Translate سكا.....

السبت، 30 أبريل 2022

مجلد 10 ومجلد 11--تهذيب اللغة محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)

 

10-- تهذيب اللغة لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)  

  (أَبْوَاب) التَّاء وَاللَّام)
(ت ل ن)
تلن، نتل، تنبل، تنتل: (مستعملة) .
(تنبل) : رُوِيَ عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: رجل تِنْبَلٌ وتنْتَل، وتِنْبَالة وتِنْتَالة، وَهُوَ القصيرُ، رَوَى هَذَا أَبُو تُرَاب فِي بَاب الْبَاء وَالتَّاء من الاعتقاب.
تلن: أَبُو عبيد: لنا فِيهِ تَلُونَةٌ، أَي حاجةٌ.
شمر قَالَ الفرّاء: لَهُم فِيهِ تُلُنَّةٌ وتَلُتَّةٌ وتَلُونَةٌ على فَعُولَة، أَي مُكْثٌ.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
فَإِنَّكُم لَسْتُم بِدَار تُلُنَّة
وَلَكِنَّما أَنْتُم بِهِنْد الأحَامِسِ
ابْن بُزُرْجَ: قَالَ أَبُو حَيَّان: التَّلانَةُ: الحاجةُ وَهِي التَّلُونةُ والتَّلُون، وَأنْشد:
فَقُلتُ لَهَا لَا تَجْزَعِي إنَّ حَاجَتي
بِجِزْغ الغَضَى قد كَانَ يُقْضَى تَلُونُها
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الرغيبة: هِيَ التُّلُنَّةُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: تَلانَ فِي معنى الآنَ وَأنْشد:
وصليه كَمَا زَعَمْتِ تَلانَا
وَنَحْوه قَالَ الْأمَوِي.
نتل (تنتل) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: تَنَاتَل النَّبْتُ إِذا صَار بعضه أطولَ من بعض.
شمر: اسْتَنْتَلَ القومُ على المَاء إِذا تَقَدَّموا، قَالَ: والنَّتْلُ هُوَ التَّهَيُّؤُ فِي الْقدوم.
وَرُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق: أَنه سُقِيَ لَبَنًا ارتاب بِهِ أَنه لم يَحِلَّ لَهُ شُرْبُه فاستَنْتَل يَتَقَيَّأُ أَي تَقَدَّم.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: استَنْتلت لِلْأَمْرِ استنتالاً وابْرنْتَيْتُ ابرِنْتاء وابرنذعت ابرنذاعاً كل هَذَا إِذا استعددت لَهُ.
عَمْرو عَن أَبِيه: النَّتْلة البَيْضَة وَهِي الدَّوْمَصَةُ، وأمّ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب هِيَ نُتَيْلةُ ابنةُ خَبَّاب بنِ كلَيب بن مَالك ابْن عَمْرو بن عَامر بن زيد مَنَاة بن عَامر، وَهُوَ الضَّحْيانُ بن النَّمِر بن قاسِطِ بن رَبيعة.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى:
لَا يَتَمَنَّى لَهَا فِي القَيْظ يَهْبِطُها
إِلَّا الَّذين لَهُم فِيمَا أَتَوْا نَتَلُ

(14/201)


قَالَ: زَعَمُوا أَن الْعَرَب كَانُوا يملأون بَيْضَ النَّعام مَاء فِي الشتَاء، ويَدْفِنونها فِي الفَلَوات الْبَعِيدَة من المَاء، فَإِذا سلكوها فِي القيظ اسْتَثارُوا البيضَ، وَشَرِبُوا مَا فِيهَا من المَاء فَذَلِك النَّتَلُ.
قلت: أصل النَّتْلِ التَّقَدُّم والتَّهيؤ للقدوم، فَلَمَّا تَقَدَّموا فِي أَمر المَاء بِأَن جَعَلُوهُ فِي البَيْضِ ودَفَنوه سمّوْا البيضَ نَتَلاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّتْلُ التَّقدم فِي الْخَيْر وَالشَّر وانْتَتَل إِذا سَبق.
وَفِي الحَدِيث: أَنه رأى الْحُسَيْن يلْعَب وَمَعَهُ صبية فِي السِّكَّة، فاستنتل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَام الْقَوْم، أَي تقدم، قَالَ أَبُو بكر: وَبِه سُمِّي الرجلُ ناتلاً.
ت ل ف
تلف، تفل، لفت، فَلت، فتل: مستعملة.
تلف: قَالَ اللَّيْث: التَّلَفُ عَطَبٌ وهَلاك فِي كل شَيْء والفِعل تَلِفَ يَتْلَفُ تَلَفاً.
وَالْعرب تَقول: إِن من القَرَفِ التَّلَفُ والقَرَفُ مَدَاناةُ الوَباء، المَتْلَفَةُ مَهْوَاةٌ مُشْرِفة على تَلَفٍ، والمتَالِفُ المَهالِك، وأتلَفَ فلَان مالَه إتْلافاً إِذا أَفْنَاه إسرافاً.
وَقَالَ الفرزدق:
وقومٍ كرامٍ قد نقلنا إليهمُ
قِراهم فأَتْلَفْنا المنايا وأَتْلَفُوا
أتلفنا المنايا وَجَدْناها ذاتَ تَلَفٍ أَي ذَات إِتْلَاف ووجدوها كَذَلِك.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْله: أتلفنا المنايا وأتلفوا أَي صَيَّرنا المنايا تلفاً لَهُم وصيروها لنا تلفاً قَالَ: وَيُقَال: مَعْنَاهُ صادفناها تُتْلِفُنا وصادفوها تُتْلِفُهُمْ.
تفل: رُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لِتَخْرُجِ النساءُ إِلَى المساجدِ تَفِلاَتٍ) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: التَّفِلَةُ الَّتِي لَيست بِمُتَطَيِّبَةٍ، وَهِي المُنْتِنَةُ الرِّيح.
يُقَال لَهَا: تَفِلَةٌ ومِتفالٌ، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
إِذا مَا الضَّجِيعُ ابْتَزَّها مِن ثِيَابها
تميل عَلَيْهِ هَوْنةً غَيرَ مِتْفَالِ
قَالَ: والتَّفْل بالفَمِ لَا يكون إِلَّا وَمَعَهُ شَيْء مِن الرِّيق، فَإِذا كَانَ نفخاً بِلَا ريق فَهُوَ النَّفْثُ.
قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ اليزيدي يُقَال للثعلب: تَتْفُلُ وتُتْفِلِ وتِتْفِلُ، قلت: وَسمعتُ غيرَ وَاحِد من الْأَعْرَاب يَقُولُونَ: تُفَّل على فُعَّل للثعلب، وَأَنشدوني بَيت امرىء الْقَيْس:
وَإِرْخاءُ سِرْحَانٍ وَتَقْرِيبُ تُفَّلٍ
وقَال ابْن شُمَيْل يُقَال: مَا أصَاب فلَان من فلَان إِلَّا تِفْلاً طفيفاً أَي قَلِيلا.
وَفِي بعض الحَدِيث: قُم من الشَّمْس فَإِنَّهَا تُتْفِلُ الريحَ أَي تُنْتِنُها.

(14/202)


وَقَالَ أَبُو النجر:
حَتَّى إِذا مَا ابيض جرو التُّتْفُلِ
قيل: التُّتْفُل شجيرة يسميها أهل الْحجاز شط الذِّئْب لَهَا جِراء مثل جراء القِتَّاء وَهي آخر مَا يَيْبَس من الْعُشب، فَإِذا جاءَ الصيفُ ابيضَّ.
لفت: قَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا} (يُونُس: 78) ، قَالَ: اللَّفْتُ الصَّرفُ.
يُقَال: مَا لَفَتَكَ عَن فلَان أَي مَا صَرَفَك عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّفْتُ لَيُّ الشيءِ عَن جِهَته كَمَا تَقْبِض على عُنق إِنْسَان فَتَلْفِتَه، وَأنْشد:
ولَفْتنَ لَفْتاتٍ لَهُن خَضَادُ
ولَفَتُّ فلَانا عَن رأْيه أَي صَرَفْته عَنهُ، وَمِنْه الِالْتِفَات وَيُقَال: لِفْتُ فلانٍ مَعَ فلَان، كَقَوْلِك صَغْوهُ مَعه، ولِفْتاهُ شِقَّاه، وَفِي حَدِيث حُذَيفَةَ: مِن أَقرأ النَّاس لِلْقُرْآنِ مُنَافِق لَا يَدَعُ مِنْهُ واواً وَلَا ألفا، يَلْفتُه بِلِسانه كَمَا تَلْفِتُ البَقَرةُ الخَلاَ بلسانها، اللَّفْت اللَّيُّ، يُقَال: لَفَتَ الشيءَ وفَتَله إِذا لَواه وَهَذَا مَقْلُوب، والسَّلْجَم يُقَال لَهُ اللِّفْتُ، وَلَا أَدْرِي أَعَرَبِيٌ هُوَ أم لَا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الألْفَتُ فِي كَلَام قيس الأحمق، والألْفَتُ فِي كَلَام تَمِيم الأعْسَرُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ الألْفَتُ والألْفَكُ للأعسر، سُمِّي أَلْفَتَ لِأَنَّهُ يَعْمَل بجانبه الأمْيَل.
وَفِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا، يَقُول كَانَ لَا يَلْوي عُنقه يمنةً وَلَا يسرةً نَاظرا إِلَى الشَّيْء وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك الخفيفُ الطائش، وَلَكِن كَانَ يُقْبِل جَمِيعًا ويُدبِرُ جَمِيعًا.
اللَّيْث: الألْفَتُ من التُّيُوس الَّذِي اعوجَّ قرناه والْتَويا، قَالَ: واللَّفوت العَسِر الْخلق.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: اللَّفُوتُ من النِّسَاء الَّتِي لَهَا زوج وَلها ولد مِن غَيره، فَهِيَ تَلَفَّتُ إِلَى وَلَدهَا.
وَفِي حَدِيث عمرَ حينَ وَصَفَ نفْسَه بالسياسة فَقَالَ: إِنِّي لأُرتعُ وأُشبِع وأَنْهَزُ اللَّفُوت وأَضُمُّ العَنودَ وألحِقَ العَطوفَ وأَرْجُزُ العَروضَ.
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو جميل الْكلابِي:
اللّفُوتُ الناقةُ الضَّجور عِنْد الحَلْب تَلْتَفت إِلَى الحالب فَتَعَضُّه فَيَنْهزُهَا بِيَدِهِ فَتَدُرّ، تفْتَدِي بِاللَّبنِ من النَّهزِ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثعلبٍ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِهِ: إياك الرَّقوبَ الغَضُوبَ اللَّفتوتَ.
قَالَ: واللَّفوتُ الَّتِي عَيْنُها لَا تَثبتُ فِي موضعٍ وَاحِد، وَإِنَّمَا هَمُّها أَن تَغْفُلَ عَنْهَا

(14/203)


فتغْمِزَ غيرَك، والرَّقُوبُ الَّتِي تراقبه أَن يَمُوت فَترثَه.
ابْن السكِّيت: اللَّفِيتةُ: العَصِيدةُ المُغَلَّظَة.
وَفِي حَدِيث عمر: أَنه ذكرَ أمَّه فِي الْجَاهِلِيَّة واتخاذَها لَهُ ولأُختٍ لَهُ لَفِيتَةً من الهَبيد.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اللَّفيتَةُ: ضَربٌ من الطبيخ لَا أَقِفُ على حَدِّه وَقَالَ: أرَاهُ الحَسَاءَ وَنَحْوه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: اللَّفيتةُ هِيَ العَصيدةُ المغلَّظة.
قَالَ وَيُقَال: لَا تَلْتَفِتْ لِفتْ فلَان.
فَلت: قلت: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُها فماتتْ وَلم تُوصِ أَفَأَتصدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: نعم.
قَالَ أَبُو عبيد قَوْله: افتُلِتَتْ نَفْسُها يَعْني ماتَتْ فَجْأَة لم تمْرضْ فتُوصِيَ، وَلكنهَا أُخِذَتْ فَلْتَةً، وكل أَمْرٍ فُعل على غير تَمَكُّثٍ وتَلَبُّثٍ فقد افْتُلِتَ، وَالِاسْم الفلْتةُ.
وَمِنْه قَول عمر فِي بَيْعَة أَبي بكر أَنَّهَا كَانَت فلتَةً، فَوَقَى الله شَرَّها، إِنَّمَا مَعْنَاهُ البَغْتةُ، وَإِنَّمَا عُوجِل بهَا مُبادَرةً لانتشار الْأَمر حَتَّى لَا يَطْمَع فِيهَا من لَيْسَ لَهَا بِموضع.
وَقَالَ حُصَيب الْهُذلِيّ:
كَانُوا خبيئة نَفْسي فافتُلِتَّهم
وكلُّ زادٍ خَبيءٍ قَصْرُه النّفَدُ
قَالَ: افتلتهم: أُخذوا منِّي فلتَة، زادٌ خَبيءٌ يُضَنُّ بِهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم. قَالَ: كَانَ لِلعَرب فِي الْجَاهِلِيَّة ساعةٌ يُقَال لَهَا: الفَلْتةُ يُغيرون فِيهَا، وهِي آخرُ ساعةٍ من آخر يَوْم من أَيَّام جُمادى الْآخِرَة، فَإِذا رأى الشُّجعانُ والفُرسانُ هلالَ رجبٍ قد طلعَ فَجْأَة فِي آخر سَاعَة من أَيَّام جُمَادَى الْآخِرَة، أَغَارُوا تِلْكَ السَّاعَة، وَإِن كَانَ هلالُ رَجَب قد طَلَعَ تِلْكَ السَّاعَة لِأَن تِلْكَ السَّاعَة من آخر نَهَار جُمَادَى الْآخِرَة مَا لم تغب الشَّمْس وَأنْشد:
والخَيلُ ساهِمةُ الْوُجُوه
كأنَّما يَقْضِمنَ مِلحاً
صَادَفْنَ مُنْصُلَ ألّةٍ
فِي فَلتةٍ فَحَوَيْن سَرْحَا
حَدثنَا عبد الله بن عُرْوَة قَالَ: حَدثنَا يحيى بن حَكِيم عَن سعيد القداح عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن إِبْرَاهِيم عَن إِسْحَاق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت جِدارٍ مائلٍ فأسرع الْمَشْي. فَقيل لرَسُول الله: أسرعتَ الْمَشْي فَقَالَ: (إِنِّي أكره موت الفَوات) يَعْنِي موت الفُجاءة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للموتِ الفُجَاءةِ: الموتُ الْأَبْيَض والجارف واللاَّفِت والفَاتِل، يُقَال: لَفَته الموتُ وفَتلَه وافْتلته وَهُوَ الْمَوْت الفَواتُ والفُواتُ

(14/204)


هُوَ أَخْذَة الأسَفِ، وَهِي الوَحِيُّ، وَالْمَوْت الْأَحْمَر: القَتْلُ بِالسَّيْفِ، والموتُ الْأسود، هُوَ الغَرَقُ والشَّرَقُ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: افْتَلَتَ فلانٌ الكلامَ واقتَرَحَه إِذا ارتجله قَالَ: والفَلَتَان والصَّلَتَان من التفلُّتِ والانْصِلات، يُقَال ذَلِك للرجل الشَّديد الصلبِ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل فلتَانُ نشيطٌ حديدُ الْفُؤَاد، وَيُقَال: أفلتَ فلانٌ بِجُرَيعَةِ الذَّقَن، يُضْربُ مثلا للرجل يُشْرِفُ على هَلَكة ثمَّ يُفْلِتُ كَأَنَّه جَرَعَ الموتَ جَرْعاً ثمَّ أَفلتَ مِنْهُ، والإفلاتُ يكون بِمَعْنى الانفِلات لازِماً وَقد يكون وَاقعا، يُقَال: أفلته مِن الهَلَكَةِ أَي خَلَّصتُه.
وَأنْشد ابْن السّكيت فَقَالَ:
وأَفْلَتَني مِنْهَا حِماري وجُبّتي
جَزَى اللَّهُ خيرا جُبتي وحِماريا
حَدثنَا السَّعْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا الرَّمَادِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا يزِيد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يُملي للظالم فإِذا أَخذه لم يفلته، ثمَّ قَرَأَ: {وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ} (هود: 102) . قَوْله: لم يفلته أَي لم ينفلت مِنْهُ، وَيكون بِمَعْنى لم يفلته أحد أَي لم يخلصه شَيْء.
وروى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي زيد من أمثالهم فِي إفْلات الجبان: أفلتني جُرَيعة الذّقن، إِذا كَانَ قَرِيبا كقرب الجرعة من الذّقن ثمَّ أفلته، قلت: معنى أفلتني انفلت مني.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر: أَنه شهد فتح مَكَّة وَمَعَهُ جمل جَزُور وبُرْدة فلوت.
قَالَ أَبُو عبيد قَوْله: بُردةٌ فَلوتٌ أَرَادَ أَنَّهَا صَغيرةٌ لَا يَنْضم طرفاها فَهِيَ تُفْلِتُ من يَده إِذا اشْتَمَل بهَا.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَلُوتُ الثَّوْب الَّذِي لَا يثبت على صَاحبه لِلينه أَو خُشونته.
قَالَ وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: يُقَال لَيس ذَلِك من هَذَا الْأَمر فَلْتٌ أَي لَا تَنْفَلِتُ مِنْهُ، وَقد أَفلَتَ فلانٌ وانْفَلَتَ، ومرّ بِنَا بَعيرٌ مُنْفَلِتٌ وَلَا يُقَال: مُفْلِتٌ، وَرجل فَلَتانٌ أَي جريءٌ وَامْرَأَة فَلَتانة.
وَفِي حَدِيث مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَا تُنْثَى فَلَتاتُه) أَي زَلاَّته، وَالْمعْنَى أَنه لم يكن فِي مَجْلسه فَلتات تُفْشَى أَي تُذكر، لأنَّ مَجْلسه كَانَ مَصوناً عَن السقطات واللَّغو، إِنَّمَا كَانَ مَجلسَ ذِكرٍ حَسَن وحِكَم بالغةٍ لَا فضولَ فِيهِ.
فتل: قَالَ اللَّيْث: الفتْلُ لَيُّ الشَّيْء كليِّك الحَبْل وَكفتل الفَتيلة قَالَ: وناقة فتلاء، إِذا كَانَ فِي ذِراعها فَتَل. وبُيُون عَن الْجنب، وَأنْشد غَيره بَيت لَبيد:
خرج من مِرفقيْها كالفَتَل

(14/205)


وَيُقَال: انْفَتَلَ فلَان عَن صلَاته أَي انْصَرف، ولفت فلَانا عَن رَأْيه وفتله إِذا صَرَفه ولَواهُ، وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (النِّسَاء: 49) . أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: أَنه قَالَ: (القِطْمِيرُ القِشْرَة الرّقيقة على النواة، والفتيلُ مَا كَانَ فِي شَقِّ النّواة) وَبِه سُمِّيت فَتيلةُ السراج والنقير النُّكْتَةُ فِي ظَهْرِ النواة.
ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الفتيل مَا يخرج من بَين الإصبعين إِذا فتلهما.
قلت: وَهَذِه الْأَشْيَاء تضرب كلهَا أَمْثَالًا للشَّيْء التافه الحقيرِ القليلِ، أَي لَا يُظلمون قَدرَها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الفتَّالُ البُلبل وَيُقَال لصياحه الفَتْل، وَأما الفَتَلُ فَهُوَ مصدر فَتِلَتِ النَّاقة فتْلاً إِذا أملس جِلد إبِطِها فَلم يكن فِيهِ عَرَك وَلَا حازٌ وَلَا خالعٌ، وَهَذَا إِذا استَرْخَى جِلْد إبطها وتَبَخْبخ.
ت ل ب
تلب، تبل، بتل، بلت، لبت: مستعملة.
تلب: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من أشجارِ الجِبال الشَّوْحَطُ والتَّألَبُ بِالتَّاءِ والهمزة، وَأنْشد شمر لامرىء الْقَيْس:
وَنَحَتْ لَهُ عَنْ أَرْزِ تَأْلبةٍ
فِلْقٍ فِراغَ مَعَابِلٍ طُحْلِ
قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: الأَرْزُ هَهُنَا القَوْسُ بِعَينهَا، والتألبةُ شَجَرَة يُتَّخَذ مِنْهَا القِسيّ، والفِراغُ النِّصالُ العِراضُ الْوَاحِد فَرْغٌ، وَقَوله نَحَتْ لَهُ يَعْنِي، امْرَأَة تَحَرَّفَتْ لَهُ بِعَيْنها فأصابت فؤادَه.
قَالَ العجاج يصف عَيْراً وَأُتُنَه:
بأَدَماتٍ قَطَواناً تَأْلبَا
إِذا عَلاَ رَأس يفَاعٍ قرّبَا
أدَمَاتٌ أرضٌ بعَيْنها، والقَطَوانُ الَّذِي يقاربُ خُطاه، والتَّأْلبُ الغليظُ المجتمِعُ الخَلْقِ، شُبِّه بالتَّألب وَهُوَ شَجَرٌ تُسَوَّى مِنْهُ القِسِيُّ الْعَرَبيَّة.
والتَّوْلَبُ وَلَدُ الْحمار إِذا استكْمَلَ سَنَةً.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: تَبّاً لِفُلانٍ تَلْباً يُتبعونَهُ التَّبُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المتْلَئِبُّ الْمُسْتَقيم قَالَ: والمُسْلَحِبُّ مثله، قَالَ وَقَالَ الْفراء: التُّلأْبِيَةُ من اتلأبّ إِذا امْتَدَّ، أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المتَالِبُ المقَاتِلُ، والتِّلِبُّ اسْم رجل من بني تَمِيم وَقد رَوَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا.
تبل: أَبُو عبيد: التَّبْلُ أَن يُسقِم الْهوى الإنسانَ، رجلٌ مَتبولٌ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
ودهر مُتبِلٌ خَبِلٌ
أَي مُسْقِمٌ، وأصل التَّبْلِ التِّرة يقالُ تَبْلي

(14/206)


عِنْد فلَان.
وَقَالَ اللَّيْث: التبْلُ عَدَاوةٌ يُطلَبُ بهَا يُقَال: قد تَبَلَني فلانٌ ولي عِنْده تَبْل والجميع التُّبول، وتَبَلهم الدهرُ إِذا رماهم بصروفه، وتَبالةُ اسْم بلد بِعَيْنِه، وَمِنْه الْمثل السائر: مَا حَلَلتَ تَبالَة لَتْحرِمَ الأضيافَ، وَهُوَ بلدٌ مُخْصِبٌ مُربِعٌ، وَمِنْه قَول لبيد:
هبطا تبالةُ مخْصِباً أَهْضامُها
وتَوَابِلُ القِدْر أفْحاؤها
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَاحِدهَا تَوْبل، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْوَاحِد تَابَل، قَالَ: وتوبلت القِدْر وقَزَّحتها وفَحَّيتُها بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ اللَّيْث: يجوز تَبَّلْتُ القِدْر.
بتل: قَالَ اللَّيْث: البَتْل تمييزُ الشَّيْء من الشَّيْء، والبَتُول كل امْرَأَة تَنْقَبض عَن الرِّجَال لَا شهوةَ لَهَا وَلَا حَاجَة فيهم، وَمِنْه التَّبَتل وَهُوَ تَرْكُ النِّكاح والزهدُ فِيهِ، قَالَ ربيعةُ بنُ مَقْرُوم الضَّبِّيّ:
لَو أَنَّها عَرَضتْ لأشمطَ راهبٍ
عبد الاله صرورةٍ مُتبتِّلِ
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أخبرنَا سعيد بن الْمسيب: أَنه سمع سعد بن أبي وقَّاص يَقُول: لقد رَدَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عثمانَ بن مَظْعُون التّبتُّلَ، وَلَو أَحَلَّه لَهُ، أذن لَهُ لاخْتَصَينا، وفسَّر أَبُو عبيد التبتل بِنَحْوِ ممّا ذَكرْنَاهُ، وأصل البتْل القَطْع.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الْأَصْمَعِي: المبتل النَّخْلَة تكون لَهَا فسيلة قد انْفَرَدت واستغنت عَن أمهَا فَيُقَال لتِلْك الفسيلة البتول وَأنْشد:
ذَلِك مَا دينك إذْ جُنِّبتْ
أجمالها كالبُكر المبتلِ
وَسُئِلَ أَحْمد بن يحيى عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم قيل لَهَا البتول؟ فَقَالَ: لانقطاعها عَن نسَاء أهل زمانها وَنسَاء الْأمة عفافاً وفضْلاً وديناً وحُسْناً.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سميت مَرْيَم البتول لتركها التزوُّج.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْهُذلِيّ: البَتِيلةُ من النّخل الوَدِيَّة، قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ الفسيلة الَّتِي بانَتْ عَن أمّها، وَيُقَال للْأُم: مُبْتِلٌ، وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} (المزمل: 8) يَقُول: أَخْلِصْ لَهُ إخلاصاً، يُقَال للعابد إِذا تَرك كلَّ شَيْء وَأَقْبل على الْعِبَادَة: قد تَبَتَّل أَي قَطَع كلَّ شَيْء إلاَّ أمرَ الله وطاعتَه، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: وتبتل إِلَيْهِ أَي: انْقَطِعْ إِلَيْهِ فِي الْعِبَادَة، وَكَذَلِكَ صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ أَي مُنْقَطِعَةٌ مِن مَال المتَصَدِّقِ بهَا خارجةٌ إِلَى سَبِيل الله، وَالْأَصْل فِي تَبَتَّلَ أَن تَقُولَ: تَبَتَّلْتُ تَبَتُّلاً، وبَتَّلْتُ تَبْتِيلاً، فَتَبْتِيلاً مَحْمُول على معنى بَتَّلَ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: المُبَتَّلَةُ من النِّسَاء الَّتِي لم يَرْكَبْ

(14/207)


لحمُها بعضُه بَعْضاً. وَقَالَ أَبُو سعيد: امْرَأَة مُبَتَّلةُ الخَلْقِ عَنِ النِّسَاء لَهَا عَلَيْهِنَّ فضل، ذَلِك قَول الْأَعْشَى:
مُبَتَّلَةُ الخَلْق مثلُ المها
ة لم تَرَ شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً
وَقَالَ غَيره: المُبَتَّلَةُ التّامةُ الخَلْق وَأنْشد لأبي النَّجْم:
طَالَتْ إِلَى تَبْتِيلِها فِي مَكَرْ
أَي طَالَتْ فِي تَمَامِ خَلْقها، وَقَالَ بَعضهم: تبْتِيلُ خلْقها انفرادُ كل شَيْء مِنْهَا بحسنه لَا يَتّكِلُ بعضه على بعض. وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المبَتَّلة من النِّسَاء الْحَسَنَة الْخلق لَا يقصر شَيْء عَن شَيْء. أَلاَّ تكون حَسَنَة الْعين سمجة الْأنف، وَلَا حَسَنَة الْأنف سمجة الْفَم وَلَكِن تكون تَامَّة.
وَقَالَ غَيره: هِيَ الَّتِي تفرَّد كل شَيْء مِنْهَا بالْحسنِ على حِدته، وَرجل أبْتَلُ إِذا كَانَ بَعيدَ مَا بَين المَنكِبَيْن وَقد بَتِلَ يَبْتِل بَتْلاً.
وَقَالَ اللَّيْث: البَتِيلَةُ كل عُضْو بِلَحْمِهِ مُكْتَنِزٌ من أَعْضَاء اللَّحْم على حِياله وَأنْشد:
إِذا الْمُتُون مَدَّتْ البَتائِلا
وَفِي الحَدِيث قَبِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العُمْرى، أَي الأحب، والعُمْرى نَبَات، قَالَ شمر: البتل الْقطع، وَمِنْه صَدَقة بَتْلة، أَي قطعهَا من مَاله، وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا تزينت وتحسنت: إنَّها تتبتل، وَإِذا تركت النِّكَاح فقد تبتلت، وَهَذَا ضد الأول، وَالْأول مَأْخُوذ من المُبَتَّلةِ الَّتِي تمَّ حُسنُ كل عُضْو مِنْهَا.
بلت: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: بَلَتَ يَبْلِتَ إِذا انْقَطَع من الْكَلَام وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بَلِتَ يَبْلَتُ إِذا لم يَتَحَرَّكْ وسَكَتَ وَأنْشد غَيره:
كأَنَّ لَهَا فِي الأرضِ نِسْياً تَقُصُّه
على أُمِّها وَإِن تُخاطِبْك تَبْلِتِ
وَقَالَ بَعضهم: معنى تَبْلِتُ هَهُنَا تَفْصِلُ الْكَلَام، وَقَالَ اللَّيْث: المُبَلَّتُ بلغَة حمير مَضْمون الْمهْر وَأنْشد:
وَمَا زُوِّجَتْ إِلَّا بمهرٍ مُبَلَّتِ
أَي مَضْمُون.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: بَتَلْتُ الشيءَ وبَلَتُّه إِذا قطعتَه وَأنْشد:
وَإِن تخاطبك تَبْلِتِ
أَي يَنْقَطِع كَلَامهَا من خَفَرِها، قَالَه المبرّد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البِلِّيتُ الرجلُ الزِّمِّيت، وَقَالَ أَيْضا: هُوَ الرجل اللَّبِيبُ الأريب وَأنْشد:
أَلاَ أَرَى ذَا الضَّعْفَةِ الهَبِيتَا
المستطارَ قَلْبُه المَسْحُوتَا
يُشاهِلُ العَمَيْثَلَ البِلِّيتَا
الصَّحَكيك الهَشِمِ الزِّمِّيتَا
قَالَ: الهَبِيتُ الأَحمق، والعَمَيْثَلُ السَّيدُ

(14/208)


الْكَرِيم، والمسْحوتُ الَّذِي لَا يَشْبَعُ والهَشِمُ السَّخِيُّ، والزِّمِّيتُ الْحَلِيم، والصَّحَكُوكُ والصَّحَكِيكُ، الصَّحَيَانُ من الرِّجَال وَهُوَ الأهْوَج الشَّدِيدُ.
وَيُقَال: ولَئن فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ليكونَنَّ بَلْتَةَ مَا بيني وبَيْنَكَ إِذا أَوْعده بالهجران. وَكَذَلِكَ بَلْتَةَ مَا بيني وَبَيْنك بِمَعْنَاهُ، أَبُو عَمْرو يُقَال: أبْلَتُّه يَمِينا أَي أحْلَفتُه والفِعل: بلَتَ بلَتاً وأصبرته، أَي أحلفته وَقد صَبَر يَمِينا، قَالَ: وأبلَتُّه أَنا يَمِينا أَي حلفتُ لَهُ.
قَالَ الشنفرى:
وَإِن تُحَدِّثْك تَبْلِتِ
أَي تُوجِز.
لبت: سَلَمة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن} (الصافات: 11) وَقَالَ: اللازب واللاَّتِبُ واللاَّصِقُ وَاحِد، قَالَ وَقيس يَقُولُ: طِينٌ لاَتِبٌ وَأنْشد فَقَالَ:
صُداعٌ وتَوْصيمٌ وفَتْرَةٌ
وغَشْيٌ مَعَ الْإِشْرَاق فِي الجوْف لاتبُ
أَبُو زيد يُقَال: لَتَبَ عَلَيْهِ ثِيابه ورَتّبَها إِذا شَدَّها عَلَيْهِ، ولَبَّبَ على الْفرس جُلَّه إِذا شَدَّه عَلَيْهِ، وَقَالَ مالكُ بن نُوَيْرة:
فَلَه ضَرِيبُ الشَّوْل إلاَّ سُؤْرَه
والجُلُّ فَهُوَ مُلَبَّبٌ لَا يُخْلَعُ
يَعْنِي فرسه، وَقَالَ اللَّيْث: اللَّبتُ اللُّبْسُ يُقَال: لَبت عَلَيْهِ ثَوْبَه، والْتَتَبَ، وَهُوَ لُبْسٌ كأَنَّه لَا يُرِيد أَن يَخْلَعُه، وَقَالَ غَيره: أَلْتَبَ فلانٌ عَلَيْهِ الْأَمر إِلْتاباً أَي أَوْجَبَه فَهُوَ مُلْتِبٌ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: المُلْتَبُ الطَّرِيق الممتدّ، والمِلْتَبُ اللَّازِم لبيته فِرَارًا من الْفِتَن، والمَلاَتِبُ الجِبابُ الخُلْقَانُ.
ت ل م
تلم، تمل، لتم، ملت، متل: (مستعملة) .
(ملت متل) : أما مَلَتَ ومتَلَ فَإِنِّي لَا أحفظ لأحدٍ من الْأَئِمَّة فيهمَا شَيْئا.
وَقد قَالَ ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه: مَلَتَ الشيءَ مَلْتاً ومَتَلْتُه مَتْلاً، إِذا زَعْزَعْتَه وحرَّكْتَه وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّته.
تلم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَّلَمُ بابٌ من المنارات، وَقَالَ اللَّيْث: التَّلَمُ مَشَقُّ الكِرابِ فِي الأَرْض بلغَة أهل الْيمن، وَأهل الغَوْرِ، والجميع الأتْلامُ.
وَقَالَ غَيره: التِّلام أَثَرُ اللُّؤَمَةِ فِي الأَرْض وَجَمعهَا التُّلُم، واللُّؤَمةُ الَّتِي يُحْرَثُ بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّلامُ هم الصَّاغَةُ وَالْوَاحد تِلْمٌ، قَالَ وَقَالَ بَعضهم: التَّلامِيذُ الحمَاليج الَّتِي يُنفخ فِيهَا وَأنْشد:
كالتَّلامِيذِ بأَيْدِي التِّلامِ
قَالَ: يُرِيد بالتّلْمُوذِ الحُمْلُوجَ: قلت أمَّا

(14/209)


الرُّواة فقد رَوَوْا هَذَا الْبَيْت للطِّرمَّاح يصف بقرة:
تَتَّقِي الشَّمْسَ بِمَدْرِيَّةٍ
كالحَمَاليج بِأَيْدِي التَّلاَمِي
وَرَوَاهُ بَعضهم: بأيدي التِّلامِ، فَمن رَوَاهُ التَّلاَمي بِفَتْح التَّاء وَإِثْبَات الْيَاء أَرَادَ التلاميذَ، يَعْنِي تَلاميذَ الصَّاغةَ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو، وَقد حَذَفَ الذَّال من آخرهَا كَقَوْل الْأَخير:
لَهَا أَشَاريرُ من لَحمٍ تُتَمِّرُهُ
من الثَّعالِي وَوَخْزٌ من أَرانِيهَا
أرادَ مِنَ الثَّعالِبِ، وَمن أَرَانِيهَا، وَمن رَوَاهُ بأيدي التِّلاَم بِكَسْر التَّاء فَإِن أَبَا سعيد قَالَ: التِّلْمُ الغُلامُ. قَالَ: وكل غلامٍ تِلْمٌ تلميذاً كَانَ أَو غيرَ تِلمِيذٍ، والجميع التِّلامُ، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: التِّلامُ الصَّاغةُ والتِّلامُ الأكَرَةُ قلت: وَأما قَول اللَّيْث: إِن بعضَهم قَالَ التَّلامِيذُ الحماليجُ الَّتِي يُنْفَخُ فِيهَا، فَهُوَ بَاطِل مَا قَالَه أحد، والحَمالِيجُ قَالَ شَمر: هِيَ مَنَافِخُ الصَّاغةِ الحدِيدِيَّة الطِّوال وَاحِدهَا حُمْلوج شَبَّه قرن الْبَقَرَة الوحْشِيَّة بهَا.
تمل: اللَّيْث: التُّمَيْلَةُ دَابَّةٌ تكون بالحجاز مثل الهِرَّة وَجَمعهَا التُّمَيْلاتُ. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: هِيَ التُّفَّةُ والتُّميْلَةُ لعنَاقِ الأَرْض، وَيُقَال: لِذَكَرِها الفُنْجُلُ، وَقَالَ اللَّيْث: التُّمْلُولُ هُوَ الْبَرْغَشْتُ بَقْلَةٌ وَهُوَ الغُمْلُولُ، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التُّمْلُولُ القُنَّابَرَى بتَشْديد النُّون هَكَذَا قَالَه.
لتم: سَمِعت غير وَاحِد من الْأَعْرَاب يَقُول: لَتَم فلانٌ بشَفْرَتِه فِي لَبّةِ بَعِيرِه إِذا طَعَن فِيهَا بهَا.
وَقَالَ أَبُو تُرابٍ: قَالَ ابْن شُمَيل: خُذِ الشَّفْرَة فالْتُبْ بهَا فِي لَبَّة الجَزُور، والْتُمْ بهَا بِمعنى وَاحِد، وَقد لَتَمَ فِي لَبّتَها ولَتَبَ بالشَّفْرة إِذا طَعَن فِيهَا بهَا انْتهى وَالله أعلم.

(أَبْوَاب) التَّاء وَالنُّون)
(من الثلاثي الصَّحِيح)
ت ن ف
تنف، نفت، فتن، نتف، تفن: (مستعملة) .
(تفن) : روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: التَّفْنُ الوَسَخُ، والفَتْنُ الإحراق بالنَّار، وَمَا أشبههَا.
نتف: اللَّيْث: النتف نزع الشّعْر والريش وَمَا أشبههَا، والنُّتَافة مَا انْتَتَفَ من ذَلِك.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: أَنه كَانَ إِذا ذُكر الْأَصْمَعِي: قَالَ ذاكَ رَجُلُ نُتَفٍ قلت: أَرَادَ أَنه لم يَسْتَقْصِ كلامَ الْعَرَب، إِنَّمَا حَفِظَ الوَخْزَ والخَطِيئة مِنْهُ، وَسمعت

(14/210)


العربَ تَقول: هَذَا جملٌ مِنتافٌ إِذا كَانَ غَير وَسَاع يُقارِبُ خَطوه إِذا مَشَى، وَالْبَعِير إِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ غيرَ وطيء.
فتن: جِمَاعُ مَعْنى الفِتْنَةِ فِي كَلَام الْعَرَب الابْتَلاءُ والامْتِحَانُ وَأَصلهَا مأخوذٌ من قَوْلك: فَتَنْتُ الفِضّةَ والذَّهَبَ إِذا أذبتهما بالنَّار ليتميز الرَّدِيء من الجَيِّد، وَمن هَذَا قَول الله جلّ وعزّ: {الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ} (الذاريات: 13) . أَي يُحَرقون بالنَّار، وَمن هَذَا قيل للحجارة السُّودِ الَّتِي كَأَنَّهَا أَحرِقتْ بالنَّار: الفَتينُ.
ابْن الْأَنْبَارِي: قَوْلهم: فَتَنَتْ فلانةُ فلَانا، قَالَ بَعضهم: أمالته عَن الْقَصْد، والفتينة مَعْنَاهَا فِي كَلَامهم المميلة عَن الْحق والقضاءِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) أَي يميلونك: قَالَ: والفَتْنُ الإحراق وفتنة الرفيق فِي النَّار قَالَ: والفتنة الإحراق، وفتنْتُ الرَّغِيف فِي النَّار إِذا أحرقتَه، قَالَ: والفتنة الاختبار، وَقَالَ النَّضر: فتنةُ الصَّدْر الوساوِس، وفتنة الْمحيا أَن يعدل عَن الطَّرِيق، وفتنةُ الْمَمَات أَن يسْأَل فِي الْقَبْر.
وَقَوله جلّ وعزّ: {شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ} (البروج: 10) أَي أحرقوهم بالنَّار الموقدة فِي الْأُخْدُود يُلْقون الْمُؤمنِينَ فِيهَا لِيصدُّوهم عَن الْإِيمَان، وَقد جعل الله جلّ وعزّ امتحان عبيده الْمُؤمنِينَ لِيبْلُوَ صبرهَم فيُثيبَهم، أَو جزعَهم على مَا ابْتَلَاهُم فيجزيَهم جزائهم فتْنَة قَالَ جلّ وعزّ: {} (العنكبوت: 1 2) .
جَاءَ فِي التَّفْسِير: وهم لَا يبتلون فِي أَمْوَالهم وأنفُسهم فيُعْلم بِالصبرِ على الْبلَاء الصادقُ الْإِيمَان من غَيرهم وَقيل: وهم لَا يفتنون. وهم لَا يُمْتَحنُون بِمَا يبين بِهِ حقيقةُ إِيمَانهم وَكَذَلِكَ قَوْله: {لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ} (العنكبوت: 3) ، أَي اخْتَبرنا وابْتَلَيْنا، وأمَّا قَوْله جلّ وعَزّ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} (الْبَقَرَة: 191) فَمَعْنَى الْفِتْنَة هَهُنَا الْكفْر كَذَلِك قَالَ أهل التَّفْسِير.
وَقَوله: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍ} (التَّوْبَة: 126) ، أَي يُخْتَبرُون بالدُّعاء إِلَى الجهادِ، والفِتْنَة الْإِثْم فِي قَوْله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّى أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (التَّوْبَة: 49) أَي ائْذَنْ لي فِي التَّخَلُّفِ وَلَا تفتني بِبَنَاتِ الأصْفَر، يَعْنِي الرُّوميّاتِ، قَالَ ذَلِك على سَبِيل الهُزْء.
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) أَي ليزيلونك.
فَتَنْتُ الرجلَ عَن رَأْيه أيْ أزلتُه عَمَّا كَانَ

(14/211)


عَلَيْهِ {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} (الْأَنْعَام: 23) أَي لم يظْهر الاختبار مِنْهُم إلاَّ هَذَا القَوْل.
وَقَوله جلّ وعَزّ مُخبراً عَن الْملكَيْنِ هاروت وماروت {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} (الْبَقَرَة: 102) مَعْنَاهَا إِنَّمَا نَحن ابتلاء واختبار لكم، وَقَوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (يُونُس: 85) يَقُول: لَا تظهرْهم علينا فيُعْجَبوا ويظنوا أَنهم خيرٌ منا، فالفتنةُ هَهُنَا إعجابُ الْكفَّار بكفرهم، والفتنةُ القَتلُ وَمِنْه قَول الله جلَّ وعزّ: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ} (النِّسَاء: 101) ، وَكَذَلِكَ قَوْله فِي سُورَة يُونُس: {على خوف من فِرْعَوْن وملأهم أَن يفتنهم} (يُونُس: 83) . يفتنهم أَي يقتلهُمْ، وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي أرى الفِتن خِلالَ بُيُوتكُمْ) فَإِنَّهُ يكون القتلَ والحروبَ والاختلافَ الَّذِي يكون بَين فرق الْمُسلمين إِذا تَحَزَّبَوا وَيكون مَا يُبْلَوْنَ بِهِ من زِينَة الدُّنْيَا وشهواتها فيُفْتنونَ بذلك عَن الْآخِرَة، وَالْعَمَل لَهَا.
وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مَا تركتُ فِتنةً أضرَّ على الرِّجَال من النِّسَاء) .
يَقُول: أَخَاف أَن يُعْجَبُوا بِهن فيشتغلوا عَن الْآخِرَة والعملِ لَهَا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن إِبْرَاهِيم الحَرْبي أَنه قَالَ: يُقَال: فُتِنَ الرجلُ بِالْمَرْأَةِ وافْتَتَنَ.
قَالَ: وَأهل الْحجاز يقُولون: فَتَنَتْه المرأةُ وَأهل نجد يَقُولُونَ: أفْتَنَتْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِر فجَاء باللُّغَتَين:
لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بالأمْس أَفْتَنَتْ
سَعيداً فأَمْسى قَدْ قَلا كل مُسْلِمِ
وَكَانَ الْأَصْمَعِي يُنكر أَفْتَنَتْه، وذُكِر لَهُ هَذَا الْبَيْت فَلم يَعْبأْ بِهِ؛ وأكثرُ أهلِ اللغةِ أَجَازُوا اللُّغَتَيْن.
ورَوَى الزّجاج عَن الْمُفَسّرين فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ} (الْحَدِيد: 14) . أَي استعملتموها فِي الْفِتْنَة، وَقيل: أنَمْتموها، قَالَ: والفِتْنَةُ الإضلالُ فِي قَوْله: {تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} {بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ} (الصافات: 162، 163) يَقُول: مَا أَنْتُم بمِضلِّين إِلَّا من أضَلَّه الله أَي لَسْتُم تُضِلُّون إِلَّا من أضلّهُ الله، أَي لَسْتُم تضلون إِلَّا أهل النَّار الَّذين سبق علمه بهم فِي ضلالتهم، والفِتنَةُ الجنونُ، وَكَذَلِكَ الفُتون، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {) (مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} (الْقَلَم: 4، 5) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنى الْمفْتُون الَّذِي فُتِن بالجنون.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: معنى البَاء الطرح كَأَنَّهُ قَالَ أيُّكم الْمفْتُون.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلَا يجوز أَن تكون الباءُ لَغْواً وَلَا ذَلِك جَائِز فِي الْعَرَبيَّة، وَفِيه

(14/212)


قَولَانِ للنحويين: أَحدهمَا أَن المَفْتُون مَصْدر على الْمَفْعُول كَمَا قَالُوا: مَا لهُ مَعْقُولٌ وَمَا لَهُ مَعْقودُ رأْيٍ وَلَيْسَ لَهُ مَجْلودٌ أَي جَلَد وَمثله المَيْسورُ، كأَنّه قَالَ: بأيكم الفُتُون، وَهُوَ الجُنون، وَالْقَوْل الثَّانِي: فستبصر ويبصرون فِي أَي الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُون: أَيْ فِي فرقةِ الْإِسْلَام أَو فِي فرقةِ الكُفر؟ أَقَامَ الْبَاء مقَام فِي.
والفِتْنَةُ العذابُ نَحْو تَعْذيب الْكفَّار ضَعْفَي الْمُؤمنِينَ فِي أوَّل الْإِسْلَام لِيَصدُّوهم عَن الْإِيمَان كَمَا مُطِيَ بِلَال على الرمضاء يُعذَّب حَتَّى افْتَكَّه الصِّديق أَبُو بكر فَأعْتقهُ، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الفِتنةُ الاختبارُ، والفتنةُ المِحْنَةُ، والفتنة المالُ، والفِتنة الأولادُ، والفِتنة الكفرُ، والفِتنة اخْتِلَاف النَّاس بالآراء، والفِتنةُ الإحراق بالنَّار، وَقيل: الْفِتْنَة الغُلو فِي التَّأْوِيل المظلم، يُقَال: فلَان مفتون يطْلب الدُّنْيَا أَي قد غلا فِي طلبَهَا، وجماعُ الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب: الِابْتِلَاء والامتحان.
وَقَوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} (طه: 40) أَي أخلصناك إخلاصاً.
وَيُقَال: فَتَنْتُ الرجلَ إِذا أَزَلْتَه عمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} (الْإِسْرَاء: 73) أَي ليزيلونك.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: فَتَنَه يَفْتِنُه فُتُوناً فَهُوَ فَاتِنٌ وَقد فُتِنَ وافْتَتَن وافْتُتِنَ جعله لَازِما ومتعدياً، أَبُو زيد: فَتِنَ الرجل يَفْتَن فُتُوناً إِذا وَقع فِي الفِتْنَة، أَو تحوَّل من حَال حَسَنَة إِلَى حَال سَيِّئَة، وفَتَن إِلَى النِّسَاء فُتُوناً إِذا أَرَادَ الْفُجُور، وَقد فَتَنْتُه فِتْنَةً وفُتُوناً.
وَقَالَ أَبُو السَّفْر: أَفْتَنْتُه إفْتَاناً فَهُوَ مُفْتَنْ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: افْتَتَنَ الرجلُ وافْتُتِنَ لُغتان، وَهَذَا صَحِيح، وَأما فَتَنْتهُ فَفَتَن، فَهِيَ لُغَة ضَعِيفَة وَجَاء فِي الحَدِيث: (الْمُسلم أَخُو الْمُسلم يتعاونان على الفتَّان) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الحَرْبي فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الْمُنْذِرِيّ: الفَتَّان الشَّيْطَان الَّذِي يَفْتِن الناسَ بخُدعِه وغُروره وتزيينه الْمعاصِي، فَإِذا نَهى الرجلُ أَخَاهُ عَن ذَلِك فقد أَعانه على الشَّيْطَان.
قَالَ: والفَتَّانُ أَيْضا اللِّص الَّذِي يَعْرِض للرُّفْقةِ فِي طريقهم، فَيَنْبَغِي لَهُم أَن يتعاونوا على اللصّ، وجمعُ الفَتَّان فُتَّان.
وروى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَول عَمْرو ابْن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
إمَّا عَلَى نَفْسِي وإمَّا لَهَا
والعيش فِتْنانِ حُلْوٌ ومُرُّ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الفِتْنُ النَّاحِيَة وَرَوَاهُ غَيره: فَتْنَان بِفَتْح الْفَاء أَي حَالان

(14/213)


وفَتَّانِ.
قَالَ ذَلِك أَبُو سعيد، وَرَوَاهُ بَعضهم: فَنَّانِ أَي ضَرْبان.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الفِتَّانُ غِشَاءٌ يكون للرَّحْل من أَدَمٍ.
وروى بُنْدار عَن عبد الرحمان عَن قُرَّة عَن الْحسن: {الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ} (الذاريات: 13) قَالَ: يُقَرَّرُون بِذُنُوبِهِمْ.
وَقَالَ شمر: الفَتِينُ مِثل الحَرَّة وَجمعه فُتُنٌ، وَقَالَ كل مَا غيَّرته النارُ عَن حَاله فَهُوَ مَفْتُونٌ، وَيُقَال للأَمَة السَّوْدَاء: مَفْتونة لِأَنَّهَا كالحَرَّةِ فِي السوَاد كَأَنَّهَا مُحْتَرِقة.
وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ بن الأسْلَت:
غِراسٌ كالفَتَائِن مُعْرضاتٌ
عَلَى آبارِها أبدا عُطُونُ
وكأَنَّ وَاحِدَة الفَتائِن فَتِينَةٌ.
وَقَالَ بَعضهم: الْوَاحِدَة فَتِينَة وَجَمعهَا فَتِينٌ.
وَقَالَ الكُمِيت:
ظَعائِنُ مِن بني الحُلاَّفِ تَأْوِي
إِلَى خُرْسٍ نَوَاطِقَ كالْفَتِينا
أَرَادَ الفَتِينَةَ فحذفَ الْهَاء، وَترك النُّون مَنْصُوبَة، رَوَاهُ بَعضهم كالفَتِينا وَيُقَال: وَاحِدَة الفتِين فِتَةٌ نَحْو: عِزَةٍ وعزِين.
نفت: يُقَال: نَفَتَتِ الِقدْرُ تَنْفِتُ نَفيتاً إِذا غَلَتْ.
وَقَالَ اللَّيْث: نَفَتت القِدْرُ نُفاتا إِذا غلا المرق فِيهَا فلزِق بجوانب الْقدر مِنْهُ مَا يبس عَلَيْهِ فَذَلِك النَّفْت وانضمامه النفتان؛ حَتَّى تَهُمَّ القِدر بالغَليان.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّه لَيَنْفِتُ عَلَيْهِ غَضَباً كَقَوْلِك: يَغْلِي عَلَيْهِ غَضَباً.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: النَّفِيتَةُ حَسَاءٌ بَين الغَلِيظَةِ والرّقِيقَةِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّفِيتةُ والحريقةُ أَن يُذَرَّ الدَّقِيقُ على ماءٍ أَو لَبنٍ حَلِيبٍ، حَتَّى يَنْفِتَ ويُتَحَسَّى من نَفْتِها، وَهِي أَغْلَظُ من السَّخِينَةِ، يَتَوَسَّعُ بهَا صاحبُ العِيال لعِيالِهِ إِذا غَلَبهُ الدَّهْرُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُون النَّفِيتة والسَّخيةَ فِي شِدّة الدّهر وغلاءِ السّعر وعَجَفِ المَال.
تنف: التّنُوفَةُ أصل بنائها التَّنَفُ وَجَمعهَا التنَائفُ وَهِي المفَازَةُ.
شمر: قَالَ المؤرِّج بن عَمْرو: التَّنُوفةُ الأَرْض المتباعدة مَا بَين الْأَطْرَاف.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التنوفَة الَّتِي لَا ماءَ بهَا من الفَلَواتِ، وَلَا أَنيسَ وإنْ كَانَت مُعْشِبَةً وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو خَيْرَة قَالَ: التنوفةُ البَعِيدةُ وفيهَا مُجْتَمَعُ كَلأٍ وَلَكِن لَا يُقْدَرُ على رَعْيِها لِبُعْدِها، وَجَمعهَا التّنائِف وَالله تَعَالَى أعلم.

(14/214)


(بَاب التَّاء والنّون مَعَ الْبَاء)
(ت ن ب)
تبن، نبت، بنت: (مستعملة) .
تبن: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: رُوِيَ فِي حَدِيث مَرْفُوع إِن الرجلَ ليتكلمُ بِالْكَلِمَةِ يُتَبِّن فِيهَا، يَهْوِي بهَا فِي النَّار.
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ عِنْدِي إغماضُ الْكَلَام والجَدلُ والخُصومات فِي الدِّين، وَمِنْه حَدِيث مُعاذ: (إياكَ ومُغَمّضَاتِ الْأُمُور) .
قَالَ أَبُو عبيد: ورُوي عَن سَالم بنِ عبد الله أَنه قَالَ: كُنَّا نقُول فِي الحامِلِ المتوفَّى عَنْهَا زوجُها: إِنَّه ينْفق عَلَيْهَا من جَمِيع المَال حَتَّى تَبَّنْتُم مَا تَبَّنتُم.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عمر: هَذَا من التَّبانَةِ والطَّبانة، مَعْنَاهُمَا شِدَّةُ الفِطْنة ودِقَّةُ النّظر يُقَال: رجل تَبِنٌ طبِنٌ إِذا كَانَ فطِناً دَقيقَ النّظر فِي الْأُمُور، وَمعنى قَول سَالم بن عبد الله: تَبَّنْتُم أَي أَوْقَعْتُم النّظر فقُلتم إِنَّه يُنْفق عَلَيْهَا من نَصيبها.
وَقَالَ الليثُ: طَبِنَ لَهُ بِالطَّاءِ فِي الشَّرّ وتَبِنَ لَهُ فِي الْخَيْر فَجعلَ الطَّبانَة فِي الخديعة والاغتِيال، والتَّبانَة فِي الْخَيْر.
قلت: هما عِنْد الْأَئِمَّة وَاحِد، وَالْعرب تُبْدِل التاءَ طاءً لقرب مَخرجيهما قَالُوا: مَطَّ ومَتّ إِذا مَدّ، وطرّ وتَرَّ إِذا سَقَط، ومثلُه كثير فِي الْكَلَام.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّبْن مَعْرُوف والواحدة تِبْنةٌ والتَّبن لُغَة فِي التِّبن.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التَّبَنُ إِنَّمَا هُوَ فِي اللُّؤْم والدِّقة، والطّبَن العِلمُ بالأمور والدهاءُ والفِقْه.
قلت: وَهَذَا ضِدُّ مَا قَالَ اللَّيْث.
وروى شمر عَن الهوازني قَالَ: اللَّهُمَّ اشْغل عَنَّا إتْبانَ الشُّعَرَاء، قَالَ: وَهُوَ فِطْنَتُهم لِما لَا يُفطَن لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: التُّبّان شِبْهُ السّراويل الصَّغِير، تُذَكِّره الْعَرَب وجمعهُ التّبابِينُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: التِّبْن القَدَح الْكَبِير، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التِّبْن أكبرُ الأقداح.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّبْن يُرْوِي الْعشْرين، وَهُوَ أَعْظمُ الأقداحِ، ثمَّ الصَّحْنُ مُقاربٌ لَهُ، ثمَّ العُسُّ يُرْوِي الثلاثةَ والأربعةَ.
نبت: قَالَ اللَّيْث: كلُّ مَا أَنْبَتَت الأرضُ فَهُوَ نَبْتٌ والنَّباتُ فِعْله وَيجْرِي مَجرى اسْمه تَقول: أنبتَ اللَّهُ النَّباتَ إنباتاً ونباتاً، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ الْفراء: إِن النباتَ اسْم يقوم مَقام الْمصدر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (آل عمرَان: 37) ونَبتَ النَّبتُ يَنْبُتُ نُبتاً ونباتاً، وَأَجَازَ بَعضهم أنبتَ لِمعنى نَبت، وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي، وَأَجَازَهُ أَبُو زيد واحتجَّ

(14/215)


بقول زُهَيْر:
حَتَّى إِذا أنبتَ البَقْلُ
أَي: نبتَ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} (الْمُؤْمِنُونَ: 20) قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو والحضرمي: (تُنبِتُ) بِضَم التَّاء وكسْرِ الْبَاء، وَقَرَأَ نَافِع، وَعَاصِم، وَحَمْزَة، وَالْكسَائِيّ، وَابْن عَامر: (تَنبُتُ بالدهن) بِفَتْح التَّاء.
وَقَالَ الْفراء: هما لُغتان نَبتَ وأَنبتَ.
وَأنْشد لزهير فَقَالَ:
رَأَيْتُ ذَوِي الحاجاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِم
قَطِيناً لَهُم حَتَّى إِذا أَنْبَتَ البقلُ
ونَبَتَ أَيْضا، وَهُوَ كَقَوْلِك: مَطَرَت السماءُ وأَمْطَرَت، وَكلهمْ يَقُول: أَنبَتَ اللَّهُ البقْلَ، والصَّبيَّ إنْبَاتاً.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (آل عمرَان: 37) .
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} (الْمُؤْمِنُونَ: 20) ، أَي تنْبت مَا يكون فِيهِ الدّهن ويصطبغ بِهِ.
وَقَالَ الزّجاج: معنى أنبتها نباتاً حسنا أَي جعل نَشْوَهَا نَشْواً حَسَناً.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: نَبَّتَ فلانٌ الحبّ والشجرَ تنبيتاً إِذا غَرَسَه وزَرَعه، وَالرجل يُنَبِّتُ الْجَارِيَة يَغْذُوها ويُحسنُ القيامَ عَلَيْهَا رَجَاةَ فَضْلِ رِبحِهَا. قَالَ: والتَّنْبِيتُ والتِّنْبِيتُ اسمٌ لما ينْبُتُ من دِقّ الشّجر وكِبارِه، وَأنْشد:
صَحْرَاءُ لم يَنْبُتْ بهَا تَنْبِيتُ
قَالَ: واليَنْبُوتُ شجَرُ الخَشْخَاشِ الْوَاحِدَة يَنْبُوتةٌ وخَرُّوبةٌ وخَشْخَاشَة.
قَالَ الدينَوَرِي:
اليَنْبُوتُ ضَرَبان: أَحدهمَا هَذَا الشوكُ القِصَارُ الَّذِي يُسَمَّى الخَرُّوبَ النبطيّ، لَهُ ثَمَرَة كَأَنَّهَا نُفَّاخَة فِيهَا حَبٌّ أحمرُ، هُوَ عَقُولٌ لِلْبَطْن، يُتَدَاوَى بِهِ.
وَالضَّرْب الآخر شجَرٌ عِظامٌ وَلها ثمَرٌ مِثْلُ الزُّعْرُورِ أَسْوَدُ شَدِيد الْحَلَاوَة مثل شجر التُّفَّاحِ فِي عِظَمِه.
والنِّبْتَةُ ضَرْبٌ من فِعْلِ النَّبَات لكل شَيْء تَقول إِنَّه لحسن النِّبْتَة، والمَنْبِتُ الأَصْل والموضع الَّذِي يَنبُتُ فِيهِ الشَّيْء.
وَقَالَ اللحياني يُقَال: رجلٌ خبِيتٌ نَبِيتٌ إِذا كَانَ خَسِيساً حَقِيرًا، وَكَذَلِكَ شيءٌ خَبيثٌ نَبيثٌ وَيُقَال: إنَّه لَحسنُ النِّبْتَةِ أَي الْحَالة الَّتِي يَنبُتُ عَلَيْهَا. وَإنَّهُ لفي مَنْبِتِ صِدْق، أَي فِي أصل صِدْق، جَاءَ عَن الْعَرَب بِكَسْر الْبَاء، وَالْقِيَاس مَنْبَتٌ، لِأَنَّهُ مِن نَبَتَ يَنْبُتُ. ومِثْلُه أحرف مَعْدُودَة جَاءَت بِالْكَسْرِ مِنْهَا المسجِدُ والمطلِعُ والمشرِقُ والمغرِبُ والمسكِنُ والمنسِكُ؛ ونُباتةُ: اسْم رجلٍ، ونَبْتٌ من الْأَسْمَاء، ويُجْمَع النَّبْتُ نُبُوتاً.

(14/216)


وَقَالَ الْأَحْنَف لمعاوية: لَوْلَا عَزْمةُ أَمِير الْمُؤمنِينَ لأخبرتهُ أنَّ دافَّةً دفَّتْ، وإنباتةً لحقت، يَعْنِي بالنابتة، نَاسا ولدُوا فَلَحقُوا، وصاروا زِيَادَة فِي الْحساب.
بنت: عَمْرو عَن أَبِيه: بَنَّتَ فلانٌ عَن فلَان تَبْنِيتاً إِذا اسْتَخْبَرَ عَنهُ فَهُوَ مُنَبِّتٌ إِذا أكْثَرَ السؤالَ عَنهُ وَأنْشد:
أصبحتَ ذَا بَغْيٍ وَذَا تَغَبُّشِ
مُبَنِّتاً عَن نَسَباتِ الحِرْبِشِ
وَعَن مقَال الكاذبِ الْمُرَقَّشِ.
ت ن م
متن، تنم، نتم: (مستعملة) .
(نتم) : أهمل اللَّيْث: نتم.
وَرُوِيَ عَن ابْن السّكيت فِي كتاب (الْأَلْفَاظ) : قَالَ أَبُو عَمْرو: انْتَتَمَ فلانٌ على فلانٍ بِقَوْلِ سَوْءٍ أَي انْفَجَرَ بالقولِ القَبِيح. كَأَنَّه افْتَعَل من نَتَمَ كَمَا يُقَال: من نَتَلَ انْتَتَل، ومَن نَتَقَ انْتَتَقَ.
وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
قد انْتَتَمَتْ عَلَيَّ بِقَوْلِ سُوءٍ
بُهَيْصِلَة لَهَا وَجْهٌ دَمِيمُ
قلت: لَا أَدْرِي: انتثمت بالثاء، أَو انتتمت بتاءَين، وَالْأَقْرَب أَنه من نَثَمَ يَنْثِمُ لِأَنَّهُ أشبه بِالصَّوَابِ وَلَا أعرف وَاحِدًا مِنْهُمَا.
وَبعد هَذَا الْبَيْت:
حَليلةُ فاحشٍ وأْنٍ بَئِيل
مُزَوْزِكَةٌ لَهَا حَسَبٌ لَئِيم
متن: قَالَ اللَّيْث: المَتْنُ والْمَتْنَةُ لُغتان قَالَ والمتنُ يُذَكَّر ويُؤَنّث، وهما مَتنان لَحْمتان مَعْصُوبتان بَينهمَا صُلْبُ الظَّهر، مَعْلُوَّتانِ بِعقَبٍ والجميعُ الْمُتُون.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس فِي لُغَة من قَالَ مَتْنَةٌ:
لَهَا مَتْنَتان خَظَاتا كَمَا
أَكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرُ
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال: مَتَنْتُ الرجلَ مَتْناً، إِذا ضَرَبتَ مَتْنَهُ بالسَّوط.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: مَتَنَهُ مِائةَ سَوْطٍ مَتْناً، إِذا ضرَبه، ومَتَنَهُ مَتْناً إِذا مَدَّه، ومَتَنَ بِهِ مَتْناً، إِذا مَضى بِهِ يَوْمَه أجْمَع، وَهُوَ يَمتُنُ بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: مَثنْتُه بِالْأَمر مَثْناً بالثاء أَي غَتَتُّهُ غَتَّا.
وَقَالَ شمر: لم أسمع مَثَنْتُه بِهَذَا الْمَعْنى لِغير الأمويّ.
قلت: أحْسَبُه مَتَنْتُه مَتْناً بِالتَّاءِ لَا بالثاء مَأْخُوذ من الشَّيْء المتِين، وَهُوَ القويّ الشَّديد، والمُماتَنَةُ فِي السّير. وَيُقَال: ماتَنَ فلانٌ فلَانا إِذا عارضَه فِي جَدَل أَو خُصُومة.
وَقَالَ الطِّرِمَّاح:

(14/217)


أَبَوْا لِشقائِهم إلاَّ ابْتِعاثِي
ومِثْلِي ذُو العُلالةِ والمِتانِ
وَقَالَ اللَّيْث: المُماتَنةُ المباعَدةُ فِي الْغَايَة، يُقَال: سَار سيراً مُمَاتِناً أَي بَعيدا، قَالَ: والمتْنُ من الأَرْض مَا ارْتَفع وصلُب، والجميع: المِتان، ومَتْنُ كل شَيْء مَا ظَهَر مِنْهُ، ومَتْنُ السّيف عَيْرُه القائمُ فِي وَسطه، ومَتْنُ الْمَزادَة وَجْهُهَا البارزُ، والمَتِينُ من كل شَيْء القويُّ، وَقد مَتُنَ مَتانةً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا شَقَقتَ الصَّفْنَ وَهُوَ جِلدة الخُصْيَتَيْن وأخرجتَهما بعروقهما فَذَلِك المتْنُ، يُقَال: متَنْتُهُما أَمْتُنُهُمَا، فَهُوَ مَمْتُونٌ.
رَوَاهُ شمر: الصَّفْن رَوَاهُ جَبَلة الصَّفَن.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: { (يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات: 58) الْقِرَاءَة بِالرَّفْع، المَتينُ صفة لقَوْله ذُو الْقُوَّة، وَهُوَ الله.
وَمعنى ذُو الْقُوَّة المتين: ذُو الاقتدار الشَّديد، والْمَتينُ فِي صفة الله تَعَالَى القَوِيُّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَّمْتِينُ تَضْرِيبُ المَظالِّ والفَساطِيطِ بالخُيوطِ. وَيُقَال: مَتِّنْها تَمْتِيناً.
وَيُقَال: مَتِّن خِباءَك تَمْتِيناً أَي: أَجِدْ مَدَّ أَطْنابِهِ، وَهَذَا غيرُ الْمَعْنى الأول.
قَالَ الحِرْمازِيُّ: التَّمْتِينُ أَن تقُولَ لمن سابقَكَ: تَقَدَّمْنِي إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا، ثمَّ أَلْحَقُك، فَذَلِك التَّمتِين.
يُقَال: مَتَّنَ فلانٌ لِفلان كَذَا وَكَذَا ذِراعاً ثمَّ لَحِقَه.
عَمْرو عَن أَبِيه: الْمَتْنُ أَن يُرَضَّ خُصْيَا الكَبْش حَتَّى تَسْتَرْخِيا.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي عَمْرو: الْمُتُونُ جَوانبُ الأَرْض فِي إشْرَافٍ، وَيُقَال: مَتْنُ الأَرْض جلدُها.
وَقَالَ أَبُو زيد: طَرَّقُوا بَيتهمْ تَطْرِيقاً، ومتَّنُوا بَيْتهم تمتيناً، والتَّمْتينُ أَن يَجْعَلوا بَين الطرائق مُتُناً من شَعَر واحِدُها مِتانٌ.
تنم: فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الشَّمْس كُسِفَتْ على عَهده فاسودَّت، وآضَتْ كَأَنَّها تَنُّومَةٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: التَّنُّومَةُ هِيَ من نَبَات الأَرْض فِيهِ سوادُّ، وَفِيه ثَمَرٌ يأكلُه النّعامُ وَجَمعهَا تَنُّومٌ.
وَقَالَ زُهَيْر:
أَصَكَّ مُصَلَّمُ الأُذْنَين أجْنَى
لَهُ بالسِّيء تَنُّومٌ وآءُ
قلت: التَّنُّومةُ شجرةٌ رأيتُها بالبادية يَضْرِبُ لونُ ورقِها إِلَى السوَاد، وَلها حَبٌّ كَحَبِّ الشاهدانج، ورأيتُ نِساء الْبَادِيَة يَدْقُقْنَ حَبَّهُ ويَعْتَصِرن مِنْهُ دُهناً أزرقَ فِيهِ لُزوجةٌ، ويَدْهِنَّ بِهِ شُعورَهن إِذا امْتَشَطْنَ.

(14/218)


شمر عَن أبي عَمْرو: التَّنُّومُ حَبَّةٌ دَسِمَة غَبْراء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التَّنُومة تَمَهةُ الطّعْم لَا يَحْمِدُها المالُ.
ت ف ب ت ف م: أهملت وجوهها.

(بَاب التَّاء وَالْبَاء وَالْمِيم مَعَهُمَا)
ت ب م
بتم: وَقَالَ اللَّيْث: البُتَّمُ والبتِّمُ جِيلٌ يكونُونَ بِنَاحِيَة فَرْغَانَة.
انْتهى آخر الثلاثي الصَّحِيح

(14/219)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل من التَّاء
ت ظ (وايء) ت ذ (وايء) : أهملت وجوهها.
ت ث (وايء)
ثتى، توت (توث) : (مستعملة) .
(ثتى) : وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن نَجْدة عَن أبي زيد: الثَّتَى والحتَى سويقْ المقْل، الحَتَى ردِيء الثَّمر وَنَحْوه.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الحَتَى قُشُورُ التَّمْر، جمع حَتاة، وَكَذَلِكَ الثَّتَى وَهُوَ جمع ثَتاةٍ قشور التَّمْر ورديئه.
قَالَ شمر: قَالَ الْفراء: الثَّتَى دُقاق التِّبْن وحُسافة التَّمْر قَالَ: وكل شَيْء حَشَوْتَ بِهِ غِرارةً مِمَّا دَقَّ فَهُوَ الثَّتَى والحتى.
قَالَ: وهما من ذَوَات الْيَاء يكتبان بِالْيَاءِ.
(توث) توت: والتُّوثُ كَأَنَّهُ فارسِيٌ وَالْعرب تَقول: التَّوتُ بتاءين.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن ابْن الزبير آثرَ علَيَّ التُّوَيْتَاتِ والحُمَيْدَاتِ والأسَامَاتِ. قَالَ شمر: أَحْيَاءُ مِن بني أَسد، حُميدُ بن أُسامة بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد العُزَّى بن قُصيِّ، وتُوَيْتُ بن حبيب بن أَسَد بن عبد الْعُزَّى بن قُصَيَ.
وَأُسَامَة بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن عبد العُزى بن قصي.

(بَاب التَّاء وَالرَّاء مَعَ حُرُوف الْعلَّة)
ت ر (وايء)
ترى، تور، تير، رتا، وتر، تترى، أرت، (ترته) .
ترى: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَرَى يَتْرِي إِذا تَراخَى فِي الْعَمَل فَعمِل شَيْئا بعد شَيْء.
أَبُو عُبَيْدَة: التَّرِيّةُ فِي بَقِيَّةِ حَيْضِ الْمَرْأَة أَقَلُّ من الصُّفْرة والكُدْرَةِ وأَخْفَى، ترَاهَا الْمَرْأَة عِنْد طُهْرِها فَتَعْلَمُ أَنَّهَا قد طَهُرَتْ مِن حَيْضها.
قَالَ شمر: وَلَا تكون التَّرِيَّةُ إلاّ بعد الِاغْتِسَال، فأمّا مَا كَانَ فِي أَيّام الْحيض فَلَيْسَ بِتَرِيَّةٍ.

(14/220)


تور تير: قَالَ اللَّيْث: تَارَة ألفها وَاو وَجَمعهَا تِيَرٌ، وَتجمع تارات أَيْضا، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الطوسيّ عَن الخراز عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: تَأرةٌ مَهْمُوزَة فلمّا كثُر استعمالهم لَهَا تركُوا همزها، قلت: وَقَالَ غَيره: جمع تأْرةٍ تِئَر مَهْمُوزَة، وَمِنْه يُقَال: أَتْأَرْتُ إِلَيْهِ النّظر إتآراً أدَمتُه تَارَة بعد تارةٍ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: أتأَرْتُ إِلَيْهِ النّظَر بهمز فِي الْأَلفَيْنِ غير مَمْدود، إِذا أَحْدَدْتَه، قلت: وَيُقَال: أَتْأَرتُه بَصرِي أَيْضا وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
أَتأَرتُهم بَصَرِي والآلُ يَرْفَعُهُمْ
حَتَّى اسْمَدَرّ بِطَرْفِ العَيْنِ إتْآرِي
وَمن ترك الْهَمْز قَالَ: أَتَرْتُ إِلَيْهِ الرَّمْيَ وَالنَّظَر أُتِيرُه إتارةً وأَترْتُ إِلَيْهِ الرميَّ، إِذا رَمَيْتَه تَارَة بعد تَارَة، فَهُوَ مُتارٌ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
يَظَلُّ كَأَنَّهُ فَرَأٌ مُتارُ
وَقَالَ لبيد يصف عَيْراً يُديمُ صَوته ونهيقه:
يجِدُّ سَحِيلُه ويُتِيرُ فِيهِ
ويُتْبِعُها خِناقاً فِي زِمَالِ
والتَّوْرُ إنَاءٌ مَعْرُوف تُذَكِّره العَربُ.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
تالله لَوْلَا خَشْية الأميرِ
وخشية الشُّرَطِيِ والتُّؤْرورِ
قَالَ: والتُّؤرور: أَتبَاع الشَّرط.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: التَّوْرَةُ الْجَارِيَة الَّتِي ترسل بَيْنَ العُشَّاق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للرسول: تَوْرٌ، وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس:
والتَّوْرُ فِيمَا بَيْنَنَا مُعْمَلٌ
يرْضَى بِهِ المأتِيُ والمرْسِلُ
والتَّيَّارُ تيارُ البَحْرِ، وَهُوَ آذِيُّه ومَوْجُه ومِنْه:
كالبحر يَقْذِف بِالتَّيارِ تَيَّاراً
والتيارُ فَيْعالٌ من تَار يَتُور مِثل القَيَّام مِن قَامَ يقوم غير أَن فِعْلَه مُماتٌ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التائر المداوم على الْعَمَل بعد فُتُورٍ، والتِّيَرُ جَمْع تَارَة مرّة بَعْدَ مَرَّةٍ. قَالَ العجاج:
ضَرْباً إِذا مَا مِرْجَلُ الْمَوْت أَفَرْ
بالغَلْيِ أَحْموْهُ وأَخْبَوْهُ التِّيَرْ
أرت: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَعَمْرو عَن أَبِيه: الأُرْتَةُ: الشَّعَرُ الَّذِي على رَأس الحِرْبَاءِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التُّرتَةُ رَدَّةٌ قبيحة فِي اللِّسَان من العَيْب.
تتر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} (الْمُؤْمِنُونَ: 44) .
وَقَرَأَ أَبو عَمْرو وَابْن كثير: (تَتْرًى) مُنوَّنةً، ووقَفَا بالأَلف، وَقَرَأَ سَائِر الْقُرَّاء (تَتْرَى) غير مُنونة.
وَقَالَ الْفراء: أكثرُ الْعَرَب على تَرْكِ تَنْوِين

(14/221)


تَتْرَى، لِأَنَّهَا بِمنزِلَةِ تَقْوَى، وَمِنْهُم مَن نَوَّن فِيهَا، وَجعلهَا ألِفاً كأَلِف الْإِعْرَاب.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: من قَرَأَ (تَتراً) فَهُوَ مثل شَكَوْتُ شَكْواً، وَالْأَصْل وَتَرتُ قُلبت الْوَاو تَاء فَقيل: تَترتُ تَتْراً. وَمن قَرَأَ (تَتْرى) فَهُوَ مثل شَكوْتُ شكْوَى غير منونة لِأَنَّهَا فَعْلَى، وفَعْلَى لَا تُنوَّن ونحوَ ذَلِك.
قَالَ الزَّجاج: قَالَ وَمن قَرَأَ بالتّنوين فَمَعْنَاه وَتْراً فأبْدَلَ التاءَ من الْوَاو، وكما قَالُوا: تَوْلَجَ من وَلَجَ وَأَصله وَوْلَجٌ.
وكما قَالَ العجاج:
فإنْ يَكُنْ أَمْسَى البِلَى تَيْقُوري
أَرَادَ: وَيْقُورِي وَهُوَ فَيْعُولٌ من الوَقَار، وَمن قَرَأَ (تترى) فَهِيَ ألف التَّأْنِيث قَالَ: وتَتْرَى من الموَاترةِ.
(وتر) : قَالَ الْأَصْمَعِي: واتَرْتُ الخَبَر أَتْبَعْتُ بعضَه بَعْضًا، وَبَين الْخَبَرَيْنِ هُنيهَةٌ.
وَقَالَ غَيره: المواتَرة المتابَعةُ، وأصل هَذَا كُله من الوِتْرِ، وَهُوَ الفَرْد، وَهُوَ أنَّى جَعَلْتُ كلَّ واحدٍ بعد صَاحبه فَردا فَردا.
وأَخبرني المنذرِيُّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاَّم قَالَ: سَأَلت يُونُس عَن قَوْله: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} قَالَ: مُتَقَطِّعَةً مُتَفاوِتَةَ الْأَوْقَات، وجاءَتْ الْخَيل تَتْرَى إِذا جاءتْ مُتَقَطِّعة، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء بَين كل نبيين دَهرٌ طَوِيل.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لَا بَأْس بِقَضَاء رمضانَ تَتْرَى أَي مُتَقَطعاً.
وَفِي حَدِيث آخر لأبي هُرَيْرَة فِي قَضَاء رَمَضَان قَالَ: يواتر.
قَالَ أَبُو الدقيش: يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا أَو يَصُوم يَوْمَيْنِ وَيفْطر يَوْمَيْنِ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا تكون المواتَرة مُواصلة حَتَّى يكون بينَهما شَيْء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَواتِرة من النوق هِيَ الَّتِي لَا ترفع يَداً حَتَّى تَستمكِنَ من الْأُخْرَى وَإِذا بَركْت وَضَعْت إِحْدَى يَديهَا، فَإِذا اطمأَنَّتْ وَضَعتْ الْأُخْرَى، فَإِذا اطمأنَّتْ وَضَعَتْهما جَمِيعًا، ثمَّ تضع وَرِكَها قَلِيلا قَلِيلا، وَالَّتِي لَا تُواتِر تَزُجُّ بنفْسِها زجاً فَيَشُق على راكبها عِنْد البروك.
قَالَ: وكتبَ هِشامُ بنُ عبد الْملك وَكَانَ بِهِ فَتْق إِلَى بعض عُمَّاله: أَن اخْتَرْ لي نَاقَة مُواتِرة، أَرَادَ هَذَا الْمَعْنى، وَيُقَال: وَاتَر فلَان كُتُبَه إِذا أتبعهَا وبينَ كلِّ كِتابين فَترةٌ قَليلَة، وتَواترتْ الْإِبِل والقَطا وغيرُها إِذا جَاءَ بعضُها فِي إثْر بعضٍ، وَلم يجِئْن مُصْطَفَّاتٍ.
وَقَالَ حُمَيد:
قَرِينَةُ سَبْعٍ إنْ تَواتَرنَ مَرةً
ضُرِبْنَ وَصَفَّتْ أرؤُسٌ وجُنُوبُ
وَفِي حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب لي جاراً، يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ فَلَمَّا وَلِيَ،

(14/222)


قلت: لأنظرَنَّ الْآن إِلَى عَمَله، فَلم يزلْ على وَتِيرَةٍ وَاحِدَة إِلَى أَن مَاتَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوَتِيرةُ المداوَمةُ على الشَّيْء، وَهُوَ مَأْخُوذ من التَّواتُر والتَّتابُع، قَالَ: والوَتِيرَةُ فِي غير هَذَا: الفَتْرَةُ عَن الشَّيْء والعَمَل.
وَقَالَ زُهَيْر يصف بقرة:
فِي حُضْرها نَجَاءٌ مُجِدٌ لَيْسَ فِيهِ وَتِيرَة
وتذبيبُها عَنْهَا بأَسْحَمَ مِذْوَدِ
قَالَ: والوَتيرة أَيْضا غُرَّةُ الْفرس إِذا كَانَت مُستديرة فَإِذا طالتْ فَهِيَ الشادِخةُ، قلت: شُبِّهتْ غُرَّةُ الْفرس إِذا كَانَت مُستديرة بالحَلْقَةِ الَّتِي يُتَعَلَّم عَلَيْهَا الطعْن، يُقَال لَهَا الوَتيرةُ.
وَقَالَ الشَّاعِر يصف فرسا:
تُبَارِي قُرْحةً مِثلَ ال
وتيرةِ لم تكن مَغْدَا
والمغْدُ النَّتْفُ، يَقُول: هَذِه القُرْحَةُ خِلْقةٌ لم تُنْتَف فَتَبْيَضَّ وَقَوله:
فَذَاحَتْ بالوَتَائِر ثمَّ بَدَّتْ
يدَيْها عِنْدَ جَانِبِه تَهيلُ
ذاحَتْ يَعني: ضَبُعاً نَبَشَتْ عَن قَبْرِ قَتيلٍ.
وَقَالَ أَبُو عمر: الوتائِر هَهُنَا مَا بَين أَصَابِع الضَّبُع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الوَتِيرةُ من الأَرْض وَلم يَحُدُّها.
قَالَ أَبُو مَالك: الوتيرة الوردة الْبَيْضَاء، والوتيرة الوردة الصَّغِيرَة.
ابْن السّكيت: قَالَ يُونُس: أهل الْعَالِيَة يَقُولُونَ: الوِتْرُ فِي الْعدَد والوَتْرُ فِي الذَّحْل، قَالَ: وتميمٌ تَقول: وِتْرٌ بِالْكَسْرِ فِي الْعدَد وَفِي الذَّحْل سَوَاء.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الْفجْر: 3) قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ (والوِتر) بِالْكَسْرِ، وَقَرَأَ عَاصِم وَنَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر، (والوَتْر) بِفَتْح الْوَاو، وهما لُغتان مَعْروفتان: وِتْر وَوَتْرٌ فِي العَدَد.
ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الوِتر آدمُ، والشَّفْعُ شُفِعَ بِزَوْجَتِهِ، وَقيل الشفع: يومُ النَّحْر، والوِترُ يومُ عَرَفَة، وَقيل: الأعدادُ كلهَا شَفْعٌ وَوِتْر كثرتْ أَو قَلَّتْ، وَقيل الوِتْر: الله الْوَاحِد، والشَّفع جميعُ الْخلق خُلِقوا أَزْوَاجًا وَهُوَ قَول عَطاء.
ابْن السّكيت: كَانَ الْقَوْم وِتراً فشفعتُهم، وَكَانُوا شفعاً فوترتُهم.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا استجمرتَ فأوْتِرْ) أَي استَنْجِ بثلاثةِ أَحْجَار أَو خمسةٍ أَو سبْعةٍ وَلَا تَسْتَنْجِ بالشَّفْع؛ وَكَذَلِكَ يُوتِر الْإِنْسَان صلاةَ اللَّيْل فيُصلي مَثْنَى مَثْنَى ويُسَلِّم بَين كل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يُصلِّي فِي آخرهَا رَكْعةً تُوتر لَهُ مَا قد صلى فأوتروا يَا أهل الْقُرْآن.

(14/223)


وَفِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله وِتر يُحِب الوِتر وَقد قَالَ: الوِتر رَكْعةٌ وَاحِدَة.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (من فَاتَتْهُ صَلَاة العَصْر فَكَأَنَّمَا وُتِر أهلَه وَمَاله) . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، قَالَ الْكسَائي: هُوَ من الوِتر، وَهُوَ أَن يجني الرجل جِنَايَة، يقتل لَهُ قَتِيلا أَو يذهب بِمَالِه وَأَهله فَيُقَال: وَتَر فلانٌ فلَانا أهلَه ومالَه، وَقَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره فِي قَوْله: وتر أَهله وَمَاله أَي نُقِصَ أهلَه ومالَه وبَقِيَ فَرْداً، وَذهب إِلَى قَوْله: {مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ} (مُحَمَّد: 35) ، يَقُول لن يُنْقِصَكم، يُقَال: قد وَترَهُ حَقَّه إِذا أَنقَصه، وَأحد الْقَوْلَيْنِ قريبٌ من الآخر.
وَقَالَ الْفراء يُقَال: وَتَرتُ الرجلَ إِذا قتلتَ لَهُ قَتِيلا، أَو أخذتَ لَهُ مَالا.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ} لن يُنْقِصَكم من ثوابكم شَيْئا، وَيُقَال: وَتَرهُ فِي الذَّحْل يَتِرُهُ وَتْراً وترةً، والفِعْل من الوَتْر الذَّحْل: وَتَر يَتر، وَمن الوِتر الْفَرد أَوْتَر يُوتِر بِالْألف.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: (قَلِّدُوا الْخَيل وَلَا تُقَلِّدوها الأوتار) .
قَالَ أَبُو عبيد: بَلغنِي عَن النَّضر بن شُمَيْل أَنه كَانَ يَقُول: مَعْنَاهُ لَا تَطلُبوا عَلَيْهَا الأوتار والذُّحُولُ الَّتِي وُتِرْتُم بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَغير هَذَا الْوَجْه أَشْبَهُ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، سمعتُ مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول: معنى الأوتار هَهُنَا أَوْتار القِسِيِّ، وَكَانُوا يقلِّدونها أَوْتارَ القِسِيِّ فتختنق، فَقَالَ: لَا تقلدِّوها بهَا.
وَرُوِيَ عَن جَابر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِقطع الأوتار من أَعْنَاق الْإِبِل.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بَلغنِي عَن مَالك بن أنس أَنه قَالَ: كَانُوا يقلِّدونها أوتار القسي، لِئَلَّا يُصِيبهَا العينُ فَأَمرهمْ بِقَطْعها، يُعَلِّمهم أَن الأوتارَ لَا تَرُدُّ من أَمر الله شَيْئا، وَهَذَا أشبه بِمَا كُرِهَ مِن التَّماتِم.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَتَرَةُ جُلَيْدَة بَين الْإِبْهَام والسَّبابة، وَيُقَال: تَوَتَّرَ عَصَبُ فرسه، والوَتَرَةُ فِي الْأنف صِلة مَا بَين المنْخَرَيْن.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حِتَارُ كلِّ شَيْء وَتَرُهُ.
أَبُو زيد: الوَتِيرة غُرَيْضِيفٌ فِي جَوف الْأذن يَأْخُذ مِن أَعْلَى الصِّماخ، قبل القَرْعِ، قَالَ: والوَتيرةُ الحاجز بَين المنْخَرَيْن من مُقَدَّم الْأنف دون الغُرْضُوفِ، وَيُقَال للحاجز الَّذِي بَين المنخرين غُرَضُوفٌ، والمِنْخَران خَرْقا الْأنف، وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر أَن يُحَدِّثه وَاحِد عَن وَاحِد، وَكَذَلِكَ خبر الْوَاحِد مِثلُ التَّواترُ.
رتا: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الحَساءِ: أَنه يَرْتُو فؤاد الحزين ويسرُو عَن فؤاد

(14/224)


السَّقيم.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله يرتو فُؤَاد الحزين يشُدُّه ويقوّيه.
وَقَالَ لبيد يصف درعاً:
فَخْمَةٌ دَفْرَاءُ تُرْتَى بالعُرَى
قُرْدُمانِيّاً وتَرْكاً كالبَصَلْ
يَعْنِي الدروعَ أنَّ لَهَا عُرًى فِي أَوْساطها فيُضَمُّ ذيلُها إِلَى تِلْكَ العُرى وتُشَدُّ لِتَنْشَمِرَ عَن لابِسها، فَذَلِك الشَّدُّ هُوَ الرَّتْوُ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأمَوِي: رَتَوْتُ بالدلو أَرْتو رَتْواً مَدَدتُ مَدّاً رَفِيقًا.
وَقَالَ بَعضهم: رَتا بِرَأْسِهِ يرتُو رَتْواً، وَهُوَ مِثلُ الْإِيمَاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّتْوُ يكون شدّاً وَيكون إرخاءً، وَأنْشد فَقَالَ:
مُكْفَهرّاً على الحوادِث لَا ير
تُوهُ للدَّهر مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ
أَي لَا تُرْخِيه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: معنى لَا تَرْتُوهُ لَا تَرْمِيه، وأصلُ الرَّتْوِ الخَطْوُ، يُقَال: رَتَوْتُ أرْتُو رَتْواً إِذا خَطَوتَ، أَرَادَ أَن الداهية لَا تَخَطَّاه وَلَا تَرْمِيه فتُغَيِّرهُ عَن حَاله، وَلكنه باقٍ على الدَّهْر.
وَرُوِيَ عَن مُعاذ أَنه قَالَ: يَتَقَدَّمُ العلماءُ يومَ الْقِيَامَة بِرَتْوةٍ.
قَالَ أَبُو عبيد: الرَّتْوَةُ الخَطْوَةُ هَهُنَا. قَالَ وَقَالَ بَعضهم: الرَّتْوَةُ البَسْطَةُ، وَيُقَال: الرتوة نَحْوٌ مِن مِيلٍ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الرَّتْوَةُ الخَطْوَةُ، والرَّتْوةُ الدَّعوةُ، والرَّتوة الدَّرجةُ والمنزِلةُ عِند السُّلْطَان، والرَّتْوةُ الزِّيادةُ فِي الشّرف، وَغَيره، والرَّتْوةُ العُقْدَةُ الشديدةُ، والرَّتْوةُ العقدةُ المسْتَرْخِيةُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّائر المداوِمُ على الْعَمَل بعد فُتُور، والرَّاتِي الزَّائِدُ على غَيره فِي الْعلم، والرَّاتي الرَّبَّانِيُّ، وَهُوَ العالِمُ العامِل المُعَلِّم، فَإِن حُرِمَ خَصْلَة لَمْ يُقلْ لَهُ: ربَّانيٌّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: مَا رَتَأ كَبِدَه الْيَوْم بِطَعَام أَي مَا أكل شَيْئا يهْجأُ جُوعَه وَلَا يُقَال: رَتَأَ إِلَّا فِي الكَبِدِ، يُقَال: رَتَأَها يَرْتؤُها رَتْأً بِالْهَمْز. انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب التَّاء وَاللَّام)
(ت ل (وايء))
تَلا، تول، لَيْت، (لتى) ، لتا، ولت، أَلت، أَتل، وتل.
(تَلا) : قَالَ اللَّيْث: يُقَال: تَلا يَتْلُو تِلاوة يَعْنِي قَرأَ قِراءة، وتَلاَ إِذا تَبِع فَهُوَ تالٍ أَي تابعٌ، والمَتَالِي الأُمهاتُ إِذا تَلَاهَا الأوْلاد الواحدةُ مُتْلٍ ومُتْلِية.
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: المتالي الإبلُ الَّتِي نُتجَ بعضُها وَلم يُنتَجْ بعضٌ وَأنْشد:

(14/225)


وكُلُّ سِمَارَكيًّ كَأَنَّ رَبَابَهُ
مَتَالِي مُهِيبٍ من بني السِّيد أَوْرَدَا
قَالَ: نَعَمُ بني السَّيِّد سود فشبَّه سَوَادَ السَّحَاب بهَا، وشبَّه صوتَ الرَّعد بحنين هَذَا المتالِي.
وَمثله قَول أبي ذُؤَيْب:
فَبتُّ إخَالُهُ دُهْماً خِلاَجَا
أَي اخْتُلِجَتْ عَنْهَا أولادُها فَهِيَ تحِنُّ إِلَيْهَا.
وَقَوله تَعَالَى: (هُنَالك تبلوا كل نفس مَا أسلفت) (يُونُس: 30) .
قَالَ الْفراء: تَقْرَأُ وَقَالَ غَيره: تَتْبَعُ.
والقارىء تالٍ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ مَا يَقْرَأُ والتَّالي التَّابع، {فَالزَاجِرَاتِ زَجْراً} (الصافات: 3) ، هم الْمَلَائِكَة يأْتونَ بِالْوَحْي فَيتلُونه على أَنْبيَاء الله.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَلاَ اتَّبَع، وتَلا إِذا تَخَلَّف، وتلا إِذا اشْترى تِلْواً وَهُوَ وَلدُ البَغْل، قَالَ: وتَتلَّى بَقَّى بقيّةً من دَيْنِه وتَتَلَّى إِذا جمع مَالا كثيرا.
أَبُو عبيد: تَلَوْتُ الرجلَ أَتْلوه تَلْواً خَذَلْتُه وتركْتُه.
حَكَاهُ عَن أبي زيد، قَالَ: التُّلاوةُ بَقِيَّةُ الشيءِ، وَقد تَلَّى الرجلُ إِذا كَانَ بآخِرِ رَمَق.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: هِيَ التُّلاوةُ أَيْضا، وَقد تَتَلَّيْتُ حَقِّي عِنْده أَي تركت مِنْهُ بقيَّةً، وتتَلَّيتُ حقِّي تَتَبَّعتُه حَتَّى يستوفيَه.
الْأَصْمَعِي: هِيَ التَّلِيَّةُ أَيْضا، وَقد تَلِيَتْ لي عِنْده تَلِيّةٌ أَي بَقيَّة، وأَتْلَيْتُها أَنا عِنْده أَبْقيتها.
قَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: تَلا تَأَخّر، يُقَال: مَا زلت أتلوه حَتَّى أتليته، أَي أَخَّرته.
وَأنْشد:
ركض المذاكى وتلا الحوْليُّ
أَي تَأَخّر.
وَقَالَ غَيره: أتليت عَلَيْك من حَقي تُلاوة أَي بَقِيَّة، والتُّلاوة الْبَقِيَّة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: التُّلاوةُ بقيَّة الْحَاجة قَالَ: وَتَلا إِذا تَأَخّر، والتَّواليّ مَا تأَخَّر.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: تَلا عني يَتلُو تَلْواً إِذا تَرَكَكَ وتَخلَّفَ عَنْك، وَكَذَلِكَ خَذَل يَخذل خُذُولاً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ذِي الرمّة:
لَحِقْنَا فراجَعْنَا الحُمولَ وإنَّما
تَتلَّى دِباب الوادعات المراجع
قَالَ تَتلَّى: يَتتبَّعُ.
وَقَالَ شمر: يُقَال: تَلَّى فلَان صَلاتَه الْمَكْتُوبَة بالتطوع أَي أَتبَعَها.
وَقَالَ البَعِيث:

(14/226)


عَلَى ظَهْرِ عَادِيَ كأَن أُرُومَهُ
رجالٌ يُتلَّون الصلاةَ قِيامُ
قَالَ: وَيكون تَلا وتَلَّى بِمَعْنى تَبِع.
قَالَ: وَقَالَ عَطاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ} (الْبَقَرَة: 102) قَالَ: وَفُلَان يَتْلُو فلَانا أَي يَحْكِيه ويَتْبع فِعْلَه، وَهُوَ يُتَلِّي بقِيَّةَ حاجتِه أَي يَقْتَضِيها وَيَتَعَهَّدُها.
وَقَالَ النَّضر: التِّلْوة من أَوْلَاد المِعْزَى والضأن الَّتِي قد استَكرَشَتْ وشَدَنَتْ، والذكرُ تِلْوٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِوَلَدِ البَغْل: تِلْوٌ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: التَّلاءُ: الذِّمة، وَقد أَتْلَيْتُه أَي أَعْطيته الذِّمَّة وَأنْشد:
وسيَّانَ الكفَالةُ والتَّلاءُ
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: التَّلاء الضَّمَان، يُقَال: أتليتُ فلَانا إِذا أَعْطيته شَيْئا يَأْمَن بِهِ، مثل سهم أَو نقل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التَّلاء: الحوَالَةُ وَقد أَتْلَيْتُ فلَانا على فلانٍ أَي أَحَلتُه عَلَيْهِ، وَأنْشد الباهليُّ هَذَا الْبَيْت:
إِذا خُضْرُ الأصَمَّ رَميتُ فِيها
بِمُسْتَتلٍ على الأدْنَين باغِ
قَالَ: المُرَاد بخُضْرِ الْأَصَم: دآدي ليَالِي شَهْر رَجَب، والمسْتَتلِي من التُّلاة وَهُوَ الحَوالة أَي يجنِي عَلَيْك ويُحيل عَليك فتؤخذ بِجِنَايَتِهِ والباغي هُوَ الجارِم الجَانِي على الأدنَينِ من قرَابَته.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: استَتلَيتُ عَلَيْهِ فُلاناً أَي انتظرتُه، واستتليته جعلته يَتلوني.
الْعَرَب تَقول: لَيْسَ هَوادِي الخَيْل كالتَوالي، فهوادِيها أَعْناقُها، وتواليها مآخرُها رجلاها وذَنبُها، وتَوَالِي الْإِبِل مآخرها وتوالي كل شَيْء آخِره، وتاليات النُّجُوم أواخرها.
وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ تَوالِي الْخَيل كالهوادي، وَلَا غُفْرُ اللَّيالي كالدَّآدِي، وغفْرها بِيضُها.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَوْله جلّ وعزّ: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (الْبَقَرَة: 121) ، قَالَ: يَتَّبعونه حقَّ اتِّباعه.
وَقَالَ مُجَاهِد: يعْملُونَ بِهِ حقَّ عَمَله.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يتبعونه حقّ اتِّبَاعه فيعملون بِهِ حقّ عمله.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ} (الْبَقَرَة: 102) ، قَالَ: مَا تَتكلم بِهِ كَقَوْلِك: يَتْلُو فلَان كتابَ الله أَي يَقْرَؤُهُ وَيَتكلَّم بِهِ.
وَقَالَ عَطاء: مَا تتلو الشَّيَاطِين مَا تُحدِّث وَمَا تَقُصُّ.
وَفِي الحَدِيث: (إِن الْمُنَافِق إِذا وُضِع فِي قَبره سُئِل عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُول: لَا أَدْرِي فَيُقَال لَهُ: لَا دَرَيْتَ ول

(14/227)


اتَلَيت وَلَا اهْتَدَيتَ) .
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب فِي تَفْسِيره: قَالَ بَعضهم: معنى وَلَا تَلَيت وَلَا تَلَوْت، أَي لَا قَرَأْتَ وَلَا دَرَسْتَ من تَلا يَتْلُو، فَقَالَ: تَلَيْتَ بِالتَّاءِ ليعاقب بهَا الْيَاء فِي دَرَيت.
كَمَا قَالُوا: إِنِّي لآتية بالغَدَايا والعَشَايَا وَتجمع الغَداةُ غَدَوَات، وَقيل: غَدايَا من أجل العَشَايا ليزْدَوِجَ الكلامُ، قَالَ: وَكَانَ يُونُس يَقُول: إِنَّمَا هُوَ: وَلَا أَتْلَيْتَ فِي كَلَام الْعَرَب: مَعْنَاهُ أَلا يُتْلِيَ إبلَه، أَي لَا يكونُ لَهَا أَوْلَاد تَتْلُوها، وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا هُوَ لَا دَرَيْتَ وَلَا اتَّلَيْتَ على افْتَعَلْتَ من أَلَوْتَ أَي أَطَقتَ واسْتَطَعْتَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا دَرَيْتَ وَلَا استَطَعْتَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تسمي المراسل فِي الْبناء وَالْعَمَل: المُتالي قَالَ: والتَّلِيُّ الْكثير الْإِيمَان، والتَّلِيُّ الْكثير المَال.
(تول) : قَالَ ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَالَ: يَتولُ تَوْلاً إِذا عالج التِّولَةَ وَهِي السِّحْر، قَالَ: وَأما التُّولَةَ بِالضَّمِّ والهمزة، فَإِنَّهَا الداهية. أَبُو عبيد عَن الْفراء: جَاءَ فلَان بالدُّؤَلَةَ والتُّؤَلة وهما السحر، قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التِّوَلَةُ بِكَسْر التَّاء هُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا، قَالَ وَمثله فِي الْكَلَام سَبْيٌ طِيَبةٌ.
وروى أَبُو عُبَيْدَة فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: والتمائم والرقى والتِّولة شرك؛ ابْن السِّكِّيت.
قَالَ أَبُو صاعد: تُوَلَةٌ من النَّاس، أَي جمَاعَة جَاءَت من بيوتٍ وصبيان وَمَال.
وَقَالَ غَيره: التَّالُ صِغارُ النَّخْل وفَسِيلهُ، والواحدة: تالة.
ألت: قَالَ الله جلّ وعزّ: {ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن} (الطّور: 21) قَالَ الْفراء: الألْتُ النَّقْصُ، وَفِيه لُغَة أُخْرَى، وَمَا لِتْناهم بِكَسْر اللَّام، وَأنْشد فِي الألت:
أَبْلِغْ بني ثُعلٍ عنِّي مُغَلغَلَةً
جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتاً وَلَا كَذِبَا
يَقُول: لَا نقصانَ وَلَا زِيَادَة وَأنْشد قَول الراجز:
وليلةٍ ذاتِ نَدَى سَرَيْتُ
وَلم يَلِتْنِي عَنْ سُراها لَيتُ
أَي لم يَثْنِنِي عَنْهَا نَقْصٌ بِي وَلَا عجز عَنْهَا، رُوِي عَن عمر: أَن رجلا قَالَ لَهُ: اتقِ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسَمعَهَا رجل فَقَالَ: أَتألِتُ على أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ عمر: دَعْه فَلَنْ يزَالُوا بِخَير مَا قالوها لنا.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: معنى قَوْله: أَتأْلِتُهُ، أتحطهُ بذلك، أتضعُ مِنْهُ أَتُنْقِصُه؟ قلت: وَفِيه وَجه آخر، هُوَ أشبه بِمَا أَرَادَ الرجل. روى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: أَلَتَه يَمِينا يَألِتُه أَلْتاً إِذا

(14/228)


أَحْلَفه، كَأَنَّهُ لما قَالَ لَهُ: اتَّقِ الله فقد نَشَدَه الله، تَقول الْعَرَب: أَلَتُّكَ باللَّهِ لَمَا فَعلتَ كَذَا، مَعْنَاهُ نَشَدْتك بِاللَّه.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الأَلْتُ النَّقْص، والألت القَسَمُ، يُقَال: إِذا لم يُعْطك حقّك فقيَّده بالأَلت، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأُلْتَة الْيَمين الْغمُوس، والأُلتة العَطيّةُ الشَّقْنةُ. وَهِي القليلة.
وَفِي حَدِيث عبد الرحمان: وَلَا تغمدوا سُيُوفكُمْ على أعدائكم فتولتوا أَعمالكُم. قَالَ القتيبي: أَي لَا تُنقِصوها، يُرِيد أَنه كَانَت لَهُم أَعمال فِي الْجِهَاد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هم تركوها وَاخْتلفُوا، نقصوها، يُقَال: لاتَ يَلِيت، وأَلَتَ يأْلِتُ، وَلم أسمع أوْلَت يُولِتُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.
لات وَوَلَّتْ: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ} (الحجرات: 14) قَالَ الفرّاء: مَعْنَاهُ لَا يُنْقصكم وَلَا يظلمكم من أَعمالكُم شَيْئا. قَالَ: وَهُوَ من لات يليت قَالَ: والقراء مجتمعون عَلَيْهَا، قَالَ: ولاتَ يليتُ وألَتَ يَأْلِتُ لُغتان فِي معنى النَّقْص، وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال وَلَتَه يلِته وَلْتاً وأَلته يألِته ألْتاً ولاتَه يلِيته لَيْتاً، وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَمِعت بعضَهم يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي لَا يُفاتُ وَلَا يُلاتُ، قَالَ: وَقَالَ خَالِد بن عتبَة: لَا يُلات أَي لَا يَأْخُذ فِيهِ قولَ قَائِل، أَي لَا يُطيع أحدا، قَالَ: وَقيل للأسَدِية: مَا المدحَلَةُ؟ فَقَالَت: أَن يَلِيتَ الإنسانُ شَيْئا قد عَلِمه، أَي يَكْتُمُه ويَأْتِي بخَبرٍ سِواه، أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ، قَالَ: إِذا عَمَّى عَلَيْهِ الخَبَر، قيل: قد لاَتَهُ يَليته لَيْتاً.
وَقَالَ الزّجاج: لاَتَه يَليته وألأته يُليتهُ، وأَلَتَه يَلِيته إِذا نَقَصه، قَالَ: وَقَوله: {ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن} (الطّور: 21) ، يجوز أَن يكون من أَلتَ وَمن أَلاَت، قَالَ: وَيكون لاَته يَليته إِذا صرفه عَن الشَّيْء، وَقَالَ عُرْوَة بن الْورْد:
ومُحْسِبَةٍ مَا أَخطأَ الحقُّ غَيرَها
تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها فَهِيَ كالشَّوى
فَأَعْجَبَنِي إقدامُها وسَنامُها
فبِتُّ أُليتُ الْحق والحقُّ مبتلى
أنْشدهُ شمر وَقَالَ: أُليتُ الْحق أُحِيله وأصْرِفه، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اللِّيتَانِ صَفْحَتَا الْعُنُق، وَيجمع اللِّيتُ على اللِّيتَةِ، ولَيْتَ كلمة تمنٍ، لَيْتَني فَعَلتُ كَذَا وَكَذَا وَهِي من الْحُرُوف الناصبة. وليتِي فِي معنى لَيْتَني.
أتل: أَبُو عبيد عَن الْفراء: أَتَلَ الرجلُ يأتِلُ أُتُولاً، وأَتَن يأتِنُ أُتوناً، إِذا قاربَ الرجلُ خَطْوَهُ فِي غَضَب وَأنْشد:
أَراني لَا آتِيك إِلَّا كأَنما
أسأتُ وَإِلَّا أنتَ غَضْبانُ تأتِلُ

(14/229)


وَقد يُقَال فِي مصدره الأَتلان والأَتَنَان.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّألانُ الَّذِي كَأَنَّهُ يَنهض بِرَأْسِهِ إِذا مَشى يُحركه إِلَى فَوق، قلت: هَذَا تَصْحِيف فاضح، وَإِنَّمَا هُوَ النّأَلان بالنُّون، وَذكر الليثُ هَذَا الْحَرْف فِي أَبْوَاب التَّاء فلزمني التَّنْبِيه على صَوَابه لِئَلَّا يَغتر بِهِ من لَا يعرفهُ، وَقَالَ: وَقد أوضحت الْحَرْف فِي بَاب اللَّام وَالنُّون.
لتا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَتا إِذا نقص.
قلت: كَأَنَّهُ مقلوب من لاَتَ أوْ من أَلَتَ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللَّتيُّ المُلازِمُ للموضع.
أَبُو تُرَاب، قَالَ الْأَصْمَعِي: لَعَنَ اللَّهُ أُمًّا لَتأَتْ بِهِ، ولَكأَتْ بِهِ أَي رَمَتْ بِهِ، قَالَ وَقَالَ شمر: لَتَأتُ الرجلَ بِالْحجرِ إِذا رَمَيتَه بِهِ، ولَتَأتُه بِعيني لَتْأً إِذا أَحْدَدْتَ إِلَيْهِ النّظر وَأنْشد ابْن السّكيت:
تراهُ إِذا أجَّه الضَّنَى
يَنُوءُ اللَّتِيء الَّذِي يَلتؤُه
قَالَ اللّتِيءُ: فعيلٌ من لَتأتُه إِذا أصبته، واللّتِيءُ المَلْتِيُّ المرْمِيُّ.
قَالَ العجاج:
دافعَ عني بتقصير مَوْتَتِي
بعد اللُّتيا واللَّتيا والَّتي
أَرَادَ اللُّتيا تَصْغِير الَّتِي، وَهِي الداهية الصَّغِيرَة، والَّتي: الداهية الْكَبِيرَة.
وتل: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوُتُلُ من الرِّجَال الَّذين ملأوا بطونهم مِن الشَّرَاب، الْوَاحِد أَوْتَلُ، واللَّتَّام المالِئوها من الطَّعَام.

(بَاب التَّاء وَالنُّون من المعتلات)
(ت ن (وايء))
وتن، تين، تون، يتن، أتن، تنأ، نتأ، أَنْت، نأت.
تين: قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (التِّين: 1) .
قَالَ الْفراء: قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ تينكم هَذَا وزَيتُونكم، وَيُقَال: إنَّهُمَا مَسجدان بِالشَّام، قَالَ الفرَّاء: وسمعتُ رجلا من أهل الشَّام، وَكَانَ صَاحب تَفْسير قَالَ: التينُ جبالٌ مَا بَين حُلوان إِلَى هَمذان، وَالزَّيْتُون جبال الشَّام.
روى المنذريُّ عَن الْحَرَّانِي عَن ثَابت بن أبي ثَابت أَنه قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي: الزَّيْتُون شجرةٌ تشبه الرِّمْثَ وَلَيْسَت بِهِ.
(تون) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّتاوُن احْتيالٌ وخَدِيعةٌ، وَالرجل يَتتاوَنُ الصَّيْدَ إِذا جَاءَهُ مَرَّة عَن يَمينه، وَمرَّة عَن شِماله وَأنْشد:
تتَاوَنَ لِي فِي الْأَمر من كل جانبٍ
ليصرِفَنِي عمَّا أرِيدُ كُنودَا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التُّونُ الخزفة الَّتِي يُلْعَبُ عَلَيْهَا بالكُجَّة وَلم أر هَذَا الْحَرْف

(14/230)


لغيره، وَأَنا وَاقِف فِيهِ أَنه بالنُّون أَو بالزاي.
يتن: أَبُو عبيد عَن اليزيدي: اليَتْنُ أَن تَخْرجَ رِجلا الْمَوْلُود قبل يَدَيْهِ.
وَقَالَ غَيره: تُكْرَه الوِلادةُ إِذا كَانَت كَذَلِك، وَقد أَيْتَنَتْ بِهِ أمُّه، وَقَالَت أم تأبَّط شرا: واللَّهِ مَا حَملْتُه غَيْلاً وَلَا وَضَعتُه يَتْناً، وَفِيه لُغات يُقَال: وَضعته أمُّه يَتْناً وأَتْناً ووَتْنَا.
وروى المنذريُّ عَن الْحَرَّانِي عَن ثَابت بن أبي ثَابت أَنه قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي: اليَتْنُون شجر يشبه الرِّمث وَلَيْسَت بِهِ.
وتن: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ} (الحاقة: 46) الوَتين نِياط الْقلب، وَإِذا انْقَطع الوتينُ لم يكن بعده حَيَاة.
وَقَالَ أَبُو زيد: الوَتِينُ عِرْقٌ يَسْتَبْطِنُ الصُّلْبَ يجتمعُ إِلَيْهِ البطنُ أجمع، وَإِلَيْهِ تَضْرِبُ العُرُوق، وَهِي الوُتُن، وثَلاثَةُ أَوْتِنة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَتَنَ بِالْمَكَانِ يَتِنُ وتُوناً.
تنأ نتأ: تَنَأَ يَتْنَأَ تُنُوءاً، إِذا أَقَامَ بِهِ، فَهُوَ وَاتِنٌ وتأنِىءٌ، وَجمع التانِيء تُنَّاء.
وَفِي حَدِيث عمر: ابنُ السَّبِيل أحقّ بِالْمَاءِ مِن التّأنِيءِ عَلَيْهِ، أَرَادَ أنَّ ابْن السَّبِيل إِذا مَرّ بِرَكِيَّةٍ عَلَيْهَا قومٌ يَسْقون مِنْهَا نَعمهم، وهم مُقيمون عَلَيْهَا، فَابْن السَّبِيل ماراً أَحَق بالماءِ مِنْهُم يُبْدأ بِهِ فيُسْقَى وَظَهره لِأَن سَائِرهمْ مقيمون، وَلَا يَفوتُهم السَّقْي وَلَا يُعْجِلُهم السَّفَر والمسير.
سَلَمة عَن الْفراء: الأتْنَاءُ الأَقران، والأنْتَاءُ الأوْرَامُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: نَتَأْتُ فَأَنا أنْتَأُ نُتُوءًا إِذا ارتفعتَ، وكلُّ مَا ارْتَفع فَهُوَ نَاتِىءٌ، قلت: وَمن الْعَرَب من يَقُول: نَتَا عُضْوٌ من أَعْضَائِهِ يَنْتُو نتُوّاً فَهُوَ ناتٍ إِذا وَرِم بِغَيْر همز، وانْتَتأَ إِذا ارْتَفع أَيْضا، وَأنْشد أَبُو حَازِم:
فَلَمَّا انْتَنأْتُ لدِرِّيئهم
نَزَأْتُ عَلَيْهِ الوأَي أهذَؤُه
لِدِرِّيئهم أَي لِعَرِيفهم نَزَأْتُ عَلَيْهِ أَي هَيَّجْتُ عَلَيْهِ، ونزعت الوَأَي وَهُوَ السَّيْف أهذؤُه أَي أَقْطَعُه، وَفِي بعض الحَدِيث كَانَ حُميد بن هِلَال من الْعلمَاء فأخرتْ بِهِ التِّنايةُ، قَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا هِيَ التِّناوَةُ أيْ أَنه تَركَ المذاكرة، وَكَانَ ينزل قَرْيَة على طَرِيق الأهواز.
وَقَالَ اللَّيْث: التُّنُوءُ خُرُوج الشَّيْء من مَوْضِعه من غير بينونة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أنْتَى أَنتَا إِذا تأخَّر، وأنتَى إِذا كَسَر أَنْف إِنْسَان فَوَرَّمَه، وأَنْتَى إِذا وَافق شكلَه فِي الخَلْق والخُلُق مَأْخُوذ من التِّنِّ.

(14/231)


أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر فِي بَاب من يستَحْضَر وَهُوَ ذُو تِكْراهٍ يحقِرُ، وَهُوَ يَنْتأ أَي أَنَّك تَزْدَرِيه لسكوته وَهُوَ يُحادِيُك.
(نأت) : وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: نَأَتَ الرجلُ وَهُوَ يَنْئِتُ نَئِتاً وأَنَّ يَئِنَّ أَنِيناً وأَنْتَ يَأْنِتُ أَنيتاً بِمَعْنى وَاحِد غير أَن النئيتَ أجْهرُها صَوتا.
أَبُو عبيد: النُّوتيُّ الملاّح والجميع النَّواتيّ والنُّوتيُّون؛ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: امْرَأَة مأتُونَةٌ إِذا كَانَت أديبةً، وَإِن لم تكن حَسَنَة.
(وتن أتن) : قَالَ: والوَتْنَةُ مُلازمةُ الغَريم، والوَتْنَةُ الْمُخَالفَة.
وَقَالَ اللَّيْث: وَتَنَ بِالْمَكَانِ وُتُوناً وأَتِن أُتوناً إِذا أَقَامَ بِهِ، وأتانٌ وثلاثُ آتُنٍ؛ وأتُنٌ كثيرةٌ.
قَالَ: الأتُون أَتُون الحمَّام والجصَّاصة وَنَحْوه.
وَقَالَ الْفراء: جَمَعت الْعَرَب الأَتُّون أَتَاتين بتاءين، قَالَ: وَهَذَا كَمَا جمعُوا قَسّاً قَسَاوسة أَرَادوا أَن يجمعوه على مِثَال مَهالِبة فكثُرت السينات فأبدلوا إِحْدَاهُنَّ واواً، قَالُوا: وَرُبمَا شدَّدوا الْجمع وَلم يشدِّدوا واحده مثل أُتُون وأَتَاتِين.
وَقَالَ أَبُو زيد: الوَاتِنُ من الْمِيَاه الدَّائِم المَعِينُ الَّذِي لَا يذهبُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأتَانُ قاعِدة الفَوْدَج، والجميع الأُتُن، قَالَ: وَقَالَ لي أَبُو موهب: الحمائر هِيَ القَواعِد والأُتُن الْوَاحِدَة حمارة وأَتانٌ.
وَقَالَ أَبُو الدُّقيش: الْقَوَاعِد والأُتن المرتفعة من الأَرْض، وأَتانُ الضَّحْل الصَّخْرةُ الْعَظِيمَة تكون نابتَةً فِي المَاء وَأنْشد:
عَيْرَانَةٌ كأَتانِ الضَّحْلِ عُلْكومُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأتان الصخرةُ تكون فِي المَاء، وَقيل: هِيَ الصخرةُ الَّتِي هِيَ فِي أَسْفَل طَيِّ البئرِ، فَهِيَ تَنِي المَاء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
بِنَاجِيَةٍ كأَتان الثَّمِيل
توفى السُّرَى بَعْدَ أَيْنٍ عَسِيراً
أَي تُصْبِحُ عَاسِراً بِذَنبها تَخْطِرُ بِهِ مَراحاً ونَشَاطاً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَتَانُ الثَّمِيلِ الصَّخْرةُ الَّتِي لَا يَرْفَعُها شَيْء وَلَا يُحَرِّكها وَلَا يأْخُذُ فِيهَا، طُولُها قَامَةٌ فِي عَرْض مِثْلِه، وأتانُ الرمل دويْبةٌ دقيقة الساقَيْن.
(أَنْت) : أَبُو عَمْرو: رجل مَأْنوتٌ، وَقد أَنَتَه النَّاس يَأْنِتونَهُ إِذا حَسدوه فَهُوَ مأنوتٌ وأَنِيتٌ.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(14/232)


(بَاب التَّاء وَالْفَاء من المعتل)
(ت ف (وايء))
تفى، توف، فتا، فَوت، أفت.
تفى: يُقَال: رَأَيْته على تَفِئَةِ ذَاك وتَئِفْة ذَاك وأفّاية ذَاك أَي على حِين ذَاك.
قلت: وَلَيْسَت التَّاء فِي تَفِئَةٍ وتَئفَّةٍ أَصْلِيّة.
توف: وَفِي نَوَادِر الْأَعْرَاب: مَا فِيهِ تُوفَةٌ وَلَا تافَةٌ أَي مَا فِيهِ عَيْبٌ.
فتا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفُتَيُّ قدَحُ الشُّطَار، وَقد أفتى إِذا شرَبَ بِهِ.
شمر عَن أبي حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: المُفْتِيُّ مِكيال هِشام بن هُبَيْرة، والْعُمَريُّ هُوَ مكيال اللَّبن.
قَالَ: والمُدُّ الهِشَامِي هُوَ الَّذِي كَانَ يتَوَضَّأ بِهِ سعيد بن الْمسيب.
حَدثنَا السَّعْدِيّ عَن أبي سعيد عَن يحيى الْحمانِي عَن ابْن فُضَيْل عَن حُصَين عَن يزِيد الرقاشِي، عَن امْرَأَة من قومه حَجَّت فمرَّت على أمّ سَلَمة، فسألتها أَن تُرِيَها الإناءَ الَّذِي كَانَ يَتَوَضَّأ فِيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْرَجته، فَقَالَت: هَذَا مَكُّوكُ المُفْتِيِّ.
قلت: أريني الْإِنَاء الَّذِي كَانَ يَغتسل فِيهِ فَأَخْرَجته فَقلْتُ: هَذَا قَفِيزُ المُفْتِيَّ.
وَقَالَ ابْن السّكيت يُقَال: تَفَتَّتْ الْجَارِيَة إِذا راهَقَت فخُدِّرَتْ ومُنعتْ من اللَّعب مَعَ الصّبيان، وَقد فُتِّيَتْ تَفْتيةً.
وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ الحَدَثة: فتاةٌ، وللغلام فَتى وتَصْغيرُ الفتاةِ فُتيَّةٌ، وتصغير الفَتى فُتَيُّ.
للبكرة من الْإِبِل: فَتِيَّةٌ وبَكْرٌ فَتِيٌّ كَمَا يُقَال لِلْجَارِيَةِ فتاةٌ، وللغلام فَتًى، وَيُقَال: بَكْرٌ فَتِيُّ، بيِّن الفَتَاء مَمْدُود، وفَتِيٌّ من النَّاس بيِّن الفُتوَّة.
وَقَالَ ابْن عِمران بن حُصَيْن:
جَذَعةٌ أَحَبُّ إليّ مِن هَرِمَةٍ
اللَّهُ أَحَقُّ بالفَتَاءِ وَالكَرَمِ
قَالَ أَبُو عبيد: الفَتاء مَمْدُود، مَصْدَرُ الفَتِيِّ فِي السن وَأنْشد:
إِذا عاشَ الفَتى مِائَتَيْنِ عَاما
فقد أوْدَى اللَّذَاذَةُ والفَتَاءُ
فقصرَ الْفَتى فِي أوّل الْبَيْت ومدَّه فِي آخِره، واستعارَه فِي النَّاس، وَهُوَ من مصَادر الفَتِيِّ من الْحَيَوَان، ويُجمع الْفَتى فِتياناً وفُتُواً، وَيجمع الفتِيُّ فِي السنّ أَفْتاءٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَتِيّ والفَتِيَّة الشَّابُّ والشابّةُ والفِعل فَتُوَ يَفْتُو فتَاءً.
وَيُقَال: فعل ذَلِك فِي فَتائِه، وَجَمَاعَة الْفَتى فِتيةٌ وفِتيان وَقد يُجمع على الأَفتاء وَجمع الفتاةِ فَتياتٌ.
قَالَ القُتيبي: لَيْسَ الْفَتى بِمَعْنى الشابِّ والحَدثِ، إنَّما هُوَ بِمَعْنى الْكَامِل الجزْل من الرِّجَال تَدلُّك على ذَلِك:

(14/233)


قَول الشَّاعِر:
إِن الْفَتى حَمَّالُ كلِّ مُلِمَّةٍ
ليْس الْفَتى بِمُنعَّم الشُّبانِ
وَقَالَ ابْن هَرْمة:
قد يُدْركُ الشَّرَفَ الْفَتى وَرِدَاؤُهُ
خَلَقٌ وجَيْبُ قَميصِه مَرْقُوعُ
وَقَالَ الْأسود بن جَعْفَر:
مَا بَعدَ زيدٍ فِي فتاةٍ فُرِّقوا
قتْلاً وسَبْياً بعدُ طولِ تآدِي
وَقَبله:
فِي آلِ عَوْفٍ لَو بَغَيتَ لي الأَسَى
لَوجدتُ مِنْهُم أُسْوَةَ العُوَّاد
فتخيَّروا الأرضَ الفضاءَ لِعِزّهم
ويزيدُ رافِدُهم على الرُّفَّاد
وَيُقَال: أفتى الرجلُ فِي الْمَسْأَلَة واسْتفتيتَه فأفتاني إِفْتَاء، وفُتْياً وفَتْوَى اسمان من أَفتَى توضعان مَوضِع الْإِفْتَاء.
وَيُقَال: أَفتيتُ فلَانا فِي رؤْياً رَآهَا، إِذا عَبَرْتَها لَهُ، وأفتيتُه فِي مَسْأَلته إِذا أَجَبْتُه عَنْهَا.
وَفِي الحَدِيث: أَن قوما تَفاتوا إِلَيْهِ، مَعْنَاهُ تحاكموا.
قَالَ الطرماح:
أنِخْ بِفنَاء أشْدَقَ من عَدِيَ
وَمن جرم، وهم أهل التَّفاتي
أَي التحاكم، وأصل الْإِفْتَاء والفُتْيا تَبْيِين الْمُشكل من الْأَحْكَام، أَصله من الفتيِّ، وَهُوَ الشَّاب الْحَدث الَّذِي شب وقَوِيَ فَكَأَنَّهُ يُقوِّي مَا أشكل ببيانه، فيشب وَيصير فَتِياً قَوِيا، وَأفْتى الْمُفْتِي إِذا أحدث حكما.
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هَؤُلَاءِ قومٌ من بني حَنظَلَةَ. خَطبَ إِلَيْهِم بعضُ الْمُلُوك جَارِيَة يُقَال لَهَا: أمّ كَهْف فَلم يُزَوِّجوه فغَزَاهم وأجلاهم عَنْ بِلَادهمْ.
وَقَالَ أَبوهَا:
أَبَيتُ أَبَيْتُ نِكاحَ الْمُلُوك
لأنِّي امرؤٌ مِن تَمِيم بن مُرْ
أَبيتُ اللِّئامَ وأَقْليهِمُ
وَهل يُنكحُ العبدَ حرُّ بن حُرْ
وَقَوله تَعَالَى:
{شِهَابٌ} (الصافات: 11) أَي سَلْهُمْ.
وَيُقَال للْعَبد فَتى وللأمة فتاةٌ.
وَقَالَ لِفتيانِه: أَي لممالكيه وقُرِىء (لِفتيته) .
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يَقولَنَّ أحدكُم عبْدي وأَمتِي، وَلَكِن لِيَقُلْ فتايَ وفَتاتِي) .
وسمَّى الله جلّ وعزّ صَاحب مُوسَى الَّذِي صَحبه فِي الْبَحْر، فَتاهُ لِأَنَّهُ كَانَ يخدُمه فِي سَفَره.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى:

(14/234)


{شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ} (الصافات: 11) أَي فاسألهم سُؤال تَقْرِير أهم أَشد خلقا من الْأُمَم السالفة؟ وَقَوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} (النِّسَاء: 176) أَي يَسْأَلُونَك سؤالَ تَعلُّمٍ.
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب قَول الله جلّ وعزّ: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (يُوسُف: 85) .
قَالَ ابْن السّكيت يَقُول: مَا زلتُ أفْعَلُهُ وَمَا فَتئتُ أفعلُه، وَمَا بَرِحْتُ أفعلُه، قَالَ: وَلَا يُتكلَّم بهنّ إِلَّا مَعَ الجَحْد، قلت: وَرُبمَا حَذَفت الْعَرَب حَرْف الْجحْد من هَذِه الْأَلْفَاظ، وَهُوَ مَنْوِيٌ كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} .
وَقَالَ أَبُو زيد: مَا فَتأتُ أذكرهُ أَي مَا زِلت، وهما لُغَتَانِ مَا فَتئتُ وَمَا فَتأْتُ.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال: فَتِىءَ يَفْتِىءُ وفتُوَ يفَتُوُ وَأَجْمعُوا على الفتُوَّةِ بِالْوَاو، وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فَتِئْتُ من الْأَمر أَفْتَأُ إِذا نَسِيتَه وانْقَدَعْتَ عَنهُ، ورَوَى ابْن هانىء عَن أبي زيد قَالَ: تميمُ تَقول: أَفْتَأْتُ، وقيسٌ وَغَيرهم يَقُولُونَ: فَتِئْتُ، يَقُولُونَ: مَا أفْتأتُ أذكرهُ إفْتَاءً، وَذَلِكَ إِذا كنت لَا تَزالُ تذكره وَمَا فَتِئتُ أذكرُه، أَفتأُ فَتْأً.
فَوت: قَالَ اللَّيْث: فاتَ يفوتُ فَوْتاً فَهُوَ فَائتُ وَالْمَفْعُول بِهِ مَفوتٌ، وَهُوَ من قَوْلك: فَاتَنِي فأَنا مَفُوتٌ وَهُوَ فَائِتٌ، وَيُقَال: بَينهم فَوْتٌ فَائِتٌ، كَمَا يُقَال: بَوْنٌ بائِنٌ، وَبينهمْ تَفَاوتٌ وتَفَوّتٌ.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن} (الْملك: 3) . وقُرِىء: من (تَفَوُّتٍ) ، وَالْأول قِرَاءَة أبي عَمْرو، وَقَالَ قَتَادَة: الْمَعْنى من اخْتِلَاف. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ تَفَوُّتٍ مِنْ عَيْبٍ، يَقُول النَّاظر: لَو كَانَ كَذَا كَانَ أحسن، وَقَالَ الْفراء: هما بِمَعْنى وَاحِد.
وَقيل: من تفَاوت من اخْتِلَاف واضطراب، والتفاوت التباعد وَقَوله تَعَالَى: {سَمِيعٌ قَرِيبٌ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} (سبأ: 51) قَالَ ابْن عَرَفَة: أَي لم يسْبقُوا مَا أُرِيد بِهِ، وَقد افتات عَلَيْهِ فِي رَأْيه أَي سبقه وَمثله قَوْله: أمثلي يُفاتُ عَلَيْهِ فِي بناتِه؟
وَفِي الحَدِيث أَن رجلا تَفَوَّت على أَبِيه فِي مَاله فأَتَى أَبوهُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: (ارْدُد على ابْنك فَإِنَّمَا هُوَ سهم من كنانتك) .
قَالَ أَبُو عبيد قَوْله: تَفَوَّتَ مأخوذٌ من الفَوْت، وتَفَعَّل مِنْهُ، وَمَعْنَاهُ أَن الابْن فَاتَ أَبَاهُ بِمَال نَفسه فوهَبَه وبَذَّره فَأمر النَّبِي الْأَب بارتجاع المَال ورده إِلَى ابْنه، وأعمله أَنه لَيْسَ للِابْن أَن يَفتاتَ على أبيهِ بِماله، وَقَالَ أَبُو عبيد: وكلُّ من أحدثَ دُونك شَيْئا فقد فاتك وافتات عَلَيْك فِيهِ،

(14/235)


وَقَالَ معن بن أَوْس يَعاتب امْرَأَة:
فَإِن الصبحَ مُنتَظَرٌ قَريبٌ
وإنَّكِ بالملامة لَنْ تُفاتِي
أَي لَا أَفوتك وَلَا يَفُوتُك مَلامي إِذا أَصبَحت فَدَعيني ونَوْمي إِلَى أَن تُصبحي. وزوَّجَتْ عَائِشَة رَحمهَا الله تَعَالَى، ابنةَ أَخِيهَا عبدِ الرحمان وَهُوَ غَائِبٌ من الْمُنْذر بن الزُّبير، فلمَّا رَجَعَ من غيبته قَالَ: أمثلِي يُفتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاته؟ نَقِمَ عَلَيْهَا نكاحَها ابْنَتَه دُونَه. ورَوَى الأصمعيّ بَيت ابْن مقبل:
يَا مُرُّ أمْسَيْتُ شَيخا قد وَهَى بَصَرِي
وافْتِيتَ مَا دُونَ يومِ البَعْثِ من عُمُري
قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مِن الفَوْتِ، قَالَ: والافتياتُ، الفراغُ يُقَال: افْتاتَ بأَمْره أَي مضى عَلَيْهِ وَلم يَسْتَشِرْ أحدا، لم يَهْمِزْه الْأَصْمَعِي. وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: افْتأَتَ الرجلُ عَليّ افتئاتاً: وَهُوَ رجل مُفْتِئتٌ وَذَلِكَ إِذا قَالَ عَلَيْك الْبَاطِل.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي كتاب (الْمنطق) : افْتَأَتَ فلانٌ علينا يَفْتَئِتُ: أَي استبدّ علينا بِرَأْيهِ، جَاءَ بِهِ فِي بَاب الْهَمْز.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي بَاب الْهَمْز: افْتأَت بأَمْره إِذا استبدَّ بِهِ، قلت: وَقد صحَّ الْهَمْز عَن ابْن شُمَيْل وَابْن السّكيت فِي هَذَا الْحَرْف، وَمَا علمت الْهَمْز فِيهِ أَصْلِيًّا، ومَوْتُ الفَواتِ مَوْتُ الفُجَاءة، وفاتني كَذَا أَي سبقني، وفُتُّه أَنا، وَقَالَ أَعْرَابِي: الْحَمد لله الَّذِي لَا يُفَاتُ وَلَا يُلات، ذكره فِي اللَّام وَالتَّاء.
أفت: قَالَ رؤبة:
إِذا بناتُ الأرْحَبِيِّ الأُفْتِ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأُفْتُ الَّتِي عِنْدهَا من الصَّبْر والبقاء مَا لَيْسَ عِنْد غَيرهَا كَمَا قَالَ ابْن الْأَحْمَر:
كأَنِّي لم أقلْ عاجٍ لأَفْتِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الإفْتُ الْكَرِيم من الْإِبِل انْتهى. رَأَيْته فِي نُسْخَة قُرِئت على شمر إِذا بَنَات الأرحَبِيِّ الإفت بِكَسْر الْهمزَة فَلَا أَدْرِي أهوَ لُغَة أَو خطأ.

(بَاب التَّاء وَالْبَاء)
(ت ب (وايء))
توب، تَبًّا، بَيت، أَبَت، أتب، تأب.
(تَبًّا) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَبًّا إِذا غَزا وغَنِمَ وسَبَى.
توب: قَالَ اللَّيْث: تابَ الرجلُ إِلَى الله يَتوبُ تَوْبَةً ومَتاباً، وَالله التَّوابُ يتوبُ على عَبده، وَالْعَبْد تَائِبٌ إِلَى الله، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الذَّنبِ وَقَابِلِ} (غَافِر: 3) أَرَادَ التَّوْبة، قلت: أصل تَابَ عَاد إِلَى الله وَرجع وأنابَ وتَابَ الله عَلَيْهِ، أَي عَاد عَلَيْهِ بالمغفرة، وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَتُوبُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} (النُّور: 31) أَي عودوا إِلَى

(14/236)


طَاعَته وأنيبوا وَالله التوّاب يَتُوب على عَبده بفضله إِذا تَابَ إِلَيْهِ من ذَنبه، واستتبْتُ فلَانا أَي عَرَضْتُ عَلَيْهِ التوبةَ ممَّا اقْتَرَف، أَي الرُّجُوع والنَّدم على مَا فَرَط مِنْهُ، وأمَّا التُّؤَبةُ والإتئابُ فَالْأَصْل وُؤَبة، وَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب وسأفسره فِي مَوْضِعه.
وَقَوله تَعَالَى: {وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (المزمل: 20) أَي رَجَعَ بكم إِلَى التَّخْفِيف، وَقَوله تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (الْبَقَرَة: 187) . أَي أَبَاحَ لكم مَا كَانَ حُظِر عَلَيْكُم فتوبوا إِلَى بارئكم أَي ارْجعُوا إِلَى خالقكم. والتواب من صِفَات الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتُوب على عباده، والتواب من النَّاس هُوَ الَّذِي يَتُوب إِلَى ربه.
(تأب) : عَمْرو عَن أَبِيه: التَّوْأبانيان رَأْسا الضَّرع من النَّاقة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: التَّوْأبانيَّان قَادِمَتا الضّرع، وَقَالَ ابْن مُقبل:
فمرَّتْ على أطرافِ هِرَ عَشِيَّةً
لَهَا توأَبانيان لم يَتَفَلفَلا
قَالَ: لم يتَفلْفلا أَي لم يَظهرا طهُورا بَيِّناً وَمِنْه قَول الآخر:
طَوَى أُمَّهاتِ الدَّرِّ حَتَّى كأَنها فَلافِل
أَي لصقت الأخْلافُ بالضرة، فَصَارَت كأَنها فَلافِلُ، قلت: وَالتَّاء فِي التوأبانيين لَيست أَصْلِيَّة.
أَبَت: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يومٌ أبْتٌ وَلَيْلَة أَبْتَةٌ، وَكَذَلِكَ، حَمْتٌ وحَمْتةٌ، ومَحْتٌ ومَحْتةٌ كل هَذَا فِي شِدَّة الحرِّ، وَقَالَ شمر: يُقَال: أَبتَ يَأْبِتُ أَبْتاً وَأنْشد:
مِن سافِعاتٍ وهجيرٍ أبتِ
أتب: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الإتْبُ البَقيرَةُ، وَهُوَ أَن يُؤخذ بُردٌ فيُشَقَّ ثمَّ تلقيه الْمَرْأَة فِي عُنُقها من غير كمين، وَلَا جيب وَقَالَ أَحْمد بنُ يحيى: هُوَ الإتبُ والعِلْقَةُ والصِّدارُ والشَّوْذَرُ.
أَبُو زيد: أتَّبْتُ الْجَارِيَة تأْتِيباً: إِذا دَرَّعْتها دِرعاً، والاسمُ الإتبُ والجميع الآتابُ، وَائتتبت الجاريةُ فَهِيَ مُؤْتَتِبَةٌ إِذا لَبِسَتْ الإتْب، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِئتَبُ المِشْمَل.
بَيت: سَلمَة عَن الْفراء: باتَ الرجلُ إِذا سَهِرَ الليلَ كُله فِي طَاعَة أَو مَعْصية.
وَقَالَ اللَّيْث: البَيْتُوتَةُ دُخُولُك فِي اللَّيْل، تَقول: بِتُّ أصنعُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ وَمن قَالَ: بَات فلانٌ إِذا نَام فقد أَخطَأ، أَلا ترى أَنَّك تَقول: بِتُّ أُراعِي النجومَ، مَعْنَاهُ بِتُّ أنظر إِلَيْهَا فَكيف نَام وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا؟ وَيُقَال: أَباتَكَ اللَّهُ إباتَةً وباتَ بَيْتُوتَةً صَالِحَة وأتاهم الْأَمر بَيَاتاً، أَي أَتَاهُم فِي جَوْفِ اللَّيْل.
قَالَ ابْن كيسَان: بَاتَ يَجوز أَن يَجْرِيَ، مَجرى نَام، وَأَن يَجْرِي مَجْرى كَانَ، قَالَه

(14/237)


فِي بَاب كَانَ وأَخواتها، مَا زَالَ وَمَا انْفَكَّ وَمَا فتىء وَمَا برح.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ} (النِّسَاء: 81) مَعْنَاهُ غيَّروا مَا قَالُوا وخالفوا.
وَفِي قِرَاءَة عبد الله: (بَيَّتَ مُبَيِّتٌ غير الَّذِي تَقول) .
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (النِّسَاء: 108) كل مَا فُكِّر فِيهِ أَو خِيضَ فِيهِ بِلَيْل فقد بُيِّتَ، وَيُقَال: هَذَا أمرٌ دُبِّر بلَيْل وبُيِّتَ بلَيْل بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله تَعَالَى: {فَجَاءَهَا بأسنا بياتا} (الْأَعْرَاف: 4) أَي لَيْلًا، وَالْبَيْت سمي بَيْتا لِأَنَّهُ يُبَات فِيهِ، وبَيَّتهم العدُوُّ إِذا جَاءَهُم لَيْلًا.
وَقَوله: لَيُبَيِّتُنَّه أَي ليُوقِعَنَّ بِهِ بَيَاتاً أَي لَيْلًا.
وَقَوله: مَا يبيتُونَ أَي مَا يُدَبِّرون بِاللَّيْلِ.
وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ لأبي ذَرَ: كَيفَ نَصْنَعُ إِذا ماتَ النَّاس حَتَّى يكون البيتُ بالوَصِيفِ؟
قَالَ القتيبي: لم يُرِدْ بِالْبَيْتِ مساكنَ النَّاس، لِأَنَّهَا عندَ فُشُوِّ الموتِ تَرْخُص، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْبَيْتِ القَبْرَ، وَذَلِكَ أَن مَوَاضِع الْقُبُور تَضِيقُ عَلَيْهِم فَيَبْتاعون كل قبرٍ بوصيفٍ وَلِهَذَا ذهب حَمَّاد فِي تَأْوِيله.
وَيُقَال: مَا عِنْد فلَان بِيتُ ليْلَةٍ وبِيتَةُ لَيْلةٍ أَي مَا عِنده قُوتُ ليلةٍ، {وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} (النِّسَاء: 81) أَي يُدَبِّرون ويُقَدِّرون من السوء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْفَقِير: المسْتَبِيتُ، وفلانٌ لَا يستبيت لَيْلَة أَي لَيْسَ لَهُ بِيتُ لَيْلَةٍ من القُوتِ.
سَلمَة عَن الْفراء: هُوَ جاري يَبْتَ بَيْتَ وبيتاً لبيتٍ، وبيتٌ لبيتٍ، وبَيْتُ الرجلِ دارُهُ وبَيْتُه قَصْرُهُ.
وَمِنْه قَول جِبْرِيل للنَّبِي عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام: بَشِّرْ خَدِيجَة بِبَيْتٍ من قَصَبٍ، أَرَادَ بشّرها بِقَصْرٍ مِن لُؤْلُوَة مُجَوَّفةٍ، وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول: اسْقِنِي من بَيُّوتِ السِّقاءِ، أَي من لَبَن حُلِبَ لَيْلاً وحُقِنَ فِي السِّقاء حَتَّى بَرَدَ فِيهِ لَيْلًا، وَكَذَلِكَ الماءُ إِذا بُرِّد فِي المزادةِ لَيْلًا: بَيُّوتٌ.
وَيُقَال: بَيَّتَ فلانٌ بني فلانٍ أَي أَتاهم بَيَاتاً فَكَبَسَهم وهم غارُّونَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَكْنِي عَن الْمَرْأَة بالبيتِ وَقَالَهُ الأصمعيّ، وَأنْشد:
أَكِبَرٌ غَيَّرَني أَمْ بَيْتُ
قَالَ: والخِبَاءُ بَيْتٌ صَغير من صُوف أَو شَعَر، فَإِذا كَانَ أكبر من الخِباء فَهُوَ بَيْتٌ ثمَّ مِظَلَّة إِذا كَبُرَت عَن الْبَيْت، وَهِي تسمى بَيْتا أَيْضا إِذا كَانَ ضخماً مُرَوَّقاً.
أَخبرني المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول: أَبيتُ وأَبَاتُ،

(14/238)


وأَصِيدُ وأَصَادُ، ويَموتُ ويَماتُ، ويَدُومُ ويَدَامُ، وأَعيفُ وأَعافُ، وأَخِيلُ الغَيْثَ بِنَاحِيَتِكم، وأَخالُ لُغَة، وأَزيلُ أَقول ذَلِك يُرِيدُونَ: أَزَالُ.
قَالَ: وَمن كَلَام بني أَسد: مَا يَلِيقُ بكم الخَيْرُ وَلَا يَعِيقُ إتْباع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: بَات الرجلُ يَبيتُ بَيْتا إِذا تزوَّج، وبَيْتُ الْعَرَب شَرفُها، والجميع البيوتُ ثمَّ يُجمعُ بُيُوتات جمع الْجمع، وَيُقَال: بَيْتُ تَمِيم فِي بني حَنْظَلة أَي شرفُها.
وَقَالَ الْعَبَّاس يمدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُك المهَيْمِنُ مِن
خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تحتَها النُّطُقُ
أَرَادَ ببيته شَرَفَه العالي جعل فِي أَعلَى خندف بَيْتا، والبَيْت من أَبْيَات الشِّعْرِ سُمِّي بَيْتا لِأَنَّهُ كَلَام جُمِعَ مَنْظوماً فَصَارَ كَبيتٍ جُمِع من شُقَقٍ وكِفَاءٍ ورِوَاقٍ وعُمُدٍ، وسُمّى الله جلّ وعزّ الكعبةَ: الْبَيْت الْحَرَام.
وَقَالَ نوح حِين دَعَا ربه: {كَفَّاراً رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (نوح: 28) فَسمى سَفِينَتَه الَّتِي ركبهَا أَيَّام الطوفان: بَيْتا؛ وَيُقَال: بنى فلَان على امْرَأَته بَيْتاً إِذا أَعْرَسَ بهَا وأدخلها بيْتاً مَضروباً، وَقد نَقَل إِلَيْهِ مَا يحتاجان إِلَيْهِ من آلةٍ وفِراش وَغَيره.

