Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية /فهرست الموسوعة / كتاب إفشاء السر /11 الأخلاق /

 



11 الأخلاق جزء ثاني1 الفصل الثالث المنهج الإسلامي 

في

 

تنمية القيم الخلقية

اتضح لدينا في الفصل السابق، طبيعة الأخلاق الإسلامية، ومصادرها، وفي أثنائها تناولنا فطرة الإنسان وطبيعته وأبعادها باعتبار أن الإنسان مكلف ومتحمل مشاق التكليف، ولعلنا نتساءل:
هل الأخلاق فطرية في الإنسان أو مكتسبة؟ بمعنى: على أي شيء تعتمد عليه تربية السلوك الخلقي؟ هل تعتمد على ما لدى الإنسان من فطرة وقوة واستعدادات؟ أم تعتمد على التنشئة والتوجيه؟
وعلى أي حال كان الموقف، فكيف يتم النمو الخلقي لدى الإنسان؟ وكيف يتم تنشئة السلوك الخلقي عند الإنسان؟
هذا هو حديثنا وتحليلنا في هذا الفصل، في محاولة لإيضاح هذا الأمر، خاصة أن هناك نظريات كثيرة في هذا المجال، والباحثون فيه يعتمدون على نظريات صاغها علماء وباحثون غربيون يفسرون في ضوئها ويحللون. وليس لدينا مساحة للاستفادة مما كتبوا، إلا أن الأفضل أن نحاول الاستفادة مما تحت أيدينا من أفكار في هذا المجال، مما أنتجه علماؤنا وخبروه.
أولاً: هل تُكتسَب الأخلاق:
لعله قد تقرر لدينا أن الإنسان مخلوق لديه استعدادات كامنة تظهر بالتنشئة والاكتساب، بحيث تنمو وتنضج، وتصبح طابعا مميزا للإنسان(1). وتقرر أيضا ـ أن الإسلام منهج شامل لكافة جوانب حياة الإنسان، والأخلاق الإسلامية هداية من الله للإنسان، من التزم بها فقد حمد ربه، لأنها سعادة في الدنيا والآخرة.
وإذا كان ثمة تفسيرات طرحت للسلوك الخلقي منها ما يرد تكوين السلوك إلى التكوين الحياتي للإنسان، ومنها ما يرده إلى مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، ومنها ما يرده إلى التأثير الاجتماعي.
__________
(1) راجع: الفصل السابق .

(1/1)


ويرتبط مدخل التفسير الحياتي لتكوين الأخلاق بما يسمى بالمثير والاستجابة، بمعنى أن الخلق يتكون عن طريق الربط بين مثيرات معينة مثل الخسائر المادية والعقاب أو ما يشبه العقاب من مثيرات غير محببة، وهذا الارتباط وتعميمه يختلف نوعا عن الصراعات بين الرغبة في إشباع المشاعر الداخلية، أو الحاجات الفورية وبين المتاعب التي تنشأ من القلق، ومن ثم يتكون الضمير باعتباره نوعا من أنواع القلق الذي يصاحب القيم بالفعل الشائن أو حتى التفكير في القيام به، ومن ثم ينصرف عنه لما يسببه من ألم لدى الإنسان(1).
وبالرغم من التفصيلات الكثيرة في هذا المجال والتي يمكن مراجعتها في مصادرها الأصلية، إلا أنه يمكن القول بأن هذه النظرية بكاملها وتفريعاتها وتطبيقاتها تنتمي إلى التفسير المادي لسلوك الإنسان، وتحاول أن تلخص السلوك الخلقي فيما يصدر عن الإنسان من أفعال فيما يمكن قياسه فقط، ولذلك يفقدون ما يسمى بالنور الداخلي أو الضوء الداخلي الكاشف للقيم لدى الإنسان ويرفضون أثره في تكوين الأخلاق بحجة أننا لا نستطيع أن نخضعه للبحث، ولأنه لا يستطيع أن يفسر الفروق الفردية في اكتساب الخلق.
ولا يخفى ما لهذه النظرة من آثار سلبية، حيث إنها تجعل المادة وتركيباتها واستجاباتها الأسباب الوحيدة المعتبرة لتفسير تصرفات الإنسان واستجاباته، وهي بذلك تجعل منه قطعة هامدة لا بد من تشغيلها بطاقة وبقوى خارجية(2).
__________
(1) انظر: محمد رفقي محمد فتحي، في النمو الأخلاقي، ط1، الكويت، دار القلم، 1403هـ/1983م، ص13-26
(2) روبرت م . أجروس، جورج ن. ستانسيو، العلم في منظوره الجديد ـ ترجمة كمال خلايلي، العدد (34) عالم المعرفة، الكويت، د . ت، ص 84.

(1/2)


وهذه النظرية تؤمن بضرورة التدريب والتكرار والتقليد وإعطاء النموذج وغير ذلك من أساليب التدريب حتى تتحول الأخلاق إلى عادات ثابتة يمارسها الإنسان آليا بعد فترة دون تفكير، والتركيز دائما على السلوك الظاهري الذي يمكن ملاحظته، فموضوع مثل تكون مفهوم العدل أو العدالة يمكن تفسيره كردود فعل للتعزيز السابق أو محاولة لاكتساب القول، أو محاولة لتجنب العقاب الذي يصاحب السلوك غير العادل، ومن ثم فإن مفاهيم العدل أو القيم الأخلاقية يمكن تغييرها عن طريق الإثابة أو العقاب، أو التقليد أو التكرار(1).
أما من يرد تكوين السلوك الخلقي إلى التأثير الاجتماعي، فإنه يرى أن الجانب الخلقي في الإنسان يتكون من تعلم الطفل أن يكف أو يعبر عن أعمال معينة يتم تحديد نوعيتها من الخير أو الشر أو عن طريق ممثلي المجتمع الذين يقومون بعملية التنشئة الاجتماعية، ويتم تعزيزها أو عقابها عن طريقهم، فإذا السلوك مقبولٌ اجتماعيا، يتم تعزيزه، ويستمر أداؤه عبر الزمن، وفي مواقف مختلفة، وإذا ما كان السلوك غير مقبول اجتماعيا، فإنه سيتم العقاب عليه، بأي صورة من صور العقاب، ومن ثم فإنه يختفي، وباختصار فإن الوقت كله يدور حول الإرادة الخارجية للسلوك والرغبة الداخلية في الحصول على الثواب وتجنب العقاب(2).
__________
(1) محمد رفقي محمد فتحي: مرجع سابق، ص 17 .
(2) المرجع السابق: ص 17، 18 .

(1/3)


إن أصحاب هذا الموقف مع إيمانهم بنظرية المثير والاستجابة، والتعزيز والعقاب، يرون أن أثر التنشئة الاجتماعية المتمثلة في سلطة الوالدين، وضغوط جماعات الأقران وغيرها من القوى الاجتماعية، أمر مهم في تنظيم النشاط الإنساني، وأن اكتساب الاتجاهات الأخلاقية المتمثلة في مسايرة الأهداف الاجتماعية، إنما يتم عن طريق التعلم، وهم يركزون في الأساس على العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تقاس عن طريق المقاييس الاجتماعية (السوسيومترية)، وهي مقاييس تقيس مدى تحقق العلاقات والصفات الاجتماعية، وما يتفق عليه المجتمع من خلال ممارسة التفاعلات الاجتماعية على أن ما يتصل بالأخلاق يكون أخلاقيا، وهذا ما جعل علماء الاجتماع يقولون أن الأخلاقيات تختلف من مجتمع لآخر، وأنها نسبية طبقا لدرجة التفاعل الحادث في المجتمع واتفاقه عليها(1).
على أن لكل فرد في الجماعة [دورا] يرمز إلى مكانته فيها، وترفض الجماعة أخلاقا معينة على مختلف الأدوار الاجتماعية، فالأخلاق المتوقعة من [الأب] غير الأخلاق المتوقعة من [الابن] أو [الابنة]، والأخلاق المتوقعة من [القائد] غيرها عند [الجندي] وهكذا، والتزام هذه الأخلاق يطلق عليه مصطلح [الضمير] وأصلها أن الأفراد [يضمرون أو يبطنون] معيارا أخلاقيا واحدا يتوقع منهم أن يسلكوا سلوكا متشابها وأن يصبح كل فرد شاهدا على الآخر، وأن يحسب حساب الآخرين فيخجل منهم عند سوء الخلق، ويسر عند حسنه(2).
__________
(1) إبراهيم عصمت مطاوع، أصول التربية، ط2، دار المعارف، ص 131،132
(2) ماجد عرسان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، مرجع سابق، ص 21 .

(1/4)


أما من يرد تفسير السلوك الأخلاقي إلى مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، وأصحابه يطلق عليهم [أصحاب نظرية النمو العقلي في السلوك الأخلاقي] فيتخذون موقفا يؤكد على أهمية المعرفة والفكر في تكوين المواقف والسلوك الخلقي وقد تبلورت هذه النظرية على يد المربي السويسري المعروف [بياجيه] الذي يرى أن الفرد لا يستجيب سلبيا لما يراه حوله أو ما يفرضه عليه الآخرون، وإنما هو كائن نشط يتفكر فيما يستقبله ويستنتج منه مبادئ عامة يسترشد بها في سلوكه وأحكامه، بمعنى أن السلوك الأخلاقي هو تفاعل الفرد مع بيئته أو هو عمل الفرد في البيئة وعمل البيئة في الفرد.
ويميز بياجيه بين مستويين من السلوك الأخلاقي: المستوى الأول: هو المجرد أو التركيب العميق المحتوى على الأسس النظرية، ويتميز باعتبارات الواجب والانصياع للسلطة الخارجية، فالطفل يتقبل من الراشد من الأوامر يجب الانصياع لها مهما كانت الظروف، والصواب عنده ما يتفق مع هذه الأوامر، والخطأ هو ما يتعارض معها، وهذا هو ما أسماه بالتحكم أو القسر وهنا تقوم الأخلاقيات على واقعية الاحترام من جانب الطفل، وبهذا الاعتبار يتم تطبيعه اجتماعيا وأخلاقيا إلا أن الطفل حين ينمو متفاعلا مع بيئته ومجتمعه يتفاعل مع أقرانه على أساس التبادل والعطاء، ومن ثم يأتي التعاون أساسا لتنمية السلوك الأخلاقي، وتظهر أهمية الاحترام المتبادل.
ولعله من المهم أن ندرك أن الأخلاقيات عند بياجيه أساسها الاتزان القائم على العدل، وليست حسب الإنسان أو الإحساس البديهي بالواجب، وقدسية الخير، وإنما الارتكاز إلى الأخذ والعطاء(1).
__________
(1) محمد رفقي، مرجع سابق، ص 48، 49 .

(1/5)


أما المستوى الثاني: فهو الحسي الذي تميزه استجابات محددة وموضوعات فعلية، ويبدو من دراسات بياجيه، أن هناك تخلفا لدى الأطفال في الأحكام الخلقية في المراحل العمرية الأولى عكس الأطفال الكبار، وبالتالي فالطفل الأكثر نضجا لديه القدرة على ممارسة وتطبيق مبدأ التعاون أو الأخذ والعطاء(1).
وإذا كان بياجيه قد قدم نظريات هامة في مجال النمو الإنساني طبقا لمراحل النمو، فإنه قدم أسسا للنمو الأخلاقي نوردها فيما يلي:
1 - النمو الأخلاقي والنمو المعرفي:
حيث يرى أن هناك علاقة بين مستوى الذكاء ومستوى النمو الأخلاقي بمعنى أن الخبرة والذكاء وليس العمر الزمني يعتبران من أحسن المؤشرات الدالة على التعرف على الأعمال المشينة وغير المشينة، ولكن ليس معنى كون الإنسان ذكيا يعني أنه أخلاقي، فكثير من الحالات تشير إلى أن الذكاء البشري قد يتوجه إلى الشر، إلا أنه من المهم التأكيد على أن النمو في المعرفة الخلقية يلزمه قدرة معرفية مناسبة في الفرد أيا كان ذلك النمو.
2 - الخبرة الاجتماعية القائمة على المساواة:
ويرى أن التفاعل الاجتماعي بين الرفاق القائم على المساواة هو المصدر الرئيسي لإدراك أن أخلاقيات التعاون هي أساس العلاقات الاجتماعية المتناغمة وهي التي تحقق الانسجام بين أفراد المجتمع، وأشار بياجيه إلى أنه إذا أعطى الوالدان الطفل شعورا بالمساواة بتأكيد التزامات كل فرد ومظاهر عجزه، وأن يقوما بالوعظ عن طريق القدوة فإنهما يدفعان الطفل إلى الترقي على سلم النمو الخلقي، وهذا المنحى في تربية الأطفال يؤكد القيمة الكبرى للنمط غير التسلطي في التربية.
3 - الاستقلال عن سلطة الكبار القسرية:
__________
(1) المرجع السابق، ص 49، وماجد عرسان الكيلاني، ص 32 .

(1/6)


حيث يعتبر أن الاستقلال المتزايد على سلطة الكبار ـ التي تعتبر قسرية وإكراها ـ سبب ونتيجة لتزايد إقبال الطفل على أخلاقيات التعاون، وبالتالي يقهر التمركز حول الذات ويقبل أكثر على التعاون بين الأقران، ومعنى هذا أنه كلما زاد استقلال الطفل عن سيطرة الكبار كلما زاد انطلاقه وإخلاصه لمبدأ التعاون بين الأقران الذي يؤكد هذه الاستقلالية. ومعنى هذا أن الاتجاهات الوالدية القسرية والمتطرفة في القسر ترتبط ارتباطا سالبا بالنمو الخلقي السليم.
وإذا كان ثمة اتفاق بين الباحثين على ما نادى به بياجيه في كثير من آرائه مثل: تأكيدهم أن الطفل ـ وهو لا يمكن أن ننظر إليه كبالغ ـ تنقصه جرعة من التلقين والإرشاد. وأن ما يبدو عدم نضج حين ننظر إلى الطفل قد يعتبر نموا سويا ناضجا إذا ما نظرنا إليه في الإطار العام للنمو. وأن الأحكام الخلقية التي يصدرها الطفل لا توجد في مناخ اجتماعي أو ثقافي رغم ما يبدو من تلقائية نحوها، وإنما تخضع للمؤثرات الثقافية والاجتماعية في معدل نموها وهيئة تواجدها، والأبعاد التي تظهر فيها، إلا أن الفكر الخلقي لا ينمو ككل، وإنما كجهات متفرقة، وهذا ما لا يمكن أن نستخلصه من فكر بياجيه ولا من كتبه(1).
ولا نريد أن نعرض أسماء بعض أصحاب نظريات كثيرة في هذا المجال، ولكن نكتفي بسرد بعض أسماء بعض أصحاب النظريات التي اشتهرت في هذا المجال والتي منها:
- نظرية كولبرج(2). - نظرية رست(3). ـ نظرية بل(4).
- نظرية دامون. - نظرية ايزنبرج. - نظرية البيئة الاجتماعية(5).
__________
(1) محمد رفقي، ص 62 - 69 . ( بتصرف يسير ) .
(2) راجع نظريته في المرجع السابق، ص 76 - 89 ، وماجد عرسان، ص 24 - 32 .
(3) راجع نظريته في محمد رفقي، ص 101 - 110 .
(4) راجع نظريته في ماجد الكيلاني، ص32 -40 .
(5) راجع محمد رفقي، ص 135-158 . ولم نحدد الأسماء لشهرتها بهذا الاسم.

(1/7)


ونكتفي بهذا العرض الموجز للنظريات التي حاولت تفسير تكوين السلوك الخلقي والأخلاقيات لدى الأفراد والأطفال، وقد كان لها تطبيقات جيدة في مجال التربية الخلقية.
نظرة نقدية:
بالرغم من كثرة الآراء المتعلقة بالنمو الخلقي في الغرب، إلا أنَّ الوضع يوحي بضعف شديد في التربية الخلقية، فتزعزعت القيم الجديدة، وهي مشتقة من عالم المال وأصحابه، وأصبحت الدراسة التقنية الفنية، وأرباب الإدارة والتنظيم، الذين لا يهمهم إلا تغليب قيم الكسب المادي، والربح، والاستثمار الأقصى للموارد المادية والبشرية. وقد خلت تلك القيم من القيم الإنسانية الرفيعة، وأصبح الإنسان صاغرا أمام سلطان الآلة وغدا العالم في ضياع خلقي وقيمي، حتى إن الإنسان - وعلى لسان علماء الغرب - يتساءل: هل هناك حاجة إلى قيم؟ أو ليس من الممكن أن يقوم عالم إنساني بلا أخلاق وبلا قيم؟ بل يذهب المنكرون للقيم والأخلاق إلى أن تمسك الإنسان بقيم خلقها المجتمع هو ضرب من الامتهان لقيمة الإنسان نفسه، وشكل من أشكال الطغيان على حريته، ولون من ألوان التسلط على الإنسان.
إن الذي نريد إبرازه هنا هو أنه على الرغم من انتشار النظريات والمذاهب الأخلاقية، إلا أن هناك نظريات تنكر الأخلاق، وهي أوسع انتشارا وهذا دليل على تدني الأوضاع القيمية والضياع القيمي في العصر الذي نعيشه، وهذا بالتأكيد تجن على فطرة الإنسان، وانحطاط به إلى مستوى الحياة العضوية والغريزية الحيوانية.

(1/8)


والذي نعرفه ونؤمن به وما يؤمن به أصحاب التأمل في الواقع والتاريخ، وما تدل عليه الدراسات المنصفة: [أن الإنسان بالتعريف كائن ذو قصد وهدف، وأنه لا يستطيع الحياة بلا هدف يؤمن به، وأنه يزداد رقيا في معارج إنسانيته حين يجد الرسالة التي يؤمن بها والتي يكتسب وجوده الإنساني من خلالها معناه أنه كما يدل الواقع وكما تدل الأبحاث لا يستطيع أن يلصق بحمأة الأرض ويحيا حياته البيولوجية المحضة ما لم يتخلَّ عن إنسانيته، إن صح أنه في وسعه أن يتخلى عنها، أي عن طبيعته التي جبل عليها بوصفه إنسانا، أي كائنا ما هو بالملاك ولا هو بالشيطان، بل هو عوان بينهما، تتوق طبيعته الإنسانية الملكية دوما إلى التغلب على طبيعته الحيوانية والشيطانية، وهذا هو الذي يفسر ما يتعرض له إنسان العصر الحديث من اضطرابات وأمراض في حياته النفسية حين يجرب التنكر لطبيعته الإنسانية عن طريق تنكره للقيم الإنسانية، ولا نغلو إن قلنا إن الطبيعة الإنسانية حين ينكرها إنسان العصر الحديث ظنا منه أن في وسعه أن يغيرها أو يتنكر لها، تنتقم لنفسها عن طريق وقوعها في الاضطراب والتفكك والحيرة، أي عن طريق احتمائها بالمرض(1). حيث إن جميع الشواهد تدل على أن التدخل المنافي للطبيعة الإنسانية في نمو الشخص، أثناء الطفولة وبعدها، هو أصل الأصول في المرض العقلي والاجتماعي عامة والتدمير خاصة(2).
__________
(1) عبدالله عبدالدايم، نحو فلسفة تربوية عربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1991م، 239 .
(2) أريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، ترجمة سعد زهران، مراجعة وتقديم لطفي فهيم، عالم المعرفة، العدد (140) أغسطس 98، ذوالحجة 1409هـ، ص 83 .

(1/9)


ويشهد على فقدان القيم، وتدني المستوى الإنساني، أن أسلوب العيش المرتكز على التملك والأنانية، والسلوك الذي يتركز حول الملكية والربح يؤكد الأنانية المنوطة والفردية المفرطة، فهو لا بد وأن يخلق الرغبة، بل الحاجة إلى القوة، فمن أجل السيطرة على كائنات بشرية أخرى، يحتاج الإنسان إلى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم، ولإحكام القبضة على ما استولينا عليه من ممتلكات خاصة فهو بحاجة لاستخدام القوة لحمايتها من الذين يمكن أن يأخذوها، لأنهم ـ والحال من بعضه ـ لا يمكن أن يقنعوا بما عندهم والرغبة في الحصول على أعلى ملكية خاصة وأكبرها تولد الرغبة في استخدام العنف من أجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة أو خفية مما يؤكد الأنانية والفردية المطلقة(1).
ويتبع نزعة التمركز حول الذات والأنانية نزعة التميز عن شيء واحد ووحيد هو المتعة الفردية، والبحث الضيق عن المتعة الفردية المباشرة (اللذة الجنسية غالبا) وشيوع الأمراض النفسية الجنسية، والأمراض الجسدية الصحية، واضطرابات خطيرة في السلوك الجنسى، وانتشار المخدرات والعنف والإرهاب وما إلى ذلك من أمور تؤكد النزعة الأنانية المفرطة.
ومن مظاهر الاضطرابات الناجمة عن فقدان القيم الروحية والسند الروحي، انتشار اللجوء إلى السحر والشعوذة طلبا للشفاء من الأمراض الاجتماعية والنفسية بل مساعدة أصحاب الأعمال على تنظيم أعمالهم وغير ذلك من أمور(2).
وتتعدد أشكال فقدان القيم الخلقية في المجتمع الغربي المعاصر، مما يدفعنا إلى القول بأن هذه النظريات في تكوين السلوك الخلقي تكاد تكون قد فقدت فعاليتها في واقع الحياة، بالرغم من تحقق مكاسب واضحة في المجال المادي وإن كان لهذه المكاسب انعكاسات على روح الإنسان وعقله وفكره، ومظاهر إيجابية من القيم الجيدة التي يرتكز عليها.
__________
(1) المرجع السابق: ص 83 ( بتصرف يسير ) .
(2) راجع: عبدالله عبدالدايم، مرجع سابق ص 240 .

(1/10)


ثانيا: منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية:
لعله قد ظهر لدينا الآن ضرورة ملحة لطرح منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية لدى الإنسان المسلم وهذا المنهج بأصالته وربانيته استطاع أن يساعد على اكتساب الأخلاق الإسلامية واستمرارها استمرارا مشهودا، وسيادتها في حركة الإنسان المسلم الصادق، وبداية لا بد أن نقرر مجموعة من المبادئ الأساسية التالية:
1 - إن تنمية القيم الخلقية لدى المسلم تعتمد على فطرة الإنسان وما زود به من استعدادات فطرية للتعلم والتخلق، ثم يأتي بعد ذلك عملية اكتساب الأخلاق من المجتمع المحيط في إطار التنمية المتكاملة المتوازنة لكامل شخصية الإنسان من خلال الجوانب الروحية والوجدانية والعقلية للإنسان وحواسه، وعلى ذلك فإن على التعليم والتربية أن يقدما الزاد لتنمية الإنسان من كافة النواحي، على صعيدي الفرد والجماعة وأن يحفزا هذه الجوانب كافة إلى الخير وطلب الكمال(1).
وهذا يعنى أن الجهد التوجيهي التربوي ينصب على كافة جوانب الشخصية الإنسانية وعلى التكامل بين المعرفة والسلوك، وينبغي للإنسان أن يعرف كيف يمزج بين المعرفة والعمل في إطار كلي، وبذلك تزداد خبرته وتجربته بالممارسة التي تعدل وتنسق الكثير من خبراته(2).
__________
(1) سيد على أشرف، آفاق جديدة في التعليم الإسلامي، ترجمة أمين حسين الرباط، السعودية، عكاظ، 1404هـ/1984م، ص 28، 29 .
(2) محمد النقيب عطاس، التعليم الإسلامي أهدافه ومقاصده، ترجمة عبدالحميد محمد الحديبي، سلسلة التعليم الإسلامي، عكاظ وجامعة الملك عبدالعزيز، 1404هـ/1984م، ص 14 .

(1/11)


2 - إن وجود القيم الخلقية والمبادئ العليا والأهداف السامية ضروري لتوجيه حياة الإنسان توجيها صحيحا يضبط حركته سليمة صحيحة، فالإنسان لكي يجعل نفسه في صورة إنسانية مرضية ينبغي أن يكون له في حياته أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره، ويتمثل ذلك في مجموعة من القواعد الخلقية، والمثل العليا التي يلزم نفسه بها ويسير على منهاجها طوعا وتزيد فرادته في قوة خلقه ومثابرته في التمسك بها، وعندما ينعدم وجود هذه المبادئ والمثل تفقد الحياة دوافعها ومعانيها، بل تبدو راكدة غير منتجة، ويضمحل الإنسان وتهمد إرادته بافتقادها الهدف والمبدأ والخلق والقيمة.
وهذا يعطينا مؤشرا هاما على أهمية القيم الخلقية في بناء الإنسان، وكذا أهميتها كمصدر من مصادر الأهداف التي ترتجى وتؤمل في نمو الشخصية المسلمة في المجتمع.
3 - إن هذه القيم والمبادئ والأهداف تحتويها ثقافة المجتمع المسلم باعتبارها الإطار المرجعي لكافة سلوكيات الفرد والجماعة، وهي التي تمثل القيم والأخلاق والمهارات والأذواق وما إلى ذلك مما يكتسبه الإنسان وتشكل شخصيته القيمية والأخلاقية.
وهذه الثقافة تقوم على مبدأ التوحيد حيث تشتق منه وتدور حوله كافة القيم الإسلامية باعتبارها معايير واقعية توجه جميع أفعال الفرد في مختلف المواقف الفردية والاجتماعية، وباعتبارها تصورا للمعاني الكلية المسئولة عن الأحكام التي يصدرها الفرد على أي موضوع أو موقف، ويرى الفرد فيها شيئين: الحق والخير، وهذه لا تتم إلا بالاتصال بين الأجيال.

