا يُقَالُ حكمت الفرس وأحكمته وحكمته3 إذا قدعته وأنشدا جميعا:
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور "6/98" وعزاه لعبد بن حميد وابن مردويه وأخرجه الطبري في تفسيره "26/139" بدون "مثل مضر".
2 أخرجه أبو داود في النكاح "2/231" وأخرجه الطبري في تفسيره "4/304" من حديث عكرمة والحسن ولم يرفعه إلى ابن عباس.
3 من ح.

(2/461)


أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا1
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ حكمت الرجل تحكيما إذا منعته عما يريد.
قَالَ الكسائي ومثله حضنته عنه أحضنه.
وَقَالَ أَبُو عمرو أعذبته عنه إعذابا في معناه والآية التي نزلت في النهي عَنْ هذا الصنيع قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} 2 الآية.
__________
1 اللسان التاج "حكم" وعزي لجرير وهو في ديوانه "47" وجاء البيت في الكامل للمبرد "3/26" برواية: "أتني حنيفة نهنهوا سفهاءكم".
2 سورة النساء: "19".

(2/462)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ شَيْخًا مِنَ الأَزْدِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَإِذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ يَفْتِي النَّاسَ حَتَّى إِذَا مَتَعَ الضُّحَى وَسَئِمَ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَرَابٍ كنا نتخذه فقال: يا بن أَخِي مَرَرْتُ عَلَى جَزُورٍ سَاحٍ وَالْجَزُورُ نَافِقَةٌ أَفَلا تَقْطَعَ مِنْهَا فِدْرَةً فَتَشْوِيهَا؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَهَذَا الشَّرَابُ مِثْلُ ذَلِكَ1. وفِي غير هذه الرواية: فجعلت مت أَجِدُ بِي قَدَعًا عَنْ مَسْأَلَتِهِ.
حدثنيه محمد بن سعدويه أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى أخبرنا الأَصْبَغُ بْنُ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنَ الأَزْدِ يَقُولُ ذَلِكَ.
قوله: متع الضحى أي ارتفع وامتد
ومنه قولهم أمتع اللَّه بك أي أطال اللَّه هذا الأنس بك2 والجزور الساح هي السمينة.
__________
1 الفائق "متع" "3/343" والنهاية "متع" "4/293".
2 د, ح: "أطال الله مدة الأنس بك".

(2/462)


قَالَ الأصمعي: يُقَالُ سحت الشاة تسح سحوحة وسحوحا إذا سمنت ومن هذا حديث ابن مسعود.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ / عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي [170] الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يَلْقَى شَيْطَانُ الْكَافِرِ شَيْطَانَ الْمُؤْمِنِ شَاحِبًا أَغْبَرَ مَهْزُولا1.
قَالَ: وهذا ساح يعني شيطان الكافر أي وافر سمين.
ومنه أيضا حديث عامر بن عَبْد قيس حدثناه الأصم أخبرنا أبو أمية الطرسوسي أخبرنا عبيد بن إسحاق أخبرنا زهير عَنْ أَبِي الجويرية الجرمي عَنْ عامر بن عَبْد قيس أَنَّهُ عوتب في أكل اللحم فَقَالَ: إني رجل متقزز وإني مررت بجزار يجر عجماء له وهو يقول: السمين الساح حتى ذبحها ولم يذكر اللَّه عليها2.
والجزور إذا أفردوا أنثوا3 ولذلك قَالَ والجزور نافقة.
وَقَوْلُهُ: أجد بي قدعا عَنْ مسألته أي جبنا وانكسارا.
ويقال: قدعت عَنِ الشيء وانقدعت له.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/419".
2 أخرحه الإمام أحمد في كتاب الزهد صـ "220" وذكره ابن الأثير في اسد الغابة "3/132" كلاهما بألفاظ أخرى في حديث طويل.
3 د: "والجزور إذا أفرد أنثوا".

(2/463)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: إِحْدَى سَبْعٍ1.
حَدَّثَنِي إسماعيل بن محمد حدثنا إسحق بن إبراهيم قال: سَأَلْتُ أَبَا عُشَّانَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: إِحْدَى سَبْعٍ, فَقُلْتُ: مَا إِحْدَى سَبْعٍ فَقَالَ: سُئِلَ ابْنُ
__________
1 النهاية "سبع" "2/336".

(2/463)


عَبَّاسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ إِحْدَى سَبْعٍ1 يُرِيدُ سِنِّيَ يُوسُفَ السَّبْعَ الشِّدَادَ يُرِيدُ: إِنَّهَا فِي الشِّدَّةِ وَالصُّعُوبَةِ كَإِحْدَى تِلْكَ السِّنِينَ.
والعرب تقول في هذا المعنى إحدى بنات طبق أي إحدى المعضلات وكل مبهم طبق قَالَ الشاعر:
فلو رآني أَبُو غيلان إذ حسرت ... عني الأمور إلى أمرله طبق
ومن هذا قيل للرجل الأحمق طباقاء ومعناه أَنَّهُ لا يهتدي إلى رشده. وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي أخبرنا أبي أخبرنا عُمَرَ بن شَبَّةَ عن الأصمعيّ قَالَ الطباقاء الَّذِي أمره مطبق عليه وأنشد:
طباقاء لم يشهد خصوما ولم ينخ ... قلاصا إلى أكوارها حين تعطف2
وَقَالَ أَبُو عبيد الطباقاء العيي الأحمق الفدم والطبق الحال أيضا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} 3 أي حالا بعد حال وَقَالَ كعب ابن زهير:
كذلك المرء إن يقدر له أجل ... يركب به طبق من بعده طبق4
__________
1 سقط من ط, وأبو عشانة هو حي بن يومن المصري, مشهور بكنيته مات سنة "118" هـ.
2 د: "حين تعكف" وهي رواية اللسان والتاج "طبق" وعزي لجميل بن معمر ويروى "عياياء" بدل "طباقاء".
3 سورة الانشقاق:"19".
4 شرح الديوان "228" برواية "إن ينشأ له أجل".

(2/464)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا وَفَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنٍ اسْتَأْذَنَ وَمَعَهُ جِلَّةُ قُرَيْشٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَإِذَا هُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْعَبِيرِ يَلْصُفُ وَبَيْصُ الْمِسْكِ مِنْ مَفْرَقِهِ1حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بن نافع الخزاعي أخبرنا عمي إسحاق بن أحمد أخبرنا الأَزْرُقِيُّ قَالَ ذَكَرَهُ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: يلصف أي يتلألأ ويبرق يُقَالُ وبص الشيء وبص ولصف بمعنى واحد.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/149 – 150" في حديث طويل وفيه "العنبر" بدل "العبير" و"وميض" بدل "وبيص" وأخرجه البيهقي في الدلائل "1/355 – 356" بلفظه عن أبي زرعة بن سيف بن ذي يزن.

(2/464)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لا يَزَالُ أَمْرُ هَذه الأُمَّةِ مُؤَامًّا مَا لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْوِلْدَانِ والقدر1.
حدثناه ابن مالك أخبرنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ.
قوله: مؤاما مثقلة الميم أي مقاربا من قولك أمر أمم أي قصد قريبونظرت إليه من أمم أي من قرب.
وَقَالَ بعض أهل اللغة: أمم هو ما بين القرب والبعد.
وَقَوْلُهُ: ما لم ينظروا في الولدان / يريد ما لم يتنازعوا الكلام في أطفال المشركين وهم الولدان [171] واحدهم وليد وما لم يخوضوا في مذاهب أهل الأهواء ولم ينكروا2 القدر.
__________
1 أخرجه الحاكم في مستدرك "1/33" بلفظ "مؤامرا" بدل "مؤاما" عن جرير بن حازم وذكره الهيثمي في مجمعه "7/202" بلفظ: "أمر هذه الأمة مواتيا أو مقاربا أو كلمة تشبهها ما لم يتكلموا في الولدان والقدر" وعزاه للبزاري والطبراني في الكبير والأوسط وانظر كنز العمال "1/139".
2 س: "ولم يذكروا القدر" والمثبت من د, ح.

(2/465)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} قَالَ: هَيَامُ الأَرْضِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن ابن عباس. الهيام تراب يخالطه رمل ينشف الماء نشفا شديدا فأما الهيام فهو شدة العطش يُقَالُ بعير أهيم وناقة هيماء وهو أن يشتد عطشها حتى لا تروى قَالَ ذو الرمة:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرىء ... صداها ولا يقضي عليها هيامها2
وفي صفة الغنم أنهن جوف لا يشبعن وهيم لا ينقعن أي لا يروين قَالَ يعقوب الهيام والهيام داء يأخذ الإبل عَنْ بعض المياه بتهامة فيصيبها مثل الحمى والعرب تزعم أَنَّهُ يعدي يقولون إن البعير الهائم إذا أنيخ على مبركه بعير أصابه ذلك الداء وإذا شم بعير آخر ريحه أعداه.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى إِبِلا فَقِيلَ لَهُ: إِنِّهَا هِيمٌ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا ثُمَّ قَالَ: "رَضِينَا بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ لا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا", وَلَمْ يردها3.
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور "6/160" وعزاه لسفيان بن عيينة في جامعه. والآية في سورة الواقعة:"55".
2 الديوان "636".
3 أخرجه البخاري في البيوع "3/78" والحميدي في مسنده "2/318" والبيهقي في سننه "5/321".

(2/466)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ [أَنَّهُ قَالَ:] 1 لِكُلِّ داخل برقة2.
__________
1من ح, ط.
2 الفائق "برق" "1/103" والنهاية "برق" "1/120".

(2/466)


أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُمَر أنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
البرقة: الدهشة يريد قول الناس لكل داخل دهشة.
يُقَالُ: برق الرجل يبرق برقا إذا بهت من فزع أو نحوه فبقي شاخصا بصره لا يطرف ويقال رجل بروق فروق وهو الفزع لا يزال.
ومن هذا قوله عز وجل: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} 1 وَيُقَالُ إِنَّ الأَصْلَ فِي ذَلِكَ أن يرى الرجل البرق ولمعانه فيضعف بصره فيقال برق الرجل ثم كثر حتى استعمل في غيره قَالَ الشاعر:
لما أتاني ابن عمير راغبا ... أعطيته عيساء منها فبرق
__________
1 سورة الْقِيَامَةِ:"7".

(2/467)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ بِشَيْءٍ فَقَالَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: مِنَ الشَّدْقَمِ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الشدقم: الواسع الأشداق, يوصف به الرجل البليغ المنطيق2 وهو الشدقمي أيضا وأصله الأشدق زيدت فيه الميم.
قَالَ الفراء: العرب تزيد الميم في نواقص الأسماء مثل ابن وفم فتقول ابنم قَالَ الشاعر:
__________
1 الفائق "شدقم" "2/226" والنهاية "شدقم" "2/453".
2ط: "البليع المنطق".

(2/467)


لم يبق من درادق الصبيان ... إلا بنيتان وابنمان1
قَالَ: ويزيدونه أيضا في الكلمة إذا أسقطوا من أولها شيئا مثل: زرقم وستهم وشدقم من الأزرق والأسته والأشدق.
قَالَ غيره: وقد يكون هذا على وجوه جاء على فعلم بالضم نحو ستهم وزرقم وفسحم وهو الواسع [172] الصدر من الفسح وعلى فعلم بالفتح نحو شدقم وشجعم وهو الشجاع وعلى فعلم / بالكسر نحو دقعم وهو التراب وأصله الدقعاء ودلقم وهي الناقة المتكسرة الأسنان والأصل اندلقت أسنانها أي خرجت وسقطت وأنشد سيبويه:
ليست بكرواء ولكن خذلم ... ولا برسحاء ولكن ستهم2
قَالَ: والكرواء: الدقيقة الساقين والخذلم: الخذلة.
__________
1 اللسان "دردق" الدردق: الصغير من كل شيء "ج" الدرادق. وخلا من الرجز.
2 اللسان "كرا" وبعدهما: "ولا بكحلاء ولكن زرقم" والخدلم: السريعة.

(2/468)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} 1 قَالَ: لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ2.
يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ ذَكَرَهَا مِنْ شَأْنِ مُوسَى3.
السلفع: الشجاع قال أبو ذؤيب:
__________
1 سورة القصص: "25".
2 لم أجده من قول ابن عباس وأخرجه الطبري في تفسيره "20/70" من قول عمر بن الخطاب وعمرو بم ميمون وكذلك ذكره السيوطي في الدر المنثور "5/125" وابن كثير في تفسيره "3/384" والآية في سورة القصص: "25".
3 سقط من د.

(2/468)


بينا تبغيه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع1
ويقال: رجل سلفع وامرأة سلفع بغير هاء وإنما أراد الوقحة من النساء الجريئة على الرجال. وفي هذه القصة أن موسى لما ألقى عصاه صارت حية فوضعت فقما لها أسفل وفقما لها فوق وأن فرعون كان على فرس ذنوب حصان فتمثل له جبريل على فرس وديق فتقحم خلفها وذكر السامري وقصة العجل وأنه من حلي تعوره بنو إسرائيل من حلي فرعون.
الفقم: مقدم الأنف يُقَالُ: ذلك بضم الفاء وفتحها والذنوب الوافر هلب الذنب والوديق الفرس التي استودقت للفحل.
والحصان: الفحل يُقَالُ فرس حصان بكسر الحاء وامرأة حصان بفتحها وتعوره أي استعاره. يُقَالُ تعورنا العواري بيننا أي تداولناها وقد أعرت الشيء إعارة وعارة قَالَ ابن مقبل:
فأخلف وأتلف إنما المال عارة ... وكله مع الدهر الذي هو آكله2
__________
1 شرح أشعار الهذليين "1/37" برواية "بينا تعانقه الكماة".
2 اللسان والتاج "عور" والديوان "243".

(2/469)


حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لعتبة بن أبي سفيان: "أَمْهَيْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَمْهَيْتَ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ فَأَحْسَنَ أَمْهَيْتَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَمْهَيْتَ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نافع أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي إِسْنَادٍ لَهُ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَأَنَّهُ قَرْحَةٌ يَتَبَجَّسُ وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ جَالِسٌ2 يُدِيمُ النَّظَرَ وَلا يَتَكَلَّمُ
__________
1 الفائق "مها" "3/395" والنهاية "مها" "4/377".
2 ساقط من د.

(2/469)


فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أبا الوليد مالي أَرَاكَ تُدِيمُ النَّظَرَ وَتُقِلَّ الْكَلامَ أَلِغَفْلَةٍ فَطَالَتْ أَمْ لِمَعْتُبَةٍ فَدَامَتْ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ1 أَمَّا قِلَّةُ كَلامِي مَعَكَ فَلِقِلَّتِهِ مَعَ غَيْرِكَ وَأَمَّا إِدْمَانُ2 النَّظَرِ إِلَيْكَ فَلِكَثْرَةِ مَا أَرَى مِنْ سُبُوغِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَلَوْ سَلَّطْتَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِكَ لَعَلِمْتَ أَنَّ عَيْنَ مُحِبٍّ لا تَقْصُرُ عَنْكَ وَأَنَّ عَيْنَ مُبْغِضٍ لا تَنَالُكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمْهَيْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَمْهَيْتَ فَفَرِحَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:
دَعَوْتُ عَرْكًا فَدَعَوْا عِرَاكًا ... جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا اصْطِكَاكًا
قوله: أمهيت معناه بالغت في الثناء واستقصيته وأصله أن يحفر الرجل فينبط يُقَالُ للحافر إذا بلغ الماء قد أمهى وأماه وأموه وأنهر وأعين قَالَ ابن هرمة:
فإنك كالقريحة كاد تمهى ... شروب الماء ثم تعود ماجا3
[173] / والقريحة: أول ماء يخرج من البئر حين تحفر والمأج الماء الملح وهذا كقول سويد الحارثي يرثي رجلا
لعمري لقد نادى بأرفع صوته ... نعي سويد أن صاحبكم هوى
أجل صادقا والقائل الفاعل الَّذِي ... إذا قَالَ قولا أنبط الماء في الثرى
يريد أَنَّهُ بليغ القول إذا شرع في الكلام لم ينزع حتى يستقصيه ويبلغ الغاية فيه كحافر البئر الَّذِي لا ينزع عَنْ حفرها حتى يبلغ الماء وينبطه
__________
1 س: "يا أبا عباس".
2 ط: "وأما إدماني النطر إليك".
3 اللسان التاج "مها" برواية "عام نمى" وفي شعر إبراهيم بن هرمة "79" برواية: "حين تمحى".

(2/470)


ويقال أمهى الفرس في جريه إذا بلغ الشأو وَقَالَ الشاعر:
من الممهيات الركض ظل كأنه ... وقد حسرت عنه المحاضير طائر

(2/471)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيضَتْ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا فَنَثَرُوا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِذَا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ1.
يَرْوِيهِ عثمان بن سعيد أخبرنا أحمد بن يونس أخبرنا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: قيضت معناه شقت عَنْ أهلها ومنه قيض البيضة إذا انشقت عَنِ الفرخ يُقَالُ إذا انقاضت البيضة عَنِ الفرخ وقاضها الفرخ إذا شقها وإنما هذا تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} 2.
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالية "4/374" بلفظ "قبضت" بدل "قيضت" تصحيف وعزاه للحارث.
2 سورة الفرقان:"25".

(2/471)


حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ مَجِيءَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: "وكان عامر مرهوف البدن".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ مَجِيءَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ إِلَى رَسُولِ الله قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ مَرْهُوفَ الْبَدَنِ1.
يَرْوِيهِ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: مرهوف البدن أي لطيف الجسم دقيقه يُقَالُ: رهف الرجل يرهف رهافة وأكثر ما يُقَالُ: مرهف الجسم ومنه إرهاف السيف وهو إرقاق2 حواشيه يُقَالُ سيف مرهف ورهيف.
__________
1الفائق "رهف" "2/95".
2 ح: "إرهاق حواشيه".

(2/471)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ إِسْمَاعِيلَ وَنُزُولُهُ مَكَّةَ قَالَ: وَالْوَادِي يَوْمَئِذٍ لاخٌّ1.
رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ لاح بالحاء غير معجمة قَالَ: واللاح: الضيق. ومن هذا يُقَالُ لححت عينه إذا التصقت.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وقد سمعت ابن الأعرابي يحدث به عن عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ معين فَقَالَ: والوادي لاخ بالخاء معجمة قَالَ يحيى بن معين ومن قَالَ غير هذا فقد صحف. واللاخ إذا ثقلت كان معناه الكثير الشجر يُقَالُ:واد لاخ وأودية لواخ. ومن هذا قيل: سكران ملتخ: أي مختلط وإذا خففت كان معناه بعد العمق. يُقَالُ: واد لاخ وأوديه لاخة مخففة.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/345" وابن معين في تاريخه "3/329" و "4/329" رقم النص "359, 4637" والطبري في تفسيره "13/230".

(2/472)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 1 قَالَ كَانَ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الْمَاءِ بُخَارٌ فَاسْتَصْبَرَ فَعَادَ صَبِيرًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قوله: استصبر أي تراكم بعضه على بعض فصار له صبر وصبر كل شيء غلظه وكثافته والصبير / السحاب له أصبار وأطباق ويقال إنما هو الأبيض من السحاب. [174]
__________
1 سورة هود: "7".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/90" في حديث طويل والآية في سورة فصلت: "11".

(2/472)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْضُ الْجَنَّةِ مَسْلُوفَةٌ وَحِصْلِبُهَا الصِّوَارُ وَهَوَاؤُهَا السَّجْسَجُ1.
ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأَعْرَابِيِّ قَالَ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وفسره فَقَالَ المسلوفة اللينة الناعمة قَالَ والحصلب التراب والصوار المسك والسجسج أرق ما يكون من الهواء.
قَالَ غيره المسلوفة الملساء يُقَالُ سلفت الأرض بالمسلفة إذا سويتها للزرع قَالَ والصوار والصيار نافجة المسك والسجسج هواء لا حر فيه ولا برد.
__________
1 الفائق "سلف" "2/194" والنهاية "سلف" "2/390" وأخرجه أبو عبيد في غريبه "4/355" عن عبيد بن عمير بلفظ "أرض الجنة مسلوفة" فقط.

(2/473)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ سُحْتٌ وَثَمَنُ الدَّمِ وَأُجْرَةُ الْكَاهِنِ وَأُجْرَةُ الْقَائِفِ وَهَدِيَّةُ الشَّفَاعَةِ وَجَعِيلَةُ الْغَرَقِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن مكي أخبرنا الصائغ حدثنا سعيد بن منصور أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ2 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
__________
1 د, ح: "وأجر القائف" والحديث في الفائق "ثمن" "1/174".
2 كذا في د, ح وفي س: "حبيب بن أبي صالح" والصواب حبيب بن صالح انظر التهذيب ترجمة إسماعيل بن عياش.

(2/473)


أما ثمن الدم فإنه أراد كسب الحجام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه عنه1 إلا أن تأويله عند عامة أهل العلم أَنَّهُ نهي كراهية لا نهي تحريم وقد احتجم رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه فأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يطعمه إياه2.
وإنما كره ذلك لخبثه ودناءة مخرجة والله أعلم.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سلمان النجاد أخبرنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا عبد الله بن بكر أخبرنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ احْتَجَمَ رسول الله حَجَمَهُ أَبُو طَيِّبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ مِنْ غَلَّتِهِ3.
وأما أجر الكاهن فلا إشكال في تحريمه وفي أَنَّهُ من أكل المال بالباطل وذلك لأن قوله: زور وفعله محرم وقد نهى عَنْ حلوان الكاهن4.
وأما أجر القائف فإنه لم يبطل ذلك من أجل أن فعله باطل ولكنه إنما كره له أخذ الأجرة لأنه كالحاكم فيما يقطع به من إلحاق الولد وإثبات النسب والحاكم متى ما أخذ من المتحاكمين أجرا كان رشوة إنما أجره على بيت المال وقد أثبت رسول اللَّه حكم القافة.
__________
1 أخرجه البخاري في البيوع "3/78" عن أبي جحيفة بلفظ: "نَهْيُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/30" بلفظ "ولو كان سحتا لم يعطه" والبخاري في الإجارة "3/122" ومسلم في المساقاة "3/1204" وغيرها.
3 أخرجه البخاري في الإجارة "3/122" ومسلم في المساقاة "3/1204" وغيرهما.
4 أخرجه البخاري في الإٍجارة "3/122" ومسلم في المساقاة "3/1198" وغيرهما.

(2/474)


أخبرنا ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا مُسَدَّدٌ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وابن السرح قالوا: أخبرنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله مَسْرُورًا فَقَالَ: "أَيْ عَائِشَةَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِزًا الْمُدْلَجِيَّ رَأَى زيدا وأسامة قد غطيا رؤوسهما بِقَطِيفَةٍ وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ" 1.
وهو لا يُظْهِرُ السُّرُورَ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَرْضَى مِنَ الْحُكْمِ إِلا بِالْعَدْلِ وَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَزَيْدٌ فِيمَا يُقَالُ أَبْيَضٌ نَاصِعُ الْبَيَاضِ فَارْتَابَ النَّاسُ بِهِمَا وَتَحَدَّثُوا بِأَمْرِهِمَا فَلَمَّا قَالَ الْمُدْلَجِيُّ ذَلِكَ سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ وَسُرِّيَ عَنْهُ مَا كَانَ يَجِدُ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِمَا.
وأما هدية الشفاعة فمكروهة على الوجوه كلها وذلك لأنه إن كانت شفاعته في باطل فقد أتي محظورا وأخذ محرما وإن كانت في حق فقد أخذ على المعروف ثمنا.
وأما جعيلة الغرق فهي ما يجعل للغائص على / استخراج المتاع الَّذِي غرق في البحر يُقَالُ [175] جعلت له جعيلة وجعالة بفتح الجيم أي جعلا. والمكروه من ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يستأجره على أن يخرج متاعه من البحر بأجره معلومة وهذا فاسد والإجارة عليه باطلة لأنه غرر لا يدرى هل يظفر به أم لا وهو مثل الإجارة على أن يرد عبده الآبق وفرسه العائر وما أشبههما.
__________
1 أخرجه البخاري في الفرائض "8/195" ومسلم في الرضاع "2/1082" وأبو داود في الطلاق "2/280" وابن ماجة في الأحكام "2/787" والإمام أحمد في مسنده "6/296" وغيرهم.

(2/475)


والوجه الآخر: أن يغرق متاع الرجل فيرمى به البحر إلى الساحل فيأخذه الإنسان فإنما هو بمنزله اللقطة يجدها ليس له أن يطلب على ردها جعلا.
فأما إذا جعل للغائص جعلا في طلب متاعه كان ذلك جائزا كما لو جعلها لطالب العبد لأنه إنما يأخذ الجعل على كد نفسه لا على رد عبده.

(2/476)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ مَتَى يَحِلُّ شِرَى النَّخْلِ؟ قَالَ: حَتَّى يُصَرَّحَ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن زيرك أخبرنا عباس الدوري أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي أخبرنا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُدْرَكٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ شِرَى النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَ قَالَ: لا تَشْتَرِهِ حَتَّى يُطْلِعَ. قُلْتُ: صِفْهُ لِي. قَالَ: حتى يصرح النخل قلت: وَمَا التَّصْرِيحُ قَالَ: حَتَّى يَسْتَبِينَ الْحُلْوُ مِنَ الْمُرِّ هَكَذَا قَالَ: يُصَرَّحَ بِالرَّاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ يُصَوَّحَ كَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ مُدَرْكٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ ذَكَرَهُ لِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ1.
والتصويح في الثمر أن يصلب ويشقح فتبين حلاوته ويؤمن عليه العاهة وهو في النبات أن يأخذ في اليبس والجفاف فيصفر لونه يُقَالُ صوحته الرياح فتصوح قَالَ ذو الرمة:
وصوح البقل نأج تجيء به ... هيف يمانية في مرها نكب2
وقد صوحه السفر إذا لوحه وهج الشمس فتصوح
__________
1 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير "2/2/252" في ترجمة شرحبيل بلفظ: "سألت ابن عباس متى يحل ثمن النخل؟ قال: حين تضرح تصحيف وتحريف" قلت ما التضريح؟ قال: يتبين منه الحلو والمر.
2 الديوان "17" ط المكتب الإسلامي دمشق واللسان "صوع, هيف".

(2/476)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الْكَبْشَ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَأْسَهُ مُعَلَّقٌ بِقَرْنَيْهِ فِي الْكَعْبَةِ قَدْ وَخُشَ1......"
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وخش: معناه أَنَّهُ قد يبس فضعف وضؤل والوخش من الرجال: الضعيف المنهوك.
__________
1 لم أجد رواية ابن عباس هذه وقد أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/222" عن عثمان بن كلحة رواية فيها ذكر قرني كبش بألفاظ أخرى وانظر الفائق "وخش" "4/49" والنهاية "وخش" "5/164".

(2/477)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ لَقِيَهُ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنَ وِلايَةَ هَذَا الأَحْلافِيِّ قَالَ وَجَدْنَا وِلايَةَ صَاحِبِهِ الْمُطَيَّبِيِّ خَيْرًا مِنْ وِلايَتِهِ1.
يَرْوِيهِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ.
المطيبون والأحلاف قبائل من قريش.
قَالَ ابن شهاب: المطيبون: بنو عَبْد مناف وأسد بن عَبْد العزى وتيم بن مرة وزهرة بن كلاب وعبد بن قصي والأحلاف مخزوم وعدي وسهم وجمح وعبد الدار. قَالَ: وكأن السبب الَّذِي تحزبوا له أن الرياسة كانت في بني عَبْد مناف والحجابة في بني عبد الدار وأراد بنو عَبْد مناف أن يأخذوا ما بيدي بني عَبْد الدار فحالف بنو عَبْد الدار بني سهم
__________
1 الفائق "حلف" "1/311" والنهاية "حلف" "1/425".

(2/477)


وَقَالُوا لهم: امنعونا من بني عَبْد مناف فلما رأت ذلك أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عمدت إلى جفنة فملأتها [176] خلوقا / ثم وضعتها في الحجر وقالت من تطيب بهذا فهو منا فتطيبت به بنو عَبْد مناف وأسد وزهرة وبنو تيم فسموا المطيبين ولما سمعت بذلك بنو سهم نحروا جزورا ثم قالوا: من أدخل يده في دمها فهم منا فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عَبْد الدار وجمح وعدي ومخزوم فلما فعلوا ذلك وقع الشر بينهم وسموا أحلافا فإنما عنى بالأحلافي عُمَر لأنه من عدي وبالمطيبي أبا بكر لأنه من تيم بن مرة.
وَقَالَ ابن أبي مليكة: لما صاحت الصائحة على عُمَر قالت: واسيد الأحلاف فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ويحك والمحتلف عليهم.

(2/478)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَبَشِيٍّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَشَرْتُ إِلَى أَرْنَبٍ فَرَمَاهَا الْكَرِيُّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ثُمَّ قَالَ لِي: أَفْتِنَا فِي دَابَّةٍ تَرْعَى الشَّجَرَ وَتَشْرَبُ الْمَاءَ فِي كَرِشٍ لَمْ تُثْغَرْ. قَالَ: قُلْتُ: تِلْكَ عِنْدَنَا الْفَطِيمَةُ وَالتِّوَلَةُ وَالْجَذَعَةُ. فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي مِنْ هَؤُلاءِ مَا شِئْتِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم ناالدبري عن عبد الرزاق أخبرنا حُمَيْدُ بْنُ رُوَيْمَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمِقْدَامِ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ.
هكذا قَالَ: والتولة وهو غلط وإنما هو التلوة. يُقَالُ للجدي إذا
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/436" بلفظ "التوالة" بدل "التوالة" وبلفظ "إن شئت" بدل "ما شئت" والفائق "ثغر" برواية "فجاءته امرأة محرمة".
2 د: "عبد الله بن المقداد" والمثبت من باقي النسخ والمصنف لعبد الرزاق.

(2/478)


ارتفع وفطم وتبع أمه تلو والأنثى تلوة ويقال للأمهات إذا تلاها أولادها المتالي وصاحبها متل وقد أتلى ماله. ومنه الحديث في سؤال صاحب القبر لا دريت ولا أتليت1.
وَقَوْلُهُ: لم تثغر أي لم تسقط سنها يُقَالُ ثغر إذا سقطت أسنانه وإذا نبتت قيل اتغر2.
وفيه من الفقه: أَنَّهُ رأي عليها الفدية بالإشارة والدلالة وفيه: أَنَّهُ اعتبر المماثلة فيها من جهة الخلقة وعلى معنى مناظرة البدن لا على سبيل القيمة.
__________
1 أخرجه البخاري في الجنائز "2/113, 123" وأبو داود في السنة "4/238 – 239" والنسائي في الجنائز "4/98" وأحمد في مسنده "3/4, 126" كاهم بلفظ "لا دريت ولا تليت" إلا أن في نسخة للبخاري "أتليت".
2 ح: "اثغر: بالثاء".

(2/479)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مُتَأَبِّطَهُ وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ وَنَزَلَ بِالْبَاسِنَةِ وَنَخْلَةِ العجوة1.
حدثنيه الخزاعي أخبرنا عمي إسحاق بن أحمد أخبرنا الأَزْرُقِيُّ حَدَّثَنِي جَدِّي عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ عَنْ عَطَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الخزاعي: قَالَ عمي: الباسنة آلات الصناع وَقَالَ بعضهم: هي الحديدة2 التي يحرث بها الأرض وهي السنة.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/329" ونقل عن أبي محمد الخزاعي تفسير الباسنة بآلات الصناع.
2د: "هي السكة" والمثبت من باقي النسخ.

(2/479)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ويشبه أن تكون الباسنة1 بغير لسان العرب ويروى فِي حَدِيثِ آخر أَنَّهُ قَالَ: "نزل بالعلاة" وهي السندان.
__________
1 من د, ح.

(2/480)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَتَغَدَى عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ فَسَمِعَ الْهَائِعَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ: انْصَرَفَ النَّاسُ عَنِ الْوِتْرِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ.
قوله: أتغدى يريد السحور وسماه غداء لأنه للصائم بمنزله الغداء للمفطر. ومن هذا قوله: لبعض أصحابه هلم إلى الغداء المبارك يريد السحور2. وأول وقت الغداء عند العرب قبيل الفجر الثاني ويقال لمن خرج في ذلك الوقت قد غدا في حاجته فمن خرج قبل ذلك الوقت قيل أدلج. والهائعة الصيحة.
__________
1 حو ط: "من الوتر" والحديث لم أجده من رواية الواقدي وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/263" باختلاف يسير وانطر الفائق "غدا" "3/56" والنهاية "غدا" "3/346".
2أخرجه ابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية كما في الموارد صـ "223" والبيهقي في سننه "4/236".

(2/480)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا قَالَ له: بأي شيء أذكي إِنْ لَمْ أَجِدْ حَدِيدَةٍ قَالَ بِلِيطَةٍ فَالِيَةٍ1.
ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عن أبي العبَّاس عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ قَالَ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
والفالية: القاطعة ومنه قولهم فلوت المهر عَنْ أمها إذا قطعته عنها2 يُقَالُ منه: فلوت المهر أفلو وفليت رأسي أفلي.
ويقال: فليته فلي الصلع وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي روق الهزاني أخبرنا أَبُو عُمَرَ بْنُ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ الصُّلْحِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَرْوَانَ فَذَكَرَهُ بِخِصَالٍ فَقَالَ: دَعْهُ عَنْكَ فقد فليته فلي الصلع مالنا لم ترك فِي أَمْرِنَا هَذَا إِلا بَعْدَ الْفَرَاغِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غناك عني خلفني عنك ولوا انْثَلَمْتَ لَرَقَعْتُكَ وَلَوْ غَوَّثْتَ أَجَبْتُ3 فَلَمَّا قَامَ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ هَكَذَا4 كَلامُ قومي.
__________
1 الفائق "فلى" "3/339" والنهاية "فلى" "3/474" وجاء في الفائق: الليط: قشر القصب اللازق به وكذا ليط القناة وكل شيئ كانت له صلابة ومتانة فالقطعة منه ليطة.
2 س: "إذا قطعهاعنها".
3 ط: "ولو غوثت أجبت" بالبناء للمفعول.
4 س: "هذا كلام قومي".

(2/481)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وهو في مجلسه فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: إِنَّ لِي حَاجَةً وَأَنَا أَكْتَهِيكَ1.
سَمِعْتُ أباعمر يقول: يروى هذا عن طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَمَعْنَاهُ إِنِّي أُعَظِّمُكَ وَأَجِلُّكَ / قَالَ: ومن هذا قولهم ناقة كهاة أي عظيمة السنام قَالَ الشاعر: [167]
إذا عرضت منها كهاة سمينة ... فلا تهدمنها واتشق وتجبجب2
وَقَالَ غيره: معناه إني أجبن عَنْ مخاطبتك وأعيا بها.
قَالَ: واشتقاقه من قولهم حجر أكهى إذا كان أملس لا صدع فيه ومنه قول ابن هرمة:
كما أعيت على الراقين أكهى ... تعيت لا مياه ولا فراعا3
يريد صخرة ملساء والفرع شق في الهضبة يكون فيه الكلأ.
__________
1 الفائق "كهى" "3/288" والنهاية "كهى" "4/216".
2 اللسان التاج "كهى" دون عزو وعزي في مادة "جبب" لخمام بن زيد مناة اليربوعي.

(2/454)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كره الضرس1. قال أبو عمر: أنبأنا ابْنُ أبي الدميك بإسناد له قَالَ: والضرس: صمت يوم إلى الليل وهذا تفسيره.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وأراه إنما سمي ضرسا لإطباق الصامت فمه وضمه أضراسه بعضها إلى بعض وأصل الضرس العض الشديد بالأضراس.
ومنه ضرس القدح وهو أن يعلم الرجل قدحه بأن يعضه بأسنانه ليؤثر فيه قَالَ الشاعر:
وأصفر من قداح النبع فرع ... به علمان من عقب وضرس2
وهذا كتسميتهم الإمساك عَنِ الطعام أزما وأصله العض يُقَالُ أزم الرجل على الشيء إذا عض عليه.
__________
1 الفائق "ضرس" "2/339" عن أبي هريرة والنهاية "ضرس" عن ابن عباس.
2 في د: "وأصغر من قداح النبع كرع" وفي اللسان التاج "عفب" برواية:
"وأسمر من قداح النبع فرع" وعزي لدريد بن الصمة.