(بَاب التَّاء وَالْمِيم)
(ت م (وايء))
تيم (أتام) ، توم، أتام، يتم، أتم، أمت، موت، مَتى، وَتمّ.
تيم: قَالَ أَبُو عبيد: التَّيْمُ أَن يَسْتَعْبِدُه الْهوى، وَمِنْه سُمِّي تَيْمُ الله، وَهُوَ ذَهابُ العَقْل من الْهوى، وَهُوَ رجلٌ مُتَيَّم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: التَّيْمُ ذهَاب الْعقل وفساده.
وَقَالَ الأصمعيّ: تَيَّمتْ فلانةُ فُلاناً تُتَيِّمه وتَامَتْه تتِيمُهُ تَيْماً، فَهُوَ مُتَيَّمٌ بِالنسَاء، ومَتِيمٌ بهنّ وَأنْشد:
تَامَتْ فُؤادَك لن يَحْزُنكَ مَا صَنَعَتْ
إِحْدَى نساءِ بني ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا
وَقَالَ غَيره: المتَيَّم المضَلَّلُ، وَمِنْه قيل للفلاة: تَيْماء لِأَنَّهُ يُضَلُّ فِيهَا.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَّيْمَاءُ: فلاةٌ واسعةٌ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التَّيْماءُ الَّتِي لَا مَاءَ بهَا من الأرَضِين، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو خَيْرة: وَكَتَبَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوائِل بن حُجْر كتابا أَمْلَى فِيهِ: (فِي التِّيعَةِ شاةٌ، والتِّيمَةُ لصَاحِبهَا) .
قَالَ أَبُو عبيد: التِّيمةُ يُقَال: إِنَّهَا الشَّاة الزَّائِدَة عَن الْأَرْبَعين حَتَّى تبلغ الْفَرِيضَة الْأُخْرَى، وَيُقَال: إِنَّهَا الشَّاة تكون

(14/239)


لصَاحِبهَا فِي منزلهِ يَحْتَلِبها وليستْ بِسائِمةٍ، وَهِي من الْغنم الرَّبائب.
قَالَ أَبُو عبيد: وَرُبمَا احْتَاجَ صَاحبهَا إِلَى لَحمهَا فيذبحها؛ فَيُقَال عِنْد ذَلِك: قد اتَّام الرجلُ واتَّامت المرأةُ.
وَقَالَ الحطيئة:
فَمَا تَتَّامُ جارةُ آلِ لأيٍ
وَلَكِن يَضْمنون لَها قِراهَا
يَقُول: لَا تحْتَاج إِلَى أَنْ تَذْبح تِيمتَها.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الاتِّيامُ أَن يشْتَهِيَ القومُ اللَّحمَ فيذبحوا شَاة من الْغنم فَتلك يُقَال لَهَا: التِّيمةُ تُذْبح من غير غَرَضٍ، يَقُول: فجارتهم لَا تَتَّام لِأَن اللَّحْم عِنْدهَا من عِنْدهم فتكْتَفي وَلَا تحْتَاج إِلَى أَن تذبح شَاتِهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الاتّيام أَن تُذبحَ الإبلُ والغَنَمُ لغير عِلَّة.
وَقَالَ العَمَاني:
نَأْنَفُ لِلجارةِ أَن تَتَّامَا
ونَعْقِرُ الكُوَم ونُعْطِي حاماَ
أَي نُطعِمُ السودانَ من آل حامٍ.
أَبُو زيد: التِّيمةُ الشاةُ يذبحها القومُ فِي المجاعة حينَ يُصيبُ الناسَ الجوعُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تَامَ إِذا عَشِقَ، وتام إِذا تَخَلَّى من النَّاس.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أَتأَمَتْ الْمَرْأَة إِذا ولدت اثْنَيْنِ فِي بطن، فَإِذا كَانَ ذَلِك من عَادَتهَا قيل مِتْآمٌ. قَالَ وَيُقَال: هما تَوْأَمان، وَهَذَا توأمٌ، وَهَذِه توأمَةٌ، والجميع تَوائمٌ وتوآمٌ.
وَأنْشد قَول الراجز:
قَالَتْ لنا ودَمْعُها توآمُ
كالدُّر إِذْ أَسْلَمةُ النِّظَامُ
على الَّذين ارتحلوا السَّلَام
وَقَالَ:
نخلاتٌ من نَخْلِ نَيْسَان أينَعْ
نَ جَمِيعًا وَنَبتُهُن تُؤامُ
قَالَ: وَمثل تُؤآم فِي الْجمع غَنَم رُبَابٌ وإبلٌ ظُؤَارٌ.
وَقَالَ اللحياني: التَّوْأَمُ مِن قداح الميسر هُوَ الثَّانِي، وَله نَصِيبانِ إِن فَازَ وَعَلِيهِ غُرْمُ نَصيبين إِن لم يَفُزْ، والتَّوأَمَاتُ من مَراكب النِّسَاء كالمشاجِرَ لَا أظلالَ لَهَا واحدتها تَوْأَمة.
وَقَالَ أَبُو قِلابة الْهُذلِيّ يذكر الظَّعُن:
صَفّا جَوانِحَ بَين التَّوْأَمَاتِ كَمَا
صَفَّ الوُقُوعَ حَمَامُ المشْرَبِ الحانِي
والتَّوأَم فِي جَمِيع مَا ذكرتُ الأَصْل فِيهِ وَوْأَمٌ فقلبت الْوَاو تَاء، كَمَا قَالُوا: تَوْلج لِكِناس، وَأَصله وَوْلَج وَأَصله توأم من الوئام وَهِي المقاربة والموافقة.
وتَوائم النُّجُوم السِّماكان والفَرقَدانِ

(14/240)


والنسرانِ وَمَا أشبههَا.
وَقيل فِي قَول الفرزدق:
أَتانِي بهَا واللَّيْلُ نِصْفَين قدْ مَضى
أُقَامِرُ فِي نِصْفٍ قَدْ تَوَلَّتْ تَوَائِمهُ
قيل: أَرَادَ بالتوائم النُّجُوم كلهَا، سميت بذلك لِتشابهها، أَي كواكب النِّصْف الْمَاضِي من اللَّيْل، وَيُقَال للمفازة إِذا كَانَت بعيدَة: مِتْآم.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَعْنَاهَا أَنَّهَا تهْلك سالكها جمَاعَة جمَاعَة.
وَهِي مِتْآمٌ، لِأَنَّهَا تُرِي الشخصَ شَخْصَيْنِ.
توم: أَبُو عبيد: التُّومُ: اللُّؤْلُؤ، والواحدة تُومَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الدُّرة والتُّومةُ والتّؤَامِيَّةُ واللَّطِيمَةُ.
قلت: وَالْعرب تُسَمِّي بَيْضَ النعام التُّوم تَشْبِيها بتُوم اللُّؤْلُؤ وَمِنْه قَوْله:
بِهِ التُّوم فِي أُفحوصة يتَصَيَّحُ
وَقَالَ ذُو الرّمَّة يصف نباتاً وَقع عَلَيْهِ الطَّلُّ متعلَّق من أغصانه كَأَنَّهُ الدُّرُّ فَقَالَ:
وحْفٌ كَأَن الندى والشمسُ ماتعةٌ
إِذا توقَّدَ فِي أفنانِه التُّومُ
أفنانه: أغصانه الْوَاحِد فنن توَقد أنار لطلوع الشَّمْس عَلَيْهِ، والتُّوم الْوَاحِدَة تومة وَهِي مثل الدُّرَّة تعْمل من الْفضة، هَكَذَا فُسِّر فِي شعر ذِي الرمة.
وَقَالَ اللَّيْث: التُّومة: القُرْطُ.
وَقَالَ ابْن السكِّيت: قَالَ أيّوب ومِسْحَلُ ابْنا رَبداء ابْنة جرير:
كَانَ جرير يُسَمِّي قصيدتيه اللَّتَيْنِ مدح فيهمَا عبد الْعَزِيز بن مَرْوان وهجا الشُّعَرَاء، إِحْدَاهمَا:
ظَعَن الخَليطُ لغُرْبةٍ وتَنآئي
ولَقَد نَسِيتُ برامَتيْن عَزائي
وَالْأُخْرَى:
يَا صَاحِبيَّ دَنَا الرَّواحُ فسِيرَا
كَانَ يسميهما التُّومَتيْن.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للنِّسَاء: (تعجِز إحداكن أَنْ تتخِذ حَلْقَتين أَو توأمَتين مِن فضَّة ثمَّ تلَطِّخِهما بِعَنبر) .
قلت: من قَالَ لِلدُّرة: تومةً شبَّهها بِمَا يُسَوّى من الْفضة كاللؤلؤة المستديرة تجعلُها الجاريةُ فِي أذُنيها، وَمن قَالَ: تُؤَامية نَسَبهَا إِلَى تُؤَام وَهِي قَصَبةُ عُمَان، وَمن قَالَ: تَوْأَمِيَّةً، فهما دُرَّتان للأذنين إِحْدَاهمَا تَوْأَمةٌ الْأُخْرَى.
يتم: قَالَ اللَّيْث: اليَتيمُ الَّذِي مَاتَ أَبوهُ فَهُوَ يتيمٌ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِذا بَلَغَ زَالَ عَنهُ اسْم اليَتيم، واليَتيمُ من قبل الْأَب فِي بني آدم، وَقد يَتِم يَيْتَمُ يُتْماً وَقد أَيْتَمه الله.
قَالَ الْفراء: يُقَال: يَتِم يَيْتَم يُتماً وَقد أَيْتمه الله، وحُكيت لي: مَا كَانَ يَتِيما، وَلَقَد

(14/241)


يَتُم يَيْتَمُ وَجمع اليَتيم يتَامَى وأيتامٌ.
وَقَوله تَعَالَى: {وَءَاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (النِّسَاء: 2) سماهم يتامى بعد بلوغهم وإيناسِ رُشدِهم للُزُوم اليُتْمِ إيَّاهم.
كَمَا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ كِبَره: يتيمُ أبي طَالب لِأَنَّهُ ربَّاه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليَتيمةُ: الرَّمْلة المنفردة قَالَ: وكل مُنفرد ومُنفردة عِنْد الْعَرَب يَتيمٌ ويَتيمة.
وَقَالَ المفضّل: أصل اليتْمِ: الْغَفْلَة قَالَ: وَبِه يُسمى الْيَتِيم يَتِيما، لأنَّه يُتغَافلُ عَن برّه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: اليُتْمُ الإبطاء، وَمِنْه أُخذ اليَتيمُ لِأَن البرّ يبْطِىء عَنهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليُتْم فِي الْبَهَائِم من قِبَل الأمّ، وَفِي النَّاس من قِبل الأبِ.
وَقَالَ شمر: أَنْشدني ابْن الْأَعرَابِي:
أَفَاطمَ إنِّي هالكٌ فتَثَيَّني
وَلَا تَجزَعِي كلُّ النِّساء يَتيمُ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرادَ كلَّ مُنْفَرِدٍ يَتيمٌ، قَالَ ويقولُ النَّاس: إِنِّي صَحَّفْتُ وَإِنَّمَا يُصَحَّفُ من الصَّعْب إِلَى الهَيِّن لَا من الهيّن إِلَى الصعب.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: الْمَرْأَة تُدْعَى يَتِيما مَا لم تتَزَوَّج، فَإِذا تزوجتْ زَالَ عَنْهَا اسْم اليُتْم، وَكَانَ الْمفضل ينشد: كل النِّسَاء يَتِيم لهَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال للْمَرْأَة يتيمة لَا يَزُول عَنْهَا اسمُ اليُتْم أبدا، وَأنْشد:
ويَنْكِحُ الأراملَ الْيَتَامَى
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هُوَ من مَيْتَمةٍ أَي فِي يَتامَى، وَهَذَا جمع على مَفْعَلة كَمَا يُقَال: مَشْيخَة للشيوخ، ومَسْيَفة للسيوف.
أتم: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الأَتْمُ من الخُرَز أَن يَنْفَتِق خُرْزَتانِ فتَصيرا وَاحِدَة، وَيُقَال: امرأةٌ أَتومٌ إِذا التقى مسلكاها، قَالَ وَيُقَال: مَا فِي سَيْرِه أَتَمٌ وَلَا يَتَمٌ أَي إبطاء.
وَقَالَ خَالِد بنُ يزِيد: الأَتُومُ من النِّسَاء المُفْضَاةُ، قَالَ: وَأَصله من أَتَمَ يَأْتِم إِذا جمع بَين شَيْئَيْنِ، قَالَ: وَمِنْه سمي المأتم لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهِ. يُقَال: أَتَمَ يَأْتِم وَأَتِمَ يَأْتَمُ.
قَالَ: ومَأْتَمٌ مِنْ أَتِمَ يأتَم، قَالَ: والمَأْتَمُ: النساءُ يَجْتَمِعْنَ فِي فَرح أَو حزن، وَأنْشد:
فِي مَأتَمٍ مُهَجَّرِ الرَّواح
وَقَالَ ابنُ مُقْبل فِي الفَرج:
ومَأْتَمٍ كالدُّمَى حُورٍ مَدامِعُها
لم تَيْأَس العَيْشَ أَبْكَارًا وَلَا عُوناً
أَرَادَ نسَاء كالدُّمى، قَالَ أَبُو بكر: الْعَامَّة تغلط فتظنّ أَنَّ المآتم: النَّوْحَ والنِّياحةَ. والمآتم: النِّسَاء المجتمعاتُ فِي فَرح أَو حُزن.

(14/242)


وَأنْشد أَبُو عَطاء السندي وَكَانَ فصيحاً:
عَشِيةَ قَامَ النَّائحاتُ وشُقِّقَتْ
جُيُوبٌ بِأَيْدِي مأتَمٍ وَخدودُ
فَجعل المأتم النساءَ وَلم يَجْعَلْهُ النِّياحةَ، ثمَّ ذَكَر بَيت ابْن مقبل
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وكَوْمَاءَ تَحْبُو مَا يُشَيِّعُ ساقُها
لَدَى مِزْهر ضَارٍ أَجَشَّ وَمَأْتَمِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْيَتِيم الْمُفْرد من كل شَيْء، قَالَ: والوَتْمَةُ السَّيرُ الشَّديدُ.
أمت: قَالَ الله جلّ وعزّ: {للهلاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْتاً} (طه: 107) .
قَالَ الفرّاء: الأَمْتُ النَّبَكُ من الأَرض مَا ارْتَفع مِنْهَا، وَيُقَال: مَسَايِل الأوْدِيَةِ مَا تسفل.
وَقد سمعتُ الْعَرَب تَقول: قد مَلأَ القِرْبَة مَلأً لَا أَمْتَ فِيهِ، أَي لَيْسَ فِيهِ استِرْخاءٌ مِنْ شِدَّةِ امْتلائِها، وَيُقَال: سِرْنا سَيْراً لَا أَمْتَ فِيهِ، أَي لَا ضَعْفَ فِيهِ وَلَا وَهْن.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الأمْتُ وَهْدَةٌ بَين نُشُوزٍ، وَقَالَ: يُقَال: كَمْ أَمْتُ مَا بَيْنك وَبَين الْكُوفَة؟ أَي قَدْرُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَمَتُّ الْقَوْم آمِتهُم أَمْتاً إِذا حَرَزْتَهُمْ، وأَمَتَّ الماءَ أَمْتاً إِذا قدَّرتَ مَا بَيْنك وَبَينه، قَالَ رؤبة:
أَيْهَاتَ مِنْهَا ماؤُها المأْمُوتُ
وَهُوَ المحزور، وَيُقَال: إيمتْ هَذَا لي كم هُوَ، أَي احْزِرْهُ كم هُوَ؟ وَقد أَمَتُّهُ آمتُهُ أمْتَاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأمْتُ الطريقةُ الحسنَة، والأمْتُ تَخَلْخُل القِرْبَةِ إِذا لم يُحْكَمْ إفْراطُها.
وروى شمر بِإِسْنَاد لَهُ حَدِيثا عَن أبي سعيد الخُدْرِيّ: أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الخمرَ فَلَا أَمْتَ فِيهَا، وَأَنا أَنْهَى عَن السُّكْر والْمُسْكِر) .
وَقَالَ شمر: أَنْشدني ابنُ جَابر:
وَلَا أَمْتَ فِي جُمْلٍ لياليَ ساعَفَتْ
بهَا الدَّارُ إِلَّا أَنَّ جُمْلاً إِلَى بُخْلِ
قَالَ: لَا أَمْتَ فِيهَا أَي لَا عَيْبَ فِيهَا.
قلت: معنى قَول أبي سعيد عَن النَّبِي: أَن الله حرم الْخمر فَلَا أَمْتَ فِيهِ مَعْنَاهُ غيرُ معنى مَا فِي الْبَيْت، أَرَادَ أنَّه حرَّمها تَحْرِيمًا لَا هوادة فِيهِ وَلَا لِين، لكنه شدَّدَ فِي تَحْرِيمهَا، وَهُوَ من قَوْلك: سِرتُ سيْراً لَا أَمْتَ فِيهِ أَي لَا وَهْن فِيهِ وَلَا ضعف، وَجَائِز أَن يكون الْمَعْنى أنهُ حرَّمها تَحْرِيمًا لَا شكّ فِيهِ. وَأَصله من الأَمْتِ بِمَعْنَى الحَزْرِ وَالتَّقْدِير لِأَن الشَّك يدخلهَا.
قَالَ العجاج:
مَا فِي انطلاقِ رَكْبِه من أمْتِ

(14/243)


أَي من فتور واسترخاء.
موت: قَالَ اللَّيْث: الموْتُ خَلْقٌ من خَلْقِ الله، يُقَال: مَاتَ فلانٌ وَهُوَ يَمُوت مَوْتاً.
وَقَالَ أهل التصريف: مَيِّت كَانَ تَصْحِيحه مَيْوِتٌ على فَيْعِلٍ، ثمَّ أدغموا الْوَاو فِي الْيَاء، قَالَ فَرُدَّ عَلَيْهِم، وَقيل: إِن كَانَ كَمَا قُلتم فَيَنْبَغِي أَنْ يكون مَيَّت على فَيْعَل، فَقَالُوا: قد علمنَا أَن قِيَاسه هَذَا، وَلَكِن تَركْنا فِيهِ القياسَ مَخافَةَ الِاشْتِبَاه، فرَدَدْناه إِلَى لفظ فَعِّل من ذَلِك اللَّفْظ، لِأَن مَيِّت على لفظ فَعِّل من ذَلِك اللَّفْظ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ مَيِّت فِي الأَصْل مَوْيِتٌ مثل سَيِّد سَيْوِد، فأدغمنا الياءَ فِي الْوَاو وثَقَّلناه فَقُلْنَا مَيَّت ثمَّ خُفِّف فَقيل مَيْت.
وَقَالَ بَعضهم: قيل: مَيْت، وَلم يَقُولُوا: مَيَّت لِأَن أبنية ذَوَات العِلة تخَالف أبنية السَّالِم.
وَقَالَ الزّجاج: الميْت أَصله الميِّت بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا أَنه يُخفَّف فَيُقَال: مَيْت ومَيِّت، وَالْمعْنَى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: يُقَال لما لم يمت: مَيِّت؛ والميْت مَا قد مَاتَ، وَهَذَا خطأ إِنَّمَا مَيِّتٌ يصلح لما قد مَاتَ وَلما سيموت.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {للهيَعْلَمُونَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} (الزمر: 30) .
وَقَالَ الشَّاعِر فِي تَصْدِيق أَن الميْت والميِّت وَاحِد:
لَيْسَ مَن ماتَ فاستراحَ بمَيِّتٍ
إِنَّمَا الميْتُ مَيْتُ الْأَحْيَاء
فَجعل الْميت كالميِّت.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: وَقع فِي المَال مُوتَانٌ ومُوَاتٌ وَهُوَ الموْت.
قَالَ: وَيُقَال: رجل مَوْتانُ الفؤادِ، إِذا كَانَ غير ذكيَ وَلَا فَهِمٍ، وَرجل يَبِيع المَوتَان، وَهُوَ أَن يَبِيع المتاعَ وكل شَيْء غير ذِي رُوحٍ، وَمن كَانَ ذَا روح فَهُوَ الْحَيَوَان.
وَفِي الحَدِيث: (مَوَتانُ الأَرْض لِلَّهِ وَرَسُوله فَمن أَحْيَا مِنْه مِنْهُم شَيْئا فَهُوَ لَهُ) .
وَقَالَ غَيره: الموَاتُ من الْأَرْضين مثل المَوَتَان، والمِيتَةُ الْحَال من أَحْوَال الْمَوْت، وَجَمعهَا مِيَتٌ.
وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتعوَّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان: من هَمْزه ونَفْثه ونَفْخِه، فَقيل لَهُ: مَا همْزُه؟ قَالَ: المُوتَةَ.
قَالَ أَبُو عبيد: المُوتَةُ الجنونُ، سُمِّي هَمْزاً لِأَنَّهُ جَعَله من النَّخْس والهَمْز والغَمْز وكل شَيْء دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المُوتَةُ الَّذِي يُصْرعُ من الجُنون أَو غَيره ثمَّ يُفيقُ.
وَقَالَ اللحياني: المُوتَةُ شِبْهَ الغَشْيَةِ. قَالَ: وقُتل جَعْفر بن أبي طَالب بِموضع يُقَال

(14/244)


لَهُ: مُؤْتَةُ، والموْتُ السّكُون، يُقَال: مَاتَت الريحُ إِذا سكنتْ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ماتَ الرجلُ إِذا خضع للحق، واستمات الرجل إِذا طابَ نَفْساً بِالْمَوْتِ، والمستميت الَّذِي يُقَاتل على الْمَوْت، والمستميت الَّذِي يتجان وَلَيْسَ بمجنون، قَالَ: هُوَ الَّذِي يتخاشَعُ ويَتَوَاضَع لهَذَا حَتَّى يُطْعِمُه، وَلِهَذَا حَتَّى يَكْسوه، فَإِذا شبِع كفر النِّعْمَة.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى فِي كتاب الفصيح: مُوتة بِمَعْنى الْجُنُون غير مَهْمُوز، وَأما الْبَلَد الَّذِي قتل بِهِ جَعْفَر فَهُوَ مُؤْتَة بهمز الْوَاو، وَيُقَال: ضَربته فتماوت إِذا أَرَى أَنه مَيِّت وَهُوَ حيٌّ.
وَقَالَ عُثْمَان: سَمِعت نعيم بن حَمَّاد يَقُول: سَمِعت ابْن الْمُبَارك يَقُول: المتماوتون: المراءون.
وَيُقَال: استميتوا صَيْدَكُمُ، أَي انْظُرُوا مَاتَ أم لَا؟ وَذَلِكَ إِذا أُصيبَ فَشُكَّ فِي مَوته.
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: المستَمِيتُ الَّذِي يُرِي مِن نَفسه الكونَ والخيرَ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَيُقَال: مَاتَ الثَّوبُ ونَامَ إِذا بَلِيَ.
عَمْرو عَن أَبِيه: مَاتَ الرجل وهَمدَ وهَوَّم إِذا نَام.
مَتى: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَمْتى الرجلُ إِذا امْتَدّ رِزْقه وكَثُر، قَالَ: وَأَمْتَى إِذا طَال عمره، وأَمْتَى إِذا مَشَى مِشيةً قبيحةً، وَيُقَال: مَتَوْتُ الشيءَ إِذا مَدَدتَه، ومَتى من حُرُوف الْمعَانِي وَلها وُجُوه شَتَّى أَحدهَا أَنه سُؤال عَن وَقْتِ فِعْلٍ، فُعِلَ أَو يُفْعل كَقَوْلِك مَتى فعلتَ؟ وَمَتى تفعل؟ أَي فِي أَي وَقت؟ وَالْعرب تُجازِي بهَا كَمَا تجازي بأَيَ فتجزم الْفِعْلَيْنِ، تَقول: مَتى تأتني آتِك، وَكَذَلِكَ إِذا أدخلت عَلَيْهَا مَا، كَقَوْلِك: مَتى مَا يأتني أَخُوك أرضِهْ، وتجيء مَتَى بِمَعْنى الاستنكار، تَقول للرجل إِذا حكَى عَنْك فعلا تُنْكِره: مَتى كَانَ هَذَا؟ على معنى الْإِنْكَار وَالنَّفْي أَي مَا كَانَ هَذَا، قَالَ جرير:
مَتَى كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي كَرَبِ النَّخْلِ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: وتجيء مَتى فِي مَوضِع وسط وَمِنْه قَوْله:
شَرِبْنَ بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفَّعتْ
مَتى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهنَّ نَئِيجُ
قَالَ وَقَالَ معَاذ الهراء: سمعتُ ابْن جَوْنَةَ يَقُول: وَضعته مَتى كمِّي يُرِيد وَسَط كُمِّي، أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَتأتُه بالعصا وخطأتُه: وبَدَحتُه.
قَالَ الْفراء: مَتى تقع على الْوَقْت إِذا قلت: مَتى دخلتِ الدَّار فأَنتِ طالِقٌ، مَعْنَاهُ أيّ وَقت دخلتِ الدَّار، وكلَّما تَقَعُ على الفِعْل، إِذا قلت: كلما دَخَلْتِ، فَمَعْنَاه كلُّ دَخْلَةٍ دَخَلْتِها، هَذَا فِي كتاب

(14/245)


الْجَزَاء لِلفَرَّاء، وَهُوَ صَحِيح، ومَتَى تَقَعُ للْوَقْت الْمُبْهم.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَتى حرف اسْتِفْهَام تكْتب بِالْيَاءِ.
وَقَالَ الْفراء: وَيجوز أَن تُكتَبَ بِالْألف لِأَنَّهَا لَا تُعرَف فِيهَا فعلا. قَالَ: ومَتَى بِمَعْنى مِن، وَأنْشد:
إِذا أَقُول صَحا قَلْبي أُتِيحَ لَهُ
سُكْرٌ مَتَى قَهْوَةٍ سارَتْ إِلَى الرَّاسِ
أَي من قَهْوَةٍ، وَقَول امرىء الْقَيْس:
فَتَمَتَّى النَّزْعَ مِن يَسَرِهْ
فَكَأَنَّه فِي الأَصْل فَتَمَتَّتَ
فَقُلِبَتْ إِحْدَى التاءات يَاء، وَالْأَصْل فِيهِ مَتَّ بِمَعْنى مدَّ.
وَقَول امرىء الْقَيْس أَيْضا:
مَتَى عَهْدُنا بِطِعَانِ الكُمَا
ةِ والمجْدِ والحَمْدِ والسُّوْدَدِ
يَقُول: مَتى لم يَكُنْ كَذَا، يَقُول: تَرَوْنَ أَنَّنا لَا نُحْسِنُ طَعْنَ الكُمَاةِ وعهدُنا بِهِ قريبٌ.
ثمَّ قَالَ:
وملء الجِفان والنَّارِ والحَطَبِ المُوقِدِ

(14/246)


بَاب اللفيف من حرف التَّاء
تَاء، توو، تأتأ، أَتَى، وتّ، (وتى) ، توى، تيتا، تأى.
التَّاء: قَالَ اللَّيْث: تا حرف من حُرُوف المعجم لَا يُعْرَبُ.
وَقَالَ غَيره: إِذا جعلتَه اسْما أعربتَ.
وَقَالَ اللحياني: تيَّتُ تَاءً حَسَنَة. وَهَذِه قصيدة تائية، وَيُقَال: تَاوِيَّةٌ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسيّ يَقُول: يَتَوِيّة وتَيَوِيّة.
وَقَالَ اللَّيْث: تَا وذِي، لُغَتَان فِي مَوضع ذه، تَقول: هاتا فلانةُ فِي مَوضِع هَذِه، وَفِي لُغَة، تا فلانةُ فِي مَوضِع هَذِه، قَالَ النَّابِغَة:
هَا إنَّ عِذْرَةٌ إلاَّ تكنْ نَفَعتْ
فإنَّ صاحبَها قد تاهَ فِي البَلَدِ
وعَلى هَاتين اللغتين قَالُوا: تِيكَ وتِلْكَ وتَالِكَ، وَهِي أقبح اللُّغَات، فَإِذا ثَنَّيْتَ لم تَقُلْ إلاَّ تانِ، وتَانِك، وتَيْنِ، وتَيْنِك، فِي الجرّ وَالنّصب فِي اللُّغَات كلهَا، وَإِذا صَغَّرْتَ لم تَقُلْ إلاَّ تَيَّا.
وَمن ذَلِك اشتقّ اسمُ تَيَّا، قَالَ: والَّتي هِيَ معروفةُ تَا، لَا يَقُولُونَهَا فِي المعرّفة إلاّ على هَذِه اللُّغَة، وَجعلُوا إِحْدَى اللاّمَيْنِ تَقْوِيةً لِلْأُخْرَى استقباحاً أَن يَقُولُوا أَلْتِي وَإِنَّمَا أَرَادوا بهَا الْألف وَاللَّام المُعَرِّفَة، والجميع اللاّتي وَجَمِيع الْجَمِيع اللَّوَاتِي، وَقد تَخْرُجُ الْيَاء من الْجَمِيع فَيُقَال: اللاَّليء ممدودة، وَقد تخرج الْيَاء فَيُقَال اللاءِ بكسرةٍ تدلّ على الْيَاء، وبهذه اللُّغَة كَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يقْرَأ.
وَأنْشد غَيره:
من اللاء لم يَحْجُجْنَ يَبْغينَ حِسْبةً
وَلَكِن لِيقْتُلْن البَريءَ المُغَفَّلا
وَإِذا صَغَّرتَ الَّتِي قلتَ اللَّتَيَّا، وَإِذا أردتَ أَن تجمعَ اللَّتَيَّا قلت اللَّتَيات.
قَالَ اللَّيْث: وَإِنَّمَا صَار تَصْغِيرُ، تِهِ وذِهِ، وَمَا فيهمَا من اللُّغَات تَيَّا، لِأَن التَّاء والذَّال من ذِهِ، وتِهِ، كلُّ واحدةٍ هِيَ نَفْسٌ وَمَا لحقها من بعْدهَا فإنَّهُ عِمَادٌ للتاءِ لِكَي يَنْطلِق بِهِ اللسانُ فلمَّا صُغِّرتْ لم تَجِدْ ياءُ التصغير حرفين من أَصلِ الْبناء تَجيءُ بعْدهَا كَمَا جَاءَت فِي سُعَيْدٍ وعُمَيْرٍ، وَلكنهَا وَقعتْ بعد فَتْحةٍ، والحرفُ الَّذِي قبْلَ يَاء التصغير بِجَنْبِها لَا يَكون إِلَّا مَفْتوحاً، وَوقَعَتْ التاءُ إِلَى جنبها فانْتَصَبتْ، وَصَارَ مَا بعْدهَا قُوةً لَهَا، وَلم يَنْضَمَّ قَبْلها شيءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ قبلهَا حَرْفان،

(14/247)


وجميعُ التصغير صَدرُه مضْمومٌ، والحرفُ الثَّانِي مَنْصوبٌ، ثمَّ بعدهمَا يَاء التصغير، ومَنَعهم أَن يَرْفعوا الْيَاء الَّتِي فِي التصغير، لِأَن هَذِه الأحرف دخلت عِماداً للَّسان فِي آخر الْكَلِمَة، فَصَارَت الياءُ الَّتِي قبلهَا فِي غيْر موضعهَا، لِأَنَّهَا بُنِيَتْ للسان عماداً فَإِذا وَقعت فِي الحَشْوِ لم تكن عِماداً، وَهِي فِي بِنَاء الْألف الَّتِي كَانَت فِي ذَا، وَقَالَ الْمبرد: الأَسماء المبْهَمةُ مخالفةٌ لغَيْرهَا فِي مَعْنَاهَا، وكثيرٍ من لَفظهَا فَمن مخالفتها فِي الْمَعْنى، وُقوعُها فِي كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ، وَأما مخالفتها فِي اللَّفْظ فَإِنَّهَا يكون مِنْهَا الِاسْم على حَرْفين: أَحدهمَا حرف لِينٍ نَحْو ذَا، وتا، فلمَّا صُغِّرت هَذِه الْأَسْمَاء، خُولِفَ بهَا جِهةَ التصغير، فَتُرِكَت أوائلها على حَالهَا، وأُلحِقَتْ ألفٌ فِي أواخرها تَدلُّ على مَا كَانَت تَدلُّ عَلَيْهِ الضمَّة، فِي غير المبهمة، أَلا ترى أَن كل اسْم تُصَغِّره من غير المبهمة يُضم أوَّله نَحْو فُلَيْس ودُرَيْهِم، وَتقول فِي تَصْغِير: ذَا: ذَيّا، وَفِي تا: تَيَّا، فَإِن قَالَ قَائِل: مَا بَال يَاء التصغيرِ لَحِقت ثَانِيَة وَإِنَّمَا حَقُّها أَن تَلْحق ثَالِثَة، قيل لَهُ: إِنَّهَا لَحِقَتْ ثَالِثَة، وَلَكِنَّك حذفتَ يَاء لاجْتماع الياءات فَصَارَت ياءُ التَّصغير ثَانِيَة، وَكَانَ الأَصْل: ذَيَيَّا لأَنك إِذا قلتَ ذَا فالألف بَدلٌ من ياءٍ، وَلَا يكون اسْم على حرفين فِي الأَصْل، فقد ذهبتْ يَاء أُخْرَى، فَإِن صَغَّرت ذِه أَو ذِي قلتَ تَيَّا، وَإِنَّمَا مَنَعك أَن تَقول ذَيَّا كراهيةَ الالتباس بالمذكر، فَقلت: تَيَّا، قَالَ وَتقول فِي تَصْغِير الَّذِي: اللَّذَيَّا وَفِي تَصْغِير الَّتِي: اللَّتَيَّا كَمَا قَالَ:
بعد اللَّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتِي
إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَردَّتِ
قَالَ: وَلَو حَقَّرتَ اللاَّتي لَقُلْتَ فِي قَول سِيبَوَيْهٍ: اللَّتَيَّاتِ كتصغير الَّتِي، وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول وَحْدَهُ: اللّوتَيَّا، لِأَنَّهُ لَيْسَ جمع الَّتِي على لَفظهَا، فَإِنَّمَا هُوَ اسْم الْجمع، قَالَ الْمبرد: وَهَذَا هُوَ الْقيَاس.
توو: قَالَ اللَّيْث: التَّوُّ الحبلُ يُفْتل طاقاً وَاحِدًا لَا يُجْعَل لَهُ قُوًى مُبْرَمة والجميع الأتواه.
وَفِي الحَدِيث: (الاستجْمارِ بِتوَ) أَي بفَرْد ووِتْرٍ من الْحِجَارَة وَالْمَاء لَا بشفع.
وَيُقَال: جَاءَ فلَان تَواً أَي وَحْدَه، وَقَالَ أَبُو زيد نَحوه، قَالَ: وَيُقَال: وَجَّه فلانٌ مِن خَيله بألفٍ تَوَ، والتُّوُّ ألْفٌ من الْخَيل.
وَفِي الحَدِيث: (الِاسْتِجْمَار تَوّ، وَالطّواف تَوٌّ) أَي وتر، لِأَنَّهُ سَبْعَة أشواطٍ.
وإِذَا عَقَدْتَ عَقْداً بإدَارةِ الرِّباط مَرَّة وَاحِدَة تَقول: عَقَدْتُه بِتَوَ واحدٍ وَأنْشد:
جاريةٌ ليستْ مِن الوَخْشَنْ
لَا تَعْقِدُ المِنْطَقَ بالمتْنَنْ
إِلَّا بتَوَ واحدٍ أَوتَنْ

(14/248)


أيْ نِصْفَ تَوَ، وَالنُّون فِي تَنْ زائدةٌ، والأصلُ فِيهَا تا خَفَّفَها من تَوَ فَإِن قلت على أَصْلهَا تَوْ خَفِيفَة مثل لَوْ جَازَ، غير أَن الِاسْم إِذا جاءتْ فِي آخِره وَاو بعد فَتْحة حُمِلت على الْألف، وَإِنَّمَا تَحسُنُ فِي لَوْ، لِأَنَّهَا حرف أداةٍ، وَلَيْسَت باسمٍ، فَلَو حَذفتَ من يَوْم الْمِيم وَحدهَا، وتَركْتَ الْوَاو وَالْيَاء وأَنْتَ تُريدُ إسكانَ الْوَاو، ثمَّ تَجعل ذَلِك اسْما تُجريه بِالتَّنْوِينِ، وَغير التَّنْوِين فِي لُغَة من يَقُول: هَذَا حَاحاً مَرْفُوعا لَقُلْتَ فِي مَحْذُوف يَوْم يَوْ، وَكَذَلِكَ لَوْم ولوْح وحقُّهم أَن يَقُولُوا فِي لَوْلا، لَوْ أُسِّسَتْ هَكَذَا، وَلم تُجعل اسْما كاللوح، وَإِذا أردتَ بِهِ نِداءً قُلْتَ: يالَوُ أقْبلْ فِيمَن يَقُولُ: يَا حارُ لأنَّ نَعتَهُ باللِّو بِالتَّشْدِيدِ تَقْوِيَة لِلَوْ، وَلَو كَانَ اسْمه حَوَّا ثمَّ أردتَ حذفَ إِحْدَى الواوين مِنْهُ قلت: يَا حَا أَقْبِلْ، بَقِيَتْ الْوَاو ألفا بعد الفَتْحة، وَلَيْسَ فِي جَمِيع الْأَسْمَاء واوٌ معلقةٌ بعد فَتحةٍ إِلَّا أَن يُجْعلَ اسْما.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جَاءَ فلانٌ تَوّاً إِذا جَاءَ قَاصِدا لَا يُعرِّجه شَيْءٌ، فَإِن أَقَامَ بِبَعْض الطَّرِيق فَلَيْسَ بتوَ، عَمْرو عَن أَبِيه: التَّوُّ الفارغُ من شُغْلِ الدُّنْيَا وشُغْل الْآخِرَة، والتَّوَّةُ السَّاعَة من الزَّمَان.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا مَضَى إِلَّا تَوَّةٌ حَتَّى كَانَ كَذَا وَكَذَا أَي سَاعَة، والتَّوُّ البِنَاء المَنصُوب، وَقَالَ الأخطل يصف تَسَنُّمَ الْقَبْر ولَحْدَه:
وَقد كنتُ فِيمَا قدْ بنى ليَ حَافِري
أعاليَهُ توّاً وأَسْفَله لَحْدا
هُوَ فِي أصل الشّعْر دَحْلاً، وَهُوَ بِمَعْنى لحداً، فَرَوَاهُ ابْن الأعرابيّ بِالْمَعْنَى.
توى: قَالَ اللَّيْث: التَّوَى ذهابُ مالٍ لَا يُرْجَى، والفِعلُ مِنْهُ تَوِيَ يَتْوَى تَوًى، أَي ذهب، وأَتْوى فلانٌ مالَه فَتَوَى، أَي ذَهَبَ بِهِ.
وَقَالَ النَّضر: التِّواءُ سِمَةٌ فِي الفَخِذِ والعُنُقِ، فأَمَّا فِي الْعُنُق فإنَّه يُبْدأ بِهِ من اللِّهْزمَةِ ويُحْدَر عَدَا العُنُق، خَطّاً من هَذَا الْجَانِب، وخَطّاً من هَذَا الْجَانِب، ثمَّ يُجمعُ بيْن طَرفيهما من أَسْفَل لَا مِن فَوْق، وَإِن كَانَ فِي الفَخذِ فَهُوَ خَطٌّ فِي عَرْضها.
يُقَال مِنه: بعير مَتْوِيٌّ وَقد تَوَيْتُه تَيّاً وإبلٌ مَتَوَّاةٌ، وبعيرٌ بِهِ تِواء، وتِوَاءان، وثلاثةُ أَتْوِية.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التِّواء يكون فِي مَوضِع اللَّحاظ إِلَّا أَنه منخفض يُعْطف إِلَى نَاحيَة الخدِّ قَلِيلا، وَيكون فِي باطِنِ الخد كالتُّؤثور، قَالَ: والأثرَة والتُّؤثور فِي بَاطِن الخدِّ، الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب.
تأتأ ثأثأ: قَالَ اللَّيْث: ثأثأ الثأثأة حِكَايَة من الصَّوْت، تَقول: ثأثأتُ بالتيسِ عِنْد السِّفاد أُثَأْثِىءُ ثَأْثأةً، عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الثَّأْثَأَةُ مَشْيُ الصَّبي الصغيرِ، والثَّأْثَاءُ التَّبَخْتُر

(14/249)


ُ فِي الْحَرْب شجاعة، والثَّأْثَأَةُ دُعَاء الحِطَّان إِلَى العَسْبِ والحِطَّانُ التَّيْسُ، وَهُوَ الثَّأثَاءُ أَيْضا بالثَّاء مثل التَّأْتَاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَيتَاءُ الرجلُ الَّذِي إِذا أَتَى الْمَرْأَة أَحْدَثَ وَهُوَ العِذْيَوْطُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الثِّيتاءُ الرجل الَّذِي يُنزِل قبل أَن يُولج ونحوَ ذَلِك قَالَ الفرَّاء.
تأى: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَأَى بِوَزْن تَعَى إِذا سَبَق، يَتْأى.
قلت: هُوَ بِمَنْزِلَة شَأَى يَشْأَى إِذا سبق.
أَتَى: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَتَانِي فلانٌ أَتْياً، وأتْيَةً وَاحِدَة، وإتْيَاناً وَلَا تَقول: إتْيانَةً وَاحِدَة إلاَّ فِي اضطرار شِعْرٍ قبيحٍ؛ لِأَن المصادر كلَّها إِذا جُعِلَتْ وَاحِدَة رُدَّت إِلَى بِنَاء فَعْلَة؛ وَذَلِكَ إِذا كَانَ الفِعل مِنْهَا على فَعَلَ أَو فَعِلَ، فَإِذا أدْخلت فِي الفِعل زياداتٍ فوقَ ذَلِك أَدخلتَ فِيهَا زياداتِها فِي الْوَاحِدَة، كَقَوْلِك: إقبالةً وَاحِدَة، وَمثل تَفَعَّل تَفَعُّلةً وَاحِدَة وَأَشْبَاه ذَلِك، وَذَلِكَ فِي الشَّيْء الَّذِي يَحْسُن أَن تَقول فَعْلةً وَاحِدَة وإلاَّ فَلَا وَقَالَ:
إنِّي وأَتْيَ ابنَ غَلاَّقٍ لِيَقْرِيَنِي
كَغَابِطِ الكلبِ يَبْغِي الطِّرْقَ فِي الذَّنَبِ
وَقَوله تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} (النَّحْل: 1) .
قَالَ ابْن عرفَة: الْعَرَب تَقول: أَتاكَ الأمرُ، وَهُوَ مُتَوقَّع بعيد، أَي أَتَى أَمر الله وَعْداً فَلَا تستعجلوه وُقوعاً.
وَقَوله تَعَالَى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ} (النَّحْل: 26) .
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: المَعْنَى أَتَى الله مَكْرهمْ من أَصْلِه، أيْ عَادَ ضَررُ المكْرِ عَلَيْهِم، وذكَر الأساسَ مَثَلاً؛ وَكَذَلِكَ السّقف، وَلَا أساسَ ثَمَّ لَا سقفَ، وقيلَ: أَرَادَ بالبُنْيانِ صرحَ ثَمودٍ.
وَيُقَال: أُتِي فلانٌ من مَأْمَنِه أَي أَتَاهُ الهلاكُ من جِهَة مَأْمَنِه.
وطريقٌ مِيتَاءٌ مَسْلُوكٌ، مِفْعَالٌ من الإتْيان، ومِيتاءُ الطَّرِيق، ومِيدَاؤه مَحَجَّتُه آتتْ أُكُلَها ضِعْفَيْن أَي أَعْطَتْ، وَالْمعْنَى أَثْمَرتْ مِثْلَيْ مَا يُثْمِرُ غيرُها من الجِنان.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كلُّ جَدْول ماءٍ أَتِيٌّ وَقَالَ الراجز:
لَيُمْخَضَنْ جَوْفُك بالدُّلِيّ
حَتَّى تَعودي أَقْطَع الأتيِّ
وكانَ يَنْبَغِي أَن يكون قَطْعاً قَطْعاءَ الأتِي، لأنَّه يُخَاطب الرَّكِيَّة أَو البِئر، وَلكنه أرادَ حَتَّى تَعودي مَاء أقْطَع الأتيِّ، وَكَانَ يَسْتَقِي ويَرْتَجِزُ بِهَذَا الرجز على رَأس الْبِئْر.
وَيُقَال: أَتِّ لهَذَا المَاء فَيُهيىء لَهُ طريقَه.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَأَل عَاصم بن عَدِيّ الأنصاريّ عَن ثَابت بن الدَّحْدَاح، وتُوفِّي، فَقَالَ: (هَل تعلمُونَ لَهُ نسبا

(14/250)


فِيكُم؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ أَتيٌّ فِينَا قَالَ: فَقَضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بميراثه لِابْنِ أُخْته) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله: إِنَّمَا هُوَ أَتِيٌّ فِينَا، فإنَّ الأتِيَّ الرجلُ يكون فِي الْقَوْم لَيْسَ مِنْهُم، وَلِهَذَا قيل: المسيل الَّذِي يَأْتِي من بَلَدٍ قَدْ مُطِرَ فِيهِ إِلَى بلد لم يُمْطَر فِيهِ: أَتِيٌّ.
وَقَالَ العجاج: سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدُّه أَتِيُّ.
وَيُقَال: أَتَّيْتُ السَّيْلَ فأَنا أُوَتِّيه إِذا سهَّلْتَ سَبيلَه من مَوضِع إِلَى مَوضِع ليخرجَ إِلَيْهِ، وأصل هَذَا من الغُرْبَة، وَلِهَذَا قيل: رجل أَتَاوِيٌّ إِذا كَانَ غَرِيبا فِي غير بِلَاده.
وَمِنْه حَدِيث عُثْمَان حِين أرسلَ سَليطَ بن سليطٍ وعبدَ الرحمان بن عَتّاب إِلَى عبد الله بن سَلام فَقَالَ: ائْتِيَاهُ فَتَنَكَّرَا لَهُ وقولا: إِنَّا رجلَانِ أَتَاوِيَّان، وقَد صنع الله مَا ترى فَمَا تَأْمُر؟ فَقَالَا لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: لَسْتُما بأَتاوِيَّيْن، ولكنكما فلَان وَفُلَان وأرسلكما أميرُ الْمُؤمنِينَ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: الأتاوِيُّ بِالْفَتْح الغريبُ الَّذِي هُوَ فِي غير وَطنه.
وأنشدنا هُو وَأَبُو الْجراح، لحميد الأرقط:
يُصْبِحْنَ بالقَفْر أَتَاوِيّاتِ
مُعْتَرِضَاتٍ غَيْرِ عُرْضِيَّاتِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال تَأَتّي فلَان لحاجَتِه إِذا تَرَفَّقَ لَهَا وأتاها مِن وَجههَا.
أَبُو عبيد: تأتّى للْقِيَام، والتأتِّي التهيُّؤ للْقِيَام.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
إِذا هيَ تَأَتَّى تُرِيدُ الْقيام
تَهَادَى كَمَا قد رأيتَ البهيرا
وَيُقَال: مَا أحسنَ أَتْوَ يَدَيها وأَتْيَ يَديهَا، يَعْنِي رَجْعَ يَديهَا، وَيُقَال: أَتَيْتُهُ أَتْيَةً وأَتَوْتُهُ أَتْوَةً وَاحِدَة.
وَقَالَ الْهُذلِيّ:
كنتُ إِذا أَتَوْتُه من غيب
وَقَالَ اللَّيْث: الإتِيَاء الْإِعْطَاء، آتى يُؤاتي إيتَاء، قَالَ وَتقول: هَات مَعْنَاهُ: آتِ على فاعِلْ، فَدخلت الْهَاء على الْألف، والمُؤَاتاةُ حُسن المطاوَعَة، تَأَتَّى لِفلان أمرُه، وَقد أَتَّاه الله تَأتِيَةً، وَأنْشد:
تَأتَّى لَهُ الدَّهْرُ حَتَّى انْجَبَرْ
والإتاوة الخَراجُ وَجَمعهَا الأتاوَى، والإتاوات.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي فَقَالَ:
أَفي كل أسواقِ الْعرَاق إتاوةٌ
وَفي كل مَا باعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
أَبُو عُبَيْدَة، عَن أبي زيد: أتوته، أَتْوَةً إِذا رشوتَه، إتاوَة؛ وَهِي الرِّشْوَة.
وَأنْشد الْبَيْت:
أَفِي كل أسواق الْعرَاق إتاوة
وَيُقَال: آتَيْتُ فلَانا على أمرٍ مُؤَاتاةً وَلَا

(14/251)


تَقول: واتَيْتُهُ إِلَّا فِي لُغَة لأهل الْيمن.
وَمثله: آسَيْتُ، وَآكَلْتُ وَآمَرْتُ، وَإِنَّمَا جعلوها واواً، على تَخْفيف الْهَمْز فِي يُوَاكِل ويوامر، وَنَحْو ذَلِك.
عَمْرو عَن أَبِيه: رجل أُتَاوِيِّ، وأَتاوِيّ وإتاوِيّ، وأَتِيّ، أَي غَرِيب. قلت: واللغة الجيّدة: رجل أَتِيٌّ وأَتاوِيّ، وإتاءُ النَّخْلة رَيْعُها وزكاؤها وَكَثْرَة ثمارها، وكَذلك إتاءُ الزَّرْع رَيْعه، وَقد أَتَتْ النخلةُ وآتت إيتَاء وإتاءةً.
وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة:
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي نَخْلَ بَعْلٍ
وَلَا سَقْيٍ وَإِن عَظُمَ الإتاءُ
قَالَ الْأَصْمَعِي: الإتاءُ مَا خرج من الأَرْض والتَّمر وَغَيره.
ابْن شُمَيْل: أَتَى على فلَان أَتْوٌ أَي مَوْتٌ أَو بَلاءٌ أَصَابَهُ، يُقَال: إِن أَتى عليَّ أَتْوٌ فغلامي حُرٌّ أَي إِن مِتُّ، والأتْوُ الْمَرَض الشَّديد أَو كَسْرُ يَدٍ أَو رجلٍ أَوْ موت؛ وَيُقَال: أُتِيَ على يَدِ فلَان إِذا هَلك لَهُ مَال.
وَقَالَ الحُطَيْئة:
أخُو المرءِ يُؤْتَى دُونه ثُمَّ يُتَّقَى
بِزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصَى كالجمامِح
قَوْله: أَخُو الْمَرْء أَي أَخُو الْمَقْتُول الَّذِي يَرْضَى من دِيَةِ أَخيه بِتُبُوسٍ، أَي لَا خير فِيمَا يُؤْتى دُونه أَي يُقْتَلَ، ثمَّ يُتَّقَى بتُيُوس زُبِّ اللِّحَى أَي طَوِيلَة اللِّحى. وَيُقَال: يُؤْتَى دونه أَي يُذْهَبَ بِهِ ويُغْلَبُ عَلَيْهِ. وقَال:
أَتَى دونَ حُلْوِ الْعَيْشِ حَتَّى أَمَرَّه
نُكُوبٌ عَلَى آثارِهِنَّ نُكوبُ
أَي ذهب بِحُلْوِ العيْشِ، وَيُقَال أُتِيَ فلَان إِذا أَطَلَّ عَلَيْهِ العَدوُّ، وَقد أُتِيتَ يَا فُلاَن إِذا أُنْذِر عَدُوّاً أَشرف عَلَيْهِ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ} (النَّحْل: 26) .
وتت: عَمْرو عَن أَبِيه: الوَتُّ والوُتَّةُ صِياح الوَرَشَانِ، وأَوْتَى إِذا صاحَ صِياحَ الوَرَشَانِ، قَالَه ابنُ الْأَعرَابِي.
وَفِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الخُشَيْنِيِّ، أَنه اسْتُفْتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللُّقَطَة؛ فَقَالَ: (مَا وَجَدتَ فِي طريقٍ ميتاءٍ فَعَرِّفه سنة) .
وَقَالَ شمر: مِيتَاءُ الطَّرِيق ومِيداؤه ومَحَجَّته وتَلَمُه واحدٌ، وَهُوَ ظاهرُهُ المسلوك.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِهِ إِبْرَاهِيم وَهُوَ يَسوق نَفْسَه: لَوْلَا أنَّه طريقٌ مِيتاءٌ لحَزِنّا عَلَيْك أَكثر مِمَّا حَزِنا، أَرَادَ أَنه طَرِيق مَسْلُوكٌ، وَهُوَ مِفْعالٌ من الْإِتْيَان، وَإِن قلتَ طريقٌ مَأْتِيٌّ فَهُوَ مفعول، من أَتَيْتُه.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} (مَرْيَم: 61) كَأَنَّهُ قَالَ: آتِيَا، لأَن مَا أتيتَه فقد أَتَاك وَقَوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} (النَّحْل: 1) أَي قَرُب ودَنا

(14/252)


إِتْيَانه. وَمن أمثالهم: مَأْتِيٌّ أنتَ أَيهَا السَّواد أَو السُّوَيْد، أَي لَا بُد لَك من هَذَا الْأَمر.
وَيُقَال للرجل إِذا دنا من عدوه: أُتيتَ أَيهَا الرجُل.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ} (النَّحْل: 26) أَي قَلَعه من قَوَاعده وأَساسه فهدَمه عَلَيْهِم حَتَّى أَهْلكهم، وَيُقَال: فَرَسٌ أَتِيٌّ، ومُسْتَأْتٍ، وَمُسْتَوْتٍ بِغَيْر هَاء إِذا أَرْدَفَتْ، وَقد اسْتَأْتَتْ النَّاقة اسْتِئْتاءً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التُّوى الجَواري والوُتَى الجِيَّاتُ، قَالَ: وَأَتوَى الرجلُ إِذا جَاءَ تَوّاً وَحْدَه، وأَزْوَى، إِذا جاءَ مَعَه آخر.
وَالْعرب تَقول لِكل مُفْرد: تَوٌّ وَلكُل زوج زوٌّ.
ابْن السّكيت: هُوَ التَّوْتُ للفرصاد وَلَا تقل: التُّوتَ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْمبرد عَن الْمَازِني قَالَ: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: أهل الشَّام يَقُولُونَ التُّوتَ لهَذَا الثَّمَرَة، وَالْعرب تَقول: التَّوثَ على كَلَام الْعَامَّة.

(14/253)


بَاب الرباعي
(تنبل) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: التَّنْبالُ: الرجل الْقصير، وَجمعه التَّنَابِيلُ، وَأنْشد شَمِر لِكَعْبِ بن زُهَيْر:
يَمْشون مَشْيَ الجِمَالِ الزُّهْرِ
يَعْصِمهُم ضَرْبٌ إِذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابِيلُ
(تنتل) (1) : عَمْرو عَن أَبِيه: إِذا مَذَرَت البَيْضةُ فَهِيَ التَّنَتَلةُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ثَنْتَلَ الرَّجل: إِذا تَقَذَّر بَعد تَنْظيفٍ، وتَنْتَلَ إِذا تَحامَق بعد تعاقل، وتَرْفَلَ إِذا تَبخْتَر كِبْراً وزَهْواً.
(ترنم) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّرْنَموت القَوْسُ، وَهِي أُنثى لَا تذَكَّر.
(ترَتّب) : أَبُو عبيد: التُّرتُبُ الْأَمر الثَّابِت.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التُّرتُبُ العَبْد السوء.
(ترنت) : اللحياني: اتْرَنْتَى علينا فلَان يَتَرنتِي أَي انْدرَأَ علينا.
وَقَالَ أَبُو زيد: اتْرَنْتَيْتُ لَهُ اتْرِنتاءً إِذا استعدَدتَ لَهُ.
(فرتن) : أَبُو سعيد: الفرتَنَةُ عِنْد الْعَرَب تشقيق الْكَلَام، والاهتماش فِيهِ، يُقَال: فلَان يُفَرْتِن فرتَنةً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْأمة: فرتْنَى وابنُ فَرتَنَى هُوَ ابْن الْأمة البغيِّ؛ أَبُو زيد: وَمن العِضِّ اليَنبوتُ ويَنْبُوتَةٌ، وَهِي شجرةٌ شاكةٌ ذاتُ غِصَنة وَوَرق، وثمرتها جَرْوٌ والجرْوُ وِعاءُ بَذْر الكعابير الَّتِي تكون فِي رُؤوس العِيدان، وَلَا يكون فِي غير الرؤوس إلاَّ فِي مُحَقَّرات الشّجر، وَإِنَّمَا سمى جَرْواً لِأَنَّهُ مُدَحرج، وَهُوَ من الشِّرْس والعُضِّ وَلَيْسَ من العِضاهِ.
(ثرتم) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: مَا فضلَ فِي الْإِنَاء من طَعَام أَو أَدَم يُقَال لَهُ: الثُّرْتُمُ وَأنْشد:
لَا تَحْسَبَنَّ طِعان قَيْسٍ بالقَنَا
وضِرابهم بالبِيض حَسْوَ الثُّرْتُمِ
(تنتل تنبل) : وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ الْأَصْمَعِي: رجل تِنْبَلٌ وتِنْتَلٌ إِذا كَانَ قَصِيرا.
وَالْحَمْد لله ذِي الْحول وَالْقُوَّة وحسبنا الله
وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
الْعلي الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.

(14/254)


كتاب الظَّاء من تَهْذِيب اللُّغَة
المضاعف مِنْهُ
ظ ذ ظ ث: مهملات.

(بَاب الظَّاء وَالرَّاء)
ظ ر
اسْتعْمل مِنْهُ: (ظرّ) .
ظر: وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَديّ بن حَاتِم سَأَلَهُ فَقَالَ:
(إِنَّا نَصِيدُ الصيدَ وَلَا نجدُ مَا نُذَكِّي بِهِ إلاّ الظِّرارَ وشِقّة العَصا، فَقَالَ: أَمْرِ الدَّمَ بِمَا شِئتَ) .
قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: الظِّرارُ وَاحِدهَا ظُرَرٌ، وَهُوَ حَجر مُحدَّدٌ صُلبٌ وَجمعه ظِرارٌ وظِرّانٌ.
وَقَالَ لبيد:
بجَسْرَةٍ تَنْجُلُ الظِّرانَ نَاجيةً
إِذا تَوَقَّدَ فِي الدَّيمومة الظُّرَرُ
وَقَالَ شمر: المظَرَّة فِلقةٌ من الظِّرانِ يُقطعُ بهَا، ويُقال: ظَرِيرٌ وأَظِرَّة، وَيُقَال: ظرَرة واحدةٌ.
قَالَ وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الظِّرُّ حجر أملس عريض يَكسِره الرجل فيجزر بِهِ الجَزُور، وعَلى كل حَال يكون الظُّرَرُ وَهُوَ قبل أَن يُكسر ظُرَرٌ أَيْضا، وَهِي فِي الأَرْض سَلِيلٌ وصفائحُ مثلُ السيوف، والسليلُ: الحجرُ العريض وَأنْشد:
تَقيهِ مَظاريرُ الصُّوَى مِن فِعاله
بَسُور تلَحِّيه الحصَى كَنَوَى القسْبِ
وَأَرْض مَظرَّةٌ ذاتُ ظِرَّان.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ظَرَرْتُ مَظَرَّة وَذَلِكَ أَن النَّاقة إِذا أبْلَمَتْ وَهُوَ داءٌ يأخذُها فِي حَلقة الرَّحِم فيَضِيقُ، فَيَأْخُذ الرَّاعِي مَظَرّةً ويُدخل يَده فِي بَطنهَا من ظَبْيَتها ثمَّ يَقطَعُ من ذَلِك الْموضع كالثُّؤْلُول.
قَالَ: والأَظِرَّة من الْأَعْلَام الَّتِي يُهتَدَى بهَا مثل الأمِرَّة وَمِنْهَا مَا يكون مَمْطولاً صُلباً يتَّخذ مِنْهُ الرَّحَى. انْتهى، وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الظَّاء وَاللَّام)
(ظ ل)
ظلّ، لظ: (مستعملة) .
(ظلّ) : قَالَ اللَّيْث: ظَلَّ فلانٌ نهارَه صَائِما وَلَا تَقول العربُ: ظلّ يَظَلُّ إِلَّا لكل عملٍ بِالنَّهَارِ، كَمَا لَا يَقُولُونَ: باتَ يَبِيت إلاّ

(14/255)


بِاللَّيْلِ؛ وَمن الْعَرَب من يحذف لَام ظَلِلْتُ وَنَحْوهَا حَيْثُ يظهران؛ فأَما أهل الْحجاز فيكسِرون الظَّاء على كَسرة اللَّام الَّتِي أُلْقِيتْ، فَيَقُولُونَ: ظِلْنا وظِلتُم والمصدر الظلول، وَالْأَمر مِنْهُ ظَلَّ واظْلَلْ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} (طه: 97) وقرىء: (ظِلْتَ) عَلَيْهِ، فَمن فتح فَالْأَصْل فِيهِ ظَلِلْتَ عَلَيْهِ، وَلَكِن اللَّام حُذفت لِثِقَل التَّضْعيف والكَسْر، وبَقِيتْ الظَّاءُ على فتحهَا وَمن قَرَأَ (ظِلْتَ) بِالْكَسْرِ حَوَّلَ كَسْرة اللَّام على الظَّاء، وَقد يجوز فِي غير المكسور نَحْو هَمْتُ بِذَاكَ أَي هَمَمْتُ، وأَحَسْتُ تُرِيدُ أَحْسَسْتُ وحَلْتُ فِي بني فلَان، بِمَعْنى حَلَلْتُ وَلَيْسَ بِقِيَاس إِنَّمَا هِيَ أحرف قَليلَة مَعْدُودَة.
وَهَذَا قَول حُذَّاق النَّحْوِيين، وَقَوله عزّ وجلّ: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ} (النَّحْل: 48) ، أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: مَحل مَا لم تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس، فَهُوَ ظِلٌّ، قَالَ: وَاللَّيْل كُله ظِلّ، وَإِذا أسْفَر الْفجْر فَمن لَدُن الْإِسْفَار إِلَى طُلوع الشَّمْس كُلُّه ظِلٌّ، قَالَ: والفَيْءُ لَا يُسمى فَيْئاً إِلَّا بعد الزَّوَال إِذا فاءت الشَّمْس، أَي إِذا رجعت إِلَى الْجَانِب الغربي، فَمَا فاءَتْ مِنْهُ الشَّمْس وَبَقِي ظِلاً فَهُوَ فَيْءٌ، والفَيّءُ شَرْقي والظِّلّ غَرْبي، وَإِنَّمَا يُدْعَى الظِّلّ ظلاّ من أول النَّهَار إِلَى الزَّوَال، ثمَّ يُدْعَى فَيْئا بعد الزَّوَال إِلَى اللَّيْل وَأنْشد:
فَلَا الظِّلَّ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطيعُه
وَلَا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تذُوقُ
قَالَ: وَسَوَاد اللَّيْل كُله ظِلٌّ، وَقَالَ غَيره يُقَال: أَظَلَّ يَوْمُنا هَذَا إِذا كَانَ ذَا سَحَاب أَو غَيره، فَهُوَ مُظِلّ، وَالْعرب تَقول: لَيْسَ شَيْء أظل من حَجَر، وَلَا أَدفأَ من شجر، وَلَا أشدَّ سواداً من ظلّ، وَكلما كَانَ أرفَعَ سمكًا كَانَ مسْقط الشَّمْس أبعد، وَكلما كَانَ أَكثر عرضا وَأَشد اكتنازاً كَانَ أَشد لسواد ظله، وَيَزْعُم المنجمون أَن اللَّيْل ظِلٌّ، وَإِنَّمَا اسود جدا، لِأَنَّهُ ظِل كرةِ الأَرْض، وبقدر مَا زَاد بدَنُها فِي العِظَم ازْدَادَ سَواد ظلها، وَيُقَال للْمَيت: قد ضحا ظله.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: ترَك الظبيُ ظِلَّه، وَذَلِكَ إِذا نَفَرَ، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الظَّبْيَ يَكنِسُ فِي شِدّة الحرّ فيأتيه السَّامي فيُثيره فَلَا يعُودُ إِلَى كِناسِه فَيُقَال: ترك ظِلّه، ثمَّ صَار مثلا لكل نافرٍ من شَيْء لَا يعود إِلَيْهِ، ويقالُ: انتَعَلتْ المطايا ظِلالَهَا إِذا انتصفَ النَّهَار فِي القيظ، فَلم يَكن لَهَا ظِلّ، وَقَالَ الراجز:
قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلاَلِها
وذَابَتْ الشمسُ على قِلاَلِها
وَقَالَ آخر فِي مثله:
وانْتَعَلَ الظِّلَّ فَكَانَ جَوْرَبَا
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فِتَناً كَأَنَّهَا

(14/256)


الظُّلَل واحده ظُلَّة، وَهِي الْجبَال، وَهِي السَّحَاب أَيْضا.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَكَيف تَقول العنكبوت وبيتها
إِذا مَا عنتْ موجاً من الْبَحْر كالظُّلل
قَالَ أَبُو عَمْرو: الظُّلل: السَّحَاب.
وَقَالَ الْفراء: أظل يومُنا إِذا كَانَ ذَا سَحَاب وَالشَّمْس مُستظِلَّة، أَي هِيَ فِي السَّحَاب؛ وكل شَيْء أظلك فَهُوَ ظُلَّة؛ وَيُقَال: ظِلٌ وظِلال وظُلّة وظُلَلٌ، مثل قُلة وقُلَل.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: أَتَيْته حِين شدَّ الظَّبي ظِله وَذَلِكَ إِذا كنس نصف النَّهَار، فَلَا يبرحُ مكنسه وَيُقَال: أَتَيْته حِين ينْشُد الظَّبي ظِلَّه، أَي حِين يشْتَد الْحر فيطلب كِنَاساً، يكْتَن فِيهِ من شدَّة الْحر.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي ظِل الشتاءِ، أَي فِي أوَّل مَا جَاءَ الشِّتاء، وفعلتُ ذَلِك فِي ظِل القَيْظ، أَي فِي شدَّة الْحر وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
غَلَسْتُه قَبْلَ القَطَا وفُرَّطِه
فِي ظِلِّ أَجَّاج المَقِيظ مُغْبِطِه
واسْتَظَلَّ الرجلُ إِذا اكْتَنَّ بالظِّل، وَيُقَال: فلَان فِي ظِلّ فلَان أَي فِي ذَرَاه وَفِي كَنَفِه، وسمعتُ أَعْرَابِيًا من طَيّىء يَقُول: لِلَحْمٍ رَقِيق لاصقٍ بباطن المنسم من الْبَعِير: هِيَ المُسْتَظِلاَّتُ، وَلَيْسَ فِي لَحْمِ الْبَعِير مُضْغَةٌ أرقُ وَلَا أَنْعَمُ مِنْهَا، غير أنهُ لَا دَسَمَ فِيهَا، ويُقال لِلدَّم الَّذِي فِي الْجوف مُسْتَظِلٌ أَيْضا وَمِنْه قَوْله: مِن عَلَقِ الجوفِ الَّذِي كَانَ اسْتَظَلَّ.
وَيُقَال: اسْتَظَلَّتْ العينُ إِذا غَارتْ وَقَالَ ذُو الرمة:
على مُسْتَظَلاَّتِ العُيُونِ سَوَاهِمٍ
شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُراها لُغَامُها
وَقَول الراجز:
كأَنَّما وَجْهُك ظِلٌّ من حَجَر
قَالَ بَعضهم: أرادَ الوَقَاحة، وَقَالَ: أَرَادَ أَنه أَسْودُ الوَجْه، وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي ظِلِّ الشتَاء، أَي فِي أول مَا جَاءَ، وَقَالَ الْفراء: الظَّلَّة مَا ستَرك مِن فَوق، والظُّلَّةُ الصَّيْحةُ، والظُّلَّةُ الظِّلالُ، والظِّلالُ ظِلالُ الجنَّة، قَالَ عَبَّاس بن عبد الْمطلب:
من قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال وَفِي
مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرقُ
أَرَادَ ظِلال الجِنان الَّتِي لَا شَمْسَ فِيهَا.
أَرَادَ أَنه كَانَ طيبا فِي صلب آدم فِي الْجنَّة وظِلالُ البحْر أَمْواجُه لِأَنَّهَا ترْتَفع فتُظِلُّ السَّفِينَة وَمن فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: مكانٌ ظليلٌ دَائِم الظِّل قد دَامتْ ظِلالُهُ، والظُّلَّة كَهيئة الصُّفّة، قَالَ: وعَذابُ يَوْم الظُّلَّةِ يُقَال وَالله أعلم: عَذَاب يَوْم الصُّفَة، وَقَالَ غَيره: قيل عَذَاب يَوْم

(14/257)


الظُّلَّة.
لِأَن الله جلّ وعزّ بعثَ غَمامةً حارَّةً فأَطْبَقَتْ عَلَيْهِم وهَلَكوا تحتهَا، وكلُّ مَا أطبق عَلَيْك فَهُوَ ظُلّة، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا أَظَلَّكَ، وَقَول الله جلّ وعزّ فِي صفة أهل النَّار: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: 16) .
روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأَعرابي: هِيَ ظُلَلٌ لمن تَحْتَهم وَهِي أَرْضٌ لَهُم، وَذَلِكَ أَن جَهَنَّم أَدْرَاكٌ وأطْباقٌ فبِساطُ هَذِه ظُلَّةٌ لمن تَحْتهم ثمَّ هَلُمَّ جرَّا حَتَّى ينْتَهوا إِلَى القَعْر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الظَّلِيلَةُ الروضةُ الْكَثِيرَة الحَرجاتِ.
وَقَالَ اللَّيْث: والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ قَالَ: والظُّلَّة والمِظَلَّةُ سَوَاء وهما مَا يُسْتَظَل بِهِ من الشَّمْس وَيُقَال: مَظَلَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخَيْمة تكون من أَعْوَادٍ تُسَقَّفُ بالثُّمامِ وَلَا تكون الخَيْمةُ من نباتٍ، وَأما المَظَلَّة فَمن ثيابٍ، رَوَاهُ بِفتْح الْمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الإظلالُ: الدُّنُوُّ يُقَال: أَظَلَّكَ فلانٌ، أَي كَأَنَّهُ ألْقى عَلَيْك ظِلَّهُ من قُرْبِه، وأَظَلَّ شهرُ رمضانَ أَي دنا مِنْك، وَيُقَال: لَا يجاوزُ ظِلِّي ظلَّك، قَالَ: ومُلاعِبُ ظِلِّه طائرٌ يُسمى بذلك، وهما مُلاعِبا ظلِّهما وملاعباتُ ظِلِّهن هَذَا فِي لُغَة، فَإِذا جعلتَه نَكرة أخرجتَ الظل على العِدَّة فَقلت: هُنَّ ملاعباتُ أظلالهن.
قَالَ ذُو الرمة:
دَامِي الأظَلِّ بعيدِ الشَّأْوِ مَهْيُومِ
والظِّل شِبْه الخيال من الجنّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّليلةُ مُسْتَنْقعُ ماءٍ قليلٍ من سيلٍ أَو نَحوه، والجميعُ الظّلائِلُ وَهِي شبه حُفْرةٍ فِي بَطْن مَسيلِ ماءٍ، فَيَنْقَطِع السَّيْل وَيبقى ذَلِك المَاء فِيهَا.
وَقَالَ رؤبة:
غَادَرَهُنَّ السَّيْلُ فِي ظَلاَئِلاَ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظُّلْظُلُ: السُّفُن وَهُوَ المَظَلَّة.
وَقَالَ أَبُو زيد: من بيُوت الْأَعْرَاب: المِظَلَّةُ وَهِي أعظم مَا يكون من بيُوت الشَّعَر ثمَّ الوَسُوطُ بَعْد المِظلة ثمَّ الخِباء، وَهُوَ أَصْغَر بيُوت الشَّعَر.
وَقَالَ أَبُو مَالك: المِظَلَّةُ والخِباء يكون صَغيراً وكَبيراً.
قَالَ: وَيُقَال للبيت الْعَظِيم: مِظلة مَطْحَوَّة ومَطْحِيَّة وطَاحِيَةٌ وَهُوَ الضّخْمُ، ومِظَلَّةُ دَوْحَة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: عِلةٌ مَا عِلَّة، أَوْتَارٌ وأَخِلَّه، وعَمَدُ المِظَلَّةُ، أَبْرِزُوا لِصِهْركم ظُلَّة، قالَتْه جَارِيةٌ زُوِّجَتْ فأَبْطأَ بهَا أَهْلُها على زَوْجها، وَجعلُوا يَعْتَلَّون لَهُ بِجَمْعِ أَدَوَاتِ البَيْت فَقَالَت ذَلِك اسْتِحثاثاً لَهُم.

(14/258)


قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي بابُ سُوءِ المشارَكة فِي اهتمام الرجل بشأن صَاحبه. قَالَ أَبُو عبيد: إِذا أَرَادَ المشكو إِلَيْهِ أَنه فِي نحوٍ مِمَّا فِيهِ صَاحبه الشاكي قَالَ لَهُ: إِن يَدْمَ أَظلُّك فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي؛ يَقُول: إِنِّي فِي مثل حالك.
وَقَالَ لبيد:
بِنَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلِّ
والأظَلُّ والمَنْسِمُ للبعير كالظُّفْر للْإنْسَان.
من قَرَأَ (فِي ظلل على الأرائك) (يس: 56) فَهُوَ جمع ظُلّة، وَمن قَرَأَ فِي (ظِلال) فَهُوَ جمع الظلِّ، وَمِنْه قَوْله: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: 16) .
وَقَالَ تَعَالَى: {ظِلاًّ ظَلِيلاً} (النِّسَاء: 57) أَي يُظل من الرّيح والحرّ.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: ظِلا ظَليلاً. أَي دَائِما طَيِّباً، يُقَال إِنَّه لفي عَيْش ظَليلٍ، أَي طيِّب.
قَالَ جرير:
وَلَقَد تُسَاعِفُنا الدِّيارُ وعَيْشنا
لَو دَامَ ذَاك كَمَا تُحبُّ ظلِيلُ
وَمِنْه: {شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ} (المرسلات: 31) . {وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالاَْصَالِ} (الرَّعْد: 15) .
أَي مُسْتَمِرٌ ظلُّهم، يُقَال: هُوَ جمع الظل وَيُقَال: هُوَ شُخُوصهم.
{للهمَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} (الْوَاقِعَة: 30) يُقَال هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا تنسخه الشَّمْس، وَالْجنَّة كلهَا ظلّ.
لظ: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (ألِظُّوا فِي الدُّعَاء بيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام) .
قَالَ أَبُو عبيد: أَلِظُّوا يَعْنِي الْزَمُوا، والإلْظَاظُ لُزومُ الشيءِ والمثابرة عَلَيْهِ. يُقَال: أَلْظَظْتُ بِهِ أُلِظُّ إلْظاظاً، وَفُلَان مُلِظٌّ بفلانٍ أَي ملازمٌ لَهُ وَلَا يُفارقه.
وَقَالَ اللَّيْث: المُلاَظَّةُ فِي الْحَرْب الْمُوَاظبَة وَلُزُوم الْقِتَال وَرجل مِلْظَاظٌ ومِلَظُّ شديدُ الإبْلاَغِ بالشَّيْء يُلحُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الراجز:
عَجِبْتُ والدَّهْرُ لَه لَظِيظُ
وَيُقَال: رجل لَظٌّ كَظٌّ، أَي عَسِرٌ مُشَدَّدٌ عَلَيْهِ، والتَّلَظْلُظُ واللَّظْلَظَةُ من قَوْلك: حَيَّةٌ تَتَلَظْلَظُ، وَهُوَ تحريكُها رأْسَها مِن شِدَّة اغْتِيَاظِها؛ وحيةٌ تَتَلظى من شِدة توَقُّدِها وخُبْثها، كَانَ الأصلُ تَتَلَظَّظُ، وَأما قَوْلهم فِي الحرّ: يَتَلَظَّى فَكَأَنَّهُ يَتَلَهَّب كالنار من اللظى.
عَمْرو عَن أَبِيه: أَلَظَّ إِذا ألحّ وَمِنْه قَوْله: (أَلِظُّوا بِيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام) ؛ وَأنْشد لأبي وجزة:
فأبلغ بني سعد بن بكر مِلظَّة
رسولَ امرىءٍ بَادِي الْمَوَدَّة نَاصح
قيل: أَرَادَ بالمِلظة الرسَالَة، وَقَوله: رَسُول امرىء أَي رِسَالَة امرىء.

(14/259)


(بَاب الظَّاء وَالنُّون)
(ظ ن)
ظن: أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة: قَالَ: الظَّن يَقينٌ وشَكٌّ وَأنْشد:
ظَنِّي بهم كَعَسَى وهم بِتَنُوفَةٍ
يَتَنَازَعُون جَوَائِزَ الأَمْثَالِ
يَقُول: اليَقِينُ مِنْهُم كَعسى، وَعَسَى شَكٌّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: مَعْنَاهُ مَا يُظَنُّ بهم مِن الخَيْرِ فَهُوَ واجبٌ، وَعَسَى من الله واجبٌ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن الْإِنْسَان: {للهكِتَابيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (الحاقة: 20) أَي عَلِمْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَظَنُّو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} (يُوسُف: 110) أَي عَلِموا يَعْنِي الرُّسلَ، أَن قومَهم قد كَذَّبوهم فَلَا يصدِّقونهم، وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَابْن كثير وَنَافِع وَأبي عَمْرو، بِالتَّشْدِيدِ وَبِه قَرأَتْ عَائِشَة، وفسَّرته على مَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّنِينُ المعادِي، والظَّنِينُ المتَّهم الَّذِي تُظَن بِهِ التُّهْمَة ومصدرُه الظِّنَّة بِالتَّشْدِيدِ، والظَّنون الرجلُ السيِّىءُ الظَّنِّ بِكُل أحد، والظَّنُون الرجلُ الْقَلِيل الخيرِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب قَالَ: الظنون الْمُتَّهم فِي عقله، والظنون كل مَا لَا يُوثق بِهِ من مَاء وَغَيره وَيُقَال: عِلْمُه بالشَّيْء ظَنُونٌ إِذا لم يُوثق بِهِ. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
كصخرة إذْ تُسَائِلُ فِي مَرَاحٍ
وَفِي حَزْمٍ وعلمَهما ظَنُونٌ
وَقَول الله جلّ وعزّ: (وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) مَعْنَاهُ مَا هُوَ على مَا يُنْبِىءُ عَن الله من علم الْغَيْب بمُتَّهمٍ، وَهَذَا يُروى عَن عليَ.
وَقَالَ الْفراء وَيُقَال: (مَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) مَا هُوَ بضعيف، يَقُول: هُوَ مُحتَمل لَهُ.
والعَربُ تَقول للرجل الضَّعِيف أَو الْقَلِيل الْحِيلَة: هُوَ ظَنُون.
قَالَ: وَسمعت بَعْض قُضاعة يَقُول: رُبمَا دَلَّك على الرأْي الظَّنُون، يُرِيد الضعيفَ من الرِّجَال، فإِن يكن معنى ظَنِين ضَعِيف فَهُوَ كَمَا قيل مَاء شَرُبٌ وشَرِيبٌ، وقَرونِي وقَريني وقَرُونَتِي وقَرِينَتي، وَهِي النَّفْسُ والعَزيمةُ.
وَقَالَ ابْن سِيرِين مَا كَانَ عَلِيٌّ يُظَنُّ فِي قَتْل عثمانَ، وَكَانَ الَّذِي يُظَنُّ فِي قَتْله غَيره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوْله يُظَّنُّ يَعْنِي يُتَّهم، وَأَصله من الظَّن، إِنَّمَا هم يُفْتَعَل مِنْهُ وَكَانَ فِي الأَصْل: يُظْتَنُّ فَثَقُلَتْ الظَّاءُ مَعَ التَّاء فَقُلِبتْ ظاءً مُشدَّدةً حِين أُدْغِمت، وَأنْشد:
وَمَا كُلُّ مَن تِظَنُّني أَنا مُعْتِبٌ
وَلَا كُلَّ مَا يُرْوَى عليَّ أَقُولُ
وَمثله:

(14/260)


هُوَ الجوادُ الَّذِي يُعطيك نائِلَهُ
عَفْواً ويُظْلم أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ
كَانَ فِي الأَصْل: فيظتلم فقُلِبت التاءُ ظاءً وأُدْغمتْ فِي الظَّاء فَشُدِّدتْ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: تَظنَّيْتُ من ظَنَنْتُ، وَأَصله تَظنَّنتُ فكثُرتْ النوناتُ فَقُلبتْ إِحْدَاهمَا يَاء، كَمَا قَالَ: قصَّيتُ أظفاري وَالْأَصْل قصَّصْتُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد: الظنين الْمُتَّهم وَأَصله المظنون وَهُوَ من ظَنَنْت الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: ظَنَنْت بزيد وظننت زيدا، أَي اتهمت، وَأنْشد لعبد الرحمان بن حسان:
فَلَا وَيَمينِ اللَّهِ مَا عَنْ جنايةٍ
هجرْتُ ولكنَّ الظنَّين ظنينُ
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: (وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) أَي مُتَّهم.
وَمن حَدِيث عليّ أَنه قَالَ: فِي الدَّيْن الظُّنُونِ، قَالَ: يُزَكِّيه لما مضى، إِذا قَبَضَه.
قَالَ أَبو عبيد: الظَّنُون الَّذِي لَا يَدْرِي صاحبُه أَيقضيه الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْن أَم لَا، كأَنَّه الَّذِي لَا يَرْجوه، قَالَ: وَكَذَلِكَ كل أَمر تُطالبُه وَلَا تدْري على أَي شَيْء أَنت مِنْهُ فَهُوَ ظُنون.
وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الظَّنون وَهِي الْبِئْر الَّتِي لَا يُدْرَى أفيها مَاء أم لَا؟ :
مَا جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الَّذِي
جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ
أَبُو الْحسن اللِّحياني: فلَان مَظِنَّةٌ من كَذَا ومَئِنَّة أَي مَعْلَمٌ.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يَسِطُ البُيوتَ لِكَيْ يكون مَظِنَّةً
مِن حيثُ تُوضَعُ جَفْنَةُ المسْتَرْفِدِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: الظَّنَونُ مِن النِّسَاء الَّتِي لَهَا شرف تُتَزَوَّجُ، وَإِنَّمَا سمِّيت ظنوناً لِأَن الوَلَد يُرْتَجَى مِنْهَا انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الظَّاء وَالْفَاء)
(ظ ف)
ظف، فظ: (مستعملة) .
ظف: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: ظَفَفْتُ قوائمَ البعيرِ وغيرِه أَظُفَّها ظَفّاً إِذا شَدَدْتَها كلَّها وجمعتَها.
فظ: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ: الفَظُّ الخَشِنُ الْكَلَام. قَالَ وَقَالَ لنا أَبُو نصر: الفَظُّ الغَلِيظُ، وأنشدنا:
لمَّا رَأينَا مِنْهُمُ مُغْتاظَا
تَعْرَفُ مِنْهُ اللُّؤْمَ والفِظَاظَا
وَقَالَ اللَّيْث: رجل فَظٌّ ذُو فَظَاظَةٍ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ غِلَظٌ فِي مَنْطِقِه، والفَظَظُ خُشونةٌ فِي الْكَلَام.
وَقَالَ غير وَاحِد: الفَظُّ ماءُ الكِرْش يُعْتَصَر

(14/261)


فَيُشْرَبُ عِنْد عَوزِ المَاء فِي الفَلوات وَبِه شُبِّهَ الرجلُ الفَظَّ لِغِلَظِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إنْ افْتَظَّ رجلٌ كَرِشَ بَعِيرٍ غَرَّهُ فاعْتَصَرَ ماءَه وصَفَّاه لم يُجزْ لَهُ أَن يَتَطَهَّرَ بِهِ.
وروى سَلمَة عَن الْفراء: الفَظِيظُ ماءُ الفَحْل فِي رَحِمِ الناقةِ، وَأنْشد:
حَمَلْنَ لَهَا مياهاً فِي الأدَاوَى
كَمَا قد يَحْمِلُ البَيْظُ الفَظِيظَا
انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب الظَّاء والبَاء)
(ظ ب)
ظب، بظ: (مستعملة) .
أمّا ظَبَّ فَإِنَّهُ لم يُستعمل إِلَّا مُكَرَّراً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظَّبْظَابُ البَثْرَةُ الَّتِي تخرج فِي وُجوه الملاح، والظَّبْظَابُ أَيْضا كلامُ المُوعِدِ بِشَرَ، وَأنْشد:
مُواغِدٌ جَاء لَهُ ظَبْظَابُ
قَالَ والمواغِد بالغَيْن المبادِرُ المتَهَدِّدُ.
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: ظَبْظَبَ إِذا حُمَّ، وظَبظَبَ إِذا صاحَ، وَله ظَبْظَابٌ، أَي جَلَبةٌ، وَأنْشد:
جاءتْ مَعَ الصُّبْح لَهَا ظَبَاظِبُ
فَغَشِيَ الدَّارَةَ مِنْهَا جالِبُ
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو وَأبي زيد يُقَال: مَا بِهِ ظَبْظَابٌ، أَي مَا بِهِ شيءٌ من الوَجَع.
وَقَالَ رؤبة:
كأَنَّ بِي سُلاَّ وَمَا بِي ظَبْظَابْ
قَالَ: والظَّبظابُ داءٌ يُصيب الْإِبِل وَقيل: هُوَ بَثْرٌ يخرج بِالْعينِ.
بظ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البَظِيظ السَّمِينُ الناعِم.
عَمْرو عَن أَبِيه:
أَبَظَّ الرجلُ إِذا سَمِنَ
وَقَالَ اللحياني: أنهُ لَفَظٌّ بَظٌّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: فَظِيظٌ بَظِيظٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: بَظَّ يَبُظُّ بَظًّا وَهُوَ تَحْرِيك الضَّارب أوتارَه ليُهيِّئها ويُسَوِّيها، والضَّادُ جَائِز فِيهِ.
وَفِي بعض النّسخ: فظَّ على كَذَا أَي ألَحَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: أَلَظَّ عَلَيْهِ إِذا ألحّ.

(بَاب الظَّاء وَالْمِيم)
(ظ م)
مظ: فِي حَدِيث أبي بكر: أَنه مرّ بابنِه عبدِ الرحمان وَهُوَ يُمَاظُّ جَاراً لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لَا تُمَاظِّ جارَك فَإِنَّهُ يَبْقَى، ويَذهبُ الناسُ.
قَالَ أَبُو عبيد: المُماظَّة المُشَارَّة والمُشاقَّةُ، وشِدَّةُ المُنَازَعةِ مَعَ طُول اللُّزُوم.

(14/262)


يُقَال: ماظَظْتُه أُمَاظُّهُ مِظاظاً ومُماظَّةً.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المَظُّ رُمَّانُ البَرِّ، وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم لبَعض طَيّىء:
وَلَا تَقْنَطْ إِذا حَلّتْ عِظامٌ
عليكَ من الْحَوَادِث أَنْ تُشَظَّا
وسَلِّ الْهَمَّ عنكَ بِذاتِ لَوْثٍ
تَبُوص الحادِيَيْنِ إِذا أَلظَا
كأَنَّ بِنَحْرِهَا وبِمِشْفَرَيْها
ومَخْلجِ أَنْفِهَا رَاء وَمَظَّا
جَرَى نَسْءٌ على عَسَنٍ عَلَيْهَا
فَمار خَصِيلُها حَتَّى تَشَظَّى
قَالَ: أَلظَّ، أَي ألَحَّ عَلَيْهَا الْحَادِي، قَالَ: والرَّاءُ زَبَدُ الْبَحْر، والمَظُّ دَمُ الْأَخَوَيْنِ، وَهُوَ دَمُ الغَزَال، وعُصارةُ عُروق الأرْطَى وَهِي حُمْرٌ، والأرْطأةُ خَضْراء فَإِذا أكلتها الْإِبِل احْمَرَّتْ مَشافِرُها.
وَقَالَ الْهُذلِيّ يذكر الحمُول:
يَمَانِيَةٌ أَحْيَالها مَظَّ مَأْبِدٍ وآلِ
قَراسٍ صَوْبُ أَسْقِيَةٍ كُحْلٍ
عَمْرو عَن أَبِيه: أَمَظَّ إِذا شَتَم وَأَبَظَّ إِذا سَمِن.

(14/263)


بَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف الظَّاء
أهملت الظَّاء مَعَ الذَّال والثاء إِلَى آخر الْحُرُوف.

(أَبْوَاب الظَّاء وَالرَّاء)
ظ ر ل: مهمل.
ظ ر ن
اسْتعْمل من وجوهه: (نظر) .
نظر: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب: نَظَرَ يَنظُرُ نَظَراً، قَالَ: وَيجوز تَخْفيف الْمصدر، تَحْمِلُه على لفظِ العَامَّةِ من المصادر، قَالَ وَتقول: نَظَرتُ إِلَى كَذَا وَكَذَا من نَظَرِ الْعين، ونَظَرِ الْقلب.
وَيَقُول الْقَائِل للمُؤَمَّل يرجوه: إِنَّمَا أَنْظُر إِلَى الله ثمَّ إِلَيْك، أَي إِنَّمَا أتوقع فَضْلَ الله ثمَّ فضلك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّظْرَةُ الرحمةُ والنظرةُ اللَّمْحَةُ بالعَجَلة.
وَمِنْه الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعليّ: (لَا تُتْبِعُ النظرةَ النظرةَ، فَإِن لَك الأولى ولَيْسَتْ لَك الْآخِرَة) ، قَالَ: والنَّظْرَةُ الهَيْبَةُ.
قَالَ بعض الْحُكَمَاء: من لم يَعْمَل نَظَرهُ لم يَعْمَل لِسانُه، وَمَعْنَاهُ: أنَّ النَّظْرةَ إِذا خَرجتْ بإنكار القلبِ عمِلتْ فِي الْقلب وَإِن خرجتْ بإنكار العَيْن دونَ الْقلب، لم تَعْمل، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: إِن لم يعْمل فِيهِ نظرك إِلَيْهِ بالكَراهة عِنْد ذَنْب أذنبه لم يفعل قَوْلك أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: رجل فِيهِ نَظْرَةٌ أَي شُحُوبٌ.
وَأنْشد شمر:
وَفِي الْهَام مِنْها نَظْرَةٌ وشُنُوعٌ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَّظْرَة: الشُّنْعَةُ والقبحُ، يُقَال: إِن فِي هَذِه الْجَارِيَة لَنَظْرةً إِذا كَانَت قبيحةً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: فِيهِ نَظْرةٌ ورَدَّةٌ وجَبْلةٌ، إِذا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم: أنَّ أَبَا ليلى الْأَعرَابِي قَالَ: فِيهِ رَدَّة أَي يَرْتَدُّ البَصَرُ عَنهُ مِن قُبْحه، وَفِيه نَظْرةٌ أَي قُبْحٌ، وَأنْشد الرياشي:
لَقَدْ رَابَني أَنَّ ابنَ جَعْدَةَ بادِنٌ
وَفِي جِسْمِ لَيْلَى نَظْرَةٌ وشُحُوبُ
وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى جَارِيَة فَقَالَ: (إِن بهَا نَظْرَة فاسْتَرْقُوا لَهَا) .
قيل: مَعْنَاهُ أَن بهَا إصابةَ عينٍ من نظر

(14/264)


الجِنِّ إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ بهَا سَفْعَة، وَقَول الله جلّ وعزّ: {طَعَامٍ غَيْرَ} (الْأَحْزَاب: 53) .
قَالَ أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ غير مُنْتَظِرين بلوغَه وإدراكَه، يُقَال: نظرت فلَانا وانتظرته بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ اللَّيْث: فَإِذا قلت: انتظرت فَلم يُجَاوِزك فِعْلك فَمَعْنَاه: وقفتَ وتمهلتَ.
وَقَوله تَعَالَى: {ءَامَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن} (الْحَدِيد: 13) قرىء (انظرونا) و (أنظرونا) بِقطع الْألف، فَمن قَرَأَ أُنظُرونا بِضَم الْألف فَمَعْنَاه انْتظِرونا، وَمن قَرَأَ أَنظِرونا فَمَعْنَاه أَخِّرُونا.
وَقَالَ الزّجاج: قيل: إِن معنى أَنْظرونا انْتظرونا أَيْضا.
وَمِنْه قَول عَمْرو بن كُلْثُوم:
أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ علينا
وأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا
وَقَالَ الْفراء: تَقول الْعَرَب: أَنْظِرْني: أَي انْتَظِرْني قَلِيلا.
وَيَقُول الْمُتَكَلّم لمن يُعْجِلُه: أَنْظِرْني أبْتَلعْ ريقي أَي أَمْهِلْني، وَيُقَال: بِعْتُ فُلاناً شَيْئا فأَنْظَرْتُه، أَي أَمْهلتُه، وَالِاسْم مِنْهُ النَّظِرةُ.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: اشتريْتُه مِنْهُ بِنَظِرة وبإِنْظار.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (الْبَقَرَة: 280) أَي إنظار، واستنظر فُلانٌ فُلاناً من النَّظِرَة، والتَّنَظُّر تَوقُّعُ الشَّيْء، والمناظرة أَن تُناظِر أَخَاك فِي أَمر إِذا نظرتما فِيهِ مَعًا كَيفَ تأتيانه؟ والمَنْظَرَة مَنْظَرُ الرجل إِذا نظرت إِلَيْهِ فأعجبك أَو ساءك وَتقول: إِنَّه لذُو مَنْظَرةٍ بِلَا مَخْبَرة.
قَالَ والمنْظَرة مَوْضعٌ فِي رَأس جَبل فِيهِ رَقيبٌ يَنْظُر العَدوَّ ويحرُسُه، والمنْظَر مصدرُ نَظَر، والمنْظرُ الشيءُ الَّذِي يُعجِبُ النَّاظر إِذا نظر إِلَيْهِ فَسَرَّهُ.
وَتقول: إِن فلَانا لفي مَنْظَرٍ ومُسْتَمعٍ وَفِي رِيَ وَمَشْبَعٍ أَي فِيمَا أحَبّ النّظر إِلَيْهِ وَالِاسْتِمَاع.
وَيُقَال: لقد كنتُ عَن هَذَا الْمقَام بِمَنْظرٍ أَي بمَعْزِلٍ فِيمَا أَحْبَبْت.
وَقَالَ أَبُو زُبيْد يُخَاطب غُلَاما لَهُ قد أَبَق فَقُتِلَ:
لقد كنتَ فِي مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ
عَن نَصْرِ بَهْراءَ غيرَ ذِي فَرَس
وَتقول الْعَرَب: إنَّ فلَانا لشديد النَّاظر إِذا كَانَ بَرِيئًا من التُّهْمَة، ينظر بملء عَيْنَيْهِ، وشديد الْكَاهِل أَي منيع الْجَانِب.
قَالَ: ونَظارِ كقوْلِكَ انْتَظِرْ، اسْم وُضع مَوضع الأمْرِ، ونَاظِرُ الْعين النُّقطةُ السَّوْدَاء الصَّافية الَّتِي فِي وسط سَواد الْعين، وَبهَا يَرَى النَّاظر مَا يَرَى.
وَقَالَ غَيره: الناظِرُ فِي الْعين كالمِرْآة إِذا استَقْبلتَها أبصرتَ فِيهَا شَخْصَك.

(14/265)


الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: النَّاظِران عِرقان مُكْتَنِفا الأنْفِ وَأنْشد:
وأَشْفِي مِن تَخَلُّجِ كلِّ جِنَ
وأَكْوِي النَّاظِرَيْن مِن الخُنَانِ
وَقَالَ الآخر:
وَلَقَد قَطَعْتُ نَواظِراً وحَسَمْتُها
مِمّن تَعَرَّض لِي من الشُّعَراءِ
وَقَالَ أَبُو زيد: هما عِرقان فِي مَجْرى الدَّمع على الأَنف من جَانِبَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: فلَان نظيرُك أَي مِثْلُك لِأَنَّهُ إِذا نَظَرَ إِلَيْهِمَا الناظرُ رآهما سَوَاء، قَالَ: والتَّأْنِيثُ النَّظِيرةُ، والجميع النَّظَائِر فِي الْكَلَام والأشياء كلهَا.
قَالَ: ومَنْظُورٌ اسْم رجل، والمنظور الَّذِي يُرْجَى خَيره.
وَيُقَال: مَا كَانَ هَذَا نظيراً لهَذَا، وَلَقَد أنْظَرَ بِهِ وَمَا كَانَ خَطِيراً، وَلَقَد أَخْطَرَ بِهِ، والمنْظورُ أَيْضا الَّذِي أَصَابَتْه نَظْرةٌ، ونظيرُك أَيْضا الَّذِي يُناظِرك وتُناظِرهُ.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: لقد عرفتُ النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول الله يقوم بهَا، عشْرين سُورَة من المفصَّل يَعْنِي سُوَر المفصَّل، سميت نَظَائِر لاشتِباه بعضِها بِبَعْض فِي الطول، وَقَول عَدِي: لم تُخطِىء نِظارتي، أَي فِراستي.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {الاَْخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا} (الْقِيَامَة: 22، 23) ، الأولى بالضاد والأخيرة بالظاء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: نَضِرتْ بنعيم الْجنَّة والنَّظر إِلَى ربّها.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {) يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ} (المطففين: 24) .
قلت: وَمن قَالَ: إنَّ مَعْنى قَوْله: إِلَى ربِّها ناظرة بِمَعْنى مُنْتظِرة، فقد أَخطَأ لِأَن العربَ لَا تَقول: نظرتُ إِلَى الشَّيْء بِمَعْنى انْتظرتُه، إِنَّمَا تَقول: نظرتُ فلَانا أَي انتظرته وَمِنْه قَول الحطيئة:
وَقد نَظَرتكُمُ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ
لِلْوِرْدِ طَال بهَا حَوْزِي وتَنْساسِي
فَإِذا قلت: نظرتُ إِلَيْهِ لم يكن إِلَّا بِالْعينِ، وَإِذا قلت: نظرتُ فِي الْأَمر احْتمل أَن يكون تفكُّراً، وتَدَبُّراً بِالْقَلْبِ.
سَلمَة عَن الْفراء يُقَال: فلانٌ نَظُورَةُ قومه ونَظِيرةُ قومه، وَهُوَ الَّذِي يَنْظُر إِلَيْهِ قومه يتَمثَّلون مَا امتثله، وَكَذَلِكَ هُوَ طرِيقتُهم بِهَذَا الْمَعْنى.
وَيُقَال: نَظِيرةُ القومِ وشَيِّفتُهم: أَي طَلِيعَتُهم، وفَرسٌ نظارٌ إِذا كَانَ شَهْماً طامحَ الطَّرْف حَديدَ الْقلب.
وَقَالَ الراجز:
نأْيُ المعدَّين وأَيّ نَظَار
قَالَ أَبُو نخيلة:
يتبعن نَظَّارَّيةً لم تُهْجَمِ
نظَّاريَّةٌ: ناقةٌ نجيبةٌ من نِتاج النظَّار وَهُوَ

(14/266)


فَحل مُنْجبٌ من فحول الْعَرَب.
وَقَالَ جرير:
والأرحَبِيُّ وجَدُّها النَّظَّارُ
لم تُهجَمْ: لَم تُحلَبْ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا تُناظِرْ بِكِتَاب الله وَلَا بِكَلَام رسولِ الله.
قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ لَا تجْعَل شَيْئا نَظيراً لِكتاب الله وَلَا لكَلَام رَسُول الله، يَقُول: لَا تتبَّع قولَ قائلٍ مَنْ كَانَ وتدعهما لَهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَيجوز أَيْضا مِن وجهٍ آخر، أَن تجعلهما مَثلاً لِلشيء يُعرضُ مثل قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يذكرُوا الْآيَة عِنْد الشَّيْء يَعْرِض من أَمر الدُّنْيَا.
كَقَوْل الْقَائِل للرجل إِذا جَاءَ فِي الْوَقْت الَّذِي يُرِيد صَاحبه: جئتَ على قَدَرٍ يَا مُوسَى، هَذَا وَمَا أشبهه من الْكَلَام.
وَحكى ابنُ السّكيت عَن امْرَأَة من الْعَرَب أَنَّهَا قَالَت لزَوجهَا: مُرَّ بِي على بَنِي نَظَرِي وَلَا تَمُرَّ بِي على بنَاتٍ نَقَرِي، أيّ مُرَّ بِي على الرِّجَال الَّذين نظرُوا إليَّ لم يَعيبُوني من وَرائي، وَلَا تَمرَّ بِي على النِّسَاء اللواتي يُنقِّرْن عَن عُيوب مَن مَرَّ بهنَّ.
وَالْعرب تَقول: دَاري تَنْظُر إِلَى دَار فلَان، ودُورُنا تَناظَرُ، إِذا كَانَت مُتحاذِيةً، وَيُقَال للسُّلْطَان إِذا بَعَث أَميناً يَسْتَبْرِىء أمْرَ جماعةِ قريةٍ: بعث نَاظرا.
وَقَالَ الأَصمعيّ: عددتُ إبل فلَان نَظَائِر أَي مَثْنى مَثْنى، وعددتُها جَماراً إِذا عَدَدْتَها وأنتَ تنظرُ إِلَى جماعتها.
وَقلت: قَوْله تَعَالَى: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الْأَعْرَاف: 129) أَي يرى مَا يكون مِنْكُم فيجازيكم على مَا يَشَاء، هَذِه مِمَّا قد علم غيبه قبل وُقُوعه، فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون وَأَنْتُم بُصَرَاء وَلَا عِلّةَ بكم؛ وَقَوله: {إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ} (فاطر: 43) ، أَي هَل ينتظرون إِلَّا نزُول الْعَذَاب بهم؛ وقَوله: {انظُرْنَا} (الْبَقَرَة: 104) أَي ارْقُبنا وانتظِرْ مَا يكون منا.
ظ ر ف
اسْتعْمل من وجوهه: ظفر، ظرف.
(ظرف) : أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال إِنَّك لغضيض الطَّرفِ نقي الظَّرف، قَالَ: الظّرْف دعاؤه بقول: لست بخائن.
قَالَ اللَّيْث: الظرْفُ مَصْدر الظريف وَقد ظَرُفَ يَظْرُف وهم الظرفاء وَتقول: فِتْيَةٌ ظروف أَي ظرفاء، وَهَذَا فِي الشّعْر يحسُن، ونِسْوة ظِراف وظَرائف. وهُوَ البراعةُ وذكاءُ الْقلب، وَلَا يُوصف بِهِ السَّيِّد وَلَا الشَّيْخ إِنَّمَا يُوصف بِهِ الفِتْيانُ الأَزْوَالُ والفَتَيَات الزَّوْلاتُ وَيجوز فِي الشّعْر فِي مصدره الظَّرافَة.
أَبُو بكر: قَالَ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي:

(14/267)


الظريف البليغ الْجيد الْكَلَام، وَقَالا: الظّرْف فِي اللِّسَان واحتجا بقول عمر: إِذا كَانَ اللص ظريفاً لم يُقْطَعْ مَعْنَاهُ، إِذا كَانَ بليغاً جيد الْكَلَام احتجَّ عَن نَفسه بِمَا يُسقط عَنهُ الْحَد، وَقَالَ غَيرهمَا: الظريف الْحسن الْوَجْه والهيئة.
وَقَالَ الْكسَائي: الظّرْف يكون فِي الْوَجْه وَاللِّسَان يُقَال: لِسَان ظريف وَوجه ظريف، وَأَجَازَ مَا أظْرف لِسانُه، أظرفُ أم وجْهُهُ؟ فِي الِاسْتِفْهَام.
قَالَ اللَّيْث: والظرف وِعاءُ كل شَيْء حَتَّى إِن الأبريق ظرف لما فِيهِ، والصفاتُ فِي الْكَلَام الَّتِي تكون مَوَاضِع لغَيْرهَا تسمى ظروفاً من نَحْو أمامَ وقُدّامُ، وَأَشْبَاه ذَلِك تَقول: خَلْفك زيدٌ، إِنَّمَا انْتَصَبَ لِأَنَّهُ ظَرْف لما فِيهِ، وَهُوَ مَوضِع لغيره وَقَالَ غَيْرُه من النَّحْوِيين: الْخَلِيل يُسمِّيها ظُروفاً، وَالْكسَائِيّ يُسمِّيها المَحَالَّ، والفراءُ يسميها الصِّفات وَالْمعْنَى وَاحِد، وَروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الظّرْفُ فِي اللِّسان والحَلاوة فِي العَيْنَين والمَلاَحَةُ فِي الفَم، والجمالُ فِي الأَنْف، وَقَالَ مُحمد بن يزِيد: الظريفُ مُشْتَقٌ من الظّرْف وَهُوَ الوِعاء كَأَنَّهُ جَعَل الظريفَ وِعاء للأدب ومَكارِم الْأَخْلَاق وَيُقَال: فلَان يَتَظَرَّف وَلَيْسَ بِظَرِيفٍ.
ظفر: قَالَ اللَّيْث: الظُّفْر ظُفْر الإصبع وظُفْر الطائِر والجميع الأَظْفار وَجمع الْأَظْفَار أظافير لِأَن أظفار بِوَزْن إِعصار، تَقول: أظافيرُ وأعاصيرُ قَالَ: وَإِن جاءَ ذَلِك فِي الشّعْر جَازَ كَقَوْلِه:
حَتَّى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ
أَرَادَ جمَاعَة الأخدار، والأخدار جمَاعَة الخِدْر، وَلَا يُتكلّم بِهِ بِالْقِيَاسِ فِي كلِّ ذَلِك سَوَاء، غير أَن السّمع آنس فَإِذا ورد على الْإِنْسَان شيءٌ لم يَسمعه مُستعملاً فِي الْكَلَام استوْحَشَ مِنْهُ فنفَرَ، وَهُوَ فِي الْأَشْعَار جَيِّد جائِزٌ، وَيُقَال للرجل: إِنَّه لمَقْلُوم الظُّفْر عَن أَذَى النَّاس، إِذا كَانَ قَليلَ الأَذِيَّة لَهُم، وَيُقَال للمَهِينِ الضّعيفِ: إِنَّه لَكَلِيلُ الظُّفرُ لَا يَنْكِي عَدُوّاً، وَقَالَ طَرَفة:
لسْتُ بالفَانِي وَلَا كَلِّ الظُّفُر
وَيُقَال: ظَفَرَ فلانٌ فِي وَجه فلَان إِذا غَرَزَ ظُفْره فِي لَحْمه فَعَقَره، وَكَذَلِكَ التَّطْفِيرُ فِي القِثَّاء والبِطِّيخ والأشياءِ كلهَا، والأَظفارُ شَيْء من العِطْر أسودُ شَبيه بظُفْرٍ مُقتَلَفٍ من أَصله يُجْعل فِي الدُّخْنَة وَلَا يُفْرَدُ مِنْهُ الواحدُ، وَرُبمَا قَالَ بَعضهم: أَظْفَارةٌ واحدةٌ، وَلَيْسَ بجائزٍ فِي الْقيَاس ويجمعونها على أَظَافِير، وَهَذَا فِي الطِّيبِ وَإِذا أُفْرِدَ شيءٌ من نَحْوهَا يَنْبَغِي أَن يكُون ظُفْراً وفُوهاً وهم يَقُولُونَ: أَظفارٌ وأظافيرٌ وأفواهٌ وأَفاويهُ لهذين العِطرين، والظَّفَرةُ جُلَيْدة تُغشِّي العينَ تنبُتُ من تِلقاء المأْقِ،

(14/268)


وَرُبمَا قُطِعَتْ، وإنْ تُركتْ غَشِيَتْ بصرَ الْعين حَتَّى يَكِلَّ وَيُقَال: ظُفِرَ فلانٌ فَهُوَ مَظْفور، وَعين ظَفِرةٌ وَقد ظفِرتْ عينُه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: ظَفِرت العينُ إِذا كَانَ بهَا ظَفَرَة، وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: ظَفَرَةٌ وظُفْرٌ.
ابْن بُزُرْجَ: ظَفِرتْ عينُه وظَفَرتْ سَوَاء وَهِي الظَّفَارَةُ، وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
مَا القولُ فِي عُجَيِّزٍ كالحُمرَة
بِعَيْنِها من البُكاء ظَفَرَة
حَلَّ أبْنُها فِي السِّجْنِ وَسْط الكَفَرَة
شمر عَن الْفراء: الظَّفَرَةُ لَحْمَةٌ تَنْبُتُ فِي الحَدَقة.
وَقَالَ غَيره: الظّفرة لحم ينْبت فِي بَيَاض الْعين، وَرُبمَا جلّل الحدقة.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّفَرُ الفوْزُ بِمَا طلبتَ والفَلَجُ على من خاصمتَ، وَتقول: ظَفَّرَ اللَّهُ فُلاناً على فلانٍ، وَكَذَلِكَ أَظْفَرَه اللَّهُ وظَفِرْتُ بِهِ فَأَنا ظافِرٌ بِهِ وَهُوَ مَظْفور بِهِ.
وَتقول: أظْفَرني الله بِهِ، وَفُلَان مُظَفَّر لَا يَؤُوب إِلَّا بالظَّفَر فَثُقِّلَ نَعْتُه لَلكثرة والمبالغةِ وَإِن قيل: ظَفَّرَ اللَّهُ فلَانا أَي جَعَله مُظَفَّراً جَازَ وَحسن أَيْضا، وَتقول: ظَفَّرَهُ عَلَيْهِ أَي غَلَّبَه عَلَيْهِ وَذَلِكَ إِذا سُئِل أيُّهما أظْفَرُ فأَخْبَرَ عَن واحدٍ غَلَبَ الآخرَ فقد ظَفَّرهُ.
أَبُو زيد:
يُقَال: مَا ظَفَرَتْك عَيْنِي منذُ حِين أَي مَا رأَتْكَ مُنْذُ حِين، وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَتْك عَيْني مُنْذُ حِين.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: إِذا طلع النَّبتُ قِيل: قد ظَفَّر تَظْفيراً، قلت: وَهُوَ مَأْخُوذ من الْأَظْفَار.
ابْن الكسيت يُقَال: جَزْعٌ ظَفَارِيٌّ مَنْسُوب إِلَى ظَفَار، اسْم مَدِينَة بِالْيمن، وَمِنْه قَوْلهم: من دَخَل ظَفَارِ حَمَّرَ أَي تَعَلَّم الحِمْيَرِيَّة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: فِي السِّيَةِ الظُّفْرُ وَهُوَ مَا وَرَاءَ مَعْقِدِ الوَتَر إِلَى طَرَف القَوْس.
وَقَالَ غَيره يُقَال للظُّفْرِ: أُظْفُورٌ وَجمعه أَظافيرُ وَأنْشد فَقَالَ:
مَا بَيْن لُقْمتها الأُولى إِذا ازْدَرَدَتْ
وبَيْنَ أخْرَى تَليها قِيسُ أُظْفُورِ
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: تظافر القومُ عَلَيْهِ، وتظافروا وتظاهروا بِمَعْنى وَاحِد، وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ} (الْأَنْعَام: 146) دخل فِي ذِي الظُّفْر ذواتُ المناسِم من الْإِبِل والنَّعَم لِأَنَّهَا كلهَا كالأظفار لَهَا.
ظ ر ب
ظرب، بظر: (مستعملة) .
(ظرب) : فِي حَدِيث الاسْتِسْقَاء: (اللَّهُمَّ على

(14/269)


الآكام والظِّرَابِ وبطون الأودية والتِّلال) .
أَبُو عبيد قَالَ: الظِّرابُ الروابي الصِّغار، وَاحِدهَا ظَرِب.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّرِب من الْحِجَارَة مَا كَانَ أَصله نَاتِئاً فِي جبل أَو أَرض حَزْنة، وَكَانَ طَرَفُه النَّاتِىءُ محدَّداً، وَإِذا كَانَ خِلْقَةُ الجَبل كَذَلِك سمي ظَرِباً وَقَالَ رؤبة:
شَدّاً يُشَظِّي الجَنْدَلَ المْظَرَّبَا
وَقَالَ الآخر:
إنَّ جَنْبِي عَن الفِراش لنابٍ
كتجافِي الأسَرِّ فَوقَ الظِّرابِ
وَكَانَ عَامر بن الظَّرِب مِن فُرسان بني حِمَّان بن عبد العزَّى.
وَقَالَ الْمفضل: المُظَرَّب الَّذِي قد لَوَّحته الظِّراب.
وَقَالَ غَيره: ظُرِّبَتْ حوافرُ الدَّابَّة تَظْرِيباً فَهِيَ مُظَرَّبة إِذا صَلُبَتْ واشتدتْ.
وَقَالَ أَبُو مَالك فِي قَول لبيد يصف فرسا:
وَمُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحَالةِ سابِحٍ
بادٍ نَواجِذُه عَن الأظْرَابِ
قَالَ: يُقطِّع حَلَقَ الرِّحالة بوثُوبِه وتبدو نَوَاجذه إِذا وَطِىءَ على الظراب أَي كَلَح، يَقُول: هُوَ هَكَذا وَهَذِه قوّتُه.
شمر عَن ابْن شُمَيل: الظَّرِبُ أَصْغَر الأكام وأحَدُّه حَجَراً، لَا يكون حَجَرُه إِلَّا ظُرَراً أبيضُه وأسودُه، وكلُّ لون، وَجمعه أَظْرابٌ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الظَّرِبَاءُ مَمْدُود على فَعِلاء دَابَّة شِبْهُ القِرْد.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الظَّرِبَانُ بالنُّون، وَهُوَ على قَدْرِ الهِرِّ وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هِيَ الظَّرِبَى مَقْصُور والظَّرِباء مَمْدُود لَحْن، وَأنْشد قَول الفرزدق:
فَكَيْفَ تُكَلِّمُ الظَّرِبَى عَلَيْها
فِراءُ اللُّؤْمِ أَرْباباً غِضَابَا
قَالَ: الظَّرِبَى جمعٌ فِي غير معنى التَّوْحيد.
قلت: وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الظِّرِبَى مقصورٌ كَمَا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم، وَهِي الصوابُ.
ورَوَى شمر عَن أبي زيد: هُوَ الظَّرِبانُ وَهِي الظَّرابِيُّ بِغَيْر نون وَهِي الظِّرْبَى، الظاءُ مكسورةٌ والرَّاءُ جَزْمٌ والبَاءُ مَفْتُوحةٌ وَكِلَاهُمَا جِمَاعٌ وَهِي دابَّةٌ شَبِيهَةٌ بالقِرْد، وَأنْشد:
لَو كنت فِي نارِ جَحِيمٍ لأَصْبَحَتْ
ظَرابِيُّ من حِمَّان شَتَّى تُثِيرُها
قَالَ أَبُو زيد: والأُنْثى ظَرِبَانَةٌ.
وَقَالَ البعيث:
سَوَاسِيَةٌ سُودُ الوُجوهِ كَأَنَّهم
ظَرَابِيُّ غِرْبَانٍ بمجْرُودَةٍ مَحْلِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: من أمثالهم: هما يَتَمَاشَنَانِ جِلْد الظَّرِبان، أَي

(14/270)


يتشاتمان، والمَشْنُ مَسْحُ الْيَدَيْن بالشَّيْء الخَشِن.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: يُقَال: هُوَ أَفْسَى من الظَّرِبانِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَفْسُو على بَاب جُحْر الضَّبِ حَتَّى يخرجَ فيصادَ.
وَفِي الحَدِيث: إِذا غَسَقَ الليلُ على الظِّراب، وَاحِدهَا ظَرِب، وَهُوَ من صِغار الْجبَال، وَإِنَّمَا خصّ الظراب لِقِصَرها، فَأَرَادَ أَنَّ ظُلمته تقرب من الأَرْض.
بظر: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البُظْرَةُ نُتُوءٌ فِي الشَّفَةِ، وتصغيرها بُظَيْرةٌ، قَالَ: والبَظْرة بِسُكُون الظَّاء حَلْقَةُ الخاتَم بِلَا كُرْسِيَ، وتصْغيرُها بظَيْرةٌ أَيْضا. قَالَ: والبُظَيْرة تَصْغِير البَظْرَةِ وَهِي الفليلةُ من الشَّعَر فِي الإبْط يَتَوانى الرجل عَن نَتْفها، فَيُقَال: تَحت إبطه بُظَيْرةٌ قَالَ: والبَضْرُ بالضاد نَوْفُ الْجَارِيَة قبل أَن تُخْفَض.
وَقَالَ الْمفضل: مِن العربِ مَن يُبدِلُ الظَّاء ضاداً فَيَقُول قد اشْتَكَى ضَهْري بِمَعْنى ظَهْري، وَمِنْهُم مَن يُبدل الضادَ ظاءً فَيَقُول: قد عَظَّت الحربُ بني تَمِيم.
اللَّيْث عَن أبي الدقيش: امرأةٌ بِظْرِيرٌ وَهِي الصَّخَّابة الطويلةُ اللِّسَان، وروى بَعضهم: بطرير لِأَنَّهَا قد بَطِرَتْ وأشِرَت.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو خيرة: امْرَأَة بِظْرِيرٌ: شُبِّه لسانُها بالبَظْرِ.
وَقَالَ اللَّيْث: قَول أبي الدقيش:
أَحَبُّ إِلَيْنَا وبَظْرُها مَعْرُوف
وَقَالَ: يُقَال: فلَان يُمِصُّ فلَانا ويُبظِّرُه وَامْرَأَة بَظْراء والجميع بُظْرٌ والبَظَر الْمصدر من غير أَن يُقَال: بَظِرتْ تَبْظَرُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بحادث وَلكنه لَازم، وَرجل أَبْظَرُ فِي شَفَته العُليا طولٌ مَعَ نُتُوء وَسطهَا.
وَرُوِيَ عَن عليّ أَنه أُتِيَ فِي فَرِيضَة وَعِنْده شُرَيْحٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا تَقول فِيهَا أيُّها العَبْد الأبْظَرُ؟
وَيُقَال لِلَّتي تخْفض الْجَوَارِي: مُبَظِّرةٌ.
وَقَالَ اللحياني: يُقالُ لِلْبَظْرِ: البُظَارَةُ والبَيْظَرُ والبُنْظُرُ والكَيْنُ والرَّفْرَفُ والنَّوْفُ.
قَالَ: وَيُقَال للناتىء فِي أَسْفَل حَيَاءِ النَّاقة البُظارة أَيْضا.
ظ ر م: مهمل.

(أَبْوَاب الظَّاء وَاللَّام)
ظ ل ن: مهمل.
ظ ل ف
ظلف، لفظ: (مستعملة) .
(ظلف) : قَالَ اللَّيْث: الظِّلْفُ: ظِلْفُ الْبَقَرَة وَمَا أشبههَا ممَّا يَجْتَرُّ وَهُوَ ظُفْرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: رِجْلُ الْإِنْسَان وقَدمُه وحافرُ الْفرس وخُفُّ البَعير والنَّعامةِ وظِلْفُ البقرةِ والشاةِ.

(14/271)


وَقَالَ اللَّيْث: يُستعارُ الظِّلْفُ للخيل وَأنْشد قَول عَمْرو بن معديكرب:
وخَيْلٍ تَطأْكم بأَظْلافِها
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن الْفراء: قَالَ تَقول الْعَرَب: وَجَدَتْ الدابةُ ظِلْفَها، يُضرب مَثَلاً للَّذي يَجدُ مَا يُوافِقه وتكونُ فِيهِ إرادتُه، من النَّاس والدوابّ.
قَالَ الْفراء: الظَّلَفُ من الأَرْض تَسْتَحِبُّ الخيلُ العَدْوَ عَلَيْهَا، وَأَرْض ظَلِفَةٌ لَا يَسْتَبِينُ المشيُ عَلَيْهَا من لِينِها.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الطُّوسِي عَن الخراز عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الظَّلَفُ مَا غَلُظَ من الأَرْض وَأنْشد لِابْنِ الأحْوَص:
أَلَمْ أَظْلِفْ عَن الشُّعراء عِرْضِي
كَمَا ظُلِفَ الوَسِيقَةُ بالكُراعِ
قَالَ: هَذَا رجلٌ سَلَّ إبِلا فَأخذ بهَا فِي كُرَاعٍ من الأَرْض لِئَلَّا تَسْتَبِينَ آثارُها فَتُتَّبَع، قلت: جَعَل الفرَّاءُ الظَّلَفَ مَا لَان من الأَرْض، وجَعَلها ابْن الْأَعرَابِي مَا غَلُظَ من الأَرْض، وَالْقَوْل قَول ابْن الأعرابيّ، الظَّلَفُ من الأَرْض مَا صَلُب فَلم يُؤَدِّ أثرا، وَلَا وُعوثَةَ فِيهَا فيشتدُّ على الْمَاشِي المشيُ فِيهَا، وَلَا رَمْلَ فَتَرْمَضُ فِيهَا النَّعَم، وَلَا حجارةَ فتحْفَى فِيهَا، وَلكنهَا صُلْبَةُ التُّربة لَا تُؤَدِّي أثرا.
وَرُوِيَ عَن شمر لِابْنِ شُمَيْل فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ: الظَّلِفَةُ الأَرْض الَّتِي لَا تَتَبَيَّنُ فِيهَا أثرا، هِيَ قُفٌّ غليظُ، وَهِي الظَّلَفُ.
وَقَالَ يزِيد بن الحكم يصف جَارِيَة:
تَشْكُو إِذا مَا مَشَتْ بالدِّعْصِ أَخْمَصَها
كأَنَّ ظَهْرَ النَّقا قُفٌّ لَهُ ظَلَفُ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَظْلَفَ الرجلُ إِذا وَقع فِي موضعٍ صُلْبٍ، وَأنْشد بيتَ عَوْف بن الْأَحْوَص:
أَلم أَظْلِفْ عَنْ الشُّعراء عِرْضِي
قَالَ: وسارقُ الْإِبِل يحْمِلُها على أَرض صُلْبة لِئَلَّا يُرى أَثَرُها، والكُرَاعُ من الحرَّة مَا استطال.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء: أَرض ظَلِفٌ وظَلِفَةٌ إِذا كَانَت لَا تُؤَدِّي أثرا، كَأَنَّهَا تمنع من ذَلِك.
وَمِنْه يُقَال: ظَلَفَ الرجلُ نفسَه عَمَّا يَشِينُها إِذا مَنَعها.
وَقَالَ غَيره: الأُظْلُوفَة من الأَرْض القِطْعَةُ الحزْنَةُ الخَشِنَةُ، وَهِي الأَظاليفُ، وَمَكَان ظَلِيفٌ حَزْنٌ خَشِنٌ، قَالَ: والظَّلْفَاءُ صَفَاةٌ قد اسْتَوَت من الأرضِ مَمْدودةً، قَالَ: وَيُقَال: أَقَامَهُ الله على الظَّلَفَاتِ، أَي على الشِّدَّةِ والضِّيق.
وَقَالَ طُفَيْل الغَنَويّ:
هُنالِك يَرْويها ضَعِيفي وَلم أُقِمْ
على الظَّلَفَاتِ مُقْفَعِلَّ الأنَامِل
ورُوي عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ

(14/272)


لراعي غنمه: عليكَ الظَّلَفَ من الأَرْض لَا تُرَمِّضْها، قلت: أَمَره بِأَن يَرْعاها فِي صَلاباتِ الأَرْض لِئَلَّا تَرْمَضَ فَتَتْلَفُ أظْلافُها، لِأَن الشَّاءَ إِذا رُعيتْ فِي الدِّهاسِ وحَمِيتْ الشمسُ عَلَيْهَا أَرْمَضَتْها، والصَّيَّادُ فِي الباديةَ يلْبس مِسْمَاتَيْهِ وهما جَوْرَباه فِي الهاجِرة الحارَّة فَيثيرُ الوحشَ عَن كُنُسِها، فَإِذا مَشَتْ فِي الرَّمْضاءِ تساقَطَتْ أظلافُها، وَأَخذهَا المُسْتَمِي وَيُقَال لَهُم: السُّمَاةُ واحدُهم سَامٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّلِفَةُ طَرَفُ حِنْو القَتَبِ وحِنوِ الإكافِ، وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا يَلِي الأَرْض من جوانبها، قَالَ: والظَّلِيفُ الذَّليلُ السَّيِّىءُ الْحَال فِي معيشته، وَقَالَ: ذهب بِهِ مَجَّاناً وظَليفاً إِذا أَخَذَه بِغَيْر ثمنٍ، وَأنْشد:
أَيَأْكُلُها ابنُ وَعْلَةَ فِي ظَلِيفٍ
ويَأْمَنُ هَيْثَمٌ وابْنَا سِنانِ
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: الظِّلْفُ الْحَاجة، والظِّلْفُ المتابَعَةُ فِي المَشي. وَغَيره، وَيُقَال: جاءَتْ الْإِبِل على ظِلْفٍ وَاحِد، قَالَ: والظِّلْفُ الباطلُ، والظِّلْفُ المُبَاحُ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ذهب دَمُه ظَلْفاً وظَلَفاً بالظَّاء والطَّاء مَعْنَاهُ هَدْراً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أخذتُ الشيءَ بظَلِيفتِه إِذا لم يَدَعْ مِنْهُ شَيْئا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: غَنَمُ فلانٍ على ظِلْفٍ وَاحِد، وَقَالَ مرّة: على ظَلَفٍ إِذا ولدتْ كُلَّها.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: وَفِي الرَّحْلِ الظّلِفَاتُ، وَهِي الخَشَبَاتُ الْأَرْبَع اللواتي يَكُنَّ على جَنْبَيْ البَعير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مِثْلُه.
قَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال لأعلى الظَّلِفَتَيْن مِمَّا يَلي العَرَاقِيَ العَضُدَان وأسفلهما الظَّلِفَتَان، وهما مَا سَفَل من الحِنْوَيْنِ الواسط والمُؤْخِرة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَرَّفْتُ على السِّتين وظَلَّفْتُ ورَمَّدْتُ وطَلَّفْتُ ورَمَّثْتُ، كل هَذَا إِذا زِدْتَ عَلَيْهَا.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَظْلَفْتُ فلَانا عَن كَذَا وَكَذَا وظَلَّفْتُه وشَذَّيْتُهُ وأَشْذَيْتُهُ إِذا أَبْعَدْتَه عَنهُ.
لفظ: قَالَ اللَّيْث: اللَّفْظ أَنْ تَرمِيَ بشيءٍ كَانَ فِي فِيك، وَالْفِعْل لَفَظَ يَلْفِظ لَفْظاً، وَالْأَرْض تَلْفِظُ الميتَ إِذا لم تَقْبَلهْ، ورَمَتْ بِهِ، والبحرُ يَلْفِظُ الشَّيْء، يَرْمِي بِهِ إِلَى السَّاحِل، وَالدُّنْيَا لافِظَةٌ ترمي بمنْ فِيهَا إِلَى الْآخِرَة، وكل طَائِر يَزُنُّ أنثاه، فَهُوَ لافظة، وَمن أمثالهم: أسْخَى من لافِظَةٍ يعنون الدِّيكَ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال: فلانٌ أسْخَى من لافظةٍ، يُقَال: أَنَّهَا الرَّحَى سُمِّيت بذلك لِأَنَّهَا تَلْفِظُ مَا تَطْحَنُه، وَيُقَال: أَنَّهَا

(14/273)


العَنْزُ، وَجُودُها أَنَّهَا تُدْعى للحَلَب وَهِي تَعْتَلِف فَتُلقِي مَا فِي فِيها وتُقْبل إِلَى الحالب لتُحْلَبَ وَهَذَا التَّفْسِير لَيْسَ عَن أبي زيد.
قلت: واللَّفْظُ لفظ الْكَلَام. قَالَ الله جلَّ وعزَّ: {قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18) وَيُقَال: لَفَظَ فلانٌ عَصْبَه إِذا ماتَ، وعَصْبُه ريقُه الَّذِي عَصَبَ بِفِيهِ أَي غَرِيَ بِهِ فَيَبِسَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: اخْتلفُوا فِي قَوْلهم: أَسْمَحُ من لافِظةٍ.
فَقَالَ الْمفضل: هُوَ الدِّيك.
وَقَالَ غَيره: العَنْزُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الرحَى، وَيُقَال: هُوَ الْبَحْر لِأَنَّهُ يقذف كل مَا فِيهِ.
ظ ل ب: أهْمِلتْ وجوهها.
ظ ل م
ظلم، لمظ: (مستعملة) .
(ظلم) : سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} (الْبَقَرَة: 20) فِيهِ لُغَتَانِ: أَظْلَمَ. وظَلِم. بِغَيْر ألف.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي ليَالِي الشَّهْر بعد الثلاثِ البيضِ ثَلاثٌ دُرَعٌ وثَلاثُ ظُلَمٌ، قَالَ: والواحدةُ من الدُّرَع، والظُّلَمِ دَرْعاء وظَلْماء.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم وَعَن أبي الْعَبَّاس المبرّد أَنَّهُمَا قَالَا: واحدةُ الدُّرَعِ والظُّلمِ دُرْعَةٌ وَظُلْمة، قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَاه هُوَ القِياسُ الصحيحُ، وَيجمع الظُّلَمةُ ظُلَمٌ وظُلْمات وظُلُمات.
وَقَالَ اللَّيْث: الظُّلْمةُ ذَهابُ النُّور، وَجمعه الظلَم، قَالَ: والظَّلامُ اسْم لذَلِك، وَلَا يُجمع، يَجْرِي مَجرى الْمصدر كَمَا لَا يجمع نظائرُه نَحْو السوَاد وَالْبَيَاض. قَالَ: وَلَيْلَة ظَلماءُ، وَيَوْم مُظلم شديدُ الشَّرّ، وأَظلم فلَان علينا البيتَ: إِذا أسمعك مَا تكره، قلت: أَظلم يكون لازِماً وواقعاً، وَكَذَلِكَ أَيْضا يكون بالمعنيين أَضاء السراجُ بِنَفسِهِ بِمَعْنى ضاء، وأَضاء السراجُ الناسَ، وأَضأْتُ السراجَ فأَضاء وضاء، وَيُقَال: ظلمه يَظْلمه ظَلماً وظُلماً فالظَّلْم مصدرٌ حَقِيقِيّ، والظُّلمُ الِاسْم يَقوم مقَام الْمصدر، وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الشَّبهِ: من أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَم.
قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا ظَلَم أَي مَا وَضَع الشَّبَه فِي غير مَوْضِعه، قَالَ: وأصل الظُّلم وَضعُ الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَاكِن كَانُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النَّحْل: 118) قَالَ مَا نَقَصُونا شَيْئا بِمَا فعلوا وَلَكِن نَقَصُوا أنفسهم، قَالَ: وَالْعرب تَقول ظَلَمَ فلانٌ سِقَاءه إِذا سقَاهُ قبل أَن يُخْرَجَ زُبْدُهُ.

(14/274)


وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا شُرِبَ لَبَنُ السِّقاء قبل أَن يَبْلُغ الرُّؤوبَ فَهُوَ المظلومُ والظَّليمةُ، يُقَال: ظَلَمْتُ القومَ إِذا سَقَاهم اللَّبن قبل إدْراكِه.
قلت: هَكَذَا رُوِيَ لنا هَذَا الْحَرْف عَن أبي عبيد: ظَلَمْتُ القومَ، وَهُوَ وَهْمٌ.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى وَعَن أبي الْهَيْثَم أَنَّهُمَا قَالَا: يُقَال: ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت اللبنَ إِذا شَرِبته أَو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وَإِخْرَاج زُبدته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ظَلمْت وَطْبِي القومَ أَي سقَيْته قبل رُؤوبه وَأنْشد شمر:
وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي
وَهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ
وَقَالَ الْفراء يُقَال: ظلَم الْوَادي إِذا بَلغ الماءُ مِنْهُ مَوْضعاً لم يكن ناله فِيمَا خَلا وَلاَ بَلَغه قبلَ ذَلِك، وأنشدني بَعضهم يصف سَيْلاً:
يَكادُ يَطْلعُ ظُلْماً ثمَّ يَمنعُه
عَن الشَّواهِق فالوادي بِهِ شَرِقُ
قَالَ وَيُقَال: لَهو أَظلم من حَيَّةٍ، لِأَنَّهَا تَأْتِي الجُحْرَ لم تَحْفرْه فتسكنه، قَالَ وَيَقُولُونَ: مَا ظَلمك أَنْ تفعل، قَالَ: والأرضُ المظلومةُ الَّتِي لم ينلْها المطرُ، قَالَ: وَقَالَ رجل لأبي الجرَّاح: أَكلْتُ طَعَاما فاتَّخَمْتُه فَقَالَ أَبُو الْجراح: مَا ظلمك أَن تَقِيءَ قَالَ: وأنشدني بَعضهم:
قالتْ لَهُ مَيٌّ بأَعلى ذِي سَلَمْ
أَلا تَزُورُنا إِن الشَّعْبُ أَلَمّ
قَالَ بَلى يَامَيُّ واليومُ ظَلَمْ
قَالَ الْفراء: هم يَقُولُونَ: مَعْنَاهُ حَقّاً وَهُوَ مَثَلٌ.
قَالَ: ورأيتُ أنهُ لَا يَمنعني يَوْمٌ فِيهِ عِلَّةٌ تمنعُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يَقُول: لَقِيتُه أَدْنَى ظَلَمٍ أَي لَقيته أوَّلَ شَيْء، قَالَ: وَإنَّهُ لأَوَّلُ ظَلَم لَقيته إِذا كَانَ أَوَّلَ شَيْء سَدَّ بصَرَك بِليل أَو نَهَار، وَمثله لَقيته أوَّلَ وَهْلَةٍ، وَأَوَّلَ صَوْكٍ، وبَوْكٍ.
قالَ: وَقالَ الأمَوي: أدْنى ظَلَمٍ أَي الْقَرِيب.
قلت: وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: فِي قَوْله: قَالَ: بَلَى يَا مَيُّ وَالْيَوْم ظَلَم، أَي حَقًا يَقِينا، وَأُراه قولَ المفَضَّل وَهُوَ شبيهٌ بقول من قَالَ فِي: لَا جَرَم، أيْ حقّا، يُقيمه مُقامَ الْيَمين، وللعرب أَلفاظٌ فِي الأَيمان لَا تُشْبهها كَقَوْلِهِم عَوْضُ لَا أفعلُ ذَلِك، وجَيْرِ لَا أفعلُ ذَلِك.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول النَّابِغَة:
إلاَّ أَوارِيَّ لأياً مَا أُبَيِّنها
والنُّؤْيُ كالحوض بالمظلومَة الجلَدِ
قَالَ النُّؤْيُ الحاجزُ حول الْبَيْت من تُرَاب فَشَبَّه دَاخل الحاجز بالحوض، بالمظلومة يَعني أَرْضاً مَرُّوا بهَا فِي بَرِّيّة فتحوَّضوا

(14/275)


حوضاً سَقْوا فِيهِ المِهارَ، وليستْ بِموضع تحويض يُقَال: ظلمت الحوضَ إِذا عمِلتَه فِي مَوضِع لَا تُعمل فِيهِ الحياضُ، قَالَ: وأصل الظُّلمِ وَضع الشَّيْء فِي غير مَوضعه، وَمِنْه قَوْله: واليومَ ظُلْم أَي واليومَ وضع الشَّأْن فِي غير مَوْضِعه، وَمِنْه قَول ابْن مُقبل:
هُرْتُ الشَّقاشِق ظَلاَّمون للجُزَر
أَي وضعُوا النَّحر فِي غير مَوضعه، وظَلم السَّيلُ الأَرْض إِذا خَدَّد فِيهَا من غير مُوْضعِ تَخديد وَأنْشد للحُوَيدِرَة:
ظَلَم البطاحَ بهَا انْهِلالُ حرِيصةٍ
فَصَفا النطافُ بهَا بُعَيْدَ المُقْلَعَ
قَالَ: وظَلمتُ سِقائي أَي سقيتهم إِيَّاه قبل أَن يروب وَأنْشد:
وصاحبِ صِدْق لم تَنلني أذاتُه
وَفِي ظلْمي لَهُ عَامِدًا أجْرُ
قَالَ: هَكَذَا سَمِعت الْعَرَب تنشده: وَفِي ظَلْمي بِنصب الظَّاء.
قَالَ: والظُّلمُ الِاسْم والظَّلم بالفتحِ العملُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول زُهَيْر:
ويُظلم أَحْياناً فَيَظَّلم
أَي يُطلبُ مِنْهُ فِي غير مَوضِع الطّلب.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّلْم يُقَال هُوَ الثَّلْجُ وَيُقَال هُوَ المَاء الَّذِي يَجرِي على الْأَسْنَان من اللَّوْن لَا من الرِّيق، قَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
تَجْلو عَوارِضَ ذِي ظَلْم إِذا ابتَسَمَتْ
كأَنهُ مَنْهَلٌ بالرّاح مَعْلولُ
وَقَالَ الآخر:
إِلَى شَنْبَاءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا
بماءِ الظَّلْم طيِّبةِ الرُّضابِ
قَالَ: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى بماءِ الثَّلج.
قَالَ شمر: الظَّلْم بَيَاض الْأَسْنَان كَأَنَّهُ يعلوه سَواد، والغُروب مَاء الْأَسْنَان، وَقَالَ الْكُمَيْت: ثمَّ أنْشد الْبَيْت.
وَقَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {الَّذِينَءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الْأَنْعَام: 82) .
قَالَ ابنُ عبَّاس وجماعةُ أهل التَّفْسِير: لم يُغَطُّوا إِيمَانهم بشرك، رَوى ذَلِك حُذيفة وَابْن مَسْعُود وسلمان، وتأَوَّلوا فِيهِ قَول الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن لُقمان: {تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ} (لُقْمَان: 13) والظُّلْمُ الميْل عَن القَصد، وسمعتُ الْعَرَب تَقول: الْزَمْ هَذَا الصوبَ وَلَا تَظْلِم مِنْهُ شَيْئا، أَي لَا تَجُرْ عَنهُ.
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ فِي كِتَابه: أَرض مظلومة إِذا لم تُمْطَرْ، ويُسَمَّى ترابُ لَحْدِ القبرِ ظَلِيماً لهَذَا الْمَعْنى وَأنْشد:
فأَصْبحَ فِي غَبْرَاءَ بَعْدَ إشاحةٍ
على العَيْش مَرْدودٍ عَلَيْهَا ظَلِيمُها
يَعْني حُفْرةَ القَبْر، يُرَدُّ تُرابُها عَلَيْهِ بعد دَفْنِ الميتِ فِيهَا، والظَّلِيمُ الذَّكر من النَّعام وَجمعه الظُّلْمَانُ والعَددُ ثلاثةُ أَظْلِمَةٍ.

(14/276)


قَالَ اللَّيْث: الظُّلامَة اسْم مَظْلِمَتك الَّتِي تَطلبها عِند الظَّالِم، يُقَال: أَخذهَا مِنْهُ ظُلامَة، ظَلَّمْتُه تَظْليماً إِذا نَبَّأْتَه أَنه ظَالمٌ، وَيُقَال: ظُلِمَ فلَان فاظَّلَمَ، مَعْنَاهُ أَنه احْتمل الظُّلْمَ بِطيبِ نَفْسٍ، وَهُوَ قَادر على الِامْتِنَاع مِنْهُ، وَهُوَ افتعال، وَأَصله اظْتَلَمَ فَقُلِبَتِ التَّاء ظاء ثمَّ أُدغِمَتْ الظَّاء فِيهَا، والسَّخِيُّ إِذا كُلِّفَ مَا لَا يَجِدُه مَظْلُومٌ أَو سُئِل مَا لَا يُسْأَل مِثله فاحْتمله فَهُوَ مُظَّلمٌ، وَهُوَ قَوْله: قد يُظلم أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ. وَقَالَ غَيره: ظَلَمَ الحِمارُ الأتانَ إِذا كَامَها، وَقد حَمَلَتْ، وَهُوَ يَظْلِمها ظَلْماً، وَأنْشد أَبُو عَمْرو الشَّاعِر يصف أُتُناً:
ابَنَّ عَقَاقاً ثمَ يَرْمَحْنَ ظَلْمَةً
إباءً وَفِيه صَوْلَةٌ وذَمِيلُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَجَدْنا أَرضًا تَظَالمُ مِعْزاها، أَي تَتَنَاطَحُ من النَّشَاطِ والشِّبع. وَيُقَال: أَظْلَمَ الثَّغْرُ إِذا تلألأ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ الرَّقِيق من شدَّة رَفيفه وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِذا مَا اجْتَلى الرانِي إليْها بِطَرْفِه
غُرُوبَ ثَناياها أَضَاءَ وأَظْلَما
أضاءَ أَي أَصاب ضَوْءاً، وأَظْلَمَ أصَاب ظَلْماً، والمتَظَلِّم الَّذِي يشكو رَجُلاً ظَلَمه، والمتظَلِّم أَيْضا الظَّالِم وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
نَقِرُّ ونَأبَى نَخْوَةَ المتظَلِّمِ
أَي نَأبَى كِبْر الظَّالِم، وَيُقَال: تظَلَّم فُلان إِلَى الْحَاكِم مِن فلَان فَظَلّمَهُ تَظليماً أَي أنْصَفَه من ظَالِمِه وأعانَهُ عَلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
إِذا نفحات الْجُود أفْنينَ مالَه
تَظَلُّم حَتَّى يُخْذَل المتظلِّمُ
قَالَ: أَي أغار على النَّاس حَتَّى يَكثُرَ مالُه. قلت: جعل التظلم ظُلماً، لِأَنَّهُ إِذا أغار على النَّاس فقد ظَلمهم، قَالَ: وَأنْشد لجَابِر الثَّعْلَبِيّ:
وعمرُو بنُ همامٍ صفعنا جبينَه
بشنعاء تَنْهَى نخْوةَ المتظلِّم
قلت: يُرِيد بِهِ نخوة الظَّالِم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ومِن غَريب الشَّجَر الظِّلَمُ وَاحِدهَا ظَلْمَةٌ وَهُوَ الظِّلاَّمُ والظَلاَم والظَّالمُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ شَجَرٌ لَهُ عَساليجُ طوال وتَنْبَسِط حَتَّى تَجوزَ حَدَّ أصلِ شَجَرها فَمِنْهَا سمِّيت ظِلاَماً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الظَّلَمةُ المانعون أهلَ الْحُقُوق حقوقَهم.
يُقَال: مَا ظَلَمك عَن كَذَا أَي مَا مَنَعَك. وَقَالَ غَيره: الظُّلْمُ الظَّلَمةُ فِي الْمُعَامَلَة.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا أتيتم على مَظْلُومٍ فأغِذُّوا السّير) قلت: المظْلُوم البَلَدُ الَّذِي لم يُصِبْه غَيْثٌ وَلَا رِعْيَ فِيهِ للرِّكَابِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن المؤرج: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لصَاحبه: أَظْلَمِي وأَظْلَمَك،

(14/277)


فَعَلَ الله بِهِ، أيّ الأظلَمُ مِنِّي ومِنْك.
وَقَوله تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} (الْبَقَرَة: 150) إِلَّا أَن يَقُولُوا ظُلماً وباطلاً، كَقَوْل الرجل: مَا لي عِنْدَك حقٌ إِلَّا أَن تَقول الْبَاطِل.
وَقَوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنفُسِهِمْ} (النِّسَاء: 97) أَي تتوفاهم فِي خلال ظُلْمهم.
وَقَوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} (الْأَعْرَاف: 103) ، أَي بِالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْهُم؛ لأَنهم لمَّا كفرُوا بهَا فقد ظلمُوا، وَيَقَع الظُّلم على الشّرك.
قَالَ الله: {وَلَمْ يَلْبِسُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الْأَنْعَام: 82) أَي بشركٍ.
وَمِنْه قَول لُقْمَان: {تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ} (لُقْمَان: 13) {أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّ فِى ذالِكَ لاََيَةً} (النَّمْل: 52) أَي بكفرهم وعصيانهم، وَمن جَعَل مَعَ الله شَرِيكا فقد عَدَل عَن الْحق إِلَى الْبَاطِل، فالكافر ظَالِم لهَذَا الشَّأْن.
وَمِنْه حَدِيث ابْن زِمْل: لزِمُوا الطريقَ فَلم يَظْلِمُوه أَي لم يَعْدِلوا عَنهُ.
وَحَدِيث أم سَلمَة: أَن أَبَا بكر وَعمر ثَكَما الأمرَ فَلم يظلما عَنهُ، أَي لم يعدلا عَنهُ. يُقَال: أَخذ فِي طريقٍ فَمَا ظَلَمَ يَمِينا وَلَا شِمالاً، أَي مَا عدل، والمسْلِمُ ظالمٌ لنَفسِهِ لِتَعَدِّيه الْأُمُور المفترضة عَلَيْهِ.
وَمِنْه قَوْله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} (الْأَعْرَاف: 23) وَيكون الظُّلم بِمَعْنى النُّقْصَان، وَهُوَ رَاجع إِلَى الْمَعْنى الأول.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمُونَا} (الْبَقَرَة: 57) أَي مَا نَقَصُونا بفعلهم من مِلْكنا شَيْئا وَلَكِن نَقَصُوا أنفسهم وبَخَسُوها حقَّها قَالَ: وَفِي الحَدِيث: إنَّه دُعِيَ إِلَى طَعَام وَإِذا البيتُ مُظلَّم فانصرفَ وَلم يَدْخل المَظَّلمُ المزوَّقُ مَأْخُوذ من الظَّلْمِ وَهُوَ المَاء الَّذِي يجْرِي على الثَّغْر.
وَقَالَ بَعضهم: الظَّلْم مُوهَةُ الذَّهَب وَالْفِضَّة، قلت: لَا أعرفهُ.
لمظ: أَبُو عبيد: التَّمَطقُ والتَّلَمُّظُ والتَّذَوُّقُ، وَقد يُقَال فِي التَّلمظ: إِنَّه تحريكُ اللسانِ فِي الْفَم بعد الْأكل كَأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ بَقِيَّة من الطَّعَام بَين أَسْنَانه، والتَّمَطُّقُ بالشفَتين أَي تضم إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى مَعَ صوتٍ يكون مِنْهُمَا.
أَبُو زيد: مَا عندنَا لَماظٌ أَي طَعَام يُتَلَمَّظُ.
وَمِنْه مَا يَسْتَعْمِلهُ الكتبة فِي كتبهمْ وَفِي الدِّيوَان: قد لَمظْناهم أَي أعطيناهم شَيْئا يتلمظونه قبل حُلُول الْوَقْت ويُسمى ذَلِك اللُّماظة.
وَيُقَال: لَمِّظْ فلَانا لُماظَةً أَي شَيْئا يَتَلَمَّظُهُ.
وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: الْإِيمَان يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقلب، كلما ازْدَادَ الْإِيمَان ازدادت اللُّمْظةُ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الأصمعيّ: قَوْله:

(14/278)


لُمْظَة هِيَ مثل النُّكْتة أَو نَحْوهَا من الْبيَاض، وَمِنْه قِيلَ: فرسٌ أَلمَظُ إِذا كَانَ بجَحْفَلته شيءٌ من الْبيَاض.
وَقَالَ غَيره: فَإِذا ارْتَفع الْبيَاض إِلَى الْأنف فَهِيَ رُثْمَةٌ وَالْفرس أَرْثَمُ انْتهى.