(1/12)


إن التوحيد، ومجموعة الأحكام المعيارية بما فيها الأخلاق لا يتحققان إلا في ثقافة هيئة اجتماعية وفي ذوات إنسانية، فالفرض يكتسب قيمه الخلقية من المصدرية الجماعية، ومن خلال التفاعل مع الجماعة يمتص الفرد القيم الخلقية وتنمو لديه الأحكام الخلقية، ويحرص المجتمع الحرص الشديد الأكيد على إكساب الفرد القيم الخلقية، حتى تصبح سمة من سمات شخصيته بل إنها في الحقيقة تعتبر الأساس الجوهري لبناء شخصيته.
4 - إن تنمية القيم الخلقية لدى الإنسان المسلم تعتمد على تكوين الوازع الداخلي في الفرد منذ الطفولة الأولى حيث يؤمن الفرد بالقيم، ويكتسبها ويتشربها ويضيفها إلى إطاره المرجعي للسلوك، ويتم ذلك من خلال التنشئة الاجتماعية، وعن طريق التفاعل الاجتماعي يتعلم الفرد أن مواقفه يجب أن تتسم بالخلقية وذلك حتى يشارك في حياة المجتمع بفاعلية.
وبعد فإن منهج الإسلام في تكوين القيم الخلقية يتأتى كما يلي:
باستطلاع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تطالعنا طريقة فذة في معالجة القيم الخلقية من حيث تكوينها لدى الفرد المسلم والجماعة المسلمة. وقد أتى الإسلام لا ليصطدم مع الطبيعة البشرية بل ليضبطها، ويفجر أحسن ما فيها، وقد أقام السلوك على أساس خلقي ضابط بوعي واختيار واع وذلك كما يلي:
1 - اهتم القرآن الكريم في مرحلته المكية ببناء الإيمان في نفوس الناس، والدعوة إليه بكافة الوسائل، وذلك بلفت النظر إلى خلق الله، والتأمل فيه، للاستدلال على الخالق ـ عز وجل ـ والإيمان به، والتصديق بما أنزله على رسوله.

(1/13)


وقد عرضت الآيات الواردة في هذا المجال: سنة الله في الأسباب والمسببات، سنة الله في جزاء من اتبع هداه، سنة الله في حال الإعراض عنه، سنة الله في التدافع بين الحق والباطل، سنة الله في الابتلاء والفتنة، سنة الله في الظلم والظالمين، سنة الله في الترف والمترفين، سنة الله في الطغاة والطغيان، سنة الله في بطر النعمة وتغييرها، سنة الله في الذنوب والسيئات، سنة الله في الاستدراج. وغير ذلك من سنن عرضها القرآن في قصصه أو في آيات منفصلة، بهدف تعريف الناس بكيفية السلوك الصحيح في الحياة، حتى لا يقع الإنسان في الخطأ والعثار والغرور والأماني الكاذبة.
إنها الدعوة الكاملة إلى الإيمان الكامل الصحيح، وقد يصاحب بيان ذلك في الآيات ذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، ليحرك في النفس عاطفة الخوف والإحساس بالأمن، وهو في ذلك يريد أن يحرك في الإنسان الإحساس بالأمان النفسي والشعور بالحماية الإلهية في ظل الإيمان، وفي الوقت نفسه يعطيه الثقة بنفسه، وبأنه مكرم ومؤهل لحمل أمانة الوجود،وحمل أمانة التكليف.
فهي تستثير في الإنسان أقصى طاقاته الإنسانية لتسمو بها وتضعها على الطريق السوي السليم المنشود من الإيمان(1). وتحويل الإنسان من التبعية الذليلة في كل شيء من جنبات حياته للطواغيت الكفرة والفجرة، إلى آفاق العزة والكرامة وتحقيق الإنسانية الكريمة وذلك ببث روح القوة والتخلص من العجز والاتكالية {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِينَ}(2).
__________
(1) اقرأ الآيات: 10 من سورة لقمان، 53 من سورة طه، 7 من سورة الشعراء والواقعة .
(2) آل عمران: 139 .

(1/14)


2 - وقد صحح القرآن علاقة الإنسان بما حوله بأن جعلها علاقة تعاطف وتعارف، فلا عبودية لها ولا تأليه، ولا استهانة ولا إنكار، وقد ربى القرآن الإنسان على حضور واع، واتخذ في هذا السبيل طرقا مختلفة لعملية التصحيح هذه، وهي لازمة لتكوين قيم صحيحة سليمة، وكان أول ما قام به هو تصحيح علاقة الإنسان بالله الخالق الراعي لخلقه المعتنى بهم، الرحيم، المبدع، التواب. وهو الواحد؛ غرس في نفس المسلم التوحيد، الذي دفع الإنسان إلى حب الخير وفعله، وتجنب الشر وكراهيته، وبالتالي كانت العلاقة بين الإنسان والله طريق الإنسان إلى الكمال، وكانت طريقا إلى امتلاء قلب الإنسان بالولاء والانتماء إلى الله وحده، ومنهجه الذي إذا تمسك به الإنسان أصبح إنسانا فاضلا يسارع إلى فعل الخيرات، ويبتعد عن فعل الشر، وبالتالي يتصف الإنسان بمكارم الأخلاق، ويتشبه بأخلاق الله تعالى من حيث الاتصاف بالكمالات والتنزه عن النقائص، ويصبح مجتمعه كله ذا أخلاق دينية، تسوده مكارم الأخلاق.
وكان ذلك منطلقا لتصحيح كافة العلاقات الأخرى بما حول الإنسان ومن حوله، وما دام الإنسان قد آمن موحدا وتولدت في نفسه حالة العبودية الكاملة لله وحده، فإن ذلك ينعكس على علاقاته بالأشياء حوله، وعلى كافة مكونات حياته؛ ذلك أن الإيمان الصحيح هو أكبر القيم الخلقية الدافعة للإنسان في مجرى الحياة الصحيح الموصل للسعادة.
ومن هنا تنبع مجموعة من القيم الخلقية الفذة النابعة من توجيه التوحيد،كحالة نفسية، وضرورية للتعايش مع الكون والعالم ومصادقة قوى الطبيعة، ودراستها وفهمها، واكتشاف أسرارها لتضفي قيمة عليا على العلم والبحث العلمي بالمعنى الواسع للكلمة.

(1/15)


ثم هو لا يذوب في الطبيعة المادية ولا يعاديها، لكنه لا بد أن ينفصل عنها إلى عالم التوحيد المطلق والمجرد، فالطبيعة ليست مقصودة لذاتها، وهي ليست ثابتة، بل هي متغيرة ومتقلبة، ومن حق المسلم أن يتجاوزها بعد أن يكتشف فيها لغة التسبيح لله. وفي هذا الذي أقره الإسلام ووجه إليه تحقيق سام لإنسانية الإنسان،لأن الإنسان بهذا يتحرر من عبودية أي شيء سوى الله تعالى، ويتخلص من قلقه المرضي؛ لأن المنهج الإسلامي يضع الإنسان حيث يجب أن يوضع، مخلوقا ذا رسالة سامية في هذه الحياة(1).
3 - وصحح القرآن علاقة الإنسان مع نفسه ثم مع من حوله من الناس، وذلك بعد أن ضبط حركته بقيم خلفية معينة تجاه الخالق والأشياء، والآيات المدنية تأتي لبناء الإرادة الإنسانية وتكوين القيم السليمة لعلاقات الإنسان بنفسه، وبالإنسان في مجتمعه، وللجماعة كلها بعد أن قام البناء الإيماني في نفس المسلم.
وكثيرة هي تلك القيم الفاسدة التي كانت موجودة عند العرب وفي العالم، واستطاع الإسلام بتوجيهاته أن يقضي عليها، ويحولها إلى قيم إيجابية صحيحة على أساس من الإيمان الصحيح الخالي من الشوائب
وقد اهتم القرآن كثيرًا بتوضيح الانحرافات الخلقية التي يمكن أن توجد في المجتمع المسلم، فاهتم بإيضاح حقيقة النفاق وعَدّها انحرافا نفسيا يسهل الوقوع فيه؛ لأن الإنسان المسلم ـ تحت الظروف المستبدة ـ قد يعيش حالة مزيفة، إنه يصبح ضد نفسه أحيانا، ويحبس حركتها الحرة في التنقل من حالة إلى حالة، ويوقف تيارها الداخلي وهذا مرض نفسي،يجمد حركة الإنسان،ويحرمه من الحركة الحية، ويصيبه بالخواء والزيف والخداع،وقد صور القرآن حالة المنافقين في آيات كثيرة منها:
- {فِي قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا}(2).
__________
(1) عبدالغني عبود: العقيدة الإسلامية والأيدولوجيات المعاصرة ـ الطبعة الأولى ـ القاهرة ـ دار الفكر العربي، 1976م ص143 .
(2) البقرة: 10

(1/16)


- {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً}(1).
- {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}(2).
- {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي أَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}(3).
إن القرآن يعرض النفاق كطبيعة منحرفة وسلوك مريض، ويشخص هذا المرض ويحلله ويتحدث عنه باستفاضة وعن مضاعفاته ونتائجه، وقصده من ذلك التحذير منه، ومن النتائج الخطيرة التي تترتب عليه، فهي نتائج تصيب الإنسان في وجوده الذي يرتبط بالصدق والحرية والتجدد، فيتحول وجوده إلى زيف وجمود وهراء(4).
__________
(1) النساء: 142 .
(2) المنافقون: 4
(3) البقرة: 17: 20
(4) عبدالحميد إبراهيم: الوسطية العربية، الكتاب الأول، المذهب، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار المعارف، 1990م،ص157.

(1/17)


ومن هذا المنطلق حارب البخل والجبن في نفس الإنسان، وحارب التواكل الذي يحيل الإنسان إلى طفل لا يستنفر ذاته، وإنما يعتمد على الآخرين في حل مشكلاته، وفي حربه تلك يجعل المسلم يجابه الواقع ويتحمل المسئولية، ويبتعد عن كل شيء يصادر تلك المسئولية(1).
لقد علم الإسلام المسلم أن يؤمن بوجود قوة عليا، وأن يستفيد من إمكانياته واستعداده للإيمان بالغيبيات فضبطها، بحيث لا يصل إلى التصادم مع الأسباب والمسببات. وعلمه القرآن أن الحق يبطل السحر، وأنه ليس بإمكان أحد أن يضره إلا بإذن الله، وأن التلصص على السماء لسماع الغيب قد بطل منذ بعثة النبي
J، وأن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له الرحمن، وقد كان ذلك كله إيذانا بتصحيح علاقة الإنسان بنفسه، فلا يخور ولا يجبن ولا ينافق ولا يدع الأسباب(2). وكان أيضا إيذانا بتصحيح علاقة الإنسان مع الآخرين، وانطلق المسلم بالدعوة الإسلامية إلى مرحلة العالمية.
__________
(1) المرجع السابق، ص 157، 159، واقرأ: الإسراء: 93 -95 .
(2) المرجع السابق، ص 160 .

(1/18)


4 - وأتم رسول الله J بناء القيم الخلقية في النفوس المسلمة، وكانت طريقته في ذلك أبدع ما تكون الطريقة، وأساليبه أشهر ما تكون وأعظم، في ضربه المثل الأعلى والقدوة الصالحة من ذاته، في نفسه، وفي مجالسه، وتوجيهاته، وأفعاله، وأقواله، وباستخدام كافة الطرق لاستثارة إمكانيات الإنسان من أجل تمثل القيم الخلقية، والأمثلة على ذلك كثيرة في مواقف الرسول J، نذكر منها ـ على سبيل المثال ـ ما يتعلق بمجلسه J، فقد كان ـ كما جاء في حديث هند بن أبي هالة: [مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا تُرفَع فيه الأصوات، ولا تُؤْبَّن فيه الحُرَمُ، ولا تُثْنَى فلتاته، إذا تكلم أطرق جُلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، كان دائمَ البشر، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخَّاب في الأسواق، ولا فحَّاش ولا عيَّاب ولا مدَّاح ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ].
ولا عجب أن نجد في أثناء حياته
J وبعدها مجتمعا إسلاميا ملتزما، وفردا مسلما ملتزما توجهه قيم خلقية صحيحة في كافة نواحي سلوكه المختلفة. ونجد الأفراد في المجتمع الإسلامي أصحاء أزكياء مبدعين ملتزمين بالإسلام.
ثالثا: كيفية تكوين القيم الخلقية:
لتكوين القيم الخلقية عمليا - وبالوسائل السابقة، وعلى أساس القدوة الحسنة - نجد أن هناك عدة مراحل هامة، وقد استنبطنا بعضها من أسلوب عرض القرآن، واستعنا ببعض القراءات في هذا المجال، وهي كما يلي:
1 - عرض المواقف الخلقية لجذب الانتباه إليها:
لقد عرض القرآن مواقف خلقية كثيرة، وذلك لجذب انتباه الإنسان، وإيقاظ إحساسه بالقيمة الخلقية وهنا تستخدم كافة الإمكانيات في سبيل هذا العرض بقصد الاستحواذ على انتباه المسلم. ويعتبر هذا درجة أولى لتكوين الوعي بها، وإثارة الرغبة في الترقي لتتم عملية تركيز الانتباه، ويظهر الإنسان نوعا من الاهتمام تأتي بعده الاستجابة النشطة الطوعية النابعة من داخله.

(1/19)


ومثال ذلك: قيمة الصلاة، حين نريد تكوينها في نفس الناشئ الصغير، فإنه لا بد من جذب انتباهه باستثارة حواسه، والسلوك الفعلي أمامه، بحيث نبين له أهمية الصلاة مرة بعد مرة، بحيث يبدأ تكون الوعي لديه بها، ويتطلب هذا إطلاع الناشئ على أهمية الصلاة وكيفية أدائها دون تمييز محدد أو إدراك للخصائص الموضوعية لها، بمعنى أنه لا بد من إتاحة وتهيئة جو يظهر اهتمام الناشئ بالقيمة فيصحبه إلى المسجد وبغير قصد وعن طواعية من الناشئ، وبالتالي يمكن - وبهذه الطريقة المبسطة التي تحترم إنسانية الناشئ وتجذبه في جو تعاوني تعاطفي - أن نغرس قيمة أداء الصلاة في نفسه.
2 - موقف التقبل الواضح وتعزيز هذا التقبل:
فحيث يظهر الإنسان تجاوبا معينا مع القيمة والوعي بها فإنه لا بد من مصاحبة ذلك بقول لطيف مشجع يُحَرِّض على ذكر هذه الاستجابة الطيبة التي تكاد تظهر إلى حيز الوجود الفعلي دون إشارة إلى ضعف ممكن، وبهذه الخطوة يمكن القول إن القيمة أصبحت مُتَمَثَّلَةً بدرجة كافية من العمق بحيث يمكن أن تصبح قوة مسيطرة باستمرار على السلوك، ومعنى هذا أن الإنسان تتكون لديه رغبة مستمرة في تطوير قدرته على الالتزام بالقيمة.
وقد أشار القرآن إلى هذه الخطوة، حيث يثير الانتباه إلى حضور الله العليم المطلع على كل ما يأتيه الإنسان: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة/215). {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} (الشعراء/218).
إن دفع الإنسان نحو انطباع معين - وهو أن يجد في هذه الفكرة ما يحفزه حقا لدعم جهوده، وتغذية طاقاته، وترقية نفسه، ومضاعفة ما يقتضيه من ذاته وذلك من أجل المحافظة على جودة أعماله وطهارة نواياه،يقتضي أن يجد فيه ما يتقبله ليدفعه إلى أن يأتي دائما بالجديد وبالأفضل.

(1/20)


إن أفضل شيء يعزز هذا التقبل للقيمة هو دفع الإنسان إلى التفكير في صلته بالله لحظة العمل، حيث إن لهذا تأثيره على إرادة الإنسان، ليضاعف ذلك من حماسه، ويكمل عمله وبالتالي يتحقق ثبات القيمة، وتحقيق التقدم المطرد في سبيل تعزيز القيمة، وليس هناك أعظم من الحب في تثبيت هذا التعزيز، وهذا الشعور بالحب يولد شعورا بالارتياح وبالقوة البناءة(1).
ونجد ذلك ملخصا في قول رسول الله
J حين سئل: ما الإحسان؟ [الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك](2).
3 - موقف تفضيل القيمة الخلقية:
ويظهر هذا الموقف من خلال التزام الفرد بالقيمة لدرجة تجعله يحرص على القيمة ويسعى وراءها ويريدها، وهنا تظهر استجابات معينة تعبر عن هذا التفضيل، حيث يسعى إلى تكوين أرضية واسعة عنها، ويمكن أن يتعدى ذلك إلى الكتابة عما يشعر به إزاءها.
وهنا يتدخل المربي من أجل زيادة العمل التوجيهي، ولا يجوز أن يكون هذا العمل صريحا بل ضمنيا عمليا. ذا رزانة وبرفق وأناة مع إتاحة فرصة أوسع للناشئ لإظهار استجابات أوسع وبتفكيره الذاتي المستقل(3).
4 - موقف الالتزام بالقيمة:
في هذه المرحلة ـ وبعد استخدام كافة إمكانياته ـ يصل الفرد إلى اليقين، بل إلى درجة عالية من اليقين فيصل إلى اقتناع عال وتأكد لا مجال للشك فيه، وإيمان راسخ بضرورة هذه القيمة، ومن ثم التقبل الوجداني الكامل، فيعمل الفرد لتقرير القيمة وتأكيدها، وتتعمق مشاركته في هذا التقرير والتأكيد، كما يبحث عن أشباهه المؤمنين بهذه القيمة والملتزمين بها فيشاركهم أنشطتهم وتعبيراتهم، إلا أنه يجب أن نعي عدة أمور هامة، وهي:
__________
(1) محمد عبدالله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، ص 323، 324 .
(2) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، حديث رقم 50 ـ فتح الباري، طبعة المكتبة التجارية، جـ1، ص 157 .
(3) راجع: على خليل مصطفى: القيم الإسلامية والتربية، مرجع سابق، ص 84 .

(1/21)


- أن الالتزام ليس مجرد قدرة عاطفية وقتية عابرة، أو مجرد حماس يوجد ويتلاشى لتحل محلها عاطفة مؤقتة أخرى. إن الالتزام يعني استمرارا عاطفيا لتأكيد الالتزام. إنه يأخذ شكل العاطفة الثابتة.
- أن اعتناق الفرد لخلق معين فترة طويلة من الزمن لا يدل على الالتزام به، إذ لا يكون قد بذل فيه جهدا عاطفيا من طاقة الفرد العاطفية بحيث يتم الالتزام، وإنما لابد من استغلال أكبر قدر ممكن من طاقة الفرد العاطفية وتشغيلها بطريقة فعالة حتى يتم الالتزام الحقيقي.
- أن الأعمال المؤيدة للقيمة تعد أمرا مهما، وهذه الأعمال إما أن تهيَّأ في البيئة المحيطة أو من إتاحة مناخ تظهر فيه هذه الأعمال من الفرد؛ لأنها تدل على وعي والتزام بحكم طبيعتها(1).
وفي هذه المرحلة ـ أيضا ـ يعبر الفرد عن اعتقاده بقيمة خلقية في سلوكه العلني البراني المترتب على القناعة الجوانية، بمعنى إلزام المرء نفسه، وتعهده بانتهاج خلق معين.
ولزيادة درجة الالتزام في تنمية القيمة الخلقية يمكن استخدام واحد أو أكثر من العناصر التالية:
- توضيح الفعل الخلقي - صالحا أو طالحا - بمعنى توضيحه وخلوه من الغموض.
- إبراز أهمية الفعل الخلقي الصالح.
- إبراز تعذر الرجوع في الفعل الخلقي الصالح أو الطالح.
- تكرار مواقف السلوك الخلقي.
- إتاحة فرصة الاختيار والحرية أمام الملتزم في إقدامه على الفعل الخلقي.
وبهذا يمكن تأكيد الالتزام وزيادة درجته بحيث تقوى وتتأكد لدى الشخص،ونجد هذه الملامح الأساسية من خلال نصوص القرآن والسنة النبوية المطهرة.
5 - وضوح التنظيم القيمي الأخلاقي:
ويعني هذا ترتيب القيم الخلقية في نظام ترتيبي معين أو في نسق معين، ويظهر ذلك في أنه حين يأخذ الفرد في تمثل القيم الخلقية بصورة متتابعة، يواجه العلاقة ذاتها بأكثر من قيمة واحدة، وهنا تنشأ الضرورة لأمور ثلاثة، وهي:
- ضرورة تثبيت القيم في نظام تتابعي أو نسق واحد.
__________
(1) المرجع السابق، ص 85 .

(1/22)


- تحديد العلاقات المتبادلة بين هذه القيم الخلقية وبين المواقف الحياتية المختلفة.
- إبراز القيم المسيطرة ذات اليقين العالي عند الفرد.
- وهنا يأتي التجريد للأحكام الخلقية المعلنة، ويكون التعبير عنها في صورة رمز أو عمل، ومن خلال عملية التجريد هذه يقوم الفرد بتحديد الأشياء العامة المعتمدة على التحليل والمفاضلة، حتى يصل إلى تنظيم معين لقيمه، مكونا أحكامه ـ بناءا على الخطوات السابقة ـ على الأشياء والعلاقات حوله. وهنا لا بد أن يتصف المرء بالمرونة الأخلاقية، التي تعني القدرة على صياغة قواعد أخلاقية مرنة. وحيث تفيده في التعرف على المبدأ الأخلاقي الكامن وراء التعليمات والقوانين وهذا من الأمور المهمة.
6 - التميز الخلقي والفعالية الأخلاقية:
وهذه مرحلة أخيرة حيث يصبح الفرد متميزا، ويصل إلى التصرف السلوكي الذاتي طبقا للقيم التي تمثلها والتي أصبحت تسيطر على أفعاله وتصرفاته وتراقبها، فهي تقوم بدور المراقب على قدر كبير من سلوك وتصرفات الإنسان، إذ يمكن وصفه وتقديره عن طريق هذه القيم الأخلاقية.
وهنا يكون طابعه تطبيق المبادئ الخلقية التي آمن بها في مواقف وسلوكيات حياته بفعالية وإيجابية وإقبال، حيث يكون الفرد قد دمج قيمه وأفكاره ومواقفه واتجاهاته في رؤية متكاملة تشكل علاقته مع العالم المحيط به، واستجاباته الدائمة والثابتة تجاه المواقف والأشياء بصورة مترابطة، أي تشكل توجها سلوكيا أساسيا يمكن الفرد من الاستجابة لمواقف العالم المحيط والعمل بثبات وفعالية في هذا العالم.

(1/23)


ويرتبط بهذه النقطة ما يسمى بالإبداع الخلقي، حيث إن من يتصف بهذا الإبداع يتعامل مع كل موقف جديد بانفتاح كامل متوج بالحب والعقل، فهو يتعامل مع الناس بالحب، ويتعامل مع المشكلات بالعقل، وتنطلق لديه قدرات علمية وثقافية فائقة التصور. ومعنى هذا أنه لا يخضع خضوعا أعمى للأعراف والتقاليد، وإنما يتعامل معها بانفتاح ومرونة واستقلالية، ويبلور لنفسه ولمجتمعه قيما جديدة وأهدافًا جديدة تتناسب مع طبيعة المجتمعات والتحديات التي تواجهها(1).
7- موقف دعوة الغير إلى الالتزام بالقيمة:
طالما أن القيمة الخلقية قد ترسخت جذورها، وأصبحت ديدنا للإنسان لا يحيد عنه في مواقف الحياة المختلفة، فإنه - ومن منطلق إيماني - يدعو غيره إليها، ويحببه فيها بشتى الوسائل الممكنة، فالمؤمن لا يكتمل إيمانه إلا إذا أحب لأخيه ما يحبه لنفسه، يقول المصطفى
J: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] (2) وبهذا فقط تتحقق الخيرية المشار إليها في قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران /110) .
إن الالتزام الكامل الناتج عن اقتناع تام بهذه القيمة الأخلاقية أو تلك يشكل مطلبا أساسيا من متطلبات الدعوة إلى الله(3) ذلك أن المطلوب من الداعية أن تكون حياته وأخلاقه تطبيقا عمليا لعقيدته(4).(5).
الفصل الرابع
وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية
مقدمة:
لا يمكن لأي مذهب أو نظرية أو فكرة أن تترجم عن ذاتها، وتحقق أهدافها بدون وسيلة تمكنها من أن تتجسد في سلوك الناس.
__________
(1) ماجد عرسان الكيلاني، مرجع سابق، ص 52 .
(2) البخاري -الفتح (13)، ومسلم 45، أنظر صفة الإيمان .
(3) انظر الدعوة والدعاة من القرآن ص 27 .
(4) صفة الدعوة إلى الله .
(5) ولا يتحقق ذلك إلا بالاستقامة ..

(1/24)


وإذا كانت التربية الإسلامية ـ في هذا المجال ـ تقوم بدور عظيم،وهو تغيير أنماط من السلوك وبعض من الأخلاق التي تكبل المسيرة الصحيحة نحو أهدافها، إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة، وتخفيف حدة الصراع القيمي السائد، ذلك التغيير اللازم من وسط ومعطيات القيم الإسلامية، وما توحي به معطيات العصر المعقدة المتشابكة، ومتغيراته الثقيلة الشديدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ـ بالذات ـ وهو ما الوسيلة إلى ذلك؟ وما دور الوسائط التربوية المتعددة في هذا السبيل؟
والإجابة على هذا السؤال في ظل المعطيات السابقة تشكل تحديا حقيقيا، بل أمرا صعبا في ظل الوضعيات الاجتماعية السائدة، لأن الوسيلة لا يمكن أن تقدم، ولا يمكن تحديد دور الوسائط بعيدا عن تلك الوضعيات، لأنها البؤرة الحقيقية التي تنعكس عليها تلك الوضعيات.
ورغم هذا نحاول الاجتهاد استمدادا من الممارسات السابقة للمجتمع العربي الإسلامي، وخاصة في أزهى فتراته، فترة النبوة، لعرض الوسائل، وتحديد أدوار الوسائط في إطار من مراعاة متغيرات العصر وذلك في إطار تربوي عام لا يقتصر أو لا يقف عند مجرد الممارسات التدريسية أو التعليمية، ومن أجل تحقيق هذا الغرض، سنتعرض هنا للنقاط التالية:
ـ مفهوم الوسيلة التربوية.…ـ شروط الوسيلة.…ـ بعض وسائل تنمية القيم الإسلامية.
أولاً: مفهوم الوسيلة التربوية:
الوسيلة: ما يتقرب به إلى الشيء، والجمع وسائل(1)، ويقصد بها ـ تربويا ـ الإجراء المحدد لنقل المعلومات أو المعارف والمهارات أو الاتجاهات والقيم بهدف تحقيق هدف تربوي مرغوب فيه.
فإذا كنا نهدف ـ مثلا ـ إلى تنمية شيء ما، كالقيم فلا بد من إجراء نتخذه من أجل تحقيق هذا الهدف، ومعنى ذلك أننا اتخذنا لذلك وسيلة، قد تكون أسلوبا تدريسيا أو تربويا عاما.
__________
(1) الفيومي، المصباح المنير ـ بيروت ـ مكتبة لبنان ـ 1977، ص 253 .