(2/458)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} قَالَ: الشُّعُوبُ: الْجُمَّاعُ وَالْقَبَائِلُ: الأَفْخَاذُ يتعارفون بها1.
__________
1 أخرجه الطبري في تفسيره "36/139" وذكره السيوطي في الدر المنثور "6/98" وعزاه للغريابي وابن جرير وابن حاتم والآية في سورة الحجرات: "13"

(2/459)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدقيقي أخبرنا يزيد بن هارون أنبأنا قَيْسٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الجماع: يكون بمعنيين أحدهما أن يراد به منشأ النسب وأصل المولد وجماع كل شيء: مجتمع أصله. ويقال: لما اجتمع في الغصن من براعيم النور هذا جماع الثمر: أي مجتمع أصله ولا أراه ذهب إلى هذا لأن الشعوب هم العجم ومن لا يعرف له أصل نسب فهم شعوب أي متفرقون من أصول شتى وإنما أريد [169] بالجماع / ها هنا الفرق المختلفة من الناس.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ هم أوزاع من الناس وأوباش وأوشاب وهم الضروب المتفرقون قَالَ والجماع مثله قَالَ أَبُو قيس بن الأسلت:
من بين جمع غير جماع1
وَأَخْبَرَنِي ابن الفارسي أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن المؤمل العدوي عن الزُّبَير بن بَكَّار قَالَ العرب على ست طبقات وهي شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة
فالشعب تجمع القبائل والقبائل تجمع العمائر والعمائر تجمع البطون والبطون تجمع الأفخاذ والأفخاذ تجمع الفصائل فمضر
__________
1 اللسان التاد "جمع" وصدره "حتى انتهينا ولنا غاية" وفي المفضليات برواية: "حتى تجلت ولنا غاية" وجاء في اللسان لقيس بن الأسلت السلمي يصف الحرب "وهو تحريف".
وأبو فيس كنيته واختلف في اسمه والمشهور الراجح أنه صيفي بن عامر بن جشم بن وائل الأنصاري وكانت الأوس أسندت أمرها إلى أبي فيس وجعلتها رئبسا عليها فكفى وساد واختلف في إسلامه فقيل إنه وعد بالإسلام ثم سبق إليه الموت فلم يسلم عن الإصابة "4/252" والأغاني "15/154" وتاريخ ابن الأثير "1/284".

(2/460)


[177] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الأَرْغَلِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
هكذا قَالَ: الأرغل: هو الأغرل. يريد الأقلف والغرلة: القلفة. وقَالَ بعضهم: الأغرل والأرغل سواء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/483" بلفظ "أغرل".

(2/480)


حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: "انْتَهَى عَجَبِي عِنْدَ ثَلاثٍ: ... ".
...
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: انْتَهَى عَجَبِي عِنْدَ ثَلاثٍ: الْمَرْءُ يَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ وَهُوَ لاقِيهِ, وَالْمَرْءُ يَرَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ الْقَذَاةَ فَيَعِيبَهَا وَيَكُونُ فِي عَيْنِهِ الْجَذْعُ لا يَعِيبُهُ, وَالْمَرْءُ يَكُونُ فِي دَابَّتِهِ الضَّغَنُ فَيُقَوِّمُهَا جُهْدَهُ وَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ الضَّغَنُ فَلا يُقَوِّمُ نَفْسَهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ أخبرنا المقري أخبرنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
الضغن في الدابة أن تكون عسرة الانقياد ومن هذا قيل قناة ضغنة إذا لم تكن صعدة منقادة ويقال فرس ضاغن وضغن إذا لم يعط ما عنده من الجري حتى يضرب وأري الضغن الَّذِي هو فساد الدخلة مأخوذ من هذا.
قَالَ اللَّه تعالى: {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} 2 يريد والله أعلم أسراركم الفاسدة وَقَالَ أَبُو زبيد الطائي يرثي عليا:
طب بصير بأضغان الرجال ولم ... يعدل بحبر رسول اللَّه أحبار3
والضغن أيضا: نزاع الدابة إلى مكان قد كانت ألفته
قَالَ بِشْرُ بْن أَبِي خازِم:
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد صـ "508" بلفظ "القدر" بدل "الموت" وبلفظ "الصعر" بدل "الضغن".
2 سورة محمد: "37".
3 الديوان "64" وبصير بأضغان الرجال: أسرارها ومخباتها.

(2/482)


فإني والشكاة لآل لأم ... كذات الضغن تمشي في الرفاق1
الرفاق: حبل يشد به مرفق البعير ليقصر من خطوه إذا كان فيه نزاع يخاف أن يند فيذهب إلى جهته والمعني أني وحبسي نفسي عَنْ آل لأم وهم يستبطئونني ولا أتسرع إليهم مثل هذه التي تمشي في رفاقها لا تسرع في مشيها.
__________
1 الديوان "163" برواية "فإني والشكاة من آل لأم" والصحاح "رفق" واللسان والتاج "رفق, ضغن".

(2/483)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو فِي قِصَّةِ إِسْلامِهِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى جَمَلٍ لِي فَبَيَّنَّا أَنَا أَسِيرُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا بِبَيَاضٍ أَنْحَاشُ مِنْهُ مَرَّةً وَيَنْحَاشُ مِنِّي أُخْرَى فَإِذَا أَنَا بأَبِي هُرَيْرَةَ الدُّوسِيُّ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْمَدِينَةَ فَاصْطَحَبْنَا حَتَّى / قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ عَمْرٌو: فَأَرِبْتُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ تَضْرُرْنِي [178] إِرْبَةٌ أَرْبِتُهَا قَطْ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ. قُلْتُ: أُقَدِّمُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَيَدْخُلُ فَيَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ مَشْغُولا فَجِئْنَا وَالصَّلاةُ قَائِمَةٌ فَدَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي الصَّلاةِ فَتَشَايَرَهُ النَّاسُ وَشُهِرَ وَتَأَخَّرْتُ أَنَا حَتَّى صَلَّى1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قوله: أنحاش منه هو أن يوجس منه خوفا فيتوقاه ويحذره قبل أن يتبينه ويعرفه والانحياش: الاكتراث للشيء. يُقَالُ: فلان لا ينحاش من شيء إذا لم يكترث. قال ذو الرمة يصف بيض النعام2:
__________
1الفائق "حوش" "1/336" والنهاية "أرب" "1/36" و"حوش" وأخرجه الواقدي في مغازيه "2/741 – 745" قصة إسلام عمرو الغاص بألفاظ أخرى.
2 ط: "يصف النعام".

(2/483)


وبيضاء لا تنحاش منا وأمها ... إذا ما رأتنا زيل منا زويلها1
وَقَوْلُهُ: إربة أربتها: أي حيلة احتلتها. وأصل الإرب الدهاء والنكر.
يُقَالُ: فلان ذو إرب أي ذو دهاء والإرب أيضا العقل وهو الإربة.
ومن هذا قوله: {غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} 2 أي غير ذوي العقل يريد الذين لم تستحكم عقولهم وقد يفسر أيضا غير ذي الحاجة.
والإرب أيضا: العضو والأرب مفتوحة الألف والراء الحاجة والوطر.
فأما قول عُمَر بن الخطاب للحارث بن أوس أربت من يديك فقد ذكره أبو عُبيد في كتابه3 وفسره فَقَالَ معناه سقطت آرابك من اليدين خاصة وكذلك قاله ابن قتيبة4.
وفيه قولان آخران: قَالَ أَبُو حاتم: معناه شلت يداه. وقال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: معناه أن يسأل الناس بهما كأنه يذهب إلى معنى الاحتيال والتكسب بهما فيكون مرجعه على هذا التأويل إلى الإرب الَّذِي هو الدهاء على ما ذكرته لك أولا.
وَقَوْلُهُ: فتشايره الناس أي اشتهروه بأبصارهم وأصله من الشارة وهي الهيئة واللباس الحسن.
__________
1 اللسان والتاج "زيل" والديوان "554".
2 سورة النور: "31".
3 أخرجه أبو عبيد في غريبه "3/348 – 349".
4 غريب الحديث لابن قتيبة "1/457".

(2/484)


يُقَالُ: رأيت على فلان شارة حسنة ورجل صير شير أي ذو صورة وشارة حسنة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والثبت أن عمرا قد تقدم إسلامه إسلام أَبِي هُرَيْرَةَ أسلم أَبُو هريرة1 سنه سبع قدم المدينة ورسول اللَّه بخيبر وأسلم عمرو وخالد بن الوليد سنة ست2.
__________
1 من د, ط.
2 أخرجه الحاكم قصة إسلامه وإسلام خالد بن الوليد في المستدرك "3/454".

(2/485)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَنَّهُ رُئِيَ عَلَى بَغْلَةٍ قَدْ شَمِطَ وَجْهُهَا هَرَمًا فَقِيلَ لَهُ: تَرْكَبُ هَذِهِ وَأَنْتَ عَلَى أَكْرَمِ نَاخِرَةٍ بِمِصْرَ؟ فَقَالَ: لا مَلَلَ عِنْدِي لِدَابَّتِي مَا حَمَلَتْ رِجْلِي1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بن عبد الأكبر2 أخبرنا الرياشي بإسناد له. قال: والناخزة يريد جماعة من الخيل يُقَالُ لواحدها ناخر. قَالَ غيره: الناخر الحمار. قال الفراء: وهو الشاخر أيضا وأنشد:
فلا يزال شاخر يأتيك بج3
ويقال: إنما سمي شاخرا وناخرا لشخيره ونخيره إلا أن الشخير من الحلق والنخير من الأنف.
__________
1 الفائق "نخر" "3/415" برواية "لا بلل عتدي لدابتي" والنهاية "نخر" "5/32" وفي الأساس "ملل" بي ملل وملال وملالة تبرم.
2ط: "محمد بن يزيد ين عيد الأكرم المبرد".
3 مجالس ثعلب "1/117" برواية: "فلا يزال شاحج يأتيك بج" وكذلك في النوادر "164" وقبله "يا رب إن كنت قبلت حجتج" أراد: بي وحجتي".

(2/485)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ صِفِّينٍ: أَيْ عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ أَيْنَ [179] تَرَى عَلِيًّا؟ فَقَالَ: أَرَاهُ فِي تِلْكَ الْكَتِيبَةِ الْقَتْمَاءِ فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عُمَرَ1 وَابْنِ / مَالِكٍ. فَقَالَ لَهُ: أَيْ أَبَهْ فَمَا يَمْنَعُكَ إِذْ غَبَطْتَهُمْ أَنْ تَرْجِعَ؟ فَقَالَ: يَا بُنِيَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً دَمَّيْتُهَا2.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الزيبقى أخبرنا إسماعيل بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن بشار أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
القتماء: الغبراء والقتام: الغبار وهو القتم أيضا. قال طرفة:
يتركون القاع تحتهم ... كمراغ ساطع قتمه3
وَقَوْلُهُ: "إذا حككت قرحة دميتها"4 مثل يقول إذا أممت غاية تقصيتها.
وابن مالك هو سعد بن أبي وقاص كان وعبد اللَّه بن عُمَر ومحمد بن مسلمة الأنصاري في عدة من الصحابة تخلفوا عَنِ الفريقين وقعدوا عَنْ تلك الفتنة حتى انجلت.
__________
1 د: "لله در ابن عس".
2 الفائق "قتم" "3/157" والنهاية "قتم" "4/15".
3 الديوان "79" وجاء في شرحه: "إذا مر هذا الجيش بالقاع قلع مدره فصيره ترابا له قتم والساطع/ المرتفع من السماء والمراغ: موضع تمعك واضطراب الحمار.
4 اللسان "حكك" جمهرة الأمثال "1/144" مجمع الأمثال "1/28" المستصفى "1/124".

(2/486)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: إِنَّكَ فِي هَذِهِ الْبَلاغَةِ وَالنَّصَاعَةِ وَالرَّأْيِ الْفَاضِلِ كُنْتَ تَأْتِي حَجَرًا فَتَعْبُدَهُ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُجَالِسُ أَقْوَامًا تَزِنُ حُلُومُهُمُ الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَّ وَلَكِنْ مَا قَوْلُكَ في عقول كادها خالقها1.
__________
1النهاية "كيد" "4/217".

(2/486)


حدثنيه أبو عمر أنبأنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء عن الْكِسَائِيِّ.
قوله: كادها خالقها قَالَ أَبُو العباس: يريد منعها خالقها.
قَالَ غيره: ومن هذا قولهم: كدت الرجل إذا أردته بسوء.
قَالَ أَبُو عُمَر: والكيد في أشياء منها التدبير, والكيد: الحرب.
ومنه الحديث: أَنَّهُ خرج في غزوة بني سليم فسار حتى بلغ موضع كذا ثم رجع ولم يلق كيدا:1 أي حربا.
قَالَ: والكيد: القيء ومنه حديث الْحَسَن إذا بلغ الصائم الكيد أفطر2.
قَالَ: والكيد: الحيض ومنه حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ نظر إلى جوار قد كدن في الطريق3: أي حضن.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "2/35 – 36" وابن كثير في السير النبوية "2/539".
2 لم أجده بهذا اللفظ وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/38" بلفظ "إذا اذرع الصائم القيء فلا يفطر وإذا بقيأ أفطر وفي المصباح: ذرعه القيء: غلبه وسبقه. وبمعناه عبد الرزاق في مصنفه "4/215" وانظر الفائق "3/292".
3 في الفائق "كيد" "3/201" وزاد "فأمر أن ينحين".

(2/487)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَنَّ قُبَيْصَةَ بْنَ جَابِرٍ الأَسَدِيَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ عَمْرٍو1.
يَرْوِيهِ الْبُخَارِيُّ عن محمد بن عباد وعن ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عن قبيصة.
__________
1أخرجه البخاري في التاريخ "4/1/175" بلفظ "ما رأيت أنصع ظرفا أو أبين ظرفا منه".

(2/487)


قوله: أقطع طرفا يريد أذرب لسانا وأنفذ قولا منه.
قَالَ ابن الأعرابي: ومن هذا قولهم: لا يدري أي طرفيه أطول وطرفاه ذكره ولسانه والطرف في أشياء منها اللسان ومنها البنان.
ويقال: للأصابع الأطراف والطرف الطائفة من الشيء ويقال: أَنَّهُ لكريم الطرفين: أي الوالدين وقد يشبه اللسان الذرب بالسيف القاطع كقوله:
وفي فمي صارم كالسيف مأثور1
وَقَالَ آخر:
لساني وسيفي صارمان كلاهما ... وللسيف أشوي وقعة من لسانيا2
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ قَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكْفُفْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النِّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" 3.
__________
1 في نكت الهميان للصفدي "71" وصدره "قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل" وجاء قبله:
إن يأحذ الله من عيني نورها ... ففي لساني وسمعي منهما نور
والبيتان لابن عباس بإنشاد الجاحظ.
2 شرح الحماسة للمرزوقي "1/266" برواية:
وليس لسيقي في العظام بقية ... وللسيف أسوى وقعة من لسانيا
وعزي لجرير وهو في ديوانه "501" بنفس الرواية.
3 أخرجه الترمذي في الإيمان "5/12" وابن ماجة في الفتن "2/1315" والإمام أحمد في مسنده "5/231, 237".

(2/488)


حدثناه الصفار أخبرنا الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ عْنِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ.
والحصائد جمع حصيدة وهي ما حصد / من الزرع شبه غرب اللسان وما يقتطع1 به من القول [180] بحد المنجل وما يحصد به من الزرع.
__________
1 د: "وما يقطع به".

(2/489)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو فِي قِصَّةِ خُرُوجِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى مِنْجَافِ السَّفِينَةِ فَدَفَعَهُ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْبَحْرِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لم أسمع في منجاف السفينة شيئا أعتمده وأراه الفرضة التي يكون منها مدخل الركاب ومنه النجاف وهو أسكفة الباب ويجوز أن يكون أراد بالنجاف المكان الَّذِي يسمي السكان وهو في مؤخر السفينة سماه منجافا لارتفاعه وعلوه.
والنجفة: شبه التل يرتفع عَنْ وجه الأرض لا يعلوه الماء.
ومن هذا قولهم: نجفت بالرجل إذا رفعت منه وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا أَكْرَمَتْهُ وَنَجَفَتْ بِهِ فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهَا: أَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا2 فِي الإِفْكِ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالَدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
__________
1 أخرجه الحاكم قصة خروج عمرو بن العاص وعمار بن الوليد إلى النجاشي في المستدرك "2/309" بدون ذكر السفينة وكذلك ذكرها الهيثمي في مجمعه "6/31" وعزاها للطبراني وذكر ابن كثير في السيرة النبوية "2/13, 26" إلقاء عمارة في البحر بسياق آخر وفي نسختي د, ط: "عمارة بن الورد" وفي هامش د: "قال بعض أصحاب الحديث: "عمارة بن الوليد".
2 د: "تتابعوا".

(2/489)


لَعَلَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ كُلَّ ذَنْبٍ1.
ذَكَرَهُ لَنَا أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلَبٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ.
__________
1 لم أجده بهذا السياق وقد أخرجه البخاري في المغازي "5/150" ومسلم فس التوبة "4/2137" وأحمد في مسنده "6/198" كلهم بلفظ: "كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: فإنه قال: فإن أبي ووالدي وعرضي" في حديث طويل.
والبيت في الديوان "76".

(2/490)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَلافَيْتُ أَمْرَكَ وَهُوَ أَشَدُّ انْفِضَاجًا مِنْ حُقِّ الْكَهُولِ فَمَا زِلْتُ أَرُمُّهُ. بِوَذَائِلِهِ وَأَصِلُهُ بِوَصَائِلِهِ حَتَّى تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمُدِرِّ1.
رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ مِنْ حُقِّ الْكَهْدَلِ.
قَالَ: لم أسمع في هذا الحرف شيئا ممن يوثق بعلمه وبلغني أَنَّهُ بيت العنكبوت.
قَالَ أَبُو عمر: هذا تصحيف وإنما هو حق الكهول. رواه لنا أَبُو العباس ثَعْلَبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو الشيباني قَالَ: حق الكهول بيت العنكبوت. قال: ويقال له: الكعدبة والجعدبة.
قَالَ ابن قتيبة: والمدر الجارية التي ينزل لها الدر وأراد بالفلكة حلمة ثديها.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/376" وهو في الفائق "عصب" "2/440".
الانفضاج: الاسترخاء. والوذائل: سبائك الفضة, جمع وذيلة, والوصائل: ثياب حمر مخطط يجاء بها من اليمن الواحدة وصيلة, يريد أنه زينة وحسنة وقال الزمخشري: وعندي أنه أراد بالوذائل جمع وذيلة وهي المرأة بلغة هذيل مثل بها آراءه التي كانت لمعاوية أشباه المرائي, يرى فيها وجوه صلاح أمره واستقامة ملكه.

(2/490)


وَأَخْبَرَنِي الأزهري قَالَ المدر في كلام العرب الغزال. ويقال: للمغزل الدرارة.
يُقَالُ: أدر فلان مغزله إذا أداره بشدة الفتل قَالَ: وهذا أشبه بمعنى الحديث مما ذهب إليه ابن قتيبة لأن الفلكة إذا انتهت إلى مستغلظ عود المغزل ثبتت ثباتا لا يزعزعه شيء.

(2/491)


حديث عَبْد اللَّه بن عمرو بن العاص رحمه الله
حديث عَبْد اللَّه بن عمرو أَنَّهُ قَالَ: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ يُخَلَّى لَهُ سَرْبُهُ يُسَرَّحُ حَيْثُ شاء".
...
حديث عَبْد اللَّه بن عمرو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بن عَمْرو أنه قَالَ: الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ يُخَلَّى لَهُ سَرْبُهُ يُسَرَّحُ حَيْثُ شَاءَ1.
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا ابن أبي شيبه أخبرنا غُنْدَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ قِمْطَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قوله: يخلى له سربه أي طريقه ومذهبه.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَالُ: خل سرب الرجل أي طريقه2.
قَالَ يعقوب: السرب الطريق والوجه والسرب المال الراعي يُقَالُ أغير على سرب بني فلان. ويقال للمرأة [181] عند الطلاق: اذهبي فلا أنده / سربك: أي لا أرد إبلك. قال: ويقال: فلان آمن فِي سربه أي في نفسه.
[وقد اتفق أهل اللغة على كسر السين من قوله: آمن في سربه غير الأخفش فإنه قَالَ: في سربه بفتح السين] 3
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد صـ "211" عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أبيه عنه مختصرا وذكره التجلوني في كشف الخفاء "1/495" بلفظه وقال: أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا.
2 د: "أي طريقة مذهبه".
3 من د.

(2/492)


قال غيره: السرب من الإبلآ, السارب: أي الذاهب في المرعى حيث شاء كالسرح إنما هو السارح منها.
يُقَالُ: سرب الرجل في حاجته يسرب فيها سروبا: أي خرج. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} 1.
وأما قوله: الدُّنْيَا سجن المؤمن وجنة الكافر فإن هذا قد روي مرفوعا2.
وَقَالَ بعض الناس سائلا أو معترضا: كيف يكون هذا؟ وقد نرى مؤمنا في عيش رغد وكافرا في ضنك وتصريد3.
والجواب في هذا من وجهين: أحدهما أن الدُّنْيَا كالجنة للكافر في جنب ما أعد اللَّه له من العقوبة في الآخرة وأنها كالسجن للمؤمن بالإضافة إلى ما وعده اللَّه من ثواب الآخرة ونعيمها فالكافر يحب المقام فيها ويكره مفارقتها. والمؤمن يتشوف للخروج منها ويطلب الخلاص من آفاتها بمنزلة المسجون الَّذِي همه أبدا أن يفك عنه ويخلى سبيله.
والوجه الآخر: أن يكون هذا صفة المؤمن المستكمل الإيمان الَّذِي قد عزف نفسه عن ملاذ الدُّنْيَا وشهواتها فصارت عليه بمنزله السجن في الضيق والشدة.
__________
1 سورة الرعد: "10".
2 أخرجه مسلم في الزهد "4/2272" والترمذي في الزهد "4/562" وابن ماجة في الزهد أيضا "2/1378" والإمام أحمد في مسنده "2/323, 389".
3 د: "في ضنك ونصب وتصريد" وفي ط: "في ضنك ونصب" والتصريد: القلة "عن الوسيط".

(2/493)


وأما الكافر فقد أهمل نفسه وأمرجها1 في طلب اللذات وتناول الشهوات فصارت له الدُّنْيَا كالجنة في النعمة والسعة.
__________
1 القاموس "مرج" أمرجها: خلاها.

(2/494)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: اعْدُدِ اثْنَيْ عَشْرَةَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ خميرويه أخبرنا الحسين بن إدريس أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا إسماعيل بن عياش أخبرنا2 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خثيم عن أبي الطفيلعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
يريد بالنقف والنقاف: هيج الفتن التي يكثر فيها القتال وأصل النقف: هشم الرأس والهامة.
ومن هذا قولهم: نقفت الحنظل وهو أن يقرع بالعصا حتى ينهشم فيخرج هبيده3 قال امرؤ القيس:
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل4
وَأَخْبَرَنِي محمد بن نافع الخزاعي أخبرنا عمي إسحاق بن أحمد أخبرنا أبو الوليد
__________
1 أخرجه الخطيب في تاريخه "6/263" بلفظ "إذا ملك اثنا عشر" بدل "اعدد اثني عشرة" وذكره المتقي في كنز العمال "11/252" بلفظ "سيكون اثنا عشر خليفة من بني كعب بن بؤي ثم النفق والنفاق" وعزاه لنعيم وذكره أيضا في "11/172" بنحوه من حديث ابن عمر عزاه للخطيب وابن عدي وقد تقدم أنه عند الخطيب عن "ابن عمرو" وليس عن "ابن عمر" وانظر الفائق "نقف" "4/21" والنهاية "نقف" "5/109" من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
2ح: "عبد الرحمن بن عثمان بن خثيم".
3 الوسيط "هبد" الهبيد: حب الحنظل, واحدته هبيدة.
4 الديوان "9" ومجالس ثعلب "82" وجاء في الشرح: أبكي فتجري دموعي كما تدمع عين ناقف الحنظل.

(2/494)


الأزرقي بإسناد له أن مسلم بن عقبة المري: لما انصرف من المدينة يريد مكة فلما كان ببعض الطريق حضرته الوفاة فدعا الحصين بن نمير فَقَالَ: يا برذعة الحمار إذا قدمت مكة فاحذر أن تمكن قريشا من أذنك فتبول فيها لا يكون إلا الوقاف ثم النقاف ثم الانصراف1. يريد المناجزة بالسيوف.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/202" وفيه "الثقاف" بدل "النقاف".

(2/495)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ بِأَلْفِ عَامٍ وَكَانَ الْبَيْتُ زَبْدَةً بَيْضَاءَ حِينَ كَانَ الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ وَكَانَتِ الأَرْضُ تَحْتَهُ كَأَنَّهَا حَشَفَةٌ فَدُحِيَتِ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ1.
يَرْوِيهِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
الحشفة: واحدة الحشف وهي حجارة تنبت في البحر نباتا. قال ابن هرمة يصف الناقة:
كأنها قادسإ يصرفه النو ... تي تحت الأمواج عَنْ حشفه2
والقادس: السفينة. وقد روي هذا الكلام بعينه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وفيه / زيادة. [172]
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ ناالخزاعي أخبرنا الأزرقي حدثني جدي أخبرنا
__________
1 أخرجه ابن جرير في تفسيره "4/8" عن مجاهد عن عَبْد الله بن عَمْرو بلفظ: "خلق الله البيت فبل الأرض بألفي سنة وكان عرشه على الماء زبدة بيضاء فدحيت الأرص من تحنه وذكره السيوطي في الدر المنثور "2/52" بطوله إلا أنه قال كذلك "بألفي سنة".
2ليس في شعر ابن هرمة ط مجمع اللغة العربية بدمشق ولا في طبع النجف بالعراق وهو في الفائق "حشف" "1/206".

(2/495)


سَعِيد بْن سالم القَدَّاح عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَصَفَقَتِ الْمَاءَ فَأَبْرَزَتْ عَنْ حَشَفَةٍ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَأَنَّهَا قُبَّةً فَدَحَا اللَّهُ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا فَمَادَتْ فَأَوْتَدَهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ فَكَانَ أَوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ فِيهَا أَبُو قُبَيْسٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى1.
قوله: مادت: أي مالت وتكفأت. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} 2 ويقال: غصن مياد إذا كان رطبا كثير التثني والتأود.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/32" عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عطاء عن ابن عباس وفيه "خشفة" بدل "حشفة" "تصحيف".
2 سورة التوبة النحل: "15".

(2/496)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَبْشُرَ الشَّوَارِبَ بَشْرًا1.
يَرْوِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أخبرنا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ عِجْلانٍ عَنْ مَكْحُولٍ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
البشر: حلق البشرة يريد قص الشارب حتى يلحف وتبين البشرة.
ومنه قولهم: بشرت الأديم بشرا إذا قشرت باطنه بشفرة.
ويقال في الخير: بشرت الرجل فبشر كما يُقَالُ: خبرته فحبر أي سررته فسر ولا يُقَالُ ذلك إلا في الخير خاصة. وقد قرىء {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} 2 وبشرته مشددة في الخير والشر
قال اللَّه تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ
__________
1 الفائق "بشر" "1/110" والنهاية "بشر" "1/129".
2 سورة التوبة مريم: "7".

(2/496)


كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 1 فإذا قلت بشرته كان اللازم أبشر. كقوله: فطرته فأفطر.
__________
1 سورة التوبة: "3".

(2/497)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه أَتَى الطَّائِفَ فَإِذَا هُوَ يَرَى التُّيُوسَ تَلِبُّ أَوْ تَنِبُّ عَلَى الْغَنَمِ خَافِجَةً فَقَالَ لِمَوْلًى لِعَمْرِو بن العاص يقال له: هرمر يَا هُرْمُزُ مَا شَأْنُ مَا ها هنا ألم أكن أعلم السباع ها هنا كَثِيرًا. فَقَالَ: نَعَمْ وَلَكِنِّهَا عُقِدَتْ فَهِيَ تُخَالِطُ الْبَهَائِمَ وَلا تُهَيِّجُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: شَعْبٌ صَغِيرٌ مِنْ شَعْبٍ كَبِيرٍ1
يَرْوِيهِ ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ هُرْمُزٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
قوله: تلب من اللبلبة وهي زمزمة2التيس إذا طلب السفاد وتنب من النبيب يُقَالُ نب التيس نبيا ومثله هب هبيبا قَالَ الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم3
والخافجة: السافدة: والخفج: السفاد وقد يستعمل في مباضعة الرجل أهله وقد يحتمل أن يُقَالُ: جافخة بتقديم الجيم وأصل الجفخ الكبر.
وَقَوْلُهُ: عقدت يريد أنها قد عولجت بالأخذ كما تعالج الروم الهوام ذوات الحمة بالشيء الَّذِي يسمونه الطلسم4.
__________
1 الفائق "لب" "3/300" والنهاية "نب" "5/4" وفي "شعب" "2/477".
2 كذا في ط, وفي س, د: "رمرمة التيس" بالراء وفي القاموس "زمم": الزمزمة: الصوت البعيد له دوي.
3 كتاب سيبويه: 3/181" وعزي لحسان بن ثابت وهو في ديوانه "225".
4 الوسيط "طلسم" الطلسم والطلسم في علم السحر: خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى وهو لفظ يوناني والشائع على الألسنة طلسم كجعفر, ويسمى كل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي: طلاسم, ويقال: فك طلسمه أو طلاسمه: وضحه وفسره.

(2/497)


وَقَوْلُهُ: شعب صغير من شعب كبير. يقول: صلاح يسير من فساد كثير وإنما كره ذلك لأنه رآه نوعا من السحر والشعب في كلام العرب يتصرف على وجهين أحدهما يراد به الجمع والإصلاح. والآخر يراد به الفرق والإفساد. فمن الأول قولهم شعبت الإناء إذا لأمت صدعه وأصلحته. قال ابن الدمينة.
وإن طبيبا يشعب القلب بعدما ... تصدع من وجد بها لكذوب1
[183] / قَالَ بعض أهل اللغة: وبه سمي الرجل شعيبا قَالَ: وهو تصغير شعب بمعنى الإصلاح. قال: وإنما صغر على مذهب المدح والتعظيم.
وأما الوجه الآخر الَّذِي يراد به الفساد فكقولهم شعبت بين القوم إذا فرقت بينهم. قال الشاعر:
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلج في العصيان
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان2
ولهذا سمي الموت شعوب وذلك لأنه يفرق الشمل ويبدده.
__________
1 في شرح الحماسة للمرزوقي "3/ الحماسة "560" قصيدة لابن الدمينة على وزن والقافية وليس منها هذا البيت.
2 البيت في اللسان "شعب" والثاني في مادة "علا" وعزي لعلي بن الغدير الغنوي وهوشاعر فارس من شعراء الدولة الأموية, والبيتان في البيان والتبيين "3/80".

(2/498)


حديث حذيفة بن أسيد
حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: "شَرُّ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ الْخَطِيبُ الْمِصْقَعُ والراكب الموضع" ...
...
حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ شَرُّ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ الْخَطِيبُ الْمِصْقَعُ وَالرَّاكِبُ الْمُوَضِعُ. وذَكَرَ الدَّجَالَ وَفِتْنَتَهُ فَقَالَ: يَخْرُجُ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ وَخَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ1. أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
الخطيب المصقع هو الَّذِي لا يرتج عليه ولا يتتعتع في كلامه يريد بالخطيب الداعي إلى الفتنة وأصله من الصقع وهو رفع الصوت ومتابعته.
ومن هذا صقع الديك بصوته يُقَالُ: خطيب مصقع ومسقع وخطيب مسحل ومثله خطيب شحشح وهو الماهر بالخطبة الماضي فيها. قال قيس بن عَاصِم:
خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن2
والموضع: المسرع في الفتنة الساعي فيها يُقَالُ: أوضع الراكب إيضاعا ووضع لغة ومنه قول دريد بن الصمة:
أخب فيها وأضع3
__________
1 أحرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/394 – 395" في حديث طويل وفيه "الخطيب المسقع" والحاكم في المستدرك "4/529" هشام عن قتادة عن ابي الطفيل عن حذيفة بن أسد وفيه: "كل خطيب مصقع وكل راكب موضع".
2 اللسام والتاج "صقع" برواية "خطباء حين يقوم قائلنا".
3 اللسان والتاج "وضع" وقبله "يا ليتني فيها جذع" قاله في يوم هوازن في شعراء النصرانية "4/774".

(2/499)


وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ العاص حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّد بن سعدويه أخبرنا ابن الجنيد حدثنا الحسين بن حريث ناهاشم بن القاسم عَنِ المبارك بن سعيد عَنْ أَبِي سفيان السعدي عَنْ خاله رياش الحماني قَالَ كانت بين عُمَر بن الخطاب وعمرو بن العاص محاورة فأغلظ له عُمَر بن الخطاب وقاوله عمرو فلما فرغ من كلامه قَالَ له رجل من بني أمية يُقَالُ له: الأشج إنك والله سقعت الحاجب1 وأوضعت بالراكب2.
والسقع: الضرب ببسط الكف. يُقَالُ: سقعت رأسه وصقعته والمعنى أنك جبهته بالقول وواجهته بالمكروه حتى ولى عنك وأسرع ويجوز أن يكون أراد أنك أشدت بذكر هذا الخبر وسيرت به الركبان.
وَقَوْلُهُ: في خفقه من الدين أي في اضطراب منه واختلاف من أهله ومنه خفقان جناح الطائر وخفقان القلب ونحوهما.
وَقَالَ بعضهم: معناه في غفلة من الناس كخفقة النائم إذا نعس قَالَ وهذا مثل ضربه فشبه الدين ما كان قويا والناس بأسبابه متمسكين باليقظان وشبهه حين ضعف بالناعس والوسنان.
__________
1 ح: "سقعت بالحاجب".
2 الفائق "سقع" "2/188" والنهاية "سقع" "2/379".

(2/500)


حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
حديث عبد الله بن المغفل أَنَّ غَزْوَانَ قَالَ: أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أخبرني ماحرم عَلَيْنَا مِنَ الشَّرَابِ فَذَكَرَ النَّهْيَ عن الدباء إلخ
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ غَزْوَانَ قَالَ: أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنَ الشَّرَابِ فَذَكَرَ النَّهْيَ عَنِ الدُّبَاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ فَقُلْتُ: شَرْعِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَيْتُ أَفِيقَةً فَمَا زَالَتْ مُعَلَّقَةً فِي بَيْتِي1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن المكي أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا أحمد بن حنبل أخبرنا عَفَّانُ / حَدَّثَنِي [184] ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ أخبرنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ فُضَيْلُ بْنُ زَيْدٍ الرُّقَاشِيُّ سَمِعَ غَزْوَانَ يَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: شَرْعِي أَيْ حَسْبِي وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
شَرْعُكَ مَا بَلَّغَكَ الْمَحَلا2
وأنشد أَبُو عمرو بن العلاء:
شرعك من شتم أخيك شرعك ... إن أخاك في الأشاوى ضرعك
أي مثلك.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/57" وفيه ... "عن فضل بن زيد وقد غزاه مع عمر رضي الله عنه سبع غزوات قال: سألت عبد الله بن مغفل المزني: مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنَ الشَّرَابِ..وذكره الهيثمي في مجمعه "5/58" وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير والأوسط بعضه.
2 في أمثال أبي عبيد "168" برواية "يكفيك ما بلغك المحلا" وجاء قله: "من شاء أن يكثر أو يقلا" وفي اللسان والتاج "شرع" وجاء في اللسان: أي حسبك وكافيك وهو مثل يضرب في التبليغ باليسير وهو عند الميداني "1/362" الزمخشري "2/123" والبكري "249" بلفظ الخطابي.