(أَبْوَاب الظَّاء وَالنُّون)
ظ ن ف
اسْتعْمل مِنْهُ: (نظف) .
نظف: قَالَ اللَّيْث: النَّظَافةُ مصدرُ النَّظِيف وَالْفِعْل اللَّازِم مِنْهُ: نَظُف، والمجاوز نظَّف ينظِّف تنظيفاً، اسْتَنْظَف الْوَالِي مَا عَلَيْهِ من الْخراج أَي استوفى، وَلَا يسْتَعْمل التَّنظيفُ فِي هَذَا الْمَعْنى.
قلت: التَّنَظُّف عِنْد الْعَرَب شِبْهُ التَّنَطُّسِ والتَّقَزُّزِ، وطلبِ النَّظَافَة من رَائِحَة غَمَرٍ أَو نَفْي زُهُومَةٍ، وَمَا أشبههَا، وَكَذَلِكَ غَسْلُ الوَسَخ والدَّرَنِ والدَّنَس، وَيُقَال لِلأُشْنانِ وَمَا أشبهه: نظيفٌ لِتنظِيفِه اليَدَ وَالثَّوْب من غَمَرِ اللَّحْمِ والمَرَقِ وَوَضَرِ الوَدَكِ وَمَا أَشبهها.
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: فلَان نظيف السَّرَاوِيل، مَعْنَاهُ أَنه عفيف الْفرج كَمَا يُقال هُوَ عَفيفُ المِئْزَر، والإزَارِ.
قَالَ مُتَمِّمُ ابنُ نُوَيْرَة يَرْثِي أَخَاهُ:
حُلْوٌ شَمائِلُهُ عَفِيفُ المِئْزَرِ
أَي عَفيفُ الفرْج، قَالَ: وفلانٌ نَجِسُ السَّراويل إِذا كَانَ غَيرَ عفيفِ الفرْجِ، قَالَ: وهم يَكْنُون بالثِّياب عَن النَّفْس والقَلْب، وبالإزارِ عَن العَفَافِ.
قَالَ عنترة:
فَشَكَكْتُ بالرُّمْح الأصَمِّ ثيابَه
أَي قَلْبَه، وَقَالَ فِي قَوْله:
فَسُلِّي ثيابِي مِن ثِيَابك تَنْسُلِ
فِي الثِّيَاب ثَلَاثَة أَقْوَال:
قَالَ قوم: الثِّيابُ هَهُنَا كِنَايَة عَن الْأَمر المعْنَى، اقْطَعِي أَمْري من أَمْرِك، وقيلَ: الثِّيابُ كِنايةٌ عَن القَلْب، والمَعْنَى سُلِّي قَلبي من قَلْبك.
وَقَالَ قومٌ: هَذَا الْكَلَام كِنايةٌ عَن الصَّريمة، يقولُ الرجلُ لامْرَأَته: ثِيَابِي منْ ثِيابك حَرامٌ، وَمعنى الْبَيْت:
إِن كنتُ فِي خُلُقٍ لَا ترضَيْنه فاصْرِمِيني
وَقَوله: تَنْسُلِ: تَبِينُ وتَقْطَعُ، نَسَلَتْ السِّنُّ إِذا بانَتْ، ونَسَلَ ريشُ الطَّائِر إِذا سَقَطَ.
ظ ن ب
(ظنب) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظِّنْبُ أصلُ الشَّجَرَة.
وَأنْشد لجُبَيْهَاء الأسلميّ:
فَلوْ أَنَّها طافتْ بِظِنْبٍ مُعَجَّمِ
نَفَى الرِّق عَنه جَدْبُه فَهُوَ كالِحُ
لَجاءتْ كَأَنَّ الْقسْوَرَ الجَوْنَ بَجَّهَا
عَساليجه والثّامِرُ المُتنَاوِحُ

(14/279)


يصف مِعْزًى بِحُسْن القَبول وقلَّةِ الأَكل، والْمُعَجَّم الَّذِي قد أُكل حَتَّى لم يبْق مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل، والرِّق، ورقُ الشَّجَر، والكالحُ المقْشعِرُّ من الجَدْبِ، والقَسْوَرُ ضَرْبٌ من الشَّجَر.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الظَّنْبُوبُ: عَظْم السَّاق، وَقَالَ سَلاَمَةُ بنُ جَنْدل:
إنّا إِذا مَا أَتانا صارخٌ فَزِع
كَانَ الصُّراخُ لَهُ قَرْعَ الظَّنَابِيبِ
قَالَ الليثُ: الظُّنْبُوبُ هَهنا مِسْمَارٌ يَكون فِي جُبَّة السِّنان حَيْثُ يُرَكَّبُ فِي عالِيَةِ الرُّمح.
وَقَالَ غَيره: قَرْعُ الظُّنْبُوب: يَقْرَعُ الرجلُ ظُنْبُوبَ راحلتِه بعصاه، إِذا أَناخَها ليركبَها ركوبَ المسْرِع إِلَى الشَّيْء، وَقيل: يَضْرِب ظُنْبُوبَ دابَّته بِسَوْطِه ليُنْزِفَه إِذا أَرَاد رُكوبه.
وَمن أمثالهم: قَرَعَ فلَان لأَمْرِه ظُنْبُوبَه إِذا جَدّ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: لَا يُقَال لِذَواتِ الأَوْظِفَة ظُنْبُوبٌ.
ظ ن م
اسْتعْمل من وجوهه: (نظم، ظنم) .
ظنم: أما ظَنَمَ فَالنَّاس أهملوه إِلَّا مَا روى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظَّنَمَةُ الشَّرْبةُ من اللّبن الَّذِي لم تَخْرُج زُبْدَتُه قلت: أَصلها ظَلَمَة.
نظم: قَالَ اللَّيْث: النَّظْمُ، نَظْمُك الخَرَزَ بَعْضَه إِلَى بعضٍ فِي نظامٍ وَاحِد، كَذَلِك هُوَ فِي كل شَيْء حَتَّى يُقَال: لَيْسَ لأمر نِظامٌ، أَي لَا تَستقيمُ طَريقَتُه حَتَّى يُقَال: طَعَنَه بِالرُّمْحِ فانْتَظَم ساقَيْه أَو جَنْبَيْه.
وَقَالَ الْحسن فِي بعض مواعظه: يَا ابْن آدم عَلَيْك بِنَصيبك فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ يَأْتِي على نَصِيبك من الدُّنْيَا فَيَنْتَظِمه لَك انْتظاماً، ثمَّ يزولُ مَعَك حَيْثُمَا زُلْتَ. وكل خَيْطٍ يُنْظَم فِيهِ لُؤْلؤ أَو غَيره فَهُوَ نِظامٌ وَجمعه نُظُمٌ. وَقَالَ:
مثل الفَريد الَّذي يَجْرِي عَلَى النُّظُم
وفِعْلُك النَّظْمُ والتَّنظِيمُ؛ والنِّظَامَانِ مِن الضَّبِ كُشْيَتَانِ مِن الْجَانِبَيْنِ مَنظومتان بَيْضاً، من أَصْلِ الذَّنب إِلَى دَبْر الأُذن، وَكَذَلِكَ الإنظامَانِ.
يُقَال: فِي بَطنهَا إنْظامان من بَيْضٍ، وَكَذَلِكَ إنظاما السَّمَكَة؛ وَقد نَظَّمتْ السَّمَكَة فَهِيَ منظَّم، ونَظَمتْ فَهِيَ ناظِمٌ، ذَلِك حِين يمتلىء من أصل أذنها إِلَى ذنبها بيضًا.
وَكَذَلِكَ الدَّجاجة تَنْظِم، وَيُقَال: مَا لهَذَا الْأَمر نِظام أَي استقامة، وَيُقَال: نَظَّمت الضبَّةُ بيضَها تَنظيماً فِي بَطْنها ونَظَمتها نَظْماً، والإنظامُ من الخَرَزِ خَيْطٌ قد نُظِمَ خَرَزاً، وَكَذَلِكَ أناظِيمُ مَكْنِ الضبَّةِ.
وَقَالَ الْكسَائي: يُقَال: جَاءَنَا نِظَام من

(14/280)


جرادٍ وَهُوَ الكَثيرُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: النَّظيمُ شِعْبٌ فِيهِ غُدُرٌ أَو قِلاتٌ مُتواصلةٌ بعضُها قريب من بعض، فالشِّعبُ حِينَئِذٍ نَظيمٌ لأنهُ نَظَمَ ذَلِك الماءَ، والجماعةُ النُّظُمُ.
وَقَالَ غَيره: النَّظِيمُ من الرُّكِيِّ مَا تَناسَق فُقُرُهُ على نَسَقٍ وَاحِدٍ.
ثعْلب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّظْمةُ كَوَاكِبُ الثريَّا.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فَورَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رَابىء الضَّ
رَبَاء فوقَ النَّظْم لَا يَتَتَلَّعُ
وَرَوَاهُ بَعضهم: فَوق النَّجْم وهما الثريا مَعًا.
ظ ف ب ظ ف م ظ ب م:
مهملات كلهَا.
انْتهى.

(14/281)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل من حرف الظَّاء [/ كت]
ظ ذ ظ ث
أهملت وجوهها.

(بَاب الظَّاء والرَّاء)
ظ ر (وايء)
ظرى، ظأر: (مستعملة) .
ظرى: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظَّارِي: العَاضُّ، وظَرَى يَظري إِذا جَرى وظَرِيَ إِذا كاس يَظْرَى، والظَّرَوْرَى الكَيِّسُ، وظَرَى بَطْنُهُ يَظْرِي إِذا لم يَتَمالَك لِيناً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وظَرَى إِذا لانَ وظرَى إِذا كَاسَ.
وَقَالَ شَمِرُ: اظْرَوْرَى بَطْنُه: إِذا انتفخ.
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : الاظْرِيرَاءُ والاطْرِيرَاء البِطْنَةُ وَهُوَ مُظْرَوْرٍ مُطْرَوْرٍ وَكَذَلِكَ المُحْبَنْطِي والمُحْبَنظِي.
وَقَالَ أَبُو عبيد: اطْرَوْرَى بطنُه بِالطَّاءِ.
ظأر: قَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا قَرَأت بِخَطّه لأبي حَاتِم فِي بَاب الْبَقر: قَالَ الطَّائِفيُّون: إِذا أَرَادَت البقرةُ الفَحْلَ فَهِيَ ضَبِعة كالناقة، وَهِي ظُؤْرَى وَلَا فِعْلَ للظُّؤْرَى.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الظُّؤْرَةُ الدَّابَّة والظُّؤْرَةُ المُرْضِعةُ.
قلت: قَرَأت فِي بعض الْكتب: اسْتَظأرتْ الكَلْبَةُ بالظَّاءِ: أَي أَجْعَلَتْ واسْتَحْرَمَتْ.
وقرأتُ لأبي الْهَيْثَم فِي كتاب البَقَر: الظُّؤْرَى من البَقَر وَهِي الضَّبِعةُ.
وروى لنا المنذرِيُّ فِي كتاب (الفروق) ، اسْتَظأرتْ الكَلْبَةُ بالظاء إِذا هَاجت فَهِيَ مُستظئرة، وأَنا وَاقِف فِي هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الظِّئْر والجميع الظُّؤُورَة، تَقول هَذَا ظِئْرِي.
قَالَ: والظِّئْرُ سَوَاء للذّكر وَالْأُنْثَى من النَّاس.
وَيُقَال: ظَاءَرَتْ فُلانةُ بِوَزْنِ فَاعَلتْ إِذا أَخَذَتْ وَلداً تُرضِعُه مُظاءرة، وَيُقَال لأَب الْوَلَد لصُلْبه: هُوَ مُظائرٌ لتِلْك الْمَرْأَة، وَيُقَال: اظأَرْتُ لِوَلَدِي ظِئراً أَي اتَّخَذْتُ، وَهُوَ افْتَعلْت فأدغمت الظّاء فِي التَّاء، تَاءِ الافتعال فحُولَتْ ظاءً لِأَن الظَّاء من فِخَام حُرُوف الشَّجْر الَّتِي قَرُبَتْ مخارجُها من التَّاء فَضَمُّوا إِلَيْهَا حَرْفاً فَخْماً مِثْلَها ليَكُون أَيْسَرَ على اللِّسَان لِتَبَايُن مَدْرَجَة الْحُرُوف الفِخام من مَدارج الْحُرُوف الخُفْتِ، وَكَذَلِكَ تحوَّلتْ تِلْكَ التَّاء من الصَّاد والضَّاد طاء لِأَنَّهُمَا من الْحُرُوف الفِخام.

(14/282)


وَقَالَ اللَّيْث: الظَّؤُور من النوق الَّتِي تعطِف على ولد غَيرهَا أَو على بَوَ تَقول: ظِئِرت فأَظأرت بالظاء، فهى ظَؤُورٌ، ومَظْؤُور وَجمع الظُّؤُور، أَظْآرٌ وأَظْؤُرٌ. وَقَالَ متمّم:
فَمَا وَجْدُ أَظآرٍ ثلاثٍ روَائمٍ
رَأَيْنَ مَجَرّا مِن حُوارٍ ومَصْرعَا
وَقَالَ الآخر فِي الظُّؤَار:
يُعَقِّلُهُن جَعْدَةُ مِن سُلَيْمٍ
بِئْسَ مُعَقِّلُ الذَّوْدِ الظُّؤَارِ
وَقَالَ اللَّيْث: ظَأَرَنِي فلَان على أمرِ كَذَا وأَظأَرَني وظاءرني على فَاعَلَني أَي عَطَفَني.
وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الْإِعْطَاء من الخوفِ قَوْلهم: الطَّعْنُ يَظأَرُ يَقُول: إِذا خافك أنْ تَطعَنَه فَتقتلَه عَطَفَه ذَلِك عَلَيْك فجادَ بِمَالِه حِينَئِذٍ للخوف.
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه اشْترى نَاقَة فَرَأى بهَا تَشْرِيم الظِّئَارِ فَردها، والتَّشْريمُ التشقيق، والظِّئَارُ أَنْ تُعْطَفَ الناقةُ على غيرِ وَلَدهَا، وَذَلِكَ أَن تُدَسَّ دُرْجَةٌ من الخِرَق مَجْمُوعَة فِي رَحِمها، وتُجَلَّلَ بِغَمَامَةٍ تَسْتُر رَأْسها، وتترك كَذَلِك حَتَّى تَغُمَّها، ثمَّ تُنزَعَ الدُّرْجَةُ ويُدْنَى حُوارُ ناقةٍ أُخْرَى مِنْهَا، وَقد لُوِّثَ رأْسُه وجِلْدُه بِمَا خَرَج مَعَ الدُّرجة من أَذَى الرَّحم، فَتظُنُّ أَنَّهَا وَلَدَتْه إِذا سافته فَتَدِرُّ عَلَيْهِ وترأَمُه، وَإِذا دُسَّتْ الدُّرجة فِي رَحمِها، ضُمَّ مَا بَين شُفْرَيْ حَيائها بِسَبْرٍ، فَأَرَادَ بالتَّشْريم مَا تَخَرَّقَ من شُفْرَيْها.

وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَدْوٌ ظَأْرٌ إِذا كَانَ مَعَه مِثلُه، قَالَ: وكلُّ شيءٍ مَعَ شيءٍ مِثلِه فَهُوَ ظَأْرٌ.
وَقَالَ الأرقط يصف حُمُراً:
تَأْنِيفُهُن نَقْلٌ وأَفْرُ
والشَّدُّ تاراتٍ وعَدوٌ ظَأْرُ
التأنِيفُ: طَلَبُ أُنُفِ الكَلأ، أَرَادَ: عِندها صَوْنٌ من العَدْو لَمْ تَبْذُلْه كلَّه.
وَفِي الحَدِيث: وَمن ظَأَرهُ الإسلامُ، أَي عطفه.
وَفِي حَدِيث عمر: أَنه كتب إِلَى هُنَيِّ، وَهُوَ فِي نَعَم الصَّدَقَة: أنْ ظاوِرْ، قَالَ: وَكُنَّا نَجمع الناقتين والثلاثَ على الرُّبَع الْوَاحِد، ثمَّ نَحْدِرُها إِلَيْهِ.
قَالَ شمر: الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب ظاءَر بِالْهَمْز وَهِي المظاءرة، وَهُوَ أَن تُعْطَفَ الناقةُ إِذا مَاتَ وَلَدهَا أَو ذُبح على وَلَد أُخْرَى.
وَقَالَ الأصمعيّ: كَانَت الْعَرَب إِذا أرادتْ أَن تُغِيرَ ظاءَرتْ بِتَقدير فاعلتْ وَذَلِكَ أَنهم يُبقُون اللَّبنَ ليُسْقُوه الخيلَ، قَالَ: وَمن أمثالهم: الطَّعنُ يَظْأَرُ أَي يَعطِفُ على الصّلح، وَهَذَا أحسنُ من قَول أبي عبيد الَّذِي ذكرته قبل هَذَا.

(14/283)


وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: ظَأَرتُ النَّاقَةَ أظأرُها ظأراً فَهِيَ مَظْؤورَةٌ إِذا عَطَفْتَها على ولد غَيرهَا.
قَالَ الْكُمَيْت:
ظأَرْتُهُم بِعَصاً وَيَا
عَجَباً لِمظؤورٍ وَظَائِرْ
قَالَ: والظِّئرُ فِعْلٌ بِمَعْنى مفعولٌ، والظَّأْرُ مصدرٌ كالثِّنْيِ والثَّني فالثِّنْيُ اسْم لِلْمَثْنِيِّ.
والثَّنْيُ فعلُ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ القِطْفُ والقَطْفُ والحِمْلُ والحَمْلُ.
قَالَ: وَيُقَال لِلرُّكنِ من أركانِ الْقصر: ظِئْرٌ، والدِّعامةُ تُبْنَى إِلَى جنب حَائِطٍ ليُدْعَمَ عَلَيْهَا ظِئْرٌ، وَيُقَال للظّئر: ظَؤُورٌ فَعُول بِمَعْنى مفعول.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الظَّاء وَاللَّام)
(ظ ل (وايء))
لظى: قَالَ الله جلّ وعزّ: { (يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} (المعارج: 15، 16) . لظى من أسماءِ النَّار نَعُوذ بِاللَّه، وَهِي مَعْرفةً لَا تُنَوَّن لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ وَقد تَلَظَّتْ النَّار تَلَظِّياً إِذا الْتَهَبتْ.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {) وَالاُْولَى فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} (اللَّيْل: 14) أَي تتوهجُ وتتوقّدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّظَى اللَّهَبُ الخالِص، وَيُقَال: لَظِيَتْ النَّار تَلْظَى لَظًى.
وَقَالَ غَيره: فلَان يَتَلَظَّى على فلَان تَلَظِّيا إِذا تَوقدَ عَلَيْهِ من شدَّة الْغَضَب.
وَجعل ذُو الرمة اللَّظَى شدَّة الحرّ، فَقَالَ:
وحتَّى أَتَى يومٌ يكادُ من اللَّظَى
تَرَى التُّوم فِي أُفحوصِهِ يَتَصَيَّح
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَظَلَّى فلانٌ أَي لزم الظِّلال والدَّعة. قلت: وَكَانَ فِي الأَصْل تظلل فَقُلِبَتْ إِحْدَى اللاَّمات يَاء كَمَا قَالُوا: تَظَنَّيْت من الظّن، وَلَيْسَ فِي بَاب الظَّاء وَالنُّون غير التَّظنِّي، وَأَصله التظنن. انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب الظَّاء وَالْفَاء)
(ظ ف (وايء))
وظف، فاظ، فظا، ظاف: (مستعملة) .
(وظف) : يُقَال: وَظَفَ فلانٌ فلَانا يَظِفُهُ وَظْفاً إِذا تَبِعَه مأخوذٌ من الوظيف.
ووظَفْتُ البَعيرَ أظِفه وَظْفاً إِذا أصبتَ وظيفه، والوَظيفُ من كل ذِي أربعٍ: مَا فَوْق الرُّسْغ إِلَى مَفْصِل السَّاق وَجمعه أوْظِفَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَظيفةُ من كل شَيْء مَا يُقَدَّرُ لَهُ كل يَوْم من رِزْقٍ أَو طعَامٍ أَو عَلَفٍ أَو شرابٍ، وَجمعُها الوظائفُ وَالوُظُفُ، وَقد وظّفْتُ لَهُ توظيفاً، ووَظّفتُ على الصَّبِيِّ كل يَوْم حِفْظَ آياتٍ من كتاب الله توظيفاً، وَأنْشد:

(14/284)


أَبْقَتْ لنا وَقَعَاتُ الدَّهْرِ مَكْرُمَةً
مَا هَبَّت الريحُ والدُّنيا لَهَا وُظُفُ
قَالَ: هِيَ شِبْهُ الدُّولِ مرّة لهَؤُلَاء وَمرَّة لِهؤلاء، جمعُ الوَظِيفَةِ.
وَيُقَال: إِذا ذَبحتَ الذبيحةَ فاستوْظِفْ قَطعَ الحُلقوم والمريءِ والوَدَجَيْن، أَي اسْتوْعَبْ ذَلِك. هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب الصَّيْد والذبائح.
فيظ: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: هُوَ يَفيظُ نَفسه وَقد فَاظتْ نَفسُه وأفاظهُ اللَّهُ نفسَه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يقالُ فاظَ الميّتُ يَفِيظُ فيْظاً ويَفُوظ فَوْظاً، كَذَا رَوَاهَا الْأَصْمَعِي وَأنْشد لرؤبة:
لَا يَدْفِنُون مِنهم مَنْ فَاظَا
قَالَ: وَلَا يُقَال: فاضت نَفْسُه وَلَا فاظَتْ، وحكاها غَيره.
وَرُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو: يُقَال: فاظ الْمَيِّت، وَلَا يُقَال: فاظت نَفسه وَلَا فاضت.
قَالَ الْكسَائي: فاظتْ نفسُه، وفاضتْ نفسُه.
وروى ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: أَهل الْحجاز وَطيّىء يَقُولُونَ: فاظت نَفسه، وقضاعة وَتَمِيم وَقيس يَقُولُونَ: فاضت نَفسه مثل فاضت دمعتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: فَاظَتْ نَفسه فَيْظاً وفَيْظُوظةً إِذا خَرَجَتْ، وَالْفَاعِل فائِظٌ، وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنَّهَا لغةٌ لبَعض تَمِيم، يَعْنِي فاظتْ نَفسه، وفَاضَتْ وَأنْشد:
فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وفَاضتْ نَفْسُ
فأنشده الْأَصْمَعِي فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ وَطَنَّ الضِّرْسُ.
فظا: قَالَ الْفراء: الفَظَى: مَقصورٌ ماءُ الرَّحم يُكتبُ بِالْيَاءِ والتثنية فَظْوانِ.
وَقَالَ غَيره: أَصله الفَظُّ، فقلبت الظَّاء يَاء وَهُوَ مَاء الكَرِش.
ظوف: الْفراء يُقَال: أَخذ بِظُوفِ رَقَبَتَهِ وبظافِ رَقَبَتِه وبقَافِ رقبته وبصُوف رقبته إِذا أَخذه كلَّه.
أَبُو زيد يُقَال: أَخذه بقوفِ رقبته وبطوفها وبصُوفِها وكلُّه واحدٌ.

(بَاب الظَّاء والبَاء)
(ظ ب (وايء))
ظأب، ظَبْي، بظا، بيظ، وظب.
(ظأب) : أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ظأبَ إِذا جَلَّب، وظأب إِذا تَزَوَّجَ، وظَأَب أَيْضا إِذا ظَلَم، وَقَالَ اللحياني: ظَاءَ بني فلانٌ وظاء مَنِي إِذا تزوجتَ أنتَ وَهُوَ أُخْتين، والظأْبُ والظَّأْم سِلْفُ الرجلِ، وَقَالَ أَبُو زيد: فلَان ظَأْبُ فلانٍ، أَي سِلفه، والظَّأْمُ مثله، وَثَلَاثَة أَظْؤُبٍ، وحُكِي عَن ابْن الدُّقَيْش فِي جمعه ظُؤوبٌ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال سَمِعت

(14/285)


ظَأْبَ تَيْسِ فلانٍ وظأم تَيْسِه وَهُوَ صِياحُه فِي هِبابِه، وَأنْشد لأوس بن حَجَر:
يَصُوعُ عُنُوقَها أَحْوَى زَنِيمٌ
لَهُ ظَأْبٌ كَمَا صَخِبَ الغَرِيمُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الظأْمُ الكلامُ والجَلَبَةُ.
يصوع: يَسُوق وَيجمع، وعنوق جمع عَناق للْأُنْثَى من ولد الْمعز، والزنيم الَّذِي لَهُ زنمتان فِي حلقه.
ظَبْي: الْأُنْثَى من الظِّبَاء ظَبْية، وَالذكر ظَبْيٌ، أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لكل ذَاتِ خُفّ أَو ظِلْف: الحَيَاءُ، ولِكل ذاتِ حافرٍ: الظبْيَةُ، قَالَ: وللسباع كلهَا: الثَّفْرُ، قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال لِلكلبة ظَبْيَةٌ، وشَقْحَةٌ، ولِذوات الْحَافِر ظبْيَةٌ، وَفِي الحَدِيث أَنه أُهْدِيَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظبْيَةٌ فِيهَا خَرَزٌ فأَعْطَى الْأَهْل مِنْهَا والعَرَبَ، والظبْيَةُ شِبْهُ الْخَرِيطَةِ والكِيس، وتُصغَّر فَيُقَال: ظُبَيَّةٌ، وَجَمعهَا ظِبَاء، وَقَالَ عَديّ:
بَيْتِ جُلُوفٍ طَيِّبٍ ظِلُّهُ
فِيهِ ظِباءٌ ودَواخِيلُ خُوصْ
وَفِي حَدِيث قَيْلَة: أَنَّهَا لمّا خرجتْ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدْرَكَها عَمُّ بناتِها، قَالَت: فأصابتْ ظُبَةُ سَيْفِه طَائِفَة من قُرُون رَأْسِه، قَالَ أَبُو عبيد: ظُبَةُ السَّيف حَدُّهُ وَجَمعهَا ظُبَاتٌ وظُبُون وَهُوَ طرف السَّيْف، وَمثله ذُبَابُه، وَقَالَ الْكُمَيْت:
يرى الراؤون بالشَّفَراتِ مِنْهَا
وَقُودَ أبي حُباحِبَ والظُّبِينَا
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّبْيَةُ جَهَاز الْمَرْأَة والنَّاقة، يعنِي حَيَاءها، والظبْيَةُ شِبهُ العِجْلة والمَزَادَة، قَالَ: وَإِذا خَرَجَ، تَخْرُجُ امْرَأَة قُدامَة تُسمى ظَبْيَةَ، وَهِي تُنْذِرُ الْمُسلمين.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال لحدّ السكين الغِرارُ والظُّبَةُ والقُرْنةُ، ولجانبها الآخر الَّذِي لَا يقطع الكَلُّ، وظَبْيٌ اسْم رَمْلَةٍ فِي قَوْله:
أَساريعُ ظَبْيٍ أَو مَساوِيكُ إسْحِلِ
ابْن الْأَنْبَارِي: ظَبيٌ اسْم كثيب بِعَيْنِه، قَالَ: وأَساريعه دوابُّ فِيهِ تشبه العَظَاءَةَ وَأنْشد:
وكَفٍ كعُواذ النَّقا لَا يضيرها
إِذا أُبرِزَتْ ألاَّ يكونَ خِضابُ
وعُواذ النقا دوابُّ تشبه العظاءة واحدتها عائذة تلْزم الرملَ وَلَا تبرحه، وَيُقَال: بفلانٍ دَاء ظَبْيٍ قَالَ أَبُو عَمْرو: مَعْنَاهُ أنهُ لَا دَاءَ بِهِ كَمَا أنَّ الظبيَ لَا دَاءَ بهِ وَأنْشد الأمويّ:
فَلاَ تَجْهَمِينَا أمَّ عَمْروٍ فإنَّما
بِنا دَاءُ ظبْيٍ لَمْ تَخنْه عَوَامِلُه
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأمَوِي: دَاءُ الظَّبْيِ أنهُ إِذا أَرَادَ أَن يَثِبَ مَكَثَ سَاعَة ثمَّ وَثَب، وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَر الضحّاكَ بنَ قيس أَن يأتيَ قَومَه، فَقَالَ: (إِذا أتيتَهم فارْبِضْ فِي دَارهم ظَبْياً) وتأويله، أَنه بَعثه

(14/286)


إِلَى قوم مُشركين ليتبصَّر مَا هم عَلَيْهِ، وَيرجع إِلَيْهِ بِخبرهم، وَأمره أَن يكون مِنْهُم، بِحَيْثُ يَتَبيَّنُهم وَلَا يستمكنونَ مِنْهُ، فَإِن رَابَه مِنْهُم رَيْبٌ تَفَلَّتَ مِنْهُم، فَيكون مثلَ الظبْي لَا يَرْبِضُ إِلَّا وَهُوَ مُتَوَحِّشٌ بِالْبَلَدِ القَفْر، ومَتَى أَحَسَّ بفزعٍ نَفَر، ونُصِبتْ ظَبياً على التَّفْسِير لِأَن الرُّبوض لَهُ، فَلَمَّا حُوِّلَ فِعْلُه إِلَى الْمُخَاطب خَرَج قولُه ظَبْيًا مُفَسِّراً، قَالَ القُتَيْبي: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَادَ أقِمْ فِي دَارهم آمنا لَا تَبْرَح كَأَنَّك ظَبيٌ فِي كناسَة قد أَمِن حيت لَا يرى إنْساً، وَيُقَال: أرضٌ مَظبَأةٌ كَثِيرَة الظِّباء، والظبْيُ سِمَةٌ لبَعض العَربِ وإيَّاها أَرَادَ عنترة فِي قَوْله:
عَمْرَو بنَ أسودَ زَبَّاءَ قارِيةٍ
مَاءُ الكُلابِ عَلَيْهَا الظبْيُ مِعْنَاقُ
وَمن أمثالهم: لأَتْرُكَنَّه تَرَكَ الظبي ظِلَّه، وَذَلِكَ أَن الظبي إِذا تَركَ كِناسَه لم يعُد إِلَيْهِ، يُقَال ذَلِك عِنْد تَأْكِيد رَفْضِ الشَّيْء أيَّ شيءٍ كَانَ.
بظا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البُظاء اللَّحَماتُ المتراكباتُ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: خظا لَحْمُه وبَظا وكَظا بِغَيْر همز إِذا اكتنز، يَخْظُو ويَبْظو ويَكْظو، شمر يُقَال: بَظا لَحْمه يَبْظو بَظْواً.
وَأنْشد غَيره للأغلب:
خَاظِي البَضيعِ لَحْمُهُ خظا بَظا
قَالَ: جَعلَ بَظا صِلةً لخظا كَقَوْلِهِم: تَبّاً تَلْباً قَالَ: وَهُوَ توكيد لما قبله.
باظ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: باظَ الرَّجُل يَبِيظُ بَيْظاً، وباظ يَبُوظ بَوْظاً إِذا قرَّرَ أرون أبي عُمير فِي المَهْبل.
وَقَالَ اللَّيْث: البَيْظ ماءُ الرجل.
قلت: أَرَادَ ابْن الْأَعرَابِي بالأُرُون المَنِيَّ، وَأبي عُمَيْرٍ الذَّكَرَ وبالمَهْبِل قَرارَ الرّحِم.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: باظ الرجُل إِذا سَمِن جِسْمُه بعد هُزال أَيْضا.
وظب: قَالَ اللَّيْث: وَظبَ فلَان يَظِبُ وُظوباً وَهُوَ الْمُوَاظبَة على الشَّيْء والمداوَمةُ، وَيُقَال للروضة إِذا أُلِحَّ عَلَيْهَا فِي الرَّعْي: قد وُظِبَتْ فَهِيَ مَوْظوبَةٌ، ووادٍ مَوْظوبٌ.
وَقَالَ اللحياني: يُقال فلانٌ مُوَاكِظٌ على كَذَا وَكَذَا وواكِظٌ ومُواظِبٌ ووَاظِبٌ ومُواكِبٌ ووَاكِبٌ بِمَعْنى مُثَابِر.
وَقَالَ سَلامَة بن جَنْدل يصف وَاديا:
شِيبِ المبارِكِ مَدْرُوسٍ مَدافِعُه
هَابِي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ
أَرَادَ شِيبٍ مَبارِكه ولِذَلك جَمَع، وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْله مَوظُوبٌ: قد وُظِبَ عَلَيْهِ حَتَّى أُكِلَ مَا فِيهِ، وَقَوله: هَابِي المَراغِ أَي مُنْتَفِخِ التُّرابِ لَا يَتَمَرَّغُ بِهِ بعيرٌ، قد تُرِكَ لِخَوْفِه، وَقَوله: مَدروسٍ مدافعه أَي قَدْ

(14/287)


دُقَّ وَوُطِىءَ، وأُكِل نَبْتُه، ومَدَافِعُه أوْدِيَتُه، شِيبُ المبَارِك قد ابْيَضَّتْ من الجُدُوبَة، وَيُقَال: فلانٌ يَظِبُ على الشيءِ ويواظِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَوْظَبٌ بِفَتْح الظَّاء اسمُ موضِع، وَقَالَ خِدَاش:
كَذَبْتُ عَليكُمْ أوْعِدُوني وَعلِّلُوا
بِيَ الأرضَ والأقوامَ قِرْدَانَ مَوْظَبَا
أَرَادَ يَا قِرْدَانَ مَوْظَبا، وَهَذَا نَادِر وَقِيَاسه مَوْظِبٌ.
انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب الظَّاء وَالْمِيم)
(ظ م (وايء))
ظمأ، (ظام) ، وظم.
(ظمأ ظام) : أما الظام فقد مر تَفْسِيره مَعَ تَفْسِير الظاب لتعاقبهما، قَالَ: وَأما ظَمِىءَ فَإِنَّهُ يُقَال: ظَمِىءَ فلانٌ يَظْمَأُ ظَمَأً إِذا اشتدَّ عطشُه.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ} (التَّوْبَة: 120) ، وَرجل ظمآنُ وَامْرَأَة ظَمأَى لَا يَنْصرِفان نكرَة وَلَا مَعْرِفةً، والظِّمْءُ مَا بَين الشَرْبَتَين فِي وِرْدِ الإبلِ وَجمعه، أظماءٌ، وأَقْصَرُ الأظمَاءِ الغِبُّ، وَذَلِكَ أَن تَرِدَ الإبِلُ الماءَ يَوْماً وتَصْدُرَ، فَتكون فِي المَرْعَى يَوْماً وتَرِدُ اليومَ الثَّالِث، وَمَا بَين شَرْبَتَيها ظِمْءٌ، وَهَذَا فِي صميم الحَرِّ، فَإِذا طَلَعَ سُهيْلٌ زِيدَ فِي الظِّمْءِ فَتَرِدُ الماءَ وتَصدُرُ، فتمكثُ فِي المرعَى يَوْمين ثمَّ تَرِدُ الْيَوْم الرَّابِع، فَيُقَال: وَرَدتْ رِبْعاً، ثمَّ الخِمْس والسِّدْس إِلَى العِشْر، وَمَا بَين شربتيها ظِمْءٌ طالَ أَو قَصُر، وَيُقَال للْفرس إِذا كَانَ مُعَرَّق الشَّوَى: إِنَّه لأظْمَى الشَّوَى، وإنَّ فُصوصَه لَظِماءٌ، إِذا لم يكنْ فِيهَا رَهَلٌ، وَكَانَت مُتَوَتِّرةً ويُحْمَد ذَلِك فِيهَا، والأصلُ فِيهَا الهَمْزُ، وَمِنْه قَول الراجز يصف فرسا، أنْشدهُ ابْن السّكيت:
يُنجِيهِ مِن مِثْل حَمَام الأَغْلاَلْ
وَقْعُ يدٍ عَجْلَى ورِجْلِ شِمْلاَلْ
ظمأى النَّسَا منْ تَحْتِ رَيَّا من عَالْ. فَجعل قوائمه ظِماءً وسَرَاتَه رَيّا أَي مُمْتَلِئة من اللَّحْم.
وَيُقَال للْفرس إِذا ضُمِّر: قد أُظْمِىء إظْمَاءً وظُمِّىء تَظْمِئَةً.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف فرسا ضُمِّرَ:
نَطْوِيهِ والطَّيُّ الرَّقِيقُ يَجْدُلُه
نُظَمِّىءُ الشَّحمَ ولَسْنا نَهْزِلُه
أَي نَعْتَصِرُ مَاءَ بَدَنهِ بالتَّعْرِيقِ حَتَّى يَذْهَبَ رَهَلُه وَيَكْتَنِزَ لَحمُه، ويُقال: مَا بَقِيَ من عمره إِلَّا قَدْرُ ظِمْءِ حِمارٍ، وَذَلِكَ أنهُ أقلُّ الدَّوابِّ صَبْراً على العَطش، يَرِدُ المَاء فِي القيظ كلَّ يَوْم مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ريحٌ ظَمْأَى إِذا كَانَت

(14/288)


حارَّةً لَيْسَ فِيهَا نَدًى، وَقَالَ ذُو الرمة يصف السَّرابَ:
يَجْرِي وَيَرْقُد أَحْياناً وتَطْرُدُه
نَكْبَاءُ ظمْأَى من القَيْظِيَّةِ الهُوجِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ظَمَاءَةُ الرَّجُل على فَعَاله سُوء خُلُقِه، ولُؤمُ ضَرِيبته، وقِلَّةُ إنْصافه لمخالِطِه، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الشَّرِّيبَ إِذا سَاءَ خُلُقه، لم يُنْصِفْ شركاءه، فأَمَّا الظَّمأ مَصْدرُ ظَمِىءَ يظْمأ فَهُوَ مَهْمُوز مَقْصُور.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ} (التَّوْبَة: 120) ، وَمن الْعَرَب من يَمدُّ فَيَقُول: الظَّمَاءُ، وَمن أمثالهم: الظَّمَاءُ الفادِحُ خيرٌ من الرِّيِّ الفَاضِحْ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من الرماح الأظْمَى غيرُ مهموزٍ وَهُوَ الأسمر، وقَناةٌ ظَمْياءُ بَيِّنَةُ الظَّمَى مَنْقُوص، وشَفَةٌ ظَمْياءُ لَيست بوارمة كَثِيرَة الدَّم ويُحْمَدُ ظَمَاها.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّمَى قِلَّةُ دَمِ اللِّثَة ويَعْترِيه الحُسْنُ، ورَجُلٌ أظمَى وامرأةٌ ظَمْياءُ.
قَالَ: وعينٌ ظَمْياء رَقيقةُ الجفْنِ وساقٌ ظَمْياءُ مُعْتَرِقَةُ اللّحم، ووجهٌ ظمآنُ قليلُ اللَّحْم، قَالَ: والظَّمَى بِلَا همز، ذُبول الشّفة من العَطَش قلت: هُوَ قِلَّةُ لَحمه ودَمه، وَلَيْسَ من ذبول العَطش، ولكنهُ خِلْقةٌ محمودة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ناقةٌ ظَمْياءُ وإبل ظُمْيٌ إِذا كَانَ فِي لَوْنهَا سَوَادٌ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الأَظْمَى الأسْودُ، وَالْمَرْأَة الظمْياءُ السَّوْدَاء الشفتين.
وظم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَظْمَةُ التُّهْمةُ، والوَمْظةُ الرُّمانَةُ الْبَريَّة.
انْتهى وَالله أعلم.

(14/289)


بَاب لفيف الظَّاء
(ظيي) : روى سَلمَة عَن الْفضل بن الْعَبَّاس بن حَمْزَة الْخُزَاعِيّ عَن اللَّيْث أَن الْخَلِيل قَالَ: الظاءُ حرف عَربيٌ خُصَّ بِهِ لسانُ الْعَرَب، لَا يَشْركُهم فِيهِ أحدٌ من سَائِر الْأُمَم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَظوَى الرجل إِذا حَمُق، قَالَ: والظَّيَّاءُ الرجلُ الأحمقُ، أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من أَشجَار الْجبَال العَرْعَرُ والظَّيَّانُ والنَّبْعُ والنَّشَمُ، قَالَ: والظَّيَّان يَاسَمِينُ البَرِّ، وَقَالَ اللَّيْث: والظَّيَّان شيءٌ من العَسل، وَيَجِيء فِي بعض الشّعْر الظِّيُّ، والظِّيُّ بِلَا نون، قَالَ: وَلَا يُشْتقُّ مِنْهُ فِعْلٌ فَتُعْرَفَ يَاؤُه، وَبَعْضهمْ يُصَغِّره ظُيَيَّانا وَبَعْضهمْ ظُوَيَّانا، قلت: لَيْسَ الظَّيَّانُ من الْعَسَل فِي شَيْء إِنَّمَا الظَّيَّان مَا فَسَّرهُ الْأَصْمَعِي، وَقَالَ مَالك بنُ خَالِد الخزاعِي:
يَا مَيُّ إِن سِباعَ الأَرْض هالِكةٌ
الغُفْرُ والأُدْمُ والآرامُ والنَّاسُ
والجَيْشُ مَنْ يُعْجِزَ الأيامَ ذُو
حِيَدٍ بِمُشْمَخِرٍ بِهِ الظَّيَّان والآس
أَرَادَ بِذِي حِيَدٍ وَعِلاً فِي قَرْنِه حِيدٌ، وَهِي أنَابِيبُهُ، والمُشْمَخِرُّ الْجَبَل الطَّوِيل، والآسُ هَهُنَا شَجَرٌ، والآس العَسَلُ أَيْضا.
(ظأظأ) : عَمْرو عَن أَبِيه: والظَّأْظاءُ صَوْتُ التَّيسِ إِذا نَبَّ.
انْتهى آخر كتاب الظَّاء من (تَهْذِيب اللُّغَة) .

(14/290)


هَذَا كتاب حرف الدَّال
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ
ذ ث: مهملات.

(بَاب الذَّال وَالرَّاء)
ذ ر
ذ ر، ر ذ: مستعملات.
(ذرّ) : أَخْبرنِي أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال أَصَابَنَا مطرٌ ذَرَّ بَقْلَه، ويَذُرُّ، إِذا طلَع وظهَرَ، وَذَلِكَ أَنه يَذُرُّ من أدنى مَطَرٍ، وَإِنَّمَا يَذُرُّ البَقْلُ من مَطر قَدْرِ وَضَحِ الكَفِّ، وَلَا يُقَرِّحُ البقلُ إِلَّا من قَدْرِ الذِّراعِ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: ذَرَّت الشَّمْس تَذُر ذُرُواً وذَرَّ البقلُ، وذَرَّت الأرضُ النَّبْتَ ذَرَّا، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ذَرَّ الرجلُ يَذُرُّ إِذا شَابَ مُقَدَّمُ رأسِه، قَالَ: وذَرَّ الشيءُ يَذرُّهُ إِذا بَدَّدَه، وذَرَّ يذُرُّ إِذا تَجَدَّدَ، وذَرت الشمسُ تَذُرُّ إِذا طَلَعتْ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَرُّ الْوَاحِدَة ذَرَّةٌ وَهُوَ صِغار النّمل، والذَّرُّ مَصْدَرُ ذَرَرْتُ، وَهُوَ أَخْذكَ الشيءَ بأطراف أصابعك تذرُّه ذَرَّ الْملح المسحوق على الطَّعَام، والذَّرُورُ مَا يُذَرّ فِي الْعين أَو على القَرْحِ من دَوَاء يَابِسٍ، والذرِيرَةُ فُتَاتٌ من قَصَبِ الطيبِ الَّذِي يُجاءُ بِهِ من بِلَاد الْهِنْد، يُشبه قَصَبَ النُّشَّابِ، والذُّرَارَةُ مَا تَناثَر من الشَّيْء الَّذِي تَذرُّه، وذَرَّتْ الشَّمْس تَذُرُّ ذُرُوراً وَهُوَ أولُ طُلُوعهَا، وشُروقُها أول مَا يسْقط ضوؤُها على الأَرْض وَالشَّجر، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمرَان: 34) .
أجمع الْقُرَّاء على ترك الْهَمْز فِي الذُّرِّيَّة، وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ يُونُس: أهل مَكَّة يخالفون غَيرهم من الْعَرَب فيهمزون النبيَّ والبريَّةَ، والذُّرِّيَّة من ذَرَأَ الله الْخلق أَي خَلقهم، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الذُّرِّية غيرُ مَهْمُوز، قَالَ: وفيهَا قَولَانِ، قَالَ بَعضهم: هِيَ فُعْلِية من الذَّر لِأَن الله تَعَالَى أخرج الخلقَ من صُلْب آدم كالذَّر حِين أشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} (الْأَعْرَاف: 172) .
قَالَ: وَقَالَ بعض النَّحْوِيين: أَصْلهَا ذُرُّورَةٌ

(14/291)


على وزن فُعْلُولة، وَلَكِن التَّضعيفَ لما كَثُر أُبدِل من الرَّاء الْأَخِيرَة يَاء، فَصَارَت ذُرُّويَةٌ ثمَّ أدغمت الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَت ذُرِّية؛ قَالَ: وَالْقَوْل الأول أَقيس وأجود عِنْد النَّحْوِيين.
وَقَالَ اللَّيْث: ذُرِّيَّةٌ فُعْلِيَّةٌ كَمَا قَالُوا سُرِّيَّةٌ، وَالْأَصْل، من السِّر وَهُوَ النِّكاح.
وَقَالَ أَبُو سعيد: ذَرِّيُّ السّيفِ فِرِنْدُه.
يُقَال: مَا أَبْيَنَ ذَرِّيَّ سَيْفِه، نُسب إِلَى الذَّر وَأنْشد:
وتُخْرِجُ مِنه ضَرَّةُ اليومِ مَصْدَقاً
طُولُ السُّرَى ذَرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ
يَقُول: إنْ أَضَرَّ بِهِ شِدَّةُ الْيَوْم أَخْرج مِنه مَصْدَقاً وصَبْراً وتَهلَّلَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ ذَرِّيُّ سيفٍ.
رذّ: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أَخَفُّ الْمَطَر وأضعفُه: الطَّل ثمَّ الرَّذَاذُ.
قَالَ: وَأَرْض مُرَذٌّ عَلَيْها، وَلَا يُقَال مُرَذةٌ وَلَا مَرْذوذَةٌ وَلَكِن يُقَال مُرَذٌ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْكسَائي: أرضٌ مُرَذةٌ ومَطْلُولَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: يَوْم مُرِذ والفِعْل أَرَذَّتْ السماءُ فَهِيَ تُرِذُّ إرْذاذاً، وَقَالَ غَيره: أرَذَّتْ العينُ بِمَائِهَا، وأَرَذَّ السِقاء إرْذاذاً إِذا سَالَ مَا فِيهِ، وأَرذَّتْ الشَّجَّةُ إِذا سالتْ، وكل سَائل مُرِذٌّ. انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الذَّال وَاللَّام)
(ذل)
لذ، ذل: (مستعملان) .
(ذلّ) : أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: فَرسٌ ذَلُولٌ مِن الذُّل، وَرجل ذلُول بَيِّنُ الذِّلَّة والذُّل.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي صفة الْمُؤمنِينَ: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الْمَائِدَة: 54) .
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس معنى قَوْله: أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ رُحماء رَفيقين بِالْمُؤْمِنِينَ، أعزة على الْكَافرين غِلاظ شِداد على الْكَافرين.
وَقَالَ الزّجاج: معنى أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أَي جانِبُهم لَيِّنٌ على الْمُؤمنِينَ، لَيْسَ أَنهم أذلاء مُهانُون.
وَقَوله جلّ وعزّ: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أَي جانبهم غليظ على الْكَافرين، وَقَوله جلّ وعَزّ: {ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا} (الْإِنْسَان: 14) .
وَقَالَ هَذَا كَقَوْلِه: قطوفها دانِيةٌ كلما أَرَادوا أَن يَقْطفوا مِنْهَا، ذلِّلَ ذَلِك لَهُم فَدَنا مِنْهُم قُعوداً كَانُوا أَو مضطجعين أَو قِياماً.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وتَذْليلُ العُذُوق فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا إِذا انْشَقّتْ عَنْهَا كَوافِيرُها الَّتِي تُغَطِّيها يَعْمِدُ الآبرُ إِلَيْهَا فيسحبها ويُيَسِّرها حَتَّى يُدَلِّيَها خَارِجَة من بَين ظَهْرَانَيْ الجريد والسُّلاَّء فيسهُل قِطافُها عِنْدَ يَنْعِها.

(14/292)


وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول امرىء الْقَيْس:
وساقٍ كأنْبُوب السَّقِيِّ المذَلَّلِ
قَالَ: أَرَادَ ساقاً كأنْبُوبِ بَرْدِيِّ بَيْن هَذَا النَّخْل المُذَلَّل، قَالَ: وَإِذا كَانَ أَيَّام الثَّمْر أَلحَّ الناسُ على النَّخْل بالسَّقْي فَهُوَ حينئذٍ سَقيٌ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنْعَمُ للنَّخِيل، وأجودُ لِلثَّمرة، رَوَاهُ شمر عَن الْأَصْمَعِي.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: السَّقِيُّ الَّذِي يَسْقِيه الماءُ من غير أَن يُتَكلَّفَ لَهُ السَّقْي، قَالَ: وَسَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن المذَلّل فَقَالَ: ذُلِّلَ طريقُ الماءِ إِلَيْهِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَقيل: أَرَادَ بالسَّقِيِّ العُنْقُر وَهُوَ أصلُ البَرْدِيِّ الرَّخْصِ الْأَبْيَض وَهُوَ كأصل القَصَب.
وَقَالَ العجاج:
عَلَى خَبَنْدَى قَصَبٍ مَمْكُور
كَعُنْقُراتِ الحائرِ المكسور
وَيُقَال: حَائِط ذليلٌ أَي قصيرٌ، وبيتٌ ذليلٌ قصيرٌ السَّمْكِ من الأَرْض، ورُمحٌ ذليلٌ قصير، وَيجمع الذَّلِيل من النَّاس أَذِلَّة وذُلاَّنا، وَيجمع الذَّلول ذُلُلاً، وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} (النَّحْل: 69) نعْتٌ لِلسُّبل، يُقَال: سَبيلٌ ذلولٌ وسُبُل ذُلُلٌ، وَيُقَال: إِن الذُّلُلَ من صِفَات النَّحْل أَي ذُلِّلَتْ لِتُخرجَ الشرابَ مِن بُطونها؛ وَيُقَال: أجْرِ الْأُمُور على أَذلالها أَي على أَحوالها الَّتِي تَصْلُح عَلَيْهَا وتَتَيَسَّر وتَسْهُل، وَاحِدهَا ذِلَ وَمِنْه قَول خنساء:
لِتَجْرِ الحوادثُ بعد الْفَتى ال
مُغَادَرِ بالنَّعْفِ أَذْلالها
أَرَادَ لتجر على أَذْلالِها، وَطَرِيق مُذلَّل إِذا كَانَ مَوْطوءاً سهلاً، وذلَّت القَوافي للشاعر إِذا تَسَهَّلت.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذُّل الخِسَّةُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الذَّلاذلُ أسافلُ الْقَمِيص الطَّوِيل وَاحِدهَا ذُلْذُلٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَاحِد الذَّلاذل ذُلْذُلٌ، وَقَالَ أَيْضا: وَاحِدهَا ذِلْذِلَةٌ، وَهِي الذَّنَاذنُ أَيْضا وَاحِدهَا ذُنْذُنٌ.
وَفِي حَدِيث زِيَاد فِي خطبَته: إِذا رَأَيْتُمُونِي أُنْفِذُ قبلكُمْ الْأَمر فأنْفِذُوه على أَذْلاله أَي على وَجْهِه.
وَقَوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} (آل عمرَان: 123) جمع ذليل.
قلت: هَذَا جَمْعٌ مطَّرِدٌ فِي المضاعف وَإِذا كَانَ فَعيلٌ صفة لَا تَضْعِيفَ فِيهِ جُمِعَ على فُعَلاء، كَقَوْلِك: كريمُ وكُرَماء، ولَئِيمٌ ولُؤَمَاء، وَإِذا كَانَ اسْما جُمِع على أَفْعِلَة، يُقَال: جَرِيبٌ وأَجْرِبة وقفيز وأقفزة والذُّلاّنُ جَمْع الذَّلِيل أَيْضا وَمعنى قَوْله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (الْمَائِدَة: 54) أَي جانبهم ليِّن على الْمُؤمنِينَ لم يُرد الهوان؛

(14/293)


وَقَوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الْمَائِدَة: 54) أَي جانبهم غليظ عَلَيْهِم.
وَقَوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الْإِسْرَاء: 24) . وقرىء (الذِّل) فالذُّل ضِدُّ العِزِّ والذِّل ضدُّ الصُّعوبة.
وَقَوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلِّ} (الْإِسْرَاء: 111) أَي لم يتَّخذ وليا يحالفه ويعاونه لِذُلِّه، وكانتْ الْعَرَب يُحَالِفُ بعضُها بَعْضًا يَلْتَمِسُونَ بذلك العِزَّ والمَنَعَةَ. فنفى ذَلِك عَن نَفسه جلّ وعزّ.
وَفِي حَدِيث ابْن الزبير: الذُّلُّ أَبقَى للأهل والمالِ، تَأْوِيله أَن الرَّجلَ إِذا أَصَابَته خُطّةُ ضَيْمٍ فلْيَصْبر لَهَا فإنّ ذَلِك أَبْقَى لأَهله ومالِه فَإِنَّهُ إِن اضْطربَ فِيهَا لم يَأْمن أَن يُستأصَل ويَهْلِك.
وَوجه آخر: أَن الرجل إِذا عَلَت هِمَّتُه وسَمتْ إِلَى طلب الْمَعَالِي عُوديَ ونُوزِعَ وقُوتل، فَربما أَتَى القتلُ على نَفسه، وَإِن صَبَرَ على الذُّل وأطاع المُسَلَّط عَلَيْهِ حَقن دَمَه وحَمَى أَهله وَمَاله.
لذّ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: اللَّذُّ النَّوْمُ.
وَأنْشد:
وَلذٍ كَطَعْم الصَّرخديِّ تركْتُه
بِأَرْض العِدَى من خشْية الحَدَثَان
أَرَادَ أَنه لمَّا دَخل ديارَ أعدائِه لم يَنم حذاراً لَهُم.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللَّذةُ واللَّذَاذةُ واللَّذِيد واللَّذْوَى كلهُ الْأكل والشُّرْب بنعْمةٍ وكفاية.
وَقَالَ الليثُ: اللَّذُّ واللَّذِيذُ يجريَانِ مجْرى وَاحِدًا فِي النَّعْت، يُقَال: شرابٌ لذٌّ ولذِيدٌ.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ} (مُحَمَّد: 15) أَي لذيدةٍ وَقيل: لَذَّة أَي ذَات لذةٍ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: لَذِذْتُ الشَّيْء أَلذُّه إِذا استلْذَذتَه، وَكَذَلِكَ لَذِذتُ بذلك الشَّيْء وَأَنا أَلذُّ بِهِ لَذاذةً ولَذِذتُه سَوَاء.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
تقَاك بكعْبٍ واحدٍ وتَلذّهُ
يَدَاكَ إِذا مَا هُزَّ بالكفِّ يَعْسِلُ
ولذَّ الشيءُ يَلذَّ إِذا كَانَ لذيذاً.
وَقَالَ رُؤبةُ فِي لَذَذْته أَلذه:
لَذّتْ أحاديثَ الغَوِيِّ المُبْدِع
أَي اسْتلذَّ بهَا، وَيجمع اللذيذ لذاذاً المناوعة شبه المغازلة.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا ذكرت الدُّنْيَا فقالتْ: قد مَضى لَذْواها وبَقيَ بَلواها.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللَّذْوَى واللَّذَّةُ واللَّذَاذَةُ كُله الأَكل والشربُ بِنَعْمةٍ وكِفايةٍ، كَأَنَّهَا أرادتْ بذهاب لَذْواها حَياةَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبالبلْوى مَا امْتُحن النَّاس بِهِ

(14/294)


من العِناد وَالْخلاف.

(بَاب الذَّال وَالنُّون)
(ذ ن)
ذن: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الأذَنُّ الَّذِي يسيل مُنْخَراه، وَيُقَال للَّذي يَسيلُ مِنْهُ: الذَّنِينُ.
قَالَ أَبُو عبيد: ذَنَنْتُ أَذِنُّ ذَنَناً.
قَالَ الشماخ:
تُوائِلُ من مِصَكَ أَنْصَبَتْهُ
حوالبُ أَسْهَرَيْهِ بالذَّنينِ
يصف عَيْراً وأُتُنَه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ذَنَّ أنفُه يَذِنُّ ذنيناً إِذا سَالَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال هُوَ يَذِنُّ فِي مَشْيهِ ذَنِيناً إِذا كَانَ يمشي مِشْيةً ضَعِيفَة.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
وإنَّ الموتَ أَدْنَى من خيالٍ
ودُونَ العَيْشِ تَهْوَاداً ذَنِيناً
وذَنَا ذِنُ الْقَمِيص أسافِلُه وَاحِدهَا ذُنْذُنٌ.
عَن ابْن عَمْرو قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّذْنِينُ سَيَلان الذَّنِينِ.
شمر: امرأةٌ ذَنَّاءُ لَا يَنْقَطِع حَيْضُها.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: الذآنين وَاحِدهَا ذؤْنُونٌ: نَبْتٌ، قَالَ: وَخرج النَّاس يَتَذَأْنَنُون، وَأنْشد أَعْرَابِي:
كلَّ الطعامِ يَأْكلُ الطّائيُّونَا
الحَمَصِيصَ الرَّطْبَ والذَّآنينا
وَمِنْهُم من لَا يهمز فَيَقُول: ذونُونٍ وَجمعه ذوانينُ. انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الذَّال وَالْفَاء)
(ذ ف)
ذف، فذ.
ذف: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَفَّ على وَجه الأَرْض ودَفَّ، وَيُقَال: خُذ مَا ذَفَّ لَك ودَفَّ، وَمَا استَذَفَّ، واستَدَفَّ، أَي خُذ مَا تَيَسَّر لَك.
وَيُقَال: رجل خَفيفٌ ذفيفٌ وخُفَافٌ ذفافٌ وَبِه سمي الرّجُل: ذُفافة.
وَيُقَال: ذَفَفْتُ على الجريح إِذا أجْهَزْتَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الذِّفَافُ البَلَلُ.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وليسَ بهَا أَدْنى ذُفاف لِوَارِدِ
وَقَالَ اللَّيْث: ماءٌ ذُفافٌ، وَجمعه ذفُفٌ وأَذفَّة، أَي قَلِيل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال لِلسُّم الْقَاتِل: ذِفافٌ لِأَنَّهُ يُجْهِزُ على من شَرِبه.
حَدثنَا الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: ذفَّفَهُ بِالسَّيْفِ، وذَافَّ لَهُ، وذافّه إِذا أَجْهزَ عَلَيْهِ، وَيُقَال: كَانَ مَعَ الشَّيِّ من الذِّفافِ.

(14/295)


وَقَالَ أَبُو عبيد: الذّفاف هُوَ السم الْقَاتِل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَفْذَفَ إِذا تَبَخْتَرَ وفَذْفَذَ إِذا تَقَاصَرَ ليَخْتِلَ وَهُوَ يَثِبُ، وَيُقَال: ذافَّ عَلَيْهِ بِالتَّشْدِيدِ مُذافّةً إِذا أجْهزَ عَلَيْهِ.
فذ: قَالَ ابْن هاني عَن أبي مَالك قَالَ: مَا أصبتُ مِنْهُ أَفَذّ وَلَا مَرِيشاً، قَالَ: والأَفذُّ القِدْحُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ، والمَرِيشُ الَّذِي قد رِيشَ.
قَالَ: وَلَا يجوز غير هَذَا الْبَتَّة، قَالَ: والفَذُّ الفرْد.
قَالَ الْأَزْهَرِي وَقد قَالَ غَيره: يُقَال: مَا أصبتُ مِنْهُ أَقَذّ وَلَا مَرِيشاً بِالْقَافِ، والأَقَذُّ السهْم الَّذِي لم يُرْش، وَقد مر تَفْسِيره فِي كتاب الْقَاف.
وَقَالَ اللحياني: أوَّل قِداح الميسر الفذُّ، وَفِيه فَرْضٌ وَاحِد لَهُ غُنْمُ نَصيبٍ واحدٍ إِن فَازَ، وَعَلِيهِ غُرْمُ نصيبٍ واحدٍ إِن خَابَ فَلم يَفُزْ، وَالثَّانِي التَّوْأَمُ، وَقد مرّ تَفْسِيره فِي كتاب التَّاء.
وَقَالَ غَيره: الفَذُّ الفرْد، وَكلمَة شَاذَّة فاذة فذَّة.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: إِذا وَلَدَتْ الشاةُ ولدا وَاحِدًا فَهِيَ مُفِذُّ وَقد أَفذَّتْ إفذاذاً، فَإِن وَلدَتْ اثْنَيْنِ فَهِيَ مُتْئمٌ.
وَقَالَ غَيره: إِذا كَانَ من عَادَتهَا أَن تَلِدَ وَاحِدًا فَهِيَ مِفْذَاذٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: لَا يُقَال ناقةٌ مُفِذٌّ لِأَن النَّاقة لَا تُنْتَج إِلَّا وَاحِدًا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَذْفَذَ الرجلُ إِذا تقاصَر ليثِبَ خَاتِلاً.

(بَاب الذَّال وَالْبَاء)
(ذ ب)
ذب، بذ.
ذب: يُقَال: فلَان يَذُبُّ عَن حَريمه ذبّاً، أَي يَدْفع عَنْهُم، والذَّبُّ الطّرْدُ والمِذيّة هَنَةٌ تُسوَّى من هُلْبِ الفَرس يُذَبُّ بهَا الذِّبَّان.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: ذبَّتْ شفتُه تَذِبُّ ذبُوباً إِذا يَبِسَتْ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَبَّ الغَدِير يَذِبُّ إِذا جَفَّ فِي آخر الحِرِّ، وَأنْشد:
مَدارينُ إِن جَاعُوا وأَذْعرُ مَن مَشى
إِذْ الرَّوْضةُ الخضراءُ ذَبَّ غَدِيرُها
مدارين من الدَّرن؛ وَهُوَ الوَسخ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الذُّبابة بَقيةُ الشَّيْء وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْمَعِي، وَقَالَ ذُو الرمة:
لَحِقْنَا فَراجَعْنا الحمولَ وَإِنَّمَا
يُتلَّى ذُباباتِ الوَدَاع المُراجِعُ
يَقُول: إِنَّمَا يُدرِك بقايا الْحَوَائِج مَن رَاجع فِيهَا، والذُّبابة أَيْضا: الْبَقِيَّة من مياه الْآبَار، والذباب الطَّاعُون، والذباب الْجُنُون، وَقد ذُبَّ الرجل إِذا جُنَّ وَأنْشد شمر:

(14/296)


وَفِي النّصريِّ أَحْيَانًا سماحٌ
وَفِي النصريِّ أَحْيَانًا ذُبابُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أصابَ فلَانا من فلَان ذُبَاب لاذع أَي شَرّ.
سَلمَة عَن الْفراء: أَنه رَوَى حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى رجلا طَوِيل الشَّعَر فَقَالَ: ذُباب، أَي هُوَ شُؤْمٌ، قَالَ وَرجل ذُبابيٌّ مَأْخُوذ من الذُّباب وَهُوَ الشؤم.
حَدثنَا السَّعْدِيّ قَالَ: حَدثنَا الرَّمَادِي قَالَ: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام القَصَّار، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن عَاصِم عَن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل بن حجر قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولي شَعَر طَوِيل فَقَالَ: ذبابٌ فظننتُ إِنَّه يَعْنيني فَرَجَعت فَأخذت من شَعَرِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لم أَعْنِكَ وَهَذَا حسن.
وَقَالَ ابْن هانىء: ذَبَّ الرجلُ يَذِبُّ ذبّاً إِذا شَحُبَ لَوْنُه.
أَبُو زيد: ذبابُ السَّيف حَدُّ طرفه الَّذِي بَين شَفْرَتَيه؛ وَمَا حَوله من حَدَّيه ظُبتاه، والعَيْرُ الناتىء فِي وَسطه من بَاطِن وَظَاهر؛ وَله غِراران لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَا بَين العَير وَبَين إحْدى الظبتين من ظاهرِ السَّيْف وَمَا قُبالَةَ ذَلِك من بَاطِن؛ وكل وَاحِد من الغِرارين من باطنِ السيفِ وَظَاهره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: ذبابُ السَّيْف: طَرَف حَدِّه الَّذِي يَخْرِقُ بِهِ وغِرارُه حدُّه الَّذِي يضْرب بِهِ وحسامه مثله. قَالَ: وَحَدُّ كل شَيْء ذبابُهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ذبابُ السَّيْف طَرَفه الَّذِي يخرق بِهِ، وغِراره حَدُّه الَّذِي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزَّ فِي صفة الْمُنَافِقين: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذالِكَ لاَ إِلَى هَاؤُلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ وَلاَ إِلَى هَاؤُلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ} (النِّسَاء: 143) الْمَعْنى مُطَرَّدين مُدَفَّعين عَن هَؤُلَاءِ وَعَن هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّبْذَبةُ تردُّدُ شَيْء مُعلَّقٍ فِي الْهَوَاء، والذَّباذِبُ أَشْيَاء تُعَلَّق بهودج أَو رَأس بَعير للزِّينَة.
وَالْوَاحد ذُبذُبٌ وَالرجل المُذَبْذَبُ المتردِّدُ بَين أَمرين، أَو بينَ رَجُلين، لَا تَثْبُتُ صَحَابتُه لواحدٍ مِنْهُمَا، والذَّباذِبُ ذَكَرُ الرجلِ، لِأَنَّهُ يَتذَبذَبُ أَي يَتردَّدُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي أُذَنَي الْفرس ذباباها وهما مَا حدَّ من أَطْرَاف الْأُذُنَيْنِ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذبابُ الْعين إنسانها، وَيُقَال للثور الوحشي: ذَبُّ الرِّيادِ، جَاءَ فِي شعر ابْن مُقبل وَغَيره.
وَقَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا قيل لَهُ: ذَبُّ الرِّيادِ لِأَن رِيادَه أتَانُهُ الَّتِي تَرودُ مَعَه، وَإِن شِئتَ جعلتَ الرِّيادَ رَعْيَه الْكلأ، وَقَالَ غَيره: يُقَال لَهُ ذَبُّ الرِّيادِ لِأَنَّهُ لَا يَثبتُ فِي رَعْيه فِي مَكَان وَاحِد، وَلَا يُوطِنُ مَرعًى وَاحِدًا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رجل ذَبُّ الريادِ إِذا كَانَ

(14/297)


َ زَوَّاراً للنِّسَاء، وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء:
مَا لِلْكواعِبِ يَا عيساءُ قد جَعلتْ
تُزْوَرُّ عني وتُثْنَى دُوني الحُجُرُ
قد كنتُ فَتَّاحَ أَبْوَابٍ مُغلَّقةٍ
ذَبَّ الرِّياد إِذا مَا خُولِسَ النّظَرُ
وسَمَّى مزاحمُ العُقيلي الثور الوحشيّ الأذبَّ فَقَالَ:
بِلاداً بهَا تلقَى الأذَبَّ كَأَنه
بهَا سابِريٌّ لاحَ مِنْهُ البنائِقُ
أَراد تلقى الذَّبَّ فَقَالَ الأذَبَّ، قَالَه الأصمعيّ، قَالَ أَبُو وجزة يصف عَيْراً:
وشَقّه طَرَدُ العانات فَهْوَ بِهِ
لوحان من ظَمإِ ذَبَ وَمن عَضْبِ
أَرَادَ بالظمأ الذَّبِّ اليابِس؛ وأذبُّ البعيرِ: نَابُهُ، وَقَالَ الراجز:
كأَنَّ صَوْتَ نَابِهِ الأذَبِّ
صَرِيفُ خُطَّافٍ بِقَعْوٍ قَبِّ
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال جَاءَنا رَاكِبٌ مُذَبِّبٌ وَهُوَ العَجِلُ المُنْفَرِدُ، وظِمْءٌ مُذَبِّبٌ طَوِيل يُسَار فِيهِ إِلَى المَاء مِنْ بُعْدٍ فَيُعَجَّلُ بالسير، وَخمْس مُذبِّب: لَا فتور فِيهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: ذَبْذَبَ الرجلُ إِذا مَنَع الجِوارَ والأهلَ وحَماهم، وذَبْذَبَ أَيْضا إِذا آذَى.
وَفِي الحَدِيث: (مَن وُقِيَ شَرَّ ذبْذَبِهِ وقَبْقَبِهِ ذبذبه فرجُه، وقبقبه بطنُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذبَّ إِذا مَنَع، قَالَ: والذَّبِّيُّ الجِلْوَازُ، وَوَاحِد الذِّبَّان ذُبابٌ بِغَيْر هَاء، وَلَا يُقَال: ذُبَانَةٌ والعددُ أَذِبَّةٌ، وَقَالَ زِيَاد:
ضَرَّابَةٌ بالمِشْفَرِ الأذبَّهْ
بذ: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (البَذَاذَةُ من الْإِيمَان) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: هُوَ أَن يكون الرجلُ مُتَقَهِّلا رَثَّ الهَيْئةِ، يُقَال: مِنْهُ رجلٌ باذُّ الهَيْئَةِ، وَفِي هَيْئته بَذَاذَة وبَذَّةٌ، وبَذٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَذُّ الرجلُ المتَقَهِّلُ الفقيرُ، قَالَ: والبَذَاذة أَن يكون يَوْمًا مُتَزَيِّنا وَيَوْما شَعِثاً، وَيُقَال: هُوَ تَركُ مُداومةِ الزِّينَة.
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: البَذْبَذةُ: التَّقَشُفُ.
وَالْعرب تَقول: بَذَّ فلَان فلَانا يَبُذُّهُ إِذا مَا علاهُ وَفَاقَه فِي حُسْنٍ أَو عملٍ كَائِنا مَا كَانَ، وبَذَّهُ غَلَبَه.

(بَاب الذَّال وَالْمِيم)
ذ م
ذمّ، مذ.
ذمّ: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب: ذمَّ يَذُمُّ ذمًّا وَهُوَ اللَّوْمُ فِي الْإِسَاءَة وَمِنْه التَّذَمُّم، فَيُقَال: مِن التَّذَمُّمِ قد قَضَيْتُ مَذَمَّة صَاحِبي، أَي أَحْسَنْتُ ألاَّ أُذمُّ، والذِّمامُ

(14/298)


كل حُرْمة تَلْزمُك إِذا ضَيَّعتها: المذمَّةُ، ومِن ذَلِك يُسَمَّى أهلُ الذِّمة، وهم الَّذين يُؤَدُّون الجِزيَةَ من الْمُشْركين كلهم، والذَّمُّ المذْمومُ: الذَّميم.
وَفِي حَدِيث يُونُس أَنَّ الحوتَ قاءَهُ، زَرِيّا ذَمًّا، أَي مَذْمُوماً يُشْبِه الهالِكَ، وَيُقَال: افْعلْ كَذَا وَكَذَا وخَلاك ذمٌّ، أَي خلاكَ لَوْمٌ، قَالَ: والذَّميم بَثْرٌ أمثالُ بَيْضِ النَّمل تَخْرج على الْأنف مِن حَرَ، وَأنْشد:
وَترى الذَّمِيمَ على مناخرهمْ
يومَ الهِياج كمازِنِ النَّمْلِ
والواحدة ذمِيمة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذَّميم والذَّنِينُ مَا يسيل من الْأنف، وَأنْشد:
مِثلَ الذَّميمِ على قُزْمِ اليَعَامِيرِ
واليعاميرُ: الجِدَاء واحدُها يَعْمُور، وقُزْمُها صغارُها.
قَالَ شمر: بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: لم أرَ كَالْيَوْمِ قطّ، يدْخل عَلَيْهِم مثلُ هَذَا الرُّطَب لَا يُذِمُّون أَي لَا يتذممون وَلَا تأخذهم ذمامةٌ حَتَّى يُهْدُوا لجيرانهم.
وَقَالَ أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: والذَّامُّ والذَّامُ جَمِيعًا العَيْبُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ذَمْذَمَ إِذا قَلَّل عطِيَّتَه، وذُمَّ الرجل إِذا هُجِيَ، وذُم إِذا نُقِصَ، قَالَ: والذّامُّ مُشدّد والذَّامُ خَفِيف: العيبُ، قَالَ: والذَّمَّةُ البِئْرُ القليلةُ الماءِ والجميعُ ذُمُّ، والذِّمة العَهد وَجَمعهَا ذِمَمٌ وذِمامٌ.
وَفِي الحَدِيث: (فأتينا على بِئْرِ ذَمَّةٍ) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الذَّمَّةُ: القليلةُ الماءِ، يُقَال: بِئرٌ ذمَّةٌ وَجَمعهَا ذِمام، وَقَالَ ذُو الرُّمّة يصف إبِلا غارتْ عيُونها من شِدَّةِ السّير والكَلال فَقَالَ:
عَلَى حِمْيَرِيَّاتٍ كأَنَّ عُيونَها
ذمامُ الركايَا أَنْكَزَتْها المواتِحُ
وَفِي الحَدِيث: أَن الحجاجَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يُذْهِب عَنهُ مَذَمَّة الرَّضاع، فَقَالَ: (غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ أَمةٌ) .
قَالَ القتيبي: أَرَادَ بمذَمة الرَّضَاع: ذِمَامَ المُرْضِعة برضَاعها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ يُونُس يُقَال: أخذَتْنِي مِنْهُ مَذِمَّةٌ ومَذَمَّةٌ، وَيُقَال: أَذْهِبْ عَنْك مَذَمَّةَ الرَّضاع، وَمِذَمَّةَ الرَّضاع بِشيءٍ تُعْطِيه الظئرَ، وَهُوَ الذِّمامُ الَّذِي لَزِمَك لَهَا بإرضاعِها وَلَدَك.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل إِذا كَانَ كَلاًّ على النَّاس: إنهُ لذُو مَذَمَّة، وَإنَّهُ لطويل المذمَّة، فأمَّا الذَّمُّ فالاسم مِنْهُ المَذَمَّة.
وَيُقَال: أَذْهِبْ عَنْك مَذَمَّتهمِ بِشيءٍ، أَي أعُطِيهمْ شَيْئا، فَإِن لَهُم ذِماماً، قَالَ: ومَذَمَّتُهم لُغةٌ.
ابْن الأَنباري: رجل ذِمِّيٌّ لَهُ عهد، والذِّمةُ

(14/299)


العهدُ منسوبٌ إِلَى الذِّمَّة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الذِّمة التَّذمُّمُ مِمَّن لَا عهدَ لَهُ، والذِّمة العَهدُ مَنْسُوب إِلَى الذِّمَّة.
وَفِي الحَدِيث: (ويسعَى بذِمَّتهم أَدْنَاهُم) .
قَالَ أَبُو عبيد: الذِّمة الأَمانُ هَهُنَا، يَقُول: إِذا أَعْطَى الرجلُ العَدُوَّ أَمَانًا، جَازَ ذَلِك على جَمِيع الْمُسلمين، وَلَيْسَ لَهُم أنْ يُخْفِروه، كَمَا أجازَ عمرُ أمانَ عبدٍ على أهل العَسْكَر.
وَمِنْه قَول سَلْمان: ذِمّة الْمُسلمين واحدةٌ فالذِّمّة مَعَ الْأمان، وَلِهَذَا سُمِّيَ المعاهِدُ ذِمِّياً، لِأَنَّهُ أُعطِيَ الأمانَ على ذِمَّة الجِزْية الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهُ.
وَقَوله جلّ وعزّ: {إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} (التَّوْبَة: 10) أَي وَلَا أَمَانًا.
ابْن هاجَك عَن حَمْزَة عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} قَالَ: الذِّمَّة العَهْد والإِلُّ الحِلفُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الذِّمة: مَا يُتَذَمَّم مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الذِّمَّة: الضَّمَان، يُقَال: هُوَ فِي ذِمتي. أَي فِي ضَماني، وَبِه سمي أهل الذِّمَّة لأَنهم فِي ضَمَان الْمُسلمين.
يُقَال: لَهُ عليَّ ذِمامٌ، وذِمَّةٌ، ومَذَمَّةٌ ومَذِمَّةٌ، وَهِي الذَّم، وَأنْشد:
كَمَا نَاشد الذَّم الكفيلُ المعاهدُ
شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: أخذتني مِنْهُ ذِمام ومَذَمَّة، وعَلى الرفيق من الرفيق ذِمام، أَي حِشْمة أَي حقّ، والمَذَمَّةُ: المَلاَمَّةُ والذَّمَامةُ الحَقُّ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
تَكُنْ عَوْجَةً يجْزيكُما اللَّهُ عِنْدها
بهَا الأجرَ أَو تُقْضَى ذِمامةُ صاحبِ
قَالَ: ذِمامةٌ حُرَمةٌ وحَقٌ، وَفُلَان لَهُ ذِمة أَي حقٌ.
وَيُقَال: أَذَمَّتْ رِكابُ الْقَوْم إذْمَاماً إِذا تَأَخَّرَتْ عَن الْإِبِل وَلم تَلحقْ بهَا فَهِيَ مُذِمَّةٌ.
وَفِي الحَدِيث: أُرِي عبد الْمطلب فِي مَنَامه احْفِرْ زَمْزَمَ، لَا تُنْزِفُ وَلَا تُذَمُّ.
قَالَ أَبُو بكر: فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدُها لَا تُعابُ من قَوْلك ذَممْتَه إِذا عِبتَهُ.
وَالثَّانِي لَا تُلغَى مَذْمُومَةً، يُقَال: أَذْمَمْتُه إِذا وَجَدْتَه مَذْموماً.
وَالثَّالِث: لَا يُوجد ماؤُها نَاقِصاً من قَوْلك بِئْرٌ ذَمَّةٌ إِذا كَانَت قَليلَة الماءِ.
مذ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَمْذَم الرجلُ إِذا قَلَّلَ عطِيَّته، ومَذْمَذَ إِذا كَذَب، قَالَ: والمَذيذُ والمِذيذُ الكَذَّابُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: رجلٌ مَذمَذِيٌّ، وَهُوَ الظَّريفُ المختال وَهُوَ المَذْمَاذ.
وَقَالَ اللحياني: قَالَ أَبُو طيْبة: رجل مَذماذٌ وَطْوَاطٌ إِذا كَانَ صَيَّاحاً، وَكَذَلِكَ بَرْبَارٌ فَجْفاجٌ بَجْباجٌ عَجّاجٌ.

(14/300)


ابْن بزرج يُقَال: مَا رَأَيْته مذ عامِ الأولِ وَقَالَهُ قطري.
وَقَالَ الْعَوام: مذ عامِ أوّلَ.
وَقَالَ أَبُو هِلَال: مُذْ عَاما أولَ.
وَقَالَ الآخر: مُذْ عامٌ أولُ ومذ عامُ الأول.
وَقَالَ نجّاد: مذ عامٌ أولُ وَكَذَلِكَ، قَالَ حبناء.
وَقَالَ غَيره: لمْ أَرَه مُذْ يَوْمَانِ، وَلم أره مُنْذُ يَوْمَيْنِ ترفع بمُذْ وتخفِض بِمنذ، وَقد أشبعته فِي بَاب مُنْذُ.

(14/301)


أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح
ذث: مهمل مَعَ سَائِر الْحُرُوف.

(أَبْوَاب الذَّال وَالرَّاء)
ذ ر ل
اسْتعْمل مِنْهُ: (رذل) .
رذل: قَالَ اللَّيْث: الرَّذلُ الدُّونُ من النَّاس فِي مَنظرِه وحالاتِه، وَرجل رَذْلُ الثيابِ والنعْلِ، رَذُلَ يَرْذُل رَذالَةً، وهم الرَّذْلون والأرْذال.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَاتَّبَعَكَ الاَْرْذَلُونَ} (الشُّعَرَاء: 111) ، قَالَ قومُ نوحٍ لنوح: اتّبعكَ أرَاذلنا، قَالَ: نسبوهم إِلَى الحِياكَةِ، قَالَ: والصِّناعاتُ لَا تَضُرُّ فِي بَاب الديانَات.
وَقَالَ اللَّيْث: رُذالَةُ كل شَيْء أَرْدَؤُه، وثوبٌ رَذْلٌ وَسِخٌ، وثوب رَذيلٌ رديءٌ، وَيُقَال: أَرْذَلَ فلانٌ دراهمي أَي فَسَّلَها، وأرْذَلَ غنَمي، وَأَرْذَلَ من رحالِهِ كَذَا وَكَذَا رجلا، وهم رُذالَةُ النَّاس ورُذَالُهم.
وَقَوله عزّ وجلّ: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (النَّحْل: 70) ، قيل: هُوَ الَّذِي يَخْرَفُ من الكِبَر حَتَّى لَا يَعْقِل شَيْئا، وبَيَّنَهُ بقوله: {لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (النَّحْل: 70) وَيجمع الرذل أرذالاً.
ذ ر ن
اسْتعْمل من وجوهه: (نذر) .
نذر: قَالَ اللَّيْث: النَّذْرُ مَا يَنْذِره الإنسانُ فيجعَلُه على نَفسه نَحْباً وَاجِبا، وجَعَل الشافعيُّ فِي كتاب جِراح العمْد مَا يجب فِي الْجِرَاحَات من الدِّيات نَذْراً، وَهِي لُغَةُ أهلِ الْحجاز، كَذَلِك أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الشَّافِعِي؛ وأهلُ الْعرَاق يسمونه: الأرْشَ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو نَهْشَل: النُّذُورُ لَا تكون إِلَّا فِي الجراحِ صغارِها وكبارِها وَهِي معاقل تِلك الْجراح.
يُقَال: لي قِبَلَ فلانٍ نَذْرٌ إِذا كَانَ جُرْحاً وَاحِدًا لَهُ عَقْلٌ.
قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو سعيد الضّرير: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ نَذرٌ، لِأَنَّهُ نُذِرَ فِيهِ أَي أُوْجِبَ، من قَوْلك: نَذرْتُ على نَفسِي أَي أَوْجَبتُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن تَذَكَّرَ} (فاطر: 37) .
قَالَ أهل التَّفْسِير: يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمَا قَالَ: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداومبشرا

(14/302)


وَنَذِيرا} (الْفَتْح: 8) .
وَقَالَ بَعضهم: النّذيرُ هَهُنَا الشّيْبُ، وَالْأول أَشْبهُ وأَوْضَحُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: والنَّذِيرُ يكون بِمَعْنى المُنْذِر وَكَانَ الأصلُ نَذَرَ، إِلَّا أنَّ فِعلَه الثُّلاثي مُمَاتٌ.
وَمثله السَّمِيع بِمَعْنى المُسْمِع، والبديع بِمَعْنى المبدِع.
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أُنْزِل: {) الْمُعَذَّبِينَ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ} (الشُّعَرَاء: 214) أُتِي رسولُ الله الصَّفا فصعَّد عَلَيْهِ ثمَّ نادَى: يَا صبَاحاه، فاجْتَمَع إِلَيْهِ الناسُ بَين رَجل يجيءُ ورجلٍ يَبْعَثُ رسولَه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا بَني عبد الْمطلب يَا بَني فلَان: لَو أَخْبَرتكُم أَن خَيلاً بِسَفْح هَذَا الْجَبَل تُريدُ أَن تُغِيرَ عَلَيْكُم صَدَّقْتُموني قَالُوا: نعم، قَالَ: فإنِّي نَذيرٌ لكم بَين يَدَي عذابٍ شديدٍ) .
فَقَالَ أَبُو لَهبٍ: تَبّاً لكم سائرَ الْقَوْم أَمَا آذَنْتُمُونا إِلَّا لهَذَا؟
فَأنْزل الله: {} (المسد: 1) .
وحَدَّث أَحْمد بن أَحْمد عَن عبد الله ابْن الْحَارِث المَخْزُومِي عَن مَالك عَن يزِيد بن عبد الله بن قُسَيْط عَن ابْن المسيَّب: أَن عمر وَعُثْمَان قَضَيا فِي المنطَاة بِنصْف نَذْر المُوضِحَةِ.
روَاه عَنهُ مُحَمَّد بن نصر الفرّاء.
وَقَوله جلّ وعزّ: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} (الْملك: 18) مَعْنَاهُ: كَيفَ كَانَ إنذاري؛ والنذيرُ اسمٌ من الْإِنْذَار.
وَقَوله جلّ وعزّ: {مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} (الْقَمَر: 23) .
قَالَ الزّجاج: النُّذر جمع نَذِيرٍ، قَالَ: وَقَوله جلّ وعزّ: {ذِكْراً عُذْراً أَوْ} (المرسلات: 6) وقرئت عُذُراً أَو نُذُراً، قَالَ: مَعْنَاهُمَا الْمصدر قَالَ: وانتصابهما على الْمَفْعُول لَهُ، الْمَعْنى فالْمُلقيات ذكرا للإِعْذار أَو الْإِنْذَار، وَيُقَال: أَنذَرْتُه إنذاراً ونُذُراً، والنُّذرُ جمع النَّذير وَهُوَ الِاسْم من الْإِنْذَار.
يُقَال: أنْذَرْتُ القومَ مَسِيرَ عدوهم إِلَيْهِم فَنَذِرُوا أَي أعْلَمتُهم ذَلِك فنَذِروا أَي عَلِمُوا فَتَحَرَّزوا، والتَّناذُر أَن يُنذِرَ القومُ بعضُهم بَعْضًا، شرّاً مخوفا.
قَالَ النَّابِغَة يذكر حيَّة:
تَنَاذرَها الرَّاقُونَ من سُوءِ سَمِّها
تُطَلِّقُهُ حِيناً وحِيناً تُراجِعُ
قَالَ اللَّيْث: النَّذيرَةُ اسمٌ للْوَلَد يُجْعَلُ خَادِمًا للكنيسة، أَو للمُتَعَبَّد من ذكرٍ أَو أُنْثَى، وجمعُها النَّذائر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (آل عمرَان: 35) .
قالته امرأةُ عِمْرانَ أمُّ مَرْيَم، نذرت أَي

(14/303)


أوجبت.
وَقَالَ غيرُه: نَذِيرَةُ الْجَيْش طَليعتُهم الَّذِي يُنْذِرُهم أمْرَ عدُوِّهم أَي يُعْلِمُهم.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: قَدْ أعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، أَي من أعْلمكَ أنْ يُعاقبَكَ على الْمَكْرُوه مِنْك فِيمَا يستقبله، ثمَّ أتَيْتَ المكروهَ فعَاقبك فقد جَعَل لنَفسِهِ عذرا يَكُفُّ بِهِ لائمةَ النَّاس عَنهُ، ومُناذِرُ اسْم قَرْيَة، ومُحمد بن مَناذِر الشَّاعِر.
وَمُحَمّد بنَ مَنَاذر بِفَتْح الْمِيم، والمناذِرة هُمْ بَنو الْمُنْذِر مثل المهالبة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الْإِنْذَار: أَنا النَّذيرُ العُرْيانُ.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالُوا: أَنا النذيرُ العُريَّان لِأَن الرجلَ إِذا رأى الغارةَ قد فَجِئتهم وَأَرَادَ إنذار قومه تجرَّدَ من ثِيَابه، وَأَشَارَ بهَا ليُعْلِمَ أنْ قد فَجِئَتْهُم الغارةُ، ثمَّ صَار مَثَلاً لكلِّ شَيْء يُخافُ مُفاجأَته.
وَمِنْه قَول خُفافٍ يصف فرسا:
ثَمِلٌ إِذا صَفَر اللِّجامُ كَأَنَّهُ
رَجلٌ يُلوِّحُ باليدين سَلِيبُ
وذَكر ابْن الْكَلْبِيّ فِي النذير الْعُرْيَان حَدِيثا لأبي دَاوُد الْإِيَادِي ورقبة بن عَامر البهراني الهراني فِيهِ طول.
وَقَالَ ابنُ عَرَفَة: لينذر قوما الْإِنْذَار الْإِعْلَام بالشَّيْء الَّذِي يُحذَر مِنْهُ، وكل مُنْذِرٍ مُعْلِم وَلَيْسَ كل مُعْلِمٍ مُنْذِرا، وَمِنْه قَوْله: أَنْذرهُمْ يَوْم الْحَشْر أَي حَذِّرْهم، أَنْذَرْتُهُ فَنذِر أَي عَلِم والاسمُ من الْإِنْذَار النَّذير لقَوْله: {ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} (فاطر: 18) تَأْوِيله إِنَّمَا يَنْفَعُ إنذارك الَّذين يَخْشونَ رَبهم الْغَيْب.
أَو نذرتُم من نَذَر أَي أوجبتم على أَنفسكُم شَيْئا من التطوُّع، يُقَال: نَذَرتُ أُنذِر وأَنْذَرُ.
قَالَ ابْن عَرَفَة: فَلَو قَالَ قائلٌ: عليَّ أنْ أتصدَّقَ بِدِينَار لم يكن ناذراً، وَلَو قَالَ: على أنْ شَفَى الله مَرضِي، أَو رَدَّ عَليَّ غائبي صدقةُ دينارٍ، كَانَ ناذراً، فالنَّذْرُ مَا كَانَ وَعْداً على شرطٍ، وكلُّ نَاذِرٍ وَاعِدٌ وَلَيْسَ كل واعِد ناذِراً.
ذ ر ف
ذرف، ذفر.
ذرف: قَالَ اللَّيْث: الذَّرْفُ صَبُّ الدَّمْع، يُقَال: ذَرَفَتْ عَيْنُهُ دمعَها ذَرْفاً وذَرَفَاناً، وَقد يُوصَفُ بِهِ الدمعُ نَفسه، يُقَال: ذَرَفَ الدمعُ يَذْرِفُ ذُروفاً وذَرَفَاناً وَأنْشد:
عَيْنَيَّ جُودِي بالدُّموع الذَّوَارِفِ
قَالَ: وذرَّفَتْ دُموعي تَذْرِيفاً وتَذْرَافاً وتَذْرِفَةً، ومَذَارِفُ العَيْن مَدَامِعُها.
وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: ذرَّفْتُ على السِّتين.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذرَّفْتُ على

(14/304)


الْخمسين وذَمَّمْتُ عَلَيْهَا أَي زِدتُ عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَيُقَال: وذرَّفْتُه الموتَ أَي أَشْرفْتُه بِهِ عَلَيْهِ وَأنْشد:
أَعْطيكَ ذِمَّةَ وَالِديَّ كِلَيْهما
لأذرَّفَنْك الموتَ إنْ لم تَهْرُبَ
ذفر: قَالَ ابْن السّكيت: الذَّفَرُ كلُّ ريح ذَكِيةً من طِيب أَو نَتْنٍ، يُقَال: مِسْكٌ أَذْفَرُ أَي ذَكيُّ الرّيح، وَيُقَال للصُّنانِ: ذَفَرٌ وَهَذَا رجل ذَفِرٌ أَي لَهُ صُنانٌ، وخُبْثُ ريح، وَقَالَ لبيد:
فَخْمَة ذَفْرَاء تُرتَى بالعُرَى
قُرْدُمانِياً ونَرْكا كالبَصَلْ
يصف كَتِيبَة ذاتَ دُروع ذَفِرْت رَوَائِح صَدَئِها وَقَالَ آخر:
ومُؤَوْلَقٍ أَنْضَجْتُ كَيَّةَ رَأسه
فَتَركْتُه ذَفِراً كرِيح الجوْرَبِ
وَقَالَ الرَّاعِي وَذكر إبِلا رَعَتْ العُشْبَ وأزاهيرَه فَلَمَّا صَدَرَتْ عَن المَاء نَدِيَتْ جلودُها ففاحَتْ مِنْهَا رَائِحَة طيبةٌ، فتِلك الرائحةُ فأرةَ الْإِبِل فَقَالَ الرَّاعِي:
لَهَا فأرَة ذفْرَاءُ كلَّ عَشِيَّة
كَمَا فَتقَ الكافورَ بالمسك فَاتِقُهْ
وَقَالَ ابْن أَحْمر:
بِهَجْلٍ من قسا ذَفرِ الخُذَامَى
تَداعَى الْجِربيَاءُ بِهِ حَنيناً
أَي ذكيُّ ريح الْخُذامى طيِّبُها، وَقَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأبي عَمْرو بن الْعَلَاء: الذِّفْرَى من الذَّفَر؟
قَالَ: نعم، والذَّفْراء عُشْبةٌ خبيثةٌ الرّيح لَا يكَاد المالُ يأكلُها.
وَقَالَ اللَّيْث: الذِّفْرَى من الْقَفَا الموضعُ الَّذِي يَعْرَقُ من البَعير، وهما ذفْرَيانِ من كل شَيْء، قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: ذِفرًى فيصرفها، يجْعلون الألفَ فِيهَا أَصْلِيَّة وَكَذَلِكَ يجمعونها على الذفَارَى.
وَقَالَ القتيبي: هما الذفريان والمِقذَّان، وهما أصُول الأُذنَيْن، وأولُ مَا يَعْرقُ من البَعير.
قَالَ شمر: الذِّفرَى: عظم فِي أَعلَى الْعُنُق من الْإِنْسَان عَن يَمِين النّقرة وشِمالها.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذَّفراءُ نبتةٌ طيبةُ الرَّائِحَة، والذفراءَ نبتة مُنتِنَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: بعير ذفرٌّ وناقة ذِفرَّةٌ وَهُوَ الْعَظِيم الذِّفرى.
وَقَالَ اللَّيْث: الذفرة الناقةُ النَّجيبةُ الغليظة الرَّقَبَة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذِّفرُّ الْعَظِيم من الْإِبِل.
ذ ب ر
ذبر، ذرب، بذر، ربذ.
ذبر: أَبُو عبيد: ذَبَرْتُ الكتابَ أَذبُره وذَبرْتُه أَذبِرُه كَتَبتُه.

(14/305)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَسُئِلَ عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أهل الْجنَّة خَمْسةُ أَصْنَاف: مِنْهُم الَّذِي لَا ذِبْر لَهُ) أَي لَا لِسَان لَهُ يتَكَلَّم بِهِ.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله من ضعفه من قَوْلك ذَبرْت الْكتاب أَي قرأته قَالَ وذبرته أَي كتبته فَفرق بَين ذَبر وذَبر، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الذابرُ المتقنُ للْعلم، يُقَال ذبره يذبره، وَمِنْه الْخَبَر كَانَ معاد يذبُرُه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي يتقنه ذبْراً وذبارَةً يُقَال: مَا أَرْصَن ذبَارته، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الذِّبَار الْكتب وَاحِدهَا ذبْرٌ، وَقَالَ ذُو الرُّمة يَصف وُقُوفه على دَار:
أَقُولُ لِنَفْسي وَاقِفاً عِند مُشْرِفٍ
على عَرَصاتٍ كالذِّبارِ النَّوَاطِقِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ذَبَرَ أَي أَتْقَنَ وذَبِرَ غَضِبَ، وَقَالَ اللَّيْث: الذَّبْر بِلُغة أهل هُذيل كلُّ قِراءَة خَفِيَّة، قَالَ وبعضٌ يَقُول: زَبَرَ كَتَبَ، وَبَعض يَقُول: الزَّبُورُ الفِقْه بالشَّيْء وَالْعلم.
قَالَ صَخْر الغَي:
فِيهَا كتابٌ ذَبْرٌ لمقْتَرِىء
يَعْرِفُه أَلْبُهُمْ ومَن حَشَدُوا
ذبْر بَيِّنٌ، يُقَال: ذبَر يذْبُر إِذا نظر فَأحْسن النّظر، أَلْبُهمْ مَن كَانَ هَوَاهُ مَعَهم يُقَال: بَنو فلَان ألْبٌ واحدُ حشدوه جَمَعُوهُ.
ذرب: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أبوالُ الْإِبِل فِيهَا شِفاء من الذَّرَبِ) ، أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذَرِبَتْ مَعِدَتُه تَذْرَبُ ذَرَباً فَهِيَ ذَرِبَةٌ إِذا فَسِدَتْ، وَفِي حَدِيث آخر: إنَّ أعشى بني مَازِن قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنشده أبياتاً يشكو فِيهَا امرأتَه:
يَا سيدَ الناسِ وَدَيَّان العَرَبْ
إِلَيْك أَشْكُو ذِرْبَة من الذِّرَبْ
خَرَجْتُ أَبْغِيها الطعامَ فِي رَجَبْ
فَخَلَفَتْنِي بِنزَاعٍ وحَرَبْ
أَخْلَفَتْ العَهْدَ وبَطَّتْ بِالذَّنَبْ
وتركتني وَسْطِ عيصٍ ذِي أشَبْ
قَالَ عمر: الذِّرْبَةُ: الداهية أَرَادَ بالذِّرْبَةِ امرأتَه، كَنَى بِهَا عَن فَسادها وخِيانتها فِي فرجهَا وجمعُها ذربٌ وَأَصله من ذَرَبِ الْمعدة وَهُوَ فَسادُها.
وَقَالَ شمر: امرأةٌ ذَرِبةٌ طويلةُ اللِّسَان فاحشةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لِلغُدَّةِ ذِرْبٌ وَتجمع ذِرَبٌ، وَيُقَال للْمَرْأَة السليطة اللِّسَان: ذَرِبةٌ وذِرْبَةٌ، وذَرَبُ اللِّسَان حِدَّتُه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: ذَرَبْتُ الحَديدةَ أذرُبُها ذَرْباً فَهِيَ مَذْرُوبَة إِذا أحْدَدْتَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّرِبُ الحادُّ من كل شَيْء، لِسانٌ ذرِبٌ ومَذْروبٌ، وَسنَان ذرِبٌ، ومَذْروبٌ، وفِعْلُهُ ذرِبَ يَذْرَبُ ذَرَباً وذَرَابَة. وَقوم ذُرْبٌ قَالَ: وتَذْرِيبُ السَّيْف

(14/306)


أَن يُنْقَع فِي السُّم فَإِذا أُنْعِمَ سَقْيُه، أُخْرِجَ فشُحِذَ.
وَيجوز ذَرَبْتُه فَهُوَ مَذْرُوبٌ قَالَ عُبَيْدَة:
وخرْقٍ مِنَ الفتْيانِ أكرمَ مَصْدَقاً
مِن السَّيْف قَدْ آخَيْتُ لَيْسَ بمذْرُوبِ
قَالَ شمر: لَيْسَ بفاحش.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ: حَدثنَا ابْن هاجك، قَالَ: حَدثنَا حَمْزَة عَن عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن عبيد بن مُغيرَة قَالَ: سَمِعت حُذَيْفَة يَقُول: كنت ذَرِب اللِّسَان على أَهْلي فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي لأخشى أَن يدخلني لساني النارَ فَقَالَ رَسُول الله: (فَأَيْنَ أَنْت من الاسْتِغْفَار إِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة) . قَالَ: فَذَكرته لأبي بردة فَقَالَ: وَأَتُوب إِلَيْهِ، قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: ذَرب اللِّسَان: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل ذرب اللِّسَان.
سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول: مَعْنَاهُ فَاسد اللِّسَان قَالَ: وَهُوَ عيب وذم.
يُقَال: قد ذَرِبَ لِسان الرجُل يذْرَبُ إِذا فَسَدَ، وَمن هَذَا ذَرِبَتْ مَعِدَتُه فسدتْ وَأنْشد:
أَلَمْ أَكُ باذلاً وِدِّي ونَصْرِي
وأَصْرِفُ عَنْكم ذَرَبِي ولغْبِي
قَالَ: واللَّغْبُ الرَّدِيء من الْكَلَام وَأنْشد:
وَعرفت مَا فِيكُم مِنْ الأذْرَابِ
مَعْنَاهُ من الْفساد، قَالَ: وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي.
قَالَ غَيرهمَا: الذَّرِبُ اللِّسَان الحادُ اللِّسَان، وَهُوَ يرجع إِلَى معنى الْفساد. إنِّي رجلٌ ذَرِبُ اللِّسان وعامَّة ذَلِك على أَهلِي، قَالَ: فَاسْتَغْفر الله.
قَالَ شمر: قَالَ أسيد بن مُوسَى بن حَيْدة: الذَّرِبُ اللسانُ الشتَّامُ الفاحشُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الذَّرِبُ اللِّسَان الفَاحِشُ الشتَّامُ البَذِيءُ الَّذِي لَا يُبالي مَا قَالَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التَّذْرِيبُ حَمْلُ الْمَرْأَة ولدَها الصغيرَ حَتَّى يَقْضِيَ حاجتَه، وَيُقَال: ألقَى بَينهم الذَّرَبُ وَهُوَ الاخْتِلافُ والشرُّ وَرَمَاهُمْ بالذربين مثله.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الذَّرَبَيَّا على مِثال فَعَلَيَّا الداهية.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
رَمَانِيَ بالآفات مِن كلِّ جَانِبٍ
وبالذَّرَبَيَّا مُرْدُ فِهْرٍ وشِيبُها
وَقَالَ غَيره: الذَّرَبَيّا هُوَ الشرّ وَالِاخْتِلَاف.
بذر: قَالَ اللَّيْث: البَذرُ مَا عزِل للزَّرع ولِلزّراعة من الْحُبُوب كلّها، والجميع البُذُورُ، والبَذْرُ أَيْضا مَصدر بَذَرْتُ وَهُوَ على معنى قَوْلك نَثَرْتُ الحَبَّ، وَيُقَال لِلنَّسْل أَيْضا: البذْرُ، يُقَال: إِن هَؤُلَاءِ لَبَذْرُ سَوْءٍ.

(14/307)


قَالَ: والبَذِيرُ من النَّاس الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يُمْسك سِرَّ نَفْسِه.
يُقَال: رجل بَذِيرٌ وبَذُورٌ، وَقوم بُذُرٌ، وَقد بَذُرَ بَذَارةً.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسوا بالمسَايِيح البُذُرِ) ، والتَّبْذِيرُ إِفْسَاد المَال وإنفاقُه فِي السَّرف؛ قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (الْإِسْرَاء: 26) .
وَقيل: التّبْذِيرُ إنْفَاقُ المَال فِي الْمعاصِي، وَقيل: هُوَ أَن يَبْسُطَ يَده فِي إِنْفَاقه حَتَّى لَا يُبْقِي مِنْهُ مَا يَقْتَاتُه؛ واعتباره بقوله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً} (الْإِسْرَاء: 29) .
وَيُقَال طعامٌ كثيرُ البُذَارَةِ أَي كثيرُ النَّزَلِ وَهُوَ طعامٌ بَذِرٌ أَي نَزَلٌ، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَمِنَ العَطِيَّة مَا ترى
جَذْمَاءَ لَيْسَ لَها بُذَارَة
عَمْرو عَن أَبِيه: البَيْذَرَةُ والتّبْذِيرُ والنَّبْذَرة بالنونِ والبَاءُ تفريقُ المَال فِي غير حَقِّه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَبَذَّر الماءُ إِذا تَغَيَّر واصْفَرَّ، وَأنْشد لِابْنِ مُقْبِلٍ:
قَلْباً مُبَلِّيَةً جوائِزَ عَرْشِها
تَنْفِي الدِّلاء بآجِنٍ مُتَبَذِّرِ
قَالَ: المتَبَذرُ المتَغَيِّر الأصفرُ؛ وبَذَّرُ اسْم ماءٍ بِعَيْنِه، ومثلُه خَضَّمُ وعَثَّرُ، ويَقَّمُ شَجَرَة، وَلَيْسَ لَهَا نَظَائِر.
ربذ: قَالَ اللَّيْث: الرَّبَذُ خِفَّةُ القَوائم فِي المشْي، وخِفّة الْأَصَابِع فِي العَمل تَقول: إِنَّه لرَبِذٌ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: الرَّبَذُ العُهون الَّتِي تُعَلَّقُ فِي أَعْنَاق الْإِبِل واحدتها رَبَذَةٌ.
وثعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرَّبَذَةُ والوَفِيعَةُ صوفٌ يُطْلَى بِهِ الجِرْبَى.
قَالَ: والرَّبَذَةُ والثُّمْلَةُ والْوَقِيعَةُ صِمَام القَارُورة.
أَبُو عَبدة عَن الْكسَائي يُقَال للخرقة الَّتِي تُهنَأَ بهَا الجربى: الرَّبَذَةُ.
قَالَ اللَّيْث: الرَّبَذَةُ الَّتِي تُلْقيها الْحَائِض.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: سَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن الرَّبَذَةِ اسْم الْقرْيَة؟ فَقَالَ: الرِّبْذَةُ الشِّدةُ والشَّرُّ الَّذِي يَقَعُ بَين الْقَوْم، يُقَال: كُنَّا فِي رِبْذَةٍ مَا تجلَّت عنَّا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الرَّبَاذِيةُ الشرُّ الَّذِي يَقع بَين الْقَوْم، وَأنْشد لزياد الطماحي قَالَ:
وكانَتْ بَين آل أبي زِيَاد
زَبَاذِيَةٌ وأطفأَها زِيادُ
أَبُو سعيد: لِثَةٌ رَبِذَةٌ قليلةُ اللَّحْم وَأنْشد قَول الأعْشى:
تَخَلْهُ فِلَسْطِيَّا إِذا ذُقْتَ طَعْمَه
على رَبِذَاتِ النِّيِّ خُمسٌ لِثَاتُها
قَالَ: النِّيِّ اللّحْمُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي:

(14/308)


وَرَوَاهُ الْمُنْذِرِيّ لنا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: على ربذات النيّ من الربْذَة، وَهِي السوَاد، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: النِّيِّ: الشَّحْم من نَوْف النَّاقة إِذا سَمِنتْ.
قَالَ: والنِّيءُ بِكسْرِ النُّون والهمز: اللَّحْم الَّذِي لم ينضج وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَذُ العُهون تُعَلَّق على النَّاقة، وَفرس رَبِذٌ أَي سريع، وأرْبَذَ الرجلُ إِذا اتَّخذَ السِّياط الرَّبَذِيَّة وَهِي مَعْرُوفَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سَوْط ذُو رُبَذٍ، وَهِي سيور عِنْد مُقَدّم جِلْد السَّوْط.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَذرَبَ الرجلُ إِذا فَصُح لِسانُه بعد حَصَرٍ ولَحْنٍ، وأَذْرَبَ الرجلُ إِذا فَسدَ عَلَيْهِ عَيشُه.
(ذ ر م)
رذم، ذمر، مذر، مرذ.
رذم: قَالَ اللَّيْث: قصْعةٌ رَذَومٌ وَهِي الَّتِي قد امتلأتْ حَتَّى إِن جَوانبها لتَنْدَى وتَصبَّبُ والفعْل رَذَمتْ ترْذَمُ، وقلّما يسْتَعْمل إِلَّا يفعل مجاوز نَحْو أَرْذَمتْ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرَّذُومُ القَطُورُ من الدَّسم وَقد رَذَم يَرْذِمُ إِذا سَالَ.
وَأنْشد:
وعَاذِلةٍ هبَّتْ بليلٍ تلومُني
وَفِي يَدهَا كِسْرٌ أَبَجُّ رَذُومُ
قَالَ: والأبَجُّ العَظيمُ الممْتَلىءِ مِن المُخِّ.
قَالَ: والجَفْنةُ إِذا مُلِئت شَحْماً ولَحْماً فَهِيَ جَفنةٌ رَذَومٌ، وجِفانٌ رُذُمٌ، قَالَ: وَيُقَال صَار بعد الخزِّ والوَشيِ فِي رُدَمٍ وَهِي الخُلْقان الدَّال غير مُعْجمَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرُّذُمِ الجِفان الملأَى والرُّذُمُ الأعضاءُ الممِخَّةُ.
وَأنْشد غَيره:
لَا يمْلَأ الدّلْوَ صُباباتُ الوَذَمْ
الإسِجالٌ رَذَمٌ على رَذَمْ
قَالَ اللَّيْث: الرّذَمُ هَهُنَا الامتلاء، والرّذْم الِاسْم والرّذْمُ الْمصدر.
مرذ: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: مَرثَ فلانٌ الْخبز فِي المَاء، ومرذَه إِذا ماثَه، رَوَاهُ لنا الْإِيَادِي، مَرُذه بِالذَّالِ مَعَ الثَّاء وَغَيره يَقُول: مرَده بالدَّال.
ويروى بَيت النَّابِغَة:
فلمّا أَبى أَنْ يَنْقُصَ القوْدُ لَحْمه
نَزَعْنا الْمَزِيد والمدِيدَ ليَضْمُرَا
وَيُقَال: امْرُذْ الثَّرِيدَ فَتَفُتَّه ثمَّ تَصُبُّ عَلَيْهِ اللَّبن ثمَّ تَمَيتُهُ وتحسّاه.
ذمر: أَبُو عبيد عَن الْفراء: رجل ذَمِرٌ وذِمْرٌ وذَمِيرٌ وذِمِرٌّ: وَهُوَ المُنْكَرُ الشديدُ.
قَالَ غَيره: الذَّمْرُ اللُّؤْم والحَضُّ مَعًا، والقائدُ يَذمُر أصحابَه إِذا لامَهم وأسمَعهم

(14/309)


مَا كَرهُوا، ليَكُون أجَدَّ لَهُم فِي الْقِتَال، والتَّذَمُّر من ذَلِك اشْتِقَاقه، وَهُوَ أَن يفعل الرجل فعلا لَا يُبالغ فِي نكايةِ العدُوِّ، فَهُوَ يتذمَّر أَي يَلُومُ نفسهُ ويُعاتبها، لكَي يَجِدَّ فِي الْأَمر، والقومُ يَتذامرُون فِي الْحَرْب أَي يحُضُّ بعضُهم بَعْضًا على الجِدّ فِي الْقِتَال، وَمِنْه قَول عنترة:
يتذَامَرُون كرَرْتُ غير مُذَمَّمِ
والذِّمار، ذِمار الرجل، وَهُوَ كل شَيْء يلزمُه حِمايتُه، والدفعُ عَنهُ وَإِن ضيّعه لزمَه اللَّومُ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: الذِّمْر الرجلُ الشجاعُ من قوم أَذْمارٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الذِّمار الحرَم والأهل، والذِّمارُ الحَوْزةُ، والذِّمار الحَشم، والذِّمارُ الأرَبُ، وَيُوضَع التَّذمُّرُ موضعَ الحَفيظة للذِّمار، إِذا اسْتُبِيحَ.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: انتَهيْتُ يَوْم بدرٍ إِلَى أبي جهْل، وَهُوَ صَرِيعٌ فوضعْتُ رجْلي على مُذَمَّره فَقَالَ لي: يَا رُوَيْعيَ الْغنم لقد ارْتَقَيتَ مُرْتقًى صعباً، قَالَ: فاحتزرْتُ رأسَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: المُذمَّرُ هُوَ الكاهِلُ والعُنُق وَمَا حوله إِلَى الذِّفْرَى، وَمِنْه قيل للرجل الَّذِي يُدخلُ يدَه فِي حَيَاء الناقةِ لينظرَ أذكَرٌ جنينُها أم أُنْثَى: مُذَمِّرٌ لِأَنَّهُ يضع يدَه ذَلِك الْموضع فيعْرفُه.
قَالَ الْكُمَيْت:
وَقَالَ المُذمِّر للنّاتجيْنِ
مَتَى ذمِّرتْ قَبْليَ الأرجُلُ
يَقُول: إِن التّذميرَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْنَاق لَا فِي الأرجل.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
حرَاجيجُ قودٌ ذُمِّرتْ فِي نَتاجِها
بناحيةِ الشِّحْرِ الغُرَيرِ وشَدْقَمِ
يَعْنِي أَنَّهَا من إبل هَؤُلَاءِ فهم يُذَمِّرونها.
مذر: قَالَ اللَّيْث: مَذَرَتْ البيْضةُ مَذَراً إِذا غَرْقلَتْ وَقد أمْذرتْها الدَّجاجةُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا مذرَتْ البيضةُ فَهِيَ الثّعِطةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمذُّر خُبث النَّفْس.
وَأنْشد:
فتَمَذرَتْ نَفْسِي لذاك وَلَم أَزلْ
مَذِلاً نهارِي كلَّه حَتَّى الأُصُلْ
وَقَالَ شمر: قَالَ شيخٌ من بني ضبّة: المُمْذِقِرُّ من اللَّبن الَّذِي يَمُسُّه الماءُ فَيَتَمَذَّرُ.
قَالَ: فَكيف يَتمَذَّر؟
قَالَ: يُمذرُهُ الماءُ فيتفرَّق.
قَالَ: وَيتَمذَّر: يتفرَّق، وَمِنْه قَوْلهم: تفَرقُوا شذَرَ ومذر.

(14/310)


(أَبْوَاب) الذَّال وَاللَّام)
(ذ ل ن)
نذل: قَالَ اللَّيْث: النَّذيلُ والنَّذْلُ من الرِّجَال الَّذِي تزْدَريه فِي خِلقتِه وعقله، وهُم الأنذالُ، وَقد نَذُلَ نَذَالةً.
ذ ل ف
ذلف، فلذ.
فلذ: فِي الحَدِيث: وتُلْقِي الأرضُ أَفْلاذَ كَبِدها.
قَالَ الْأَصْمَعِي: الأفلاذُ جمعُ الفِلْذةِ، وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم تُقطعُ طولا، وضربَ أفلاذَ الكَبِد مَثَلاً للكنوز المدفونة تَحت الأَرْض، وَقد تُجْمَعُ الفِلْذةُ فِلَذاً، وَمِنْه قيل للأعشى:
تكفيه حُرَّةُ فِلْذٍ إِن أَلمَّ بهَا
وَيُقَال: فَلَذْتُ اللَّحْم تفليذاً إِذا قطّعته؛ وَفَلَذتُ لَهُ فِلْذةً من المَال أَي قطعت، وافْتَلذتُ لَهُ فِلْذة من المَال أَي اقتطعته.
قَالَ ابْن السّكيت: الفِلْذ لَا يكون إِلَّا للبعير، وَهو قطعةٌ من كبده، يُقَال: فِلْذَةٌ واحدةٌ ثمَّ يجمع فِلَذاً وأفلاذاً وَهِي الْقطع المقْطُوعة.
وَقَوله: تُلْقِي الأرضُ أَفْلاذَ أَكْبَادِها.
وَفِي بعض الحَدِيث: وتَقِيءُ الأرضُ أَفْلاذَ كَبِدِها، أَي تخْرِجُ الكنوزَ المدفونة فِيهَا، وَهُوَ مِثل قَوْله تَعَالَى: {زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (الزلزلة: 2) .
وسَمَّى مَا فِي الأَرْض كَبِداً تَشْبِيها بالكبد الَّذِي فِي بَطْن البَعير، وقَيْءُ الأَرْض إخراجُها إيَّاها، وخَصَّ الكَبِد لِأَنَّهُ من أَطايِبِ الجذور، وافتَلَذْتُ مِنْهُ قِطْعَة من المَال افتِلاذاً إِذا اقْتَطَعْتَه.
وَأما الفُولاذُ من الْحَدِيد فَهُوَ مُعَرَّب وَهُوَ مُصاصُ الْحَدِيد الْمُنَقَّى خَبَثُه، وَكَذَلِكَ الفَالُوذُ الَّذِي يُؤْكَل يُسَوَّى من لُبِّ الحِنطة وَهُوَ مُعَرَّبٌ أَيْضا.
ذلف: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذَّلَفُ اسْتِواءُ قَصَبَةِ الْأنف فِي غير نُتُوءٍ، وقِصَرٌ فِي الأرْنبة، قَالَ: وَأما الفَطَسُ فَهُوَ لُصُوقُ القَصَبَة بِالْوَجْهِ مَعَ ضِخَم الأَرْنَبَة.
وَقَالَ أَبو النَّجْم:
لِلَّثْمِ عِنْدِيَ بَهْجَةٌ ومَزِيَّةٌ
وأُحِبُّ بعضَ مَلاحةِ الذَّلفَاءِ
ذ ل ب
بذل، ذبل.
(ذبل) : يُقَال: ذَبَل الغُصنُ يَذْبُل ذُبولاً فَهُوَ ذَابل.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الذَّبْلُ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ البَحْرِيَّة يَجْعَل مِنْهُ الأمشاط.
وَقَالَ غَيره: يُسَوَّى مِنْهُ المَسَكُ أَيْضا:
قَالَ جرير يصف امْرَأَة راعية:
تَرَى العَبَسَ الحَوْلِيَّ جَوْناً بِكُوعِها

(14/311)


لَهَا مَسَكاً من غيرِ عاجٍ وَلَا ذَبْل
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الذَّبْلُ القُرونُ يُسَوَّى مِنْهُ المَسَك.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال: ذِبْلٌ ذابلٌ وَهُوَ الهوان والخِزْيُ.
وَقَالَ شمر: رَوَاهُ أَصْحَاب أبي عبيد: ذِبْلٌ بِالذَّالِ، وَغَيره يَقُول: دِبْلٌ دابِلٌ بالدَّال.
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي يَقُول: ذِبْلٌ ذبِيلٌ أَي ثُكْلٌ ثاكِلٌ، وَمِنْه سُمِّيَت المرأةُ ذِبْلَةً، قَالَ وَيُقَال: ذَبَلَتْهُمْ ذُبَيْلَةٌ، أَي هَلكوا.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وروى أَبُو عُمر عَن أبي الْعَبَّاس قَالَ: الذُّبَال النَّقَاباتُ وَكَذَلِكَ الدُّبال بِالدَّال والنَّقَاباتُ قُروح تخرج بالجنْب فتنقب إِلَى الْجوف. قَالَ: وذَبَلَتْهُ ذبولٌ وَدَبَلَتْهُ دُبُولٌ، قَالَ: والذِّبْل الثُّكْلُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: فهما لُغَتان؛ ويَذْبُلُ اسْم جَبَلٍ بِعَيْنِه، وَيُقَال: ذَبُلَ فُوهُ يَذْبُل ذُبولاً، وذَبَّ ذُبُوباً إِذا جَفَّ ويَبِسَ ريقُه.
وَيُقَال للفتيلة الَّتِي يُصْبَحُ بهَا السِّراج: ذُبالةٌ وذُبَّالةٌ وجمعهُ ذُبالٌ وذُبَّالٌ.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
كمِصْباحِ زَيْتٍ فِي قنادِيل ذُبَّالِ
وَهُوَ الذُّبَال الَّذِي يُوضَع فِي مِشْكاةِ الزُّجاجة الَّتِي تُسْرَجُ بهَا.
بذل: قَالَ اللَّيْث: البَذْلُ ضِدُّ المنْعِ، وكل من طابتْ نفسُه بإعطاءِ شيءٍ فَهُوَ باذلٌ، والبِذْلَةُ من الثِّياب مَا يُلْبَسُ فَلَا يُصان، ورجلٌ مُتَبَذِّل إِذا كَانَ يَلي العملَ بِنَفْسه، يُقَال: تَبَذل فِي عملِ كَذَا، وَقد ابْتَذَل نفسَه فِيمَا تولاَّه من عمله، ورجلٌ بذَّال، وبَذُول إِذا كَثُر بَذْلُه لِلْمَالِ، وفلانٌ صَدْقُ المُبْتَذَل، إِذا وُجِد صُلْباً عِنْد ابتِذالِه نَفْسَه، ومِبْذلُ الرجُل مِيدَعته، ومِعْوَزُه الثَّوْب الَّذِي يَبْتَذِلُه ويلبَسه.
وَيُقَال: استبذلْتُ فلَانا شَيْئا إِذا سألتَه أَن يَبْذُلَه لكَ فَبذَله. وفرسٌ ذُو صوْنٍ وابتِذَالٍ، إِذا كَانَ لَهُ حُضْرٌ قد صانه لوقتِ الْحَاجة إِلَيْهِ، وعَدْوٌ دونَه قد ابتَذلهُ.
ذ ل م
ذلم، ملذ، مذل، لذم، لمذ، ذمل.
ذمل: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذَّميلُ: اللَّيِّن من السَّيْر وَقد ذمَلَتْ الناقةُ تَذمِلُ ذمِيلاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذَّمِيلةُ المُعْيِيَةُ وَجمع الذامِلة من النوق الذوَامِلُ.
وَقَالَ أَبُو طَالب:
تَخُبُّ إِلَيْهِ اليَعْمَلاتُ الذوامِلُ
لذم: قَالَ اللَّيْث: اللَّذِمُ المُولَع بالشيءِ، وَقَالَ لَذِمَ بِهِ لَذَماً وَأنشد:
ثَبْتَ اللِّقاء فِي الحروب مِلْذَمَا

(14/312)


أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: لَذِمْتُ بِهِ لَذَماً، وضَرِيتُ بِهِ ضَرًى إِذا لَهِجْتَ بِهِ، وَأَلْزَمْتُ فلَانا بفلان إلْزاماً إِذا ألْهَجْتَه بِهِ، وَقَالَ غيرُه: أَلذِمْ لِفلانٍ كرامتَك أَي أَدِمْها لَهُ، واللُّزَمَةُ اللازِمُ للشيءِ لَا يُفارقُه.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للأرنب: حُذمَةٌ لُذَمَةٌ تَسْبِقُ الجمعَ بالأكمة، وَقَوله لُزمةٌ أَي لازِمةٌ للعَدْو وحُذمَةٌ إِذا عدت أَسْرَعَتْ.
مذل: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: المِذالُ من النِّفاق ورُوِي المِذَاء بالمدّ.
قَالَ أَبُو عبيد: المِذالُ أَصله أَن يَمْذُل الرجل بِسرِه أَي يَقْلَق، وَفِيه لُغتان مَذِل يَمْذَل ومَذَل يَمْذُل، وكُلُّ مَن قَلِق بِسِرِّه حَتَّى يُذيعه، أَو بِمَضْجَعِه حَتَّى يَتَحوَّل عَنهُ، أَو بِمَالِه حَتَّى يُنفِقَه فقد مَذلَ بِهِ.
وَقَالَ الْأسود بن يَعْفُر:
وَلَقَد أَرُوحُ عَلَى التِّجارِ مُرَجَّلاً
مَذِلاً بِمَالي لَيِّناً أَجْيادِي
وَقَالَ الرَّاعِي:
مَا بالُ دَفِّكَ بالفِراشِ مَذيلاً
أَقَذًى بِعَيْنِكَ أَمْ أَرَدْتَ رَحِيلاَ
وَقَالَ قيس بن الخطيم:
فَلا تَمذُلْ بِسرِّك كلُّ سِرِّ
إِذا مَا جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ فَاشى
قَالَ الْأَزْهَرِي: والمِذالُ أَنْ يَقْلَق بِفراشه الَّذِي يُضاجِع عَلَيْهِ امرأتَه ويتحول عَنهُ حَتَّى يَفْترِشَها غيرُه، وَأما المذاء بِالْمدِّ فَإِنِّي قد فسرته فِي مَوْضِعه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِمْذَلُ: الْكثير خَدَرِ الرِّجْل، والمِمْذلُ القَوَّادُ على أَهله، والمِمذلُ الَّذِي يَقْلَقُ بسرّه، وَيُقَال: مَذَلتْ رِجْلي تَمْذُلُ مَذْلاً، إِذا خَدِرَتْ وامْذَالتْ امْذِلالاً.
وَأنْشد أَبُو زيد فِي مَذَلَتْ رِجلُه إِذا خَدِرت:
وَإِن مَذَلَتْ رِجْلي دَعَوْتكِ أَشْتَفِي
بدعواكِ من مَذْلٍ بهَا فَتَهُونُ
وَقَالَ الْكسَائي: مَذِلْتُ من كلامك ومَضِضْتُ بِمَعْنى وَاحِد.
ملذ: قَالَ اللَّيْث: مَلَذَ فلانٌ يَمْلُذ مَلْذاً، وَهُوَ أَن يُرضِيَ صاحبَه بِكَلَام لَطيفٍ ويُسْمِعه مَا يَسُرُّه، ولَيْسَ مَعَ ذَلِك فِعْلٌ، وَرجل ملاَّذٌ ومَلَذَانٌ وَأنْشد فَقَالَ:
جِئتُ فَسلَّمتُ على مُعاذِ
تَسْلِيمَ ملاَّذٍ عَلَى ملاَّذِ
قَالَ الْأَزْهَرِي: والمَلْثُ والمَلْذُ وَاحِد، وَقَالَ الراجز وأنشده ابْن الْأَعرَابِي:
إِنِّي إِذا عَنَّ مِعَنٌّ مِتْيَحُ
ذُو نَخْوةٍ أَو جَدِلٍ بَلَنْدَحُ
أَوْ كَيْذُبانٌ مَلَذَانٌ مِمْسَحُ
والمِمْسَح الْكذَّاب.

(14/313)


ذلم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذَّلَمُ مَغِيضُ مَصَبِّ الْوَادي، واللُّذومُ لُزومُ الْخَيْر أَو الشَّرّ.

(أَبْوَاب) الذَّال وَالنُّون)
(ذ ن ف)
نفذ، فنذ.
نفذ: قَالَ اللَّيْث: نَفَذَ السهمُ من الرَّميَّة يَنفُذ نَفَاذاً، ورمَيْتُه فأَنْفذتُه، وَرجل نَافِذ فِي أَمْرِه وَهُوَ الْمَاضِي فِيهِ، وَقد نَفذ يَنْفُذ نَفَاذاً قَالَ: وَأما النَّفَذ فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي مَوضِع إِنْفَاذ الْأَمر.
يُقَال: قَالَ الْمُسلمُونَ بِنَفَذ الْكتاب، أَي بإنْفاذ مَا فِيهِ.
وَقَالَ قيس بن الْحطيم فِي شعره:
طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ القَيْسِ طَعْنَة ثائِرٍ
لَهَا نَفَذٌ لَوْلَا الشُّعاعُ أضاءها
أَرَادَ بالنَفَذ: المنفَذ.
يَقُول: نفذت الطعنة: أَي جَاوَزت الْجَانِب الآخر حَتَّى يُضيء نفذُها خَرْقَها وَلَوْلَا انتشارُ الدمِ الفائرِ لأبْصَرَ طاعِنُها مَا ورَاءها، أَرَادَ أَن لَهَا نَفَذاً أضاءها لَوْلَا شُعاع دَمهَا، ونَفَذُها: نُفُوذُها إِلَى الْجَانِب الآخر.
قَالَ اللَّيْث: النَّفاذ: الجَواز والخُلوص من الشَّيْء، تَقول: نفذتُ، أَي جُزتُ.
قَالَ: والطريقُ النافِذ الَّذِي يُسْلك وَلَيْسَ بمَسْدُودٍ بَيْنَ خَاصَّةٍ، دُون سُلُوكِ العامَّةِ إيَّاه.
وَيُقَال: هَذَا الطريقُ يَنفذُ إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا، وَفِيه مَنْفَذٌ للْقَوْم، أَي مَجازٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: من دَوائر الفَرَسِ دائرةٌ نافِذةٌ وَذَلِكَ إِذا كَانَت الهَقْعَةُ فِي الشِّقَّيْن جَمِيعًا، وَإِذا كانتْ فِي شِقَ وَاحِد فَهِيَ هَقْعَةٌ.
وَفِي الحَدِيث: (أيُّما رجل أَشَادَ على رجلٍ مُسلمٍ بِمَا هُوَ بريءٌ مِنْهُ كَانَ حَقًا على الله أَن يُعذبَه، أَو يأتيَ بِنَفَذٍ مَا) قَالَ أَي بالمخرج مِنْهُ، يُقَال: ائْتِنِي بِنَفذِ مَا قلتَ: أَي بالمَخرَج مِنْهُ.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إِنَّكُم مَجمُوعُون فِي صَعيدٍ وَاحِد يَنفُذكم البَصَرُ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: سمِعْتُ ابنَ عوفٍ يَقُول: يَنفُذهم.
يُقَال مِنْهُ: أنفَذتُ القومَ إِذا خَرَقْتَهم ومشيتَ فِي وَسطهمْ، فَإِن جُزْتَهم حَتَّى تَخْلُفَهم، قُلتَ: نَفَذتُهم أَنفُذهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى أَنه يَنْفُذهم بصرُ الرحمان، حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِم كلّهم.
وَقَالَ الْكسَائي يُقَال: نَفَذَنِي بصرُه يَنفُذني إِذا بَلَغَنِي وجاوَزني.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال للخُصُوم إِذا تَرافَعُوا إِلَى الْحَاكِم: قد تَنَافَذُوا إِلَيْهِ بالذَّال، أَي خَلَصوا إِلَيْهِ، فَإِذا أَدْلَى كلُّ وَاحِد مِنْهُم

(14/314)


بحُجَّته قيل: قد تَنَافَدُوا بِالدَّال أَي أَنْفَدُوا حجتهم.
وَالْعرب تَقول: سِرْ عَنْكَ وأَنْفِذْ عَنْك وَلَا معنى لِعَنْك.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ أَبُو المكارم: النَّوافِذُ كلُّ سَمَ يُوصِل إِلَى النْفس فَرَحاً أَو تَرَحاً، قلت لَهُ: سمِّها؟ فَقَالَ: الأصْرَانِ والخِنَّابَتَانِ والفَمُ والطِّبِّيجة، قَالَ: والأصْرَان ثَقْبا الأُذُنَيْن والخِنَّابَتَانِ سَمَّا الأنْف.
(فنذ) : الفَانِيذُ الَّذِي يُؤْكَل وَهُوَ حُلْوٌ، مُعرب.
(ذ ن ب)
بذن، ذَنْب، ذبن، نبذ: مستعملة.
بذن: قَالَ ابْن شُمَيْل فِي الْمنطق: بَأْذَنَ فلانٌ من الشَّرّ بَأْذَنَةً، وَهِي المُبَأْذَنَةُ مَصدر.
وَمثله قَوْله: أنائلاً تُريد أم مُعَتْرَسةً يُرِيد بالمعَتْرسةِ الفِعْلَ، مثل المُجاهدة تقوم مقَام الِاسْم.
ذبن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذُّبْنَةُ ذبول الشفتين من العَطَشِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: النُّون مُبْدَلةٌ من اللَّام أَصْلهَا الذُّبْلَة.
ذَنْب: قَالَ اللَّيْث: الذَّنْبُ الإثْمُ والمَعْصِيةُ والجميع الذُّنوب، والذَّنَب مَعْرُوف وَجمعه أَذْناب، وَيُقَال للمسيل مَا بَين التَّلْعَتَيْنِ: ذَنَبُ التَّلْعة، والذَّانِبُ التَّابِعُ للشَّيْء على أَثَرِهِ، يُقَال: هُوَ يَذْنِبُهُ أَي يتبعُه، والمَسْتَذنِب الَّذِي يَتْلُو الذنَبَ لَا يفارقُ أثرَه، وَأنْشد فَقَالَ:
مثل الأجيرِ اسْتَذنَبَ الرَّواحِلاَ
قَالَ الْأَزْهَرِي: وذَنَبُ الرَّجُلِ أتْباعُه، وأذنابُ الْقَوْم أتباعُ الرُّؤساء.
يُقَال: جَاءَ فلَان بِذَنبه أَي بأتباعه.
وَقَالَ الحطيئةُ يمدح قوما فَقَالَ:
قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهم
وَمن يُسوِّي بأنفِ الناقةِ الذنَبَا
وَهَؤُلَاء قوم من بني سعدِ بن زيدِ مناةَ، يُعرفون ببني أنفَ النَّاقة لقَوْل الحطيئة هَذَا، وهم يَفْتَخِرون بِهِ إِلَى الْيَوْم.
وَرُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه ذكر فِتنة فَقَالَ: إِذا كَانَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّين بِذَنْبه فتجتمع النَّاس إِلَيْهِ، أَرَادَ أَنه يَضْرِبُ فِي الأَرْض مُسرعاً بأتباعه الَّذين يَرَون رأيَه وَلم يُعرِّج على الْفِتْنَة، والذَّنُوب فِي كَلَام الْعَرَب على وُجُوه، من ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {الْمَتِينُ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} (الذاريات: 59) .
روى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الذَّنُوبُ من كَلَام الْعَرَب الدَّلْو العظيمةُ، وَلَكِن الْعَرَب تَذْهب بِهِ إِلَى النَّصيب والْحَظِّ، وَبِذَلِك جَاءَ فِي التَّفْسِير فَإِن الَّذين ظلمُوا،

(14/315)


أَي أشركوا حَظَّا من الْعَذَاب كَمَا نزل بالذين من قبلهم، وَأنْشد الْفراء:
لَهَا ذَنوبٌ وَلكم ذَنوبُ
فإنْ أَبَيْتُم فلنا القَلِيبُ
قَالَ: والذَّنوبُ بِمَعْنى الدَّلْو يُذكَّر ويُؤنَّث.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الذَّنوب فِيهَا مَاء قريب من المَلْءِ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذَّنُوبُ لحم المَتْنِ.
وَقَالَ غَيره: الذَّنُوبُ الفرسُ الطَّوِيل الذَّنَبِ، والذَّنُوبُ موضعٌ بِعَيْنِه.
وَقَالَ عَبِيد بن الأبرص:
أَقْفَرَ من أَهْلِه مَلْحُوبُ
فالقُطَبِيَّاتُ فالذنُوبُ
سَلمَة عَن الْفراء يُقَال: ذنَب الْفرس وذُنَابَى الطَّائِر وذُنابةُ الْوَادي، ومِذَنبُ النَّهر، ومِذنبُ القِدْر، وَجَمِيع ذُنَابَة الْوَادي الذَّنائِب، كَأَن الذُّنابةَ جمع ذَنبِ الْوَادي، وذِنَابٌ وذِنابَةٌ مثل جَمَلٍ وجِمالٍ وجِمالَةٍ ثمَّ جِمالات جمعُ الْجمع.
قَالَ الله عزّ وجلّ: {كَأَنَّهُ جمالت صفر} (المرسلات: 33) وذَنَب كلِّ شَيْء آخِره وَجمعه ذِنَابٌ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
ونَأْخُذ بعده بِذِنَابِ عَيْشٍ
أَجَبَّ الظّهْر ليسَ لَهُ سَنام
وَقَالَ ابْن بزرج: قَالَ الْكلابِي فِي طلبه جَمله: اللَّهُمَّ لَا يهديني لذُنانته غَيْرك، قَالَ: وَيُقَال: مَن لَك بذنابِ لَوْ قَالَ الشَّاعِر:
فَمن يَهْدِي أَخا لِذِنَابِ لوٍ
فأَرْشُوهُ فإنَّ الله جارُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الذُّنابَى الذَّنَبُ وَأنْشد:
جَمُومُ الشَّدِّ شائِلَةُ الذُّنَابَى
والذنَبَانُ: نَبْتٌ مَعْرُوف الْوَاحِدَة ذنَبَانَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَبَعض الْعَرَب تسميه: ذَنَبَ الثَّعْلَب، قَالَ: والتَّذنيبُ لِلضِّبابِ والفَراشِ وَنَحْو ذَلِك، إِذا أرادتْ التَّعاظُلَ والسِّفادَ.
وَأنْشد:
مثل الضِّبَابِ إِذْ هَمّتْ بتذنيب
قَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّمَا يُقَال للضَّب مُذَنِّبٌ إِذا ضَرَبَ بِذَنبه مَن يريدُه من مُحترِشٍ أَو حَيَّةٍ، وَقد ذَنَّبَ تذنيباً، إِذا فعل ذَلِك، وضَبٌّ أذْنبُ طويلُ الذَّنب.
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
لم يَبق مِن سُنّة الفَاروق نَعرِفه
إِلَّا الذُّنَيْبِي وَإِلَّا الدِّرةُ الخَلَقُ
قَالَ: الذُّنَيْبِيُّ ضَرْب مِن البُرود.
قَالَ: تَرَك ياءَ النِّسْبَة كَقَوْلِه:
مَتى كُنَّا لأمك مُقْنوِينا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا بَدَت نُكتٌ من الإرطاب، فِي البُسْر من قِبَل ذِنبها قيل: قد ذَنَّبتْ فَهِيَ مُذَنِّبةٌ، والرُّطَبُ

(14/316)


التَّذْنوب.
سَلمَة عَن الْفراء: جَاءَنَا بتَذْنوبٍ، وَهِي لُغَة بني أَسد، والتميمي يَقُول: التَّذْنوب والواحدة تَذْنُوبةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يَوْمٌ ذَنوبٌ طَوِيل الذَّنَب لَا يَنْقَضِي طولُ شَرِّه.
ابْن شُمَيْل: المِذْنَبُ كَهَيئَةِ الْجَدْوَل يَسيل عَن الرَّوْضَة مَاؤُهَا إِلَى غَيرهَا فَيَتَفَرَّق مَاؤُهَا فِيهَا، وَالَّتِي يسيل عَلَيْهَا المَاء مِذْنَبٌ أَيْضا؛ وأَذنابُ القلاع مآخيرها.
وَقَالَ اللَّيْث: المِذْنَبُ مَسيلُ ماءٍ بحضيض الأَرْض وَلَيْسَ بِجُدَ طويلٌ واسعٌ، فَإِذا كَانَ فِي سَفْح أَو سَند فَهُوَ تَلْعةٌ، ومَسيلُ مَا بَين التَّلْعتين ذَنَبُ التلْعة.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: المذَانِبُ المغَارِف وَاحِدهَا مِذْنبة. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وسودٍ مِن الصيدان فِيهَا مَذانِب
أَبُو عبيد: فَرَس مُذانِبٌ، وَقد ذَانبتْ إِذا وَقع ولَدُها فِي القُحْقُح، ودنا خروجُ السِّقْي وارتفع عَجْبُ ذنبها، وعَلِق بِهِ فَلم يَحْدِروه.
وَالْعرب تَقول: ركب فلَان ذَنَبَ الرّيح إِذا سبق فَلم يُدْرَكْ، وَإِذا رَضِيَ بحظٍ ناقصٍ قيل: ركب ذَنَب الْبَعِير، واتَّبع ذَنَبَ أمرٍ مُدْبرٍ يَتَحَسَّر على مَا فَاتَهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المُذَنَّبُ الذَّنَبُ الطَّوِيل، والمُذَنِّب الضَّب، والمِذْنبة والمِذْنَبِ المِغْرَفة، وأَذناب السوائل أسافل الأودية وَفِي الحَدِيث: لَا تمنع فلَانا ذَنَبَ تَلْعةٍ، إِذا وُصف بالذُّل والضَّعف والخِسَّة.
نبذ: قَالَ اللَّيْث: النّبْذُ: طرحُك الشيءَ من يدك أمامك أَو خَلفك، قَالَ: والمُنابذة انتباذ الْفَرِيقَيْنِ للحق، يَقُول: نابذناهم الْحَرْب ونَبذْنا إِلَيْهِم الْحَرْب على سَوَاء.
قَالَ الْأَزْهَرِي: المُنَابَذَة أَن تكون بَين فئتين، عهدٌ وهدنةٌ بعد الْقِتَال، ثمَّ أَرَادَا نقض ذَلِك الْعَهْد فينبذ كلُّ فريق مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه العهدَ الَّذِي توادَعا عَلَيْهِ، وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ} (الْأَنْفَال: 58) الْمَعْنى: إِذا كَانَ بَيْنك وَبَين قوم هُدْنَةٌ فخِفتَ مِنْهُم نَقْضاً للْعهد، فَلَا تُبَادِرْ إِلَى النقْض وَالْقَتْل، حَتَّى تُلقِيَ إِلَيْهِم أَنَّك قد نقَضْتَ مَا بَيْنَك وَبينهمْ فَيَكُونُوا مَعَك فِي عِلْم النقْض والعَوْد إِلَى الْحَرْب مُستَوِين، وَيُقَال: جلس فلَان نَبْذَة ونُبذَة أَي نَاحيَة، وانتبذ فلَان نَاحيَة: إِذا انْتحى نَاحيَة، وَقَالَ الله عزّ جلّ فِي قصَّة مَرْيَم: {انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (مَرْيَم: 16) . وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَن المُنابذة والمُلامسة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المُنَابَذةُ: أَن يَقُول الرجل لصَاحبه: انْبِذْ إليَّ الثوبَ أَو غَيره من الْمَتَاع، أَو أَنْبذُه إليكَ، وَقد وَجَبَ البيعُ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ وَيُقَال: إِنَّمَا

(14/317)


هِيَ أَن تَقول: إِذا نَبذتُ الْحَصَاة إِلَيْك فقد وَجَبَ البيعُ، وَمِمَّا يحقّقه الحَدِيث الآخر أَنه نهَى عَن بيع الْحَصَاة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِنْبذَة الوِسادة، المنْبوذون هم أَوْلَاد الزِّنى الَّذين يُطرحون. قَالَ الْأَزْهَرِي: المنْبوذ الْوَلَد الَّذِي تَنْبِذُه والدتُه حِين تلده فَيلْتَقِطُه الرجل، أَو جمَاعَة من الْمُسلمين ويقومون بأَمْره ومؤونته ورَضاعه، وَسَوَاء حَملته أمه من نِكاح أَو سِفاح، وَلَا يجوز أَن يُقَال لَهُ: وَلَدُ زِنى لما أمْكن فِي نَسَبه من الثَّبَات، والنَّبيذ مَعْرُوف؛ وَإِنَّمَا سُمِّي نبيذاً لِأَن الَّذِي يَتخذه يَأْخُذ تَمرا أَو زبيباً فيَنبذه، أَي يُلْقيه فِي وِعاء أَو سِقاءٍ، ويَصُبُّ عَلَيْهِ المَاء ويتركه حَتَّى يفورَ ويَهْدِر فَيصير مُسكراً، والنَّبْذُ الطرحُ، وَمَا لم يَصِرْ مُسْكراً حَلَال فَإِذا أسكر فَهُوَ حرَام.
وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تَحُدَّ على مَيِّت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوجٍ فَإِنَّهَا تَحُدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وعَشْراً، وَلَا تَكْتَحِل وَلَا تَلْبَس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عَصْب وَلَا تَمَسُّ طيبا إِلَّا عِنْد أَدنَى طهرهَا، إِذا اغْتَسَلت من مَحيضها) .
نُبْذَة قُسْطٍ وأظْفارٍ، يَعْني قِطعةً مِنْهُ.
وَيُقَال للشاةِ المهزولة الَّتِي يُهملها أَهلهَا: نَبِيذةٌ؛ وَيُقَال: لما يُنْبَثُ من تُراب الحفْرة: نبيثَةٌ، ونبيذَة، وَجَمعهَا النبائِتُ والنبائذُ؛ وَيُقَال: فِي هَذَا العِذْق نَبْذٌ قليلٌ من الرُّطَب، ووَخْزٌ قَلِيل، وَهُوَ أَن يُرْطب مِنْهُ الخَطِيئة بعد الخَطِيئة.
وَفِي حَدِيث عديّ بن حَاتِم أَنه لما أتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر لَهُ بِمِنْبَذَةٍ، وَقَالَ: إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه، والمنْبَذَة: الوسادة سميت مِنْبَذَةً لِأَنَّهَا تُنْبَذُ بِالْأَرْضِ أَي تطرح للجلوس عَلَيْهَا.
ذ ن م
مُنْذُ: قَالَ اللَّيْث: مُنْذُ، النُّون والذَّال فِيهَا أصلِيّتان، وَقيل: إِن بِناء مُنْذ مأخوذٌ من قَوْلك مِن إذْ، وَكَذَلِكَ مَعْنَاهَا من الزَّمَان إِذا قلت: مُنْذُ كَانَ، مَعْنَاهُ: مِن إذْ كَانَ ذَلِك، فَلَمَّا كَثُر فِي الْكَلَام طُرِحَت همزتُها، وجُعِلتا كلمة وَاحِدَة ورُفِعت على توهم الْغَايَة.
وَقَالَ غَيره: مُنْذُ ومُذْ من حُرُوف الْمعَانِي: فأَمَّا مُنْذُ فَإِن أكثرالعرب تخْفِضُ بِها مَا مضى وَمَا لم يمض وَهُوَ الْمجمع عَلَيْهِ، واجتمعوا على ضم الذَّال فِيهَا عِنْد السَّاكِن والمتحرك كَقَوْلِك: لم أره مُنْذُ يومٍ ومُنْذُ اليومِ؛ وَأما مُذْ فإِن الْعَرَب تخفِضُ بهَا مَا لم يمْضِ وترفَعُ مَا مضى قَالَ: ويسكنون الذَّال إِذا وَلِيَها مُتحرك ويضمونها إِذا وَلِيها سَاكن، يَقُولُونَ: لم أرَهُ مُذْ يَوْمَانِ وَلم أرَهُ مُذُ اليومِ، وَهَذَا

(14/318)


قَول أَكثر النَّحْوِيين. وَفِي مُنْذُ ومُذْ لُغَات شَاذَّة، تَتَكَلَّمُ بهَا الخطِيئَةُ من أَحيَاء الْعَرَب فَلَا يُعْبَأ بهَا فإِن جُمْهُور الْعَرَب على مَا بَينته لَك، وسُئِلَ بعض النَّحْوِيين: لم خَفَضُوا بِمُنْذُ، وَرفعُوا بِمُذْ؟ فَقَالَ: لِأَن مُنْذُ كَانَت فِي الأَصْل مِنْ إذْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَكَثُر استعمالهم لَهَا فِي الْكَلَام، فحذِفَتْ الْهمزَة وضَمةُ الْمِيم، وخَفَضوا بهَا على عِلَّةِ الأَصْل؛ وَأما مُذْ فَلَمَّا حَذَفوا مِنْهَا النونَ ذَهَبتْ مِنها علامةُ الْآلَة الخافِضَة وضمُّوا الْمِيم فِيهَا، ليَكُون أمتن لَهَا، وَرفعُوا بهَا مَا مَضى مَعَ سُكون الذَّال، ليُفَرِّقوا بَين مَا مضى، وَبَين مَا لم يمضِ.
قَالَ الْفراء فِي مُذْ ومُنْذُ: هما مَبْنِيَّتان مِنْ مِنْ، ومِنْ ذُو، الَّتِي بِمَعْنى الَّذِي فِي لُغَة طيىء. فإِذا خُفِضَ بهما أجريتا مُجرى مِنْ، وَإِذا رُفِعَ بهما مَا بعدهمَا أُجْرِيتا مُجرى، إِضْمَار مَا كَانَ فِي الصِّلَة كَأَنَّهُ قَالَ: من الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ؟ .
ذ ف ب ذ ف م: أهملت وجوهها كلهَا.