(1/25)


فالوسيلة إجراء محدد يستخدم لتحقيق هدف تربوي، أما في التدريس فهي الأداة المستخدمة لنقل محتوى الرسالة المرغوب نقلها للتلميذ، ووسيلة التعلم أداة يستخدمها المتعلم بهدف تسهيل عملية استيعابه لمحتوى الرسالة(1).
ثانيًا: شروط الوسيلة:
إن تكوين الأخلاق في الشخصية العربية الإسلامية بحيث لا تخرج عن خصائصها الأصيلة أمر بالغ الأهمية، وهناك ثوابت لا بد أن تأخذ عناية كافية، بحيث تتكون الشخصية الحضارية المتميزة، وانطلاقا من هذا فإننا لا نستطيع أن نلغي القدرات البشرية الهائلة، والطاقات المبدعة فيها، والتي يمكنها أن تثري تلك الأخلاق فلا بد ـ إذن ـ من التكامل في بناء الشخصية الأصيلة المبدعة، لتكون الوحدة ثم التنوع، وحدة الهدف وتنوع الوسائل، بما يكون مصدرا من مصادر عن هذه الشخصية، وبابا من أبواب التفتح والانطلاق والنمو عن طريق الحوار والتبادل، والاختيار (2).
ولا بد من التكامل بين الغايات والوسائل، وإذا كانت غاية الأخلاق الإسلامية تحقيق السعادة للبشر في الدنيا والآخرة من خلال تحقيق رضوان الله تعالى، فإن للوسائل التي تستغل في تنمية هذه القيم شروطها، المتمثلة فيما يلي:
1 - أن تصطبغ بروح الإسلام، في إطار تعاليمه وأخلاقه.
2 - أن تكون مرنة، متفتحة، قابلة للتكيف حسب الظروف والأحوال.
3 - أن تربط بين الجوانب الفكرية النظرية والجوانب التطبيقية العملية.
4 - أن تحترم الإنسان ورأيه ودوره ونشاطه في كسب هذه القيم.
5 - أن تراعي الدوافع الإنسانية، والرغبات والأهداف التي تتوخاها العملية التربوية.
6 - أن تحترم مبدأ تكافؤ الفرص، وتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين.
__________
(1) حمدي أبو الفتوح عطيفة، أسلمة مناهج العلوم المدرسية ـ الطبعة الأولى ـ المنصورة ـ دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ـ، 1407هـ/1986م، ص 126.
(2) محي الدين صابر، من قضايا الثقافة العربية المعاصرة ـ الطبعة الثانية ـ بيروت ـ المكتبة العصرية ـ 1987م ص 79 .

(1/26)


7 - أن تؤكد على مبدأ القدوة الصالحة.
8 - أن تحرص على جعل عملية تعليم أو تعلم الأخلاق عملية سارة ومحدثة للأثر المطلوب منها(1).
9 - أن تراعي واقع المجتمع الإسلامي إمكانياته وأوضاعه، وما يحيط به من ظروف.
10 - أن تراعي ما استحدث في مجال التعليم والتعلم وغيرهما من أفكار ومستحدثات صالحة.
إن الوسيلة التي تنمي الأخلاق الإسلامية لا بد أن تكون نابعة من الإسلام ذاته، الذي حمل إلى العالم كله رسالة المدنية والتقدم، الذي لا يعارض التقدم العلمي والتكنولوجي بل يدفع إليه، ولذا سيظل هو وأخلاقه عامل تقدم ومعاصرة، لأنه مستقبلي، ولكي تحدث الوسيلة الأثر المطلوب فإنه من الضروري:
- تنقية العقيدة الإسلامية مما علق بها وشابها من زيف وجهل وابتداع.
- تنقية الثقافة الإسلامية ـ نظريا واجتماعيا ـ مما علق بها من أوهام ما زالت مسيطرة على أفكار الناس واعتقاداتهم، وتأكيد العقائد الصحيحة القائمة على الوحدانية، والعلم، والمعرفة، والعدالة والمساواة، والتفتح والقوة، وعمارة الأرض.
- توفير المناخ الصحي للقدرة الإسلامية أن تنمو، وأن تدعم الشخصية المسلمة، بأسباب التفتح والعطاء، لأنه من المهم [إطلاق طاقات المجتمع وتحقيق إرادته، وتحصينه ضد الخوف بأشكاله المختلفة](2)، مع الاهتمام بالفرد، وتوعيته بالقضايا المصيرية إسلاميا وعربيا [وحشد قواه وتمكينه من المشاركة فيها، مما يجعله أكثر التزاما بالمعاصرة، وأكثر اهتماما بالمستقبل](3).
__________
(1) عمر محمد التومي الشيباني، [ إعداد المعلم ودوره في تطبيق منهج التربية الإسلامية ] ـ مؤتمر بحوث خبراء التربية الإسلامية ـ مكة المكرمة ـ 1399-14000هـ، ص 30 .
(2) محيي الدين صابر ( مرجع سابق )، ص 85 .
(3) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.

(1/27)


إن هذا يعني أن الإسلام لا يعارض إطلاق بعض النظريات التربوية والنفسية المعاصرة، طالما لا تتضمن ما يتعارض مع تعاليمه، وأيضا فإنه يعني توجيه العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف الإسلام من تنمية الأخلاق الإسلامية.
ثالثًا: وسائل تنمية القيم الإسلامية:
لتنمية القيم في المجتمع الإسلامي وسائل عديدة ومتنوعة منها:
أ - العبادات:
العبادات هي الأسلوب العملي والوسيلة الأولى في التربية (أي عبادة الله حق العبادة) إلا أن العبادات ليست من وسائل التربية الروحية فقط، ولكنها من وسائل تربية الإنسان المسلم ككل، ففي العبادات تربية جسمية وتربية اجتماعية وتربية خلقية وتربية جمالية وكذلك تربية عقلية (انظر صفة العبادة).
فالصلاة تربي الإنسان خلقيا وعقليا، فهي تربط الإنسان بالله، كما أنها تقوي إرادة الإنسان وتعوده على ضبط النفس والصبر والمثابرة](1) يقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ}(2). (انظر صفة الصلاة).
وكان من دعاء الرسول
J في افتتاح الصلاة [اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت](3) كما أن تأدية الصلاة في أوقاتها [تعلم النظام والدقة في حفظ المواعيد، حتى إذا شب الطفل على إقامة الصلاة مع المحافظة عليها تعود الإقبال على العمل في الوقت المناسب، والمبادرة إلى انتهاز الفرصة قبل ضياعها، وابتعد عن التثاقل، وامتنع عن التكاسل](4). (انظر صفة الدعاء).
__________
(1) محمد فاضل الجمالي: نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي، الدار التونسية للطباعة والنشر والتوزيع، 1972، ص 105.
(2) سورة العنكبوت، الآية (54).
(3) أبوحامد محمد بن محمد الغزالي: إحياء علوم الدين، الجزء الثامن، كتاب الشعب، دار الشعب، القاهرة، د.ت ص1430، 1341.
(4) أحمد فؤاد الأهواني: التربية في الإسلام، ط2، دار المعارف بمصر، القاهرة 1967م، ص117.

(1/28)


وفي الصوم، تربية خلقية، والأثر التربوي للصوم يتلخص في تربية الروح، وتربية الخلق حيث يتعود الإنسان على ضبط نفسه ومكافحة شهواته وبذلك تتقوى الإرادة، يقول الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(1).
والصوم عبادة تتضمن التربية الخلقية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: [سمعت النبي
J يقول: [إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم](2). (انظر صفة الصوم).
وفي الزكاة تربية روحية وخلقية، فعن طريقها يتعلم الإنسان إطاعة الأوامر الإلهية ومكافحة الأنانية والإفراط في النزعة المادية والفردية](3). (انظر صفة الزكاة).
والقرآن ينظم هذه الفريضة، ويجعل لها هدفا هو في غاية السمو(4).
ب - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق:
القرآن الكريم يوصي ويفرض ضرورة التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر، يقول سبحانه وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(5)،{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(6).
__________
(1) سورة البقرة، من الآية (183).
(2) رواه أبوداود والترمذي: الشيخ منصور علي ناصف، التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول
J، ط4، دار الفكر العربي، بيروت 5391هـ، ص16، 17. وقال محقق [جامع الأصول] (4/5): إسناده صحيح.
(3) محمد فاضل الجمالي: تربية الإنسان الجديد، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1967م، ص135.
(4) يمكن الرجوع إلى: سورة البقرة، الآيات: 271، 263، 264.
(5) سورة الذاريات، آية (55).
(6) يمكن الرجوع إلى سورة آل عمران آية (110)، سورة البلد آية (17)، سورة العصر آية (3 ). وانظر: صفة الأمر بالمعروف، وصفة النصيحة والتواصي. من هذه الموسوعة.

(1/29)


وإن التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي من أساليب التربية الإسلامية التي بدت خلال أحاديث المربي الرسول J، وفي طريقة التواصي دعوة كل مسلم إلى أن يكون مربيا يعلم أخاه المسلم، والتذكير بالخير والحق، والدعوة إليهما، والتنبيه إلى الشر والضرر والنهي عنهما، هو من صميم الأساليب التربوية الإسلامية لتنمية القيم والأخلاق الإسلامية في نفس المسلم، وفي الحديث الشريف أن أبا ذر لما بلغه مبعث النبي J قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: [رأيته يأمر بمكارم الأخلاق](1).
ولما كانت هذه الوسيلة من أهم الوسائل التربوية التي حث عليها القرآن الكريم والتي يتحقق بها الهدف من التربية، لأنها تقوم بصيانة الحياة من الشر والفساد وفي هذه الطريقة يتحقق المبدأ الديمقراطي في التربية.
جـ- ضرب الأمثال:
الأمثال [تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس فيتقبله العقل، لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن، إلا إذا صيغت في صورة حية قريبة الفهم، وتكشف الأمثال عن الحقائق وتعرض الغائب في معرض الحاضر، وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة.
والأمثال كثيرة في القرآن، وهي تلعب دورا هاما وبالغا، في التأثير في العواطف، وفي التأثير في السلوك الإنساني، وفي غرس القيم الإسلامية في نفس المسلم، فيما لو استعملت بحكمة، وفي الظروف المناسبة، ولذلك أبرزها القرآن، واهتم بضرب الأمثال {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ}(2)، {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(3).
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الأدب، الجزء الثامن، 16.
(2) العنكبوت، الآية (43).
(3) الحشر، الآية (12).

(1/30)


كما تضرب الأمثال لتربية الإنسان تربية روحية وخلقية - ففي الحديث الشريف عن أبي موسى-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله J: [مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولا ريح لها](1).
وفي الحديث الشريف أيضا [إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين](2).
وقد تضرب الأمثال لتربية المسلم تربية عقلية ينمو فيها العقل ويزداد علم الإنسان يقول
J: [مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نَقِيَّةٌ قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان فيها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ- فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به](3).
وخلاصة القول: أن ضرب الأمثال وسيلة تربوية هامة تلعب دورا هاما في التأثير على سلوك الإنسان، وفي غرس القيم الإسلامية لدى النشء والمسلم، فيما لو استعملت بحكمة وفي الظروف المناسبة.
د - الموعظة والنصح:
__________
(1) رواه البخاري رقم (5020) ومسلم رقم (797) والترمذي رقم (2869) والنسائي (8/124ـ125) وأبو داود رقم (4830) وانظر: [جامع الأصول] (2/453).
(2) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، الجزء التاسع، ص 115
(3) صحيح البخاري، كتاب العلم، الجزء الأول، ص30.

(1/31)


التربية بالوعظ، لها دورها الهام في غرس القيم الإسلامية بميادينها المختلفة، وهي قد تكون في صورة مباشرة على شكل نصائح، فالإنسان [قد يصغى ويرغب في سماع النصح من محبيه وناصحيه- فالنصح والوعظ يصبح في هذه الحالة ذا تأثير بليغ في نفس المخاطب](1).
والقرآن الكريم زاخر بالمواعظ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}(2). {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}(3).
وفي الحديث الشريف [عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
J: [المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل](4)، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: [قال رسول الله J: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق](5).
والموعظة المؤثرة تفتح طريقها إلى النفس مباشرة مما يؤثر في تغيير سلوك الفرد وإكسابه الصفات المرغوب فيها، وكمال الخلق: عن ابن عباس قال إن رسول الله
J خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرطم والخاتم](6).
وفي المواعظ القرآنية نلحظ أسلوبا تربويا رائعا: يبغي كمال الإنسان، بحيث [يجب أن يتمثلها المعلم والمتعلم، إذ هي صادرة عن حكمة، وليس عن هوى](7) والمثال على ذلك نأخذ خلاصة من عظة لقمان لابنه، التي تهدف إلى:
__________
(1) محمد فاضل الجمالي: نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي، مرجع سابق، ص111.
(2) سورة يونس، الآية (57).
(3) سورة النساء، الآية (58).
(4) أخرجه ابوداود والترمذي، ابن الديبع الشيباني، تيسير الوصول، الجزء الثالث (مرجع سابق)، ص73. وقال محقق [جامع الأصول] (6/667): إسناده حسن.
(5) أخرجه الترمذي (المرجع السابق)، الجزء الأول، ص81.
(6) صحيح البخاري، كتاب العلم، الجزء الأول، مرجع سابق،ص 35.
(7) علي خليل مصطفي أبوالعينين، فلسفة التربية في القرآن الكريم، ط3، مكتبة ابراهيم حلبي، المدينة المنورة، 1988م.

(1/32)


1- أن يكون الله هو مصدر السلوك، بمعنى إيمان الإنسان به، واتباع شريعته، وذلك هو محدد سلوك الإنسان، وهو الهدف والغاية لسلوكه، بمعنى أن يكون مخلصا لله، وذلك عن طريق عدم الإشراك بالله، والشكر له.
2- أن يكون السلوك كما حددته الموعظة، في قصد واعتدال في كل شيء، فلا مغالاة ولا تفريط، إنما توسط واعتدال، وهذا يعكس هدف التربية الإسلامية السلوكية: إنها تنشئ إنسانا معتدلا في سلوكه وفي عقيدته.
وهكذا يبدو دور الوعظ كوسيلة في التربية الإسلامية، تصلح في ميدان التربية الخلقية، كما هي في ميدان التربية الاجتماعية والعقلية وباقي الميادين الإسلامية.
هـ – القدوة:
تعني القدوة هنا أن يكون المُرَبِّي أو الداعي مثالاً يُحتَذَى به في أفعاله وتصرفاته، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الوسيلة فقال عز من قائل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الممتحنة/4)، وقد كان المصطفى
J ـ ولا يزال ـ قدوة للمسلمين جميعًا، والقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيّبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام(1) بكل ما يحمله من مبادئ وقِيَم تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة.
ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول
J هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يُحَمِّلَ معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته ورصدها والعمل بها، وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله J، لقد كان المثل الأعلى لهم.
وقد تمثلت في الرسول
J صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل، ويمكننا أن نعرض لبعض تلك الصفات التي تفيد في توضيح القدوة وصفاتها الفعالة كأسلوب من أساليب تنمية القيم.
1 - العقل:
__________
(1) مبادىء ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد، ص 8 .

(1/33)


فهو الأصل، وعنصر الينابيع، ونقطة الدائرة، منه ينبعث العلم والمعرفة، ويتفرع عنه ثاقب الرأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، وانتقاء الفضائل وتجنب الرذائل، وقد بلغ الرسول J في العقل الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، يقول القاضي عياض: [وإذ جلالة ذلك وما تنوع منه متحقق عند من تتبع مجاري أحواله، واطراد سيره، وطالع جوامع كلامه، وحسن شمائله، وبدائع سيره، وحكم حديثه، وعلمه مما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة، وحكم الحكماء، وسير الأمم الخالية وأيامها وضرب الأمثال وسياسات الأنام، وتقرير الشرائع، وتأصيل الآداب النفسية، والشيم الحميدة إلى فنون العلوم، التي اتخذ أهلها كلامه عليه السلام فيها قدوة، وإشاراته حجة، كالعبادة والطب والحساب والفرائض والنسب، وغير ذلك.. دون تعليم ولا مدارسة، ولا مطالعة كتب من تقدم، ولا الجلوس إلى علمائهم، بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك حتى شرح الله صدره، وأبان أمره وعلمه وأقرأه.. وبحسب عقله كانت معارفه J إلى سائر ما علمه الله تعالى، وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان من عجائب قدرته وعظيم ملكوته](1).
2 - الحلم والاحتمال والعفو عند القدرة، والصبر على المكروه:
__________
(1) القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفي، تحقيق على محمد البجاوي، الجزء الأول، بيروت، دار الكتاب العربي، 1404هـ/1984م، ص 133، 134 .

(1/34)


وهذا شرط آخر في القدوة، وقد كان J متمثلا هذا، فقد أمره ربه {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(1). وما يروى عنهJ يدل على هذا دلالة واضحة(2)، والمقتدي به إن لم يكن متحليا بهذه الصفات أو الشمائل فقد كثيرا من مؤهلاته التي يتمكن عن طريقها من احتواء انفعالات الناس، وهذا شرط ضروري كي يؤثر في الناس، أو يتأثر به الناس.
3 - الجود والكرم والسخاء:
كان
J لا يبارى في هذه الصفات، وبهذا وصفه كل من عرفه، ويروى عنه أنه كان [أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس](3).
4 - الشجاعة والنجدة:
وقد كان
J منهما [بالمكان الذي لا يجهل، وقد حضر المواقف الصعبة، وفر الكماة والأبطال عنه غيره مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه](4). وإذا كان القدوة يدعو إلى صفات مثل هذه، فلا بد وأن تكون فيه متمثلة، وهاتان الصفتان أساسيتان في القدوة، لأنها إذا ما توفرت فيه، كان قادرا على ترجمة القيم إلى سلوك، واعتراض ما يواجهه من صعاب في تأدية مهامه، إنهما أساسيتان لأي قدوة.
5 - الحياء والإغضاء:
__________
(1) سورة الأعراف: 199 .
(2) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 136-147، وراجع صفة: الحلم والعفو، والصبر من الموسوعة.
(3) حديث صحيح عن أنس: انظر مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 1581، ومحمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، المجلد الثاني، الطبعة الثانية، بيروت، المكتب الإسلامي، 1406هـ/1981م، حديث رقم 4634 .
وراجع صفة: الجود والكرم والسخاء من الموسوعة.
(4) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 147، 148 . وراجع صفة: الشجاعة من الموسوعة.

(1/35)


وقد كان J [أشد الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء] وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: [كان رسول الله J أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه](1). وكان J: [لطيف الْبَشْرَةِ، رقيق الظاهر، لا يُشَافِهُ أَحَدًا بما يكرهه حياء وكرم نفس]. وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: [كان النبي J إذا بلغه عن أحد ما يكرهه، لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا؟ ينهى عنه ولا يسمى فاعله](2).
إن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب النقائص والقبائح والمنكرات، ويدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، وإذا كان الحياء خلقا إسلاميا عاما يطلبه الإسلام في أتباعه، فإنَّ تَحَلِّي القدوة به أوجب،ولذا وردت الأحاديث النبوية الكثيرة تصف حياء الرسول القدوة وتدفع المسلمين إلى التزامه.
6 - حسن العشرة والأدب، وبسط الخلق مع أصناف الخلق:
يقول علي ـ رضي الله عنه ـ في وصف النبي
J: [كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة](3)، وكان يؤلف أصحابه، ولا ينفرهم، ويكرمهم [ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره، ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قَارَبَهُ لحاجة صابره، حتَّى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء](4).
__________
(1) حديث صحيح، مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 1568، وانظر: الألباني مرجع سابق، ص 870، حديث رقم 4799 .
(2) حديث صحيح، المرجع السابق، ص 857، حديث رقم 4692 . وراجع صفة: الحياء من الموسوعة.
(3) القاضي عياض، الشفا، مرجع سابق ص 155 .
(4) المرجع السابق، ص 156 .

(1/36)


وصف بأنه كان [دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا عياب، ولا مَزَّاحٍ، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤْيِسُ منه (راجيه) ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يَذُمُّ أحدا، ولا يُعَيِّرُهُ، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه](1).
ويقول جرير بن عبدالله: ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم، كان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والأمة والمسكين، يعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر](2).
وكان [يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادًّا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبي ويكني أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تَكْرِمةً لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يَتَجَوَّزَ فيقطعه بنهي أو قيام](3).
7 - الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق:
__________
(1) أبونعيم الأصفهاني، دلائل النبوة، تحقيق محمد رواس قلعجي، عبدالبر عباس، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، بيروت، دار النفائس، 1406هـ/1981م، ص 136316 .
(2) القاضي عياض، الشفا، مرجع سابق، ص 157 .
(3) المرجع السابق، ص 815851. وراجع صفة: حسن العشرة، وحسن الخلق من الموسوعة.

(1/37)


وقد وصف القرآن محمدا J:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(1). فهو رءوف ورحيم، وشفيق، ومن شفقته على الأمة [تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله: [لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء](2).وكذا خبر صلاة الليل، ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سَبَّهُ وَلَعْنَهُ رحمة بهم، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته(3).
8 - الوفاء بالعهد، وصلة الرحم:
والشواهد على ذلك كثيرة، فقد كان
J وفيا لعهده، حسن العهد، يقول: [إن حسن العهد من الإيمان]، وكان يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هم أفضل منهم(4).
9 - التواضع:
والآثار المروية عنه
J في هذا المجال كثيرة، لم يكن يحب أن يعظمه الناس، فقد خرج ذات يوم متكئا على عصا فقام له الناس، فقال: [لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يُعَظِّمُ بَعْضُهُم بَعْضًا](5).
__________
(1) سورة التوبة: 128 .
(2) حديث صحيح، انظر الألباني، مرجع سابق، جـ2، ص 940، حديث رقم 5317 .
(3) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 162، وراجع ص 163، 164. وراجع صفة: الشفقة، والرأفة، والرحمة من الموسوعة.
(4) المرجع السابق، ص 165-167 .
(5) حديث حسن، انظر البغوي، مصابيح السنة، تحقيق يوسف عبدالرحمن المرعشلي وآخرون، مجلد 3، الطبعة الأولي، بيروت، دار المعرفة، 1407هـ/1987، ص 287، حديث رقم 3641 .

(1/38)


وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: [جاء رجل إلى النبي J فقال: ياخير البرية، فقال: رسول الله J: [ذاك إبراهيم](1). وقال J: [لا تطْرُونِي كما أَطْرَتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله](2). والآثار والأحاديث في هذا الباب وافرة.
والأمر الذي نود التأكيد عليه، هو أنه مع نبوته كان متواضعا، ومع علو منصبه ورفعة رتبته، وغزارة علمه، كان أشد الناس تواضعا، فالتواضع من أهم شروط التأثير في الناس، ومع أن الله سبحانه وتعالى مدحه في القرآن، إلا أنه كان في أشد التواضع، لا يتطاول على الناس ولا على الخلق، وكان هذا أكبر داعية لاتخاذ الناس الرسول قدوة لهم.
10 - العدل والأمانة والعفة، وصدق اللهجة:
فقد كان
J آمن الناس، وأعدلهم، وأعف الناس، وأصدقهم لهجة وقد كان مشهورا بهذه الأوصاف قبل الرسالة وبعدها، ولولا هذه الصفات، وخاصة الأمانة لما حصلت الثقة فيه بما يُبَلِّغُ به عن رَبِّهِ، ولما اصطفاه الله لحمل الرسالة إلى البشر(3).
وهذه الصفات ضرورية لحمل مسئولية القدوة، ولا بد أن تتوفر فيه حتى يثق الناس فيمن هو قدوة لهم، وبالتالي يثقون فيما يصدر عنه ويصدقونه فيه.
11 - الوقار والتؤدة والمروءة والهدى والرفق:
__________
(1) حديث صحيح، أخرجه مسلم، انظرالمرجع السابق، جـ 3 ، ص 340 ، حديث رقم 3804 .
(2) حديث صحيح، أخرجه البخاري، ومسلم، المرجع السابق، جـ 3، ص 340، حديث رقم 3805. وراجع صفة: الوفاء بالعهد، وصلة الرحم، من الموسوعة.
(3) القاضي عياض، مرجع سابق،ص 172 - 176. وراجع صفة: العدل، والأمانة والعفة، من صفات الموسوعة.

(1/39)


وقد جاء في ذلك الكثير من الآثار، فقد جاء في الروايات، أنه J كان [أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه] وأنه [كان كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يعرض عمن تكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسما، وكلامه فصلا،لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم، توقيرا له، واقتداء به، مجلسه مجلس حلم وحياء، وخير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تُوَبَّنُ فيه الحرم، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير](1).
وقد كان حسن الهدى رفيقا بالناس والأشياء والحيوان، والآثار في ذلك كثيرة وافرة. ومن هذا مراعاته
J التوسط والاعتدال في سلوكه وتعامله، في قوله وفعله، في طعامه وشرابه، ولباسه ومسكنه، ومات وهو على ذلك، ولأنه قدوة فقد تبعه في تلك الوسطية أصحابه، فقصوا أثره إلى حد بعيد خاصة الخلفاء الراشدين(2).
12 - الزهد في الدنيا والتقلل منها:
ولم يكن هذا الزهد عن ضعف، فقد سيقت له الدنيا بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها، إلا أنه
J رغب عنها وكان يقول: [اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا](3). والآثار في ذلك وافرة.
__________
(1) المرجع السابق، ص 177، وانظر: أبونعيم، دلائل النبوة، مرجع سابق جـ2، ص 629-632 .وَتُوَبَّنُ: تؤذي (القاموس[وبن]).
(2) حسن خالد، مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها، بيروت، دار النهضة العربية، 1406هـ/1981م، ص 177. وراجع صفة: الوقار والتؤدة والرفق من صفات الموسوعة.
(3) حديث صحيح، أخرجه مسلم، انظر البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، جـ3، ص 417، حديث رقم 4006.