(2/501)


والأفيقة: سقاء من أدم والأفيق: الأديم قبل أن يتم دباغه. يُقَالُ: أفيق وأفق كما يُقَالُ: أديم وأدم وإنما اتخذ السقاء من الأفيق لأنه رقيق غير حصيف فإذا اشتد الشراب لم يلبث أن ينشق وينقطع فيعلم بذلك تغيره فيجتنب.

(2/502)


حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ
حَدِيثِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: "لأَنْ يمتلىء مَا بَيْنَ عَانَتِي إِلَى رَهَابَتِي قَيْحًا يَتَخَضْخَضُ مِثْلَ السِّقَاءِ أَحَبُّ إلي من أن يمتلىء شعرا".
...
حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عوف أنه قال: لأن يمتلىء مَا بَيْنَ عَانَتِي إِلَى رَهَابَتِي قَيْحًا يَتَخَضْخَضُ مِثْلَ السِّقَاءِ أَحَبُّ إلي من أن يمتلىء شعرا1.
أَخَبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زيرك أخبرنا أبو طلق أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث عن يزيد عن شَمَّاسَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي عَنْ شَمَّاسَةَ وَإِنِّمَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَمَّاسَةَ
كَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شَمَّاسَةَ أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلا أَنَّهُ قَالَ: رَهَانَتِي, بِالنُّونِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ رَهَابَتِي بِالْبَاءِ وَالرَّهَابَةُ عُظَيْمٌ كَالْغُضْرُوفِ يُشْرِفُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِدَةِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ:2 وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: لِسَانُ الْكَلْبِ.
وَأَخْبَرَنِي عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ قَالَ: فَرَأَيْتُ السَّكَاكِينَ قَدْ دَارَتْ بَيْنَ رَهَابَتِهِ وَمَعِدَتِهِ
وهَذَا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ 3 خير له من أن يمتلىء شعرا" 4.
__________
1 أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار في باب رواية الشعر "4/295" مرفوعا بلفظ "من عنته إلى لهاته قيحا يمتخض" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وذكره الهيثمي في مجمعه "8/120" بلفظ "من عانته إلى هامته" وعزاه للطبراني وذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/636" بلفظ "من عانته إلى لهاته" وعزاه للطبراني.
2 الصحاح "ورى" ورى القيح جوفه يريه وريا: أكله.
3 ساقط من ط.
4 أخرجه البخاري في الأدب "8/45" ومسلم في الشعر "4/1769" وأبو داود في الأدب "4/302" وأحمد في مسنده "2/39و 96" وفي "3/3, 8, 41" من حديث ابن عمر وأبي هريرة وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم "336".

(2/503)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: فَقَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الأَسْفَارِ لَيْلا فَانْطَلَقْتُ لا أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ إِلا إِنِّي أُسَمِّتُ1 فَهَجَمْتُ عَلَى رَجُلَيْنِ فَقُلْتُ هَلْ حُسْتُمَا2 مِنْ شَيْءٍ؟ قَالا: لا, إِلا أَنَّا سَمِعْنَا صَوْتًا وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَزِيزًا كَهَزِيزِ الرَّحَيَيْنِ3.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
/ قوله: حستما إنما هو أحستما أو حسيتما. يُقَالُ أحست بالخبر وحسيت به قَالَ أَبُو زبيد: [185]
خلا أن العتاق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوس4
والهزيز الصوت وأصله الأزيز أبدلت الهمزة هاء قَالَ الشاعر:
هزيز أشاءة فيها حريق5
وَقَوْلُهُ: أسمت أي ألزم سمت لا أعدل عنه.
__________
1 د, ط: "أسمت" بالبناء للمجهول.
2 "حستما" ضبط الحاء بالضم في نسخة س وبالكسر في نسختي د, ط وكلاهما صواب وفي المصباح أحس به على معنى شعر به, وحسست به من باب قتل لغة فيه والمصدر الحس بالكسر ومنهم من يخفف الفعلين بالحذف فيقول: أحست به ومنهم من يخفف فيهماب بابدال السين ياء فيقول: حسيت وأحسيت وحست بالخبر من باب تعب, ويتعدى بنفسه فيقال: حسست الخبر من باب قتل فهو محسوس.
3 أخرجه الإمام في مسنده "6/23" عن أبي المليح عن أبي بردة عن عوف باختلاف يسير في الألفاظ وفي "6/28" عن قتادة عن أبي المليح بلفظ "مثل هزيز الرجل" وأخرجه الحاكم في المستدرك "1/67".
4 اللسان "حسا" برواية "سوى أن العتاق" وفي الفائق "سمت" "2/200"
أحس به فهن إليه شوس
وهو في شعر أبي زبيد الطائي "96" برواية "حسسن به".
5 الفائق "سمت" دون عزو "2/200".

(2/505)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتُمْ يَا مُحَلِّمُ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ وَجَدْنَا رَبًّا رَحِيمًا غَفَرَ لَنَا فَقُلْتُ: أَكُلُّكُمْ؟ قَالَ: كُلُّنَا غَيْرُ الأَحْرَاضِ قُلْتُ: وَمَنِ الأَحْرَاضُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالأَصَابِعِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عن لقمان بن عامر عن سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
الأحراض جمع الحرض وهو الضاوي المهزول من المرض يُقَالُ رجل حرض وقد أحرضه المرض ويقال: رأيت فلانا حرضا من الأحراض إذا أشرف على الهلاك, والحارض: الرجل الساقط.
قَالَ الأصمعي: يقال: رجل حارِضَةٌ وهو الأحمق.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الحسين أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن يوسف بن النضر أخبرنا ابْنُ عَبْد الحكم قَالَ رآني الشافعي وأنا أستمد من دواة من ناحية اليسار فَقَالَ: أشعرت أَنَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ من الحراضة أن يضع الرجل دواته من ناحية اليسار. يريد من الحمق.
والأحراض: هم الذين أسرفوا في الذنوب حتى استوجبوا عقوبة اللَّه فأشرفوا على الهلاك.
ومعنى قوله: يشار إليهم بالأصابع أي اشتهروا بالشر وعرفوا به.
وقد يجوز أن يكون أراد بذلك أصحاب الرياء وأهل النفاق الذي شهروا أنفسهم حتى أشير إليهم بالأصابع.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "3/921".

(2/506)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يرى النائم كأن سَبَبًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَانْتُشِطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُعِيدَ فَانْتُشِطَ أَبُو بَكْرٍ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَوْفٍ.
السبب: الحبل ولا يسمى سببا حتى يكون مشدودا أحد طرفيه بسقف أو نحوه.
وانتشط: أي جذب إلى السماء فرفع إليها يُقَالُ: نشطت الدلو من البئر أنشطها نشطا وبئر نشوط وهي التي تخرج منها الدلو بجذبة أو جذبتين.
ومن هذا قول الناس: قد عقدته بأنشوطة أي عقدته عقدة تنحل بجذبة واحدة. والنشط في السير: قلع2 اليدين قَالَ رؤبة:
تنشطته كل مغلاة الوهق3
أي قطعته وَقَالَ هميان بن قحافة:
أمست همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طورا وطورا واسطا4
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "12/583" في حديث طويل وعزاه لخيثمة في فضائل الصحابة.
2 د: "قطع اليدين".
3 اللسان التاج "نشط" دون عزو وجاء في الشرح يقول: تناولته وأسرعت رجع يديها في سيرها والمغلاة: البعيد الخطو, والوهق: المباراة في السير وهو في الديوان "104".
4 اللسان التاج "نشط".

(2/504)


حَدِيثِ المسور بن مخرمة
حَدِيثِ الْمِسْوَرِ أَنَّهُ ذَكَرَ حَلِيمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَنَّهَا خَرَجَتْ فِي سَنَةٍ حَمْرَاءَ قد برت المال ...
...
حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ أَنَّهُ ذَكَرَ حَلِيمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَنَّهَا خَرَجَتْ فِي سَنَةٍ حَمْرَاءَ قَدْ بَرَتِ المال وخرجت بابنها عبد الله تُرْضِعُهُ وَمَعَهَا1 أَتَانٌ قَمْرَاءُ تُدْعَى سَدْرَةَ وَشَارِفٌ دَلْقَاءُ يُقَالُ لَهَا: السَّمْرَاءُ لَقُوحٌ قَدْ مَاتَ سَقْبُهَا بالأمس2.
يرويه الواقدي حدثني عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهَا.
السنة الحمراء: هي القحطة المجدبة, يُقَالُ: سنة حمراء وشهباء وبرشاء بمعنى واحد.
وَقَوْلُهُ: برت المال: أي هزلت الإبل وأخذت من لحمها قال اشاعر:
كر الليالي قد برين نحضي ... طوين طولي وطوين عرضي3
وأصل البري القطع والمال في كلامهم إنما يراد بها الإبل لأنها معظم مال العرب والشارف: المسنة من الإبل. والدلقاء: التي قد ذهبت أسنانها من الكبر
__________
1 س: "ومعهما".
2 أخرجه أبو نعيم في الدلائل رواية الواقدي بلفظ ص "48" بدون قوله: "قد برت المال" وأخرجه غير واحد من أصحاب السير والتاريخ حديث رضاعة حليمة السعدية برواية ابن إسحاق كما في تاريخ الطبري "2/158" ودلائل النبوة للبيهقي "1/74" وصفة الصفوة "1/57"والخصائص الكبرى بلفظ "سنة شهاء" بدل "حمراء".
3 ملحقات ديوان العجاج "80" وانظر البيان والتبيين "4/60".

(2/507)


قَالَ الأصمعي: وهي الدلوق التي قد انكسر أسنانها فتمج الماء.
قَالَ: والدِّلْقِمُ التي ينكَسِر فُوها ويَسِيل مرغها وهو اللعاب.
واللقوح: التي وضعت حديثا يُقَالُ: ناقة لقوح ونوق لقح.
فأما اللقاح فواحدتها لقحة وهي الحلوب.

(2/508)


حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلاةً خَفِيفَةً ذفيفة كأنها صلاة مسافر
...
/ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله [186]
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلاةً خَفِيفَةً ذَفِيفَةً كَأَنَّهَا صَلاةُ مُسَافِرٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أبوداود أخبرنا أحمد بن صالح أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سعيد بن عبد الرحمن بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ.
الذفيفة بمعنى الخفيفة ومنه قولهم رجل مذفف الخلق إذا كان ضرب اللحم خفيفا ومنه اشتق ذفافة.
ومن هذا أخذ قولهم: دففت على الجريح بمعنى أجهزت عليه وأوحيت2 قتله.
ويقال: رجل ذفيف خفيف وخفاف ذفاف قَالَ الأعشى:
يطوف بها ساق علينا منطف ... خفيف ذفيف لا يزال مقدما3
المنطف: المقرط والنطفة الشنف.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب "4/276" بلفظ"فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلاةً خَفِيفَةً دقيقة ولعل "دقيقة" تحريف من "ذفيفة" وقد ذكره الخطابي في معالم السنن "7/226" بلفظ "خفيفة ذفيفة" وقال: الذفيفة الخفيفية يقال: رجل خفيف ذفيف وخفاف ذفاف بمعنى واحد, والحديث في النهاية "ذفف" "2/162".
2 د: "وأوجبت".
3 الديوان "186" ريواية "متوم" بدل "منطف" ومفدما" بدل مقدما" والمقوم: الواضع في أذنه تومتين أي لؤلؤتين, المفدم الذي شد على فمه الفدام, وهو شيء تشده العجم والمجوس على أفواهها عند السقي.

(2/509)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَطَطٍ وَالأَرْضُ فَضْفَاضٌ صَلَّى بِنَا عَلَى حِمَارِهِ صَلاةَ الْعَصْرِ يومىء بِرَأْسِهِ إِيمَاءً وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ.
قوله: الأرض فضفاض يريد كثرة المطر وأن الماء قد علاها فطَبَّقَهَا.
يُقَالُ: رأيت الحوض ملآن يتفضفض وثوب فضفاض أي واسع وبدن فضفاض أي كثير اللحم رخصه قَالَ رؤبة:
أزمان ذات الكفل الرضراض ... رقراقة في بدنها الفضفاض2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "2/573" بلفظ "أطيط" بدل "أطط" وابن أبي شيبة في مصنفه "2/90" بلفظ "ضخضاخ" بدل "فضفاض" وفيه أطط مثل ما جاء عند الخطابي.
2 الديوان "81".

(2/510)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ بَلَغَهُ1 عَنْ عَرِيفِ الأَنْصَارِ أَمْرٌ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهَمَّ بِهِ قَالَ: أَنَسٌ فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ2 اللَّهَ فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَنَزَلَ عَنْ فِرَاشِهِ وَقَعَدَ عَلَى بِسَاطِهِ وَتَمَعَّنَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمْرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَأَطْلَقَهُ3.
حَدَّثَنِيهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ العنبري أخبرنا ابن أبي قماش أخبرنا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عن أنس.
__________
1 د: "من عريف".
2 ح: "أنشك الله" من أنشد.
3الفائق "معن" "3/375" والنهاية "معن" "4/343".

(2/510)


قوله: تمعن أي اعترف له وأظهره1. يُقَالُ أمعَنِ الرجل بحقي إذا اعترف به وأظهره.
قَالَ أَبُو العباس ثعلب: هو مأخوذ من الماء المعين وهو الجاري الظاهر.
وَقَالَ غيره: معناه أَنَّهُ تصاغر له وتقلل خضوعا لأمره وانقيادا له.
قَالَ: وأراه مأخوذا من المعن وهو الشيء القليل.
ويقال: ما لفلان في هذا الأمر سعن ولا معن2 أي كثير ولا قليل وأنشد للنمر بن تولب:
فإن هلاك مالك غير معن3
أي غير قليل ولا هين.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأَصْمَعيُّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ إذا لم يكن الرجل له سداد في الأمر قيل له ما أنت في هذا الأمر بسعن ولا معن.
وَقَالَ إبراهيم بن السري: إنما سميت الزكاة ماعونا لأنه قليل يؤخذ من كثير مشتق من المعن قَالَ: / ووزنه فاعول من المعن. [187]
قَالَ أَبُو عبيدة: الماعون في الجاهلية كل منفعة وعطية وفي الإسلام الطاعة والزكاة وأنشد للراعي:
قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ما عونهم ويضيعوا التهليلا4
__________
1 د: "اعترف به وأظهر قبوله".
2 مثل أورده أبو عبيد "388" والميداني "2/270" الزمخشري "2/331" واللسان "سعن, معن" مع اختلاف في اللفظ.
3 في اللسان والتاج "معن" وصدره "ولا ضيعته فألام فيه".
وروي العجز "فإن ضياع مالك غير معن" وجاء بهذه الرواية في شعر النمر "118".
4 في خزانة البغدادي "1/502" والديوان "56" بهذه الرواية وفي اللسان والتاج "معن" برواية:
قوم على التنزيل لما يمنعوا ... ما عونهم ويبدلوا التنزيلا
وروي في مجاز القرآن "2/313" "ويضيعوا التنزيلا".

(2/511)


قَالَ: وَقَالَ لي رجل: لقد صنعت بناقتك صنيعا تعطيك الماعون أي تنقاد لك1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ورواه بعضهم وتمعك عليه وهذا أصح وأبين.
__________
1 د, ط: "وهذا أوضح وأبين" وتمعك عليه: أي تقلب عليه وتمرغ.

(2/512)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّعْقِيبِ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْبُيُوتِ1
مِنْ حَدِيثِ ابن المبارك أخبرنا هَارُونُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ.
التعقيب أن يصلي عقب التراويح وكل من أتي بفعل في إثر آخر فقد عقب به كره أن يصلوا في المسجد وأحب أن يكون ذلك في البيوت
__________
1 الفائق "عقب" "3/13" والنهاية "عقب" "3/267".

(2/512)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} قَالَ: الشِّرْيَانُ1.
هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عن عبد حُمَيْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَرَاهُ غَلَطًا وَإِنَّمَا هُوَ الشَّرِيُّ وَهُوَ الْحَنْظَلُ قَالَ الشاعر:
وله طعمان أري وشري ... وكلا الطعمين قد ذاق كل
__________
1 كذا في د, س وفي ط: الشريان "بضم الشين".
وأخرجه الطبري في تفسيره "13/211" وذكره السيوطي في الدر المنثور "4/72" والآية في سورة ابراهيم: "26".

(2/512)


قَالَ الأصمعي: الحنظل هو الشري واحدته شرية فإذا خرج فصغاره الجراء واحدها جرو ويقال لشجرته قد أجرت فإذا اشتد الحنظل فصلب فهو الحدج واحدته حدجة فإذا صار للحنظل خطوط فهو الخطبان فإذا اصفر فهو الصراء ممدود واحدتها صراية فأما الشريان فهو شجر تعمل منه القسي قَالَ ذو الرمة:
وفي الشمال من الشريان مطعمة ... كبداء في عودها عطف وتقويم1
يريد قوسا مرزوقة من الصيد.
ويقال: إن الشريان والنبع والشوحط شجر واحد إلا أن النبع ما نبت في قلل الجبال وهو أصلب ما يكون والشوحط قالوا: سمي بذلك لأنه شحط من رأس الجبل إلى أسفله يعني بعد والشريان ينبت في بطون الأودية ومجاري الماء وإنما تتخذ القسي من هذه الأشجار.
__________
1 اللسان والتاج "شرى, شحط, طعم" وفي الديوان "587" برواية "في عجسها" بدل "في عودها".

(2/513)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ بَالَ فَمَسَحَ ذَكَرَهُ بِلِطًى ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى صَلاةَ فريضة1.
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدقيقي2 أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَعَلَ ذَلِكَ
قوله: بلطى أراه جمع ليطة وهي القطعة تقشرها من وجه الأرض
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/189" عن الثوري عن عاصم بدون قوله "فمسح ذكره بلطى" وابن شيبة في مصنفه "1/183" مختصرا عن يزيد بن هارون وانظر كنز العمال "9/618" والحديث في الفائق "لطى" "3/316" والنهاية "4/252".
2 د، ح: "مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ".

(2/513)


وأصل الليط القشر اللازق بالقناة والقصب ونحوهما وكان القياس أن يقول بليط إلا أَنَّهُ قدم الطاء على مذهبهم في تأخير حرف العلة كقولهم في جمع القوس قسي وفي جمع الدلو دلي وكقول العجاج.
وبلد نياطه نطي1
وإنما هو نيط.
ومن هذا الباب قولهم: طامن ثم قالوا: اطمأن فأخروا الهمزة وقدموا الميم ومثلُ هذا في كلامهم2 كثير.
__________
1 الديوان "317" برواية "وبلدة نياطها نطي".
2 د: "ومثل هذا في كلام العرب كثير".

(2/514)


حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "شَهِدْتُ الْيَمَامَةَ فَكَفُّونَا أَوَّلَ النَّهَارِ فَرَجَعْتُ مِنَ الْعَشِيِّ فَوَجَدْتُهُمْ في حائط ... ".
...
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
/ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْيَمَامَةَ فَكَفُّونَا أَوَّلَ النَّهَارِ فَرَجَعْتُ [188] مِنَ الْعَشِيِّ فَوَجَدْتُهُمْ فِي حَائِطٍ فَكَأَنَّ نَفْسِي جَاشَتْ فَقُلْتُ: لا وَأَلْتُ أَفِرَارًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَجُبْنًا آخِرَهُ فَانْقَحَمْتُ عَلَيْهِمْ1.
يَرْوِيهِ الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ2 الْهَمَدَانِيُّ أخبرنا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَخِيهِ.
قوله: جاشت أي ارتاعت قَالَ عمرو بن الإطنابة:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي3
وكان الأصمعي يفرق بين جاشت النفس وجأشت فيقول جاشت النفس تجيش جيشا إذا دارت للغثيان وجشأت إذا ارتفعت من حزن أو فزع.
وَقَوْلُهُ: لا وألت أي لا نجوت والموئل المنجي والملجأ وَمِنْ هذا
__________
1 الفائق "جيش" "1/250" وفيه "شهدت المدينة" والنهاية "جيش" "1/324".
2 د: "الحسن ين نصير الهمداني" تحريف والمثبت من باقي النسخ وفي التقريب "1/163" الحسن بن بشر بن سلم الهمداني أو البجلي أبو علي الكوفي صدوق يخطيء مات سنة "221" هـ وفي التهذيب "2/255" حدث عن الحكم بن عبد الملك بأحاديث وفي جميع النسخ "عن الحكم عن عبد الملك".
3 اللسان "جشأ" برواية "وقولي كلما جشأت لنفسي" ولم يعز وفي التاج "جشأ" برواية الخطابي.

(2/515)


قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} 1 قَالَ الشاعر وهو ابن الإطنابة:
والقاتلين لدى الوغى أقرانهم ... إن المنية من وراء الوائل
يريد الهارب الملتجىء إلى حصن أو وزر لينجيه.
__________
1 سورة الكهف: "58".

(2/516)


حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكر
حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى مَرَوَانَ لِيُبَايِعَ النَّاسُ لِيَزِيدَ بْنِ معاوية ...
...
حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى مَرَوَانَ لِيُبَايِعَ النَّاسُ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَجِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّةٌ وَقُوقِيَّةٌ تُبَايِعُونَ لأَبْنَائِكُمْ فَقَالَ مَرَوَانُ: أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} 1 إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ وَلَوْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيهِ لَسَمَّيْتُهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ لَعَنَ أَبَاكَ وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ فَأَنْتَ فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ2.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شَابُورَ3 أخبرنا علي بن عبد العزيز أخبرنا حجاج أخبرنا حماد أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ.
قوله: قوقية يريد البيعة للأولاد سنة ملوك العجم وقوق اسم ملك من ملوك الروم وإليه تنسب الدنانير القوقية كما نسبت الهرقلية إلى هرقل قَالَ كثير:
تروق العيون الناظرات كأنه ... هرقلي وزن أحمر التبر راجح4
__________
1 سورة الاحقاف: "17".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "4/481" باختلاف يسير في الألفاظ وانظر كذلك الدر المنثور "6/41" والكامل لابن الأثير "3/250.
3 د, ح: "ابن شابورة".
4 الديوان "183".

(2/517)


وكانت الدنانير في صدر الإسلام تحمل من بلاد الروم. وكان أول من ضربها للمسلمين عَبْد الملك بن مروان.
وقال عبد الله بن همام السلولي يذكر قصة بيعة يزيد وشبهها ببيعة آل كسري:
إذا ما مات كسرى قام كسرى ... نعد ثلاثة متواترينا
فلو جاؤوا برملة أو بهند ... لبايعنا أميرة مؤمنينا
وقولها: فضض من لعنة اللَّه: أي قطعة وطائفة منها مأخوذ من الفض وهو كسر الشيء وتفريق أجزائه يُقَالُ: فضضت الشيء فهو فضض كما يُقَالُ: قبضته فهو قبض وهدمته فهو هدم ولهذا سمي فل الجيش إذا انهزموا أو انفضوا فضضا.
يُقَالُ: رأيت فل الجيش وفضضهم أي من انفل منهم وانفض من جمعهم.
ورواه أبو عبد الله نفطويه فَقَالَ فظاظة من لعنة اللَّه.
قَالَ: والفظ والفظيظ ماء الكرش قَالَ ورواه آخر فَقَالَ أنت فضض قَالَ وفضض جمع فضيض وهو الماء السائل.
[189] قَالَ / أَبُو سُلَيْمَانَ: ولا وجه لشيء مما جاء به أبو عبد الله في هذا الحديث وإنما هو على ما رويته لك وفسرته قبل والله أعلم.

(2/518)


حَدِيثُ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
حَدِيثُ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَطَاءَ قَالَ: رَأَيْتُهُ شَيْخًا كبيرا يقبل غرب زمرم
...
حَدِيثُ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَطَاءَ قَالَ: رَأَيْتُهُ شَيْخًا كَبِيرًا يقبل غرب زمزم1.
أخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءَ.
قوله: يقبل غرب زمزم يريد أَنَّهُ كان يتلقاها إذا نزعت.
يُقَالُ: قبل الرجل الدلو يقبلها قبالة قَالَ زهير:
وقابل يتغنى كلما قدرت ... على العراقي يداه قائما دفقا2
ومنه قبالة القابلة الولد. فإما الكفالة فإنما يُقَالُ منها قبل به يقبل بضم الباء قبالة قَالَ عُمَر بن ربيعة:
قلت كفي لك رهن بالرضا ... فاقبلي يا هند قالت قد وجب3
والغرب الدلو الكبيرة.
قَالَ أَبُو حاتم: الدلو تؤنث والغرب والسجل يذكران والذنوب يذكر ويؤنث.
__________
1 أخرحه ابن معين في تاريخه "2/411" بلفط "يفتل" بدل "يقبل" تصحيف.
وأخرجه ابن سعيد في طبقاته "4/44" بلفظ."شيخا كبيرا بعل العرب قال: وكان عليها غروب ودلاء" والحديث في النهاية "قبل" "4/9".
2 شرح ديوان زهير "40".
3 الديوان "31" برواية "قلت إن كفى لك رهن بالرضا".

(2/519)


وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ يُقَالُ للدلو الكبيرة الغرب فإذا زادت قليلا فهي سحبل فإذا زادت قليلا فهي السجيلة قَالَ وأنشدنا:
خذها وأعط عمك السجيله ... إن لم يكن عمك ذا حليله1
فأما الذنوب فيقال: أَنَّهُ الدلو ويقال: بل هو ملء دلو ماء ولذلك سمي النصيب ذنوبا قال اللَّه تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} .2
قَالَ علقمة بن عبدة:
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب3
__________
1 اللسان والتاج "سجل" ولم يعز.
2 سورة الذريات: "59".
3 شرح الحماسة للمرزوقي "2/306" والمفضليات "396".

(2/520)


حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رحمه الله
حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِصَعْصَةَ بْنِ صُوحَانَ: "أَنْتَ رَجُلٌ تَكَلَّمَ بِلِسَانِكَ فَمَا مَرَّ عَلَيْكَ جَدَّلْتُهُ ... ".
...
حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لصعصعة بْنِ صُوحَانَ أَنْتَ رَجُلٌ تَكَلَّمَ بِلِسَانِكَ فَمَا مَرَّ عَلَيْكَ جَدَّلْتُهُ وَلَمْ تَنْظُرْ فِي أَرْزِ الْكَلامِ ولا استقامته فقال له: صعصعصة وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْرُكَ الْكَلامَ حَتَّى يَخْتَمِرَ فِي صَدْرِي فَمَا أُرْهِفُ به ولا أُلْهِبُ فِيهِ حَتَّى أُقَوِّمَ أَوْدَهُ وَأَنْظُرَ فِي اعْوِجَاجِهِ فَآخُذُ صَفْوَهُ وَأَدَعُ كَدْرَهُ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ الطيب المروزي أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ حدثني الهيثم بن مروان أخبرنا محمد بن عائذ أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَهْلٍ الْخُزَاعِيُّ.
قوله: جدلته أي رميت به يقال طعنه فجدله أي رمى به إلى الجدالة وهي الأرض ومثله طعنه فقطره إذا رمى به على أحد قطريه وأرز الكلام حصره وجمعه. وأصل الأرز الاجتماع والانقباض. ومنه الحديث: "إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" 2.
وَقَوْلُهُ: فما أرهف به يريد إني لا أركب البديهة ولا أقطع القول بها قبل أن أتأمله وأروي فيه ومنه إرهاف السنان وسيف مرهف ورهيف أي ماض.
__________
1 الفائق "جدل" "1/197" والنهاية "جدل" "1/248".
2 أخرجه البخاري في فضائل المدينة "3/27" ومسلم في الإيمان "1/131" وابن ماجة في المناسك "2/1038" وغيرهم.

(2/521)


وَقَوْلُهُ: لا ألهب فيه أي لا أمضيه بسرعة والأصل فيه الجري الشديد الَّذِي يثير اللهب وهو الغبار الساطع كالدخان المرتفع على النار قَالَ النابغة يصف فرسا:
يقطعهن بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب1
__________
1 في التهذيب "1/193" واللسان والتاج "قطع" وعزي للنابغة الجعدي يصف فرسا وهو في شعر النابغة الجعدي "17".

(2/522)


[190] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَنَّ وَطَالَ عُمْرَهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ أَنْتَ وَكَيْفَ حَالُكَ فَقَالَ مَا تَسْأَلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّنْ ذَبَلَتْ بَشْرَتُهُ وَقُطِعَتْ ثَمْرَتُهُ فَكَثُرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ أَنْ يَقِلَّ وَصَعُبَ مِنْهُ مَا يَحبُ أَنْ يُذَلَّ وَسُحِلَتْ مَرِيرَتُهُ بِالنَّقْضِ وَأَجِمَّ النِّسَاءَ وَكُنَّ الشِّفَاءَ وَقَلَّ انْحِيَاشُهُ وَكَثُرَ ارْتِعَاشُهُ فَنَوْمُهُ سُبَاتٌ وَلَيْلُهُ هُبَاتٌ وَسَمْعُهُ خُفَاتٌ وَفَهْمُهُ تَارَاتٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَابْنُ الزَّيْبَقِيِّ وَدَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الآخر.
قال ابن الأعرابي: أخبرنا ابن أبي الدنيا حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى أخبرنا محمد بن عبد الله الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ الزِّيبَقِيِّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ.
قوله: ذبلت بشرته أي قل ماؤها وذهبت نضارتها.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "3/16" إلى هذا الحديث وقال: ذكره قصته الزبير بن بكار في الموافقات وقال: وكذا أورده الخطابي في غريب الحديث من وجه آخر, عن هشام بن الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قريش وانظر الفائق "ثمر" "1/174" والنهاية وفي "سجل" "2/348".

(2/522)


والبشرة: ما يباشره البصر من ظاهر بدن الإنسان والأدمة: باطن البدن1 وفي ذبول البشرة وجه آخر وهو أن يكون كناية عَنِ الفرج يريد أَنَّهُ قد ضعف واسترخي.
قَالَ سفيان بن عيينة في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} 2 سورة فصلت: "22" أراد بالجلود الفروج.
وَقَوْلُهُ: قطعت ثمرته يريد ذهاب الزرع وانقطاع النسل وهو ثمرة الإنسان وهو يؤيد التأويل الآخر في ذبول البشرة.
وَقَوْلُهُ: كثر منه ما يحب أن يقل يريد آفات الكبر كالسهو والغلط ونحوهما وكالبوال والذنين3 وما أشبههما من العلل.
وأما صعوبة ما يحب أن يذل فإنه يريد بذلك ما يعرض للمشايخ من جسو المفاصل فيقل معه اللين واللدونة التي بها يكون مطاوعة القبض والبسط من الأعضاء.
وَقَوْلُهُ: سحلت مريرته بالنقض فإن المريرة الحبل المفتول والسحل أن يفتل الغزل طاقة واحدة يُقَالُ: خيط سحيل فإذا فتل طاقتين فهو مبرم قَالَ زهير:
يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم4
__________
1 د: "جلد باطن البدن".
2 سورة فصلت: 22.
3 القاموس "بول" البوال كغراب: داء يكثر منه البول وفي مادة "ذنن" الدنين كأمير وغراب: رقيق المخاط أو ما سال من الأنف رقيقا أو عام فيهما.
4 شرح الديوان "14".

(2/523)


وَقَالَ ابن هرمة:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تكن ... له صاحبا حتى ترى الأمر مبرما1
وإنما جعل الحبل وانتقاضُهُ مَثَلًا لانحلال بدنه وانتقاض قواه.
وَقَوْلُهُ: أجم النساء أي ملهن وعافهن كما يعاف الطعام.
ويقال: أجمت اللحم إذا أكثرت منه حتى تعافه.
وَقَوْلُهُ: قل انحياشه أي حركته وتصرفه في الأمور إلا أن الحركة الضرورية بالارتعاش قد كثرت منه وغلبت عليه.
والسبات: نوم المريض والشيخ المسن وهو الغشية الخفيفة.
يُقَالُ: سبت الرجل فهو مسبوت ويقال: أَنَّهُ مأخوذ من السبت وهو القطع وذلك لأنه سريع الانقطاع.
ويقال: إنما سمي آخر أيام الجمعة سبتًا لانقطاع الأيام عنده وذلك أن أولها يوم الأحد والسبت أيضا السير السريع قَالَ الشاعر:
ومطوية الأقراب أما نهارها ... فسبت وأما ليلها فذميل2
[191] / والخفات ضعف الحس يريد أَنَّهُ لا يدرك الصوت إلا كهيئة السرار والخفوت خفض الصوت ومنه المخافتة في الكلام قَالَ الله تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} 3. وإنما قيل للميت خافت لانقطاع
__________
1 شعر إبراهيم بن هرمة "193" برواية:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
2 اللسان والتاج "سبت" وعزي لحميد ين ثور وهو في الديوان "116" برواية الخطابي وفي الجمهرة "1/195" برواية "بمقورة الألياط أما نهارها".
3 سورة الاسراء: "110".

(2/524)


صوته. والخفات من خفت بمنزلة الصمات من صمت والسكات من سكت.
وَقَوْلُهُ: وليله هبات فإن الهبات من الهبت وهو اللين والاسترخاء ويقال: في فلان هبتة أي ضعف عقل وقد هبت السحاب بالمطر إذا أرخت عزاليها1 قَالَ الشاعر:
سقيا مجلجلة ينهل وابلها ... من باكر مستهل الودق مهبوت2
كأنه يريد أن نومه بالليل إنما هو بقدر أن تسترخي أعضاؤه من غير أن يستغرق نوما ولو قيل وليله هبات من هب النائم من نومه كان جيدا إلا أن الرواية متبعة. [ويروى مهتوت بتاءين أي مصبوب] 3.
وشبيه بهذا حديث أبي العريان4 أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا عبد الكريم بن الهيثم أخبرنا إبراهيم بن بشار أخبرنا سفيان بن عيينه عن عبد الملك بن عمير قَالَ دخلوا على أبي العريان يعودونه فقالوا: كيف تجدك قَالَ أجدني يبيض مني ما كنت أحب أن يسود واسود مني ما كنت أحب أن يبيض ولان مني ما كنت أحب أن يشتد واشتد مني ما كنت أحب أن يلين. ألا أخبرك بآيات الكبر:
تقارب الخطو وسوء في البصر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر
__________
1 القاموس "عزل" العزالي جمع عزلاء وهي مصب الناء من الراوية ونحوها.
2 اللسان التاج "هتت" برواية:
سقيا مجلله ينهل ريقها ... من باكر مرثعن الودق مهتوت
وعزي لذي الرمة وهو في ملحق ديوانه "663".
3 من د.
4 في شرح الحماسة للمرزوقي "2/942" "حكى عة العريان بن الهيثم لما سأله عبد الملك عن حالة" وكذا في عيون الأخبار "2/321" وفي البيان والتبيين "1/399" و"2/69" أنه الهيثم بن الأسود بن العريان.

(2/525)


وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وكثرة النسيان فيما يدكر
وتركك الحسناء في قبل الطهر ... والناس يبلون كما يبلى الشجر
ألا أخبركم بجيد العنب؟ هو ما روى عموده واخضر عوده وتفرق عنقوده.
ألا أخبركم بجيد الرطب؟ هو ما كثر لحاؤه ورق سحاؤه وصغر نواه1.
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "201" أ.

(2/526)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ إِلَى قُبْرُسَ حَمِلَ مَعَهُ ابْنَةَ قَرَظَةَ فَلَمَّا دُفِعَتِ الْمَرَاكِبُ مَعَجَ الْبَحْرُ مَعْجَةً تَفَرَّقَ لَهَا السُّفُنُ1.
يرويه الواقدي: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ أنس عن عبد الرحمن بن عبد الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله: معج أي ماج واضطرب ومنه معجان المهر وهو أن يتقلب في جريه يمنه ويسرة قَالَ الشاعر:
يصل الشد بشد فإذا ... ونت الخيل من الشد معج
وأخبرني ابن الزيبقي أخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا أبو حاتم أخبرنا الأصمعي أخبرنا جعفر بن سليمان الدارسي عَنْ نصر بن مدرك قَالَ: قالت امرأة: لا يعجبني الشاب يمعج معجان البكرة ويعدو طلق المهر في الميدان ولكن شيخ يضع قب استه بالأرض ثم إنما هو سحبا وجرا.
__________
1لم أجد روايته في مغازيه وقد ذكره ابن الأعثم في الفتوح "2/118" هذه القصة بألفاظ متقاربة.
2 د: "إسماعيل بن عبيد الله".