(بَاب الذَّال وَالْبَاء مَعَ الْمِيم)
ذ ب م
بذم: قَالَ اللَّيْث: البَذْمُ مصدر البَذِيمِ وَهُوَ العَاقِلُ الغَضَبِ من الرجل، يَعْلَم مَا يُغْضَبُ لَهُ، يُقَال: بَذُمَ بَذَامةً، وَأنْشد فَقَالَ:
كَريمُ عُروقِ النَّبْعَتَيْن مُطَهَّرٌ
ويَغْضَبُ مِمَّا فِيهِ ذُو البَذْم يَغْضَبُ
أَبُو عُبيد: البُذْمُ الاحتمالُ لِما حُمِّل.
وَقَالَ الْأمَوِي: البُذْم: النَّفْس.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبيدة وَأَبُو زيد: البُذْم: القُوَّةُ والطَّاقَةُ، وَأنْشد:
أَنُوءَ بِرِجلٍ بهَا بُذْمُها
وأَعْيَتْ بهَا أُخْتُها الآخِرَهْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البَذيمُ من الأفواه المتَغَيِّرُ الرَّائِحَة. وَأنْشد:
شَمِمْتُها بِشاربٍ بَذِيمِ
قد خَمَّ أَو قد هَمَّ بالخُمُومِ
وَقَالَ غَيره: أبْذَمت النَّاقة وأَبْلَمَتْ إِذا وَرِمَ حَياؤها من شِدَّةِ الضَّبَعَةِ، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي بَكَرات الْإِبِل.
وَقَالَ الراجز:
إِذا سَما فَوْق جَمُوحٍ مِكْتامْ
من غَمْطِهِ الإِثْنَاء ذاتَ الإبْذَامْ
يَصِفُ فِيهَا فَحْل إبلٍ أُرسل فِيهَا، أرادَ أَنه يَحْتَقِرُ الإِثْنَاءَ ذاتِ البَلَمة فَيَعْلُو النَّاقة الَّتِي لَا تَشُول بِذَنَبِها وَهِي لاقِحٌ كأَنها تَكْتُم لَقاحها.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: البَذِيمةُ الَّذِي يَغْضَبُ فِي غير مَوضِع الْغَضَب. والبَزِيمَةُ الْمُرْسلَة مَعَ القِلادة.
انْتهى وَالله أعلم.

(14/319)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل من حرف الذَّال [/ كت]

(بَاب الذَّال وَالرَّاء)
ذ ر (وايء)
ذَرأ ذرا ذأر وذر ذير روذ رذي.
ذَرأ: قَالَ اللَّيْثُ: يُقال: ذَرأَ اللَّهُ الخَلْق يَذْرَؤُهم ذَرْءاً.
ومِن صِفات الله: الذَّارِىءُ، وَهُوَ الَّذِي ذَرَأ الخَلْق، أَي خَلَقهم، وَكَذَلِكَ البارِىءُ.
وَقَالَ الله تعالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} (الْأَعْرَاف: 178) أَي خَلَقْنا.
وَقَالَ عزّ وجلّ: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الاَْنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ} (الشورى: 11) .
قَالَ أَبُو إسْحَاق: المَعْنَى: يَذْرَؤكم بِهِ، أَي يُكَثّركم، يَجْعله مِنْكُم وَمن الأَنْعام أَزْوَاجاً، ولذلكَ ذكر الْهَاء فِي {فِيهِ} ؛ وأَنْشد الفَرّاء فِيمَن جَعَلَ (فِي) بمَعْنى الْبَاء:
وأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقِيطٍ ورَهْطِه
ولكنَّني عَن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ
أَي أَرْغب بهَا.
قلتُ: وَقَالَ الفَرّاءُ فِي تَفسير الآيةِ نَحوا مِمَّا قَالَ الزجَّاج، وَهُوَ صَحِيح.
أَبُو عُبَيد، عَن الأَحْمر: أَذْرأَنِي فلانٌ وأَشْكَعني، أَي أَغْضَبني.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: أَذْرَأْتُ الرَّجُل بصَاحِبه إذْرَاءً، إِذا حَرَّشْتَه عَلَيْهِ وأَوْلَعْتَه بِهِ.

(15/5)


وَقَالَ اللَّيْثُ: ذَرَأْتُ الأَرْضَ، أَي بَذَرْتها.
وزَرْعٌ ذَرِيءٌ.
قَالَ: والذَّرْءُ: عَدَدُ الذُّرِّيّة، تَقول: أَنْمَى الله ذَرْءَك وذَرْوَكَ، أَي ذُرِّيّتَك.
والذُّرِّيَة تَقَع على الآبَاء والأبْناء والأوْلاد والنِّساء.
قَالَ الله جَلّ وعزّ: {) فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (يس: 41) أَرَاد آبَاءَهم الَّذين حُمِلوا مَعَ نُوح فِي السَّفِينة.
وَقَالَ عُمر: حُجُّوا بالذُّرِّيَّة لَا تَأْكُلوا أرْزَاقها وتَذَرُوا أَرْبَاقها فِي أَعْناقِها.
قَالَ أَبُو عُبَيد: أَراد بالذّريةَ هَا هُنَا النِّساء، واسْتَدلّ بِحَدِيث مَرْفوع: كُنّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزاة فَرَأى امْرأة مَقْتولةً، فَقَالَ: (مَا كَانَت هَذِه لتُقاتِلَ) . ثمَّ قَالَ لرَجُلٍ: (الْحَقْ خَالِدا فقُل لَهُ: لَا تَقْتُلنّ ذُرِّيةً وَلَا عَسِيفاً) .
وذَهب جمَاعَة مِن أهل العَربيّة إِلَى أنّ (ذُرّية) أَصْلها الهَمز. رَوى ذَلِك أبُو عُبَيد عَن أَصْحابه، مِنْهُم: أَبُو عُبَيْدة ويونُس وَغَيرهمَا من البَصْرِيِّين.
وذَهب غيرُهم إِلَى أَن أصل (الذُّرّية) فُعْلِيّة، من الذَّرّ، وَقد مَرَّ تَفْسِيرُها فِي أَوَّل كتاب الذَّال.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} ثمَّ قَالَ: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} (آل عمرَان: 34) .
قَالَ أَبُو إسْحاق: نَصَب {ذُرِّيَّة على البَدَل. المَعْنَى: أنّ الله اصْطَفى ذُرِّية بعضُها مِن بَعْض.
قلتُ: فقد دَخل فِيهَا الآبَاء والأبْنَاء.
قَالَ أَبُو إسْحاق: وجائزٌ أنْ تُنْصَب ذُرِّيَّةٌ} على الْحَال، المَعْنى: اصْطفاهم فِي حَال كَون بَعْضهم مِن بَعْض.
وقولُه عزّ وجلّ: {بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ} (الطّور: 21) يُريد: أَوْلاَدَهم الصِّغار.
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَاب: يُقَال: ذَرَاتُ الوَضِينَ، إِذا بَسَطتَه على الأرْض.
قلتُ: هَذَا تَصْحيف مُنكر، والصَّواب: ذرَأْتُ وضِينَ البَعِير: إِذا بَسَطْتَه ثمَّ أَنَخْته لتَشُدّ الرَّحْل عَلَيْهِ، وَقد مَرَّ تَفْسيره فِي كتاب (الذَّال) .
وَمن قَالَ: (ذرأت) بِهَذَا المَعنى فقد أَخطأ وصَحَّف.
الأصْمعيّ: ذَرِىء رَأْسُ فلانٍ، فَهُوَ يَذْرَأ ذَرَءاً، إِذا ابْيَضّ؛ وَقد عَلَتْه ذُرأَةٌ، أَي شَيْبٌ؛ وأَنشد:
وَقد عَلَتْني ذُرأَةٌ بَادِي بَدِي
ورَئْيَةٌ تَنْهَضُ فِي تَشَدُّدِي
قَالَ: وَمِنْه يُقَال: جَدْيٌ أَذْرَأُ، وعَنَاقٌ

(15/6)


ذَرْآء، إِذا كَانَ فِي رَأْسِها بَيَاضٌ.
ومِلْحٌ ذَرْآنِيٌّ وذَرَآنيٌّ: مُخَفَّفاً، والتَّثْقِيل أَجْود، أَي شَدِيد البَياض.
وَقَالَ النَّضْر: الزَّرْع أوّل مَا تَزْرعه تُسَمِّيه: الذَّرِيء.
وَقد ذَرَأْنَا أَرْضاً، أَي بَذَرْناها.
وبَلَغني عَن فُلانٍ ذَرْءٌ مِن قَوْل، إِذا بَلَغك طَرَفٌ مِنْهُ وَلم يَتَكامَلْ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: هُوَ الشَّيء اليَسِير مِن القَوْل.
وَقَالَ صَخْر بن حَبْنَاء:
أَتانِي عَن مُغِيرةَ ذَرْءُ قَوْلٍ
وَعَن عِيسَى فقلتُ لَهُ كذاكا
ذرا: قَالَ اللَّيْثُ: يُقال: ذَرَت الرّيح التُّرابَ تَذْرُوه ذَرْواً، إِذا حَمَلَتْه فأَثَارَتْه.
ويُقال: ذَرْيتَ الطَّعام، وذَرَوْته، تَذْرِيةً وذَرْواً.
والخَشَبة الَّتِي تُذَرِّي بهَا الطَّعَامَ يُقال لَهَا: المِذْرَاة.
قَالَ: والذَّرى: اسْم لما تَذْرُوه، مِثلَ النَّفَض، اسْمٌ لما تَنْفُضه.
قَالَ رُؤْبة:
كالطِّحْنِ أَو أَذْرَت ذَرًى لم يُطْحَنِ
يَعْني: ذَرْوَ الرِّيح: دُقَاق التُّرَاب.
قَالَ: والذَّرَى: مَا كَنّك من الرّيح الْبَارِدَة، مِن حَائِط أَو شَجر، يُقال: تَذَرَّ مِن الشَّمال بذَرًى.
ويُقال: سَوُّوا للشَّوْل ذَرًى مِن البَرْد، وَهُوَ أَن يُقْلَع الشَّجَرُ مِن العَرْفج وَغَيره فيُوضَع بعضُه فَوق بَعْض مِمَّا يَلِي مَهَبّ الشَّمال، يُحْظَر بِهِ على الْإِبِل فِي مَأْوَاها.
والذَّرَى: مَا انْصَبّ مِن الدَّمع، وَقد أَذْرت العَيْنُ الدَّمْع، تُذْرِيه إذْرَاءً وذَرًى.
شَمِرٌ، عَن ابْن الأعْرابيّ وَابْن شُمَيل: ذَرَت الرّيحُ التُّرَابَ، وأَذْرَتْه.
قَالَ شَمِرٌ: ومَعنى (أَذْرَته) : قَلَعَته ورَمَتْ بِهِ.
قَالَ: وهما لُغتان: ذَرَت الرّيحُ التُّرابَ تَذْرُوه وتَذْرِيه.
وَقَالَ أبُو الهَيْثم: ذَرَت الرّيح التُّراب: طَيَّرته، وأَنكر (أذْرَته) ، بمَعْنَى: طَيَّرته.
وَقَالَ: إِنَّمَا يُقال: أذْرَيْت الشَّيْء عَن الشَّيْء: إِذا ألقَيته، قَالَ امْرُؤُ القَيْس:
فتُذْرِيك من أُخْرى القَطَاة فتَزْلَقِ
وَقَالَ: ومَعْناه: تسْقط وتَطْرح.
قَالَ: والمُنْخُل لَا يَرفع شَيْئاً إِنَّمَا يُسْقِط مَا دَقّ ويُمْسك مَا جَلّ.
قَالَ: والقُرآن وكلامُ العَرب على هَذَا، قَالَ الله تَعالى: {} (الذاريات: 1) يَعْني: الرِّياح.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {تَذْرُوهُ الرِّياحُ} (الْكَهْف: 46) .

(15/7)


قلتُ: وأَخْبرني المُنذريّ عَن أبي عَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: ذَرَّت الرّيح وأَذْرت، إِذا ذَرَت التُّراب.
قَالَ: ويُقال: ذَرَوْتُ الحِنْطَة أَذْرُوها ذَرْواً.
قلت: وَهَذَا يُوافق مَا رَواه شَمِرٌ عَن ابْنِ الأعْرابيّ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الإذْرَاءُ: ضَرْبُك الشيءَ تَرْمِي بِهِ، تَقول: ضَرَبْتُه بالسَّيف فأَذْرَيْتُ رَأْسَه، وطَعَنْتُه فأَذْرَيْتُه عَن فَرسه، أَي صَرَعْتُه.
والسَّيْفُ يُذْرِي ضَرِيبَته، أَي يَرْمِي بهَا.
وَقَالَ الأصْمَعيّ: ذَرا فُلانٌ يَذْرُو، أَي مَرَّ مَرّاً سَرِيعاً.
قَالَ العَجَّاج:
إِذا مُقْرَمٌ مِنّا ذَرَا حَدُّ نابِه
تَخَمَّط فِينَا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ
قَالَ: وريحٌ ذارِيةٌ: تَذْرُو التُّرَابَ، ومِن هَذَا: تَذْرِية النَّاسِ الحِنْطة.
قَالَ: وأَذْرَيْتُ الشيءَ: إِذا مَا أَلْقيته، مِثل إلْقائك الحبّ للزَّرْع.
قَالَ: ويُقال للَّذي تُحمل بِهِ الحِنْطة لتُذَرَّى: المِذْرَى.
وفلانٌ يذَرِّي فلَانا، وَهُوَ أَن يَرفع من أَمره ويَمْدحَه، وأَنْشد:
عَمْداً أُذَرِّي حَسبِي أَن يُشْتَما
بهدر هَدَّارٍ يَمُجّ البَلْغَما
ويُقال: فلانٌ فِي ذَرَى فُلانٍ، أَي فِي ظِلّه.
ويُقال: استَذْر بِهَذِهِ الشَّجرة، أَي كُن فِي دِفْئها.
أَبُو عُبَيد: المِذْرَى: طَرَفُ الألْيَة؛ والرَّانِفَةُ: ناصِيَتُها، وأَنْشد:
أحَوْلي تَنْفُضُ آسْتُك مِذْرَوَيْها
لِتَقْتُلني فها أَنذا عُمَارَا
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ غيرُه: المِذْرَوان: طَرَف الأَلْيَتين؛ وَلَيْسَ لَهما واحِدٌ. قَالَ: وَهَذَا أَجود القَوْلين؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهما واحِدٌ فقِيل: (مِذّرَى) لقِيل فِي التثْنية: مِذْرَيان.
وَقَالَ الأَصْمَعيّ: المِذْرَوان من القَوْس أَيضاً: المَوْضِعان اللّذان يَقَع عَلَيْهِمَا الْوَترُ من أَسْفل وأَعْلَى، وأَنشد بيتَ الهُذليّ:
على عَجْسِ هَتَّافة المِذْرَوَيْ
ن زَوْراء مُضْجَعةِ فِي الشّمَالِ
وَقَالَ الْحَسنُ البَصْريّ: مَا نشَاء أَنْ تَرى أَحَدهم يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه؟ يَقُول: هأنذا فَاعْرِفُوني.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المِذْرَوان كَأَنَّهُمَا فَرْعَا الأَلْيَتَين، وَأنْشد بَيت عَنْترة.

(15/8)


وَقَالَ غيرُه: المِذْرَوان: طَرَفُ كلِّ شَيْء. وَأَرَادَ الْحسن بهما فَرْعَي المَنْكِبَين، يُقال ذَلِك للرَّجُل إِذا جَاءَ بَاغِيا يتهدّد. هَكَذَا قَالَ أَبُو عَمْرو.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زَيْد: تَذَرَّيْتُ بني فلانٍ وتَنَصَّيْتُهم، إِذا تَزَوَّجت مِنْهُم فِي الذِّرْوَة والنَّاصِية، أيْ فِي أهل الشَّرف والعُلاَ.
يُقال: نَعْجَةٌ مُذَرَّاةٌ، وكَبْشٌ مُذَرًّى، إِذْ أُخِّر بَين الكَتِفين فيهمَا صُوفة لم تُجَزَّ، وَقَالَ سَاعِدَة الهُذليّ:
وَلَا صُوارٌ مُذَرَّاةٌ مَنَاسِجُها
مِثْلُ الفَرِيد الَّذِي يَجْرِي مِن النُّظُمِ
وذِرْوَةُ كلِّ شيءٍ: أَعْلاه؛ وَالْجمع: الذُّرَى.
وذِرْوَة: اسْم أَرْضٍ بالبادية.
وذَروة: اسْم رَجُلٍ.
وذِرْوَةُ الصُّمَّان: عَالِيَتُها.
أَبُو زَيد: إنّ فلَانا لكريمُ الذَّرَى، أَي كَرِيم الطَّبيعة.
وَقَالَ غيرُه: الذّرَة: حَبٌّ يُقَال للواحدة: ذُرَةٌ؛ ويُقال لَهُ: أَرْزَن.
وَفِي حَديث أبي بكر: ولَتألَمُنَّ النَّوْمَ على الصُّوف الأذْرِيّ كَمَا يألم أحدُكم النَّوْمَ على حَسَك السَّعْدان.
قَالَ المُبرّد: الأذْرِي، مَنْسوب إِلَى أَذْرَبيجان. وَكَذَلِكَ تَقُول العربُ، قَالَ الشَّمّاخ:
تَذَكَّرتُهَا وَهْناً وَقد حَال دُونَها
قُرَى أَذْرَبِيجان المَسالِحُ والجَالُ
قَالَ العُتبي: المِذْرَوَان: الجانبان مِن كُلّ شَيء، تَقول العربُ: جَاءَ فلانٌ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْه، ويَهُزّ عِطْفَيْه، ويَنْفُضُ مِذْرَوَيْه، وهمَا مَنْكِباه.
ويُقال: قَنَّع الشَّيْبُ مِذْرَوَيْه، يُريد جَانِبي رَأْسِه، وهما فَوْداه، سُمِّيا مِذْرَوَيْن، لِأَنَّهُمَا يَذْرِيان، أَي يَشِيبَانِ. والذرَى، هُوَ الشَّيْبُ. وَقد ذَرِيت لِحْيَتُه، ثمَّ اسْتُعير للمنْكِبين والأَلْيَتين والطَّرَفين؛ قَالَ الهُذْليّ:
على عَجْسِ هَتّافة المِذْرَوَيْ
ن زَوْراء مُضْجَعة فِي الشَّمَالِ
ذأر: رُوي فِي الحَديث أنّه قِيل: إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمّا نَهى عَن ضَرْب النِّساء ذَئِرْن على أَزْواجهنّ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصمَعِيّ: أَي نَفَرْنَ ونَشَزْنَ واجْتَرَأن، يُقال مِنْهُ: امْرأةٌ ذَئِر، على مِثَال فَعِل، وَقَالَ عبِيدُ بن الأبْرص:
لمّا أَتَانِي عَن تَمِيم أنَّهم
ذَئِرُوا لِقَتْلَى عامِرٍ وَتَغضَّبُوا
يَعني: نَفَروا مِن ذَلِك وأَنْكروه. ويُقال: أَنِفُوا مِن ذَلِك.
ثَعلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: الذّائِر:

(15/9)


الغَضْبان. والذَّائر: النَّفُور. والذَّائِرُ: الأنِف.
أَبُو عُبَيد: ذاءَرَت الناقةُ، على فاعلت، فَهِيَ مُذَائِر، إِذا سَاءَ خُلُقها، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا نَشَزَت، قَالَ الحُطَيْئة: (ذارَت بأَنْفها) من هَذَا مُخَفَّفة.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: ناقةٌ مُذَائِر، وَهِي الَّتِي تَرأَم بأَنْفها وَلَا يَصْدُق حُبُّها.
وَقَالَ اللَّيْثُ: ذَئِر، إِذا اغْتاظ على عَدوّه واسْتَعَدّ لمُواثَبته.
قَالَ: وأَذأَرْتُه، أَي أَلْجأتُه.
وَقَالَ غيرُه: أَذأَرتُ الرجل بفلان، إِذا حرَّشته وأَوْلَعْتَه بِهِ، فذَئِر بِهِ.
ذير: قلت: والذِّيَارُ، غَير مَهْموز، هُوَ البَعَر الرَّطْب الَّذِي تُضمَّدُ بِهِ أَخْلاَفُ النَّاقة ذاتِ اللَّبن، إِذا أَرادُوا صَرَّها لئلاّ يؤَثِّر فِيهَا الصِّرار.
وَقد ذَيَّرَ الرَّاعِي أَخْلافها، إِذا لَطَّخها بالذِّيار.
وَقَالَ أَبو صَفْوان الأسَديّ يَهْجُو ابْن مَيّادة، ومَيّادة كَانَت أُمّه:
لَهْفِي عَلَيْكَ يابْن مَيّادَة الّتي
يكونُ ذِياراً لَا يُحَتّ خِضَابُها
إِذا زَبَنتْ عَنْهَا الفَصيلَ برِجْلِها
بَدَا من فُروج الشَّمْلَتيْن عُنَابُها
أَراد بعُنَابها: بَظْرَها.
وَقَالَ اللَّيْثُ: السِّرقين الَّذِي يُخْلَط بالتُّراب يُسمَّى قَبل الخَلْطِ خُثّةً، فإِذا خُلِط فَهُوَ ذِيرَةٌ، فَإِذا طُلِي على أَطباء الناقةِ لِكَيْلا يَرْضَعَها الفَصيلُ فَهُوَ ذِيَار، وأَنشد:
غَدَتْ وَهِي مَحْشُوكةٌ حافِلٌ
فَرَاخَ الذِّيَار عَلَيْهَا صَخِيمَا
وذر: فِي حَديث عُثمان رَحمه الله أَنّه رُفع إِلَيْهِ رَجُل قَالَ لآخَر: يَا بْنَ شامّة الوَذْرِ، فحَدَّه.
قَالَ أَبو عُبَيد: هِيَ كلمةٌ مَعْناها القَذْف.
قَالَ: والوَذْرَة: القِطْعَةُ من اللَّحم، مثل الفِدْرة. وإنّما أَراد: يَابْنَ شامّة المَذَاكير، فكَنّى عَنهُ، وَكَانَت العربُ تُسَابّ بهَا. وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهُ: يَا بن ذَات الرَّاية، وَيَا بن مُلْقَى أَرْحُل الرُّكْبَان.
وَقَالَ أَبو زَيد: فِي قَوْلهم: يَا بن شامّة الوَذْر، أَرادوا بهَا القُلَف.
قَالَ: والوَذْرُ: بَضْع اللَّحْم.
وَقد وَذَرْتُ الوَذْرَةَ أَذِرُها وَذْراً، إِذا بَضَعتها بَضْعاً.
أَبو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الوَذَفة والوَذَرة: بُظَارة المَرْأَة.
وأَخْبرني المُنذريّ، عَن الحَرَاني، عَن ابْن السّكيت: قَالَ: يُقال: ذَرْذَا، ودَعْ ذَا، وَلَا يُقال: وذَرْتُه، وَلَا وَدَعْتَه. وأَمّا فِي الْحَاضِر فيُقال: يَذَرُه ويَدَعُه. وَلَا يُقال:

(15/10)


وَاذرٌ، وَلَا وَادِعٌ، وَلَكِن يُقال: تَرَكْتُه فأَنا تَارِكٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: العربُ قد أَماتت المَصْدر من (يَذر) والفِعْل الْمَاضِي، واسْتَعْملته فِي الْحَاضِر والأمْر، فإِذا أَرَادُوا المَصْدر قَالُوا: ذَرْه تَرْكاً.
وثَريدة كَثِيرَة الوَذْرِ، أَي كَثيرة قِطع اللَّحم.
وَقَوله: {يَسِيرٍ ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (المدثر: 11) أَي كِلْه إليَّ فإنِّي أُجَازِيه وأَكفيك أَمْره.
وَفِي حَديث أُمِّ زَرْع: إنّي أَخاف أَنْ لَا أَذَره.
قَالَ أَبو بكر: قَالَ ابْن السِّكّيت: مَعْنَاهُ: إنّي أَخاف أَن لَا أَذَر صِفَته وَلَا أَقْطَعها من طُولها.
قَالَ أَحمد بن عُبَيد: مَعْناه: أَخاف أَلاّ أَقْدر على فِراقه لأنَّ أَوْلادي مِنْهُ والأسْباب الَّتِي بَينِي وبَيْنه.
روذ: أَبو العبَّاس، عَن ابْن الأعْرابيّ: الرَّوْذَةُ: الذَّهَابُ والمَجيء.
قلت: هَكَذَا قيْد الْحَرْف فِي نُسْخَة مقيّدة بِالذَّالِ. وَأَنا فِيهَا وَاقِف. ولعلّها: رَوْدَة، من: رَادَ، يَرُود.
رذي: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّذِيّ: المَترُوك الهالِكُ من الإبِل الَّذِي لَا يَسْتطيع بَرَاحاً؛ والأُنْثَى رَذِيّة، والفِعْلُ رَذِيَ يَرْذَى رَذَاوَةً، وَقد أَرْذَيْتُه.
وَفِي حَديث يُونُس: فَقَاءه الحُوتُ رَذِيَّا.
ثَعْلب، عَن ابْن الأَعرابيّ: الرَّذِيّ: الضَّعِيفُ مِن كُلّ شَيءٍ؛ قَالَ لَبِيد:
يَأْوي إِلَى الأَطْناب كُلُّ رَذِيَّةٍ
مِثْلُ البَلِيَّة قالِصاً أَهْدَامُها
أَراد: كُلَّ امرأَة أَرْذاها الجُوع تَتَعرَّض سائِلةً. ورَذِية، فعيلة بِمَعْنى مفعولة.
والمُرْذَاةُ: الَّتِي قد هَزَلها الجُوع والسُّلال. والسُّلاَلُ: داءٌ باطِنٌ مُلازِمٌ للجَسد لَا يَزَال يَسُلّه فيُذِيبُه.

(بَاب الذَّال وَاللَّام)
ذ ل (وايء)
ذلا (اذلولى) ، ذال، ذأل، وذل، لَاذَ.
ذلا (اذلولى) : أَبو العبّاس، عَن ابنِ الأعرابيّ: اذَلَوْلَى، إِذا أَسْرع مخافَة أَن يَفُوتَه شَيءٌ.
واذْلَوْلَيْت، أَي انْكَسر قَلْبِي.
أَبو عُبَيد، عَن أَبي زَيد: يُقال: اذلَوْلَيْت اذْلِيلاَءً، وتَذَعْلَبْتُ تَذَعْلُباً، وهما انْطِلاقٌ فِي اسْتِخْفَاء.
وَقَالَ أَبو مالكٍ عَمْرو بنُ كِرْكرَة: اذْلَوْلَى ذَكَرُه، إِذا قَام مُسْتَرْخياً.
واذْلَوْلَى فَذَهب: إِذا وَلَّى مُتقَاذِفاً.

(15/11)


ورِشَاءٌ مُذْلُول، إِذا كانَ يَضْطَرِب.
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: تَذَلَّى فلانٌ، إِذا تَوَاضَع.
قلتُ: وأَصْله: تَذَلّل، فكثُرت اللاَّمات، فقُلبت أخْراهن يَاء، كَمَا قالُوا: تَظَنَّى، وأَصله تَظَنَّن.
أَخبرني المُنذرِيّ عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أَنشده لشُقْران السُّلامِيّ، من قُضاعة:
ارْكَبْ مِن الأمْر قَرَادِيدَه
بالحَزْمِ والقُوَّةِ أَو صَانِعِ
حَتَّى تَرى الأخْدَعَ مُذْلَوْلِياً
يَلْتَمِس الفَضْلَ إِلَى الخادِعِ
قَالَ: قَراديدُ الأَرْض: غِلَظُها. والمُذْلَولى: الَّذِي قد ذلّ وانْقاد. يَقُول: اخْدَعْه بالحقِّ حَتَّى يَذِلّ، ارْكَب بِهِ الأمْرَ الصَّعْبَ.
ذيل: يُقال: ذالت الجارِيةُ فِي مِشْيَتها تَذِيلُ ذَيْلاً، إِذا ماسَتْ وجَرَّت أَذْيالها على الأرْض.
وذَالَت النَّاقةُ بذَنَبِها، إِذا نَشَرَتْه على فَخِذَيْها؛ وَقَالَ طَرَفةُ يَصِفُ ناقَةً:
فذَالَت كَمَا ذَالَت وَلِيدةُ مَحْبِسٍ
تُرِي رَبَّها أَذْيَالَ سَحْلٍ مُعَضَّد
وذَيَّل فُلانٌ ثَوْبَه تَذْيِيلاً، إِذا طَوَّله.
وثَوْبٌ مُذَيَّلٌ؛ وأَنشَد:
عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاَءٍ مُذَيَّلِ
وَيُقَال: أَذَال فلانٌ ثَوْبَه أَيضاً، إِذا أَطَال ذَيْلَه؛ قَالَ كُثَيِّر:
على ابْن أَبي العَاصِي دِلاصٌ حَصِينَةٌ
أَجَادَ المُسَدِّي سَرْدَها فأَذَالها
أَبو عُبَيد: المُذَال: المُهان.
وَقد أَذال فلانٌ فَرَسه، إِذا أَهَانه.
ويُقال للأمَة المُهانة: مُذَالة.
أَبو عُبَيد: فرسٌ ذَيَّالٌ، إِذا كَانَ طَويلاً طَوِيلَ الذَّنَب، فَإِن كَانَ الفَرَسُ قَصِيراً وَذَنَبه طَويلا قَالُوا: ذائِل، والأُنثى: ذَائِلة.
وَقَالُوا: ذَيَّال الذَّنب، فيذكُرون الذَّنَب.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الذَّيْل: ذَيْلُ الإزَارِ مِن الردَاء، وَهُوَ مَا أُسْبِل مِنْهُ فأَصَاب الأرْضَ.
وذَيْل المَرْأَة، لكُلّ ثَوْبٍ تَلْبَسه إِذا جَرّتْه على الأرْض مِن خَلْفها.
وذَيْلُ الرِّيح: مَا جَرّته على وَجْه الأرْض من التُّرَاب والقَتَام.
والجَمْعُ فِي ذَلِك كُلِّه: ذُيُول، وربَّما قَالُوا: أَذْيَال.
ويُقال لذَنب الفَرَس إِذا طَال: ذَيْلٌ أَيضاً.
وشَمِرٌ، عَن خَالِد بن جَنْبَة، قَالَ: ذَيْلُ المَرْأَة: مَا وَقع على الأَرْض مِن ثَوْبها مِن نَواحِيه كُلِّها.
قَالَ: وَلَا نَدْعُو للرَّجُل ذَيْلاً، فإنْ كَانَ طويلَ الثَّوب، فَذَلِك الإرْقَال فِي القَمِيص

(15/12)


والجُبَّة، والذَّيل فِي دِرْع المَرْأَة أَو قِنَاعها، إِذا أَرْخَتْه.
ذأَل: أَبو عُبَيد، عَن الأصْمَعيّ: الذأَلاَن مِن الْمَشْي: الخَفِيفُ، وَبِه سُمِّي الذِّئْبُ: ذُؤَالة.
ويُقال مِنْهُ: ذَأَلْت، فأَنا أَذْأَل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعْرابيّ: الذَّأَلاَن: عَدْوٌ مُتَقَارِبٌ. والذَّأَلان: السُّرْعَة.
ورَوَى أَبو العبَّاس الثُّمالِيّ عَن الزِّيادِيّ أَنه قَالَ: الذَّؤُول: السَّرِيعُ من كُلّ شَيء.
وَقَالَ الأصمعيّ: الذَّأَلان: مَشْي الَّذِي كأَنَّه يَبْغي فِي مَشْيِه، مِن النَّشَاط.
وَقَالَ اللَّيْثُ: ذُؤَالة، اسمٌ مَعْرِفة: الذِّئْبُ، لَا يَنْصَرِف.
قَالَ: وَقد سَمَّت العَرَبُ عامَّة السِّبَاع بأَسماء معارِفَ، يُجْرُونها مُجْرى أَسمَاء الرِّجَال والنِّسَاء.
قَالَ: والذَأْلاَن، بِهَمْزَة وَاحِدَة، يُقال هُوَ ابْن آوَى.
قَالَ: وجَمْع ذُؤَالة: ذِئْلاَن. ويُقال: ذُؤْلاَن.
قَالَ: والذَّال: حَرْف هِجَاء، وتَصْغيرها: ذُوَيْلة. وَقد ذَوَّلْتُ ذالاً.
وذل: أَبو الهَيْثم: قَالَ ابْن بُزُرْجَ: الوَذَلَة: الخَفِيفَةُ من النَّاس وَالْإِبِل وغَيْرها؛ يُقال: خادِمٌ وَذَلَةٌ.
قَالَ أَبو زَيْد: الوَذَلَةُ مِن النِّسَاء: النَّشِيطةُ الرَّشِيقة.
أَبو عُبَيْد: الوَذِيلة: قِطْعَةٌ مِن الفِضَّة، وجَمْعُها: وَذيل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعْرابيّ: الوَذِيلة: قِطْعةٌ مِن شَحم السَّنَام والأَلْية، وأَنشد:
هَلْ فِي دَجُوب الحُرَّة المَخِيطِ
وَذِيْلةٌ تَشْفِي مِن الأطِيطِ
قَالَ: والوَذِيلة: السَّبِيكةِ مِن الفِضَّةِ، عَن أَبي عَمْرو. والدجُوب: الجُوالِق.
وقِي حَديث عَمْرو: فَمَا زِلْت أَرُمّ أَمْرَك بِوَذَائِله، وأَصله بوَصَائِله.
يَعْني بالوَذَائل: سَبائك الفِضَّة.
وَقَالَ أَبو زَيد: يُقال لِلمرْآة: الوَذِيلَةُ، فِي لُغة طَيِّىء.
لوذ: وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقال: لاَذ بِهِ يَلُوذ لَوْذاً وليَاذاً.
قَالَ: وأَمّا اللِّوَاذ فَهُوَ مَصْدر (لاَوَذَ) ، فَهُوَ مُلاَوِذ.
وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} (النُّور: 63) : يَلُوذ هَذَا بذا، ويَسْتَتر ذَا بذَا، وَمِنْه الحديثُ: (يَلُوذ بِهِ الهُلاّك) ، أَي يَسْتَتِر بِهِ الهالِكون. وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {لِوَاذاً} لأنَّها مصدر (لاوَذْت) . وَلَو كَانَت مصدرا ل (لُذْت) لقُلت: لذتُ بهِ لِيَاذاً، كَمَا تَقول: قُمت

(15/13)


إِلَيْهِ قِيَاماً، وقاومْتُك قِوَاماً طَوِيلاً.
وَقَالَ الزّجّاج: مَعْنى (اللِّواذ) : الخِلاَف، أَي يُخالفون خِلاَفاً.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: خَيْرُ بَني فُلاَنٍ مُلاَوِذٌ، أَي لَا يَجيء إلاّ بَعد كَدّ، وأَنْشَد للقُطَامِيّ:
وَمَا ضَرَّها أَنْ لم تَكُنْ رَعَتِ الحِمَى
وَلم تَطْلُب الخَيْرَ المُلاَوِذَ من بِشْرِ
وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
يُلاَوِذُ مِن حَرَ كأَنّ أُوَارَه
يُذِيبُ دِماغَ الضَّبِّ وَهُوَ جَدُوعُ
يُلاوذ، يَعْني بَقَر الوَحْش، أَي تَلجأَ إِلَى كُنَّسِها.
أَبو زَيْد: يُقال: لي عِشْرون مِن الإبِل أَو لِوَاذُها. يُريد: أَو قُرَابَتُها.
ويُقال: أَلاَذ الطَّرِيقُ بالدِّيار إلاَذَةً، والطَّرِيقُ: يُلِيذ بالدَّار، إِذا أَحَاط بهَا.
وأَلاذت الدّارُ بالطَّريق، إِذا أَحاطَتْ بِهِ.
ولُذْتُ بالقَوْمِ، وأَلَذْتُ بهم، وَهِي، المُدَاورة من حَيْثما كَانَ.
أَبو عُبَيد، عَن الأصْمَعيّ: الألوَاذُ، واحدُها: لَوْذٌ، وَهُوَ حِضْن الجَبَل وَمَا يُطِيف بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: اللاذة، واللاَّذ: ثِيابٌ من حَرِيرٍ يُنْسَج بالصِّين، تُسَمِّيه العربُ والعَجَمُ: اللاَّذَة.
ويُقال: هُوَ بِلَوْذ كَذَا، وبِلَوْذانِ كَذَا، أَي بِناحِية كَذَا.
قَالَ ابْنُ أَحْمَر:
كأَنّ وَقْعَتَه لَوْذَانَ مِرْفَقِها
صَلْقُ الصَّفَا بأَدِيمٍ وَقْعُه تِيَرُ

(بَاب الذَّال وَالنُّون)
ذ ن (وايء)
أذن، ذان، ذأن: (مستعملة) .
أَذن: قَالَ الفَرَّاء وغَيْرُه: الأُذُن، مُثقّلة مُؤَنَّثة، وجَمْعُها: آذَان.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: رَجُلٌ أُذَانِيّ: عَظِيم الأُذُنَين.
ويُقال: نَعْجة أَذْناء، مَمْدُود، وكَبْشٌ آذَنُ.
وأَذَنْتُ فلَانا أَذْناً، فَهُوَ مَأذُون، إِذا ضَرَبْت أُذُنَه.
وأُذَيْنَة: اسْم مَلِك من مُلُوك اليَمن.
وَقَالَ الزَّجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} (التَّوْبَة: 62) : أكْثَرُ القُرَّاء يَقْرَؤُون: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} . وتفسيرُه: أنّ مِن المُنَافِقين مَن كَانَ يَعِيبُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول: مَتى بَلغه شَيءٌ حَلَفْتُ لَهُ فيَقْبَل منِّي، لأنّه أَذُنٌ. فأَعْلَم الله تَعَالَى أنّه أُذُن خَيْرٍ لَا أُذُن شَرَ، ثمَّ بَيَّن فَقَالَ: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (التَّوْبَة: 62) أَي مَا يَسمع يُنزّله الله عَلَيْهِ

(15/14)


ويُصَدِّق بِهِ ويُصدِّق الْمُؤمنِينَ فِيمَا يُخبرونه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشايْءٍ كأَذَنهِ لِنَبِيَ يَتَغَنَّى بالقُرْآن) .
قَالَ أَبو عُبَيد: يَعْني: مَا اسْتمع الله لشَيْء كَاسْتماعه لنبيَ يَتَغَنَّى بالقُرآن.
يُقَال: أَذِنْتُ للشّيء آذَنُ لَهُ، إِذا اسْتَمَعْتَ لَهُ؛ قَالَ عَدِيّ:
أَيُّها القَلْب تَعَلَّلَ بِدَدَنْ
إنَّ هَمِّي فِي سَمَاع وأَذَنْ
وَيُقَال: أَذِنْتُ لفلانٍ فِي أَمْر كَذَا وَكَذَا إذْناً، بِكَسْر الهَمْزَة وجَزْم الذَّال.
واستأْذنْتُ فلَانا اسْتِئْذَاناً.
وأَما قولُه تَعَالَى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (الْبَقَرَة: 279) . وقُرىء (فآذِنوا) . فَمن قرأَ (فآذِنوا) كَانَ مَعناه: فَأَعْلِمُوا كلَّ مَنْ لم يَتْرُك الرِّبا أَنّه حَرْبٌ.
يُقال: قد آذَنْتُه بِكَذَا وَكَذَا، أُوذِنه إِيذَانًا، إِذا أَعْلَمْته؛ وَقد أَذِنَ بِهِ يَأْذَن، إِذا عَلِم.
ومَن قرأَ {فَأْذَنُواْ} فَالمَعْنَى: فَأَنْصِتُوا.
وقولُه عَزّ وجَلّ: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ} (التَّوْبَة: 3) أَي إِعْلامٌ.
يُقال: آذَنْتُه أُوذِنه إِيذَانًا وأَذاناً. فالأذان: اسْمٌ يَقوم مُقام الإيذان، وَهُوَ المَصْدر الحقيقيّ.
وَقَالَ عزَّ وجلّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (إِبْرَاهِيم: 7) . مَعْنَاهُ: وَإِذ عَلِمَ رَبُّكُمْ.
والأذانُ للصَّلاةِ: إعْلاَمٌ بهَا وبِوَقْتِها.
والأَذِين: مثل الْأَذَان أَيضاً.
وَقَوله: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} (الْبَقَرَة: 102) مَعناه: بِعِلم الله، والإذْنُ هَا هُنَا لَا يكون إِلَّا من الله عَزَّ وجَلَّ، لِأَن الله لَا يَأْمر بالفحشاء مِن السِّحر وَمَا شاكلَه.
وآذانُ الكِيزَان: عُرَاها؛ وَاحِدهَا: أُذُن.
ويُقال: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا بإِذْنه، أَي فعلْتُه بِعلْمه. وَيكون بِإِذْنِهِ، أَي بأَمْرِه.
وأَخبرني المُنْذريّ: عَن أَبي الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: أَذَّنْتُ فلَانا تأَذيناً، أَي رَدَدْتُه.
قَالَ: وَهَذَا حَرف غَريب.
قَالَ: والأَذَنُ: التِّبْنُ، واحدته: أَذَنَةٌ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: هَذِه بَقلة تَجد بهَا الإبِلُ أَذَنَةً شَدِيدَةً، أَي شَهْوَةً شَدِيدَةً. وأَذَّنَ بِإِرسال إبِله، أَي تَكَلَّمَ بِهِ.
وأَذِّنُوا عنِّي أَوَّلَها: أَي أَرْسِلُوا أَوَّلَها.
والْمِئْذَنةُ: الموْضِعُ الَّذِي يُؤذَّن عَلَيْهِ للصّلاة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: تأَذَّنْتُ لأفْعَلَنّ كَذا وَكَذَا، يُرادُ بِهِ إِيجاب الفِعْل.

(15/15)


وَقَالَ أَبو زَيد: يُقال للمنَارة: الْمِئْذَنة، والْمُؤْذَنَة.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ، يُقال: جَاءَ فلانٌ ناشراً أُذُنَيْهِ، أَي طامعاً.
ووجدتُ فلَانا لابِساً أُذُنَيْهِ، أَي مُتَغَافِلاً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأَذنَةُ: صِغار الْإِبِل والغَنَم.
ووَرق الشَّجر، يُقَال لَهُ: أَذَنَة، لصغَره.
قَالَ ابْن شُمَيل: أَذِنْتُ لِحديث فلانٍ، أَي اشْتَهَيْتُه.
وأَذِنْتُ لرائحة الطَّعام، أَي اشْتَهَيْتُه.
وَهَذَا طعامٌ لَا أَذَنَةٌ لَهُ، أَي لَا شَهْوَةَ لِرِيحِه.
وَقَوله: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ} (الْبَقَرَة: 279) ، أَي فَاعْلَمُوا: أَذِنَ يَأْذن، إِذا عَلِم.
وَمن قَرأَ: (فآذِنُوا) أَراد: أَعْلِموا مَنْ وَراءَكم بالحَرب.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {شُرَكَآئِى قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن} (السَّجْدَة: 47) ، أَي أَعْلَمْنَاك.
{فَقُلْءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ} (الْأَنْبِيَاء: 109) ، أَي أَعْلمْتُكُم مَا يَنْزِلُ عَلَيّ من الوَحْي.
{وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التَّوْبَة: 3) ، أَي إعْلاَم، وَهُوَ الإيذان.
والإيذان: الأذِين؛ قَالَ جَرير:
هَل تَمْلِكون مِن المَشَاعر مَشْعَراً
أَو تَشْهدُون لَدَى الْأَذَان أَذِينا
الْمُؤَذِّنُ: الْمُعْلِم بأَوْقات الصّلاة.
{وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} (الْبَقَرَة: 102) ، أَي بعِلْمه.
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} (يُونُس: 100) ، أَي بِعلْمه.
ويُقال: بِتَوْفِيق اللَّهِ.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} (الْأَعْرَاف: 166) ، أَي أَعْلَم، وَهُوَ وَاقع مثل تَوَعّد. وَيجوز أَن يكون (تَفَعّلْ) من قَوْلك (تأَذن) ، كَمَا يُقال: تعلّم، بمَعْنى اعْلَمْ.
{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} (يُوسُف: 70) أَي نادَى مُنَادٍ.
وَقَوله: {هُوَ أُذُنٌ} (التَّوْبَة: 62) أَي يَأْذَن لما يُقال لَهُ، أَي يَسْتَمع فيَقْبَل.
قلتُ: قَوْله {هُوَ أُذُنٌ} أَرَادوا أَنه مَتَى بَلَغه عنّا أَنا تناولناهُ بسُوء أَنْكَرْنا ذَلِك وحَلَفنا عَلَيْهِ، فَيقْبل ذَلِك لأنّه أُذُن.
ويُقال: السُّلْطان أُذُن.
{انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (الإنشقاق: 2) ، أَي سَمِعت سَمْع طاعةٍ وقَبُول، وَبِه سُمِّي الإذْنُ إذْناً.
ذين: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: ذَامَه وذَانَه وذَابَه، أَي عابَه.

(15/16)


وَقَالَ ابنُ السِّكِّيت: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍ وَيَقُول: هُوَ الذَّيْم والذَّام والذَّان والذَّابُ، بمَعْنًى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ قيسُ بن الخطَيم الأنْصاريّ:
رَدَدْنَا الكَتِيبةَ مَفْلُولةً
بهَا أَفْنُها وَبهَا ذَانُها
وَقَالَ كِنَازٌ الجَرْمِيّ:
بهَا أَفْنُها وَبهَا ذابُها
ذأَن: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الذُّؤْنُون: أَسمر اللَّون مُدَمْلَكٌ، لَهُ وَرَق لازِق بِهِ، وَهُوَ طويلٌ مثل الطُّرْثُوث، تَمِهٌ لَا طَعْمَ لَهُ، لَيْسَ بحُلْوٍ وَلَا مُرّ، لَا يَأْكُله إِلَّا الْغنم، يَنْبُت فِي سُهول الأرْض.
والعربُ تَقول: ذُؤْنُون لَا رِمْثَ لَهُ، وطُرْثُوث لَا أَرْطَاة.
يُقال هَذَا للْقَوْم إِذا كَانَت لَهُم نَجْدة وفَضْل فهلكوا وتغيَّرت حالُهم، فيُقال: ذَآنِين لَا رِمْثَ لَهَا، وطَراثيث لَا أَرْطَى، أَي قد اسْتُؤْصِلوا فَلم تَبْقَ لَهُم بَقِيّة.
وَفِي حَديث حُذَيفة، قيل لَهُ: كَيفَ تَصْنع إِذا أَتاك من النَّاس مِثْل الوَتدِ أَو مِثْل الذُّؤْنُون يَقُول: اتَّبِعْني وَلَا أَتَّبِعك؟ .
الذُّؤْنُون: نَبْتٌ طويلٌ ضَعِيفٌ لَهُ رأْس مُدَوَّر، ربّما تأْكله الْأَعْرَاب. شَبَّهه بالذُّؤْنُون لِصِغَره وحَدَاثة سنه، وَهُوَ يَدْعُو الْمَشَايِخ إِلَى اتِّباعه.

(بَاب الذَّال وَالْفَاء)
ذ ف (وايء)
ذأف، وذف: (مستعملان) .
ذاف: قَالَ اللَّيْثُ: الذِّئْفَانُ: السمُّ الَّذِي يَذْأَف ذَأْفاً.
والذَّأْفُ: سُرْعةُ الْمَوْت، الْألف هَمزة سَاكِنة.
أَبو عُبَيد: الذّيْفان، بِكَسْر الذَّال وَفتحهَا، والذُّؤَاف، كلّه السّمّ.
ابْن السِّكِّيت: يُقال: ذَافَ يَذُوف، وَهِي مِشْيَةٌ فِي تقارُبٍ وتَفَحُّجٍ؛ وأَنْشد:
وذافُوا كَمَا كانُوا يذوفُون من قَبْل
ويُقال: مَوْتٌ ذُؤَافٌ، إِذا كَانَ مُجْهِزاً بسُرْعة.
وذف: ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الوَذَفَةُ، والوَذَرَةُ: بُظَارَةُ المَرْأَة.
ورُوِي أَن الحجّاج قَامَ يَتَوَذَّفُ بمكّة فِي سِبْتَيْن لَهُ بعد قَتْله ابْنَ الزُّبَيْر حَتَّى دَخل على أَسْماء.
قَالَ أَبو عُبَيدة: قَالَ أَبو عَمْرو: التَّوَذُّف: التَّبخْتُر.
وَكَانَ أَبو عُبَيدة يَقُول: التّوذّف: الْإِسْرَاع؛ وَقَالَ بِشْرُ بنُ أَبي خازم:
يُعْطِي النَّجائِبَ بالرِّحالِ كأَنّها
بَقَرُ الصَّرائِم والجِيادَ تَوَذّفُ
أَراد: يُعْطِي الجِيَادَ.

(15/17)


(بَاب الذَّال وَالْبَاء)
ذ ب (وايء)
ذبي ذاب ذأَب ذيب بذأ باذ.
ذبى: أَمّا (ذَبى) فَمَا عَلِمْتُنِي سَمِعْت فِيهِ شَيْئا من ثِقَةٍ غير هَذِه القَبِيلة الَّتِي يُقال لَهَا: ذُبْيان.
قَالَ أَبو عُبَيدة: قَالَ ابْنُ الكَلْبِيّ: كَانَ أَبي يَقُول: ذِبْيَان، بِالْكَسْرِ.
قَالَ: وغيرُه يَقُول: ذُبْيان.
وَذكر لي بعضُ المَشايخ أَنه يُقال: ذَبَّ الغَدِيرُ، وذَبَى؛ وذَبَتْ شَفَتُه، وذَبَّت، وَلَا أَدري مَا صِحّته.
ذوب: قَالَ اللَّيْثُ: الذَّوْبُ: العَسَلُ الَّذِي خلِّص مِن شَمْعه.
والذَّوَبَان: مَصْدر: ذَابَ يَذُوب.
سَلمة، عَن الفَرّاء: ذابَ عَلَيْهِ المالُ، أَي حَصَل.
وذاب الرَّجُلُ، إِذا حَمُق بعد عَقل.
وظَهَرت فِيهِ ذَوْبَةٌ، أَي حَمْقَةٌ.
وذابَ: إِذا دَامَ على أَكْل الذَّوْب، وَهُوَ العَسَل.
وَقَالَ أَبو الهَيْثم فِي قَول بِشْر بنِ أَبي خازم:
وكُنتم كذاتِ القِدْرِ لم تَدْرِ إِذْ غَلَتْ
أَتُنْزِلُها مَذْمُومةً أَم تُذِيبُها
قَالَ: تُذِيبها، أَي تُبْقيها، من قَوْلك: مَا ذاب فِي يَدِي، أَي مَا بَقِي.
وَقَالَ غيرُه: تُذِيبها: تُنْهِبُها.
وذابَت الشَّمْسُ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّها؛ وَقَالَ الراجز:
وذابَ للشّمْس لُعَابٌ فَنَزلْ
وَقَالَ:
إِذا ذابَت الشَّمْس اتَّقَى صَقَرَاتِها
بأَفْنان مَرْبُوعِ الصَّريمة مُعْبِلِ
أَبو عُبَيد: عَن أَبي زَيد، قَالَ: الزَّبْدُ حِين يُجعل فِي البُرْمة لِيُطْبَخ سَمْناً فَهُوَ الإذْوَابُ والإذْوَابة، فَإِذا خَلص اللَّبن من الثُّفْل فَذَلِك اللَّبن الإثْر. والثفل: الَّذِي يكون أَسْفَلَ اللَّبن هُوَ الخُلُوص. وَإِن اخْتلط اللَّبَنُ قِيل: ارْتَجَن.
ويُقال: ذابَت حَدَقَةُ فلانٍ، إِذا سَالَتْ.
ويُقال: هاجِرَةٌ ذَوَّابَةٌ: شَدِيدَةُ الحَرِّ؛ وَقَالَ الشّاعر:
وظَلْماءَ مِنْ جَرَّى نَوَارٍ سَرَيْتُها
وهَاجِرَةٍ ذَوَّابَةٍ لَا أَقِيلُهَا
وناقَةٌ ذَؤُوبٌ: سَمِينَةٌ ولَيْست فِي غَايَة السِّمَن.
أَبو عَمرو، عَن أَبيه: ذابَ، إِذا سَال؛ وبَاذ، إِذا تَوَاضَع.
أَبو عُبَيد، عَن الفَرّاء، قَالَ: الذّئْبَانُ: بَقِيَّةُ الوَبَر.

(15/18)


قَالَ أَبو عَمْرو: الذِّئبَانُ: الشَّعَر على عُنُق البَعِير ومِشْفَره.
قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرِف الذِّئْبَانَ إِلَّا فِي بَيْتٍ لكُثَيِّر:
عَسُوفٌ بأَجْواز الفَلاَ حِمْيَرِيَّة
مَرِيش بذِيبَانِ الشَّليل تَلِيلُها
ويُرْوى: السَّبيب.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ وَاحِد.
وَقَالَ أَبو وَجْزَة:
تَرَبَّع أَنْهِيَ الرَّنْقَاءِ حتّى
نَفَى وَنَفَيْنَ ذِئْبَانِ الشِّتَاءِ
ذأَب: الذِّئْب، مَهْموز فِي الأَصْل؛ وَالْجمع أَذْؤُب، وذِئَاب، وذُؤْبَان.
أَبو عُبَيد، عَن أَبي عَمْرو: أَذْأَب الرَّجُلُ، فَهُوَ مُذْئِبٌ، إِذا فَزِع.
وَقَالَ غَيْرُه: ذَأَبْتُ فُلاناً ذَأْباً، وذَأَمْتُه ذَأْماً، إِذا حَقَّرْتَه؛ وَمِنْه قولُ الله عزّ وجلّ: {مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} (الْأَعْرَاف: 18) .
وأَخْبرني الْمُنْذِريّ، عَن الحَرّانيّ، عَن ابْن السِّكِّيت، قَالَ: ذَأَمْتُه وذَأَبْتُه، إِذا طَرَدْتَه وحَقَّرْتَه.
قَالَ: وسَمِعْتُ أَبا العَباس يَقُول: ذَأَمْتُه: عِبْتُه، وَهُوَ أَكثر من (ذَمَمْته) .
أَبو عُبَيد، عَن الأصمعِيّ، يُقال: غَرْبٌ ذَأْبٌ، على مِثَال فَعْل، وَلَا أُراه أُخذ إِلَّا من تَذَؤُّب الرِّيح، وَهُوَ اخْتلافها، فشَبَّه اخْتِلاف البَعِير فِي المَنْحَاةِ بهَا.
أَبو عُبَيد: المُتذَئِّبة، والمُتَذَائِبة، بِوَزْن مُتَفَعِّلة ومُتَفاعلة، من الرِّياح: الَّتِي تَجِيء من هَا هنَا مَرَّةً وَمن هَا هُنَا مَرَّةً؛ قَالَ ذُو الرُّمّة يَذْكُر ثَوْراً وَحْشِيّاً:
فَبَاتَ يُشْئِزُه ثَأْدٌ ويُسْهِرُه
تَذَؤبُ الرِّيح والوَسْوَاسُ والهِضَبُ
أَبو عُبَيد، عَن أَبي زَيد: تَذَأب، النَّاقةَ، وتَذَاَّب لَهَا، وَهُوَ أَن يَسْتَخْفِيَ لَهَا إِذا عَطَفَها على غير وَلدها، مُتَشَبِّهاً لَهَا بالسَّبُع لتَكون أَرأَمَ عَلَيْهِ مِن ولَده الَّذِي تَعْطف عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الذِّئْبَة: فرْجةُ مَا بَين دَفَّتَي الرَّحْل والسَّرْج والغَبِيط، أَيّ ذَلِك كَانَ.
وقَتَبٌ مُذَأَّبٌ، وغَبِيطٌ مُذَأَّبٌ، إِذا جُعِل لَهُ فُرْجَةٌ؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
لَهُ كَفَلٌ كالدِّعْصِ لَبَّدَهُ النّدَى
إِلَى حَارِكٍ مِثل الغَبِيطِ المُذَأَّبِ
وَقَالَ غيرُه: من أَدْوَاءِ الْخَيل: الذِّئْبَةُ.
وَقد ذُئِبَ الفَرَسُ، فَهُوَ مَذْءُوبٌ، إِذا أَصابه هَذَا الدّاء، ويُنْقَبُ عَنهُ بحَديدة فِي أَصْل أُذُنه فيُسْتَخْرَج مِنْهُ غُدَدٌ صِغارٌ بِيضٌ أَصْغر من لُبِّ الجَاوَرْس.
وَقَالَ أَبو زَيْد: ذُؤَابةُ الرَّأْس، هِيَ الَّتِي أَحاطت بالدّوَّارة من الشَّعَر.

(15/19)


وغُلاَمٌ مُذَأَّبٌ: لَهُ ذؤَابةٌ.
قَالَ: وذُؤْبانُ العَرب: الَّذِي يَتَصَعْلَكون ويَتلصَّصُون.
وَيُقَال: هم ذُؤَابةُ قومِهم، أَي أَشْرَافُهم.
وذُؤابةُ النَّعل: المُتعلِّق من القَبال.
وذُؤابةُ السّيف: عِلاقةُ قائمه.
وذَؤُب الرَّجُلُ يَذْؤُب: إِذا خَبُث، كأَنّه صَار ذِئْباً.
واسْتَذْأَب النَّقَدُ: صَار كالذِّئْب، يُضْرب مثلا للذُّلاَّن، إِذا عَلَوا الأَعِزّةَ.
وأَرْض مَذْأَبَةٌ: كَثِيرةُ الذِّئاب، كَقَوْلِهِم: أَرْض مَأْسَدَةٌ، من الأَسَد.
وَقَالَ اللَّيْثُ: بِرْذَوْنٌ مَذْءُوبٌ: أَخَذَتْه الذِّئْبة.
قَالَ: المَذْءُوب: الرَّجُل الَّذِي وَقَع الذِّئْبُ فِي غَنمه.
والمَذْءُوب: الفَزِع.
وَيُقَال للمَرْأَة الَّتِي تُسَوِّي مَرْكَبها: مَا أَحْسَن مَا ذَأَبْتَه.
وَقَالَ الطِّرِمّاح:
كُلُّ مَشْكوكٍ عَصافِيرُه
ذَأَبَتْه نِسْوَةٌ مِن جُذَامْ
ويُقال للَّذي أَفْزَعَتْه الجِنّ: تَذَأَّبَتْه، وتَذَعَّبَتْه.
اللَّيْثُ: الذُّؤَابة: الشَّعَر المَضْفُور، من شَعر الرَّأْس.
وذُؤَابة كُلِّ شَيْء: أَعْلاه، وَكَذَلِكَ ذُؤابة العِز والشَّرف.
وجَمْعها: الذَّوائب. وَالْقِيَاس: الذَّآئِب، مِثل دُعابة ودَعائب، ولكنّه لمّا الْتَقت هَمْزَتان بَينهمَا أَلف ليّنة لَيَّنوا الْهمزَة الأولى فقَلبوها واواً استثقالاً لالتقاء هَمزتين فِي كلمة وَاحِدَة.
ابْنُ بُزُرْجَ: ذُئِب الرَّجُل، إِذا أَصَابه الذِّئْبُ.
وذَأَبْتُ الشيءَ: جَمَعْتُه.
ذيب: والأذْيب: الماءُ الكَثِير.
أَبو عُبَيد، عَن الأصْمعي: مَرَّ فلانٌ وَله أَذْيَبُ. قَالَ: وأَحْسِبه يُقال بالزَّاي: أَزْيب، يَعْني النَّشَاط.
بذأَ: أَبو عُبَيدة، عَن أَبي عَمْرو: بَذَأَ الأرْضَ: ذَمَّ مَرْعَاهَا.
وَهِي أَرْضٌ بَذِيئةٌ، مِثَال فعيلة، لَا مَرْعَى فِيهَا.
أَبو زَيْد: بَذَأْتُ الرَّجُلَ أَبْذَؤُه بَذْءاً، إِذا ذَمَمْتَه.
وباذأَتُ الرَّجُلَ، إِذا خاصَمْتَه.
وَقَالَ شَمِرٌ فِي تَفْسير قَوْله: (إِنَّك مَا عَلِمْت لَبَذِيءٌ مُغْرِقٌ) . قَالَ: البَذِيء: الفاحِش السَّيِّىء القَوْل.
ورَجُلٌ بَذِيءٌ، من قَوْم أَبْذِيَاء.
وَقد بَذُؤ يَبْذُؤ بَذَاءً. وبعضُهم يَقُول: بَذِىء يَبْذَأ بَذْءاً.

(15/20)


وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
فاليَوْمُ يَوْمُ تفاضُلٍ وبَذَاء
وَقَالَ اللَّيْثُ: بُذِىء الرَّجُل، إِذا ازْدُرِي.
وامْرأَة بَذيئة، ورَجُل بَذِيٌ: بَيِّن البَذَاءة؛ وأَنشد:
هَذْرَ البَذيئةِ لَيْلَها لم تَهْجَع
ويُقال: بَذَأَتْ عَيْني فلَانا تَبْذؤُه بذَاءة، إِذا لم تَقْبَله ورأَت مِنْهُ حَالا كَرِهَتْها.
وَقَالَ الشَّعْبِي: إِذا عَظُمت الحَلْقَةُ فإنّما هِيَ بِذَاء ونِجَاء.
وَقيل: البِذَاء: المُبَاذاة، وَهِي المُفَاحشة.
يُقَال: باذَأْتُه بِذَاءً ومُباذأَة. والنِّجَاء: المُنَاجاة.
أَبو زَيد: بَذَأْتُه عَيْني بَذْءاً، إِذا أُطرِيَ لَك وعِندك الشّيء ثمَّ لم تره كَذَلِك، فَإِذا رأَيْتَه كَمَا وُصف لَك، قُلْتَ: مَا تَبْذَؤُه العَيْن.
بوذ: سَلمة، عَن الفَرّاء: باذ الرَّجُلُ، إِذا افْتَقَر، وبَذُؤ، إِذا سَاءَ خُلُقه.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: باذ يَبُوذ بَوْذاً، إِذا تَعَدَّى على النَّاس.

(بَاب الذَّال وَالْمِيم)
ذ م (وايء)
ذام، ذأَم، ذمى، وذم، مذي، ومذ، موذ، ميذ.
ذيم: أَبو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: ذامَه يَذِيمه ذَيْماً، إِذا عابَه.
ذأَم: قَالَ أَبو عُبَيد: ذَأَمْت الرّجُلَ: جَزَيْتُه.
وَقَالَ ثَعلب: ذَأَمْته: عِبْتُه، وذَأَمْته، أَكثر من ذَممته.
الأصْمعِي: ذَأَمْته، ودأَمته، إِذا حَقّرته وخَزَيته.
أَبو زَيْد: ذَأَمتُه أَذْأَمه، إِذا حَقّرتَه وذَمَمْته.
اللِّحياني: ذَأَمتُه وذَأَيْته، إِذا طَرَدتَه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} (الْأَعْرَاف: 17) قَالَ: مَنْفِيّاً.
ومَدْحُوراً: مَطْرُوداً.
ذمى: أَبو عُبَيد: الذَّمَاء: بَقِيَّة النّفْس؛ وَقَالَ أَبو ذُؤَيب:
فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنّ فهاربٌ
بذَمَائه أَو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ
قَالَ: ويُقال مِن الذّمَاء: قد ذَمِي يَذْمَى، إِذا تَحَرَّك.
والذَّمَاء: الحَركة.
وَقَالَ شَمِرٌ: يُقال: الضَّبُّ أَطْوَلُ شَيْءٍ ذَمَاءً.
أَبو نَضْر، عَن الأصْمعيّ: ذَمَى العَلِيلُ يَذْمِي ذَمْياً، إِذا أَخذه النَّزْعُ فطال عَلَيْهِ عَلَزُ المَوْت، فيُقال: مَا أَطْوَلَ ذَمَاءَه.
قَالَ: وذَمَى الحَبَشِيُّ فِي أَنْف الرَّجُل بصُنَانِه يَذْمِي ذَمْياً، إِذا آذَاه بذلك؛ وأَنشد أَبو زيد:

(15/21)


يَا رِيحَ بَيْنُونَةَ لَا تَذْمِيناَ
جِئْتِ بأَرْوَاحِ المُصَفَّرِينَا
قَالَ أَبُو زَيد: ذَمَتْه الرِّيحُ تَذْمِيه ذَمْياً، إِذا قَتَلَتْه.
وَقَالَ أَبُو مَالك: ذَمَت فِي أَنْفِه الرِّيحُ، إِذا طارت إِلَى رأْسِه، وأَنكر قولَ أَبي زَيْدٍ.
قَالَ: ويُقال: ضَرَبه ضَرْبةً فَأَذْماه، إِذا أَوْقذَه وتَركه برَمَقِه.
ويُقال: أَذْمَى الرّامِي رَمِيَّته، إِذا لم يُصِب المَقْتَلَ فَيُعَجِّلَ قَتْلَه؛ وَقَالَ أُسامةُ الهُذَليّ:
أَنابَ وَقد أَمْسَى على المَاءِ قَبْله
أُقَيْدِرُ لَا يُذْمِي الرّمِيَّةَ راصد
أَنابَ، يَعني الحِمار أَتى الماءَ.
وَقَالَ آخَرُ:
وأَفْلَتَ زيدُ الخيلِ مِنّا بِطَعْنةٍ
وَقد كَانَ أَذْماه فَتى غيرُ قُعْدُدِ
أَبو عُبَيد، عَن الفَرّاء، قَالَ: الذَّميَان، والقَدَيَان: الإسراعُ؛ يُقَال: قَدَى يَقْدِي، وَذَمَى يَذْمِي.
وَقَالَ ابْنُ الأنْبَاريّ: الذَّمَى: الرِّيحُ المُنْتِنَة، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ.
وَذَمَتْهُ ريحُ الجِيفَةِ، تَذْمِيه ذَمْياً.
قَالَ: والذَّمَاءُ: ضَرْبٌ من المشْيِ، أَو السّيْرِ.
يُقال: ذَمَى يَذْمِي ذَماءً، مَمْدُود.
قَالَ خِدَاش بنُ زُهَير:
سيُخْبِرُ أَهلُ وَجَ مَن كَتَمْتُم
وتَذْمِي مَن أَلَمّ بهَا القُبُورُ
هَذَا مِن ذَمَاء رِيح الجِيفة، إِذا أَخَذَت بِنَفَسه.
وَقَالَ البَعِيثُ:
إِذا البيضُ سافَتْه ذَمَى فِي أُنُونها
صُنَانٌ ورِيحٌ من رُغَاوَة مُخْشِمِ
قَوْله: ذَمَى، أَي بَقي فِي أُنُوفها. ومُخْشِم: مُنْتِن.
وذم: أَبو عُبَيْد، عَن الأصْمعيّ: يُقال للسُّيُور الَّتِي بَين آذان الدِّلاَء والعَرَاقِيّ: وَذَم.
قَالَ: وَقَالَ الكِسَائيّ: وَذَمْتُ الدَّلْوَ، إِذا شَدَدْتَ وَذَمَها.
ابْن بُزُرْجَ: دَلْوٌ مَوْذُومَةٌ: ذاتُ وَذَم.
وسَمِعْتُ العَرب تَقول للدَّلْو إِذا انْقَطعَ سُيور آذانها: قد وَذِمَت الدَّلْو تَوْذَم؛ فَإِذا شَدُّوها إِلَيْهَا قَالُوا: أَوْذَمْتُها.
وَفِي حَديث عليّ عَلَيْهِ السَّلام: لَئِن وَلِيت بني أُمَيَّة لأنْفَضَنَّهم نَفْضَ القَصّاب الوِذَامَ التَّربَة.
قَالَ: والوِذَام، واحدتها وَذَمَة، وَهِي الحُزَّة مِن الكَرِشِ أَو الكَبِد.
قَالَ: وَمن هَذَا قِيل لسُيور الدِّلاء: وَذَم؛ لأَنها مُقَدَّدة طِوَال.
قَالَ: والتَّرِبَة: الَّتِي سَقَطت فِي التُّراب فَتَتَرَّبت، فالقَصّاب يَنْفُضها.

(15/22)


قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيدة نَحْو ذَلِك، قَالَ: وَاحِدَة الوِذَام: وَذَمة، وَهِي الكَرِش، لِأَنَّهَا مُعَلَّقة.
ويُقال: هِيَ غَيْرُ الكَرِش أَيضاً مِن البُطون.
وَقَالَ الأصمعيّ: الموَذّمة من النُّوق: الَّتِي يَخرج فِي حَيائها لَحْمٌ مِثْل الثآلِيل فَيُقطع ذَاك مِنْهَا، فَيُقَال: وَذّمْتُها.
قُلت: وسَمِعْتُ العَرب تَقول لأشيَاء مِثل الثآليل تَخْرُج فِي حَياء النَّاقة فَلَا تَلْقَح مَعَها إِذا ضَربها الفَحْل: الوَذَم، فَيعْمد رَجُلٌ رفيقٌ ويأَخذ مِبْضَعاً لَطِيفاً ويُدْخِل يَدَه فِي حَيَائها فيَقْطع الوَذَم، فَيُقَال: قد وَذّمها. وَالَّذِي يفعل ذَلِك مُوَذِّم، ثمَّ يَضربها الفَحْل بعد التّوْذيمِ فتَلْقَح.
وَقَالَ شَمِرٌ: يُقال للدَّلْو: قد وَذِمَتْ، إِذا انْقَطع وَذَمُها؛ وأَنْشد:
أَخَذِمَتْ أَمْ وَذِمَتْ أَم مَالهَا
أَم غالَها فِي بِئْرها مَا غالَها
قَالَ: وامْرأَةٌ وَذْماء، وفَرَسٌ وذَمْاء، وَهِي العاقِر.
وَقَالَ أَبُو زَيْد، وأَبُو عُبَيدة: الوَذَمة: قُرْنة الكَرِش، وَهِي زاويةُ الكَرِش شِبْه الخَريطة.
قَالَ: وقُرْنَةُ الرّحِم: المَكان الَّذِي يَنْتهي إِلَيْهِ الماءُ فِي الرَّحِم.
قَالَ: ويُقال فِي قَوله: (نَفْض القَصّاب التُّراب) : إنَّ أَصْل التُّراب ذِراع الشَّاة.
وأَراد بالقَصّاب السَّبُع. والسّبُع إِذا أَخذ شَاة قَبض على ذَلِك الْمَكَان فَنَفض الشَّاة.
قَالَ: والوَذَمَة فِي حَيَاء النَّاقة: زيادةٌ فِي اللَّحم تَنْبُت فِي أَعلى الْحَيَاء عِنْد قَرْء النَّاقة، فَلَا تَلْقح إِذا ضَرَبها الفَحْل.
وَيُقَال للمَصِير أَيضاً: وَذَم.
قَالَ: وَقَالَ أَبو سعيد: الكُروش كُلُّها تُسَمَّى تَرِبة. لِأَنَّهَا يَحْصُلُ فِيهَا التُّراب مِن المَرْتع.
والوَذَمة: الَّتِي أُخمل باطنُها، والكُروش وَذَمةٌ لِأَنَّهَا مُخْمَلة. ويُقال لِخَمْلِها: الوَذَم. فَيَقُول: لَئن ولِيتُهُم لأطهِّرنَّهم من الدَّنَس ولاطَيِّبنَّهم بعد الْخَبَث.
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرَابيّ: أَوْذَمْتُ يَمِيناً، أَو أَبْدَعْتُها، أَي أَوْجَبْتُها؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَا هُمّ إنْ عامِرَ بنَ جَهْمِ
أَوْذَمَ حَجّاً فِي ثِيَابٍ دُسْمِ
يَعْنِي أَنه أَحرم بالحجّ وَهُوَ مُدَنَّسٌ بالذُّنُوب.
عمرٌ و، عَن أبيهِ: الوَذيمة: الهَدْي؛ وجَمْعُها: وذَائِم.
وَقد أَوْذَم الهَدْيَ، إِذا عَلَّق عَلَيْهِ سَيْراً أَو شَيْئا يُعْلِمه بِهِ فَيُعْلَم أنّه هَدْيٌ فَلَا يُعْرَض لَهُ.
ورُوِي عَن أَبي هُرَيرة أنّه سُئل عَن صَيْد الكَلْب فَقَالَ: إِذا وَذَّمْتَه أَرْسَلْتَه وذَكَرْت

(15/23)


اسْم الله عَلَيْهِ فكُلْ مَا أَمْسك عَلَيْك.
وتَوْذِيم الكَلْب أَن يُشَدّ فِي عُنُقه سَيْرٌ يُعْلَم بِهِ أنّه معلَّم مُؤدَّب.
وَقيل: أَرَادَ بتَوْذِيمه أنْ لَا يَطْلب الصَّيْدَ بِغَيْر إرْسَال وَلَا تَسْمِية، وَهُوَ مَأْخُوذ من الوَذَم، وَهِي السُّيُور الَّتِي تُقَدّ طُولاً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: وَذَّمْتُ على الخَمسين، وأوْذَمَت عَلَيْهَا، إِذا زِدْتَ عَلَيْهَا.
مذي: فِي حَدِيث النَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الغَيْرةُ من الْإِيمَان والمِذَاء من النِّفَاق) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدة: المِذَاء: أَن يُدْخِل الرَّجُلُ الرِّجالَ على أَهله، وَهُوَ مَأخُوذ من المَذْي.
يَعْنِي يَجْمع بَين الرِّجَال والنِّساء ثمَّ يخَلِّيهم يُماذِي بعضُهم بَعْضًا مِذَاءً.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: أمْذَيْتُ فرسِي، إِذا أَرْسَلْتَه يَرْعَى، وَيُقَال: مَذَيْتُه.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: أَمْذى الرَّجُل، إِذا قاد على أَهْلِه.
وأمْذَى، إِذا أَشْهد.
وَهُوَ المَذْي، والمَذَى، مثل العَمَى.
يُقَال: مَذَى، وأمذَى، ومذَّى، وَالْأول أَفْصحها؛ وَمِنْه حديثُ عليّ رَضِي الله عَنهُ: كُنت رَجُلاً مَذَّاءً فاستَحَيْتُ أَن أسأَل النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمرتُ المِقدادَ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: (فيهِ الوُضُوء) .
والمَذَّاء، فَعَّال، من مَذَى يَمْذِي، لَا من أَمذَى، وَهُوَ الَّذِي يَكْثُر مَذْيُه.
قَالَ أَبُو سَعِيد فِيمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: هُوَ المَذَاء بِفَتْح الْمِيم. قَالَ والمَذَاء: الدِّيَاثة. والدَّيُّوث: الَّذِي يُدَيِّث نَفسه على أَهله فَلَا يُبالي مَا يُنال مِنْهُم؛ يُقَال: داث يَدِيث، إِذا فَعل ذَلِك، يُقَال: إِنَّه لدَيُّوث بَيّن المَذَاء. قَالَ: وَلَيْسَ من المَذْي الَّذِي يَخْرُج من الذَّكَر عِنْد الشَّهوة.
قلت: كَأَنَّهُ من: مَذَيْت فرسي، وأَمْذَيته، إِذا أَرْسلته يَرْعَى.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأمَوِي: مَذيت وأمذيتُ، وَهُوَ المَذِيّ، مشدّد، وَغَيره يُخَفِّف.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: المَنيِّ، وَحْدَه مُشدَّد؛ والمَذْي والوَدْي، مُخَفَّفان.
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: هُوَ الوَذِيّ والوَدِيّ، وَقد وَذى وأَوْذَى ووَذَّى، وَهُوَ المَنَيّ والمَنْي.
قَالَ: والمِذَى: المَرَايَا؛ واحدتُها مَذْيَةٌ؛ وتُجْمَع: مَذْياً، ومَذَيات، ومِذًى، ومِذَاء.
وَقَالَ أَبُو كَبِير الهُذليّ فِي (المَذِيّة) ، فَجعلها على فَعِيلة:
وبَياضُ وَجْهِك لم تَحُلْ أَسْرَارُه
مِثْلُ المَذِيّة أَو كشَنْفِ الأنْضَرِ
وَقَالَ فِي تَفسيره: المَذِيّة: المِرْآة.

(15/24)


ويُرْوَى: مِثل الوَذِيلة.
شَمِرٌ: قَالَ أَبُو عَمْرو: الماذيّة من الدُّرُوع: البَيْضاء؛ وَمِنْه قيل: عَسَلٌ ماذِيّ، إِذا كَانَ ليِّناً، وسُمِّيت الخَمْرُ سُخَاميَّة، لِلِينها أَيْضا.
وَيُقَال: شَعَرٌ سُخَامٌ، إِذا كَانَ ليِّناً.
وَقَالَ ابْن شُمَيل وَأَبُو خَيْرة: الماذِيّ: الحَدِيدُ كُلُّه: الدِّرْع والمِغْفَر والسِّلاح أَجْمَع، مَا كَانَ مِن حَديد فَهُوَ ماذيّ؛ (دِرْعٌ ماذِيَّة) .
وَقَالَ عَنْتَرَة:
يَمْشُون والماذِيّ فَوْق رُؤُوسِهم
يَتَوَقَّدون تَوَقُّد النَّجْمِ
ويُقال: الماذِيّ: خالصُ الحَدِيد وجَيِّده.
وَقَالَ اللَّيْثُ: المَذْيُ: أَرَقُّ مَا يَكون من النُّطْفَة.
ومذ: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الوَمْذَة: البَياضُ النَّقِيّ.
موذ: وماذ، إِذا كَذَب.
والمائذُ: الكَذَّاب.
قَالَ: والماذُ: الحَسنُ الخُلُقِ الفَكِه النّفْس الطَّيّب الكَلاَم.
قَالَ: والمادُ، بِالدَّال: الذَّاهب والجائي فِي خِفّة.
ميذ: وَقَالَ اللَّيْثُ: المِيذُ: جِيلٌ من الهِنْدِ، بِمَنْزِلَة التُّرْكِ يَغْزُون المُسْلِمين فِي البَحْر.

(15/25)


بَاب لفيف حرف الذَّال
ذَا، ذأي، وَذَا، ذوى، ذيت، و (ذية) ، وذذ، (أَذَى، ذيا، وذأ، ذأذأ، أذي) .
ذَا: قَالَ أَبُو العبّاس أَحْمد بن يَحيى، وَمُحَمّد بن يَزيد: ذَا، يكون بمَعْنى: هَذَا؛ وَمِنْه قَوْله تعالَى: {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} (الْبَقَرَة: 255) .
وَيكون بمعْنى (الّذي) .
قَالَا: ويُقَال: هَذَا ذُو صَلاح، ورَأيتُ هَذَا ذَا صَلَاح، ومَرَرْت بِهَذَا ذِي صَلاح؛ ومَعْناه كلّه: صَاحب صَلاَح.
وأَخْبرني المُنْذِريّ عَن أبي الهَيْثَمِ أَنه قَالَ: ذَا، اسْم كُلِّ مُشارٍ إِلَيْهِ مُعَايَنٍ يَراه المُتكلِّم والمُخاطَب.
قَالَ: وَالِاسْم مِنها (الذَّال) وَحْدَها، مَفْتوحة.
وَقَالُوا: الذَّال وَحدهَا هُوَ الِاسْم المُشار إِلَيْهِ، وَهُوَ اسْم مُبْهم لَا يُعْرف مَا هُوَ حَتَّى يُفَسَّر بِمَا بَعده؛ كَقَوْلِك: ذَا الرَّجُل، ذَا الفَرس، فَهَذَا تفْسير (ذَا) . ونَصْبه ورَفْعه وخَفْضه سَوَاء.
قَالَ: وَجعلُوا فَتْحة الذَّال فَرْقاً بَين التَّذكير والتأنيث، كَمَا قَالُوا: ذَا أَخُوك.
وَقَالُوا للْأُنْثَى: ذِي أختك، فكسروا الذَّال فِي الْأُنْثَى. وزادُوا مَعَ فَتْحة الذالِ فِي المذكَّر ألفا، وَمَعَ كَسرتها للْأُنْثَى يَاء، كَمَا قَالُوا: أنتَ وأنتِ.
وأفادني غيرُه عَن أبي حَاتِم عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: العربُ تَقول: لَا أُكلِّمك فِي ذِي السَّنة، وَفِي هذي السّنة. وَلَا يُقال: فِي ذَا السَّنَة، وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا يُقَال: فِي هَذِه السَّنةِ، وَفِي هذي السّنة، وَفِي ذِي السَّنة. وَكَذَلِكَ لَا يُقال: أدْخُل ذَا الدَّار، وَلَا ألبس ذَا الجُبة، إِنَّمَا الصَّوَاب: أَدخل ذِي الدَّار، وأَلبس ذِي الجُبّة.
وَلَا يكون (ذَا) إِلَّا لمذكَّر؛ يُقَال: هَذِه الدَّار، وَذي الْمَرْأَة.
وَيُقَال: دَخَلْت تِلْكَ الدَّار، وتيك الدَّار؛ وَلَا يُقَال: ذيك الدَّار.
وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب (ذيك) ألبتّة. والعامة تُخطىء فِيهِ فَتَقول: كَيفَ ذيك الْمَرْأَة؟ وَالصَّوَاب: كَيفَ تيك الْمَرْأَة؛ وأَنْشد المُبرِّد:
أمِن زَيْنبَ ذِي النّارُ
قُبَيل الصُّبْح مَا تَخْبُو
إِذا مَا خَمَدت يُلقَى
عَلَيْهَا المَنْدَلُ الرّطْبُ

(15/26)


قَالَ أَبُو العبّاس: ذِي، مَعْنَاهُ: ذه؛ يُقال: ذَا عبد الله، وَذي أَمَة الله، وذه أَمَة الله، وته أَمَة الله؛ وتا أَمَة الله.
قَالَ: وَيُقَال: هذي هِنْد، وهاته هِنْد، وهاتا هِنْد، على زِيَادَة (هَا) التَّنبيه.
قَالَ: وَإِذا صَغّرت (ذه) قلت: تيّا، تَصْغير (ته) أَو (تا) ؛ وَلَا تُصَغر (ذه) على لَفظهَا، لِأَنَّك إِذا صَغّرت (ذَا) قلت (ذيّا) وَلَو صغَّرت (ذه) لَقلت (ذيّا) ، فالْتَبس المذكّر، فصغروا مَا يُخَالف فِيهِ المؤنَّثُ المذكَّرَ.
قَالَ: والمبهمات يُخالف تصغيرها تصغيرَ سَائِر الأسْماء.
تَفْسِير ذَاك، وَذَلِكَ
قَالَ أَبُو الهَيْثم فِيمَا أَخْبرني عَنهُ المُنْذريّ: إِذا بَعد المُشار إِلَيْهِ من المُخاطب، وَكَانَ المُخاطب بَعيدا ممّن يُشير إِلَيْهِ، زادوا كافاً، فَقَالُوا: ذَاك أَخُوك. وَهَذِه الْكَاف لَيست فِي مَوضِع خَفْض وَلَا نَصْب، إِنَّمَا أشبهت كَاف قَوْلك (أَخَاك) و (عصاك) فتوهّم السامعون أَن قَول الْقَائِل: ذَاك أَخُوك، كأنّها فِي مَوضع خَفْض لإشْباهها كَاف (أَخَاك) . وَلَيْسَ ذَلِك كَذَلِك، إِنَّمَا تِلْكَ كَاف ضُمّت إِلَى (ذَا) لبُعد (ذَا) من المُخاطب، فلمّا دخل فِيهَا هَذَا اللَّبس زادوا فِيهَا لاماً، فَقَالُوا: ذَلِك أَخُوك؛ وَفِي الْجَمَاعَة: أُولَئِكَ إخْوَتك. فَإِن اللَّام إِذا دخلت ذهبت بمَعْنى الْإِضَافَة.
ويُقال: هَذَا أَخُوك، وَهَذَا أَخ لَك، وَهَذَا لَك أَخ، فَإِذا أُدخلت اللَّام فَلَا إِضَافَة.
قَالَ أَبُو الهَيْثم: وَقد أعلمتك أَن الرّفْع والنَّصب والخفض فِي قَوْله: (ذَا) سَوَاء، تَقول: مَرَرْت بذا، وَرَأَيْت ذَا، وَقَامَ ذَا، فَلَا يكون فِيهَا عَلامَة رَفْع الْإِعْرَاب وَلَا خَفضه وَلَا نَصبه، لِأَنَّهُ غير متمكِّن، فَلَمَّا ثَنَّوا زادوا فِي التَّثْنية نوناً فأبقوا الْألف، فَقَالُوا، ذان أَخَوَاك، وذانك أَخَوَاك؛ قَالَ الله تَعَالَى: {مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} (النِّسَاء: 173) .
وَمن الْعَرَب من يُشَدِّد هَذِه النُّون فَيَقُول: ذانِّك أَخَوَاك. وهم الّذين يَزيدون اللَّام فِي (ذَاك) فَيَقُولُونَ: ذَلِك، فَجعلُوا هَذِه التشديدة بدل اللَّام.
وأَخْبرني المُنْذريّ، عَن أبي العبّاس، قَالَ: قَالَ الأخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} (النِّسَاء: 173) قَالَ: وَقَرَأَ بَعضهم (فذانِّك برهانان) ، قَالَ: وهم الَّذين قَالُوا: ذَلِك، أدخلُوا التثقيل للتَّأْكِيد، كَمَا أدخلُوا اللَّام فِي (ذَلِك) .
قَالَ أَبُو العبّاس: وَقَالَ الفَرّاء: وشدّدوا هَذِه النّون ليُفْرق بَينهَا وَبَين النُّون الَّتِي تَسْقط للإِضافة، لأنّ (هَذَانِ) و (هَاتَانِ) لَا تُضاف.
وَقَالَ الكِسائيّ: هِيَ من لُغَة من قَالَ: هَذَا

(15/27)


أقَال ذَلِك، فزادوا على الْألف ألفا، كَمَا زادوا على النُّون نوناً، ليفصل بَينهَا وَبَين الْأَسْمَاء المتمكِّنة.
وَقَالَ الفرّاء: اجْتمع القُرّاء على تَخْفيف النُّون من (ذَانك) ، وَكثير من الْعَرَب يَقُول: فذانك قائمان، وَهَذَانِ قائمان، واللَّذان قَالَا ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: فذانك، تَثْنِيَة (ذَاك) ، وذانَّك، تَثْنِيَة ذَلِك، يكون بدل اللَّام فِي ذَلِك تَشْدِيد النُّون فِي (ذَانك) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الِاسْم من (ذَلِك) : ذَا، و (الْكَاف) زيد للمخاطبة، فَلَا حظّ لَهَا فِي الْإِعْرَاب.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو كَانَ لَهَا حظٌّ فِي الْإِعْرَاب لَقلت: ذَلِك نَفْسك زيد، وَهَذَا خطأ.
وَلَا يجوز إِلَّا: ذَلِك نَفسه زيد، وَكَذَلِكَ ذَانك، يشْهد أَن الْكَاف لَا مَوضِع لَهَا، وَلَو كَانَ لَهَا مَوضِع لَكَانَ جرّاً بِالْإِضَافَة، وَالنُّون لَا تدخل مَعَ الْإِضَافَة، وَاللَّام زيدت مَعَ ذَلِك للتوكيد، تَقول: ذَلِك الْحق، وهذاك الْحق. ويقبح: هذالك الْحق؛ لِأَن اللَّام قد أكدت مَعَ الْإِشَارَة وكُسرت لالتقاء الساكنين، أَعنِي الْألف من (ذَا) ، وَاللَّام الَّتِي بعْدهَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تكون اللَّام سَاكِنة، وَلكنهَا كُسرت لما قُلْنَا.
تَفْسِير هَذَا
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الهَيْثم أَنه سَمِعه يقُول: هَا، أَلا، حرفان يُفتتح بهما الْكَلَام لَا مَعنى لَهما إِلَّا افْتِتَاح الْكَلَام بهما، تَقول: هَذَا أَخُوك، فها، تَنْبِيه، وَذَا، اسْم الْمشَار إِلَيْهِ، وأخوك هُوَ الْخَبَر.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: (هَا) ، تَنْبِيه تفتح الْعَرَب الْكَلَام بِهِ، بِلَا مَعنى سوى الِافْتِتَاح، هَا إِن ذَا أَخُوك، وَألا إِن ذَا أَخُوك.
قَالَ: وَإِذا ثَنّوا الِاسْم الْمُبْهم قَالُوا: تان أختاك، وَهَاتَانِ أختاك، فَرَجَعُوا إِلَى (تا) . فَلَمَّا جمعُوا قَالُوا: أولاء إخْوَتك، وأولاء أخواتك، وَلم يفرقُوا بَين الْأُنْثَى وَالذكر بعلامة.
قَالَ: وأولاء، ممدودة مَقْصُورَة: اسْم لجماعه: ذَا، وذه، ثمَّ زادوا (هَا) مَعَ أولاء، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ إخْوَتك.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {هَآأَنتُمْ أُوْلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ تُحِبُّونَهُمْ} (آل عمرَان: 119) : العَربُ إِذا جَاءَت إِلَى اسْم مَكنيّ قد وُصف بِهَذَا وَهَذَانِ وَهَؤُلَاء، فَرّقوا بَين (هَا) ، وَبَين (ذَا) وَجعلُوا المكنيّ بَينهمَا، وَذَلِكَ فِي جِهَة التَّقْريب لَا فِي غَيرهَا، ويقُولون: أَيْن أَنْت؟ فَيَقُول الْقَائِل: هَا أَنا ذَا. فَلَا يكادون يَقُولُونَ: هَا أَنا، وَكَذَلِكَ التَّنْبيه فِي الْجمع.
وَمِنْه قَوْله عزّ وجَلّ: {هَآأَنتُمْ أُوْلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ تُحِبُّونَهُمْ}

(15/28)


(آل عمرَان: 119) ، وَرُبمَا أعادوها فوصلوها ب: ذَا، وَهَذَا، وَهَؤُلَاء، فَيَقُولُونَ: هَا أَنْت ذَا قَائِما، وَهَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ.
قَالَ الله تَعَالَى فِي سُورَة النِّساء: {هَاأَنْتُمْ هَاؤُلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} (108) .
قَالَ: فَإِذا كَانَ الْكَلَام على غير التَّقريب، أَو كَانَ مَعَ اسْم ظَاهر، جَعلوها مَوْصولةً ب (ذَا) ، فَيَقُولُونَ: هَا هُوَ، وَهَذَانِ هما، إِذا كَانَ على خبر يَكْتفي كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ بِلَا فِعل، والتَّقْريب لَا بُدّ مِنْهُ من فِعل لنُقْصانه، وأَحَبّوا أَن يُفرّقوا بذلك بَين التَّقريب وَبَين مَعْنى الِاسْم الصَّحيح.
وَقَالَ أَبُو زيد: بَنو عُقيل يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ مَمْدُود مُنوَّن مَهْموز قَوْمك، وَذهب أمسٍ بِمَا فِيهِ، بتنوين.
وَتَمِيم تَقول: هَؤُلَاءِ قومُك، ساكِن.
وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ قَوْمك، مَمدود مَهْموز مَخْفوض.
قَالَ: وَقَالُوا: كِلْتَاتَيْن، وهاتَين، بمَعْنى وَاحِد.
وَأما تَأْنِيث (هَذَا) فإنّ أَبَا الْهَيْثَم قَالَ: يُقال فِي تَأْنِيث (هَذَا) هَذِه، مُنطلقة، فَيصلون يَاء بِالْهَاءِ.
وَقَالَ بعضُهم: هذي، مُنطلقة، وتِي، مُنْطلقة، وتا، مُنْطلقة.
وَقَالَ كَعب الغَنَوِيّ:
وأنْبَأْتُمانِي أنّما الموتُ بالقُرَى
فَكيف وهاتَا رَوْضةٌ وكَثِيبٌ
يُريد: فَكيف وَهَذِه؟
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي (هَذَا) و (هَذِه) :
فهذي طَواها بُعْد هَذِي وَهَذِه
طَواها لهَذِي وَخْدُها وانْسِلاَلُها
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: (هذاتُ) ، مُنطلقة، وَهِي شاذّة مَرْغوب عَنْهَا.
قَالَ: وَقَالُوا: تيك، وَتلك، وتالك، مُنطلقة؛ وَقَالَ القُطاميّ:
تعَلّم أنّ بعد الغَيّ رُشْداً
وأنّ لتالك الغُمرَ انْقِشَاعا
فصيّرها (تالك) ، وَهِي مقُولة.
وَإِذا ثَنّيت (تا) ، قلت: تانِك فَعَلَتا ذَلِك، وتانِّك فَعَلتا ذَاك، بالتَّشديد.
وَقَالُوا فِي تَثنية (الَّذِي) : اللّذانِ واللّذانّ، واللّتانِ واللتانّ.
وَأما الْجمع فَيُقَال: أُولَئِكَ فَعلوا ذَلِك، بالمدّ، وأولاك، بالقَصْر، وَالْوَاو سَاكِنة فيهمَا.
تَصْغير ذَا، وتا، وجمعهما
أَهْل الْكُوفَة يُسمُّون: ذَا، وتا، وَتلك وَذَلِكَ، وَهَذَا، وَهَذِه، وَهَؤُلَاء، والّذي وَالَّذين، وَالَّتِي، واللاتي: حُروفَ المُثُل.
وأَهْلُ البَصرة: يُسمّونها حُروفَ الإِشارة،

(15/29)


والأَسْماء المُبْهمة.
فَقَالُوا فِي تَصْغير (هَذَا) : ذَيّا، مثل تَصْغِير (ذَا) ، لِأَن (هَا) تَنبيه، و (ذَا) إِشَارَة وصفةٌ ومِثالٌ لاسم مَن تُشير إِلَيْهِ.
فَقَالُوا: وتصغير (ذَلِك) : ذيّا، وَإِن شِئْت: ذيّالك. فَمن قَالَ: (ذيّا) زعم أَن اللَّام لَيست بأصلية، لِأَن معنى (ذَلِك) : ذَاك، وَالْكَاف كَاف المُخاطب. وَمن قَالَ: ذيّالك، صَغَّر على اللَّفْظ.
وتَصغير (تِلْكَ) : تيّا، وتَيّالك.
وتصغير (هَذِه) : تَيّا.
وتصغير (أُولَئِكَ) : أُوليّا.
وتصغير (هَؤُلَاءِ) : هؤليّا.
قَالَ: وتصغير (اللَّاتِي) مثل تَصْغِير (الَّتِي) ، وَهِي: اللّتَيَّا.
وتصغير (اللَّاتِي) : اللّوَيّا.
وتصغير (الَّذِي) : اللّذَيّا؛ و (الَّذين) : اللّذَيُّون.
وَقَالَ أَبُو العبّاس أحمدُ بنُ يحيى: يُقال للْجَمَاعَة الَّتِي واحدتها مؤنّثة: اللَّاتِي، واللائي، وَالْجَمَاعَة الَّتِي وَاحِدهَا مذكّر: اللائي، وَلَا يُقال: (الّلاتي) إِلَّا للَّتِي واحدتها مُؤَنّثَة؛ يُقَال: هُنّ الّلاتي فَعَلْن كَذَا وَكَذَا، والّلائي فعلن كَذَا؛ وهم الرِّجَال الّلائي والّلاءُون فَعَلوا كَذَا وَكَذَا، وأَنشد الفَرّاء:
همُ الّلاءُون فَكَّوا الغُلَّ عنِّي
بِمَرْو الشّاهِجانِ وهُمْ جَنَاحِي
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ} (النِّسَاء: 15) .
وَقَالَ فِي مَوضع آخر: {أَشْهُرٍ وَاللَّاتِي لَمْ} (الطَّلَاق: 4) .
وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
من الّلائي لم يَحْجُجْنَ يَبْغِين حِسْبَةً
ولكنْ ليَقْتُلْنَ البَرِيء الْمُغَفَّلاَ
وَقَالَ العجَّاج:
بَعْدَ اللّتَيَا واللَّتّيّا والّتي
إِذا عَلتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ
يُقال: إِذا لَقِيَ مِنْهُ الجَهد والشِّدة. أَرَادَ: بعد عَقَبة من عِقاب الْمَوْت مُنْكرة، إِذا أَشْرَفت عَلَيْهَا النَّفس تردَّت، أَي هَلكت. وقَبْله:
إِلَى أَمَارٍ وأَمَارِ مُدَّتي
دافَع عنِّي بنَقير مَوْتتِي
بَعد اللتيّا واللَّتّيّا وَالَّتِي
إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَردَّتِ
فارتاح ربِّي وَأَرَادَ رَحْمتي
ونِعمةً أتمّها فتمَّتِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: (الَّذِي) تَعْرِيف (لذْ) و (لِذَى) فَلَمَّا قصُرَت قَوّوا الّلام بلامٍ أُخرى.
وَمن العَرب مَن يحذف الْيَاء فَيَقُول: هَذَا اللَّذْ فَعل كَذَا، بتسكين الذَّال؛ وأَنشد:

(15/30)


كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصْطِيدا
والاثنين: هَذَانِ اللَّذَان، وللجميع: هَؤُلَاءِ الَّذين.
قَالَ: وَمِنْهُم من يقُول: هَذَانِ اللّذا.
فَأَما الَّذين أَسكنوا الذَّال وحذفوا الْيَاء الَّتِي بعْدهَا فإنّهم لما أَدخلوا فِي الِاسْم لَام المَعرفة طَرحوا الزّيادة الَّتِي بعد الذَّال وأُسكنت الذَّال، فَلَمَّا ثَنَّوْا حذفوا النُّون فأدخلوا على الِاثْنَيْنِ لحذف النُّون مَا أَدخلوا على الْوَاحِد بِإِسْكَان (الذَّال) ، وَكَذَلِكَ الْجَمِيع.
فَإِن قَالَ قائلٌ: أَلا قَالُوا: اللَّذُو، فِي الْجمع بِالْوَاو؟ فقُل: الصَّوَاب فِي الْقيَاس ذَلِك، وَلَكِن الْعَرَب اجْتمعت على (الَّذِي) بِالْيَاءِ، والجر وَالنّصب وَالرَّفْع سَوَاء.
وَأنْشد:
إنّ الَّذِي حانتْ بفَلْجٍ دِماؤُهم
همُ القومُ كلُّ الْقَوْم يَا أمَّ خالدِ
وَقَالَ الأخْطل:
أَبَنِي كُلَيْبٍ إِن عَمَّيَّ اللّذا
قتَلا الملوكَ وفكّكَا الأغْلاَلاَ
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: اللّتا، وَالَّتِي. وَأنْشد:
هما اللّتا أَقْصَدني سَهْماهُما
وَقَالَ الخليلُ وسِيبَويه، فِيمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق لَهما: إنَّهُمَا قَالَا: (الَّذين) لَا يَظهر فِيهَا الْإِعْرَاب، تَقول فِي النَّصب وَالرَّفْع والجر: أَتَانِي الَّذين فِي الدَّار، وَرَأَيْت الَّذين فِي الدَّار، ومررت بالذين فِي الدَّار، وَكَذَلِكَ: الَّذِي فِي الدَّار.
قَالَا: وإنّما مُنِعا الْإِعْرَاب لأنّ الْإِعْرَاب إِنَّمَا يكون فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء، و (الَّذِي) و (الَّذين) مُبهمان لَا يَتِمّان إِلَّا بصِلاتهما، فَلذَلِك مُنِعا الْإِعْرَاب. وأصل (الَّذِي) : (لذ) فَاعْلَم على وزن (عَم) .
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا بالك تَقول: أَتَانِي اللَّذَان فِي الدَّار، وَرَأَيْت الَّذين فِي الدَّار؛ فتُعرب مَا لَا يُعْرب فِي الْوَاحِد فِي تَثْنِيَته، نَحْو: هَذَانِ، وهذين؛ وَأَنت لَا تُعربُ (هَذَا) و (لَا هَؤُلَاءِ) ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن جَمِيع مَا لَا يُعْرب فِي الْوَاحِد مُشَبَّه بالحرف الَّذِي جَاءَ لِمَعْنى، فَإِن ثَنَّيْته فقد بَطَل شَبَهُ الحَرْف الَّذِي جَاءَ لِمَعْنى، لأنّ حُرُوف الْمعَانِي لَا تُثَنّى.
فَإِن قَالَ قائلٌ: فلِمَ مَنَعتْه الْإِعْرَاب فِي الْجمع؟ .
قلتُ: لأنّ الجَمْع لَيْسَ على حدّ التَّثْنية كالواحد، أَلا تَرى أنّك تَقُول فِي جَمْع (هَذَا) : هَؤُلَاءِ يَا فَتى، فَجَعَلته اسْما للْجمع، فَتبْنيه كَمَا بَنَيْتَ الْوَاحِد.
ومَن جَمع (الَّذين) على حد التَّثْنية قَالَ: جَاءَنِي الَّذُون فِي الدَّار، ورأيتُ الّذين فِي الدّار. وَهَذَا لَا يَنبغي أَن يَقع؛ لأنّ الجَمع يُسْتَثنى فِيهِ عَن حدّ التَّثْنية، والتَّثْنية

(15/31)


لَيْسَ لَهَا إِلَّا ضَرْبٌ وَاحِد.
ثَعلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: الأُلَى: فِي معنى (الَّذين) ؛ وأَنشد:
فَإِن الأُلَى بالطَّفّ مِن آلِ هاشِمِ
قَالَ ابنُ الأنباريّ: قَالَ ابْن قُتَيْبة فِي قَوْله عَزّ وجلّ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً} (الْبَقَرَة: 17) مَعْناه: كَمثل الّذين اسْتَوْقَدُوا نَارا؛ ف (الَّذِي) قد يَأْتِي مُؤدِّياً عَن الْجَميع فِي بعض الْمَوَاضِع؛ واحْتَجّ بقوله:
إنّ الَّذِي حانَتْ بفَلْج دِماؤهم
قَالَ أَبُو بَكر: احْتجاجُه على الْآيَة بِهَذَا الْبَيْت غَلَطٌ؛ لِأَن (الَّذِي) فِي القُرآن اسمٌ وَاحِد رُبمَا أَدَّى عَن الجَمع فَلَا واحدَ لَهُ، و (الَّذِي) فِي الْبَيْت جَمْعٌ واحدُه (اللَّذ) وتَثْنيته (اللذا) وَجمعه (الَّذِي) .
وَالْعرب تَقول: جَاءَنِي الّذي تكلَّموا. وَوَاحِد (الَّذِي) : اللَّذ؛ وأَنْشد:
يَا ربّ عَبْس لَا تُبارِكْ فِي أَحَدْ
فِي قائمٍ مِنْهُم وَلَا فِيمَن قَعَدْ
إلاّ الَّذِي قامُوا بأَطْراف المَسَدْ
أَرَادَ: الّذين.
قَالَ أَبُو بكر: و (الّذي) فِي الْقُرْآن وَاحِد لَيْسَ لَهُ وَاحِد: و (الَّذِي) فِي الْبَيْت جَمعٌ لَهُ وَاحِد؛ وَأنْشد الفَراء:
فكنتُ والأمْر الّذي قد كِيدَا
كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيةً فاصْطِيدَا
وَقَالَ الأخْطل:
أَبني كُلَيب إنّ عَمَّيّ اللَّذا
قَتَلاَ المُلُوكَ وفَكَّكَا الأَغْلاَلاَ
قَالَ: و (الَّذِي) يكون مؤدِّياً عَن الْجمع. وَهُوَ وَاحِد لَا وَاحِد لَهُ فِي مثل قَوْل النَّاس: أُوصي بِمَالي للَّذي غَزَا وحَجّ. مَعْنَاهُ: للغازين والحجّاج.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَحْسَنَ} (الْأَنْعَام: 154) .
قَالَ الفَرّاء: مَعْناه: تَمامًا للمُحْسنين، أَي تَمامًا للّذين أَحْسنوا. يَعْني أنّه تمَّمَ كتُبَهم بكتابه.
وَيجوز أنْ يكون المَعنى: تَمامًا على مَا أَحْسن، أَي تَمامًا للَّذي أَحْسَنه مِن العِلْم وكُتُب الله الْقَدِيمَة.
قَالَ: ومَعْنى قَوْله تعالَى: {كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً} (الْبَقَرَة: 17) أَي مَثَلُ هَؤُلَاءِ المُنافقين كَمثل رَجُلٍ كَانَ فِي ظُلْمة لَا يُبْصر من أَجلها مَا عَن يَمينه وشِماله وورائه وبَين يَدَيه، وأَوْقد نَارا فأَبْصر بهَا مَا حَوله من قذًى وأذًى، فَبينا هُوَ كَذَلِك طَفِئت نارُه فرجَع إِلَى ظُلْمته الأُولى، فَكَذَلِك المُنافقون كانُوا فِي ظُلمة الشِّرْك ثمَّ أَسْلموا فعرَفوا الخَيْر والشَّرَّ بِالْإِسْلَامِ، كَمَا عَرف المُستوقد لما طفِئت نارُه ورَجع إِلَى أَمْره الأَوّل.

(15/32)


تَفْسِير ذُو، وَذَات
قَالَ: اللَّيْثُ: (ذُو) اسْم نَاقص: وتَفسيره: صَاحب ذَلِك، كَقَوْلِك: فلانٌ ذُو مَال، أَي صَاحب مَال، والتَّثْنية: ذَوَان، وَالْجمع: ذَوُون.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب شيءٌ يكون إعرابُه على حَرْفين غير سَبع كَلِمَات، وهنّ: ذُو، وفو، وأخو، وَأَبُو، وحمو، وامرؤ، وابنم.
فَأَما (فو) فَإنَّك تَقول: رَأَيْت فَا زَيْدٍ، وَهَذَا فُو زَيْدٍ.
وَمِنْهُم مَن يَنْصب (الْفَا) فِي كُلّ وَجْه، قَالَ العجّاجَ يَصف الخَمر:
خالَط مِن سَلْمَى خَياشِيمَ وفَا
وَقَالَ الأصمعيّ: قَالَ بِشْر بن عُمر: قلتُ لذِي الرُّمَّة: أَرَأَيْت قَوْلَه:
خالَط مِن سَلْمَى خياشِيمَ وفَا
قَالَ: إنّا لنقولها فِي كلامنا: قبح الله ذافَا
قَالَ أَبُو مَنْصور: وكلامُ الْعَرَب هُوَ الأوّل، وَذَا نادِرٌ.
قَالَ اللَّيْثُ: وَتقول فِي تَأْنِيث (ذُو) : ذَات، تَقول: هِيَ ذَات مالٍ؛ فَإِذا وقفت فَمنهمْ مَن يَدع التَّاء على حَالهَا ظاهرَة فِي الوقُوف، لِكَثْرَة مَا جَرَت على اللِّسان؛ وَمِنْهُم من يَرُدّ الْفَاء إِلَى هَاء التَّأْنِيث، وَهُوَ الْقيَاس.
وَتقول: هِيَ ذاتُ مالٍ، وهما ذواتا مالٍ، وَيجوز فِي الشِّعر: ذاتا مالٍ، والتَّمام أحسن؛ قَالَ الله تَعَالَى: {) تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} (الرحمان: 48) . وَتقول فِي الْجمع: الذّوُون.
قَالَ اللَّيْثُ: وهم الأدْنَون والأوْلَوْن؛ وَأنْشد للكُمَيت:
وَقد عَرَفت مَواليها الذّوِينَا
أَي الأخَصِّين، وَإِنَّمَا جَاءَت النُّون لِذهاب الْإِضَافَة.
وَتقول فِي جمع (ذُو) : هُم ذَوُو مالٍ، وهُنّ ذَوَات مَال، وَمثله: أُولو مَال، وَهن أُلاَت مالٍ.
وَتقول العربُ: لقيتُه ذَا صباحٍ؛ وَلَو قيل: ذاتَ صَباح، مِثْلَ: ذاتَ يومٍ، لَحَسُن، لأنَّ (ذَا) و (ذَات) يُراد بهما وَقت مُضاف إِلَى الْيَوْم والصَّباح.
وَأما قولُ الله تَعَالَى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} (الْأَنْفَال: 1) ، فإنّ أَبَا العبّاس أَحْمد بن يحيى قَالَ: أَرَادَ الْحَالة الَّتِي للبَيْن، وَكَذَلِكَ أتيتُك ذاتَ العِشاء، أَرَادَ السَّاعَة الَّتِي فِيهَا العِشاء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنى {ذَاتَ بِيْنِكُمْ} : حَقِيقَة وَصْلكم، أَي اتّقوا الله وكونُوا مُجْتَمعين على أَمر الله وَرَسُوله. وَكَذَلِكَ معنى: اللَّهُمَّ أصلح ذاتَ البَين، أَي أَصلح الْحَال الَّتِي يَجْتمع بهَا المُسلمون.

(15/33)


أَبُو عُبَيد، عَن الفَرّاء: يُقَال: لَقِيتُه ذاتَ يَوْمٍ، وذاتَ لَيْلة، وَذَات العُوَيْم، وَذَات الزُّمَيْن، ولقيتُه ذَا غَبُوق، بِغَيْر تَاء، وَذَا صَبُوح.
ثَعلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: تَقول: أتيتُه ذَات الصَّبُوح، وذاتَ الغَبُوق، إِذا أَتَيته غُدْوَةً وعَشِيَّة، وأتيته ذَا صباح وَذَا مَساء.
قَالَ: وأتيتُهم ذَات الزُّمَيْن، وَذَات العُوَيم، أَي مذ ثَلَاثَة أزمان وأَعْوام.
وَذَات الشَّيْء: حقيقتُه وخاصته.
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقال: قلّت ذاتُ يدِه.
قَالَ: و (ذَات) هَا هُنَا: اسمٌ لما مَلَكت يَدَاهُ، كأنّها تَقع على الأَموال.
وَكَذَلِكَ: عَرَفه من ذَات نَفْسه: كَأَنَّهُ يَعْني سَرِيرتَه المُضْمَرة.
قَالَ: و (ذَات) ناقصةٌ، تمامُها: ذواتٌ، مثل: نَواة، فحذفوا مِنْهَا الْوَاو، فَإِذا ثَنَّوا أَتَمُّوا فَقَالُوا: ذواتان، كَقَوْلِك: نواتان، وَإِذا ثلّثوا رَجَعوا إِلَى (ذَات) فَقَالُوا: ذَوَات، وَلَو جَمعوا على التّمام لقالوا: ذَوَيَات، كَقَوْلِك: نَوَيات، وتصغيرها: ذُوَيّة.
وَقَالَ ابْن الأَنباريّ فِي قَوْله عَزّ وجَلّ: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الْمَائِدَة: 8) مَعْناه: بحَقيقة القُلوب من المُضْمرات، فتَأنيث (ذَات) لهَذَا المَعْنى، كَمَا قَالَ: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} (الْأَنْفَال: 7) فأنَّث على مَعْنى (الطَّائِفَة) كَمَا يُقال: ذاتَ يَوْم، فيُؤنِّثون لأنّ مَقْصدهم: لَقيته مَرَّةً فِي يَوْم.
وَقَوله تَعَالَى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} (الْكَهْف: 17) ، أُريد (بِذَات) : الْجِهَة، فَلذَلِك أنّثها؛ أَراد: جِهة ذَات يَمِين الكَهْف وَذَات شِماله.
بَاب: ذُو وذوى
مضافين إِلَى الْأَفْعَال
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الفَرّاء: سمعتُ أعرابيّاً يَقُول: بالفَضْل ذُو فَضَّلكم الله، والكَرامة ذاتُ أكْرمكُم الله بهَا. فيَجْعلون مَكَان (الَّذِي) : ذُو، وَمَكَان (الَّتِي) : ذَات، ويرفعون التَّاء على كُلّ حَال.
قَالَ: ويَخْلطون فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجمع، وَرُبمَا قَالُوا: هَذَا ذُو يَعْرِفُ، وَفِي التَّثْنِيَة: هَاتَانِ ذوَا يَعْرِف، وهَذان ذَوا تَعْرف؛ وأَنشد الفرّاء:
وإنّ الماءَ ماءُ أَبِي وجَدِّي
وبِئْرِي ذُو حَفَرْت وَذُو طوَيْتُ
قَالَ الفَرّاء: وَمِنْهُم من يُثنِّي ويَجمع ويؤنّث، فَيَقُول: هَذَانِ ذَوا قَالَا ذَلِك، وَهَؤُلَاء ذوُو قَالُوا ذَلِك، وَهَذِه ذَات قَالَت؛ وأَنشد الفَرّاء:
جَمَعْتُها من أَيْنُق سَوابِقِ
ذواتُ يَنْهَضْنَ بغَيْرِ سائِقِ

(15/34)


وأَخبرني المُنْذريّ، عَن الحَرَّانيّ، عَن ابْن السِّكِّيت: الْعَرَب تقولُ: لَا بِذِي تَسْلَمُ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وللاثنين: لَا بِذِي تَسْلمان، وللجماعة: لَا بِذِي تَسْلمون، وللمؤنث لَا بِذِي تَسْلَمين، وللجماعة: لَا بِذِي تَسْلَمْنَ. والتأويل: لَا وَالله يُسَلِّمك مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، لَا وَسَلامتك مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس المُبَرِّد: ممَّا يُضاف إِلَى الْفِعْل (ذُو) فِي قَوْلك: افْعَل كَذَا بِذِي تَسْلَم؛ وافْعَلاَه بِذِي تَسْلمان.
مَعْنَاهُ: بِالَّذِي يُسلِّمك.
ورَوَى أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: تَقول العَرب: وَالله مَا أَحْسَنْت بِذِي تَسْلَم.
قَالَ: مَعْنَاهُ: وَالله الَّذِي يُسلِّمك من المَرْهوب.
قَالَ: وَلَا يَقُول أحد: بِالَّذِي تَسلم.
قَالَ: وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:
فإنّ بَيْت تَمِيم ذُو سَمِعْتَ بِهِ
فإنَّ (ذُو) هَا هُنَا بِمَعْنى: الَّذِي، وَلَا تكون فِي الرَّفع والنَّصب والجرّ إِلَّا على لَفْظٍ وَاحِد. وَلَيْسَت بالصِّفة الَّتِي تُعرب، نَحْو قَوْلك: مَرَرْت برَجُل ذِي مَال، وَهُوَ ذُو مَال، وَرَأَيْت رجلا ذَا مَال.
قَالَ: وَتقول: رَأَيْت ذُو جَاءَك، وَذُو جاآك، وَذُو جاءُوك، وَذُو جاءتْك، وَذُو جِئْنك، بِلَفْظ وَاحِد للمذكَّر والمؤنّث.
قَالَ: وَمَثَلٌ للْعَرَب: أتَى عَلَيْهِ ذُو أَتَى على النَّاس، أَي الَّذِي أَتَى.
قلتُ: وَهِي لُغة طيِّىء، و (ذُو) بِمَعْنى: الَّذِي.
وَقَالَ اللَّيْثُ: تَقول: مَاذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُول: خيرٌ، وَخيرا، الرّفْع على معنى: الَّذِي صَنَعْتَ خَيْرٌ، وَكَذَلِكَ رَفع قَول الله عزَّ وجلّ: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (الْبَقَرَة: 217) ، أَي الّذي تُنْفِقُون هُوَ العَفو من أَمْوالكم، فإيّاه فأَنْفِقوا؛ والنَّصْب للفِعْل.
وَقَالَ أَبو إسْحاق: مَعنى قَوْله: {مَاذَا يُنفِقُونَ} على ضَرْبين: أَحدهمَا أَن يكون (ذَا) فِي معنى (الَّذِي) ، وَيكون (يُنْفقون) من صفته. الْمَعْنى: يسْأَلُون أَي شَيْء يُنْفِقون؟ كَأَنَّهُ بَيَّن وَجْه الَّذِي يُنْفِقون، لأنَّهم يَعلمون مَا المُنْفَق، ولكنَّهم أَرَادوا عِلْم وَجْهه.
وَمثل جَعْلهم (ذَا) فِي معنى (الَّذِي) قولُ الشَّاعِر:
عَدَسْ مَا لِعَبَّاد عَلَيْكِ إمارةٌ
نَجَوْت وَهَذَا تَحْمِلين طَليقُ
الْمَعْنى: وَالَّذِي تحملين طَلِيق، فَيكون (مَا) رَفْعاً بِالِابْتِدَاءِ، وَيكون (ذَا) خَبَرهَا.
قَالَ: وَجَائِز أَن يكون (مَا) مَعَ (ذَا) بِمَنْزِلَة اسمٍ وَاحِد، وَيكون الْموضع نصبا ب (يُنْفقُونَ) . الْمَعْنى: يَسْأَلُونَك أَي شَيْء

(15/35)


يُنفقون؟ .
قَالَ: وَهَذَا إِجْمَاع النَّحويين، وَكَذَلِكَ الأوَّل إجماعٌ أَيْضا.
وَمثل: جَعْلهم (مَا) و (ذَا) بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد، قولُ الشَّاعِر:
دَعِي مَاذَا عَلِمْتُ سأتّقيه
ولكنْ بالمُغَيَّبَ نَبِّئِينِي
كأنّه بِمَعْنى: دَعِي الَّذِي عَلِمت.
أَبُو زَيد: جَاءَ الْقَوْم من ذِي أَنْفُسهم، وَمن ذَات أَنفُسهم؛ وَجَاءَت المرأةُ من ذِي نَفْسها، وَمن ذَات نَفسهَا، إِذا جاءَا طائعَيْن.
وَقَالَ غيرُه: جَاءَ فلانٌ من أيّة نَفسه، بِهَذَا الْمَعْنى.
والعربُ تَقول: لَاها الله ذَا، بِغَيْر ألف فِي الْقسم. والعامة تَقول: لَا الله إِذا. وَإِنَّمَا الْمَعْنى: لَا وَالله هَذَا مَا أُقسم بِهِ، فأَدخل اسْم الله بَين (هَا) و (ذَا) .
وَتقول الْعَرَب: وضعتِ المرأةُ ذَات بَطنها، إِذا ولدت؛ والذّئْب مَغْبوط بِذِي بَطْنه: أَي بِجَعْوِه؛ وأَلْقى الرّجُلُ ذَا بَطْنه، إِذا أَحْدَث.
وَيُقَال: أَتَيْنَا ذَا يَمن، أَي أَتينا اليَمَن.
وسَمِعْتُ غيرَ واحدٍ من الْعَرَب يَقُول: كُنّا بِموضع كَذَا وَكَذَا مَعَ ذِي عَمْرٍ و، وَكَانَ ذُو عَمْرٍ وبالصَّمَّان، أَي كنّا مَعَ عَمْرو، ومعنا عَمْرو. و (ذُو) كالصّلة عِنْدهم، وَكَذَلِكَ (ذوى) .
قَالَ: وَهُوَ كَثير فِي كَلَام قَيْس ومَن جاوَرَهم.
و (ذَا) يُوصل بِهِ الْكَلَام؛ وَقَالَ:
تَمَنى شَبِيبٌ مِيتَةً سَفَلَتْ بِهِ
وَذَا قَطَرِيَ لَفَّه مِنْهُ وائلُ
يُريد: قطريّاً. و (ذَا) صلَة.
وَقَالَ الكُميت:
إِلَيْكُم ذَوِي آل النبيّ تَطَلَّعت
نوازِعُ من قلْبي ظِمَاءٌ وأَلْبُبُ
أَرَادَ: بَنَات الْقلب وهُمومه.
وَقَالَ آخر:
إِذا مَا كُنتُ مِثْلَ ذَوي عُوَيْفٍ
ودِينارٍ فَقَامَ عَلَيّ ناعِي
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: مَا كلّمت فلَانا ذاتَ شَفة، وَلَا ذَات فَمٍ، أَي لم أُكلّمه كلمة.
وَيُقَال: لَا ذَا جَرَمَ، وَلَا عَن ذَا جَرمَ، أَي لَا أعلم ذَاك هَا هُنَا، كَقَوْلِهِم: لَاها الله ذَا، أَي لَا أَفعل ذَلِك.
وَتقول: لَا والّذي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَإِنَّهَا تملأ الفَمَ وتَقطع الدَّم لأفعلنّ ذَلِك.
وَتقول: لَا وَعَهد الله وعَقْده لَا أَفعل ذَلِك.
تَفْسِير إِذْ وَإِذا وَإِذن
قَالَ اللَّيْثُ: تَقول العربُ: (إِذْ) لما

(15/36)


مَضى، و (إِذا) لما يسْتَقْبل الوَقْتين من الزَّمَان.
قَالَ: و (إِذا) جَوَاب تَأكيد للشّرط، ينوّن فِي الِاتِّصَال، ويُسكن فِي الْوَقْف.
وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تَضع (إِذْ) للمُستقبل، و (إِذا) للماضي.
قَالَ الله عَزّ وجَلّ: {سَمِيعٌ قَرِيبٌ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} (سبأ: 51) ، مَعْنَاهُ: وَلَو تَرَى إِذْ يَفْزعون يومَ الْقِيَامَة.
وَقَالَ الفَرّاء: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لأنّه كالواجب، إِذْ كَانَ لَا يُشك فِي مَجيئه، وَالْوَجْه فِيهِ (إِذا) ، كَمَا قَالَ عَزّ وَجل: {} (الانشقاق: 1) {} (التكوير: 1) .
وَتَأْتِي (إِذا) بِمَعْنى: (إِن) الشّرطِيَّة، كَقَوْلِك: أُكْرمك إِذا أَكْرَمَتْني، مَعْنَاهُ: إِن أَكْرمتني.
وَأما (إِذا) المَوْصولة بالأَوقات، فَإِن الْعَرَب تصلها فِي الْكِتَابَة بهَا فِي أَوْقَات مَعْدودة، فِي: حِينَئِذٍ، ويَومئذ، ولَيلَتئذ، وغَدَاتئذ، وعَشِيَّتَئذ، وساعَتئذ، وعامَئذ. وَلم يقُولوا: الآنئذِ، لأنّ (الْآن) أقْرب مَا يكون فِي الْحَال، فَلَمَّا لم يتحوّل هَذَا الِاسْم عَن وَقت الْحَال، وَلم يتباعد عَن ساعَتِك الَّتِي أَنْت فِيهَا لم يتمكّن، وَلذَلِك نُصبَ فِي كُلّ وَجه.
ولمّا أَرَادوا أَن يُباعدوها ويُحولّوها من حَال إِلَى حَال وَلم تَنْقدْ، كَقَوْلِك: أَن تقولُوا الآنئذ، عَكسوا ليُعْرَف بهَا وقتُ مَا تَبَاعد من الْحَال، فقالُوا: حِينَئِذٍ، وَقَالُوا: الآنَ، لساعتك فِي التَّقْرِيب؛ وَفِي الْبعد: حِينَئِذٍ، ونُزِّل بمنزلتها الساعةُ، وساعتئذ، وَصَارَ فِي حدّهما: الْيَوْم، ويومئذ.
والحُروف الَّتِي وَصفناها على ميزَان ذَلِك مَخْصوصةٌ بتوقيت لم يُخَصّ بِهِ سَائِر أزمان الْأَزْمِنَة، نَحْو: لَقيته سنةَ خَرج زَيْدٌ، ورأيته شَهْرَ تَقَدَّم الحَجّاجُ، وَكَقَوْلِه:
فِي شَهْر يَصْطَادُ الغُلامُ الدُّخَّلاَ
فَمن نَصب (شهرا) فَإِنَّهُ يَجْعَل الْإِضَافَة إِلَى هَذَا الْكَلَام أجمع، كَمَا قَالُوا: زمَنَ الْحجَّاج أَمِيرٌ.
قَالَ اللَّيْثُ: فَإِن وَصَلت (إِذا) بِكَلَام يكون صلَة أَخْرجتها مِن حَدّ الْإِضَافَة، وَصَارَت الْإِضَافَة إِلَى قَوْلك: إِذْ تَقول، وَلَا تكون خَبرا كَقَوْلِه:
عَشِيّة إِذْ تَقُول يُنَوِّلُونِي
كَمَا كَانَت فِي الأَصْل، حَيْثُ جَعَلْتَ (تَقول) صلَة أَخْرجتها مِن حَدّ الْإِضَافَة وَصَارَت الْإِضَافَة (إِذْ تَقول) جُملة.
قَالَ الفَرّاء: وَمن العَرب من يَقُول: كَانَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ إِذْ صَبِيٌّ، أَي هُوَ إِذْ ذَاك صَبِيّ.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:

(15/37)


نَهَيْتُك عَن طِلاَبك أُمَّ عَمْرٍ
وبعافِيةٍ وَأَنت إذٍ صَحِيحُ
قَالَ: وَقد جَاءَ: أَوَانئذ، فِي كَلَام هُذَيل؛ وأَنشد:
دلَفْتُ لَهَا أَوَانئِذٍ بسَهْمٍ
نَحِيضٍ لم تُخَوِّنْه الشُّرُوجُ
قَالَ ابْن الأَنْبَاِريّ فِي (إِذْ) و (إِذا) : إِنَّمَا جَازَ للماضي أَن يكون بِمَعْنى المُستقبل إِذا وَقع الْمَاضِي صِلَةً لمُبْهم غير مُؤَقت، فجرَى مَجْرَى قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (الْحَج: 25) مَعْنَاهُ: إنّ الَّذين يكْفُرون ويَصُدّون عَن سَبِيل الله؛ وَكَذَلِكَ قَوْله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} (الْمَائِدَة: 34) مَعْنَاهُ: إلاّ الَّذين يَتُوبون.
قَالَ: ويُقال: لَا تَضْرب إِلَّا الَّذِي ضَرَبك إِذا سَلّمت عَلَيْهِ، فتَجيء (إِذا) ، لِأَن (الَّذِي) غير مُؤقَّت، فَلَو وَقّتَه فَقَالَ: اضْرب هَذَا الَّذِي ضَرَبك إِذا سَلّمت عَلَيْهِ، لم يجز فِي هَذَا اللَّفْظ؛ لأنّ تَوْقِيت (الَّذِي) أَبطل أَن يكون الْمَاضِي فِي مَعْنى المُستقبل.
وَتقول العربُ: مَا هَلك امْرؤٌ عَرَف قَدْرَه، فَإِذا جاءُوا ب (إِذا) قَالُوا: مَا هلك امرؤٌ إِذا عَرَف قَدْرَه؛ لأنّ الفِعل حَدَثٌ عَن مَنكور يُراد بِهِ الجِنْس؛ كأنّ المتكلمِ يُريد: لَا يَهلك كُلُّ امْرىء إِذا عَرف قَدْرَه، وَمَتى عَرَف قدره؛ وَلَو قَالَ: إِذا عَرَف قدره، لَوَجب تَوْقيت الْخَبَر عَنهُ، وَأَن يُقال: مَا هَلك امْرؤٌ إِذا عَرف قدره؛ وَلذَلِك يُقال: قد كنتُ صَابِرًا إِذا ضربْت، وَقد كنت صَابِرًا إِذْ ضربت، تذْهب ب (إِذا) إِلَى ترديد الْفِعْل، تُريد: قد كنت صَابِرًا كُلّما ضَرَبت. وَالَّذِي يَقُول: إِذْ ضربت، يذهب إِلَى وَقت وَاحِد وَإِلَى ضَرْب مَعْلوم مَعْروف.
وَقَالَ غَيره: (إِذْ) إِذا ولي فِعْلاً أَو اسْماً لَيْسَ فِيهِ ألف وَلَام، إِن كَانَ الفِعل مَاضِيا أَو حرفا مُتحرِّكاً فالذال مِنْهَا سَاكِنة، فَإِذا وليت اسْما بِالْألف وَاللَّام جُرّت الذَّال، كَقَوْلِك: إِذْ القومُ كَانُوا نازِلين بكاظِمَة، وَإِذ النَّاس مَن عَزَّ بَزَّ.
وَأما (إِذا) فَإِنَّهَا إِذا اتَّصلت باسم مُعَرَّف بِالْألف وَاللَّام، فَإِن ذالها تُفْتح إِذا كَانَ مُسْتَقْبلاً، كَقَوْل الله عَزَّ وجَلّ: {} {كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} (التكوير: 1، 2) لِأَن مَعْناها: إِذا.
قَالَ ابْن الأَنْباري: {} (الانشقاق: 1) بِفَتْح الذَّال وَمَا أَشْبَهها، أَي تَنْشَق، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهها، وَإِذا انْكَسَرت الذَّال فَمَعْناها: (إِذْ) الَّتِي للماضي؛ غير أَن (إِذْ) تُوقع مَوْقع (إِذا) و (إِذا) موقع (إِذْ) .
قَالَ الله تعالَى: {وَلَوْ تَرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِذِ الظَّالِمُون

(15/38)


َ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} (الْأَنْعَام: 93) مَعْنَاهُ: إِذا الظَّالِمُونَ، لِأَن هَذَا الْأَمر مُنْتظر لم يَقَع؛ وَقَالَ أَوْسٌ فِي (إِذا) بِمَعْنى (إِذْ) :
الحافظُو الناسِ فِي تَحُوطَ إِذا
لم يُرسِلُوا تَحْتَ عائذٍ رُبَعا
أَي إِذْ لم يُرْسِلوا؛ وَقَالَ على إثره:
وَهبَّت الشاملُ البَلِيلُ وإذْ
باتَ كَميعُ الفَتاة مُلْتَفِعَا
وَقَالَ آخر:
ثمَّ جَزاه الله عنّا إِذْ جَزَى
جَنَّاتِ عَدْنٍ والعَلالِيّ العُلاَ
أَراد: إِذا جزَى.
ورَوى الفَرّاء عَن الكِسائيّ أنّه إِذا قَالَ: (إِذا) مُنوَّنة، إِذا خلت بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي أَوله أَحد حُرُوف الِاسْتِقْبَال نَصَبَتْه، تَقول مِن ذَلِك: إِذا أُكْرِمَك، فَإِذا حُلْتَ بَينهَا وَبَينه بِحرف رَفَعْت ونَصَبت، فقُلْت: فَإِذا لَا أُكْرِمُك، وَلَا أكْرِمَك؛ فَمن رفع فِيهَا لحائل، وَمن نَصب فعلَى تَقْدير أَن يكون مُقدَّماً، كَأَنَّك قلت: فَلَا إِذا أكْرِمَك، وَقد خَلت بِالْفِعْلِ بِلَا مَانع.
قَالَ أَبُو العبّاس أَحمد بن يحيى: وَهَكَذَا يَجُوز أَن يُقرأ: {فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} (النِّسَاء: 52) بالرَّفع والنَّصْب.
قَالَ: وَإِذا حُلْت بَينهَا وَبَين الْفِعْل باسمٍ فارْفَعه: تَقول: إِذا أَخُوك يُكْرِمُك، فَإِن جَعلت مَكَان الِاسْم قَسَماً نَصَبْتَ، فَقلت: إِذا وَالله تنامَ، فَإِن أَدخلت اللَّام على الفِعل مَعَ القَسم رَفَعْت، فَقلت: إِذا وَالله لتَنْدَمُ.
وَقَالَ سِيبويه: والّذي نَذهب إِلَيْهِ ونَحكيه عَنهُ أنَّ (إِذا) نَفْسها الناصبة، وَذَلِكَ لِأَن (إِذا) لما يُسْتقبل لَا غَير فِي حَال النَّصْب، فَجَعلهَا بِمَنْزِلَة (أنْ) فِي الْعَمَل كَمَا جُعلت (لَكِن) نظيرة (أنّ) فِي العَمل فِي الأَسْماء.
قَالَ: وكِلاَ القَوْلَيْن حسَنٌ جَميل.
وَقَالَ الزّجّاج: الْعَامِل عِندي النَّصْب فِي سَائِر الْأَفْعَال (أنْ) ، إمّا أَن تقع ظَاهِرَة أَو مُضْمَرة.
قَالَ أَبُو العبّاس: يُكتب، كَذَى وكذَى، بِالْيَاءِ، مثل. زَكَى وخَسى.
وَقَالَ المُبَرّد: كَذَا وَكَذَا، يكْتب بِالْألف؛ لِأَنَّهُ إِذا أُضيف قيل: كَذَاك.
فأُخْبر ثعلبٌ بقوله، فَقَالَ: فَتى، يكْتب بِالْيَاءِ، ويضاف فيُقال: فَتَاك.
وأَجمع القُرّاء على تَفْخِيم: ذَا، وَهَذِه، وَذَاكَ، وَذَلِكَ، وَكَذَا، وَكَذَلِكَ؛ لم يُمِيلُوا شَيْئاً من ذَلِك.
أَذَى: قَالَ اللَّيْثُ: الأذَى: كُلُّ مَا تَأَذَّيْتَ بِهِ.
ورَجُلٌ أَذِيٌّ، إِذا كَانَ شَديدَ التأَذِّي، فِعْلٌ لَهُ لازِمٌ.
وقولُه: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذَى} (الْبَقَرَة: 264) الأذَى، هُوَ مَا تَسْمعه من

(15/39)


المَكروه.
وَمِنْه {الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} (الْأَحْزَاب: 48) أَي دَع أَذَى المُنافِقِين لَا تُجازِهِم عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تُؤْمَر فيهم بأَمْر.
وَفِي الحَدِيث: (أَميطوا عَنهُ الأذَى) ، يَعْني الشَّعَر الَّذِي يَكون على رَأس المَولود حِين يُولَد.
أَبُو عُبَيدة، عَن الأمويّ: بَعِيرٌ أَذٍ، وناقةٌ أَذِيةٌ، إِذا كَانَا لَا يَقَرّان فِي مَكَان وَاحِد، عَن غَير وجع ولكنْ خِلْقةً.
ويُقال: آذَيْتُه إِيذَاء وأَذِيَّة.
وَقد تأَذَّيت بِهِ تأَذِّياً.
وأَذِيت آذَى أَذَى.
ذأى: قَالَ اللَّيْثُ: يُقَال: ذأَى يَذأَى ويَذْءُو، ذَأْياً وذَأْواً، وَهُوَ ضَرْبٌ من عَدْو الْإِبِل.
وحمار مِذْأًى، مَقْصور بهَمْزة.
أَبُو عُبَيد، عَن الفَرّاء: الذَأْوُ: سَيْرٌ عَنِيف؛ يُقال: ذَأى الإبلَ يَذْآها ويَذْؤُوها، ذَأْياً وذَأْواً.
وَقَالَ غيرُه: حِمَارٌ مِذْأًى: طَرَّادٌ لأتُنه؛ وَقَالَ أَوْسُ بنُ حَجَر:
فَذَأوْنَه شَرَفاً وكُنَّ لَهُ
حتّى تَفَاضَلَ بَينها جَلَبَا
وَقد ذَآها يَذْآها، ذَأْياً وذَأْواً، إِذا طَرَدها.
ذيا: قَالَ أبُو زَيْدٍ: ذَيَّأتُ اللَّحْمَ، إِذا أَنْضَجْتَه حَتَّى يَسْقُط عَن عَظْمه.
وَقد تَذَيّأ اللَّحْمُ تَذَيُّؤاً، إِذا انْفَصل عَن العَظْمِ بِفَسَادٍ أَو طَبْخٍ.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمَعيّ: إِذا فَسَدَت القُرْحَةُ وتَقَطَّعت، قيل: قد تَذَيأَت تَذَيُّؤاً، وتَهَذأَت تَهَذُّؤاً؛ وَأنْشد شَمِرٌ:
تَذَيَّأ مِنْهَا الرَأْسُ حتّى كأنّه
مِن الحَرِّ فِي نَارٍ يَبِضُّ مَلِيلُها
وذأ: فِي حَديث عُثْمان، رَحمه الله: أنّه بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُب ذاتَ يَوْمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فنالَ مِنْهُ، فَوَذَأه ابْنُ سَلاَم فاتَّذَأ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَا يَمْنَعنك مكانُ ابْن سَلاَم أنْ تَسُبّه فإنّه مِن شِيعَته.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأمَوِيّ: يُقال: وَذَأْتُ الرَّجلَ، إِذا زَجَرْتَه، فاتَّذَأ، أَي انْزَجر.
وَقَالَ أَبُو زَيد: وَذَأت الرُّجل أذؤُه وَذْءاً، إِذا أَنْت حَقَرْته.
وَقَالَ أَبُو مَالك: مَا بِهِ وَذْأةٌ وَلَا ظَبْظَابٌ، أَي لَا عِلّة بِهِ، بالهَمْز.
وَذَا: رَوى أَبُو عُبَيد، عَن الأصمَعيّ: مَا بِهِ وَذْيَة.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: مَا بِهِ وَذْيَة، وَهُوَ مثل حَزّة.
وَقيل: مَا بِهِ وَذْيَةٌ، أَي مَا بِهِ عِلّةٌ.
وَقَالَ: الوُذِيُّ: هِيَ الْخُدُوش.
ابْن السِّكّيت: قَالَت العامِرِيّة: مَا بِهِ وَذْيَةٌ، أَي لَيْسَ بِهِ جِرَاح.

(15/40)


وَقَالَ الكِلابيّ: يُقال للرّجُل إِذا برأَ مِن مَرضه: مَا بِهِ وَذْيَةٌ، وَمَا بِهِ عِلّة.
وَفِي الحَدِيث: أوحى الله إِلَى مُوسَى: أمِن أجل دُنيا دَنيّة وشهوة وَذِيّة؟ .
قَوْله: وَذِيّة، أَي حَقِيرة.
ذوى: يُقَال: ذَوَى العُودُ يَذْوِي ذَيّاً، وَهُوَ ألاّ يُصِيبَه رِيُّه، أَو يَضْرِبه الحَرّ، فَيَذْبُلَ ويَضْعُف.
وَقَالَ اللَّيْثُ: لُغة أهل بيشة: ذَأى العُودُ.
وَقَالَ أبُو عُبَيْدة: قَالَ بَعْضُ العَرب: ذَوِي العُودُ يَذْوى، وَهِي لُغة رَدِيئَة.
وَقَالَ ابْن السِّكيت والفَرّاء: ذَوَى العودُ يَذْوِي.
ورَوى ثعلبٌ، عَن ابْن الأعرابيّ: الذَّوَى: قُشُور العِنَب.
والذِّوَى: النِّعَاج الضِّعَافُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الذَّوَاة: قِشْرة الحِنْطة والعِنَبة والبِطِّيخة.
ذيا: قَالَ الكلابيّ: يَقول الرَّجُلُ لصَاحبه: هَذَا يومُ قُرَ. فيقُول الآخَرُ: وَالله مَا أَصْبَحَتْ بِها ذِيَّةٌ، أَي لَا قُرَّ بهَا.
ذيت و (ذية) : أَبُو حَاتِم، عَن الأصمَعيّ: اللُّغة الكثِيرةُ: كَانَ من الْأَمر كَيْتَ وكَيْتَ، بِغَيْر تَنْوين، وذَيْتَ وذَيْتَ، كَذَلِك بالتَّخْفيف.
وَقد ثَقَّل قومٌ فَقَالُوا: ذَيَّتَ وذَيَّتَ، فَإِذا وقفُوا قَالُوا: ذَيَّه، بِالْهَاءِ.
وروى ابْن نَجْدة، عَن أبي زيد، قَالَ: العربُ تَقول: قَالَ فلَان: ذَيْتَ وذَيْتَ، وعَمل كَيْتَ وكَيْتَ، لَا يُقال غَيره.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: يُقَال كَانَ من الْأَمر كيتَ وكيتَ، وكيتِ وكيتِ، وذيتَ وذيتَ، وذيتِ وذيتِ.
وروى ابْن شُمَيل، عَن يُونس: ذيَّةُ وكيّةُ: مُشدَّدة مَرْفوعة.
ذأذأ: عمرٌ و، عَن أَبِيه: الذَأْذَاءُ: زَجْر الحَليم السَّفِيهَ.
يُقال: ذَأْذَأْتُه ذَأْذأَةً: زَجَرْتُه.
وذذ: عَمرو، عَن أَبِيه، قَالَ: وَذْوَذُ المَرْأة: بُظارَتُها إِذا طالَتْ؛ وَقَالَ الشاعرُ:
من الّلائِي اسْتَفاد بَنُو قُصَيَ
فجَاء بهَا وَوَذْوَذُها يَنُوس
أذي: قَالَ ابْن شُمَيْل: آذِيُّ الماءِ: الأَطْبَاقُ الَّتِي ترَاهَا تَرْفعها من مَتْنِه الرِّيحُ دُون المَوْج.
وَقَالَ غيرُه: الآذِيّ: المَوْجُ؛ وَقَالَ المغُيرة بن حَبْناء:
إِذا رَمى آذيُّه بالطِّمِّ
تَرى الرِّجَالَ حوله كالصُّمِّ
مِن مُطْرِقٍ ومُنِصْتٍ مُرِمِّ

(15/41)


بَاب الرباعي من الذَّال
برذن: قَالَ اللَّيْثُ: البِرْذَوْنُ، مَعْرُوف؛ وسَيْرَتُه: البَرْذَنَة.
والأُنثى: بِرْذَوْنَة.
وَإِذا مَشى الفَرَسُ مَشْيَ البِرْذَوْن قيل: بَرْذَن الفَرَسُ.
وحُكي عَن المُؤَرِّج أنّه قَالَ: سألتُ فلَانا عَن كَذَا وَكَذَا فَبرْذَن لي، أَي أَعْيا وَلم يُجِب.
وَجمع (البِرْذَوْن) : بَرَاذِين.
والبَراذِين مِن الخَيْل: مَا كَانَ مِن غير نِتَاج العِرَاب.
والأُنْثى: بِرْذَوْنة.
ذرمل: أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الأَعْرابيّ: ذَرْمَلَ الرَّجُلُ، إِذا أَخْرَج خُبْزَته مُرَمَّدةً ليُعَجِّلها على الضَّيْف.
وَقَالَ ابْن السِّكيِّت: ذَرْمَل ذَرْمَلةً، إِذا سَلَح؛ وأَنْشد:
لَعْواً مَتى رأَيْتَه تَقَهَّلا
وَإِن حَطَأْت كَتِفَيه ذَرْمَلاَ
تمّ كتاب الذَّال
والمنّة لله وَحده

(15/42)


كتاب الثَّاء من (تَهْذِيب اللُّغَة)
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ

(بَاب الثَّاء وَالرَّاء)
ث ر
ثر رث: مستعملان.
ثر: قَالَ اللَّيْثُ: يُقال لِلْعَيْن الغَزيرة المَاء: عَيْنٌ ثَرَّةٌ.
وَقد ثَرَّت تَثُرّ ثَرَارَة.
وطَعْنَةٌ ثَرَّةٌ، أَي واسِعة.
وَكَذَلِكَ عَيْنُ السَّحَاب.
وكُلُّ نعت فِي حَدّ المُدْغَم إِذا كَانَ على تَقْدير (فَعَل) فأَكْثره على تَقْدِير (يَفْعِل) ، نَحْو: طَبّ يطِبّ، وثَرّ يثِرّ.
وَقد يَختلف فِي نَحْو: خبَّ يَخُبّ، فَهُوَ خَبٌّ.
قَالَ: وكلّ شَيْء فِي بَاب التَّضْعِيف فِعْله من (يفعل) مَفْتوح: فَهُوَ فِي (فَعِيل) مكسور فِي كُلّ شَيْء، نَحْو، شَحّ يَشِحّ، وضَنَّ يَضِنّ، فَهُوَ شَحِيح وضَنين.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: شَحّ يَشُحّ، وضَنّ يضُنّ.
وَمَا كَانَ من أفعل وفَعْلاء من ذَوَات التَّضْعِيف، فإنّ (فَعِلْت) مِنْهُ مكسورالعين و (يفعل) مَفْتُوح، نَحْو: أصمّ وصمّاء. وَأَشَمَّ وشمّاء؛ تَقول: صَمِمْت يَا رجل تَصمّ. وجَمِمْت يَا كبْشُ تَجَمٌ.
وَمَا كَانَ على (فَعَلْت) من ذَوَات التَّضْعيف غير وَاقع، فإنّ (يفْعِل) مِنْهُ مكسور الْعين، نَحْو: عَفَّ يَعِفّ، وخَفَّ يَخِفّ.
وَمَا كَانَ مِنْهُ وَاقعا نَحْو: رَدَّ يرُدّ، ومَدَّ يَمُدّ، فإنّ (يَفْعُل) مِنْهُ مضموم، إِلَّا أَحْرُفاً جَاءَت نادرة، وَهِي: شدَّه يَشُدّه. ويَشِدّه، وعَلّه يَعُلّه ويعِلُّه، ونَمّ الحَدِيث يَنُمَّه ويَنِمَّه، وهَرَّ الشيءَ إِذا كرهه يَهُره ويَهِرّه.
قَالَ: هَذَا كُله قولُ الفَرَّاءِ وغيرِه من النَّحْويين.
وَقَالَ اللَّيْثُ: تَقول نَاقَة ثَرَّةٌ وثَرُور، إِذا كَانَت كَثِيرَة اللّبن إِذا حُلِبت.
والثَّرْثَرة فِي الْكَلَام: الكَثْرة؛ وَفِي الْأكل: الْإِكْثَار فِي تَخْليط، تَقول: رَجُلٌ ثَرْثَارٌ، وامرأةٌ ثَرْثارة، وقومٌ ثَرْثَارُون.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنْ أَبْغضكم إليّ الثّرْثارون المُتَفَيْهِقون) .
وبناحية الجزيرة عينٌ غَزِيرة المَاء يُقَال

(15/43)


لَهَا: الثّرْثارُ.
وسحابة ثَرّة: كثيرةُ المَاء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: ثَرّ يَثِرُّ. إِذا اتّسَعَ؛ وثَرّ يَثُرّ، إِذا بَلّ سَويقاً أَو غَيْرَه.
وَفِي حَدِيث خُزَيمة: ونَقصت لَهَا الثّرَّةُ، هِيَ الكَثْرة.
يُقَال: مالٌ ثَرٌّ، إِذا كَانَ كثيرا.
قَالَ ابْن السِّكّيت: الثّرُورُ: الواسِعة، الإحْلِيل، وَهِي الفَتُوح، وَقد فَتَحت وأَفْتَحَت. فإِذا كَانَت ضَيِّقة الإحْليل فَهي حَصُور، وَقد حَصَرت وأَحْصَرت. فَإِذا كَانَ أحد خِلْفيها أَعظم فَهِيَ حَضُون، وَإِذا ذَهَب أحَدُ خِلْفَيْها فَهِيَ شَطُور.
رث: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّثُّ: الخَلَقُ الْبَالِي.
يُقَال: حَبْلٌ رَثُّ، وثَوْبٌ رثٌّ.
ورَجُلٌ رَثُّ الهَيْئة فِي لُبْسه.
والفِعْل: رَثَّ يَرِثّ، وَيَرُثّ، رَثَاثةً ورُثُوثَةً.
أَبُو عُبيد: الرِّثّة والرَّثّ، جَمِيعًا: رَدِيء المَتَاع.
وَقد ارْتثَثْنا رِثّة الْقَوْم، إِذا جَمَعْناها.
وَقَالَ غَيره: تُجْمَع (الرِّثّة) : رِثَاث.
ويُقال للرّجل إِذا ضرب فِي الْحَرْب فأُثْخن وحُمِل وَبِه رَمَقٌ ثمَّ مَاتَ: قد ارْتُثّ فلانٌ، وَمِنْه قولُ الخنساء حِين خَطَبها دُرَيْدُ بنُ الصّمّة على كِبَر سِنّه: أَتَرَوْنني تاركةً بَني عَمِّي كَأَنَّهُمْ عَوالي الرِّماح ومُرتَثّة شَيْخَ بني جُشَم.
أَرَادَت أَنه أسَنّ وقَرُب من الْمَوْت وضَعُف، فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَن حُمِل من المَعركة وَقد أَثْبتته الجراحُ لِضَعْفه.
والرِّثّة: خُشارة النَّاس وضُعَفاؤهم، شُبِّهوا بالمَتاع الرَّدِيء. قَالَ ذَلِك أَبُو زَيد.
وَمِنْه حَدِيث النّعمان بن مُقَرِّن يَوْم نَهَاوَنْد: إِن هَؤُلَاءِ قد أَخْطَرُوا لكم رِثّةً وأَخْطَرتُم لَهُم الإسْلاَم.
وَفِي الحَدِيث: (فَجَمَعْتُ الرِّثاث إِلَى السَّائِب) ، يَعْنِي: القماش ورَدِيء المَتاع.
حدّثنا أَبُو يزِيد، قَالَ: حدّثنا عبد الْجَبَّار. عَن سُفيان، قَالَ: سمِعتُ أَبَا إِسْحَاق الشَّيْبانيّ يُخبر عَن عَرْفجة، عَن أَبِيه، قَالَ: عَرَّف عليٌّ رِثّة أَهْل النَّهْر، قَالَ: فَكَانَ آخِر مَا بَقي قِدْرٌ. قَالَ: فَلَقَد رأيتُها فِي الرَّحبة وَمَا يَغْتَرِفُها أحَدٌ.
قَالَ: والرِّثة: المَتاع وخُلْقان الثِّياب.