(1/40)


ومن ذلك ما يرويه ابن مسعود أن النبي J نام على حصير، فقام وقد أثر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال [مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها](1).
وعن أنس: [أنه مشى إلى النبي
J بخبز شعير وإهالة سَنِخَةٍ، ولقد رهن النبي J درعا بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول: ما أمسي عند آل محمد صاع بُرٍّ ولا صاع حَبٍّ، وأن عنده لتسع نسوة](2). وهذا الزهد لم يكن زهد الحرمان والقهر وترك الأسباب، وإنما هو القوة والقدرة واليسر والأخذ بالأسباب، وهو عدم تعلق همة القلب بمتع الحياة الدنيا وزخارفها وزينتها، وهذا الزهد النبوي، لم يكن يعني أن النبي J يزهد بأن يدخل عليه المال الوفير، وإنما كان يعني زهده في ادخاره لنفسه وحرصه عليه، فهو الذي يقول: [لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا يمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لِدَيْنٍ](3).
13 - الخوف من الله وطاعته وعبادته:
وقد كان
J أخوف الناس من الله، وكان يصلي ويداوم العبادة، ويصوم، ويقرأ القرآن، ويستغفر ربه، ويدعوه، والآثار في ذلك وافرة.
__________
(1) حديث صحيح، انظر: محمد نصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، المجلد الثاني، الطبعة الأولي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1407هـ/1986م، ص 394، حديث رقم 3317 .
(2) حديث صحيح، أخرجه البخاري، انظر مصابيح السنة،مرجع سابق، جـ3، ص 431، حديث رقم 4048 .
(3) حديث صحيح، متفق عليه، انظر المرجع السابق ج2، ص 238، حديث رقم 1314 .

(1/41)


هذه هي صفات القدوة كما تمثلت في النبي J، وبهذه الصفات الجامعة استطاع J أن يغرس القيم الإسلامية في نفوس أصحابه، ويرعاها نامية قوية وقد أدرك J أنه ليس هناك أخطر على القيم ونموها مثل الانفصال بين الداعي والمدعوين، بين المعلم والمتعلمين، بين الدعوة والتنفيذ، بين القول والعمل، خاصة أن هذا ما نعاه الله على بني إسرائيل في القرآن:
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(1).
إن دور القدوة مهم في حياة الأفراد والجماعات، وما أصيبت دعوة أو فكرة أو مذهب بافتقاد القدوة إلا فقدت تأثيرها، وما قدم صاحب دعوة الدليل العملي على صحة دعواه إلا بالسلوك والقدوة، وحينئذ يقتنع الناس وتصبح واقعا سلوكيا في حياة الناس.
وما أصيبت مجتمعاتنا الإسلامية في صميمها إلا حين افتقدت القدوة. إن القدوة ترجمة عملية واقعية للمبادئ والأفكار تستطيع أن تجمع الناس حول المثل الأعلى، ولذا حين تفتقد المثل الأعلى، ويصبح الناس فرقا وجماعات ومذاهب، فيفقدون إرادة الفعل ويغرقون في التناطح، وَيَتترَّسون خلف متاريس الفكر، كل يحاول الانتصار لفكرته بالكلام والتراشق بالاتهامات، والتعصب الأعمى القائم على التقليد الأعمى.
__________
(1) سورة البقرة: 44 وانظر: محمد صابر قميحة، مرجع سابق، ص 119. وراجع صفة: الزهد والقناعة من صفات الموسوعة.

(1/42)


إن مجتمعاتنا تشكو من فقر خلقي وعلمي وحضاري، وما ذلك إلا نتيجة لافتقادها للقدوة الصالحة ولو صحت عزائم الناس والعلماء منهم خاصة لأصبح كل واحد منهم قدوة حسنة في مجاله - فهو يملك مقوماتها - ولتحولت الأفكار والمبادئ إلى فعاليات سلوكية صحيحة، وهذا ما نحتاجه فعلا، ولكن ـ وللأسف ـ ما زلنا نعيش مرحلة اجترار المبادئ والأفكار بدون فعالية، فنحن في أمس الحاجة إلى القدوة الصالحة بكافة أشكالها وبشروطها السابقة، ويوم أن توجد تلك القدوة نستطيع أن نمتلك الفعالية، وننتج الحضارة، ويكون لنا مكاننا العالمي عطاء وإبداعا.
إن القدوة السلوكية أمر لازم لتنمية القيم وصبغها بالفعالية لتكون موجها حقيقيا، وما امتازت التربية الإسلامية عبر عهودها التي عاشتها إلا بتلك القدوة، ويوم أن فقدت القدوة فقدت فعاليتها في حياة الناس، ولذا فإن واجب التربية الإسلامية توفير هذه القدوة حتى تعاود التأثير والإبداع، ولها في هدي رسول الله
J زاد كبير ومدد تستمد منه في إعداد المربين القدوة، وكذا الآباء والأمهات وسائر المجتمع الإسلامي الذي هو في أمس الحاجة إلى القيم الإسلامية مجسدة في أفراده.
و - التربية العملية والتربية بالوقائع:

(1/43)


لتنمية الأخلاق لدى المسلمين اتبع الرسول J أسلوب التربية العملية، تعليما وتدريبا، وربط التوجيه بالأحداث والوقائع الجارية في حياة الناس، والتربية الإسلامية في هذا المجال تظهر من خلال حديث الرسول J، وقبله القرآن الكريم [تربية عملية، تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء، أو إلى خلق فاضل، أو إلى تعديل في السلوك على النحو الذي يحقق وجود ذلك الإنسان كما تصوره الإسلام](1). وكان الرسول J يهمه أن يتحول ما يتلقاه المسلمون منه إلى مواقف عملية وسلوكيات، وكان كمرب [يثبت بالبراهين العملية والتجارب الفعلية أن ما يدعو إليه هو أمر ممكن التنفيذ، وآية ذلك أنه مشخص في سلوكه](2). وهناك الكثير من مواقف حياة الرسول J تترجم هذا وتدل عليه.
__________
(1) عبدالغني عبود، فى التربية الإسلامية، الطبعة الأولى،القاهرة، دار الفكر العربي، 1977م، ص 157 .
(2) سعيد إسماعيل على: أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر 8791م، ص 28 .

(1/44)


إن التربية الحقيقية هي التي تحاول أن تجعل من العلم سلوكا حقيقيًّا، ومن الأفكار مواقف، والرسول J يصور هذا فيما يروى عنه، فالعلم قبل القول والعمل، ولكن العمل ضروري لا يكفي القول ولا العلم، حتى الإيمان يعتبر عملا، وقد جاء في صحيح البخاري باب بعنوان: [من قال إن الإيمان هو العمل] لقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(1). وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(2). عن قول لا إله إلا الله، وقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ}(3). ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله J سئل [أي العمل أفضل؟ فقال: الإيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور](4).
__________
(1) سورة الزخرف: 72 .
(2) سورة الحجر:92 - 93.
(3) سورة الصافات: 61 .
(4) الإمام البخاري، صحيح البخاري، ضبط وإخراج: مصطفى ديب البغا، الطبعة الأولى، الجزء الأول، بيروت، دار القلم، 1401هـ/1981م، ص 18، حديث رقم 26 .

(1/45)


ومن هذا القبيل الأمر بالتبليغ عن رسول J، ومن هذا القبيل أيضا ما روي عن شعبة عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد بني عبدالقيس أتوا النبي J، فقال: [من القوم أو من الوفد؟] قالوا: ربيعة، فقال: [مرحبا بالقوم أو الوفد، غير خزايا ولا ندامى] قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضَرَ، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع:أمرهم بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ وحده، قال: [هل تدرون ما الإيمان بالله وحده] قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: [شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم]. ونهاهم عن الدُّبَّاءِ والحنتم والمزفت، قال شعبة: ربما قال: [النقير] وربما قال [المقير]، قال: [احفظوه وأخبروه من ورائكم](1).
وكما نلاحظ فإن الرسول يحرص كل الحرص على ترجمة الإيمان إلى سلوك، وكلا الأمرين النهي والأمر لا بد وأن يترجما إلى سلوك، وهو حرص الوفد نفسه على أن يدله الرسول
J على عمل يدخلهم الجنة، ثم أمر آخر نلاحظه في الحديث، وهو قوله J: (احفظوه، وأخبروه من وراءكم) حفظ ووعي وفهم وتطبيق ثم تبليغ.
__________
(1) الإمام البخاري، مصدر سابق، جـ1، كتاب الإيمان، ص 29، حديث رقم 3553 والحنتم: جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم، والدباء: اليقطين إذا يبس اتخذ وعاء . والنقير: أصل النخلة ينقر ويجوف فيتخذ منه وعاء . المزفت: ما طلي بالزفت. المقير: ما طلي بالقار .

(1/46)


إن الرسول J يحرص على أن يعلم الناس، وأن ينشر العلم، لأنه أساس التربية العملية، يقول في خطبة بعد أن حمد الله وأثنى عليه: [إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحدٌ ترخَّص لقتال رسول الله J فيها، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب](1).
وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي
J قال:[مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل مَنْ لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرْسِلْتُ به](2).
هذه شواهد متعددة تبين أن العبرة في العلم التطبيق والعمل، لا مجرد المعرفة،ومن هنا كانت عنايته
J بالتربية العملية، لأنها أكثر فعالية في تطبيق الأخلاق ورعايتها.
__________
(1) المرجع السابق، كتاب العلم، ص 51، حديث رقم 104 .
(2) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العلم، ص 42، حديث رقم 79 .

(1/47)


وكان الرسول J يغتنم فرصة التصرفات العملية التي تقتضي توجيها تربويا أو عمليا ليأخذ منه المسلمون درسا إيجابيا، فكان يدعو إلى قيمة أو يصحح سلوكا، أو ينفي هذا السلوك الخاطيء وهي طريقة فعالة لأنها ترتبط بالوقائع المشاهدة وتتصل بما يعيشه الناس، ولذا ترسخ في الذهن، وتثبت في القلوب، وبهذا ترتبط القيم بواقع الحياة، وهذا يعني أن غرس القيم لا يقتصر على مجرد التعلم والحفظ والتسميع، وإنما يعتمد على واقع الحياة والخبرة المعيشية وبالتالي يكون تأثيرها قويا، لأنها [تثير الانتباه الذي يجمع الفاعلية النفسية حول ظاهرة ما، عن طريق الحس إن كانت هذه الظاهرة خارجية، وعن طريق التأمل إن كانت داخلية](1).
والحديث الشريف مليء بالأمثلة من ذلك النوع، من ذلك:
ـ ما يروى عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فَنِلْتُ منها فذكرني إلى النبي
J، فقال: [أساببت فلانا] قلت: نعم، قال: [أفنلت من أمه؟] قلت: نعم، قال: [إنك امرؤ فيك جاهلية]، قلت على حين ساعتي: هذه من كبر السن؟ قال: [نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس،ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه فليعنه عليه](2).
- وذكر رجل عند النبي
J فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي J: [ويحك، قطعت عنق صاحبك ـ يقول مرارا ـ إن كان أحدكم ما دحا لا محالة فذلك أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه ولا يزكي على الله أحدا](3).
__________
(1) التهامي نفرة، سيكولوجيية القصة في القرآن، الجزائر، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971م،ص572.
(2) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، جـ5، كتاب الأدب، ص 2248، حديث رقم 5703 .
(3) المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2252، حديث رقم 5714 .

(1/48)


- ويروى عن جابر بن عبدالله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي J، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذ، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك النبي J فقال: يارسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلَّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبيJ: [يا معاذ، أفتان أنت ـ ثلاثا ـ اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ونحوها](1).
إن هذه الأمثلة وغيرها توضح أنه ما من واقعة تحدث، إلا وكان يبينها رسول الله
J، وكان J لا ينطق عن الهوى فإذا وقعت بعد ذلك، عرف الناس كيف يتصرفون حيالها، وهناك عدة أمور توافرت لتضمن فعالية هذا الأسلوب، وهي:
- وقوع الشخصية في موقف ما، اجتماعي أو إنساني أو غير ذلك من مواقف أو واقعات.
- إثارة قوى الشخصية الانفعالية والعقلية بكافة الأساليب الممكنة: السؤال، الاعتراض، الاستنكار... الخ، وإشعارها أنها تقف موقفا يحتاج إلى معيار يضبطه.
- الإجابة عن السؤال أو الاعتراض.
- تزويد الشخصية بالحل الأمثل بالقيمة المطلوبة في هذا الموقف.
وتأتي بعد ذلك الاستجابة والاختيار في إطار هذا الخلق والالتزام به، وهكذا وبهذه الطريقة استطاع الرسول
J أن يبني الأخلاق في نفوس المسلمين.
ز - القصة:
وهي من أكبر وأكثر الوسائل فعالية في تنمية الأخلاق، وقد استخدمها الرسول
J، وحرص على أن يضمنها الكثير من الأخلاق الإسلامية، إما من أجل توضيحها أمام المسلمين من ناحية، وإما من أجل تعميقها في نفوسهم من ناحية ثانية، وذلك [من خلال جعلها موضوعات تدور حولها أو تتحدث عنها أحداث القصة ومواقفها، وهي قيم ذات جوانب متعددة](2).
__________
(1) المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2264، حديث رقم 5755 .
(2) محمد بن حسن الزير، القصص في الحديث النبوي، الطبعة الثالثة، بدون ناشر، 1405هـ/1985م، ص 388 .

(1/49)


وتأتي فعالية القصة من كونها [مزيجًا من الحوار والأحداث والترتيب الزمني مع وصف للأمكنة والأشخاص والحالات الاجتماعية والطبيعية التي تمر بشخصيات القصة](1).
وهي قادرة على تأكيد الاتجاهات المرغوبة وترسيخ القيم والأخلاق، وذلك عن طريق استثارة مشاركة الإنسان العاطفية لنماذج السلوك والقيم التي تقوم القصة بتقديمها وللمواقف التي تصورها.
وقد كانت القصة القرآنية وسيلة من وسائل التربية وتنمية القيم الخلقية الإسلامية، وذلك باستخراج العبرة من التجربة السابقة، واستخراج المثل وشرح طرق الخير، والتحذير من الكفر والجحود، يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْأَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ](2).
ويقول تعالى:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُم مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}(3).
{تِلْكَ القُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا}(4).
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(5).
وهذا القصص باحتوائه على ألوان كثيرة وصور كثيرة عن الماضي من لدن آدم لبعث الرسول
J، وما كان من أخبار الرسل والأمم السابقة، وما يعرض من صور المكذبين لتخليهم عن تحكيم القيم والمعايير التي جاء بها الرسل، كل هذا يؤكد معلما بارزا حيا في استخدام هذا القصص كوسيلة من أهم وسائل التربية وتنمية القيم.
__________
(1) حسن إبراهيم عبدالعال، أصول تربية الطفل والإسلام، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية تربية، جامعة طنطا، 1400ه،/ 1980م، ص 295.
(2) سورة يوسف: 2، 3 .
(3) سورة غافر: 78 .
(4) سورة الأعراف: 101 .
(5) سورة الأعراف: 176 .

(1/50)


تمد القصة القرآنية الفرد والجماعة بالقيم الأخلاقية الإسلامية الصادقة وتسهم - بإيجابية - في غرس هذه القيم في نفوسهم، وهي إحدى وسائل التربية، التي يميل إليها النشء. فإن [القصة تؤثر في النفس إذا وضعت في قالب عاطفي مؤثر، وهي تجعل القارئ أو السامع يتأثر بما يقرأ أو يسمع، فيميل إلى الخير وينفذه، ويمتعض من الشر فيبتعد عنه](1).
وكل القَصَص الذي تضمنه القرآن الكريم هو قَصَص واقعي، جاء به القرآن للتربية. [وهذا القَصص يشتمل على كل أنواع التعبير الفني ومشخصاته، من حوار إلى سرد، إلى إحياء للشخص، إلى دقَّة في رسم الملامح، إلى اختيار دقيق للخطة الحاسمة في القصة](2).
والقرآن الكريم يقرر ذلك كله - منذ مئات السنين - في لفظ قصير، وأسلوب جميل، وبيان معجز، ونستدل من ذلك على أن القصة تلعب دورًا فعالاً في غرس كثير من القيم الإسلامية السامية في نفوس الأفراد.
والقصة لم تكن وسيلة من وسائل الدعوة الإسلامية إلى الله في القرآن [إلاَّ بعد أن قطعت الدعوة أشواطًا من سيرها مع العقل الإنساني، والتعريف بالخالق العظيم الرزَّاق، بالنظر في آيات الله، وما صورت من عجائب الخلق والإبداع](3).
والقصة القرآنية الهادفة [سلاح نفسي، في الدعوة الإسلامية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدال والحوار بسمو هذه العقيدة ونيل أهدافها](4).
__________
(1) محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص 140، 141.
(2) سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978، ص 26 .
(3) عبدالكريم الخطيب، الله ذاتًا وموضوعًا، القاهرة، ط 2، دار الفكر العربي، 1971، ص 403.
(4) التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، الجزائر، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971م، ص 572 .

(1/51)


وجاء القرآن الكريم بقصص تربوية، هي [غاية في الأهمية، في علاقات الإنسان الأخلاقية - ذلك مع جمال الأسلوب وبلاغة المعنى](1).
كما نص القرآن الكريم على أهمية القصة، ودورها في غرس القيم الأخلاقية، وذلك في مثل قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ}(2).
ونتيجة لما للقصص من دور خطير في التوجيه الفني الخفي، ألح علماء التربية على حسن اختيار ما يعرض أو يقدم للناشئة من قصص، حتى لا ينقلب عاملاً سيء الأثر من تربيتهم، وتكوينهم الفكري والخلقي، وهم لم يبلغوا درجة من النضج تؤهلهم للتمييز، وتمكنهم من الحكم الصحيح على المواقف والتصرفات(3).
والقرآن الكريم استخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه التي يشملها: تربية الخلق، تربية الوجدان، تربية الجسم، والتربية بالموعظة.
لقد كانت القصة - وما تزال - مدخلاً طبيعيًّا، يدخل منه أصحاب الرسالات والدعوات والهواة والقادة إلى الناس، وإلى عقولهم وقلوبهم، ليلقوا فيها ما يريدونهم عليه، من قيم وآراء ومعتقدات(4).
__________
(1) محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص49 .
(2) سورة يوسف: 3 .
(3) التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، مرجع سابق، ص 14 .
(4) سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، رسالة ماجستير منشورة، دار الفكر العربي، ط 1، القاهرة، 1416هـ / 1996م.

(1/52)


والقصة في عصرنا الحاضر من [أقوى أجهزة التأثير في قيادة الجماعات البشرية، فلا عجب أن تكون القصة في القرآن ركيزة قوية من ركائز الدعوة الإسلامية، القائمة على الاقتناع العقلي، والاطمئنان القلبي، لما تدعو إليه، من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر(1). وبهذا تكون القصة القرآنية لها دور فعال في غرس القيم المرغوب فيها في نفوس النشء.
والقصة القرآنية يمكن أن تكون عملاً تربويًّا هامًّا في نشر الاتجاهات والقيم المرغوب فيها، والدعوة إلى الإصلاح، والتحلي بكريم الأخلاق، بما لها من أثر عميق وعظيم في نفوس المتعلمين، ولما لها من قدرة على التأثير والتغيير والتوجيه، وفي هذا الشأن يقول رب العزة في قصة يونس عليه السلام: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ}(2). ومن هذه الآية الكريمة، يمكن غرس قيمة وجدانية أساسية، وهي قيمة الإيمان بالله، وتشير الآية أيضًا إلى أن الإيمان يجعل المؤمن مستجاب الدعوة، حيث ينجي الدعاء صاحبه حتى في أحرج الظروف.
ويمكن الإشارة إلى أن بعض الآيات الكريمة، التي فيها دلالة صريحة على القيم الأخلاقية التي يعني بها القصص القرآني، ومن هذه الآيات يمكن الإشارة إلى أهم القيم الخلقية، التي تتشكَّل في ضوئها أهداف التربية الخلقية للقصص القرآني منها على سبيل المثال لا الحصر: -
أ - الرحمة، حيث يقول الله تعالى، على لسان أيوب ـ عليه السلام ـ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(3).
ب- العدل، يقول -جلَّ شأنه- على لسان شعيب -عليه السلام-: {وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ}(4).
__________
(1) عبدالكريم الخطيب: القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، القاهرة، ط1، مكتبة السنة المحمدية، 1964م، ص 6 .
(2) سورة الأنبياء: 88 .
(3) سورة الأنبياء: 83 .
(4) سورة الشعراء: 182 .

(1/53)


جـ – الصدق، يقول الله تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ}(1).
وجملة القول، أن القرآن الكريم يشتمل على كثير من القصص التربوية، التي تسهم إسهامًا فعالاً في تحقيق أهداف التربية الإسلامية، وذلك لأنها تضع المثل أمام المتعلمين، مما يساعد على غرس كثير من القيم التربوية السامية في نفوسهم، وتتميز القصة في القرآن بأنَّها تمد القرَّاء والجماعات بالقيم الإسلامية الصادقة النابعة منه.
القصة في الحديث الشريف:
لقد أدرك الرسول المربي
J الميل الفطري إلى القصة، وأدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فاستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم. والقصة الهادفة المربية [سلاح نفسي في الدعوة المحمدية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدل والحوار بسمو بهذه العقيدة ونبل أهدافها(2).
وفي الحديث الشريف، قصة موسى ـ عليه السلام ـ والخضر، التي وردت في القرآن الكريم، جاء بها الحديث مبينًا دقائقها كما حدَّث به الرسول
J، مستخدمًا هذه القصة - التي وقعت فعلاً - في التربية العقلية للإنسان المسلم، ففي هذه القصة [جواز التمادي في العلم إذا كان كل واحد يطلب الحق ولم يكن تعنتًا - الرجوع إلى قول أهل العلم عند التنازع، كما يجب على العالم الرغبة في التزود من العلم والحرص عليه، وألا يقنع بما عنده، كما لم يكتف موسى عليه الصلاة والسلام بعلمه.
__________
(1) سورة الأنبياء: 9 .
(2) التهامي نفرة: سيكلوجية القصة في القرآن، رسالة دكتوراة، (الحلقة الثالثة)، ص237.

(1/54)


ويجب التواضع، لأن الله تعالى عاتب موسى ـ عليه السلام ـ حين لم يرد العلم إليه وأراه من هو أعلم منه، والرحلة في طلب العلم](1). وفي الحديث: [حدثنا أبي بن كعب عن النبي J، أن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسُئل أي الناس أعلم: فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد إليه العلم ...](2).
وقد تستخدم القصة في الحديث الشريف كوسيلة من وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية، وعلى سبيل المثال هناك قصة أوردها الحديث الشريف عن [ثلاثة الأخوة الذين أووا للمبيت إلى الغار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار](3). في هذه القصة تربية خلقية وآداب اجتماعية، ففيها احترام الأبوين والعفة والطهارة، وأداء الحق إلى أصحابه ومخافة الله ومهابته، إيمانًا حقيقيًّا خالصًا به.
وهناك أمثلة أخرى متعددة لا مجال هنا للحديث عنها(4).
وهكذا استخدم الرسول
J القصة، وترسم خطى القرآن في توظيف القصة من أجل نشر الوعي الإسلامي وتعميق مبادئ الإسلام وقيمه في نفوس المسلمين، واستخدم هذه الوسيلة أيضًا صحابة رسول الله ـ رضوان الله عليهم ـ وجاء استخدام القصة لأغراض شتى ومتنوعة وبأشكال شتى أيضا، كلها تؤدي إلى تعميق القيم أو تأسيسها، وتتمثل تلك الأغراض فيما يلي:
1 - غرس القيم الخلقية:
__________
(1) العيني: عمدة القارىء، شرح صحيح البخاري، المجلد الأول (أجزاء 1 - 2)، كتاب العلم، ص 64، 65 .
(2) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، الجزء الرابع، ص 183.
(3) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري، كتاب الإجارة، الجزء الثالث، ص119، 124 .
(4) يمكن الرجوع إلى: سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، مرجع سابق .

(1/55)


تعرضت القصة القرآنية والنبوية لقضايا ومعايير تنمية القيم الخلقية، كالثبات على العقيدة، والتمسك بها، وعدم التنازل عن مبادئها، وبطريقة التكرار لتؤكد على [تعميق هذه المواقف وترسيخها في نفوس المسلمين، لتستقر في وجداناتهم ومشاعرهم ولتكون مَعْلَمًا يضئ لهم الطريق وهم يواجهون ما يواجهون من ألوان الاضطهاد والتنكيل بسبب ما يعتقدونه من دين وما يؤمنون به من عقيدة](1). كما تتعرض القصة للصلاة وفضلها، والصدقة وفضلها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوبة، والأمانة والصدق، وغير ذلك من قيم إسلامية صحيحة أكدتها القصة ودعت إلى التزامها، سواء فيما يتصل بالسلوك الفردي أو السلوك مع الجماعة وما يصون عليها وحدتها وأفعالها من قيم(2).
إن القصة في المصادر الأصيلة تهدف إلى إيجاد عواطف متجاوبة مع تعاليم الإسلام وقيمه وأخلاقه، وذلك مما يدعو إلى الالتزام بهذه القيم، والأمثلة كثيرة ومتنوعة، فالقصص القرآني والنبوي زاخر وغني بالقيم الإسلامية، ونجد فيها توظيفا لإمكانيات القصة في سبيل تحقيق هذا الغرض وهو تنمية القيم الإسلامية، إلى جانب الأغراض الأخرى، فقد كانت [تسعى إلى هدفها بسلوك طرق مختلفة، لها أثرها الحيوي في تربية الإنسان وتوجيهه والأخذ بيده نحو الأفضل، وهو أثر نابع من الاستجابة الطبيعية التي يحس بها الإنسان، وهو يتعامل مع تلك الوسائل، لأنها وسائل تتجاوب مع إمكاناته النفسية، وما جبل عليه من طبائع واستعدادات وقوى، وتوقع على أوتارها ما تنشده من غايات تربوية](3).
2 - تأكيد العقيدة وتعميقها في وجدان الناس:
باعتبارها القيمة الأساسية التي تقوم عليها وتحيا في ظلها جميع فروع الدين وجزئياته ونظمه، وذلك كتأكيد قضية وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة.
__________
(1) محمد بن حسن الزير، مرجع سابق، ص 390 .
(2) المرجع السابق، ص 397 - 402 .
(3) المرجع السابق، ص 444 .