(2/526)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ جَعَلَ بَنَاتُهُ يُقَلِّبْنَهُ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّكُنَّ لَتُقَلِّبْنَ حُوَّلِيًّا قُلَّبِيًّا إِنْ نَجَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ غَدًا1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الحسين أخبرنا محمود بن الصباح المازني أخبرنا عبد الله بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ قَحْذَمٍ.
وفي رواية: أخرى إنكن لتقلبن حولا قلبا إن وقي كبة النار2.
يُقَالُ: / رجل حول قلب وحولي قلبي فالقلب الَّذِي يقلب الأمور ظهرا لبطن والحول: ذو [192] التصرف والاحتيال قَالَ الشاعر:
الحول القلب الأريب وهل ... تدفع صرف المنية الحيل
وانقلاب الواو عَنِ الياء في كلامهم مشهور كقوله: الغاية القصوى وأصله الياء ويقال: فلان أحول من فلان من الحيلة قَالَ الشاعر:
وتزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا
ومما قيل بالياء والأصل فيه الواو قولهم العليا والدنيا من العلو والدنو ومثل هذا كثير.
وحكى أَبُو عُمَر عن أبي العبَّاس عن ابن الأعرابي أن رجلين تقدما إلى معاوية فادعى أحدهما على صاحبه مالا وكان المدعى قبله حولا قلبا مخلطا مزيلا فأنشأ معاوية يقول:
أَنَّى أُتِيحَ لَهُ حَرْبَاءُ تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا3
__________
1 الفائق "حول" "1/337" والنهاية "1/467".
2 أخرجه الطبري في تاريخه "5/326" بلفظ "تقلبان حولا قلبا, جمع المال من شب إلى دب إن لم يدخل النار".
3 اللسان التاج "نضب" دون عزو والتنضب: شجر له شوك قصار تقطع منه العصى الجياد واحدته تنضبة.

(2/527)


ثم دعا بمال فأعطى المدعي وفرق بينهما.
قَالَ أَبُو عُمَر: فالمزيل الجدل في الخصومات الَّذِي يزول من حجة إلى حجة والمخلط الَّذِي يخلط شيئا بشيء فيلبسه على السامعين وكبة النار معظمها.

(2/528)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْخَطِلِ1 كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ بِمَهِيعَةَ بِطُنُبِهِ تَيْسٌ مَرْبُوطٌ وَبِغِنَائِهِ أَعْنُزٌ دَرُّهُنَّ غُبْرٌ يَحْلُبْنَ فِي مِثْلِ قُوَّارَةِ حَافِرِ الْعِيرِ تَهْفُو مِنْهُ الرِّيحُ بِجَانِبٍ كَأَنَّهُ جَنَاحُ نِسْرٍ2.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ بحر الرهني3 أخبرنا ابن دريد أخبرنا أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْعُتَبِيِّ.
قَوْلُهُ: درهن غبر أي ألبانها قليلة وغبر اللبن بقيته وهو ما غبر عنه وجمعه أغبار قَالَ الحارِثُ بْن حِلّزة:
لا تكْسَع السول بأَغْبارها ... إنّك لا تَدْري من الناتج4
ويقال: تغبرت الناقة إذا احتلبت غبرها وَقَوْلُهُ: تحلبن في مثل قوارة
__________
1 د: "لسلمة بن أبي الخطل".
2 الفائق "هيع" "4/338" و"قور" "4/120" وجاؤ في الفائق: مهيعة: هي الجحفة ميقات أهل الشام مفعلة من التهيع وهو الانبساط وفيه: طريق مهيع: واسع.
3 س, ط: "محمد بن يحيى" والمثبت من ح, د, وفي الوافي بالوفيات "2/243 – 244" محمد بن بحر أبو الحسن الرهني بالراء والنون نسبة إلى رهنة: قرية من قرى كرمان وهو شيباني معروف بالفضل والفقه.
4 اللسان التاج "غبر" والديوان "20" وسبق في الجزء الأول لوحة "242".

(2/528)


حافر العير يريد ما تقور من باطن حافره يصفه باللؤم إذ كان المحلب الَّذِي يحلب فيه ضيقا كذلك والعرب تمدح بعظم الجفان وسعة الآنية فيقال فلان عظيم الجفنة إذا كان مطعما كما يُقَالُ عظيم الرماد إذا كان يكثر الوقود للأضياف حتى يكثر الرماد بفنائه وكان لعبد الله بن جدعان جفنة يأكل منها الراكب وَقَالَ الشاعر يرثي رجلا:
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره1
وَقَوْلُهُ: تهفو منه الريح بجانب كأنه جناح نسر قَالَ الرهني أراد جانب البيت وأنه في الصغر على قدر جناح النسر يريد بذلك تصغير أمره وتحقيره.
__________
1 اللسان التاج "أزا" برواية "يا جفنة كإزاء الحوض قد كفؤوا" من غير عزو.

(2/529)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ مَنَعَتْنِي الْقُدْرَةُ مِنْ ذَوِي الْحِنَاتِ.
أخبرناه الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى المنقري أخبرنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: رَأَى مُعَاوِيَةُ يَزِيدَ يَضْرِبُ غُلامًا لَهُ فَقَالَ: يَا يَزِيدُ سَوْءَةً لَكَ تَضْرِبُ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ / يَمْتَنِعَ وَاللَّهِ لَقَدْ مَنَعَتْنِي الْقُدْرَةُ مِنْ ذَوِي الْحِنَاتِ1. [193]
الحنات جمع حنة وهي لغة رديئة واللغة العالية إحنة.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: في صدره عليك إحنه مكسورة الألف أي حقد ولا تقل حنة قال الشاعر:
__________
1 النهاية "1/453".

(2/529)


إذا كان في نفس ابن عمك إحنة ... فلا تستثرها سوف يبدو دفينها1
ويجمع على الإحن قَالَ الشاعر:
وبين قومي ورجالها إحن ... إذا التقوا تجاملوا على الضغن
تجامل النبت على وعس الدمن2
ويقال فلان مواجن لي قَالَ كثير:
وما زلت في ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنة وأواجن3
__________
1 اللسان التاج "أحن" وعزي للأقيل بن القيني وجاء قبله:
متى ما يسؤ ظن امرىء بصديقه ... يصدق بلاغات يجئه يقينها
2 س: "على ضغن" والمثبت من د.
3 الديوان برواية:
وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن

(2/530)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِدَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ: بِمَ ضَبَطْتَ مَا أَرَى؟ قَالَ: بِمُفَاوَضَةِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَمَا مُفَاوَضَةُ الْعُلَمَاءِ؟ قَالَ: كُنْتُ إِذَا لَقِيتُ عَالِمًا أَخَذْتُ مَا عِنْدَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مَا عِنْدِي1.
حَدَّثَنِيهُ ابْنُ الزيبقي أخبرنا أبي عن أبيه أخبرنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ عَنْ قَتَادَةَ.
أَخْبَرَنِي بعض أصحابنا عَنْ أَبِي عُمَر قَالَ: أصل المفاوضة: المساواة قال:
__________
1ذكر الحافظ في الإٍصابة "1/475" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قال: "بعث معاوية إلى دغفل.... يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: حفظته بلسان سؤول وقلب عقول وإنما غائلة العلم النسيان" وبنحوه في تهذيب تاريخ ابن عساكر "5/246" وكذلك في جامع بيان العلم وفضله "1/89".

(2/530)


ومنها شركة المفاوضة وذلك لأن كل واحد من الشريكين يساوي صاحبه فيما يستفيده ولا ينفرد بشيء منه دون صاحبه قَالَ ومنه قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا1
أي لا تصلح أمورهم وهم أكفاء متساوون في الدرجة ليس لهم رئيس يقودهم فيصدروا عن أمره وينتهوا إلى رأيه.
[وَقَالَ اللحياني: يُقَالُ: أمرهم فوضى بينهم وفضى بينهم: أي سواء بينهم وأنشد:
طعامهم فوضى فضي في رحالهم ... ولا يحسبون السر إلا تناديا
ويروى الشر] 2.
__________
1 اللسان التاج "فوض" برواية "لا يصلح القوم" وعزي للأفوه الأودي.
2 من د والبيت في اللسان والتاج "فوض" برواية:
طعامهم فوضى فضا في رحالهم ... ولا يحسبون السوء إلا تناديا

(2/531)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَطَاءَ قَالَ: رَأَيْتُهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ كَانَتْ إِيَّاهَا1.
حَدَّثَنِيهُ عَبْدُ العزيز بن محمد [المسكي] 2 أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا سُوَيْدٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءَ.
قوله: كانت إياها يريد أَنَّهُ كان ذا رفع رأسه من السجدة نهض حتى ينتصب قائما للركعة من غير أن يقعد قعدة بينهما.
__________
1 الفائق "إيا" "1/68" والنهاية "1/88".
2 ساقط من د.

(2/531)


وَقَدْ رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا قَعْدَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَسْتَوِي قائما1.
__________
1 أخرجه الترمذي حديث أبي حميد في الصلاة "2/105 – 107" وابن ماجة في إقامة الصلاة "1/337" والدارمي في الصلاة "1/313" والإمام أحمد في مسنده "5/424" كلهم بطوله إلا أنهم لم يذكروا "يقعد بينهما قعد خفيفة".

(2/532)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ خَرَجَ بِالْمَدِينَةِ وَبِيَدِهِ فَلِيلَةٌ وَطَرِيدَةٌ, ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ1.
قَالَ: والفليلة: الكبة من الشعر والطريدة: الخرقة الطويلة من الحرير.
قَالَ ساعدة بن جؤية يذكر ميتا:
وغودر ثاويا وتأوبته ... مذرعة أميم لها فليل2
__________
1 الفائق "فلل" "3/142" والنهاية "فلل" "3/473".
2 شرح أشعار الهذليين "3/1146".

(2/532)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ أَبَا مَرْيَمَ الأَزْدِيَّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أنعمنا بك يافلان؟ قَالَ: وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ فَقُلْتُ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي أخبرنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ الْقَاسِمَ بن مخيمرة أخبرهأن أَبَا مَرْيَمَ الأَزْدِيَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ
قوله: ما أنعمنا بك. كلمة يقولها الرجل لصاحبه إذا جاءه وألم به،
__________
1 أخرجه أبو داود في الإمارة والفيء "3/135" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/125

(2/532)


ولا يُقَالُ ذلك إلا لمن يعتد بلقائه ويسر برؤيته كأنه يقول: ما جاءنا بك وما الَّذِي دعاك إلى أن أتيتنا فأنعمتنا: أي سررتنا بلقائك والنعمة: المسرة مضمومة النون يُقَالُ نعم ونعمة عين قَالَ الشاعر:
تراب لأهلي لا ولا نعمة لهم ... لشد إذا ما قد تعبدني أهلي
ومن هذا قولهم: نعم اللَّه بك عينا وأنعم اللَّه بك عينا: أي أقر بك عين من تحبه وكان بعض السلف يكره أن يُقَالُ: نعم اللَّه بك عينا.
[وَقَالَ: إن اللَّه لا ينعم بشيء قَالَ وإنما يُقَالُ أنعم اللَّه بك عينا] 1.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معناه ما الَّذِي أعملك نحونا وجشمك المصير إلينا من قولهم تنعم الرجل إذا مشى حافيا.
قَالَ بعض أهل اللغة: معناه أن يمشي على نعامة رجله.
قَالَ غيره: إنما قلبت هذه الكلمة على طريق التفاؤل وذلك أن الرجلة بؤس وعناء فصرفوها من طريق الفأل إلى النعمة والرخاء فقالوا: تنعم الرجل إذا مشى حافيا ويقال في مثل هذا ما عزنا بك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَاهُ ابن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ عَادَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَدَخَلَ عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا عَزَّنَا بِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَقَالَ: سَمِعْتُ بِوَجَعِ ابْنِ أَخِي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعُودَهُ2.
يُقَالُ: عززت الرجل إذا جئته زائرا وفلان عزيز في بني فلان إذا كان نزيلا فيهم.
__________
1 سقط من ح.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/594" بلفظ "ما غدا بك أيها الشيخ" بدل "مَا عَزَّنَا بِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ".

(2/533)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ معاوية أنه بلغه أن عبد الله بْنَ جَعْفَرٍ حَفَّفَ وَجُهِدَ مِنْ بَذْلِهِ وَإِعْطَائِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْقَصْدِ وَيَنْهَاهُ عَنِ السَّرْفِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ
يَسُدُّ بِهِ نَوَائِبَ تعتريه ... من الأيتام كالنهل الشروع1
__________
1 البيت الأول في اللسان والتاج "قنع" والبيت الثاني في مادة "شرع" وعزيا للشماخ وهما في ديوانه "221 – 222" وهما في الفائق "حفف" "1/297" والنهاية "حفف" "1/408"

(2/534)


يرويه الحسن بن عبد العزيز الجروي أخبرنا أَبُو مُسْهِرٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ حَلْبَسَ يذكره.
قوله: حفف: أي قل ماله.
قَالَ ابن السكيت: الحفف: قلة المأكول وكثرة الأكلة, والضفف: كثرة العيال والقنوع: مسألة / الحاجة يُقَالُ: قنع يقنع قنوعا إذا سأل. [195]
وَقَالَ أعرابي لقوم سألهم: الحمد لله الَّذِي أقنعني إليكم, يريد أحوجني.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري عَنِ الأصمعي قَالَ: رأيت أعرابيا يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من القنوع والخنوع والخضوع وما يغض طرف المرء ويغري به لئام الناس.
وأراد بالنهل الشروع الإبل الشارعة نحو الماء وضرب الإبل مثلا لنوائب الدهر1 في تتابعها والشعر للشماخ.
__________
1 ط: "لنوائب الأيام".

(2/535)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ صَاحِبِ الرُّومِ وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ بِلادَ الشَّامِ أَيَّامَ فِتْنَةِ صِفِّينٍ كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ تَمَّمْتَ عَلَى مَا بَلَغَنِي من عزمك لأصالحأ صَاحِبِي وَلأَكُونَنَّ مُقَدِّمَتَهُ إِلَيْكَ فَلأَجْعَلَنَّ القسطنطينية الْبَخْرَاءَ حُمَمَةً سَوْدَاءَ وَلأَنْتَزِعَنَّكَ مِنَ الْمُلْكِ انْتِزَاعَ الإِصْطِفْلِينَةِ وَلأَرُدَنَّكَ إِرِّيسًا مِنَ الأَرَارِسَةِ تَرْعَى الدَّوَابِلَ1.
قَالَ أَبُو عُمَر: الإصطفلين: الجزر, لغة شامية والواحدة: إصطفلينة, والإريس: الأكار بلسان الروم والدوابل: الخنازير وَقَالَ غيره: الدوبل: ولد الحمار.
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 8/119 بألفاظ متقاربة.

(2/535)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ ابْنُ زِيَادٍ؟ فَقَالُوا: ظَرِيفٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَنُ, فَقَالَ: أَوَلَيْسَ ذَاكَ أَظْرَفُ لَهُ1.
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ أراد القوم اللحن الَّذِي هو الخطأ وذهب معاوية إلى اللحن الَّذِي هو الفطنة قَالَ والأول بسكون الحاء والثاني بفتحها قَالَ وأما قول الآخر:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا2
فإنه أراد اللحن الَّذِي هو الخطأ كأنه استملحه في المرأة واستثقل منها الإعراب.
قَالَ: وكان بعضهم يذهب في قول معاوية في عبيد اللَّه بن زياد هذا المذهب ولا أراه كذلك.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والأصل الَّذِي تجري عليه عادة البيان أن يكون الجواب وفقا للسؤال ومحمولا على حكمة وما دام التوفيق ممكنا فالتفريق لا وجه له ومن البعيد الممتنع أن يكون معاوية وقومه وهم عرب صرحاء إذا تخاطبوا لم يتفاهموا وأن يذهب بعضهم عَنْ مراد بعض هذا الذهاب وأن يتباينوا هذا التباين واللغة واحدة والعيون متواجهة والأسباب إلى المقاصد مشيرة وعليها دليلة مثل هذا الوصف ينبو عنهم ولا يليق بهم.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة ف غريبه "2/417" وذكره القالي في الأمال "1/5".
2 غريب الحديث لابن قتيبة "2/419" برواية:
منطق عاقل وتلحن احيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا
والبيت لمالك بن أسماء بن خارجة الفزاري وهو في البيان والتبيين "1/147" واللسان والتاج وأساس البلاغة "لحن" وأمالي القالي "1/50".

(2/536)


وفي تأويل هذا الكلام وجوه أحدها أن يكون القوم إنما أرادوا اللحن الَّذِي هو الخطأ وأن يكون معاوية قد استحسن منه السهولة في كلامه وابتذال السليقية في خطابة ورأي أن تركه تفخيم الكلام وإشباعه بالإعراب نوع من الظرف وباب من الأخذ بخفة المؤونة في إفهام من يخاطبه ممن لا يتسع لمعرفة الإعراب / ولا يكمل لضبطه عنه لا سيما وهو أمير أو رئيس ينفذ وتلزم طاعته. [196]
وقد نحا هذا النحو جماعة من كملة الرؤساء وأجله الولاة والأمراء.
وَقَالَ بعضهم لأصحابه: لا تستعملوا الإعراب في كلامكم إذا خاطبتم ولا تخلوا منه كتبكم إذا كاتبتم وعابوا الحجاج حين يقول لطباخه1 اتخذ لنا غبربية وأكثر فيجنها فخرج يسأل عنها فلم يكن بحضرته أحد يفهم ما أراد حتى عادوا إليه فسألوه فَقَالَ إنما قلت له اتخذ لنا سماقية وأكثر فيها السذاب.
ودخل الجند على بعض الولاة ببغداد أيام فتنة المستعين فقالوا: قد اقتحم الأتراك من بعض أبواب المدينة فَقَالَ لهم استلئموا سدفة فخرجوا يسألون عَنْ هذا الكلام ولا يفهمونه حتى جاؤوا إلى باب ثعلب فَقَالَ يقول لكم بكروا غدا في السلاح فهذا وجه.
والثاني: أن يكون القوم إنما أرادوا به لحن الفطنة كما أرادها معاوية إلا أنهم لم يجعلوا قولهم على أَنَّهُ يلحن استثناء من قولهم ظريف إنما أرادوا بذلك المبالغة في مدحه واشتراطا2 للزيادة في ظرفه كقول النابغة الجعدي:
__________
1 ط: "يقول لصاحبه" "تحريف".
2 ح: "واشتراكا" والمثبت من بقية النسخ.

(2/537)


فتي كان فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا
فتي كملت خيراته غير أَنَّهُ ... جواد فما يبقي من المال باقيا1
وكقول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب2
وكقول الآخر:
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وأنا لا نخط على النمل3
أي لسنا بمجوس وذلك أنهم كانوا يقولون أن الرجل إذا خرجت به النملة فخط عليه ابنه من أخته أو ابنته برأ الرجل هذا تفسير الأصمعي وغيره من أهل اللغة إلا ابن الأعرابي وحده فإنه يرويه يحط بالحاء غير معجمة يقول إنا لا نأتي بيوت النمل في الجدب فنحفر على ما قد جمع لنأكله.
ووجه ثالث: وهو أن يكون إنما أرادوا باللحن اللكنة التي كان ابن زياد يرتضخها4 ذكروا أَنَّهُ كان يرتضخ لكنه فارسية.
وَقَالَ لرجل اتهمه برأي الخوارج: أَهَرُورِيٌّ أنت؟ يريد أحروري. وقَالَ في كلام له: من كاتلنا كاتلناه يريد قاتلنا وإنما أتته هذه اللكنة من قبل أمه شيرويه وكانت ابنة بعض ملوك فارس يزدجرد أو غيره فقد
__________
1 شعر النابغة الجعدي "173 – 174" برواية: "فتى فيه. فتى كملت اخلاقه".
2 الديوان "60" شعراء النصرانية "2/647".
3 البيت في اللسان والتاج "نمل" برواية: "ولا عيب فينا غير نسل لمعشر" ولم يعز.
4 القاموس "رضخ" هو يرتضخ لكنه عجمية إذا نشأ مع العجم ثم صار إلى العرب فهو ينزع العجم قي ألفاظخ ولو اجتهد.

(2/538)


يكون معاوية لما رأى القوم يعيبونه بها صرف الأمر فيها عَنْ وجه العيب إلى ناحية المدح فَقَالَ أو ليس ذاك أظرف له1 يريد أو ليس ذلك أنجب له إذا نزع بالشبه إلى الخال وكانت ملوك فارس تذكر بالسياسة وتوصف بمحاسن الشيم والعرب تعظم أمر الخؤولة وتكاد تغلبه في الشبه على بعض العمومة أنشدني أَبُو عُمَر لبعضهم:
/ عليك الخال إن الخال يسري ... إلى ابن الأخت بالشبه المتين [197]
وَقَالَ آخر:
فإن ابن أخت القوم مكفى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد2
وحدثني علكان المروزي أخبرنا علي بن بشير أخبرنا حسين بن عمرو العنقري حَدَّثَنِي أَبُو بلال الأشعري قَالَ قَالَ تبيع صاحب كعب الأحبار من أعرقت فيه الفارسيات لم يخطه دين أو حلم ومن أعرقت فيه الروميات لم يخطه شدة أو نقابة ومن أعرقت فيه البربريات لم يخطه حدة أو تكلف ومن أعرقت فيه الحبشيات لم يخطه سكر أو تأنيث.
ولم يقصد بهذا معاوية مدحه على اللحن ولا كان يرى اللحن ظرفا وإنما أشار بذلك أَنَّهُ قد نزع إلى أخواله وكانوا ملوكا أهل أدب وظرف. فأما قول الآخر:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا3
وتأويل ابن قتيبة له على أن اللحن يستملح من المرأة ويستثقل منها
__________
1 ط: "ذلك أظرف به".
2 د, ط: "يكفى إناؤه" وهو للنمير بن تولب شعره "300".
3 تقدم تخريجه في اللوحة "195" من هذا الجزء.

(2/539)


الإعراب فقد قيل هذا وكان أَبُو العباس ثعلب يقول في ذلك بخلاف هذا القول.
قَالَ أَبُو العباس: اللحن هجين حيث كان مستقبح من صاحبه رجلا كان أو امرأة وإنما أثني عليها بشدة الخفر والحياء الَّذِي يقطعها عَنْ إصابة الإعراب في منطقها فتلحن في كلامها.
وكان ابن الأعرابي يتأوله على خلاف هذا وذاك وَقَالَ: إنما هو من لحن الفطنة يريد أنها تفطن لبعض الحديث لعفافها واللحن ساكنة الحاء عنده الفطنة كاللحن الَّذِي هو الخطأ سواء. وعامة أهل اللغة في هذا على خلافه إنما قالوا: في الفطنة اللحن مفتوحة الحاء وفي الخطأ اللحن بسكونها.
قَالَ ابن الأعرابي: واللحن أيضا اللغة قَالَ وقد روي أن القرآن نزل بلحن قريش أي بلغتهم قَالَ ومنه قول عُمَر: تعلموا الفرائض والسنة واللحن:1 أي اللغة.
قَالَ: واللحن فحوى الكلام ومعناه ومنه قول اللَّه: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} 2.
قَالَ غيره: واللحن الصوت أيضا قَالَ الفرزدق:
وداع بلحن الكلب يدعو ودونه ... من الليل سجفا ظلمة وستورها3
__________
1 أخرجه الدارمي في الفرائض "2/341" والبيهقي في سننه "6/209" وسعيد بن منصور في سننه "1/1".
2 سورة محمد: "30".
3 لم أقف عليه في ديوانه ط دار صادر وفي الديوان عدة قصائد على الوزن والقافية ليس من بينها هذا البيت.

(2/540)


وَقَالَ آخر يصف طائرين:
باتا على غصن بان في ذرى فنن ... يرددان لحونا ذات ألوان1
فأما قولهم: فلان ظريف فإن الظرف أدب اللسان خاصة.
ومن هذا قول بعض السلف: إذا كان اللص ظريفا لم يقطع يريد أَنَّهُ قد يتخلص للحجة فيدفع بها عَنْ نفسه فيقول إذا وجدت معه السرقة قد التقطتها أوكانت عندي وديعة فخنتها أو ما أشبه هذا من الكلام.
وحدثنا ابن الأعرابي أخبرنا عبد الصمد بن عبد الله بن أبي يزيد الدمشقي أخبرنا أيوب بن إسحاق أخبرنا منصور بن سلمة الخزاعي أخبرنا شبيب بن شيبة سمعت ابن سيرين يقول الكلام أكثر من أن يكذب ظريف.
يريد أن الظريف لا تضيق عنه معاني الكلام فهو قد يكني ويعرض ولا يكذب وهذا كما قيل: إن في المعاريض مندوحة عَنِ الكذب2.
/ وقال ابن الأعرابي: العرب تقول: الظرف في اللسان والملاحة في الفم. [198]
وأخبرني ابن شابورة أخبرنا على بن عَبْد العزيز قَالَ: قَالَ الأصمعي: العرب تقول الملاحة في الفم والحلاوة في العينين والجمال في الأنف.
__________
1 اللسان التاج "لحن" دون عزو وجاء قبله:
وهاتفين بشجو بعد ما سجعت
ورق الحمام بترجيع وإرنان
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص "305" وابن السني في "عمل اليوم والليلة" صـ "128 – 129" وذكره العجلوني في كشف الخفاء "1/270" وغيرهم.

(2/541)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ صِفِّينٍ: آهًا أَبَا حَفْصٍ:
قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ ... لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تُكْثِرِ الْخُطَبِ1
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الحسين أخبرنا محمود بن الصباح المازني أخبرنا محمد بن جبلة أخبرنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَذْكُرُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَالَ المازني: الهنبثة: إثارة الفتنة وقال غيره: الهنبثة والهنبذة إحدى الهنابذ والهنابث وهي الأمور الشداد وأنشد:
إنا وجدنا زفر بن الحارث ... في هذه الهنات والهنابث
خبيثة من أخبث الخبائث
__________
1 الفائق "أوه" "1/66" والنهاية "أوه" "1/87" والبيت في الجمهرة "هبث" "1/205" زعموا أنه لصفية بنت عبد المطلب ويزعمون أنه لفاطمة رضي الله عنها تمثلت به حين قبض الرسول. وفي البيان والتبيين "3/363" عزي لصفية وجاء بعده:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختل قومك فاشهدهم فقد سغبوا

(2/533)


حَدِيثِ سمرة بن جندب
حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الْعَشْرَةِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آخركم يموت في النار".
...
حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الْعَشْرَةِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آخِرِكُمْ يَمُوتُ فِي النَّارِ".
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ يَرْوِيهَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي أخبرنا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ وَكَانَ جَارًا لِلْحَسَنِ وَكَانَ وَجَّهَ مَتْجَرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: كُنْتُ أُقْدِمُ الْمَدِينَةَ فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَلا يَبْدَأُ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ فَإِذَا قُلْتُ: تَرْكُتُهُ سَالِمًا صَالِحًا فَرِحَ وَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ.
قَالَ أَنَسٌ: فقلت لأبي هريرة: مالي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكَ لا تَبْدَأُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى تَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ فَإِذَا قُلْتُ: تَرَكْتُهُ سَالِمًا فَرِحْتَ بِهِ وَأَعْجَبَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنِّا كُنَّا عَشْرَةً فِي بَيْتٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْنَا وَنَظَرَ فِي وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ: "آخِرِكُمْ يَمُوتُ فِي النَّارِ" فَقَدْ مَاتَ مِنِّا ثَمَانِيَةً وَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ شَيْءٌ أحب إلى من أن أكون قَدْ ذُوِّقْتُ الْمَوْتَ قَبْلَهُ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَتَأْوِيلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِيرِينَ.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا محمد بن أيوب أنبأنا مروان بن
__________
1 أخرجه الفسوي في تاريخه "3/356" وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء "3/259" وابن كثير في البداية والنهاية "6/226" وأشار الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب "2/654" إلى الجزء المرفوع من الحديث بدون قصة. بلفظ فكان ذلك تصديفا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ غليه وسلم له ولأبي هريرة والثالث معهما: "آخركم موتا في النار" وكذلك ذكره الحافظ في الإصابة "2/79".

(2/542)


جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بن جندب أخبرنا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ الْبَكْرَاوِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ الزِّيَادِيِّ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ سِيرِينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَخْبِرْنَا عَنْ سَمُرَةَ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَمَا قِيلَ فِيهِ. قَالَ: إِنَّ سَمُرَةَ كَانَ أَصَابَهُ كَزَازٌ1 شَدِيدٌ فَكَانَ لا يَكَادُ يَدْفَأُ فَأَمَرَ بِقِدْرٍ عَظِيمَةٍ فَمُلِئَتْ مَاءً وَأَوْقَدَ تَحْتَهَا وَاتَّخَذَ فَوْقَهَا مَجْلِسًا فَكَانَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ بُخَارُهَا فَيُدْفِئَهُ فبينا هو كذلك إذا خُسِفَتْ بِهِ فَنَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ هو الذي قيل فيه2.
__________
1 القاموس "كزز" الكزاز: كغراب ورمان: داء من شدة البرد, أو الرعدة منها وقد كز بالضم فهو مكزوز.
2 ذكره المزي في تهذيب الكمال "6" لوحة "277" ب في ترجمة سمرة وفيه: "أبو داود المحبر البكراوي" بدل "داود بن المحبر البكراوي" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "6/227" وفي التقريب "1/234" داود بن المحبر بمهملة وموحدة مشددة مفتوحة, بن قحذم بفتح القاف وسكون المعملة وفتح المعجمة, الثقفي البكراوي أبو سليمان النصري نزيل تغداد متروك وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات مات سنة "206" هـ.

(2/543)


حديث واثلة بن الأسقع
حَدِيثِ وَاثِلَةَ حِينَ ذَكَرَ تَخَلُّفَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ
...
حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ حِينَ ذَكَرَ تَخَلُّفَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ حَتَّى إِذَا خَرَجَ أَوَائِلُ النَّاسِ قَالَ: فَدَعَانِي شَيْخٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَحَمَلَنِي فَخَرَجْتُ مَعَ خَيْرِ صَاحِبٍ زَادِي فِي الصُّبَّةِ وَخَصَّنِي بِطَعَامٍ غَيْرِ الَّذِي أَضَعُ يَدِي فِيهِ مَعَهُمْ1.
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَهْلٍ2 أخبرنا محمد بن الربيع الجيزي أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ.
قوله: زادي في الصبة أي مع الرفقة التي صحبتهم فكنت آكل معهم أسوة أصحابي ويتحفني الأنصاري بطعام غيره. والصبة الجماعة من الناس قاله الأصمعي وغيره.
وَقَالَ ابن وهب في هذا الحديث: الصبة شيء يشبه السفرة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وأرى هذا غلطا وإنما هي الصنة بالنون. مفتوحة الصاد3 وهي شبة السلة يدخر فيها الطعام للسفر ويشبه أن تكون رواية هذا الحرف عند ابن وهب بالنون على ما دل عليه في تفسيره ولعل [199] الغلط إنما عرض فيه من قبل بعض / الرواة الذين هم أسفل منه والله أعلم.
__________
1 الفائق "صبب" "2/285" والنهاية "صبب" "3/4" وذكره ابن الجوزي قصة خروجه إلى التبوك بألفاظ متقاربة في صفة الصفوة "1/675".
2 ح: "أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ".
3 التاج "صن" والصن بفتح الصاد: شبه السلة المطبقة يجعل فيها الطعام.

(2/544)


حديث المغيرة بن شعبة
حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: "أَحْصَنْتُ ثَمَانِينَ امْرَأَةً فَأَنَا أَعْلَمُكُمْ بِالنِّسَاءِ ... ".
...
حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: أَحْصَنْتُ ثَمَانِينَ امْرَأَةً فَأَنَا أَعْلَمُكُمْ بِالنِّسَاءِ فَوَجَدْتُ صَاحِبَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ امْرَأَةً إِنْ زَارَتْ زَارَ, وَإِنْ حَاضَتْ حَاضَ, وَإِنِ اعْتُلَّتِ اعْتُلَ, فَلا يَقْتَصِرَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا طَالَتْ صُحْبَتُهَا مَعَهُ كَانَ مَثَلُهَا وَمَثَلُهُ مَثَلُ أَبِي جَفْنَةَ وَامْرَأَتِهُ أُمِّ عَقَّارٍ فَإِنِّهُ نَافَرَهَا يَوْمًا, فَقَالَ وَهُوَ مُغَاضِبٌ لَهَا: إِذَا كُنْتَ نَاكِحًا فَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُجْفِرَةٍ مُبْخِرَةٍ مُنْتَفِخَةِ الْوَرِيدِ كَلامُهَا وَعِيدٌ وَبَصَرُهَا حَدِيدٌ سَفْعَاءُ فَوْهَاءُ مَلِيلَةُ الإِرْغَاءِ1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: بَلِيلَةُ الإِرْعَادِ دَائِمَةُ الرَّغَاءِ2 فَقْمَاءُ سَلْفَعُ لا تَرْوَى وَلا تَشْبَعُ دَائِمَةُ الْقُطُوبِ عَارِيَةُ الظُّنْبُوبِ طَوِيلَةُ الْعُرْقُوبِ حَدِيدَةُ الرُّكْبَةِ سَرِيعَةُ الْوَثْبَةِ شَرُّهَا يَفِيضُ وَخَيْرُهَا يَغِيضُ لا ذَاتِ رَحِمٍ قَرِيبَةٍ وَلا غَرِيبَةٍ نَجِيبَةٍ إِمْسَاكُهَا مُصِيبَةٌ وَطَلاقُهَا حَرِيبَةٌ فُضُلُ مِئْنَاثٍ كَأَنَّهَا نُفَاثٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كَأَنَّهَا نِقَابٌ حَمْلُهَا رِبَابٌ وَشَرُّهَا ذُبَابٌ وَاغِرَةُ الضَّمِيرِ عَالِيَةُ الْهَرِيرِ شثنة الكف غليظة الخف لا تعذرمن عِلَّةٍ وَلا تَأْوِي مِنْ قِلَّةٍ تأكل لما وتوسع ذما وتؤدي الأخيار وتفشي الأسرار
__________
1 ذكر الأصفهاني في محاضرات الأدباء "3/201" جزأ من هذا الرواية والذهبي في سير أعلام النبلاء "3/21 – 22" مختصرا وانظر الفائق "زور" "2/133" والنهاية "جفر" "1/278" و"نفخ" "5/173".
2 د: "دائمة الدعاء".

(2/545)


وَهِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَأَجَابَتْهُ فَقَالَتْ: بِئْسَ لَعَمْرُو اللَّهِ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ خُصَمَةٌ حُطَمَةٌ أَحْمَرُ الْمَأْكَمَةِ مَحْزُونُ الْهَزَمَةِ لَهُ جِلْدَةُ عَنْزٍ هَرِمَةٍ وَسُرَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَشَعَرُهُ صَهْبَاءُ وَأُذُنٌ هَدْبَاءُ وَرَقَبَةٌ هَلْبَاءُ لَئِيمُ الأَخْلاقِ ظَاهِرُ النِّفَاقِ صَاحِبُ حِقْدٍ وَهَمٍّ وَحُزْنٍ عِشْرَتُهُ1 غَبْنٌ زعيم الأنفاس رهين الكاس.
وفيرواية أُخْرَى: سَقِيمُ النِّفَاسِ رَهِينُ الْكَاسِ2 بَعِيدٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي النَّاسِ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا وَيَنْفِقُهُ إِسْرَافًا وَجْهُهُ عَبُوسٌ وَخَيْرُهُ مَحْبُوسٌ وَشَرُّهُ يَنُوسٌ أَشْأَمُ مِنَ الْبَسُوسِ3.
فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا تَرَكْتُهُ لطوله.
حدثناه ابن الزيبقي أخبرنا أَبِي وَمُوسَى بْنُ زَكِرَّيَاءَ التُسْتَرِيُّ قالا أخبرنا محمد بن شعيب الساجي أخبرنا الفيض بن الفضل أخبرنا مَنْصُورِ4 بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ.
قوله: إن زارت زار يريد إن زارت المرأة أهلها فغابت عنه زار أي غاب حظه مِنْهَا كقول الشاعر:
كأن الليل موصول بليل ... إذا زارت سكينة والرباب5
يريد بذلك زيارتهما أهلهما ويذكر غيبتهما عنه لأنهم إنما يستطيلون الليل عند فراق الأحبة وبعدهم لا مع وصالهم وقربهم
__________
1 ط: "غربته غبن".
2 سقط من ح.
3 الفائق "زور" "2/133" والنهاية "بسبس" "1/127".
4 ح: "منصور بن الأسود".
5 الفائق "زور" "2/134".