(بَاب الثَّاء وَاللَّام)
ث ل
لث، ثلث: (مستعملان) .
لث: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعْرابيّ: اللَّثّ: الإقامَةُ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد: أَلْثَثْت بِالْمَكَانِ إلْثَاثاً، وأَرْبَبْتُ إرْبَاباً، إِذا أَقَمْتَ بِهِ وَلم

(15/44)


تَبْرَحْه.
قَالَ: وَقَالَ الأصْمعيّ: أَلَثّ المَطَرُ إلْثَاثاً، إِذا ذام أيَّاماً لَا يُقْلع.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: تَلَثْلَثْتُ: تَرَدَّدْتُ فِي الأمْر وتَمَرَّغت.
وَقَالَ الكُمَيْت:
لطالَما لثْلَثَتْ رَحْلي مطِيَّتُه
فِي دِمْنةٍ وسَرَتْ صَفْواً بأَكْدَاِر
قَالَ: لَثْلَثْت: مَرّغت؛ وَقَالَ:
تَلَثْلَثْتُ فِيهَا أَحْسَب الجَوْرَ أَقْصَدَا
وَقَالَ اللَّيْثُ: لَثْلَث السَّحابُ إِذا تَردَّد فِي مكانٍ، كُلّما ظَنَنْت أنّه ذَهب جَاءَ.
والرَّجُل اللَّثْلاَثَةُ: البَطِيء فِي كُلّ أَمْر، كُلَّما ظَنَنْت أَنه قد أَجَابك إِلَى الْقيام فِي حاجَتك تقاعَس؛ وَأنْشد لرُؤبة:
لَا خَيْر فِي وُدِّ امْرِىء مُلَثْلِثِ
ثلث: قَالَ اللَّيْثُ: والثَّلاثةُ، من العَدَد.
تَقول: ثلَثْتُ القَوْمَ أَثْلِثهُم ثَلْثاً، إِذا أَخَذت ثُلث أَمْوَالهم؛ وَأنْشد ابْن الأعْرابيّ:
فإنْ تَثْلِثُوا فنَرْبَعْ وَإِن يَكُ خامِسٌ
يَكُنْ سادسٌ حَتَّى يُبِيرَكُمُ القَتْلُ
أَرَادَ بقوله: تَثْلِثُوا، أَي تَقْتُلوا ثَالِثا.
وَيُقَال: فلانٌ ثالثُ ثَلَاثَة، مُضَاف؛ قَالَ الله تعالَى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (الْمَائِدَة: 76) .
قَالَ الفَرَّاء: لَا يكُون إِلَّا مُضافاً، وَلَا يجوز التَّنْوين فِي (ثَالِث) فتنصب (الثَّلَاثَة) وَكَذَلِكَ قَوْله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} (التَّوْبَة: 41) لَا يكون إلاّ مُضَافا، لِأَنَّهُ فِي مَذْهب الِاسْم، كَأَنَّك قلت: وَاحِد من اثْنين، وَوَاحِد من ثَلَاثَة، أَلا ترى أَنه لَا يكون ثَانِيًا لنَفسِهِ وَلَا ثَالِثا لنَفسِهِ، وَلَو قلت: أَنْت ثالثُ اثْنين، جَازَ أَن يُقَال: ثالثُ اثْنين، بِالْإِضَافَة والتنوين ونَصْب الِاثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَو قلت: أَنْت رابعُ ثَلَاثَة، ورابعٌ ثَلَاثَة. جَازَ ذَلِك، لِأَنَّهُ فِعْل وَاقع.
وأَخبرني المُنْذري، عَن أبي العبّاس، عَن سَلَمة، عَن الفَرّاء، قَالَ: قَالُوا: كَانُوا اثْنَين فَثَلثتُهما، وَهَذَا مِمَّا كَانَ النّحويُّون يَختارونه.
وَكَانُوا أحد عشر فَثَنَيْتُهم، وَمَعِي عشرَة فأَحِّدْهن لِيَهْ، واثْنيهنّ، واثْلِثْهُن، هَذَا فِيمَا بَين اثْني عشر إِلَى الْعشْرين.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله عزّ وجلّ: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (النِّسَاء: 3) مَعْنَاهُ: اثْنتين اثْنَتَيْنِ، وثَلاثاً ثَلَاثًا، إِلَّا أَنه لم ينْصَرف لجهتين، وَذَلِكَ أَنه اجْتمع عِلّتان: إِحْدَاهمَا أَنه مَعْدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وثَلاث ثَلاث، وَالثَّانيَِة أَنه عُدل عَن تَأنيث.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: هُوَ ثالثُ ثَلَاثَة، وَهِي ثالثةُ ثَلاث، فَإِذا كَانَ فِيهِ مُذَكّر، قلت: هِيَ ثَالِث ثَلَاثَة؛ فيَغْلب

(15/45)


المذكَّرُ المؤنَّث.
وَتقول: هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، تَعني هُوَ أحدهم. وَفِي المؤنّث: هُوَ ثالثُ ثلاثَ عشرةَ، لَا غَير الرَّفع فِي الأول.
وَتقول: هُوَ ثالثُ عَشَرَ، وثالثَ عشَرَ، بالرَّفْع والنَّصْب إِلَى تِسْعة عشَر.
فَمن رَفَع قَالَ: أَرَدْتُ: ثالثٌ ثلاثةَ عَشر، فحذفتَ (الثَّلَاثَة) وتركتَ (ثَالِثا) على إعرابه.
وَمن نَصب قَالَ: أردْت: ثالثٌ ثلاثةَ عَشر، فَلَمَّا أَسْقطت مِنْهَا الثَّلَاثَة أَلْزمت إعرابها الأول ليعلم أَن هَا هُنَا شَيْئا محذوفاً.
وروى شَمِر، عَن البَكْراويّ، عَن أبي عَوانة، عَن عَاصِم، عَن زِيَاد بن قيس، عَن كَعب أَنه قَالَ لِعُمر: أَنْبِئْني مَا المُثْلِث؟ فَقَالَ عمر: وَمَا المُثْلِث لَا أَبَا لَك؟ فَقَالَ: هُوَ الرَّجل يَمْحَل بأَخِيه إِلَى إِمَامه فَيبْدَأ بِنَفسِهِ فيُعنتها ثمَّ بأَخيه ثمَّ بإمامه، فَذَلِك المُثْلث، وَهُوَ شَرُّ النَّاس.
قَالَ شَمِرٌ: هَكَذَا رَواه البَكْراوِيّ، عَن أبي عوَانَة، بالتَّخفيف (مُثْلِث) وَإِعْرَابه بالتَّشديد (مُثَلِّث) من تَثْليث الشَّيْء.
ومَزَادَةٌ مَثْلُوثَةٌ، من ثَلَاثَة آدِمَة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: إِذا مَلَأت الناقةُ ثَلَاثَة آنِية، فَهِيَ ثَلُوث.
ويُقال للناقة الَّتِي صُرّ خِلْف من أخَلافها وتُحْتلب من ثَلَاثَة أَخْلاف: ثَلُوث أَيْضا؛ وأَنْشد الهُذليّ:
ألاَ قُولاَ لِعَبْد الجَهْل إنّ الصْ
صَحيحةَ لَا تحالِبُها الثَّلُوثُ
وناقةٌ مُثَلَّثَةٌ: لَهَا ثَلَاثَة أَخلاف؛ وأَنشد:
فتَقْنَع بالقَليل تَراه غُنماً
وَتكْفِيك المُثَلَّثَةُ الرَّغُوبُ
الفَرّاء: كِسَاءٌ مَثْلُوثٌ: مَنْسوجٌ من صُوف ووَبَر وشَعَر؛ وأَنشد:
مَدْرَعةٌ كِساؤُها مَثْلُوث
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زَيد، قَالَ: الناقةُ إِذا يَبس ثلاثةُ أَخْلاَفٍ مِنْهَا، فَهِيَ ثَلُوث.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الثّليث، بِمَعْنى الثّلُث، وَلم يَعْرفه أَبُو زيد؛ وَأنْشد شَمِرٌ:
تُوفي الثّليث إِذا مَا كَانَ فِي رَجَبٍ
والحقُّ فِي خاثر مِنْهَا وإيقاعِ
وَيُقَال: مَثْلَثَ مَثْلَثَ، ومَوْحدَ مَوْحدَ، ومَثْنَى مَثْنَى، مثل ثُلاَثَ ثُلاَثَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: المُثَلَّث: مَا كَانَ من الْأَشْيَاء على ثَلَاثَة أَثناء.
والمَثْلُوث من الحبال: مَا فُتل على ثَلَاث قُوًى، وَكَذَلِكَ مَا يُنْسج أَو يُضْفَر.
قَالَ: والثُّلاثاء، لمّا جُعل اسْما جُعلت الْهَاء الَّتِي كَانَت فِي العَددَ مَدَّة، فرقا بَين الْحَالين، وَكَذَلِكَ الأرْبعاء من الأرْبعة، فَهَذِهِ الْأَسْمَاء جُعلت بالمدّ توكيداً للاسم،

(15/46)


كَمَا قَالُوا: حَسَنَة وحَسْناء، وقصَبَة وقَصْباء، حَيْثُ ألزموا النَّعْت إِلْزَام الِاسْم، وَكَذَلِكَ الشَّجْراء والطَّرفاء، وَالْوَاحد من كل ذَلِك بِوَزْن (فَعْلَة) .
وَالثُّلَاثَاء: اسْم مؤنث مَمْدُود، وعلامة التَّأْنِيث المدّة المجهولة.
والتَّثْنية: الثُّلاَثَاوان.
وَالْجمع: الثُّلاثَاواث، والأَثالث، فِي الْكثير.
وَيُقَال: مَضَت الثُّلاثاء بِمَا فِيهَا، وَمضى الثُّلَاثَاء بِمَا فِيهِ، ومَضَت أَيْضا الثُّلَاثَاء بِمَا فِيهِنَّ، مرّة تَرجع إِلَى اللَّفْظ وَمرَّة إِلَى المَعنى.
وَيُقَال: الْيَوْم الثُّلَاثَاء، وَالْيَوْم يَوْم الثُّلَاثَاء، وَهَذَانِ يَوْمًا الثُّلَاثَاء، وَهَؤُلَاء أيّام الثُّلَاثَاء. وَإِن شِئْت: هَذِه أَيَّام الثُّلَاثَاء.
ويُقالُ: رَمَيناهم بثالثة الأثافي، إِذا رُمي القَوْمُ بأَمْر عَظيم. وثالثةُ الأَثافي: رُكْن الْجَبل تُركَّب القِدْر على ذَلِك الرُّكن وعَلى إثفيّتين.
وَيُقَال لِوَضِين البَعير: ذُو ثُلاَثٍ، قَالَ:
وَقد ضُمِّرت حَتَّى انْطَوى ذُو ثُلاَثِها
إِلَى أَبْهَرَيْ دَرْمَاءِ شَعْبِ السَّناسِنِ
وَيُقَال: ذُو ثُلاثها: بَطْنها والجِلدتان، العُلْيا والجِلدة الَّتِي تُقْشَر بعد السَّلْخ.
وأخبَرَني المُنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أَنْشد بَيت الْهُذلِيّ وَقَالَ: (الصَّحيحة) : الَّتِي لهَا أَرْبَعَة أَخلاف، و (الثَّلوث) : الَّتِي لَهَا ثَلَاثَة أخلاف.
قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّاني، عَن ابْن السِّكّيت، قَالَ: نَاقَة ثَلُوث، إِذا أصَاب أحدُ أَخلافها شَيْء فَيَبِس، وأَنشد الْبَيْت.
ويَثْلَث: اسْم مَوْضِع.
وتثليث: اسْم مَوْضِع آخر.
وَأَرْض مُثلَّثة: لَهَا ثَلَاثَة أَطْرَاف، فَمِنْهَا المثلَّث الحادّ، وَمِنْهَا المثلّث الْقَائِم.
وَإِذا أَرْسلت الْخَيل فِي الرِّهان فَالْأول السَّابِق، وَالثَّانِي المُصَلّي، ثمَّ يُقَال بعد ذَلِك: ثَلّثَ ورَبّع وخَمّس.
وَقَالَ عليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: سَبَق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وثَنَّى أَبُو بكر وثَلَّث عُمر وخبَطَتْنا فِتنةٌ ممّا شَاءَ الله.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَلم أَسمع فِي سَوابق الخَيْل ممّن يوثَق بعِلْمه اسْما لشَيْء مِنْهَا إِلَّا الثَّاني والعاشر، فَإِن الثَّانِي اسْمه (المصلِّي) والعاشر، السِّكِّيت، وَمَا سوى ذَيْنك، إِنَّمَا يُقال: الثَّالِث وَالرَّابِع، وَكَذَا إِلَى التَّاسِع.
وَقَالَ غيرهُ: أَسمَاء السُّبَّق من الخَيْل:

(15/47)


المُجلِّي، والمُصلِّي، والمُسَلِّي، والتَّالي، والْحَظِيّ، والمُؤمِّل، والمُرْتاح، والعاطِف، واللّطِيم، والسِّكّيت.
قلت: وَلم أحفظها عَن ثِقة، وَقد ذكرهَا ابْن الأَنْباري وَلم يَنْسُبها إِلَى أحد، فَلَا أَدْرِي أَحَفظها لثِقة أم لَا؟ .
والثُّلاثيّ، مَا يُنسب إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء، أَو كَانَ طولُه ثَلَاثَة أَذْرع؛ ثوبٌ ثُلاَثيّ ورُبَاعيّ.
وَكَذَلِكَ الغُلام، يُقال: غُلَام خُماسيّ، وَلَا يُقَال: سُداسي، لِأَنَّهُ إِذا تمَّت لَهُ خَمْسٌ صارَ رَجُلاً.
والحروف الثُّلاثيّة، الَّتِي اجْتمع فِيهَا ثَلَاثَة أَحْرُف.
ثل: قَالَ اللَّيْثُ: يُقَال: ثُلّ عَرْشُ الرَّجُل، إِذا زَالَ قِوَامُ أَمْره. وأَثَلّه الله.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: الثّلَلُ: الهَلاَكُ.
يُقال مِنْهُ: ثَلَلْتُ الرَّجُل أَثُلّه ثَلاًّ وثَلَلاً.
وَفِي الحدِيث أنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا حِمَى إلاّ فِي ثَلَاث: ثَلّة البِئْر، وطِوَل الفَرَس، وحَلْقة القَوْم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ بثَلَّة البِئر أَن يَحْتَفِر الرَّجُلُ بِئْراً فِي مَوْضع لَيْسَ بمِلْك لأحد فَيكون لَهُ من حوالَي البِئر من الأَرْض مَا يكون مُلْقًى لِثلّة الْبِئْر، وَهُوَ مَا يخرج من تُرابها لَا يَدْخل فِيهَا أحد عَلَيْهِ حريماً للبئر.
وَقَالَ الأصمعيّ: الثّلّة: التُّراب الَّذِي يَخْرُج من البِئْر.
قَالَ أَبُو عُبَيد: والثّلّة أَيضاً: جماعةُ الغَنم وأَصْوافها.
وَكَذَلِكَ الوَبر أَيْضا: ثَلّة؛ وَمِنْه حَدِيث الْحَسن: إِذا كَانَت للْيَتِيم ماشيةٌ فلِلْوَصِيّ أَن يُصيب من ثَلّتها ورِسْلها، أَي من صُوفها ولَبَنها.
ابْن السِّكِّيت: يُقال للضأن الكَثيرة: ثَلّة، وَلَا يُقَال للمِعْزَى الكَثيرة: ثَلّة، وَلَكِن حَيْلة. فَإِذا اجْتمعت الضأنُ والمِعْزَى فكَثُرتا قِيل لَهما: ثَلّة.
قَالَ: والثّلّة: الصُّوف.
يُقال: كِساءٌ جَيِّد الثَّلّة، أَي الصُّوف.
وَلَا يُقال للشَّعر: ثَلّة: وَلَا للوبر: ثَلّة، فَإِذا اجْتمع الصُّوف والوَبر قيل: عِنْد فلانٍ ثَلّة كَثيرة.
أَبُو عُبَيد: جَمْع الثّلّة من الْغنم: ثِلَل.
فأمّا الثُّلة: بِضَم الثَّاء، فالجماعةُ من النَّاس، قَالَ الله تَعَالَى: {النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الاَْوَّلِينَ} {لله) الاَْوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الاَْخِرِينَ} (الْوَاقِعَة: 39 و 40) .
قَالَ الْفراء نزل فِي أول السُّورَة: {النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الاَْوَّلِينَ} {) الاَْوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الاَْخِرِينَ} (الْوَاقِعَة: 13 و 14) فشَقّ عَلَيْهِم قولُه: {) الاَْوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الاَْخِرِينَ} (الْوَاقِعَة: 14) فَأنْزل الله فِي أَصْحَاب الْيَمين أنّهم ثلّثان: ثُلّة من هَؤُلَاءِ

(15/48)


وثُلّة من هَؤُلَاءِ، وَالْمعْنَى: هم فرقتان: فِرْقةٌ من هَؤُلَاءِ وفرقةٌ مِن هَؤُلَاءِ.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: أَثْلَلْتَ الشّيء، إِذا أَمَرتَ بإِصْلاحه.
وَقد ثَلَلْتُه، إِذا هَدَمته وكَسَرْته.
وَيُقَال للْقَوْم إِذا ذهب عِزّهم: قد ثُلّ عَرْشُهم.
وَفِي حَدِيث عُمر: رُئي فِي الْمَنَام فسُئِل عَن حَاله، فَقَالَ: كَاد يُثَلّ عَرْشِي.
هَذَا مثلٌ يُضْرب للرّجُل إِذا ذلَّ وهَلَك.
يُقال: ثلَلْت الشّيءَ، إِذا هَدَمتَه وكَسَرْتَه.
وأَثْلَلْتُه، إِذا أَمَرتَ بإِصْلاحه.
قَالَ القُتَيبيّ: وللعَرْش مَعْنيَان، أَحدهمَا: السَّرير، والأسِرّة للمُلوك، فَإِذا هُدِم عَرْشُ المَلِك فقد ذَهب عِزُّه؛ وَالثَّانِي: الْبَيْت يُنْصب بالعِيدان ويُظَلَّل، فَإِذا كُسِر عَرْشُ الرَّجُل فقد هَلَك وذَلّ.
قَالَ الفَرّاء: الثُّلَّة: الفِئة.
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: الثُّلَّة: الْجَمَاعَة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقال للعَرِيش الَّذِي يُتَّخذ شِبْه مظلّة إِذا انْهَدم: قد ثُلّ.
ورُوي لِلَبِيد:
وصُدَاءٍ أَلْحَقْنهم بالثِّلَل
مَعنى: بثِلاَل، أَي أَغْنام يَرعَونها، فقَصَر.
وَمن رَوَاه بالثَّلَل، فمعْناه: الْهَلَاك.
ويُقال: ثَللْت التُّرابَ فِي الْقَبْر والبئر، أَثُلّه ثَلاًّ، إِذا أَعَدْتَه فِيهِ بَعْدَمَا تَحْفِره.
وثَلَّ فلانُ الدَّرَاهِمَ يثُلُّها ثَلاًّ، إِذا صَبَّها كَذَلِك.
قَالَ ابْن الأَعْرابيّ: وَقد ثُلّ، إِذا هَلَك؛ وثُلّ، إِذا اسْتَغْنى.
قَالَ: والثُّلْثُل: الهَدْم، بِضَم الثاءَيْن.
والثّلثُل أيْضاً: مِكْيَالٌ صَغِير.

(بَاب الثَّاء وَالنُّون)
ث ن
ثن، نث: (مستعملان) .
ثن: أَبُو عُبَيد، عَن الأَصْمعي: إِذا انْكَسر اليَبَس فَهُوَ حُطَام، فَإِذا ارْتكب بَعْضُه على بَعْض فَهُوَ الثِّنّ، فَإِذا اسْوَدّ من القِدَم فَهُوَ الدِّنْدِنُ؛ وأَنْشد الباهليّ:
تَكْفِي اللَّقُوحَ أَكْلَةٌ من ثِنّ
أَبُو عُبيدة، عَن أبي الجَرّاح: الثُّنّةُ مِن الفَرس: مُؤَخَّرُ الرُّسْغ.
قلتُ: وجَعل امْرؤ القَيس الثُّنَن: الشَّعَر النَّابِت فِي ذَلِك المَوْضع، فَقَالَ:
لَهَا ثُنَنٌ كخَوَافِي العُقَا
بِ سُودٌ يَفين إِذا تَزْبَئِرّ
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: فِي وَظِيفَي الفَرس ثُنَّتان، وَهُوَ الشَعَرُ الَّذِي يكون على مُؤَخَّر الرُّسْغ، فإِن لم يكن ثَمَّ شَعَر فَهُوَ: أَمْرد، وأَمْرَط.
شَمِرٌ، عَن ابْن الأَعْرابي، قَالَ: الثُّنَّة من

(15/49)


الْإِنْسَان: مَا دُون السُّرّة فَوق العانَة أَسْفَلَ الْبَطن.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هُوَ شَعَرُ العانَة.
وَفِي الحَديث: إِن آمِنة قالتْ لما حَملت النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وجدتُه فِي قَطَن وَلَا ثُنّة، وَمَا وجدتُه إلاّ على ظَهر كَبِدي.
القَطَن: أَسْفل الظَهر؛ والثُّنّة أسْفَل البَطْن.
وَفِي حَديث حَمزة سَيِّد الشُّهداء أنّ وَحْشِياً قَالَ: سَدَّدْتُ حَرْبتي يَوْم أُحُد لثُنَّته فَمَا أَخْطأتُها.
وَهَذَانِ الحديثان يقوِّيان قَول اللَّيْث فِي (الثُّنَّة) .
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: الثِّنَانُ: النَّبَاتُ الكَثِير الملتف.
نث: فِي حَدِيث عُمر: أنّ رَجُلاً أَتَاهُ يَسأَله فَقَالَ: هَلَكْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: اسْكُتْ، أَهَلَكْتَ وأَنْت تَنِثّ نَثيثَ الحَمِيت.
قَالَ أَبُو عُبيد: النَّثِيث: أَن يَعْرَق ويَرْشَح مِن عِظَمِه وكَثْرة لَحْمه.
يُقال مِنْهُ: نَثّ الرَّجُلُ يَنِثّ نَثِيثاً.
وَقَالَ غيرُه: نَثَّ الحَمِيتُ ومَثّ، بالنُّون وَالْمِيم، إِذا رَشَح بِمَا فِيهِ من السِّمن. يَنِثّ ويَمِثّ، نَثّاً ونَثِيثاً، ومَثّاً ومَثِيثاً.
وَالْإِنْسَان يَنثّ ويَمِثّ، إِذا عَرِق مِن سِمَنِهِ.
وأمّا قولُك: نَثّ فلانٌ الحَدِيثَ يَنُثّه نَثّاً، فَهُوَ بِضَم النّون لَا غَير، وَذَلِكَ إِذا أذَاعَه.
عَمرو، عَن أَبيه: النُّثَّاث: المُغْتابون للمُسْلِمين.
ثَعْلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: ثَنْثن، إِذا رَعَى الثِّنَّ.
ونَثْنَثَ؛ إِذا عَرِق عَرَقاً كَثِيراً.

(بَاب الثَّاء وَالْفَاء)
ث ف
فث، ثف: (مستعملان) .
فث: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الفَثّ: حَبٌّ يُشْبه الجاوَرْسَ يُختَبَز ويُؤْكل.
قلتُ: هُوَ حَبٌّ بَرِّيٌّ يَأْخذه الأعرابُ فِي المَجاعات فيدُقّونه ويَخْتبزونه، وَهُوَ غِذَاءٌ رَدِيء، وَرُبمَا تبلّغوا بِهِ أيّاماً؛ قَالَ الطِّرمّاح:
لم تَأكُل الفَثَّ والدُّعَاعَ وَلم
تَجْنِ هَبِيداً يَجْنِيه مُهْتَبِدُهْ
اللِّحياني: تَمْرٌ فَثٌّ، وفَذٌّ، وبَذٌّ، وَهُوَ المُتَفرِّق الَّذِي لَا يَلْزق بعضُه بِبَعْض.
وَقَالَ الأعرابيّ: تَمْرٌ فَضٌّ، مثلُه.
وَقَالَ الأصمعيّ: فَثَّ جُلَّته فَثّاً، إِذا نَثَرَ تَمْرَها.
وَمَا رأينَا جُلَّةً أَكثر مَفَثَّةً مِنْهَا، أَي أَكثر نَزَلاً.
ويُقال: وُجد لِبَنِي فلانٍ مَفَثَّةٌ، إِذا عُدُّوا

(15/50)


فوُجِد لَهُم كَثْرة.
ويُقال: انْفَثّ الرّجُلُ من هَمَ أَصَابه انْفِثَاثاً، أَي انْكَسَرَ؛ وأَنْشَد:
وإنْ يُذَكَّر بالإله يَنْحَنِثْ
وتَنْهَشِم مَرْوَتُه فتَنْفَثِثْ
أَي تَنْكسر.

(بَاب الثَّاء وَالْبَاء)
ث ب
بَث، ثب: (مستعملان) .
بَث: قَالَ اللَّيْثُ: بَثَّ يَبُثُ بَثّاً، وَهُوَ تَفْرِيقُك الأَشْياء.
وَكَذَلِكَ: بَثُّوا الخَيْلَ فِي الْغَارة، وبَثّ الصّيّاد كِلاَبَه.
وَخَلَق الله الخَلْق فبَثَّهَم فِي الأرْض.
وبُثّتِ البُسُط، إِذا بُسطت؛ قَالَ الله تَعَالَى: {مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (الغاشية: 16) .
قَالَ الفَرّاء: مَبْثُوثة: كَثِيرة.
وَقيل: مَبْثُوثة، أَي مُفَرَّقة فِي مَجالِسهم.
{وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} (الْبَقَرَة: 164) ، أَي فَرَّق.
وقولُه عزّ وجلّ: {بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً} (الْوَاقِعَة: 6) أَي غُباراً مُنْتَشِراً.
والبثّ: الحُزْن الَّذِي تُفْضِي بِهِ إِلَى صَاحبك.
يُقال: أَبْثَثْت فلَانا سِرِّي، بِالْألف، إبْثَاثاً، أَي أَطْلَعْتُه عَلَيْهِ.
وبثَثْتُ الشيءَ أَبُثّه: إِذا فَرَّقتَه.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً} (النِّسَاء: 1) أَي نَشَر وكَثّر.
وبَثْبَثْتُ الأمْر، إِذا فَتَّشْتَ عَنهُ، وتخبَّرته.
وَفِي بَعض الحَدِيث: فَلَمَّا حَضر اليَهُودِيَّ الموتُ قَالَ: بَثْبِثُوه، أَي كَشِّفوه. وَهُوَ من بثثت الْأَمر، إِذا أَظْهَرته، وَالْأَصْل فِيهِ (بثثوه) فأبدلوا من الثَّاء الوُسْطى بَاء اسْتثقالاً لِاجْتِمَاع ثَلَاث ثاءات، كَمَا قَالُوا فِي (حَثَّثْت) : حَثْحَثْت.
وَفِي حَديث أم زَرْع: لَا يُولج الكَفّ لِيَعْلَم البَثَّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: أرى أَنه كَانَ بجَسدها عَيْبٌ. أَي لَا يُدْخل يَدَه ليمسّ ذَلِك العَيْب. تصفه بالكَرم.
وَقَالَ غيرُه وَهُوَ ابْن الأعرابيّ: هَذَا ذمٌّ لزَوْجها، إِنَّمَا أَرَادَت إِذا رَقد التفَّ فِي نَاحيَة وَلم يُضاجعني فيَعْلم مَا عِنْدِي من محبّتي لقُرْبه.
قَالَ: وَلَا بَثّ هُنَاكَ إِلَّا محبّتها الدُّنُوّ من زَوجهَا، فسمَّت ذَلِك بَثّاً، لِأَن البَثّ مِن جِهَته يكون.
وَقَالَ أَحْمد بن عُبيد: أَرَادَت أَنه لَا يتَفقَّد

(15/51)


أُموري ومصالح أَسْبابي، وَهُوَ كَقَوْلِهِم: مَا أُدْخل يَدِي فِي هَذَا الْأَمر، أَي لَا أَتفقَّده.
ثب: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الثِّبَابُ: الجلُوس.
وثَبّ، إِذا جلس جُلوساً متمكِّناً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ثَبْثَب، إِذا جَلَس مُتمكِّناً.

(بَاب الثَّاء وَالْمِيم)
ث م
ثمَّ، مث.
ثمَّ: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعْرابيّ: ثُمّ: إِذا حُشِي؛ وثُمَّ: إِذا أُصْلِح.
قَالَ: والثَّمْثمُ: كَلْبُ الصَّيْد.
ورَوى عُرْوة بن الزُّبير أَنه ذكر أُحَيْحة بن الجُلاح وقَوْلَ أَخْوَاله فِيهِ: كُنَّا أَهْل ثُمَّةٍ ورُمَّة حَتَّى اسْتَوى على عُمَمه وعَمَمه.
قَالَ أَبُو عُبيد: المُحدِّثون هَكَذَا يَرْوُونه بالضَّم، ووَجْهُه عِنْدِي بِالْفَتْح.
قَالَ: والثَّمُّ: إصْلَاح الشّيء وإحكامُه.
يُقال مِنْهُ: ثَمَمْت أَثُمّ ثَمّاً؛ وَقَالَ هِمْيَانُ ابْن قُحافة يَذْكُر الْإِبِل وأَلْبانها:
حَتَّى إِذا مَا قَضَت الحَوائِجا
ومَلأَت حُلاَّبُها الخَلاَنِجَا
مِنْهَا وثَمُّوا الأوْطُب النَّواشِجَا
قَالَ: أَرَادَ أنّهم شَدّوها وأَحْكموها. قَالَ: والنَّواشِجُ: الممْتلئة.
قلتُ: مَعْنَى قَوْله: (ثَمّوا الأوْطُب النواشج) أَي فَرَشوا لَهَا الثُّمام وظَلَّلوها بِهِ. هَكَذَا سَمِعْتُ العربَ تَقول: ثَمَمْت السِّقاء، إِذا فَرشت لَهُ الثُّمَام وَجَعَلته فَوْقه لئلاّ تُصيبه الشَّمسُ فيتَقَطَّع لَبَنُه.
والثُّمَام: نَبْتٌ مَعْروف، وَلَا تجْهدَه النّعَمُ إِلَّا فِي الجُدُوبة.
وَهُوَ الثُّمَّة أَيْضا، وَرُبمَا خُفف، فَقيل: الثُّمَّة، والثُّمَّة: الثُّمَام.
قلتُ: والثُّمّ والرُّمُّ، صَحِيحٌ من كَلَام العَرب.
رَوى الْحَرَّانيّ، عَن ابْن السِّكِّيت أنّه قَالَ: يُقَال: مَا لَهُ ثُمٌّ وَلَا رُمٌّ، وَمَا يملك ثُماً وَلَا رُماً.
قَالَ: والثُّمّ: قُماش النَّاس: أساقيهم وآنِيتهم. والرُّمُّ: مَرَمَّة البَيْت.
أَبُو عُبيد، عَن الأموِيّ: الثَّمُوم مِن الغَنم: الَّتِي تَقْلَع الشيءَ بفِيها.
يُقال مِنْهُ: ثَمَمْتُ أَثُمّ.
والعربُ تَقول للشَّيْء الَّذِي لَا يَعْسُر تناولُه: هُوَ على طَرَف الثُّمَام، وَذَلِكَ أَن الثُّمَام لَا يَطُول فَيَشُقّ تناولُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الثُّمُّ: الرُّمّ؛ وأَنْشد:

(15/52)


ثَمَمْت حوائِجي وَوَذَأْتُ عَمْراً
فبِئْس مُعَرَّسُ الرَّكْبِ السِّغَابِ
وَقَالَ ابْن شُميل: المِثَمَّ: الَّذِي يَرْعَى على من لَا رَاعِيَ لَهُ، ويُفْقِر مَن لَا ظَهْرَ لَهُ، ويَثُمّ مَا عَجز عَنهُ الحيُّ من أَمرهم.
وَإِذا كَانَ الرَّجُل شدِيداً يَأْتِي مِن وَرَاء الصَّاغية، ويَحْمِل الزِّيَادَة ويَرُدّ الرِّكاب، قيل لَهُ: مِثَمٌّ. وَإنَّهُ لمِثَمٌّ لأسافل الْأَشْيَاء.
أَبُو عُبيد، عَن الْأمَوِي: يُقال للشَّيخ إِذا كَبِر وهَرِم: انْثَمَّ انْثِماماً.
ويُقال: هَذَا سَيْفٌ لَا يُثَمْثَم نَصْلُه، أَي لَا يُثْنَى إِذا ضُرِب بِهِ، وَلَا يَرْتَدّ؛ قَالَ ساعِدةُ:
مُسْتَرْدِفاً من السَّنَام الأسْنَم
حَشاً طويلَ الفَرْع لم يُثَمْثَمِ
أَي لم يُكْسر وَلم يُشْدخ بالحِمْل يَعْنِي سَنَامه وَلم يُصِبْه عَمَدٌ فَيَنْهَشم. العَمَدُ: أَن يَنْشدخ السَّنامُ فَيَنْغمز.
وثمْثَم قِرْنَه، إِذا قَهَره؛ قَالَ:
فَهُوَ لحولانِ القِلاَص ثَمْثَامْ
وَقَالَ اللَّيْثُ: ثُمَّ، حَرف من حُروف النّسق لَا يُشَرّك بعْدهَا بِمَا قبلهَا، إِلَّا أَنَّهَا تبيِّن الآخر من الأول.
وأمَّا قَول الله عزّ وجلَّ: {الْغَفَّارُ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الاَْنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى} (الزمر: 6) فَإِن الْفراء قَالَ: يَقُول الْقَائِل: كَيفَ قَالَ: {خَلَقَكُمْ} لبني آدم ثمَّ قَالَ: {وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا} وَالزَّوْج مخلوقٌ قبل الْوَلَد؟ .
فَالْمَعْنى: أَن يُجعل خَلْقُه الزَّوْج مَرْدُوداً على واحدةٍ؛ الْمَعْنى: خلَقها وَاحِدَة ثمَّ جَعل مِنْهَا زَوجهَا، أَي خلق مِنْهَا زَوجهَا قَبْلكم.
قَالَ: و (ثَمّ) لَا تكون فِي العطوف إِلَّا لشَيْء بعد شَيْء. وَأما (ثَمّ) بِفَتْح الثَّاء، فَإِنَّهُ إشارةٌ إِلَى الْمَكَان؛ قَالَ تعالَى: {مَّنثُوراً وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} (الْإِنْسَان: 20) .
قَالَ الزَّجاج: ثَمَّ، عُني بِهِ الجنَّة. وَالْعَامِل فِي (ثَم) معنى (رَأَيْت) . الْمَعْنى وَإِذا رَمَيْت ببصرك ثَمّ.
وَقَالَ الفَرَاء: الْمَعْنى: إِذا رَأَيْت مَا ثمّ رَأَيْت نَعِيماً.
قَالَ الزجَّاج: وَهَذَا غَلَط، لأنّ (مَا) مَوْصُولَة بقوله: (ثَمّ) على هَذَا التَّقْدِير. وَلَا يجوز إِسْقَاط الْمَوْصُول وتَرْك الصِّلة، وَلَكِن (رَأَيْت) مُتَعَدَ فِي الْمَعْنى إِلَى (ثَمّ) .
وَأما قَول الله عزّ وجَلّ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (الْبَقَرَة: 115) فإنّ الزجّاج قَالَ أَيْضا: ثمّ، مَوْضِعُه مَوْضع نَصْب، وَلكنه بُنِي على الْفَتْح لالْتقاء الساكنين. و (ثمَّ) فِي الْمَكَان، إِشَارَة إِلَى مَكَان مُنْزَاحٍ عَنْك.
وَإِنَّمَا مُنعت (ثَمّ) من الْإِعْرَاب لإبهامها.
قَالَ: وَلَا أعلم أحدا يَشرح (ثَمّ) هَذَا الشَّرْح.

(15/53)


وَأما (هُنَا) فَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَكَان الْقَرِيب مِنْك، و (ثُمّ) بِمَعْنى: هُنَاكَ، وَهُوَ للتبعيد بِمَنْزِلَة (هُنَا) للتقريب.
وَالْعرب تزيد فِي (ثُمّ) تاءاً، تَقُول: فعلت كَذَا وَكَذَا ثُمَّت فعلت كَذَا؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
ثُمَّت يَنْبَاعُ انْبيَاعَ الشّجَاعْ
الفَرّاء: الثّمِيمة: التامُورة المَشْدودة على الرَّأْس، وَهِي الثِّفَالُ، وَهُوَ الإبْرِيق.
مث: قَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعْتُ أَبَا مِحْجَن الضَّبَابيِّ يَقُول: مُثَّ الجُرْح ومُشَّه، أَي أنْفِ عَنهُ غَثِيثَته.
وَقَالَ اللَّيْثُ: مَثَثْتُ يَدي بالمِنْديل ومَشَشْتُها، أَي مَسَحْتُها؛ وَقَالَ امْرؤ القَيْس:
نَمُثّ بأَعْراف الجِيَادِ أكُفَّنَا
إِذا نَحن قُمْنا عَن شِوَاءٍ مُضَهَّبِ
وَرَوَاهُ غَيره: نَمُشّ.
وَقَالَ أَبُو زَيد: مَثّ فلانٌ شارِبَه يَمُثّه مَثّاً، إِذا أَصابه دَسَمٌ فَمَسحه بِيَدِهِ، ويُرَى أثَرُ الدَّسَم عَلَيْهِ.
ويُقال: مَثّ الحَمِيتُ يَمُثّ، إِذا رَشَحَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابي: ثَمْثَم الرَّجُل، إِذا غَطَّى رَأس إناثه؛ ومَثْمَث، إِذا أشْبَع الفَتِيلَةَ من الدُّهْن.
قَالَ أَبُو تُراب: وسمعتُ وَاقعا يَقُول: مَثَّ الجُرْحَ ونَثَّه، إِذا دَهَنه.
وَقَالَ ذَلِك عَرام.
ويُقال: مَثْمِثُوا بِنَا سَاعَة: وثَمْثِمُوا بِنَا سَاعَة، ولَثْلِثُوا بِنَا سَاعَة، وجَفْجِفُوا بِنَا سَاعَة، أَي رَوِّحُوا بِنَا قَلِيلا.

(15/54)


(أَبْوَاب) الثلاثي الصَّحِيح من حرف الثَّاء

(أَبْوَاب الثَّاء وَالرَّاء)
ث ر ل
أُهملت وجوهه.
ث ر ن
رثن، ثرن، نثر: (مستعملة) .
رثن: قَالَ بعضُ من لَا أَعْتَمِده: تَرَثَّنَت المرأةُ، إِذا طَلَت وَجْههَا بغُمْرَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: فِيمَا رَوَى عَنهُ ابنُ هانىء: الرَّثَانُ من الأمطار: القِطار المُتَتابعة يَفْصل بينهنّ سَاعَات، أقلّ مَا بينهنّ سَاعَة، وَأكْثر مَا بينهنّ يومٌ وَلَيْلَة. وأَرْضٌ مُرَثَّنَة. وَقد رُثِّنَت تَرْثيناً.
وَفِي (نَوادر الأعْراب) : أَرضٌ مَرْثُونَةٌ: أصَابَتْها رَثْنةٌ، أَي مَرْكُوكة.
وأَصابها رَثانٌ، ورِثَامٌ.
وَأَرْض مُرَثَّنة، ومُرَثَّمة، ومُثَرَّدَة، كُلّ ذَلِك أَصَابَهَا مَطَرٌ ضَعِيف.
ثرن: أَبُو العبّاس: عَن ابْن الأعْرابيّ: ثَرِن الرَّجُل، إِذا آذَى صَدِيقَه أَو جارَه.
نثر: أَبُو العبّاس: عَن ابنْ الأعْرابيّ أَنه قَالَ: النَّثْرَةُ: طَرَف الأنْف؛ وَمِنْه قولُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّهارة: اسْتَنْثِرْ.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: اسْتَنْشِق وحَرِّك النّثرة فِي الطَّهَارة.
وقلتُ: ورُوي لنا هَذَا الْحَرْف عَن ابْن جَبلة عَن أبي عُبيدة أنّه قَالَ فِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا توضّأت فأَنْثِر، بِأَلف مَقْطُوعَة، وَلم يُفَسِّره.
أَبُو عُبيد: قلت: وَأهل اللُّغة لَا يُجيزون، (أَنْثر) من (الإنثار) . إِنَّمَا يُقال: نَثَر يَنْثِر، وانْتَثر يَنْتَثر، واسْتَنْثَر يَسْتَنْثر.
ورَوى أبُو الزِّنادِ: عَن الأعْرج: عَن أبي هُريرة: عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا تَوَضَّأ أحدُكم فَلْيَجعل المَاء فِي أَنفه ثمَّ لِينْثِر هَكَذَا) .
رَواه أهلُ الضّبط لألفاظ الحَدِيث، وَهُوَ الصَّحيح عِنْدِي.
وَقد فَسَّر الفرّاء قَوْله: لينثِر، وليَسْتَنثِر، على غير مَا فَسَّره الفرّاء وَابْن الأعْرابيّ.
قَالَ بعضُ أهل العِلْم: مَعْنى الاسْتِنْثار، والنثر: أَن يَسْتنشق المَاء ثمَّ يَستخرج مَا فِيهِ من أَذًى أَو مُخاط.
وممّا يَدُل على هَذَا الحَدِيث الآخَر أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَسْتَنْشق ثَلَاثًا، فِي كُلّ مرّة يَسْتَنْثر، فَجعل الاسْتِنْثار غير الاسْتِنْشاق.

(15/55)


يُقال مِنْهُ: نَثَر يَنْثِر، بِكَسْر الثَّاء.
ونَثَر السُّكَّرَ يَنْثُره، بِالضَّمِّ لَا غير.
وَأما قَول ابْن الأعرابيّ: النَّثْرة: طَرَف الْأنف، فَهُوَ صَحيح.
وَبِه سُمِّي النَّجْم الَّذِي يُقال لَهُ: نَثْرة الْأسد، كَأَنَّهَا جُعلت طرَف أَنْفه.
وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّثْر: نَثْرك الشَّيء بِيَدِك تَرْمي بِهِ مُتَفَرِّقاً، مثل نَثْر الجَوز واللّوز والسُّكّر، وَكَذَلِكَ نَثْر الحبّ إِذا بُذِر.
وَهُوَ النِّثَار؛ يُقال: شَهِدْت نِثَارَ فُلان.
قَالَ: والنَّثُور من النِّساء: الكثيرةُ الوَلَد.
وَقد نَثَرت ذَا بَطْنها، وَقد نَثَرت بَطْنها.
قَالَ: والنُّثَّارُ: فُتات مَا يَتَناثر حوالَي الخِوان من الخُبز وَنَحْو ذَلِك من كُلّ شَيْء.
وَفِي الحَدِيث: (من تَوَضَّأ فَلْيَنْثِر) ، بِكَسْر الثَّاء.
ويُقال: نَثَرَ الدُّرّ، والجَوْز، يَنْثُره نَثْراً، بِضَم الثَّاء.
ونَثَر من أَنْفه يَنْثِر نَثِيراً، بِكَسْر الثَّاء لَا غير.
ونَثِير الدَّوَابّ: شبه العُطاس للنَّاس، إِلَّا أَنه لَيْسَ بغالب لَهُ، ولكنّه شَيْء يَفْعله هُوَ بأَنفه، يُقَال: نَثَر الحِمَارُ، وَهُوَ يَنْثِر نَثِيراً.
وَالْإِنْسَان يَستنثر: إِذا استنشق المَاء ثمَّ اسْتَخرج نَثِيرَه بنَفَس الأنْف.
قَالَ: والنَّثْرة أَيْضا: الفُرْجة الَّتِي بيْن الشاربَين حِيال وَتَرة الْأنف.
وَكَذَلِكَ هِيَ من الأسَد.
قَالَ: والنَّثرة: كَوكبٌ فِي السَّمَاء كَأَنَّهُ لَطْخُ سَحَاب حِيال كوكبين صغيرين، تُسَمِّيه العربُ: نَثْرَة الْأسد، وَهِي من منَازِل الْقَمَر.
قَالَ: وَهُوَ فِي عِلْم النُّجوم من بُرج السَّرَطان.
أَخْبرنِي الْمنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: النثرة: هِيَ أنف الْأسد ومِنخَراه، وَهِي ثَلَاثَة كواكب خفيّة مُتَقَارِبَة، والطَّرف عَينا الْأسد كوكبان، الْجَبْهَة أمامها وَهِي أَرْبَعَة كواكب.
وَقَالَ شمر فِي كِتَابه فِي (السِّلاح) : النّثْرة من الدُّروع السّابغة.
وَقد نثرَها عَلَيْهِ فملأَت بَدنه.
وَقَالَ غيرُه: النّثرةُ، والنَّثْلةُ: اسمٌ من أسمائها.
وَقَالَ: هِيَ المَنْثُولة، وأَنشد:
وضاعفَ من فوقِها نَثرةً
تَرُدُّ القَواضِبَ عَنْهَا فُلُولاَ
وَقَالَ ابْن شُميل: النّثْل: الادِّراع.
يُقَال: نَثَلَها عَلَيْهِ، ونثَلَها عَنهُ، أَي خَلَعها.
ونَثَلها عَلَيْهِ: إِذا لبِسها.

(15/56)


وَفِي الحَدِيث: (إنّ الجَراد نَثْرةُ الحُوت) ، أَي عَطْسَتُه.
ث ر ف
ثفر، رفث، فرث، فثر.
ثفر: أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: يُقَال لِحَياءِ السِّباع كلِّها: الثَّفْرُ، بِسُكُون الْفَاء.
قَالَ: وَمِنْه قولُ الأخطل:
جَزَى اللَّهُ فِيهَا الأعورَين مَلامةً
وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتضَاجِمِ
قَالَ: إنّما هُوَ شيءٌ استعاره فأَدخله فِي غير مَوضعه، كَقَوْلِهِم: مَشافر الحَبَش، وَإِنَّمَا المِشْفَر للإِبل.
وثَفَر الْبَعِير والحِمار والدابّة: مُثَقَّل؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
لَا حِمْيَرِيٌّ وَنَى وَلَا عَدَسٌ
وَلَا اسْتُ عَيرٍ يحُكُّها ثَفَرُهْ
وَفِي الحَدِيث: إِن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَر المُسْتحَاضةَ أَن تَسْتَثْفِرَ وتُلْجِمَ إِذا غلَبها سيَلان الدَّم. وَهُوَ أَن تَشُدَّ فرجهَا بِخرقَة أَو قُطنةٍ تَحتَشي بهَا ثمَّ تَربِط بعد ذَلِك رِبَاطًا تشدُّ طرفَيه إِلَى حَقَب تشدُّه عَلَى وَسطها فتمنع الدّم، وَذَلِكَ بعد أَن تَطهر حِين تُرِيدُ الصَّلَاة.
ويُحتمل أَن يكون الاستِثْفَارُ مأخوذاً من ثَفَر الدابّة، أَي تشدُّه كَمَا يُشَدُّ الثّفَر تَحت ذَنب الدَّابَّة.
ويُحتمل أَن يكون مأخوذاً مِن الثّفْر، أريدَ بِهِ فَرْجها، وَإِن كَانَ فِي الأَصْل للسِّباع. فاسْتُعير للْمَرْأَة كَمَا استعاره الأَخطل للظِّلْف، وَإِن كَانَ فِي الأَصْل للسِّباع.
وَقَالَ اللَّيْثُ: المِشْفارُ من الدوابِّ الَّتِي تَرمي بسَرْجها إِلَى مُؤَخّرها.
قَالَ: والاسْتِثَفْارُ للكلْب إِدْخَاله ذَنَبه بَين فَخِذَيه حَتَّى يُلزقَه ببطنه؛ وَقَالَ النابغةُ:
تَعْدُو الذِّئاب عَلَى مَن لَا كِلاَبَ لَهُ
وتَتّقِي مَرْبِضَ المُسْتَثفر الحامِي
والرّجُل يَسْتَتفِر بإِزاره عِنْد الصِّراع، إِذا هُوَ لَوَاه على فخذَيه ثمَّ أَخرجه بَين فَخِذَيه فشَدَّ طرفَيه فِي حُجْزَتِه.
أَبُو العبّاس: عَن ابْن الأعرابيّ: رجُلٌ مِثْفَرٌ، ومِتْفَارٌ، وَهُوَ نَعْتُ سَوءٍ.
فثر: قَالَ اللَّيْثُ: الفاثُورُ، عِنْد العامَّة: هُوَ الطّسْتُ خَان.
قَالَ: وأَهل الشَّام يتّخذُون صِواناً مِن رُخامٍ يسمُّونه الفَاثُور، وَأنْشد:
والأكْلُ فِي الفاثُورِ بالظّهَائر
أَرَادَ: على الفاثُورِ: فأقامَ (فِي) مُقام (عَلَى) .
وفاثُور: اسْم مَوْضِع فِي قَوْلِ لَبِيد:
بَين فاثُور أُفَاقٍ فالدَّحَلْ
وَأما قَول لَبيد فِي قصيدة أُخْرى:
حقائبُهم رَاحٌ عَتِيقٌ ودَرْمَكٌ
ورَيْطٌ وفاثُوريَّةٌ وسُلاَسِلُ

(15/57)


فالفاثُورِيّة، هَا هُنَا: أَخْونةٌ وجَامَاتٌ.
ورُوي عَن عَمرو: عَن أَبِيه: قَالَ: الفاثُور: المِصْحاةُ، وَهِي النّاجُود والباطِيَةُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي كَلاَمٍ ذَكره لِبَعْضهم: وأَهل الشَّام والجزيرة على فاثُور واحدٍ، كَأَنَّهُ عَنَى: على بسَاطٍ واحدٍ.
وَفِي الحَدِيث: تكون الأَرْض يومَ الْقِيَامَة كفاثُور الفِضّة.
قيل: إِنَّه خِوانٌ من فِضّة. وَقيل: جامٌ مِنْ فِضّة.
رفث: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّفَثُ: الجِمَاع، وأَصْلُه، قَوْلُ الفُحْش، قَالَ الله تعالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} (الْبَقَرَة: 197) .
وَقَالَ الزجَّاج: أَي لَا جِمَاعَ وَلَا كَلمةً مِن أَسباب الجِماع؛ وَأنْشد:
عَن اللَّغَا ورَفَث التَّكلُّم
قَالَ: والرَّفَثُ: كَلمةٌ جَامِعَة لكُلّ مَا يُريده الرجُلُ مِن أَهْلِه.
ورُوي عَن ابْن عَبّاس أنَّه كَانَ مُحْرِماً فأَخذ بذَنب ناقةٍ من الرِّكَاب وَهُوَ يَقُول:
وهُنّ يَمْشِين بِنَا هَمِيسَا
إِن تَصْدُق الطَّيْرُ نَنِك لَمِيسَا
فَقيل لَهُ: يَا أَبَا العبّاس، أَتَقول الرَّفَث وَأَنت مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الرَّفَثُ مَا رُوجِع بِهِ النّساء.
فَرَأى ابْن عبَّاس (الرَّفَثَ) الَّذِي نَهى الله عَنهُ مَا خُوطبت بِهِ المَرأة، فَأَما أَن يَرفُثَ فِي كَلَامه وَلَا تَسمع امْرَأَة رَفَثَه، فغَيْرُ داخلٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ} (الْبَقَرَة: 197) .
يُقَال: رَفَثَ يَرفُث، وأَرْفَث يُرفِث، إِذا أفحش فِي شأْن النِّسَاء.
فرث: ابْن السِّكّيت، عَن أَبي عَمْرو: يُقال للْمَرْأَة: إِنَّهَا مُتَفَرِّثَةٌ، وَذَلِكَ فِي أَوّل حَمْلها، وَهُوَ أَن تَخْبُثَ نَفْسها فِي أَوّل حَمْلها فيَكْثُر نَفْثُها للخَرَاشِيّ الَّتِي على رَأس مَعِدَتها.
قلتُ: لَا أَدْرِي: مُنْفَرِثة، أَو مُتَفَرِّثة؟
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: فَرَثْتُ الجُلَّة أفْرِثها فَرْثاً، إِذا مَزَّقتها ونَثَرت جَمِيع مَا فِيهَا.
وفَرَثت كَبِدَه، إِذا ضَرَبْته حَتَّى تَنْفَرِثَ كَبِدُه.
وأَفْرَثْتُ الرَّجُلَ إفْرَاثاً، إِذا وَقَعْتَ فِيهِ.
وأَفْرَثْتُ الكَرِشَ، إِذا شَقَقْتَها ونَثَرت مَا فِيهَا.
وَقَالَ غيرُه: الفَرْثُ: السِّرْجين.
ورَوى غيرُه: عَن أبي زَيد: أفْرث الرَّجُلُ أصْحَابَه إفْرَاثاً، إِذا عَرَّضهم للسُّلْطان، أَو لِلائمَة النّاس.

(15/58)


ثَعلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: الفَرْثُ: غَثَيانُ الحبْلَى.
قَالَ: والفَرْثُ: الرَّكْوةُ الصَّغِيرة.
ث ر ب
ثرب، ثبر، بثر، ربث، برث.
ثرب: قَالَ الله عزَّ وجلّ: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (الْإِسْرَاء: 102) .
قَالَ الزّجّاج: مَعْناه: لَا إفْسَاد عَليكم.
وَقيل: لَا تَعْدَاد للذُّنوب عَلَيْكُم وَلَا تَوْبِيخ.
ثَرَّب فلانٌ على فلانٍ: إِذا بَكَّته وعَدَّد عَلَيْهِ ذُنُوبَه.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الثارِبُ: المُوَبِّخُ.
يُقَال: ثَرَب، وثَرَّب، وأَثْرَب، إِذا وَبّخ.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا زَنت أَمَةُ أحدكُم فليَضْربْها الحَدَّ وَلَا تَثْريبَ) .
قلت: مَعْنَاهُ: أَنه لَا يُبكِّتها وَلَا يُقَرِّعها بعد الضَّرْب.
قَالَ شَمِرٌ: التَّثْرِيب: الإفْساد والتَّخْلِيط.
يُقال: ثَرَبَ يَثْرِب، وثَرَّب يُثَرِّب، وأَثْرب يُثرب؛ قَالَ نُصَيب:
إنّي لأكْره مَا كَرِهْت مِن الّذِي
يُؤْذِيكَ سُوءَ ثَنائهِ لم يَثْرِبِ
وَقَالَ فِي (أثرب) :
أَلا لَا يَغُرّنّ امْرءاً مِن تِلادَه
سَوَامُ أَخ دانِي الوَسِيطة مُثْرِبِ
قَالَ: مُثْرب: قليلُ العَطاء، وَهُوَ الَّذِي يَمُنّ بِمَا أَعْطى.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهى أَن يُقال للمَدِينة (يَثرب) ، وسمّاها: طِيبة، كَأَنَّهُ كَرِه ذِكر الثَّرْب.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثَّرْبُ: شَحْم رَقيقٌ يُغَشِّي الكَرِشَ والأَمْعاء؛ وجَمْعُه: ثُرُوب.
ثبر: قَالَ اللَّيْثُ: الثّبْرة: أرضٌ حجارتُها كحجارة الحَرَّة إلاّ أَنَّهَا بِيض.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الثّبْرة: حُفْرة.
قلت: ورأيتُ فِي الْبَادِيَة رَكيّة غيرَ مَطْوِيّة يُقَال لَهَا: ثَبْرة، وَكَانَت وَاسِعَة كثيرةَ المَاء.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله عَزّ وجَلّ: {وَإِنِّى لأَظُنُّكَ يافِرْعَونُ مَثْبُورًا} (الْإِسْرَاء: 102) قَالَ: مَغْلوباً مَمْنوعاً مِن الْخَيْر.
وَالْعرب تَقول: مَا ثَبَرك عَن هَذَا؟ أَي مَا مَنَعك مِنْهُ وَمَا صَرَفك عَنهُ؟ .
وَعَن مُجاهد فِي قَوْله: {مَثْبُورًا} قَالَ: هالِك.
وَقَالَ قَتادة فِي قَوْله تَعَالَى: {دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً} (الْفرْقَان: 13) قَالَ: ويلاً وهَلاَكاً.
وَقَالَ شَمِرٌ: وَمَثَلٌ للعَرب: إِلَى أُمّه يأوي مَن ثُبِر، أَي مَن أُهلِك.

(15/59)


والثُّبُور: الهَلاَك.
وَقَالَ الفَرّاء: الثُّبُور: الْمصدر، وَلذَلِك قَالُوا: ثُبوراً كثيرا، لِأَن المصادر لَا تُجمع، أَلا تَرى أنّك تَقول: قعدت قُعوداً طَويلا، وضَرَبت ضربا كثيرا.
قَالَ: وَكَأَنَّهُم دَعَوا بِمَا فعلوا، كَمَا يَقُول الرجل: وانَدَمَتَاه
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله تَعَالَى: {دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً} (الْفرْقَان: 13) بِمَعْنى (هَلَاكًا) ، ونَصبه على الْمصدر، كَأَنَّهُمْ قالُوا: ثَبرنا ثُبُورا، ثمَّ قيل لَهُم: {) لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً} (الْفرْقَان: 14) ، أَي هلاككم أَكثر من أَن تدعوا مرّة وَاحِدَة، لِأَن (ثُبورا) مصدر، فَهُوَ للقليل وَالْكثير على لفظ وَاحِد.
وَفِي حَدِيث مُعاوية أَن أَبَا بُردة قَالَ: دخلتُ عَلَيْهِ حِين أَصَابَته قُرحة فَقَالَ: هَلُمّ يَابْنَ أخي فَانْظُر، فتحوّلت فإِذا هِيَ قد ثَبِرَت. فَقلت: لَيْسَ عَلَيْك بأسٌ يَا أَمِير المُؤمنين.
قَالَ القُتيبي: ثَبِرَت، أَي انفتحت.
والثّبْرةُ: النُّقْرة فِي الشَّيْء والهَزْمَةُ، وَمِنْه قيل للنُّقْرة فِي الجَبل يكون فِيهَا الماءُ: ثَبْرة.
وَقَالَ غيرُه: هُوَ على صِيرِ أمْرٍ، وثِبَار أمْرٍ، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد: ثَبَرْت فلَانا عَن الشَّيْء أثْبُره: رَدَدْتُه عَنهُ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: مَا ثَبَرك عَن كَذَا؟ أَي مَا مَنَعك؟
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: المَثْبِرُ: المَوضع الَّذِي تَلد فِيهِ المرأةُ من الأَرْض، وَكَذَلِكَ حَيْثُ تَضع فِيهِ الناقةُ.
وَقَالَ نُصَير: مَثْبِرُ النَّاقة أَيْضا: حَيْثُ تُعَضَّى وتُنْحَر.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَمن الْعَرَب مَسْمُوع.
غيرُه: ثابرَ فلانٌ على الأمْر مُثَابَرة، وحارَضَ مُحَارضَةً، إِذا واظَب عَلَيْهِ.
وأمّا قولُه:
فَثَجَّ بهَا ثَبَراثِ الرِّصا
فِ حتّى تَزَيَّلَ رَنْقُ الكَدَرْ
فَهُوَ قَول أبي ذُؤيْب، أَرَادَ بالثَّبَراتِ: نِقَاراً يَجْتمع فِيهَا مَاء السَّماء ويَصفو فِيهَا؛ وَاحِدهَا: ثَبَرة.
وثَبِير: اسمُ جَبَل بمكّة.
عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: المَثْبُور: المَلْعُون المَطْرود المُعذَّب.
والمثبور: الْمَمْنُوع من الْخَيْر.
بثر: أَبُو عُبَيد، عَن أبي عُبَيْدة: البَئْرُ: الْقَلِيل؛ والبَثْرُ: الْكثير؛ أَعطاه عَطاء بَثْراً. وَأنْشد غيرُه بَيت أبي ذُؤيب:

(15/60)


فافْتَنَّهُنّ من السَّوَاء وماؤُه
بَثْرٌ وعانَدَه طَريقٌ مَهْيَعُ
وَقَالَ الكسائيّ: هَذَا شَيْء كثيرٌ بَثيرٌ بَذِيرٌ، وبَحِيرٌ أَيْضا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: المَاء البَثْر فِي الغَدِير إِذا ذَهب وَبَقِي على وَجه الأَرْض مِنْهُ شَيْء قليلٌ ثمَّ نَشّ وغَشَّى وَجه الأَرْض مِنْهُ شِبْه عِرْمِض، يُقال: صَار مَاء الغَدِير بَثْراً.
أَبُو عُبَيد، عَن الكسائيّ: بَثِرَ وَجْهُه يَبْثَر بَثَراً. وَهُوَ وَجْه بَثِر، من البَثَر. وبَثَر يَبْثُر بَثْراً، وبَثرُ يَبْثُر بُثُوراً.
قلت: البُثُور: مِثل الجُدَرِيّ على الوَجْه وَغَيره مِن بَدَن الْإِنْسَان؛ وَاحِدهَا: بَثْرٌ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: البَثْرة، تَصْغيرها: البُثَيِّرة. وَهِي النِّعمةُ التامّة.
ويُقال: ماءٌ باثِرٌ، إِذا كَانَ بادياً من غير حَفْر. وَكَذَلِكَ مَاء نابِعٌ ونَبَعٌ.
قَالَ: والباثِرُ: الحَسُود. والبَثْرُ والمَبْثُور: المَحْسُود. والمَبثُور: الغَنِيّ التامّ الغِنَى.
ربث: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّبْثُ: حَبْسُك الإنسانَ عَن حاجَته وأَمْره بِعِلَلٍ.
تَقول: رَبثَه عَن أَمْره.
وَالِاسْم من ذَلِك: الرَّبِيثة.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة بعث إبليسُ شياطينه إِلَى النَّاس فأخَذُوا عَلَيْهِم الرَّبائثَ، أَي ذكَّروهم بالحوَائج ليُرَبِّثوهم بهَا عَن الجُمعة. وَيُقَال:
جَرْيَ كَرِيثٍ أَمْرُه رَبِيثُ
الكَرِيثُ: المكْرُوث.
أَبُو عُبَيد، عَن الكسائيّ: الرِّبِيثَى، من قَوْلك: رَبثْتُ الرَّجُلَ أرْبُثُه رَبْثاً، وَهُوَ أَن تُثَبِّطه وتُبْطىء بِهِ؛ وَأنْشد غيرُه:
بَينا تَرَى المَرْءَ فِي بُلَهْنِيةٍ
يَرْبُثُه من حِذارِه أمَلهُ
قَالَ شَمِرٌ: رَبثه عَن حَاجته، أَي حَبَسه، فَرَبِثَ؛ وَهُوَ رابِثٌ: إِذا أَبْطَأَ؛ وَأنْشد لنُميْر بن جَرّاح:
تَقول ابنةُ البَكْريّ مَا ليَ لَا أرَى
صَدِيقك إلاّ رابثاً عَنْك وافِدُهْ
أَي بَطيئاً.
وَيُقَال: دنا فلانٌ ثمَّ ارْبأَثَّ، أَي احْتَبس؛ وارْبأْثثْتُ.
وأرْبث القومُ: تَفرَّقُوا.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: أرْبثَ أمْرُ بني فلانٍ إرْبَاثاً، إِذا انْتشر وتفرَّق وَلم يلْتئم؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيب:
رَمَيْناهُم حَتَّى إِذا ارْبثّ أمْرُهمْ
وَصَارَ الرَّصيعُ نُهْبَةً للمُقاتِل
قَالَ الأصمعيّ: مَعناه: دَهِشُوا فقَلَبُوا قِسِيَّهم. والرَّصِيع: سَيْرٌ يُرْصَع ويُضفر. والرُّصُوع: المَصْدر.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: إِنَّمَا قُلتُ ذَلِك رَبِيثةً

(15/61)


منِّي، أَي خَدِيعة.
وَقد رَبَثْتُه أَرْبُثه رَبْثاً.
برث: ثَعلب، عَن ابْن الأعْرابيّ: البُرْث: الرَّجُلُ الدَّليلُ الحاذق. جَاءَ فِي بَاء التَّاء.
وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ أَبُو عَمْرو: والبَرْثُ: الأرْضُ السَّهْلة.
قَالَ: وسَمِعْتُ ابْن الفَقْعَسِيّ يَقُول وَسَأَلته عَن نَجْد، فَقَالَ: إِذا جاوَزْت الرَّمْلَ فصِرْتَ إِلَى تِلْكَ البِرَاثِ كأَنها السَّنام المُشَقَّق.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ وَابْن الأعرابيّ: البَرْثُ: الأَرْض اللَّيّنة المُستوية تُنْبِتُ الشَّعَر؛ قَالَ رُؤْبة:
مِن أَهْلها فالبُرَقُ البَرَارِث
كَانَ يَنْبغي أَن يَقُول (بِرَاث) ، فَقَالَ: بَرَارِث.
ث ر م
ثَمَر، ثرم، رثم، مرث، رمث: مستعملات.
مثر: (مهمل) .
ثَمَر: قَالَ اللَّيْثُ: الثَّمَرُ: حَمْل الشَّجَرِ. والوَالدُ: ثَمَرَةُ القَلْبِ. والثَّمَر: أنْواع المَالِ.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: أَثْمر الشَّجَرُ: خَرج ثَمَرُه. وأَثْمر الزُّبْدُ: اجْتَمع.
وأَثْمَر الرَّجُلُ: كَثُر مالُه.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: أَثْمر الشَّجَرُ، إِذا طَلَع ثَمَرُه قبل أَن يَنْضَج؛ فَهُوَ مُثْمِر. والثامِرُ: مَا نَضَج. وَقد ثَمَر الثَّمَرُ يَثْمُر، فَهُوَ ثامِر.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً} {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (الْكَهْف: 33، 34) .
قَالَ الفَرّاء: حَدَّثني يَعْلَى، عَن ابْن نُجَيح، عَن مُجاهد، قَالَ: مَا كَانَ فِي القُرآن من (ثُمُرٍ) فَهُوَ مَال: وَمَا كَانَ من (ثَمَر) فَهُوَ الثِّمَار.
وأَخبرني المُنْذرِيّ، عَن الحُسين بن فَهم، عَن مُحَمَّد بن سَلام. قَالَ: قَالَ سَلام أَبُو المُنْذِر القارىء فِي قَوْله {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (الْكَهْف: 35) مَفْتُوح: جمع: ثَمرَة، وَمن قَرَأَ (ثُمُر) قَالَ: من كُل المَال. فَأخْبرت بذلك يونُسَ فَلم يَقْبله، كَأَنَّهُمَا كَانَا عِنْده سَوَاء.
قَالَ: وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: ثَمرَة، ثمَّ ثَمرَ، ثمَّ ثُمُر، جَمْع الْجمع.
وَقَالَ: وبعضُهم يَقُول: ثمَرَة، ثمَّ ثمَرَ، ثمَّ ثِمَار، ثمَّ ثُمُر.
وَقَالَ اللَّيْثُ: العَقل المُثْمر: عَقْل المُسْلم؛ والعَقْل العَقِيم: عَقْل الْكَافِر.

(15/62)


وَيُقَال: ثَمّر الله مالَك.
والثَّامِرُ: نَوْر الحُمّاضِ، وَهُوَ أَحْمر؛ وَقَالَ الرّاجز:
مِن عَلَقٍ كثامِرِ الحُمَّاضِ
ويُقال: هُوَ اسْمٌ لِثَمرِه وحَمْله.
قلت: أَرَادَ بِهِ حُمْرَةَ ثمره عِنْد إيناعِه؛ كَمَا قَالَ:
كأنّما عُلِّقَ بالأَسْدانِ
يانعُ حُمَّاضٍ وأُرْجُوانِ
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أَدْرك اللَّبن لِيُمْخَض فظهَر عَلَيْهِ تَحَبُّبٌ وزُبْدٌ، فَهُوَ المُثْمِر.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: هُوَ الثَّمير، وَذَلِكَ إِذا مُخض فرُئي على أَمْثَال الحَصَف فِي الجِلْد، ثمَّ يجْتَمع فَيصير زبْداً. وَمَا دَامَت صِغاراً، فَهُوَ ثَمِير. وَقد ثمَّر السِّقاء، وأَثْمر، وإنّ لَبَنك لَحَسن الثَّمر، وَقد أَثْمَر مِخَاضُك.
قلت: وَهِي ثَميرة اللَّبن أَيْضا.
ورُوي عَن ابْن عبّاس أَنه أَخذ بِثَمرة لِسانه وَقَالَ: قُل خَيْراً تَغْنَم، أَو أَمْسك عَن سُوء تَسْلَم.
قَالَ شَمِرٌ: يُريد أَنه أَخذ بِطرف لِسَانه.
وَكَذَلِكَ ثَمَرَة السَّوْط: طَرَفه.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه دَقّ ثَمَرَة السَّوْط حَتَّى آضت لَهُ مِخْفَقةً.
والثَّمراء: جَمع (الثَّمرة) ، مثل: الشجراء، جمع (الشّجرة) ؛ وَقَالَ أَبُو ذُؤيب يصف النّخْل:
تَظَلُّ على الثَّمراء مِنْهَا جَوارسٌ
مَراضِيعُ صُهْبُ الرِّيش زُغْبٌ رقَابُها
وَقيل: (الثمراء) فِي بَيت أبي ذُؤَيب: اسْم جَبَل. وَقيل: شَجَرة بعَيْنها ثمرَ الثّمَرُ، إِذا نَضجَ. وأَثْمَر الشّجر؛ إِذا طَلع ثمَرُه.
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} (الْكَهْف: 43) قَالَ ابْن عَرفة: أَي مَا ثُمِّر من مالٍ؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (الْكَهْف: 35) .
فالثَّمَر: مَا أَخْرجه الشجرُ.
والثُّمُرُ: المالُ.
ثرم: أَبُو زَيْد: أَثْرمْت الرَّجُلَ إثْرَاماً، حَتَّى ثَرِمَ، إِذا كسرت بَعض ثَنِيَّتِه.
وَمثله: أَنْثَرتُ الكَبْشَ إنثاراً حَتَّى نَثِر، وأَعْوَرْتُ عَيْنه؛ وأَعْضَبت الكَبْش حَتَّى عَضب، إِذا كسَرْت قَرْنَه.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثّرْم: مَصدر (الْأَثْرَم) .
وَقد ثَرَمْت الرَّجُل فَثرم.
وَقد ثَرَّمْتُ ثَنِيَّته، فانْثَرَمَتْ.
رثم: قَالَ اللَّيْثُ: تَقول العَرَبُ: رَثَمْت فَاه رَثْماً، إِذا كَسره حَتَّى تَقَطَّر مِنْهُ الدَّمُ.
والرَّثْمَ: بياضٌ على أنْف الفَرَس، وَهُوَ أَرْثَم، وَقد رَثِمَ.

(15/63)


قَالَ: والرَّثْمُ: تَخْديشٌ وشَقٌّ من طرَف الأَنف حَتَّى يَخْرج الدَّم فيَقْطر.
قَالَ الرَّثْمُ: كَسْرٌ من طَرف مَنْسِم البَعير؛ يُقَال: رَثِم مَنْسِمُه، إِذا دَمى وسال مِنْهُ الدَّم؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصف امْرأة:
ثَثْني النِّقابَ على عِرْنين أَرْنَبة
شَمَّاءَ مارِنُها بالمِسْك مَرْثُوم
وَقَالَ الأصمعيّ: الرَّثْم، أَصله: الكَسر، فشَبّه أَنْفها مُلَغَّماً بالطِّيب بأنفٍ مَكْسور مُتَلطِّخ بالدَّم.
وَقَالَ لَبِيد فِي المَنْسِم:
بِرَثِيمٍ مَعِرٍ دامِي الأظَلّ
مَنْسِم رَثِيم: أَدْمَتْه الْحِجَارَة. وحصًى رَثِيم ورَثمٌ، إِذا انْكَسَرَ؛ قَالَ الطِّرِمّاح:
رَثيم الحَصَى مِن مَلْكِها المُتَوَضِّح
وَقَالَ أَبُو عُبيد، فِي شِيَاتِ الفَرس: إِذا كَان بجَحْفلة الفَرس العُلْيا بَيَاضٌ فَهُوَ أرْثَم، وَإِن كَانَ بالسُّفلى بَيَاض فَهُوَ ألْمظ، وَهِي الرُّثْمة، واللُّمْظة.
وقلتُ: وكُل كَسْر: ثَرْمٌ، ورَثْمٌ، ورَتْمٌ؛ وَقَالَ:
لأَصْبَح رَثْماً دُقَاق الحَصَى
مَكَان النبيّ من الكاتِبِ
مرث: قَالَ اللَّيْثُ: المَرْثُ: مَرْسُك الشَّيء ثَمرتُه فِي ماءٍ وغَيره حَتَّى يَتَفَرَّق فِيهِ.
ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَرْثُ: المَصُّ.
قَالَ: والمَرْثةُ: مَصَّة الصَّبيّ ثدي أُمِّه مَصَّةً واحِدة.
وَقد: مَرَث يَمْرُث مَرْثاً، إِذا مَصّ.
وَقيل فِي حَدِيث الزُّبَير: فكأنهم صِبْيانٌ يَمْرُثون سُخُبَهم، مَرْتَ الصَّبيّ إِذا عَضَّ بدُرْدُرِه.
وَفِي حديثٍ يُروى عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَتى السِّقاية فَقَالَ: اسْقوني؛ فَقَالَ العبّاس: إِنَّهُم قد مَرَّثوه وأفْسَدُوه.
قَالَ شَمِرٌ: معنى: (مَرَّثوه) أَي وَضَّروه بأَيديهم الوَضِرة.
قَالَ: ومَرَّثه، ووضَّره، وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ لي ابْن جُعَيل الكَلْبيّ: يُقَال للصبيّ إِذا أَخذ ولد الشَّاة: لَا تَمْرثه بِيَدِك فَلَا تُرْضِعَه أُمُّه. أَي لَا توضِّره بلَطْخ يدك، وَذَلِكَ أَن أُمّه إِذا شَمَّت رَائِحَة الوَضَر نَفَرت مِنْهُ.
وَقَالَ المُفَضَّل الضَّبِّي: يُقال: أَدْرِك عَنَاقَك لَا يُمَرِّثُوها.
قَالَ: والتَّمْريث: أَن يَمْسحها القومُ بأَيديهم وفيهَا غَمَرٌ فَلَا تَرأَمها أُمها من رِيح الغَمَر.
ومرَّثْتُه تَمْرِيثاً، إِذا فَتَّتَّه؛ وأَنْشد:
قَرَاطِفُ اليُمْنَة لم تُمَرَّثِ
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: المَرْث:

(15/64)


الحِلْمُ.
ورَجُل مِمْرَثٌ: حَلِيم وَقور.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي، فِي بَاب المُبدل: مَرَث فلانٌ الْخبز فِي المَاء، وَمَرَذَه.
وَهَكَذَا رَوَاهُ لنا أَبُو بكر عَن شَمِر، بِالتَّاءِ والذّال.
رمث: الرِّمْثُ، واحدتها: رِمْثَة، شَجَرةٌ مِن الحَمْض يَنْبَسطِ وَرَقُها مثل الأُشنان، والإبلُ تُحَمِّض بهَا إِذا شَبِعت مِن الخَلّة ومَلَّتْها.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زَيد: رَمِثَت الإبلُ تَرْمَثُ رَمَثاً، إِذا أكلت الرِّمْث فاشْتكت بُطُونَها.
وَقَالَ الكِسائيّ: يُقال: نَاقَة رَمِثة، وإبلٌ رَماثَى.
والعَرب تَقُول: مَا شجرةٌ أَعلَمَ لجَبَلٍ، وَلَا أَضيْعَ لِسَابلة، وَلَا أَبدنَ وَلَا أَرتَع مِن الرِّمْثَة.
قلت: وَذَلِكَ أنّ الْإِبِل إِذا مَلّت الخَلّة اشْتهت الحَمْضَ، فَإِن أَصَابَت طَيِّب المَرْعَى، مثل الرُّغْل والرِّمْث، مَشَقت مِنْهَا حاجَتها، ثمَّ عَادَتْ إِلَى الخَلّة فَحَسُن رَتعها واستَمرأَت رَعْيها، وَإِن فَقدت الحَمْض سَاءَ رَعيُها وهُزِلت.
وَفِي الحَدِيث أَن رجلا أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنّا نَركب أَرماثاً لنا فِي الْبَحْر وَلَا ماءَ مَعنا، أفَنَتوضّأ بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ: (هُوَ الطّهُور ماؤُه الحِلُّ مَيْتَتُه) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصْمعِيّ: الأرْماث: خَشَبٌ يُضَم بعضه إِلَى بَعْض ويُشَدّ ثمَّ يُركب عَلَيْهِ؛ يُقَال وَاحِدهَا: رَمَث؛ وأَنشد لأبي صَخر الهُذليّ:
تمَنَّيْتُ من حُبِّي عُلَيّة أَنَّنا
على رَمَثٍ فِي الشَّرْمِ لَيس لنا وَفْر
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الحَسن الطُّوسيّ، عَن الخَرّاز، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الرَّمَثُ: الحَبْل المُنْتَكِثُ.
والرَّمَثُ: الحَلَبُ.
يُقال: رَمِّثَ ناقَتك، أَي أَبْقِ فِي ضَرْعها شَيْئاً.
والرَّمَث: الطَّوْف، وَهُوَ هَذَا الْخشب.
ورَوى سَلمة عَن الفَرّاء، قَالَ: الرَّمْثُ: السَّرِقَة.
يُقال: رَمَث يَرْمِثُ: ورَمَث يَرْمُث رَمْثاً، فيهمَا، إِذا سَرَق.
قَالَ: والرَّمَث: الطّوْف.
والرَّمَثُ: مَا يَبْقى فِي الضَّرْع من اللّبن.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : لفُلَان على فلانٍ رَمَثٌ، أَي مَزِيّة؛ وَكَذَلِكَ: لَهُ عَلَيْهِ فَوْرٌ، ومُهْلةٌ، ونَفَلٌ.
ويُقال: رَمَّث فلانٌ على الأَرْبعين، أَي زَاد: / /

(15/65)


(بَاب الثَّاء وَاللَّام)
ث ل ن
نثل، لثن.
نثل: قَالَ اللَّيْثُ: يُقال للدِّرْع السَّابغة: نَثْلة، ونَثْرة.
وَقد نَثلها عَلَيْهِ، أَي صَبَّها.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَحْمَر: يُقال للحافر: ثَلَّ، ونَثَل؛ وأَنْشد:
مِثَلٌّ على آرِيِّه الرَّوْثَ مِنْثَلُ
يَصف بِرْذَوناً.
قلت: أَرَادَ بِالحافِر كُلَّ دابّة ذَات حافرٍ مِن الخَيل والبِغال والحَمِير.
وَقَوله: ثَلّ، ونَثل، أَي راثَ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زَيد: نَثَلْت البِئر أَنْثِلُها نَثْلاً، إِذا أَخْرَجْتَ تُرابَها.
وَاسم ذَلِك التّراب: النَّثِيلة، والنُّثالة أَيْضا.
قَالَ أَبُو الجَرّاح: هِيَ ثَلّة البِئر ونَبِيثُها.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَول ابْن مُقْبل يَصف نَاقَة:
مسامِيةً خَوْصَاءَ ذَات نَثِيلةٍ
إِذا كَانَ قَيْدامُ المَجَرّة أَقْوَدَا
قَالَ: مُسامية: تُسامي خطامَها الطَّرِيقَ تنظرُ إِلَيْهِ. وذاتُ نَثيلة، أَي ذَات بَقيّة من شِدَّة. وقَيْدام المَجرّة: أوّلُها وَمَا تقدّم مِنْهَا. والأقود: المُسْتَطيل.
وَفِي الحَدِيث: (أيُحب أحدكُم أَن تُؤْتى مَشْرُبَتُه فيُنْتَثَل مَا فِيها) ؟
النَّثْل: نَثْرك الشَّيْء بمرّة وَاحِدَة.
يُقال: نَثَل مَا فِي كِنَانته، إِذا صَبَّها ونَثَرها.
لثن: أَخْبرنِي محمّد بن إِسْحَاق السّعْديّ، عَن عليّ بن حَرْب المَوْصِلِيّ أَنه قَالَ: لَثِنٌ، أَي حُلْو، بلغَة أهل الْيمن.
وَقد جَاءَ فِي المَبْعَث فِي شِعْر:
بُغْضُكُمُ عِندنا مُرٌّ مَذَاقَتُه
وبُغْضُنا عِنْدكم يَا قَوْمنا لَثِنُ
قَالَ عليّ بن حَرب، وَكَانَ مُعْرِباً: لَثِنٌ، أَي حُلْو، بلغَة أهل الْيمن.
قلتُ: وَلم أسْمعه لِغَيره، وَهُوَ ثَبْت.
ث ل ف
اسْتُعمل من وجوهه: ثفل.
ثفل: قَالَ اللَّيْثُ: الثَّفْل: نَثْرَك الشَّيْء كُلّه بمَرّة.
والثُّفْلُ: مَا رَسَب خُثارته وعَلا صَفْوه من الأشْياء كُلّها.
ثُفْل القِدْر؛ وثُفْل الْحَبّ، وَنَحْوه.
قلت: وَأهل البَدو إِذا أَصَابُوا من اللَّبن مَا يَكْفيهم لقُوتهم فهم مُخْصبون لَا يختارون عَلَيْهِ غِذَاء مِن تَمر وزَبيب أَو حَبّ؛ فَإِذا أَعوزهم اللّبَنُ وَأَصَابُوا من الحَبّ والتَّمر مَا يَتَبَلّغون بِهِ فهم مُثافلون. ويُسمون كُل

(15/66)


َّ مَا يُؤْكل من لَحم أَو خُبز أَو تمر ثُفْلاً.
ويُقال: بَنُو فلَان مُثافلون، وَذَلِكَ أشَدّ مَا تكون حالُ البدويّ.
أَبُو عُبَيد: وَغَيره: الثِّفَال: الجِلْد الَّذِي يُبْسط تَحت رَحَا اليَد لِيَقيَ الطَّحِينَ من التُّراب؛ وَمِنْه قولُ زُهير يَصف الْحَرب:
فَتَعْرككم عَرْكَ الرَّحَا بثِفَالِها
وتَلْقَح كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِم
أَبُو عُبيد: سَمِعْتُ الكِسائي يَقُول: بعير ثَفَالٌ: أَي بَطِيء.
قلت: وَفِي حَديث حُذيفة أَنه ذكر فتْنَة فَقَالَ: تكون فِيهَا مِثل الجَمل الثَّفَال الَّذِي لَا يَنْبَعث إِلَّا كَرْهاً.
وَفِي حَدِيث ابْن عُمر: أَنه أَكل الدَّجْرَ، وَهُوَ اللُّوبِياء. ثمَّ غَسَل يَده بالثِّفَال.
قَالَ ابْن الأعرابيّ: الثِّفَال: الإبْريق.
أَبُو تُراب، عَن بعض بني سُليم: فِي الغِرارة ثُفْلة من تَمْر، وثُمْلة مِن تَمْر، أَي بقيَّة مِنْهُ.
ث ل ب
ثلب، ثبل، (بثل) ، لبث.
ثلب: قَالَ اللَّيْثُ: الثِّلْب البَعيرُ الهَرِم.
والثِّلْب: الشَّيخ، بلغَة هُذَيل.
أَبُو عُبيد: الأَثْلب: الْحَجر.
وَقَالَ شَمِرٌ: الأَثْلبُ، بلغَة أهل الْحجاز: الْحجر؛ وبلُغة بني تَمِيم: التّراب.
وَقَالَ الفرَّاء: يُقال: بفِيه الإثْلبُ.
والكلامُ الْكثير: الأَثْلب، وَهُوَ التُّرَاب وَالْحِجَارَة؛ قَالَ رُؤبة:
وَإِن تُنَاهبه تَجدْه مِنْهَبا
تَكْسُو حُروفَ حاجِبَيْه الأثْلَبا
وَهُوَ التُّراب تَرْمي بِهِ قوائمُها على حاجبَيْه.
أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: ثَلَبْتُه أَثْلِبه ثَلْباً، إِذا عِبْتَه وقُلتَ فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: المثَالِبُ، مِنْهُ.
ويُقال: مَثالِبُ الأمِير وَالْقَاضِي: معايِبُه.
ويُقال: ثَلَبْت الرَّجُل، أَي طَرَدْتُه.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثّلْب: شِدَّة اللّوْم والأخْذ باللِّسان.
وَهُوَ المِثْلَب يَجْري فِي العُقُوبات وَنَحْوهَا.
سَلَمة، عَن الفَرَّاء: ثَلِب جِلْدُه ثَلَباً، ورَدِن يَرْدَن رَدَناً، إِذا تَقَبَّض ولانَ؛ وقَفَل يَقْفُل، إِذا يَبِس.
أَبُو عُبَيد: الثَّلِبُ: الرُّمْح المُتَثلِّم؛ وَقَالَ أَبُو العِيَال:
ومُطَّرِدٌ مِن الخَطِّ
يّ لَا عارٍ وَلَا ثَلِبُ
ثبل بثل: أهملهما اللَّيْثُ.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعْرابي أَنه قَالَ: الثُّبْلَة: البَقِيَّة؛ والبُثْلة: الشُّهْرة.

(15/67)


قلت: وهما حَرفان عربيَّان، جعل الثَّبلة بِمَنْزِلَة (الثُّملة) .
لبث: قَالَ اللَّيْثُ: اللَّبْثُ: المُكث.
والفِعل: لَبِث، قَالَ الله تَعَالَى: {مَئَاباً لَّابِثِينَ فِيهَآ} (النبأ: 23) .
سَلَمة، عَن الفَرَّاء: والناسُ يَقْرَؤون {مَئَاباً} .
ورُوي عَن عَلْقمة أَنه قَرَأَهَا (لَبِثين) .
قَالَ: وأجود الوَجْهين {مَئَاباً} لِأَن {مَئَاباً} إِذا كَانَت فِي مَوضِع تقع فتَنْصب كَانَت بِالْألف، مثل: الطامع والباخِل.
قَالَ: واللَّبِث: البَطيء.
وَهُوَ جَائِز، كَمَا يُقَال: رجُلٌ طامِعٌ وطَمِع، بِمَعْنى وَاحِد؛ وَلَو قلت: هُوَ طَمِع فِيمَا قِبَلَك، كَانَ جَائِزا.
قلت: يُقال: لَبث لُبْثاً ولَبْثاً ولُبَاثاً، كل ذَلِك جَائِز، وتَلَبَّث تَلَبُّثاً، فَهُوَ مُتَلَبِّث.
ث ل م
ثلم، ثمل، مثل، ملث، لثم.
ثلم: الحرّاني، عَن ابْن السِّكِّيت: فِي الْإِنَاء ثَلْمٌ، إِذا انْكسر مِن شَفَته شَيءٌ.
وَفِي السَّيْف ثَلْمٌ.
قَالَ: والثَّلَمُ: ثَلْم الوادِي، وَهُوَ أَن يَنْثَلم جُرْفُه.
قلتُ: ورأَيتُ بِنَاحِيَة الصّمَّان موضعا يُقَال لَهُ: الثّلَم؛ وأَنشدني أَعْرابيٌّ:
تَرَبَّعَتْ جوَّ خُوَيَ فالثَّلَم
والثَّلْمَةُ: الموضعُ الَّذِي قد انْثَلَم؛ وجَمْعها: ثُلَم. وَقد انْثَلم الْحَائِط، وتَثَلَّم.
وَقَالَ عَنْترة:
بالحَزْن فالصَّمَّان فالمُتَثَلَّم
ويُقال: ثَلَمْتُ الْحَائِط أَثْلِمه ثَلْماً، فَهُوَ مَثْلُوم.
ثمل: أَبُو عُبيد، عَن أَصحابه: الثَّميلةُ: البَقِيَّة من الطَّعام أَو الشَّراب تَبْقَى فِي البَطْن؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف عَيْراً وأُتُنَه:
وأَدْرَك المُتَبَقَّى من ثَمِيلته
وَمن ثَمَائِلها واسْتُنْشِىءَ الغَرَبُ
يَعْنِي: مَا بَقي فِي أَمْعَائها وأَعْضائها من الرُّطْب والعَلَف.
وَكَذَلِكَ يُقال لِبَقيَّة المَاء فِي الغِدْران والحَفِير: ثَمِيلة، وثَمِيل؛ قَالَ الأَعْشى:
بِعَيْرانةٍ كأَتَان الثَّمِيل
تُوافِي السُّرى بعد أَيْنٍ عَسِيرَا
تُوافي السُّرَى: أَي تُوفِّيها.
أَبُو عُبيد: الثُّمْلَةُ: الحَبُّ والسَّوِيق والتَّمْر فِي الْوِعَاء، يكون نِصْفَه فَمَا دُونَه.
قَالَ: والثُّمْلَة: أَيْضا: مَا أَخْرجت مِن أسفَل الرّكِيّة من الطِّين.
قالهما أَبُو زَيد.
والمِيم فِي هذَيْن الحَرْفَين سَاكِنة والثاء مَضْمومة.

(15/68)


وَأما الثَّمَلَة، بتحريك الْمِيم، فَهِيَ الصُّوفة الَّتِي يُهْنأ بهَا الجَرَب؛ وَأنْشد:
مَمْفُوثَة أَعْراضُهم مُمَرْطَله
كَمَا تُلاث بالهَناء الثّمَلَهْ
أَبُو عُبَيد: الثُّمالة: بقيَّة المَاء وغَيْره.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي: تَقول العَربُ فِي كَلَامهَا: قَالَت اليَنَمة: أَنا اليَنَمة، أَغْبُق الصَّبِيَّ قبل العَتَمة، وأَكُبّ الثُّمالَ فَوق الأكَمَة.
أَرَادَ بالثُّمَال: جمع الثُّمَالة، وَهِي الرَّغوة. واليَنَمة: بَقْلَةٌ طَيِّبة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الثَّمَالُ: السُّمّ المُنْقَع، وَهُوَ المُثَمّل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: ثَمَلْت القَوْمَ، وَأَنا أَثْمِلُهم، وأَثْمُلهم.
قلت: مَعْناه أَن يكون ثِمَالاً لَهُم، أَي غِيَاثاً يَفْزَعون إِليه.
ابْن السِّكّيت، عَن يُونس، يُقَال: مَا ثَمَلْتُ شَرابي بشيءٍ من طَعام.
وَمَعْنَاهُ: مَا أَكَلْت قبل أنْ أَشْرَبَ طَعَاما.
وَذَلِكَ يُسَمَّى: الثَّمِيلة.
الأصْمعي: ثَمِل الرّجُلُ يَثْمَل ثَمَلاً، إِذا سَكِر. فَهُوَ: ثَمِلٌ.
ويُقال: سَقَاه المُثَمَّلَ، أَي سَقاه السُّمّ.
ونُرَى أَنه الَّذِي أُنْقِع فَبَقِي وثَبَتَ.
قَالَ: والثّمَل: المُقَام والخَفْضُ.
يُقَال: ثَملَ فلانٌ فَمَا يَبْرح.
وَاخْتَارَ فلانٌ دارَ الثَّمَل، أَي دَار الخَفْض والمُقَام.
وَيُقَال: فلانٌ ثِمالٌ لبني فلانٍ، إِذا كَانَ لَهُم غياثاً وقواماً يَقُوم بأمْرهم.
يُقَال: هُوَ يَثْمِلُهم.
وَقَالَ أَبُو طَالب يَمدح النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثِمَال اليتَامى عِصْمة للأرَامل
وَيُقَال: أَثلَمت الْمَاشِيَة من الْكلأ مَا يَثْمل مَا فِي أَجوافها من المَاء، أَي يكون سَوَاء لما شَرِبَت من المَاء.
وَيُقَال: مَا ثَمَلْت طَعامي بِشَيْء من شراب، أَي مَا شرِبت بعد الطَّعَام شَراباً.
وَقَول ابْن مُقْبِل:
لمن الدّيارُ عَرَفتُها بالسّاحِل
وكأنّها ألواحُ سَيْفٍ شامِلِ
قَالَ الأصمعيّ: الثامل: الْقَدِيم العَهد بالصِّقال، كَأَنَّهُ بَقِي فِي أَيدي أَصْحَابه زَمَانا؛ من قَوْلهم: ارْتحل بَنو فلَان.
وثَملَ فلانٌ فِي دارِهم، أَي بقِي.
والثَّمْلُ: المُكْثُ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: المُثمَّلُ: السُّمّ المُقَوَّى بالسَّلَع، وَهُوَ شجرٌ مُرٌّ.
والمَثْمَلُ: أَفْضل الْعَشِيرَة.
شَمِرٌ: المُثَمَّلُ من السُّمّ: المُثَمَّنُ الْمَجْمُوع، وكل شَيْء جمعته، فقد ثمَّلْته

(15/69)


وثمَّنْته. وثمَلْتُ الطعامَ: أَصْلَحْتُه. وثمَلْته: سَترتُه وغَيَّبْته.
وثُمالة: بَطن من الأزد، وإليهم يُنسَب المبَرّد.
وَفِي حَدِيث عبد الْملك أَنه كتب إِلَى الْحجَّاج: أمّا بعد: فقد وَلّيتُك العِراقَيْن صَدْمَةً فسِرْ إِلَيْهَا مُنطوي الثميلة خَفيف الخَصيلة.
الثميلة، أصلُها: مَا يَبقى من العَلف فِي بَطن الدَّابَّة. أَرَادَ: سِرْ إِلَيْهَا مُخِفّا. والخَصيلة: لَحمة السَّاق. أَرَادَ: سِرْ إِلَيْهَا نجيب السّاق.
مثل: قَالَ اللَّيْثُ: المثَلُ: الشّيْءُ الَّذِي يُضرب مَثلاً فيُجْعل مِثْلَه.
والمثَلُ: الحديثُ نَفْسُه.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرَّعْد: 37) .
قَالَ: مَثَلُها، هُوَ الخبَرُ عَنْهَا.
أَبُو عُبيد، عَن الفرّاء: يُقَال: مَثَلٌ ومِثْل، وشَبَه وشِبه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي المُنذرِيّ عَن ابْن فَهم، عَن ابْن سَلام، قَالَ: أَخْبرنِي عُمر ابْن أبي خَليفَة، قَالَ: سَمِعت مُقاتل صَاحب التَّفْسِير يسْأَل أَبَا عَمْرو بن العَلاء عَن قَول الله تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرَّعْد: 35) : مَا مَثلها؟ قَالَ: فِيهَا أنهارٌ من مَاء غير آسِن. قَالَ: مَا مثَلها؟ فسكَت أَبُو عَمْرو. قَالَ: فَسَأَلت يُونُس عَنْهَا، فَقَالَ: مَثَلُها صِفَتُها.
قَالَ محمّد بن سَلام: وَمثل ذَلِك قولُه تَعَالَى: {السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى} (الْفَتْح: 29) أَي صِفتهم.
قلت: ونَحو ذَلِك رُوي عَن ابْن عبّاس.
وَأما جَواب أبي عمرٍ ولمُقاتل حِين سأَله: مَا مثلهَا؟ فَقَالَ: {فِيهَا أَنهَار. ثمَّ تَكريره السُّؤال: مَا مَثَلُها؟ وسُكوت أبي عَمْرو عَنهُ. فإنّ أَبَا عَمْرو أَجَابَهُ جَوَابا مُقْنِعاً، وَلما رأى نَبْوة فَهم مُقاتِل عَمَّا أَجَابَهُ سَكت عَنهُ، لما وقف عَلَيْهِ من غِلَظ فَهْمه، وَذَلِكَ أنّ قَول الله عزّ وجلّ: مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرَّعْد: 37) تَفْسِير لقَوْله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ} (الْحَج: 14) ففسّر جلّ وعزّ تِلْكَ الْأَنْهَار فَقَالَ: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} مِمَّا قد عرفتموه فِي الدُّنيا مِن جَنّاتها وأَنهارها جَنَة فِيهَا أَنهَار من ماءٍ غير آسن وأنهار من كَذَا.
وَلما قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ} (الْحَج: 14) وصَف تِلْكَ الجنات فَقَالَ: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} (الرَّعْد: 37) أَي صفتَها.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى

(15/70)


التَّوْرَاة} (الْفَتْح: 29) أَي ذَلِك صِفة محمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة. ثمَّ أَعْلم أنّ صِفتهم فِي الْإِنْجِيل كزَرْع.
قلتُ وللنّحْوييّن فِي قَوْله تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرَّعْد: 37) قولٌ آخر قَالَه محمّد بن يَزيد الثُّماليّ فِي كتاب (المُقتضب) ، قَالَ: التَّقْدِير: فِيمَا يُتْلى عَلَيْكُم مَثَلُ الجَنة، ثمَّ فِيهَا وفيهَا.
قَالَ: وَمن قَالَ: إنّ مَعناه: صِفة الجَنّة. فقد أَخطأَ، لِأَن (مَثَل) لَا يُوضع فِي مَوضِع صِفَة، إِنَّمَا يُقال: صِفة زَيد أنّه ظريف، وَأَنه عَاقل، ويُقال: مَثَلُ فلانٍ: المثَلُ مَأْخُوذ من: الْمِثَال والحذو، وَالصّفة تَحْلِيةٌ ونَعْتٌ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} (الْحَج: 73) وَذَلِكَ أَنهم عَبَدُوا مِن دُون الله مَا لَا يَسْمع وَلَا يُبْصر وَمَا لم تَنْزل بِهِ حُجَّة، فأَعلمهم الله الجوابَ مِمَّا جَعلوه لله مَثَلاً ونِدّاً، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً} (الْحَج: 73) .
يَقُول: كَيفَ تكون هَذِه الْأَصْنَام أَنْدَاداً وأمثالاً لله، وَهِي لَا تَخْلق أَضْعف شَيْء ممّا خلق الله. وَلَو اجْتمعوا كُلّهم لَهُ، وَإِن يَسْلُبهم الذُّبَاب الضعيفُ شَيْئا لم يُخلِّصوا المَسْلُوب مِنْهُ.
ثمَّ قَالَ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الْحَج: 73) .
وَقد يكون (المَثَل) بِمَعْنى: العِبْرة: وَمِنْه قولُ الله تَعَالَى: { (أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلاَْخِرِينَ} (الزخرف: 56) فَمَعْنَى (السّلف) أنّا جعلناهم مُتَقَدِّمين يَتَّعِظُ بهم الغابرُون. وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {سَلَفاً} ، أَي عِبْرة يَعْتبر بهم المُتأَخِّرون.
وَيكون (الْمثل) بِمَعْنى: الْآيَة، قَالَ الله تَعَالَى فِي صفة عِيسى: {عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (الزخرف: 59) أَي آيَة تدلُّهم على نُبُوّته.
وأمّا قَوْله تَعَالَى: { (لِّلاَْخِرِينَ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ} (الزخرف: 57) جَاءَ فِي التّفسير: أنّ كفَّار قُرَيْش خَاصَمت النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قيل لَهُم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 98) قَالُوا: قد رَضِينا أَن تكون آلِهَتنَا بِمَنْزِلَة عِيسَى ابنِ مَرْيَم وَالْمَلَائِكَة الَّذين عُبِدوا مِن دُون الله.
فَهَذَا معنى ضَرب المَثل بِعِيسَى.
ويُقال: تمثَّل فلَان، إِذا ضَرَب مَثَلاً.
والمِثَالُ مَا جعل مِثْلُه.
حَدّثنا عبدُ الرحمان بن عَليّ، قَالَ: حدّثنا مُحَمَّد بن حُميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مُغيرة، عَن أُمّ مُوسى أُمّ ولد الحُسين بن عَليّ، قَالَت: زَوّح عليُّ بن أبي طَالب

(15/71)


رَضي الله عَنهُ شابّين وَابْني مِنْهُم، فَاشْترى لكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِثَالَيْن.
قَالَ جريرٌ: قلتُ للمُغيرة: مَا مِثالان؟ قَالَ: نَمطَان.
والنمط: مَا يُفترش مِن مَفارِش الصُّوف الملوَّنة.
وَقَالَ الإياديّ: سُئِل أبُو الهَيْثم عَن مَلِك قَالَ لِرَجُل: ائتِني بقومك؛ فَقَالَ: إنَّ قومِي مُثُلٌ.
قَالَ أَبُو الهَيْثم: يُريد أنّهم ساداتٌ لَيْسَ فَوْقهم أَحَد.
والمِثال: الفِراش، وجَمْعها: مُثُل؛ وَمِنْه قَوْله: وَفِي البَيت مِثَالٌ رَثٌّ، أَي فِرَاشٌ خَلَق؛ وَقَالَ الأعْشى:
بكُلّ طُوَالِ السَّاعِدَيْنِ كأَنَّما
يَرى بسُرَى اللَّيْل المِثَالَ المُمَهّدَا
والتّمثال: اسْم للشَّيْء المَصْنوع مُشَبَّهاً بِخَلْقٍ مِن خَلْق الله؛ وَجمعه: التّماثِيل.
وَأَصله من: مَثَّلت الشيءَ بالشَّيْء، إِذا قَدَّرْتَه على قَدْره.
وَيكون تَمثيل الشَّيْء بالشَّيء تَشْبِيهاً لَهُ.
وَاسم ذَلِك المُمثَّل: تِمْثَال.
وأمّا التَّمْثَال، بِفَتْح التَّاء: فَهُوَ مَصْدر: مَثَّلْت تَمْثِيلاً، وَتَمْثَالاً.
ويُقال: فلَان أمْثل من فلَان، أَي أَفْضَل مِن فُلانٍ.
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعون إِنَّه قَالَ: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} (طه: 63) .
قَالَ الأخْفش: المُثْلَى، تَأْنيث: الأمْثل.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى (الأمثل) : ذُو الفَضل الَّذِي يَسْتحق أَن يُقال لَهُ، هُوَ أَمْثَلُ قومه.
وَقَالَ الفَرّاء: المُثْلى، فِي هَذِه الْآيَة، بِمَنْزِلَة: الْأَسْمَاء الحُسْنى، وَهُوَ نَعت للطَّريقة، وهم الرّجال الْأَشْرَاف: جُعلت (المثلى) مُؤَنّثَة لتأنيث (الطَّرِيقَة) .
وَقَالَ ابْن شُميل: قَالَ الخَلِيل: يُقال: هَذَا عبد الله مِثْلك، وَهَذَا رَجُلٌ مِثْلك؛ لأنّك تَقول: أَخُوك الَّذِي رَأَيْته بالْأَمْس، وَلَا يكون ذَلِك فِي (مَثَل) .
ويُقال: امْتثلت مِثَال فلَان، أَي احتذيت حَذْوَه وسَلَكْت طَرِيقته.
وَقَول الله تَعَالَى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} (الرَّعْد: 6) يَقُول: يَسْتَعْجلونك بالعَذاب الَّذِي لم أُعاجِلْهم بِهِ، وَقد عَلِموا مَا نزَل من عقوبتنا بالأمم الخالية، فَلم يعتبروا بهم.
والعَرب تَقول للعُقوبة: مَثُلة، ومُثْلَة.
فَمن قَالَ: (مَثُلة) جمعَها على: مَثُلات، وَمن قَالَ (مُثْلَة) جمعَها على: مُثُلات، ومُثَلات: ومُثْلات، بإِسكان الثَّاء.
يَقُول: يَسْتَعجلونك بالعَذاب، أَي يطْلبُونَ

(15/72)


العَذاب فِي قَوْلهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ} (الْأَنْفَال: 32) . وَقد تقدّم مِن الْعَذَاب مَا هُوَ مُثْلة وَمَا فِيهِ نَكَال لَهُم، لَو اتَّعطوا.
وَيُقَال: مَثَل بِهِ يَمْثُل مَثْلاً.
والمُثْلَة، الاسْم.
وكأنّ (المَثْلَ) مَأْخُوذ من (المَثَل) ، لِأَنَّهُ إِذا شَنَّع فِي عُقوبته جعله مَثَلاً، أَي عَلَماً.
وَيُقَال: امْتثل فلانٌ من قوم أماثِلَهم، إِذا اخْتَار فاضِلَهم.
وَالْوَاحد: أَمْثل.
يُقَال: هُوَ أَمْثل الْقَوْم، وهَؤلاء مُثل الْقَوْم. وأَماثلهم، يكون جمع (أَمْثَال) ، وَيكون جمع (الأمْثل) .
وَفِي الحَدِيث: نَهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُمثَّل بالدّوابّ وَأَن تُؤْكل المَمْثُول بهَا، وَهُوَ أَن تُنْصب فتُرْمَى.
ويُقال: امْتثلتُ مِن فلَان امْتثالاً، أَي اقْتَصَصْت مِنْهُ، وَمِنْه قولُ ذِي الرُّمّة:
رَبَاعٍ لَهَا مُذْ أَوْرَق العُودُ عِنْده
خُمَاشاتُ ذَحْلٍ مَا يُراد امْتِثالُها
أَي مَا إِن يُقْتصّ مِنْهَا، هِيَ أذلّ من ذَلِك، أَو هِي أَعزّ عَلَيْهِ من ذَلِك.
وَيَقُول الرّجُل للْحَاكِم: أَمْثِلْني من فلانٍ، أَي أَقِصَّني مِنْهُ.
وَقد أَمْثله الْحَاكِم مِنْهُ.
قَالَ أَبُو زَيد: والمِثَالُ: القِصَاص.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي عَمرو: والماثِلُ: الْقَائِم. والماثل: اللاطىء بالأرْض.
قَالَ: وسمعتُه يَقُول: كَانَ فلانٌ عندنَا ثمَّ مَثَل، أَي ذَهَب.
وَقَالَ لَبِيد فِي (الماثل) بِمَعْنى الْقَائِم المُنتصب:
ثمَّ أَصْدَرْناهما فِي وارِدٍ
صادِرٍ وَهْمٍ صُوَاه كالمَثَلْ
أَي انْتَصب.
والماثِل: الدّارِس. وَقد مَثَل مُثُولاً.
وَقيل: إِن قولَهم: تماثَل المَريض، من: المُثُول والانتصاب، كَأَنَّهُ هَمّ بالنُّهوض والانتصاب.
وَيُقَال: المريضُ اليومَ أَمْثَلُ، أَي أَحْسن مُثولاً وانتصاباً. ثمَّ جُعل صفة للإقْبال.
قلتُ: معنى قَوْلهم: المريضُ الْيَوْم أَمْثل: أَي أَفْضل حَالا من حالةٍ كَانَت قَبلها، وَهُوَ من قَوْلهم: هُوَ أَمْثل قَوْمه، أَي أَفْضَل قومه.
والأمْثال: أَرَضون ذاتُ جِبَال يُشْبه بعضُها بَعْضًا، وَلذَلِك سُمِّيت أمْثالاً، وَهِي من البَصرة على لَيْلتين.
وَقَوله تَعَالَى: {) الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} (يس: 42) . قَالَ قَتادة: السُّفن.
وَقَالَ الحَسن: هِيَ الْإِبِل، فكأنّهم قَالُوا

(15/73)


للإِبل سُفُن البَرّ، من هَا هُنا.
وَقَوله تَعَالَى: {فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ} (الشورى: 11) أَي لَيْسَ مِثْله شَيْء، وَالْكَاف مؤكّدة.
ملث: ابْن السّكيت: المَلْثُ: أَن يَعِد الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِدَةً لَا يُريد أَن يَفِيَ بهَا.
وَقد مَلَثه يَمْلُثه مَلْثاً، ومَلَذَه يَمْلُذه مَلْذاً، مثله، إِذا طَيَّبه بكَلاَمٍ لَا وَفَاءَ لَهُ.
أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه مَلَثَ الظَّلام، ومَلَسَ الظلام، وَهُوَ اخْتِلاَطُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الجَرْميّ، عَن أبي زَيد: مَلْث الظلام: اخْتِلاط الضَّوْء بالظُّلْمة، وَهُوَ عِنْد العِشاء، وَعند طُلُوع الْفجْر.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: المَلْثَة، والمَلْث: أوّل سَواد اللَّيل.
والمَلْث: وَقت العِشاء الْآخِرَة.
قَالَ: فَقَوْلهم: اخْتلط المَلس بالمَلث. فالمَلث: أوّل سَوادِ المَغرب. فإِذا اشتدّ حَتَّى يَأْتِي وَقت الْعشَاء الْأَخِيرَة فَهُوَ المَلَس فَلَا يُميّز هَذَا من هَذَا، لِأَنَّهُ قد دَخل المَلث فِي المَلس.
وَمثله: اخْتلط الزُّبَاد بالخائِر.
لثم: أَبُو عُبَيد، عَن أبي زَيْد، قَالَ: تَميم تَقُول: تَلَثَّمْتُ على الفَم؛ وَغَيرهم يَقُول: تَلَفَّمْتُ.
وَقَالَ الفَرّاء: إِذا كَانَ على الفَم فَهُوَ اللِّثام، وَإِذا كَانَ على الْأنف فَهُوَ اللِّفَام.
قَالَ: ويُقال من اللِّثام: لَثَمْت أَلْثِمُ.
فَإِذا أردْت التَّقْبِيل قلت: لَثِمْت أَلْثَمُ.
وأَنشد غيرُه:
فَلثِمْتُ فاهَا آخِذاً بقُرونِها
ولَثِمْتُ مِن شَفَتَيْه أَطْيَبَ مَلثَمِ

(بَاب الثَّاء وَالنُّون)
ث ن ف
ثفن، نفث.
ثفن: الثَّفِنَاتُ من البَعير: مَا وَلِي الأرْضَ مِنْهُ عِنْد بُرُوكه.
والكِركرة: إِحدى الثَّفنات، وَهِي خَمْسٌ بهَا، وَقَالَ الشَّاعِر يَصف نَاقَة:
ذَات انتِباذٍ عَن الحادِي إِذا بَركت
خوَّت على ثَفِناتٍ مُحْزئِلاّتِ
وَقَالَ عُمر بن أبي رَبيعة يَصف أَرْبع رَواحِلَ وبُرُوكَها:
على قَلْوصَيْن مِن رِكَابِهمُ
وعَنْتَرِيسَيْن فيهمَا شَجَعُ
كأَنَّما غادرت كَلاَكِلُهَا
والثَّفناتُ الخِفافُ إِذْ وَقَعُوا
مَوْقِعَ عِشْرينَ مِن قَطاً زُمَرٍ
وَقَعْنَ خمْسا خمْسا مَعًا شِبَعُ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيت: الثّفِنة: مَوْصِل الفَخِذ فِي السّاق مِن باطِن، وموصلُ الوَظيف فِي

(15/74)


الذِّراع، فشبّه آثارَ كراكرها وثَفِناتها بمَجاثم القَطَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ خِفّة برُوكهنّ.
وَقَالَ العجّاج:
خَوَى على مُسْتَوياتٍ خَمْسِ
كِرْكرةٍ وثَفِنَاتٍ مُلْسِ
وَقَالَ ذُو الرّمّة، فَجعل الكِرْكِرة من الثَّفنَات:
كأنّ مُخَوّاها على ثَفِنَاتِها
مُعَرّسُ خَمْسٍ مِن قَطاً مُتَجَاور
وَقَعْن اثْنَتَيْن واثْنَتَيْن وفرْدَةً
جريداً هِيَ الوُسْطى لتَغْليس حائر
وَيُقَال: ثافنتُ فلَانا أُثافنه مُثافَنة، إِذا جاثَيْتَه تُحادثه وتُلازمه وتكلِّمه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المُثَافِن والمُثَابر، والمُواظِب، واحِدٌ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابيّ: الثَّفَنُ: الثِّقَل.
وَقَالَ غَيره: الثَّفْن: الدّفْع.
وَقد ثَفَنه ثَفْناً، إِذا دَفَعه.
وَقَالَ أَبُو سَعيد: ثَفَنْت الرَّجُل أَثْفُنه، إِذا أَتَيْته من خَلْفه.
وَقَالَ أَبُو زيد: ثافَنْت الرَّجُل مُثافنة، أَي صاحَبْتُه حَتَّى لَا يَخْفَى عليّ شيءٌ من أَمْره، وَذَلِكَ أَن تَصْحبه حَتَّى تَعلمَ أَمْره.
نفث: رُوي عَن النَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنّ رُوح القُدس نَفَث فِي رُوعي) وَقَالَ: (إنّ نَفْساً لن تَمُوت حَتَّى تَسْتَوْفي رِزْقها، فاتقُوا الله وأَجْمِلوا فِي الطَّلَب) .
قَالَ أَبُو عُبيد: هُوَ كالنَّفْث بالفم، شبيهٌ بالنّفْخ.
وَأما التَّفْل، فَلَا يكون إلاّ ومَعه شيءٌ من الرِّيق.
وأمّا الحَدِيث الآخر فِي افْتِتَاح الصَّلاة: (اللَّهُمَّ إنّي أعُوذ بك من الشَّيْطان الرَّجيم من هَمْزه ونَفْثه ونَفْخه) .
فقد مَرَّ تَفْسِير الهَمْز والنّفْخ فِي مَوْضعهما من الْكتاب.
وأمّا (النّفْث) فتفسيرُه فِي الحَدِيث: أَنه الشِّعْر.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَإِنَّمَا سُمِّي الشِّعْر نَفْثاً، لِأَنَّهُ كالشَّيء يَنْفُثه الْإِنْسَان من فِيه مثل الرّقية. وَقَوله عزّ وجلّ: {) وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ} (الفلق: 4) هن السواحر.
ونُفاثةُ السِّواك: مَا يَتَشَظَّى مِنْهُ فَيَبْقَى فِي الأسْنان فيَنْفُثه صاحبُه.
وَقيل: مَعْنَى قَوْله: (نَفَث فِي رُوعي) ، أَي أَوْحَى إليّ.
ث ن ب
ثبن، بنث، بثن.
ثبن: فِي حَدِيث عُمر: أَنه قَالَ: إِذا مَرّ أحدُكم بحائط فَلْيَأْكُل مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ ثُبَاناً.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: والثُّبَان:

(15/75)


الوِعَاءُ الَّذِي يُحْمَل فِيهِ الشَّيْءُ، فإِن حَمَلْته بَين يَدَيك، فَهُوَ ثُبَانٌ. وَقد ثَبَنْت ثُبَاناً. فإِن جَعَلْته فِي حِضْنك، فَهُوَ خُبْنَة.
يَعني بالحَديث: المُضْطَرّ الجائع يَمُرّ بحائط رَجُلٍ فيأكُل من ثَمَر نَخْله مَا يَرُدّ جَوْعَته.
وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ ابْن الأَعْرابي وأبُو زَيد: الثُّبَان: واحدُها: ثُبْنَة، وَهِي الحُجْزة تُحْمل فِيهَا الفاكهةُ وغيرُها؛ وَقَالَ الفَرَزْدق:
وَلَا نثَر الجانِي ثُباناً أمامها
وَلَا انتَقَلَتْ مِن رَهْبَةِ سَيْلٍ مِذْنَبِ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو سعيد: لَيْسَ الثُّبَان بالوعاء، وَلَكِن مَا جُعل فِيهِ من التَّمْر فاحتُمل فِي وعاءٍ أَو غَيره، فَهُوَ ثُبان، وَقد يَحْمل الرجل فِي كُمِّه فَيكون ثُبانَه.
وَيُقَال: قدم فلانٌ بثُبَانٍ فِي ثَوْبه.
وَمَا أَدْري مَا هُوَ؟
وثَبَنه فِي ثَوبه.
وَلَا تكون ثُبْنة إِلَّا مَا حَمَل قُدَّامه وَكَانَ قَلِيلا. فَإِذا عَظُم فقد خَرج مِن حدِّ الثُّبان.
بنث: ثعلبَ: عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: البَيْنِيث: ضربٌ من سَمَك الْبَحْر.
نبث: أَبُو عُبَيد: هِيَ ثَلّة الْبِئْر ونَبِيثها، وَهِي مَا يُسْتَخرَج من تُراب الْبِئْر إِذا حُفِرت؛ وَقد نُبِثَت نَبْثاً.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: مَا رأيتُ لَهُ عيْناً وَلَا نَبْثاً، كَقَوْلِك: مَا رأيتُ لَهُ عَيناً وَلَا أثَراً؛ وَقَالَ الراجز:
فَلَا تَرى عيْناً وَلَا أَنْباثاً
إِلَّا مَعَاث الذِّئْب حِين عاثا
فالأنْباث: جمع نَبَث: وَهُوَ مَا أُثِير وحُفِرَ واسْتنْبِث.
وَقَالَ زُهير يَصف عَيْراً وأُتُنَه:
يَخِرُّ نَبِيثُها عَن جانبيه
فَلَيْسَ لوَجْهه مِنْهَا وِقاءُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَبِيثها: مَا نُبِث بأَيديها، أَي حَفرت من التُّرَاب.
قَالَ: وَهُوَ النَّبيثُ، والنَّبيذ، والنَّحيتُ، كلُّه وَاحِد.
بثن: فِي حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد: أنّه خَطب فَقَالَ: إنَّ عُمَرَ اسْتَعملَنِي عَلَى الشَّام وَهُوَ لَهُ مُهِمٌّ، فَلَمَّا أَلْقَى الشامُ بَوانِيَه وَصَارَ بَثَنِيَّةً وعَسَلاً عَزلني واستَعمل غَيْرِي.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قولُه: صَار بَثَنِيَّةً وعَسلاً، فِيهِ قَولَانِ:
يُقَال: البَثِنيّةُ: حِنْطةٌ منْسُوبة إِلَى بَلْدَة مَعْرُوفَة بِالشَّام، من أَرض دِمَشق يُقَال لَهَا البَثَنِيَّة.
وَالْقَوْل الآخر: أنّ البَثنيّة: الرّمْلة اللَّيِّنة، وَذَلِكَ أنّ الرّمْلة اللّيّنة يُقَال لَهَا: بَثْنَة، وتصغيرُها: بُثَيْنَة.

(15/76)


وَأَرَادَ خَالِد أنَّ الشّام لمّا سَكن وذهَبت شَوْكته وَصَارَ ليِّناً لَا مَكْرُوه فِيهِ خِصْباً كالحِنطة والعَسَل عَزَلني.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: البَثْنَة: الزُّبْدة، والبَثْنة: النَّعْمَة فِي النِّعمة، والبَثْنة: الرَّمْلة اللَّيِّنة، والبَثْنة: الْمَرْأَة الحَسْناء البَضَّة الناعمة.
قَالَ: وَمعنى قَول خَالِد: أَنَّهَا صَارَت كأنّها زُبْدة ناعمة.
وقرأت بِخَط شَمِر وتَقييده، قَالَ: البِثْنة، بِكَسْر الْبَاء: الأَرض اللَّيّنة، وَجَمعهَا: بُثُن.
ويُقال: هِيَ الأَرْض الطَّيِّبة.
وَقيل: البُثُن: الرِّيَاضُ؛ وأَنشد قولَ الكُمَيْت:
مَباؤُكَ فِي البُثُن النَّاعِما
تِ عَيْناً إِذا رَوَّحَ المُؤْصِلُ
يَقُول: رِياضُكَ تَنْعَم أَعْينَ النَّاس، أَي تُقِرّ عُيونهم إِذا أَراح الرَّاعي نَعمه أصِيلاً. والمَبَاءُ، والمَباءة: المَنْزِل.
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الغَنَوِيّ: بَثَنِيّة الشَّام: حِنْطَةٌ أَو حَبَّة مُدَحْرَجَة.
قَالَ: وَلم أجد حَبَّةً أَفضل مِنْهَا، وَقَالَ ابنُ رُوَيْشد الثَّقَفِيّ:
فأدْخَلْتُها لَا حِنْطَةً بثَنِيَّةً
تُقَابِلُ أَطْرَافَ البُيُوتِ وَلَا حُرْفا
وَقَالَ: بَثَنِيَّة: مَنْسُوبة إِلَى قَرْيَة بِالشَّام بَين دِمَشق وأَذْرِعات.
ث ن م
ثمن، مثن، نثم.
ثمن: أَبُو عُبَيد، عَن الأَصْمعِيّ: الثّمانِي: نَبْتٌ، والأَفانِي: نَبْتٌ، واحدته: أَفَانِيَة.
وَقَالَ الكسائيّ: أَثْمَنْت الرَّجُلَ متاعَه، وأَثَمَنْت لَهُ، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبَيد: الثُّمْنُ والثَّمِينُ: وَاحِد؛ وأَنْشَد أَبُو الجَرّاح:
وألْقَيْتُ سَهْمِي وَسْطَهم حِين أَوْخَشُوا
فَمَا صَار لِي فِي القَسْمِ إِلَّا ثَمِينُها
وَقَالَ اللّيْث: ثمَنُ كُلِّ شيءٍ: قِيمَتُه.
وَقَالَ الفَراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} (الْبَقَرَة: 41) : كلّ مَا كَانَ فِي القُرآن من هَذَا الَّذِي قد نُصِب فِيهِ (الثّمن) وأُدْخلت الْيَاء فِي المَبيع أَو المُشْتَرى، فإنّ ذَلِك أَكثر مَا يَأْتِي فِي الشَّيْئين لَا يكونَانِ ثَمَناً مَعْلوماً، مثل الدّنانير والدَّراهم؛ فَمن ذَلِك: اشترَيْت ثوبا بكساء، أيّهما شِئْت تَجعله ثمنا لصَاحبه، لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْأَثْمَان. وَمَا كَانَ لَيْسَ من الْأَثْمَان مثل الرَّقيق والدُّور وجَميع العرُوض، فَهُوَ على هَذَا، فَإِذا جِئت إِلَى الدّراهم، وَالدَّنَانِير وَضَعْت الْبَاء فِي الثّمن، كَمَا قَالَ فِي سُورة يُوسف:

(15/77)


{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} (يُوسُف: 20) ، لأنّ الدّراهم ثمنٌ أبدا، وَالْبَاء إِنَّمَا تَدْخل فِي الأَثمان.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {اشْتَرَوْاْ بِئَايَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} (التَّوْبَة: 10) أَي اشْتَروا الْحَيَاة الدّنيا بِالآخِرَة والعَذاب بالمغفرة، فأَدْخل الْبَاء، فِي أَي هذَيْن شِئْتَ حَتَّى تصير إِلَى الدَّراهم وَالدَّنَانِير، فإِنك تُدْخل الْبَاء فِيهِنَّ مَعَ العُروض، فَإِذا اشْتريت أحَد هذَيْن، يَعْنِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم، بِصَاحِبِهِ أَدخلت الْبَاء فِي أيّهما شِئْت، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي هَذَا الْموضع مَبيع وثمَن، فَإِن أحْبَبَت أَن تعرف فَرْق مَا بَين العُروض وَالدَّرَاهِم، فَإنَّك تعلم أنّ من اشْترى عبدا بِأَلف دِرْهم مَعْلُومة، ثمَّ وَجد بِهِ عَيْباً فردّه، لم يكن على المُشْتري أَن يَأْخُذ ألْفَه بِعَينهَا وَلَكِن ألفا، وَلَو اشْترى عبدا بِجَارِيَة ثمَّ وَجَد بهَا عَيْبا لم يَرْجع بِجَارِيَة أُخرى مِثلها، فَذَلِك دليلٌ على أنّ الْعرُوض لَيست بأثْمَانٍ.
أَبُو حَاتِم، عَن الأصْمعي، يُقَال: ثَمَانِيَة رجال، وثماني نِسوة، وَلَا يُقَال: ثمانُ؛ وَأنْشد الأصمعيُّ:
لَهَا ثنايا أَرْبعٌ حِسانُ
وأربعٌ فثَغْرُها ثمانُ
وَقَالَ: هَذَا خطأ.
وَقَالَ: هنَّ ثمانيَ عَشْرة امْرَأَة، مَفْتُوحَة الْيَاء، هُما اسمان جُعلا اسْما وَاحِدًا ففُتحت أواخرها.
وَكَذَلِكَ: رَأَيْت ثمانيَ عشْرة امْرَأَة، ومررتُ بثمانيَ عَشْرة امْرَأَة.
قلت: وقولُه:
فَلَقَد شَرِبْتُ ثمانياً وثمانِياً
وثمانِي عَشْرةَ واثْنَتين وأَرْبَعا
فوجهُ الْكَلَام: ثمانِ عشرَة، بِكَسْر النُّون لتدُلّ الكسرةُ على الْيَاء وتدل فَتْحة الْيَاء على لُغة من يَقُول: رَأَيْت القَاضِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
كأنّ أَيديهنَّ بالقاع القَرِق
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْمِثْمنَة: المِخْلاة؛ والمِثْملة: خِرْقة يهنأ بهَا البَعير؛ والمِنْثَلة: الزَّنْبِيل.
وَقَالَ شمر: ثمَّنت الشيءَ: إِذا جمعتَه، فَهُوَ مُثَمَّن.
وكِساء ذُو ثمانٍ: عُمِلَ من ثَمَانِي جِزَاتٍ؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
سيَكْفيكِ المُرَحَّلُ ذُو ثمانٍ
خَصِيفٌ تُبْرِمين لَهُ جُفَالا
نثم: قَالَ أَبُو زَيد، فِيمَا عُزي إِلَى ابْن السّكيت، وَلَا أَدْرِي مَا صحَّته: أنشدَني أَبُو عَمرٍ ولمنْظُور الْأَسدي:

(15/78)


قد انْتَثَمت عَلَيَّ بقول سَوْءٍ
بُهَيْصِلَةٌ لَهَا وَجهٌ دَميمُ
حَليلةُ فاحِشٍ وانٍ لَثيم
مُزَوْزِكةٌ لَهَا حَسبٌ ذَمِيم
قَالَ: انتَثَمت: انفرجَت بالْقَوْل القَبيح.
قلت: كأنّه افْتعل من (نثم) ، كَمَا يُقَال من (نثر) : انتَثر، على (افْتَعَل) .
مثن: قَالَ اللَّيْث: المَثَانةُ، معروفةٌ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد، قَالَ: الأمثَن، الَّذِي لَا يَسْتَمْسك بَوْلُه فِي مثانتِه.
والمرأةُ: مَثْنَاء، مَمْدُود.
وَفِي حَدِيث عمّار بن ياسِر أَنه صلَّى فِي تُبّان، وَقَالَ: إِنِّي مَمثُون.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الكِسَائيّ: المَمْثُون: الَّذِي يَشْتَكِي مَثَانَته.
يُقَال مِنْهُ: رَجُلٌ مَثِنٌ ومَمْنُون.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَكَذَلِكَ إِذا ضَرَبْته على مَثَانته قُلْت: مَثَنْته أَمْثُنه وأَمْثِنه مَثْناً، فَهُوَ مَمْثُون.
أَبُو عُبَيد، عَن الأُمويّ: مَثَنْتُه بالأَمر مَثْناً، إِذا غَتَتَّه بِهِ غَتّاً.
وأَخبرني الإياديّ عَن شَمِر أَنه قَالَ: لم أَسْمع، مَثَنْته، بِهَذَا المَعْنى إلاّ هُنا.
قلت: أَحْسبه: مَتَنْته، بِالتَّاءِ، من: المُمَاتنة فِي الأمْرِ.
ورَوى ابْن هانىء، عَن أبي زَيد: مَثِنَ الرَّجُلُ يَمْثَن مَثَناً، وَهُوَ رَجُل أَمْثن، إِذا اسْتَمسك بولُه فِي مثانته؛ وامْرأة مَثْناء.
قلتُ: وَهَذَا خلافُ مَا رَواه أَبُو عُبَيد عَنه.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال لمِهْبِل الْمَرْأَة: المَحْمل والمُسْتَوْدع، وَهُوَ المثانة أَيْضا؛ وأَنشد:
وحاملةٍ مَحْمُولةٍ مُسْتَكِنَّةٍ
لَهَا كُلُّ حافٍ فِي البلادِ وناعِلِ
يَعني: المثانة، الَّتِي هِيَ المُسْتَودَع.
هَذَا لَفْظه.
قلت: والمَثَانة عِنْد عَوَامّ النَّاس موضعُ البَوْل، وَهِي عِنْده مَوْضع الوَلد من الأُنْثى.
أَبُو بكر، عَن شَمِر: المَثِن، والمَمْثُون: الَّذِي يَشْتَكي مَثَانته.
قَالَ: وَمثله: طَحِل ومَطحُول.
وَقَالَ بعضُهم: المَثِن: الَّذِي يَحْبِس بَوْلَه.
وَقَالَت امْرَأَة لِزَوْجها من العَرب: إنّك لَمِثنٌ خَبِيث.
قيل لَهَا: وَمَا المَثِن؟ قَالَت: الَّذِي يُجامع عِنْد السَّحَر عِنْد اجْتِمَاع البَول فِي مَثانته.
قَالَ: والأَمْثن، مثل (المَثن) فِي حَبْس البَوْل.
ث ف ب
مهمل.
ث ف م
مهمل.

(15/79)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل من الثَّاء

(بَاب الثَّاء وَالرَّاء)
ث ر (وايء)
ثرى، وثر، ورث، أرث، رثأ، راث، رثى، أثر، ثأر، ثار.
ثَوْر ثير: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعْرابيّ: الثائِر: الغَضْبان.
يُقَال: ثَار ثائرُه، وفار فائرُه، إِذا غَضِبَ.
الأصْمعيّ: رأيتُ فلَانا ثائرَ الرَأْس، إِذا رأيتَه قد اشْعَانّ شَعَرُه، أَي انْتَشر وتَفَرَّق.
ويُقال: ثارت نَفْسُه، إِذا جَشَأت، أَي ارْتَفَعت وجاشَت، أَي فارَتْ.
وَيُقَال: مَرَرْتُ بأَرَانِب فأَثَرْتُها.
وأثار التُّراب إثارةً، إِذا بَحثَه بقَوائِمه؛ وأَنشد أَبُو عَمْرو بن العَلاَء:
يُثير ويُذْرِي تُرْبَها ويُهِيلُه
إثارَةَ نَبَّاث الهَواجِر مُخْمس
قَالَ الأصْمعي: أَرَادَ بقوله: (نباث الهواجر) يَعْني الرَّجُل الَّذِي إِذا اشتدّ عَلَيْهِ الحرُّ يُثِير التُّراب لِيَصل إِلَى بَرْده، وَكَذَلِكَ يَفعل الثَّوْرُ الوَحْشِيّ فِي شدّة الْحر.
وَفِي حَدِيث عبد الله: أَثِيرُوا القُرْآن فإِنّ فِيهِ خَبَر الأوَّلين والآخِرين.
وَفِي حَدِيث آخر: مَن أَرَادَ العِلْم فَلْيُثَوِّر القُرْآن.
قَالَ شَمِرٌ: تَثْوِير القرْآن: قِراءته ومُفاتشة العُلَماء بِهِ فِي تَفْسيره ومَعَانيه.
وَقَالَ أَبُو عَدْنان: قَالَ لي محاربٌ صاحبَ الْخَلِيل: لَا تَقْطَعنا فإِنّك إِذا جِئْت أَثَرت العَربيّة؛ وَمِنْه قولُه:
يُثَوِّرها العَيْنان زَيْدٌ ودَغْفَلُ
ويُقال: مَرَرْتُ بِثَيَرَةٍ، لجَماعَة الثوْر.
ويُقال: هَذِه ثِيَرَة مُثِيرة، أَي تُثير الأَرْض.
وَقَالَ الله تَعَالَى فِي صفَة بقرة بني إِسْرَائِيل: {تُثِيرُ الاَْرْضَ وَلاَ تَسْقِى الْحَرْثَ} (الْبَقَرَة: 71) .
أَرْض مُثارة، إِذا أُثيرت بالسّنّ، وَهِي الحَديدةُ الَّتِي تَحْرُث بهَا الأَرْض.
ابْن نَجْدة، عَن أبي زَيْد، قَالَ: ثَوْرٌ أَطْحل: جَبَلٌ بِنَاحِيَة الحِجَاز.
قَالَ: والثَّوْرُ: القِطْعة من الأَقِط.
والثَّوْر: ثَوَرَانُ الحَصْبة.
وكل مَا ظَهر، فقد: ثار يَثُور ثَوْراً وثَوَرَاناً.
ويُقال: ثَوَّر فلانٌ عَلَيْهِم شَرّاً، أَي هَيَّجه.

(15/80)


وثاوَر فلانٌ فلَانا، إِذا ساوَره ووَاثَبه.
ويُقال: كَيفَ الدَّبَى؟ فيُقال: ثائِرٌ وناقِرٌ.
فالثائِر: ساعَة مَا يَخْرُج من التُّرَاب. والناقر، حِين يَنْقُر، أَي يَثِب من الأَرض.
ويُقال: أَعطاه ثَوْرةً من الأقط، جَمع (ثَوْر) .
وَقَالَ أَبُو زَيد: الثَّوْر: الأَحْمق.
والثَّوْر: الطُّحْلُب وَمَا أَشْبهه على رَأس المَاء؛ وفَسَّر قولَ الأعْشى:
لكالثَّوْر والجِنِّيُّ يَضْرِبُ ظَهْرَه
وَمَا ذَنْبُه أَن عافتِ الماءَ مَشْربا
أَرَادَ ب (الجني) اسْمَ راعٍ، وأَراد ب (الثور) هَا هُنَا: مَا علاَ الماءَ من القُمَاش يَضْربه الرّاعي لِيَصْفُو الماءُ لِلْبَقر.
قلتُ: وغيرُه يَقُول: ثَوْرُ البَقر أَجْرأ فيُقدَّم للشُّربِ لِتَتْبَعه إناثُ البَقر؛ وأَنْشد:
أَبَصَّرْتَنِي بأَطِيرِ الرِّجَالْ
وكَلَّفْتَنِي مَا يَقُول البَشَرْ
كَمَا الثَّوْر يَضْرِبُه الرَّاعِيَانْ
وَمَا ذَنْبُه أَن تَعَافَ البَقَرْ
وَقَالَ أَبُو زَيد: الثَّوْر: السَّيد، وَبِه كُنِّيَ عَمْرو بن مَعْديكرب: أَبَا ثَوْر.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {مِنْهُمْ قُوَّةً} (الرّوم: 9) أَي حَرَثوها وزَرَعُوها واسْتَخْرجوا مِنْهَا بَرَكاتِها وأَنْزَالَ زَرْعها.
وأَثَرْت البَعير أُثيره إثارةً، فثار يَثُور. وتَثَوَّر تَثَوُّراً، إِذا كَانَ باركاً وبَعَثه فانْبَعث.
وَقَالَ اللَّيْث: الثَّوْرُ: بُرْجٌ من بُرُوج السَّماء.
ويُقال للرجل البَلِيد القَليل الفَهْم: مَا هُوَ إِلَّا ثَوْرٌ.
وثَوْر: أبُو حَيَ من أَحيَاء الْعَرَب، وهم مِن الرَّبَاب. وإليهم نُسِب سُفْيان الثَّوْرِيّ.
وثار الغُبَارُ، وثَار بِهِ الدَّمُ، وثَار القَطَا مِن مَجْثَمه، وثار الدُّخان.
وَفِي الحَدِيث: (تَوَضَّأوا ممّا غيرت النَّار وَلَو مِن ثَوْر أَقِط) .
قلتُ: وَكَانَ هَذَا فِي أوّل الْإِسْلَام ثمَّ نُسخ بترك الوُضوء ممّا مَسَّت النارُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الثَّوْر: القِطْعة من الأقِط؛ وجَمْعُه: أَثْوار.
وَقَالَ: وَفِي الحَدِيث: (صلاةُ العِشاء الْآخِرَة إِذا سقط ثَوْرُ الشَّفَق) . وَهُوَ انْتشار الشَّفَق. وثَوَرانُه: حُمْرَتُه.
يُقال: قد ثار يَثُور ثَوْراً وثَوَرَاناً، إِذا انْتَشر فِي الأُفق وارْتفع، فَإِذا غَابَ حَلّت صلاةُ الْعشَاء الْآخِرَة.
قَالَ: وثَوْر: جبلٌ بمكّة.
ورُوي عَن عَمْرو بن معديكرب أَنه قَالَ: أَتَيْت بني فلانٍ فأَتَوْني بثَوْرٍ وقَوْسٍ وكَعْب.
فالثّوْر: القِطعة من الأقِط. والقَوْس:

(15/81)


البَقيّة من التَّمْر تَبْقى فِي أَسفل الجُلّة. والكَعْب: الكُتْلة من السَّمن الحامِس.
وَيُقَال: ثَوَّرْتُ كُدُورةَ المَاء، فثَار.
وأَثَرْت السَّبُعَ والصَّيْدَ، إِذا هِجْتَهُ.
وأَثَرْت فلَانا: إِذا هَيَّجته لأمْرٍ.
واسْتَثَرْت الصَّيْدَ، إِذا أَثَرْته أَيْضا.
وأَثَرْت البَعِيرَ، إِذا كَانَ باركاً فَبَعَثَتْه.
وَقَالَ ابْن السكِّيت: يُقال: ثَوْرةٌ مِن رِجال، وثورةٌ من مالٍ، للكثير.
وَيُقَال: ثروَةٌ مِن رِجالٍ، وثروَةٌ من مَال، بِهَذَا الْمَعْنى؛ قَالَ ابنُ مقُبْل:
وثورةٍ مِن رِجالٍ لوْ رأَيتَهُمُ
لقُلْتَ إِحْدَى حِراجِ الجَرِّ مِن أُقُرِ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيِّ: يُقَال: ثورةٌ من رجالٍ، وثروَةٌ، يَعني عددا كثيرا، وثرْوَةٌ من مالٍ، لَا غير.
وَمن مهموزه
ثأر: قَالَ الأَصمعي: أَدْرَك فلانٌ ثَؤْرتَه، إِذا أدْرَكَ مَن يطلُب ثَأْرَه.
ويُقال: ثأَرْت فلَانا، وثأَرْت بِهِ، إِذا طَلَبْت قاتِلَه.
والثَّائرُ: الطَّالبُ، والثَّائرُ: المَطْلوبُ، ويَجْمَعُ: الآثْآر، والثُّؤْرَة، المَصْدَر.
وَقَالَ أَبُو زَيد: ثأَرْتُ القَوْمَ، إِذا طَلَبْت بِثَأرهم.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقال: ثأَرْت فُلاَناً، وثأَرْت بفُلان، إِذا قَتَلْت قاتِلَه.
وثَأرُك: الرَّجُلُ الّذي أصَاب حَمِيمَك.
والمَصدر، الثُّؤْرَة؛ وأَنشد:
طَعَنْتُ ابْنَ عَبْد القَيْس طَعْنَة ثَائِرٍ
لَهَا نَفَدٌ لَوْلاَ الشُّعَاعُ أَضَاءَها
وأَنشد أَيْضا:
قَتَلْت بِهِ ثَأْرِي وأَدْرَكْتُ ثُؤْرِتي
وَقَالَ آخر:
حَلَفْتُ فَلم تَأْثم يَمِينِي لأَثأَرَنْ
عَدِيّاً ونُعْمانَ بن قَيْلٍ وأَيْهَمَا
وَهَؤُلَاء قومٌ مِن بني يَرْبوع قَتلهم بَنُو شَيبان يَوْم مُلَيحة، فَحلف أَن يَطْلُب بثأرهم.
والمثْؤُور: المَقْتُول.
وَتقول: يَا ثَارَاتِ فلانٍ، أَي يَا قَتَلَة فلانٍ؛ وَقَالَ حسّان:
لتَسْمَعن وَشِيكاً فِي دِيارهُمُ
الله أكْبَر يَا ثاراتِ عُثْمانَا
ويُقال: أثأر فلانٌ من فلانٍ، إِذا أَدْرك ثَأْره مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إِذا قَتل قاتِلَ وَليّه، وَقَالَ لَبِيد:
والنِّيبُ إِن تَعْرُ مِنِّي رِمَّةً خَلَقاً
بَعد المَمَاتِ فإنِّي كنْتُ أثَّئِرُ
أَي كنت أنحرها للضِّيفان، فقد أدركتُ مِنْهَا ثَأْرِي فِي حَياتِي مجازاة لتَقضُّمها عِظامِي النَّخِرة بعد مَماتي، وَذَلِكَ أنّ الْإِبِل إِذا لم تَجِدْ حَمْضاً ارْتمَّت عِظَام

(15/82)


الْمَوْتَى وعِظَام الإبِل تُحْمِض بهَا.
واثَّأر، كَانَ فِي الأَصْل (اتْثأر) فأُدغمت التَّاء فِي الثَّاء وشُدّدت، وَهُوَ افتعال من (ثأر) .
وَقَالَ أَبُو زيد: اسْتَثأر فلانٌ، فَهُوَ مُسْتثئر، إِذا اسْتغاث.
قلت: كأنّه مُسْتغيث بِمن يُنجده على ثَأْره.
والثَأْرُ المُنِيم: الَّذِي يكون كُفْئاً لِدَم ولِيّك.
ثرى: أَبُو عُبَيد، عَن الأَصْمعي: ثرَا القَوْمُ يَثْرُون ثَرَاءً، إِذا كَثروا وَنَموْا.
وأَثْرَوا يثرُون، إِذا كَثرت أَمْوالُهم.
وَثَرَا المالُ نَفسهُ، يَثْرُو، إِذا كَثر.
وثَرَوْنا القَوْمَ، أَي كنّا أكْثر مِنْهُم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو، وأَبو زيد مِثلَه.
وَقَالَ الأصمعيّ يُقَال: مَا بَيْني وَبَين فلانٍ مُثرٍ، أَي إنّه لم يَنْقَطع. وأَصْل ذَلِك أَن يَقُول: لم يَيْبَس الثَّرَى بَيْني وبَيْنه.
والمالُ الثَّرِي، مثل: عَمٍ، خَفِيف: الْكثير.
وَمِنْه سُمّي الرّجُل: ثَرْوان.
والمَرْأة ثُرَيّا، وَهُوَ تَصْغِير: ثَرْوَى.
وثَرَّيْت التُّرْبَةَ، أَي بَلَلْتها.
وثَرّيت الإقِط: صَبَبْت عَلَيْهِ مَاء ثمَّ لَثَثْتُه بِهِ.
وَقد بَدا ثَرَى المَاء من الفَرس، وَهُوَ حينَ يَنْدَى بعَرقه؛ قَالَ طُفَيْل الغَنَوِيّ:
يَذُدْن ذيَادَ الحامِسات وَقد بَدَا
ثَرَى الماءِ من أعطافِها المُتَحلِّبِ
وَيُقَال: الْتقى الثّرَيَان، وَذَلِكَ أَن يَجيء المَطَرُ فَيرشح فِي الأَرض حَتَّى يَلْتقي هُوَ ونَدَى الأَرض.
ويُقال: أرضٌ ثَرْيا، أَي ذَات نَدًى.
ورَوى الكسائيّ: ثَرِيت بفُلان، فَأَنا ثَرٍ بِهِ، أَي غَنِيّ عَن النَّاس.
أَبُو عَمرو: وثَرّى الله الْقَوْم، أَي كَثَّرهم.
وَقَالَ: ثَرِيَ الرَّجُلُ يَثْرَى ثَراً وثَراءً، مَمْدُود، وَهُوَ ثَرِيّ، إِذا كَثُر مالُه.
وَكَذَلِكَ، أَثْرى، فَهُوَ مُثْرٍ.
ورُوي عَن جَرير أَنه قَالَ: إِنِّي أَدَع الزَّجر مخافةَ أَن يَسْتَفْرغني. وإنِّي لأراه كآثار الْخَيل فِي الْيَوْم التّرِيّ.
ابْن السِّكّيت: يُقال إِنَّه لذُو ثَراء وثَرْوة، يُراد أَنه لذُو عَدد وكَثْرة مَال.
وَقَالَ: أَثْرى الرَّجُل، وَهُوَ فَوق الاسْتِغنَاء.
وَقَالَ اللّيث: الثَّرى: كُلُّ تُراب لَا يَصير طِيناً لازِباً إِذا بُلّ.
أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: إِن فلَانا لقَرِيبُ الثَّرى يَعِيد النَّبط، لِلَّذي يَعِد وَلَا وَفاء لَهُ.
أَبُو عُبيد: الثُّريَاء، على فَعْلاء: الثَّرَى؛

(15/83)


وَأنْشد:
وَلم يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ من تَرْيائِه
غَيْرَ أَثافِيه وأَرْمِدَائِه
يُقَال: إنِّي لأرى ثرَى الغَضب فِي وَجه فلَان، أَي أَثره؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
وإنّي لتَرَّاك الضَّغِينة قد أَرَى
ثَراها مِن المَوْلى وَلَا أَسْتَثيرُها
وَأما حَدِيث ابْن عُمر أَنه كَانَ يُقْعِي ويُثرِّي فِي الصَّلَاة، فَمَعْنَاه: أَنه كَانَ يضع يَده بِالْأَرْضِ بَين السَّجْدَتين فَلَا يُفارقان الأَرْض حَتَّى يُعيد السُّجود الثَّانِي. وَهَكَذَا يَفعل من أَقْعى.
قلت: وَكَانَ ابْن عمر يَفعل هَذَا حِين كَبِرت سِنُّه فِي تطوّعه. والسُّنة رَفْع اليَدَين عَن الأَرْض بَين السَّجْدتين.
وَيُقَال: ثَرِيتُ بك، أَي فَرِحتُ بك.
وثَرِيت بك، أَي كَثُرت بك؛ وَقَالَ كُثَيِّر:
وإنّي لأكْمِي الناسَ مَا تَعدِينني
من البُخْلِ أَن يَثْرَى بذلك كاشِحُ
أَي يَفرح بذلك ويشْمت.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ثَرَّى فلانُ التُّرَاب والسَّويق، إِذا بَلَّه.
وَيُقَال: ثَرِّ هَذَا الْمَكَان ثمَّ قِفْ عَلَيْهِ، أَي بُلَّه.
وأَرْضٌ مُثْرِية، إِذا لم يَجِفّ ثَرَاها.
وثر: اللّيْث: الوَثِير: الفِراش الوَطِيء.
وكُلَّ شَيْء جَلست عَلَيْهِ أَو نِمت عَلَيْهِ، فوجدتَه وَطِيئاً، فَهُوَ وَثِير.
وَقد وَثُر وثارَةً.
ويُقال للْمَرْأَة السَّمينة المُوافقة للمُضاجَعة: إنّها لوَثِيرة.
فَإِذا كَانَت ضَخْمة العَجز، فَهِيَ الوَثيرة العَجُز.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الوَثْرُ: نُقْبَةٌ من أَدَم تُقَدّ سُيُوراً، عَرْض السّير أَربع أَصابع أَو شِبْر، تلبسها الْجَارِيَة الصَّغيرة قبل أَن تُدْرك، وتَلْبسها وَهِي حائِض؛ وَأنْشد أَبُو زِيَاد لبَعض الْأَعْرَاب:
عَلقْتُها وَهِي عَليها وَثْرْ
حَتَّى إِذا مَا جُعِلت فِي الخِدْر
وأَتْلَعت بِمثل جِيدِ الوَبْر
قَالَ: وَهُوَ الرَّيْط أَيْضا.
وَقَالَ غَيره: المِيثرة: مِيثرة السَّرج والرَّحْل يُوطَّآن بهَا.
وجَمعها: مَوَاثِر.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: المَسْطُ: أَن يُدْخل الرَّجُل اليَدَ فِي رحم النَّاقة بعد ضِرَاب الفَحْل إيّاها فيَسْتخرج وَثْرَها، وَهُوَ مَاء الْفَحْل يَجتمع فِي رَحِمها ثمَّ لَا تَلْقح مِنْهُ.
يُقَال مِنْهُ: وَثرها الْفَحْل يثرها وَثْراً، إِذا أَكثر ضِرابَها وَلم تَلْقَح.