(1/56)


ولأهمية البناء العقيدي للمسلم فردًا وجماعة، ولأهمية مبدأ التوحيد المحرر للإنسان وللجماعة تهتم القصة بعرض جزئيات قيم العقيدة، كصفات الله تعالى، والتأكيد على أنه هو المهيمن المتصرف في هذا الوجود، وأنه تعالى صاحب الشأن في هذا الكون الفعال لما يريد، كما تؤكد أهمية الثقة في الله والكفاية به، والاعتماد الدائم عليه والاعتصام به، والإيمان بالملائكة، والرسل والكتب واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، وأن الإنسان لم يسلب إرادته وحريته بهذا الإيمان، بل أعطى حريته وإرادته المختارة، وأعطى عقلا يميز به، وهو أساس التكليف والمسئولية، إلى غير ذلك من جزئيات القيم العقيدية التي تعتبر الأساس لكل القيم، وعرضته القصة عرضا جيدا(1).
3 - عرض حياة الرسول
J، وما تضمنته من قيم خلقية:
حيث إنه الرائد الذي لا يكذب أهله، وهو الهادي إلى الحياة الصحيحة، من تبعه فيما دعا إليه فاز ونجا، ومن كذبه خسر وبار، وأنه خاتم الرسل ولا نبي بعده، ودلائل النبوة وبراهين الرسالة، كما تعرض لصفات النبي
J.
وتعرض القصة حياة الرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ودعوتهم إلى أقوامهم، ومواقف الأمم من الدعوة وانتصار الحق وغير ذلك من ملامح تاريخ الرسل، ومحاولتهم تخليص العقيدة من الأمراض التي تفتك بها، وإرساء القيم الصحيحة للاقتداء بهم، والتأسي بهم فيما كانوا عليه من الهدى.
__________
(1) راجع: المرجع السابق، ص 379 - 385، وعبدالوهاب لطف الديلمي، معالم الدعوة في قصص القرآن الكريم، الطبعة الأولى، جـ1، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1046/1986م، ص 61- 120 .

(1/57)


وجملة الأمر أن القصة كوسيلة من وسائل تنمية القيم الخلقية تتسع إمكاناتها، إذ أنها تستخدم كافة الإمكانات التي تفيد في هذا المجال، استخدام عناصر التشويق، والتقرير والحوار والسؤال وغير ذلك من إمكانات(1). كالنموذج والقدوة للاحتذاء بها، والتوجيه التقريري على لسان أحد شخصياتها، والمادة التاريخية الواردة بها، والوسائل التعليمية والتربوية، ومعنى هذا أن إمكانياتها واسعة جدا، يمكن الاستفادة منها في مجال تنمية القيم الخلقية الإسلامية.
وقد أحس المسلمون قيمة القصة في تنمية القيم الخلقية، فبعد وفاة الرسول
J، كان الآباء والأمهات من الصحابة والصحابيات يستخدمون القصة من أجل تحقيق هذا الهدف، وبدأ القُصَّاصُ يجلسون في المساجد يقصون أخبار الرسول J وسيرته، وأخبار الأمم السابقة، والقارئ للفكر الإسلامي وفنونه يستدل على الكثير من الشواهد الدالة على شيوع استخدام القصص عند المسلمين.
وإذا كانت القصة تحتل تلك الأهمية في تاريخ التربية الإسلامية، فإن أهميتها لا تزال مستمرة وتحقق أهدافا تربوية جيدة للأطفال والشباب والشيوخ، فلكُلٍّ قَصَصُهُ الذي يناسبه، ويمكن استخدامها بطريقة فعالة لغرض القيم الخلقية الإسلامية، ولذلك شروطه كما يلي:
- أن تكون القصة منسجمة مع أهداف الإسلام ومبادئه وقيمه بحيث تقدم هذه القيم في إطار أهداف الإسلام بعيدة عن التهويل والمبالغات، فضلاً عن الأساطير والأكاذيب والبدع.
- أن تكون القصة مناسبة للسن الذي تكتب له، فجمهور القصة ليس واحدا متجانسا في صفاته، وخصائصه ورغباته وقدراته، ومعنى هذا مراعاة خصائص النمو بكافة جوانبها النفسية واللغوية والحضارية والعلمية.
- أن تختار الموضوعات المناسبة، بحيث يحوي جوهر الموضوع الاتجاهات والقيم والمعلومات المناسبة لما تعرضه.
__________
(1) راجع: المرجع السابق، ص 94-123، وعبدالوهاب بن لطف الديلمي، مرجع سابق، جـ2، ص 1084 .

(1/58)


- أن تراعي العناصر الأساسية للقصة، من حيث البنية العامة، والنسيج القصصي، والأسلوب المناسب، والتشويق، ومراعاة الإطارين الزمني والمكاني، وطريقة العرض والشخصية الأساسية والشخصيات الثانوية، ثم نوع القيم ومصادرها، وطريقة عرضها، وغير ذلك من شروط تتصل بهذا الموضوع(1).
إن القصة تلعب دورا بالغ الأهمية في تنمية القيم الخلقية والاتجاهات الإسلامية، لو وجهت التوجيه الإسلامي في الهدف والنزعة والأسلوب، وقد تكون فائدة القصة أكثر في مرحلة الطفولة مما يستدعي اهتماما جيدا بهذا اللون من القصص وتضمينه القيم الإسلامية الصحيحة.
ح - السؤال والحوار والمناقشة:
قد تكون هذه الوسيلة من أساليب التدريس العامة، إلا أن استخدامها في مجال تنمية القيم الخلقية يعتبر فعالا، وهذا ما تدل عليه النصوص القرآنية والنبوية، فقد كان المسلمون يسألون الرسول
J ويستفتونه فيما يواجههم من شئون الدين والدنيا، وكان القرآن يجيب عن تلك الأسئلة، وكثيرة تلك الموضوعات التي أجاب القرآن فيها على أسئلة المسلمين(2).
واستخدم الرسول
J الطريقة نفسها، فكان يجيب المسلمين على ما يعن لهم من أسئلة تواجههم معطيا كل سؤال حقه من الإجابة، إيجازا وتفصيلا تبعا لمقتضيات الحال، [والإجابة دائما شافية كافية، بحيث لا يترك النبي J السائل وفي نفسه أثارة من حرج أو أثارة من جهل، بأي جانب من جوانب الموضوع الذي يسأل عنه](3).
__________
(1) انظر حسن إبراهيم عبدالعال، مرجع سابق، ص 303 - 305، ورشدي طعيمة: تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية، مفهومه، أسسه، استخداماته، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ص 322-340 .
(2) اقرأ: المائدة: 4، البقرة: 189، 215، 217، 219، 221، 222 .
(3) جابر قميحة، مرجع سابق، ص 123 .

(1/59)


والأمثلة من السنة كثيرة وافرة، ونلاحظ أن السؤال تارة يأتي من المسلمين للنبي J، وتارة يسأل الرسول J مستثيرا الرغبة في المعرفة لدى المستمعين. ونذكر هنا أمثلة حسب مقتضى الحال.
يروى [أن سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ استفتى النبي
J نذرا كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه بأن يقضِيه عنها](1).
ويروى عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل النبي
J عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة؟ فقال: [مرها فلتختمر ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام](2).
ويروى عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبي
J فقال: يارسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: [من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله حتى يرجع](3).
والأمثلة على أسئلة المسلمين للنبي
J كثيرة، متنوعة، تتعلق بمسائل كثيرة ومواقف عديدة من مواقف الحياة التي كان يعيشها الناس.
أما سؤال النبي
J للمسلمين فأمثلته كثيرة، تدل على حرص النبي J على تعليم المسلمين أمر دينهم وغرس القيم لديهم، من ذلك ما يروى عن عبدالله بن عمر أن رسول الله J قال: [إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟] فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبدالله: فاستحييت، فقالوا: يارسول الله، أخبرنا بها، فقال رسول الله J: [هي النخلة]. قال عبدالله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتَها أحب إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا](4).
__________
(1) حديث صحيح: متفق عليه، انظر البغوي، مرجع سابق، جـ2، ص 597، حديث رقم 2573 .
(2) حديث حسن، انظر: المرجع السابق، ص 500، حديث رقم 2582 .
(3) الإمام البخاري، مصدر سابق، جـ1، كتاب العلم، ص 58، حديث رقم 123 .
(4) الإمام البخاري، مصدر سابق،جـ1، كتاب العلم، ص 1، حديث رقم 131 .

(1/60)


وسواء كان السؤال للاستفهام أو للاستفسار أو للتقرير أو للإنكار أو للتوبيخ، أو للتهكم، أو للأمر أو للتنبيه أو للتحقيق، وغير ذلك من أغراض السؤال، فإنه يعد وسيلة من أهم وسائل تقرير القيمة الخلقية وتنميتها، فضلا عن أنه أسلوب من أساليب التعليم والتعلم،بل إن صياغته تعتبر فنا له شروطه وطريقته يستخدمه المربون استخداما له أهدافه في مجالهم، وما تزال له فعالية وله شيوعه في أساليب التعليم منذ القدم وحتى اليوم(1).
هذه بعض وسائل تنمية القيم الخلقية الإسلامية، ولكنها ليست كل ما كان يستخدمه
J أو استخدمه القرآن الكريم، فهناك طرق ووسائل أخرى كثيرة كاستخدام العقل(2)، والترغيب والترهيب، وغير ذلك(3). وقد حققت نتائج تربوية بالغة الأهمية في غرس القيم الإسلامية، والتي بدت آثارها في تقدم وتفوق المجتمع الإسلامي، وهذه استخدمت بفعالية كطريقة في حد ذاتها، وكوسيلة تتخلل الوسائل السابقة الذكر وتتكامل معها، فكل هذه الوسائل مترابطة، لها أثرها في تنمية جانب أو أكثر من القيم الإسلامية.
__________
(1) انظر: محمد عبدالعليم مرسي، المعلم والمناهج، الطبعة الأولى، الرياض، دار عالم الكتب، 1405هـ/1985م، ص 191، 192.
(2) يُراد باستخدام العقل وسيلة للتنمية الخلقية: النظر بواسطة الحجة والتعليل والقياس، مما يؤدي إلى الاقتناع بسواء بما يتلقاه الإنسان من معلومات أو يتخذه من سلوك.
(3) راجع: على خليل أبوالعينين، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم،الطبعة الأولى، القاهرة، دار الفكر العربي 1980م، ص 219 -252، وعبدالجواد سيد بكر، فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف،الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، 1973، ص 301 -355 .

(1/61)


وهذه هي أهم وسائل تنمية القيم الخلقية الإسلامية في الشخصية المسلمة، فإن محاولتنا ربطها أو استنباطها من النصوص القرآنية الكريمة والسنة المطهرة الشريفة لا تعني أنها ثابتة غير مرنة، مغلقة جامدة غير متفتحة، أو عاجزة عن استيعاب الجديد من وسائل التعليم والتعلم، إذ هي من الأصول العامة التي يمكنها أن تستوعب الجديد من الوسائل، ما لم يتعارض مع نص صريح من النصوص الإسلامية، أو يعمل على الإخلال بأهداف ومبادئ الإسلام، وإلا فإن هذه الوسائل في حد ذاتها أكبر داعية للأخذ بأي وسيلة مستحدثة، ما دامت تفيد في تحقيق أهداف رسالة الإسلام.
ولكن العبرة في كل هذا بالاستخدام لا باستهلاك الكلام، ومن ثم فإن فعالية الاستخدام تعود إلى المربي والمعلم الكفء الناجح والذي يستطيع بتمكنه العلمي والمهني أن يستخدم هذه الوسائل بفعالية مستفيدا من كل جديد في المجال، مستغلا كافة الطاقات والإمكانيات المتاحة في سبيل تنمية القيم الخلقية بطريقة صحيحة وجيدة.
هذا فيما يتعلق بالوسائل التربوية بوجه عام، أما إذا تعلق بتربية التلاميذ فإنه يمكن أن يضاف إلى الوسائل السابقة مجموعة أخرى من الوسائل أهمها:
1- أسلوب الأحداث الجارية:
إن استخدام الأحداث الجارية والمناسبات الدينية كمدخل لترغيب التلاميذ وتشويقهم لدراسة موضوعات التربية الإسلامية، طريقة لها أثرها الفعال في العملية التعليمية، وذلك لكونها تربط ما يتعلمه التلاميذ من الكتاب المدرسي بواقع حياتهم وخبراتهم ومشاهداتهم، الأمر الذي يزيد من فعالياتهم ونشاطهم ومشاركتهم الإيجابية في دراسة موضوعات التربية الإسلامية .

(1/62)


ليس ثمة من شك في أن كشف أسباب النزول تؤدي في هذا الصدد خدمة كبيرة في تربية النشء، ولكن لن تتحقق هذه الخدمة إلا إذا عرف المعلم بصورة محددة ما يجب أن نستكشفه في ضوء هذه الأسباب، فليس في مقدور هذه الحوادث المروية وحدها أن تقود التلاميذ قيادة مثمرة للفهم، إلا إذا أحسن المعلم تدبرها واستطاع أن يساعد التلاميذ ليروا من ثناياها الأوضاع العامة التي أدت إلى نزول القرآن من لدن رب العالمين ليحق الحق ويبطل الباطل، وليمحوا العقائد الضالة والأوضاع الاجتماعية الفاسدة.
2- أسلوب تفريغ الطاقة:
تحرص التربية الإسلامية على النظر إلى الإنسان باعتباره جهازا معقدا من الطاقات، ومن ثم يجب توجيه هذه الطاقات وجهتها الصحيحة لكل ما يجلب المنفعة للفرد، ويحميه من الدوافع والميول التي قد تعرضه للانحراف أو السلوك غير السوي، ويتجلى هذا الأسلوب فيما يلي:
أ- الاهتمام بحاجات وميول ورغبات التلاميذ وجعلها أساسا محددا في موضوعات التربية الإسلامية .
ب- الاهتمام بأوجه النشاط المختلفة وحفز التلاميذ على الاشتراك فيها مما يؤدي إلى تفريغ الشحنات المتجمعة في داخلهم بصورة تهدف إلى تحقيق أغراض التربية(1).
جـ - مساعدة التلاميذ على الإطلاع الخارجي، والقيام بالرحلات التي تؤدي إلى اكتساب المهارات المستخدمة في إفراغ طاقتهم بصورة سليمة.
3- أسلوب العادة:
يشغل أسلوب العادة مركزا مهما في ميدان التربية والتعليم لما له من قدرة في تربية النشء وتوجيهه التوجيه الأمثل المحقق لأهداف التربية الإسلامية . والعادة هي (كل سلوك متكرر يكتسب اجتماعيا ويتعلم اجتماعيا، ويمارس اجتماعيا، ويتوارث اجتماعيا(2).
4- أسلوب الممارسة والعمل:
__________
(1) بإيجاز وتصرف عن التربية الإسلامية، كيف نرغبها لأبنائنا ص 52-53 .
(2) انظر في ذلك، وفي الموجهات التي يجب الالتزام بها، المرجع السابق، ص 64.

(1/63)


إن تكوين أخلاق الإنسان وبناء علاقاته الاجتماعية لا تقوم بالوعظ وحده ولا بالحفظ وحده، بل تحتاج إلى أفعال يمارسها الإنسان لتتكون أخلاقه عمليًّا ليبني علاقات مع بني الإنسان بالواقع (1). إذ مما تجدر الإشارة إليه أن [تعود المرء على النظام في الحياة، وعلى ضبط النفس وعلى الحياة الاجتماعية التعاونية، كلها تتطلب مرانًا وممارسة يومية تلازم حياة الإنسان ليل نهار] (2) .
الفصل الخامس
وسائط تنمية الأخلاق
إن وسائط تنمية القيم الخلقية كثيرة ومتعددة، ويتم عن طريقها تنشئة الأفراد المسلمين على القيم الإسلامية الصحيحة، وهذه الوسائط هي نفسها وسائط أو وكالات الثقافة المنوط بها تنشئة الأفراد على ثقافة المجتمع، ذلك أن الثقافة هي [الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع، فهي التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهاراته، وخبراته ودوافعه، وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته، كما تحدد له القيم والمعايير التي يسترشد بها وتفرض عليه التقاليد التي يتمسك بها](3)، إلا أن الثقافة لا يمكنها أن تشكل الشخصية بهذا الشكل، وتقدم لها القيم اللازمة لاستمرار حياتها إلا عن طريق التربية والتعليم أو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية، والتي ينظمها المجتمع تنظيما دقيقا بها وكالاته أو مؤسساته أو وسائطه(4).
__________
(1) محمد فاضل الجمالي، نحو توحيد الفكر التربوي، ص 104
(2) محمد فاضل الجمالي، المرجع السابق، ص 105، وقارن بـ: التربية الإسلامية، كيف نرغبها لأبنائنا، ص99 .
(3) سامية الساعاتي، الثقافة والشخصية، بحث في علم الاجتماع الثقافي، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية، 1983م ص 223 .
(4) المرجع السابق، ص 224 - 226 .

(1/64)


فالثقافة ـ إذن ـ [بكل وسائطها، تعتبر الوعاء التربوي العام حيث تحدث عملية التنشئة الاجتماعية للأفراد بما تؤدي إليه من اكتسابهم أنماطا سلوكية تحدد علاقاتهم وتعبر عن نفسها فيما يقومون به من أدوار اجتماعية(1).
ولذا يأتي البحث هنا عامًّا بمعني أنه لن يقتصر على المدرسة وحدها كمؤسسة تعليمية وتربوية مقصودة، بل سنبحث عن الوسائط الثقافية كلها، لما لها من دور بالغ الأهمية في عملية تنمية القيم، ولأن حديثنا عن القيم الإسلامية موصول، فإن تناولنا لهذه الوسائط يأتي في هذا الإطار الإسلامي غير مغفلين أثر التطورات والتغيرات التي لحقت بالحياة المعاصرة وما صاحبها من تخصص وتداخل وتكامل أو حتى ضياع مراكز كانت تحتل الصدارة فأصبحت في المؤخرة، وتقدم أخرى حتى أصبحت في المقدمة.
ويأتي الحديث عن هذه الوسائط في محاولة لتحديد دور كل واحد من هذه الوسائط وما يجب أن يقوم بأدائه من أدوار في إطار تنمية القيم الإسلامية في المجتمع الإسلامي المعاصر.
أ - الأسرة:
وهي الوعاء الاجتماعي الذي يتلقى الطفل معلوماته، ويتفاعل مع أفرادها، ويشعر بالانتماء إليه، وبذلك يكسب الطفل أول عضوية له في جماعة، ويتعلم منها كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته وتحقيق مصالحه من خلال تفاعله مع أعضائها.
ويولد الطفل خلوا من أي شيء يحدد شكل تعامله مع المواقف والأشياء والأشخاص والأهداف التي تنتظم عليها حياته بعد ذلك، والأسرة هي التي تتولى رسم توجهاته في الحياة من خلال القيم التي تحتويها ثقافة المجتمع ويستجيب الطفل لها نظرا لما للأسرة من قدرة وإمكانات على إشباع حاجاته، ومعاونته على مواجهة المواقف التي تواجهه في حياته المبكرة(2).
__________
(1) محمد الهادي عفيفي، في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، القاهرة، الأنجلو المصرية، ( بدون تاريخ )، ص 218 .
(2) محيي الدين أحمد حسين ( مرجع سابق )، ص 59 .

(1/65)


وأهم مشكلة تواجه الفرد في حياته، تلك التي تتمثل في الكيفية التي يتعامل بها مع محيطه، بعبارة أخرى: كيف يتمكن من التعامل مع عالمه بطريقة منسقة؟ والجواب هنا يتمثل في الخبرات التي يستمدها الطفل من بيئته، وما تتضمنه من مسلمات تتعلق بدلالات الأشياء و والأشخاص والأحداث، أي من خلال القيم التي يتشربها ويستدخلها في ذاته من خلال أسرته، وتظل معه طوال حياته في بنائه الشخصي والذات(1).
وهنا تبرز أهمية التنشئة الاجتماعية عن طريق الأسرة، التي يكتسب الطفل عن طريقها الحكم على الأشياء والمواقف والخبرات، وتتأثر تلك العملية بالجو الأسري وما يسوده من تعاون واستقرار، أو تشاحن واضطراب، وكلما كانت العلاقة القائمة بين الوالدين تستند إلى المحبة والتفاهم والتعاون، تأتي التنشئة الاجتماعية صحيحة وسليمة، فيتشرب الطفل القيم بطريقة صحيحة سليمة.
وكلما كانت الأسرة متمسكة بدينها، ومبادئه وقيمه، انعكس ذلك على تربية الأطفال، حيث تعمل على تنشئة أبنائها على القيم الصحيحة، فيحكمون الدين ومبادئه وأحكامه في كل تصرفات حياتهم، والعكس صحيح(2).
وقد أراد الله للأسرة أن تقوم على الأسس الصحيحة السليمة، فأرسى الدعائم السليمة الصحيحة،والأسس القويمة لتكوينها تكوينا سليما كحاضن جيد للطفل، بحيث ينشأ نشأة سوية، متمسكا بالقيم الإسلامية، ولهذا وردت النصوص الوافرة موجهة إليه، عاكسة روح الإسلام وأهدافه في بناء الأسرة(3).
__________
(1) المرجع السابق، ص 59 .
(2) منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية 1891م، ص 183،184 .
(3) راجع في نظام الأسرة في الإسلام ـ مثلا ـ: أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 179 - 200 .

(1/66)


إن الأسرة المسلمة تقوم على مبادئ معينة، هامة وجليلة الشأن من أجل توفير جو صحي سليم لتربية الأولاد تربية سليمة على القيم الإسلامية، فهي تقوم على المودة والرحمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِك لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(1).
كما تقوم على مبدأ العدل والمساواة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(2).
على اعتبار أن لكل من الرجل والمرأة وظيفة في الأسرة، كما أن الأسرة تقوم على مبدأ المعاشرة بالمعروف: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (3).
وفي مثل هذا الجو الأليف الودود تقوم عملية التربية للأبناء وسط جو من ضمان حقوقهم، ووسط الشعور بالمسئولية التامة عن هذه التربية التي أكدها الشارع الحكيم، فالأسرة قائمة على قيم ومن أجل قيم، يقول الرسول
J: [ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته](4).
ولا بد من التنويه بأمرين هامين في هذا المجال يؤثران تأثيرا واضحا في مسئولية الأسرة عن تنمية القيم الخلقية، وهما:
الأمر الأول:
__________
(1) سورة الروم: 21 .
(2) سورة البقرة: 228 .
(3) سورة النساء: 19 .
(4) صحيح متفق عليه، راجع: البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، جـ3، ص 12، حديث رقم 2776 . وراجع صفة المسئولية من صفات الموسوعة .

(1/67)


إن مسئولية الأسرة متكاملة تجاه الأطفال وتربيتهم، ذلك أن تنمية القيم لا يأتي وحده، بل في إطار إشباع الحاجات التي يحتاجها الطفل، جسمية وعقلية وخلقية وجمالية ونفسية وعقدية واجتماعية، ومعلوم أن القيم تتخلل كافة هذه الحاجات، ومعنى العناية بهذه الحاجات وإشباعها الاهتمام الشامل بتنمية هذه الجوانب على أساس قيمي.
وتشير السنة المطهرة إلى ذلك، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله
J: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها](1).
فحاجات الطفل المتعددة وإشباعها هي الأساس في تنمية القيم لديه، فالحاجات الجسمية، توفرها الأسرة، من أكل وشرب وملبس ومسكن وعناية بالجوانب الصحية وغير ذلك، وعن طريقها يتعلم الطفل الضبط وغير ذلك، فهي المدخل الأساسي لتكوين نواة الالتزام، وكذا الحاجات العقلية والخلقية، ويحتاج الطفل إلى مجموعة حاجات أخرى تؤهله لا كتساب القيم، كالحاجة إلى الأمن، والتقبل، والتقدير الاجتماعي، والحب، كما أنه يحتاج إلى إشباع حاجته إلى التحصيل والنجاح، وإلى تعلم المعايير السلوكية، وإلى السلطة الضابطة المرشدة، وغير ذلك من حاجات(2).
__________
(1) صحيح متفق عليه، راجع: المرجع السابق، جـ1، ص 136، حديث رقم 69 . والجمعاء: السليمة من العيوب فمجتمعة الأعضاء كاملها لا جدع بها ولا كي (ابن الأثير في النهاية: 1/296).
(2) انظر: حسن إبراهيم عبدالعال، مرجع سابق، ص 119-124، ص 210-220 .

(1/68)


إن الإشباع وطريقته يعتبر الأساس في تنمية القيم الإسلامية، فالطفل يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل إشباع بعض دوافعه الأولية، وتكوين بعض العادات الانفعالية. أي أن البيئة السلوكية لا تدعه يعبر عن دوافعه تعبيرا حيوانيا، ذلك لأن القيود الاجتماعية التي يمليها النظام الحضاري تملي عليه نوعا من تعديل هذه الميول الفطرية(1).
إن أهمية الأسرة المسلمة في تنشئة الطفل المسلم على المعايير والقيم الإسلامية غاية في الأهمية، ومسئوليتها متكاملة تجاه تلك التنشئة بحيث يكتسب الطفل المسلم الشخصية الإسلامية الصحيحة، والمتكاملة المتوازنة.
الأمر الثاني:
أن الأسرة المسلمة أصابها من التغيير ما أصابها، وتواجه مشكلات جمة، بل يمكن القول إنها تعيش صراعا قيميا ليس هذا مجال تحليله وبيان أسبابه، فقد انسحب عليها ما انسحب على المجتمع الإسلامي، والمجتمع العالمي معا، وكان لهذا تأثيراته الواضحة عليها.
ومع التغير الاجتماعي تغيرت أشياء في الأسرة منها الإيجابي، ومنها السلبي، وكان للتغيير الذي صاحب التصنيع والتقنية أثره الفعال على الأسرة في نواح متعددة(2). وهذا التغيير يجعل وظيفة الأسرة المسلمة أكثر أهمية وصعوبة، خاصة في مجال تنمية القيم الإسلامية، وفي إطار أهداف الرسالة الإسلامية الخالدة المتجددة، وفي إطار تلك المتغيرات التي أصابت الأسرة، فإن دورها في تنمية القيم الخلقية في إطار رعايتها للنمو المتكامل لشخصية الطفل يتحدد كما يلي:
__________
(1) المرجع السابق، ص 223 .
(2) انظر: سناء الخولي، الزواج والعلاقات الأسرية، بيروت، دار النهضة العربية، (بدون تاريخ )، ص299-310.