(2/546)


والمجفرة: المتغيرة ريح الجسد. يُقَالُ: رجل مجفر وامرأة مجفرة.
والمبخرة: ذات البخر وهو تغير ريح الفم خاصة.
وَقَوْلُهُ: منتفخة الوريد يصفها بسوء الخلق وكثرة الغضب ودوام الضجر والوريد العرق الَّذِي ينتفخ من الغضبان وهما وريدان يكتنفان الحلق.
/ ومنه قول اللَّه تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 1 [200]
والسفعاء: التي اسود خدها من قحل السن أو سوء المطعم أو نحو ذلك, والسفعة: سواد ليس بالشديد.
وَقَوْلُهُ: مليلة الإرغاء: يصفها بكثرة القول ورفع الصوت به حتى تمل السامعين وتؤذيهم. والمليلة: يعنى المملولة واستعار الرغاء ها هنا وهو صوت الإبل شَبَّه صوتها به وأكثر ما يُقَالُ الإرغاء في اللبن وفي البول ونحوهما من الرغوة وهي ما تعلو فوقهما شبه الزبد ولعله إنما أراد إزباد شدقيها عند إكثارها الكلام.
وأما قوله: في الرواية الأخرى: بليلة الإرعاد فمعناه أنها لا تزال توعد وتهدد. يُقَالُ: أرعد الرجل وأبرق إذا هول بالوعيد وأكثر ما يُقَالُ رعد بغير ألف وأنشد الغنوي عَنْ أَبِي العباس في اللغة الأولي:
أرعد وأبرق يا يزيد ... فما وعيدك لي بضائر2
__________
1 سورة قّ: "16".
2 اللسان التاج "رعد, وبرق" وعزي للكميت وكان الأصمعي ينكر أبرق وأرعد ولم يأخذ بشعر الكميت لأنه كما يقول: جرمقاني: أي أعجمي وهو في شعر الكميت "1/225" برواية: أبرق وأرعد".

(2/547)


والبليلة: من بلل اللسان. يُقَالُ: فلان بليل الريق بذكر فلان إذا كان لا يزال يجري لسانه بذكره.
والفقماء: المائلة الفم1 وهو الحنك وفيه لغتان: فقم وفقم. ويقال: رجل أفقم وامرأة فقماء.
قَالَ الأصمعي: والأضز مثل الأفقم.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى المنقري أخبرنا الأصمعي والعتبي قالا قَالَ أعرابي:
إذا أتيت الباب فالبس خزا ... إني أرى الأحساب صارت بزا
تدني الثياب الأبكم الأضزا
والسلفع: الجريئة على الرجال الوقحة وهو في نعت الرجال الشجاع.
يُقَالُ: رجل سلفع وامرأة سلفع بغير هاء.
والظنبوب: عظم الساق يريد أَنَّهُ قد عري مكانه من اللحم لهزالها.
وشرها يفيض: أي يكثر وَمِنْهُ فيض الماء. وخيرها يغيض: أي يقل من غاض الماء إذا نضب2ويقال هذا غيض من فيض أي قليل من كثير قَالَ الشاعر:
لقد رابني أن الكرام رأيتهم ... يغيضون غيضا واللئام تفيض
وَقَوْلُهُ: ولا غريبة نجيبة فإنهم يزعمون أن أولاد الغرائب أنجب من أولاد القرائب قال الشاعر:
__________
1 ط: "المائلة الفقم وهو الحنك".
2 هامش س: "إذا تنضب".

(2/548)


تنجبتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقا معمما1
وَقَالَ آخر:
إن بلالا لم تشنه أمه ... لم يتناسب خاله وعمه
وَقَوْلُهُ: طلاقها حريبة من الحرب اسم مشتق منه كالشتيمة من الشتم. يريد: أن له منها أولادا فإن طلقها حربوا وفجعوا بها وأصل الحرب ذهاب المال.
وَقَوْلُهُ: فضل: فإن ذلك يكون بمعنيين: أحدهما أن تترك المرأة ثياب الزينة وتلبس ثياب مهنتها.
يُقَالُ: تفضلت المرأة إذا توشحت بثوب الخدمة وهي فضل والفضل أيضا مشية فيها اختيال وذلك أن يمشي الرجل وقد أفضل من إزاره وتمشي المرأة وقد أفضلت من ذيلها وإنما يفعل ذلك من الخيلاء ولذلك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَضْلُ الإِزَارِ في النار" 2.
والمثنات التي تلدالإناث كالمذكار تلد الذكور.
وأما قوله: كأنها نفاث فإني لا أعلم النفاث في شيء غير النفث ولا موضع له ها هنا.
وَقَوْلُهُ: نقاب: في الرواية الأخرى فإنه أيضا / لا يتوجه عندي إلا إلى وجه غير طائل وقد جاء [201] النقاب في النعوت بمعنى المدح ولا وجه له ها هنا وقد سمعت كلمة يُقَالُ: فرخان في نقاب: أي في بطن واحد فكأنه
__________
1 الفائق "زور" "2/134" دون عزو.
2 النهاية "فضل" "3/455" والحديث بلفظ "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار" فقد أخرجه البخاري في اللباس "7/183" من حديث أبي هريرة وابن ماجة في اللباس "2/1183" عن أبي سعيد بنحوه وغيرها.

(2/549)


على هذا إنما يعيبها بكثرة الولادة وقد وصفها قبل بأنها ولود مئناث ثم ذكرها بهذا المعنى فيما بعد وهو قوله: حملها رباب وأصب الرباب إنما هو في الغنم. يُقَالُ للشاة هي في ربابها وهو ما بين أن تضع إلى شهرين ويقال إلى عشرين يوما فقط.
يُقَالُ: شاة ربي وجمعها رباب مضمومة الراء يريد أنها تتابع بين الولادة والحمل إذا وضعت ولدا حملت في نفاسها بآخر وإنما يحمد في النساء أن لا تحمل المرأة بعد وضع حملها حتى يتم رضاع ولدها.
وَقَالَ لي بعضهم: إنما هو كأنها بغاث واحتج بقول الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة نزور1
وَقَوْلُهُ: شرها ذباب فإن الذباب الشر الدائم. قال الشاعر:
وليس بطَارق الجِيران مِنّي ... ذُبابٌ لا ينام ولا ينيم
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ الذباب الشؤم. وقولهُ: واغرة الضمير من الوغر. وهو غل الصدر ونغله ومثله الوحر.
والشثنة: الغليظة الكف غير الناعمة الأطراف وأراد بالخف القدم.
وَقَوْلُهُ: لا تأوي من قلة أي لا ترحم زوجها ولا ترق له عند الإعدام فتخفف عنه لكن تكلفه فوق طاقته.
يُقَالُ: أويت للرجل آوي له أية أي رفقت له واللم في الأكل الإكثار منه وأصل اللم الجمع.
__________
1 اللسان التاج "بغت" وعزي لعباس بن مرداس. س

(2/550)


والخصمة: الشديد الخصومة والهاء تقع في نعت المذكر بمعنى المبالغة والتأكيد. والحطمة أصله من الحطم وهو الكسر.
قَالَ أَبُو عبيدة: يُقَالُ للرجل الكثير الأكل: أَنَّهُ لحطمة والحطمة اسم جهنم لأنها تحطم ما قذف فيها.
وقولها: أحمر المأكمة: فإن المأكمتين لحمتان بين العجز والمتنين وفيها لغتان مأكمة ومأكمة قَالَ العجاج:
ومأكمات يرتجحن ورما1
ولم ترد حمرة ذلك الموضع بعينه وإنما أرادت حمرة ما دونها من سفلته وهي مما يسب به فكنت بها عنه
وفيه وجه آخر: وهو أن تكون أرادت حمرة البدن كله وهي لا توجد غالبا في الصرحاء من العرب وإنما تشيع الحمرة وتغلب في الهجناء وفيمن أعرقت فيه الإماء منهم
وقولها: محزون الهزمة: فإنها تريد هزمة الصدر وهي الوقبة التي بين الصدر والعنق تريد أن ذلك الموضع منه حزن خشن2 وهذا كقول المرأة لامرىء القيس إنك ثقيل الصدر خفيف العجز ويجوز أن يكون أرادت به خشونة الملمس من بدنه أجمع من الهزم وهو غمزك الشيء تهزمه بيدك هزما.
__________
1 التهذيب "4/143" والديوان "261" برواية: "يرتججن" وقبله:
"وفخذا لفاء تمت عطما"
2 د: "حزن شديد".

(2/551)


وفي رواية أخرى: محزون اللهزمة: تريد أن لهازمه قد تدلت من الحزن والكآبة وسقطت.
والأذن / الهدباء: الساقطة التي قد تغضفت واسترخت.
يُقَالُ: شَجَرة هدباء إذا تدلت أغصانها من حواليها.
والرقبة الهلباء: هي التي قد عمها الشعر والأهلب: الكثير الشعر الغليظه, والهلب: ما غلظ من الشعر كأذناب الخيل ونحوها.
والشيقة: مثله وقد شيق1 الشعر وقولها زعيم الأنفاس فإن الزعيم بمعنى الضمين والكفيل يريد أَنَّهُ صاحب كآبة وكمد قد أضمرها قلبه وتضمنها جوانحه فهو لا يزال يتنفس الصعداء أو يبرد غليل قلبه بكثرة الأنفاس وذلك لغلبة الحسد عليه ولزوم الأحزان قلبه.
وفيه وجه آخر: وهو أن تكون أرادت أنفاس الشرب يدل على ذلك قولها رهين الكاس.
وقولها له: شَرُّهُ ينوس: أي يَدُب ويسعى وأصل النوس التحرك والاضطراب.
وقولها: "أشأم من البسوس"2 تريد الناقة التي بها هاج الحرب بين بكر وتغلب رماها كليب بن وائل فقتلها فقتل في سببها فصارت مثلا في الشؤم. ويقال: ناقة بسوس وهي التي لا تدر حتى يُقَالُ لها بس بس.
__________
1 ح: "تشيق" وفي اللسان "شيق" الشيق: شعر الفرس وشعر ذنب الدابة ولم تأت المعاجم بالفعل: شيق أو تشيق.
2 اللسان "بسس" الدرة الفاخرة "1/236" الضبي "56" الفاخر "93" جمهرة الأمثال "1/556" مجمع الأمثال "1/374" المستصفى "1/176" أمثال أبي عبيد "375".

(2/552)


حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ رحمه الله
حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ خَبَرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى المقوقس....
...
حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ رحمه الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ خَبَرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْمُقَوْقِسِ فِي رَكْبٍ مِنْ قَوْمِهِ وَأَنَّهُ فِي مُنْصَرَفِهِ عَدَا عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ حَرَائِبَهُمْ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُ مَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَاللَّيْلَةُ أُكَلِّمُهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَنَادَاهُ عُرْوَةُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُرْوَةُ. فَأَقْبَلَ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ يَقُولُ: أَطْرَقْتَ عَرَاهِيَهْ أَمْ طَرَقْتَ بِدَاهِيَهْ1.
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَنَانَةِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ قَدْ أَقْبَلَ تَضْرِبُ دِرْعُهُ رَوْحَتِي رِجْلَيْهِ وَلا يُعَانِقُ رَجُلا إِلا صَرَعَهُ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِجُنْدَبِ بْنِ عَمْرٍو قَدْ أَقْبَلَ كَالسَّيِّدِ عَاضًّا عَلَى سَهْمٍ مُفَوِّقًا بِآخَرَ لا يُشِيرُ بِسَهْمِهِ إِلَى أَحَدٍ إِلا وَضَعَهُ حَيْثُ يُرِيدُ2.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ.
الحرائب: جمع حريبة: وهي مال الرجل الَّذِي يعيش به.
وأما قوله: أطرقت عراهية فإنه حرف مشكل وقد أكثرت عنه السؤال ولم أصدر منه بعد عن صحة يقين فكتبت في ذلك إلى الأزهري
__________
1 النهاية لابن الأثير "عره" "3/224" وانظر الفائق "عره" "2/420".
2 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/596 – 598" في قصة طويلة وفيه: "عاضا على سهم مفوق بآخر لا يسير إلى أحد بسهمه".

(2/553)


فكان من جوابه: أَنَّهُ لم يجد عراهية مستعملا في كلام العرب وأن الصواب عنده أن يكون عتاهية قَالَ: وللعتاهية وجهان: أحدهما الغفلة والآخر الدهش كأنه قَالَ: أطرقت غفلة بلا روية أو طرقت دهشا أو نحو ذلك قَالَ: ومنه قولهم رجل معتوه.
وَقَالَ أَبُو عُمَر: يُقَالُ فيه عتاهيه وعتاهيه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وعلى هذا فقد لاح لي فيه شيء وأنا ذاكرهوالله أعلم بصوابه وذلك أن تكون هذه الكلمة مركبة غير مفردة وأن يكون فيها اسمان ظاهر ومكني وقد أبدل منها حرفا فأصلها إما العراء ممدودا وهو وجه الأرض. قال اللَّه تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} 1.
[203] وأما العرى مقصورا فهو الناحية / يُقَالُ: فلان لا يطور بحرانا ولا يطور بعرانا أي لا يقرب ناحيتنا فكأنه قَالَ أطرقت عرائي أي فنائي زائرا وضيفا كما يطرق الزوار والأضياف أم أصابتك داهية فجئت مستنجدا ومستغيثا والهاء الأولي من قوله: عراهيةٌ مُبَدَّلَة من الهمزة كقولهم أرقت الماء وهرقته والثانية مزيدة لتبين حركة الياء قبلها وهي لغة مشهورة وبها نزل القرآن وهو قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} 2.
ووجه أخر: وهو أن يقول: عراهية بتشديد الراء من عروت الرجل أعروه عروا إذا زرته فأنا عار وعراء قَالَ النابغة:
__________
1 سورة الصافات:"145".
2 سورة الحاقة:"26".

(2/554)


أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي ... عَلى خوف تظن بي الظنون1
وَقَوْلُهُ: تضرب درعه روحتي رجليه فإنه من الروح وهو أن يتباعد صدور القدمين ويتدانى العقبان.
يُقَالُ: رجل أروح وامرأة روحاء وقد روحت رجله تروح روحا فإذا أفرط الروح في الرجلين حتى تصطك العرقوبان فهو العقل وأنشد يعقوب للجعدي:
مفروشة الرجل فرشا لم يكن عقلا2
يريد إقباله في درع سابغة تبلغ ذلك الموضع من رجله والسيد الذئب.
وَفِي قِصَّةِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَانْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ قَدِمَ عَشَاءً فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَأَنْكَرَ قَوْمَهُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الرَّبَّةَ يَعْنُونَ الصَّنَمَ.
ثم قالوا: السفر وخضده فجاؤوا مَنْزِلَهُ فَحَيَّوْهُ تَحِيَّةَ الشِّرْكِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلامُ3.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ
__________
1 الديوان "264" والتهذيب "3/159" برواية "على عجل" بدل "على خوف" وشعراء النصرانية "4/640" وسبق في هذا الجزء اللوحة "20".
2 اللسان والتاج "عقل" وصدره: "مطوية الزور طي البئر دوسرة" والبيت في وصف ناقة وهو في ديوانه "195".
3 أخرجه الواقدي في مغازيه "3/960" وفيه: "السفر قد حصره" بدل "السفر وخضده" كما أن فيه "عليكم تحية أهل الجنة" ثم دعاهم إلى الإسلام في حديث طويل.

(2/555)


يريد: تعب1 السفر وأصل الخضد كسر الشيء اللين من غير إبانة له يُقَالُ: خضدت العود إذا ثنيته فهو خضيد ومخضود وانخضد العود انخضادا. والخضد كل ما قطع من العيدان رطبا قَالَ النابغة:
فيه ركام من الينبوت والخضد2
__________
1 ط: "لعب السفر".
2 الديوان "22" وصدره "يمده كل واد مترع لجب" وشعراء النصرانية "4/667" واللسان والتاج "نبت" برواية "فيه حطام" بدل "فيه ركام".

(2/556)


حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ حَكِيمٍ أَنَّ أُمَّهُ دَخَلَتِ الْكَعْبَةَ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَدْرَكَهَا الْمَخَاضُ فولدت حكيما في الكعبة ...
...
حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ أَنَّ أُمَّهُ دَخَلَتِ الْكَعْبَةَ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَدْرَكَهَا الْمَخَاضُ فَوَلَدَتْ حَكِيمًا فِي الْكَعْبَةِ فَحُمِلَ فِي نِطَعٍ فَأُخِذَ مَا تَحْتَ مَثْبَرِهَا فَغُسِلَ عِنْدَ حَوْضِ زَمْزَمَ وَأُخِذَتْ ثِيَابُهَا الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا فَجُعِلَتْ لِقًى1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا الأَزْرُقِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أخبرنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ.
المثبر: مسقط الولد. يُقَالُ: هذا مثبر الناقة وهو الموضع الَّذِي تطرح فيه الولد وما يخرج معه من شيء.
وَقَوْلُهُ: جعلت ثيابها لقى أي ملقى مطروحا في المطاف لا تلبس ولا تستعمل وكان هذا ضربا من نسك أهل الجاهلية كانوا إذا حجوا نزعوا ثيابهم فرموا بها ثم طافوا عراة فإذا قضوا نسكهم لم يلبسوها وتركوها ملقاة تدوسها الأرجل حتى تبلى وكانوا يقولون: إنها ثياب قد قارفنا فيها الآثام فلا نعود فيها وكانوا يسمونها لقى ومعناه الشيء الَّذِي قد ألقي. يُقَالُ ألقيت الشيء فهو لقى قَالَ الشاعر
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/174" والحاكم في المستدرك "3/483" برواية أخرى, ويرواية في آخره "ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد".

(2/557)


[204] / لَقى بْين أيْدي الطائِفين حَريمُ1
وَقَالَ ابن أحمر يصف القطا:
تروي لقى أُلْقِيَ في صفصف ... تصهره الشمس فما ينصهر2
__________
1 اللسان والتاج "حرم" من غير عزو وصدره "كفى حزنا كري عليه كأنه".
2 اللسان والتاج "لقى" من غير عزو وصدره:
كفى حزنا كري عليه كأنه

(2/558)


حديث سراقة بن مالك
حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ وَلا يَسْتَدْبِرُهَا وَلْيَتَّقِ مجالس اللعن: ... ".
...
حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ:
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ وَلا يَسْتَدْبِرُهَا وَلْيَتَّقِ مَجَالِسَ اللَّعْنِ: الطَّرِيقَ وَالظِّلَّ وَاسْتَمْخِرُوا الرِّيحَ وَاسْتَشِبُّوا عَلَى سُوقِكُمْ وَأَعِدُّوا النُّبَلَ1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا مَعْمَرٌ عَنْ سَمَّاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ سُرَاقَةَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ قَوْمَهُ ذَلِكَ.
قوله: استمخروا الريح: أي استقبلوها. يُقَالُ امتخر الفرس الريح إذا استقبلها يستروح ومنه مخور السفينة وهو قطعها الماء بالريح. قال اللَّه تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} 2.
قَالَ أبو عمرو بن العلاء: تقول العرب في الرجل الأحمق: إنَّهُ والله لا يتوجه تريد أَنَّهُ لا يستقبل الريح إذا قعد لحاجته وذلك أَنَّهُ إذا استدبرها وجد ريح ما يبرز منه فهو لحمقه لا يتوجه.
وَقَوْلُهُ: استشبوا على سوقكم: أي انتصبوا على سوقكم يريد: الاتكاء عليها في قضاء الحاجة ومنه شبوب الفرس وهو أن يرفع يديه ويعتمد على رجليه.
__________
1 أخرجه ابن حاتم في علله "1/36 – 37" إلا أنه قال: "عَنْ سَمَّاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أبي رشدين الجندي عن سراقة بن مالك" وقال: قال أبي: إن ما يرويه موقوف. وأسنده عبد الرزاق بأخرة وهو في كنز العمال "9/361" وعزاه لحرب بن إسماعيل في مسائله.
2 سورة النحل: "14".

(2/559)


حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رَحِمَهُ الله
حَدِيثِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: "إِيَّاكُمْ وَالْمَسْأَلَةَ فَإِنِّهَا آخِرُ كَسْبِ المرء وإذا مت فغيبوا قبر ي من بكر بن وائل ... ".
...
حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رَحِمَهُ الله
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِيَّاكُمْ وَالْمَسْأَلَةَ فَإِنِّهَا آخِرُ كَسْبِ الْمَرْءِ وَإِذَا مِتُّ فَغَيِّبُوا قَبْرِي مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أُنَاوِشُهُمْ, أَوْ قَالَ: أُهَاوِشُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
قوله: إن المسألة آخر كسب المرء: يتأول عَلَى وَجْهَين: أحدهما أن يكون معناه اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي ما دمتم تقدرون على معيشة وإن دقت فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا. وهذا كما رُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: مكسبة فيها بعض الريبة خير من المسألة.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك على مذهب الإخبار يريد أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها وهذا أشبه الوجهين لأن هشيما روى في هذه القصة عَنْ زياد بن أبي زياد عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قيس بن عاصم أَنَّهُ قَالَ إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه.
وَقَوْلُهُ: كنت أناوشهم: معناه أقاتلهم. يُقَالُ: تناوش القوم إذا تناول
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/95" وفيه "أهاوسهم" بدل "أهاوشهم" تصحيف وأخرجه أحمد في مسنده "5/61" أول الحديث ولم يذكره بطوله وانظر المستدرك للحاكم "3/611" ومجمع الزوائد "4/221".

(2/560)


بعضهم بعضا في القتال. ومن هذا قول اللَّه تعالى: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} 1 أي تناول التوبة وأنشد الفراء:
فهي تنوش الحوض نوشا من علا2
فأما التناؤش مهموزا فمعناه التأخر وقد قرىء "وَأَنَّي لَهُمُ التَّنَاؤُشُ" بالهمز أي التأخر والرجوع وأنشدوا:
تمنى أن تؤوب إلي مي ... وليس إلى تناؤشها سبيل
وَقَوْلُهُ: أهاوشهم الأصل في الهوش الفساد والاختلاط ومنه هوشات / السوق. [205]
وَقَالَ بعض أهل اللغة في قول العامة شوشت على الرجل أمره إنما هو هوشت أي خلطت وأفسدت والعرب تقول جاءوا بالهوش والبوش أي بالجمع الكثير المُختلف. قال ومنه الحديث: " من جمع مالا من تهاوش أذهبه اللَّه في نهابر" 3أي في هلاك.
قَالَ: وأصحاب الحديث يقولون: من نهاوش وإنما هو تهاوش بالتاء
__________
1 سورة سبأ: "52".
2 اللسان والتاج "نوش" وعزي لغيلان بن حريث وجاء بعده:
نوشا به تقطع أجواز الفلا
3 ذكره العجلوني في كشف الخفاء "2/313" بلفظ "نهاوش" وبلفظ "تهاوش" أيضا والذهبي في الميزان "3/253" في ترجمة عمرو بن الحصين وسبأتي تخريجه في آخر الكتاب وفي الفائق "هوش" "4/118" بلفظ: "من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهاره".
وجاء في الشرح: أي من غير وجوه الحل من التهويش وهو التخليط كأنه جمع مهوش وروي تهاوش بالتاء جمع تهواش وهو من هشت مالا حراما أي جمعته وروي تهاوش بالنون فإن صحت فهي المظالم والإجحافات بالناس من قولهم: نهشه إذا جهده. وي القاموس "التهابر": النهابر والنهابير: المهالك.

(2/561)


حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ في المسجد حفرة منكرة وجراثيم وتعاد فأهاب الناس إلى بطحه ...
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابن الزبير: كان في المسجد حفرة1 منكرة وجراثيم وتعاد فأهاب الناس إلى بطحه وأنه لما أراد هدم البيت كان الناس يرون أن ستصيبهم صاخة من السماء وأن ابن مطيع أخذ العتلة من شق الربض الَّذِي يلي دار بني حميد فأقضه أجمع أكتع2.
أخبرنا مُحَمَّد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج.
الجراثيم: جمع جرثومة: وهي أصل مجتمع الحجارة والتراب اللازم للمكان.
والتعادي في المكان: أن يحدودب فيرتفع بعضه وينخفض بعضه وكل ذلك في صلابة والعدواء: الأرض الصلبة.
وَقَوْلُهُ: فأهاب الناس إلى بطحه: أي دعاهم إلى تسويته بالبطحاء وهو حصا ورمل يُقَالُ: أهبت بالرجل إذا دعوته مثل صوت به قَالَ الشاعر:
أهاب بأحزان الفؤاد مهيب
والعتلة: بيرم النجار. والربض أساس البناء والربض ما حوله وأقضه معناه أن يضربه بالعتلة حتى يتركه قضضا وهو دقاق الحجارة.
__________
1 د, ط: "حفر منكرة".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/124 – 127" في حديث طويل وذكره الأزرقي في اخبار مكة "1/205, 209" قصة بناء الزبير للكعبة بألفاظ أخرى عن ابن جريج.

(2/562)


ومن هذا قولهم: جاؤوا قضهم بقضيضهم معناه جاؤوا صغارهم وكبارهم فالقض: الحصا الصغار والقضيض دقاقه وما تكسر منه.
وأكتع: إتباع يراد به التوكيد والصاخة الصاعقة وأصل الصخ الطعن.

(2/563)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ قَتْلُ مَرَوَانَ الضَّحَّاكِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ ثَعْلَبَ بْنَ ثَعْلَبٍ حَفَرَ بِالصَّحْصَحَةِ فَأَخْطَأَتِ اسْتُهُ الْحُفْرَةَ. وأَلْهَفَ أُمٍّ لَمْ تَلِدْنِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ مُحَارِبٍ كَانَ يَرْعَى فِي جِبَالِ مَكَّةَ فَيَأْتِي بِالصُّرْبَةِ مِنَ اللَّبَنِ فَيَبِيعَهَا بِالْقَبْضَةِ مِنَ الدَّقِيقِ فَيَرَى ذَلِكَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ أَنْشَأَ يَطْلُبُ الْخِلافَةَ وَوِرَاثَةَ النُّبُوَّةِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ.
الصحصحة: الأرض المستوية الجرداء قَالَ الشماخ:
بصحصحة يبيت بها النعام2
وهي الصحصح والصحصان أيضا والصربة اللبن الحامض يُقَالُ جاء بصربة تزوي الوجوه3 وقد صرب اللبن في الوطب يصربه صربا إذا حلب
__________
1 الفائق "صحصح" "2/288" والنهاية "صحصح" "3/13" وجاء في الفائق "أخطات استه الحفرة" مثل للعرب تضرب في من لم يصب موضع حاجته أراد بهذا أن الضحاك طلب الظفر والتوثب على المنازل الرفيعة فلم ينل طلبته والرجل من محارب هو الضحاك لأن الضحاك بن قيس الفهري من فهر بن محارب بن مالك بن النضر بن كنانة وقوله: ثعلب بن ثعلب جعله نتزأ له والمثل في اللسان "ستة" ومجمع الأمثال "1/245" والمستصفى "1/102".
2 قال محقق الديوان "461" شطر بيت نسب للشماخ في الفائق ولم أعثر على شطره الأول.
3 د, ح: "بزوي الوجه".

(2/563)


بعضه على بعض وتركه حتى يحمض ويقال: شربت لبنا صربا وصريبا قَالَ الشاعر:
سيكفيك صرب القوم لحم مغرض ... وماء قدور في القصاع مشيب1
__________
1 اللسان والتاج "شوب" برواية: "لحم معرص" ومعرص: ملقى في العرص ليجف وجاء في البيت في مادة "صرب" برواية "لحم مغرض" و "ماء قدور في الجقان مشوب" وعزي لسليك بن السلكة السعدي.

(2/564)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ وَقَعَ حَبَشِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَأَمَرَ أَنْ يَدْلُوا مَاءَهَا1.
مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءَ.
[206] قوله: يدلوا: / أي ينزحوها بالدلاء يُقَالُ: دلوت الدلو إذا نشطتها وأدليتها إذا ألقيتها في البئر فإن أرسلت في بئر أو في مهواة شيئا غير الدلو كالحبل ونحوه قلت: دليته تدلية. فأما قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} 2 فالمعنى أَنَّهُ غرهما. يُقَالُ دلاه بحبل غرور إذا غره والتدلية والحبل مثلان قَالَ الشاعر:
وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور3
__________
1 أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "1/162" بلفظ "أن ينزف" بدل "أن يدلو".
2 سورة الأعراف: "22".
3 اللسان "حمد" برواية "وإن الذي يمسي ودنياه همه" وعزي للشويعر الحنفي وسمي بهذا الاسم لقوله هذا البيت واسمه هانيء بن توبة الشيباني.

(2/564)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ ثَلاثًا يُوَاصِلُ ثُمَّ يُصْبِحُ وَهُوَ أليث أصحابه1.
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/335" بلفظ "كان ابن الزبير بواصل سبعة أيام ويصبح يوم السابع وهو أليثنا" وكذلك بن الجوزي في صفة الصفوة "1/767" وابن كثير في البداية والنهاية "8/334 – 335" وذكره صاحب كنز العمال "13/471" بلفظ "يواصل سبعة أيام فلما كبر جعلها خمسا فما كبر جدا جعلها ثلاثا وعزاه لابن جرير.

(2/564)


حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ بِإِسْنَادٍ لا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ.
قوله: أليث معناه أشد وأجلد يُقَالُ رجل مليث أي شديد ولذلك سمي الأسد ليثا. قال حميد بن ثور:
فلما ارعوى للزجر كل مليث ... كحيد الصفا يتلو جرانا مقدما1
__________
1 الديوان "13".

(2/565)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا احْتَرَقَتْ نَغَضَتْ وَأَخَافَتْ فَأَمَرَ بِصُوَارٍ فنصبت حَوْلَهَا ثُمَّ سُتِرَ عَلَيْهَا فَكَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ مِنْ وَرَائِهَا وَهُمْ يَبْنُونَ فِي جَوْفِهَا1.
مِنْ حَدِيثِ الْوَاقِدِيِّ.
قوله: نغضت: أي وهت وقلقت. يُقَالُ: نغض الشيء إذا تحرك ينغض نغضا وأنغضه غيره إذا حركه. قال اللَّه تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} 2 ومن هذا قيل للظليم نغض وذلك لأنه يحرك رأسه إذا عدا.
والصواري بلغني أنها دقل السفن.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/215 – 216" رواية عن الواقدي بمعناه بألفاظ أخرى.
2 سورة الاسراء: "51".

(2/565)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: "لا تحل العرابة للمحرم"1.
__________
1 سيأتي بخريجه.

(2/565)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طاووس قل سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: لا تَحِلُّ الْعَرَابَةُ يَعْنِي لِلْمُحْرِمِ فَذَكَرْتُهُ لابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ صَدَقَ1.
معنى العرابة ما قبح من الكلام والتعريب مثله وهو أن يرفث في قوله: ويعرض بذكر الجماع ونحوه.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} 2 فَفَسَّرَهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سفيانعن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} قَالَ: الرَّفَثُ الَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا لَيْسَ بِالرَّفَثِ الَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} 3 قَالَ وَمِنَ الرَّفَثِ التَّعْرِيضِ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ وَهِيَ الْعَرَابَةُ فِي كَلامِ العرب4.
__________
1 أخرجه الطبري في تفسيره "2/274" محرما وذكره السيوطي في الدر المنثور "1/220" وعزاه لابن أبي شيبة.
2 سورة البقرة: "197".
3 سورة البقرة: "187".
4 أخرجه الطبري في تفسيره "2/273, 264" والسيوطي في الدر المنثور "1/219".

(2/566)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ تَغَشَّاكُمْ سَحَابُهُ وَأَحْدَقَ بِكْمُ رَبَابُهُ وَاخْلَوْلَقَ بَعْدَ تَفَرُّقٍ وَارْجَحَنَّ بَعْدَ تَبَسُّقٍ وَهُوَ مِنْضَاخٌ عَلَيْكُمْ بِوَابِلِ الْبَلايَا تَتْبَعُهَا الْمَنَايَا فَاجْعَلُوا السُّيُوفَ لِلْمَنَايَا فُرَضًا

(2/566)


وَرَهِيشُ الثَّرَى غَرَضًا وَاسْتَعِينُوا عَلَى ذلك بالصهر فَإِنِّهُ لَنْ تُدْرَكَ مَكْرُمَةٌ مُونِقَةٌ وَلا فَضِيلَةٌ سَابِقَةٌ إِلا بِالصَّبْرِ1.
يرويه عبد الله بْنُ الأَجْلَحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ.
الرباب / من السحاب ما تدانى منها فرئي كالمتعلق بها قَالَ الشاعر: [207]
كأن الرباب دوين السما ... ء نعام تعلق بالأرجل2
وَقَوْلُهُ: اخلولق: أي اجتمع وتهيأ للمطر وخلاقة المطر في السحاب علامته.
وَقَوْلُهُ: ارجحن: أي ثقل حتى مال من ثقله.
وَقَوْلُهُ: بعد تبسق: أي طول وارتفاع يُقَالُ بسق الشيء إذا طال وارتفع.
وَقَوْلُهُ: وهو منضاخ3 عليكم: أي منصب عليكم يُقَالُ: انضاخ الماء وانضخ إذا انصب. والوابل أشد المطر
__________
1 الفائق "ربب" "2/31" والنهاية "ربب" "2/181" و"رهش" "2/282".
2 كذا في د وفي س, واللسان والتاج "ربب" "دوين السحاب" وعزي لعبد الرحمن ابن حسان على ما ذكره الأصمعي في نسبة البيت إليه قال ابن بري: ورأيت من ينسبه لعروة بن جلهمة المازني.
3 كذا في جميع النسخ وفي الفائق "وهو منصاح عليكم" وجاء في الشرح: المنصاح: مطاوع صاحه يصوحه إذاشقه يعني هو منفق عليكم بوابل قال عبيد بن الأبرص في صفة السحاب:
فثج أعلاه ثم اتج أسفله ... وضاق ذرعا بحمل الماء منصاح
وجاء في النهاية "صوح" "3/58" برواية: "فهو ينصاح عليكم بوابل البلابل" أي ينشق عليكم.

(2/567)


وَقَوْلُهُ: اجعلوا السيوف للمنايا فرضا أي طرقا إلى المنايا وأصل الفرض المشارع إلى الماء واحدها فرضة.
وَقَوْلُهُ: ورهيش الثرى غرضا فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون أراد لزوم الأرض يقاتلون على أرجلهم لئلا يحدثوا أنفسهم بالفرار وكذلك يفعل البطل إذا رهق نزل عَنْ دابته واستقتل1 لعدوه.
والآخر: أن يكون أراد به القبر يقول: اجعلوا غايتكم الموت2.
والرهيش من التراب: المنثال الَّذِي لا يتماسك والارتهاش: الاضطراب.
__________
1 ح: "واستقبل" وجاء في د بالوجهين معا".
2 س: "واجعلوا عنايتكم".