(15/84)


وَقَالَ النّضْر: الوَثْر: أَن يَضْرِبها على غير ضَبْعة.
قَالَ: والمَوْثُورة: تُضْرب فِي الْيَوْم الْوَاحِد مِرَاراً فَلَا تَلْقَح.
وَقَالَ بعضُ الْعَرَب: أَعْجب الْأَشْيَاء وَثْر على وِثْر، أَي نكاحٌ على فِراش وَثِير وَطيء.
ثَعْلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّواثِير: الشُّرَط، وهم العَتَلة، والفَرَعة، والأَمَلة؛ واحدهم: آمِل، مثل: كافِر وكَفَرة.
ورث: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الوِرْث، والوَرْث، والإِرْث، والإراث، والوِرَاث، والتّراث: وَاحِد.
قَالَ أَبُو زيد: وَرِث فلانٌ أَباه، فَهُوَ يَرِثه وِرَاثةً ومِيرَاثاً.
وأَوْرَث الرَّجُلُ وَلده مَالا إيرَاثاً حَسَناً.
وَورَّث الرَّجُل بَني فلَان مالَه تَوْرِيثاً، وَذَلِكَ إِذا أَدْخل على وَلده ووَرَثته فِي مَاله ومَن لَيْسَ مِنْهُم يَجْعل لَهُ نَصِيبا.
وَالْوَارِث: صفة مِن صِفَات الله عزّ وجلّ، وَهُوَ الباقِي الدّائم.
وَيُقَال: وَرِثْت فلَانا مَالا، أَرِثه وِرْثاً ووَرْثاً، إِذا مَاتَ مُوَرِّثك فَصَارَ ميراثُه لَك.
قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن زكريّا ودعائه إيّاه: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} {يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} (مَرْيَم: 5، 6) أَي يَبقى بَعدي فيَصير لَهُ ميراثي. وَالله عزّ وجلّ يَرث الأَرْض ومَن عَلَيْهَا، وَهُوَ خير الْوَارِثين. أَي يَبقى ويَفْنى مَن سواهُ فَيرجع مَا كَانَ ملك الْعباد إِلَيْهِ وَحْده لَا شريك لَهُ.
ويُقال: وَرَّثت فلَانا من فلَان، أَي جَعلْت مِيرَاثه لَهُ.
وأَوْرَث المَيْتُ وارِثَه مالَه، أَي تَركه لَهُ.
وَفِي دُعَاء النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اللَّهُمَّ أَمْتِعْني بسَمْعي وبَصري واجْعلهما الوارثَ منّي) .
قَالَ ابْن شُمَيل: أَي أَبقْهما معي حَتَّى أَمُوت.
وَقَالَ غيرُه: أَرَادَ بالسَّمع وَعْي مَا يَسْمع والعَمَل بِهِ؛ وبالبَصَر: الاعْتبار بِمَا يرى ونُور الْقلب الَّذِي يُخْرج بِهِ من الحَيْرة والظُّلْمة إِلَى الهُدَى.
أرث: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (بَعَث ابنُ مِرْبع الأنصاريّ إِلَى أهل عَرفة فَقَالَ: اثْبُتوا على مَشاعركم هَذِه فَإِنَّكُم على إرْث من إرْث إِبْرَاهِيم) .
قَالَ أَبُو عُبيد: الإرْث، أصلُه من (الْمِيرَاث) إِنَّمَا هُوَ (وِرْثٌ) فقُلبت الْوَاو ألفا مَكْسُورَة، لكسرة الْوَاو؛ كَمَا قَالُوا للوِسادة: إسادة؛ وللوِكاف: إكاف.
فَكَانَ معنى الحَدِيث: إِنَّكُم على بقيَّة من وِرْث إِبْرَاهِيم الَّذِي تَرك النَّاس عَلَيْهِ بعد

(15/85)


مَوته، وَهُوَ الْإِرْث؛ وَأنْشد:
فَإِن تكُ ذَا عِزَ حَديثٍ فإنّهم
لَهُم إرْثُ مَجْدٍ لم تَخُنْهُ زَوَافِرُه
وَيُقَال: أَرّث فلانٌ بَينهم الشرَّ والحَربَ تَأْريثاً، وأَرَّج تَأْريجاً، إِذا أَغْرَى بعضَهم بِبَعْض. وَأَصله من: تَأريث النَّار، وَهُوَ إيقادُها؛ وَأنْشد أَبُو عُبَيْد لعديّ بن زيد:
وَلها ظَبيٌ يُؤَرِّثها
عاقدٌ فِي الجِيد تِقْصَارا
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: نعجةٌ أرْثاء، وَهِي الرّقطاء فِيهَا سوادٌ وبَياض.
وَقَالَ اللِّحياني: الأُرَثُ والأُرَفُ: الحدودُ بَين الأرَضين؛ واحدتُها: أُرْثَة وأُرْفَة.
والإرَاث: النَّار، وَقَالَ الشَّاعِر:
مُحَجَّل رِجلين طَلْق اليَديْن
لَهُ غُرَّةٌ مِثلُ ضَوءِ الإراثِ
عَمرو، عَن أَبِيه: الأُرْثة: الأكَمةُ الْحَمْرَاء.
والأُرْثة: عُودٌ أَو سِرْجين يُدْفن فِي الرَّماد ليَكون ثَقُوباً للنّار إِذا احْتِيج إِلَيْهَا. ووَرْثَان: اسمُ مَوضِع؛ قَالَ الرّاعي:
وغَدا من الأَرْض الَّتِي لم يَرْضَها
واختَارَ وَرْثاناً عَلَيْهَا مَنْزِلا
أثر: وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ} (الْأَحْقَاف: 4) .
رَوَى سَلمة عَن الفرّاء، قَالَ: قَرَأَهَا الفرّاء {هَاذَآ أَوْ} .
وَقَرَأَ بعضُهم: (أَو أَثْرة) خَفيفة.
وَقد ذُكر عَن بعض القُرّاء: (أَو أثَرة مِن عِلْمِ) .
قَالَ الفرّاء: وَالْمعْنَى فِي (أثارة) أَو (أثَرة) بقيَّة من عِلم.
وَيُقَال: أَو شَيْء مأثور من كُتب الْأَوَّلين.
فَمن قَرَأَ (أثَارة) فَهُوَ المَصدر، مثل: السَّماحة والشَّجاعة. وَمن قرأَ (أَثَرة) فإنَّه بناه على (الْأَثر) كَمَا قيل: قتَرَة.
وَمن قَرَأَ (أَثْرة) فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مثل (الخطْفَة) و (الرَّجْعة) .
وَقَالَ الزجَّاج: من قَرَأَ (أَثارة) فَمَعْنَاه: عَلامة.
قَالَ: وَيكون على مَعْنى: بقيَّة من عِلم.
ويُقال: سَمِنَت الناقةُ على أَثارة، أَي على عَتيق شَحْم كَانَ قَبل ذَلِك.
حَكى ذَلِك أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد.
قلتُ: فَيحْتَمل أَن يكون قَول الله تَعالى {هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ} (الْأَحْقَاف: 4) من هَذَا؛ لأنّها سَمِنت على بَقيّة من شَحم كَانَت عَليها، فَكَأَنَّهَا حَملت شحماً على بقيّة شَحْمها.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس: {هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ} إِنَّه عِلْم الخَطّ الَّذِي كَانَ أُوتِي بعضَ الْأَنْبِيَاء.
وسُئِل النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الخَط فَقَالَ: (قد كَانَ

(15/86)


نبِيّ يَخُط فمَن وافَق خَطّه عَلِم) ، أَي من وَافق خطّه من الخطّاطين خطَّ ذَلِك النبيّ عَلَيْهِ السَّلَام عَلِم عِلْمَه.
حدّثنا أَبُو الفَضل بن جَعفر، قَالَ: حدّثنا أَبُو جَعفر مُحَمَّد بن غَالب، عَن أبي نُعَيم، قَالَ: حدّثنا سُفيان، عَن صَفوان بن سُلَيم، عَن أبي سَلَمة، عَن ابْن عبّاس فِي قَول الله: {هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ} (الْأَحْقَاف: 4) قَالَ: هُوَ الخَطّ.
وحدّثنا حَمْزة، عَن عَبد الرزّاق، عَن ابْن عُيَيْنة، عَن صَفْوَان بن سُليم، عَن أبي سَلمَة، عَن ابْن عبّاس: نَحْوَه.
وَفِي حَدِيث عُمر أنّه حَلف بِأَبِيهِ فنَهاه النبيّ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسَّلَام عَن ذَلِك. قَالَ عُمَر: فَمَا حلفتُ بِهِ ذَاكِرًا وَلَا آثِراً.
قَالَ أَبُو عُبَيد: أمّا قولُه: (ذَاكِرًا) فَلَيْسَ من الذِّكر بعد النِّسْيان، إِنَّمَا أَرَادَ: متكلِّماً بِهِ، كَقَوْلِك: ذكرَ فلانٌ حَدِيث كَذَا وَكَذَا؛ وَقَوله: (وَلَا آثراً) يُريد: مُخْبِراً عَن غَيْرِي أنّه حَلَف. يَقُول: لَا أَقُول: إنّ فلَانا قَالَ: وأَبِي لَا أفعل كَذَا وَكَذَا؛ ومِن هَذَا قيل: حديثٌ مأثُورٌ، أَي يُخبر الناسُ بِهِ بعضُهم بَعْضًا.
يُقال مِنْهُ: أَثَرْت الحديثَ يأثِرُه أَثْراً، فَهُوَ مأْثُور: وَأَنا آثِر؛ قَالَ الْأَعْشَى:
إنّ الَّذِي فِيهِ تمارَيْتما
بُيِّن للسَّامِع والآثِر
ويُقال: إِن المَأْثُرَة. مَفْعلة من هَذَا، يَعْنِي: المَكْرُمة، وَإِنَّمَا أُخذت من هَذَا لأنّها يأثُرها قَرْنٌ عَن قَرْن، أَي يَتَحدّثون بهَا.
وَقَالَ أَبُو زَيد: يُقال: مَأْثُرة ومَأْثَرة، وَهِي القِدَم فِي الحَسَب.
والإثَار: شِبْه الشِّمَال يُشَدّ على ضَرْعِ العَنْز، شِبْه كيس، لئلاّ تُعَان.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الأَثْر: خُلاصة السَّمْن إِذا سُلىء، وَهُوَ الخَلاَص والخِلاَص.
وَأَخْبرنِي الإياديّ، عَن أبي الهَيْثم، أَنه كَانَ يَقُول: الإثر، بِكَسْر الْهمزَة: خُلاصة السَّمن.
وَهَكَذَا أخْبرني المُنذريّ، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، أَنه قَالَ: الإثر: خُلاصة السَّمن.
وَأما فِرِنْد السَّيْف، فكلُّهم يَقول: أَثْر.
وَقَالَ الأصْمعيّ: أَنشدني عِيسَى بن عُمَر لحِفَاف بن نُدْبة:
جَلاَها الصَّيْقَلُون فأَخْلَصُوها
خِفَافاً كلُّها يَتْقِي بأَثرِ
أَي كُل سَيْف مِنْهَا يَسْتَقْبلك بفِرنْده.
ابْن بُزُرْجَ: جَاءَ فلانٌ على إثْري وأَثَرِي.
وَقَالُوا: أُثْر السَّيف، مضموم: جُرْحُه.
قَالَ: وأَثْرُه، مَفْتُوح: رَوْنقه الَّذِي فِيهِ.

(15/87)


وأُثر الْبَعِير فِي ظَهْره، مَضموم.
وافْعل ذَلِك آثِراً مَا، وأَثِراً مَا.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقال خَرجت فِي أَثَره وإِثْره.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: أَثَر السَّيف: ضَرْبته.
وَفِي وَجْهه أُثْر وأَثْر.
وَجَاء فِي أَثَره وإِثْره.
وَقَالَ أَبُو زَيد: أَثْرُ السَّيْف: تَسَلْسُله، أَو ديباجَتُه.
وَقَالَ الأصمعيّ: الأُثْر، بِضَم الْهمزَة، من الجُرح وَغَيره فِي الْجَسَد، يَبْرأُ ويَبْقى أَثَره.
وَقَالَ شمرٌ: يُقال فِي هَذَا أَثْرٌ وأُثْرٌ؛ وَالْجمع: آثَار.
وبوجهه إِثار، بِكَسْر الْألف.
وَلَو قلت: أُثُوراً، كنت مُصِيباً.
قَالَ: وأَثْر السَّيْف: فِرنْدُه؛ وَجمعه: الأُثُور.
قَالَ: ويُقال فِي السَّيف أُثْر، وأُثُر، على فُعُل؛ وَهُوَ وَاحِد لَيْسَ بِجمع؛ وأَنْشد:
كَأَنَّهُمْ أَسْيُفٌ بيضٌ يمانِيَةٌ
عَضْبٌ مضارِبُها باقٍ بهَا الأُثُرُ
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: المِئْثرة: حَدِيدَة يُؤْثَر بهَا خُفّ البَعِير لِيُعْرف أَثَرُه فِي الأَرض، يُقَال مِنْهُ: أثَرْت البَعِير، فَهُوَ مَأثُور.
وَرَأَيْت أُثْرته وثُؤْثُورَه.
قَالَ: وسَيْف مأثُور، وَهُوَ الَّذِي يُقال إِنَّه يَعمله الجنّ، وَلَيْسَ من الأثْر: الفِرِنْد.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْمَأْثُور: الَّذِي فِي مَتْنه أُثْرٌ.
سَلمة، عَن الْفراء: ابدأ بِهَذَا آثِراً مَا، وآثِر ذِي أَثِير، وأَثِير ذِي أَثير، أَي ابْدأ بِهِ أولَ كُلّ شَيْء؛ قَالَ: وأَنْشدونا:
وَقَالُوا مَا تُريد فقلتُ أَلْهو
إِلَى الإصْباح آثر ذِي أَثِير
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ: فِي قَوْلهم: خُذ هَذَا آثراً مَا، قَالَ: كأَنّه يُرِيد أَن يَأْخُذ مِنْهُ وَاحِدًا وَهُوَ يُسام على آخر، فَيَقُول: خُذ هَذَا الْوَاحِد آثراً، أَي قد آثرتُك بِهِ. و (مَا) فِيهِ حَشْو، ثمَّ سَلْ آخر.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: افْعَل هَذَا آثراً مَا، وآثراً، بِلَا (مَا) .
وَفِي (نَوَادِر الْعَرَب) : يُقال: أَثِر فلانٌ يَقُول كَذَا، وطَبِن، وطَبِق، ودَبِق، ولَفِق، وفَطِن، وَذَلِكَ إِذا أبْصر الشَّيْء وضَرِيَ بمعرفته وحَذِقه.
أَبُو حَاتِم، عَن أبي زَيد، يُقال: قد آثرت أَن أَقُول ذَاك، أُؤَاثِر أَثْراً.

(15/88)


وَقَالَ ابْن شُمَيل: إِن آثَرت أَن تَأْتِينَا فَأْتِنَا يَوْم كَذَا.
ويُقال: قد أَثِر أَن يَفْعل ذَلِك الْأَمر، أَي فرغ لَهُ وعَزم عَلَيْهِ.
قَالَ اللَّيث: قد أثِرْت بِأَن أفعل كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ هَمٌّ فِي عَزم.
قَالَ: ويُقال: افْعَل هَذَا يَا فلَان آثراً مَا، أَي إِن اخْترت ذَلِك الفِعْل فافعل هَذَا إمّا لَا.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأثِيرة من الدوابّ العَظيمة الْأَثر فِي الأَرْض بخُفّها، أَو حافِرها.
ورَجُل أَثْرٌ، مِثَال فَعْل، وَهُوَ الَّذِي يَسْتأثر على أَصْحَابه، مُخَفّف.
الأصمعيّ: آثرتك إيثاراً، أَي فضَّلتك.
وَفُلَان أثِيرُ عِنْد فلَان، وَذُو أُثْرة، إِذا كَانَ خَاصّا بِهِ.
وَيُقَال: قد أَخذه بِلَا أَثَرَة، وَبلا إِثْرَةٍ، وَبلا اسْتِئْثار، أَي لم يستأثر على غَيره وَلم يَأْخُذ الأجود؛ وَقَالَ الحطيئة يَمدح عُمرَ رَضِي الله عَنهُ:
مَا آثَرُوك بهَا إِذْ قدَّمُوك لَهَا
لكنْ لأنْفُسهم كَانَت بهَا الإِثَرُ
أَي الخِيرة والإيثار؛ كأَن (الإثَرَ) جمع الإثْرَة، وَهِي الأَثَرَة.
ويُقال: أَثّر بوَجْهه وبجَبِينه السُّجودُ، وأَثر فِيهِ السَّيْفُ والضَّرْبة.
وَيُقَال: آثرَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا، أَي أَتْبَعه إيّاه؛ وَمِنْه قَول مُتّمم بِهِ نُوَيرة يَصِف الغَيْث:
فآثر سَيْل الوادَيْين بديمةٍ
ترشِّحُ وسميّاً من النّبْت خِرْوعَا
أَي أَتبع مَطراً تقدّم بديمَةٍ بَعْدها.
وَقَالَ الأَعْرَجُ الطّائيّ:
أُراني إِذا أَمرٌ أَتى فَقَضَيْتُه
فَزِعْتُ إِلَى أمرٍ عليّ أَثِير
قَالَ: يُريد: الْمَأْثُور الَّذِي أَخذ فِيهِ.
قَالَ المازنيّ: وَهُوَ قَولهم: خُذ هَذَا آثراً مَا.
آثَرك الله علينا، أَي فَضَّلك.
يُقال: لَهُ عَليّ أَثْرٌ، أَي فَضْل.
وَفِي الحَدِيث: (إِنَّكُم سَتَلْقون بَعْدي أَثَرَةً) ، أَي يُستأثر عَلَيْكُم فيفضِّل غَيْركُمْ نَفسه عَلَيْكُم فِي الْفَيْء.
وَقَوله: اسْتَأثرَ الله بالبَقاء، أَي انْفرد بالبَقاء.
{فَقَالَ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ} (المدثر: 24) أَي يَرويه واحدٌ عَن وَاحِد.
وحديثٌ مأثور: يَأْثُره عَدْلٌ عَن عَدْل.
وَفِي الحَدِيث: (من سَرّه أَن يبسط الله فِي رِزْقه ويَنْسأ فِي أَثَره فَلْيصل رَحمَه) ، أَي فِي أَجله.

(15/89)


وسُمي الْأَجَل أَثَراً، لِأَنَّهُ يتْبع العُمْر؛ قَالَ زُهير:
والمرءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ
لَا يَنتَهِي العُمرُ حتَّى يَنتَهِي الأثرُ
أَي الْأَجَل.
وَقَوله: {نُحْىِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ} (يس: 12) .
أَي مَا قدّموه من الْأَعْمَال وسَنّوه من سُنن يُعْمَل بهَا.
رثى: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: رَثَت المرأةُ زَوجها تَرْثِيه وتَرثُوه.
وَقَالَ أَبُو زيد وَالْكسَائِيّ: رَثت رِثَاية.
وَقَالَ اللَّيث: رَثى فلانٌ فلَانا يَرثيه رَثْياً ومَرْثِيةً، إِذا بكاه بَعد مَوْته، فَإِن مَدحه بعد مَوته، قيل: رَثَّاهُ يُرَثِّيه تَرْثِيَةً.
وَيُقَال: مَا يَرثي فلانٌ لي، أَي مَا يتوجَّع وَلَا يُبالِي.
وإنِّي لأَرثي لَهُ مَرْثاةً وَرَثْياً.
وَامْرَأَة رثَّاءة، ورَثَّاية، إِذا كَانَت تَنُوحُ نوحًا ونياحةً.
اللحياني: رَثَوتُ عَنهُ حَدِيثا، ورَثَيْتُه، أَي حَفِظْتُهُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رَثَيْتُ عَنهُ حَدِيثا أَرْثِي رِثايةً، إِذا ذكَرتَه عَنهُ.
وحُكي عَن العُقيلي: رَثونا بَيْننَا حَدِيثا، ورَثَيْنَاه، وتنَاثَيْناه، مِثْله.
وَمن مهموزه
رثأ: أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: الرَّثيئة، مَهْموز: أَن يُصَبّ لَبَنٌ حَليب على حامض.
قلت: وسَمِعْت أعرابيّاً من بني مُضَرِّس يَقُول لخادِم لَهُ: ارْثَأْ لي لُبَيْنَةً أَشْرَبُها.
وَقد ارْتَثَأْتُ أَنا رَثيئة، إِذا شَرِبْتَها.
سَلَمة، عَن الفَرّاء، عَن امْرَأَة من الْعَرَب، أنّها قَالَت: رَثَأْتُ زَوْجي بأَبْيات، أَرادت: رَثَيْته.
قَالَ الفَرّاء: وَهَذَا مِنْهَا على التَّوهُّم لِأَنَّهَا رأتهم يقُولون: رثأت اللَّبن فَظَنَّت أَن المَرْثِية مِنْهَا.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: ارْتَثأ عَلَيْهِم أَمْرُهم، أَي اخْتَلط.
وهم يَرْتَثئون أَمْرهم.
أُخذ من (الرّثيئة) ، وَهِي اللَّبن المُخْتَلط.
وأمّا (الرّثْية) فَهُوَ داءٌ يَعْترض فِي المَفاصل، وَلَا همز فِيهَا، وَجَمعهَا: رَثَيَات؛ وأنْشَد شَمِرٌ:
ولِلْكَبير رَثَيَاتٌ أَرْبَعُ
الرُّكْبتَان والنَّسَا والأَخْدَع
وَلَا يَزال رَأْسُه يَصّدَّعُ
وكلّ شيْء بَعد ذَاك يَبْجَعُ
ريث رَوْث: قَالَ اللَّيْث: الرَّيْثُ: الإِبْطَاء.
يُقال: راث عَلينا فلانٌ يَرِيثُ رَيْثاً. ورَاث

(15/90)


علينا خَبَرُه.
واسْتَرَثْت فلَانا، أَي اسْتَبْطأتُه.
وتَريّث فُلان علينا، أَي أَبْطأ.
ويُقال: إِنَّه لرَيِّثٌ، أَي بَطِيء.
ويُقال: مَا قَعد فلانٌ عندنَا إلاّ رَيْثَ أنْ حَدَّثنا بحديثٍ ثمَّ مَرّ، أَي مَا قَعد إلاّ قَدْر ذَلِك؛ قَالَ الشَّاعِر يُعاتب فِعْلَ نَفْسه:
لَا تَرعَوي الدهرَ إِلَّا ريْثَ أُنكرها
أَنْثُو بِذَاكَ عَلَيْهَا لَا أُحاشيها
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لكُل ذِي حافِرٍ: راث يَرُوث رَوْثاً. وخَوْرانُ الفَرَس: مَرَاثُه. ورَوْثة الأنْف: طَرَفُه. قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو.
وَقَالَ اللَّيث: الرَّوْثة: طرفُ الأنْف حَيْثُ يَقْطر الرُّعاف؛ وَقَالَ أَبُو كَبِير الهُذليّ يذكُر عُقاباً:
حَتَّى انتهيتُ إِلَى فِراش غَريرةٍ
سَوْداءَ رَوْثَةُ أَنْفها كالمِخْصَفِ
ورُوَيْثة: اسمُ مَنْهَلة مِن المَناهل الَّتِي بَين المَسْجدَيْن.

(بَاب الثَّاء وَاللَّام)
ث ل (وايء)
ثول، ولث، وثل، لثى، أثل، لَيْث، لوث، ثلا.
ثول: أَبُو عُبَيد: سَمِعْتُ الأصمعيّ يَقُول: الجماعةُ من النّحْل يُقال لَهَا: الثَّوْلُ، والدّبْر؛ وَلَا وَاحِد لشَيْء من هَذَا، وَكَذَلِكَ الخَشْرم.
قَالَ: الثَّوَّالةُ: الْكثير من الْجَرَاد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الثَّوْل: النَّخْل.
والثَّوْل: الجُنون.
والثوّالة: الجماعةُ من النّاس والجَرَاد.
قَالَ: ويُقال: ثال فلانٌ يَثول ثَوْلاً. إِذا بَدا فِيهِ الجُنون وَلم يَسْتحكم، فَإِذا اسْتَحكم قيل: ثَوِلَ يَثْوَل ثَوَلاً.
وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْحَيَوَان.
وَقَالَ اللَّيثُ: الثَّوْل: الذَّكر من النّحل.
قلتُ: والصَّواب فِي (الثَّوْل) مَا قَالَ الأصمعيّ.
وَقَالَ اللَّيث: الثَّوَل: شِبْه جُنون فِي الشّاء.
يُقَال للذّكر: أَثْول؛ وللأُنثى: ثَولاء.
قَالَ: والثُّؤْلُول: خُرَاج.
يُقَال: ثُؤْلِل الرَّجُلُ.
وَقد تَثَأْلَلَ جَسَدُه بالثَّآلِيل.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال للرَّجُل: ثلْ، إِذا أَمرته أَن يَحْمَق وَلَا يَجْهل.
وَقَالَ اللَّيْث: الثَّيْل: جِرابُ قُنْب البَعِير.
ويُقال: بل هُوَ قَضِيبه.
وَلَا يُقال: قُنْبٌ إِلَّا للفَرس.

(15/91)


قَالَ: والثِّيل: نَبَات يَشتبك فِي الأرْض.
وَقَالَ شَمِر: الثِّيل: شُجَيْرَة خَضْراء كأنّها أول بَذْر الحبّ حِين تَخْرُج صِغاراً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الثِّيل: ضربٌ مِن النّبات يُقال إِنَّه لِحْية التَّيْس.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأثْيل: الجَمل الْعَظِيم الثّيل، وَهُوَ وِعاء قَضِيبه.
وثل: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الوَثل: وَسخ الأَديم الَّذِي يُلْقى مِنْهُ. وَهُوَ، الحَمُّ، والتِّحْلِىء.
قَالَ أَبُو عُبيد: الوَثَل: اللِّيف نَفسُه.
والحَبل من اللّيف يُقَال لَهُ: الوَثِيل.
وَقَالَ غيرُه: وَاثِلَة، من الْأَسْمَاء، مَأْخُوذ من (الوثيل) .
لَيْث: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الألْيثُ: الشُّجَاع، وَجمعه: لِيثٌ.
واللَّيثُ: الأسَدُ؛ وَجمعه: لُيُوث.
وَبَنُو لَيْث: حيّ من كِنانة.
وَتَليَّث فلانٌ، إِذا صَار لَيْثِيّ الهوَى.
وَكَذَلِكَ: لَيّث. قَالَه ابنُ المُظَفَّر؛ وَأنْشد قَول رُؤْبة:
دُونك مَدْحاً مِن أخٍ مُلَيَّثِ
عَنْك بِمَا أَوْلَيت فِي تأَنُّثِ
قَالَ: ويُقال: لاَيَثْتُ فلَانا، إِذا زاوَلْته مُزاولة اللَّيث؛ وأَنْشد:
شَكِسٌ إِذا لايَثْتَه لَيثيّ
أَبُو عُبيد، عَن العَدَويّ: اللَّيث هُوَ الَّذِي يَأْخُذ الذّباب، وَهُوَ أَصْغَر من العَنْكَبُوت.
وأمّا (لَيث عِفِرِّين) فقد مَرّ تَفسِيرُه.
ويُقال: يجمع (اللَّيثَ) : مَلْيَثة، مِثل: مَسْيفة ومَشيخة؛ وَقَالَ الهُذَليّ:
وأدْرَكتْ من خُثيْم ثَمَّ مَلْيثةٌ
مِثلُ الأُسُود على أكتافها اللِّبَدُ
وَقيل: اللَّيث، فِي لُغَة هُذَيْل: اللَّسِنُ الجَدِل.
وَقَالَ عَمرو بن بَحر: الليثُ: ضَربٌ مِن العَناكب.
قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ من الدوابّ مثله فِي الحِذقْ والخَتْل وصَواب الوَثْبة والتَّسْديد وسُرعة الخَطْف والمُدَاراة، لَا الكَلب وَلَا عَنَاق الأَرْض وَلَا الفَهْد وَلَا شَيء من ذَوَات الأَرْبع، وَإِذا عاين الذُّبابَ سَاقِطا لَطَأ بِالْأَرْضِ وسَكّن جوارحَه ثمَّ جَمع نَفسه وأَخَّر الوَثْب إِلَى وَقت الغِرّة، وَترى مِنْهُ شَيْئا لم تَره فِي فَهْد، وَإِن كَانَ مَوْصُوفا بالخَتل للصَّيْد.
لوث: ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللَّوْثُ: الطَّيُّ، واللوْث: الليّ، واللَّوْث: الشَّرّ، واللَّوْثُ: الجِراحَات، واللَّوْث: المُطَالباتُ بالأحْقَاد، واللَّوْث: تَمْريغ اللُّقمة فِي الإهَالة.
سَلمة، عَن الفَرّاء، قَالَ: اللُّوَاثُ: الدَّقيق الَّذِي يُذَرّ على الخِوان لئلاّ يَلْصَق بِهِ

(15/92)


العَجِينُ.
قلت: واللَّوْث، عِنْد الشَّافِعِي: شبه الدَّلالة، وَلَا يكون بَيِّنة تامّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللَّوث: جمع الأَلْوث، وَهُوَ الأَحْمق الجَبان.
أَبُو نصر، عَن الأَصْمعيِّ: اللَّوْثَة: الحَمْقة.
واللّوْثة: العزْمة بالعَقْل.
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: اللَّوْثة، واللّوْثَة: بِمَعْنى الحَمقة، فَإِذا أَردت عَزيمة العَقْل قلت: فِي فُلان لَوْثٌ، أَي حَزْم وقُوّة.
اللّيث: ناقةٌ ذَات لَوْث، وَهِي الضّخمة، وَلَا يَمْنَعها ذَلِك من السُّرْعة.
وَقَالَ غَيره: سَحابةٌ لَوْثَاء: فِيهَا بُطْء.
ورَجُلٌ فِيهِ لُوثة: أَي استرخاء وحُمْق؛ وَهُوَ رَجُلٌ أَلْوث.
وَإِذا كَانَ السّحاب بَطِيئاً كَانَ أَدوَم لِمَطَره؛ وأَنْشد:
من لَفْح ساريةٍ لَوْثَاء تَهْميم
وَقَالَ اللّيث: اللَّوْثاء: الَّتِي تُلوِّث النَّبَات بَعضه على بعض، كَمَا يلوّث التِّبن بالقَتّ؛ وَكَذَلِكَ التّلوّث بالأَمر.
قلت: والسَّحابة اللَّوْثاء: البطيئة.
وَالَّذِي قَالَه اللّيث فِي (اللّوْثاء) لَيْسَ بِصَحيح.
أنْشد المازنيّ:
فالْتَاث مِن بعد البُزول عامَين
فاشْتَدّ ناباه وغَيْر النَّابَيْن
قَالَ: (التاث) افتعل، من (اللوث) وَهُوَ القُوّة.
رَجُلٌ ذُو لَوْثٍ، أَي ذُو قُوّة.
ورَجُلَ فِيهِ لُوثة، إِذا كَانَ فِيهِ اسْترخاء؛ وَقَالَ العَجّاج يَصف شَاعِرًا غالَبه فَغَلَبه:
وَقد أرى دُونِيَ من تَجَهُّمي
أُمّ الرُّبَيقِ والأرَيْقِ المُزْنَمِ
فَلم يُلث شَيْطانهُ تَنَهُّمِي
يَقُول: رأى من تجهّمي دونه مَا لَا يَسْتَطِيع أَن يصل إليّ، أَي رأى دوني داهية فَلم يُلث شيطانُه، أَي لم يلبث تنهمّي إِيَّاه، أَي انْتهاري.
وَفِي (النّوادر) : رَأَيْت لُواثة ولَوِيثَة من النّاس، وهُوَاشة، أَي جَماعة.
وَقَالَ اللّيث: يُقال: التاث فلانٌ فِي عَمَله، أَي أَبْطأ.
قَالَ: واللاَّئث من الشّجر والنبات: مَا قد الْتَبس بعضُه على بَعض.
يَقول الْعَرَب: نَبات لاثث، ولاثٍ؛ على الْقلب؛ وَقَالَ العجّاج:
لاث بِهِ الأَشاءُ والعُبْريّ
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: مثل: لاثٍ بِهِ، لاثث بِهِ، فِي بَاب المقلوب؛ وَقَالَ عديّ:

(15/93)


ويَأْكُلْن مَا أَغْنى الوليُّ وَلم يُلِث
كَأَن بحَافاتِ النِّهاءِ مَزارِعَا
أَي لم يَجعله لائثا.
وَيُقَال: لم يُلث، أَي لم يُلث بَعضه على بعض، من (اللوث) وَهُوَ (الليّ) .
وَقَالَ التّوزيّ: لم يلتث: لم يُبطىء؛ وَقَالَ ثُمَامَة بن الْمخبر السَّدوسيّ:
أَلا رُبّ مُلْتاثٍ يَجُرّ كِسَاءَه
نَفى عَنْه وُجْدَانَ الرَّقِين القَرَائِمَا
يَقُول: رُبّ أَحمق نَفى كثرةُ مَاله أَن يُحَمَّق، أَرَادَ أَنه أَحمَق قد زَيّنه مَاله وجَعله عِنْد عوامّ النَّاس عَاقِلا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأَلْوث: الأَحمق.
أَبُو عُبيد: لاثٍ، بِمَعْنى: لائِث، وَهُوَ الَّذِي بَعضه فَوق بَعض.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فَلَا يَلوث بِي، أَي يَلُوذ بِي.
وَجَاء رجل إِلَى أبي بَكْر الصّدّيق فَوقف عَلَيْهِ ولاث لَوْثاً من كَلَام. فَسَأَلَهُ عُمر، فَذكر أَن ضَيْفاً نزل بِهِ فزَنى بابْنَته.
وَمعنى: لاث، أَي لَوى كَلامه وَلم يُبيِّنه.
وَيُقَال: لاث بالشَّيْء يَلُوث، إِذا طَاف بِهِ.
ولاث فلانٌ عَن حَاجَتي، أَي أبْطأ عَنْهَا.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقال للسَّيِّد الشريف: مَلاَثٌ، ومَلْوَثٌ؛ وَجمعه: مَلاَوث؛ وَأنْشد:
هلاّ بكَيتَ مَلاَوِثاً
من آل عَبْدِ مَنَافِ
ولث: ثَعلب، عَن ابْن الأَعرابيّ: الوَلْث: بقيّة العَجِين فِي الدَّسِيعة، وبَقِيّة المَاء فِي المُشَقّر؛ والفَضْلة من النَّبِيذ تَبْقى فِي الْإِنَاء؛ وَهُوَ البَسيل أَيْضا.
والوَلْثُ: بقيّة العَهْد؛ وَفِي الحَدِيث: (لَوْلَا وَلْث عَهْدٍ لَهُم لفعلتُ بهم كَذَا) .
شَمِرٌ فِيمَا قَرَأت بخطّه قَالَ: قَالَ أَبُو مُرّة القُشيري: الوَلْث من الضّرب، الَّذِي لَيس فِيهِ جِرَاحة، فَوق الثّياب.
قَالَ: وطَرق رَجُلٌ قَوماً يَطْلُب امْرأةً وَعَدَتْه فَوَقع على رَجُل، فصَاح بِهِ، فاجْتمع الحيُّ عَلَيْهِ فوَلثوه، ثمَّ أُفْلِت.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: يُقال دَبَّرْتُ مَمْلُوكي، إِذا قُلتَ هُوَ حُرٌّ بعد مَوْتِي، إِذا وَلَثْتَ لَهُ عِتْقاً فِي حياتك.
قَالَ: والوَلْث: التَّوْجيه، إِذا قُلت: هُوَ حُرٌّ بَعْدي، فَهُوَ الوَلْث.
وَقد وَلَث فلانٌ لنا من أَمْرنا وَلْثاً، أَي وَجَّه؛ وَقَالَ رُؤبة:
وقلتُ إِذا أَغْبَط دَيْنٌ والِثُ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَي دَائِم، كَمَا يَلِثُونه بالضَّرْب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو والأصمعيّ: وَلَثه، أَي ضَربه ضَرْباً قَلِيلا.
وَقَالَ أَبُو نَصر: الوَلْث: القلِيلُ مِن

(15/94)


الْمَطَر.
يُقال: وَلْثٌ مِن عَهْد، أَي شَيءٌ قَلِيل.
والوَلْث: عقد لَيْسَ بمُحْكم، وَهُوَ الضَّعِيف.
وَيُقَال: وَلَثْتُ لَك أَلِثَ وَلْثاً، أَي وَعَدْتك عِدَةً ضَعِيفة.
وَيُقَال: لَهُم وَلْثٌ ضَعِيف؛ وَقَالَ المُسَيّب بن عَلَس فِي (الولْث المحْكَم) :
كَمَا امْتَنَعت أولادُ يَقْدُمَ مِنْكُمُ
وَكَانَ لَهَا وَلْثٌ من العَقْدِ مُحْكَمُ
وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله:
إِذا أغبط دَيْنٌ والِثُ
أَسَاءَ رُؤبة فِي هَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُؤَكد أَمْر الدَّين.
وَقَالَ غَيره: يُقال: دَيْن والثٌ، أَي يتقلّده كَمَا يتقلّد العَهد.
أثل: ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابي: الأُثَيْل: مَنْبت الأَرَاك.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي وصيّ اليَتيم: (إِنَّه يَأْكُل مِن مَاله غَير مُتأثِّل مَالا) .
قَالَ: المتأثّل: الْجَامِع.
وكل شَيء لَهُ أصل قديم، أَو جُمع حَتَّى يَصير لَهُ أصل، فَهُوَ مُؤَثَّل؛ قَالَ لَبيد:
لله نَافِلَة الأجلّ الأفْضل
وَله العُلا وأَثيث كُلّ مُؤَثَّل
قَالَ: وأَثْلة الشّيء: أصْلُه؛ وَأنْشد للأعشى:
أَلَسْتَ مُنْتَهِياً عَن نَحْت أَثْلِتنَا
ولَسْتَ ضائِرَها مَا أَطَّتِ الإبِلُ
شمر، عَن ابْن الأَعرابيّ: المُؤثَّل: الدَّائِم.
وأَثَّلْت الشيءَ: أَدَمْتُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مُؤَثَّل: مُهَيَّأ.
قَالَ: وتَأْثيل الْمجد: بناؤُه.
وتأثّل فلانٌ مَالا، أَي اتّخذه وثَمَّره.
وَقَالَ ابْن شُميل فِي قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلمن وَلِيها أَن يَأْكُل ويُؤَكِّل صديقا غيرَ مُتأَثِّل مَالا) .
قَالَ: وَيَقُولُونَ: هم يَتأثّلون النَّاس، أَي يَأْخذون مِنْهُم أَثالاً. والأَثال: المَال.
وَيُقَال: تأثّل فلانٌ بِئْراً، إِذا احْتفَرها لنَفسِهِ؛ وَمِنْه قَول أبي ذُؤيب يصف قوما حَفَروا قَبْراً شَبّهه بالبِئر:
وَقد أَرْسَلُوا فُرَّاطَهم فتأثّلُوا
قَلِيباً سَفَاهاً كالإماء القواعِدِ
أَرَادَ أنّهم حَفروا لَهُ قبراً يُدْفَن فِيهِ، فسمّاه قَلِيباً على التّشْبيه.
وَيُقَال: أَثّل الله مُلْكاً آثِلاً، أَي ثَبّته؛ وَقَالَ رُؤبة:
أثّل مُلْكاً خِنْدِفاً فدعَمَا
وَقَالَ أَيْضا:

(15/95)


رِبَابَةً رُبَّتْ ومُلْكاً آثِلاَ
أَي مُلكاً ذَا أَثْلة.
والأَثْل: شَجر يُشبه الطّرْفاء إلاّ أَنه أكْرم مِنْهَا، تُسوَّى مِنْهُ الأَقْداح الصُّفْر الجِياد، وَمِنْه اتُّخذ مِنبَر النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وللأَثل أُصول غَلِيظَة تُسَوَّى مِنْهَا الْأَبْوَاب وَغَيرهَا، وَوَرَقُه عَبْلٌ كورق الطّرفاء.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: والأَثال: المَجْدُ، وَبِه سُمِّي الرَّجُل.
وأُثال: اسْم جَبَل.
لثي: قَالَ اللّيث: اللّثَى: مَا سَال من الشّجر من سَاقهَا خاثِراً.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: اللَّثَى: شيءٌ يَنْضَحه الثُّمَامُ حُلوٌ، فَمَا سَقَط مِنْهُ على الأَرض أُخذ وجُعل فِي ثوبٍ وصُبّ عَلَيْهِ الماءُ، فإِذا سَالَ من الثَّوْب شُرب حُلْواً وربّما أَعْقَد.
قلت: اللثَى: يَسيل من الثُّمام وَغَيره، وَفِي جبال هَراة شَجر يُقَال لَهُ: (سِير) وَله لَثىً حُلْوٌ يُداوى بِهِ المَصْدور، وَهُوَ جَيّد للسُّعال الْيَابِس.
وللعُرْفُط لَثىً حُلْوٌ يُقَال لَهُ: المغَافِير.
وأَخبرني المُنذريّ، عَن أبي طَالب، عَن سَلمة، عَن الفرّاء، أَنه قَالَ: اللّثأ، بِالْهَمْز: لِمَا يَسيل من الشَّجَر.
قَالَ: واللَّثة: تُجمع: لِثات، ولِثِين، ولِثًى، ولَثًى.
وَقَالَ أَبُو بكر: اللَّثَى: شَبِيه بالنَّدى.
يُقَال: قد أَلْثتِ الشَّجَرَة مَا حولهَا لَثًى شَدِيدا: نَدَّتْه.
قَالَ: واللَّثَى: الصَّمْغ.
ابْنُ السِّكِّيت: هَذَا ثوبٌ لثٍ، إِذا ابْتَلَّ من العَرَق والوسَخ.
وَيُقَال: لَثِيَتْ رِجْلِي من الطِّين تَلْثَى لثًى، إِذا تلطَّخَت بِهِ.
وامرأةٌ لَثِيَةٌ، إِذا كَانَت رطْبَة الْمَكَان.
وَنسَاء الْعَرَب يتسابَبْنَ بذلك.
وَإِذا كَانَت يابسة الْمَكَان فَهِيَ الرّشُوف، ويُحْمد ذَلِك مِنْهَا.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: لَثَا، إِذا شَرِبَ الماءَ قَليلاً.
ولَثَا أَيْضا: إِذا لَحِسَ القِدْرَ.
وَقَالَ: اللّثِيُّ: المُولع بأَكْل الصَّمغ.
وَقَالَ غيرُه: ألْثَت الشَّجرة تُلْثِي، إِذا سَالَ مِنْهَا اللّثى.
وحَكى سَلمة، عَن الفرّاء، عَن الدُّبَيْرِية، قَالَت: لثا الكَلْب، ولَجذَ، ولَجَن، واحْتَفَى، إِذا وَلغ فِي الْإِنَاء.
وَقَالَ أَبُو زيد: اللِّثة: مَراكز الأَسْنان.
وَفِي اللَّثة: الدُّرْدُرُ، وَهُوَ مَخارج الأَسْنان، وفيهَا العُمور، وَهُوَ مَا تَصَعَّد بَين الأسْنان من اللِّثة.

(15/96)


قلت: وأصل اللّثة: اللِّثْيَة، فنُقص.
والظاء والذال والثاء لثويّة، لِأَن مبدأها من اللّثة.
ثلا: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ثَلاَ، إِذا سَافر.
قَالَ: والثَّلِيّ: الكَثير المَال.

(بَاب الثَّاء وَالنُّون)
ث ن (وايء)
ثنى، نَثَا، أنث، أثن، وثن، ثأن.
ثنى: قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} (هود: 5) .
قَالَ الفرّاء: نزَلت فِي بعض مَن جَاءَ يَلْقَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يُحب ويَنطوي لَهُ على الْعَدَاوَة والبُغض، فَذَلِك هُوَ الثَّنْيُ: الإِخفاء.
وَقَالَ الزّجّاج: يَثْنُونَ صُدورهم، أَي يُجِتون ويَطوون مَا فِيهَا ويسترونه استخفاء بذلك من الله.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: (أَلا إِنَّهُم يثنَوْنِي صُدُورهمْ) (هود: 5) .
قَالَ الفَرّاء: وَهُوَ فِي العربيّة: بِمَنْزِلَة (تَنْثَنِي) وَهُوَ من الفِعل: افْعَوْعلت.
قلت: وَأَصله من: ثَنَيْت الشَّيء، إِذا حَنَيْته وعَطَفته وطَوَيْته.
واثْنَوْنى صَدْرُه على البَغضاء، أَي انْحنَى وانطوى.
وكُلّ شَيْء عَطَفْته، فقد ثَنَيْته.
وسَمعت أَعرابيّاً يَقُول لراعي إبل أَوْردها الماءَ جُمْلةً: ألاَ واثْنِ وُجُوهَها عَن المَاء ثمَّ أَرْسِل مِنْهَا رِسْلاً رِسْلاً، أَي قطيعاً قطيعاً. أَرَادَ بقوله: اثن وجوهها، أَي اصرف وجُوهها عَن المَاء لِئَلَّا تَزْدَحم عَلَى الْحَوْض فتَهْدِمه.
ويُقال للفارس إِذا ثَنَى عُنُقَ دابّته عِنْد حُضْرِه: جَاءَ ثَانِيَ العِنان.
ويُقال للْفرس نَفسه: جاءَ سَابِقًا ثَانِيًا، إِذا جَاءَ وَقد ثَنَى عُنُقه نشاطاً، لِأَنَّهُ إِذا أَعْيا مدّ عُنُقه؛ وَإِذا لم يَجىء وَلم يَجْهَد وَجَاء سيرُه عَفْواً غير مجهود ثَنى عُنُقه؛ وَمِنْه قَوْله:
ومَن يَفْخَرْ بِمثل أَبِي وَجَدِّي
يَجِىءْ قَبل السَّوابق وَهُوَ ثانِي
أَي يجىء كالفرس السّابق الَّذِي قد ثَنى عُنُقه.
وَيجوز أَن يَجعله كالفارس الَّذِي سَبق فرسُه الخَيْلَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِك قد ثَنى من عُنُقه.
وَفِي حَدِيث عَمرو بن دِينار، قَالَ: رأيتُ ابْن عُمر يَنْحر بَدَنته وَهِي باركةٌ مَثْنِيّة بِثنَايَيْن، غير مَهْمُوز؛ وَذَلِكَ أَن يَعْقل يدَيْه جَمِيعًا بعقالَيْن.
ويُسمى ذَلِك الحَبْل: الثِّنَاية.
وَقَالَ اللّيث: عقلت البَعير بِثِنَاييْن.

(15/97)


يُظهرون الْيَاء بعد الْألف، وَهِي المَدّة الَّتِي كَانَت فِيهَا. وَإِن مَدّ مادٌّ لَكَانَ صَوَابا، كَقَوْلِك: كسَاء، وكساوان، وكساآن.
قَالَ: وَوَاحِد (الثنايَيْن) : ثِناء، مثل: كِساء، مَمْدُود.
قلت: أغفل اللَّيث العلَّة فِي (الثنَايَيْن) وَأَجَازَ مَا لم يُجزه النّحْويون.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الخليلَ عَن قَوْلهم: عَقله بِثنايَيْن، لِمَ لَمْ يَهْمز؟
فَقَالَ: تَركوا ذَلِك حِين لم يُفْرِدُوا الْوَاحِد.
قلت: وَهَذَا خِلاف مَا ذكره اللّيْث فِي كِتَابه، لِأَنَّهُ أجَاز أَن يُقال لوَاحِد (الثِّنَايَيْن) : ثِناء.
والخَلْيل يَقُول: لم يَهمزوا (ثنايَيْن) لأَنهم لَا يُفردون الْوَاحِد مِنْهُمَا.
رَوى هَذَا شَمر عَن سِيبويه.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: يُقال: عقلت الْبَعِير بثنايَيْن، إِذا عَقلت يدَيْه بطَرفي حَبْل.
قَالَ: وعقلته بثِنْيَيْن، إِذا عَقَلْت يدا وَاحِدَة بعُقدَتَيْن.
قَالَ شَمر: وَقَالَ الفَرّاء: لم يهمزوا (ثنايين) لأنّ واحده لَا يُفرد.
قلت: والبَصْريون والكُوفيّون اتّفقوا على ترك الْهمزَة فِي (الثنايين) وعَلى ألاّ يُفْرد الْوَاحِد.
قلت: والحَبل يُقَال لَهُ: الثِّناية.
وَإِنَّمَا قَالُوا: ثِنَايَين، وَلم يَقُولُوا: ثنايَتَين، لِأَنَّهُ حَبل وَاحِد تُشدّ بِأحد طَرفَيْهِ يَدُ الْبَعِير، وبالطَّرف الآخر اليَد الْأُخْرَى، فَيُقَال: ثَنَيْت البَعير بثنايَين، كأنّ (الثنايَين) كالواحد، وَإِن جَاءَ بِلَفْظ اثْنَيْنِ، وَلَا يُفرد لَهُ وَاحِد؛ وَمثله: المِذْروان: طَرفا الألْيَتين، جعل وَاحِدًا، وَلَو كَانَا اثْنَيْنِ لقيل: مِذْريان. وأمّا العِقال الْوَاحِد فإِنّه لَا يُقالَ لَهُ: ثناية، إِنَّمَا (الثناية) : الحبلُ الطَّوِيل؛ وَمِنْه قولُ زُهير يَصف السّانية وشَدّ قِتْبها عَلَيْهَا:
تَمْطُو الرِّشاءَ وتَجْري فِي ثِنَايَتها
مِن المَحالة قَبّاً زَائِدا قَلِقَا
فالثِّناية، هَا هُنَا: حَبل يُشد طرفاه فِي قِتْب السَّانية ويُشد طَرف الرِّشاء فِي مَثْنَاته، وَكَذَلِكَ الْحَبل إِذا عُقل بطَرفيه يدُ الْبَعِير: ثِنايةٌ أَيْضا.
وَيُقَال: فلانٌ ثَانِي اثْنَيْنِ، أَي هُوَ أَحدهمَا، مُضاف.
وَلَا يُقَال: هُوَ ثانٍ اثْنَيْنِ، بالتَّنوين.
وَقد مَرّ تَفسيره مُشْبعاً فِي بَاب (الثّلاث) .
وثِنْيَا الحَبْل: طَرفاه؛ واحدهما: ثنْيٌ؛ وَقَالَ طَرَفة:
لَعَمْرك إنّ الموتَ مَا أَخْطَأ الفَتَى
لكالطِّوَلِ المرْخَى وثِنْيَاه بالْيَدِ
يَقُول: إنّ الْمَوْت وَإِن أَخطَأ الْفَتى فإِنَّ

(15/98)


مَصيره إِلَيْهِ، كَمَا أنّ الْفرس وَإِن أُرْخي لَهُ طِوَلُه فإنَّ مَصيره إِلَى أَن يَثْنيه صاحبُه، إِذْ طَرَفه بِيَدِه.
وَيُقَال: رَبَّق فلانٌ أَثناء الحَبْل، إِذا جَعل وَسَطه أَرْباقاً، أَي نُشَقاً للشاء يُنْشَق فِي أَعْناق البَهْم.
وأَثناء الحَيّة: مَطاوِيها إِذا تَحوَّت.
وأَثناء الوِشَاح: مَا انْثَنى مِنْهُ؛ وَمِنْه قَوْله:
تَعَرُّض أَثناء الوِشَاح المُفَصَّل
أَبُو عُبيد: يُقَال للَّذي يَجِيء ثَانِيًا فِي السُّؤدد وَلَا يَجِيء أَولا: ثِنًى، مَقصور، وثُنْيَان، وثِنْي، كل ذَلِك يُقَال: قَالَ أَوْس ابْن مَغْراء:
تَرى ثِنَانَا إِذا مَا جَاءَ بَدأَهمُ
وبَدْؤُهم إِن أَتَانَا كَانَ ثُنْيَانَا
يَقُول: الثَّانِي منّا فِي الرّياسة يكون فِي غَيرنَا سَابِقًا فِي السُّؤدد، والكامل فِي السُّؤدد من غَيرنَا ثِني فِي السّؤدد عندنَا، لفَضْلنا على غَيرنَا.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (لَا ثِنًى فِي الصّدقة) ، مَقصورٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: يَعْنِي أَنه لَا تُؤْخَذ الصَّدقة فِي السّنة مرّتين.
قَالَه الْأَصْمَعِي والكسائيّ؛ وَأنْشد أَحدهمَا:
أفِي جَنْبِ بكْرٍ قَطَّعَتْني مَلاَمَةً
لَعَمْرِي لقد كَانَت مَلاَمتُها ثِنَى
أَي لَيْسَ هَذَا بِأول لومها، قد فَعَلَتْهُ قبل هَذَا، وَهَذَا ثِنًى بعده.
قَالَ أَبُو سَعيد: لسنا نُنكر أنَّ (الثِّنى) إِعَادَة الشَّيْء مرّةً بعد مرّة، وَلكنه لَيْسَ وَجه الْكَلَام وَلَا معنى الحَدِيث، وَمَعْنَاهُ: أَن يتصدّق الرّجل على آخر بصدَقة ثمَّ يَبدو لَهُ فيُريد أَن يسترِدَّها، فَيُقَال: لَا ثِنًى فِي الصَّدقة، أَي لَا رُجُوع فِيهَا، فَيَقُول المتصدَّق عَلَيْهِ: لَيْسَ لَك عليَّ عُصْرَةُ الْوَالِد، أَي لَيْسَ لَك رُجوع كرجوع الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي: ناقةٌ ثِنْيٌ، إِذا وَلَدَت بَطنا وَاحِدًا.
وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: إِذا وَلدت بطَنين؛ قَالَ لَبيد:
ليَالِي تَحت الخِدْر ثِنْيُ مُصِيفة
من الأُدْمِ تَرْتَادُ الشُّرُوجَ القَوابِلا
قَالَ: ولدُهما الثَّانِي: ثِنْيُها.
قلت: وَالَّذِي سمعتُه من الْعَرَب: يَقُولُونَ للناقة إِذا وَلَدت أوّل وَلد تَلده، فَهِيَ بِكْر؛ وَوَلدهَا أَيْضا بِكرها. فَإِذا وَلدت الْوَلَد الثَّانِي، فَهُوَ ثِنْيٌ؛ ووَلدُها الثَّانِي ثِنْيُها. وَهَذَا هُوَ الصّحيح.
وأخبَرني المنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ:

(15/99)


المُصيفة: الَّتِي تَلد وَلداً وَقد أَسَنَّت؛ والرّجل كَذَلِك مُصيف، وولدُه صَيْفِيّ؛ وأَرْبع الرّجُل، وولدُه رِبْعِيُّون.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الثِّنْي من الْجَبَل والوادي: مُنْقَطعه.
قَالَ: ومَثْنَى الأيادي أَن يُعيد مَعْروفَه مرّتين أَو ثَلَاثًا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: مَثنى الأيادي: هِيَ الْأَنْصِبَاء الَّتِي كَانَت تُفْصَل من جَزُور المَيْسر، فَكَانَ الرجلُ الْجواد يَشْرِيها فيُطعِمُها الأَبْرام.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَثنى الأيادي: أَن يَأْخُذ القِسْمَ مَرَّة بعد مَرَّة.
وَقَالَ الفَراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {مُّبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 23) أَي مكرراً، كُرِّر فِيهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب.
وَقَالَ الزّجاج: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ} (الْحجر: 87) قيل: إِن السَّبع من المثاني: فَاتِحَة الْكتاب، وَهِي سَبع آيَات، قيل لَهَا: مثاني، لِأَنَّهُ يُثْنَى بهَا فِي كُل رَكعة من رَكْعَات الصَّلاة.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون وَالله أعلم من المثاني: أَي مِمَّا أُثْني بِهِ على الله، لِأَن فِيهَا حَمْد الله وتوحيده وَذكر مَا لَه يَوْم الدِّين.
الْمَعْنى: وَلَقَد آتيناك سبع آيَات من جُملة الْآيَات الَّتِي يُثّنَى بهَا على الله، وأتيناك الْقُرْآن الْعَظِيم.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} (الْحجر: 87) : يَعْنِي: فَاتِحَة الْكتاب، وَهِي سبع آيَات.
قَالَ: وسُمّيت (المثاني) لِأَنَّهَا تُعاد فِي كلّ رُكعة.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: سُمّيت آيَات الْحَمد: مثاني، واحدتها: مَثناة، وَهِي سَبع آيَات، لِأَنَّهَا تثنى فِي كُلّ رَكْعَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: (المثاني) من كتاب الله: ثَلَاثَة أَشْيَاء، سَمّى الله عزَّ وجلّ الْقُرْآن كُلَّه (مثاني) فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} (الزمر: 23) ، وسَمّى فَاتِحَة الْكتاب (مثاني) فِي قَوْله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} (الْحجر: 87) ، وسَمّى الْقُرْآن (مثاني) لِأَن الأنباء والقصص ثُنِّيت فِيهِ.
وقرأت بِخَط شَمِر، قَالَ: رَوى مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مُصَرّف عَن أَصْحَاب عبد الله: أَن (المثاني) سِتّ وَعِشْرُونَ سُورَة، وَهِي: سُورَة الْحَج، والقَصَص، والنَّمْل، والنُّور، والأنفال، وَمَرْيَم، وَالْعَنْكَبُوت، وَيس، وَالْفرْقَان، وَالْحجر، والرعد،

(15/100)


وسبأ، وَالْمَلَائِكَة، وَإِبْرَاهِيم، وص، وَمُحَمّد، ولقمان، والغُرف، وَالْمُؤمن، والزخرف، والسجدة، والأحقاف، والجاثية، وَالدُّخَان.
فَهَذِهِ هِيَ المثاني عِنْد أَصْحَاب عبد الله.
قلت: وَهَكَذَا وَجدتهَا فِي النُّسخ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا خَمْسَة وَعشْرين، وَالظَّاهِر أَن السَّادِسَة وَالْعِشْرين، هِيَ سُورَة الْفَاتِحَة؛ فإمَّا أَن يكون أسقطها النُّساخ؛ وَإِمَّا أَن يكون غَنِي عَن ذكرهَا بِمَا قدمه من ذَلِك؛ وَإِمَّا أَن يكون غير ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو الهَيثم: المثاني من سُور الْقُرْآن، كل سُورة دُون الطُّوَل وَدون المئين، وَفَوق المفصَّل.
رُوي ذَلِك عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَن ابْن مَسْعُود، وَعُثْمَان، وَابْن عَبَّاس، قَالَ: والمفصَّل يَلِي المَثاني، والمثاني مَا دُون المئين.
وَأما قَول عبد الله بن عَمْرو: من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يُقرأ فِيهَا بالمَثْناة على رُؤُوس النَّاس لَيْسَ أحدٌ يُغيِّرها.
قيل: وَمَا المَثناة؟ قَالَ: مَا استُكتب من غَير كتاب الله.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: وَسَأَلت رجلا من أهل العِلْم بالكتُب الأولى، قد عَرفها وَقرأَهَا، عَن (المَثْناة) فَقَالَ: إِن الْأَحْبَار والرُّهبان مِن بني إِسْرَائِيل بعد مُوسَى وضعُوا كتابا فِيمَا بَينهم على مَا أَرَادوا من غير كتاب الله، فَهُوَ المَثْناة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَإِنَّمَا كره عبدُ الله الْأَخْذ عَن أهل الْكتاب، وَقد كَانَت عِنْده كُتب وَقعت إِلَيْهِ يَوْم اليَرْموك مِنْهُم، فأظنه قَالَ هَذَا لمعرفته بِمَا فِيهَا، وَلم يُرد النّهي عَن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسُنته، وَكَيف ينْهَى عَن ذَلِك وَهُوَ من أكبر الصَّحَابَة حَدِيثا عَنهُ.
وَقيل لِمَا وَلِي المِئين من السُّور: مثان، لِأَن المئين كَأَنَّهَا مبادىء وَهَذِه مثانٍ.
ومَثَاني الوادِي ومَحَانِيه: معاطِفُه.
ومَثَاني الدابّة: رُكبتاه ومِرْفَقاه؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
ويَخْدِي على صُمَ صِلاَبٍ مَلاَطِسٍ
شَدِيداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثَاني
أَي لَيست بجاسِيَةٍ.
وثنَايا الْإِنْسَان فِي فَمِه: الأَرْبَعُ الَّتِي فِي مُقدّمٍ فِيهِ: ثِنْتان من فَوْق، وثِنْتان من أَسْفل.
الْبَعِير إِذا اسْتكْمل الْخَامِسَة وطَعن فِي السَّادِسَة فَهُوَ ثَنِيُّ، والأُنثى: ثَنِيّة، وَهُوَ أَدنى مَا يَجوز من سِنّ الْإِبِل فِي

(15/101)


الْأَضَاحِي، وَكَذَلِكَ من الْبَقر والمِعْزَى؛ فَأَما الضَّأْن فَيجوز مِنْهَا الجَذَع فِي الأَضَاحِي.
وَإِنَّمَا سُمي الْبَعِير ثَنِيّاً، لِأَنَّهُ أَلْقى ثَنِيَّته.
وَقَالَ ابْن الأَعرابيّ فِي الْفرس إِذا اسْتَتَم الثالثةَ ودَخل فِي الرَّابِعَة: ثَنِيّ، فَإِذا أَثْنى أَلْقى رَوَاضِعه، فَيُقَال: أَثْنى وأَدْرم للإثْناء.
قَالَ: وَإِذا أَثنى سَقَطت رواضعُه وثَبتت مَكَانهَا سِنٌّ: فنبَاتُ تِلْكَ السِّن هُوَ الإثناء، ثمَّ تسْقط الَّتِي تَليها عِنْد إرباعه.
والثّنِيّ من الْغنم: الَّذِي اسْتكْمل الثانيةَ وَدخل فِي الثَّالِثَة.
والأُثنى: ثَنِيّة.
ووَلد الْبَقَرَة أول سنَة: تَبيع، ثمَّ هُوَ جَذع فِي السّنة الثَّانِيَة، مثل (الشَّاة) سَواء.
أَبُو عُبَيْدَة، عَن أبي عَمْرو: الثّنايا، هِيَ العِقاب.
قلت: والعِقاب: جِبال طِوال بِعَرْض الطَّرِيق، فالطريق تَأْخذ فِيهَا.
وكل عَقَبة مَسْلُوكة: ثَنِيَّة؛ وجمعُها: ثنَايا، وَهِي المَدارج أَيْضا.
وَمِنْه قَول عبد الله ذُو البجادَيْن المُزَني:
تَعرّضي مَدَارِجاً وسُومِي
تَعَرُّضَ الجَوْزاء للنُّجُوم
يُخاطِب نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ دليلَه برُكوبه، والتعرُّض فِيهَا أَن يَتَيامَن السّاندُ فِيهَا مرّةً ويَتياسر أُخرى ليَكُون أَيْسَرَ عَلَيْهِ.
وَيُقَال: حَلَفَ فلانٌ يَمِينا لَيْسَ فِيهَا ثُنْيا، وَلَا ثَنْوَى، وَلَا ثَنِيَّة، وَلَا مَثنَوِيّة، وَلَا اسْتِثْنَاء، كُله وَاحِد. وأصل هَذَا كلِّه من (الثَّنْى) وَهُوَ الكَفّ والردّ؛ لِأَن الْحَالِف إِذا قَالَ: وَالله لَا أفعل كَذَا وَكَذَا إِلَّا أَن يَشَاء الله غَيْرَه، فقد رَدّ مَا قَالَه، بمَشيئة الله غَيره.
ورُوي عَن كَعْب أَنه قَالَ: الشُّهداء ثَنِيَّة الله فِي الأَرْض.
تأوّل قَول الله تَعَالَى: {يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} (الزمر: 68) . فَالَّذِينَ استثناهم عِنْد كَعب من الصَّعق الشُّهداء، لأَنهم عِنْد ربّهم أَحيَاء يُرْزقون فرِحين بِمَا أَتَاهُم الله من فَضْله، فَإِذا صُعق الْخلق عِنْد النّفخة الأولى لم يُصْعقوا. وَهَذَا معنى كَلَام كَعب.
والثُّنْيا، المَنهيّ عَنْهَا فِي البيع: أَن يُسْتَثنى مِنْهُ شَيْء مَجهول فيَفْسد البيع؛ وَكَذَلِكَ إِذا باعَ جزوراً بِثمن مَعْلُوم واسْتثنى رَأسه وأطرافه، فإنّ البيع فَاسد.
والثُّنْيا من الجَزور: الرَّأْس والقوائم، وسُمِّيت ثُنْيا، لِأَن البَائِع فِي الجاهلّية كَانَ يَسْتثنيها إِذا بَاعَ الْجَزُور، فسُمِّيت للاستثناء: الثُّنْيا؛ وَقَالَ الشَّاعِر:

(15/102)


جماليّة الثُّنْيا مسانَدة القَرَى
غُذافرة تَخْتَبّ ثمَّ تُنِيبُ
وَرَوَاهُ بَعضهم (مُذكَّرة الثّنْيا) . يَصف النَّاقة أَنَّهَا غَلِيظَة القوائم كَأَنَّهَا قَوَائِم الْجمل لِغِلَظها.
ورَوى شَمر فِي كِتَابه حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ يبلغ بِهِ عوفَ بن مَالك أَنه سَأَلَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن (الْإِمَارَة) فَقَالَ: (أوّلها مَلامة، وثِناؤها نَدَامَة، وثِلاَثُها عذابٌ يومَ الْقِيَامَة، إلاّ مَن عَدل) .
قَالَ شمر: قَوْله: ثناؤها، أَي ثَانِيهَا؛ وثِلاثها: ثالثُها.
قَالَ: وأمّا: ثُناء وثُلاث، فمصروفان عَن: ثَلَاثَة ثَلَاثَة، واثنين واثنين؛ وَكَذَلِكَ رُباع ومَثْنى؛ وَأنْشد:
وَلَقَد قتلتُكم ثُناءً ومَوْحَداً
وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أَمْسٍ الدَّابرِ
وَقَالَ آخَر:
أُحاد ومَثْنى أَضْعفتْها صَواهِلُه
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أَرَادَ الرجل وَجهاً فصرفْته عَن وَجهه، قلت: ثَنيته ثَنْياً.
وَيُقَال. فلَان لَا يُثْنَى عَن قِرنه، وَلَا عَن وَجْهه.
قَالَ: وَإِذا فَعل الرَّجلُ أمرا ثمَّ ضمّ إِلَيْهِ أمرا آخر؛ قيل: ثَنّى بِالْأَمر الثَّانِي يُثَنّي تَثْنِيةً.
ويُقال للرَّجُل إِذا نزل مِن دابّته: ثَنَى وَرِكه فنزَل.
ويُقال للرَّجُل الَّذِي يُبدأ بِذكرِهِ فِي مَسعاة أَو مَحْمدة أَو عِلم: فلَان بِهِ تُثْنَى الخناصر، أَي تُحْنى فِي أول من يُعدّ وَيذكر.
وَقَالَ اللَّيْث: الِاثْنَان: اسمان قَرينان لَا يُفْرَدان، لَا يُقال لأَحَدهمَا: اثنٌ، كَمَا أنّ (الثَّلَاثَة) أَسمَاء مقترنة لَا تُفرق.
وَيُقَال فِي التَّأْنِيث: اثْنَتَانِ، وَلَا تُفْردان.
وَالْألف فِي (اثْنَيْنِ) و (اثْنَتَيْنِ) ألف وصل، لَا تظهر فِي اللَّفْظ.
وَالْأَصْل فيهمَا: ثَنَيٌ.
وَرُبمَا قَالُوا للاثنين: الثّنتان، كَمَا قَالُوا: هِيَ ابْنة فلَان، وَهِي بنته، وَالْألف فِي (الِابْنَة) ألف وصل أَيْضا.
فَإِن جَاءَت هَذِه الْألف مَقْطُوعَة فِي الشّعر فَهُوَ شَاذ؛ كَمَا قَالَ قَيس بن الخَطيم:
إِذا جَاوز الإِثْنين سِرٌّ فإنّه
بِنَثَ وتَكْثِير الوُشاة قمينُ
وَقَالَ اللَّيْث: الثَّنْي: ضَمُّ واحدٍ إِلَى وَاحِد. والثِّنْي، الِاسْم.
وَيُقَال، ثِنْي الثَّوْب: لما كُفّ من أَطْرافه. وأَصل (الثَّني) : الكَفّ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت فِي قَول زُهَيْر يَصف السانية:
تَمْطُو الرِّشاءَ وتَجْري فِي ثِنَايَتها
مِن المَحَالة قَبّاً زائِداً قَلقَا

(15/103)


قَالَ: فِي ثنايتها، أَي فِي صلبها؛ مَعْنَاهُ: وَعَلَيْهَا ثِنَايتها.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الثّناية: عُود يُجمع بِهِ طرفا المِيلَيْن من فَوق المَحالة، ومِن تَحتها أُخرى مثلهَا.
قَالَ: والمحالة والبكرة تَدُور بَين الثّنايَتيْن.
نَثَا: ابْن السّكيت، عَن أبي عُبيدة: نَثَوت الحَدِيث: ونَثَيْته.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّثا، مَقْصُور: مَا أَخبرت عَن الرجل من صَالح فِعْله أَو سُوء فِعله.
يُقال: فلَان حَسن النّثا، وقَبيح النّثا.
قَالَ: وَلَا يُشتق من (النّثا) فِعل.
قلت: الَّذِي قَالَ إِنَّه لَا يُشتق من (النثا) فِعل، فَإِنَّهُ لم يَعْرفه.
وَفِي حَدِيث أبي هَالة فِي صفة مجْلِس النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تُنثَى فَلَتاتُه.
قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاهُ: لَا يُتَحدَّث بِتِلْكَ الفَلَتات.
يُقال مِنْهُ: نَثَوْت أَنْثُو نَثْواً.
وَالِاسْم مِنْهُ: النَّثَا.
وَقَالَ أَحْمد بن جَبَلة، فِيمَا أخبر عَنهُ ابْن هَاجَك: مَعْنَاهُ: أنّه لم يكن لمجلسه فَلَتات فتُنْثَى.
قَالَ: والفَلَتات: السَّقطات والزَّلاّت.
(وَقَالَ ابْن المُظفّر: الثَّناء، مَمْدُود: تَعمُّدك لِتُثْني على إِنْسَان بحَسَن أَو قَبيح.
وَقد طَار ثَناء فلانٍ، أَي ذَهب فِي النَّاس.
والفِعل: أَثْنى فلَان على الله تَعَالَى، ثمَّ على الْمَخْلُوق، يُثْنى إثْناءً، أَو ثَناء، يُستعمل فِي القَبِيح من الذِّكر فِي المَخلوقين وضدّه.
ورَوى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: أَثْنى، إِذا قَالَ خيرا أَو شَرّاً.
قَالَ: وأَنْثنى؛ إِذا اغْتاب) .
قَالَ: وأَنْثى الرجل، إِذا أَنِف من الشَّيْء، إنْثَاءً.
قَالَ ابْن الأَنباريّ: سمعتُ أَبَا العبّاس يَقُول: النَّثَا: يكون للخَير والشّر.
يُقال: هُوَ يَنْثو عَلَيْهِ ذُنُوبَه. ويُكتب بِالْألف؛ وأَنشد:
فاضِلٌ كامِلٌ جمِيلٌ نَثاه
أَرْيَحِيٌّ مُهَذَّبٌ مَنصُورُ
قَالَ شمِر: يُقال: مَا أَقبح نثاه فِي النَّاس وَمَا أَحْسَن نثاه
وَقَالَ ذَلِك ابْن الأعرابيّ.
ويُقال: هم يَتناثَوْن الْأَخْبَار، أَي يُشيعونها

(15/104)


ويَذْكرونها.
والنُّثوّة: الوقيعة فِي النَّاس.
ويُقال: الْقَوْم يَتَناثون أيّامهم الْمَاضِيَة، أَي يذكرونها.
وتناثى القومُ قَبائحهم: تَذاكرُوها؛ وَقَالَ الفرزدق:
بِمَا قد أرى لَيْلَى ولَيْلَى مُقِيمةٌ
بِهِ فِي جَمِيعٍ لَا تُنَاثَى جَرائِرُهْ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الناثي: المُغْتَاب. وَقد: نثَا، يَنْثو.
اثن وثن: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً} (النِّسَاء: 117) .
قَالَ الفَراء: يَقول العربُ: اللات والعزى وأشباهها من الْآلهَة، مؤنّثة.
قَالَ: وَقَرَأَ ابْن عبّاس: (إِن يدعونَ من دونه إِلَّا أُثْناً) (النِّسَاء: 117) .
قَالَ الْفراء: هُوَ جمع (الوَثن) ، فضم الْوَاو وهمزها، كَمَا قَالَ: {نُسِفَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (المرسلات: 11) .
وقُرئت: (إِن يدعونَ من دونه إِلَّا أُنُثاً) (النِّسَاء: 117) .
قَالَ الْفراء: وَهُوَ جمع: إناث، مثل: ثِمار.
وَقَالَ شَمر فِيمَا قَرَأت بخطّه: أصل الْأَوْثَان عِنْد الْعَرَب: كُلّ تِمْثَال من خشب أَو حِجَارَة أَو ذهب أَو فضَّة أَو نُحَاس وَنَحْوهَا، وَكَانَت الْعَرَب تَنْصبها وتَعْبدها. وَكَانَت النَّصَارَى تَنصب الصَّلِيب، وَهُوَ كالتمثال، تعظمه وتعبده، وَلذَلِك سمّاه الْأَعْشَى وَثَناً، فَقَالَ:
تَطُوف العُفاة بأَبْوابه
كطَوْفِ النَّصَارى ببَيْت الوَثَن
أَرَادَ ب (الوثن) : الصَّليب.
قَالَ: وَقَالَ عَدِيّ بن حَاتِم: قدمتُ على النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي عُنقي صَلِيب من ذَهب، فَقَالَ لي: أَلْقِ هَذَا الوَثن عَنْك. أَرَادَ بِهِ الصَّليب، كَمَا سَمّاه الْأَعْشَى وَثَناً.
وَأَخْبرنِي الإياديّ، عَن شَمِر، عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: يُقال: عِيصٌ من سِدْر، وأُثْنةٌ من طَلْح، وسَلِيل من سَمُر.
وَيُقَال للشَّيْء الْأَصِيل: أَثِين.
وَقَالَ اللّيث: الوَاثِن والواتن، لغتانِ، وَهُوَ الشيءُ المُقيم الرَّاكد فِي مَكَانَهُ؛ قَالَ رُؤبة:
على أخِلاّء الصَّفاء الوُتَّنِ
قَالَ اللَّيْثُ: يُروى بالثاء وَالتَّاء، ومعناهما: الدَّوم على العَهْد.
وَقد وَثن ووتن، بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: الْمَعْرُوف: وَتَن يَتِن وُتوناً، بِالتَّاءِ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي واللِّحياني: والوَتين، مِنْهُ مَأْخُوذ.

(15/105)


والمُواتنة: المُلازمة.
وَلم أسمع (وثن) بِهَذَا الْمَعْنى لغير اللَّيث، وَلَا أَدْرِي أَحفِظه عَن الْعَرَب أم لَا؟
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الوَتنة، بِالتَّاءِ: المُخالفة. والوَتْنة: مُلَازمَة الغَرِيم، هَاتَانِ بِالتَّاءِ.
قَالَ: والوَثْنة، بالثاء: الكَفْرة.
قَالَ: والمَوثونة، بالثاء: الْمَرْأَة الذَّليلة.
قَالَ: وَامْرَأَة موثونة، بالثاء، إِذا كَانَت أديبة، وَإِن لم تكن حَسْناء.
وأَخبرني المُنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: أَرض مَضْبُوطة: مَمْطورة؛ وَقد ضُبِطت ووُثِنت، بالثاء، ونُصرت، أَي مُطِرت.
أنث: قَالَ اللّيث: الأُنْثى: خلاف الذَّكر من كُلّ شَيْء.
والأُنْثيان: الخُصْيتَان.
والمُؤَنّث: ذَكَرٌ فِي خَلْق الأنْثى.
وَالْإِنَاث: جمَاعَة الأُنْثى؛ وَيَجِيء فِي الشِّعْر: أَنَاثَى.
وَإِذا قلت للشَّيْء تُؤنّثه فالنَّعت بِالْهَاءِ، مثل الْمَرْأَة.
فَإِذا قلت يُؤنث، فالنعت مثل الرجل بِغَيْر هَاء، كَقَوْلِك: مؤنّثة ومؤنّث.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل: أَنَّثت فِي أَمرك تَأنيثاً، أَي لِنْت لَهُ وَلم تتشدّد.
وَبَعْضهمْ يَقُول: تأنّث فِي أَمْره وتَخَنَّث.
وَسيف أنِيث: وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بقطّاع.
وَقَالَ صَخر الغيّ:
فيُخبره بِأَن العَقْل عِنْدِي
جُرازٌ لَا أفلُّ وَلَا أَنِيثُ
أَي لَا أُعطيه إلاّ السّيف الْقَاطِع وَلَا أُعطيه الدِّية.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصْمعي: المذكَّر من السُّيوف شَفرته حَدِيد ذَكر ومَتْنه أَنيث. يَقُول النَّاس: إنّها من عَمل الجِنّ.
وَقَالَ اللّحياني: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً} (النِّسَاء: 117) .
قيل فِي التَّفْسير: أَرَادَ مَواتاً مثل الحَجر والخَشب والشَّجر.
وَقَالَ الْفراء: وَإِنَّمَا سمّوا (الْأَوْثَان) (إِنَاثًا) ، لقَولهم: اللَّاتِي والعُزّى ومَناة. وأَشباهها.
وَقَالَ الْحسن: كَانُوا يَقُولُونَ للصّنم: أُنثى بني فلَان.
وَيُقَال: هَذِه امْرَأَة أُنثى، إِذا مُدحت بِأَنَّهَا كَامِلَة من النِّساء؛ كَمَا يُقَال: رجل ذَكَر، إِذا وُصف بالكَمال.
وَمَكَان أنيث، إِذا أسْرع نباتُه وكثُر؛ قَالَ

(15/106)


امْرُؤ الْقَيْس:
بمَيْثٍ أَنيثٍ فِي رِيَاضٍ دَمِيثَةٍ
يُحيل سَوافِيها بِمَاء فَضيض
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأُنثيان: الأذُنان؛ وَقَالَ ذُو الرمّة:
وكنّا إِذا القَيْسيّ نَبّ عَتُودُه
ضَرَبْناه فَوق الأُنثيين على الكَرْدِ
والأُنْثيَان، من أَحيَاء الْعَرَب: بَجِيلة وقُضاعة.
وَقَالَ الكُميت:
فيا عجبا للأُنْثيين تَهادَتا
أَذاتِيَ إبْراقَ البغايَا إِلَى الشَّرْب
ورُوي عَن إِبْرَاهِيم، أَنه قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ المؤَنّث مِن الطّيب وَلَا يَرَوْن بذُكورته بَأْساً.
قَالَ شَمر: أَرَادَ بالمؤنّث: طِيبَ النِّساء. مثل الخَلوق والزَّعفران وَمَا يُلَوِّن الثِّيَابَ؛ وأمّا ذُكورة الطِّيب فَمَا لَا لونَ لَهُ، مثل: الغالية والكافور والمِسك وَالْعود والعَنبر، وَنَحْوهَا من الأدهان الَّتِي لَا تؤثِّر.
وَقَالَ ابْن شُميل: أَرض مِئْناث: سهلة خَلِيقَة بالنبات لَيست بغَلِيظة.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَرض أَنيثة، أَي سهلة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَنيث: الَّذِي يُنْبت النَّبت.
قَالَ: الأنيث من الرّجال: المخنَّث، شبه الْمَرْأَة.
وَقَالَ الْكُمَيْت فِي الرجل الأَنيث:
وشَذَّيْت عَنْهُم شَوك كُلِّ قَتَادَةٍ
بفارسَ يَخشاه الأنيثُ المُغَمَّزُ
قَالَ ابْن السِّكيت: يُقَال: هَذَا طَائِر وأنثاه؛ وَلَا يُقَال: وأُنثاتُه.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأَنيث، اللّين السَّهل.
وسُميت الْمَرْأَة: أُنْثَى، لِأَنَّهَا أَلْين من الرّجُل.
قَالَ: وَسيف أنيث، إِذا لم يكن حديده جيدا وَلم يقطع.
قَالَ: وَالْأُنْثَى، سميت أُنثى، لِلينِها.
وَأنْشد أَبُو الهَيْثم:
كَأَن حَصَاناً فَصُّها التِّين حُرّةً
على حَيْثُ تَدْمَى بالفِناء حَصيرُها
يَقُوله الشّماخ. قَالَ: والحصان، هَا هُنَا: الدُّرة الَّتِي لم تُثقب، شُبّهت بالحصان من النِّسَاء الَّتِي لم تُمَسّ. وَالشَّيْء الَّذِي يُستخرج من الدُّرة من الْبَحْر من صَدفتها يُدعى: التّين. والحَصير: مَوضِع الحَصِير الَّذِي يجلس عَلَيْهِ. شَبّه الْجَارِيَة بالدُّرة.
ثأن: التَّثاؤن: الاحتيال والخَدِيعة.
يُقال: تثاءَن للصَّيْد تَثاؤُناً، إِذا خادعه وجاءه عَن يَمينه مَرّة وَعَن شِماله مَرّة.

(15/107)


ويُقال: تثاءَنْتُ لأَصرفه عَن رَأْيه، أَي خادعتُه واحتلت لَهُ؛ وأَنشد:
تَثاءن لِي فِي الأَمْر من كُلّ جانِبٍ
لِيَصْرفَني عمّا أُريد كَنُودُ

(بَاب الثَّاء وَالْفَاء)
ث ف (وايء)
ثفا، فثأ، أثف، يفث.
ثفا أثف: أَبُو عُبيد: المُثَفّاة: المَرأةُ الَّتِي يَمُوت لَهَا الْأزْوَاج كثيرا.
وَكَذَلِكَ الرَّجُل المُثفَّى.
أَبُو العبّاس: عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: المُثفَّاة من النّساء: الَّتِي دَفْنت ثلاثةَ أَزْواج.
وَقَالَ غَيره: المُثفَّاة من النِّساء: الَّتِي لِزَوْجِها امْرَأَتَانِ سواهَا، وَهِي ثالثتهما؛ شُبِّهت بأَثافيّ القِدْر.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: من أمثالهم فِي رَمي الرَّجُل صاحِبَه بالمُعْضلات: رَماه بثالثة الأثَافِي.
قَالَ أَبُو عُبيدة: وثالثة الأثافي: القِطْعة من الجَبل يُجعل إِلَى جنبها اثْنَتَانِ فَتكون الْقطعَة مُتَّصلة بِالْجَبَلِ؛ وَقَالَ خُفاف بن نُدْبة:
وإنّ قصِيدةً شَنْعاء منِّي
إِذا حَضَرت كثالثة الأثافِي
وَقَالَ أَبُو سَعيد: فِي قَوْلهم: (رَماه بثالثة الأثافي) مَعْنَاهُ: أَنه رَماه بالشّر كُلّه، فَجعله أثْفِية بعد أُثْفِية، حَتَّى إِذا رَمَاه بالثالثة لم يَتْرك مِنْهَا غَايَة؛ وَالدَّلِيل على ذَلِك قولُ عَلْقمة:
بل كُلّ قَوْمٍ وَإِن عَزُّوا وَإِن كَرُموا
عَرِيفُهم بأثافِي الشَّرّ مَرْجُومُ
أَلا ترَاهُ قد جَمعها لَهُ.
قلت: والأثْقية، عِنْد الْعَرَب: حَجَر مثل رَأس الْإِنْسَان.
وَجَمعهَا: أثافيّ، بِالتَّشْدِيدِ، وَيجوز التَّخْفِيف.
وتُنصب القُدور عَلَيْهَا.
وَمَا كَانَ من حَدِيد ذِي قَوَائِم ثَلَاث فَإِنَّهُ يُسمَّى: المِنْصَب، وَلَا يُسمَّى: أُثفية.
وَيُقَال: أَثْفيت القِدر وثَفَّيتها، إِذا وَضَعْتها على الأَثافيّ.
والأُثفية، أفعولة، من (ثَفيت) ، كَمَا يُقَال: أدحية، لمَبِيض النَّعام، من (دحيْت) .
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَال: الأثفية، فُعلوية، من (أثَّفْت) .
قَالَ: ومَن جعلهَا كَذَلِك، قَالَ: أَثَّفت القِدْر، فَهِيَ مُؤَثَّفة؛ وَقَالَ النَّابِغَة:
لَا تَقْذِفَنِّي برُكنٍ لَا كِفَاء لَهُ
وَلَو تأَثَّفك الأَعْداء بالرِّفَدِ
وَقَوله: وَلَو تأثفك الأَعداءُ، أَي ترافدوا حولك مُتضافرين عليّ وَأَنت النَّار بَينهم.

(15/108)


وَقَالَ النَّحويون: قِدْرُ مُثْفاة، من: (أثفيت) .
وَقَالَ حُطام المُجاشعيّ:
لم يَبْقَ من آيٍ بهَا يُحَلَّينْ
غيرَ خِطام ورَمَادٍ كِنْفَيْن
وصَالِياتٍ ككما يُؤَثْفَيْن
فَلَمَّا اضطره بِنَاء الشّعْر ردّه إِلَى الأَصل، فَقَالَ: يؤثفين، لِأَنَّك إِذا قلت: أَفعل يُفْعل، علمت أَنه كَانَ فِي الأَصل (يُؤفعل) ، فحذفت الْهمزَة لثقلها، كَمَا حذفوا ألف (رَأَيْت) من (أرى) ، وَكَانَ فِي الأَصل (أرأى) . وَكَذَلِكَ من: يرى، وَترى، ونرى؛ إِذْ الأَصل فِيهَا: يرأى، وترأى، ونرأى، فَإِذا جَازَ طرح همزتها، وَهِي أَصْلِيَّة، كَانَت همزَة (يؤفعل) أولى بِجَوَاز الطرح؛ لِأَنَّهَا لَيست من بِنَاء الْكَلِمَة فِي الأَصل؛ وَمثله قَوْله:
كُرَات غُلامٍ من كساءٍ مُؤَرْنَبِ
وَوجه الْكَلَام: مُرنب، فردّه إِلَى الأَصل، وَقَالُوا: رجل مُؤَنمل، إِذا كَانَ غَلِيظ الأَنامل.
وَإِنَّمَا أَجمعُوا على حذف همزَة (يؤفعل) استثقالا للهمزة، لِأَنَّهَا كالتقيؤ؛ لِأَن فِي ضمة الْيَاء بَيَانا وفَضلاً بَين غابر فِعْل (فَعَل) ، و (أفعل) فالياء من غابر (فَعَل) مَفْتُوحَة. وَهِي من غابر (أفعل) مَضْمُومَة، فأَمِنوا اللَّبس. واستحسنوا ترك الْهَمْز إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعر أَو كَلَام نَادِر.
قلت: وَأما قَول النَّابِغَة:
وَلَو تأَثَّفك الأَعداء بالرِّفد
فَإِنَّهُ عِنْدِي لَيْسَ من (الأثفية) فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ من قَوْلك: أثَفْت الرَّجُلَ آثِفُه أَثَفاً، إِذا تَبِعْتَه.
والآثِف: التَّابِع.
حكى ذَلِك أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي، فِي (بَاب النَّوَادِر) .
وَقَالَ أَبُو زيد: تأَثَّفنا الْمَكَان تأَثُّفاً، ألِفْناه فَلم نَبْرحه.
وَمعنى قَوْله: وَلَو تأَثفك الأَعداء، أَي اتبعوك وألحوا عَلَيْك وَلم يزَالوا بك يُغْرونك.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: خامر الرّجُل بِالْمَكَانِ، إِذا لم يَبْرحه، وَكَذَلِكَ: تأثّفه تأثُّفاً.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَاذَا فِي الأمَرَّين من الشِّفا والثُّفاء) .
قَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال: إِن الثُّفَّاء، هُوَ الحُرْف.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثُّفاء: الْخَرْدَل، بلغَة أهل الغَور.
الْوَاحِد: ثُفَّاءة.
قَالَ: وَيُقَال: هُوَ الخَرْدل المُعالج بالصِّباغ.

(15/109)


والمدة فِيهِ هَمزة أصليّة.
أَبُو عُبَيد، عَن الفَرّاء: ثَفَوتُه، أَي كنت مَعَه على أَثره.
فثأ: أَبُو حَاتِم: من اللَّبن الفاثىء، وَهُوَ الَّذِي يُغْلَى حَتَّى يَرْتفع لَهُ زُبْد ويَتَقطَّع من التغيُّر.
وَقد فَثأَ يَفْثَأ فَثْئاً.
أَبُو زيد: فَثَأْت المَاء فَثْئاً، إِذا مَا سَخَّنته، وَكَذَلِكَ كلّ مَا سَخَّنته.
وَيُقَال: فثأت عنِّي فلَانا فَثْئاً، إِذا كَسَرْته عَنْك بقَوْل وغَيره.
قلت: وَيُقَال: فثأت القِدْر فَثْئاً، وَذَلِكَ إِذا كَسرت غَلَيانها بِمَاء بَارِد أَوْ قَدْحٍ بالمِقْدحة؛ وَقَالَ الكُمَيت:
تَفُور علينا قِدْرهم فنُدِيمها
ونَفْثَؤها عَنَّا إِذا حَمْيُها غَلاَ
يفث: يافِث: هُوَ اسْم أحد بني نُوح، عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقيل: مِن نَسله التُّرك، ويأجوج، وَمَأْجُوج، وهم إخْوة بني سَام وَحَام، فِيمَا زَعم النسَّابون.

(بَاب الثَّاء وَالْبَاء)
ث ب (وايء)
ثاب، (ثبى) ، باث، بثا، وثب، أبث.
ثوب ثيب: قَالَ الله عزّ وَجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} (الْبَقَرَة: 125) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مثابة: يَثُوبون إِلَيْهِ.
قَالَ: والمَثابة والمَثَاب، وَاحِد.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الفرّاء. وَأنْشد الشَّافِعِي بَيت أبي طَالب:
مَثاباً لأَفثاء القَبائل كلّها
تَخُبُّ إِلَيْهِ اليَعْمُلاتُ الذَّوامِلُ
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: والأَصل فِي (مثابة) : مَثْوبة، وَلَكِن حَرَكَة الْوَاو نُقلت إِلَى الثَّاء وتَبعت الواوُ الحركةَ فَانْقَلَبت ألفا.
قَالَ: وَهَذَا إعلال بإتباع، تبع (مثابة) بَاب (ثاب) . وأصل (ثاب) ثَوَب. وَلَكِن الْوَاو قُلبت ألفا لتحرِّكها وانفتاح مَا قبلهَا، لَا اخْتِلَاف بَين النَّحْوِيين فِي ذَلِك.
قَالَ ثَعْلَب: (البيتُ مَثابةٌ) .
وَقَالَ بَعضهم: (مَثُوبة) ، وَلم يُقرأ بهَا.
وبئر ذَات ثَيِّب وغَيِّب، إِذا استُقي مِنْهَا عَاد مكانَه ماءٌ آخر.
و (ثَيِّب) كَانَ فِي الأَصل (ثَيوب) .
قَالَ: وَلَا يكون الثَّؤُب أَول شَيْء حَتَّى يعود مرّة بعد أُخرى.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المثاب: مقَام الساقي فَوق عُروش الْبِئْر.
وَقَالَ القُطاميّ يَصف البِئر:
وَمَا لِمثابات العُروش بقيّة
إِذا اسْتُلَّ من تَحت العُروش الدَّعَائم

(15/110)


وَسمعت العَرب تَقول: الكَلأ بِموضع كَذَا وَكَذَا مثل ثائب البَحر.
يَعْنون أَنه غَضّ رَطْب كَأَنَّهُ مَاء الْبَحْر إِذا فاض بعد مَا جَذَر.
وثاب؛ أَي عَاد وَرجع إِلَى مَوْضِعه الَّذِي كَانَ أَفضى إِلَيْهِ.
ويُقال: ثاب ماءُ الْبِئْر، إِذا عَادَتْ جُمَّتها.
وَمَا أَسْرَع ثابتَها
ورُوي عَن عُمر أَنه قَالَ: لَا أَعْرِفَنّ أحَداً انْتَقص من سُبُل النَّاس إِلَى مَثَابَاتِهم شَيْئاً.
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ ابنُ شَميل: إِلَى مَثاباتهم، أَي إِلَى مَنازلهم؛ الْوَاحِدَة: مَثَابَة.
قَالَ: والمَثابة: المَرْجِع.
والمَثابة: المجْتَمع.
وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ ابْن الأَعْرابيّ: المَثَابُ: طَيّ الحِجَارة يَثُوب بعضُها على بَعض مِن أَعْلاه إِلَى أَسْفَله.
وَقَالَ أَبُو نصر: المَثاب: الموضعُ الَّذِي يَثُوب مِنْهُ الماءُ.
وَمِنْه: بئرٌ مَا لَهَا ثائِبٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثَّيِّبُ مِن النِّساء: الَّتِي قد تَزَوَّجت وَفَارَقت زَوْجَها بِأَيّ وَجه كَانَ بعد أَن مَسَّها.
وَلَا يُوصف بِهِ الرَّجُلُ، إِلَّا أَن يُقَال: وَلد الثَّيِّبَيْن، وَولد البِكرَين.
وَجَاء فِي الخَبْر: (الثّيِّبان يُرْجَمان، والبِكْران يُجلَدان ويُغَرَّبان) .
وَيُقَال: ثُبِّبَت الْمَرْأَة تَثْبِيباً، إِذا صَارَت ثَيِّباً.
وَجمع (الثَّيِّب) من النِّساء: الثَّيِّبات؛ قَالَ الله تَعَالَى: {سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ} (التَّحْرِيم: 5) .
وَيُقَال: ثَوّب الدَّاعِي تَثْويباً، إِذا دَعا مَرَّة بعد أُخرى.
وَمِنْه: تَثْويب المُؤذِّنُ، إِذا نَادَى بالأَذان النَّاس إِلَى الصَّلَاة ثمَّ نَادَى بعد التّأْذين، فَقَالَ: الصَّلَاة رَحمكم الله، الصَّلَاة؛ يَدْعُو إِلَيْهَا عَوْداً بعد بَدْء.
والتّثْويب فِي أَذان الْفجْر: أَن يَقُول المؤذِّن بعد قَوْله: (حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الفَلاح) : الصَّلاة خيرٌ من النّوم. يَقُولهَا مَرَّتين كَمَا يُثَوِّب بَين الأَذان: الصلاةَ رحمكم الله، الصلاةَ.
وأصل هَذَا كُله من: تَثْويب الدّعاء مرّة بعد أُخرى.
ونحوَ ذَلِك رَوى شَمِرٌ عَن ابْن الأَعْرابيّ.
وحُكي عَن يُونس وَغَيره: قَالُوا: التَّثْويب: الصلاةُ بعد الفَريضة.
يُقَال: تَثَوَّبْت، أَي تَطَوَّعت بعد المَكْتُوبة. وَلَا يكون التّثْويب إِلَّا بعد المَكْتُوبة، وَهُوَ العَوْد للصّلاة بعد الصّلاة.
وَفِي حَديث أُمّ سَلَمة أنّها قَالَت لعَائِشَة حِين أَرادت الخُروج إِلَى البَصْرة: إنّ عَمود الدِّين لَا يُثَابُ بالنِّساء إنْ مالَ.

(15/111)


أَي لَا يُعاد إِلَى استوائه.
ويُقال ذهب مالُ فلَان فاسْتَثاب مَالا، أَي اسْترْجع مَالا؛ قَالَ الكمَيت:
إنّ الْعَشِيرَة تَسْتَثيب بِمَالِه
فتُغِير وَهُوَ مُوَفِّر أموالَها
وَيُقَال: ثاب فلَان إِلَى الله، وَتَابَ، بالثاء وَالتَّاء، أَي عَاد ورَجع إِلَى طَاعَته.
وَكَذَلِكَ: أثاب، بِمَعْنَاهُ.
وَرَجُلٌ تَوَّابٌ أَوَّابُ ثَوَّابٌ مُنِيب، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: رَجُلٌ ثَوَّابٌ: للَّذي يَبِيع الثِّيَابِ.
وَيُقَال: ثاب إِلَى العَلِيل جِسْمُه، إِذا حَسُنت حالُه بعد تَحَوُّله ورَجَعت إِلَيْهِ صِحَّتُه.
وَقَول الله جَلَّ وعَزَّ: {) فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: 4) .
قَالَ ابْنُ عبَّاس: يَقُول: لَا تَلْبس ثِيَابَك على مَعْصِيةٍ وَلَا على فُجورِ كُفْر؛ واحتجَّ بقول الشَّاعِر:
إِنِّي بِحمد الله لَا ثَوْبَ غادِر
لَبِسْتُ وَلَا من خَزْيَةٍ أَتقَنَّعُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الثِّياب: اللِّباس.
ويُقال: القَلْب.
وَقَالَ الْفراء: فِي قَوْله: {) فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَي لَا تكن غادراً فتُدَنِّس ثِيابَك، فإنّ الغادِر دَنِسُ الثِّيَاب.
قَالَ: ويُقال فِي قَوْله: {) فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} يَقُول: عَملَك فأَصْلح.
وَقَالَ بَعضهم: {) فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَي قَصِّر، فَإِن تَقْصِيرها طُهْرٌ.
وَقيل: نَفْسَك فَطَهِّر: وَالْعرب تَكني بالثِّياب عَن النّفس؛ وَقَالَ:
فسُلِّي ثِيابي من ثِيابك تَنْسَل
وفلانٌ دَنِس الثِّياب، إِذا كَانَ خَبيث الفِعْل والمَذْهب خَبِيث العِرْض.
وَقَالَ امْرؤ القَيْس:
ثِيَابُ بني عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة
وأَوْجُههم بِيضُ المَسافر غُرَّانُ
وَقَالَ الشَّمَّاخ:
رَمَوْهَا بأثْوَابٍ خفافٍ وَلَا تَرَى
لَهَا شَبَهاً إلاَّ النَّعامَ المُنَفَّرا
رَمَوها، يَعْنِي: الرّكَاب بأَبْدانهم.
وَمثله قولُ الرّاعي:
فقامَ إِلَيْهَا حَبْتَرٌ بسِلاحه
وَللَّه ثَوْباً حَبْترٍ أيّما فَتَى
يُريد: مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ثوبا حَبْتر من بَدنه.
والثَّواب: الجَزاء.
قد أثابه الله ثَواباً، وثَوَّبه تَثْويباً، مِثله.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} (المطففين: 36) .
وَالِاسْم: الثّواب، والمَثوبة؛ وَقَالَ

(15/112)


الله تَعَالَى: {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (الْبَقَرَة: 103) .
وَقَالَ أَبُو زيد: قَالَ التّميميّ: هِيَ المَثْوَبة، بِفَتْح الْوَاو.
وَقد أثْوبه الله مَثْوبة حَسنة، فأَظهر الْوَاو على الأَصل.
وَقَالَ الكلابيّون: لَا نَعْرف (المَثوَبة) وَلَكِن (المَثابة) :
وَقيل: المَثوبة، وَالثَّوَاب: مَا جُوزي بِهِ الْإِنْسَان على فِعله من خَيْر أَو شَرّ.
يُقَال: ثاب يثوب، إِذا رَجع.
وَالثَّوَاب: هُوَ مَا يرجع على المحْسن من إحسانه، وعَلى المُسيء من إساءته.
وَمِنْه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} (الْبَقَرَة: 125) أَي معَاذًا يَصْدُرون عَنهُ ويثُوبون إِلَيْهِ.
وَإِن فلَانا لمَثَابة، أَي يَأْتِيهِ النَّاس للرّغبة ويَرجعون إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى.
والثّيِّبِ، سُمِّيت (ثَيِّباً) ؛ لِأَنَّهَا تُوطأ وَطْئاً بعد وَطْء.
وَأما الثُّبَة، فَهِيَ الْجَمَاعَة من النَّاس، وتُجمع: ثُبات، وَثُبىً وثُبين.
وَقد اخْتلف أهل اللّغة، فَقَالَ بَعضهم: هِيَ مَأْخُوذَة من (ثاب) ، أَي عَاد ورَجع، وَكَانَ أَصْلهَا (ثُوَبة) فَلَمَّا ضُمّت الثَّاء حذفت الْوَاو؛ وتَصغيرها: ثُوَيْبة.
وَمن هَذَا أُخذ: ثُبة الحَوض، وَهُوَ وَسطه الَّذِي يَثُوب إِلَيْهِ بَقِيَّة المَاء.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً} (النِّسَاء: 71) . قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: فانفروا عُصَباً، إِذا دُعيتم إِلَى السَّرايا أَو دعيتم لتنفروا جَمِيعًا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن الْحُسَيْن، عَن مُحَمَّد بن سَلام، أَنه سَأَلَ يُونُس عَن قَوْله: {فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً} (النِّسَاء: 71) فَقَالَ: ثُبَة وثُبات، أَي فرقة وفِرَق؛ قَالَ زُهير:
وَقد أَغدوا عَلَى ثُبَةٍ كِرامٍ
نَشَاوَى وَاجِدِينَ لما نَشَاءُ
قلت: والثباتُ: جماعاتٌ فِي تَفْرِقة: وكلَّ فِرقة: ثُبَة.
فَهَذَا من (ثاب) .
وَقيل: {فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ} (النِّسَاء: 71) أَي انْفروا فِي السّرايا فِرَقاً؛ الْوَاحِد: ثُبَة.
وَقد ثَبَّيْتُ الْجَيْش، إِذا جَعَلته ثُبةً ثبةً.
وَقَالَ آخَرُونَ: الثُّبَة: من الأَسماء النَّاقِصَة، وَفِي الأَصل: (ثُبَيَةٌ) فالساقط هُوَ لَام الْفِعْل فِي هَذَا القَوْل، وَأما فِي القَوْل الأَول فالسَّاقط عَيْن الفِعْل.
ومَن جَعل الأَصل ثُبَيَة، فَهُوَ من ثَبَّيْتَ على الرّجُل، إِذا أَثْنَيْتَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته؛ وتأويلُه: جَمع محاسنه.

(15/113)


وَإِنَّمَا (الثُّبة) : الْجَمَاعَة.
وَقَالَ لَبيد:
يُثَبِّي ثَنَاء من كَرِيمٍ وقولُه
أَلا انْعمْ عَلَى حُسْنِ التَّحِيَّةِ وَاشْرَبِ
وَقَالَ شَمِرٌ: التَّثْبِيَة: إصْلَاح الشَّيْء والزِّيادة عَلَيْهِ.
وَقَالَ الجَعديّ:
يُثَبُّونَ أَرْحاماً وَمَا يَجْفلونها
وأَخْلاَقَ وُدَ ذَهَّبَتْها المذاهِبُ
قَالَ: يُثبُّونَ: يُعظِّمون، يجعلونها ثُبَّةً.
يُقَال: ثبِّ مَعْروفك، أَي أَتِمَّه وزِدْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: فِي التَّثْبية: لُزومك طَرِيق أبيكَ؛ وَأنْشد قَول لَبِيد:
أُثَبِّي فِي البلادِ بذِكْر قيْسٍ
ووَدُّوا لَو تَسُوخ بِنَا البِلادُ
وَقَالَ الأَصمعيُّ: التّثْبيَةُ: الدِّرايةُ على الشَّيْء.
وَقَالَ غيرُه: أَنا أَعْرِفه تَثْبِية، أَي أَعْرفه معرفَة أُعجمها وَلَا أَسْتَيْقنها.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: الثُّبة: مَا اجْتَمع إِلَيْهِ الماءُ فِي الوادِي أَو فِي الْغَائِط؛ وإنَّما سُمِّيَتْ (ثُبة) لأنَّ الماءَ يثُوبُ إِلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو خيْرَة: ثابَ الحَوْضُ يَثُوبُ ثَوْباً وثُؤُباً، إِذا امتلأَ، أَو كَاد يمتلىء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: يُقالُ لأَساسِ الْبَيْت: مَثابات.
قَالَ: وَيُقَال لتراب الأَساس: النَّثيل.
قَالَ: وثابَ، إِذا انْتبه؛ وآبَ، إِذا رجَع؛ وتابَ، إِذا أَقْلَعَ.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَثَبْتُ الثَّوْبَ إثابةً، إِذا كَفَفْتَ مَخَايِطَه؛ ومَلَلتُه: خِطْتُه الخِياطَة الأُولى بِغَيْر كَفّ.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعي: (الثُّؤباء) من: التَّثاؤُب؛ مثل: المُطَواء، من (التَّمطِّي) .
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثُّؤَباء، بِالْهَمْزَةِ: اسمٌ اشْتُقَّ مِنْهُ: التَّثَاؤُبُ، بِالْهَمْز، عندَ التَّمَطِّي والفَتْرَة؛ وَأنْشد فِي صِفَةِ مُهْر:
فافْتَرَّ عَنْ قَارِحِه تَثَاؤُبُه
والتّثاؤُب: أَنْ يَأكلَ الإنسانُ شَيْئا أَو يَشْرَبَ شَيْئاً تَغْشاه لَهُ فتْرَةٌ كَثقْلة النُّعَاس من غير غَشْيٍ عَلَيْهِ.
يُقَال: ثُئِبَ فلانٌ.
وَقَالَ أَبُو زَيدٍ: تَثَأَّبَ يَتَثَأَّبُ تَثَؤُّباً، من: (الثُّؤَباء) فِي كتاب الْهَمْز.
أَبُو عُبيد: الأَثأَب، واحدَتُها: أَثأَبَة: شَجَرة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: هِيَ شجرةٌ تَنْبتُ فِي أَوْدِية الْبَادِيَة، شَبيهةٌ بشَجَرة تُسَمِّيها العجَمُ:

(15/114)


النَّشْك؛ وَأنْشد:
فِي سَلَم أَو أَثْأَبٍ وغَرْقَد
وَقَالَ اللَّيْثُ: وَجمع الثَّوْب: أَثْوَاب، وثِيَاب، وَثَلَاثَة أَثْوُب، بِغَيْر همز.
وأمّا: الأَسْؤُق والأدْؤُر، فمهموزان؛ لِأَن (أدْؤُر) على (دَار) ؛ وَكَذَلِكَ (أَسْؤُقٍ) على (سَاق) . و (الأَثْوُب) حُمل الصَّرف فِيهَا على الْوَاو الَّتِي فِي (الثَّوب) نَفسهَا، وَالْوَاو تحْتَمل الصَّرف من غير انْهِماز.
قَالَ: وَلَو طُرح الهَمز من (أدؤر) و (أسؤق) لجَاز على أَن تُرَد تِلْكَ الأَلف إِلَى أَصْلهَا، وَكَانَ أَصْلهَا الْوَاو، كَمَا قَالُوا فِي جمَاعَة (النّاب) من الْإِنْسَان: أَنْيُب؛ همزوا لِأَن؛ أصل الأَلف فِي (الناب) يَاء.
وتَصْغير: نَاب: نُيَيْب؛ ويُجمع: أَنْيَاباً.
ابْن السِّكّيت: يُقَال: تَثَاءَبْت، وَلَا يُقَال: تَثَاوَبْت.
وثب: قَالَ اللَّيْثُ: يُقال: وَثَب وَثْباً، ووَثَبَاناً، ووُثُوباً، ووِثَاباً، ووَثِيباً.
ووَثَب وَثْبَة وَاحِدَة.
وَفِي لُغة حمير: ثِبْ، مَعْنَاهُ: اقْعُد.
والوِثَاب: الفِرَاش، بلُغتهم.
ويُقالُ: وَثّبْتُه وِثَاباً، أَي فَرَشْت لَهُ فِرَاشاً.
والمُوثَبَانُ، بلغتهم: المَلِك الَّذِي لاَ يَغْزُو.
وقَدم عامرُ بن الطُّفيل على النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوثَّب لَهُ وِسَادَةً، أَي أَقْعَده عَلَيْهَا وأَلْقاها لَهُ.
والمِيثب: الأَرْض السَّهْلة؛ وَمِنْه قولُ الشَّاعِر يَصف نَعامة:
قَرِيرةُ عَيْن حِين فَضَّت بخَطْمها
خَرَاشيَّ قَيْضٍ بَين قَوْزٍ ومِيثَبِ
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: ويُقال: المِيثَب: الجالِسُ؛ والمِيَثب: القافِز.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: والمِيثَب: الجَدْوَل.
وَفِي (نَوَادِر الأَعْراب) : المِيثَب: مَا ارْتَفع من الأَرْض.
بوث: يُقَال: باثَ التُّرابَ يَبُوثُه بَوْثاً، إِذا فَرَّقه.
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: يُقَال: تركتُهم حاثِ باثِ، إِذا تَفَرَّقُوا.
أَبُو عُبيد، عَن أبي الجرّاح: الاسْتِبَاثة: اسْتخراج النَّبِيثة من البِئْر؛ وأَنْشد للهُذليّ:
لَحَقُّ بَنِي شِعَارَةَ أنْ يَقُولُوا
لِصَخْر الغَيِّ مَاذَا تَسْتَبِيثُ
وَقَالَ غيرُه: باث، وأَباث، واسْتَباث، ونَبَث، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ ابْن الأَعْرابيّ: بَاث مَتَاعَه يَبُوثُه بَوْثاً، إِذا بَدَّدَ متَاعَه ومالَه.
بثا: قَالَ ابْن الأَعْرابيّ: والبَثِيّ: الكَثِير الحَشَم.

(15/115)


والبَثِيّ: الكَثِير المَدْح للنَّاسِ.
وروى أَبُو العبّاس، عَن سَلَمة، عَن الْفراء، قَالَ: بَثَا: إِذا عَرِق، الْبَاء قبل الثَّاء.
قلت: وَرَأَيْت فِي دِيار بني سَعْد بالسِّتَارَيْن عَيْن ماءٍ تَسْقِي نخلا رَيْناً يُقال لَهُ: بَثَاء، فتوهّمت أَنه سُمِّي بِهَذَا الِاسْم، لِأَنَّهُ قَلِيل رَشْح، فَكَأَنَّهُ عَرَق يَسِيل.
قَالَ أَبُو بكر: البَثَاء: أرْضٌ سَهلة؛ واحدتها: بَثَاءة؛ وأَنْشد:
لِمَيْثٍ بَثَاءٍ تَبَطَّنْثُه
دَمِيثٍ بِهِ الرِّمْثُ والْحَيْهَلُ
قَالَ: والحَيهل، جَمْع: حَيْهلة، وَهُوَ نَبْت.
قلت: أُرى بَثَاء المَاء الَّذِي فِي دِيار بني سَعْد أُخذ من هَذَا، وَهُوَ عينٌ تَسْقي نخلا رَيْناً فِي بلد سَهل طيِّبٍ غَذَاةٍ.
قَالَ شَمِرٌ: البِثَى، بِكَسْر الْبَاء: الرّماد؛ واحدتها: بِثَة، مثل: عِزَة وعِزًى.
وَقَالَ الطِّرمّاح:
خَلاَ أنّ كُلْفاً بتَخْريجها
سَفاسِقَ حَوْلَ بِثًى جانِحَهْ
أَرَادَ بالكُلْف: الأَثافي المسوّدة، وتَخْريجها، اختلافُ ألوانها. وَقَوله: (حَول بثًى) أَرَادَ: حول رَمَاد.
ورَوى سَلمة، عَن الْفراء، أَنه قَالَ: هُوَ الرَّمْدد.
و (البِثَى) يكْتب بِالْيَاءِ. والصِّنَى، والصِّنَاء، والضِّبح، والأُسّ: بقيّته وأثَرُه.
أبث: أَبُو العبّاس: عَن ابْن الأَعْرابيّ: الأبْث: الفَقْر.
وَقد أبَثَ يأبِثَ أَبْثاً.

(بَاب الثَّاء وَالْمِيم)
ث م (وايء)
أَثم، ثمأ، ميث، وَثمّ، ثوم، ثمَّة.
أَثم: قَالَ اللَّيْثُ: يُقَال: أَثِم فلانٌ يأثَم إثْماً، أَي وَقَع فِي الإِثم.
وتأثَّم، أَي تَحرَّج من الإِثم وكَفّ عَنهُ.
وأَخبرني المُنْذِريّ، عَن ابْن فَهم، عَن مُحَمَّد بن سَلام، أَنه سَأَلَ يُونس عَن قَوْله جَلّ وعَزّ: {وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} (الْفرْقَان: 68) فَقَالَ: عُقُوبَة؛ وأَنشد قَول بِشْر:
وَكَانَ مُقامنا نَدْعُو عَلَيْهِم
بأَبْطَح ذِي المَجاز لَهُ أثامُ
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: تَأْوِيل (الأَثامُ) : المُجازَاة.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: يُقالُ: لَقِي فلانٌ أَثام ذَلِك، أَي جَزاء ذَلِك.
قَالَ: فالخليل وسيبويه يَذهبان إِلَى أَن مَعْنَاهُ: يلْق جَزاء الأَثام.

(15/116)


وَقَالَ الفَراء: أَثمَه الله يَأْثِمه إِثْمًا وأثاماً، أَي جازاه جَزَاء الْإِثْم.
وَالْعَبْد مَأثوم، أَي مَجْزِيّ جَزاء إِثمه.
وَأنْشد الْفراء:
وَهل يَأْثِمني الله فِي أَن ذَكَرْتُها
وعَلَّلْتُ أَصْحابِي بهَا لَيْلَةَ النَّفْرِ
مَعْنَاهُ: هَل يَجْزيني الله جَزَاء الْإِثْم بِأَن ذكرتُ هَذِه الْمَرْأَة فِي غِنائي.
وَقَول الشَّاعِر:
جَزى الله ابْنَ عُرْوة حَيث أَمْسَى
عُقُوقاً والعُقُوق لَهُ أَثَامُ
أَي عُقوبةَ مُجازاةِ العُقُوق، وَهِي قَطيعَة الرَّحِم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الأَثام فِي جُملة التَّفْسير: عُقوبة الإثْم.
وَقَالَ الفَراء فِي قَول الله تَعَالَى: {) الرَّحِيمُ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} {)) الزَّقُّومِ طَعَامُ الاَْثِيمِ} (الدُّخان: 43 و 44) : الأَثِيم: الفاجِر.
قلتُ: الأَثيم فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى: الآثم.
قَالَ أَبُو بكر: الْإِثْم: من أَسمَاء الْخمر، واحْتَجّ بقول الشَّاعِر:
شَرِبْتُ الإثْم حتّى ضَلّ عَقْلِي
كَذَاك الإثْمُ تَذْهب بالعُقُولِ
قَالَ: وأَنشدنا رَجُلٌ فِي مَجلس أبي العبّاس:
نَشْرب الإثْمَ بالصُّوَاعِ جِهاراً
وتَرى المُتْك بَيْننا مُسْتَعَارَا
المُتْك: الأُتْرُجّ، أَي نتعاوره بأَيدينا نَشمّه.
قَالَ: والصُّواع: الطِّرْجِهَالة.
وَيُقَال: هُوَ المَكُّوك الفارسيّ الَّذِي يَلْتقي طَرَفاه.
وَيُقَال: هُوَ إناءٌ كَانَ يشرب فِيهِ الْملك.
قَالَ أَبُو بكر: وَلَيْسَ (الْإِثْم) فِي أَسمَاء الْخمر بِمَعْرُوف، وَلم يَصحّ فِيهِ بيتٌ صَحيح.
ثمَّة: قَالَ أَبُو الهَيثم: تَقول العربُ فِي التَّشْبيه. هُوَ أَبُوه على طَرف الثُّمَّة، إِذا كَانَ يُشْبِهه.
وبعضُهم يَقُول (الثَّمَّة) مَفْتُوحَة.
قَالَ: والثُّمة، والثَّمَّة: الثُّمَامُ إِذْ نُزع فجُعل تَحت الأَساقِي.
يُقَال: ثممْت السِّقاء أَثمّه، إِذا جَعَلْت تَحْتَهُ الثّمّة.
وَثمّ: أَبُو عُبَيد، عَن الْفراء: الوَثْم: الضَّرْب، وَأنْشد قولَ طَرفة:
فَسَقى بِلادَكَ غَيْر مُفْسِدها
صَوْبُ الرَّبِيع ودِيمَةٌ تَثِمُ
أَي تُؤَثِّر فِي الأَرض.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: قَالَ المُزَنيّ: وَجَدْت كَلأً كَثِيفاً وَثِيمةً.

(15/117)


قَالَ: الوَثيمة: جمَاعَة من الحَشِيش أَو الطَّعَام.
يُقَال: ثِمْ لَهَا، أَي اجْمَعْ لَهَا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَثِيم: المُكْتَنِزِ لَحْماً؛ والفِعْل: وَثُم يَوْثُم وَثامَةً.
ويُقال: وَثَمَ الفَرَسُ الحِجارَة بحافره يَثِمُها وَثْماً، إِذا كَسَرها.
قَالَ. والمُوَاثمة فِي العَدْو: المُضابرة، كَأَنَّهُ يَرْمي بِنَفْسه؛ وأَنشد:
وَفِي الدَّهَاس مِضْبَرٌ مُوَاثِمُ
ثوم: سَلمة، عَن الْفراء: الفُوم والثُّوم: الحِنْطَة.
ثمأ: قَالَ اللَّيْثُ: الثَّمء: طَرْحُك الكَمْأة فِي السَّمْن وَنَحْو ذَلِك.
يُقَال: ثَمَأت الكَمْأة أَثْمَؤُها ثَمْئاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: ثَمَأت رَأس الرَّجل بِالْحجرِ والعَصا، فَأَنا أَثْمؤه ثَمْئاً، إِذا مَا شَدَخْته.
وَيُقَال: ثَمأْت الْخبز ثَمْئاً، إِذا مَا ثَرَدْته.
أَبُو عُبَيد، عَن الْكسَائي: ثمأت الْقَوْم، إِذا مَا أَطعَمْتهم الدَّسَم.
ماث: قَالَ اللَّيْثُ: ماثَ يَميت مَيثاً، إِذا أذاب الْملح فِي المَاء حَتَّى امّاث امِّيَاثاً.
قَالَ: والمَيثاء: الرّملة اللّيّنة؛ وَجَمعهَا: مِيثٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَيثاء؛ الأَرض اللّيّنة مِن غير رَمل؛ وَكَذَلِكَ الدّمِثة.
وَقَالَ غيرُه: كل شَيْء مَرَسْته فِي المَاء فذَاب فِيهِ من زَعفران وتمر وزَبيب وأَقِط، فقد مِثْنه، ومَيَّثنه.
وأَماث الرجُل لنَفسه أَقِطاً، إِذا مَرَسه فِي المَاء وشربه؛ وَقَالَ رُؤبة:
فقُلْت إِذا أَعْيا امْتياثاً مائِثُ
وطاحت الأَلْبان والعبَائثُ
يَقُول: لَو أَعياه المَريس من التَّمر والأَقط فَلم يَجِد شَيْئاً يَمْتاثه وَيشْرب مَاءَهُ فَيَتبلّغ بِهِ لقلّة الشَّيْء وعَوَز الْمَأْكُول.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: ماث الشيءَ يَمُوثه، ويَمِيثه، لُغَة، إِذا دافَه.
عَمرو، عَن أَبِيه: يُقَال لِقرْقىء البَيض: المُسْتميث.

(15/118)


بَاب اللفيف من حرف الثَّاء
ثأى، وثأ، أثأ، أثث، ثأثأ، ثوى.
ثأى: أَبُو عُبيد: أَثأَيْت الخَرزَ، إِذا خَرَمْتَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَثأَيتُ الخَرز إثْئَاءً: خَرَمْتُه.
وَقد ثِئَىَ الخَرز يثأًى ثأَى شَديداً.
قَالَ: وأَثأَيْت فِي الْقَوْم إثْئَاءً، إِذا جَرَحْت فيهم.
وَهُوَ الثأَى.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا وَقْع بَين القومِ جِرَاحات قِيل: قد عَظُم الثأَى بَيْنهم.
قَالَ: ويَجوز للشاعر أَن يَقْلب مَدّ (الثأَى) حَتَّى تَصير الْهمزَة بعد الأَلف، كَقَوْلِه:
إِذا مَا كانَ ثاءَ فِي مَعَدَ
قَالَ: ومثلُه: رأه وَراءه، بِوَزْن: رعاه وراعه؛ ونأى وناء؛ ومثلُه:
نِعم أخُو الهَيْجاء فِي اليَوْمِ اليَمِي
أَرَادَ أَن يَقُول: اليَومِ، فَقَلَب.
قَالَ: والثأوَة: بقيةُ قليلٍ من كثير.
قَالَ: والثَّأْوة: المَهْزولة من الغَنم.
ابْن الأَنباري: الثأَى: الأَمرُ العَظيم يَقَع بَين الْقَوْم.
قَالَ: وَأَصله من: أَثأَيْت الخَرز؛ وأَنشد:
ورَأْب الثأَى والصَّبْر عِنْد المَوَاطِن
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الثّأية: أَن يَجمع بَين رُؤوس ثَلَاث شَجرات، أَو شجرتين، ثمَّ يُلْقي عَلَيْهَا ثوب فيُسْتَظلّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الثاية، غير مَهْمُوز: مَأْوى الْغنم.
حَكَاهُ أَبُو عُبيد عَنهُ؛ قَالَ: والثَّوِيَّة، مثلهَا.
قالَ: والثَّاية أَيْضا: حِجَارَة ترفع فَتكون عَلماً لِلرَّاعِي إِذا رَجَع إِلَى الغَنم.
وَقَالَ اللّحياني: رأيتُ بهَا أُثْئِيّة من النَّاس، بِوَزْن (أفعولة) ، أَي جَماعة.
وَأنْشد غَيره فِي الثّأوة، وَهِي الشَّاة المَهزولة.
تُغَذْرِمُها فِي ثَأْوَةٍ من شِيَاهِه
فَلَا بُوركَتْ تِلْكَ الشِّياه القَلاَئِلُ
الْهَاء فِي قَوْله (تُغذرمها) للْيَمِين الَّتِي كَانَ أقسم بهَا، وَمعنى (تُغذرمها) أَي حَلف بهَا مجازفاً غير مُسْتَثْبت فِيهَا. والغُذَارِم: مَا أَخَذْت من المَال جِزَافاً.
وثأ: قَالَ أَبُو زيد: وَثَأْتُ يَدَا الرّجُل وَثْئاً.
وَهِي يَدٌ مَوْثُوءَةٌ.
قلت: الوَثْء: شِبْه الفَسْخ فِي المَفْصِل،

(15/119)


وَيكون فِي اللّحم كالكَسْر فِي العَظْم.
وَأَخْبرنِي المُنذرِيّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: من دُعائهم: اللَّهُمَّ ثَأْ يَدَه.
قَالَ: والوَثْء: كَسْر اللَّحم لَا كَسْر العَظْم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا أَصاب العَظْم وَصْمٌ لَا يَبلُغ الكَسْر، قيل: أَصابه وَثْءٌ ووَثأَةٌ.
أثا: الحرّانيُّ، عَن ابْن السِّكيت: أَثوْت بفُلانٍ، وأَثَيتُ، إثَاوةً وإثايةً، إِذا وَشَيْت بِهِ إِلَى السُّلطان.
شَمِرٌ، عَن أبي عَدْنان، عَن أبي زيد، يُقَال: أثَيته بسَهْمٍ، أَي رَمَيْتُه، وَهُوَ حرف غَرِيب.
أثث: قَالَ الله عزّ وجَلّ: {أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} (مَرْيَم: 74) .
قَالَ الفَرّاء: الأَثاث: المتَاع. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زَيد. قَالَ: واحدتها: أَثاثة.
قَالَ: والأَثاث: المَال أَجْمع، الْإِبِل والغَنَم والعَبِيد والمتَاع.
وَقَالَ الفَراء: الأَثاث، لَا وَاحِد لَهَا، كَمَا أَن (الْمَتَاع) لَا واحدَ لَهُ.
قَالَ: وَلَو جَمعت (الأَثاث) لقُلت: ثَلَاثَة أثةٍ، وأثُث كَثِيرَة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقال: أثّ الثَّبَات يَئِثّ أَثاثة، فَهُوَ أَثِيث.
ويُوصف بِهِ الشّعَر الكَثِير، والنَّبَات المُلْتَفّ؛ وَقَالَ:
أثيث كقِنْو النَّخلة المُتَعَثْكِل
وَقَالَ: الأَثاث: أَنْوَاع المَتاع، من مَتاع البَيت وَنَحْوه.
ثأثأ: قَالَ اللَّيْثُ: ثَأْثأَتُ الإبلَ، أَي سَقَيْتُها حَتَّى يَذْهب عَطَشُها وَلم أُرْوِها.
أَبُو عُبيد، عَن الأُمويّ: ثَأْثَأت الإبلَ: رَوَيْتها، وأَنْشد المُفَضّل:
إنّك لن تُثَأْثِىء النِّهَالاَ
بمثْلِ أَن تُدارِكَ السِّجَالاَ
ويُقال: ثَأْثِىء عنِّي الرَّجُلَ، أَي احْبِسه.
والثَّأْثأة: الحَبْس.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَثَأْثَأْتُ تَثَأثُؤاً، إِذا أرَدْتَ سَفَراً ثمَّ بَدا لَك المُقَامُ.
ثوى: قَالَ اللَّيْثُ: الثَّوَاء: طُول المُقام.
والفِعل: ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً.
وَيُقَال لِلمَقْتُول: قد ثَوَى.
والغَريبُ إِذا أَقَامَ ببلدة، فَهُوَ ثاوٍ.
والمَثْوَى: الْموضع الَّذِي يقامُ بِهِ؛ وجَمعه: المَثَاوِي.
ويُقال: أَنْزلني فلانٌ، وأَثْواني ثَوَاءً حَسَناً.
ورَبُّ البَيْت: أبُو مَثْواه.
وربة البَيت: أُم مَثْواه.
قَالَ: والثَّوِيّ: بَيْتٌ فِي جَوْف بَيْت.
وَقَالَ آخر: الثَّوِيّ: البيتُ المُهَيّأ للضَّيْف.

(15/120)


والثّوِيّ: الضَّيْف نَفْسُه.
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الثَّوِيّ: الضَّيْف.
والثَّوِيّ: المُجاورة فِي الحَرَمَيْن.
والثَّوِيّ: الصَّبُور فِي المغَازي المُحَجَّر، وَهُوَ المَحْبُوس.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبيدة أَنه أنْشدهُ قولَ الأَعشى:
أَثْوَى وقَصَّر لَيْلَه لِيُزَوّدَا
فمَضى وأَخْلفَ من قُتَيْلة مَوْعِدَا
قَالَ شَمِرٌ: أَثْوَى، على غير اسْتِفْهَام، وَإِنَّمَا يُريد الخَبر.
قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن الأَعْرابيّ: أَثَوَى، على الِاسْتِفْهَام.
قلت: والرّوايتان تدُلاّن على أَن (ثوى) و (أثوى) مَعْنَاهُمَا: أَقَامَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الثَّوَى: قُماش الْبَيْت؛ واحدتها: ثُوَّة، مثل: صُوَّة وصُوًى، وهُوَّة وهُوًى.
عَمْرو، عَن أَبِيه: يُقال لِلْخِرقة الَّتِي تبَلّ ويُجعل عَلَيْهَا السِّقاء إِذا مُخِض لئلاّ ينْقطع: الثُّوَّة.
ومَثْوى الرَّجُل: مَنْزله؛ وَجمعه: المَثَاوِي.
والمَثْوى، مصدر: ثوَيت أَثْوِي ثَوَاءً ومَثْوًى.

(15/121)


الرباعي من حرف الثَّاء
ثرمل، ثرمد، البرثن، البينيث.
ثرمل: أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعي: الأُنْثى من الثعالب: ثُرْمُلة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: ثَرْمل الرَّجُل، إِذا لم يُنْضِج طعامَه تَعْجِيلاً للقِرَى.
قَالَ: وثَرمل، إِذا أَخْرج خُبزته مُرَمَّدة ليعجّلها على الضّيف.
وَقَالَ اللَّيْثُ: ثَرمل القَوْمُ من الطَّعام والشَّراب مَا شَاءُوا، أَي أكَلُوا.
وَقَالَ غَيره: بَقِيت ثُرْمُلة فِي الْإِنَاء، أَي بَقيّة من بُرّ أَو شَعِير أَو تَمْر.
ابْن السِّكيت: ثَرْمَل الطَّعَامَ، إِذا لم يُنْضجه صانعُه وَلم يَنْفُضْه مِن الرَّماد حينَ يَمُلّه.
قَالَ: ويُعْتذر إِلَى الضَّيف فيُقال: قد ثَرْمَلْنا لَك الْعَمَل، أَي لم نَتَنَوَّق فِيهِ، وَلم نُطَيِّبه لَك، لِمَكَان العَجَلة.
ثرمد: وَقَالَ فِي هَذَا الْبَاب: ثَرْمَد اللَّحْم، إِذا أَسَاء عَمَلَه.
وأَتانا بشِوَاءٍ قد ثَرْمَدَه بالرَّمَاد.
قلت: وثَرْمَدَاء: ماءٌ لِبَني سَعْد فِي وَادي السِّتَارَيْن، قد وَرَدْتُه، يُسْتَقى مِنْهُ بالعِقال لقُرْب قَعْره.
وَقيل: الثَّرْمَد، من الحَمْض: ضَرْبٌ مِنْهُ.
برثن: أَبُو زَيد: البُرْثُن: مثل الإِصْبع؛ والمِخْلَبُ: ظُفر البُرْثُن.
والبَراثن، للسِّباع كُلّها.
وَقَالَ اللَّيْثُ: البَراثن: أظفار مَخالب الأَسد؛ يُقَال: كأنّ بَراثِنَه الأَشَافِي.
بينث: ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ، قَالَ: البَينيث: ضَرْبٌ من سَمك البَحْر.
قلتُ: البَيْنِيث، بِوَزْن (فَيْعيل) ، فَإِن كَانَ ياءاه زائدَتَيْن فَهُوَ من الثلاثيّ، وَكَلَام الْعَرَب يَجيء على (فيعول) و (فيعال) ، وَلم أسمع حرفا جَاءَ على (فَيْعيل) غير: (اليَنبيثُ) ، وَلَا أَدري أعربيّ هُوَ، أمْ دَخِيل؟

(15/122)


كتاب الرَّاء من (تَهْذِيب اللُّغَة)
أَبْوَاب المضاعف من حرف الرَّاء
رل: مهمل.

(بَاب الرَّاء وَالنُّون)
ر ن
استُعْمِل مِنْهُ: رنّ.
رن: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّنّةُ: الصَّيْحة الحَزِينة؛ يُقال: عَوْدٌ ذُو رَنّة.
قَالَ: والرَّنين: الصِّياح عِنْد البُكَاء. والإرْنان، الشَّدِيد.
ويُقال: أَرَنّ الحِمَاُر فِي نَهِيقه؛ وأَرَنَّت القوسُ فِي إنْبَاضِها؛ وأَرَنَّت النّساء فِي مَنَاحتها. وسَحابَةٌ مِرْنَانٌ.
وأَرَنّت المرأَة تُرِن، ورَنَّت تَرِنّ؛ وَقَالَ لَبيد:
كُلَّ يَوْمٍ مَنَعُوا حامِلَهم
ومُرِنّاتٍ كآرام تُمَل
وَقَالَ العجاج يَصِف قَوْساً:
تُرِن إرْنَاناً إِذا مَا أُنْضِبَا
إرْنَانَ مَحْزُونٍ إِذا تَحَوَّبَا
أَرَادَ: أُنْبِض، فقَلب.
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ، قَالَ: الرَّنّة: صوتٌ فِي فَرَحٍ أَو حُزْن.
وجَمعها: رَنَّات.
قَالَ: والإرْنان: صوتُ الشّهِيق مَعَ البُكَاء.
عَمرو، عَن أَبِيه: الرُّنَّى: شَهر جُمَادَى.
والرُّنَّى: الخَلْقُ؛ يُقال: مَا فِي الرُّنَّى مِثْلُه.
وَفِي (نَوَادِر الأَعْراب) ، يُقال: أَرَنّ فلانٌ لكذا، وأَرَمّ لَهُ، ورَنّ لكذا، واسْتَرَنّ لكذا، وأَرْنَاه كَذَا وَكَذَا، أَي أَلْهاه.

(بَاب الرَّاء وَالْفَاء)
ر فّ
رف، فَرّ.
رف: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّفّ: رَفّ البَيْت.
والجميع: الرُّفُوف.
قَالَ: والرَّفْرَفة: تَحْريك الطّائر جَنَاحَيْه وَهُوَ فِي الهَواء، فَلَا يَبْرح مكانَه.
قَالَ: والرَّفِيف، والوَرِيف، لُغتان.
يُقال للنَّبَات الَّذِي يَهْتَزّ خُضْرةً وتَلأْلُؤاً: قد رَفّ رَفِيفاً.

(15/123)


وَفِي حَدِيث أبي هُريرة أنّه سُئل عَن القُبلة للصَّائم، فَقَالَ: إنّي لأَرُفّ شَفَتَيْها وأنَا صائِم.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: (أَرُفّ) ، الرَّفّ، مثل المصّ والترشُّف وَنَحْوه.
يُقَال مِنْهُ: رَفَفْت أَرُفّ رَفّاً.
وأمّا رَفَّ يَرِف، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ مِن غَير هَذَا.
يُقَال: رَفّ الشيءُ يَرِفّ رَفّاً ورَفِيفاً، إِذا بَرق لونُه وتَلأْلأ؛ وَقَالَ الأَعْشى يذكر ثَغْر امْرَأَة:
ومَهاً تَرِفّ غُرُوبُه
تَسْقِي المتيَّمَ ذَا الحَرَارَه
أَبُو حَاتِم، عَن الأَصمعيّ: هُوَ يَحُفّ لَهُ ويَرُفّ: أَي هُوَ يَقوم لَهُ ويَقْعد، ويَنْصح ويُشْفق، أَرَادَ ب (يَحُفه) ، تَسمع لَهُ حَفِيفاً.
وشَجَرٌ يَرِفّ: إِذا كَانَ لَهُ كالاهْتزاز من النَّضارة.
وَيُقَال: وَرَف يَرِف وَرِيفاً، لُغتان بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ أَبُو عليّ الْحسن: هُوَ يَحُفّنا ويَرُفّنا، إِذا كَانَ يَطُوف بِنَا ويُزَيِّن أَمْرنَا.
وَقَالَ ابْن الأَنباري: ذَهب من كَانَ يَحُفّنا ويَرُفّنا، أَي يُؤْوينا ويُطْعِمنا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: يُقَالُ: رَفّ يَرِفّ، إِذا أَكل.
ورَفّ يَرِفّ، إِذا بَرَق.
ووَرَف يَرِف، إِذا اتّسع.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّفْراف: الظّلِيم يُرَفْرِفُ بجناحَيْه ثمَّ يَعْدُو.
والرَّفْرَف: كِسْر الخِبَاء وَنَحْوه.
وَهُوَ أَيْضا خِرْقة تُخاط فِي أَسفل الفُسطاط؛ وَقَالَ الله عزّ وجَلّ: {تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} (الرحمان: 76) .
قَالَ الْفراء: ذكرُوا أنّها رِياضُ الجنَّة.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ المَجالس.
قَالَ أَبُو عُبيدةَ: الرَّفرف: الفُرش والبُسط.
وجَمْعُه: رَفارِف.
وَقَالَ قَتَادَة: الرفرف: المَجالِس.
وَقيل: هِيَ فُضول الفُرش.
وَقيل: الرَّفْرَف: الوَسَائِد.
وَفِي حَدِيث وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْويه أَنس: فرُفِعَ الرّفْرَفُ فَرَأَيْنَا وَجْهه كأنّه وَرَقَة تُخَشْخِش.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّفرف، هُنَا: طَرَف الفُسْطاط.
قَالَ: والرفرف، فِي حَدِيث المِعراج: البِساط.
والرَّفرف، فِي غير هَذَا: الرّفُّ يُجْعل عَلَيْهِ طَرَائفُ البَيْت.
قَالَ: والرَّفْرَف: الرَّوْشَن.
قَالَ: والرَّفَّة: الأكْلة المُحْكَمة.