(1/69)


1 - مساعدة الطفل على تأكيد الإيمان بالله ـ عز وجل ـ، بكافة الطرق المناسبة، بالكلمة الحانية، والسلوك القويم، بالقصة الهادفة الملتزمة،بالترغيب في العبادات وقراءة القرآن، وغير ذلك من أسباب ووسائل تحقق الأهداف الإسلامية وتغرس عقيدة التوحيد في نفس الناشئ.
2 - مساعدة الطفل على تمثل القيم والحقائق والمبادئ الإسلامية، وإمداده بالخبرات الاجتماعية المثيرة له والتي تضيف إلى خبرته قيما وحقائق جديدة في إطار إسلامي، مع التبسيط المناسب المعبر عن حاجات الطفل ومشكلاته.
3 - مساعدة الطفل على توضيح وترجمة قيمه واتجاهاته ومشاعره وآرائه التي تمثلها، وكذا مشكلاته الخاصة، وتوجيهه لحلها في إطار إسلامي صحيح.
4 - تهيئة المناخ المناسب المساعد على اكتساب القيم، عن طريق صلاح الأسرة وصلاح الأبناء وتهيئة المجال للطفل للاقتراح والتخطيط المناسب، ومزاولة الأنشطة التي تبدو هامة بالنسبة له.
5 - توجيه الطفل إلى ما يجب أن يفعله في المواقف المختلفة، وبيان أنه يتعين عليه أن يفعله دون ضغط أو إكراه من أحد.
6 - وانطلاقا من احترام الإسلام لذاتية الطفل، فعلى الأسرة أن تحترم ذاتيته، وتقدر ما ينوي فعله، وقدرته على الأداء، واحترام أسئلته عن عالمه، والإجابة عنها بأسلوب مناسب، حتى يتمكن من فهم عالمه واستقاء المعاني منه، وتكوين القيم الإيجابية تجاه هذا العالم.
7 - العدل بين الأطفال والمساواة بينهم، على النحو الذي أشار إليه الإسلام مما يحفظ على الطفل كرامته واعتزازه بنفسه، ويساعده على التمثل الفعال للقيم الإسلامية.
8 - تعويد الطفل على الآداب الاجتماعية الإسلامية، والأخلاق الإسلامية بالممارسة العملية وليس عن طريق الكلام النظري وإلقاء الأوامر ليقتنع بها اقتناعا كاملا.
9 - تعويد الطفل على السيطرة على بيئته، والتعامل معها تعاملا رفيقا، من خلال المحاولة والخطأ وتعليمه أن الواقع المحيط به يحتاج إلى التفاعل الجاد معه.

(1/70)


10 - تقبل الأفكار الجديدة من الطفل، واحترام حبه للاستطلاع دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره، لأن هذا يقلل من شعور الطفل بذاتيته مما يعتبر معوقا في نمو القيم لديه(1).
وقد يكون هذا الكلام جميلاً مثاليًّا، وكثير غيره كذلك، ويأتي السؤال الطبيعي جدا والواقعي: ما الطريق إلى تحقيق هذا؟ نقول: إن تربية الأطفال بهذه الصورة تحتاج إلى جهد ومشقة، ولن يتم هذا إلا في ظل أبوة حانية، وأمومة رحيمة لديها الوعي الكامل بأهمية وخطورة ما يقومان به. لذا فإن تربية الآباء يجب أن تأتي قبل تربية الأبناء.
إن هذا يستدعي ـ أولاً ـ أن يتمثل الآباء والأمهات القيم الإسلامية، ويستعينوا بالحكمة والأناة والصبر، فالتربية لا تأتي بين يوم وليلة، وإنما بمجاهدة الأيام والليالي، وليس لسياسة الزجر والعنف، لأنها تدفع بالطفل إلى التطلع للممنوع، وإشباع حاجاته من هذا الممنوع، بالتمرد على توجيه الأبوين، أو بالظهور بمظهر الخضوع الكاذب... وربما انتهى الأمر إلى ازدواج في شخصية الناشئ، مما يؤدي في النهاية إلى أن يصبح منافقا، وهو المرض الفردي الاجتماعي الذي نشكو منه مر الشكوى(2).
__________
(1) يقصد بالذاتية: هوية الذات في إطارها الفردي والتي بها يتمايز الإنسان عن غيره من البشر، وهو أمر أكده الإسلام في القرآن والسنة .
…وانظر: محمود فهمي قمير، ذاتية الطفل والنظرية التربوية في الإسلام، في: أحمد إبراهيم كاظم وآخرون، دراسات في التربية الإسلامية وأصولها النظرية والفلسفية ـ مركز البحوث التربوية ـ المجلد التاسع ـ جامعة قطر ـ 1985م، ص282.
(2) أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 206، 207 .

(1/71)


ولعلنا نعود هنا إلى ما سبق أن ذكرناه عن القدوة وما تتطلبه من الشفقة والرحمة. وقد أدرك ابن خلدون ـ وغيره ـ خطورة هذا، فقال: [ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحُمِلَ على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين](1).
إن الأسرة المسلمة يجب عليها أن تتخلص من قيم الضعف وما يسودها من ضعف وقيم لا تنتمي لقيم الإسلام الصحيحة، وإذا كان لنا أن نبني مجتمعا مسلما على قيم الإسلام الصحيحة، فلا بد من تغيير قيم الأسرة وما يسودها من قيم ضعف وهوان تجاه القيم الإسلامية الصحيحة، في بنائها وفي تربية أبنائها، وهذا هو أساس التغيير الصحيح نحو القيم الإسلامية، إن عين الطفل وسمعه يجب ألا يقعا إلا على سلوك صحيح مترجم عن واقع صحيح وقيم سليمة، ولذا فإن المطلوب من الوالدين أن يكونا فعلا قدوة صالحة، ليتلقى الطفل منهما مباشرة وبدون مباشرة ما يؤكد ذاتيته واستقلاله في إطار التصور الإسلامي الصحيح.
وينبغي أن تكون سياسة الأسرة قائمة على التفتح واختيار الجيد، والبعد عن سياسة الانغلاق والحرمان وإيصاد الأبواب، والاعتماد على تكوين الحس الإسلامي في نفوس الأطفال، وبالتدرج وإنضاج القدرة على الاختيار الجيد، والبعد عن السفاسف والرذائل.
ب - جماعة الأقران:
__________
(1) ابن خلدون، المقدمة، الجزء الثاني، المدينة المنورة، مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1984م، ص 407047 .

(1/72)


بمرور الأيام، وتقدم عمر الطفل تتحول ميوله من الأسرة إلى الالتحاق بجماعات الرفاق على أساس من تقارب السن، فجماعة الأقران أو الرفاق، تكوين طبيعي ينشأ من اختلاط الأطفال ببعضهم في إطار العائلات أو الحي أو الشارع الذي يسكنون فيه، والناشىء بنزعته الاستقلالية يندمج مع هذه الجماعة، ويؤدي به الأمر إلى مجاراة ما يسود بينهم من قيم ومعايير.
ويقضي النشء وقتا طويلا مع هذه الجماعة، خارج المدرسة وداخلها، الأمر [الذي يؤثر في سلوكهم واتجاهاتهم تأثيرًا كبيرًا، وكذلك في قدرتهم على التعلم](1).
وجماعة الأقران أو الرفاق أكثر [من مجرد جماعة من الأصدقاء يهتمون بأمورهم الخاصة وعلاقاتهم المتبادلة فحسب، بل تعتبر كذلك، بمعنى خاص معين، جماعة يتدخل فيها الكبار ويحددون مركز كل طفل والغرض من المحافظة على بقاء هذه المراكز](2). وتلعب هذه الجماعة دورا بالغ الأهمية في إكساب الناشئ القيم، نظرا لأنها تضم جماعة متناسقة من حيث العمر، ومن ثم يتمكن الناشئ من اكتساب خبرات وقيم معينة لا يمكن اكتسابها داخل الأسرة، وتنجح جماعة الأقران في نقل قيم متميزة للأفراد، كما يمكنها أن ترسخ قيما سائدة في المجتمع(3). وكذا يمكنها أن تحطم قيما سائدة في المجتمع أيضا(4).
__________
(1) محمد مصطفى الشعبي: علم الاجتماع التربوي في اجتماعيات التربية، القاهرة، دار النهضة العربية، 8791م 76
(2) محمود حسن، الأسرة ومشكلاتها، بيروت، دار النهضة العربية، 1981، ص 430 .
(3) انظر: محيي الدين أحمد حسين، مرجع سابق، ص 63، 64 .
(4) انظر: محمود حسن، مرجع سابق، ص 430، 431، 435، 436 .

(1/73)


فجماعة الأقران ناتج اجتماعي يتكون على أساس فئات السن، لإشباع حاجات محددة، ومعنى هذا أنها تقوم بوظيفة شرعية في نمو الطفل وإكسابه القيم السائدة في المجتمع. ومن أهم ما تقوم به هذه الجماعة في هذا المجال: الاعتراف بحقوق الآخرين، وهنا تنمو صيغة الواجب، ومعايير التصرف السليم بتلقائية كما أنها تقوم بدورها كأداة من أدوات الضبط، ذلك أن هذه الجماعة تتكون من أشخاص متكافئين، تقوم بينهم علاقات ودية وثيقة، ويسود بينهم التآلف، ويتوحد فيها الأعضاء بعضهم ببعض فتكون النتيجة أن يصبح الأعضاء شديدي الحساسية لموافقة الآخرين أو اعتراضهم، وهذا يعني شدة الضغوط التي تفرضها الجماعة على الفرد(1)، وهكذا تساعد جماعة الرفاق في ضبط الاتجاهات وتكوين القيم، وتصحيح السلوك المتطرف أو المنحرف بين أعضائها.
كما أنها أداة من أدوات توفير الأمن والاطمئنان الجسمي والنفسي، كما أنها تكون وحدة ثقافية خاصة ومتميزة، أي يكون لكل جماعة مجال محدد للنشاط والميول، ومجموعة معينة من القيم والاختيارات والتفضيلات تتضافر فيما بينها ويتكون منها النمط الاجتماعي للجماعة(2).
ومن المهم الإشارة إلى أن جماعة الرفاق تعتبر انعكاسا لثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه، وتتبلور فيها قيم المجتمع التي يؤمن بها، فالناشئ ينقل إلى هذه الجماعة ثقافة أسرته وثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالجملة فإن جماعة الرفاق من أهم الجماعات التربوية المؤثرة في نقل القيم وغيرها من المكونات الثقافية للمجتمع، ولذا تعتبر وسطًا مهمًّا جدًّا في هذا المجال.
__________
(1) المرجع السابق، ص 444، 445.
(2) المرجع السابق، ص 448، 449.

(1/74)


ولهذه الأهمية فقد حظيت باهتمام خاص من توجيهات الإسلام، ومفكريه ورجالات التربية الإسلامية، ففي صلاحها صلاح الفرد، وصلاح الفرد صلاح لها، ونجد توجيهات إسلامية واضحة تدعو الآباء والأمهات والمربين إلى العناية بتوجيه أبنائهم إلى اختيار رفقائهم من الأخيار الصالحين دينا وخلقا وسلوكا حتى يقتدوا بهم، ويكتسبوا منهم الصفات الحميدة والخلال الفاضلة، وأن يجنبوهم مخالطة الأشرار حتى لا يقلدوهم ويسلكوا طريقهم المعوج(1).
وبتوجيه عام نقرأ في القرآن آيات عن أهمية الصحبة والرفقة، تؤكد ما ذهبنا إليه، يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً}(2). {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}(3). {وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}(4).
وعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي
J يقول: [لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي](5). وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله J: [المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل](6).
__________
(1) عبدالحميد السيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984م، ص 776.
(2) سورة الفرقان: 27، 28 .
(3) سورة الزخرف: 67 .
(4) سورة الشعراء: 99 - 101 .
(5) حديث حسن، انظر: البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، جـ3، ص 381، حديث رقم 3902 .
(6) حديث حسن غريب، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، المرجع السابق، ص 382، حديق رقم 3903.

(1/75)


وقال رسول الله J: [مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة](1).
وطبقا لهذه التوجيهات العامة، فإن اختيار الرفاق، وتوجيه الأبناء نحو اختيارهم صالحين، أمر واجب، والأساس في ذلك كله هو تنشئة الأطفال في أحضان الأسرة تنشئه صحيحة وسليمة وقويمة، وإذا ما عمت تلك التنشئة أسر المسلمين كانت جماعة الرفاق على نفس الدرجة من الصلاح، فلا يكتسب الناشئ إلا قيماً صالحة، ويدعم هذا الوسط الاجتماعي العام والذي بقدر ما يكون صالحا يكون الأفراد كذلك، ومن ثم يعم الصلاح جماعة الرفاق وغيرها.
إن من الواجب مساعدة الناشئ على اختيار جماعته، لأنها تساعده على تحقيق استقلاليته على نحو تدريجي، كما تنمي لديه مفهومه عن ذاته، وتدعم القيم الصالحة(2). لأن ميل الأطفال إلى اختيار الأقران وتقبل قيم الآخرين واتجاهاتهم النفسية يعتبر متغيرا من متغيرات الشخصية كما دلت على ذلك دراسات علمية متنوعة(3).
__________
(1) متفق عليه . من رواية أبي موسى الأشعري، المرجع السابق، ص 378، حديث رقم 3895 .
(2) كافية رمضان، فيولا البيلاوي، ثقافة الطفل، الكويت، كلية التربية، 1983م، ص 228، 229 .
(3) انظر: كونجر وآخرون، سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة أحمد عبدالعزيز سلامة وجابر عبدالحميد، القاهرة، دار النهضة العربية، 1985م، ص 482 .

(1/76)


وقد أدرك المربون المسلمون قيمة هذه الصحبة، ولهم في ذلك اجتهادات وأقوال قيمة، يقول الجاحظ: [الصبي عن الصبي أفهم وبه أشكل](1).
إن حرص الإسلام والمفكرين المسلمين على سلامة البيئة الاجتماعية، وعلى إشباع حاجات الطفل إلى جماعة الرفاق والأتراب واضح،ومن خلال كل هذا نعود فنؤكد أهمية المحافظة على الوسط الاجتماعي حتى لا يتسرب الفساد أو الخلل للناشئة، لتنمو القيم الإسلامية نموا سليما وصحيحا وقويا.
جـ – المسجد:
كان المسجد وما يزال شعار الحياة في المجتمع الإسلامي، ويدل على ذلك اهتمام الرسول
J ببناء المسجد أول قدومه إلى المدينة، مما يدل دلالة صادقة على أهميته وضرورته، ولم يكن المسجد بناية لأداء الصلاة فقط، بل كانت له وظائف أخرى كثيرة تتعلق بسياسة الدولة، وفي هذا إشارة إلى أن المسجد إنما أقيم كمؤسسة محققة لأهداف الإسلام ورعاية مصالح الدنيا والآخرة، فقد كان مقرا للتعليم لاستقبال الوفود وإقامة الاحتفالات وغير ذلك، مما يدل على أهميته في حياة المسلمين.
وتظهر أهمية المسجد في إطار تنمية القيم الخلقية الإسلامية في قيامه بالوظائف التالية:
1 - نشر العلم وتعليم الأفراد والجماعة التعاليم الدينية وغيرها، مما ينمي لديهم معايير سلوكية إسلامية تحقق سعادة الفرد والمجتمع.
__________
(1) أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ، كتاب المعلمين، ( على هامش الكامل في اللغة والأدب للمبرد )، الطبعة الأولى، الجزء الأول، مصر، مطبعة التقدم، 1323، ص 26 . وانظر: ابن سينا، السياسة ( نشرة الأب لويس معلوف ) مجلة المشرق البيروتية، السنة التاسعة، الأعداد،12، 23، 1906، ص 1074، 1075 .

(1/77)


2 - إمداد الأفراد بالإطار السلوكي المعياري القائم على التعاليم الإسلامية، مما يمكن للعمل الصالح لديهم، حبا وسلوكا، ويكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، لأن صلاتهم فيه تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وتأمرهم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، كما تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر.
3 - تنمية الوازع الداخلي لدى الأفراد والجماعة، ومن ثم دعوتهم إلى ترجمة المبادئ والتعاليم الإسلامية إلى سلوك عملي واقعي.
4 - دعم روح الأخوة والتعارف بين المؤمنين مما يؤدي إلى دعم القيم الخلقية الإسلامية وتوحيد السلوك الاجتماعي، ونبذ كل ما يضعف الروح الإيمانية والاجتماعية من قيم سالبة، كالظلم والحسد، واحتقار الغير، والسخرية بالآخرين، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من أمراض اجتماعية تضعف البناء الاجتماعي الإسلامي، وتفرق جهده.
5 - محاولة تذويب الصراع القيمي بين الأجيال الجديدة والأجيال القديمة، لأن الأفراد الجدد يقتدون بالأفراد القدامى، فالقدوة الصالحة والنماذج السلوكية تبرز جيدا من خلال المسجد، ومن ثم تضعف اتجاهات الصراع القيمي، في ظل القدوة ومبدأ الشورى، والمناقشات الموضوعية في شتى شئون الحياة بين الصغار والكبار.
6 - الإرشاد والتوجيه المستمرين تحت رعاية أئمة المساجد الواعين، خاصة للالتزام بالقيم الخلقية الإسلامية، واستشارتهم فيما يجد من شئون الحياة(1).
__________
(1) انظر: عبد الله بن أحمد قادري، دور المسجد في التربية، جدة، دار المجتمع، 1407هـ/1987/، ص 109-132 .

(1/78)


إن للمسجد دوره الهام والخطير في عملية تنمية القيم الخلقية الإسلامية لدى الأفراد والجماعات، خاصة إذا توافرت له الإمكانيات من قوى بشرية وإمكانيات مادية، وإذا كان دوره في حاضرنا المعاصر قد تراجع ـ إلى حد ما ـ لوجود المدارس، ووسائل الإعلام، فإن ذلك لا يعني اختفاء دوره، فدوره قائم، ولذا تجب العناية به، وتطويره بناية وأهدافا، مما يعيقه من القيام بوظيفته وأهدافه، بما يجعله قادرا على خدمة الحياة الإسلامية المعاصرة في إطار أهداف الإسلام.
إن المسجد مؤسسة اجتماعية مثلها مثل باقي المؤسسات بل هو تنظيم من تنظيمات المجتمع الإسلامي، التي استخدمها لتنشئة الأجيال، ولذا فهو يتكامل أو يجب أن يتكامل مع المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية الأخرى، مع ضرورة التركيز على إعداد القائمين عليه إعدادًا جيدًا بما يهيؤهم للتعامل مع رواد المسجد صغارا وكبارا، وبالقدر نفسه من الأهمية، يجب العناية بالمؤسسات الأخرى في المجتمع،بحيث تتكامل مع وظيفة المسجد، فإذا كان المجتمع يغلب فيه انحراف ما فإن المسجد لن يستطيع أن يؤدي وظيفته كما ينبغي، لأن هذا الانحراف سيحول بين أفراد المجتمع والتأثر بالمسجد وما يقدمه.
ولقد اعتبر المسجد منذ أن وجد مؤسسة للصغار والكبار، للرجال والنساء، لكل طوائف المجتمع، وكان مؤسسة تربوية للصغار، وكان رسول الله
J لا يمنع الصغار عن المسجد، بل كانت له مواقف معينة تؤكد اهتمامه بهم، ومما يروى في هذا المجال:
عن أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: [رأيت النبي
J يؤم الناس وأمامه بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها (ويروى) رفعها] (1).
__________
(1) متفق عليه، مصابيح السنة ( مرجع سابق ) جـ1، ص 336، حديث رقم 699 .

(1/79)


وكان J يراعي وجود الأطفال في المسجد، يقول: [إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه](1).
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: [ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي
J، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه من بكائه] (2).
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: [صليت مع النبي
J صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جُؤْنَة عطار] (3).
إن هذا كله يدل على حضور الصغار المسجد. وهناك أدلة غير هذه كثيرة نكتفي هنا بما ذكرناه، فَصِلَة الناشئ بالمسجد في عهد الرسول
J كانت قوية ومقصودة، وإن تنشئته على ذلك تجعله يألفه ويرتبط به، ليكون من رواده فيه مصلحة عظيمة، ولذلك أثره في تنمية القيم الخلقية الإسلامية.
ولكي يؤدي المسجد وظيفته في تنشئة الأجيال المسلمة على القيم الإسلامية نقدم هنا بعض المقترحات، سواء فيما يتصل بالأهداف أو الوسائل، كما يلي:
فيما يتصل بالإشراف على المسجد والقائمين عليه:
1 - أن يقدم للمسلم كيفية أداء العبادات بطريقة صحيحة.
2 - أن يُعَرِّف المسلم بأركان الإسلام وأسسه وأحكامه.
3 - أن يعني بتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره.
4 - أن يعني بتعليم الأحاديث الشريفة، حفظا وتفسيرا، وكذا العناية بالسيرة النبوية.
5 - أن يعني بتنمية الآداب والأخلاق الإسلامية.
6 - أن يعني الإمام بالإجابة على استفسارات رواد المسجد.
7 - أن يعني بتزويد المسلمين بآداب المسجد والصلاة واحترام المصلين.
8 - أن يعني بتمرين المسلم على ممارسة السلوك الاجتماعي الإسلامي.
__________
(1) متفق عليه، المرجع السابق، ص 408، حديث رقم 809 .
(2) متفق عليه، المرجع السابق، ص 408، حديث رقم 808 .
(3) أخرجه مسلم، المرجع السابق، جـ4، ص 49، حديث رقم 4512 .

(1/80)


9 - أن يعني بوسائل جذب الناشئة إلى زيارة المسجد المنتظمة وحضور الصلوات فيه.
10 - أن يمرن الناشئ على خدمة المسجد ورواده، مما يساعد على غرس قيم العمل في نفسه.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، فإن هناك مواصفات معينة يجب أن تراعى، وهي:
1 - أن يكون المسجد مركز نشاط اجتماعي وثقافي وعلمي، يضم مكتبة جيدة ومتنوعة.
2 - أن يقدم المسجد دروسا متنوعة حول ما يتعلق بأمور حياة الناس، ويقدم المعارف المتنوعة.
3 - أن يضم مركزا للمعلومات يرجع الناس إليه ليجدوا ما يجيب على تساؤلاتهم.
4 - أن يكون مقرا لتوجيه الشباب لما يتطلبه تكوين الأسرة المسلمة الصالحة، بل يتعاون أهل كل مسجد على تزويج الشباب كل بقدر استطاعته.
5 - أن يكون المسجد مركزا إعلاميا يسهم في تقديم ما تتطلبه ظروف الحياة المعاصرة وما يجد في الساحة الإسلامية من أخبار، وتحليلها بعقلية واعية ومتفتحة لكي تواكب الحياة وما يدور فيها.
6 - أن يكون المجتمع هو الذي يضرب القدوة الصحيحة في إجابة نداء المؤذن بسرعة واستمرار بحيث يشاهد الناشئة هذا فيتمثلونه.
7 - أن يذكر على أسماع الصغير وخاصة من أمه فضائل المساجد، والثناء على المصلين فيها وما أعد الله لهم من ثواب، كل ذلك بهدف غرس حب المسجد في قلبه.
8 - أن يصطحب الكبير الصغير إلى المسجد، حتى يألفه، ويألف المصلين ولا يستوحش منهم.
9 - أن يعامل العاملون بالمسجد والمصلون الصغير معاملة لطيفة، وألا يغلظوا له القول، فإن الملاطفة والمداعبة تجعله يألف المصلين ويحب أن يتردد على المسجد.
10- تنويع الوسائل المتاحة، لجذب الناشئ إلى المسجد، كنظم الأناشيد وغير ذلك من وسائل(1).
د - المدرسة:
__________
(1) انظر: كافية رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 122، 222 و عبدالله أحمد قادري، مرجع سابق، 132-146 أحمد قادري، مرجع سابق، ص 132-146 .

(1/81)


وهي مؤسسة وتنظيم اجتماعي، أنشأها المجتمع خاصة لتربية وتعليم صغاره، وكالة عن الكبار المشغولين في مشاغل الحياة، ونيابة عن المجتمع في نقل تراثه الثقافي إلى الصغار، وللمدرسة وظائفها الهامة في المجتمع، إذ يوجد فيها المتخصصون في مجالات العلم والمعرفة لتقوم بتلك الوظائف، ومن ثم فهى تبلور اتجاهات المجتمع وتعكس إطار حياته.
وتمتاز المدرسة عن بقية المؤسسات الاجتماعية والوسائط الثقافية بأنها: بيئة تربوية مبسطة للمواد العلمية والثقافية، وأنها بيئة تربوية مُنقِيَةٌ للثقافة مما قد يتخللها من فساد وانحرافات، وأنها بيئة تربوية موسعة تضم جميع أبناء المجتمع الواحد، وتوسع أفق الناشئ عن طريق تعليمه المباشر من خلال خبراته الشخصية وخبرات الآخرين، وأنها بيئة تربوية جاهزة وموحدة لميول ونزعات التلاميذ وصهرهم في بوتقة ثقافية واحدة مما ييسر التفاهم والتعاون بينهم بعد الخروج إلى معترك الحياة العملية. ثم هي تستكمل ما بدأ في الأسرة لتتمه وتهذبه، وتقوم من الاعوجاج الخلقي عند الناشىء، إذا ما كان قد تعرض لرفقاء السوء واتخذ طريقا خاطئا في سلوكه(1).
وتمتاز المدرسة أيضا باتساق جهدها الذي تبذله مع المؤسسات الأخرى في سبيل تربية النشء ولذا فهي على اتصال دائم بتلك المؤسسات، وتتعاون معها في هذا السبيل.
إن دور المدرسة واضح وجلي، ويتمثل في تثقيف الناشئة وتربيتهم، بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة، ومعلومات تغطي مختلف مجالات المعارف الإنسانية، كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم، تُشتق من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه، وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر.
__________
(1) سمير عبداللطيف هوانة، الأدوار التربوية للمؤسسات الاجتماعية، الفصل الخامس من: محمد عكيلة وآخرون: مدخل إلى مبادىء التربية، الطبعة الأولى، الكويت، دار القبس، 1404/1984، 135-137 .