(2/568)


حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ واثلة
حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ هَدْمَ الْبَيْتِ لِتَبْنِيَهُ بِالْخَشَبِ وَكَانَ الْبِنَاءُ الأَوَّلُ رضما ... ".
...
حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ هَدْمَ الْبَيْتِ لِتَبْنِيَهُ بِالْخَشَبِ وَكَانَ الْبِنَاءُ الأَوَّلُ رَضْمًا إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ عَلَى سُورِ الْبَيْتِ مِثْلَ قِطْعَةِ الْجَائِزِ تَسْعَى إِلَى كُلِّ مَنْ دَنَا مِنَ الْبَيْتِ فَاتِحَةً فَاهًا فَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ وَقَالُوا: رَبَّنَا لَمْ نُرَعْ أَرَدْنَا تَشْرِيفَ بَيْتِكَ قَالَ: فَسَمِعْنَا خَوَاتًا مِنَ السَّمَاءِ فَإِذَا بِطَائِرٍ أَعْظَمُ مِنَ النِّسْرِ فَغَرَزَ مَخَالِيبَهُ فِي قَفَا الْحَيَّةِ فَانْطَلَقَ بِهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنِ أَبِي الطُّفَيْلِ.
قوله: رضما: أي مبنيا بالحجارة.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: بنى فلان داره فرضم فيها الحجارة رضما.
قَالَ: والرضام: صخور عظام أمثال الجزر واحدتها رضمة وسور البيت أعلاه ومنه سورالمدينة.
والجائز: الخشبة المعترضة في السقف توضع عليها أطراف الجذوع.
والخوات: حفيف جناح الطائرالضخم. يُقَالُ خاتت العقاب تخوت خوتا وخواتا وخات البازي على الصيد إذا انقض.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/102" في حديث طويل وفيه "فسمعوا خوارا في السماء" وذكره الهيثمي في مجمعه "3/289" بطوله وأخرج الإمام أحمد في مسنده "5/455" طرفا مِنه.

(2/569)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلَ جَانٌّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ انْقَلَبَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ دُوَرِ بَنِي سَهْمٍ عَرَضَ لَهُ شَابٌّ مِنْ بَنِي سَهْمٍ أَحْمَرُ أَكْشَفُ أَزْرَقُ أَحْوَلُ أَعْسَرُ1 فَقَتَلَهُ فَثَارَتْ بِمَكَّةَ غَبْرَةٌ حَتَّى لَمْ تُبْصَرَ لَهَا الْجِبَالُ2.
حَدَّثَنِيهُ الْخُزَاعِيُّ عن عمه أخبرنا الأزرقي عن جده أخبرنا سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ.
الأكشف: تتشاءم به العرب وهو الَّذِي تنبت له شعرات3 في قصاص ناصيته ثائرة لا تكاد تسقط ولا تسترسل عليها والأكشف من الخيل ما له دائرة في ذلك الموضع وهو مما يتشاءم به أيضا.
[208] قَالَ الأصمعي: والاسم منه الكشفة. كالصلعة / والجلحة والنزعة والقزعة من قزع الرأس.
__________
1 ط: "أعبس" بدل "أسر".
2 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "2/15" عن بشر بن تيم عن أبي الطفيل بطوله والحديث في الفائق "جنن" "1/239" وفيه: عن ابن عباس: الجنان: مسيخ الجن, كما مسخت القردة من بني إسرائيل هو العظيم من الحيات".
3 د, ط: "شعيرات" وفي القاموس "قصص" قصاص الشعر: حيث تنتهي نبتته من مقدمه أو مؤخره.

(2/570)


حَدِيثِ وَحْشِيٍّ مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ
حَدِيثِ وَحْشِيٍّ فِي قِصَّةِ مَقْتَلِ حَمْزَةَ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَبَيَّنَّا أَنَا أَلْتَمِسَهُ إِذَا طَلَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ حَذِرٌ ... ".
...
حَدِيثُ وَحْشِيٍّ مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ وَحْشِيٍّ فِي قِصَّةِ مَقْتَلِ حَمْزَةَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَطْلُبُهُ يوم أحد فبينا أنبأنا ألتمسه إذ طَلَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ حَذِرٌ مَرِسٌ كَثِيرُ الالْتِفَاتِ فَقُلْتُ مَا هَذَا صَاحِبِي الَّذِي أَلْتَمِسُ فَرَأَيْتُ حَمْزَةَ يَفْرِي النَّاسَ فَرْيًا فَكَمَنْتُ لَهُ إِلَى صَخْرَةٍ وَهُوَ مُكَبِّسٌ لَهُ كَتِيتٌ فَاعْتَرَضَ لَهُ سَبَّاعُ بْنُ أُمِّ أَنْمَارَ فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ إِلَيَّ فَاحْتَمَلَهُ حَتَّى إِذَا بَرِقَتْ قَدَمَاهُ رَمَى بِهِ فَبَرَكَ عَلَيْهِ فَسَحَطَهُ سَحْطَ الشَّاةِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ مُكْبِسًا حِينَ رَآنِي وَذَكَرَ مقتله لما وطىء عَلَى جُرُفٍ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ1.
يَرْوِيهِ الواقدي حدثني محمد بن عبد الله بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا.
قوله: مرس أي شديد الممارسة للحرب بصير بأمرها.
وَقَوْلُهُ: يفري الناس فريا أي يشق صفوفهم شقا.
يُقَالُ: فلان يفري الفري وهو أن يبالغ في الأمر حتى يتعجب منه والفري: الأمر العظيم. ومنه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عُمَرَ: "فَلَمْ أَرَ عَبْقِرِيًّا يَفْرِي فَرْيَهُ" 2. وَقَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/285" وفيه: "فشحطه شحط الشاة" بدل "فسحطه سحط الشاة".
2 سبق تخريجه وفي النهاية "فرى" وبروى: "يفري فرية" بسكون الراء والتخفيف وحكى عن الخليل أنه أنكر التثقيل, وغلط قائله.
وفي القاموس "فرى" وهو يقري الفري كغنى: يأتي بالعجب في عمله.

(2/571)


سمعن لها واستفرغت فِي حَدِيثِها ... فلاشيء يفري باليدين كما تفري
قَالَ الليث: يُقَالُ في صفة الشجاع: ما يفري أحد فريه مخففة ومن ثقل فقد غلط.
وَقَوْلُهُ: مكبس: أي مطرق وقد كبس الرجل إذا قطب يُقَالُ: عابس كابس وقد كبس رأسه في ثوبه إذا أدخله فيه وقد يكون المكبس بمعنى المقتحم.
والكتيت: الهدر والغطيط. يُقَالُ كت الفحل. إذا هدر وكتت القدر إذا غلت قَالَ الطرماح:
ويبيت جلهم يكت كأنه ... وطب يكون إناه بالأسحار1
يريد وقته الَّذِي يمخض فيه.
وَقَوْلُهُ: برقت قدماه:2 يريد أَنَّهُ قد أقله من الأرض حتى ترتفع قدماه عَنْ وجهها فلا يقدر أن يتماسك ومنه قولهم: برق بصره أي ضعف ونبا والأصل في هذا أن يرعى الرجل البرق ولمعانه فيضعف بصره ويتحير ثم استعمل في الضعف في كل شيء.
وَقَوْلُهُ: سحطه: أي ذبحه والسحط:3 الذبح الوحي.
__________
1 الديوان "236" يصفهم بكثرة الأكل وقلة الفكر.
2 ح, ط "برقت قدماه: أي ضعفتا يريد أَنَّهُ قد أقله من الأرض".
3 ط: "شحطه: والشحط" وفي القاموس "شحط" شحط الجمل: ذبحه وبالسين أعلى.

(2/572)


حديث أذينة العبدي
حديث أذنية أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الظُّفْرِ فرش من الإبل
...
حَدِيثُ أُذَيْنَةَ الْعَبْدِيِّ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُذَيْنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الظُّفْرِ فَرْشٌ من الإبل1.
حدثناه عبد الرحمن بن الأسد أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أُذَيْنَةَ.
الفرش صغار الإبل وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} 2
قَالَ الأصمعي: والحاشية صغار المال وَقَالَ الأحمر الدهداه مثل ذلك وأنشد:
قد شربت إلا الدهيدهينا ... قليصات وأبيكرينا3
قَالَ الفراء: جولان المال: صغاره ورديئه.
وهذا كحديث عُمَر: أَنَّهُ حكم في الظفر بقلوص4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/392" بلفظ "فيها فرش من الأبل يعني صغيرا" والحديث في الفائق "فرش" "3/113" والنهاية "3/430".
2 سورة الأنعام: "142".
3 اللسان "دهده" برواية: "قد رويت غير الدهيدهينا" وفي التكملة: الرواية:
قد رويت إلا دهيدهينا ... إلا ثلاثين وأربعينا
أبيكرينا وأبيكرينا
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/392" بلفظ "وقضى في الظفر إذا اعور وفسد بقلوص".

(2/573)


حَدِيثُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ الله عنها
حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ حَوْفٌ فَمَا هُوَ إِلا أَنْ تَزَوَّجَنِي فَأُلْقِيَ عَلَيَّ الحياء".
...
حَدِيثُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
[209] وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: تزوجني رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ / وَعَلَيَّ حَوْفٌ فَمَا هُوَ إِلا أَنْ تَزَوَّجَنِي فَأُلْقِيَ عَلَيَّ الْحَيَاءُ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا الحميدي أخبرنا سفيان أخبرنا سعيد بن المرزبان عن عبد الرحمن بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ سفيان: الحوف: ثياب من سيور تلبسه الأعراب أولادهم.
قَالَ الأصمعي: الحوف البقيرة يلبسها الصبي.
وَقَالَ غيره: الحوف: جلد يشق كهيئة الإزار فيلبسه الصبيان.
أرادت أنها كانت من الصبا وحداثة السن في حال من يلبس هذا اللباس.
وَفِي حَدِيثٍ لَهَا آخَرُ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وأنا ابنة تسع وقالت: إِنِّي لأُرَجِّحُ بَيْنَ عَذْقَيْنِ إِذَ جَاءَتْنِي أُمِّي فَأَنْزَلَتْنِي حَتَّى انْتَهَتْ بِي إِلَى الْبَابِ وَأَنَا أَنْهَجُ فمسحت وجهي بشيء من
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده "1/114" وذكر تفسير سفيان للحوف, وذكره الهيثمي في مجمعه "9/227" بأتم من هذا وفيه: "على خوف" تصحيف وعزاه لأبي يعلى والطبراني وذكره الحافظ في المطالب العالية "4/128" وعزاه لأبي يعلى الحميدي.
والحديث في الفائق "حوف" "1/338" والنهاية "حوف" "1/462".

(2/574)


مَاءٍ وَفَرَقَتْ جُمَيْمَةً كَانَتْ عَلَيَّ ودخلت على رسول الله1.
العَذق: مفتوحة العين النخلة. والعِذق: الكباسة.
وَقَوْلُهَا: أنهج تريد أَنَّهُ2 علاها البهر يُقَالُ: أنهج الرجل إذا انبهر ووقع عليه النفس والبهر وقد أنهجت الدابة إذا سرت عليها حتى صارت كذلك.
قَالَ الكسائي: يُقَالُ: عدا الرجل حتى أفثخ وأفثأ وباخ إذا أعيا وانبهر.
__________
1 د, ح: "ودخلت بي على رسول الله" وفي مسند أحمد "6/211" "ثم دخلت بي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم جالس".
أخرجه البخاري في مناقب الأنصار "5/71" وابن ماجة في النكاح "1/603" والدارمي في النكاح أيضا "2/159" باختلاف بعض الألفاط وأخرجه الإمام أحمد في مسنده "6/211" بهذه الألفاظ في حديث طويل وهم متفقون في قولهم: "بنت ست سنين" بدل "سبع سنين" وأخرجه الحميدي في مسنده "1/113" مختصرا بلفظ "وأنا بنت ست سنين أو سبع" وانظر مجمع الزوائد "9/226" وأخرجه ابن سعد في طبقاته "8/60 – 61" حديثين في احدهما: "بنت سبع".
2 ح, ط: "بريد أنها قد علاها البهر".

(2/575)


المروط: أكسية من صوف واحدها مرط.
وقولها: أكنف معناه أستر وأغلظ وأصل الكنف الستر ومنه سمي الترس كنيفا وذلك لأنه يستر صاحبه ويحوطه. والكنيف الحظيرة تعمل من أغصان الشجر والحجارة للإبل والغنم تسترها من الريح وتحفظها من عوادي السباع قَالَ رؤبة:
إذا ارتمى الأرواح بالكنيف1
ومن هذا قيل للمواضع التي يستخلي فيها الناس لقضاء الحاجة في دورهم الكنف وكانوا من قبل ينتابون الغيطان وهي بطون الأرض فيقول القائل منهم: أتيت الغائط فلما حفرت الآبار وضربت عليها الجدر سميت كنفا.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الْعِرَاكِ فَقَالَتْ: كان رسول الله يَتَوَشَّحُنِي وَيَنَالُ مِنْ رَأْسِي وَأَنَا حَائِضٌ2.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ.
العراك: الحيض يُقَالُ: عركت المرأة تعرك فهي عارك بغير هاء ونساء عوارك قَالَ الشاعر:
غسل العوارك حيضا بعد أطهار3
ويقال أيضا: نفست المرأة ودرست إذا حاضت ونفست من النفاس.
وقولها يتوشحني من المعانقة وينال من رأسي تريد القبلة.
__________
1 في الديوان "101" قصيدة بهذه القافية ولم يرد فيها هذا البيت.
2 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "6/219" بطوله وأخرجه في "6/187" والدارمي في كتاب الوضوء "1/244" مختصرا.
3 اللسان والتاج "عرك" وعزي للخنساء وصدره: "لا نوم أو تغسلوا عارا أظلكم".
وفي شرح الديوان "117" وروي الشطر الأول: "فتغسلوا عنكم عارا تجللكم".

(2/576)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَيْمَنَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا دِرْعٌ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمٍ [210] وَقَالَتْ:1 إِنَّ جَارِيَتِي تُزْهَى أَنْ تَلْبِسَهُ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهَا دِرْعٌ عَلَى عهد رسول الله فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ2.
حَدَّثَنِيهُ خلف الخيام أخبرنا إبراهيم بن معقل أخبرنا البخاري أخبرنا أبو نعيم أخبرنا عبد الواحد بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ.
قولها تقين أي تزف فتزين لزمانها والتقين التزين.
قَالَ أَبُو عمرو: وأصله من اقتان النبت اقتيانا إذا حسن.
قَالَ: ومنه قيل للمرأة مقينة أي أنها تزين.
وَقَالَ غيره: القينة الماشطة والقينة المغنية والقينة الجارية وكل صانع عند العرب قين. قال الشاعر:
ولي كبد مقروحة قد بدت بها ... صدوع الهوى لو كان قين يقينها3
__________
1 ح: "فقال".
2 أخرجه البخاري في الهبة "3/216"ز
3 اللسان والتاج "قين" أنشده الكلابي أبو الغمر لرجل من أهل الحجاز برواية:
"صدوع الهوى لو أن قينا يقينها"

(2/577)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ مِنَ الدُّوَارُ أَوِ الدُّوَامِ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ فِي سَبْعِ غَدَوَاتٍ عَلَى الريق1.
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/18" عن ابن نمير وانظر الفائق "دوم" "445" وليس فيه لفظ "الدوار" وكذلك في النهاية "2/132" "دوم".

(2/577)


يرويه عبد الله بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
الدوام كالدوار وهو ما يأخذ الإنسان في رأسه فيدار به ومنه تدويم الطائر وهو أن يستدير في طيرانه ومنه اشتقت الدوامة التي يلعب بها وقد استدام الرجل إذا استدار قَالَ جرير:
إذا أرسلت صاعقة عليهم ... رأوا أخرى تخرق فاستداموا1
أي يدار بهم الفزع.
والتدويم أيضا في الطير: أن يسكن الطائر جناحيه يُقَالُ: دوم الطائر ومنه قولهم ماء دائم إذا راكدا لا يجري.
__________
1 اللسان والتاج "دوم" والديوان "417" برواية:
إذا أوقعت صاعقة عليهم ... رأوا أخرى تحرق فاستداموا

(2/578)


ويقال هذا كلام أعور قَالَ الشاعر:
وداهية داهى بها القوم مفلق ... شديد بعوران الكلام أزومها1
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمْ تَكُنْ واحدة من نساء النبي تُنَاصِينِي فِي حُسْنِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ2.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. قولها: تناصيني: أي تنازعني والأصل في المناصاة: أن يختصم اثنان فيأخذ هذا بناصية ذاك وذاك بناصية هذا. يُقَالُ: تناصى الرجلان إذا فعلا ذلك.
وَمِنْهُ حديث عبيد الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ:3 أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لما قتل خرج ابنه عبيد الله فَقَتَلَ [211] الْهُرْمُزَانِ وَابْنَةً لَهُ صَغِيرَةً ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاهُ بِالسَّيْفِ فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَأَنْكَرَ عُثْمَانُ قَتْلَهُ النَّفَرَ فَثَارَ إِلَيْهِ فَتَنَاصَيَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَتَنَاصَيَا4: أَيْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَاصِيَةِ صَاحِبِهِ5 والناصية: الشعر المسترسل على الجبهة ومنه الحديث في الخيل أنها معقود
__________
1 الكامل للمبرد "1/107".
2 لم أجده بلفظ "تناصيني" وقد أخرجه البخاري في مواضع منها في الشهادات "3/231" بلفظ "تساميني" في سياق حديث آخر وكذلك مسلم في فضائل الصحابة "4/1892" والتوبة "4/213" والنسائي في عشرة النساء "7/65" وغيرهم وأخرجه أبو نعيم في الحلية "2/53" بلفظ "تساميني" وبلفظ "تساويني".
3 د: "عن سعيد بن المسيب".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/478 – 479" وليس فيه "ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أبي وقاص فتناصيا" وابن سعد في طبقاته "3/355" بأتم من هذا عن الزهير.
5 ط: "أَيْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ناصية صاحبه".

(2/579)


بنواصيها الخير1 وَقَالَ عمرو بن معد يكرب:
أعباس لو كانت شيارا جيادنا ... بتثليث ما ناصيت بعدي الأحامسا2
والشيار: السمان يُقَالُ: اشتارت الإبل إذا سمنت.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها في الخمس "4/104" ومسلم في الإمارة "3/1493" وسعيد بن منصور في سننه "2/174" وغيرهم.
2 معحم ما استعجم "تثليث" "1/304" وجاء فيه "يخاطب عباس بن مرداس.
والبيت في شعر عمرو بن معد يكرب "111" واللسان "شور" برواية "ما ناصيت" وناصيت: نازعت والأحامس: جمع أحمس وهو المشتد الصلب في الدين.
قال ابن الأعرابي: أراد قريشا وقال ابن هشام والأصمعي: أراد بني عامر بن صعصعة لأن قريشا ولدتهم وقال ابن قتيبة الأحامس: الأشداء.

(2/580)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْعَقِيقَةِ: تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ وَتُقَطَّعُ جُدُولا وَلا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ1.
يَرْوِيهِ يحيى بن حكيم المقوم2 أخبرنا يزيد بن هارون أنبأنا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءَ عَنْ أُمِّ كَرَزٍ عن عائشة.
الجدول: جمع جدل وهو العضو ومثله الكسر والوصل والإرب والشلو قَالَ الشاعر:
لو كنت عيرا كنت عير مذلة ... ولو كنت كسرا كنت كسر قبيح3
والقبيح: العظم الَّذِي يلي المرفق من العضد ويقال من الساعد.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "4/238" عن يزيد بن هارون.
2 في التقريب "2/345" يحيى بن حكيم المقوم بتشديد الواو المكسورة أبو سعيد البصري ثقة حافظ عابد مصنف مات سنة "256" هز
3 اللسان والتاج "كسر" دون عزو وجاء في اللسان قال ابن خالويه: وهذا النوع من الهجاء هو عندهم من أقبح ما يهجى به.

(2/580)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتِ امْرَأَةً شَلاءً فَقَالَتْ: رَأَيْتُ أُمِّي فِي الْمَنَامِ وَفِي يَدِهَا شَحْمَةٌ وَعَلَى فَرْجِهَا جُرَيْدَةٌ وَهِيَ تَشْكُو الْعَطَشَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْقِيهَا فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي أَلا مَنْ سَقَاهَا شُلَّتْ يَمِينُهَا فَأَصْبَحْتُ كَمَا تَرَيْنَ1.
حَدَّثَنِيهُ أَبُو بكر الرازي حدثنا عمر بن أحمد أخبرنا محمد بن الليث أخبرنا عبد الله بن عثمان أخبرنا الْحَكَمُ عَنْ مُنَيْفَةَ بِنْتِ زَرْبِيٍّ عَنْ عَائِشَةَ.
جُرَيْدَةٌ: تَصْغِيرُ جَرْدَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الْبَالِيَةُ وَثَوْبٌ جَرْدٌ أَيْ خَلِقٌ.
يُقَالُ: عِنْدِي جَرْدُ ثَوْبٍ وَسَحْقُ ثَوْبٍ وَسَمْلُ ثَوْبٍ.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/370" بنحوه بلفظ "أن امرأة جاءت إلى بعض أَزْوَاجُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وبطريقه أخرجه الحاكم في المستدرك "4/461, 472" وانظر الفائق "جرد" "1/207" والنهاية "جرد" "1/257"

(2/581)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الإِفْكِ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وفيها أن رسول الله أَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبَرْحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
قولها: موغرين: أي مهجرين. يُقَالُ: رأيت فلانا في وغرة2 الهاجرة وذلك حين تكون الشمس في كبد السماء ومنه وغر الصدر وهو التهاب الحقد وتوقده في القلب ومن هذا إيغار الماء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/410 – 419" في حديث طويل وهو حديث الإفط وقد بقدم تخريجه.
2ح: "في وغز الهاجرة".

(2/581)


قال يعقوب: هو أن تسخن الحجارة ثم تلقي في الماء لتسخنه.
والبرحاء: شدة الكرب مأخوذ من قولك: برحت بالرجل إذا بلغت به غاية الأذى والمشقة ويقال: لقيت منه البرح أي شدة الأذى.
ومما جاء على وزنه الرحضاء وهو عرق المحموم. والعرواء نافض الحمى والمطواء من التمطي والطلعاء [212] القيء لطلوعه من الحلق والسوعاء المذي قاله / ابن الأعرابي.
وحكى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ قلت لرؤبة ما الودي قَالَ السوعاء.

(2/582)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله عَلَى بَيْتٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا1.
مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَعْنِي مَتَاعَ بَيْتٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
قَالَ الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: عَلَى بَتٍّ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَقَالَ يَحْيَى: لا وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا عَلَى بَيْتٍ تَعْنِي مَتَاعَ بَيْتٍ.
فأما البتُّ: فهو الكساء الغليظ وقد يكون البت أيضا بمعنى البتات وهو المتاع والأثاث. ويقال بتت الرجل بعد فقرة إذا صار له بتات.
وَحَدَّثَنِي إبراهيم بن فراس أخبرنا أبو ميسرة الهمداني أخبرنا أبو هشام الرفاعي أخبرنا ابن اليمان أخبرنا الأَغَرُّ الرُّقَاشِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعُوفِيِّ عن أبي
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/308" رقم النص "1462" وابن سعد في طبقاته "8/60" عن وكيع وغيره وفي "8/59" بلفظ "متاع بيت" عن عطية.

(2/582)


سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ عَلَى مَتَاعِ بَيْتٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ درهما"1.
__________
1 أخرجه ابن ماجة في النكاح "1/608" عن أبي هسام الرفاعي وفيه "الأغر الرقاشي". وفي النسخ كلها "الأغر الرؤاسي" "تحريف" وفي التقريب "1/82" الأغر الرقاشي كوفي مجهول يحتمل أن يكون هو فضيل بن مرزوق.

(2/583)


حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَرَجُلا آخَرَ فَقَالَ: "كُونَا بِمَكَانِ كَذَا حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَانِهَا وتأتياني بها".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عائشة أن رسول اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم بَعَثَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَرَجُلا آخَرَ فَقَالَ: "كُونَا بِمَكَانِ 1 كَذَا حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَانِهَا وَتَأْتِيَانِي بِهَا". قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ2.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يحيى بن عباد بن عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَوْلَهَا: أو شيعه: تريد قدر شهر أو نحوه يُقَالُ: أقمت بالمكان شهرا أو شيع شهر أي مقدار شهر.
__________
1 د: "بمكان كذا كذا" وفي السيرة "2/215" لابن هشام "بمكان يأجج" بدل "كذا وكذا".
2 أخرجه ابن هشام في السيرة "2/215" عن ابن إسحاق وابن كثير في السيرة التبوية "2/516".

(2/583)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخَذَتْهُ غَشْيَةُ مِنَ الْمَوْتِ فَبَكَتْ عَائِشَةُ عَلَيْهِ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ فَقَالَتْ:
مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... لا بُدَّ يَوْمًا إنَّهُ مُهَرَاقُ
قَالَ: فَأَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: بل جاءت سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كنت منه تحيد1.
__________
1أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/563" وابن سعد في طبقاته "3/197" عن حماد بن أسامة عن هشام وجاء الشطر الثاني بلفظ "فإنه لا بد مرة مدفوق" والبيت في الفائق "قنع" "3/230" برواية الخطابي.
وقوله: بل جاءت سكرة. إلخ اقتباس من الآية الكريمة {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} وهي برقم 19 من سورة ق.

(2/583)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ1 عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ لَهُ.
قوله:2 مقنعا تفسيره عَنِ الخليل محبوسا في جوفه وروي البيت على هذا النحو:
ومن لا يزال الدم فيه مقنعا ... فلا بد يوما أنه مهراق
__________
1 في مصنف عبد الرزاق "3/39" عن معمرو بن جريج.
2 ط, ح: "قولها".

(2/584)


حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "لَمَّا قبض رسول الله ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً وَعَادَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ كَأَنَّهُمْ مِعَزَى مَطِيرَةٌ في خفش".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً وَعَادَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ كَأَنَّهُمْ مِعَزَى مَطِيرَةٌ فِي خِفْشٍ1.
حَدَّثَنِيهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراس أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا الهيثم بن أيوب أخبرنا عبد العزيز ابن محمد الدراوردي أخبرنا عبد الواحد بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَنَاحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ عَنِ الدَّرَاوُرْدِيِّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: فِي حِفْشٍ وَلَمْ يَقُلْ فِي خِفْشٍ.
أما الحفش: فإنه معروف وهو كالبيت الصغير وسمي حفشا لضيقه وانضمامه.
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالية "39" بلفظ "كأنهم معزى طرت في حوش" بدل "مطيرة في خفش" وعزاه لابن أبي عمر وذكره الهيثمي في مجمعه "9/50" مختصرا وانظر النهاية "خفش" "2/53".

(2/584)


والتحفش: الاجتماع والانضمام. قَالَ الأصمعي: تحفش القوم إذا اجتمعوا قَالَ رؤبة:
بعد احتضان الحظوة الحفوش1
وأما الخفش: بالخاء معجمة فلا أراه شيئا إنما هو الخفش مفتوحة الخاء والفاء مصدر / خفشت [213] عينه خفشا أي في عمى وحيرة أو في ظلمة ليل أو نحو ذلك وإنما ضربت المثل بالمعزى لأنها من أضعف الغنم وأصردها2 على الندى والمطر.
وَقَالَ دغفل في بني مخزوم: معزى مطيرة علتها قشعريرة.
__________
1 الديوان "79" وفي اللسان "حفش" برواية "الحفوة" بدل "الحظوة".
2 القاموس "صرد" صرد كفرح: وجد البرد سريعا.

(2/585)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ ليُهْدَى لَنَا الْقِنَاعُ فِيهِ تَمْرٌ فِيهِ كَعْبُ مِنْ إِهَالَةٍ ثُمَّ نَفْرَحُ بِهِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
القناع: الطبق يجعل عليه الطعام وهوالقنع أيضا والكعب الشيء اليسير من السمن أو الودك ونحوه.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "1/404".

(2/585)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رسول الله لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتِ امْرَأَةً ثبطة فأذن لها1.
__________
1أخرجه البخاري في الحج "2/203" عن سفيان عن ابن القاسم وعن أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بلفظ "ثبطة" وبلفظ "بطيئة" ومسلم في الحج أيضا "2/939" عن القعنبي عن أفلح وعن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن وابن ماجة في المناسك "2/1007" عن سفيان والدارمي في المناسك "2/58" عن عبيد الله بن عبد المجيد عن أفلح والإمام أحمد في مسنده "6/30, 94".

(2/585)


حدثناه ابن الفارسي أخبرنا علي بن عبد العزيز أخبرنا القعبني أخبرنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ.
وَحَدَّثَنَاهُ الصفار أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ العامري أخبرنا محمد بن عبيد عن عبيد الله عن عبد الرحمن بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
الثبطة: البطيئة وقد ثبطت الرجل عَنْ أمره. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} 1.
__________
1 سورة التوبة: "46".

(2/586)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ لَبِيدٍ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أكنافِهم ... وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلد الأَجْرَبِ
يَتَحَدَّثُونَ مَخَافَةً وَمَلاذَةً ... وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ1
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إِلا أَنَّهُ قَالَ مَخَافَةً وَمَلامَةً.
ورواه ابن المبارك ملاذة وهو الصواب.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/246, 247" بلفظه وابن أبي شيبة في مصنفه "8/703" بلفظ "يتأكلون مشيحة وخيانة" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه وأخرجه ابن المبارك في الزهد "60" رقم الحديث "183" بلفظ "مخافة" بدل "مخانة" وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء "2/139" مختصرا والحافظ في الإصابة "3/327" مختصرا أيضا وفي المطالب العالية "2/400" والبيتان في ديوانه "153" برواية "يتأكلون مغالة وخيانة".

(2/586)


قَالَ المبرد: قوله: في خلف يُقَالُ: هو خلف فلان لمن يخلفه من رهطه وهؤلاء خلف فلان إذا قاموا مقامه من غير أهله وقلما يستعمل خلف إلا في الشر وأصله ما ذكرناه.
قَالَ: والمخانة: مصدر من الخيانة والملوذ الَّذِي لا يصدق في مودته. يُقَالُ رجل ملوذ وملذان وملاذة مصدر.
قَالَ غيره: أصل الملذ السرعة في المجيء والذهاب. يُقَالُ: ذئب ملاذ ورجل ملاذ أي كذاب له قول وليس له فعل قال: والمصدر الملذان.

(2/587)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنِّهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَقْنَ أَكْنَفَ مُرُوطِهِنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا1.
أخبرناه ابن داسة حدثنا أبو داود أخبرنا أحمد بن صالح أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي قُرَّةُ بْنُ عبد الرحمن الْمَعَافِرِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عروة عن عائشة.
__________
1 أخرجه أبو داود في اللباس "4/61" بلفظ "أكنف وأكثف" وأخرجه البخاري في تفسير سورة النور "6/136" عن ابن شهاب بلفظ "شققن مروطهن" والآية في سورة النور: "31".

(2/575)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَلا يَتَوَضَّأُ مِنَ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ.
العوراء: الكلمة الزائغة عَنِ الرشد قال حاتم الطائي:
وعوراء قد أعرضت عنهافلم تضر ... وذي أود قومته فتقوما2
والعور الزيغ والذهاب عَنِ الحق قَالَ العجاج:
وعور الرحمن من ولى العور3
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/127" وابن أبي شيبة في مصنفه "1/134" بلفط "من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه".
2 الديوان "81".
3 الديوان "4" وقبله "قد جبر الدين الإله فجبر".

(2/578)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتِ الدُّنْيَا فَقَالَتْ: قَدْ مَضَى لَذْوَاهَا وَبَقِيَ بَلْوَاهَا1.
اللَّذْوَى اللَّذَّةُ
يُقَالُ لذ الشيء لذاذا ولذاذاة فهو لذيذ ولذ قال الشاعر:
ولذ كطعم الصرخدي تركته ... بأرض العدى من خشية الحدثان2
__________
1 الفائق "لذا" "3/314" والنهاية "لذا" "4/247".
2 اللسان والتاج "لذذ" قال ابن بري: البيت للراعي ولم أقف عليه في شعره ط: دمشق وفي شعره بيتان على وزن والقافية.

(2/587)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي خُطْبَتِهَا حِينَ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَذَكَرَتْ أَبَاهَا فَقَالَتْ: مضى رسول الله مُطَوِّقَهُ وَهْفَ الأَمَانَةِ أَوِ الإِمَامَةِ.
حدثنيه ابن الفارسي أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا سكن بن سعيد أنبأنا يحيى بن زكريا حَدَّثَنِي عَم أَبِي زَحْرِ بْنِ حِصْنٍ عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبِ الْخُطْبَةَ / بِطُولِهَا. [214]

(2/587)


وقد فسرها ابن قتيبة في كتابه1 فأحسن وبالغ إلا في هذا الحرف فإنه قَالَ وهف الأمانة يعني به الصلاة ولست أعرف اشتقاق الحرف.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وبلغني عَنِ العتبي أَنَّهُ قَالَ: وهف الأمانة ثقل الأمانة ولم يذكر فيه شيئا غيره.
وَقَالَ بعض المتأخرين: وهف الأمانة مأخوذ من قول العرب: وهف لي الشيء إذا عرض.
وحكي عَنْ أَبِي زيد: يُقَالُ: ما يوهف له الشيء إلا أخذه وما يطف له شيء أي ما يرتفع له شيء إلا أخذه إيهافا وإطفافا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والجلية في هذا قول ابن الأعرابي قَالَ: وهف الإمامة القيام2 بأمر الدين. قال: وَقَالَ المفضل: الواهف: قيم البيعة.
يُقَالُ: وهف يهف وهفا ذكره أَبُو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي.
وقد روى في بعض الحديث: لا يمنع واهف عَنْ وهفيته ولا قسيس عَنْ قسيسيته ويروى أيضا عَنْ وهافته وقد ذكرناه فيما مضى من هذا الكتاب3.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/455, 456" والحديث في الفائق "2/161".
2 س: "القيام بأمر الدين".
3 تقدم تخريجه.

(2/588)


حَدِيثُ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم
حَدِيثِ حَفْصَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَيْهَا وَنَوَّسَاتُهَا تَنْطُفُ".
...
حَدِيثُ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهَا وَنَوَّسَاتُهَا تَنْطُفُ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: نوساتها تنطف أي تقطر ماء ذوائبها وسماها نوسات لأنها تنوس أي تتحرك فتجيء وتذهب قَالَ الراجز:
فلو رأتني والنعاس غالبي ... على البعير نائسا ذباذبي2
وَقَالَ ذو الرمة:
وجاءت بنسج من صناع ضعيفة ... تنوس كأخلاق الشفوف ذعالبه3
ويقال: نطف الودك ينطف إذا قطر. ومنه الحديث: "رأيت ظلة تنطف سمنا وعسلا" 4 والنطفة: الماء القليل
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/483" وأخرجه البخاري قي المغازي "5/140" بلفظ "ونسواتها تنطف" ثم قال البخاري في آخر الحديث: قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها.
2 الرجز في الجمهرة "1/126" وقال ابن دريد: أنشدناه أبو حاتمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وجاء بعد البيتين: "إذا لقالتلت ليس ذا بصاحتي".
3 الديوان "50".
4 أخرجه البخاري في التعبير "9/55" من حديث ابن عباس ومسلم في كتاب الرؤيا "4/1777" والإمام أحمد في مسنده "1/236" والترمذي في كتاب الرؤيا أيضا "4/542" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ هريرة وغيرهم.