(15/124)


وَقد رَفّ يَرِفّ.
والرَّفّة: الاخْتِلاجة.
يُقَال مِنْهُ: رَفّ يَرفّ، ويَرُف؛ وأَنْشد:
لم أَدْر إلاّ الظَّنّ ظَنّ الغَائِب
أبِك أم بالغَيْبِ رَفُّ حاجِبِي
قَالَ: والرَّفّة: المَصَّة. والرَّفَّة: البَرْقَة.
قَالَ الفَرّاء: هَذَا رَفٌّ مِن النَّاس.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: هَذَا رَفٌّ من الضَّأن، أَي جماعةٌ مِنْهَا.
ورَفْرفُ الدِّرْع: مَا فَضَل من ذَيْلها.
ورَفْرف الأيكة: مَا تَهدّل من غُصُونها؛ وَقَالَ المُعطَّل الهُذلي يَصف الأَسَدَ:
لَهُ أَيْكَةٌ لَا يَأْمَن الناسُ غَيْبها
حَمَى رَفْرَفاً مِنْهَا سِبَاطاً وخِرْوَعَا
وَقَالَ اللَّيث: الرَّفْرَفُ: ضَرْبٌ من السَّمك.
وَقَالَ الأَصمعيّ فِي قَوْله: حَمَى رَفْرفاً قَالَ: الرَّفْرف: شَجَرٌ مُسْتَرْسِلٌ يَنْبُت باليَمن.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الرَّفيف: الرَّوْشَن.
شَمِر: ذكر حَدِيثا، قَالَ: أتيتُ عُثْمَان وَهُوَ نازلٌ بِالْأَبْطح، فَإِذا فُسْطاطٌ مَضْروبٌ، وإِذا سَيْفٌ مُعَلَّق فِي رَفِيف الفُسْطاط.
وَقَالَ شَمر، رفيفه: سَقْفُه.
وَقَالَ فِي قَول الأَعشى: بِالشَّام ذَات الرَّفيف، أَراد: الْبَسَاتِين الَّتِي تَرِفّ بنَضَارتِها واهتزازها.
قيل: ذَات الرَّفيف: سُفُن كَانَ يُعْبَر عَلَيْهَا، وَهُوَ أَن تُشَدّ سَفِينَتان أَو ثَلَاث لِلْمَلك.
قَالَ: وكُلّ مُسْتَرِقّ من الرَّمل: رَفٌّ.
وَفِي حَدِيث أم زَرْع: زَوْجي إِن أَكَل رَفّ، بالراء فِي بَعض الرِّوايات.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَحْمد بن عُبَيد: الرَّفّ: الْإِكْثَار من الأكْل.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: رَفّ يَرِفّ، إِذا أَكَل.
ورَفّ يَرِفّ، إِذا بَرَق.
ووَرَف يَرِف، إِذا اتَّسَع.
فر: قَالَ الفَرّاء: فَرّ فلانٌ يَفِرّ فِرَاراً، إِذا هَرَب.
وأَفْرَرْتُه أُفِرّه إِفْرَاراً، إِذا عَملت مَا يَفِرّ مِنْهُ.
ورَجُلٌ فَرُورٌ، وفَرُورَةٌ، وفَرَّار، غَيرُ كَرَّار.
وَفِي حَدِيث سُراقة بن مَالك حِين نظر إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإِلى أَبي بكر مهاجِرَيْن إِلَى الْمَدِينَة فمرَّا بِهِ، فَقَالَ: هَذَا فَرُّ قُريش، أَلا أَرُد على قُريش فَرَّها؟
قَالَ أَبُو عُبيد: قولُه: فَرّ قُرَيْش، يُرِيد: الفارِّين من قُرَيش.
يُقال مِنْهُ: رَجُلٌ فَرٌّ، ورَجُلان فَرٌّ، ورجَال فَرٌّ، لَا يُثَنّى وَلَا يُجْمع؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فَرمى ليُنْفِذَ فَرَّها فَهَوَى لَهُ
سَهْمٌ فأَنفذ طُرَّتَيْه المِنْزَعُ

(15/125)


يصف صائداً أَرسل على ثَوْر وَحْشيّ كِلاَبَه، فَحمل الثَّوْرُ عَلَيْهَا ففَرّت مِنْهُ، فَرَمَاهُ الصائدُ بِسَهْم فأَنْفَذ طُرَّتَي جَنْبَيْه.
وأمّا: فَرّ يَفُرّ، بِالضَّمِّ، فَإِن اللَّيث وَغَيره قَالُوا: فَرَرْتُ عَن أَسنان الدّابة أفرّ عَنْهَا فَرّاً، إِذا كَشَف عَنْهَا لِيَنْظُر إِلَيْهَا.
وافْتَرّ عَن ثَغْره، إِذا كَشَرَ ضَاِحكاً.
وَمِنْه الحديثُ فِي صِفة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويَفْتَرّ عَن مِثل حَبِّ الْغَمَام، أَي يَكْشِر إِذا تَبَسّم من غير قَهْقهة. وَأَرَادَ بحب الْغَمَام: البَرَدَ، شَبَّه بَيَاض أَسْنانه بِهِ.
ويُقال: فُرَّ فلَانا عمّا فِي نَفْسه، أَي اسْتَنْطِقْه ليدُلّ بنُطْقه على مَا فِي نَفْسه.
وَمِنْه قَول عُمر لِابْنِ عبّاس: وَقد كَانَ يَبْلُغني عَنْك أَشْيَاء كرهتُ أَن أَفُرّك عَنْهَا، أَي أَكْشف سِتْرها عَنْك.
وَفِي حَدِيث عديّ بن هَاشم: أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: مَا يُفِرّك عَن الْإِسْلَام إِلَّا أَن يُقال: لَا إِلَه إلاّ الله.
قَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال: أَفْرَرْت الرَّجُل إفْرَاراً، إِذا فَعَلت بِهِ فِعلاً يَفِرّ مِنْهُ.
وَيُقَال: هُوَ فُرّةً قَومه، أَي خِيَارهم.
وَهَذَا فُرّة مَالِي، أَي خِيرَتُه.
أَبُو عُبيد، عَن اليزيديّ: أَفْرَرْت رَأْسَه بالسَّيّف، وأَفريت، إِذا شَقَقته.
قَالَه أَبُو زيد، وَقَالَ: أَفْرَرْت رَأْسَه بِالسَّيْفِ، إِذا فَلَقته.
أَبُو عُبيد: الفَرِير: ولد البَقَرة.
وَيُقَال لَهُ: فُرارٌ.
قَالَ: وَمن أمثالهم: نَزْوُ الفُرار اسْتَجْهل الفُرَارا.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ المؤرِّج: هُوَ وَلَد الْبَقَرَة الوحشيّة، يُقَال لَهُ: فُرار، وفَرِير، مثل: طُوال وطَوِيل.
فَإِذا شَبّ وَقَوي أَخذ فِي النّزوان. فَمَتَى مَا رَآهُ غيرُه نَزَى لِنَزْوه. يُضْرب مثلا لمن تُتَّقَى مُصَاحَبَتُه. يَقُول: إِنَّك إِذا صاحَبته فَعَلت مِثْلَه.
وَقَالَ غيرُه، فَرِير، للْوَاحِد؛ وَجمعه: فُرَار.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: إِذا فُطِم الْجمل وسَمِن قيل لَهُ: فَرِير، وفُرَار، وفُرارة، وفُرْفُر، وفُرْفور، وفُرافر.
قَالَ: والفُرار، يكون للْجَمَاعَة وَالْوَاحد.
قَالَ: وفَرْفر الرجل، إِذا اسْتعجل بالحَمَاقة.
وفَرْفر، إِذا أَوْقَد بالفَرْفَار.
وَقَالَ: هِيَ شَجرة صَبُور على النّار.
قَالَ: وفَرْفَر، إِذا عَمِل الفَرْفار، وَهُوَ مَرْكب من مَراكب النِّساء والرِّعاء، شِبْه الحِوَيّة والسَّوِيّة.

(15/126)


قَالَ: وفَرْفر، إِذا شَقَّق الزِّقَاقَ وَغَيرهَا.
وَفِي حَدِيث عَون أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا يُفَرْفر الدُّنْيا فَرْفرة هَذَا الْأَعْرَج. يَعْني أَبَا حَازِم، أَي يذمّها ويُمَزِّقها بالذَّمّ لَهَا.
والذِّئب يُفَرْفر الشَّاة، أَي يُمَزِّقها.
وأَخبرني المُنذري، عَن الطُّوسيّ، عَن أَحْمد بن الْحَارِث الخَرَّاز، أَنه قَالَ: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فُرَار، جمع فُرارة، وَهِي الخِرْفان.
قَالَ: والفَرِير: ولدُ البَقرة.
قَالَ: وأنشدنا:
يَمْشي بَنو عَلْكم جَزْلَى وإخْوَتُهم
عليكُمُ مِثْل فَحْلِ الضَّأْن فُرْفُورُ
قَالَ: أَراد: فُرار، فَقَالَ: فُرفُور.
ابْن بُزُرْجَ: الفُرار: البَهْم الْكِبَار، وَاحِدهَا: فُرْفُور.
شَمِر: قَالَ أَبُو رِبْعيّ، والكِلاَبيّ: يُقَال: هَذَا فُرّ بَنِي فلَان، وَهُوَ وَجْههم وخيارهم الَّذِي يَفْتَرُّون عَنهُ؛ قَالَ الكُمَيت:
ويَفْتَرّ مِنْك عَن الوَاضِحَاتِ
إِذا غَيْرُك القَلَحُ الأَثْعَلُ
وَمن أمثالهم: إِن الجَواد عَيْنُه فُرَارُه.
ويُقال: الْخَبِيثُ عَيْنه فُرارُه.
يَقُول: تَعرف الجَودة فِي عَيْنه كَمَا تعرف سنّ الدَّابَّة إِذا فررتها، وَكَذَلِكَ تَعرف الخُبْث فِي عَيْنه إِذا أَبْصَرْته.
وَقَالَ اللَّيث: الفَرْفَرة: الطَّيْش والخِفّة.
ورَجُلٌ فَرْفَارٌ، وامْرأة فَرْفَارة.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعي، يُقال: الناسُ فِي أُفُرَّةٍ، يَعْنِي الاخْتلاط.
وَقَالَ الْفراء: أُفُرَّة الصَّيْف: أَوّله.
وَقَالَ اللَّيث: مَا زَالَ فلَان فِي أُفُرَّة شَرّ مِن فُلان.
الحرّانيّ، عَن ابْن السِّكِّيت، عَن الفَرّاء، يُقَال: أَتَانَا فلانٌ فِي أُفُرَّة الحَرّ، أَي أَوّله.
ويُقال: بل فِي شِدَّته.
وَمِنْهُم من يَقُول: فِي فُرّة الحَرّ.
وَمِنْهُم من يَقُول: فِي أُفُرّة الحَرّ، بِفَتْح الأَلف.
قَالَ: وَحكى الْكسَائي أَن مِنْهُم من يَجْعَل الْألف عَيْناً فَيَقُول: فِي عَفُرّة الحَرّ، وعُفُرّة الحَرّ.
قلت: أُفُرّة عِنْدِي من بَاب: أَفَر يَأفِر، وَالْألف أصليّة، على فُعلة، مثل: الخُضُلّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَرْفَرة: العَجَلة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الفَرِير: الحَمَل.
والفَرِير: أصل مَعْرفة الفَرس.
والفُرَّى: الكَتبية المُنْهَزمة؛ وَكَذَا الفُلَّى.
وَقَالَ ابْن الأَعرابيّ: فر يَفِرّ، إِذا عَقَل بعد اسْتِرخاء.

(15/127)


وفَرّ الدَّابة يَفُرّه.
وَقَالَ ابْن شُميل: الفُرْفُور، العُصْفُور الصَّغِير؛ وأَنْشد:
حجازيّة لم تَدْر مَا طَعْم فُرْفُرٍ
وَلم تَأتِ يَوْمًا أهْلَها بِتُبُشِّرِ
قَالَ: التُّبُشِّر: الصَّعْوَة.
(بَاب الرَّاء وَالْبَاء)
رب
ربّ، برّ.
رب: الرّبّ، هُوَ الله تبَارك وتَعالى، هُوَ رَبُّ كُلّ شَيْء، أَي مَالِكه، وَله الرّبُوبيّة على جَميع الخَلْق لَا شَريك لَهُ. 2
ويقالُ: فلانٌ رَبّ هَذَا الشَّيْء، أَي مِلْكه لَهُ.
وَلَا يُقال الرّب بِالْألف وَاللَّام، لغير الله.
وَهُوَ رَبّ الأَرْباب، وَمَالك المُلوك والأمْلاك.
وكُل مَن مَلك شَيْئا فَهُوَ رَبُّه.
{اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ} (يُوسُف: 42) أَي عِنْد مَلِكك.
يُقَال: هُوَ رَبّ الدابّة، ورَبُّ الدّار.
وفلانة رَبّة الْبَيْت.
وهُن ربّات الحِجَال.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: رَبّ فلانٌ نِحْيَه يَرُبّه رَبّاً، إِذا جَعل فِيهِ الرُّبّ ومَتَّنه بِهِ.
وَهُوَ نِخْيٌ مَرْبُوب.
قَالَ: والعَرب تَقول: لِأَن يَرُبَّني فلانٌ أَحَبّ إليّ من أَن يَرُبّني فلَان.
يَعْنِي: أَن يَكون رَبّاً فَوقِي وسَيِّداً يَمْلكني.
ورُوي هَذَا عَن صَفوان بن أُمية أَنه قَالَ يَوْم حُنين عِند الجَوْلة الَّتِي كَانَت بَين المُسلمين، فَقَالَ أَبُو سُفيان: غَلَبت وَالله هَوازن. فأَجَابه صَفْوان وَقَالَ: بِفِيك الكِثْكِثُ، لأنْ يَرُبّني رَجُلٌ من قُرَيْش أحَبّ إليّ من أَن يَرُبّني رجُلٌ مِن هَوَازن.
ابْن الأَنباريّ: الرَّبّ: يَنْقسم على ثَلَاثَة أَقْسام: يكون الرَّبُّ: الْمَالِك؛ وَيكون الرَّبّ: السيِّدُ المُطاع، قَالَ الله تَعَالَى: {فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا} (يُوسُف: 41) أَي سَيّده؛ وَيكون الرَّبُّ: المُصْلح.
رَبَّ الشيءَ، أَي أَصْلحه؛ وأَنْشد:
يَرُبّ الَّذِي يَأْتِي من العُرْف إنّه
إِذا سُئِل المَعْرُوفَ زَاد وتَمَّمَا
وَقَوله:
سَلاَلها فِي أَدِيمٍ غَيْر مَرْبُوب
أَي غير مُصْلح.
قَالَ: ويُقال: رَبٌّ، مشدَّد، ورَبٌ، مُخَفَّف، وأَنْشد المُفضَّل:
وَقد عَلم الأَقْوامُ أَن لَيس فَوْقه
رَبٌ غَيْرُهُ يُعطي الحُظوظ ويَرْزُقُ
وَقَالَ الأَصمعيّ: رَبّ فلانٌ الصَّنِيعةَ يَرُبّها

(15/128)


رَبّاً، إِذا أَتَمّها وأَصْلحها.
وَيُقَال: فلَان مَرَبٌّ، أَي مَجْمَعٌ يَرُبّ النَّاس، أَي يَجْمَعهم.
ومكانٌ مَرَبٌّ، أَي يَجْمع النَّاس؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
بأوّل مَا هَاجَت لكَ الشَّوْقَ دِمْنَةٌ
بأَجْرَع مِرْباعٍ مَرَبَ مُحَلَّلِ
قَالَ: ومِن ثمَّ قيل للرِّبَابٌ: رِبَابٌ، لأَنهم تَجَمَّعوا.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: سُمَّوا رِبَاباً، لأَنهم جاءُوا برُبَ فأَكَلُوا مِنْهُ وغَمسوا فِيهِ أَيْديهم وتَحالَفوا عَلَيْهِ، وهم: تَيْمٌ، وعَدِيّ، وعُكْل.
والأَرِبّة: الجَماعاتُ؛ واحدتها: رَبَّةٌ.
وَقَالَ عزّ وجلّ: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (آل عمرَان: 146) .
قَالَ الفرّاء: الرِّبِّيُّوُن: الأُلوف.
وَقَالَ أَبُو العبّاس أَحْمد بن يَحيى: قَالَ الأَخْفش: الرِّبيون: مَنْسوبون إِلَى الرَّبّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: يَنْبغي أَن تُفتح الرَّاء على قَوْله.
قَالَ: وَهُوَ على قِراءة القُرّاء من الرَّبّةِ، وَهِي الْجَمَاعَة.
وَقَالَ الزّجاج: ربِّيّون، بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا، وهم الجماعةُ الكَثِيرة.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: الرَّبّة: عَشرة آلَاف.
قَالَ: وَقيل: الرِّبِّيون: العُلماء الأَتْقياء الصُّبُر.
قَالَ: وكلا القَوْلين حَسَنٌ جَميل.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب، أَنه قَالَ: الرِّبِّيون: الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة؛ الْوَاحِد: رِبِّيٌّ.
قَالَ: والرَّبّاني: العالِم.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: الرّبّانيّ: الْعَالم؛ وَالْجَمَاعَة: الرّبّانيون.
وَقَالَ: الرّبّانيون: الأُلُوف.
والرّبّانيّون: العُلَماء.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: زادوا ألفا ونُوناً فِي الرّبّاني إِذا أَرَادوا تَخْصيصاً بِعلْم الرّبّ دون غَيْره، كأنّ مَعْنَاهُ: صاحبُ العِلْم بالرّبّ دون غَيره من العُلوم.
قَالَ: وَهَذَا كَمَا قَالُوا: رَجُل شَعْرانيّ، ولِحْيانيّ، ورَقَبانيّ، إِذا خُصّ بكَثرة الشّعر، وطُول اللِّحْية، وغِلظ الرّقبة.
وَإِذا نَسَبوا إِلَى (الشّعْر) قَالُوا: شَعْري، وَإِلَى الرّقبة قَالُوا: رَقَبيّ.
والرِّبِّي؛ مَنْسوب إِلَى الرّبّ، والرّبّاني، المَوْصوف بعِلْم الرّبّ.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي: الربّانيّ: الْعَالم المُعَلم الَّذِي يَغْذُو النَّاس بصغار العُلوم

(15/129)


قبل كِبَارها.
قَالَ شَمِر: قَالَ خَالِد بن جَنْبة: الرُّبّة: الخَيْر اللاّزم، بِمَنْزِلَة الرُّبّ الَّذِي يَليق فَلَا يكَاد يَذْهب.
وَقَالَ: اللَّهم إنِّي أَسأَلك رُبَّة عَيْشٍ مُبَارَكٍ. فقِيل لَهُ: وَمَا رُبَّةُ عَيْشٍ؟ فَقَالَ: طَثْرَتُه وكَثرته.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَرَأَ الحَسن رُبيّون بالضَّم.
قَالَ: وَقَرَأَ بهَا غَيْرُه.
وَقَالَ: الرُّبيون نُسبوا إِلَى الرُّبَّة، والرُّبَّة: عشرَة آلَاف.
قَالَ: وَقَرَأَ ابْن عبّاس: رَبِّيون، بِفَتْح الرَّاء.
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بن عليّ بن الْحَنَفِيَّة لمّا مَاتَ عبدُ الله بن عبّاس: اليومَ مَاتَ رَبّانيّ هَذِه الأُمة.
ورُوي عَن عليَ أَنه قَالَ: النَّاس ثَلَاثَة: عَالم رَبّانيّ، ومتعلِّم على سَبيل النَّجاة، وهَمَجٌ رَعاع أتْباع كل ناعِق.
قَالَ: والرّبانيّ: العالِي الدّرَجة فِي العِلْم.
قَالَ أَبُو عُبيد: سمعتُ رجلا عَالما بالكتب يَقُول: الرّبّانيّون: العُلَماء بالحلال وَالْحرَام، والأَمر والنَّهي.
قَالَ: والأَحْبارُ أهلُ المَعْرفة بأَنباء الأُمم وَبِمَا كَانَ وَيكون، هَذَا الْكَلَام أَو نَحوه.
قَالَ أَبُو عُبيد: وأَحْسب الْكَلِمَة لَيست بعربيَّة إِنَّمَا هِيَ عبْرانِيَّة أَو سُريانيَّة.
وَذَلِكَ أَن أَبَا عُبيدة زعم أنّ الْعَرَب لَا تعرف الرّبّانيّين.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَإِنَّمَا عَرفها الفُقهاء وَأهل العِلْم.
وَكَذَلِكَ قَالَ شَمر.
قَالَ بَعضهم: وَإِنَّمَا قيل للعُلماء ربانيون، لأَنهم يَرُبُّون العِلم، أَي يَقومون بِهِ؛ وَمِنْه الحَدِيث: (أَلَكَ نِعْمَة تَرُبُّها) ؟
ويُسمَّى ابْن الْمَرْأَة: رَبيب؛ لِأَنَّهُ يَقوم بأَمْره ويَمْلك عَلَيْهِ تَدْبِيره.
قَالَ شَمر: وَيُقَال لرئيس المَلاّحِين: رَبّاني؛ وأَنشد:
صَعْلٌ من السّام ورُبّانِيّ
وروَى شُعبة، عَن عَاصِم، عَن زِرّ عَن عبد الله فِي قَوْله تَعَالَى: {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} (آل عمرَان: 79) قَالَ: حُكَماء عُلَماء.

(15/130)


أَبُو عُبيد: الرِّباب: العُشُور؛ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يَذْكر حُمُراً:
تَوَصّل بالرُّكُبان حينا وتُؤْلِف الْ
جِوَار ويُعْطِيها الأَمَانَ رِبَابُها
قَوْله: (تؤلف الجِوار) أَي تجاور فِي مكانَيْن. والرّباب: الْعَهْد الَّذِي يَأْخذه صاحبُها من النَّاس لإجارتها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: جَمع الرِّباب من العَهْد: أَرِبَّة؛ وَجمع: الرَّبّ: رِبَاب.
وَقَالَ شَمر: الرِّباب فِي بَيت أبي ذُؤَيب جمع رَبّ.
وَقَالَ غَيره: يَقُول: إِذا أَجارَ المُجير هَذِه الحُمُر أعْطى صَاحبهَا قِدْحاً لِيَعْلموا أَنه قد أُجِيرت فَلَا يُتعرض لَهَا، كَأَنَّهُ ذهب بالرِّباب إِلَى رِبَابة سِهام المَيْسر؛ وَقَالَ أَبُو ذُؤيب:
فكأنّهن رِبَابَةٌ وكأنَّه
يَسَرٌ يُفِيض على القِدَاح ويَصْدَعُ
قَالَ أَبُو عُبيد: الرِّبابة: جمَاعَة السِّهام.
ويُقال: هِيَ الجِلْدة الَّتِي تُجْمع فِيهَا السِّهام.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نظر فِي اللَّيْلة الَّتِي أُسْرِي فِيهَا إِلَى قَصْرٍ مِثْلِ الرَّبَابة البَيْضاء.
قَالَ أَبُو عبيد: الرَّبَابة: السَّحابة الَّتِي قد رَكب بَعْضُها بَعْضًا؛ وَجَمعهَا: رَباب؛ وَبِه سُمّيت المَرأة الرَّبَاب؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
سَقى دَار هِنْدٍ حيثُ حَلَّت بهَا النَّوَى
مُسِفُّ الذُّرَى دانِي الرَّبَاب ثَخِينُ
قَالَ: والرِّبابة: بِكَسْر الرَّاء، شَبيهَة بالكِنانة يكون فِيهَا السِّهام.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ولدت الشَّاة فَهِيَ رُبَّى.
وَإِن ماتَ وَلَدهَا أَيْضا فَهِيَ رُبَّى بَيِّنةُ الرِّباب.
قَالَ: وأَنشدنا مُنْتَجع بن نَبْهان:
حَنِينَ أُمّ البَوِّ فِي رِبَابها
وَقَالَ الأمويّ: ربابها: مَا بَينهَا وَبَين عشْرين يَوْمًا من وِلادتها وَقيل: شَهْرَيْن.
وَقَالَ أَبُو زيد: الرُّبَّى: من المَعِز؛ وَمثلهَا من الضَّأْن: الرَّغُوث.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَمع الرُّبّى: رِباب؛ وأَنشد:
خَليل خَوْدٍ غَرّها شَبَابُه
أَعْجبها إذْ كَبِرَتْ رِبَابُه
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: الرُّبّى: أَوّل الشَّبَاب.
يُقَال: أتَيته فِي رُبّى شَبابه، ورُبَاب شَبابه، ورِبَاب شَبابه، ورِبّان شَبابه، ورُبّان شبابه، وَفِي جُنون شبابه، كلّه بِمَعْنى: حِدْثان شبابه.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصْمعي: الرُّبان من كُل

(15/131)


شَيْء: حِدْثانُه.
ورُبّان الكَوْكَب: مُعْظَمُه.
وَقَالَ أبُو عُبَيْد: الرَّبّان، بِفَتْح الرَّاء: الجماعةُ.
وَقَالَ الأَصْمعيّ: بضَم الرَّاء.
ويُقال: هَذَا مَرَبّ الْإِبِل: أَي حَيْث لَزِمَتْه.
وأَرَبَّت الإبلُ بالمَوْضع: إِذا لَزِمَتْه.
وإبلٌ مَرَابٌّ: لَوازِم.
وأَرَبَّت الجَنُوبُ: إِذا دَامَت.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: أرَبّ فلَان بِالْمَكَانِ، وأَلَبَّ: إرْباباً وإلباباً، إِذا أَقَامَ بِهِ فَلم يَبْرَحْه.
الأصمعيّ: رَبَبْتُه فَأَنا أَرُبّه، ورَبَّبتُه فَأَنا أُرَبِّيه، وارْتَبَبْته فَأَنا أَرْتَبه، كُله بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الرّبيب: ابْن امْرَأَة الرَّجُل من غَيره؛ وَقَالَ مَعْنُ بن أَوْس يَذكر امْرأَته وذَكر أَرْضاً لَهَا:
فإنّ بهَا جارَيْن لن يَغْدِرَا بهَا
رَبِيبَ النَّبِيّ وابنَ خَيْر الخَلائِف
يَعْنِي عُمر بن أبي سَلمة، وَهُوَ ابْن أُم سَلَمة زوج النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَاصِم بن عمر بن الخطّاب، وَأَبوهُ أَبُو سَلَمة، وَهُوَ رَبيب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: والرابّ: زَوْج الأُمِّ.
ورُوي عَن مُجاهد أَنه كَره أَن يَتزوّج الرّجل امْرَأَة رَابّة، يَعْنِي: امْرَأَة زوج أُمّه.
وَقَالَ اللَّيْث: ربيبة الرَّجل: بنت امْرأته مِن غَيره.
قَالَ: والرَّبيب أَيْضا: يُقال لزَوْج الأُم لَهَا ولدٌ مِن غَيره.
وَيُقَال لامْرَأَة الرجل، إِذا كَانَ لَهُ ولد من غَيرهَا: رَبِيبة.
وَذَلِكَ معنى: رابّة، ورابّ.
ودُهْنٌ مُرَبَّب: إِذا رُبّب الحَبُّ الَّذِي اتّخذ مِنْهُ بالطِّيب.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: الرّبْرَب: جمَاعَة الْبَقر، وَكَذَلِكَ الإِبل.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّبّة: بَقلة ناعمَة؛ وَجَمعهَا: رِبَبٌ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصِف الثَّوْر الوَحْشِيّ:
أَمْسَى بِوَهْبِينَ مُجْتَازاً لِمَرْتَعه
مِن ذِي الفَوارِس يَدْعُو أَنْفه الرِّبَبُ
وَقيل: الرِّبّة: اسْم لعدّة من النّبات لَا تَهيج فِي الصَّيف تَبْقى خُضْرتُها شِتَاءً وصَيْفاً، مِنْهَا الحُلَّب، والرُّخَامَى، والمَكْر، والعَلَّقى، يُقَال لَهَا كُلها: رِبَّة.
عَمْرو، عَن أَبيه: رَبْرَبَ الرَّجُلُ، إِذا رَبَّى يَتِيماً.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الرَّبُوب، والرَّبِيب: ابْن امْرَأَة الرَّجُل مِن غَيْره.

(15/132)


وَيُقَال للرَّجل نَفسه: رَابّ.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحيح؛ وَلَا أَعلم الَّذِي قَالَه اللَّيث صَحِيحاً.
وَقد قَالَ أَحْمد بن يحيى للْقَوْم الَّذين اسْتُرضع فيهم النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِبّاء النّبيّ.
كَأَنَّهُ جمع رَبيب فعيل، بِمَعْنى فَاعل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرُّبَّى: الْحَاجة، يُقَال: لي عِنْد فلانٍ رُبّى.
قَالَ: الرُّبّى: الرَّابّة. والرُّبّى: العُقْدة المُحْكَمة. وَفِي مَثَل: إِن كُنْتَ بِي تَشُدّ ظَهْرك فأَرْخِ من رُبّى أَزْرَك. يَقُول: إِن عَوَّلْت عليّ فَدَعْني أَتْعَب واسْتَرِخ أَنْت واسْتَرِحْ.
والرُّبَّى: النِّعمة والإحْسان.
وَقَالَ النَّحويون: رُبّ: من حُروف المَعاني، والفَرق بَينهَا وَبَين (كم) أَن (رب) للتَّقْلِيل و (كم) وُضعت للتَّكْثير إذَا لم يُرَد بهَا الِاسْتِفْهَام. وَكِلَاهُمَا يَقع على النّكرات فَيخْفِضها.
وَقَالَ الزّجاج: مَن قَالَ إِن (ربّ) يُعنى بهَا التكثير فَهُوَ ضدّ مَا تَعرفه الْعَرَب.
قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَت (رب) فِي قَول الله عز وَجل: (ربَّما يود الَّذين كفرُوا) (الْحجر: 2) هَا هُنَا، وَهِي للتقليل؟
فَالْجَوَاب فِيهِ: أَن الْعَرَب خوطبت بِمَا تعلمه من التهديد، والرَّجل يَتَهَدَّد الرجل فَيَقُول لَهُ: لعلّك سَتندم على فعلك، وَهُوَ لَا يشك فِي أَنه يَنْدم.
وَيَقُول لَهُ: ربّما ينْدَم الْإِنْسَان من مثل مَا صَنعت، وَهُوَ يعلم أَن الْإِنْسَان يَنْدم كثيرا.
ولكنّ مجازه أنّ هَذَا لَو كَانَ مِمَّا يُوَدّ فِي حالٍ وَاحِدَة من أَحْوَال الْعَذَاب، أَو كَانَ الْإِنْسَان يخَاف أَن يَندم على الشَّيْء لوَجب عَلَيْهِ اجْتنابه.
والدَّليل على أَنه على معنى التّهدد قَوْله تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} (الْحجر: 3) .
وَالْفرق بَين (رُبمَا) و (رب) أَن (رب) لَا يَلِيهِ غير الِاسْم، وَأما (رُبمَا) فَإِنَّمَا زيدت (مَا) مَعَ (رب) لِيَلِيها الْفِعْل. تَقول: رُبّ رجل جَاءَنِي، أَو رُبمَا جَاءَنِي زيد.
وَتقول: رب يَوْم بكرت فِيهِ، ورُبّ خمرة شَرِبْتها.
وَتقول: رُبما جَاءَنِي زيد، وَرُبمَا حضرني زيد.
وَأكْثر مَا يَلِيهِ الْمَاضِي، وَلَا يَلِيهِ من الغابر إِلَّا مَا كَانَ مُسْتَيْقناً، كَقَوْلِه تَعَالَى: (رُبَّما يود الَّذين كفرُوا) (الْحجر: 2) .
ووَعْد الله حقٌّ، كَأَنَّهُ قد كَانَ، فَهُوَ فِي مَعنى مَا مَضى، وَإِن كَانَ لَفظه مُسْتَقبلاً.
وَقد يَلِي (رُبمَا) الْأَسْمَاء، وَكَذَلِكَ: (رُبتما) ؛ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:

(15/133)


ماويّ يَا رُبَّتما غارةٍ
شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَم
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الْعَرَب تزيد فِي (رب) هَاء.
وتَجعل الْهَاء اسْما مَجهولاً لَا يُعرف، ويَبْطل مَعهَا عمل (رُبّ) فَلَا يُخْفض بهَا مَا بَعد الْهَاء.
قَالَ: وَإِذا فَرقْت بَين (كم) الَّتِي تعْمل عمل (رب) لشَيْء بَطل عَملها؛ وأَنْشد:
كائِنْ رأيْتُ وهايا صَدْعِ أَعْظُمِه
ورُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ
وَنصب عطباً من أجل الْهَاء المَجْهولة.
أَبُو حَاتِم: من الْخَطَأ قَول العامّة: رُبمَا رأيتُه كثيرا، و (رُبمَا) إِنَّمَا وُضعت للتَّقْلِيل.
الحَرَّاني، عَن ابْن السِّكيت، يُقَال: رُبّ رجل، ورَبّ رجلٍ، بِفَتْح الرَّاء ويُخفّف، ورُبّت رجل ورَبّت رجل، بِفَتْح الرَّاء ويخفف، ورُبَّتما ورَبَّتما، بالتثقيل وَالتَّخْفِيف.
بر: قَالَ اللّيْثُ: البَرُّ: خلاف البَحْر. والبَرِّيّة: الصَّحْراء. والبَرّ: نَقِيض الكِنّ.
قَالَ: والعَرب تَسْتعمله فِي النَّكرة. تَقُول: جلستُ بَرّاً، وخَرَجْتُ بَرّاً.
قلت: وَهَذَا مِن كَلَام الموَلَّدين، وَمَا سَمِعْتُه من فُصحاء العَرب الْبَادِيَة.
ويُقال: أَفْصَح العَرب أَبَرُّهم.
مَعْنَاهُ: أبعدهم فِي البَرّ والبَدْو دَاراً.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {عَمَّا يُشْرِكُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الرّوم: 41) .
قَالَ الّزجّاج: مَعْناه: ظَهر الجَدْبُ فِي البَرّ، والقَحْطُ فِي البَحْر، أَي فِي مُدُن البَحْر الَّتِي على الأَنْهار.
وَقَالَ شَمِر: البَرِّيّة: الأَرْض المَنْسوبة إِلَى البَرِّ، وَهِي بُرِّيّة، إِذا كَانَت إِلَى البَرِّ أَقْرَب مِنْهَا إِلَى المَاء.
وَقَالَ مُجاهد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الأَنعام: 59) .
قَالَ: البَرّ: القِفَار. والبَحْر: كُل قَرْية فِيهَا مَاء.
وَقَالَ شمِر فِي تَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بالصِّدق فإنّه يَهْدي إِلَى البِرّ) .
اخْتلف العُلماء فِي تَفسير البِرّ.
فَقَالَ بَعضهم: البِرّ: الصَّلاَح.
وَقَالَ بعضُهم: البِرّ: الخَيْر.
قَالَ: وَلَا أعلم تَفْسِيراً أجْمع مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُحيط بجَميع مَا قَالُوا.
قَالَ: وجَعل لَبِيدٌ البِرَّ التُّقَى حَيْثُ يَقُول:
وَمَا البِرّ إِلَّا مُضْمَراتٌ من التُّقَى
قَالَ: وأَمّا قَول الشَّاعِر:
تُحزُّ رُؤُوسهم فِي غَيْر بِرّ
فَمَعْنَاه: فِي غير طَاعَة وخَيْر.
وَقَالَ شمر: الحَجّ المَبْرور: الَّذِي لَا

(15/134)


يُخالطه شيءٌ من المآثِم.
والبَيْع المَبْرُور: الَّذِي لَا شُبهة فِيهِ وَلَا كَذِب وَلَا خِيَانَة.
قَالَ: ويُقالُ: بَرّ فُلانٌ ذَا قَرابته، يَبَرّ بِرّاً.
وَقد بَرَرْتُه أَبَرّه. وبَرّ حَجُّك يَبُرّ بُرُوراً. وبَرّ الحجَّ يَبِرّ بِرّاً. وبَرّ الله حَجّه، وأَبرَّه. وبَرّت يَمِينُه تَبَرّ.
وأَبَرَرْتُها. وبَرّ الله حجَّه؛ وبَرَّ حَجُّه.
وَقَول الله تَعَالَى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمرَان: 92) .
قَالَ الزّجّاج: قَالَ بعضُهم: كُلّ مَا تقرّب بِهِ إِلَى الله عزّ وجلّ مِن عمل خَير فَهُوَ إنْفاق.
قلت: البِرُّ: خَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَخير الدُّنيا: مَا يُيَسّره الله تبَارك وَتَعَالَى لِلْعَبد من الهُدى والنِّعمة والخَيرات؛ وخَيْر الْآخِرَة: الفَوْز بالنَّعيم الدّائم فِي الْجنَّة.
والبَرُّ من صِفات الله: العَطُوف الرَّحيم اللَّطيف الكَريم.
حدّثنا عبد الله وعُرْوة، قَالَا: حدّثنا مُحَمَّد بن مَنْصُور الخراز، قَالَ: حدّثنا سُفيان، عَن شمر، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُريرة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الحَجُّ المَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إلاّ الجَنّة) .
وَقَالَ سُفيان: تَفْسِير المبرور: طيبُ الكَلام وإطْعام الطَّعام.
وَقَالَ أَبُو قِلاَبةَ لِرَجُل قَدِم من الحجّ: بُرّ العَمَلُ. أَرَادَ عَملَ الحجّ. دَعا لَهُ أَن يكون مَبْرُوراً لَا مَأْثَم فِيهِ فَيَسْتوجب بذلك الخُروجَ من الذُّنوب الَّتِي اقْتَرفها.
حدّثنا عبد الله، قَالَ حدّثنا عبّاد بن الْوَلِيد الغُبَريّ، عَن حبّان بن هِلَال، عَن أبي مُحَيصن، عَن سُفيان بن حُسين، عَن مُحَمَّد بن المُنْكدر، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله، مَا بِرّ الْحَج؟ قَالَ: (إطْعام الطَّعام وَطيب الْكَلَام) .
ويُقال: قد تَبَرَّرْت فِي أمرنَا، أَي تَحَرّجت؛ وَقَالَ أَبُو ذُؤيب:
فقالَت تَبَرَّرْت فِي جَنْبِنا
وَمَا كُنْتَ فِينا حَدِيثاً بِبرْ
أَي تَحَرّجت فِي سَبْينا وقُرْبنا.
أَبُو عُبيد، عَن الأَحمر: بَرَرْت قَسَمِي؛ وبَرَرْتُ والدِي.
قَالَ: وَغَيره لَا يَقول هَذَا.
وأَخبرني المُنذري، عَن أبي الْعَبَّاس فِي كتاب (الفصيح) يُقال: صَدَقْت وبَرِرْت.
وَكَذَلِكَ: بَرَرْت وَالِدي أَبِرّه.
وَقَالَ أَبُو زيد: بَرَرْت فِي قَسمي.
وأبَرّ الله قَسَمي؛ وَقَالَ الأَعْور الكَلْبيّ:
سَقَيْناهم دِمَاءَهُم فسالَتْ
فأَبْرَرْنا إِلَيْهِ مُقَسّمِينا
وَقَالَ غَيره: أبَرّ فلانٌ قَسم فلانٍ وأَحْنَثه.

(15/135)


فَأَما أبّره فَمَعْنَاه: أَنه أَجَابَهُ إِلَى مَا أَقْسَم عَلَيْهِ. وأَحْنَثه، إِذا لم يُجِبْه.
أَبُو عُبَيد، عَن الْفراء: بَرّ حَجُّه.
فَإِذا قَالُوا: أَبرّ الله حَجَّه، قَالُوا بالأَلف.
والبِرّ فِي الْيَمين مِثْلُه.
وَقَالَ أَبُو سِعيد: بَرَّت سِلْعَتُه، إِذا نَفَقَت.
قَالَ: والأَصل فِي ذَلِك: أَن تُكافئه السِّلعة بِمَا حَفِظها وَقَامَ عَلَيْهَا، تُكافئه بالغَلاء فِي الثّمن؛ وَهُوَ مِن قَول الأَعْشى يَصف خَمْراً:
تَخَيَّرها أَخُو عانَاتَ شَهْراً
ورَجَّى بِرَّها عَاما فعاماً
أَي: رِبْحَها.
قَالَ: وَمن كَلَام سُليمان، مَن أَصْلح جُوَّانيّه أصلح الله بَرَّانِيّه.
الْمَعْنى: من أصلح سَرِيرته أَصلح الله عَلَانِيَته، أُخذ من الجَوّ والبَرّ. والجَوّ: كلُّ بَطْنٍ غامِض. والبَرّ: المَتْن الظَّاهِر، فَجَاءَت هَاتَانِ الكلمتان على النّسبة إِلَيْهِمَا بالأَلف والنُّون.
وَمن كَلَام الْعَرَب: فلانٌ لَا يَعْرف هِرّاً من بِرّ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي، البِرّ، هَا هُنَا: الفَأر.
حَكَاهُ عَنهُ أَبُو العبّاس.
وَقَالَ خَالِد: الهِرّ: السِّنَّوْر، والبِرُّ: الجُرَذ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاهُ: مَا يَعْرف الهَرْهَرة من البَرْبَرة.
فالهَرْهَرة: صوتُ الضّأن؛ والبَرْبَرة: صَوت المِعْزَى.
قَالَ الفَزَارِيّ: البِرُّ: اللُّطْف؛ والهِرُّ: العُقُوق.
وَقَالَ يُونس: الهِرّ: سَوْقُ الْغنم؛ والبِرّ: دُعاء الْغنم.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِرُّ: فِعْل كُلِّ خَيْر من أيّ ضَرْبٍ كَانَ.
والبِرّ: دُعاء الغَنَم إِلَى العَلف. والبِرّ: الإكْرام. والهِرُّ: الخُصومة. قَالَ: والبِرّ: الفُؤاد.
ويُقال: هُوَ مُطْمئِنّ البِرّ؛ وأَنْشد ابْن الأَعْرابي:
أكون مَكانَ البِرّ مِنْهُ ودُونه
وأَجْعَل مَالِي دُونَه وأُؤامِرُه
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَرَابيرُ: أَن يَأتي الرَّاعي إِذا جَاع إِلَى السُّنْبل فَيَفْرُك مِنْهُ مَا أحَبّ ويَنْزعه من قُنْبُعه، وَهُوَ قِشْره، ثمَّ يَصُبّ عَلَيْهِ اللبنَ الحَليب ويُغْليه حَتَّى يَنْضَج ثمَّ يَجْعله فِي إِنَاء واسِع ثمَّ يُسَمِّنه، أَي يُبرِّده، فَيكون أطيبَ من السّمِيذ.
قَالَ: وَهِي الغَديرة؛ وَقد اغْتدَرْنا.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعيّ: البَرِيرُ: ثمَر الأَراك؛ والمَرْدُ: غَضُّه؛ والكَبَاث:

(15/136)


نَضيجُه.
اللَّيْث: البُرّ: الحِنْطة.
والبُرّة، الْوَاحِدَة.
والإبْرار: الغَلبة؛ وَقَالَ طَرَفة:
يَكْشِفُون الضُّرّ عَن ذِي ضُرّهم
ويُبِرُّون على الآبي المُبر
أَي: يَغْلِبون.
يُقال: أبَرّ عَلَيْهِ، أَي غَلَبه.
والمُبِرُّ: الغالِب.
أَخْبرنِي المُنْذِريّ، عَن ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي أنّه أَنْشد:
إِذا كُنْتُ مِنْ حِمّانَ فِي قَعْرِ دَارِهمْ
فَلَسْتُ أُبَالِي مَن أَبَرَّ ومَنْ فَجَرْ
قَالَ: (أبر) من قَوْلهم: أَبَرّ عَلَيْهِم شَرّاً.
قَالَ: وأَبَرَّ، وفجَر، وَاحِد، ولكنّه جَمع بَينهمَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سُئل رَجُلٌ من بني أَسد: أتَعْرف الفَرس الْكَرِيم؟ قَالَ: أعْرف الجوادَ المُبِرّ من البطيء المُقْرِف.
قَالَ: والجواد المُبِرّ، الَّذِي إِذا أُنِّف يَأْتَنِفُ السَّيْر، ولَهَز لَهْزَ العَيْر، الَّذِي إِذا عَدا اسْلَهَبّ، وَإِذا قيد اجْلَعَبّ، وَإِذا انْتَصب اتْلأبّ.
ويُقال: أَبَرّه يُبِرّه، إِذا قَهَره بفعال أَو غَيْره.
وبَرَّ يَبَرُّ، إِذا صَلَح.
وبَرَّ فِي يَمِينه يَبَرّ إِذا صَدَقه وَلم يَحْنَثْ.
وبَرَّ رَحِمَه يَبَرّ، إِذا وَصَله.
قَالَ: وبَرّ يَبَرّ، إِذا هُدِي.
سَلَمة، عَن الْفراء، قَالَ: البَرْبَريّ، الكَثير الكَلام بِلَا مَنْفَعة.
وَقَالَ غَيره: رَجُلٌ بَرْبَارٌ، بِهَذَا الْمَعْنى.
وَقد بَرْبَر فِي كَلَامه بَرْبَرةً، إِذا أَكْثر.
حَدثنَا السَّعدي، عَن عَليّ بن خشرم، عَن عِيسَى، عَن الوَضّاحي، عَن مُحارب بن دثار، عَن ابْن عمر، قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهم الله أَبْرَاراً، لأنّهم بَرُّوا الْآبَاء والأَبْنَاء. وَقَالَ: كَمَا أنّ لَك على وَلدك حَقّاً كَذَلِك لِولدك عَلَيْك حَقّ.
وحدّثني الْحُسَيْن بن إِدْرِيس، عَن سُويد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن سُفْيَان، قَالَ: كَانَ يُقَال: حَقّ الْوَلَد على وَالِده أَن يُحسن اسْمه، وَأَن يُزَوِّجه إِذا بلغ، وَأَن يُحِجّه، وَأَن يُحسن أَدَبه.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: البَرْبَرة: الصَّوْت.
وَقَالَ اللَّيث: هُوَ الجَلبة باللِّسان وكَثْرة الْكَلَام.
ورَجُل بَرّبار، إِذا كَانَ كَذَلِك.
وبَرْبَر: جِيل من النَّاس، يُقال: إنّهم من ولد قَيْس عَيْلان.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: البُرْبُور:

(15/137)


الجَشيش من البُرّ.
ويُقال: فلانٌ يَبَرّ رَبَّه: أَي يُطيعه؛ وَمِنْه قولُه:
يَبَرُّك الناسُ ويَفْجُرُونكا
ورَجُلٌ بَرٌّ بِذِي قَرابته.
وبارٌّ: من قوم بَرَرة، وأبْرَار.
والمَصْدر، البِرّ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَاكِنَّ الْبِرَّ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ} (الْبَقَرَة: 176) . فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: ولكنّ ذَا البِرّ من آمَن بِاللَّه.
وَالْقَوْل الآخر: ولكنّ البِرّ بِرّ مَن آمن بِاللَّه؛ كَقَوْلِه:
وَكَيف نُواصِلُ من أصْبَحت
خُلالَتُه كأَبِي مَرْحَب
أَرَادَ: كخُلالة أبي مَرْحب.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} (الْبَقَرَة: 44) .
البِرّ: الاتِّسَاع فِي الْإِحْسَان والزّيادة فِيهِ. وَيُقَال: أَبَرّ على صَاحبه فِي كَذَا، أَي زَاد عَلَيْهِ.
وسُمِّيت البَرِّيّة لاتِّساعها.
والبِرّ: اسمٌ جامعٌ للخَيْرات كُلّها.
والبِرّ: الصِّلَة.
وَفِي بعض الحَدِيث: وَلَهُم تَغَذْمُرٌ وبَرْبَرَة.
البربرة: الصّوت؛ والتَّغَذْمُر: أَن يتكلّم بِكَلَام فِيهِ كِبْر.

(بَاب الرَّاء وَالْمِيم)
ر م
مر، رم.
رم: قَالَ اللَّيث: الرَّمُّ: إصْلاح الشَّيْء الَّذِي قد فَسد بَعْضُه، من نَحْو حَبْل يَبْلَى فَترمّه، أَو دَارٍ تَرُمّ شَأْنَها مَرَمَّةً.
ورَمُّ الْأَمر: إصْلاحه بعد انْتِشاره.
وَفِي الحَدِيث: (عَلَيْكُم أَلبانَ البَقر فَإِنَّهَا تَرُمّ من كُلّ الشَّجَر) .
قَالَ ابْن شُمَيل: الرَّمّ، والارْتِمام: الأكْل.
قَالَ: والرُّمَام من البَقل حِين ترمُّه المَال بأفواهها لَا تنَال مِنْهُ إِلَّا شَيْئاً قَلِيلاً.
وَيُقَال لليَبيس حِين يَبْقُل: رُمَامٌ أَيْضا.
قَالَ ابْن الأعرابيّ: والمِرَمّة، بِالْكَسْرِ: شَفة الْبَقَرَة وكل ذَات ظِلْف، لِأَن بهَا تَأْكُل.
والمَرَمّة: بِالْفَتْح، لُغَة فِيهِ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبَّاس، قَالَ: الشَّفة من الْإِنْسَان ومِن ذَوَات الظِّلْف: المِرَمّة والمِقَمَّة، وَمن ذَوَات الخُفّ: المَشْفَر.
وَفِي حَدِيث آخر عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الاسْتِنْجاء بالرَّوْث والرِّمّة.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: الرِّمة:

(15/138)


العِظام البالية؛ قَالَ لَبيد:
وَالْبَيْت إِن تَعْرَمنّي رِمَّةٌ خَلَقاً
بعد المَمَات فإنّي كنتُ أَتّئِرُ
قَالَ أَبُو عُبيد: والرَّميم، مثل الرِّمّة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ} (يس: 78) .
يُقال مِنْهُ: رَمّ العَظْمُ، وَهُوَ يَرمّ رِمّةً، وَهُوَ رَميم.
وأَخبرني المنذرِيّ، عَن ثَعلب، قَالَ: يُقَال: رَمّت عِظَامُه، وأَرَمَّت، إِذا بَلِيت.
وَقَالَ غَيره: أَرَمّ العَظْمُ فَهُوَ مُرِمّ، وأَنْقى فَهُوَ مُنْقٍ، إِذا صَار فِيهِ رِمٌّ، وَهُوَ المُخّ.
والرُّمّة من الحَبل، بِضَم الرَّاء: مَا بَقِي مِنْهُ بعد تَقَطّعه؛ وجَمْعها: رِمَم، وَبِهَذَا سُمِّي غَيْلان العدويّ الشَّاعِر: ذُو الرُّمّة؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أُرجوزة لَهُ:
أَشْعث مَضْروب القَفَا مَوْتود
فِيهِ بقايا رُمَّةِ التَّقْلِيدِ
يَعني مَا بَقي فِي رَأس الوَتد من رُمّة الطُّنب المَعْقُود فِيهِ.
وَمن هَذَا يُقال: أعطيتُه الشيءَ بِرُمّته، أَي بجماعته.
وأَصلها: الحَبل يُقاد بِهِ الْبَعِير؛ وَمِنْه قَول الأَعْشى:
فقلتُ لَهُ هَذِه هَاتِهَا
بأَدْماء فِي حَبْل مُقْتَادِها
قَالَ أَبُو بكر، فِي قَوْلهم: أَخذ الشَّيْء برُمّته، قَوْلان:
أحدُهما: أَن الرُّمّة: قِطْعَةُ حَبْل يُشَدّ بهَا الأَسير أَو الْقَاتِل إِذا قِيد إِلَى القَتْل لِلْقَود، وقولُ عليَ يَدُلّ على هَذَا حِين سُئل عَن رَجُل ذَكر أَنه رأى رَجلاً مَعَ امْرَأَته فقتَله، فَقَالَ: إِن أقامَ بَيِّنةً على دَعْواه وَجَاء بأَرْبعَة يشْهدُونَ وَإِلَّا فَلْيُعْط برُمَّته.
يَقُول: إِن لم يُقم البيّنة قَادَهُ أهلُه بحَبْل فِي عُنقه إِلَى أَوْلِيَاء القَتيل فيُقْتل بِهِ.
وَالْقَوْل الآخر: أخذتُ الشَّيْء تامّاً كَامِلا لم يُنقص مِنْهُ شَيْء.
وَأَصله: الْبَعِير يُشَدّ فِي عُنقه حَبْل، فَيُقَال: أَعطاه البعيرَ برُمّته؛ قَالَ الكُمَيت:
وَصْل خَرْقَاء رُمَّةٌ فِي الرِّمَام
ويُقال: أخذتُ الشَّيء برُمَّته، وبزَغْبره، وبجُمْلته، أَي أَخَذته كُله لم أَدعْ مِنْهُ شَيْئا.
وَفِي حَدِيث: فأَرَمّ القَوْمُ.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَرَمّ الرَّجُل إرْمَاماً، إِذا سَكَت. فَهُوَ مُرِمّ.
والإرْمَامُ: السُّكُوت.
وأمّا التّرَمْرُم، فَهُوَ أَن يُحرِّك الرَّجُلُ شَفَتَيْه بالْكلَام.
يُقال: مَا تَرَمْرم فلانٌ بحَرْف، أَي مَا نَطق؛ وأَنْشد:
إِذا تَرَمْرَم أَغْضى كلُّ جَبَّار

(15/139)


وَقَالَ أَبُو بكر: فِي قَوْلهم: مَا تَرَمْرم، مَعْناه: مَا تحرّك؛ قَالَ الكُمَيت:
تكَاد الغُلاةُ الجُلْسُ مِنْهُنَّ كُلّما
تَرَمْرم تُلْقِي بالعَسِيب قَذَالهَا
وَيجوز أَن يكون (مَا ترمرم) مبنيّاً من: رام يريم، كَمَا تَقول: خَضْخضت الْإِنَاء، وَالْأَصْل من: خَاضَ يَخُوض؛ ونَخْنَخت الْبَعِير، وَالْأَصْل: أَنَاخَ.
والرَّمْرَامة: حِشيشةٌ مَعْروفة فِي الْبَادِيَة؛ والرَّمْرام: الْكثير مِنْهُ.
وَمن كَلَامهم فِي بَاب النَّفْي: مَا لَهُ عَن ذَلِك الأَمر حَمٌّ وَلَا رَمٌّ، أَي بُدٌّ، وَقد يُضَمَّان.
قَالَ اللَّيْث: أمّا: حمُ، فَمَعْنَاه: لَيْسَ يَحول دونه قَضَاء.
قَالَ: ورَمّ: صلَة، كَقَوْلِهِم: حَسَن بَسَن.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: فِي قَوْلهم: مَا لَهُ حُمٌّ وَلَا سُمٌّ، أَي مَا لَهُ هَمٌّ غَيْرك.
وَمَا لَهُ حُمٌّ وَلَا رُمٌّ، أَي لَيْسَ لَهُ شَيْء.
وأمّا الرُّمّ فَإِن ابْن السِّكِّيت قَالَ: يُقالُ: مَا لَهُ ثُمٌّ وَلَا رُمٌّ، وَمَا يَمْلك ثُمّاً وَلَا رُمّاً.
قَالَ: والثُّم: قُماش النَّاس: أَساقيهم وآنِيتهم. والرُّمّ: مَرَمّة البَيت.
قلت: والكلامُ هُوَ هَذَا، لَا مَا قَالَه اللَّيْث.
وقرأت بِخَط شَمر فِي حَدِيث عُرْوة بن الزُّبَير حِين ذكر أُحيحة بن الجُلاَح وَقَول أَخْوَاله فِيهِ: كُنّا أَهْل ثُمَّة ورُمَّة.
قَالَ: قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا حدّثوه بِضَم الثَّاء وَالرَّاء؛ وَوَجهه عِنْدِي: أَهل ثَمّه ورَمّه، بِالْفَتْح.
قَالَ: والثَّم: إصْلَاح الشَّيْء وإحكامه، والرَّم من (الطّعْم) ، يُقال: رَمَمت رَمّاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الثَّمّ والرَّمّ: إصْلَاح الشَّيْء وإحكامه.
قَالَ شَمر: وَكَانَ هَاشم بن عَبد منَاف تزوّج سَلْمى بنت زيد النَّجّاريّة بعد أُحَيْحة بن الجُلاح، فَولدت لَهُ شَيبة، وتُوفي هَاشم وشَبّ الْغُلَام، فَقدم المُطّلب بن عبد منَاف فَرَأى الغُلام فانتزعه من أُمّه، وأَرْدفه راحِلَته، فلمّا قَدِم مَكَّة قَالَ النَّاس: أَرْدَف المُطَّلب عَبْده، فسمِّي: عَبْد المُطَّلب.
وَقَالَت أُمه: كنّا ذَوي ثَمّه ورَمّه حَتَّى إِذا قَامَ على ثَمِّه انْتزعوه عَنوة من أُمّه، وغلَب الأَخْوالَ حقُّ عمِّه.
قلت: وَهَذَا الْحَرْف رَواه الرُّواة هَكَذَا: ذَوي ثُمِّه ورُمِّه. وَكَذَلِكَ رُوي عَن عُروة، وَقد أَنكره أَبُو عُبيد. والصَّحيح عِنْدِي مَا جَاءَ فِي الحَديث.
وَالْأَصْل فِيهِ مَا قَالَه ابْن السِّكِّيت: مَا لَهُ ثُمّ وَلَا رُمّ.
فالثُّمّ: قماش الْبَيْت، والرُّمّ: مَرَمّة الْبَيْت؛

(15/140)


كَأَنَّهَا أَرَادَت: كُنَّا القائمين بأَمره حِين ولدتُه إِلَى أَن شَب وَقَوي. وَالله أَعلم.
ومِن كَلَامهم السّائر: جَاءَ فلانٌ بالطِّم والرِّمّ.
مَعْنَاهُ: جَاءَ بكُل شَيْء ممّا يكون فِي البَرِّ وَالْبَحْر. أَرَادَ بالطِّم: البَحْر، وَالْأَصْل فِيهِ الطَّمّ بِفَتْح الطَّاء، فكُسرت الطَّاء لمعاقبته الرِّم، والرِّمّ: مَا فِي البَرِّ من النَّبات وغَيره.
وسَمِعْتُ الْعَرَب تَقول للَّذي يَقُش مَا سَقط من الطَّعام وأَرْذَله ليأكُله وَلَا يتوقَّى قَذَره: فلانٌ رمّام قَشّاش.
وَهُوَ يَتَرَمّم كُلَّ رُمَام، أَي يَأكُله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَمّ فلانٌ مَا فِي الغَضَارة: إِذا أَكل كُلَّ مَا فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: رَمَاه بالمُرِمّات، إِذا رَماه بالدَّواهِي.
وَقَالَ أَبُو مَالك: هِيَ المُسْكِتات.
ورَمِيم: اسْم امْرأة.
مر: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيْدٍ، قَالَ: الأَمَرُّ: المَصَارِين، يَجْتمع فِيهَا الفَرْث؛ وأَنْشد:
وَلَا تُهْدِي الأمَرَّ ومَا يَلِيه
وَلَا تُهْدِنّ مَعْرُوق العِظَامِ
قَالَ: وَقَالَ الكِسَائِيّ: لَقِيتُ مِنْهُ الأَمَرَّيْن والبُرَحَيْن والأَقْوَرَيْن، أَي لَقِيتُ مِنْهُ الشَّرَّ.
قلت: جَاءَت هَذِه الحُروف على لَفظ الجَماعة بالنُّون عَن الْعَرَب، كَمَا قَالُوا: مَرَقَة مَرَقَيْن.
وأمّا قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَاذَا فِي الأَمَرَّين من الشِّفَاء) ، فإنّه مُثنًّى، وهما الثُّفّاء والصَّبِر، والمَرَارة فِي الصَّبر دون الثُّفّاء، فغَلَّبه عَلَيْهِ.
وتأنيث (الأَمَرّ) : المُرّى؛ وتَثْنِيتها: المُرَّيَان.
وَمِنْه حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي الوصيّة: هما المُرَّيان: الْإِمْسَاك فِي الْحَيَاة والتَّبْذِير عِنْد الممَات.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: هما المُرَّيان: هما الخَصْلتان المُرَّتان، الْوَاحِدَة: المُرَّى، مثل الصُّغْرَى، والكُبْرَى، وتَثْنِيتهما: الصُّغُريان والكُبْريان، نسبهما إِلَى المرارة لِمَا فيهمَا من مَرارة الْإِثْم.
قَالَ أَبُو عُبيد: والمُمَرّ: الحَبْلُ الَّذِي أُجِيد فَتْلُه.
قلت: وَيُقَال لَهُ: المرَار، والمَر، وَأنْشد ابْن الأَعْرابيّ:
ثمَّ شَدَدْنا فَوْقَه بِمَرّ
بَين خَشَاشَيْ بازلٍ جِوَرّ
وأَمْرَرْتُ الحَبْلَ أُمِرّه، إِذا شَدَدْت فَتْله.
وَقَوله تَعَالَى: {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ} (الْقَمَر: 2) ، أَي مُحْكَم قوِيّ.
قَالَ الفَرّاء: مَعْنَاهُ: سَيَذْهب ويَبْطُل، من

(15/141)


مَرّ يَمُرّ، إِذا ذَهَب.
قَالَ الزّجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ} (الْقَمَر: 19) ، أَي دَائِم الشُّؤْم.
وَقيل: هُوَ القويّ فِي نُحُوسَتِه.
وَقيل: مُسْتَمِرّ، أَي مُرّ.
وَقيل: مُسْتَمِرّ: نافذٌ ماضٍ فِيمَا أُمِر بِهِ وسُخِّر لَهُ.
والمِرّة: القُوّة؛ وَجَمعهَا: المِرَر.
قَالَ الله تَعَالَى: {الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} (النَّجْم: 6) .
قَالَ الفَرّاء: ذُو مِرّة: من نَعت قَوْله تَعَالَى: { (يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} {الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} (النَّجْم: 5 و 6) .
وأَخْبرني المُنْذِريّ، عَن الحَرّاني، عَن ابْن السِّكِّيت، قَالَ: المِرّة: القُوَّة.
قَالَ: أَصْل المِرّة: إحْكام الفَتْل.
يُقال: أَمَرّ الحَبْلَ إِمْراراً.
قَالَ: وَسمعت أَبَا الهَيْثم يَقُول: مَارَرْتُ الرَّجُل مُمَارَّةً ومِرَاراً، إِذا عَالجْتَه لِتَصْرَعه، وأَراد ذَلِك مِنْك أَيْضا.
قَالَ: والمُمَرّ: الَّذِي يُدْعى للبَكْرَة الصَّعْبة ليمُرّها قَبْل الرَّائِضِ.
قَالَ: والمُمَرّ: الَّذِي يَتَعَقَّل البَكْرَةَ الصَّعْبَة فَيَسْتَمْكن من ذَنَبها ثمَّ يُوَتِّد قَدَميْه فِي الأَرْض كي لَا تَجُرّه إِذا أَرَادت الإفْلات مِنْهُ.
وأَمَرّها بذَنبها: أَي صَرفها شِقّاً لِشِقَ حتّى يذَلِّلها بذلك، فَإِذا ذَلّت بالإِمْرار أَرْسلها إِلَى الرَّائض.
وكُلّ قُوّة من قُوى الحَبْل: مِرَّة؛ وجَمعها: مِرَر.
قَالَ الأصمعيّ فِي قَول الأَخْطل:
إِذا المِئُون أمِرّت فَوْقه حَمَلاَ
وَصَف رَجُلاً يتحمّل الحِمَالات والدِّيَات، فيقولُ: إِذا استُوثق مِنْهُ بِأَن يَحْمل المِئين من الْإِبِل ديات فأُمِرّت فَوق ظَهره، أَي شُدّت بالمِرار، وَهُوَ الحَبْل، كَمَا يُشَدّ على ظَهر البَعير حِمْلُه، حَمَلها وأدّاها.
وَمعنى قَوْله: (حَمَلا) ، أَي ضَمِن أَدَاء مَا حَمَل وكَفَل.
وَقَالَ اللِّحْياني: يُقال: أَمْرَرْتُ فُلاناً على الجِسْر أُمِرّه إِمْرَاراً، إِذا سَلَكْتَ بِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: ويُقال: شَتَمني فلانٌ فَمَا أَمْرَرْتُ وَمَا أَحْلَيْت، أَي مَا قلت مُرّةً وَلَا حُلْوة.
وَيُقَال: مَرّ هَذَا الطَّعَام فِي فَمِي، أَي صَار مُرّاً.
وَكَذَلِكَ كُل شَيْء يَصِير مُرّاً.
والمَرَارة: الِاسْم.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: مَرّ الطعّام يَمَرُّ مَرَارةً. وبعضُهم: يَمُرّ. وَلَقَد مَرِرْت يَا طَعَام. وَأَنت تَمَرّ؛ قَالَ الطِّرمّاح:

(15/142)


لَئِن مَرّ فِي كِرْمان لَيْلِي لربّما
حَلاَ بَين شَطّيْ بابِلٍ فالمُضَيّحِ
قَالَ: وأَنشد الفَرّاء لِبَعض العَرب، وَذكر أنّ المُفضّل أَنشده:
لِيَمْضُغني العِدا فأَمَرّ لَحْمي
فأَشْفَق من حِذاري أَو أَتَاعَا
قَالَ: وأَنْشده بعضُهم (فأفرق) ، ومعناهما: سَلَح. وأتاع، أَي قاء.
قَالَ: وَلم يَعْرف الكسائيّ (مَرّ اللَّحْم) بِغَيْر ألف؛ وأَنشد الْبَيْت الَّذِي قَبْله:
أَلا تِلْكَ الثَّعالبُ قد توالتَ
عليّ وحالَفت عُرْجاً ضِبَاعَا
لِتَأَكُلني فَمَرّ لهنّ لَحْمي
فأَذْرَق من حِذَارِي أَو أتَاعَا
ثَعلب، عَن ابْن الأَعْرابيّ: مَرّ الطّعَامُ يَمَرّ.
ومَرَّ يَمَرّ من المُرُور.
ويُقال: لقد مَرِرْتُ: من المِرّة، أَمَرّ مَرّاً ومِرّةً، وَهِي الِاسْم.
وَقَالَ غَيره: اسْتَمَرّت مَرِيرة الرّجُل، إِذا قويت شكِيمته.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله عزّ وجلّ: {يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ} (الْقَمَر: 2) مَعْنَاهُ: سَيَذْهب ويَبْطُل.
قلت: جعله من (مَرّ يَمُرّ) ، إِذا ذهب.
وَقَالَ الزّجّاج: يُقَال معنى قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ} (الْقَمَر: 19) ، أَي دَائِم.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ} (الْقَمَر: 19) قَالَ: معنى نحس: شُؤم. ومُسْتَمِرّ: دَائِم الشُّؤْم.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَرَّتْ بِهِ} (الْأَعْرَاف: 189) ، مَعْنَاهُ: اسْتَمرّت بِهِ، قعدت وَقَامَت لم يُثْقلها؛ {فَلَمَّآ أَثْقَلَت} (الْأَعْرَاف: 189) أَي دَنا وِلادُها.
وَقَالَ غَيره: {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ} (الْقَمَر: 2) ، أَي قَوِيٌّ.
وَقيل: مُستمر، أَي مُرّ.
يُقَال: مَرّ الشَّيْء، وأَمَرّ، واسْتَمَرّ، من المَرَارة.
وَقَوله تَعَالَى: {مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى} (الْقَمَر: 46) أَي أشَدّ مَرارة.
وَيُقَال: هَذِه البَقْلة من أَمْرَار البُقول. والمُرّة، للْوَاحِد.
والمُرَارة أَيضاً: بَقلة مُرّة؛ وجَمعها: مُرَار.
قَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا أكلت الْإِبِل المُرَارَ قَلصت عَنهُ مَشافِرُها.
وأنما قيل لحُجْر: آكل المُرار، لأنّ بِنتاً لَهُ كَانَ سَباها مَلِكٌ من مُلوك سَلِيح، يُقَال لَهُ: ابْن هَبُولة، فَقَالَت بِنْت حُجْر: كأنّك بأَبِي قد جَاءَ كَأَنَّهُ جَمل آكِلُ مُرَار. يَعْنِي: كاشراً عَن أَنْيابه.

(15/143)


قَالَ: وَوَاحِد المُرار: مُرارة؛ وَبهَا سُمِّي الرجُل.
حَكَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ.
والمَرْمَارُ: الرُّمّان الكَثير المَاء الَّذِي لَا شَحْم لَهُ؛ وَقَالَ الراجز:
مَرْمَارَة مِثْل النَّقَا المَرْمُور
والمَرْمَر: نوعٌ من الرُّخَام صُلْب؛ وَقَالَ الأعْشَى:
كدُمْيةٍ صُوِّر مِحْرَابُها
بِمُذْهَبٍ ذِي مَرْمَرٍ مائِرِ
وَقَالَ ابْن شُميل: يُقال للرجل إِذا اسْتقام أمْرُه بعد فَساد: قد اسْتَمَرّ.
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أَرْجَى الغِلْمان الَّذِي يبْدَأ بحُمْقٍ ثمَّ يَسْتمرّ؛ وأَنْشد الأَعْرابيّ يُخاطب امْرَأَته:
يَا خَيْرُ إنِّي قد جَعلتُ أَسْتَمِرّ
أَرْفع مِن بُرْدَيّ مَا كُنتُ أَجُرّ
وَقَالَ اللّيث: كُل شَيْء قد انقادت طُرْقَته، فَهُوَ مُسْتَمِرّ.
ابْن السِّكّيت: يُقَال: فلانٌ يَصنع ذَلِك الأَمْر آونةً، إِذا كَانَ يَصنعه مِراراً ويدعه مِرَاراً.
ويُقال: فلَان يَصنع ذَلِك تاراتٍ، ويَصنع ذَلِك تِيَراً، ويَصنع ذَلِك ذاتَ المِرار.
معنى ذَلِك كُله: يَصْنعه مرَارًا ويدعه مرَارًا.
قَالَ: المَرَارة: لكُلِّ حَيَوَان إلاّ للبعير، فَإِنَّهُ لَا مَرارة لَهُ.
قَالَ: والمرّة: مزاج من أَمْزجة الجَسد.
والمَرِيرة: عِزّة النَّفس.
ومُرارة، من الْأَسْمَاء.
ومُرّة: أَبُو قَبيلَة من قُريش.
وبَطن مُرّ: مَوضِع.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: فِي الطَّعام زُؤَان، ومُرَيْرَاء، ورُعَيْداء، وكُلّه مِمَّا يُرْمَى بِهِ ويُخرج مِنْهُ.
والأمْرار: مياه مَعْرُوفَة فِي دِيار بني فَزارة.
وَفِي الحَدِيث إنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَره من الشّاء سَبْعاً: الدَّم، والمَرَار، والحَياء، والغُدَّة، والذَّكَر، والأُنْثيين، والمَثانة.
قَالَ القُتيبي: أَرَادَ المُحدثّ أَن يَقُول: (الأَمَرّ) فَقَالَ: المَرار، والأَمَرّ: المَصارين.
ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَرْمَر، إِذا غَضِب.
ورَمْرَم، إِذا أَصْلح شأنَه.
وَقَالَ غَيره: مُرَامِرَات: حروفُ هجاء قَديم لم يَبْق مَعَ النَّاس مِنْهُ شَيء.
قلت: سَمِعت أعرابيّاً يَقُول فِي كَلَام لَهُم: وَذَلٌ وَذَلٌ، يُمَرْمِر مِرْوة ويَلُوكها.
يُمَرْمر: أَصله: يُمَرِّر، أَي يَدْحُو لَهَا على وَجْه الأَرْض.

(15/144)


وَقَالَ ابْن السِّكيت: المَرِيرة من الحبال: مَا لَطُف وَطَالَ واشْتَدّ فَتْله.
وَهِي: المَرَائر.
وَاسْتمرّ مريره، أَي قَوِي بعد ضَعْف.
وَيُقَال: رَعَى بَنو فلَان المُريّان، وهما الآلاء والشِّيح.
وَفِي حَدِيث ابْن الزُّبير، قَالَ: لما قُتل عُثْمَان، قُلت: لَا أَستقبلها أبَداً، فَلَمَّا مَاتَ أبي انْقَطع بِي ثمَّ اسْتمرّت مَرِيرتي.
يُقَال: اسْتمرّت مريرة فلَان على كَذَا، إِذا اسْتَحكم أَمْرُه عَلَيْهِ وقَوِيت شَكِيمته فِيهِ.
وَأَصله من الفَتل أَن يَسْتَقيم للفاتل.
وكل شَيْء انقادت طريقتُه، فَهُوَ مُسْتَمِرّ.
وَقَوله: لَا أستقبلها، أَي لم تُصبْني مُصيبة مثلهَا قَطّ.
وَفِي حَدِيث الْوَحْي: (إِذا نَزل سَمِعت الْمَلَائِكَة صوتَ مَرار السِّلْسلة على الصَّفا) .
المَرار، أَصله الحَبْل، لِأَنَّهُ يُمَرّ، أَي: يُفْتَل.
وَإِن رُوِي (إمرار السلسلة) فَحسن.
يُقَال: أَمررت الشَّيْء، إِذا جَرَرته؛ قَالَ الحادِرَةُ:
ونَقِي بصَالح مالنا أَحْسَابنا
ونُمر فِي الهَيْجا الرِّمَاحَ ونَدَّعِي

(15/145)


بَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف الرَّاء

(أَبْوَاب الرَّاء وَاللَّام)
ر ل ن
مهمل الْوُجُوه.
ر ل ف
اسْتعْمل من وجوهه: (رفل) .
رفل: قَالَ اللَّيْث: الرَّفْلُ: جَرُ الذَّيْل ورَكْضُه بالرِّجْلِ؛ وأَنْشد:
يَرْفُلْن فِي سَرَق الحَرِير وقَزِّه
يَسْحَبْن مِن هُدَّابِه أَذْيَالاَ
قَالَ: وَامْرَأَة رَافِلة، ورَفِلة: تَجُرّ ذَيْلَها إِذا مَشت وتَميس فِي ذَلِك.
وَامْرَأَة رَفْلاَء: وَهِي الَّتِي لَا تُحْسِن المَشْي فِي الثّيَاب. [
حَكَاهُ عَن أبي الدُّقَيش.
قَالَ: وفَرَسٌ رِفَلٌّ، وثَوْرٌ رِفَلٌّ، إِذا كَانَ طَوِيل الذَّنَب.
قَالَ: وبَعِيرٌ رِفَلٌّ، يُوصَف بِهِ على وَجْهين: إِذا كَانَ طَويل الذَّنَب، وَإِذا كَانَ وَاسع الجِلْد؛ وأَنشد:
جَعْد الدَّرانِيك رِفَلُّ الأَجْلاَد
قَالَ: وَامْرَأَة مِرْفالٌ: كَثِيرَة الرُّفُول فِي ثَوْبها.
وشَعَرٌ رَفَال: طويلٌ؛ وأَنْشد:
بفاحِمٍ مُنْسَدِلٍ رَفَالِ
وأمّا قَوْله: تَرفل المَرافلا، فَمَعْنَاه: تَمْشي كل ضَرْب من الرَّفْل.
قَالَ: وَلَو قيل: امْرَأَة رَفِلة: تُطَوّل ذَيْلها وتَرْفُل فِيهِ، كَانَ حَسَناً.
ومَرافل: سَويق يَنْبُوت عُمَان.
أَبُو عُبيد: رَفَّلْت الرَّجُل: إِذا عَظّمْتَه ومَلّكته؛ وأَنْشد:
إِذا نَحن رَفَّلْنا امْرءاً سَاد قَوْمَه
وَإِن لم يكن مِن قَبل ذَلِك يُذْكَرُ
وَفِي حَدِيث وَائِل بن حُجْر: يَسْعَى وَيَتَرَفَّل على الأَقْوال.
قَالَ شَمِر: التَّرَفُّل: التَّسَوُّد.
والتَّرْفيل: التَّسْويد.
ورُفِّل فلانٌ، إِذا سُوِّد على قَوْمه.
قَالَ: وأَرْفل الرَّجلُ ثِيابه، إِذا أَرْخاها.
وَإِزَار مُرْفَلٌ: مُرْخًى.
أَبُو عُبيد، عَن الكسائيّ: رَفّلْت الرَّكِيّةَ: أَجْمَمْتُها.
وَهَذَا رَفَلُ الرَّكِيّة: جُمّعتها.
قَالَ شَمِر: لَا أَعْرف: (رَفَّلت الرَّكِيّة) لغير

(15/146)


الكِسائيّ.
وَقَالَ الخَليل: المُرَفّل من أَجزَاء العَروض: مَا زِيد فِي آخر الْجُزْء سَبَب آخر، فَيصير مستفعلان مَكَان مستفعلن.
ابْن السّكّيت، عَن الأصمعيّ: فرسٌ رفَلٌّ ورِفَنٌّ، إِذا كانَ طَويل الذَّنَب.
وَفِي حَدِيث: مثل الرّافلة فِي غَير أَهلها كالظّلمة يومَ الْقِيَامَة.
والرَّافلة: المُتَبَرِّجة بالزِّينة.
يُقَال: رفل إزارَه، وأَسْبَله، وأَغْدفه، وأَذاله، وأَرْخاه.
والرِّفْلُ: الذِّيْل.
ر ل ب
ربل، برل، بلر.
ربل: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الرَّبْلَة: باطِنُ الفَخِذ.
وَجَمعهَا: الرَّبَلاَت.
ولكُل إِنْسَان رَبْلَتان.
وَقَالَ اللّيث: امْرَأَة رَبِلَةٌ: ضَخْمة الرَّبَلات.
قَالَ: ويُقال: امْرَأَة رَبْلاَء، رَفْغاء، أَي ضَيِّقة الأَرْفاغ؛ وأَنشد:
كأنّ مَجامِع الرَّبَلات مِنها
فِئَامٌ يَنْهَدُون إِلَى فِئَامِ
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الرَّبْلُ: ضُروب من الشَّجر إِذا بَردَ الزّمانُ عَلَيْهَا وأَدْبر الصَّيْفُ تَفَطَّرت بِوَرَقٍ أَخْضَر من غير مَطر.
يُقال مِنْهُ: تَرَبَّلت الأَرْضُ.
وَقَالَ الليثُ: نَحْوَه.
وأَرْض مِرْبَال. وَقد أَرْبلت الأَرْض: لَا يَزال بهَا رَبْلٌ.
أَبُو عُبيد: من أَسماء الْأسد: الرّيبال.
قلت: هَكَذَا سمعتُه بِغَيْر همز، وَمن الْعَرَب من يَهمز ويَجْمعه: رآبِلةَ.
وَيُقَال: ذِئْب رِيبَالٌ.
ولصٌّ رِيبال.
قَالَ اللَّيث: وَهُوَ من الجُرأة وارْتصاد الشَّرّ.
وَفعل ذَلِك من رَأْبَلته وخُبْثه.
وتَرأبل تَرَأْبُلاً، ورَأْبَل رَأْبَلة.
وَقَالَ غَيره: رَبَل بَنو فلَان يَرْبُلون: كَثُر عَدَدُهم.
ورَبَلت المَراعِي: كثُر عُشْبها؛ وأَنْشد الأصمعيّ:
وذُو مُضاضٍ رَبَلَت مِنْهُ الحُجَرْ
حَيْثُ تَلاقَى واسطٌ وذُو أَمَرْ
قَالَ: الحُجَر: دارات فِي الرَّمْل. والمُضاض: نَبْت.
والرَّبَالة: كَثْرة اللّحم.
ورَجُلٌ رَبِيل: كَثير اللَّحْم.

(15/147)


سَلمة؛ عَن الْفراء: الرِّيبال: النَّباتُ المُلْتَفُّ الطَّويل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَال: كَثْرة اللَّحم والشَّحم.
والرَّبِيلة: المَرأَةُ السَّمِينة.
برل: أَبُو عُبَيد، عَن الفَرّاء، البُرَائِل: الّذي يَرْتفع مِن ريش الطّائر فَيَسْتَدير فِي عُنُقه؛ وأَنشد:
وَلَا يَزال خَرَبٌ مُقَنَّعُ
بُرَائلاَه والجَنَاح يَلْمَعُ
وَقَالَ اللّيث: البُرْؤُلة؛ والجمعُ: البُرَائل، للدِّيك خاصّة.
ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبُو بُرائل كُنْية الدِّيك.
بلر: قلت: البِلّوْر: الرّجُل الضّخْم الشُّجَاع. وأمّا البِلَوْر، الْمَعْرُوف، فَهُوَ مُخفَّف اللَّام.
ر ل م
اسْتُعمل من وُجُوهه: (رمل) .
رمل: ابْن بُزُرْجَ: يُقال: إنّ بَيْت بني فُلانٍ لضَخْمٌ وَإِنَّهُم لأرْمَلة مَا يَحْملونه إلاّ مَا اسْتَفْقَروا لَهُ؛ يَعْني: العارِيَةَ.
ويُقال للْفَقِير الَّذِي لَا يَقْدر على شَيْء من رَجُل أَو امْرَأَة: أَرْملة، وَلَا يُقال للْمَرْأَة الَّتِي لَا زَوْج لَهَا وَهِي مُوسرة: أَرْمَلة.
يَعْنِي: أنّهم قومٌ لَا يَمْلكون الْإِبِل وَلَا يَقْدرون على الارْتحال إلاّ على إبل يَسْتَفقِرونها، أَي يَسْتعيرونها، من: أَفْقَرْتُه ظَهْر بَعيري، إِذا أَعَرْتَه إيّاه.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: الأرامل: المَساكين، من جمَاعَة رِجَالٍ ونِساء.
وَيُقَال لَهُم: الأرامل، وَإِن لم يكن فيهم نِساء.
وَيُقَال: جَاءَت أَرْمَلة وأَرامل، وَإِن لم يكن فيهم نسَاء.
وعامٌ أَرْملُ: قليلُ المَطر. وَسنة رَمْلاَء.
وَقَالَ اليَزيدي: أَرْمَلت المرأةُ: صَارَت أَرْمَلَة.
قَالَ شَمِر: رَمَّلت المرأةُ من زَوْجها.
وَهِي أَرْمَلة.
وَيُقَال للذّكر: أَرْمل، إِذا كَانَ لَا امْرأة لَهُ.
وَقَالَ القُتيبي: يُقَال للْمَرْأَة الَّتِي لَا زَوج لَهَا: أَرْمَلة.
وجَمْعها: الأرَامل.
والعَرَبُ تَقول للرَّجُل الَّذِي لَا امْرَأَة لَهُ: أَرْمَل.
وَكَذَلِكَ: رَجُلٌ أَيِّم وامْرأة أَيِّمة؛ وَقَالَ الراجز:
أُحِبُّ أَن أَصْطَاد ضَبّاً سَحْبَلاَ
رَعَى الرّبِيعَ والشِّتاء أَرْمَلاَ
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الأَرْمَلة: الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُها: سُمِّيت أرملة لذَهاب زادِها

(15/148)


وفَقْدها كاسِبها ومَن كَانَ عيشُها صَالحا بِهِ؛ من قَول العَرب: أَرْمل الرَّجُلُ، إِذا ذهب زادُه.
قَالَ: وَلَا يُقال لِلرَّجُل إِذا مَاتَت امْرَأَته: أَرْمل، إلاَّ فِي شذوذ، لأنّ الرَّجُل لَا يَذْهب زَادُه بِمَوْت امْرَأَته: إِذا لم تكن قَيِّمة عَلَيْهِ؛ والرَّجُل قَيِّم عَلَيْهَا تَلْزمه عَيْلُولتها ومُؤْنتها، وَلَا يلْزمهَا شيءٌ من ذَلِك.
ورُدّ على القُتَيبي قولُه فِيمَن أوْصى بِمَالِه للأَرَامل أنهُ يُعطى مِنْهُ الرِّجال الَّذين مَاتَت أَزْوَاجُهم؛ لأنّهُ يُقال: رَجُلٌ أَرْمل، وامْرأة أَرْمَلة.
قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا مِثل الوصيّة للجواري، لَا يُعْطى مِنْهُ الغِلْمان. ووصِيّة الغِلمان لَا يُعْطى مِنْهُ الجوارِي، وَإِن كَانَ يُقال لِلْجَارِيَةِ: غلامة.
وَقَالَ اللّيث: الرّمْل: مَعْرُوف؛ وَجمعه: الرِّمَال.
والقِطعة مِنْهُ: رَمْلة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِرْمَلُ: القَيْدُ الصَّغِير.
وعامٌ أَرْمَلُ: قَلِيلُ الخَيْرِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأرْمل: الأبْلَق.
وَقَالَ أَبُو زيد: نعجةٌ رَمْلاء، إِذا اسْوَدَّت قوائمُها كُلّها وسائرها أَبْيض.
ويُقال لِوَشْي قَوَائِم الثَّور الوَحْشِيّ: رَمَلٌ؛ واحدتها: رَمَلة؛ وَقَالَ الجَعْدِيّ:
كأَنّها بَعْد مَا جَدَّ النَّجَاء بهَا
بالشَّيِّطَيْن مَهَاةٌ سُرْوِلَتْ رَمَلاَ
وَفِي حَدِيث أُمّ معبد: وَكَانَ القومُ مُرْمِلين مُسْنِتين.
قَالَ أَبُو عُبيد: المُرْمِل: الَّذِي نفد زادُه؛ وَمِنْه حَدِيث أبي هُرَيرة: كُنَّا مَعَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزاة فأَرْمَلْنا وأَنْفَضْنا.
ويُقال: أرْمل السّهم إرْمالاً، إِذا أَصَابَهُ الدّمُ فَبَقيَ أثَرُه؛ وَقَالَ أَبُو النَّجم يَصف سِهاماً مُحْمَرَّةَ الرِّيش:
مُحْمَرَّةَ الرِّيش على ارْتِمالها
مِن عَلَقٍ أَقْبَل فِي شِكَالِهَا
وأُرْمُولة العَرْفج: جُذْمُوره؛ وجَمعها: أَراميل؛ قَالَ:
قُيِّد فِي أَرَامِل العَرَافِج
أَبُو عُبَيد: رَمَلْت الحَصِير، وأَرْمَلْته فَهُوَ مَرْمُول ومُرْمَل، إِذا نَسَجْته.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُضْطجعاً على رُمَال حَصير قد أَثَّر فِي جَنْبه؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذْ لَا يَزال على طَرِيقٍ لاحِب
وكأنّ صَفْحته حَصيرٌ مُرْمَلُ
ويُقال: رُمِّل فلانٌ بالدَّم، وضُمِّخ بِالدَّمِ، وضُرِّج بِالدَّمِ، كُلّه إِذا لُطِّخ بِهِ.
وَقد تَرَمّل بِدَمه.

(15/149)


والرَّوَامِل: نَواسِج الحَصِير.
الْوَاحِدَة: رامِلة.
وَقد أَرْمَلْته؛ وَأنْشد أَبُو عُبَيد:
كأنّ نَسْج العَنكبُوت المُرْمَل
وَقَالَ اللّيث: غلامٌ أُرمولة، كَقَوْلِك بالفارسيّة (زاذه) .
قلت: لَا أعرف (الأُرمولة) عربيَّتها وَلَا فارسيّتها.
وَيُقَال: خَبيص مُرْمَل، إِذا عُصِد عَصْداً شَدِيداً حَتَّى صَارَت فِيهِ طَرائِقُ مَدْخُونة.
وطَعَامٌ مُرَمَّل، إِذا أُلقي فِيهِ الرَّمْل.
والرَّمَل: ضَربٌ من عَرُوض يَجِيء على: فاعلاتن فاعلاتن؛ وَقَالَ الراجز:
لَا يُغْلب النازع مَا دَامَ الرَّمَل
وَمن أَكَبَّ صامتاً فقد حَمَل
وَيُقَال: رَمَل الرَّجُل يَرْمُل رَمَلاناً، إِذا أَسْرع فِي مَشْيه، وَهُوَ فِي ذَلِك يَنْزُو.
والطائف بالبَيت يَرْمُل رَمَلاَناً اقْتِدَاء بالنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأَصْحابه، وَذَلِكَ أَنهم رَمَلُوا لِيَعْلَم أهلُ مَكَّة أنّ بهم قُوَّة؛ وأَنْشد المُبَرِّد:
ناقتُه تَرْمُل فِي النِّقَال
مُتْلف مالِ ومُفِيد مالِ
قَالَ: النِّقال: المُناقلة، وَهُوَ أَن تَضع رجلَيْها مواقع يَدَيْها.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّمَلُ: المَطر الضَّعيف.
رَوَاهُ أَبُو عَمْرو، عَن ثَعْلَب.
أَبُو عُبيد، عَن الْأمَوِي: أَصَابَهُم رَمَلٌ مِن مَطر، وَهُوَ القَلِيل.
وَجمعه: أَرْمَالُ.
والرَّثَان، أقوى مِنْهَا.
قَالَ شمر: لم أَسمع (الرّمل) بِهَذَا الْمَعْنى إِلَّا للأمويّ.

(أَبْوَاب) الرَّاء وَالنُّون)
ر ن ف
رنف، رفن، نفر، فرن.
رنف: أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبيدة: الرَّانفة: ناحيةُ الأَلْية؛ وأَنْشد:
مَتَى مَا نَلْتَقِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ
روانِفُ ألْيَتَيْك وتُسْتَطَارَا
وَقَالَ اللّيث: الرَّانف: مَا اسْتَرْخَى من الأَلْية للإِنْسان.
قَالَ: وأَلْيَةٌ رانِفٌ.
وَقَالَ غَيره: أَرْنف الْبَعِير إرنافاً، إِذا سَار فَحرَّك رَأْسه فتقدَّمت هامَتُه.
أَبُو عُبيد: الرَّنَفُ: بَهْرَامَجُ البَرّ.
وَيُقَال: رَنَف، وأَرْنف.
رفن: ابْن السِّكِّيت، عَن الْأَصْمَعِي: فرسٌ رِفَلٌ ورِفَنٌّ، إِذا كَانَ طويلَ الذَّنَب؛ وَأنْشد:

(15/150)


يَتْبَعْن خَطْو سَبِطٍ رِفَلِّ
وَقَالَ النَّابِغة:
بكُلِّ مُجَرِّبٍ كاللَّيْثِ يَسْمُو
إلَى أوْصَال ذَيَّالٍ رِفَنِّ
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّفْن: النَّبْض.
والرَّافِنة: المُتَبَخْترة فِي بَطَر.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: المُرْفَئِنّ: الَّذِي نَفَر ثمَّ سَكَن؛ وَأنْشد:
ضَرْباً وِلاَءً غَيْرَ مُرْثَعِنّ
حَتَّى تَرَنّى ثمَّ تَرْفَئِنّي
فرن: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الفارِنَةُ: خَبَّازة الفُرْنيّ.
وَقَالَ اللَّيث: الفُرْنيّ: طَعَام.
الْوَاحِدَة: فُرْنِيّة، وَهِي خُبْزة مُسَلّكَة مُصَعْنَبة تُشْوى ثمَّ تُرْوَى لَبَناً وسَمْناً وسُكَّراً.
ويُسمَّى ذَلِك المُخْتَبَز: فُرْناً.
نفر: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد: النَّفَر، والرَّهْط: مَا دُون العَشرة من الرِّجال.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: النَّفَر، وَالْقَوْم، والرَّهْط، هَؤُلَاءِ معناهم: الْجمع، لَا واحدَ لَهُم من لَفظهمْ، للرِّجَال دون النِّساء.
اللّيث: يُقال، هَؤلاء عشرَة نَفَر، أَي عَشرة رِجَال.
وَلَا يُقَال: عِشْرون نَفرا، وَلَا مَا فوْق العَشرة.
وَقَالَ الفَرَّاء: يُقَال: لَيْلَة النَّفْر والنَّفَر؛ وهم النَّفَر من القوْم.
قَالَ: ونَفَرة الرَّجُل، ونَفْره: أُسرته؛ تَقول: جَاءَ فِي نَفْرته، ونَفْره؛ وأَنْشد:
حَيَّتْك ثمَّتَ قالتْ إنّ نَفْرَتنا
أَليومَ كُلَّهُم يَا عُرْوَ مُشْتَغِلُ
قَالَ: ونَفر القومُ يَنْفِرون نَفْراً ونَفِيراً.
ونَفرت الدّابةُ تَنْفِر وتَنْفُر نُفُوراً ونفَاراً.
وَنَفر الجُرْحُ، إِذا وَرِمَ، نُفُوراً.
وَيُقَال: للأُسرة أَيْضا: النُّفُورة.
يُقَال: غابَت نُفُورَتُنا، وغَلَبت نُفُورتُنا نُفُورَتَهم.
قَالَ: ونافرتُ الرَّجُلَ مُنافرةً، إِذا قاضَيْتَه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المُنافرة، أَن يَفْتخر الرَّجُلان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه، ثمَّ يحكِّما بَينهمَا رجلا، كفِعل عَلقمة بن عُلاثة مَعَ عَامر بن الطُّفَيل حَيث تنافر إِلَى هَرِم بن قُطْبة الفَزاريّ؛ وَفِيهِمَا يَقُول الأَعْشى:
قد قلتُ شِعْري فَمضى فيكُما
واعْتَرف المَنْفُور للنّافِر
والمَنْفُور: المَغْلوب. والنافِر: الغالِب.
وَقد نَفَره يَنْفِره ويَنْفُره نَفْراً، إِذا غَلبه.
ونَفّر الحاكمُ أحدَهما على صَاحبه تَنْفِيراً.

(15/151)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النافر: القامِرُ.
قَالَ: هُوَ يَوْم النّحْر، ثمَّ يَوْم القَر، ثمَّ يَوْم النَّفْر الأَول، ثمَّ يَوْم النَّفْر الثَّانِي.
هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبيد.
وَيُقَال: فلانٌ لَا فِي العِير وَلَا فِي النَّفِير.
قيل: هَذَا المَثل لقُريش من بَين العَرب، وَذَلِكَ أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمّا هَاجر إِلَى المَدِينة ونَهض مِنْهَا لِيَلْقى عِيرَ قُريش سَمِع مُشْركو قُرَيش بذلك فنَهضُوا ولَقَوْه بِبَدْر ليأمَن عيرُهم المُقْبِلُ من الشَّام مَعَ أبي سُفيان، فَكَانَ من أَمرهم مَا كَانَ، وَلم يكن تخلّف عَن العِير والقتال إلاّ زَمِنٌ أَو مَن لَا خَير فِيهِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ لمن لَا يَسْتَصلحونه لمهمّ: فلَان لَا فِي العِير وَلَا فِي النَّفِير. فالعِيرُ: مَن كَانَ مِنْهُم مَعَ أبي سُفْيَان؛ والنَّفير: من كَانَ مِنْهُم مَعَ عُتْبة بن رَبيعة قائِدهم يَوْم بَدْر.
واستنفر الإمامُ الناسَ لجهاد العَدوّ فنَفَروا يَنْفرون، إِذا حَثّهم على النّفير ودَعاهم إِلَيْهِ، وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَإِذا اسْتُنْفِرتم فانْفِروا) .
وَيُقَال: اسْتنفرت الوَحش وأَنْفرتها، ونَفَّرْتُها، بِمَعْنى وَاحِد.
فنَفرت تَنْفِر، واسْتنفرت تَسْتَنفر، بِمَعْنى وَاحِد؛ وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: (كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة) (المدثر: 50 و 51) .
وقُرئت: (مُسْتَنْفِرة) بِكَسْر الْفَاء؛ بِمَعْنى: نافِرة.
وَمن قَرَأَ: مُسْتَنْفَرة فمعناها: مُنَفَّرة، وأَنشد ابْن الأَعرابيّ:
اضْرِب حِمَارَك إنّه مُسْتَنْفِر
فِي إِثْر أَحْمِرةٍ عَمَدْن لِغُرَّبِ
أَي: نافر.
وَفِي حَدِيث عُمر أنّ رجلا فِي زَمَانه تَخلَّل بالقَصَب فَنَفَر فُوهُ، فنَهى عَن التخلُّل بالقَصَب.
قَالَ أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي والكِسائي: نَفَر فَمُه: أَي وَرِم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وأُراه مأخوذاً من: نفار الشَّيْء من الشَّيْء، إِنَّمَا هُوَ تَجافيه عَنهُ وتَباعده مِنْهُ، فكأنّ اللَّحْم لما أنكر الدَّاء نَفَر مِنْهُ، فَظَهر، فَذَلِك نِفَارُه.
أَبُو عُبيد: رَجُل عِفْرٌ نِفْرٌ، وعِفْريَةٌ نِفْرِيَةٌ، وعِفْريتٌ نِفْريتٌ، وعُفَارِيَةٌ نُفَاريَةٌ، إِذا كَانَ خَبِيثاً مارداً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّفَائر: العَصافِيرُ.
وَقَوله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (الْإِسْرَاء: 6) نَفير، جمع نَفْر: مثل، الكَلِيب والعَبِيد.
ونَفْر الإِنسان، ونَفَره، ونَفْرته، ونَفِيره، ونَافرته: رَهْطه الَّذين يَنْصرونه، وَمِنْه قَوْله

(15/152)


تَعَالَى: {وَأَعَزُّ نَفَراً} (الْكَهْف: 35) أَي قوما يَنْصُرونه.
{وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} (الْإِسْرَاء: 41) أَي تباعُداً عَن الحقّ.
يُقَال: نَفَر يَنْفِر نُفُوراً.
{وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} (الْإِسْرَاء: 46) أَي نافرين، مثل: شَاهد وشُهُود.
ر ن ب
رنب، نرب، ربن، برن، نبر، بنر.
رنب: قَالَ اللّيث، الأرْنبُ: الذَّكَر يُقَال لَهُ: الخُزَز.
وَالْأُنْثَى: أرْنَب.
وَأَجَازَ غَيره أَن يُقال للذّكر: أَرْنب؛ وَجمعه: الأرانب.
والأرْنبة: طَرف الأنْف.
وَجَمعهَا: الأرانب أَيْضا.
يُقَال: هم شُمّ الأُنُوف واردةٌ أَرَانبهم.
وَقَالَ اللَّيْث: أرضٌ مُرْنِبَةٌ: كَثِيرَة الأرانب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أَرض مُؤَرْنِبَةٌ، من الأرانب.
قلت: وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
كُرَاتُ غُلاَم مِنْ كِسَاءٍ مُؤَرْنَب
فَكَانَ فِي العربيّة مُرَنَّب، فرُدَّ إِلَى الأَصْل.
وَقَالَ الليثُ: أَلف (أَرنب) زَائِدَة.
قلت: وَهِي عِنْد أَكثر النَّحْوِيِّين قَطْعِيَّة.
وَقَالَ: لَا تَجِيء كلمة فِي أَولهَا ألف فَتكون أَصْلِيَّة، إِلَّا أَن تكون الْكَلِمَة ثَلَاثَة أحرف مثل: الأَرْض، وَالْأَمر، والأَرش.
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: المَرْنَبَة: القَطيفة ذَات الخَمْل.
وَقَالَ اللّيث: يُقَال: كساءٌ مَرْنَبَانِيّ، ومُؤَرْنَب.
فأمَّا المَرْنَباني: فَالَّذِي لونُه لون الأرنب.
وأَمَّا المُؤَرْنَب: فَالَّذِي يُخْلط غَزْلُه بوَبَر الأرْنب.
وقرأتُ فِي (كتاب اللّيث) فِي هَذَا الْبَاب: المَرْنَب: جُرَذٌ فِي عِظَمِ اليَرْبُوعِ قَصِيرُ الذَّنَب.
قلتُ: هَذَا خطأ، والصوابُ: الفِرْنِب، بِالْفَاءِ مَكسورة. وَمن قَالَ: مَرْنَب، فقد صَحَّف.
نرب: قَالَ اللّيثُ: النَّيْرَبُ: النَّمِيمة.
ورَجُلٌ نَيْرَبٌ: ذُو نَيْرَبٍ، أَي نَمِيمَة.
وَقد نَيْرَبَ فَهُوَ يُنَيْرِب، وَهُوَ خَلطُ القَوْل، كَمَا تُثيرُ الرِّيحُ التُّرَابَ على الأرْض فتَنْسُجُه؛ وأَنْشَد:
إِذا النَّيْرَبُ الثَّرْثَارُ قَالَ فأَهْجَرا
وَلَا تُطْرح الْيَاء مِنْهُ لِأَنَّهَا جُعلت فصلا بَين الرّاء والنُّون.
قَالَ: والنّيْرب: الرَّجُلُ الجَلد.

(15/153)


ورَوى أَبُو الْعَبَّاس، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، أَنه قَالَ: الْنَّيْرَبة: النَّميمة.
ربن: قَالَ اللّيثُ: أَرْنَبْتُ الرَّجُلَ، إِذا أَعْطَيْتَهُ رَبُوناً، وَهُوَ دَخيل، وَهُوَ نَحْو: عَرْبُون.
أَبُو عَمرو: الْمُرْتَبِنُ: المُرْتفع فَوق المَكان.
قَالَ: والمُرْتَبِىء، مثله؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
ومُرْتَبِنٍ فَوْقَ الْهضَابِ لفَجْوَةٍ
سَمَوْتُ إِليه بالسِّنَانِ فَأدْبَرَا
ورُبَان كلّ شَيْء: مُعظمه وجَمَاعته.
وَقيل: رُبّان الشَّبَاب: أَوَّلُه؛ وَمِنْه قَوْله:
وَإِنَّمَا العَيْشُ بِرُبَّانِه
وأَنتَ مِنْ أَفْنَانِهِ مُفْتَقِرْ
ورُبّان السَّفينة: الَّذِي يُجْرِيها.
ويُجمع: رَبَابِين.
قلت: وأَظُنُّه دَخِيلاً.
ويُقال: الرَّبانِيّون: الأَرْبَاب.
برن: البَرْنِيّ: ضَرْبٌ مِن التَّمْر أَحْمر مُشْربٌ صُفْرة، كَثِير اللِّحاء عَذْب الحَلاَوة.
وَيُقَال: نَخْلةٌ بَرْنِيّة، ونَخْلٌ بَرْنِيّ؛ وَقَالَ الرَّاجز:
بَرْنيّ عَيْدَانٍ قَليل قِشْرُه
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَرَانيّ؛ الدِّيَكة.
الْوَاحِد: بَرْنِيّة.
وَقَالَ اللَّيث: البَرانِيّ، بلغَة أهل الْعرَاق: الدِّيَكة الصِّغار أَوّلَ مَا تُدْرِك.
الْوَاحِد: بَرْنِيّة.
قَالَ: والبَرْنِيّة: شِبْه فَخَّارة ضَخْمة خَضْراء مِن القَوارير الثِّخان الواسعة الأَفْواه.
نبر: الحَرَّانيُّ، عَن ابْن السِّكِّيت: النَّبْر، مصدر:
نَبَرْتُ الحَرْفَ أَنْبُره نَبْراً، إِذا هَمَزْتَه.
قَالَ: والنِّبْر: دُوَيْبّة أَصْغر من القُراد تَلْسع فَيَحْبط مَوْضِعُ لَسْعتِه، أَي يَرِم.
وَالْجمع: أَنْبار؛ وَقَالَ الرّاجز وذَكر إبِلاً سَمِنت وحَمَلت الشُّحوم:
كأنّها من بُدُنٍ واسْتِيفَارْ
دَبَّت عَلَيْهَا ذَرِبَاتُ الأَنْبارْ
يَقُول: كَأَنَّهَا لَسَعَتْها الأَنْبار فوَرِمت جُلودُها وحَبِطَت.
وَفِي حَديث حُذيفة أَنه قَالَ: تُقْبض الأمانةُ مِن قَلْب الرَّجُل فيَظَلّ أثَرُها كأَثر جَمْرٍ دَحْرَجْتَه على رِجْلك فنَفِط، تَراه مُنْتَبِراً وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء.
قَالَ أَبُو عُبيد: المُنْتَبِر: المُنْتَفَطِ.
وَقَالَ اللّيث: النَّبْر بالْكلَام: الهَمْز.
قَالَ: وكُل شَيْء رفع شَيْئا، فقد نَبَره.
قَالَ: وانْتَبر الجُرْحُ، إِذا وَرِم.
وانْتبر الأميرُ فَوق المِنْبر.
ورَجُلٌ نَبَّارٌ بالْكلَام: فصيحٌ بَلِيغ.

(15/154)


قَالَ ابْن الأَنباريّ: النَّبْر عِنْد الْعَرَب: ارْتِفَاع الصَّوْت.
يُقَال: نَبر الرَّجُل نَبْرَةً، إِذا تكلّم بِكَلِمَة فِيهَا عُلُوٌّ؛ وَأنْشد:
إِنِّي لأَسْمع نَبْرَةً مِن قَوْلها
فأكاد أَن يُغْشَى عليّ سُرُورَا
وسُمِّي المِنْبر: مِنْبراً، لارتفاعِه وعُلُوّه.
قَالَ اللَّيث: والنِّبر، من السِّباع: لَيْسَ بدُبَ وَلَا ذِئْب.

قلت: لَيْسَ النِّبر من جِنس السِّباع إِنَّمَا هُوَ دابّة أَصْغر من القُراد، وَالَّذِي أَراد اللَّيْث: الببر: بباءين، وَهُوَ من السِّباع، وَأَحْسبهُ دَخِيلاً، وَلَيْسَ من كَلَام الْعَرَب، والفُرْس تسميه: بَبْراً.
الأَنْبار: أَهْراء الطَّعام.
وَاحِدهَا: نِبْرٌ.
ويُجمع: أنابير، جَمْع الْجمع.
وسُمِّي الهُرْي: نِبْراً؛ لِأَن الطّعام إِذا صُبّ فِي مَوْضعه انْتَبر، أَي ارْتفع.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابي: المَنْبُور: المَهْموز.
قَالَ: والنَّبْرة: صَيْحة الْفَزع.
والنَّبرة: الهَمْزة.
يُقال: نبرت الحَرْف، إِذا هَمَزْتَه.
وَفِي الحَدِيث أَنه لما قيل لَهُ: يَا نبىء الله. قَالَ: (إنّا مَعْشَرَ قُرَيْش لَا نَنْبِر) .
وَفِي الحَدِيث: (إِن الجُرح يَنْتَبر فِي رَأس الحَوْل) ، أَي يَرِم ويَنْفَط.
بنر: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأَعرابي، قَالَ: المَبْنور: المُخْتَبَر.
ر ن م
رنم، مرن، نمر، رمن.
رنم: أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: مِن نَبات السهل: الحُرْبُثُ، والرَّنَمة، والتَّرِبَة.
قَالَ شَمِر: رَواه المِسْعِريّ، عَن أبي عُبيد: الرَّنَمة.
وَهُوَ عِنْدنا: الرَّتَمة، مِن دِقّ النَّبَات مَعْرُوف.
وأَخبرني المُنذرِيّ، عَن أبي العَبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الرَّنَمة، بالنُّون: ضَرْبٌ من الشَّجَر.
قلت: لم يَعرف شَمِر الرَّنمة فظنّ أَنه تَصْحيف، وصَيَّره الرَّتَمة، والرَّتَمة: من الأَشجار الكِبَار ذَات السّاق؛ والرّنَمة، من دِقّ النَّبات.
وَقَالَ اللَّيث: الرّنِيم: تَطْريب الصّوْت.
والترنُّم، مِنْهُ. والحمامة تَتَرَنَّم. والمُكّاء، فِي صَوته تَرْنِيم.
والقوسُ والعُود مَا اسْتَلْذذت صَوْته فَلهُ تَرْنِيم؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصِف الجُنْدُبَ:
كأنّ رِجْلَيْه رِجْلاَ مُقْطِفٍ عَجِلٍ
إِذا تَجَاوَبَ من بُرْدَيْه تَرنِيمُ

(15/155)


أَرَادَ ب (بُرْدَيْه) : جَناحَيْه. وَله صريرٌ يَقع فِيهَا إِذا رَمِض فَطار، وجَعَله تَرنِيماً.
ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الرُّنُم: المُغَنِّيات المُجِيدات.
قَالَ: والرُّنُم: الجَوَارِي الكَيِّسات.
رمن: الرُّمَّان، مَعْرُوف، من الفَواكه؛ قَالَ الله تَعَالَى فِي صِفة الجِنان: {تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (الرحمان: 68) .
يَقُول الْقَائِل الَّذِي لَا يَعرف العربيَّة وحُدودَها: إنّ الله عزّ وجلّ قَالَ: {تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} ثمَّ قَالَ: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ} دلّ بِالْوَاو أنّ النّخل والرُّمّان غير الْفَاكِهَة، لِأَن الْوَاو تَعْطف جُمْلة على جُملة.
قلت: وَهَذَا جَهل بِكَلَام العَرب، وَالْوَاو دَخلت للاختصاص، وَإِن عُطِف بهَا. وَالْعرب تَذْكر الشيءَ جُملةً ثمَّ تَختَصّ من الْجُمْلَة شَيْئا، تَفضِيلاً لَهُ وتَنبيهاً على مَا فِيهِ من الْفَضِيلَة، وَهُوَ من الْجُمْلَة؛ وَمِنْه قَول الله عز وَجل: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَواةِ الْوُسْطَى} (الْبَقَرَة: 238) فقد أَمرهم بالصَّلوات جُملة، ثمَّ أَعاد الوُسطى تَخصيصاً لَهَا بالتَّشديد والتأكيد، وَكَذَلِكَ أعَاد النَّخل والرُّمان ترغيباً لأهل الجَنَّة فيهمَا؛ وَمن هَذَا قَوْله عزّ وجلّ: {مَن كَانَ عَدُوًّا لّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (الْبَقَرَة: 98) ، فقد عُلم أنَّ جِبريل وميكال دَخَلا فِي الْجُمْلَة، وأُعيد ذكرهمَا دلَالَة على فَضلهما وقُربهما مِن خالقهما.
ورَمّان، بِفَتْح الرَّاء: موضعٌ.
ويُقال لِمَنبت الرُّمّان: مَرمَنة، إِذا كَثُر فِيهِ أُصُوله.
والرُّمّانة، تُصغّر: رُمَيمينة.
مرن: قَالَ اللَّيثُ: مَرَن الشّيءُ يَمرُن مُرُوناً، إِذا استَمَرّ وَهُوَ لَيِّن فِي صَلاَبة.
ومَرَنَت يَدُ فلانٍ على العَمل، أَي صَلُبت واستَمَرّت.
ومَرَنَ وَجهُ الرَّجُل على هَذَا الْأَمر.
وَإنَّهُ لَمُمَرَّنُ الوَجه؛ قَالَ رُؤبة:
فِرَارُ خَصمٍ مَعلٍ مُمَرَّنِ
والمَصدر: المُرُونة.
وَقَالَ شَمِر: مَرَنت الجِلدَ أَمرُنه مَرْناً، ومَرَّنتُه تَمريناً.
وَقد مَرَن الجِلد، أَي لانَ.
وأَمْرَنْت الرَّجُلَ بالقَوْل، حَتَّى مَرَن، أَي لانَ.
وَقد مَرَّنُوه، أَي لَيَّنُوه.
وناقة مُمَارِنٌ: ذَلُولٌ مَرْكُوبَة.
والمارِنُ: مَا لانَ مِن الأَنْف.
وَقَالَ الفَرّاء: يُقَال: مَرَد فلانٌ على الْكَلَام، ومَرَن، إِذا اسْتَمرّ فَلم يَنْجع فِيهِ.

(15/156)


وَقَالَ أَبُو عُبيد: مَرَنت النَّاقة أَمْرُنها مَرْناً، إِذا دَهنت أَسْفل خُفِّها بدُهْنٍ من حَفًى بهَا.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للناقة إِذا ضَربها الفَحل مِراراً فَلم تَلْقَح: مُمَارِنٌ.
وَقد مَارَنَت مِرَاناً.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن شُمَيل.
قَالَ: وناقةٌ مِمْرانٌ، إِذا كَانَت لَا تَلْقَح.
قَالَ أَبُو عرو: التَّمرين: أَن يَحْفى الدابّة فيرقّ حافرُه فتَدْهَنه بدُهْن، أَو تَطْليه بأَخثاء البَقَر وَهِي حارّة؛ وَقَالَ ابْن مُقْبل يَصف بَاطِن مَنْسِم البَعير:
فرُحْنَا بَرَى كُلُّ أَيْديهما
سَرِيحاً تَخَدَّم بَعد المُرون
وَقَالَ أَبُو الهَيثم: المَرْن: الْعَمَل بِمَا يُمَرِّنها، وَهُوَ أَن يَدْهَن خُفَّها.
وَقَالَ ابْن مُقبل أَيْضا:
يَا دارَ سَلْمى خَلاَءً لَا أُكَلِّفها
إِلَّا المَرَانة حَتَّى تَعْرِف الدِّينا
قَالَ أَبُو عَمْرو: المَرانة هَضْبة من هَضبات بني عَجلان، يُريد: لَا أُكَلِّفها أَن تَبْرح ذَلِك الْمَكَان وتَذْهب إِلَى مَوضِع آخر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَرَانة: اسْم نَاقَة كَانَت هاديةً بالطَّرِيق.
وَقَالَ: الدِّين: العَهد والأَمر الَّذِي كَانَت تَعْهده.
ويُقال: المرانة: السُّكوت الَّذِي مَرَنت عَلَيْهِ الدَّارُ.
وَقيل: المَرانة: مَعْرفتُها.
أَبُو عُبيد: يُقَال مَا زَالَ ذَلِك دِينك، ودَأْبَك، ومَرِنَك، ودَيْدَنك، أَي عادتك.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: الأَمْران: عَصَبُ الذِّرَاعَيْن؛ وأَنشد بَيت الجَعْديّ:
فَأَدَلّ العَيْرُ حَتَّى خِلْته
قَفَص الأَمْران يَعْدُو فِي شَكَلْ
قَالَ صَحْبِي إذْ رَأَوْه مُقْبِلاً
مَا تَراه شَأْنَه قُلْتُ أدَلّ
قَالَ: أدل، من الإِدْلال.
وَأنْشد غيرُه لِطَلْق بن عَدِيّ:
نَهْدُ التِليل سَالم الأَمْران
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يومُ مَرْنٍ، إِذا كَانَ ذَا كُسْوة وخِلَع.
ويومُ مَرْنٍ، إِذا كَانَ ذَا فِرار من العدوّ.
نمر: قَالَ اللَّيْثُ: النَّمِرُ: سَبُع أَخْبث من الأَسَد.
وَيُقَال للرَّجُل السَّيّىء الخُلق: قد نَمِر وتَنَمَّر.
ونَمَّر وَجْهَه، أَي غَبَّره وعَبَّسه.
قَالَ: والنَّمير من المَاء: العَذْب.

(15/157)


قَالَ أَبُو عُبيد: النَّمِير: المَاء الزَّاكِي فِي الْمَاشِيَة النّامِي.
وَقَالَ الأصمعيُّ: النَّمير: النامِي، عَذْباً كَانَ أَو غير عَذب.
أَبُو تُرَاب: نَمَر فِي الْجَبَل والشَّجر، ونَمَل، إِذا عَلاَ فِيهَا.
وَقَالَ الْفراء: إِذا كَانَ الْجمع قد سُمي بِهِ نَسبت إِلَيْهِ فَقلت فِي أَنْمار: أَنْماري، وَفِي معافر: معافِريّ؛ فَإِذا كَانَ الْجمع غير مُسمًّى بِهِ نَسبت إِلَى واحده، فَقلت: نقيبيّ، وعَرِيفيّ، ومَنْكِبيّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النُّمَرة: البَلَق.
والنَّمِرة: العَصْبَة.
والنمرة: بردة مخططة.
والنَّمِرة: الأُنْثى من النَّمِر.
والنِّسبة إِلَى النَّمر بن قاسطة: نَمَرِيّ، بِفَتْح المِيم.
ونُمَارَة: اسْم قَبيلة.
وَفِي الحَدِيث: فَجَاءَهُ قومٌ مُجْتَابِي النِّمار، أَي جَاءَهُ قومٌ لابِسُو أُزُر من صُوفٍ مخطَّطة.
كُل شملة مُخطَّطة من مآزر الْأَعْرَاب، فَهِيَ: نَمرة.
وَجَمعهَا: نِمَار.
يُقَال: اجْتاب فلانٌ ثوبا، إِذا لَبِسه.

(أَبْوَاب الرَّاء وَالْفَاء)
ر ف ت
مهمل.
ر ف م
رفم، فرم.
رفم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأَعرابيّ، قَالَ: الرَّفَمُ: النَّعيمُ التّامّ.
فرم: قَالَ: والفَرَمُ للْمَرْأَة: مَا تَتَضَيَّق بِهِ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: التَّفْرِيب، والتَّفْريم: بِالْبَاء وَالْمِيم، تَضْييق المَرأة فَلْهَمها بعَجَم الزَّبِيب.
وَقَالَ اللَّيث وغيرُه: هُوَ الفِرَام.
وَقد اسْتَفْرمت المرأةُ، فَهِيَ مُسْتَفْرمة، إِذا احْتَشَت.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُفْرَم من الحِياض: المَمْلوء، بِالْفَاءِ فِي لُغة هُذَيل؛ وأَنْشد:
حِياضُها مُفْرمةٌ مُطَبَّعهْ
وَيُقَال: أَفْرمت الْحَوْض، وأَفْعمته، وأَفأمته، إِذا مَلأته.
وَقَالَ أَبُو زيد: الفِرَامة: الخِرقةُ الَّتِي تَحْملها المرأةُ فِي فَرْجها.
واللِّجام: الخِرقة الَّتِي تشدُّها من أسْفلها إِلَى سُرَّتها.
وَقَالَ غَيره: الفِرَام: أَن تَحِيض المرأةُ وتَحْتَشي بالخِرقة.

(15/158)


وَقد افْترمت؛ قَالَ الشَّاعِر:
وَجَدْتُك فِيهَا كأُمِّ الغُلاَمِ
مَتى مَا تجِدْها فارِماً تَفْتَرِم

(بَاب الرَّاء وَالْبَاء مَعَ الْمِيم)
ر ب م
برم، ربم.
برم: البُرَمُ: قُدُورٌ من حِجارة. الْوَاحِدَة: بُرْمَة. ورُبما جُمِعت: بِرَاماً، وبُرماً.
اللّيث: البَرَمُ: الَّذِي لَا يَدْخل مَعَ القَوْم فِي المَيْسِر؛ وجَمْعُه: أَبْرام؛ وأَنْشَد:
إِذا عُقَبُ الْقُدُور عُدِدْنَ مَالا
تَحُثُّ حَلاَئِلَ الأبْرامِ عِرْسِي
وَيُقَال: بَرِمْت بِكَذَا وَكَذَا، أَي ضَجِرْت.
وأَبْرَمني فلانٌ إبْرَاماً.
وَقد تَبَرَّمت بِهِ تَبَرُّماً.
وَيُقَال: لَا تُبْرِمْنِي بكَثرة فُضولك.
أَبُو عُبيدٍ: البَرِيمُ: خَيْطٌ فِيهِ أَلْوانٌ تَشُدُّه المرأةُ على حَقْوَيْها.
وَقَالَ اللَّيْث: البَرِيم: خيْطٌ يُنْظَمُ فِيهِ خَرَزٌ فتَشُدُّه المرأةُ على حقْوَيْها؛ وأَنشدَ:
إِذا المُرْضِعُ العَرْجَاءُ جالَ بَرِيمُها
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: البَرِيمان: الجيشان، عَرب وعَجم.
قَالَ: والبُرُم: القَومُ السَّيِّئُوا الْأَخْلَاق.
ابْن السِّكيت، عَن أبي عُبيدة، يُقَال: اشْوِ لنا من بَرِيمَيْها، أَي من الكبد والسَّنام، قَالَت ليلى الأخْيلِيّة:
يَا أيّها السْدِمُ المُلَوِّي رَأْسَه
لِيَقُودَ مِن أَهْلِ الحِجَازِ بَرِيمَا
أَرَادَت: جَيْشًا ذَا لَوْنَيْن.
وكلُّ ذِي لَوْنين: بَرِيم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: البَرِيم: خَيْطان يَكونان من لَوْنَين.
والبَرِيم: ضوءُ الشّمس مَعَ بَقِيَّة سَواد اللَّيْل.
والبَرِيم: القَطيع من الغَنم من ضأْن ومِعْزَى.
والبَرِيم: ثوبٌ فِيهِ قَزٌّ وكَتَّان.
والبريم: خَيْطٌ يُفْتَلُ على طاقَيْن.
يُقَال: بَرمْته، وأَبْرَمْته.
قَالَ: والمُبْرِم: الَّذِي يُسَوِّي البِرَام ويَنْحتها ويَقطعها.
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: فلانٌ يُبْرِم: المُبْرِم: الثَّقِيل الَّذِي كَأَنَّهُ يَقْتطع من الَّذين يُجالسهم شَيْئا، من اسْتثقالهم إيَّاه، يمنزلة المُبْرم: الَّذِي يَقتطع حِجَارَة البِرَام من جَبَلها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: المُبْرِم: الغَثّ الحَدِيث الَّذِي يُحدّث الناسَ بالأحاديث الَّتِي لَا فَائِدَة فِيهَا وَلَا مَعْنى لَهَا، أُخذ من المُبْرِم الَّذِي يَجْنِي البَرَم، وَهُوَ ثَمَر الْأَرَاك، لَا

(15/159)


طَعْم لَهُ وَلَا حلاوة وَلَا حُموضة وَلَا معنى لَهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: المُبْرِم: الَّذِي هُوَ كَلٌّ على أصْحابه لَا نَفْع عِنْده وَلَا خَير، بِمَنْزِلَة البَرَم الَّذِي لَا يَدْخُل مَعَ القَوم فِي المَيسر وَيَأْكُل مَعَهم مِن لحْمه.
قَالَ ابْن السِّكيت فِي قَوْله:
والبائِعات بشَطَّيْ نَخْلَةَ البُرَمَا
قَالَ: البُرَم، يُرِيد البِرَام.
يُقال: بُرْمة وبُرَم؛ إِذا كُنّ قَلِيلاً.
فَإِذا كُنّ كَثِيراً، فَهِيَ بُرْم.
مثل: حُرَف، وحُرْف؛ وَقَالَ طَرفة:
جاءُوا إِلَيْك بكُلّ أَرْمَلةٍ
شَعْثَاء تَحْمِل مِنْقَع البُرَمِ
قَالَ: والبُرَمُ: ثَمَرُ الْأَرَاك.
فَإِذا أَدْرك، فَهُوَ مَرْدٌ.
وَإِذا اسْوَدّ، فَهُوَ كَبَاثٌ، وبَرِير.
والبُرَام: القُرَاد، وَهُوَ القِرْشَام.
والبَرَمُ: الكُحْل المُذَاب.
قلت: ورَواه بعضُهم: صُبَّ فِي أُذنه البَيْرَمُ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: البَيْرم: البِرْطِيل.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة، قَالَ أَبُو عُبَيد: البَيْرَم عَتَلة النَّجَّار.
أَو قَالَ: عتلة النّجّار: البَيْرم.
وحدّثني أَبُو سعيد الْهَمدَانِي، قَالَ: حدّثنا المُحاربيّ، قَالَ: حدّثنا لَيْث، عَن عَمْرو مولَى المُطَّلب، عَن عِكْرمة، عَن ابْن عبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من اسْتمع إِلَى حَدِيث قَوم وهم لَهُ كارِهون مَلأ الله سَمعه من البَيْرم والآنُك) .
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: البَرَم: ثَمَر الطَّلح.
واحدته: بَرَمة.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُلْقة من الطَّلْح: مَا أَخْلف بعد البَرَمة، وَهُوَ شِبْه اللُّوبياء.
وَقَالَ غَيره: أَبْرَمْتُ الأمْر، إِذا أَحْكمْته.
وَالْأَصْل فِيهِ: إبرام الفَتْل، إِذا كَانَ ذَا طَاقَيْن.
ربم: أَهْمله اللَّيث.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الرَّبَم: الكَلأ المُتَّصل.

(15/160)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل
ر ل (وايء)
ورل، رول.
ورل: قَالَ اللَّيث: الوَرَلُ: شيءٌ على خِلْقة الضَّبّ إِلَّا أنّه أعظم مِنْهُ، يكون فِي الرِّمَال والصَّحَارَى. وَالْجمع: الوِرْلاَن. وَالْعدَد: أَوْرَال.
قلت: الوَرَل، سَبِط الخَلْق طَوِيل الذَّنَب، كأنّ ذَنَبه ذَنَبُ حَيَّة. ورُبّ وَرَلٍ يُرْبي طُولُه على ذراعيْن.
وأمّا ذَنب الضَّب فَهُوَ ذُو عُقَد، وأَطْول مَا يكون قَدْر شِبْر.
والعَرَبُ تَسْتَخْبث الوَرَل وتَسْتَقْذره فَلَا تَأْكُله.
وَأما الضبّ فَإِنَّهُم يَحْرِصون على صَيْده وأَكله.
والضَّبّ أَحْرش الذَّنب خَشنه مُفَقّره، ولونه إِلَى الصُّحّمة، وَهِي غُبرة مُشْرَبة سواداً، وَإِذا سَمِن اصْفر صَدْرُه، وَلَا يَأْكُل إِلَّا الجنادب والدُّبّاء والعُشْب، وَلَا يَأْكل الهَوامَّ.
وَأما الوَرَل فَإِنَّهُ يَأْكُل العَقارب والحيَّات والحَرابِي والخَنَافس؛ ولحمه دِرْيَاقٌ؛ والنِّساء يَتَسَمَّن بلَحْمه.
رول: أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: رَوَّلْتُ الخُبْرَ بالسَّمنِ والوَدَك تَرْويلاً، إذَا دَلَكْتَه بِهِ.
قَالَ: ورَوَّل الفَرَسُ، إِذا أَدْلَى لِيَبُولَ.
شَمِر: التَّرْويل: أَن يَبُول بَوْلاً مُتَقَطِّعاً مُضطَرِباً.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: المرَوِّل: الَّذِي يَسترخي ذَكره؛ وأَنْشد:
لما رَأَتْ بُعَيْلها زِئجِيلاَ
طَفَنْشَلاً لَا يَمْنع الفَصِيلاَ
مُرَوِّلاً مِن دُونها تَرْويلاَ
قالتْ لَهُ مَقالةً تَرْسِيلاَ
لَيْتك كُنت حَيْضة تَمْصِيلاَ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّواويل: أَسْنَان صِغارٌ تَنبُت فِي أصُول الْأَسْنَان الكِبَار حَتَّى يَسْقُطْن.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرُّوَال والرَّوُول: لُعاب الدّوابِّ والصِّبيان؛ وَأنكر أَن يكون زِيَادَة فِي الْأَسْنَان.
وَقَالَ اللّيث: الرُّوَال: بُزاق الدابّة.
يُقال: هُوَ يُرَوِّل فِي مِخلاَته.
قَالَ: والرَّائل، والرَّائلة: سِنٌّ تَنبت للدابّة

(15/161)


تَمنعه من الشَّراب والقَضم؛ وأَنشد:
يَظَلّ يَكْسوها الرُّوَال الرَّائِلاَ
قلتُ: أَرَادَ ب (الرُّوال الرَّائلّ) : اللُّعاب القاطِر من فِيه.
هَكَذَا قَالَه أَبُو عَمرو.
والرَّأْلُ: فَرخُ النَّعَام. وَالْجمع: الرِّئال.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: المُرَوِّل، الرجُل الكَثِير الرُّوَال، وَهُوَ اللُّعَاب.
والمِرول: الناعِمُ الإدَام.
والمِروَل: الفَرس الكثِير التّحَصُّن.

(بَاب الرَّاء وَالنُّون)
ر ن (وايء)
ران، يرن، رنا، ورن، نَار، أرن.
رين رون: قَالَ الله عزّ وجلّ: {) الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) .
قَالَ الفَرّاء: يَقُول: كَثُرت المَعاصي مِنْهُم والذُّنوب فأحاطت بقلُوبهم، فَذَلِك الرَّيْن عَلَيْهَا.
وَجَاء فِي الحَدِيث أنّ عُمر قَالَ فِي أُسَيفع جُهَينة لمّا رَكِبه الدّين: أصبح قد رِين بِهِ.
يَقُول: قد أحَاط بِمَالِه الدَّين؛ وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي:
ضَحّيت حَتَّى أَظهَرتْ ورِين بِي
يَقُول: حَتَّى غُلِبت من الإِعْياء.
وَكَذَلِكَ غَلَبة الدَّين، وغَلبة الذُّنُوب.
ورُوي عَن أبي هُرَيرة أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئل عَن هَذِه الْآيَة: {) الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) ، فَقَالَ: هُوَ العَبد يُذْنب الذَّنْب فتُنْكَت فِي قَلْبه نُكْتة سَوْداء، فَإِن تَابَ مِنْهَا صُقِل قَلْبُه وَإِن عَاد نُكِتت أُخْرى حَتَّى يَسْوَدّ القَلْبُ، فَذَلِك الرَّيْنُ.
وَقَالَ أَبُو مُعاذ النَّحوي: الرَّيْنُ: أَن يَسْوَدّ القَلْبُ من الذُّنوب. والطَّبْعُ: أَن يُطْبع على القَلب، وَهُوَ أشدّ من الرَّين، وَهُوَ الخَتْم.
قَالَ: والإقْفال أَشَدّ من الطَّبع، وَهُوَ أَن يُقْفل على القَلْب.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) يُقَال: ران على قَلْبه الذَّنْبُ يَرِن رَيْناً، إِذْ غُشِي على قلبه.
قَالَ: والرَّين، كالصَّدأ يَغْشَى القَلْب.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه قَالَ: إِلَّا أَن الأُسَيْفع أُسَيْفع جُهَيْنة رَضي مِن دِينه وأَمانته بِأَن يُقال: سَبَق الحاجّ فادَّان مُعْرضاً وأَصْبَح قد رِين بِهِ.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رِين بالرَّجُل رَيْناً، إِذا وَقع فِيمَا لَا يَستطيع الخُروج مِنْهُ وَلَا قِبلَ لَهُ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ العتّابي، عَن ابْن الأعرابيّ: رِين بِهِ: انْقَطع بِهِ.

(15/162)


قَالَ أَبُو عُبيد: كل مَا غَلبك وعَلاك فقد ران بك، وران عَلَيْك، وأنْشد لأبي زُبَيْد:
ثُم لمّا رَآهُ رانَتْ بِهِ الخَمْ
رُ وَأَن لَا تَرِينَه باتِّقَاءِ
قَالَ: رانت بِهِ الْخمر، أَي غلبت على قلبه وعَقْله.
وَقَالَ: قَالَ الأمويّ: يُقال: أَران القومُ فهم مُرِينون، إِذا هَلكت مَوَاشِيهمْ وهُزِلت.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَهَذَا أَيْضا من الْأَمر الَّذِي أَتاهم ممّا يَغْلبهم فَلَا يَستطيعون احْتِماله.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّينة: الخَمرة. وجَمعها: رَيْنات. والرُّون: الشّدّة. وَجَمعهَا: رُوُون. والرَّين: سوادُ القَلْب. وَجمعه: رِيَان.
يرن: أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: اليُرَنَّأ، بِضَم الْيَاء وهمز الْألف والقَصر: الحِنّاء.
وَقَالَ غَيره: اليَرُون: ماءُ الفَحْل.
رنا: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الرَّنْوة: اللَّمْحة.
وَجَمعهَا: رَنَوات.
والرَّنَوْنَاة: الكأسُ الدَّائمة على الشُّرب.
وَجَمعهَا: رَنَوْنِيَات.
قَالَ: والرُّناء: الصَّوت.
وجَمُعه: أَرْنِيَة.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الرُّناء: الصَّوت، مَمْدود.
وَقَالَ شَمِرٌ: سَأَلت الرِّياشِيّ عَن الرُّناء الصَّوْت، بِضَم الرَّاء، فَلم يَعْرفه، وَقَالَ: الرَّنَاء، بِالْفَتْح: الجَمال، عَن أبي زَيد.
وأَخبرني المنْذريّ أَنه سَأَلَ أَبَا الهَيْثم عَن الرُّنَاء، والرَّنَاء، بالمَعْنَيين اللَّذين حَكَاهَا شَمِر، فَلم يَعرف وَاحِدًا مِنْهُمَا.
قلت: والرُّناء: بِمَعْنى الصَّوْت، مَمْدُود، صَحِيح.
وَقَالَ مُبتكر الأَعرابيّ: حدّثني فلانٌ فَرَنَوْت إِلَى حَدِيثه، أَي لَهَوْت بِهِ.
وَقَالَ: أسأَل الله أَن يُرْنِيَكم إِلَى الطّاعة، أَي يُصَيِّركم إِلَيْهَا حَتَّى تَسكتُوا وتَدُوموا عَلَيْهَا.
وكأس رَنَوْناة: دائمة؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
مَدَّت عَلَيْهَا المُلْكَ أَطْنابهَا
كأسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْفُ طِمِرْ
أَرَادَ: مدت كأسٌ رَنَوْناةٌ عَلَيْهِ أَطْناب المُلك، فذَكر الْملك ثمَّ ذكر أَطنابه.
وَمثله قَوْله:
فوَرَدَتْ تَقتَدَ بَرْدَ مائِها
أَرَادَ: وَرَدَت بَرْدَ مَاء تَقْتَد.
ومثلُه قَول الله عزّ وجلّ: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} (السَّجْدَة: 7) .
أَي أَحْسَن خَلْق كُلِّ شَيءٍ. ويُسمَّى هَذَا البَدَل.

(15/163)


وأَخبرني المُنْذِريّ، عَن أبي العبّاس: أَنه أَخبره عَن ابْن الأعرابيّ، أَنه سَمِعه رَوى بَيت ابْن أَحْمر:
بَنَّت عَلَيْهِ المُلْكُ أَطْنَابَها
كأسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْف طِمِرْ
أَي المُلْكُ هِيَ الكأسُ. وَرفع الْملك ب (بَنَّت) .
وَقَالَ اللّيث: فلَان رَنُوُّ فُلانة، إِذا كَانَ يُديم النَّظَر إِلَيْهَا.
وفلانٌ رَنُوّ الأمانيّ، أَي صَاحب أمانيّ يَتَوقّعها؛ وأَنشد:
يَا صاحِبيّ إنّني أَرْنوكما
لَا تَحْرماني إنّني أَرْجُوكما
قَالَ: ورَنا إِلَيْهَا يَرْنُو رُنُوّاً، ورَنَّى، مَقْصور، إِذا نظر إِلَيْهَا مُداومةً؛ وأَنْشد:
إِذا هن فَصَّلن الحَدِيث لأَهْله
وجَدَّ الرَّنَى فَصَّلْنَه بالتَّهَانُف
ابْن الْأَعرَابِي: تَرَنَّى فلانٌ: أدام النَّظر إِلَى مَن يُحِبّ.
أرن: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الأرْنة: الجُبن الرّطْب، وَجَمعهَا: أُرَن.
قَالَ: والأُرَانَى: الجُبْن الرَّطْب، وَجَمعهَا: أَرَانيّ. والإرَان: النّشاط، وَجمعه: أُرُن. والإرَان: الْجِنَازَة، وَجَمعهَا: أُرُن. والأَرون: السُّمُّ، وجَمعه: أُرُن.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَرُون: دماغ الفِيل؛ وأَنْشد:
وأَنْت الغَيْثُ يَنْفع مَا يَليه
وأَنت السَّمُّ خالَطه الأَرُونُ
أَبُو عُبيد: الإرَان: خَشَبٌ يُشَدّ بَعْضُه إِلَى بَعض يُحمل فِيهِ المَوْتَى؛ وَقَالَ الأَعْشى:
أَثرَتْ فِي جَناجِنٍ كإرَان الْ
مَيْت عُولِين فَوْق عُوجٍ رِسَالِ
وَقيل: الإرَان: تابُوت المَوْتى.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: الأَرَن: النَّشَاط.
وَقد أَرِن يَأرَن أَرَناً.
وأَخبرني المُنذريّ، عَن ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قَالَ أَبُو الجَرّاح: الأُرْنةُ: الجُبْن الرَّطْب.
ويُقال: حَبٌّ يُلْقى فِي اللَّبن فيَنْتَفخ، ويُسمَّى ذَلِك البَياض: أُرْنة، وأَنْشد:
هِدَانٌ كَشَحْم الأُرْنة المُتَرَجْرِجِ
قَالَ: والأُرَانى: حَبُّ بَقْل يُطْرح فِي اللَّبن فَيُجَبِّنه.
وَقَوله: هِدَانٌ: نَوَّامٌ لَا يُصَلِّي وَلَا يُبَكِّر لِحَاجَتِهِ؛ وَقد تَهَدَّن، ويُقال: هُوَ مَهْدُونٌ؛ قَالَ:
وَلم يُعَوَّد نَوْمَة المَهْدُون
ابْن السِّكِّيت: الأُرَانَى: جَناة ثَمر الضَّعة، نبت، فِي بَاب فُعَالَى.

(15/164)


أبُو عُبَيد، عَن الكسائيّ وَأبي زَيْد: يَوْمٌ أَرْوَنَانٌ، وَلَيْلَة أَرْونانَةٌ: شَدِيدة الحَرّ والغَمّ.
وأَخبرني الْإِيَادِي، عَن شَمِر، قَالَ: يومٌ أَرْوَنانٌ، إِذا كَانَ نَاعِمًا؛ وأَنشد فِيهِ بَيْتا للنابغة الجَعْدِيّ:
هَذَا ويَوْمٌ لنا قَصِيرٌ
جَمُّ المَلاَهي أَرْوَنَانُ
قَالَ: وَهَذَا من الأضداد، فَهَذَا الْبَيْت فِي الفَرح.
وَقَالَ الآخر:
فَظَلَّ لِنِسْوة النُّعْمَان منّا
عَلى سَفَوانَ يومٌ أَرْوَنَانُ
قَالَ: أَرَادَ: يَوْم أَرْونانيّ، بتَشْديد يَاء النِّسبة، فخفَّف يَاء النِّسْبَة، كَمَا قَالَ الآخر:
لم يَبْق من سُنّة الفارُوق تَعْرفه
إلاّ الدُّنَيْنِي وَإِلَّا الدِّرّة الخَلَقُ
وَكَانَ أَبُو الهَيْثم يُنكر أَن يكون الأرْونان فِي غير مَعْنى: الغَمّ والشِّدة، وأَنكر البَيْتَ الَّذِي احْتج بِهِ شَمر.
وَقَالَ ابْن الإعرابيّ: يومٌ أَرْونان، مَأْخُوذ من الرون وَهُوَ الشِّدة.
وَجمعه: رُوُون.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُبّ أَي سُحِر ودُفن سِحْرُه فِي بئرذي أَرْوَان.
والمِئْران: كِنَاسُ الثَّور الوَحْشِيّ، وَجمعه: المَيارِين، والمآرِين.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الرُّونة: الشِّدّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّرْوةُ: حَجر أَبْيض رَقيقٌ، وَرُبمَا ذُكِّي بِهِ.
قَالَ: وَكَانَت العَرب فِي الْجَاهِلِيَّة تَقول لذِي القَعْدة: وَرْنة؛ وَجَمعهَا: وَرْنات؛ وَشهر جُمَادىّ: رُنَّى؛ وَجَمعهَا: رُنَّيات.
وقرأت بِخَط شَمر فِي حَدِيث استسقاء عُمر: حَتَّى رأيتُ الأرْنَبة تأكلُها صِغار

(15/165)


الْإِبِل.
قَالَ شَمِر: روى الأصمعيّ هَذَا الحَدِيث عَن عَبد الله الْعمريّ عَن أبي وَجْزة.
قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: سَأَلت الأصمعيّ عَن الأرنبة فَقَالَ: نَبْت.
قَالَ شمر: وَهُوَ عِنْدِي الأرينة، سَمِعت ذَلِك فِي الفَصيح من أَعْرَاب سَعد بن بكر، بِبَطن مُرّ.
قَالَ: ورأيتُه نباتاً يُشبه الخَطْميّ عَرِيض الوَرق.
قَالَ شمر: وسمعتُ غَيره من أَعْرَاب كنَانَة يَقُولُونَ: هُوَ الأرِين.
وَقَالَت أعرابيّة مِن بَطن مُرّ: هِيَ الأرينة، وَهِي خَطْميّنا وغَسُول الرَّأس.
قلت وَهَذَا الَّذِي حَكاه شمر صَحِيح، وَالَّذِي رُوي عَن الْأَصْمَعِي أَنه: الأرنبة، من الأرانب، غير صَحيح، وشَمِرٌ مُتْقِن. وَقد عُني بِهَذَا الْحَرْف فَسَأَلَ عَنهُ غَيْرَ واحدٍ من الْأَعْرَاب حَتَّى أَحْكمه. والرُّواة ربّما صَحَّفُوا وغَيَّروا.
وَلم أَسمع الأرنبة فِي بَاب النَّبات من أَحد وَلَا رأيتُه فِي نُبُوت الْبَادِيَة، وَهُوَ خطأ عِندي، وأَحسب القُتَيبي ذكر عَن الأصمعيّ أَيْضا الأرنبة وَهُوَ غَير صَحِيح.
نير نور: ابْن المُظَفَّر: النُّور: الضِّياء.
وَالْفِعْل: نَار، وأنَار.
وَفِي الحَدِيث: فَرض عمر بن الخطَّاب للجّدّ ثمَّ أَنَارها.
زَيدُ بن ثَابت: أَي نَوَّرها وأَوْضحها.
قَالَ: والمَنَارة: الشَّمعة ذاتُ السِّراج.
والمنارة أَيْضا: الَّتِي يوضع عَلَيْهَا السِّرَاج.
وأَنْشد:
فِيهَا سِنَانٌ كالمَنَارَة أَصْلَعُ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَعَن الله مَن غَيَّرَ مَنَارَ الأرْض) .
المَنارُ: العَلَم والحَدّ بَين الأرَضين.
ومنَار الحَرم: أعْلامُه الَّتِي ضَربها إبراهيمُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَقْطار الْحرم ونَواحيه، وَبهَا تُعْرف حُدود الحَرم من حُدود الحِلّ.
ويَحتمل معنى قَوْله: (لعن الله من غيّر منار الأَرْض) أَرَادَ بِهِ: مَنار الحَرم.
وَيجوز أَن يكون: لعن الله من غيّر تخُوم الأَرْض، وَهُوَ أَن يَقْتطع طَائِفَة من أَرض جَاره، أَو يُحوِّل الحدَّ من مَكَانَهُ.
وروى شَمر، عَن الأصمعيّ: المَنار: العَلَم يُجعل للطَّريق.
أَو الحدّ للأَرضين من طين وتُراب.
ويُقال للمنارة الَّتِي يُؤذّن عَلَيْهَا: المِئْذَنة؛ وأَنْشد:
لِعَكَ فِي مناسمها منار
إِلَى عَدْنان واضحةُ السَّبيل

(15/166)


وَقَالَ الأصمعيّ: كُلّ رَسْمٍ بِمكْوًى، فَهُوَ نارٌ.
وَمَا كَانَ بِغَيْر مِكْوًى، فَهُوَ حَرْقٌ، وقَرْعٌ، وقَرْمٌ، وحَزٌّ، وزَنْمٌ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّار: السِّمة؛ وَجَمعهَا: نِيار.
وَقَالَ: وجَمع النّار المُحرقة: نِيران.
وَجمع النّور: أَنْوار، والنُّور: حُسْن النَّبات وطُوله، وَجمعه: نِوَرَة.
والنِّير: العَلَم، وَجمعه: أَنْيَار.
قلت: والعربُ تَقول: مَا نارُ هَذِه النَّاقة؟ أَي مَا سِمَتُها؟ سُمِّيت نَارا لأنَّها بالنَّار تُوَسم؛ قَالَ الراجز:
حَتَّى سَقَوْا آبَالَهم بالنَّارِ
والنارُ تَشْفِي من الأُوار
أَي سَقَوا إبلهم بالسِّمَة، أَي إِذا نَظروا فِي سِمة صَاحبهَا عُرف فسُقِيت وقُدِّمت على غَيرهَا لِكَرم صَاحبهَا عَلَيْهِم.
وَمن أمثالهم: نِجَارُها نارُها، أَي سِمتُها تَدُلّ على نِجَارها. يَعْني الْإِبِل؛ قَالَ الرَّاجزُ يَصِف إبِلا، سِماتُها مُخْتَلفة:
نِجَارُ كُلِّ إِبِلٍ نِجَارُها
ونارُ إبْل العالَمين نارُها
يَقُول: اخْتلفت سِماتُها لأنّ أربابَها من قبائل شتَّى، فأُغِير على سَرْحِ كُلّ قَبيلة وَاجْتمعت عِنْد من أَغار عَلَيْهَا سِماتُ تِلْكَ الْقَبَائِل كلِّها.
وَأما قَوْله:
حتّى سَقَوْا آبَالهم بالنَّار
يَقُول: لما عَرف أصحابُ المَاء سِمتها سَقَوْها لِشَرف أَرْباب تِلْكَ النّار.
ونارُ المُهَوِّل: نارٌ كانَت للعَرَب فِي الجاهِليّة يُوقدونها عِنْد التحالُف ويَطْرحون فِيهَا مِلْحاً يَفْقَعُ، يهوِّلون بذلك تَأْكِيدًا للحِلْف.
وَالْعرب تَدعُو على العَدُوّ فَتَقول: أَبعد الله دَاره، وأَوْقد نَارا إثْرَه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: قَالَت العُقَيْليّة: كَانَ الرَّجُل إِذا خِفْنا شَرَّه فتحوّل عَنَّا أَوْقَدنا خَلفه نَارا.
قَالَ: فقلتُ لَهَا: ولِمَ ذَلِك؟
قَالَت: ليتحوّل ضبعهم مَعَهم، أَي شَرّهم.
وأَنشدني بعضُهم:
وجَمّة أَقوام حَمَلْت وَلم أَكن
كموقِد نارٍ إثرهم للتندّم
الجمّة: قومٌ تحمَّلوا حَمالَة فطافُوا بالقبائل يسْأَلُون فِيهَا، فأخْبر أَنه حَمَل من الجمّة مَا تحمّلوا من الدِّيات، قَالَ: وَلم أنْدم حِين ارتحلوا عنّي فأُوقد على إثرهم.