(1/82)


وتستطيع المدرسة أن تسهم الإسهام الفعال في بناء شخصية الفرد بما تهيؤه له من مناخ صحي يساعد على النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية وما يعنيه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة، وهذا يعني أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريا وإنما هو نظري تطبيقي وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول:
أن العملية التربوية تعتبر ـ في الأساس ـ عملية خلقية، وتنمي الأفراد عليها، وعلى هذا فإن العملية لا يجب أن تقوم على القيم الثابتة فقط، بل يجب أن تعتني بالقيم النسبية التفضيلية والتي هي اتجاهات تغيير حادثة في نوع الخبرات المقدمة، والمعبرة عن نفسها في سلوك الناشئة والمتعلمين.
الاعتبار الثاني:
أن هذه القيم يجب أن تتخلل جميع المناهج الدراسية، إذ لا بد أن تسيطر على كل ميادين الدراسة، إذ أن الهدف لتنمية القيم في نفوس الأفراد إنما يكمن في إعادة توجيه الحياة في إطار تكاملي شمولي إيجابي، بحيث يصبح الأفراد أكثر إيجابية في حياتهم.
الاعتبار الثالث:
أن المدرسة وحدها لا يمكن أن تتم هذا الجهد بدون مشاركة كافة أنظمة المجتمع وهيئاته ومؤسساته وأنظمته وأفراده، وهذه المشاركة التكاملية في تنمية القيم تمكن المدرسة من القيام بواجبها وتحقيق أهدافها كما ينبغي(1).
الاعتبار الرابع:
أن المدرسة في قيامها بهذه العملية يجب أن تعتمد على فلسفة تربوية نابعة من المجتمع الإسلامي ذاته، معبرة عن أهدافه، عاكسة لصورة المجتمع وفهمه عن الإنسان، وأهدافه في الحياة. وإذا لم تفعل باءت محاولتها بالفشل، ووقعت في محذور الانعزالية عن الواقع الاجتماعي.
__________
(1) محمد عبدالهادي عفيفي، الأصول الفلسفية للتربية، مرجع سابق، ص 318-322 .

(1/83)


إن وظيفة المدرسة في هذا الإطار تشمل كل مكوناتها وأركانها، من مربين، ومناهج وأنشطة، والمدرسة نفسها كأسلوب حياة وكمجتمع تعلم، والمادة التي تقدمها، والطريقة التي تقدم بها هذه المادة وبكلمة جامعة، فإن المدرسة لكي تقوم بتنمية القيم الإسلامية يجب أو ينبغي أن تتحقق بالشروط التالية:
1 - توفير الخبرات المتنوعة لتنمية هذه القيم لدى الناشئة، وإتاحة الفرص أمامهم للتعرف عليها والانفعال بها والوعي بها، إذ أن المسألة ليست مجرد تقديم للقيم الخلقية واستيعابها نظريا، وإنما كيفية بناء هذه القيم واستدخالها في نفوسهم، ثم إنه إذا لم يكن للفرد أهداف ينفعل بها ويتجه نحوها وينمو في إطارها من خلال المشاركة والممارسة فلا يمكن أن يكون هناك تأثير ما لما يعيشه.
إن هذه الخبرات يجب أن تخضع للاختبار القائم على أساس القيمة، إذ أن القيمة أو القيم بعموم تحدد ما هو جيد، ومعنى هذا أن القائمين على أمر المدرسة وتخطيط مناهجها يجب أن يكونوا على وعي تام بأهداف القيم الخلقية الإسلامية وبنسق هذه القيم لأن هذا يساعدهم في اختيار محتوى المنهج وتوجيه السلوك، إذ أن هناك مجموعة من التساؤلات الملحة التي تواجه مخططي هذه الخبرات في المنهج والتي يجب على المدرسة أن تُضَمِّنَهَا في برنامجها التعليمي:
ـ ما المعلومات المرتبطة بالقيمة الخلقية التي ينبغي نقلها للتلاميذ عن طريق المدرسة؟
ـ كيف يمكن تنظيم هذه المعلومات بطريقة فعالة لتكون جزءا من المنهج؟
ـ ما العمليات التي سوف تؤكدها المدرسة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بالقيم الخلقية؟
ـ كيف يمكن ترتيب العبارات عن العمليات في المنهج لتساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية فعالة؟(1).
__________
(1) جورج بوشامب، نظرية المنهج، ترجمة: ممدوح محمد سليمان وآخران، مراجعة ممدوح محمد سليمان، القاهرة، الدار العربية للنشر، توزيع 1987، ص 105 .

(1/84)


إن الإجابة عن هذه الأسئلة مهمة جدا من قبل المخططين وواضعي المناهج، حيث إنه يحدد نوع الخبرات اللازمة لتنمية القيم الخلقية الإسلامية كما ينبغي أن يكون.
2 - الاهتمام بتوفير مواقف ممارسة هذه القيم، وهي مواقف عملية لأنه لا يكفي ترديد المعلومات ولا الوعظ والتلقين، وإنما لا بد من النشاط الواقعي والمواقف الحية التي لا بد أن يعيشها الناشئ في المدرسة، ومعنى هذا أنه بعد تحديد القيم التي ستقدم لا بد من إتاحة الفرصة أمام الناشئة للمشاركة في تحمل المسئولية إزاء المهام والقيم المطلوب الالتزام بها.
3 - الاهتمام باتجاهات الناشئة ومشاعرهم، واستخدام القوة الانفعالية والتفكير معا في تنمية القيم الإسلامية، وإشعارهم بأهمية القيم بالنسبة لهم وبالنسبة للجماعة التي ينتمون إليها، وتدريبهم على الاستقلال في الاختيار، ومنحهم مساحة كافية من الحرية للتدريب على الاختيار والممارسة لهذه القيم.
4 - الاهتمام بتوفير القدوة الصالحة المتمثلة في المعلم الخيِّر الكفء الذي يكون على درجة عالية من المهارة، وعلى وعي وتدريب كافيين لتنمية القيم، ليمكن الناشئ من التفاعل مع المواقف المتغيرة بشكل جيد، ومعنى هذا أن هناك شروطا معينة لا بد من توافرها في المعلم:
- أن يكون واعيا بوظيفته وأهميتها في مجال تنمية القيم الخلقية.
- أن يكون على علم بتوجيهات الكتاب والسنة في هذا المجال.
- أن يكون عالما بما يريد تعليمه وتنميته من قيم في الأفراد.
- أن يكون ملتزما بتلك القيم، أي أن يكون قدوة متمثلة فيه الشروط التي سبق تناولها، اقتداء بالرسول
J
- أن يكون عالما متمكنا بتخصصه العلمي، وبالأساليب التي يستطيع عن طريقها تنمية القيم الخلقية من خلال تدريس التخصص.
5 - الاهتمام بتنظيم العلاقة القائمة بين المدرسة والمجتمع ومؤسساته، وكذا العلاقة القائمة بين العاملين في المدرسة، إذ يجب أن يسودها جو قيمي موات لأن يتأثر به الناشئة إيجابيا.

(1/85)


6 - الاهتمام بالجو الاجتماعي المدرسي القائم على أساس الحب والألفة والتفاهم والتشجيع، إذ أن هذا يعطي المتعلم فرصا مناسبة ليكون على علاقة وطيدة توجيهية وإرشادية مع معلمين وإداريين وعاملين يعرفونه جيدا، وبالتالي يتشرب القيم الإسلامية عن طريق العلاقة الحميمة مع أساتذته ومعلميه.
7 - الاهتمام بالأنشطة المدرسية المتنوعة، والتي تعتبر بيئة مناسبة جدا لتنمية القيم الخلقية، إذ يمكن عن طريقها ممارسة تلك القيم، كالشورى والحوار وتبادل الرأي والخبرة، والتعاون، والصدق، والتخطيط وحسن اتخاذ القرار، وتقديم أفكار جديدة، والالتزام بالقرارات والاقتراحات، كما أنها تعمل على تنمية القيم السياسية والإدارية، وقيم التنظيم، والرقابة، وغير ذلك،وتؤدي دوراً ملحوظاً في تنمية المسئولية وقيمها(1).
8 - الاهتمام بالمكتبة المدرسية، على أن تختار محتوياتها بعناية بالغة من حيث الشكل والمضمون ومراعاة نوعها، وتنظيمها، وكذا الاهتمام بأماكن الرياضة واللعب، وغير ذلك(2).
إن دور المدرسة مهم في مجال تنمية القيم الخلقية الإسلامية ولا بد أن يعلم القائمون عليها هذا وأن يجعلوا منها بيئة تربوية مناسبة تعمل على تنمية هذه القيم، ولكن كما أشرنا، نؤكد أهمية التكامل بين المدرسة ومؤسسات المجتمع، والوسط الاجتماعي العام الذي تترجم عنه المدرسة وتعكس إطاره الثقافي وعلاقاته وقيمه.
هـ – وسائل الإعلام:
تقوم وسائل الإعلام والاتصال بدور بالغ الخطورة والأهمية في حياة الناس بعامة، وفي حياة الناشئ بصفة خاصة، فقد احتلت مركزا بالغ الأهمية لديهم، حتى إنها أصبحت ـ في كثير من الأحيان ـ بديلا عن الكتاب من مؤسسات التربية والتعليم والتثقيف.
__________
(1) راجع: كافية رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 220، 201 .
(2) راجع: المرجع السابق، ص 212، 214 .

(1/86)


ولأنها تقدم مواد متنوعة ومختلفة فإن تأثيرها في مجال تنمية المفاهيم والقيم والاتجاهات بالغ الأهمية، فهي تنقل إلى الناس معتقدات واتجاهات وقيما، في شكل قصة أو في شكل أنماط سلوكية قد تحظى بالقبول وقد ترفض، ومن خلال وسائل الإعلام هذه يتلقى الناشئة تلك المعتقدات والاتجاهات والقيم، والتي من المفروض أن تكون متوافقة مع ما يرتضيه المجتمع الذي تنتمي إليه وما ترتضيه ثقافته، وأن تعرض المثل الأعلى المنشود في هذا المجتمع أو ذاك، وبمعنى آخر: أن تعكس أهداف المجتمع من الإنسان والحياة.
ولأن وسائل الإعلام متنوعة ومتعددة، فإنه يمكن أن ننظر إليها في ضوء وظائفها الأساسية والمتمثلة فيما يلي:
1 - إضفاء المكانة: فوسائل الاتصال تلقي الضوء على بعض الحركات والقضايا العامة والأشخاص والمؤسسات، وتؤيدها أو ترفضها مما يضفي عليها مكانة أو يؤثر في مكانها سلبيا.
2 - تقويم ثقافة المجتمع ومعاييره: إذ أن لها من القوة في استثارة العمل الاجتماعي المنظم وفقا للمعايير الأخلاقية والمثالية في المجتمع، ولو حدث انحراف ما عن هذه المعايير تقوم تلك الوسائل بالتنبيه عليه، حيث تقوم بإعلام أفراد المجتمع به وبحقائقه وبأساليب مواجهته كي تتفق الأنماط السلوكية للناس مع المعايير الاجتماعية المقبولة.
إن هذه الوسائل تفرض ضغطا كبيرا للوقاية من مظاهر الانحراف عن المعايير والقيم، لإعادة تثبيتها ودعمها وتطبيقها، وجعلها في بؤرة الوعي الاجتماعي ولب اهتماماته.
3 - تنمية الذوق العام: حيث تقوم بتنمية الإحساس بالجمال في الحياة، وكذا جمال النفس الذي يستطيع الإنسان به أن يرى الوجود جميلا، وكذا تنمية الذوق العام في السلوك العام في الأماكن العامة والالتزام بمعايير المجتمع وقيمه.

(1/87)


4 - خدمة المجتمع: وهي في هذا تساعد وتكمل عمل التربية، فهي تعمل على تشكيل الشخصية الإنسانية القادرة على تحقيق التقدم والتنمية، وذلك عن طريق بيان أهمية العمل وتغيير المفاهيم السائدة التي لا تصلح لمسيرة المجتمع، وتقديم المعلومات التي تفيد في هذا المجال، وهي تخدم قضية التغيير الثقافي والاجتماعي.
كما أن هذه الوسائل في عملية التطبيع الاجتماعي، عن طريق نقلها لأنماط السلوك المقبولة ومساندتها، وبالتالي يكتسبها الناس صغارا وكبارا ويحتضنونها من خلال تلك الوسائل، وبالتالي تؤثر في تكوين الشخصية، وتساعدها على التكيف للمواقف والخبرات الجديدة(1).
وتساعد عدة عوامل على إحداث التأثير الكبير في الشيء، من هذه العوامل: التكرار، والجاذبية والمشاركة، ولا نريد أن نستفيض في هذا المجال، لأن المقام لا يسمح،ولكن عوامل تأثر النشء بالمواد الإعلامية ـ وخاصة التليفزيون ـ يستحق منا التركيز. ويمكن ذكر تلك العوامل فيما يلي:
1 - الاستيعاب: ومعناه: امتصاص المواد المبثوثة في وسائل الإعلام لما تنطوي عليه من مغريات فنية وأدبية وإخراجية، وكلما تكررت المادة بصورة أو أخرى زاد الاستيعاب.
2 - التقليد: وخاصة بين الصغار، فالصغير يقلد النماذج التي تعرض له، ويتوقف التقليد على بيئة الناشئ، وعلى ردود الفعل لدى أفراد هذه البيئة تجاه ما يقرأونه ويشاهدونه.
3 - التقمص: وهو حالة نفسية واجتماعية تتوحد خلالها شخصية المشاهد أو القارئ مع النماذج التي تقدم له من خلال وسائل الإعلام، ويستخدم المتلقي التقمص كوسيلة لإرضاء أو إشباع الحاجات الأساسية(2).
__________
(1) راجع كافيه رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 252، 352 .
(2) راجع عبداللطيف هوانة،مرجع سابق، ص 126، 127 .

(1/88)


إن أهمية وسائل الإعلام قد غدت واضحة في مجال التربية، والأمر كذلك، فإنها تقوم على قيم معينة، هي قيم المجتمع الذي نعيش فيه، وهي إما أن تساعد على تثبيت هذه القيم ودعمها، وإما أن تعمل ضدها، بحيث تغرس في نفوس الأفراد قيما أصيلة جيدة، أو تخلع منها قيما رديئة وتغرس محلها قيما أخرى جيدة، وهذا يعود بالتأكيد إلى القائمين على أمر هذه الوسائل ومدى فهمهم لثقافة المجتمع ومعاييره وقيمه.
وقد تستخدم هذه الوسائل استخداما سيئا يعطل في الإنسان عقله ووجدانه، واهتمامه بالقيم مما يؤدي إلى حالة من الركود والخمول واللامبالاة، أو ما يسمى بعدم الاهتمام أو الاهتمام الظاهري الكاذب بمشكلات المجتمع، فكما أن لها استخداماتها الفعالة، فإن لها استخدامات ضارة أيضا، خاصة إذا ما وجهت توجيها ضد قيم المجتمع الأصيلة، فهي في هذه الحالة تهدم ولا تبني.

(1/89)


ومن الملاحظ في حياتنا تسرب ظواهر معينة من خلال وسائل الإعلام، كإشاعة العنف، والهروب من الواقع، والاستغراق في الخيال، والسلبية، والتقليد الأعمى، وغير ذلك وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، وتؤكده دراسات متعددة عن الأثر السلبي لوسائل الإعلام(1). فهذه الوسائل قد تصبح معوِّقا كبيرا ـ في بعض مواقفها ـ لتنمية الإنسان وقيمه المنشودة، وفي هذه الحالة لا بد أن نعي أن الإعلام في هذا الوضع يشكل معوِّقا وخطرا على القيم، ويكمن هذا في التناقض الأساسي بين القائمين على الإعلام، أو بعضهم وبين الأغلبية الساحقة في المجتمع صاحبة المصلحة الحقيقية في تنمية القيم الإسلامية الدافعة نحو التقدم والتغيير الهادف البناء تجاه أهداف الإسلام(2).
وتزداد خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم، وذلك مع ما يمر به المجتمع العربي والإسلامي من ظروف التغير وسرعته ومن انفجار سكاني ومعرفي، وما يعانيه الإنسان من فراغ، واهتزاز في نظم العلاقات الاجتماعية الناتج عن اهتزاز القيم لدى الأفراد والمجتمعات، وما يتطلبه هذا المجتمع من جهود تنموية تدفعه نحو التقدم ليعبر هوة التخلف المادي التي يعاني منها، والتي تتطلب تنمية القيم اللازمة لمساندة هذه الجهود لتحقيق إنسانية الإنسان وتوفير جهده وحفظه وحفظ كرامته.
ولكل هذا نقول إن خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم الإسلامية المعبرة عن حركة المجتمع الإسلامي واضحة، فهي تقوم بدور رائد وفعال في هذا المجال، ولكي تكون هذه الوسائل أكثر فعالية، فإنه من اللازم عليها:
__________
(1) انظر في هذا المجال: نور الدين عبدالجواد، الإعلام والرسالة التربوية، في: ماذا يريد التربويون من الإعلاميين، الجزء الثاني، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1404هـ - 1984م، ص 205 .
(2) انظر: محمد سيد محمد، الإعلام والتنمية، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1405هـ - 1985م، ص 279 - 289 .

(1/90)


1- أن تنبثق رسالتها من تصور إسلامي خالص، وبطريقة متكاملة مع بقية الوسائط الأخرى، حتى تتضافر الجهود في سبيل تقديم القيم الخلقية الإسلامية الخالصة.
2 - أن تخضع لتنظيم وتخطيط متكامل شامل لإيصال القيم الخلقية الإسلامية الخالصة للناس كافة بأسلوب عصري يعتمد على العقل والمنطق، وبكافة الأساليب الممكنة، ولا بد أن يأتي هذا التخطيط على أساس دراسة الواقع وفهمه فهما جيدا ومن ثم تتحدد الأهداف التي تسعى إليها وسائل الإعلام في هذا المجال.
3 - أن تستخدم الحكمة في مخاطبة الناس، فتأتيهم من جانب اهتماماتهم وآلامهم اليومية مع انتقاء الكلمة الطيبة التي تفتح أقفال العقول والقلوب، التزاما بالتوجيه القرآني الكريم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(1). {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(2).
4 - أن تتصدى للقيم والاتجاهات الهابطة التي تقدم بقصد أو عن غير قصد في المادة الإعلامية، بهدف التشكيك في القيم الإسلامية، بل في الإسلام كله، وهنا لا بد من استخدام الحجة والبرهان مع الصراحة والوضوح، وحسن البيان مع الالتزام بالأدب في القول.
5 - أن تعمل على إيجاد كوادر إعلامية مسلمة، تقدم المادة الإعلامية، وتبدع من أجل إيصال القيم الإسلامية لكل فرد في المجتمع الإسلامي وبصورة مناسبة ومشوقة، وتستطيع توجيه الناس إلى الإسلام الصحيح للإفادة به على نطاق واسع ومفيد.
__________
(1) سورة النحل: 125
(2) سورة آل عمران: 159 .

(1/91)


6 - أن تعمل على تكريس الطاقات المسلمة وتكثيفها، فكرا وثقافة وعلما واقتصادا، وأن تحشدها في سبيل تقديم ما يفيد المسلمين في دنياهم وأخراهم، مع تكييف الدعوة للقيم الإسلامية عن طريق الكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية، والمعبرة تعبيرا صادقا عن القيم الإسلامية الصحيحة.
7 - أن تعمل على توفير القدوة الحسنة إعلاميا والملتزمة بالقيم الإسلامية والصادقة مع نفسها وربها، والموجهة جهودها نحو الخير، المجانبة للكلمة النابية والعبارة الخارجة، وذلك لأن هذه الوسائل تؤثر في الإنسان وخاصة ميله للتقليد والمحاكاة والتي لها تأثير فعال في ميدان الإعلام، وميدان التربية والتعليم على السواء، لذلك يعتمد عليها رجال هذه الميادين كلها بدون استثناء. فرجال الإعلام ينظرون إلى القدوة الحسنة على أنها من وسائل الإعلام، تغني في ذاتها عن بذل الجهود الإعلامية في سبيل دعوة ينشرونها أو فكرة يدعون إليها، أو عقيدة أو سياسة جديدة ينشرونها، ونحو ذلك لذا فإن [القدوة الحسنة هي من أنجح الأساليب والوسائل للاتصال بالناس](1).8 - أن تركز باهتمام بالغ على برامج الأطفال بوجه خاص، بحيث تقدم لهم القيم الإسلامية بصورة مبسطة تعتمد على المواقف الحياتية والإسلامية وخصائصها، متفتحة على العصر بأسلوب سهل ميسر، بحيث يساعد على تكوين وتنمية ذاتيتهم الإسلامية العربية فيعتزون بالقيم الإسلامية ويعملون على المحافظة عليها بالقول والسلوك.9 - أن تركز باهتمام على برامج المرأة المسلمة، وتقدم لها كافة ما يهمها، وبصورة تتمكن معها المرأة المسلمة قارئة وغير قارئة من الاستفادة من هذه البرامج، ذلك لأن المرأة هي أخطر عامل مؤثر في تنمية القيم لدى الطفل المسلم.هذه هي أهم الوسائط التي يناط بها تنمية القيم الإسلامية، وهذه هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها تلك
__________
(1) عبداللطيف حمزة، الإعلام في صدر الإسلام، الطبعة الثانية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1978، ص 74 .

(1/92)


الوسائط لتقوم بوظيفتها، أو تبدأ بأدائها، حاولت توضيحها حتى لا تفقد قيمتها، وحتى لا تقع في تناقضات تفقدها ثقة الناس بها، وحتى لا تصبح عبئا ثقيلا على المجتمع الإسلامي، بحيث تقع في جانب الاستهلاك المرذول بدلا من أن تكون في جانب الإنتاج المطلوب، وبحيث يتكامل بعضها مع بعض وبطريقة شاملة منسقة مع أهداف المجتمع الإسلامي المتشوق بدور حضاري جديد مبني على القيم الإسلامية الصحيحة الدافعة نحو التقدم والتحضر والرقي والتنمية الصحيحة.إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، بل هو أمر جد صعب وجاد، يحتاج إلى جهد وجهاد للعبور فوق التخلف، لبناء إسلامي صحيح، والدفاع عنه بكل ما يستطاع بطريقة مدروسة ومخططة تخطيطا جيدا.إن الأمر أوسع مما يتصور، وأخطر مما نقدر، ومن حجم هذه الكلمات، إن الجهد المبذول من أجل تقدم المجتمعات العربية الإسلامية لن يكون ذا جدوى إذا لم تواكبه حركة قوية في بناء وتنمية القيم الإسلامية التي بإمكانها أن تحفظ هذا الجهد فلا يضيع وتحفظ الإنسان الذي يبذل هذا الجهد من الضياع والعدم والاغتراب والاستلاب واللامبالاة، ولذا فإن القيمة الحقيقية لتلك الوسائط وهذه الوسائل هي في الالتزام بتلك القيم والمحافظة عليها ورعايتها في أعماق الإنسان الذي تحاول أن تبنيه، وهي في هذا تستجيب استجابة حقيقية لحاجات الإنسان في هذه المجتمعات، وتنسق مع إمكانياته، وقدراته وتفجرها تفجيرا من أجل خيره وخير الإنسانية.