(2/589)


حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ
حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهَا فَقَالَتْ: "أَنَا مُصْبِيَةٌ مُؤْتِمَةٌ ... ".
...
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهَا فَقَالَتْ: أَنَا مُصْبِيَةٌ مُؤْتِمَةٌ, فَتَزَوَّجَهَا فَكَانَ يَأْتِيهَا وَهِيَ تُرْضِعُ زَيْنَبَ فَيَرْجِعُ فَفَطِنَ لَهَا عَمَّارٌ وَكَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَانْتَشَطَ زَيْنَبَ مِنْ حِجْرِهَا. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَاجْتَحَفَهَا وَقَالَ: دَعِي هَذِهِ الْمَقْبُوحَةَ الْمَشْقُوحَةَ الَّتِي قَدْ آذَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ بِهَا1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قولها: مصبية مؤتمة: أي ذات صبيان أيتام وكانت تحت أبي سلمة فتوفي عنها.
وَقَوْلُهُ: فانتشط زينب: أي اجتذبها من حجرها ومنه نشط الدلو من البئر وهو جذبها إذا نزحت الماء.
ويقال: بئر نشطة: إذا كانت قريبة تخرج الدلو منها بجذبة واحدة وبئر أنشاط إذا كانت بعيدة القعر.
وَقَوْلُهُ: اجتحفها: أي استلبها من حجرها. يُقَالُ: جحفت الكرة واجتحفتها من وجه الأرض.
ورواه الْحَسَن بن علي الحلواني عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وأبي عاصم عَنِ ابن
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "6/315, 316" وابن سعد في طبقاته "8/89" والحاكم في المستدرك "4/16" وذكره صاحب كنز العمال "13/699" رواية أخرى بلفظ "فاختلحها" بدل "فاجتحفها" وعزاه لابن عساكر وكذلك ابن سعد في طبقاته "8/93" والشافعي في مسنده كما في بدائع المنن "2/475".

(2/590)


جريج: فاجتلحها, قَالَ: ثم شك أَبُو عاصم فَقَالَ: فاختلجها.
وفي المشقوحة / قولان: أحدهما أَنَّهُ إتْباع, كقولك: حسن بسن وعطشان نطشان, يُقَالُ: فلان قبيح [215] شقيح, وقُبحا له وشُقحا, وقَبحا له وشَقحا وأقبح به وأشقح. قال الراجز:
أقبح به من ولد وأشقح ... مثل جري الكلب لا بل أقبح1
ويروى لم يفقح.
والإتباع في كلامهم على ضربين: أحدهما أن يُقَالُ: بغير واو كما يُقَالُ: حسن بسن, وحار بار ,وكثير بثير2, وضال ثال.
والوجه الآخر: أن يفصل بين الكلمتين بواو كقولهم: جوعا له ونوعا3, وقبحا له وشقحا, وماله عافطة ولا نافطة, وماله حم ولا زم, أي ماله شيء.
والقول الآخر في المشقوحة: أن يكون من سوء اللون وتغيره.
قَالَ أَبُو زيد: قولهم: شقيح هو المتغير اللون من قولك: شقح البسر إذا تغير عَنِ الخضرة.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ4 بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ لَمَّا جِيءَ بِهِ إلى
__________
1 في الجمهرة لابن دريد "2/159" وعزي للأحوص هو في شعره "90" برواية "لم يفقح" وفي الحيوان "1/254" معزو لأبي اللأحوص يهجو ابنا له.
2 س:"كثير ثبير" "تصحيف" والمثبت من باقي النسخ وفي القاموس "بثر" وكثير بثير: إتباع.
3 ط: "جوعا له ثوعا" "تصحيف" وفي القاموس "نوع" النوع: العطش, ومنه الدعاء عليه: جوعا ونوعا.
4 المغازي للواقدي "2/513 – 514".

(2/591)


رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءُوا بِهِ مَجْمُوعَةٌ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ شُقَحِيَّةٌ1 قَدْ لَبِسَهَا لِلْقَتْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ طَلَعَ: "أَلَمْ يُمَكِّنَ اللَّهُ مِنْكَ؟ ". قَالَ: بَلَى ولَقَدْ قَلْقَلْتَ2 كُلَّ مُقَلْقَلٍ وَلَكِنْ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهُ يُخَذْلُ3.
فيقال: أَنَّهُ أراد حلة حمراء وقد روي من طريق آخر أَنَّهُ أتي به في حلة حمراء ويقال: بل أراد حلة لونها لون البسر إذا تغير عَنِ الخضرة.
__________
1 ط: حلة شقيحة "تحريف" وفي القاموس "شقح" وحلة شقيحة كعرنية: حمراء.
2 القاموس "قلل" قلقل في الأرض: ضرب فيها.
3 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/513, 514" في حديث طويل وأخرجه ابن هشام في السيرة "3/241" وابن كثير في السيرة النبوية "3/239" بلفظ "عليه حلة له فقاحية" والحديث في الفائق "شقح" "2/257".

(2/592)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا فَقَالَتْ: زَوْجِي تُوُفِّيَ أَفَأَكْتَحِلُ فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ لا آمُرُكِ بِشَيْءٍ نَهَى اللَّهُ وَرُسُولُهُ عَنْهُ وَإِنْ تَفَاقَعَتْ عَيْنَاكِ1.
يَرْوِيهِ: مُحَمَّدُ بن سنان العوقي أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ.
قولها: تفاقعت: أي رمصت وابيضت أجفانها ومنه قيل للزبد الَّذِي يطفو على متن الماء ويرتفع منه فقاقيع الماء.
والفقعة: الكمأة البيضاء ومنه قولهم حمام فقيع وقد جاءت الرخصة في الاكتحال للمعتدة إذا رمدت ما لم يكن فيه طيب.
__________
1أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/43 – 44" عن بديل بلفظ: "قالت: المتوفى عنها زوجها لا تلبس حليا ولا تخضب ولا تطيب" والبيهقي في سننه "7/440" بطريق عبد الرزاق مع زيادة واختلاف في الألفاظ وانظر كنز العمال "9/693".

(2/592)


حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهَا الله
حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: "كُنَّا مَعَهَا نَمْتَشِطُ قبل الإحرام وندهن بالمكتومة".
...
حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهَا اللَّهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: كُنَّا مَعَهَا نَمْتَشِطُ قَبْلَ الإِحْرَامِ وَنُدَّهَنُ بِالْمَكْتُومَةِ1.
حدثنيه إبراهيم بن فراس أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ أخبرنا إسحاق بن راهويه أخبرنا عبدة أخبرنا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ.
المكتومة: دهن من أدهان العرب.
قَالَ ابن فراس: قَالَ لي إسحاق بن مُحَمَّد العجلي: هو أحمر يجعل فيه الزعفران.
وَقَالَ غيره: يجعل فيه الكتم وهو نبت يخضب به.
ويقال: إن الكتم هو الذي يقال له: الوسمة.
تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث
وفيه أحاديث التابعين
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ل "258" ب.

(2/593)


المجلد الثالث
أحاديث التابعين
حديث كعب الأحبار
حديث كعب: أنه قال لصالح بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وهو يعمل زَنْدًا بمكة: اشدد وأوثق
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث التابعين
حديث كعب الأحبار
* قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ كعب: "أنه قال لصالح بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وهو يعمل زَنْدًا بمكة: اشدد وأوثق, "216" /فإنا نجد في الكتب أنَّ السيول تعظم1 في آخر الزمان"2.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ، نا الرَّبِيعُ, أنا الشافعي، أنا من لا أتهم، أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر, عن صالح بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
هكذا قال الأصم: زَنْدًا، ساكنة النون، وإنما هو زَنَدا مفتوحة النون، وهو المسناة، ويقال له: الضفيرة. وَقَالَ لي بعضهم: إنما هو الرَّبَد، بالراء غير معجمة، يريد بناء من طين, قال: والرَّبَد: الطين، والرَّبَّاد: الطيان في لغة أهل اليمن.
وأخبرني كعيدنة بن مرفد اليماني: أن رجلاً من الناقلة3 خطب إلى
__________
1 د، والفائق وبدائع المنن: 517/2: "ستعظم".
2 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده, كما في بدائع المنن: 517/2, بلفظ"وتِداً" بدل "زنْداً" تحريف.
3 في القاموس"نقل": الناقلة: ضد القاطنين.

(3/5)


حي من اليمن امرأةً منهم، فسأل عن مالها فقيل له: إن لها بيتا رَبَدًا، وكَدًّا، وحفصًا، ومِلكَداً، فظن أنها أسماء عبيدٍ لها وإماءٍ, فرغب فيها، فلما دخل بها وتعرف الخبر فإذا هي جرة، وهاوُون من خشب وجوالق صغير.
قال: والكد: الجرة، والملكد1: المنحاز، والحفص: الجوالق الصغير.
قال أبو سليمان: ولا أرى الصواب إلا الزَّنَد، كما ذكرته لك أولاً، وقد سمعته ممن يوثق به2.
__________
1 في القاموس "لكد": الملكد: شبه مِدَق يدق به.
2 د: ممن يوثق بعلمه.

(3/6)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: فِي حَدِيثِ كعب أنه قال: "يبعث الله من بقيع الغرقد سبعين ألفاً، هم خيار من ينحتُّ عن خطمه المَدَر، تضيء وجوههم غمدان اليمن"1.
يرويه الواقدي: حدثني كثير بن زيد، عن الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنطب، عن كعب.
قوله: ينحتُّ عن خطمه المَدَر: أي ينشق عن وجهه الأرض، والخَطْم هاهنا مستعار وأصله في السباع, يقال لمقاديم أنوفها وأفواهها الخطم، والمنقار: من جوارح الطير أيضًا خَطْم.
__________
1 لم أجد رواية الواقدي, وقد جاء في: وفاء الوفاء: 887/3, عن كعب بلفظ".... إن مقبرة بغربي المدينة على حافة سيل يحشر منها سبعون ألفاً, ليس عليهم حساب".

(3/6)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ كعب في قصة جريج الزاهد: "أنه لما رمي بتلك المرأة فجاءوا بمهد الصبي، فقال جريج: "يا بَابُوس، من أبوك؟ , ففتح الصبي حلقه, وقال: فلان الراعي، ثم سكت " 1.
قال ابن الأعرابي: البَابُوس: الصبي الرضيع، وقال ابن أحمر:
حنت قلوصي إلى بَابُوسِهَا جزعاً ... وما حنينك, أم ما أنت والذكرُ2؟
يريد حُوارها3.
__________
1 لم أقف عليه من حديث كعب, وقد روى أبو هريرة حديث جريج هذا مرفوعاً، أخرجه البخاري في أواخر كتاب الصلاة: 80/2, وفي المظالم: 179/3, وفي كتاب الأنبياء: 201/4, ومسلم في: البر: 1976/4, وعبد الرزاق في: مصنفه: 135/11, بألفاظ متقاربة.
2 اللسان والتاج "ببس" برواية: "طربا" بدل "جزعا" والديوان: 102.
3 د: "يريد حوارها: ولدها".

(3/7)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ كعب: "أنه سئل هل للأرض من زوج؟ , فقال: ألم تروا إلى المرأة إذا غاب زوجها تفلجت وتنكبت الزينة، فإذا سمعت به قد أقبل تعطرت وتصنعت، وأن الأرض إذا لم ينزل عليها المطر اربدت واقشعرت"1.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، نا موسى بن محمد بن حبان2 البصري، نا عبد الرحمن، نا سفيان, عن يحيى بن هاني، عن أبي جمير الشامي، عن كعب.
قوله: تفلجت، هكذا قال ابن فراس، بالجيم وأراه غلطًا، وإنما هو تقلحت: أي توسخت من القلح والقلاح، وهو وسخ وصفرة تعلو الأسنان.
__________
1 الفائق: "قلح": 223/3, والنهاية: "قلح": 99/4.
2 ح: "حنَّان".

(3/7)


يقال: رجل أقلح, وامرأة قلحاء، أو تفلَّحت بمعنى تشقَّقت أطرافها من الفلح، وهو الشق, ومنه قولهم: الحديد بالحديد يُفلَح1: أي يشق.
وتفسيره على وجهين: أحدهما: أن الحديد إذا أريد شقه وكسره قِطَعًا لم يقاومه إلا الحديد، ولم يقوَ على قطعه شيء سواه.
والوجه الآخر: أن الحديد إنما يشق عن موضعه حتى يستخرج من معدنه بالحديد لا بغيره من فلز الأرض.
"217"/ وقوله: اربدَّت: أي اغبرت, وعلتها رُبدة، وهي لون يخالطها سواد كلون النعام، ولذلك قيل لها الرُّبْد.
__________
1 اللسان: "فلح"، جمهرة الأمثال: 345/1، مجمع الأمثال: 11/1, المستقصى: 403/1.

(3/8)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ كعب: "أنه قال: أول من لبس القباء سليمان بن داود، كان إذا أدخل رأسه في الثياب1 كَنَّصَت الشياطين"2.
ذكره أبو عُمَر، عَنْ ثَعْلب، عَنِ ابن الأعرابي:
قال: ومعنى كَنَّصَت: حركت أنوفها استهزاء به, يقال للرجل إذا فعل ذلك بصاحبه: قد كَنَّصَ في وجهه.
__________
1 س: "في التُّبَّان".
2 الفائق: "كنص": 283/3, والنهاية: "كنس": 203/4 ".... كان إذا أدخل الرأس للُبس الثياب كنّست الشياطين استهزاء", يقال: كنّس أنفه إذا حركه مستهزئاً.

(3/8)


حَدِيثِ عبيد بن عمير الليثي
حديث عبيد أنه قال: ما من عاشية أطول أَنَقًا ولا أطول شِبَعًا من عالم، من علم
...
حديث عبيد بن عمير الليثي
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيد أنه قال: "ما من عاشية أطول أَنَقًا ولا أطول شِبَعًا من عالم، من علم"1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا الحسين بن أبي معشر أَبُو عَرُوبَةَ، نا الْمُسَيِّبُ بْنُ واضح, نا ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينار, أنه سمع عبيد بن عمير يقول ذلك.
العاشية: الإبل التي تتعشى، يقال: عَشِيَت الإبل تعشى فهي عاشية، وهذا عشيها، ويقال في مثل: "العاشية تهيج الآبية"2: أي إذا رأت الإبل التي تأبى العشاء الإبل التي تتعشى تبعتها في العشاء, قال الراجز:
ترى المصكَّ يطرد العَوَاشِيَا ... جلَّتَها والأُخَرَ الحواشيا3
وقوله: أطول أَنَقًا: أي إعجابًا به ... وأصله من قولك: آنَقَنِي الشيء:
__________
1 الفائق: "عشا": 435/2, وجاء في الشرح: "مِن" في "من عالم" يتعلق بأفعل الثاني عندنا؛ لأنه أقر بهما، وفي "علم" بالشبع، والمعنى: ما من عاشية أطول أنقاً من عالم، ولا أطول شبعاً من الكلأ من عالم من علم، يريد أن العالم منهوم متمادي الحرص، وروي: "ما من عاشية أدوم أنقاً ولا أبطأ شبعاً من عاشية علم", والحديث أيضاً في النهاية: "عشا": 243/3.
2 اللسان: "عشا"، الضبى: 14، الفاخر: 160، جمهرة الأمثال: 57/2، مجمع الأمثال: 9/2, المستقصى: 331/1، البكري: 516.
3 اللسان والتاج: "عشا", من غير عزوٍ.

(3/9)


أي أعجبني، وروض أنيق وأَنِق: أي ناضر يعجب الناظر، قال رؤبة:
من طول تعداء الربيع في الأَنَق1
وقال آخر:
ولما نزلنا منزلًا طَلَّهُ الندى ... أنيقا وبستانًا من النور حاليا
__________
1 الديوان: 104.

(3/10)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيد بن عمير: "أنه قال: اسم الذي بنى الكعبة لقريش باقوم1، وكان رومياً، كان في سفينة أصابتها ريح, فخجَّتها، فخرجت إليها قريش بجُِدَّة، فأخذوا السفينة وخشبها, وقالوا: ابنه لنا بنيان الشام"2.
حدثناه الْخُزَاعِيُّ، نا عَمِّي، نا الأَزْرُقِيُّ، قال: ذكره سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن عبيد بن عمير.
قوله: خَجَّتْها: أي صرفتها عن جهتها, يقال: ريح خجوج، إذا التوت في هبوبها، وقد خَجَّتْ تَخِجُّ.
__________
1 ط: "يا قوم", والمثبت من: أخبار مكة: 170/1, وبقية النسخ، والفائق: "خجج": 355/1, وجاء في الفائق: الضمير في "ابنه" للبيت.
2 أخرجه الأزرقي في: أخبار مكة: 170/1.

(3/10)


حَدِيثِ علقمة بن قيس
حديث علقمة أنه كان إذا خطب في نكاحٍ قَصَّر دون أهله
...
حديث علقمة بن قيس
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علقمة: "أنه كان إذا خطب في نكاحٍ قَصَّر دون أهله"1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ، نا ابْنُ عفان، نا ابن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم.
قال ابن نمير: معناه يخطب إلى من دونه، يريد أمسك عمن هو فوقه، قال الأعشى:
أثوى وقَصَّر ليلة ليزوَّدا ... فمضى, وأخلف من قتيلة موعدا2.
أي أقام وأمسك عن السفر [ليزوَّد] 3.
__________
1 أخرجه أبو نعيم في: الحلية: 100/2, عن الأعمش، عن إبراهيم بلفظ: "كان علقمة يتزوج إلى أهل بيت دون أهل بيته" يريد بذلك التواضع.
2 الديوان: 54.
3 ساقطة من ط، د.

(3/11)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علقمة أنه قال: "قرأت القرآن في سنتين، فقال الحارث: القرآن هَيِّن، الوحي أشد منه"1.
من حديث أبي خيثمة، عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم.
__________
1 الفائق: "قرأ": 185/3, والنهاية: "وحى": 163/5.

(3/11)


أراد بالوحي الخط والكتاب، يقال: وَحَيْتُ الكتاب وَحْيًا فأنا وَاحٍ، والكتاب مَوْحِيٌّ،
قال الشاعر:
218 / ما هيج الشوق من آثار أطلالِ ... أضحت كمثل الوحي من واحٍ
وقال حميد بن ثور:
كَوَحي الصفا لا يبرح الوحي في الصفا ... جديدًا وإن رِيْحَ الصفا وتمطَّرَا1
__________
1 س: "وتفطَّرا" ولم أقف عليه في ديوانه, ط دار الكُتُب.

(3/12)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علقمة: "أنه قال للأسود: يا أبا عمرو, قال: لبيك، قال: لَبَّى يديك"1.
يرويه أحمد بن حنبل، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم.
قوله: لَبَّى يديك، معناه: سلمت يداك وصحتا, وأصله من لَبَّ الرجل بالمكان، وأَلَبَّ به إذا لزمه وأقام به.
أخبرني ابن مالك، أنا محمدُ بن إبراهيم بن سعيد2 العبدي قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلاماً له, فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك، فقال: لبَّ عمود جنبيك.
وكان الأصل في لَبَّى: لَبَبَ، فأبدلوا من إحدى الباءات ياء طلبا للخفة، كما قالوا تقضَّى الطائر من تقضص، وتظنى الرجل من تظنن.
قال العجاج:
تقضِّيَ البازي إذا البازي انكسر3
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 87/6, وكذلك في: 74/6.
2 ح: "بن سعد".
3 الديوان: 28، وفي د: "كسر" بدل "انكسر".

(3/12)


وقال النابغة:
فليس يرد مذهبها التَّظنِّي1
وأراه إنما ترك الإعراب في قوله: لَبَّى يديك، وكان حقه أن يقول: يداك؛ لتأتلف الكلمتان وتزدوجا، والعرب قد تفعل ذلك؛ تتوخى به ازدواج الكلام, كقولهم: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا، وإنما تجمع الغداة على الغدوات, فسلكوا بها مسلك العشية؛ لتزدوج الكلمتان.
وقالوا: حَيَّاك الله وبَيَّاك، وإنما هو بَوَّاك، فحولوها عن الواو إلى الياء، ومثلُ هذا في كلامهم كثير.
فأما الحديث الذي يروى: "أن رجلًا خاصم أباه عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فأمر به, فَلُبَّ له".
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابن جريح قال: سمعت ابن أبي حسين يقول: خاصم رجل أباه فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنت ومالك لأبيك", ثم أمر به, فلُبَّ له2.
فليس هذا من الأول في شيء، ومعناه أنه علق وجر له من الأخذ بموضع اللَّبَّة.
__________
1 الديوان: 197, وصدره: "قوافٍ كالسهام إذا استمرت", وقبله:
ألكْنِي يا عُيَيْن إليك قولًا ... سأهديه إليك إليك عني
2 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 131/9, بلفظ: "قلت له" بدل "فلب له", وهو تحريف, وفيه "ابن حسين" بدل "ابن أبي حسين", والصواب ما جاء به الخطابي، وابن أبي حسين هو: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي حسين, من شيوخ ابن جريج, عن تهذيب التهذيب: "402/6".

(3/13)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علقمة: "أن أبا وائل, قال: قال لي زياد: إذا وليت العراق فأتني، قال: فأتيت علقمة, فسألته, فقال: لا تقربهم؛ فإن على أبوابهم فتنًا كَمَبَارِكِ الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينك مثليه"1.
حدثناه ابن فراس، نا الصَّائِغُ, نا سَعِيدُ بْنُ منصور، أخبرنا هشيم, أخبرنا سيار, عن أبي وائل.
قوله: كَمَبَارك الإبل، أراد أنها تُعْدِي، كما أن الإبل إذا أنيخت في مبارك الجربَى جربت.
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 89/6, بنحوه بألفاظ متقاربة.

(3/14)


حَدِيثِ الأسود بن يزيد
حديث الأسود: أنه كان يصوم في اليوم الشديد الحر, الذي إن الجمل الجَلْد الأحمر, لَيُرِيح فيه من الحر
...
حديث الأسود بن يزيد
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأسود: أنه كان يصوم في اليوم الشديد الحر, الذي إن الجمل الجَلْد الأحمر, لَيُرِيح فيه من الحر"1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ، نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا عبيد الله، نا حسين2، عن منصور، عن بعض أصحابه.
قوله: يُرِيْح: أي يموت ويهلك.
أخبرني أبو عمر, أنا ثعلب, والمبرد, قالا: العرب تقول: أَرَاحَ الرجل إذا استراح، وأَرَاح إذا مات.
وقال بعضهم: يَرْنَح من الحر، يقال: رَنَح الرجل, إذا أصابه كالإغماء "219"/ فدير به,
قال الشاعر:
فظل يُرَنِّح في غيطلٍ ... كما يستدير الحمار النَّعِر3
وإنما ضرب المثل بالجمل الأحمر؛ لأنه من أصبر الإبل, قال الأموي: عبد الله بن سعيد: قيل لابن لسان الحُمَّرة: أَخبِرْنا عَنِ الإبل, فَقَالَ: حُمْرَاها صُبْرَاها، وَعِيساها حُسناها، ووُرقاها غُزراها، ولا أبِيعُ جَونةً ولا أَشْهَدُ مشراها.
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 70/6, بلفظ: "ليرنَّح" بدل "ليريح", وأخرجه ابن المبارك في: الزهد: 528, بألفاظ متقاربة.
2 ح: "نا حسن".
3 اللسان والتاج: "رنح", وهو لامرئ القيس يصف كلب صيد طعنه الثور الوحشي بقرنه، فظل الكلب يستدير كما يستدير الحمار الذي قد دخلت النعرة في أنفه, "النعر: ذباب أزرق يلسع", وهو في الديوان: 162.

(3/15)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأسود: أن عطاء بن السائب قال: رأيته قد تلفف في قطيفة له، ثم عقد هدبة القطيفة بنعفة الرحل وهو محرم1.
يرويه حجاج، عن حماد، عن عطاء بن السائب.
النعفة: سير يُشدُّ في آخرة الرحل يُعلَّق به الشيء.
وفيه من الفقه أَنَّهُ لم ير تلفُّفَه في القطيفة مفسدًا إحرامه، فإنما حَرُمَ على المحرم لبس الثياب المخيطة، فأما اشتماله بالثوب وتلفُّفَه بالقطيفة ونحوها مما لا كُمَّيْ له, فإنه لا يضره ذلك ما لم يغط رأسه, فأما لبس القباء فلم ير به أهل الكوفة بأسًا, وكرهه الشافعي, ورأى فيه الفدية إذا أدخل يديه كُمَّيْه.
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 72/6 بألفاظ متقاربة.

(3/16)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأسود في قوله: {وَإِنَّا لَجَمِيْعٌ حَاذِرُونَ} 1, قال: مُقْوُون مُؤْدُون2.
__________
1 سورة الشعراء: 56.
2 أخرجه الطبري في: تفسيره: 77/19, عن سُفْيَانُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ الأسود, ولم يذكر أبان بن تغلب بينهما، وذكره السيوطي في: الدر المنثور: 85/5, وعزاه للفريابي, وعبد بن حميد, وابن جرير, وابن أبي حاتم.

(3/16)


يرويه سفيان عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبٍ، عَنْ أبي إسحاق، عن الأسود.
المُقْوِي: صاحب الدوابِّ1 القَوِيَّة والمُؤْدِي: الكامل أداة الحرب مهموز, فأما المُودِي بلا همز فهو الهالك، قال حسان:
يظل منها صحيح القوم كالمودي2
قال يعقوب: آديت للسفر فأنا مُؤْدٍ له، أي متهيئ له، وقد تَآدَيْت للدهر والأمر، إذا أخذت له أَدَاته تآدياً، قال الأسود بن يعفر:
قتلًا وسبيًا بعد حسن تَآدِي3
__________
1 ح: "صاحب الدابة القوية".
2 الديوان: 345 برواية: "يظل منها لبيب القوم كالمودي" وصدر البيت:
"لقد قذفت بها شنعاء فاضحة"
3 المفضليات: 217, وصدره:
"ما بعد زيدٍ في فتاةٍ فرقوا"
وشعراء النصرانية: 482/4.

(3/17)


حديث شريح بن الحارث القاضي
حديث شريح: أنه كان يجيز الزينة, ويرد من الكذب
...
حديث شريح بن الحارث القاضي
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه كان يجيز الزينة, ويرد من الكذب"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ, نا ابْنُ الْجُنَيْدِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمَرْوَزِيُّ، أنا النَّضْرُ بن شميل، أنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سيرين.
هذا في الرجل يبيع الشيء وقد دلَّس فيه للمشتري2، والكذب3 أن يقول: أبيعك هذا الثوب على أنه مَرَوي أو هَرَوي، فللمبتاع الرد إذا لم يكن كذلك، وإن كان زينه بالصبغ أو اللون حتى يظن أنه مروي أو هروي، فليس له الردُّ؛ لأن المشتري كان عليه التقليب والنظر.
__________
1 أخرجه وكيع في: أخبار القضاة: 329/2 بلفظ: "..... يرد من الريبة, ولا يرد من الكذب" عن ابن عون، وأخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 169/8, بعد قصة بلفظ: "لو استطاع أن يحسن ثوبه بغير ذلك فعل"، وكذلك وكيع في: أخبار القضاة: 333/2 بلفظ عبد الرزاق, وابن أبي شيبة في: مصنفه: 65/7.
2 س: "وقد دلس المشتري".
3 ح: "فالكذب".

(3/18)


*قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه أتاه رجل وامرأته، فقال الرجل: أين أنت؟ قال: دون الحائط, قال: إني امرؤ من أهل الشام، قال: بعيد بغيض، قال: تزوجت هذه المرأة، قال: بالرفاء والبنين،

(3/18)


قال: فولدت لي غلامًا، قال يَهْنيك الفارس, قال: وأردت بها الخروج إلى الشام، قال: مصاحبًا1، قال: وشرطت لها دارها، قال: الشرط أملك, قال: اقض بيننا أصلحك الله، قال: حَدِّثْ حديثين امرأة، فإن أَبَت فاربَعْ"2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ معمر، عن غير واحد ذكروه.
قوله: "حدث حديثين"220" / امرأة"3، مثل يضرب للبليد الذي لا يفهم ما يقال له، وهذا يروى على وجهين: يقال: حدث امرأة حديثين، فإن أبت فاربع، أي قف وأمسك، من قولك: رَبَع الرجل يَرْبَعُ رَبْعاً، إذا وقف، يقول: إذا كررت الحديث مرتين, فلم تفهم عنك، فأمسك ولا تتعب نفسك، فإنه لا مطمع في إفهامها بعد ذلك.
والوجه الآخر: أن يقال فأربع، مقطوعة الألف، يريد أربع مرات، ورفعه بمعنى أن غايته أربع مرات أو تمامه أربع مرات، أو نحو هذا من الكلام.
ورووا في هذا عن النضر بن شميل أنه قال: يعاد الكلام للرجل مرتين، ويضاعف للمرأة؛ لنقص عقلها وقصر فهمها, فيكرر أربعاً، ثم لا مزيد عليه.
__________
1 ط: "تصاحبا".
2 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 226/6, بلفظ: "فإن أبت فأربعة", وسعيد بن منصور في: سننه: 170/1, بنحوه، ووكيع في: أخبار القضاة: 302/2-304, بنحوه، وفي رواية عند وكيع "بعيد سحيق".
3 الفاخر: 76، جمهرة الأمثال: 378/1، مجمع الأمثال: 192/1، المستقصى: 60/2.

(3/19)


ورأى شريح أنه إذا شرط1 لها المقام في دارها, فعليه الوفاء به، وأن ليس له نقلها عن بلدها.
__________
1 ء، ط: "اشترط لها المقام".

(3/20)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح أنه قال: "شهادة الصبيان تجوز، وعلى الكبار يُسْتَشَبُّون"1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، نا الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن شريح.
قوله: يَسْتَشَبُّون، معناه يستشهد من شب وكبر من الرجال البالغين دون الصبيان.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معناه ينتظر بهم وقت الشباب وإدراك السن التي تجوز معها الشهادة، كأنه يقول: إذا تحملوها وهم صبيان، ثم أدوها وهم كبار قبلت شهادتهم.
وَقَالَ بعض رواة هذا الكلام: معناه أن يُذَكَّروا على مر الأيام؛ لئلا ينسوها، وهذا قريب من المعنى الذي ذكرناه.
وكان مذهب شريح وغيره ممن يرى إجازة شهادتهم أن يكون ذلك في الجراح دون غيرها، ولا أعلم أحدًا أجاز شهادتهم في الأموال.
وممن رأى قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح والدماء إبراهيم النخعي، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 350/8 بمعناه، وأخرج وكيع في: أخبار القضاة: 308/2 عن عاصم بن صهيب قال: رماني غلام, فكسر ثنيتى، فشهد صبيان عند شريح, فكتب شهادتهم، وقال: يستثبتون, وكذلك في: 377/2 مختصراً.

(3/20)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه جاءه قوم من غير أهل الملة، عليهم خِفَاف لها فَقْع، فأجاز شهادة بعضهم على بعض"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ، نا عَبْدُ الوارث، نا عبد الله، عن خالد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سيرين.
الفَقْع: الخراطيم، وخفاف مُفَقَّعَة أي مخرطمة.
__________
1 أخرجه وكيع في: أخبار القضاة بنحوه: 381/2, بلفظ: " ... عليهم خفاف معقبة", والفائق: "فقع": 136/3، والنهاية: "فقع": 465/3.

(3/21)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة، ثم يرتجعها, فيكتمها رجعتها حتى تنقضي عدتها، فقال: ليس له إلا فَسوَة الضبع"1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابن جريح، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ أبي الشعثاء.
يريد أنه لا يقبل قوله إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة، وأنه لم يبق له عليها حق، وضرب المثل بشيء لا خير فيه، كما يقال: لا شيء له غير الريح، ولا شيء له غير التراب، ونحو هذا من الكلام.
وفيه وجه آخر: أخبرني أبو عمر, أنبأنا أبو العباس ثَعْلب،, عن ابن الأعرابي قال: فَسْوَة الضبع: شجرة تحمل الخَشْخاش لا يتحصل منه شيء,
يريد أنه لا "221" / يحصل من دعواه ارتجاعها, إلا كما يحصل من هذه الشجرة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 326/6- 327.

(3/21)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه كان يرد من العبس"1.
أصل العبس: أن ييبس ثَلْطُ الإبل, ويتعلق بأذنابها, ويتلزق على أفخاذها.
وكان من حكم شريح في الرقيق إذا بال الغلام أو الجارية في الفراش، وكان ذلك شيئًا كثيراَ معتاداً، حتى يتبين أثره على أبدانهما، كان عيبًا يرد به، وإن كان شيئاً يسيراً نادراً لا يظهر له أثر لم يرد به.
__________
1 لم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرجه وكيع في: أخبار القضاة: 313/2, بلفظ: "أنه كان يرد من العثر", وابن أبي شيبة في: مصنفه: 66/7, بلفظ: "أنه كان يرد من العُسر".

(3/22)


حَدِيثِ مسروق بن الأجدع
حديث مسروق: أنه خرج إلى سفر، فكان آخر من ودعه رجل من جلسائه.....
...
حديث مسروق بن الأجدع
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مسروق: "أنه خرج إلى سفر، فكان آخر من ودعه رجل من جلسائه, فقال له: إنك قريع القراء، وإن زَيْنَك لهم زَيْن، وشَيْنك لهم شَيْن، فلا تحدثن نفسك بفقر, ولا طول عمر"1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ، نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة، نا عفان، نا أبو عوانة، عن مغيرة، عن عامر.
القَرِيع: فحل الإبل، ضرب المثل به، يريد2 أنك رئيس القراء وإمامهم، والقريع أيضًا المختار والمنتخب، وقرعة المال: خياره.
قال الأصمعي: اقترعت الشيء, إذا اخترته، وسمي قريعاً؛ لأنه اقترع: أي اختير.
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا سُوَيْدٌ، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ سليمان بن المغيرة، نا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي طلحة قال: "زار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سعد بن عبادة، فقال عنده، فلما أبرد جاء بحمار أعرابي قطوف, فركب رسول الله، قال: فبعث بالحمار إلى سعد, وهو هِمْلاج قريع ما يُسَايَرُ"3.
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 80/6.
2 د: "يقول".
3 الفائق: "قرع": 103/3, والنهاية: "قرع": 44/4. وقال، من القيلولة.

(3/23)


أراد بالقريع الفَارِهَ وقريع كل شيء: المختار منه، وقرعته: خياره.
قال أبو زيد: ويقال في هذا: اعْتَامه، وامتخره وانتصاه إذا اختاره، وهو الخيرة والعِيمة والنَّصِيَّة1، والمَخرة: الشيء الذي يختاره, وهو القفوة أيضاً.
__________
1 س، ح: "النَّصْيَة", والمثبت من د، ط، والقاموس: "نصى".

(3/24)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ مسروق: "أنه تردى قِرمل لبعض الأنصار على رأسه في بئر، فلم يقدروا على مَنْحره, فسألوه, فقال: جوفوه ثم قطعوه أعضاء, وأخرجوه"1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، أنا الصائغ، أخبرنا سعيد بن منصور، أخبرنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضحى، [عنه] 2.
القِرْمِل: الصغير من الإبل، وقال بعضهم: هو البعير الذي له سنامان، فأما: القَرْمل: مفتوحة القاف فضرب من الشجر, قال جرير:
كان الفرزدق إذ يعوذ بخاله ... مثل الذليل يعوذ تحت القَرْمَلِ3
وقوله: جوفوه4 أي اطعنوه في جوفه, يقال: جُفْتُهُ إذا أصبت جوفه، كما يقال: بَطَنْتُه إذا أصبتَ بَطْنَه، ورأستُه إذا أصبت رأسه, ونحو ذلك.
وفيه من الفقه أن ذكاة غير المقدور على ذبحه من البهائم بسبب يحول دونه كذكاة الوحشي الممتنع.
__________
1 الفائق: "قرمل": 186/3, والنهاية: "قرمل": 50/4.
2 من د، ح.
3 الديوان: 359.
4 في جميع النسخ: جوفوهُ.

(3/24)


حَدِيثِ عبيدة السلماني
حديث عبيدة أنه كان يقول للنخعي: طَرِّسْهَا يا إبراهيم, طَرِّسْها"
...
حديث عبيدة السلماني
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيدة أن الهَجَنَّعَ بن قيس قال: "رأيت إبراهيم النخعي يأتي عبيدة في المسائل، فيقول عبيدة: طَرِّسْهَا يا إبراهيم, طَرِّسْها"1.
حَدَّثَنَاهُ ابْن مَالِكٍ "222" /, نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، نا عَاصِمُ بن علي، نا محمد بن طلحة، عن الهجنع بن قيس.
قوله: طَرِّسْهَا: أي امحُها, يقال: طَلَسْت الصحيفة, إذا محوتها, وهي تقرأ بعد، وطَرِّسْتُهَا إذا أنعمت محوها، والطِّرْس: الكتاب الممحوُّ, قال الراجز:
فحي عهداً قد عفا مدروسَا ... كما رأيت الطلل المَطْرُوسَا2
ويقال أيضاً: طَرْمَسْت الكتاب بمعنى طَرَّسْتُهُ، وجاء في الحديث: "أن قول لا إله إلا الله يُطَلِّسُ ما قبله من الذنوب"2.
__________
1 أخرجه ابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله: 67/1, بمعناه، بلفظ: " ... لا تخلدن عنى كتاباً"، وانظر الفائق: "طرس": 359/2, والنهاية: "طرس": 119/3.
2 الرجز لرؤبة, وهو في: ديوانه: 70, برواية: "الورق" بدل "الطلل".
3 ذكره المتقي في: كنز العمال: 1/ 50, بلفظ: " ... تطلست ذنوبه كما يطلس أحدكم الكتاب الأسود", وعزاه للسجزي في: الإبانة, من حديث ابن مسعود, وذكر في: 60/1 بلفظ: "من قال لا إله الله طلست ما في صحيفته من السيئات حتى يعود إلى مثلها"، وعزاه للخطيب من حديث أنس.

(3/25)


ومنه حديث علي قال: "بعثني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فقال: "لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طلَّسْتَه" 1.
يريد محوته، وبه سميت الخرقة التي تمحى بها الألواح الطَّلَّاسة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 504/3, والإمام أحمد في: مسنده: 96/1، 129, ومسلم في: الجنائز: 666/2, كلهم بلفظ: "طمسته" بدل "طلسته", وأخرجه أحمد في: مسنده: 145/1, بلفظ: "ولا تمثالاً إلا وضعته".

(3/26)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيدة: "أن ابن سيرين قال: سألته عن قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1 , وأشار بيده, فظننت ما قال"2.
حدثنيه ابْنُ مَكِيٍّ، أنا الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم، نا سلمة بن علقمة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قَوْلُهُ: فظننت ما قال، معناه علمت ما قال، والظن في كلامهم يتردد بين يقين وعلم وشك وجهل3، فإذا قوي بيانه سمي علماً، وإذا ضعف كان معناه شكاً، فمن الأول قوله تعالى: {االَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 4: أي يعلمون ويستيقنون.
ومنه قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرَّدِ
وربما وَكَّدُوا به العلم, فأحلوه محل القسم.
أخبرني أبو عمر قال: أنا أبو العباس ثعلب، أنا سلمة، عن الفراء
__________
1 سورة النساء: 43.
2 أخرجه ابن أبي شيبة في: مصنفه: 166/1, والطبري في: تفسيره: 104/5, وذكره السيوطى في: الدر المنثور: 167/2.
3 س: "بين يقين علم, وشك جهل".
4 سورة البقرة: 46.

(3/26)


قال: من العرب من يقول: أظن, بمعنى أقسم, وأنشد:
أظن لا تنقضي عنا زيارتكم ... حتى تكون بوادينا البساتينُ
وأخبرني ابْنُ دَاسَةَ، نا أَبُو دَاوُدَ، نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا حماد، نا ثابت، عن أنس: أن أسيد بن حضير، وعباد بن بشر1 أتيا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فاستأذناه في إتيان النساء في المحيض خلافًا لليهود، قال أنس: فتمعَّر2 وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا, فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله، فبعث في آثارهما, فظننا أنه لم يجد عليهما3.
فأحد الظنين تعليق العلم، والآخر تحقيقه, والله أعلم.
__________
1 د. "عباد بن بشير" تحريف، وفي التقريب: 391/1: عباد بن بشر بن وَقَش, بفتح الواو والقاف وبمعجمة، الأنصاري من قدماء الصحابة، أسلم قبل الهجرة, وشهد بدراً, وأبلى يوم اليمامة, فاستشهد بها.
2 في النهاية: "معر": 342/4: فتمعر وجهه: أي تغير.
3 أخرجه أبو داود في: الطهارة: 67/1, والنسائي في: الحيض: 187/1, والدارمي في: الوضوء: 245/1, وغيرهم.

(3/27)


حديث أبي وائل شقيق بن سلمة
حديث أبي وائل: أنه قال لإبراهيم التيمي: ألم أُنَبَّأ أنكم صُبَّتَان صُبَّتَان
...
حديث أبي وائل شقيق بن سلمة
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي وائل: "أنه قال لإبراهيم التيمي: ألم أُنَبَّأ أنكم صُبَّتَان صُبَّتَان"1.
يرويه يحيى بن معين، عن وكيع، عن مسعر، عن ثور الهمداني، عن إبراهيم التيمي، قال عباس الدوري: قلت ليحيى بن معين: ما صُبَّتَان؟ قال: حزبان.
قال الأصمعي: الصُبَّة: الجماعة من الناس، قال: ومثله الثُبَةُ والهيضلة والأزفلة، والزرافة، والزمزمة والصمصمة.
قال ابن الأعرابي: والصَّتُّ: الفرقة من الناس، قال: وروي عن ابن عباس: أن بني إسرائيل لما أمروا أن يقتل بعضهم بعضًا قاموا صَتَّيْن2.
وقال "223 " / زيد بن كثوة: أتيت موضع كذا، فإذا الرجال صَتِيْتَان، وإذا أرمداء كثير وطهاة لا أحصيها، ولِحَام كأنها إكام.
وأخبرني أبو عمر، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو موسى، عَنْ أَبِي العباس ثعلب في أسماء الجماعات, قال: يقال كُبْكُبَة وكَبْكَبَة، وهِلْتَاة،وَزَرَافة، وغَيْثَرَة،
__________
1 أخرجه ابن معين في: تاريخه: "258/2", و"343/3". رقم النص: 1659, بلفظ: "ألم أنبأ أنكم صَتيْتَان".
2 الفائق: "صت": 286/2, والنهاية: "صت": 11/3.

(3/28)


وبِرزِيقٌ، وصتٌّ وصَتيتٌ، ولُمَّة ولُمْعَة، وثُبَة، وحَضِيرة، وثُلَّة، ولِبْدَة، وقِدَّة، وصِرم، وعُنُق من النّاس وعِنْو وأَعْناء، وعِرْو وأَعْراء، وقَنِيف من الناس، وهم الأخلاط والأُشابات.

(3/29)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي وائل: "أنه كان يسأل عن التفسير, فيقول: أصاب الله الذي أراد"1. حُدِّثت بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي خيثمة، حدثني أبي، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ، عن سفيان، عن الأعمش.
قوله: أصاب الله، معناه أراد الله, ومنه قول الله تعالى: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} أي: أراد.
وأخبرني أحمد بن أبي ذر، نا ابن دريد، أنا أبو حاتم, عن الأصمعي، عن يونس, قال: تناظرنا في قول الله تعالى:
{رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} 2, فقيل: ما له إلا رؤبة بن العجاج، فخرجنا نريده, فلقيناه يتوكأ على ابنه عبد الله فقال: أين تُصِيبان؟ فقلنا: كفانا السؤال.
قال أبو سليمان: ومما يشبه هذا, وليس منه ما يروى عن الأصمعي في الرَّهَب.
أخبرني بعض أصحابنا، أنا ابن دريد، عن أبي حاتم، عن الأصمعي, فيما أحسب, قال: أخذت غداي في كمي، وخرجت إلى عرابة3 البصرة أسأل عن الرَّهَب، فرأيت جارية, فسألتها عن القوم فقالت: إن أنت
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 100/6, عن سفيان، عن الأعمش.
2 سورة ص: 36.
3 س: "عرابة بالبصرة", وفي ط": "عدانة البصرة".

(3/29)


أعطيتني ما في رَهَبِك دللتك عليهم، فقلت: قد كُفِيت، ونفضت لها ما في كمي, وانصرفت.

(3/30)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي وائل أنه قال: "شهدت صِفِّين, وبئست الصفون"1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زيرك، [نا العباس الدوري] 2، نا العباس بن الفضل الأزرق، نا أبو عوانة، نا الأعمش، سمعت أبا وائل يقول ذلك.
قوله: بئست الصفون، إنما أعربه؛ لأنه أجراه مجرى الجمع، وما كان من الواحد على بناء الجمع، فإعرابه كإعراب الجمع, كقولك: دخلت فلسطين، وهذه فلسطون، وأتيت قنسرين وهذه قنسرون، وأنشد المبرد:
وشاهدنا الجل والياسمو ... ن والمسمعات بقصابها3
ومن هذا قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ, وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} 4, وفي هذا مذهب لهم آخر, وهو أن يعربوا النون فقط, ويجعلونها بالياء في كل حال, كقولك هذه السيلحين ورأيت السيلحين ومررت بالسيلحين.
__________
1 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 96/6 عن وكيع، عن الأعمش.
2 ساقط من د, وفي ح: "عباس بن محمد الدوري".
3 الكامل للمبرد: 108/2, وعزي للأعشى, وهو في ديوانه: 173 برواية:
"وشاهدنا الورد والياسمين والمسمعات بقصابها"
4 سورة المطففين: 19.

(3/30)


حَدِيثِ محمد ابن الحنفية
حديث محمد بن الحنفية: أنه كان يُذَوِّبُ أمه
...
حديث محمد ابن الحنفية
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ محمد بن الحنفية: "أنه كان يُذَوِّبُ1 أمه"2.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ الثوري، عن سالم، عن أبي يعلى.
قوله: يُذَوِّبُ أُمَّه، أي يمشطها ويضفر ذؤابتها.
قال يعقوب: هي الذُّؤَابَة مهموزة، وغلام مُذَأَّب: أي له ذؤابة.
وفيه في الفقه "224" / جواز النظر إلى رأسها.
__________
1 د: يذئّب", وفي القاموس "ذاب": ذوَّبه تذويباً: عمل له ذؤابة, والأصل الهمز, ولكنه جاء على غير قياس.
2 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 213/7 بلفظ: " ... يدوت" بدل "يذوب", وهو تحريف، وأخرجه ابن سعد في: طبقاته: 115/5, عن سفيان بهذا السند على الصواب.

(3/31)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ محمد بن الحنفية أنه كان يقول: "إذا مات بعض أهله، أَوْلَى لي، كدت أكون السَّوَاد المُخْتَرَم"1.
قوله: أَوْلى لي: كلمة يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة. قالت الخنساء:
هَمَمْتُ بنفسي كل الهمومِ ... فأَوْلَى لنفسي أَوْلَى لها2
__________
1 الفائق: "ولى": 81/4, والنهاية: "ولى": 229/5.
2 اللسان: "ولى"، والديوان: 121.

(3/31)


فأما قولهم: "أَوْلَى له"، فإنه يقوله الرجل إذا حاول شيئًا, فأفلته من بعد ما كاد يصيبه, قال الأصمعي: قولهم: "أَوْلَى لك", معناه: قاربك ما تكره, أي نزل بك ما تكره. قال ثعلب: لم يقل أحد في "أولى" أحسن من قول الأصمعي.

(3/32)


حديث علي بن الحسين
حديث علي أنه قال: "المستلاط لا يرث، ويُدعى له ويُدعى به"
...
حديث علي بن الحسين
* قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علي أنه قال: "المستلاط لا يرث، ويُدعى له ويُدعى به"1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نا ابن مهدي، عن عبد الله بن بُديل، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حسين.
المستلاط: اللقيط المستلحق النسب، أُخِذ من اللوط, وهو اللصوق, يقال: قد لاط بالشيء إذا لصق به, قال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن مسعود:
شققتِ القلب ثم ذررتِ فيه ... هواك, فلاط, فالتَأَمَ الفُطُورُ2
أي لصق به ورسخ فيه, ومن هذا قولك: ما يلتاط هذا بصَفَرِي: أي لا يلصق هذا بقلبي, ومثله لا يليق هذا بصَفَرِي.
وقوله: يدعى له، يريد الطفل ينسب إليه، فيقال: فلان بن فلان.
وقوله: يدعى به، يريد الملتقط، يكنى به: أي باللقيط فيقال: أبو فلان.
__________
1 أخرجه ابن معين في: تاريخه: 103/3, رقم النص 422.
2 اللسان والتاج: "ذرر", "فطر", دون عزو, برواية: "فَلِيمَ" بدل "فلاط", وجاء في اللسان: ليم هنا، إما أن يكون مغيِّراً من لُئِمَ, وإما أن يكون فُعِلَ من اللوم؛ لأن القلب إذا نُهِي كان حقيقاً أن ينتهي.

(3/33)


وقال رجل, وكانت كنيته أبا عمرو، مات له ولد اسمه عمرو:
كيف السلو, وكيف صبري بعده ... وإذا دعيت فإنما أُكْنَى بِه
وأما مذهب1 العلماء في هذا, فلست أعلم خلافا في أن الطفل المجهول النسب إذا ادعاه رجل ولداً، ثم لم ينازعه أحد فيه, فإن نسبه لاحق به: يرثه ويدعى إليه, فأما إذا التقط لقيطًا وادعاه2 ولداً، فإن عامة أهل الفتوى على أن يلحقه نسبه, ويرثه إذا مات إلا في قول بعض أهل المدينة، فإنه قال: لا يلحقه إلا ببينة تشهد له, أو سبب يدل عليه.
__________
1 ح: "وأما مذاهب العلماء".
2 س: "أو ادعاه ولداً".

(3/34)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علي بن الحسين أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللهم صلِّ على محمد عدد الثرى والبرى والورى."1.
البَرَى: التراب، وبه سمي البرية، ومعناه المخلوقة من التراب.
__________
1 الفائق: "بري": 103/1, والنهاية: "برى": 123/1.

(3/34)


حَدِيثِ الأحنف بن قيس
حديث الأحنف: أنه بلغه أن رجلًا يغتابه, فقال: "عُثَيثة تقرم جلدًا أملسا"
...
حديث الأحنف بن قيس
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أنه بلغه أن رجلًا يغتابه, فقال: عُثَيثة تقرم جلدًا أملسا1".
حدثنيه محمد بن عَبْد الواحد النحوي، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عن محمد بن سلام الجمحي.
قوله: عُثَيثة، تصغير عُثَّة، وهي دويبة تشبه القراد تلحس الصوف والثياب,
قال الشاعر:
وعُثٍّ قد وَكَلت إليه أهلي ... فضاع الأهل, واجتيح الحريمُ
وقوله: تقرم أي تقرض, وأصل القرم تناول الجدي الرضيع الحشيش بمقاديم فمه، "225" / مثل ضربه، يريد أن قول هذا المغتاب وقدحه فيه لا يضره، كما أن العثة لا تقدر على الجلد الأملس, وأنشدني أَبُو رجاء الغنوي في مثل هذا, قال: أنشدونا عن أبي عبيدة:
فإن تشتمونا على لؤمكم ... فقد يلحس العُثُّ مُلْسَ الأَدَمْ2
__________
1 مثل في: جمهرة الأمثال: 54/2, مجمع الأمثال: 29/2, المستقصى: 158/2، اللسان: "عثث", الفائق: "عثث": 394/2، النهاية: "عثث": 181/3, برواية: "تقرض" بدل "تقرم".
2 الفائق: "عثث": 394/2.

(3/35)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف أنه كان يقول: "لا أُقَاوِلُ من لا كفاء له"1.
حدثنيه محمد بن إبراهيم بن أبي الدق، نا شكر، نا ثمامة بن عتبة بن عياض، ثنا عبد السلام بن عبد الرحمن, من ولد وابصة بن معبد، عن عبد الرحمن بن وابصة، عن الأحنف,
قوله: من لا كفاء له، أي: من لا عديل له، يريد السلطان.
يقال: فلان كُفْء فلانٍ وكِفْؤُه وكِفَاؤُه, أي عديله ونظيره, قال الشاعر:
فأنكحها لا في كِفَاء ولا غنًى ... زيادٌ, أَضَلَّ الله سعي زياد2
وقال النابغة:
لا تقذِفَنِّي بركن لا كِفَاء له ... وإن تأثفكَ الأقوام بالرفدِ3
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أن الهياطلَة لما نزلت به بَعِلَ بالأمر"4. حدثنيه أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ، نا أَبِي، أخبرنا عمر بن شبة، حدثني المدائني بذلك.
قوله: بَعِل، قال يعقوب: بَعِل الرجل، إذا برم بأمره, فلم يدر كيف يصنع, وأنشد:
__________
1 الفائق: "كفأ": 271/3, والنهاية: "كفأ": 182/4.
2 الأساس: "كفأ", والفائق: 271/3, دون عزوٍ.
3 الديوان: 21, وشعراء النصرانية: 667/4 برواية: "الأعداء" بدل "الأقوام".
4 الفائق: "هطل": 107/4, والنهاية: "هطل": 266/5, والهياطلة: قوم من الهند.

(3/36)


بَعِلت ابن غزوان بَعِلت بصاحبٍ ... به قبلك الإخوان لم تَكُ تَبْعَلُ1
وأخبرني أبو عُمر، أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: بَعِل وبَقِر وبَحِر بمعنى واحد.
__________
1 اللسان والتاج: "بعل", دون عزو.

(3/37)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أنه كان في بعض الحروب, فحمل على العدو, ثم انصرف وهو يقول:
إن على كل رئيس حقَّا ... أن يخضب الصَّعدة أو تندقَّا1.
فقيل له: أين الحلم يا أبا بحر؟ فقال: عند الحُبَا"2.
ذكره أَبو عُمَر، عن أبي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شبة.
الصَّعدة: القناة المستوية، قال الشاعر:
يهزهز صَعدة جرداء فيها ... نقيع السم أو قُرنٌ محيقُ3
الحُبَا: جمع حبوة، يريد الاحتباء, وهو أن يجمع ظهره ورجليه بثوب.
ويقال: العمائم تيجان العرب، والحُبَا حيطانها, يقال: حِبْوة،
__________
1 اللسان، التاج: "صعد", والفائق: "صعد": 301/2, دون عزو، وطبقات ابن سعد: 95/7, بلفظ: "أن تخضب القناة".
2 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 95/7, بدون قوله: "أين الحلم يا أبا بحر؟ فقال: عند الحبا", وأخرجه ابن قتيبة في: عيون الأخبار: 174/1, بلفظه ما عدا الجملة الأخيرة عن محمد بن سيرين, وقد أخرج ابن قتيبة الجملة الأخيرة في مكان آخر في: عيون الأخبار: 285/1, بلفظ: "فقال له رجل: يا أبا بحر أين الحلم؟ قال: عند الحُبَا".
3 الأصمعيات: 54 برواية: "سنان الموت" بدل "نقيع السم", واللسان والتاج: "محق", والمقاييس: "محق": 301/5, والجمهرة: 182/2, برواية: "يقلب صعدة", والبيت للمفضل النكري يصف رمحًا عليه سنان من حديد أو قرن.

(3/37)


بكسر الحاء، وحُبْوة بضمها، والكسر أعلى، قال جرير:
قُتِلَ الزبير وأنت عاقد حِبْوَةٍ ... تَبًّا لحبوتك التي لم تُحْلَلِ1
يريد أن الحلم إنما يحسن في السلم إذا قعد القوم في الأفنية, واحتبوا بالأردية, فأما الحرب فإن الحلم فيها عجز.
ويروى عن الأحنف أنه قال: "لا تزال العرب عربًا ما لبست العمائم، وتقلدت السيوف، ولم تعدد الحلم ذلًّا، ولا التواهب فيما بينها ضَعَة"2.
قَالَ أبو العباس محمد بن يزيد: قوله: ما لبست العمائم، يقول: ما حافظت على زيها.
وقوله: وتقلدت السيوف، يريد الامتناع من الضيم, وقوله: ولم تعدد الحلم ذلًّا، هو أن تعرف موضع الحلم, وهو ألا تكون تخاف أحداً، ولا تخاف عاقبة تكرهها.
وقوله: ولا التواهب ضعة، فهو أن يهب الرجل من حقه ما لا يُستَكْرَهُ عليه.
__________
1 الديوان: 358, برواية: " قبحاً لحبوتك".
2 النهاية: "وهب": 231/5.

(3/38)


*وَقَالَ "226" / أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أنه قال: خرجنا حجاجًا، فمررنا بالمدينة أيام قُتِلَ عثمان1، وذكر قصة, فقال: فقلت لصاحبي: قد أفِدَ الحَجُّ، وإني لا أرى الناس إلا قد نَشِبوا في قتل عثمان، ولا أراهم إلا قاتليه"2.
__________
1 د، ح: "أيام قَتْلِ عثمان".
2 الفائق: "أفد", 49/1, والنهاية: "أفد": 55/1.

(3/38)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا الزَّعْفَرَانِيُّ، نا عفان، نا أبو عوانة، نا حصين، عن عمرو بن جاوان عن الأحنف.
قوله: أَفِدَ الحج، أي دنا وقته وقرب, قال النابغة:
أَفِدَ الترَحُّلُ غير أن ركابنا ... لما تزل برحالها, وكأنْ قَدِ1
وقوله: نَشِبُوا في قتل عثمان, يريد أنهم قد وقعوا فيه وقوعًا لا منزع لهم عنه.
يقال: نَشِبَ الرجل منشب سوء، إذا ارتبك في أمر لا مخلص له منه.
ومن هذا قولهم: نَشِبَ الصيد في الحبالة.
فأما الحديث الآخر: "أن الناس لما نَشَّمُوا في أمر عثمان", فهو غير هذا2.
وفد فسّره أبو عُبَيْد في كتابه، وحكى عن الأصمعي أنه قال: نَشَّمَ القوم في الأمر تنشيماً، إذا تبدَّوا في الشرٍ وأخذوا فيه.
__________
1 الديوان: 93, وشعراء النصرانية: 641/2, والفائق: "أفد": 49/1, برواية: "برحالنا" بدل" برحالها".
2 أخرجه أبو عبيد في: غريبه: 424/3.

(3/39)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أنَّه كان أَمْلَط"1.
الأَمْلَط: الذي لا شعر على بدنه إلا على الرأس وموضع اللحية فقط.
__________
1 الفائق: "ملط": 387/3, والنهاية: "ملط": 357/4.

(3/39)


حَدِيثِ سعيد بن المسيب
حديث سعيد بن المسيب أنه قال في أكل الضبع: إن ناساً من قوم يَتَحَبَّلُونها فيأكلونها"
...
حديث سعيد بن المسيب
* قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد: "أن عبد الله بن يزيد السعدي قال: سألته عن أكل الضبع, فقال: إن ناساً من قوم يَتَحَبَّلُونها فيأكلونها"1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك، أنا بشر2, أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ السعدي.
قوله: يَتَحَبَّلُونها؛ أي: يصطادونها بالحِبَالة, يقال: تَحَبَّلْت الصيد واحتبلته، قال ذو الرمة يصف حُمُرًا:
فجاءت بأغباش تَحجَّى شريعة ... تِلَادا عليها رميها واحْتِبَالُهَا3
يريد أنها بكَّرَت تؤم هذه الشريعة، والحابِلُ: الذي ينصب الحبالة للصيد, قَالَ الشاعر:
كأَنَّ بِلادَ الله, وَهْيَ عَرِيضَةٌ ... عَلَى الخائِفَ المَطلوب كِفَّة حَابِلِ4
__________
1 أخرجه الحميدي في: مسنده: 194/1, بلفظه، وأحمد في: مسنده: 195/5, و"445/6", باختلاف يسير في الألفاظ.
2 د، ح: "بشر بن موسى".
3 اللسان: "حجا", والديوان: 536, برواية: "تحرى" بدل "تحجى", والأغباش: بقية من سواد الليل إلى آخره.
4 سبق في الجزء الأول، لوحة: 264.

(3/40)


أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثعلب, قال: كل مستطيلٍ كُفَّةٌ، مضمومة الكاف، وكل مستدير كِفَّةٌ بكسرها.

(3/41)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد أنه قال: "وقعت فتنة عثمان, فلم يبق من المهاجرين أحد، ووقعت الحرة فلم يبق من أهل الحديبية أحد، ووقعت الثالثة فلم ترتفع, وفي الناس طَبَاخ"1.
يرويه أحمد بن حنبل، عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب.
أصل الطَّبَاخ: القوة والسمن، ثم استعمل في غيرهما, فقالوا: فلان لا طَبَاخ له: أي لا عقل له ولا خير عنده, قال حسان:
والمال يغشى رجالًا لا طَبَاخ لهم
كالسيل يغشى أصول الدِّندن البالي2.
والدِّندن: ما بلي من الشجر.
__________
1 أخرجه البخاري في: المغازي: 110/5, تعليقاً في غزوة بدر، وقال الحافظ في: الفتح: 323/7: "وصله أبو نعيم في: المستخرج عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد".
2 فتح الباري: 250/7، اللسان: "طبخ"، الديوان: 147 برواية: "والمال يغشى أناسًا ... ".

(3/41)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد: "أنه بلغه قول عكرمة في الحِين أنه ستة أشهر, فقال: انْتَقَرها عكرمة"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ الثوري، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 389/6 بلفظ: "أسفرها" بدل "انتقرها", وقول عكرمة في تفسير "حين" أخرجه الطبري في: تفسيره: 208/13.

(3/41)


هذا في الرجل يحلف على الشيء لا يفعله حينا، والحين: مدة من الزمان "227" / غير معلومة, فكان عكرمة يحده بستة أشهر.
ومعنى انتقرها: أي استخرجها واستنبط علمها من كتاب الله, يريد قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} 1, قالوا: في كل ستة أشهر، وأصله من النَّقْر، وهو البحث عن الشيء، والانتقار أيضا بمعنى الاختصاص، كقول طرفة:
لا ترى الآدب فينا يَنْتَقِرْ2
فكأنه على هذا التأويل يقول: قد اختص عكرمة بها، وتفرد بعلمها، أو ما أشبه ذلك من الكلام.
ورواه عبد بن حميد، عن عبد الرزاق بإسناده سواء.
وقال: انتقرها عكرمة، يعني أصاب.
قال أبو سليمان: وروي عن سعيد3 من غير هذا الوَجْه أَنَّه ذكر له قول عكرمة هذا فقال: كذب العبد، فإن كان سعيد إنما ذهب في قوله: انتقرها عكرمة إلى تكذيبه، فمعناه أنه اقتالها من قبل نفسه، أو اختص بقول فيها لم يتابع عليه أو نحو هذا من الكلام. والله أعلم.
__________
1 سورة إبراهيم: 25.
2 تقدم تخريجه في الجزء الثاني، لوحة 57.
3 ح: "سعيد بن المسيب".

(3/42)


* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد أنه قال: "رحم الله عمر لو لم ينه عن المتعة لاتخذها الناس دَوْلَسِيًّا"1.
من حديث حماد، عن قتادة, عن سعيد.
قوله: دولسياً: أي علة للحرام وذريعة إلى الزنى، وأصله من الدَّلَس، وهو إخفاء العيب وستره، ومنه التدليس في البيع، والواو في الدولسي زائدة، كما زيدت في الكوثر، وأصله الكثرة.
يقول: لولا النهي عن المتعة لكان صاحب الريبة يدلس بها على الناس, فيستبيح الحرام, ويسقط بها عن نفسه الحد.
__________
1 الفائق: "دلس": 436/1, والنهاية: "دلس": 129/2.

(3/42)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد: "أنه قال فيمن قتل قرادًا أو حُنظُبانًا وهو محرم، يتصدق بتمرة أو تمرتين"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابن عيينة، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب.
الحُنظُبان: ذكر الخنافس، وهو الحُنظُب، قال الشاعر:
وأمك سوداء نوبية ... كأن أناملها الحُنظُبُ
فأما العُنْظُب فإنه ذكر الجراد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 448/4.
2 اللسان، التاج: "حنظب", وعزى لحسان بن ثابت, وهو في ديوانه: 370, والحيوان: 145/1.

(3/43)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سعيد: "أنه كره أن يُجْعَل نطْلُ النبيذ في النبيذ ليشتدَّ بالنَّطْل"1.
__________
1 النهاية: "نطل": 76/4, وجاء في الشرح: "يقال: "ما في الدَّنِّ نَطْلة ناطل" أي جرعة, وبه سمى القدح الصغير الذي يعرض فيه الخمار أنموذجه ناطلاً". والحديث أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 215/9, والنسائي في: الأشربة: 334/8, عن عبد الله بن المبارك, عن معمر, عن قتادة.

(3/43)


أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ, عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ معمر, عن قتادة, قال عبد الرزاق: النَّطْل: الطَّحَل، يعني الثَّجِير, والأصل في النطل أن يؤخذ سُلَاف النبيذ وما صفا منه، فإذا لم يبق إلا العكر صب عليه ماء ثانٍ، فهو النطل, والطَّحَل: الخاثر الكَمِد اللون.

(3/44)


حديث عروة بن الزبير
حديث عروة أنه قال: "يرد من صدقة الجانف في مرضه ما يُرَد من وصية المجنف عند موته"
...
حديث عروة بن الزبير
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عروة أنه قال: "يرد من صدقة الجانف في مرضه ما يُرَد من وصية المجنف عند موته"1.
أَخَبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زيرك، ثنا العباس الدوري، أخبرنا محمد بن مصعب، أخبرنا الأوزاعي، عن الزهري.
الجنف: العدول عن الحق، قال الله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً} 2.
ويقال: أجنف القاضي في حكمه, وجنف أيضًا, والأولى أفصح، وقد جاء في هذا الحديث باللغتين معاً.
__________
1 الفائق: "جنف": 239/1, والنهاية: "جنف": 307/1.
2 سورة البقرة: 182.

(3/45)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عروة أنه قال: "قتل في بني عمرو بن عوف"228" / قتيل يعني خطأ، فجُعِل عَقْلُهُ على بني عمرو بن عوف، فما زال وارثه وهو عمير ابن فلان بَعْلِيًّا حتى مات"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 46/10-47 في حديث طويل، وابن عبد البر في: الاستيعاب: 1216/3, وابن الأثير في: أسد الغابة: 292/4, كلهم بلفظ: "في علياء" بدل "بَعْليا".

(3/45)


قوله: بَعْلِيًّا، روي تفسيره عن بعض رواة هذا الخبر أنه الكثير المال.
قال: إذا علا الناسَ بماله فهو البَعْلِيُّ, قال أبو سليمان: ولست أدري ما صحة هذا، ولا أراه شيئاً إلا أن يكون نسبه إلى بعل النخل، يريد أنه اقتنى نخلًا كثيرًا من بعل النخل, فنسب إليه فقيل: بعلي، كما يقال: نخلي إذا نسب إلى النخل، والبعل أيضا: الرئيس، والبعل: المالك, وقد روينا فيما تقدم من هذا الكتاب أن رجلًا خاصم آخر في ناقة, فقال: "أنا والله بعلها", أي: مالكها, فعلى هذا يكون قوله: بعلياً، أي رئيسًا متملكًا، والله أعلم.
[وفيه وجْهٌ آخر: هُوَ أشْبَه بالكلام، وهو أن يكون بِعَلْياء على وزن فَعْلاء، من العلاء, قال الأصمعي: وهو مَثَل، يقال: "ما زال منها بِعَلْياء"1, يقال ذلك للرجل يفعل الفعلة, فيشرف بها, ويرتفع قدره.] 2.
__________
1 مجمع الأمثال: 286/2، المستقصى: 323/2.
2 ساقط من ط.

(3/46)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عروة: "أنه قال في المرأة البدوية يُتَوَفَّى عنها زوجها: أنها تنتوي حيث انتوى أهلها"1.
رواه2 مالك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه.
قوله: تَنْتَوِي: أي تتحول وتنتقل.
__________
1 أخرجه الإمام مالك في: الموطأ, في كتاب الطلاق: 592/2.
2 من: د.

(3/46)


حَدِيثِ القاسم بن محمد
حديث القاسم: أنه سئل: هل تنكح المرأة على خالتها أو عمتها؟.....
...
حديث القاسم بن محمد
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ القاسم: "أنه سئل: هل تنكح المرأة على خالتها أو عمتها؟ , فقال: لا، فقيل: إنه دخل بها وأَعْوَلَت، أفَتُفَرِّقُ بينهما؟ فقال: لا أدري"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ سَمَّاكِ بْنِ الْفَضْلِ.
قوله: أَعْوَلَت: أي ولدت منه أولاداً، والأصل فيه أَعْيَلَت إذا صارت ذات عَيَايِل، أي صبيان صغار، وواحدهم عَيِّل، كما يقال: سَيِّد وسَيَايِد.
قال الشاعر:
وعَيِّلًا شعْثًا صغارًا كالحَجَلْ2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 264/6.
2 تهذيب الأزهرى: 198/3، وقبله:
"إليك أشكو عَرْق دهر ذي خبل".
من غير عزو.

(3/47)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ القاسم، "أنه سئل عن قتل الجان, فقال: أُمِرَ بقتل الأَيْمِ منهنَّ"1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى2، أخبرنا محمد بن بكر البُرساني، أنا حنظلة
__________
1 الفائق: "جنن": 239/1.
2 د: "محمد بن يحيى الذهلي".

(3/47)


قال: سمعت القاسم يُسأَل عن ذلك.
الجانُّ: حية بيضاء كبيرة، والأيم: ما لَطُفَ من الحيات، قَالَ عمر بن أبي ربيعة:
خرجت تَأَطَّرُ في الثياب كأنها ... أَيْمٌ يسيب علا كثيبا أهيلا1
__________
1 الديوان: 332 ط بيروت, برواية: "على كثيب", وفي ط السعادة: 355 برواية:
"ريح تسنت عن كثيب أهيلا".

(3/48)


حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حديث أبي سلمة أنه قال: "لم يكن أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين...."
...
حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي سلمة أنه قال: "لم يكن أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار ويذكرون أمر جاهليتهم"1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أخبرنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع, عن أبي سلمة.
التَّحَزُّق: التجمُّع وشدة التقبص، والحِزْقَة، الجماعة, ويجمع على حِزَق، قال رؤبة:
ولَفَّ سِدْرَ الهجريّ حِزَقَا2
والحَزِيْق: الجماعة أيضًا، قال لبيد:
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في: مصنفه: 711/8 بلفظ: "منحرفين" بدل "متحزقين" "تصحيف", وبزيادة: "فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون".
وذكره ابن الجوزي في: مناقب الإمام أحمد مختصراً: 388. وانظر الفائق: "حزق": 280/1, وفي: النهاية: "حزق": 378/1: متحزقين ولا متماوتين: أي متقبضين ومجتمعين.
2 الديوان: 111.

(3/49)


ورقاق عصب ظِلمانُه ... كَحَزِيق الحبشيين زُجَلْ1
ويقال للرجل البخيل: حُزُقَّة؛ وذلك لضيقه وشدته، قال الشاعر:
"229" / وما تسعون يحفزها ثلاثٌ ... تضمن عقدها رجل شديدُ
بكف حُزُقَّة جمعت لِوَجْءٍ ... بأنكد من عطائك يا يزيدُ
__________
1 اللسان: "حزق"، والديوان: 174, برواية: "الزُّجل" بدل "زُجل", والرقاق: الصحراء المتسعة اللينة، والحزيق: الجماعة من الناس والطير والنخل وغيرها, والزجل: جمع زجلة، وهي الجماعة من الناس.

(3/50)


حديث سليمان بن يسار
حديث سليمان: "أن قومًا كانوا في سفر...."
...
حديث سليمان بن يسار
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سليمان: "أن قومًا كانوا في سفر، فكانوا إذا ركبوا قالوا: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} .
قال: وكان فيهم رجل على ناقة له رازمٍ، فقال: أما أنا فإني لهذه مقرن، قال: فقمصت به, فصرعته, فدقت عنقه."1.
يَرْوِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار.
قال أبو زيد: الرازم: الذي لا يتحرك هزالًا، وقد رَزَم يَرْزِم رُزَاماً، وبعير رَازِم، وإبل رَزْمَى.
قال أبو زيد: والرازح مثل الرازم.
وقال الفراء: الماقط مثل الرازم، وقد مَقَطَ مُقُوطاً.
وفي قصة خيبر: أنهم وجدوا في الكتيبة طعاما كثيراً، قد كانوا أمسكوه لمأكلتهم، وكانت سنة مُرْزِمَة: أي مُقْحِطَة يهزل فيها المال وتعجف الدواب.
وقوله: إني لهذه مُقْرِن: أي مُطِيق. يقال: أقرنت لهذا الأمر، أي أطقته.
__________
1ذكره السيوطى في: الدر المنثور: 14/6، وعزاه لعبد بن حميد, وابن المنذر.

===================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...