فهرست موسوعة النعيم

 م ... اسم الصفة ... الصفحة
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14 ... حرف الألف
الابتهال
الاتباع
الاجتماع (الاتحاد)
الاحتساب
الإحسان
الإخاء
الإخبات
الإخلاص
الأدب
الإرشاد
الاستئذان
الاستخارة
الاستعاذة
الاستعانة ... 1
11
47
60
76
106
137
142
158
193
203
219
224
254
م ... اسم الصفة ... الصفحة
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29 ... الاستغاثة
الاستغفار
الاستقامة
الإسلام
الأسوة الحسنة
الإصلاح
الاعتبار
الاعتذار
الاعتراف بالفضل
الاعتصام
الإغاثة
إفشاء السلام
إقامة الشهادة
أكل الطيبات
الألفة ... 270
282
336
356
387
405
420
430
440
455
462
477
517
534
544
م ... اسم الصفة ... الصفحة
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43 ... تابع حرف الألف
الأمانة
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر
الإنابة
الإنذار
الإنصاف
الإنفاق
الإيثار
الإيمان
حرف الباء
البر
بر الوالدين
البشارة
البشاشة
البصيرة و الفراسة
البكاء ... 557
577
596
604
634
659
693
706
822
842
859
893
904
916
م ... اسم الصفة ... الصفحة
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57 ... حرف التاء
التأمل
التأني
التبتل
التبليغ والتبيين
التبين (التثبت)
التدبر
التذكر
تذكر الموت
التذكير
التسبيح
التعارف
التعاون على البر والتقوى
تعظيم الحرمات
التفاؤل ... 928
952
961
965
993
1002
1010
1026
1069
1081
1110
1114
1138
1158
م ... اسم الصفة ... الصفحة
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70 ... تابع حرف التاء
تفريج الكربات
التفكر
التقوى
التكبير
تكريم الإنسان
تلاوة القرآن
التناصر
التهليل
التواضع
التوبة
التوحيد
التودد
التوسط
... 1163
1178
1193
1237
1254
1301
1361
1377
1388
1406
1435
146
1496
اسم الصفة ... الصفحة
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81 ... التوسل
………
التوكل
التيسير
التيمن
حرف الثاء
الثبات
الثناء
حرف الجيم
جهاد الأعداء
الجود
حرف الحاء
الحجاب

(1/1)


الحج والعمرة
الحذر ... 1513
1524
1548
1571
1588
1602
1635
1663
1673
1689
1716
م ... اسم الصفة ... الصفحة
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96 ... تابع حرف الحاء
حسن الخلق

حسن السمت
حسن الظن
حسن العشرة
حسن المعاملة
حفظ الأيمان
حفظ الفرج
حق الجار
الحكمة
الحكم بما أنزل الله
الحلم
الحمد
الحنان
الحوقلة
الحياء ... 1734
1753
1764
1779
1794
1813
1831
1844
1858
1890
1922
1941
1971
1978
1985
م ... اسم الصفة ... الصفحة
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107 ... الحيطة
حرف الخاء
الخشوع
الخشية
خفض الصوت
الخوف
حرف الدال
الدعاء
الدعوة إلى الله
حرف الذال
الذكر
حرف الراء
الرأفة
الرجاء
الرجولة ... 2009
2018
2033
2054
2064
2105
2154
2170
2228
2236
2258
م ... اسم الصفة ... الصفحة
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120 ... تابع حرف الراء
الرحمة
الرضا
الرغبة والترغيب
الرفق
الرهبة والترهيب
حرف الزاي
الزكاة
الزهد
حرف السين
الستر
السخاء
السرور
السكينة
السِّلم
السماحة ... 2280
2325
2349
2384
2398
2425
2449
2470
2490
2499
2507
2513
2528
م ... اسم الصفة ... الصفحة
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134 ... السماع
حرف الشين
الشجاعة
الشرف
الشفاعة
الشفقة
الشكر
الشهامة
الشورى
حرف الصاد
الصبر والمصابرة
الصدق
الصدقة
الصفح
الصلاة
الصلاح ... 2544
2568
2592
2615
2637
2645
2675
2682
2699
2738
2785
2798
2806
2861
م ... اسم الصفة ... الصفحة
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146 ... تابع حرف الصاد
صلة الرحم
الصمت وحفظ اللسان
الصوم
حرف الضاد
الضراعة والتضرع
حرف الطاء
الطاعة
طلاقة الوجه
الطمأنينة
الطموح
الطهارة
حرف العين
العبادة
العدل والمساواة
العزة ... 2894
2916
2932
2953
2962
2994
2998
3010
3017
3042
3094
3128
م ... اسم الصفة ... الصفحة
147
148
149
150
151
152

(1/2)


153
154
155
156
157
158
159 ... العزم والعزيمة
العطف
العفة
العفو والغفران
العلم
علو الهمة
العمل
عيادة المريض
حرف الغين
غض البصر
الغيرة
حرف الفاء
الفرار إلى الله
الفرح
الفضل ... 3160
3177
3185
3204
3228
3309
3338
3384
3403
3411
3421
3429
3446
م ... اسم الصفة ... الصفحة
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180 ... تابع حرف الفاء
الفطنة
الفقه

حرف القاف
القسط
القصاص
القناعة
القنوت
القوة والشدة
قوة الإرادة
كتمان السر
الكرم
كظم الغيظ
كفالة اليتيم
الكلم الطيب
حرف اللام
اللين
حرف الميم
مجاهدة النفس
محاسبة النفس
المحبة
المداراة
المراقبة
المروءة
المسارعة في الخيرات ... 3468
3481
3499
3508
3515
3526
3538
3549
3560
3572
3597
3607
3627
3662
3671
3688
3697
3734
3745
3752
3770
م ... اسم الصفة ... الصفحة
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200 ... المسئولية
المعاتبة والمصارحة
معرفة الله ـ عز وجل
المواساة
حرف النون
النبل
النزاهة
النشاط
النصيحة والتواصي
النظام
النظر والتبصر
حرف الهاء
الهجرة
الهدى
حرف الواو
الورع
الوعظ
الوفاء
الوقار
الوقاية
الولاء والبراء
حرف الياء
اليقظة
اليقين ... 3784
3805
3822
3848
3862
3867
3879
3884
3906
3913
3944
3969
4024
4037
4049
4084
4091
4101
4135
4141
م ... اسم الصفة ... الصفحة
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16 ... حرف الألف
الابتداع
اتباع الهوى
الأثرة
الإجرام
الإحباط
الاحتكار
الأذى
الإرهاب
الإساءة
الاستهزاء
الإسراف
الإصرار على الذنب والعناد
إطلاق البصر
الإعراض
الاعوجاج
الافتراء ... 4157
4182
4204
4213
4227
4239
4243
4261
4271
4308
4320
4333
4343
4352
4367
4376
م ... اسم الصفة ... الصفحة
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32 ... إفشاء السر
الإفك
أكل الحرام
الإلحاد

(1/3)


الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف
الإمعة
الأمن من المكر
الانتقام
انتهاك الحرمات
الإهمال
حرف الباء
البخل
البذاءة
البذاذة
البطر
البغض
البغي ... 4388
4401
4413
4425
4432
4441
4446
4453
4465
4475
4479
4498
4512
4524
4529
4541
م ... اسم الصفة ... الصفحة
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48 ... البلادة عدم الفقه
البهتان
حرف التاء
التبذير
التبرج
التجسس
التحقير والاشمئزاز
التخاذل
التخلف عن الجهاد
ترك الصلاة
التسول
التشامل
التطفيف
التطير
التعاون على الإثم والعدوان
التعسير
التفرق ... 4555
4566
4573
4582
4592
4596
4603
4609
4624
4634
4640
4650
4657
4667
4677
4688
م ... اسم الصفة ... الصفحة
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63 ... التفريط والإفراط
التكاثر
التكلف
التناجش
التنازع
التنصل من المسئولية والتهرب منها
التنفير
التهاون
التولي
حرف الجيم
الجبن
الجحود
الجدال والمراء
الجزع
الجفاء
الجهل ... 4700
4708
4723
4732
4740
4758
4776
4782
4789
4802
4808
4822
4835
4846
4856
م ... اسم الصفة ... الصفحة
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79 ... حرف الحاء
الحرب والمحاربة
الحزن
الحسد
الحقد
الحكم بغير ما أنزل الله
الحمق
حرف الخاء
الخبث
الخداع
الخنوثة والتخنث
الخيانة
حرف الدال
الدياثة
حرف الذال
الذل
حرف الراء
الربا
الردة
الرشوة
الرياء ... 4883
4902
4913
4927
4939
4947
4957
4970
4977
4982
4998
5001
5016
5035
5046
5056
م ... اسم الصفة ... الصفحة
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96 ... حرف الزاي
الزنا
الزندقة
حرف السين
السحر
السخرية
السخط
السرقة
السفاهة
سوء الخلق
سوء الظن
سوء المعاملة
حرف الشين
الشح
شرب الخمر
الشرك
الشك
الشماتة
شهادة الزور
حرف الصاد
صغر الهمة ... 5075
5094
5099
5113
5127
5138
5147
5156
5167
5190
5204
5214
5230
5274
5293
5298
5306

(1/4)


م ... اسم الصفة ... الصفحة
97
98
99
100
101
102
103 ... حرف الضاد
الضعف
الضلال
حرف الطاء
الطغيان
الطمع
طول الأمل
الطيش
حرف الظاء
الظلم ... 5312
5320
5362
5375
5388
5400
5403
م ... اسم الصفة ... الصفحة
104
105
106
107
108
109
110 ... حرف العين
العبوس
العتو
العجلة
العدوان
العصيان
عقوق الوالدين
العنف والإكراه ... 5463
5468
5479
5494
5511
5555
5563
م ... اسم الصفة ... الصفحة
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126 ... حرف الغين
الغدر
الغرور
الغش
الغضب
الغفلة
الغل
الغلو
الغلول
الغي والإغواء
الغيبة
حرف الفاء
الفتنة
الفجور
الفحش
الفساد
الفسوق
الفضح ... 5571
5594
5618
5625
5651
5663
5668
5684
5700
5723
5741
5785
5798
5804
5831
5841
م ... اسم الصفة ... الصفحة
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140 ... حرف القاف
القتل
القدوة السيئة
القذف
القسوة
قطيعة الرحم
القلق
القنوط
حرف الكاف
الكبر والعجب
الكذب
الكرب
الكسل
الكفر
الكنز
حرف اللام
اللغو ... 5856
5873
5884
5897
5905
5915
5923
5931
5962
6017
6024
6030
6100
6112
م ... اسم الصفة ... الصفحة
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151 ... اللهو واللعب
اللؤم
حرف الميم
المجاهرة بالمعصية
المكر والكيد
المن
موالاة الكفار
الميسر
حرف النون
النجاسة
النجوى
النفاق
نقض العهد ... 6119
6132
6139
6148
6158
6166
6180
6186
6196
6203
6234
م ... اسم الصفة ... الصفحة
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161 ... النقمة
نكران الجميل
النميمة
حرف الهاء
الهجاء
الهجر
هجر القرآن
حرف الواو
الوسوسة
الوهم
الوهن
حرف الياء
اليأس ... 6250
6259
6273
6281
6291
6302
6313
6323
6327
6337
م ... اسم الصفة ... الصفحة
928
952
961
965
993
1002
1010
1026
1069
1081
1110
1114
1138
1158 .

كتاب إفشاء السر
الإِفْشَاءُ لُغَةً:
مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: أَفْشَيْتُ كَذَا أُفْشِيهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ف ش و) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الظُهُورِ، يَقُولُ ابْنُ فَارِسٍ: الفَاءُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ المُعْتَلُّ كَلِمَةٌ(1) وَاحِدَةٌ وَهِيَ (تَعْنِي) ظُهُورَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: فَشَا الشَّيْءُ: ظَهَرَ(2)، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: فَشَا الشَّيْءُ يَفْشُو فُشُوًّا أَيْ ذَاعَ، وَأَفْشَاهُ غَيْرُهُ (أَذَاعَهُ وَنَشَرَهُ)، وَتَفَشَّى الشَّيْءُ، اتَّسَعَ(3)، وَقَالَ الفَيْرُوزَابَادِيُّ: يُقَالُ: فَشَا خَبَرُهُ وَعُرْفُهُ وَفَضْلُهُ فَشْوًا وَفُشُوًّا وَفُشِيًّا أَيِ انْتَشَرَ، وَتَفَشَّاهُمُ المَرَضُ، وَتَفَشَّى بِهِمْ: كَثُرَ فِيهِمْ، وَفَشَتِ القَرْحَةُ: اتَّسَعَتْ(4)، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الفَيْرُوزَآبَادِيُّ يَتَّضِحُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَنْظُورٍ: أَنَّ الفُشُوَّ بِمَعْنَى الظُّهُورِ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ مِنْهُ [إِفْشَاءُ السِّرِّ](5).
إفشاء السِّرِّ اصطلاحًا:
وَقَالَ السَّفَّارِينيُّ: إِفْشَاءُ السِّرِّ نَشْرُهُ وَإِذَاعَتُهُ (بَيْنَ النَّاسِ)، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ فِي النَّفْسِ كَالسَّرِيرَةِ(6)، وَقَالَ الكَفَوِيُّ: إِفْشَاءُ السِّرِّ يَكُونُ بِالكِتَابَةِ والإِشَارَةِ والكَلاَمِ(7).
حُكْمُ إِفْشَاءُ السِّرِّ:
__________
(1) تعني عبارة ابن فارس انه لا يستعمل من هذه المادة سوى فشى وما اشتق منها، ولهذا معنى واحد هو الظهور.
(2) مقاييس اللغة (4‍/4‍‍‍).
(3) الصحاح (6‍/5‍‍‍‍).
(4) القاموس المحيط (فشا) (3‍‍‍‍) (ط.بيروت).
(5) انظر لسان العرب (فشا) (8‍‍‍‍) (ط. دار المعارف).
(6) بتصرف عن غذاء الالباب، شرح منظومة الآداب (1‍/5‍‍‍).
(7) الكليات للكفوي (4‍‍).

(1/1)


قَالَ السَّفَّارِينِيُّ: يَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إِفْشَاءُ السِّرِّ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ يَحْرُمُ حَيْثُ أُمِرَ بِكَتْمِهِ، أَوْ دَلَّتُهُ قَرِينَةٌ عَلَى (ضَرُورَةِ) كِتْمَانِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّا يُكْتَمُ عَادَةً، وَقِيلَ: الَّذِي يَحْرُمُ هُوَ إِفْشَاءُ السِّرِّ المُضِرِّ (كَمَا فِي الرِّعَايَةِ)(1).
حُكْمُ إفْشَاءِ السِّرِّ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ :
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الإِفْشَاءَ بَعْدَ المَوْتِ يَنْقَسِمُ إِلَى:
1‍مَا يَحْرُمُ إِذَا كَانَ فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ.
2‍ما يُكْرَهُ مُطْلَقًا.
3‍مَا يُبَاحُ
4‍مَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ - وَإِنْ كَرِهَهُ صَاحِبُ السِّرِّ كَأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَزْكِيةٌ أَوْ مَنْقَبَةٌ أَوْ نَحَوُ ذَلِكَ(2).
هَلْ يَجُوزُ إِفْشَاءُ السِّرِّ لِلْمَصْلَحَةِ ؟:
__________
(1) غذاء الألباب (1‍/6‍‍‍).
(2) السابق، الصفحة نفسها، ولم يذكر ابن حجر متى يباح ومتى يكره، ويبدو أن ذلك يتوقف على مدى النفع أو الضرر الذي يترتب على الإفشاء.

(1/2)


قَالَ العِزُّ بْنُ عَبْدِالسَّلاَمِ: السَّتْرُ عَلَى النَّاسِ شِيمَةُ الأَوْلِيَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلاَمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ الإِفْشَاءُ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ، واسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ القُرآنُ الكَرِيمُ مِنْ إِفْشَاءِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَم بِسِرِّ الَّتِي رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسِرِّ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، قَالَ العِزُّ: وَإِنَّمَا قَالَ يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلاَمُ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ - أَوْ مَا يُمْكِنُ أَن يَتَعَرَّضَ لَهُ - مِنَ قَتْلٍ أَوْ عُقُوبَةٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، لِيَدْفَعَ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ المَلِكَ لَوِ اتَّهَمَهُ لَمْ يُوَلِّهْ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى إِحْسَانِ الوِلاَيَةِ(1).
الدافع إلى إفشاء السر ودَلاَلَتُهُ:
إِذَاعَةُ السِّرِّ مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَلاَ يُوصَفُ بِهِ إِلاَّ ضَعَفَةُ الرِّجَالِ والصِّبْيَانِ والنِسَاءِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ:
إِذَا المَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ……وَلاَمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ المَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ…فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
الثَّانِيَةُ: الغَفْلَةُ عَنْ تَحَذُّرِ العُقَلاَءِ، والسَّهْوُ عَنْ يَقَظَةِ الأَذْكِياءِ، وَقَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: انْفَرِدْ بِسِرِّكَ وَلاَ تُودِعْهُ حَازِمًا فَيَزِلُّ وَلاَ جَاهِلاً فَيَخُونُ.
__________
(1) شجرة المعارف والأحوال للمعز بن عبدالسلام (9‍‍‍0‍‍‍) (بتصرف).

(1/3)


الثَّالِثَةُ: مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الغَرَرِ، واسْتَعْمَلَهُ مِنَ الخَطَرِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: سِرُّكَ مِنْ دَمِكَ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ فَقَدْ أَرَقْتَهُ(1).
الآيات الواردة في النهي عن "إفشاء السر" معنًى
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا(105)وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(106)وَلاَ تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا(107)}(2)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(27)}(3)
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)}(4)
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ(3)إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)}(5)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "إفشاء السر"
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (5‍‍‍6‍‍‍).
(2) النساء : 105 – 107 مدنية
(3) الأنفال : 27 مدنية
(4) الحج : 38 مدنية
(5) التحريم : 3 – 4 مدنية

(1/4)


1‍- * ( عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ J وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ثُمَّ دَعَانِي فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ لَهُ، فَجِئْتُ وَقَدْ أَبْطأْتُ عَنْ أُمِّي، فَقَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ J إِلَى حَاجَةٍ فَقَالَتْ أَيْ بُنَيَّ وَمَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: لاَ تُحَدِّثْ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ J أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ: ياثَابِتُ لَوْ كُنْتُ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ ياثَابِتُ)*(1).
2‍- * ( عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ (يَقُولُ): أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ
J سِرًّا فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ(2)، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ)*(3).
__________
(1) أحمد - المسند 3‍(3‍‍‍)، وأصل الحديث في الصحيحين. انظر الفتح (1‍‍/85) ومسلم (2310).…
(2) قال ابن حجر: قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي
J، وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه - فتح الباري 1‍‍(5‍‍).
(3) البخاري - الفتح 1‍‍(9‍‍‍‍).

(1/5)


3 - * ( عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ J فِي غَزَاةٍ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ(1)، قَالَ: فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا(2)، فَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ(3)، لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ قَالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا(4) مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ بِهِ)*(5).
4 - * ( عَنْ يَحْيَى بْنِ الجَزَّارِ قَالَ: دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
J عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالُوا: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ حَدِّثِينَا عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللهِ J، قَالَتْ: كَانَ سِرُّهُ وَعَلانِيتُهُ سَوَاءٌ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَقُلْتُ: أَفْشَيْتُ سِرَّ رَسُولِ اللهِ J قَالَتْ فَلَمَّا دَخَلَ أَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: [أَحْسَنْتِ])*(6).
__________
(1) نعتقبه أي نتعاقب عليه في الركوب بحيث يركب كل واحد نوبة ثم ينزل فيركب الآخر وهكذا.
(2) نقبت أي تقرحت من الحفاء وكثرة المشي.
(3) ما ذكر هنا الصحيح في سبب التسمية، وهناك آراء أخرى منها: أنها سميت بذلك باسم جبل هناك، وقيل باسم شجرة، وقيل لأنه كانت ألويتهم رقاع، ويحتمل انها سميت بمجموع ذلك، انظر هامش 3‍في صحيح مسلم (9‍‍‍‍).
(4) في رواية البخاري شيء بالرفع على انه فاعل تكون التامة.
(5) البخاري - الفتح 7‍(8‍‍‍‍)، ومسلم (6‍‍‍‍)، واللفظ له.
(6) أحمد - المسند 6‍/9‍‍‍)، وقال الهيثمي في المجمع (8‍/284): رواه أحمد والطبراني وقال عن يحيى عن أم سلمة ورجالهما رجال الصحيح.

(1/6)


5 - * ( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا، وَفِي رِوَايةٍ: مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ])*(1).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "إفشاء السر" معنًى
6 - * ( عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ
J، قَالَ:[إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ])(2).
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذَمِّ "إفشاء السر"
1‍- * ( يُروَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَسَرَّ إِلَى الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ حَدِيثَهُ فَقَالَ عُتْبَةُ لأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنَّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَسَرَّ إِليَّ حَدِيثًا، وَمَا أَرَاهُ يَطْوِي عَنْكَ مَا بَسَطَهُ إِلَى غَيْرِكَ، قَالَ: فَلاَ تُحَدِّثْنِي بِهِ، فَإِنَّ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الخِيَارُ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الخِيَارُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يا أَبَتِ، وَإِنَّ هَذَا لَيَدْخُلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَابْنِهِ؟ فَقَالَ: لاَ واللهِ يَا بُنَيَّ وَلَكِنْ أُحِبُّ أَلاَّ تُذَلِّلَ لِسَانَكَ بِأَحَادِيثِ السِّرِّ، قَالَ: فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا وَلِيدٌ أَعْتَقَكَ أَبُوكَ مِنَ رِقِّ الخَطَإِ فَإِفْشَاءُ السِّرِّ خِيَانَةٌ])*(3).
__________
(1) مسلم (7‍‍‍‍) واللفظ له، وأبو داود 4‍(0‍‍‍‍).
(2) أبو داود (8‍‍‍‍) واللفظ له، والترمذي (9‍‍‍‍) وقال: حديث حسن، وأحمد في المسند (3‍/4‍‍‍). والبيهقي في السنن الكبرى (0‍‍/7‍‍‍)، ومجمع الزوائد (8‍/8‍‍) والصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا (9‍‍‍) حديث رقم (4‍‍‍)، وقال محققه: حديث حسن، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (6‍‍‍) وحسنه.
(3) إحياء علوم الدين 3‍/2‍‍‍.

(1/7)


2‍- * ( قَالَ الحَسَنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ مِنَ الخِيَانَةَ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ)*(1).
3‍- عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهَ عَنْهُ - قَالَ: عَجِبْتُ مِنَ الرَّجُلِ يَفِرُّ مِنَ القَدَرِ وَهُوَ مُوَاقِعُهُ، وَيَرَى القَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَدَعُ الجِذْعَ(2) فِي عَيْنَيْهِ، وَيُخْرِجُ الضِّغْنَ(3) مِنْ نَفْسِ أَخِيهِ، وَيدَعُ الضِّغَنَ فِي نَفْسِهِ، وَمَا وَضَعْتُ سِرِّي عِنْدَ أَحَدٍ فَلُمْتُهُ عَلَى إِفْشَائِهِ، وَكَيْفَ أَلُومُهُ وَقَدْ ضِقْتُ بِهِ ذَرْعًا])*(4).
4‍- قَالَ العَبَّاسُ لابْنِهِ عَبْدُاللهِ: إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ -يَعْنِي عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِين - يُقَدِّمُكَ عَلَى الأَشْيَاخِ فَاحْفَظْ عَنِّي خَمْسًا: لاَتُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلاَتَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلاَ تُجْرِيَنَّ عَلَيْهِ كَذِبًا، وَلاَ تَعْصِيَنَّ لَهُ أَمْرًا، وَلاَ يَطَّلِعَنَّ مِنْكَ عَلَى خِيَانَةٍ، قَالَ الشَّعْبِيُّ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الخَمْسِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ)*(5).
5 - * ( قَالَ الثَوْرِيُّ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُؤَاخِيَ رَجُلاً فَأَغْضِبْهُ، ثُمَّ دُسَّ عَلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْكَ وَعَنْ أَسْرَارِكَ، فَإِنْ قَالَ خَيْرًا وَكَتَمَ سِرَّكَ فَاصْحَبْهُ)*(6).
__________
(1) السابق، الصفحة نفسها.
(2) يدع الجذع في عينه، الجذع ساق النخلة والمراد أنه يرى عيبه صغيرًا أو عيب غيره كبيرًا.
(3) الضغن بكسر الضاد، الحقد كالضغينة.
(4) فضل الله الصمد 2‍(4‍‍‍) (باب إفشاء السر) (6‍‍‍).
(5) إحياء علوم الدين للغزالي 2‍/5‍‍‍.
(6) السابق، الصفحة نفسها، وعلاقة هذا بالإفشاء أن من ذكر الشر وأفشى السر ينبغي ألا يصاحب أو يتخذ صديقًا.

(1/8)


6 - * ( قَالَ أَبُو المُعْتَمِرِ البَصْرِيِّ: تَعَلَّمْتُ الصَّمْتَ فِي عَشْرِ سِنِينَ، وَمَا قُلْتُ شَيْئًا قَطُّ إِذَا غَضِبْتُ، أَنْدَمُ عَلَيْهِ وَإِذَا زَالَ غَضَبِي)*(1).
7 - * ( وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لاَ تَسْتَقِيمُ أَمَانَةُ رَجُلٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ لِسَانُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ)*(2).
8 - * ( قَالَ السَّفَارِينِيُّ: قَالَ الحُكَمَاءُ: ثَلاَثَةٌ لاَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهَا، شُرْبُ السُّمِّ لِلتَّجْرِبَةِ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ إِلَى القَرَابَةِ والحَاسِدِ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، وَرُكُوبُ البَحْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غِنًى)*(3).
9 - * ( وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِذَا ضَاقَ صَدْرُكَ عَنْ حَدِيثٍ……فَأَفْشَتْهُ الرِّجَالُ فَمَنْ تَلُومُ؟
إِذَا عَاتَبْتُ مَنْ أَفْشَى حَدِيثِي……وَسِرِّي عِنْدَهُ فأَنَا الظَّلُومُ
فَإِنِّي حِينَ أَسْأَمُ حَمْلَ سِرِّي……وَقَدْ ضَمَّنْتُهُ صَدْرِي مَشُومُ
وَلَسْتُ مُحَدِّثًا سِرِّي خَلِيلِي…… وَلاَ عُرْسِي إِذَا خَطَرَتْ هُمُومُ
وَأَطْوي السِّرَّ دُونَ النَّاسِ إِنّي…… لِمَا اسْتُودِعْتُ مِنْ سِرٍّ كَتُومُ)*(4).
من مضار "إفشاء السر"
(1‍) إِفْشَاءُ السِّرِّ دَلِيلُ الغَفْلَةِ عَنْ تَفَطُّنِ العُقَلاَءِ والسَّهْوِ عَنْ يَقَظَةِ الأَذْكِيَاءِ (كَمَا قَالَ المَاوَرْدِيُّ).
(2‍) إِفْشَاءُ السِّرِّ خِيَانَةٌ لِلأَمَانَةِ وَنَقْضٌ لِلْعَهْدِ.
(4‍) إِفْشَاءُ السِّرِّ دَلِيلٌ عَلَى لُؤْمِ الطَّبْعِ وَفَسادِ المُرُوءَةِ.
(5‍) إِفْشَاءُ السِّرِّ دَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ الصَّبْرِ وضِيقِ الصَّدْرِ.
__________
(1) نزهة الفضلاء 1‍/7‍‍‍.
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح 1‍/0‍‍‍.
(3) غذاء الألباب 1‍/7‍‍‍.
(4) غذاء الألباب 1‍/7‍‍‍.

(1/9)


(6) إِفْشَاءُ الأَسْرَارِ إِخْلاَلٌ بِالمُرُوءَةِ وَإِفْسَادٌ لِلصَّدَاقَةِ، وَمَدْعاةٌ للتَّنَافُرِ.
(7) إِفْشَاءُ الرَّجُلِ سِرَّ امْرأَتِهِ، وَإِفْشَاءُ المَرْأَةِ سِرَّ زَوْجِهَا يَجْعَلُ كُلاً مِنْهُمَا بِمَثَابَةِ الشَّيْطَانِ وَيُخِلُّ بِفَضِيلَةِ الحَيَاءِ.
(8) إِفْشَاءُ السِّرِّ يُفْقِدُ الثِّقَةَ بَيْنَ مَنْ أَفْشَيْتَ لَهُ بِالسِّرِّ وَالمُفْشِي، لأَِنَّ المُفْضَى إِلَيْهِ بِالسِّرِّ سَيَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَفْشَى لَهُ سَيُفْشِي عَلَيْهِ لأَنَّ مَنْ نَمَّ لَكَ نَمَّ عَلَيْكَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الحَالَتَيْنِ.
(9) فِي إِذَاعَةِ السِّرِّ مَا يَجْلِبُ العَارَ وَالفَضِيحَةَ لِلْمُفْشِي عِنْدَمَا يَعْرِفُ بِذَلِكَ مَنِ اسْتَوْدَعَهُ هَذَا السِّرَّ.
(10) إِفْشَاءُ السِّرِّ - خَاصَّةً مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ - يُعَرِّضُ صَاحِبَهُ لِعَذَابِ اللهِ (انظر الحديث رقم3‍).
(11) مُفْشِي السِّرَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ (انظر الحديث رقم0‍‍).

==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...