(15/167)


ونار الحُبَاحب: قد مَرّ تَفسيره فِي كتاب الْحَاء.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: سَأَلت ابْن الأعرابيّ عَن قَوْله: لَا تَسْتَضِيئوا بِنَار المُشْركين.
فَقَالَ: النَّار هَا هُنَا: الرَّأْي، أَي لَا تُشاوروهم.
وأمّا حَدِيثهمْ الآخر: أَنا بَرِيء من كُلّ مُسلم مَعَ مُشْرك. ثمَّ قَالَ: لَا تَراءَى نارَاهُما.
فإنّه كره النُّزول فِي جوَار المُشركين، لِأَنَّهُ لَا عَهد لَهُم وَلَا أَمَان، ثمَّ وَكَّده فَقَالَ: لَا تراءَى ناراهما، أَي لَا يَنزل المُسلم بالموضع الَّذِي تقَابل نارُه إِذا أوقدها نارَ مُشرك، لقُرب منزل بَعضهم من بعض، وَلكنه ينزل مَعَ الْمُسلمين فَإِنَّهُم يَدٌ على مَن سِوَاهم.
ورُوي عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: لَوْلَا أنّ عُمر نَهى عَن النِّير لم نَر بالعَلَم بَأْساً، وَلكنه نَهى عَن النِّير.
قَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو زيد: نِرْتُ الثَّوْب أَنِيرُه نَيْراً.
وَالِاسْم: النِّيرة، وَهِي الخُيوطة والقَصبة إِذا اجْتَمعتا، فَإِذا افْترقتا سُمِّيت الخُيوطة: خُيُوطةً؛ والقَصَبةُ: قَصَبةً، وَإِن كَانَت عَصَا فعَصاً.
قَالَ: وعَلم الثَّوب: نِيرٌ، وَالْجمع: أَنْيَار.
ونَيَّرت الثوبَ تَنْيِيراً.
وَالِاسْم: النِّير.
تَقول: نِرْتُ الثَّوْبَ، وأَنَرْتُه، ونيَّرتُه، إِذا جعلتَ لَهُ عَلَماً؛ وأَنْشد:
على أَثَرَيْنا نِير مِرْطٍ مُرَجَّل
قَالَ: والنِّيرة أَيْضا: مِن أَدَوات النَّسَّاج يَنْسج بهَا، وَهِي الخَشبة المُعْترضة.
وَيُقَال للرجل: مَا أَنت بِسَداةٍ وَلَا لُحْمة وَلَا نِيرة؛ يُضْرب لمن لَا يَضُر وَلَا يَنْفع؛ قَالَ الكُمَيت:
فَمَا تَأْتُوا يَكُنْ حَسَناً جَمِيلاً
وَمَا تَسْدُوا لَمكْرُمة تُنِيرُوا
يَقُول: إِذا فَعلتم فعلا أَبْرَمْتموه.
قَالَ: والطُّرّة مِن الطَّريق تُسمَّى: النِّير، تَشْبِيهاً بنِير الثَّوب، وَهُوَ العَلَم فِي الْحَاشِيَة؛ وأَنشد بعضُهم فِي صِفة طَرِيق:
على ظَهر ذِي نِيرَيْن أمّا جَنابُه
فوَعْثٌ وأمّا ظَهْرُه فَمُوَعَّسُ
وجَنابُه: مَا قَرب مِنْهُ، فَهُوَ وَعْث يَشْتَدّ فِيهِ المَشي؛ وأمّا ظَهْر الطَّريق المَوْطوء فَهُوَ مُمَتَّن لَا يَشْتد على الْمَاشِي فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للخَشبة المُعترضة على عُنق الثَّوْرين المَقْرونين للحراثة: نِيرٌ.
ويُقال لِلُحْمة الثَّوب: نِير؛ وأَنْشد ابْن الأعرابيّ:
أَلا هَل تُبْلِغَنِّيها
على اللِّيّان والضِّفَّهْ

(15/168)


فلاةً ذَات نِيرَيْن
بِمَرْوٍ سَمْحُها رَنَّهْ
تخال بهَا إِذا غَضِبت
حماةً فاضَحَت كِنّهْ
يُقال: نَاقَة ذَات نِيْريْن، إِذا حَملت شَحْماً على شَحْم كَانَ قبل ذَلِك.
وأصل هَذَا من قَوْلهم: ثوبٌ ذُو نِيرَين، إِذا نُسج على خَيْطين، وَهُوَ الَّذِي يُقال لَهُ: ديَابُوذ، وَهُوَ بالفارسيّة: ذويَاف.
ويُقال لَهُ فِي النَّسج: المُتَاءمة، وَهُوَ أَن يُنار خَيْطان مَعًا ويُوضع على الحَفَّة خَيْطان.
وأمّا مَا نِير خَيْطاً وَاحِدًا فَهُوَ السَّحْل.
فإِذا كَانَ خيطٌ أَبيض وخَيط أسود، فَهُوَ المُقاناة.
ويُقال للحرب الشَّديدة: ذَات نِيرَين؛ وَقَالَ الطِّرِمّاح:
عدا عَن سُلَيْمى أنَّني كُلَّ شارِق
أَهُزّ لحَرْبٍ ذاتِ نِيرَين ألَّتِي
وَأنْشد ابْن بُزُرْجَ:
ألم تَسأل الأَحْلاف كَيفَ تَبَدَّلُوا
بأَمرٍ أنارُوه جَمِيعًا وأَلْحَمُوا
قَالَ: ويُقال: نائرٌ ونارُوه؛ ومُنِير وأَنارُوه.
وَيُقَال: لَسْت فِي هَذَا الْأَمر بمُنير وَلَا مُلْحِم.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال للرَّجُل: نِرْنِرْ، إِذا أَمَرْته بعَمل عَلَم للمِنْديل.
والنُّورة مِن الْحجر: الَّذِي يُحْرق ويُسوَّى مِنْهُ الكِلْس ويُحْلق بِهِ شَعر العانَة.
قَالَ أَبُو العبّاس: يُقال: انْتَوَرَ الرَّجُلُ، وانْتار، من النُّورة.
وَلَا يُقال: تَنَوَّر، إلاّ عِنْد إبْصار النَّار.
وتأمُر من النُّورة فَتَقول: انْتَوِرْ يَا زيد، وانْتَرْ، كَمَا تَقول: اقْتَول واقْتَل.
وَأنْشد غيرُه فِي تَنَوّر النَّار:
فتَنوَّرْت نارَها مِن بَعيدٍ
بخَزَازَى هَيْهاتَ مِنْك الصَّلاَءُ
وَمِنْه قولُ ابْن مُقْبل:
كَرَبَتْ حَياةُ النَّار للمُتَنوِّرِ
الحَرّاني، عَن ابْن السِّكيت: النُّور: ضِدّ الظُّلْمة.
والنُّور: جَمع نَوَار، وَهِي النُّفّرُ من الظِّباء والوَحْش.
وَامْرَأَة نَوَار، ونِساء نُوُرٌ، إِذا كَانَت تَنْفِر من الرِّيبة.
وَقد نارت تَنُور نَوْراً، ونِوَاراً؛ وَأنْشد قَول العجَّاج:
يَخْلِطْن بالتأَنُّس النَّوَارَا
وَقَالَ مَالك بن زُغْبة الباهليّ يُخاطب امْرَأَة:
أنَوْراً سَرْعَ مَاذَا يَا فَرُوقُ

(15/169)


وحَبْلُ الوَصْل مُنْتَكِثٌ حَذِيقُ
وَقَوله: (سَرْع مَاذَا) أَرَادَ: سَرُع، فخفَّف.
قلت: والنُّور، من صِفَات الله عزَّ وَجل؛ قَالَ الله تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ} (النُّور: 35) .
قيل فِي تَفْسِيره: الله هادي أَهل السَّموات وأَهل الأَرض.
وَقيل: أنارها بحكمة بَالِغَة.
وَقَالَ ابْن عَرفة: أَي مُنوِّر السَّمَاوَات وَالْأَرْض، كَمَا يَقُولُونَ: فلَان غِياثُنا، أَي مُغِيثنا، وَفُلَان زادي، أَي مُزوِّدي؛ قَالَ جرير:
وَأَنت لنا نُورٌ وغَيْثٌ وعِصْمَةٌ
ونَبْتٌ لمن يَرْجو نَدَاكَ وَرِيقُ
وَقَوله تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النُّور: 35) أَي مثل نُور هُداه فِي قلب المُؤْمن كمشكاة فِيهَا مِصْباح.
وَقَوله تَعَالَى: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} (النُّور: 35) أَي نُور الزّجاجة ونُور المِصْباح.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ} (الْمَائِدَة: 15) قَالَ: النُّور، هَا هُنَا: محمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والنُّور: هُوَ الَّذِي يُبيِّن الْأَشْيَاء ويُري الْأَبْصَار حَقِيقتها.
قَالَ: فَمثل مَا أُتي بِهِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُلُوب فِي بَيَانه وكَشْفه الظُّلمات، كَمثل النُّور.
ثمَّ قَالَ: {يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (الْمَائِدَة: 16) .
وَفِي حَدِيث عليّ: نائرات الأَحكام، ومُنِيرات الإسْلام.
يُرِيد: الواضحات البَيِّنات.
يُقَال: نَار الشيءُ، وأنار، واستنار، إِذا وَضح.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النائِرُ: المُلْقِي بَين النَّاس الشُّرور.
والنَّائرة: الحِقْدُ والعَدَاوة.
والنَّؤُور: دُخان الشَّحْم.
وكُنّ نِسَاء الْجَاهِلِيَّة يَتَّشِحْن بالنَّؤُور؛ وَمِنْه قَول بِشْر:
كَمَا وُشم الرَّاواهِشُ بالنَّؤُور
وَقَالَ اللّيث: النَّؤُور: دُخان الفَتِيلة يُتَّخذ كحلاً أَو وَشْماً.
قلت: أمّا الْكحل فَمَا سَمِعت أنّ نسَاء الْعَرَب اكْتَحَلن بالنَّؤُور؛ أمّا الوَشْم بِهِ فقد جَاءَ فِي أَشْعارهم؛ قَالَ لَبِيد:
أَو رَجْع واشمة أُسِفّ نَؤُورُها
كِفَفاً تَعرّض فَوْقهنّ وِشامُها
وَقَالَ اللَّيث: النائرة: الكائنةُ تَقع بَين الْقَوْم.
وَقَالَ غَيره: بَينهم نائرةٌ، أَي عَدَاوَة.
وَقَالَ اللّيث: النَّور: نَوْر الشَّجر.

(15/170)


والفِعل: التّنْوِير.
ويُقال للنّوْر: نُوَّارٌ أَيْضا.
وَقد نَوَّرت الأشجارُ تَنْوِيراً، إِذا أَخْرَجت أَزَاهيرها.
وَجمع: النَّور: أَنْوار.
وَوَاحِدَة النُّوّار: نُوَّارَة.
وَقَالَ: يُقَال: فلَان يُنوِّر على فلَان، إِذا شَبَّه عَلَيْهِ أَمراً.
قَالَ: وَلَيْسَت هَذِه الْكَلِمَة عربيّة، وَأَصله أَن امْرَأَة كَانَت تُسمى: نُورَة، وَكَانَت سَاحِرَة، فَقيل لمن فعل فِعْلها: قد نَوّر، فَهُوَ مُنَوِّر.
وَفِي صِفة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْور المُتَجَرَّد.
وَالْعرب تَقول لِلْحسنِ المُشْرق اللَّون: أَنور. مَعْنَاهُ: إِذا تَجَرَّدَ من ثِيَابه كَانَ أَنْور مِلْءَ العَيْن. وَأَرَادَ بالأنْور: النّيِّر، فَوضع أفعل مَوضِع فعيل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} (الرّوم: 27) أَي: وَهُوَ هَيِّن عَلَيْهِ.
والتَّنْوير: وقتُ إسْفار الصُّبْح.
يُقَال: قد نَوَّر الصُّبْح تَنْويراً.
وَيُقَال: نَار الشَّيْء، وأنار، ونَوَّر، واسْتنار، بِمَعْنى وَاحِد.
كَمَا يُقَال: بَان الشَّيْء، وَأَبَان، وبَيَّن، وتَبيَّن، واسْتبان، بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّؤُور: دُخان الشَّحْم الَّذِي يَلْتزق بالطَّسْت.
وَهُوَ العِنَاج أَيْضا.
ابْن هانىء، عَن زيد بن كُثْوة، قَالَ: عَلِق رجلٌ امْرأةً فَكَانَ يَتَنَوّرها باللَّيل.
والتَّنَوُّر، مثل التَّضَوُّؤ.
فَقيل لَهَا: إِن فلَانا يَتنوّرك، لِتَحْذره فَلَا يَرى مِنْهَا إلاّ حَسَناً، فلمّا سَمعت ذَلِك رَفَعت مُقَدَّم ثَوْبها ثمَّ قابلته وَقَالَت: يَا مُتنوِّراً هاه؛ فَلَمَّا سَمِع مقالتها وأَبصر مَا فعلت قَالَ: فبئسما أرى هاه، وانْصرفت نَفسُه عَنْهَا. فضُربت مثلا لكُل مَن لَا يَتّقي قَبِيحاً وَلَا يَرْعَوي لِحَسَن.
ورن: قَالَ ابْن الأنباريّ: أَخْبرنِي أبي عَن بعض شُيوخه قَالَ: كَانَت العَرب تُسمِّي جُمَادَى الْآخِرَة: رُنيَّ، وَذَا القَعْدة: وَرَنَة؛ وَذَا الْحِجة: بُرَك.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَّورُّن: كَثرة التّدَهُّن والنّعِيم.
قلتُ: التّودُّن، بِالدَّال، أشبه بِهَذَا المَعْنى.

(بَاب الرَّاء وَالْفَاء)
ر ف (وايء)
ريف، روف، ورف، وفر، أرف، فرا، فرأ، فار، فأر، رفأ، أفر.
روف رأف: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ} (النُّور: 2) .

(15/171)


قَالَ الْفراء: الرّأفة، والرآفة: الرحْمة: مثل الكأبَة والكَآبة.
وَقَالَ الزّجاج: معنى (لَا تأخذكم بهما رأفة) ، أَي لَا تَرحموهما فتُسْقطوا عَنْهُمَا مَا أَمر الله بِهِ من الحَدّ.
وَمن صِفات الله عزّ وجلّ: الرَّؤُوف، وَهُوَ الرَّحيم.
والرّأفة: أخَصّ من الرّحمة وأَرَقّ.
وَفِيه لُغتان قُرىء بهما مَعًا: رَؤُوف، على فعول، ورَؤُف على فَعُل.
وَقد رَأف يَرْأف، إِذا رَحِم.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رَؤُفْت بِالرجلِ أَرْؤُف بِهِ، ورَأَفْت أَرْأف بِهِ، كُلٌّ من كَلَام الْعَرَب.
قلت: ومَن لَيَّن الهَمزة قَالَ: رَوُف، فَجَعلهَا واواً.
وَمِنْهُم من يَقُول: رَأْفٌ، بِسُكُون الهَمزة.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الرَّؤوفة: الراحمة.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الْكسَائي والفرّاء: ويُقال: رَئِف، بِكَسْر الْهمزَة، ورَؤُف.
قَالَ أَبُو بكر: ويُقال: رَأْف، بِسُكُون الْهمزَة؛ وأَنْشد:
فآمنُوا بنبيَ لَا أَبَا لكمُ
ذِي خاتَم صاغه الرحمان مَخْتُوم
رَأْفٌ رَحيم بِأَهْل البِرّ يَرْحَمهم
مُقَرَّبٌ عِنْد ذِي الكرسيِّ مَرْحُوم
ريف: قَالَ اللّيث: الرِّيفُ: الخِصْب والسَّعة فِي المَأكل والمَطْعم.
قلت: الرِّيف: حيثُ يكون الحضَر والمِيَاه.
وَجمعه: أرْياف.
وَقد تَرَيَّفْنا، أَي حَضرْنا القُرَى ومَعِينَ المَاء.
وَمن العَرب من يَقول: راف البَدوِيّ يَرِيف، إِذا أَتَى الرِّيفَ؛ وَمِنْه قولُ الرّاجز:
جَوّاب بَيْداء بهما غُروف
لَا يَأْكُل البَقْل وَلَا يَرِيفُ
وَلَا يُرى فِي بَيْته القَلِيف
وَقَالَ القُطاميّ:
ورافٍ سُلافٍ شَعْشَعَ البَحْر مَزْجَها
لِتَحْمَى وَمَا فِينا عَن الشُّرْبِ صادِفُ
قَالَ: رافٍ: اسْم الْخمر. تَحْمَى: تُسْكِر.
ورف: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَوْرَف الظِّل، ووَرَف، وَوَرَّف، إِذا طَال وامْتدّ.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: الظلّ وارِف، أَي وَاسع؛ وأَنشد غَيره يَصف زمامَ النّاقة:
وأَحْوى كأَيْم الضَّالِ أَطْرَق بَعْدَما
حَبَا تَحت فَيْنَانٍ من الظِّلّ وارِفِ
وَقَالَ اللّيث: ورَف الشّجر يَرِف وَرِيفا

(15/172)


ً ووُرُوفاً، إِذا رَأَيْت لخُضرته بَهجة من رِيّه ونَعْمته.
قلت: هما لُغتان: رَفّ يَرفّ، ووَرَف يَرِف.
وَهُوَ الرَّفيف، والوَرِيف.
فرا فرأ: فِي الحَدِيث: إِن أَبَا سُفْيان اسْتَأْذن على النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَجَبَه، ثمَّ أَذِن لَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا كِدْتَ تَأْذن لي حَتَّى تَأذن لِحجارة الجُلْهُمَتَيْن، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَان، أنْت كَمَا قَالَ الْقَائِل: كُل الصَّيْد فِي جَوف الفَرأ.
قَالَ أَبُو عُبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: الفرأ، مَهْمُوز مَقْصور: حِمَار الوَحْش.
وَجمعه: أفراء، وفراء؛ وأَنشدنا:
بِضَرْبٍ كآذَان الفِرَاء فُضُولُه
وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخاض تَبُورُهَا
قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا قَالَه لأبي سُفيان تَألُّفَه على الْإِسْلَام، فَقَالَ: أَنْت فِي النّاس كحمار الوَحْش فِي الصَّيْد، يَعْنِي أنّها كُلّها دونه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: إنِّي إِذا حَجَبْتُك قَنَع كُلُّ مَحْجوب، لأنّ كُل صَيْدٍ أقلّ من الْحمار الوحشيّ، فَكل الصَّيد لصغره يدْخل فِي جَوف الْحمار. فيُضرب هَذَا المَثل للرَّجل تكون لَهُ حاجات، مِنْهَا وَاحِدَة كَبِيرَة، فَإِذا قُضيت تِلْكَ الْكَبِيرَة لم يُبال أَن تُقْضى بَاقِي حاجاته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أمثالهم: أَنْكَحْنا الفرا فسَنَرى.
يُضرب للرَّجُل إِذا غُرِّر بأَمْرٍ فَلم يَر مَا يُحب تمثَّل فَقَالَ: أَنكحنا الفَرا فسنَرى، أَي صَنَعْنَا الحَزم فآلَ بِنَا إِلَى عَاقِبَة سَوْء.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أَنَّهَا قد نَظرنَا فِي الْأَمر فسننظر عمّا يَنكشف.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيبانيّ: قَوْلهم: أَنكحنا الفَرا فسَنَرى.
قَالَ: الفَرا: الْعجب، من قَوْلهم: فلَان يَفْري الفَرِيّ، أَي يَأْتِي بالعجب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فلَان ذُو فَرْوة وثَرْوة. إِذا كَانَ كَثِيرَ المَال.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: إِنَّه ذُو ثَروة فِي المَال وفَرْوة، بِمَعْنى وَاحِد.
ورُوي عَن عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ على مِنْبر الْكُوفَة: اللَّهُمَّ إنِّي قد مَلِلْتُهم ومَلُّوني، وسَئِمْتُهم وسَئِموني، فسلِّط عَلَيْهِم فتَى ثَقِيف الذَّيال المَنَّان، يَلْبَس فَرْوتها ويَأكل خَضِرتها.
قلت: أَرَادَ عليٌّ أنّ فتَى ثَقِيف إِذا وَلي العِراقَ توسَّع فِي فَيْء المُسلمين واستأثر

(15/173)


بِهِ، وَلم يَقْتصر على حِصَّته.
وفتى ثَقيف، هُوَ الحجّاج بن يوسُف.
وَقيل: إِنَّه وُلد فِي هَذِه السّنة الَّتِي دَعا عليٌّ فِيهَا بِهَذَا الدُّعاء. وَهَذَا من الكوائن الَّتِي أنْبأ بهَا النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِن بعده.
عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: الفَروة: الأَرض البَيْضاء لَيْسَ فِيهَا نباتٌ وَلَا فَرش.
وَقَالَ اللَّيث: فَرْوَة الرَّأْس: جِلْدته بِشَعَرها.
قَالَ: والفَرْو، مَعْرُوف، وجَمعه: فِراء.
فَإِذا كَانَ ذَا الجُبَّة، فاسْمُها: فَروة؛ قَالَ الكُمَيت:
إِذا التفّ دُون الفَتاة الكَمِيعُ
ودَحْدَح ذُو الفَرْوة الأَرْمَلُ
قلت: والجِلْدَة إِذا لم يكن عَلَيْهَا وَبر أَو صُوف، لم تُسَمَّ: فَرْوة.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعي: افْتَرَيت فَرْواً: لَبِسْتُه؛ قَالَ العجّاج:
يَقْلِب أَولاهُنَّ لَطْم الأَعْسَرِ
قَلْب الخُراسانِيّ فَرْوَ المُفْتَرِي
وَقَالَ الله عزّ وَجل: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} (مَرْيَم: 27) .
قَالَ الفَراء: الفَرِيّ: الأمْر العَظيم.
وَالْعرب تَقول: تركتُه يَفْرِي الفَرِيّ، إِذا عَمِل العَمل أَو السّقْي فأَجاد.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُمر، وَرَآهُ فِي مَنامه يَنْزِع على قَليب بغَرْبٍ: (فَلم أرَ عَبْقَرِيّاً يَفْرِي فَرِيَّه) .
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ كَقَوْلِك: يَعْمل عَمَله، ويَقُول قَوْلَه.
قَالَ: وأنشدنا الفَرّاء:
قد أطْعَمَتْني دَقَلاً حَوْلِيّا
قد كنتِ تَفْرِين بِهِ الفَرِيّا
أَي كُنت تُكثرين فِيهِ القولَ وتَعظِّمينه.
وَفِي حَدِيث ابْن عبّاس، حِين سُئل عَن الذّبِيحة بالعُود، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الأوداجَ غيرَ مُثَرِّد.
أَي شَقَّقَها فأَخرج مَا فِيهَا من الدّم.
يُقَال: أفْريت الثوبَ، وأفريت الحُلة، إِذا شَقَقتها وأخرجت مَا فِيهَا.
فَإِذا قلت: فريت، بِغَيْر ألف؛ فإِن مَعْنَاهُ أَن تُقَدِّر الشَّيْء وتُعالجه وتُصلحه؛ مثل النَّعل تَحْذوها، أَو النِّطَع أَو القِربة أَو نَحْو ذَلِك.
يُقَال مِنْهُ: فَرَيْت أفْرِي فَرْياً؛ وَأنْشد لزُهير:
ولأنت تَفرِي مَا خَلَقْت وبَعْ
ضُ القومِ يَخْلُق ثمَّ لَا يَفْرِي
وَكَذَلِكَ: فَرَيت الأَرْض، إِذا سِرْتَها وقَطَعْتها.
وَأما الأُولى: أَفريت إفراءً، فَهُوَ من

(15/174)


التَّشْقيق، على وَجه الفَساد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَفْرى الجِلْد، إِذا مَزَّقه وخَرَقه وأَفْسده، يُفْريه إفْراءً.
وفَرى الْأَدِيم يَفْريه فرياً.
وفرى المزادة يَفْرِيها، إِذا خَرزها وأَصلحها؛ وأَنشد:
شَلَّت يَدَا فارِيَةٍ فَرَتْها
أَي عَمِلَتْها.
والمَفْرِيّة: المَزَادة المَعْمولة المُصْلَحة.
وأَفْرى الجَرْحَ يُفْريه، إِذا بَطّه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: فَرِي الرَّجُلُ يَفْرَى فَرًى، إِذا بُهت ودَهِش؛ وَقَالَ الهُذليّ:
وفَرِيتُ مِن جَزَعٍ فَلَا
أَرْمِي وَلَا وَدَّعْتُ صاحِبْ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال: فَرِيَ يَفْرَى، إِذا نَظر فَلم يَدْرِ مَا يَصْنع.
وَيُقَال للرَّجل إِذا كَانَ جادّاً فِي الْأَمر قويّاً: تركته يَفْري الفَرا ويَقُدّ.
قَالَ اللَّيْث: يُقال: فَرى فلانٌ الكَذبَ يِفْرِيه، إِذا اخْتَلقه.
والفِرْية، من الكَذِب.
وَقَالَ غيرُه: افترى الكذبَ يَفْتريه؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (يُونُس: 38) أَي اخْتلقه.
وتَفَرّى عَن فلانٍ ثَوبُه، إِذا تَشَقَّق.
وَقَالَ اللَّيْث: تَفَرَّى خَرْزُ المَزَادة، إِذا تَشَقَّق.
وتَفَرَّت الأَرضُ بالعُيون، إِذا انْبَجَست؛ وَقَالَ زُهير:
غِماراً تُفَرَّى بالسِّلاح والدَّم
أَبُو زيد: فَرَى البَرْقُ يَفْرِي فَرْياً، وَهُوَ تَلألؤه ودوامُه فِي السَّماء.
رفأ: فِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يُقال: بالرِّفَاء والبَنِين.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّفاء، يكون بمعنَيَيْن:
يكون من الِاتِّفَاق وحُسن الِاجْتِمَاع؛ قَالَ: وَمِنْه أُخذ (رَفْء) الثَّوْب، لِأَنَّهُ يُرفأ فَيُضم بعضُه إِلَى بعض ويُلاءم بَينه.
قَالَ: وَيكون الرِّفاء، من الهُدوء والسُّكون؛ وأَنْشد لأبي خِراش الهُذليّ:
رَفَوْني وقالُوا يَا خُوَيْلد لَا تُرَعْ
فقلتُ وأَنْكَرت الوُجوه هُمُ هُمُ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: الرِّفاء: المُوَافقة، وَهِي المُرافاة، بِلَا هَمْز؛ وأَنْشَد:
ولمّا أَن رأيتُ أبار ديْم
يُرَافِيني ويَكْره أَن يُلاَمَا
وَقَالَ ابْن هانىء فِي قَول الهُذلي (رَفوني) يُريد: رفئوني، فأَلقى الهَمزة.
قَالَ: والهمزة لَا تُلْقى إِلَّا فِي الشِّعر، وَقد أَلْقَاهَا فِي هَذَا البَيْت.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: إنِّي فَزِعْتَ وطار قَلبي

(15/175)


فضَمُّوا بَعْضِي إِلَى بَعْض.
قَالَ: وَمِنْه: بالرِّفاء والبَنِين.
وَفِي حَدِيث بَعضهم أَنه كَانَ إِذا رفّأ رجلا قَالَ: بَارك الله عَلَيْك وَبَارك فِيك وجَمع بَيْنكُمَا فِي خير.
قَالَ ابْن هانىء: رَفّأ: أَي زَوّج.
وأصل الرفء: الِاجْتِمَاع والتلازم.
وَمِنْه قيل: للمتزوِّج: بالرّفاء والبَنِين.
وَمِنْه: رَفْو الثَّوب.
وَفِي حَدِيث بَعضهم: كَانَ إِذا رَفّى رَجُلاً؛ أَراد إِذا أحَبّ أَن يَدْعُو لَهُ بالرِّفاء والبَنِين، فَترك الْهمزَة.
وَفِي حَدِيث: كَانَ إِذا رفّح رَجُلاً.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَادَ رَفأ، والحاء تُبدل من الْهمزَة، لأنّهما أُختان.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: رفأت الثَّوْب، مَهْموز.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: رفأت الثَّوْب أرفؤه رَفْئاً: ورَفّأت الْملك تَرْفئةً وتَرْفيئاً، إِذا دَعَوْت لَهُ.
ورافأني الرَّجُلُ فِي البيع مُرافأة، إِذا حابَاك فِيهِ.
قَالَ: وأرفأت السفينةَ إرفاء، إِذا قَرّبتها فِي الجِدّ من الأَرض.
قَالَ: وترافأنا على الْأَمر ترافؤاً، نَحْو التَّمالؤ، إِذا كَانَ كَيْدُهم وأَمْرهم وَاحِدًا.
وَقَالَ فِي بَاب تَحْويل الْهمزَة من هَذَا الْكتاب.
رَفَوْت الثَّوْب رَفْواً، تحوّل الْهمزَة واواً كَمَا تَرى.
الحرّانيّ، عَن ابْن السِّكيت فِي بَاب مَا لَا يُهمز فَيكون لَهُ معنى، فَإِذا هُمز كَانَ لَهُ معنى آخر: رفأت الثَّوْب أرفؤه رَفْئاً.
قَالَ: وَقَوْلهمْ: بالرِّفاء والبنين أَي بالتئام واجتماع، وَأَصله الهَمْز.
وَإِن شِئْت كَانَ مَعْنَاهُ بالسُّكون والطمأنينة، فَيكون أَصله غير الْهَمْز.
يُقَال: رفوتُ الرَّجُلَ، إِذا سَكّنْتَه.
وَقَالَ الفَراء: أرفأت إِلَيْهِ، وأرفيت إِلَيْهِ، لُغتان بِمَعْنى: جَنَحْت إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللّيث: أُرْفئت السّفينة: قُرِّبت إِلَى الشّطّ.
ومَرْفأ السَّفينة، حَيْثُ تُقَرب من الشَّطّ؛ وَقد أرفأتُها إرفاءً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأُرْفِيّ: اللَّين الخالِص.
والأُرْفيّ أَيْضا: الماسِخ.
قَالَ: والأُرْفَى الأَمْر العَظيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُرفيّ: اللَّبن المَحْض.
واليَرْفَئِيّ: راعِي الغَنَم.
شَمر، عَن ابْن شُميل: أرفأتُ السفينةَ، إِذا أدنيتَها إِلَى الجِدّة؛ والجِدّة: الأرْض.

(15/176)


قَالَ أَبُو الدُّقَيْش: أرْفَت السَّفِينة، وأَرْفَيْتها أَنا، بِغَيْر هَمَز.
قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنبأَنَا يُونُس عَن رؤبة.
قَالَ: وَقَالَ أَخُو ذِي الرُّمّة: أَرْفأتُها، وأرفأت السَّفِينةُ نَفْسها، إِذا مَا دَنت للجِدّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: أرفأت السَّفينة، إِذا أَلصَقتها بالْجَدّ.
قَالَ اللّيث: والجَدّ: مَا قَرُب من الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد: الجَدُّ: شاطىء النّهر.
اللَّيْث: الرُّفَة: عَناق الأَرْض تَصيد كَمَا يَصيد الفَهْد.
قَالَ: والرُّفة: التّبْن، يمَانية.
قلت: غَلِط اللَّيْث فِي (الرُّفة) فِي لَفظه وتَفسيره، وأَحْسبه رَآهُ فِي بَعض الصُّحف: أَنا أُغني عَنْك من التُّفة عَن الرُّفة، فَلم يَضْبطه وغَيَّره فأَفْسده.
فأمّا عَناق الأَرْض فَهُوَ: التُّفة، مخّففة، بِالتَّاءِ وَالْفَاء وَالْهَاء، وتُكتب بِالْهَاءِ فِي الإدْراج، كهاء: الرَّحْمَة، والنّعمة.
هَكَذَا أَخْبرنِي المُنْذريّ، عَن الصَّيْدَاوِيُّ، عَن الرِّياشي؛ ثمَّ أَخْبرنِي عَن أبي الهَيثم بنَحوه.
قَالَ: وأمّا (الرَّفت) فَهُوَ بِالتَّاءِ، فِعْلٌ من: رَفَتُّه أَرْفِته، إِذا دَقَقْته.
يُقَال للتِّبْن: رَفَتٌ، ورَفْتٌ، ورُفات.
وَقد مَرَّ تَفْسِير الحَرْفين فِيمَا تقدَّم فأَعَدت ذِكرهما لأُنبِّه على مَوضع الغَلط، فاعْلَمْه.
أرف: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الآرَفُ: الَّذِي يَأْتِي قَرْناه على أُذُنَيْه.
والأقبل: الَّذِي يُقْبل قَرناه على وَجْهه.
والأرْفَح: الَّذِي يَذْهب قَرْناه قِبل أُذنيه فِي تَباعد مَا بَينهمَا.
والأفْشَغ: الَّذِي اجْلاَحّ وذَهب قرناه كَذَا وَكَذَا.
والأخْيص: المُنتصب أَحدهمَا المُنْخفض الآخر.
والأفْشَق: الَّذِي تبَاعد مَا بَين قَرنيه.
فِي حَدِيث عُثْمَان: والأُرَفُ تَقْطع الشُّفْعة.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ ابْن إِدْرِيس: الأُرَف: المَعالم.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْمَعِي: الأُرف: المَعالم والحُدود.
وَهَذَا كَلَام أهل الْحجاز.
يُقَال مِنْهُ: أرَّفت الدَّار وَالْأَرْض تَأْريفاً، إِذا قَسمْتها وحَدَّدتها.
وَقَالَ اللِّحياني: الأُرف والأُرث: الحُدود بَين الْأَرْضين.

(15/177)


وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا شكا إِلَيْهِ التَّعَزُّبَ، فَقَالَ: عَفِّ شَعْرك؛ ففَعل فارْفَأَنْ، أَي سَكَن مَا بِهِ.
والمُرْفَئِنّ: السّاكن.
أفر: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأفْرُ: العَدْوُ؛ وَقد أَفَر يَأْفِر.
وَقَالَ غيرُه: رَجُلٌ أَفّار، ومِئْفَر، إِذا كَانَ وثّاباً جَيِّد العَدْو.
وَقَالَ اللَّيْث: أَفَرت القِدْرُ تَأْفِر أَفْراً، إِذا جَاشَتْ واشْتدّ غَليانُها؛ وأَنشد:
باخُوا وقِدْرُ الحَرْبِ تَغْلي أَفْرَا
قَالَ: والمِئْفر من الرِّجال: الَّذِي يَسْعَى بَين يَدَي الرَّجُل ويَخْدُمه.
وإنّه ليَأفِر بَين يَدَيه.
وَقد اتَّخذه مِئْفَراً.
وَقَالَ غَيره: أَفِرت الإبِلُ أَفْراً، واسْتَأفرت اسْتئفاراً، إِذا نَشِطت وسَمِنت.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: النَّاس فِي أُفُرّة، يَعْنِي الِاخْتِلَاط.
وَقَالَ الفَرّاء: أُفُرّة الصّيْف: أوّلُه.
فَور فير: الأصمعيّ: يُقَال للرُّجل إِذا غَضِب: فار فائِرُه، وثار ثائِرُه.
وَفَارَتْ القِدْر تَفُور فَوْراً، وفَورَاناً، إِذا غَلَت.
ابْن شُميل: أَتَيْته فَوْرَةَ النّهار، أَي فِي أَوّله.
وَقَالَ المُفسّرون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَاذَا} (آل عمرَان: 125) أَي مِن وَجْههم هَذَا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَا أَفعل ذَلِك مَا لأْلأَت الفُورُ بأَذْنابها، أَي لَا أَفعله أبدا.
والفُور: الظِّباء، لَا يُفرد لَهَا واحدٌ مِن لَفظها.
ويُقال: فعلت أَمر كَذَا وَكَذَا مِن فَوْري، أَي من سَاعتي.
ويُقال: فار الماءُ من العَين، إِذا جاش ونَبع.
قَالَ اللّيث: لِلكَرِش فَوّارتان، وَفِي باطنهما غُدّتان من كُل ذِي لَحم.
ويَزْعمون أنّ مَاء الرّجل يَقع فِي الكُلْية، ثمَّ فِي الفَوّارة، ثمَّ فِي الخُصْية. وَتلك الغُدّة لَا تُؤْكل، وَهِي لَحمة فِي جَوف لَحم آخَر.
قَالَ: والفِيرةُ: حُلبة تُطبخ حَتَّى إِذا قَارب فَوَرَانُها أُلقيت فِي مِعْصر فصُفِّيت، ثمَّ يُلْقى عَلَيْهَا تَمر، ثمَّ تتحسّاها المرأةُ النُّفَساء.
قلت: هِيَ الفِئْرة، والفَئِيرة، والفَرِيقة.
وَقَالَ اللّيث: الفأر، مَهْموز، الْوَاحِد: فَأْرَة، وَالْجمع: فِئْران. وَأَرْض مَفأرة.

(15/178)


وَقَالَ أَبُو عبيد: أرضٌ فَئِرة، على فَعِلة من الفأر، وجَرِذة من الجُرذ.
وَقَالَ اللّيث: وفَأرة المِسْك: نافِجَتُه، وَهِي مَعْرُوفَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقال لذكر الفَأر: الفُؤْرُور، والعَضَل.
ويُقال لِلَحم المَتْن: فأر المَتْن، ويَرابيع المَتْن؛ قَالَ الراجز يصف رجلا:
كأنّ حَجْمَ حَجَرٍ إِلَى حَجَرْ
نِيط بمَتْنَيْه من الفأر الفُؤَرْ
قَالَ عَمْرو بن بَحر: سَأَلت رجلا عطّاراً من المُعتزلة عَن فَأْرَة المِسْك فَقَالَ: لَيْسَ بالفَأرة، وَهُوَ بالْخِشْف أشْبه.
ثمَّ قَالَ: فَأْرَة المِسْك دُوَيْبة تكون بِنَاحِيَة تُبّت يَصيدها الصيّاد فَيَعْصب سُرّتها بعصاب شَدِيد، وسُرّتها مُدَلاّة، فيَجتمع فِيهَا دَمُها، ثمَّ تُذْبح فَإِذا سَكنت قَوّر السُّرَّة المُعَصَّرة. ثمَّ دَفَنها فِي الشَّعير حَتَّى يَستحيل الدَّمُ الجامدُ مِسْكاً ذكِيّاً، بَعْدَمَا كَانَ دَماً لَا يُرام نَتْناً.
قَالَ: وَلَوْلَا أنّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تَطَيّب بالمِسْك مَا تَطَيّبْت بِهِ.
قَالَ: ويَقع اسْم الفأر على: فَأْرَة التَّيس، وفأرة الْبَيْت، وفأرة المِسْك، وفأرة الْإِبِل.
قَالَ: وعَقيل تَهمز: الْفَأْرَة، والجُؤنة. والمُؤْسى، والحُؤْت.
عَمْرو، عَن أَبِيه، الفَوْر: الوَقْت.
والفُورة: الكُوفة.
قَالَ: والفِيَار: أحدُ جَانِبي حَائِط بَيْت لِسان المِيزان.
وَقَالَ أَبُو عبيد: لِسان الْمِيزَان: الحَدِيدة الَّتِي يَكْتنفها الفِيَارَان، يُقال لأَحَدهمَا: فِيَار.
قَالَ: والحديدة المُعْترضة الَّتِي فِيهَا اللِّسان: الْمِنْجَمُ.
قَالَ: والكِظامة: الحَلْقة الَّتِي تَجْتَمِع فِيهَا الخُيوط فِي طَرفي الحَديدة.
قَالَ عَوف بن الخَرِع يَصف قَوْساً:
لَهَا رُسْغُ أيدٍ بهَا مُكْرَبٌ
فَلَا العَظْمُ واهٍ وَلَا العِرْقُ فارَا
قَالَ: المُكْرب: المُمتلىء، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه ممتلىء العَصب.
وَقَوله: وَلَا العِرق فَارًّا.
قَالَ ابْن السِّكيت: يُكره مِن الْفرس فَوْر العِرْق، وَهُوَ أَن يَظْهر بِهِ نَفْخٌ أَو عَقْد.
يُقَال: قد فارت عُروقه تَفُور فَوْراً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للموجة والبِركة: فَوَّارة.
وكل مَا كَانَ غير المَاء قيل لَهُ: الفَوَّارة.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يُقال: دَوَّارة وفَوَّارة، لكل مَا لم يَتحرَّك وَلم يَدُر، فَإِذا

(15/179)


تحرّك وَدَار، فَهُوَ فُوّارة ودُوّارة.
وفر: قَالَ اللَّيْث: الوَفْرُ: المَال الكَثير الَّذِي لم يُنْقص مِنْهُ شَيء، وَهُوَ مَوْفُور، وَقد وَفَرْناه فِرَةً.
قَالَ: والمُسْتعمل فِي التعدِّي: وَفَّرناه تَوْفِيراً.
قلت: قولُ الله عزّ وجلّ: {جَزَاءً مَّوفُورًا} (الْإِسْرَاء: 63) من: وَفَرْته أَفِره وَفْراً وفِرَةً. وَهَذَا مُتعدَ.
وَاللَّازِم قَوْلك: وَفر المالُ يَفر وُفُوراً؛ فَهُوَ: وافر.
وسِقاءٌ أَوْفر، وَهُوَ الَّذِي لم يُنقص من أَدِيمه شَيْء.
ومَزادة وَفْراء: تامّة؛ وَقَالَ ذُو الرُّمة:
وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأى خَوارِزُها
والوَفْرة: الجُمّة من الشَّعر إِذا بلغت الأُذنين. وَقد وَفّرها صاحبُها. وفلانٌ مُوَفَّر الشّعْر. والوافر: ضَرْب من العَرُوض. وتَوفَّر فلانٌ على فلانٍ بِبرّه.
ووَفّر الله حَظّه من كَذَا، أَي أَسْبَغه.
وَإِذا عَرض الرجلُ على أحدهم طَعامه قَالَ لَهُ الآخر: تُوفَر وتُحمَد، أَي لَا يُنقص من مَالك شَيْء، على الدُّعاء لَهُ.
وَقَوله: تُحْمد، أَي لَا زلت مَحْمُوداً.
ووَفَرْت لَك عِرْضَك، أَي لم يُنْقص لِعَيْب.

(بَاب الرَّاء وَالْبَاء)
ر ب (وايء)
راب، رَبًّا، ربأ، وَرب، وبر، برأَ، بأر، بار، أرب، أبر، بري.
روب رأب: قَالَ اللَّيث: الرَّوْبُ: اللّبنُ الرّائب.
والفِعْل: راب يَروب رَوْباً، وَذَلِكَ إِذا كَثُفت دُوايَتُه وتَكبَّد لَبَنُه وأَنَى مَخْضُه.
والمِرْوَبُ: إناءٌ يُروَّب فِيهِ اللَّبنُ.
والرَّوْبَةُ: بَقِيَّةٌ من اللَّبن تُترك فِي المِرْوَب كي إِذا صُبّ عَلَيْهِ الحَلِيبُ كانَ أَسْرع لِرَوْبه.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: إِذا خَثَر اللَّبنُ، فَهُوَ رائِب. وَقد رَاب يَرُوب.
فَلَا يزَال ذَلِك اسْمَه حَتَّى يُنْزَعَ زُبده. واسْمه على حَاله بِمَنْزِلَة العُشَراء من الْإِبِل، وَهِي الْحَامِل، ثمَّ تضع، وَهُوَ اسْمهَا؛ وأَنشد الأصمعيّ:
سَقاك أبُو ماعِز رائباً
ومَن لَك بالرَّائب الخاثِرِ
يَقُول: إنّما سَقاك المَمْخوض ومَن لَك بِالَّذِي لم يُمْخَض؟
قَالَ: وَإِذا أدْرك اللبنُ لِيُمْخض، قيل: قد رَابَ. والرَّوْبة: خَمِيرة اللَّبن.
ورَوَى أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: الرَّائب: اللَّبنُ الَّذِي قد مُخِض وأُخْرجت

(15/180)


زُبْدَتُه.
والمُرَوَّب: الَّذِي لم يُمْخَض بعدُ وَهُوَ فِي السقاء، لم تُؤْخَذ زُبْدَتُه.
قَالَ: وَتقول العربُ: أَهْون مَظْلوم سِقاءٌ مُرَوَّب.
والمَظْلوم: الَّذِي يُظْلم فَيُسْقى أَو يُشرب قبل أَن تُخرج زُبْدَته.
ورَوى أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد فِي بَاب الرَّجل الذَّليل المُسْتَضعف: أَهْونُ مَظْلوم سِقَاءٌ مُرَوَّبٌ.
وظَلَمْت السِّقاء، إِذا سَقَيْته قبل إدْراكه.
قَالَ أَبُو زيد: المَظْلوم: السِّقاء يُلَفّ حَتَّى يَبْلغ أَوَان المَخْض.
وَقَالَ الأصمعيّ: راب الرَّجُل، إِذا اخْتلط أَمْرُه.
يُقَال: رَأَيْت فلَانا رائباً، أَي مُخْتلطاً خَاثِراً.
وقومٌ رَوْبَى: خُثَراء الأَنْفس مُختلطون؛ قَالَ بِشْر:
فأمّا تَمِيمٌ تَمِيم بنُ مُرَ
فألفَاهُم القومُ رَوْبَى نِيَامَا
ورجلٌ رَوْبانُ، إِذا كَانَ كَذَلِك.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: راب، إِذا أَصْلَح. وراب: سَكن. وراب: اتَّهَم.
قلت: إِذا كَانَ راب بِمَعْنى: أَصلح، فأَصْله مَهْمُوز، من: رَأَب الصَّدْع.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: من أمثالهم فِي الَّذِي يُخطىء ويُصِيب: هُوَ يَشُوب ويَرُوب.
قَالَ أَبُو سعيد: مَعْنى يشوب: يَنْضح ويَذُب.
يُقَال للرَّجل إِذا نَضح عَن صاحِبِه: قد شَوَّب عَنهُ.
قَالَ: ويرُوب، أَي يَكْسل.
والتَّشويب: أَن يَنْضح نَضحاً غير مُبَالَغٍ فِيهِ، فَهُوَ بِمَعْنى قَوْله: يَشُوب، أَي يُدافع مدافعةً لَا يُبالغ فِيهَا، وَمرَّة يَكْسل فَلَا يُدافع بَتَّةً.
ورَوى أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: وَفِي الحَدِيث: لَا شوب وَلَا رَوْب فِي البَيع والشِّراء. تَقول ذَلِك فِي السِّلْعة تَبيعها، أَي إِنَّك بَريء من عُيوبها.
وَيُقَال: مَا عِنْده شَوْب وَلَا رَوْب.
والشَّوْب: الْعَسَل المَشُوب؛ والرَّوْب: اللَّبن الرَّائب.
قلت: وَقيل فِي قَوْلهم: هُوَ يَشُوب، أَي يخلط المَاء بِاللَّبنِ فيُفسده؛ ويَرُوب: يُصْلح، من قَول الأَعرابي: راب، إِذا أَصْلَح.
قَالَ: والرَّوْبة: إصْلَاح الشَّأن والأَمر.
ذكرهمَا غير مَهموزين، على قَول من يُحوِّل الْهمزَة واواً.

(15/181)


ابْن الأَعرابي: شَاب، إِذا كَذب.
وشاب، إِذا خَدع فِي بَيع أَو شِراء.
أَبُو زَيد: دَعِ الرَّجُل فقد رابَ دَمُه، يَرُوب رَوْباً، أَي قد حَان هَلاَكُه.
ورُوي عَن عمر، أَنه قَالَ: مَكْسبةٌ فِيهَا يعضُّ الرِّيبة خَيْرٌ مِن مَسْألة النّاس.
قَالَ القُتَيْبي: الرِّيبة، والرَّيْب: الشّكّ، يَقُول: كَسْبٌ يُشَكّ فِيهِ، أَحَلاَلٌ هُوَ أم حَرام، خيرٌ من سُؤَال النَّاس لِمن يَقْدر على الكَسْب.
قَالَ: وَنَحْو ذَلِك المُشْتبهات.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 2) مَعْنَاهُ: لَا شَكّ فِيهِ.
يُقَال: رَابني فلانٌ، إِذا عَلِمْتَ مِنْهُ الرِّيبةَ.
وأَرابني: أَوْهمني الرِّيبة؛ وأَنشد أَبُو زَيد:
أَخُوك الَّذِي إِن رِبْتَه قَالَ إنّما
أَرَبْتُ وإنْ لايَنْتَه لَان جانِبُه
وَهَذَا قَول أبي زَيد.
وَفِي الْأَخْبَار عَن الأصمعيّ: رَابَنِي فلانٌ يَرِيبُني، إِذا رَأَيْتَ مِنْهُ مَا يَرِيبك وتَكْرَهُه.
قَالَ: وهُذيل تَقول: أرابني فلانٌ.
قَالَ: وأَرَابَ الرّجُل يُريب، إِذا جَاءَ بتُهمة. 6
قلت: قَول أبي زَيد أَحسن.
وَيُقَال: راب دمُ فلَان يَرُوب، إِذا تَعَرَّض لما يَسْفِك دَمَه.
وَهَذَا كَقَوْلِهِم: فلَان يَحْبس نَجِيعَه ويَفُورُ دَمُه.
وَيُقَال: رَوَّبَتْ مَطِيَّةُ فلانٍ تَرْوِيباً، إِذا أَعْيت.
وَقَالَ اللَّيْث: رَيْب الدَّهر: صُروفه وحوادثُه.
قَالَ: وأراب الأمْرُ، إِذا صَار ذَا رَيْب.
وأَراب الرَّجُل: صَار مُريباً ذَا رِيبة.
وأَرَبْتُ فلَانا، أَي اتَّهَمْته.
ورَابني الأمرُ رَيْباً، أَي نَابَنِي وأَصَابنِي.
ورابني أمرُه يَريبني، أَي أدْخل عليّ شكّاً وخَوْفاً.
قَالَ: ولُغة رَدِيئَة: أرابني هَذَا الأمْرُ.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الرُّوبة، على وُجُوه:
فالمَهموز مِنْهَا: الرُّؤبة، وَهُوَ مَا تُسد بِهِ الثَّلمة فِي الْإِنَاء.
قَالَ: ورُوبة اللَّبن: خميرته الَّتِي يُرَوَّب بهَا، غير مَهموز.
ورُوبة الفَحل: جمام مَائه، غير مَهموز.
وَيُقَال: أَعِرْني رُوبة فَحلك، إِذا اسْتَطْرقته إيّاه.
ومَضت رُوبةٌ من اللّيل، أَي سَاعَة.
وَيُقَال: مَا يقوم فلانٌ برُوبة أَهله، أَي بشأنهم وصَلاحهم.
كُلّه غير مَهْمُوز.

(15/182)


قَالَ: رُؤبة بن العجّاج، مَهْمُوز.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: سَمِعْت المُفَضل وأَبا الكَلام الْأَعرَابِي يَقُولَانِ: الرُّوبةُ: الساعةُ من اللَّيْل، والرُّوبةُ: مَاء الْفَحْل، والرُّوبة: إصْلَاح الشَّأْن والأمْر، والرُّوبة: شَجَرَة النِّلْك، والرُّوبة: التحيُّر والكسل مِن كَثْرَة شُرب اللَّبن، والرُّوبة: خميرة اللَّبن الَّذِي فِيهِ زُبْده، وَإِذا أُخرج زُبْده، فَهُوَ رَوْب، ويسَمَّى أَيْضا: رائباً، بالمَعنيين.
قَالَا: والرُّؤْبة: الخَشْبة الَّتِي يُرْأَب بهَا المُشَقّر، وَهُوَ القَدَح الكَبير من الخَشب.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي: رُوي عَن أبي بكر فِي وصِيّته لِعُمر: عَلَيْك بالرّائب من الأُمور وإيّاك والرَّائب مِنْهَا.
قَالَ ثَعْلَب: هَذَا مَثَلٌ، أَراد عَلَيْك بِالْأَمر الصَّافي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شُبهة وكَدر. وَإِيَّاك والرائبَ، أَي الْأَمر الَّذِي فِيهِ شُبْهَة وكَدر.
وَاللَّبن إِذا أدْرك وتخثَّر، فَهُوَ رائبٌ، وَإِن كَانَ فِيهِ زُبده، وَإِذا أخرج مِنْهُ زُبده، فَهُوَ رائبٌ أَيْضا.
وَقَالَ بَعضهم: معنى قَوْله: عَلَيْك بالرائب من الأُمور، حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَع مَا يُريبك إِلَى مَا لَا يُريبك) .
وَقَوله: عَلَيْك بالرائب من الْأُمُور. يَقُول: تَفَقّدها وانْفُضْها عَن الرِّيبة وغَيِّرها إِلَى الصَّلاح.
شَمر، عَن ابْن شُميل، عَن أبي خَيرة: الرُّوبة: مَكْرَمةٌ من الأَرْض كَثِيرَةُ النّبات والشّجر، هِيَ أَبقى الأَرْض كلأ.
قَالَ: وَبِه سُمِّي: رُوبة بن العجّاج.
وَكَذَلِكَ: رُوبة الْقدح، مَا يُوصل بِهِ.
وَالْجمع: رُوَب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرُّبة: العُقْدة، وَقَالَهُ فِي قَوْله:
هَل لَك يَا خَوْلة فِي صَعْب الرُّبه
مُعْتَرِم هامتُه كالحَبْحَبه
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: رَأبْت الصَّدع.
ورَأَبت بَينهم رَأْباً، إِذا أَصلحت مَا بَيْنهم.
وكل صَدْع لأمته، فقد رَأَبْته.
وَقَالَ غَيره: رَجُلٌ مِرْأَبٌ ورَأَّبٌ، إِذا كَانَ يَشعب صُدُوع الأقْداح، ويُصْلح بَين النَّاس؛ وقومٌ مَرَائيب.
والرُّؤبة: الْقطعَة من الْحجر تُرأب بهَا البُرْمة؛ وَقَالَ الطِّرمّاح يَمْدح قوما:
نُصُرٌ للذَّليل فِي نَدْوة الحَ
يّ مَراثِيبُ للثَّأَى المُنْهاضِ
وأَنشد ابْن السِّكيت لطُفَيل الغَنوي:
لعمري لقد خَلّى ابْن خيدع ثَلْمة

(15/183)


وَمن أَيْن إنْ لم يَرْأبِ اللَّهُ تُرْأَبُ
قَالَ يَعقوب: هُوَ مثل: لَقد خلَّى ابْن خَيْدع ثَلْمةً.
قَالَ: وخَيدع: امْرَأَة، وَهِي أُم بني يَرْبوع. يَقُول: مِن أَيْن تُسَد تِلْكَ الثَّلْمة إِن لم يَسُدّها الله.
والرُّؤبة: قِطْعَة من خَشب تُسَد بهَا ثَلْمة الجَفْنة والقَدَح.
وَهِي قِطْعَة من حَجر تُصْلح بهَا البُرْمة.
أرب: أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: تَأَرَّبت فِي حَاجَتي: تشدَّدت. وأَرّبت العُقْدة: شَدَدْتُها. أَبُو زَيد، مِثْله. قَالَ: وَهِي الَّتِي لَا تَنْحَلّ حَتَّى تُحلّ.
قَالَ الْفراء: المُستأرب الَّذِي قد أَحاط الدَّينُ، أَو غيرُه من النوائب، بآرابه من كُل نَاحيَة؛ وأَنْشد:
وناهَزوا البَيْعَ من تِرْعيَّة رَهقٍ
مُسْتأْرِبٍ عَضَّه السُّلْطان مَدْيُونُ
أَي أَخذه الدَّيْن من كُل نَاحيَة. والمناهزة فِي البيع: انتهاز الفُرصة. وناهزوا البيع، أَي بادَرُوه. والرَّهِق: الَّذِي بِهِ خِفّة وحِدّة. وعَضّه السُّلطان، أَي أَرْهقه وأَعجله وضَيَّق عَلَيْهِ الْأَمر. وفلانٌ تِرعية مَال، أَي إزاءَ مالٍ حسَن الْقيام بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُميل: أَرِب فِي ذَلِك الْأَمر، أَي بلغ فِيهِ جُهده وطاقته وفَطِن لَهُ.
وَقد تَأَرّب فِي أمره، سَوَاء.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَرِبت بالشَّيْء: صِرْت فِيهِ ماهراً بَصِيراً.
وَمِنْه: الرَّجُلُ الأَريب، أَي ذُو دَهْي وبَصَر؛ وَقَالَ ابْن الخَطِيم:
أَربت بدَفْعِ الحَرْب لمّا رأيتُها
على الدَّفْع لَا تزْدَاد غَيرَ تَقَارُبِ
وَالِاسْم مِنْهُ: الأرْب.
وَيُقَال لكُل عُضو: إرْب.
والإرْب: الحاجةُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبيد: عُضْو مُؤَرَّب، أَي مُوَفّر، وَفِي حَدِيث: إِنَّه أُتِي بِكَتف مُؤَرَّبة فَأكلهَا وصَلَّى وَلم يَتَوَضَّأ.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: المُؤَرَّبة: الموفَّرة الَّتِي لم يُنْقَص مِنْهَا شَيْء.
وَقد أَرّبته تأريباً، إِذا وفَّرته.
مَأخوذ من (الإِرب) وَهُوَ العُضو.
يُقَال: قَطّعْته إرْباً إرْباً، أَي عُضْواً عُضْواً.
وَقَالَ أَبو زُبَيد الطَّائِي:
وأُعْطِي فَوق الضِّعف ذَا الحَقِّ منْهُم
وأَظْلِم بَعْضًا أَو جَمِيعًا مُؤرَّبَا
وَقَالَ أَبُو زُبَيْد:
على قَتِيلٍ من الْأَعْدَاء قد أَرُبُوا
أنِّي لَهُم واحدٌ نائِي الأنَاصِيرِ
قَالَ: أرُبُوا: وَثِقُوا أنّي لَهم وَاحِد وأنَاصيري ناؤُون عنِّي، جمع: الْأَنْصَار.

(15/184)


ويُروى: وَقد عَلِموا. وكأنّ (أرُبوا) من الأريب، أَي من تَأْريب العُقْدة، أَي من الأرْب.
قَالَ أَبُو الهَيْثَم: أَي أَعجبهم ذَاك فَصَارَ كأَنه حاجةٌ لَهُم فِي أَن أبقى مُغْترباً نَائِيا من أَنْصَارِي.
قَالَ أَبُو عُبيد: آرَبْتُ على الْقَوْم، مِثَال أفعلت، إِذا فُزْت عَلَيْهِم وفَلَجت؛ وَقَالَ لَبِيد:
قَضيتُ لُبَانَاتٍ وسَلّيْتَ حَاجَة
ونفسُ الْفَتى رَهْنٌ بقَمْرة مُؤْرِبِ
ويُقال: مَا كَانَ الرجل أرِيباً.
وَلَقَد أَرُبَ أَرَابةً.
أَبُو زيد: رَجُلٌ أَرِيب، من قَوْمٍ أُرَباء.
وَقد أَرُب يَأْرُب أَحْسَنَ الإِرْب، فِي العَقْل.
وأَرِبَ يَأْرَب أَرَباً، فِي الْحَاجة.
وَالِاسْم: الإِرْبة.
أَبُو نَصر، عَن الأَصمعيّ: أَرُب الرّجل يَأْرُب إرْباً، إِذا صَار ذَا دَهْي.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أملككم لإِرْبه. أَرَادَت: لِحَاجَتِهِ، أَي أَنه كَانَ يملك نَفْسه وهَواه. وَكَانَ غَالِبا لَهما.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الإِرْبة، والإِرْب: الحاجةُ، وَهِي المَأْرُبة، وَجَمعهَا: مآرب؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَى} (طه: 18) .
وَقَالَ تَعَالَى: {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (النُّور: 31) .
وَفِي حَدِيث عُمر رَضِي الله عَنهُ أَنه نَقم على رَجُلٍ قولا قَالَه، فَقَالَ لَهُ: أَرِبْت عَن ذِي يَدَيْك.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الأَعرابيّ يَقُول فِي قَوْله: أَرِبْت عَن ذِي يَدَيك مَعْنَاهُ: ذهب مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تَحْتاج.
وَقد أَرِب الرَّجُل، إِذا احْتَاجَ إِلَى الشَّيْء وطَلبه، يَأْرَب أَرَباً؛ وَقَالَ ابْن مُقْبل:
وإنّ فِينَا صَبُوحاً إِن أَرِبْتَ بِهِ
جَمْعاً بَهِيّاً وآلافاً ثمانِينَا
أرِبت بِهِ، أَي أَرَدته واحتجت إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمثله قولُه:
أرِبَ الدَّهْرُ فأَعْدَدْتُ لَهُ
مُشْرِفَ الحارِك مَحْبُوك الكَتَدْ
أَي، أَرَادَ ذَلِك منّا وطَلَبه.
قَالَ: وَيُقَال: أَرِب الدَّهْرُ: اشْتَدّ.
وأَرِبْتُ بِهِ: بَصُرْت بِهِ؛ وَقَالَ قَيْس بن الخَطيم:
أَرِبْت بدَفع الحَرْب حَتَّى رأيتُها
على الدَّفْع لَا تَزْداد غَيْرَ تَقَارُبِ
أَي كَانَت لي إرْبة، أَي حَاجَة فِي دَفْع الحَرْب.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أَرِبْتُ بالشَّيْء،

(15/185)


أَي كَلِفْت بِهِ؛ وَأنْشد لابْن الرِّقاع:
وَمَا لامرىءٍ أَرِبٍ بالحَيا
ة عَنها مَحِيصٌ وَلَا مَصْرَفُ
أَي كَلِف.
وَقَالَ فِي قَوْله:
وَلَقَد أَرِبْتُ على الهُموم بجَسْرةٍ
عَيْرانةٍ بالرِّدْف غيرِ لَجُونِ
أَي عَلِقْتُها ولَزِمْتُها واسْتَعَنْت بهَا على الهُموم.
حدّثنا السعديّ: قَالَ حدّثنا حَمَّاد بن الْحسن: قَالَ حدّثنا أَبُو دَاوُود: قَالَ حدّثنا أَبُو عوَانَة، عَن يَعْلى بن عَطاء، عَن الْوَلِيد بن عبد الرحمان الزّجاج، عَن الْحَارِث بن أَوْس الثَّقَفِيّ، قَالَ: سَأَلت عُمر عَن امْرَأَة حَاضَت، أَتَنفر قبل أَن تَطُوف؟ قَالَ: تَجعل آخر عَهْدها الطّواف. قَالَ: فَقلت: هَكَذَا حدّثني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سألتُه؛ فَقَالَ عُمر: أرِبْتَ عَن ذِي يَدَيْك سَأَلتنِي عَن شَيْء سَأَلت عَنهُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيْمَا أخالِفه.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: أرِبْت عَن ذِي يَدَيك، هُوَ عِنْدِي مَأْخُوذ من الْآرَاب وَهِي أَعْضَاء الْجَسَد، فكأنّه أَرَادَ بقوله: أربت عَن ذِي يَدَيْك، أَي سَقَطت آرابُك، من الْيَدَيْنِ خاصّة.
قَالَ: وَهُوَ فِي حَدِيث آخر: سَقطت عَن ذِي يَديك، أَلا كُنت حدّثتنا بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَول عُمر: أرِبْت عَن ذِي يَديك، أَي ذهب مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تحْتَاج.
وأَرِب الرجل، إِذا اجتاج، قَالَ ابْن مُقبل:
وإنّ فِينَا صَبُوحاً إِن أَرِبْت بِهِ
أَي إِن احتجت إِلَيْهِ وأَرَدْته.
وَقَول ابْن مُقبل فِي الأُرْبة:
لَا يَفْرحون إِذا مَا فَازَ فائزُهم
وَلَا تُرَدّ عَلَيْهِم أُرْبَةُ اليَسَرِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: أَرَادَ إحكام الخَطر، مِن تَأْريب العُقْدة.
والتأريب: تمامُ النَّصيب؛ وأَنْشد:
ضَرْب القِدَاح وتَأْرِيبٌ على الخَطَرِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: اليَسر، هَا هُنَا: المُخاطرة.
أَبُو عُبَيد: الأُرَبيّ، من أَسمَاء الدّاهية؛ وَقَالَ ابْن أحْمر:
فَلَمَّا غَسَى لَيْلى وأيْقنْتُ أنّها
هِيَ الأُرَبى جَاءَت بأُمّ حَبَوْكَرِ
والأُرْبة: حَلْقة الآخِيّة تُورَى فِي الأرْض.
وَجَمعهَا: أَرَب؛ قَالَ الطِّرمّاح:
وَلَا أَثَر الدُّوار وَلَا المآلِي
ولكنْ قد تُرَى أُرَب الحُصُونِ
قلتُ: وَقَول ابْن الأعْرابيّ: الرُّبَة: العُقْدَة؛ أَظن الأَصْل كَانَ الأُرْبة فحُذفت الهَمزة، وَقيل: رُبَة.

(15/186)


وَفِي الحَدِيث إِن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الحيّات فَقَالَ: (مَن خَشِي خُبْثَهنّ وشَرَّهنْ وإرْبَهُنّ فَلَيْسَ منّا) .
أصل الإرْب: الدّهاء والنُّكر، وَالْمعْنَى: من توقَّى قَتْلهن خَشْية شَرِّهن فَلَيْسَ مِن سُنَّتنا.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّأريب: التّحْريش.
قلت: هَذَا تَصْحيف، وَالصَّوَاب: التّأريث، بالثاء.
وَجَاء رَجل إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دُلّني على عَمل يُدْخِلُني الجنّة؛ فَقَالَ: أرِبٌ مالَه؟
مَعْنَاهُ: أَنه ذُو أرَب وخُبرة وعِلْم؛ وَقَالَ الهُذلي يَمدح رَجُلاً:
يَلُفّ طوائِفَ الفُرْسا
نِ وَهُوَ بِلَفِّهم أَرِبُ
وَفِي خبر ابْن مَسعود أنّ رجلا اعْترض النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسألَه، فصاح بِهِ الناسُ؛ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (دعوا الرَّجُلَ أرِب مالَه) .
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: أَي احْتَاجَ فَسَأَلَ مَاله.
وأَرِب عَضُدُه، إِذا سَقَط.
وأَرِب، إِذا سَجد على آرابه مُتمكِّناً.
قَالَ القُتيبي: فِي قَوْله أرب مالَه، أَي سَقطت أعضاؤُه وأُصِيبت.
قَالَ: وَهِي كلمةٌ يَقُولهَا الْعَرَب لَا يُراد بهَا إِذا قِيلت وُقوع الْأَمر، كَمَا يُقَال: عَقْرَى حَلْقَى؛ وكقولهم: تَرِبت يَدَاه.
وَفِي حَدِيث رَواه مَعْمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْمُغيرَة، عَن ابْن عبد الله، عَن أَبِيه: أنّه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنَى فَدَنَا مِنْهُ، فنُحِّي، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَعوه فأَربٌ مالُه) . قَالَ: فدنوتُ مِنْهُ.
قلت: و (مَا) ، صِلة.
وَيجوز أَن يكون أَرَادَ: فأربٌ من الآرَاب جَاءَ بِهِ فدَعُوه.
وَرب: قَالَ اللَّيث: الوِرْبُ: العُضو؛ يُقال: عُضْوٌ مُوَرَّب، أَي مُوَفَّر.
قلت: المَعروف فِي كَلَامهم: الإرْب العُضو، وَلَا أنكر أَن يكون الوِرْب لُغَة، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْمِيرَاث: وَرِث، وأَرث.
قَالَ اللّيث: والمُواربة: المُداهاة والمُخَاتلة.
وَقَالَ بعضُ الْحُكَمَاء: مُواربة الأرِيب جَهل وعَناء؛ لِأَن الأريب لَا يُخْدع عَن عَقْله.
قلت: المُواربة، مَأْخُوذَة من الإرْب، وَهُوَ الدَّهاء، فحوِّلَت الْهمزَة واواً.
والوَرْبُ: الفَساد.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال: إِنَّه لذُو عِرْق وَرِب، أَي فَاسد؛ وَقَالَ أَبُو ذَرّة الهُذليّ:
إِن يَنْتَسِبْ يُنْسَبْ إِلَى عِرْقٍ وَرِبْ
أَهلِ خَزُوماتٍ وشَحَّاجِ صَخِبْ

(15/187)


وَيُقَال: سَحابٌ وَرِب: واهٍ مُسْترخٍ؛ وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
صابَتْ بِهِ دَفَعاتُ اللاّمع الوَرِب
صابت تَصْوب: وَقَعَتْ.
قَالَ: والتّوريب، أَن تُوَرِّيَ عَن الشَّيْء بالمُعارضات المُباحات.
أبر: فِي الحَدِيث: (خَيْر المَال مُهْرَةٌ مَأمورة وسِكّة مَأْبُورة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: المَأْبورة: الَّتِي لُقِّحت.
يُقَال: أَبَرت النَّخْلَة، فَأَنا آبُرها أَبْراً.
وَهِي نَخل مَأْبُورة؛ وَمِنْه الحَدِيث: (مَن بَاعَ نخلا قد أُبرت فثمرتُها للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْترطها المُبْتَاع) .
قلت: وَذَاكَ لِأَنَّهَا لَا تُؤبر إِلَّا بعد ظُهور ثَمَرَتهَا وانشقاق طَلعها وكَوافِيرها عَن غَضِيضها.
وشبّه الشافعيّ ذَلِك بِالْولادَةِ فِي الْإِمَاء إِذا بِيعَتْ حَامِلا وتبعها ولدُها، وَإِن وَلدته قبل ذَلِك كَانَ الْوَلَد للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه المُبتاع مَعَ الأُم.
وَكَذَلِكَ النّخل إِذا أُبر؛ وَقَالَ طرفَة:
وليَ الأصْلُ الَّذِي فِي مِثْله
يُصْلِح الآبِرُ زَرْعَ المُؤْتَبِرْ
فالآبر: الْعَامِل.
والمُؤتبر: ربُّ الزَّرْع.
والمَأبور: الزّرع والنّخل المُصْلح.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبَرْتُ النخلَ، إِذا أصْلَحْتَه.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَعمر، عَن عبد الْوَارِث، عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، قَالَ: يُقَال: نَخل قد أُبِّرت، ووُبِرت، وأُبِرَت، ثَلَاث لُغَات:
فَمن قَالَ: أبِّرت، فَهِيَ مُؤَبَّرة.
وَمن قَالَ: وُبِرت، فَهِيَ مَوْبُورة.
وَمن قَالَ: أبِرت، فَهِيَ مَأْبُورة.
أَي مُلَقَّحة.
وَقَالَ أَبُو عبد الرحمان: يُقَال لكُل مُصْلِح صَنعة: هُوَ آبِرُها.
وَإِنَّمَا قيل للمُلقّح: آبِر، لِأَنَّهُ مُصْلِح؛ وَأنْشد:
فَإِن أنتِ لم تَرْضَيْ بِسَعْيِي فاتركي
لِيَ البَيْت آبُرْه وكُونِي مَكانِيا
أَي: أُصلحه.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أَبَرَتْه العَقْربُ تَأْبِرُه، إِذا لَدَغَتْه.
وَهِي آبرة.
وإبرة العَقرب، للَّتِي تَلْدغ بهَا.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: إبرة الذّراع: طَرفُ العَظْم الَّذِي من عِنْده يَذْرَع الذَّارِع.
قَالَ: وطَرف عَظْم العَضُد الَّذِي يَلي المِرْفق يُقال لَهُ: القَبِيح.
وزُجّ المِرْفق بَين القَبِيح وَبَين إبرة الذِّرَاع؛

(15/188)


وَأنْشد:
حيثُ تلاقي الإبرةُ القَبِيحا
وَيُقَال لِلْمِخْيَط: إبْرة.
وَجَمعهَا: إبَر.
وَالَّذِي يسوّي الإبر يُقَال لَهُ: الأبّار.
أنْشد شمر لِابْنِ الْأَحْمَر فِي صفة الرِّياح:
أَرَبّتْ عَلَيْهَا كُلُّ هوجاء سَهْوة
زَفُوف التَّوالي رَحْبة المُتَنَسَّم
إباريّة هَوْجاء مَوْعدها الضُّحَى
إِذا أَرْزَمَت جَاءَت بوِرْدٍ عَشَمْشَم
رَفُوفٍ نِيَافٍ هَيْرَعٍ عَجْرفيّة
تَرى البِيدَ من إعْصافها الجَرْي تَرْتَمِي
تحنّ وَلم تَرأم فَصِيلاً وَإِن تجِدْ
فَيَافِيَ غِيطان تَهَدَّج وتَرْأمِ
إِذا عَصَبَتْ رَسْماً فَلَيْسَ بدَائِمٍ
بِهِ وَتِدٌ إِلَّا تَحِلّةَ مُقْسِمِ
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبَر، إِذا آذَى؛ وأبَر، إِذا اغتاب، وأَبر، إِذا لَقّح النّخل، وَأبر: أصلح.
أَبُو عبيد: المآبر: النّمائم.
واحدتها: مِئبرة؛ وَأنْشد شَمر:
وَمن دَسّ أَعْدائِي إليكَ المآبِرَا
قَالَ شَمر: وَيُقَال لِلْلِّسّان: مِئبر، ومِذْرب، ومِفْصل، ومِقْول.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَأْبر، والمِئْبَر: المِحَشّ الَّذِي تُلقَّح بِهِ النَّخلة.
بار: وَفِي الحَدِيث: إنّ رجلا أَتَاهُ الله مَالا فَلم يَبْتَئر خَيْراً.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: مَعْنَاهُ، لم يُقَدِّم خيرا.
وَقَالَ الْأمَوِي: هُوَ من الشَّيْء يُخْبأ، كأنّه لم يُقَدّم لِنَفْسه خيرا خَبَأه لَهَا.
قلت: ويُقال للذَّخِيرة يَدَّخرها: بَئِيرَة.
ويُقال: بأرت الشيءَ، وابْتأَرته، إِذا ادَّخرتَه وخَبَأْتَه.
وَقَالَ الْأمَوِي: وَمِنْه قيل للحُفْرة: البُؤْرَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي الابتئار: لُغتان:
يُقَال: ابْتَأَرت، وائْتَبْرت، ابْتئاراً، وائتباراً؛ وَقَالَ القُطاميّ:
فَإِن لم تَأتَبِرْ رَشَداً قُرَيْشٌ
فَلَيْسَ لسائِر النَّاس ابْتِئَارُ
يَعْنِي: اصطناع الْخَيْر والمَعروف وتَقْدِيمه.
وَيُقَال ل (إرَة) النَّار: بُؤْرَة، وَجَمعهَا: بُؤَر، والبِئر: مَعْرُوفَة، وَجَمعهَا: بِئار، وآبار، وحافرُها: بأَّر؛ وَيُقَال: أبَّار.
وبأرتُ بِئْراً، إِذا حَفَرْتَها.
وبر: قَالَ اللَّيث: الوَبَرُ: صُوف الإِبل والأَرْنب وَمَا أَشْبَهها، وَجمعه: الأوْبار.
قلت: وَكَذَلِكَ وَبَرُ السّمُّور والثّعالب والفَنَك.
وَفِي حَدِيث الشُّورى: إنّ السِّتَّة لمّا اجْتَمعُوا تكلّموا فَقَالَ قائلٌ مِنْهُم فِي

(15/189)


خُطبته:
لَا تُوَبِّروا آثَاركُم فتُولِتُوا دِينَكم.
هَكَذَا رَواه الرِّياشي بِإِسْنَاد لَهُ فِي حَدِيث طَوِيل أَخبرني بِهِ المُنذري، عَن الصَّيداوي، عَن الرِّياشي.
قَالَ: وَقَالَ الرِّياشي: التَّوْبِير: التَّعْفِية ومَحْو الأَثر.
قَالَ: وَإِنَّمَا يُوَبِّر من الدّواب التُّفَهُ، وَهُوَ عَناق الأَرْض، والأرنب.
يُقَال: وَبَّرت الأرْنبُ فِي عَدْوها، إِذا جَمعت بَرَاثنها لتُعَفِّي أثَرها.
قلت: وَكَانَ شَمر رَوَى هَذَا الْحَرْف فِي حَدِيث الشُّورى: لَا تُوَبِّروا آثَاركُم فتُولتوا أَنْفُسَكم، ذَهب بِهِ إِلَى الوَتْر والثأر، وَالصَّوَاب مَا رَواه الرِّياشيّ.
أَلا ترى أَنه يُقَال: وَتَرْت فلَانا أَتِره، من الوَتْر، وَلَا يُقَال: أَوْتَرْت.
ورَوى ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: وَبَّر فلانٌ على فلانٍ الأمْرَ، أَي عمّاه عَلَيْهِ؛ وأَنْشد أَبُو مَالك لجَرِير:
فَمَا عَرَفَتْك كِنْدَة عَن يَقينٍ
وَمَا وَبَّرْتُ فِي شُعَبِي ارْتِعَابَا
يَقُول: مَا أَخْفيت أَمرك ارتعاباً وَلَكِن اضْطراراً.
وروى أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: إِنَّمَا يُوبِّر من الدوابّ الأرْنب وشيءٌ آخر.
قلت: هُوَ التُّفَهُ.
قَالَ: والتَّوْبير: أَن تَتْبع المكانَ الَّذِي لَا يَسْتَبين فِيهِ أثرُها، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا طُلبت نظرت إِلَى صَلابة من الأَرْض فَوَثَبت عَلَيْهَا لئلاّ يَستبين فِيهِ أثرُها لصَلابته.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَبْر؛ والأُنثى: وَبْرة: دويْبة غَبراء على قَدر السِّنَّور حَسنة العَيْنين شَدِيدَة الحَياء تكون بالغَوْر.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أنّه قَالَ: فلَان أَسْمج من مُخَّة الوَبْر، لسُهُولَة مخرج مُخّه.
وروى سلَمة، عَن الْفراء، قَالَ: يُقَال: فلانٌ آدم من الوِبارة؛ جمع: الوَبْر.
والعربُ تَقول: قَالَت الأرنبُ للوَبْر: وَبَرْ وَبْر، عَجُزٌ وصَدْر، وسائرك حَفْرٌ نَفْر.
فَقَالَ لَهَا الوَبْر: أرَان أران، عَجُزٌ وكَتِفان، وسائرك أُكْلَتان.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقال للمُزْغبة من الكمأَة: بَنَات أَوْبر، واحدتها: ابْن أَوْبَر، وَهِي الصّغار؛ وأَنشد الأَحْمر:
وَلَقَد بَنَيْتُك أكْمُؤا وعَساقِلاً
وَلَقَد نَهَيْتُك عَن بَنات الأَوْبَر
وَقَالَ اللَّيْث: وَبَارِ: أَرض كَانَت من محالّ عادٍ بَين اليَمن ورِمال يَبْرِين، فَلَمَّا هَلكت عَاد وأَوْرث الله دِيَارهمْ الجِنَّ، فَلَا يَتقاربها أَحَدٌ من النَّاس؛ وأَنشد:
مِثْل مَا كَانَ بَدْءُ أهْل وَبَارِ

(15/190)


وَقَالَ محمّد بنُ إسْحاق بن يَسَار: وَبَارِ: بَلْدَة يَسْكنها النَّسْناس. وَالله أَعْلم.
بور: قَالَ الْأَصْمَعِي: بار يَبُور بَوراً، إِذا جَرَّب.
وبار الفَحْل الناقةَ يَبُورُها بَوْراً، إِذا جَعل يَتَشَمَّمها لينظُر ألاقحٌ هِيَ أم لَا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن زُغْبَة:
وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخَاض تَبُورُها
قَالَ أَبُو عبيد: قولُه: كإيزاغ الْمَخَاض، يَعْنِي: قَذفها بأَبوالها، وَذَلِكَ إِذا كَانَت حوامل. شَبّه خُروج الدَّم برمي المخَاض أَبوالها. وَقَوله: تَبورها، أَي تختبرها أَنْت حِين تعرضها على الْفَحْل لتنظر ألاقح هِيَ أم لَا؟
وَقَالَ اللَّيْث: فحلٌ مِبْوَرٌ، إِذا عرف ذَلِك مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال للرجل إِذا قذف امْرَأَة بِنَفسِهِ: إِنَّه فجَر بهَا، فَإِن كَانَ كَاذِبًا فقد ابْتَهرها، وَإِن كَانَ صَادِقا فَهُوَ الابْتيار؛ افتعال من: بُرْت الشَّيْء أَبُوره، إِذا خبرته؛ قَالَ الكُميت:
قبيحٌ بمِثلِيَ نَعْتُ الفَتا
ةِ إمّا ابْتهاراً وإمّا ابْتِيارَا
وَيُقَال: بارت السُّوق تَبُور.
وبارت البِيَاعَاتُ، إِذا كَسَدَت.
وَمن هَذَا قيل: نَعوذ بِاللَّه من بَوَارِ الأيِّم، وَهُوَ أَن تَبْقَى المرأةُ فِي بَيتها لَا يَخْطُبها خاطبٌ.
والبَوار: الفَسَاد.
وَفِي حَدِيث: كنّا نَبُور أَوْلَادنَا بحُبّ عليَ عَلَيْهِ السَّلَام، أَي نختبر ونمتحن.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جَلّ وَعز: {السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً} (الْفَتْح: 12) .
قَالَ: البُور، مصدر، يكون وَاحِدًا وجَمْعاً.
يُقَال: أَصبَحت مَنَازِلهمْ بُوراً، أَي لَا شَيْء فِيهَا.
وَكَذَلِكَ أَعمال الكفّار تَبْطُل.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحرانيّ، عَن ابْن السِّكيت، عَن أبي عُبيدة: رَجُلٌ بُورٌ، ورَجُلان بُور، وقومٌ بُور، وَكَذَلِكَ الأُنثى، وَمَعْنَاهُ: هَالك.
وَقد يُقال: رجلٌ بائر، وقومٌ بُور.
وأَنْشد:
يَا رسولَ المَليك إنّ لسانِي
راتقٌ مَا فَتَقت إِذْ أَنا بُورُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: البائر: الْهَالِك، والبائر: المجرِّب، والبائر: الفاسِد، وسُوق بائرة، أَي فَاسِدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: البَوار: الهَلاَك.
ورجلٌ حائرٌ بائر، لَا يتَّجه لشَيْء، ضالٌّ تائه.

(15/191)


وَفِي كتاب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُكَيدر دُومة: (وَلكم البُور والمَعَامي وأَغْفال الأَرْض) .
قَالَ أَبُو عُبيد: البُور: الأَرْض الَّتِي لم تُزْرع. والمَعَامي: المجهولة. والأغْفال، نَحْوهَا.
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: يُقَال: نَزلتْ بَوَارِ على النَّاس، بِكَسْر الرَّاء؛ وَقَالَ أَبُو مُكْعِبٍ الأسدِيّ:
قُتِلت فَكَانَ تَبَاغِياً وتَظالُماً
إنّ التظالُم فِي الصَّديق بَوَار
وَكَذَلِكَ: نزلت بَلاَءِ على النَّاس.
بَرى: قَالَ اللَّيث: يُقال: بَرى العُود يَبْريه بَرْياً.
وبَرى القَلم يَبْريه بَرْياً.
قَالَ: وناسٌ يَقُولون: هُوَ يَبْرُو القَلم، وهم الَّذين يَقُولُونَ: البُرَّ.
قَالَ: وبُرَةٌ مَبْرُوّة، أَي مَعْمولة.
وناقة مُبْرَاةٌ: فِي أَنْفها بُرَةُ، وَهِي حَلقة من فِضّة أَو صُفْر تُجْعل فِي أَنفها إِذا كَانَت دقيقةً مَعطوفة الطَّرَفَيْن.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الأصمعيّ فِي البُرَة والناقة المُبَراة.
وتُجْمع البُرة: بُرًى، وبُرِين.
والبَريّ: السّهم المَبْرِيّ الَّذِي قد أُتمّ بَرْيُه وَلم يُرَشْ وَلم يُنْصَل.
والقِدْح أوّل مَا يُقْطع يُسمَّى: قِطْعاً.
ثمَّ يُبْرَى فيُسَمَّى: بَرِيّاً.
فَإِذا سُوِّم وأَنَى لَهُ أَن يُرَاش ويُنْصَل، فَهُوَ القِدْح.
فَإِذا رِيش ورُكِّب نَصْلُه كَانَ سَهْماً.
ابْن السِّكّيت: بَرَيْت الْقَلَم أَبْريه برْياً.
وبارَيْت فلَانا مُباراة، إِذا كنت تفعل مِثل فِعْله.
وفلانٌ يُباري الرّيح سَخَاءً.
ويُقال: تَبَرّيت لفلانٍ: إِذا تَعَرَّضتَ لَهُ.
وتَبَرَّيتهم، مثله؛ وَأنْشد:
وأَهْلة وُدَ قد تَبَرَّيْتُ وُدَّهَم
وأَبْلَيْتُهم فِي الحَمْد جُهْدي ونائِلِي
وَيُقَال: بَرى فلانٌ لفلانٍ يَبْرِي لَهُ، إِذا عَرَض.
وَقَالَ الأَصْمعيّ: بَرَيت النَّاقة، إِذا حَسَرتها، فَأَنا أبريها بَرْياً؛ مثل بَرْي القَلم.
وبَرى يَبْري بَرْياً، إِذا نحَت.
وَمَا وَقع من نَحْت، فَهُوَ بُرَاية.
ويُقال للبعير إِذا كَانَ ذَا بَقَاء على السَّيْر: إِنَّه لذُو بُراية؛ وَأنْشد:

(15/192)


على حَتِّ البُرَاية زَمْخريّ السَّ
واعِدِ ظَلَّ فِي شَريٍ طِوالِ
يصف ظَلِيماً.
قَالَ: وبَرى لَهُ يَبْرِي بَرْياً؟ إِذا عارَضه وصَنع مثل مَا صَنع.
وَمثله: انْبرى لَهُ.
وهما يَتباريان، إِذا صَنع كُلّ واحدٍ مِنهما صَنِيع صاحِبه.
وأبربت النَّاقة، جعَلت لَهَا بُرَة.
وَمن مهموزه
برأَ: المُزني، عَن ابْن السِّكيت: برأتُ من الْمَرَض أَبْرأ بَرْءًا، وبَرِئْت أَبْرأ بُرْءًا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَرىء، إِذا تخلّض، وبَرىء، إِذا تنزَّه وتَباعد، وبَرىء، إِذا أَعْذر وأنْذَر؛ وَمِنْه قولُ الله عزَّ وجلّ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التَّوْبَة: 1) أَي إعْذار وإنذار.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: برأت من الْمَرَض بُروءاً، لُغَة تَمِيم، وأَهْل الْحجاز يَقُولُونَ: برأت من الْمَرَض بَرْءًا.
وأَبرأه الله من مَرضه إبْرَاءً.
وَقَالَ أَبُو زيد، برأتُ من الْمَرَض، لُغة أهل الْحجاز، وَسَائِر الْعَرَب يَقُولُونَ: بَرِئْت من الْمَرَض.
قَالَ: وَأما قَوْلهم: برئتُ من الدَّين أَبْرأَ بَرَاءةً؛ وَكَذَلِكَ: بَرِئْتُ إِلَيْك من فلَان أَبْرَأَ بَراءةً، فَلَيْسَ فِيهَا غير هَذِه اللُّغة.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله عزَّ وجلّ: {وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا} (الزخرف: 26) . الْعَرَب تَقول: نَحن مِنْك الَبَراء والخَلاء، وَالْوَاحد والاثنان والجميع من المذكّر والمؤَنث، يُقَال فِيهِ: بَراء، لِأَنَّهُ مَصْدر، وَلَو قَالَ: برىء، لقِيل فِي الِاثْنَيْنِ: بريئان، وَفِي الْجَمِيع: بريئون، وبِراء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمَعْنى فِي البَراء أَي ذُو البَراء مِنْكُم، وَنحن ذُو البَراء مِنْكُم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحوا مِمَّا قَالَ الفَراء، وَزَاد فِيهِ: نَحن بُرآء، على فُعلاء، وبِراء، على فِعَال، وأبْرياء.
وَفِي المؤنّث: إِنَّنِي بريئة؛ وَفِي الْمثنى: بريئتان؛ وَفِي الْجَمِيع: بريئات، وبَرايا.
وبرأ الله الْخلق يَبْرؤهم بَرْءًا.
وَالله البارىء الذّارىء.
والبريّة: الخَلْق، بِلَا هَمز.
قَالَ الفَراء: هِيَ من: بَرأ الله الخَلق، أَي خَلقهم.
قَالَ: وَإِن أُخذت من البَرَى وَهُوَ التُّرَاب، فأصلُها غير الْهَمْز؛ وأَنشد:
بفِيك مِن سَارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى
أَي: التُّراب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ يُونس، أهْل مَكَّة يُخالفون غَيرهم من العَرب فيهمزون

(15/193)


النبىء، والبريئة، والذَّريئة، من ذَرأ الله الْخلق، وَذَلِكَ قَلِيل.
وَقَالَ الفَراء: النبىء، هُوَ من أنبأ عَن الله، فتُرك هَمزُه.
وَإِن أَخَذته من النَّبْوة، والنّباوة، وَهِي الِارْتفَاع عَن الأَرْض، أَي إِنَّه أشرف على سَائِر الخَلْق، فأصله غير الْهَمْز.
قَالَ القُتَيبي: آخر لَيْلَة من الشَّهْر تُسَمَّى: بَراء، يَبْرَأ فِيهَا القَمَرُ من الشَّمس.
قَالَ الزّجاج: يُقَال: بَرَأت من الرّجل والدّين بَرَاءةً.
وبَرئْت من الْمَرَض، وبَرَأت.
وبَرأت أَبْرأ بَرْءًا.
قَالَ: وَقَالَ: وبَرَأت أَبْرُؤ بَرْءًا.
قَالَ: وَلم نجد فِيمَا لامه هَمزة: فَعَلت أفْعُل؛ وَقد اسْتَقصى العُلماء باللّغة هَذَا فَلم يَجدوه إِلَّا فِي هَذِه الْحُرُوف.
ثمَّ ذكر: قَرَأت أقرؤ، وهَنَأْت البَعيرَ أهْنُؤُه.
قَالَ: وَقَول الله تَعَالَى: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التَّوْبَة: 1) : فِي رفع {بَرَاءَةٌ قَولَانِ: أَحدهمَا: على خبر الِابْتِدَاء، الْمَعْنى: هَذِه الْآيَات بَرَاءَة من الله وَرَسُوله. وَالثَّانِي: بَرَاءَة، ابْتِدَاء، وَالْخَبَر: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} (التَّوْبَة: 1) .
وكلا الْقَوْلَيْنِ حَسَن.
أَبُو عُبيد، عَن الْأمَوِي: البَرَى: التُّراب.
وَكَذَلِكَ قَالَ الفَرّاء وَابْن الأعرابيّ.
وَقَالَ الأصمعيّ: مَطر ذُو بُراية: يَبْري الأَرْض ويَقْشرها.
قَالَ: والبُراية: القُوّة.
ودابّة ذَات بُراية، أَي ذَات قُوّة على السَّيْر.
وَقيل: هِيَ قويّة عِنْد بَرْي السّيْر إيّاها.
ويُقال: بارأْتُ المرأةَ والكَرِيَّ أُبارئهما مُبارأةً، إِذا صالَحْتَهما على الفِراق.
أَبُو الهَيْثم: الوَرى والبَرى، مَعْنَاهُمَا وَاحِد، يُقَال: هُوَ خَير الوَرَى والبَرى، أَي خَير الخَلق.
والبَرِيّة: الخَلْق.
قَالَ: وَالْوَاو تُبدل من الْبَاء، فَيُقَال: بِاللَّه لَا أفعل، ثمَّ قَالُوا: وَالله لَا أَفعل.
قَالَه الفَرّاء، وَقَالَ: الجالب لهَذِهِ الْبَاء فِي الْيَمين (بِاللَّه مَا فَعَلت) إِضْمَار (أَحْلف) ، يُرِيد: أَحلف بِاللَّه.
قَالَ: وَإِذا قلت: وَالله لَا أفعل ذَاك، ثمَّ كنّيت عَن اسْم الله، قلت: بِهِ لَا أفعل ذَلِك، فَتركت الْوَاو وَرجعت إِلَى الْبَاء.
والبُرْأة: فُتْرة الصّائد الَّتِي يَكْمُن فِيهَا.

(15/194)


وَالْجمع: بُرأ؛ وَقَالَ الأعْشى:
بهَا بُرَأٌ مِثْلُ الفَسِيل المُكَمَّمِ
والاسْتِبراء: أَن يَشْتري الرَّجل جَارِيَة فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحِيض عِنْده حَيضةً ثمَّ تَطْهُر.
وَكَذَلِكَ إِذا سباها لم يَطَأها حَتَّى يَسْتَبرئها بحَيْضة.
وَمَعْنَاهُ: طَلب براءتها من الحَمل.
واسْتبرأ الذَّكَرَ: طَلب بَراءته من بقيّة بَوْل فِيهِ بتَحْريكه ونَتْره وَمَا أَشبه ذَلِك حَتَّى يَعْلَم أنّه لم يَبق فِيهِ شَيْء.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَراء: أوّل يَوْم من الشَّهْر.
وَقد أَبْرَأ، إِذا دَخل فِي البَراء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: البَراء: آخر لَيلة من الشَّهر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَيُقَال لآخر يَوْمٍ مِن الشَّهر: البَراء؛ لِأَنَّهُ قد بَرىء من هَذَا الشَّهر.
وَابْن البَراء: أول يَوْم من الشَّهر.
وَقَالَ الْمَازِني: البَراء: أول لَيْلَة من الشَّهر؛ وأَنشد:
يَوْمًا إِذا كَانَ البَراء نَحْسَا
أَي إِذا لم يكن فِيهِ مطر، وهم يَستحبّون المَطر فِي آخر الشَّهْر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَراء من الأيّام: يَوْم سَعد يُتبرَّك بكُل مَا يَحدث فِيهِ؛ وَأنْشد:
كَانَ البَراء لَهُم نَحساً ففَرَّقهم
وَلم يكُن ذَاك نحساً مُذ سَرَى القَمَرُ
وَقَالَ الآخر:
إنّ عَبِيداً لَا يكون عُسّا
كَمَا البَراء لَا يكون نَحْسا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أَبْرَأ، إِذا دَخل فِي البَراء، وَهُوَ أوّل الشَّهر.
وَأَبْرَأ، إِذا صَادف بَريَّا، وَهُوَ قَصب السُّكَّر.
قلت: قولُه: أَبْرَأ، إِذا صَادف بريّاً، وَهُوَ قصب السكر: أَحْسَبه غير صَحِيح. وَالَّذِي أعرفهُ: أَبَرْتُ، إِذا صادفت بريّاً، وَهُوَ سُكر الطَّبْرَزَذ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَريء: المُتَفَصِّي القبائح، المُتَنحِّي عَن الْبَاطِل وَالْكذب، الْبعيد عَن التُّهم، النَّقِيّ الْقلب من الشِّرك.
والبَرِيء: الصَّحِيح الْجِسْم والعَقْل.
رَبًّا: يُقال: رَبا الشيءُ يَرْبُو، إِذا زادَ.
وَمِنْه أُخذ الرِّبَا الْحَرَام؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَآءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن} (الرّوم: 39) الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: يَعني بِهِ دَفْع الْإِنْسَان الشيءَ ليعوَّض مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، فَذَلِك فِي أَكثر التّفسير لَيْسَ بِحرَام، وَلَكِن لَا ثَوَاب لمن زَاد على مَا أَخذ.

(15/195)


قَالَ: والرِّبا؛ رَبَوان:
فالحرامُ كُلّ قَرْض يُؤْخذ بِهِ أَكثر مِنْهُ، أَو تجرُّ بِهِ مَنْفعة، فَحَرَام.
وَالَّذِي لَيْسَ بِحرَام أَن يَهبه الْإِنْسَان يَسْتَدعي بِهِ مَا هُوَ أَكثر، أَو يُهدي الهَدِيَّة لِيُهدَى لَهُ مَا هُوَ أكثرُ مِنْهَا.
وَقَالَ الْفراء: قرىء هَذَا الْحَرْف (لِيَربُوَ) بِالْيَاءِ، ونَصْب الْوَاو.
قَرَأَهَا عَاصِم وَالْأَعْمَش.
وَقَرَأَ أهلُ الْحجاز (لِتُرْبُوا) بِالتَّاءِ مَرْفوعة.
وكُلٌّ صَوَاب.
فَمن قَرَأَ (لِتُربوا) ، فالفِعل للْقَوْم الَّذين خُوطبوا، دلّ على نَصبها سُقوط النُّون.
وَمن قَرَأَ (لِيَرْبُوَ) مَعناه: لِيَربُو مَا أعطَيْتم من شَيْء لِتَأْخُذُوا أَكثر مِنْهُ، فَذَلِك رُبُوّه، وَلَيْسَ ذَلِك زاكياً عِنْد الله، وَمَا آتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَتلك تَربُو بالتَّضعيف.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: إِن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (مَا لي أَرَاك حَشْيَا رابية) . أَرَادَ ب (الرَّابية) : الَّتِي أَخذهَا الرَّبو، وَهُوَ البُهْرُ، وَكَذَلِكَ الحَشْيَا.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (الْبَقَرَة: 265) .
قَالَ أَبُو العبَّاس: فِيهَا ثَلَاث لُغات: رَبْوة، ورِبْوة، ورُبْوة؛ الِاخْتِيَار رُبْوة، لِأَنَّهَا أَكثر اللُّغات، وَالْفَتْح لُغة تَميم.
قلتُ: وَهِي الرّباوة، والرّابية، والرّباة، كل ذَلِك مَا ارْتفع من الأَرْض.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (الْحَج: 5) .
وقُرىء: ورَبأت.
فَمن قَرَأَ {وَرَبَتْ} فَهُوَ من: رَبًّا يَرْبو، إِذا زَاد على أَي الْجِهَات زَاد.
وَمن قَرَأَ (وربأت) بِالْهَمْز، فَمَعْنَاه: ارْتفعت.
وَقَالَ شَمِر: الرَّابِية: مَا رَبا وارْتفع من الأَرْض.
وَجمع: الرَّبْوة: رُبًى، ورُبِيّ؛ وَأنْشد:
ولاحَ إِذْ زَوْزَى بِهِ الرُّبِيّ
وزَوْزى بِهِ، أَي انتصَب بِهِ.
وَهِي الرّباوة.
وَقَالَ ابْن شُميل: الرَّوابي: مَا أَشرف من الرَّمل، مثل الدَّكْدَاكة، غير أَنَّهَا أشدّ مِنْهَا إشرافاً، وَهِي أسهل من الدَّكْداكة، والدَّكداكة أشدّ اكتنازاً مِنْهَا وأَغْلظ.
والرّابية فِيهَا خُؤورة وإشراف، تُنْبِت أَجود البَقل الَّذِي فِي الرِّمال وَأَكْثَره، يَنْزلُها النّاسُ.
وَيُقَال: جَملٌ صَعْب الرُّبَة، أَي لَطيف الجُفْرة. قَالَه ابْن شُميل.
قلتُ: وَأَصله رُبْوة؛ وأَنشد ابْن الأعْرابي:

(15/196)


هَل لكِ يَا خَدْلَة فِي صَعْب الرُّبَه
مُعْترمٍ هامَتُه كالْحَبْحَبَهْ
وَفِي حَدِيث رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُلْح أهل نَجْران: أَن لَيْسَ عَلَيْهِم رُبِّيّةٌ وَلَا دَمٌ.
قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا رُوي بتَشديد الْبَاء وَالْيَاء.
وَقَالَ الفَراء: إِنَّمَا هُوَ رُبْيَة، مخفّف، أَرَادَ بهَا الرِّبا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِم فِي الجاهليّة، والدِّماء الَّتِي كَانُوا يُطْلبون بهَا.
وَقَالَ الفَراء: ومِثل الرُّبْية من الرِّبا: حُبْية من الاحْتباء، سَماع من الْعَرَب، يَعْنِي أَنهم تكلّموا بهَا بِالْيَاءِ: رُبْيَة، وحُبْية، وَلم يَقُولُوا: رُبْوة، وحُبْوة، وأصلهما الْوَاو.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد، يُقَال: جَاءَ فلَان فِي أُرْبِيّته، وَفِي أُرْبية من قومه، أَي فِي أهل بَيْته وَبني عَمه، وَلَا تكون الأُرْبِيّة من غَيرهم.
وَقَالَ الْكسَائي: الأربيّة، مشدّدة: أصل الفَخِذ.
وَقَالَ ابْن شُميل: هِيَ مَا بَين الفَخِذ وأسفل البَطْن.
قَالَ شمر: قَالَ الفزاريّ: الأُرْبيّة: قريبةٌ من العَانة.
وللإنسان أُرْبِيّتَان، وهما يكتنفان الْعَانَة، والرُّفغُ تحتهما.
المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقال رَبيتُ فِي حجره، ورَبَوْتُ، ورَبِيت، أَرْبَى رَبًّا وربُوّاً؛ وأَنشد:
ومَن يَكُ سَائِلًا عنِّي فإنِّي
بمكّة مَنْزلي وَبهَا رَبِيتُ
قَالَ أَبُو سعيد: الرُّبْوة، بِضَم الرَّاء: عشرَة آلَاف من الرِّجال.
والجميع: الرُّبَا؛ قَالَ العجّاج:
بَينا همُ يَنْتظرون المُنْقَضَى
منّا إِذا هُنّ أَراعِيلٌ رُبَى
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرُّبْية: الفأر.
وَجَمعهَا: رُبًى؛ وأَنشد:
أَكَلْنا الرُّبى يَا أُمّ عَمْرٍ وومَن يكن
غَرِيبا بأَرْضٍ يَأكُل الحَشراتِ
قَالَ: والأرباء: الْجَمَاعَات مِن النَّاس.
واحدهم: رَبْو، غير مَهموز.
وَمن مهموزه
ربأ: الرَّبيئة، وَهُوَ عَيْن القَوم الَّذين يَرْبَأ لَهُم فَوق مَرْبَأَةٍ من الأرْض.
ويَرْتبىء، أَي يَقُوم هُنَالك.
ومَرْبأة البازِي: منارةٌ يَرْبأ عَلَيْهَا، وخَفّف الراجز هَمْزها فَقَالَ:
باتَ على مَرْبَاتِه مُقَيَّدَا
وَيُقَال: أَرض لَا رِباء فِيهَا وَلَا وِطاء، مَمدودان.
ورابأتُ فلَانا، إِذا حارَستَه وحارَسَك.
أَبُو زيد: ربأتُ الْقَوْم أَرْبَؤهم رَبْئاً، إِذا

(15/197)


كنتَ طَلِيعَة لَهُم فَوق شَرف.
وَاسم الرجل: الرَّبيئة.
وَيُقَال: مَا رَبَأْتُ رَبْئَهُ، وَمَا مَأَنْت مَأْنه، أَي لم أُبالِ بِهِ وَلم أَحْتَفل لَهُ.
ورابأتُ فلَانا مُرابأة، إِذا اتَّقَيْته؛ وَقَالَ البَعِيثُ:
فرابأتُ واسْتَتْمَمْتُ حَبْلاً عَقَدْته
إِلَى عَظَماتٍ مَنْعها الجارَ مُحْكَمُ
الأصمعيّ: رَبَوْت فِي بني فلَان أَرْبُو، إِذا نَبَتّ فيهم ونَشأت.
قَالَ: ورَبَّيْت فلَانا أُرَبِّيه تَرْبِيةً، وتَرَبَّيْته، ورَبَيْته، ورَبَّيته، بِمَعْنى وَاحِد.
وأَرْبى الرجلُ فِي الرِّبا، يُرْبِي.
وسابّ فلانٌ فلَانا فأَرْبى عَلَيْهِ فِي السِّباب، إِذا زَاد عَلَيْهِ.
وَيُقَال: إِنِّي لأَرْبأ بك عَن ذَلِك الْأَمر، أَي أَرْفَعك عَنهُ.
وَيُقَال: مَا عرفت فلَانا حَتَّى أَرْبأ لي، أَي أَشْرف لي.

(بَاب الرَّاء وَالْمِيم)
ر م (وايء)
أَمر، رمى، رام، ريم، مري، مار، (مور) ، مرأ، أرم، مرو، ورم.
رمى: اللَّيث: رَمَى يَرْمِي رَمْياً، فَهُوَ رامٍ؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الْأَنْفَال: 17) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: لَيْسَ هَذَا نَفْي رَمْي النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولكنّ الْعَرَب خُوطبت بِمَا تَعْقل.
ويُروى أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: ناوِلْني كَفّاً مِن تُرابِ بَطْحاء مكّة، فَنَاوَلَهُ كفّاً فَرمَى بِهِ، فَلم يَبق مِنْهُم أحدٌ من العَدُوّ إلاّ شُغل بعَيْنيه. فأَعلم الله عزّ وجلّ أَن كفّاً من تُرَاب أَو حَصى لَا يَملأ بِهِ عُيُون ذَلِك الْجَيْش الْكثير بَشَرٌ، وأَنه سُبحانه وتعالَى تولَّى إِيصَال ذَلِك إِلَى أَبْصَارهم، فَقَالَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} (الْأَنْفَال: 17) أَي لم يُصب رَمْيك ذَلِك ويَبْلغ ذَلِك المَبلغ، بل إِنَّمَا الله عز وَجل تولّى ذَلِك. فَهَذَا مجَاز قَوْله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الْأَنْفَال: 17) .
ورَوى أَبُو عَمْرو، عَن أبي العبّاس أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَا رَميت الرُّعْب والفَزَع فِي قُلوبهم إِذْ رَمَيْت بالحَصَى.
وَقَالَ المُبرِّد: مَعْنَاهُ: مَا رميت بقُوّتك إِذْ رَميت وَلَكِن بقُوّة الله رَمَيْت.
ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى الرَّجُلُ، إِذا سافَر.
قلت: وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: أَيْن تَرْمي؟ فَقَالَ: أُرِيد بلدَ كَذَا وَكَذَا. أَرَادَ:

(15/198)


أيّ جِهة تَنْوي؟
ابْن الْأَعرَابِي: رمى فلَان فلَانا، أَي قَذفه. وَمِنْه قولُ الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (النُّور: 4) مَعْنَاهُ: القَذف.
ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى فلانٌ يَرْمي، إِذا ظن ظنّاً غيرَ مُصِيب.
قلت: هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {رَجْماً بِالْغَيْبِ} (الْكَهْف: 22) .
وَقَالَ طُفَيل يَصف الخَيل:
إِذا قِيل نَهْنِهْهَا وَقد جَدَّ جِدُّها
ترامَتْ كخذْرُوف الوَليد المُثَقَّفِ
رَامت: تَتابعت وازدادت.
يُقَال: مَا زَالَ الشَّرُّ يترامَى بَينهم، أَي يَتتابَع.
وترامى الجُرْح والْحَبنُ إِلَى فَسادٍ، أَي تَراخَى فَصَارَ عَفِناً فاسِداً.
وَيُقَال: ترامى فلَان إِلَى الظَّفَر، أَو إِلَى الخِذْلان، أَي صَار إِلَيْهِ.
وَفِي حَدِيث زيد بن حَارِثَة أَنه سُبي فِي الجاهليّة، فتَرامَى بِهِ الأمْرُ إِلَى أَن صَار إِلَى خَديجة، فَوَهَبَتْه للنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأَعْتقه.
وَيُقَال: أَرْمَى الفرسُ براكبه، إِذا أَلْقَاهُ.
وَيُقَال: أرميتُ الحِمْلَ عَن ظهر البَعير، فارْتمى عَنهُ، أَي طاحَ وسَقط إِلَى الأَرْض؛ وَمِنْه قَوْله:
وسَوْقاً بالأَماعِز يَرْتَمِينا
أَرَادَ: يَطْحِن ويَخْرِرْن.
وَيُقَال: ترامى القَوم بالسّهام، وارْتَموا، إِذا رَمى بعضُهم بَعْضًا.
ابْن السِّكيت: يُقَال: خرجت أَتَرَمَّى، إِذا جعلت تَرْمي فِي الأَغراض وَفِي أُصُول الشَّجر.
وَخرجت أَرتمي، إِذا رميت القَنَصَ؛ وَقَالَ الشَّمّاخ:
خَلَتْ غيرَ آثَار الأَراجِيل تَرْتَمي
تَقَعْقَع فِي الآبَاطِ مِنْهَا وِفاضُها
قَالَ: ترتمي، أَي تَرْمي الصَّيد والأَراجيل: رجالةٌ لُصُوص.
وَيُقَال: فلَان مُرْتَمًى للْقَوْم، ومُرْتَبًى، أَي طَلِيعة.
الأصمعيّ: المِرْماة: سَهم الأهداف.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أنّ أحدهم دُعي إِلَى مِرْمَاتَيْن لأجاب وَهُوَ لَا يُجيب إِلَى الصَّلَاة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَيُقَال: إِن المِرْمَاتين: مَا بَين ظِلْفَي الشَّاة.
وَفِي الحَدِيث: لَو أنّ رجلا دعَا الناسَ إِلَى مِرْماتين أَو عَرْق أجابُوه.
قَالَ: وفيهَا لُغة أُخْرَى: مَرْماة.
قَالَ: وَهَذَا حرف لَا أَدْرِي مَا وَجْهُه؟ إِلَّا أَنه هَكَذَا يُفَسَّر. وَالله أعلم.

(15/199)


وَأَخْبرنِي ابْن هاجك، عَن (ابْن) جبلة، عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِرْماة: السهْم الَّذِي يُرمى بِهِ، فِي هَذَا الحَدِيث.
قَالَ ابْن شُمَيْل: المَرامي: مثل المَسَالّ دَقيقة، فِيهَا شَيْء من طول، لَا حُرُوف لَهَا.
قَالَ: والقِدْح بالحديدة: مِرْمَاةٌ.
والحديدة وَحْدَها: مِرْمَاة.
قَالَ: وَهِي للصَّيد، لِأَنَّهَا أخفّ وأَدَقّ.
قَالَ: والمِرماة: قِدْح عَلَيْهِ ريشٌ وَفِي أَسْفله نَصْل مثل الإصْبَع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المِرْمَاتان، فِي الحَدِيث: سَهمان يَرْمِي بهما الرَّجُلُ فيُحْرِز سَبقَه فَيَقُول: سابقَ إِلَى إحْراز الدُّنيا وسَبَقِها، ويَدَع سَبَق الْآخِرَة.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الرَّمِيّ، والسَّقِيّ، على مِثَال فعيل: هما سَحابتان عَظيمتا القَطْر شَديدتا الوَقْع.
قلت: وَجمع غيرُه الرَّمِي من السَّحَاب: أَرْمِية.
وَجمعه اللَّيث: أَرْماء.
وَقَالَ: هِيَ قطع من السَّحاب صِغار قَدْر الكفّ وَأعظم شَيْئا.
وَالْقَوْل مَا قَالَه الأصمعيّ.
وَفِي حَدِيث عمر: لَا تَبِيعوا الذَّهب بالفِضة إِلَّا يَداً بيدٍ هَاء وهاء، إنّي أَخَاف عَلَيْكُم الرماء.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَرَادَ بالرَّماء: الزِّيادة، يَعْنِي: الرِّبا، يُقَال، هِيَ زِيَادَة على مَا يَحلّ.
وَمِنْه قيل: أرْمَيتُ على الْخمسين، أَي زِدت عَلَيْهَا، إرْمَاءً.
وَرَوَاهُ بعضُهم: إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم الإرماء، فجَاء بالمَصْدر؛ وَأنْشد لحاتم الطائيّ:
وأسمر خَطِّيّاً كأنّ كُعُوبه
نَوَى القَسْب قد أَرْمَى ذِراعاً على العَشْر
أَي: زَاد.
أَبُو زيد: قد أرْمَيْت على الْخمسين، ورَمَيْت، أَي زِدْت.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ مثلَه.
وَيُقَال: كَانَ بَين الْقَوْم رِمِّيّا ثمَّ حَجزتُ بَينهم حِجِّيزَى، أَي كَانَ بَين الْقَوْم تَرامٍ بِالْحِجَارَةِ ثمَّ تَوسَّطهم من حجز بَينهم وكفّ بَعضهم عَن بعض.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الْخَوَارِج: يَمْرُقون من الدِّين كَمَا يَمْرقُ السَّهمُ من الرّمِيّة.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: قَوْله الرميّة: هِيَ الطَّريدة الَّتِي يَرميها الصَّائِد،

(15/200)


وَهِي كل دابّة مَرميّة، وأُنِّثت لِأَنَّهَا جُعلت اسْما لَا نَعْتاً، يُقَال بِالْهَاءِ للذّكر والأُنثى.
وَقَالَ مُليح الهُذليّ فِي الرَّميّ بِمَعْنى السَّحَاب:
حَنِين اليَماني هاجَه بعد سَلْوةٍ
وَمِيضُ رَمِيَ آخرَ اللَّيْل مُعْرِقِ
وَقَالَ أَبُو جُنْدب الهُذلي، وجَمعَه أَرْميةٍ:
هنالكَ لَو دَعَوْت أتَاك مِنْهم
رجالٌ مِثْلُ أَرْميةِ الحَمِيمِ
والحَميم: مَطر الصَّيف يكون عظيمَ القَطْر شَديد الوَقْع.
أَبُو عُبيد: من أمثالهم فِي الْأَمر يُتقدّم فِيهِ قبل فعْله: قَبل الرِّماء تُمْلأ الكَنَائِن.
والرِّماء: المُراماة بالنَّبْل.
ابْن الأعرابيّ: الرّمِيّ: صَوت الحَجر الَّذِي يَرْمي بِهِ الصّبيّ.
الأصمعيّ: رَمَاه بأَمر قَبِيح، ونثَاه، بمَعناه؛ وأَنْشد ابْن الأعرابيّ:
وعَلَّمنا الصَّبْرَ آباؤُنا
وخُطّ لنا الرَّمْيُ فِي الوَافِره
قَالَ: والرَّمْي، أَن يُرْمَى بالقوم من بَلد إِلَى بَلد.
والرَّمي: زِيَادَة فِي العُمر.
والتَّرْماء، مثل الرِّماء، والمُراماة.
ريم: الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: الرَّيْم: الْفضل، يُقَال: لهَذَا رَيْمٌ على هَذَا، أَي فَضل؛ وَقَالَ العجّاج:
مُجَرِّساتٍ غِرّة الغَرِير
بالزَّجْر والرَّيْم على المَزْجُورِ
أَي مَن زُجر فَعَلَيهِ الفَضْلُ أبدا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُزْجَر عَن أَمْر قَصَّر فِيهِ، وَأنْشد:
فأَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوك على اسْته
يَرى أَن رَيْماً فَوْقه لَا يُعادِلُه
والرَّيْم: عَظْم يَبْقَى بعد مَا يُقْسم لَحم جَزُور المَيْسر؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
وكُنتم كَعَظْمِ الرَّيْم لم يَدْرِ جازِر
على أيّ بَدْأَي مَقْسِم اللَّحم يُوضَعُ
قَالَ: وزَعم ابْن الأعرابيّ أنّ الرَّيْم: القَبر؛ وَقَالَ مَالك بن الرَّيْب:
إِذا مِتُّ فاعْتادي الْقُبُور وسَلِّمي
على الرَّيْم أُسْقِيت الغَمَامَ الغَوادِيَا
قَالَ: والرِّيم: الظّبي الْأَبْيَض الْخَالِص الْبيَاض.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّيم: الدَّرجة، والرَّيم: القَبر، والرَّيم: الظِّراب، وَهِي الجِبال الصِّغار، والرَّيم: العِلاوة بَين الفَوْدين، يُقَال لَهُ: البِرْواز، والرّيم: التباعد، مَا يَريم.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال عَلَيْك نَهَار رَيْمٌ، أَي عَلَيْك نهَارٌ طَوِيلٌ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: لَهُ رَيمٌ على هَذَا، أَي

(15/201)


فَضْل.
وَقَالَ اللّيث: الرَّيْمُ: البَرَاح.
والفِعْل: رَام يَرِيم.
وَيُقَال: مَا يَرِيم يَفْعل ذَلِك، أَي مَا يَبْرح.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: كَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول فِي قَوْلهم: مَا رِمْتَ، بَلَى قد رِمْتَ.
وَغَيره لَا يَقوله إلاّ بِحرف الجَحد. وأَنْشدني:
هَل رَامني أحدٌ أَراد خَبيطَتي
أم هَل تَعذَّرَ ساحَتِي وجَنَابِي
قَالَ: يُرِيد: هَل بَرِحَني. وَغَيره يُنشده: مَا رامَني.
وَيُقَال: رَيّم فلانٌ على فلَان، أَي زَاد عَلَيْهِ.
روم: وأمّا: رام يَرُوم رَوْماً ومَرَاماً، فَهُوَ من بَاب الطَّلَب.
والمَرام: المَطْلب.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّوْمُ: شَحمة الأُذن؛ وَفِي الحَدِيث: تَعَهَّد المَغْفَلة والمَنْشلة والرَّوْمَ، وَهُوَ شَحمة الْأذن.
أَبُو عُبيد، عَن ابْن الأعرابيّ، عَن الأصمعيّ: الرُّومة، بِلَا همزَة: الفِراء الَّذِي يُلْصق بِهِ رِيشُ السَّهْم.
وبِئر رُومة: الَّتِي احتفرها عثمانُ بِنَاحِيَة المَدِينة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الروميُّ: شِراع السَّفِينة الفارغة.
والمُرْبِع: شِرَاع المَلأْى.
والرُّوم: جِيلٌ يَنْتمون إِلَى عِيصُو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: من الظِّباء الآرام، وَهِي البِيض الْخَالِصَة البَياض.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثلَه، وَقَالَ: وَهِي تَسْكُن الرِّمال.
قَالَ: والرُّؤام والرُّؤال: اللُّعاب.
ويُقال: رَئِمت الناقةُ وَلَدهَا، تَرْأَمه رَأْماً ورَأْمَاناً، إِذا أَحَبَّتْه.
ورَئِم الجُرح رِئْمَاناً حَسَناً، إِذا الْتَحم.
وأَرْأَمْت الجُرْحَ إرْآماً، إِذا داوَيْتَه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّأْم: الولَد.
وقا اللّيث: الرَّأم: البَوُّ، وَولد ظُئرت عَلَيْهِ غير أُمّه؛ وأنْشد:
كأُمهات الرَّأْم أم مَطافِلاَ
وَقد رَئِمَتْه، فَهِيَ رائمٌ، ورَؤُومٌ.
قَالَ ابْن السِّكيت: أَرْأَمْته على الأَمر، وأَظْأَرته، أَي أَكْرَهْتُه.
والأثافيّ يُقال لَهَا: الرَّوَائم، لرِئْمانها الرَّمَاد.
وَقد رَئِمت الرَّمَادَ، فالرَّمادُ كالولَد لَهَا.
وأَرْأَمْناها، أَي عَطَفْنَاها على رَأْمها.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الرَّؤُم من الغَنم: الَّتِي تَلْحس ثِيَاب من مَرّ بهَا.

(15/202)


وَقَالَ غَيره: رَأَمْت القِدحَ أَرْأَمه، مثل رَأَبته أَرْأَبه، ولأَمْته أَلأمه، إِذا أصْلَحْتَه.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا عطفت الناقةُ على ولَد غَيرهَا، فَهِيَ رائِم.
فَإِن لم تَرْأَمه وَلكنهَا تَشمّه وَلَا تَدِرّ عَلَيْهِ، فَهِيَ عَلُوق.
مري مرو: قَالَ الله عزّ وَجل: {رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النَّجْم: 12) .
قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: أَفَتَجْحدونه؟
وَمن قَرَأَ: {رَأَى} ، فَمَعْنَاه: أفَتُجادلونه؟
قَالَ: وَهِي قِرَاءَة الْعَوام.
ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج فِي تَفسير تُمرونه وتُمارونه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ فِي قَوْله: {رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النَّجْم: 12) أَي أتَدْفعونه عمّا يرى؟ قَالَ: و (على) فِي مَوضِع (عَن) .
قَالَ: وَيُقَال مَرَاه مائةَ سَوْط، ومَراه مائةَ دِرْهم، إِذا نَقَده إيّاها.
قَالَ: والمَرْيُ: مَسْح ضَرْع النَّاقة لتَدرّ.
ويُقال: مَرى الفرسُ والناقةُ، إِذا قَامَ أحدُهما على ثلاثٍ ثمَّ مَسحَ الأَرْض بِالْيَدِ الأُخرى، وأَنْشد:
إِذا حُطّ عَنْهَا الرَّحْلُ أَلْقَت برَأْسها
إِلَى شَذَبِ العِيدان أَو صَفَنت تَمْرِي
أَبُو عُبيد، عَن الكسائيّ: المَرِيّ: النَّاقة الَّتِي تَدِرّ على مَن يَمْسح ضَرْعَها.
وَقد أَمْرَت. وَجَمعهَا: مَرَايا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فِي قَوْلهم: مارَى فلانٌ فلَانا: مَعْنَاهُ: قد استخرج مَا عِنْده من الكَلام والحُجَّة، مَأْخُوذ من قَوْلهم: مَريت النَّاقة، إِذا مَسَحت ضَرْعها لتَدِرّ.
ومَرت الريحُ السَّحابَ، إِذا أَنْزلت مِنْهُ المَطَر.
قَالَ: وماريت الرجلَ، ومارَرْتُه، إِذا خالَفته وتَلَوَّيت عَلَيْهِ.
وَهُوَ مَأْخُوذ من مِرَارِ الفَتْل، ومِرَار السّلسلة، تَلَوِّي حَلَقها إِذا جُرّت على الصَّفَا؛ وَفِي الحَدِيث: (سَمِعت الملائكةُ مثلَ مِرَار السّلسلة على الصَّفا) .
قَالَ اللَّيْث: المريء: رَأس المَعِدَة والكِرش اللازق بالحُلقوم، وَمِنْه يدخُل الطَّعام فِي البَطن.
قلت: وَقد أَقرأَني أَبُو بكر الإياديّ: المريء، لأبي عُبيد، فهَمزه بِلَا تَشْديد.
وأقرأنيه المنُذري لأبي الهَيْثم، فَلم يَهْمز وشَدّد الْيَاء.
وَقَالَ أَبو زيد: المَرِيّ: النَّاقة تُحْلب على غير وَلد، وَلَا تكون مَرِيّاً، ومعَها ولدُها، وَجَمعهَا: مَرايَا.
وَجمع المِرآة: مَرَاءٍ، بِوَزْن مَرَاعٍ.

(15/203)


والعوام يَقُولُونَ فِي جمع الْمرْآة: مَرَايَا، وَهُوَ خطأ.
أَبُو بكر: المِرَاء: المُماراة والجَدل.
والمِرَاء أَيْضا: من الافتراء والشّكّ. {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا} (الْكَهْف: 23) .
قَالَ: وَأَصله فِي اللّغة: الجِدال وَأَن يسْتَخْرج الرجلُ من مُناظره كلَاما ومعاني الخُصومة وغَيرها، من مَرَيت الشَّاة، إِذا حلبتها واسْتخرجت لَبَنها.
ورُوِي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تُمَار فِي القُرآن فإنّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ) .
يُقال: ماريت الرَّجلَ، ومارَرْتُه؛ وَمِنْه قَول أبي الْأسود أَنه سَأَلَ عَن رَجُل فَقَالَ: مَا فَعل الَّذِي كَانَت امْرَأَته تُشارُّه وتمارِيه.
قَالَ أَبُو عُبيد: لَيْسَ وَجْه الحَدِيث عندنَا على الِاخْتِلَاف فِي التَّأْوِيل، وَلكنه عندنَا على الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ، يَقْرَؤُهُ الرجلُ على حَرف فَيَقُول لَهُ الآخر لَيْسَ هُوَ هَكَذَا، ولكنّه على خِلَافه، وَقد أَنزلهما الله جَمِيعًا، يُعلم ذَلِك بِحَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نزل القُرآن على سَبعة أحرف، فَإِذا جَحد كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَة صَاحبه، لم يُؤْمَن أَن يكون ذَلِك قد أخرجه إِلَى الكُفر) .
قَالَ اللّيْثُ: المِرْية: الشكّ؛ وَمِنْه: الامْتراء، والتماري فِي القُرآن.
يُقَال: تمارَى يَتَمارَى تمارِياً، وامترى امْتراء، إِذا شَكّ.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله عزّ وجلّ: { ((غَشَّى فَبِأَىِّ آلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ رَبِّكَ} (النَّجْم: 55) يَقُول: بأيّ نعْمَة رَبك تُكَذِّب؟ إِنَّهَا لَيست مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ} (الْقَمَر: 36) .
وَقَالَ الزّجاج: الْمَعْنى أَيهَا الْإِنْسَان بأيّ نِعَم ربّك الَّتِي تدلّك على أَنه واحدٌ تَتشكَّك؟
والمِرْية: الشكّ.
شَمر، قَالَ الأصمعيّ: المَرْو: حجارةٌ بِيض بَرّاقة تكون فِيهَا النَّار.
وَقَالَ ابْن شُميل: المَرْوُ: حَجر أبيضُ رَقيق يُجعل مِنْهُ المظارّ يُذبح بهَا؛ يكون المَرو أَبيض كَأَنَّهُ البَرَد، وَلَا يكون أَسود وَلَا أَحْمَر، وَقد يُقدح بِالْحجرِ الأَحمر، وَلَا يُسمَّى مَرْواً.
قَالَ: وَتَكون المَرْوة مثل جُمْع الْإِنْسَان وَأعظم وأَصْفر.
قَالَ شَمر: وَسَأَلت عَنْهَا أعرابيّاً من بني أَسد، فَقَالَ: هِيَ هَذِه القَدّاحات الَّتِي يخرج مِنْهَا النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: المُرِيّ، مَعروف.
قلت: لَا أَدْري أعربيّ هُوَ أَم دَخيل.
وَفِي الحَدِيث: (أَمْرِ الدمَ بِمَا شِئْت) ، أَي سَيِّله واسْتَخرجه، من: مَرى يَمْرِي.
وَرَوَاهُ بَعضهم: أَمِرِ الدمَ، أَي أَجْره.

(15/204)


يُقَال: مار الدَّم يَمور، إِذا جَرى وسَال، وأَمَرْتُه أنَا.
مرأ: وَقَالَ اللَّيْث: المُروءة: كَمَال الرُّجوليّة.
وَقد مَرؤ الرّجل، وتَمَرَّأ، إِذا تكلَّف المُروءة.
والمَرآة: مَصْدر الشَّيْء المَرْئيّ.
ومَرئت الطَّعام: اسْتَمرأته، وَمَا كَانَ مَرِيئاً، وَلَقَد مَرُؤ، وَهَذَا يُمْرِىء الطَّعَام.
وقَلَّما يَمْرأ لَك طَعام.
أَبُو الْفضل، عَن ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا كَانَ الطَّعَام مَريئاً، وَلَقَد مَرَأ، وَمَا كَانَ الرجل مَريئاً.
وَلَقَد مَرُؤ.
وَقَالَ شَمر، عَن أَصْحَابه: يُقَال: مَرِىء لي هَذَا الطَّعَام، أَي استمرأتُه.
وقلّما يَمْرأ لَك الطَّعَام.
وَقد مَرُؤ الطَّعَام يَمْرؤ، ومَرِىء. يَمْرأ، ومَرأَ يَمْرَأ.
وَيُقَال: مَا لَك لَا تَمْرأ؟ أَي مَا لَك لَا تَطْعم؟
وَقد مَرَأت، أَي طَعِمْت.
والمَرْء: الإطعامُ على بِنَاء دارٍ، أَو تَزْويج.
وَقَالَ الفَراء: هَنأني الطَّعَام ومَرَأني، وهَنِئني ومَرِئني، فإِذا أَفردوه عَن هنأَني قَالُوا: أمرأني، وَلَا يُقَال: أهنأَني.
وَقَالَ ابْن شُميل: مرئت هَذَا الطَّعَام، أَي اسْتَمْرأتُه.
ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الْفراء: يُقَال من الْمُرُوءَة: مَرؤ الرجلُ يَمرُؤ مُروءة.
ومَرؤ الطعامُ يَمرؤ مَراءة.
وَلَيْسَ بَينهمَا فرق إِلَّا اخْتِلَاف المَصْدَرين.
وَكتب عمرُ بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسى: خُذ النَّاس بالعربيّة فَإِنَّهُ يزِيد فِي العَقل ويُثبِّت المرُوءة.
وَقيل للأَحنف: مَا المُروءة: قَالَ العِفّة والحِرْفة.
وسُئل آخر عَن الْمُرُوءَة، فَقَالَ: الْمُرُوءَة ألاّ تفعل فِي السّر أمرا وَأَنت تَسْتَحِي أَن تَفْعله جَهْراً.
وَقَالَ أَبُو زيد: مَا كَانَ الطَّعَام مَرِيئاً.
وَلَقَد مَرْؤ مَراءةً.
وَيُقَال: أمرأني الطعامُ إمْراءً.
وَهُوَ طعامٌ مُمْرِىء.
اللَّيْث: امْرَأَة، تَأْنِيث امرىء.
وَيُقَال: مَرْأة.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: الْألف فِي امْرَأَة وامرىء ألف وَصْل.
قَالَ: وللعرب فِي الْمَرْأَة ثَلَاث لُغَات، يُقَال: هِيَ امْرَأَته، وَهِي مَرأتُه، وَهِي مَرتُه.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي والفَراء: امْرُؤ،

(15/205)


مُعْرَبٌ من الرّاء والهمزة، وَإِنَّمَا أَعرب من مكانَين، وَالْإِعْرَاب الْوَاحِد يَكْفي من الإعرابين، أَن آخِره هَمزة، والهمزة قد تُترك فِي كثير فِي الْكَلَام، فكرهوا أَن يَفتحوا الرَّاء ويتركوا الْهمزَة فَيَقُولُونَ: امْرَوْ، فَتكون الرَّاء مَفتوحة وَالْوَاو سَاكِنة، فَلَا يكون فِي الْكَلِمَة عَلامَة للرفع، فعرَّبوه من الرَّاء، ليكونوا إِذا تركُوا الْهمزَة آمِنين من سُقُوط الْإِعْرَاب.
قَالَ الفرّاء: وَمن الْعَرَب من يُعربه من الْهَمْز وَحده، ويدع الرَّاء مَفْتُوحَة، فَيَقُول: قَامَ امْرَؤٌ، وَضربت امْرَأً، ومررت بامْرَىءٍ؛ وأَنْشد:
بَأَبِيَ امْرَؤٌ وَالشَّام بَيْني وَبَينه
أَتَتْني بِبُشْرَى بُرْدُه ورسائِلُه
وَقَالَ الآخر:
أَنْت امْرَؤٌ مِن خِيَار النَّاس قد عَلِمُوا
يُعْطِي الجزيلَ ويُعْطي الجَهْدَ بالثَّمَنِ
هَكَذَا أنْشدهُ: بأَبْيَ، بِإِسْكَان الْبَاء الثَّانِيَة وَفتح الْيَاء، والبصريون يُنْشدونَه: بِبِنْيَ امْرَؤٌ.
قَالَ أَبُو بكر: فَإِذا أَسْقطت العربُ من امرىء الْألف، فلهَا فِي تعرِيبه مَذْهبان:
أَحدهمَا: التعريبُ من مكانَيْن.
وَالْآخر: التّعريب من مَكَان وَاحِد.
فَإِذا عَرَّبوه من مكانين قَالُوا: قَامَ مُرْؤٌ، وَضربت مَرْءًا، ومررتُ بِمِرْىء.
وَمِنْهُم من يَقُول: قَامَ مَرْء، وَضربت مَرءًا، ومررت بمَرْء.
قَالَ: ونزَل الْقُرْآن بتَعْرِيبه من مَكَان وَاحِد؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} (الْأَنْفَال: 24) ، على فتح الْمِيم.
قَالَ: وتَصْغير امرىء: مُرَيْء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: المَرِيء: الطَّعامُ الخَفِيف.
والمَرِيء: الرَّجُلُ المَقْبول فِي خَلْقه وخُلقه.
أَبُو زيد: يُقَال: مَرِىء الرَّجُل.
وَثَلَاثَة أَمْرِئة، ومُرُؤ، مهمورة، بِوَزْن مُرُع، وَهُوَ الَّذِي يجْرِي فِيهِ الطعامُ وَالشرَاب وَيدخل فِيهِ.
ابْن شُمَيْل: يُقَال: مَرىء هَذَا الطَّعَام مَراءة، أَي اسْتَمرأته.
وهَنىء هَذَا الطعامُ حَتَّى هَنِئْنَا مِنْهُ، أَي شَبِعنا.
ومرئتُ الطعامَ، واسْتَمرأتُه.
قَالَهَا أَبُو الهُذيل.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبيدة: الشَّجْرُ: مَا لَصَق بالحُلْقُوم والمريء، بِالْهَمْز غير مُشَدَّدَة.
كَذَلِك رَوَاهُ الأمويّ عَن شَمر.
وَرَأَيْت فِي (كتاب أبي الهَيثم) : المُمْريَة من الْبَقر، الَّتِي لَهَا ولد ماريّ، أَي بَرّاق

(15/206)


اللَّون.
قَالَ: والماريّة: البراقة اللّون؛ قَالَ ابْن أَحْمَر يَصف بقرة:
مارِيّةٌ لُؤْلُؤانُ اللَّونِ أَوْرَدها
طَلٌّ وبَنّس عَنْهَا فَرْقَدٌ خَصِرُ
وَقَالَ الجَعدي:
كمُمْرِيَةٍ فَرْدٍ من الوَحْش حُرَّةٍ
أنَامت بِذِي الدَّنَّيْن بالصَّيْف جُؤْذَرَا
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابي: الماريَة، خَفِيفَة الْيَاء: القطاةُ اللؤلئية اللّون.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الماريُّ: الثَّوْب الخَلق؛ وأَنْشد:
قُولا لذات الخَلَق المارِيّ
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: القَطاة الماريَّة، بتَشْديد الْيَاء، هِيَ الملْساء الْكَثِيرَة اللَّحْم.
وَقَالَ شَمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: القطاة المَارِيَة، بِالتَّخْفِيفِ: اللُّؤلئيّة اللّون.
وَقَالَ شَمر: قَالَ أَبُو خَيرة: المَرْوراة: الأَرض الَّتِي لَا يَهْتدي فِيهَا إِلَّا الخِرِّيت.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَرَوْراة: قَفْر مُسْتَوٍ.
يُجمع: مَرَوْرَيات، ومَرارِيّ.
وَقيل: هِيَ الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا.
أَمر: قَالَ اللَّيْث: الأَمْر، مَعْرُوف: نَقِيض النَّهْي.
والأَمر، وَاحِد الأُمور.
قَالَ: وَإِذا أَمَرت من الْأَمر قُلْت: اؤْمُر يَا هَذَا، فِيمَن قَالَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ} (طه: 132) .
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الهَيْثم أَنه قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ} (طه: 132) قَالَ: لَا يُقال: أؤمُرْ فلَانا، وَلَا أُؤْخُذْ مِنْهُ شَيئاً، وَلَا أُؤْكُل؛ إِنَّمَا يُقال: مُرْ، وخُذْ، وكُلْ، فِي الِابْتِدَاء بِالْأَمر، اسْتثقالاً للضَّمَّتين، فَإِذا تقدّم قبل الْكَلَام (وَاو) أَو (فَاء) قلت: وَأْمر، وفَأْمر؛ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} (طه: 132) ، فَأَما كُلْ من: أَكل يَأْكُل، فَلَا يكادون يُدخلون فِيهِ الْهمزَة مَعَ الْفَاء وَالْوَاو، وَيَقُولُونَ: كُلا، وخُذا، وارْفَعاه فكُلاه، وَلَا يَقُولُونَ: فَأْكُلاه.
قَالَ: وَهَذِه أَحْرف جَاءَت عَن العَرب نَوَادِر، وَذَلِكَ أَن أَكثر كَلَامهَا فِي كُل فعل أوّله همزَة: مثل: أَبَل يَأْبل، وأَسرَ يَأْسر، أَن يَكْسروا (يَفْعِل) مِنْهُ، وَكَذَلِكَ: أَبق يَأْبق، فإِذا كَانَ الْفِعْل الَّذِي أَوله همزَة (يَفْعل) مِنْهُ مكسوراً مردوداً إِلَى الْأَمر، قيل: إيسر يَا فلانُ، إيبقْ يَا غُلام؛ وكأنّ أَصله أسر، بهمزتين، فكرهوا جمعا بَين همزَتين، فحوّلوا إِحْدَاهمَا يَاء، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مكسوراً.
قَالَ: وَكَانَ حَقّ الْأَمر من أَمَر يَأْمُر أَن يُقال: أؤْمُرْ، أؤْخُذ، أؤْكُل، بهمزتين، فَتركت الْهمزَة الثَّانِيَة وحوّلت واواً

(15/207)


للضَّمّة، فَاجْتمع فِي الْحَرْف ضَمَّتان بَينهمَا وَاو، والضمّة من جنس الْوَاو، فاسْتَثقلت العربُ جمعا بَين ضَمَّتين وواو، فطرحوا هَمزة الْوَاو لِأَنَّهُ بَقِي بعد طَرْحها حرفان، فَقَالُوا: مُرْ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا، وخُذ من فلَان، وكُلْ، وَلم يَقُولُوا: أُكل، وَلَا أُمُرْ، وَلَا أُخُذْ، إِلَّا أَنهم قَالُوا فِي أَمر يَأْمر، إِذا تقدَّم قبل ألف أَمْره وَاو، أَو فَاء، أَو كَلَام يَتّصل بِهِ الأمْر من أَمَر يَأْمر، فَقَالُوا: الْقَ فلَانا وأْمُرْه، فردّوه إِلَى أَصله، وَإِنَّمَا فَعَلوا ذَلِك لِأَن ألف الأَمْر إِذا اتَّصَلت بِكَلَام قبلهَا سَقَطت الْألف فِي اللَّفْظ، وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك فِي كُل وخُذ إِذا اتَّصل الْأَمر بهما بكلامٍ قبله، فَقَالُوا: الْق فلَانا وخُذ مِنْهُ كَذَا، وَلم نَسْمع: وأْخُذْ كَمَا سمعنَا وأْمُر، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا} (الْبَقَرَة: 35) وَلم يَقُل وأْكلا.
قَالَ: فَإِن قيل: لم رَدّوا مُرْ إِلَى أَصلها وَلم يَردّوا وكُلاَ وَلَا وخُذا؟
قيل: لِسَعة كَلَام الْعَرَب ربّما ردُّوا الشَّيْء إِلَى أَصله، وَرُبمَا بَنَوه على مَا سَبَق، وَرُبمَا كَتَبُوا الْحَرْف مهموزاً، وربّما كَتبوه على ترك الْهمزَة، وربّما كَتبوه على الْإِدْغَام، وَرُبمَا كَتبوه على ترك الْإِدْغَام، وكل ذَلِك جَائِز واسِع.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (الْإِسْرَاء: 16) الْآيَة.
قَرَأَ أَكثر القُراء: أَمَرْنَا مُتْرَفيها.
وروى خارجةُ، عَن نَافِع آمَرْنا بالمَدّ. وَسَائِر أَصْحَاب نَافِع رَوَوْه مَقْصُوراً.
ورَوى اللَّيث، عَن أبي عَمْرو: أَمرنا بالتَّشديد.
وَسَائِر أَصْحَابه رَوَوه بِالْقصرِ وتَخفيف الْمِيم.
وروى هُدْبة، عَن حمّاد بن سَلمة، عَن ابْن كثير أَمَّرنا.
وسائرُ النَّاس رَوَوه عَنهُ مُخفَّفاً.
وروى سَلمة، عَن الفَراء: من قَرَأَ أَمَرْنا خَفِيفَة، فَسّرها بعضُهم: أمَرْنا مُتْرفيها بِالطَّاعَةِ ففَسقوا فِيهَا، أَي إِن المُترف إِذا أُمر بِالطَّاعَةِ خَالف إِلَى الفِسْق.
قَالَ الْفراء: وَقَرَأَ الْحسن آمَرْنا ورُوي عَنهُ: أَمَرْنا.
قَالَ ورُوي عَنهُ أَنه بِمَعْنى: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَلَا نَرى أَنَّهَا حُفظت عَنهُ لأنّا لَا نَعرف مَعْنَاهَا هَا هُنَا، وَمعنى آمَرْنا بِالْمدِّ: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة: أمَّرنا مُتْرَفيها وَهُوَ مُوافق لتفسير ابْن عبّاس، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: سَلّطنا رُؤساءها ففَسقُوا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق نَحواً ممّا قَالَ الفَرّاء.
قَالَ: من قَرَأَ: أمَرْنا بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنى: أَمَرناهم بِالطَّاعَةِ ففسقُوا.

(15/208)


فَإِن قَالَ الْقَائِل: أَلَسْت تَقول: أمرتُ زيدا فَضرب عمرا، وَالْمعْنَى: أَنَّك أمرتَه أَن يَضْرب عَمْراً فضَربه.
فَهَذَا اللّفظ لَا يَدُل على غير الضَّرْب.
وَمثل قَوْله تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (الْإِسْرَاء: 16) من الْكَلَام: أَمرتُك فعَصَيْتني، فقد عُلم أنّ المَعْصِية مُخَالفَة الْأَمر، وَذَلِكَ الفِسْق مُخالفة أمْر الله.
قَالَ: وَقد قيل: إنّ معنى (أمرنَا مُتْرفيها) : كَثّرنا مُتْرفيها.
قَالَ: والدَّليل على هَذَا قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خَيْرُ المالِ سِكّة مَأْبُورة أَو مُهْرة مَأْمورة) ، أَي مُكَثّرة.
والعربُ تَقول: أَمِر بَنو فلانٌ، أَي كَثُروا؛ وَقَالَ لَبِيد:
إنْ يَنْبِطوا يَهْبِطوا وَإِن أَمِرُوا
يَوْمًا يَصِيروا للهُلْك والنَّكَدِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: فِي قَوْله مُهرة مأمورة: إِنَّهَا الْكَثِيرَة النِّتاج والنَّسْل.
قَالَ: وفيهَا لُغَتَانِ: يُقَال: أَمرها الله، فَهِيَ مَأمورة، وآمَرها الله فَهِيَ مُؤْمَرة.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا هُوَ مُهرة مَأمورة للازدواج، لأَنهم أتْبعَوها (مأبورة) فَلَمَّا ازْدوج اللّفْظان جَاءُوا ب (مأمورة) على وزن مأبورة، كَمَا قَالَت الْعَرَب: إنِّي آتِية بالغَدايا والعَشايا، وَإِنَّمَا يُجمع الْغَدَاة، غَدوات، فَجَاءُوا ب (الغدايا) على لفظ العشايا تَزْويجاً للفظين، وَلها نَظَائِر.
وَقَالَ أَبُو زيد: فِي قَوْله: مُهرة مأمورة: هِيَ الَّتِي كَثُر نَسْلُها.
يَقُولُونَ: أَمر اللَّهُ المهْرةَ، أَي كَثّر وَلَدها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَمَر الرَّجُل إمَارةً، إِذا صَار عَلَيْهِم أَمِيراً.
وأَمَّر أَمَارةً، إِذا صَيَّرَ عَلَماً.
وَيُقَال: مَا لَك فِي الإمْرة والإمارة خَيْرٌ، بِالْكَسْرِ.
وأُمِّر فلانٌ، إِذا صُيِّر أَمِيراً.
وآمرت فلَانا، ووامَرتُه، إِذا شاوَرته.
والأَمارُ: الوقتُ والعَلامة؛ قَالَ العجّاج:
إِلَى أَمارٍ وأَمارٍ مُدَّتي
قَالَ: والإمَّر: ولدُ الضَّأن الصَّغير.
والإمَّرة: الأُنثى.
وَالْعرب تَقول للرجل إِذا وَصَفوه بالإعدام: مَا لَهُ إمَّرٌ وَلَا إمَّرة.
والإمّر أَيْضا: الرَّجُلُ الضَّعيف الَّذِي لَا عَقل لَهُ إِلَّا مَا أَمرته بِهِ لحُمقه؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
وَلَيْسَ بِذِي رَيثةٍ إمَّرٍ
إِذا قيد مسْتكرهاً أَصحَبَا
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: تَقول الْعَرَب: فِي وَجْه المَال تَعْرف أَمرتَه، أَي زِيَادَته ونماءَه.
يَقُول: فِي إقبال الْأَمر تَعرف صَلاَحه.

(15/209)


والأمَرة: الزِّيَادَة والنماء والبَركة.
يُقَال: لَا جَعل الله فِيهِ أَمَرة، أَي بركَة، من قَوْلك: أَمِر المَال، أَي كَثُر.
قَالَ: ووَجهُ الْأَمر، أوّل مَا تَراه.
وَبَعْضهمْ يَقُول: تعرف أَمرتَه، من: أَمِر المَال، إِذا كثر.
ورَوى المُنذريّ، عَن أبي الهَيْثم، قَالَ: تَقول العَربُ: فِي وَجه المَال تَعرف أَمرته، أَي نُقصانه.
قلت: والصوابُ مَا قَالَ الفَرّاء فِي الأمَرة، وَأَنه الزِّيادة.
ويُقال: لَك عليَّ أَمَرَةٌ مُطَاعة، بِالْفَتْح لَا غير.
اللّحيانيّ: رجل إمَّر، وإمّرَة، أَي يَسْتأمر كُلَّ أَحد فِي أَمره.
ورَجل أمِرٌ، أَي مُبارك يُقبل عَلَيْهِ المَال.
قَالَ: والإمَّر: الخَرُوف.
والإمَّرة: الرِّخْل.
والخروف: ذَكَر؛ والرِّخْل، أُنثى.
ابْن بُزُرْج، قَالُوا: فِي وَجه مَالك تَعْرف أَمَرَته، أَي يُمْنَه.
وأَمَارته مثله وأَمْرَته.
ورجُلٌ أَمِرٌ، وَامْرَأَة أَمِرة، إِذا كَانَا مَيْمُونَيْن.
وَقَالَ شَمر: قَالَ ابْن شُميل: الأمَرة: مثل المَنارة فَوق الْجَبَل، عريض مثل الْبَيْت وَأعظم، وطولُه فِي السَّمَاء أَرْبَعُونَ قامة، صُنِعَت على عهد عَاد وإرم. وَرُبمَا كَانَ أصل إحْداهن مثل الدَّار، وَإِنَّمَا هِيَ حِجَارَة مَرْكُومة بَعْضها فوقَ بَعض قد أُلزق مَا بَينهَا بالطين، وَأَنت ترَاهَا كَأَنَّهَا خِلْقة.
وَقَالَ غَيره: الأَمَر: الْحِجَارَة؛ وَقَالَ أَبُو زبيد:
إِن كَانَ عُثْمَان أَمسى فَوْقه أَمَرٌ
كراقب العُون فَوق القُبّة المُوفِي
شبّه الأَمَر بالفحل يَرْقُب عُون أتُنه.
وَقَالَ الْفراء: مَا بهَا أَمَرٌ، أَي عَلَم.
وَقَالَ أَبُو عرو: الأمَرات: الأعْلام؛ واحدتها: أَمَرة.
وَقَالَ غَيره: وأَمَارة، مثل أَمرة؛ وَقَالَ حُمَيْد:
بسَوَاء مَجْمعة كأنّ أَمارةً
مِنْهَا إِذا بَرَزت فَتِيق يَخْطُرُ
وكُل عَلامَة تُعدّ، فَهِيَ أَمارَة.
وَتقول: هِيَ أَمارَة مَا بيني وَبَيْنك، أَي عَلامَة؛ وأَنْشد:
إِذا طَلعت شمس النَّهَار فإِنها
أَمارَة تَسْليمي عَلَيْك فَسَلِّمِي
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: رَجُلٌ إمَّرٌ وإمّرة، وَهُوَ الأَحْمق.
وَقيل: رَجُلٌ إمَّرٌ: لَا رَأْي لَهُ، فَهُوَ يَأْتَمِر

(15/210)


لكل أَمْر ويُطيعه؛ أَنْشد شَمِر: إِذا طلَعت الشِّعرى سَفَراً فَلَا تُرسل فِيهَا إمَّرة، وَلَا إمَّرَا.
قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا تُرسل فِي الْإِبِل رجلا لَا عقل لَهُ يُدَبِّرها.
والإمّرُ: الأَحْمق.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلاََ يَأْتَمِرُونَ} (الْقَصَص: 20) .
قَالَ أَبُو عُبيدة: أَي يتشاورون فِيك لَيقْتلوك، وَاحْتج بقول النَّمر بن تَولب:
أحارُ بن عَمْرو كأنِّي خَمِرْ
ويَعْدُو على المَرء مَا يَأْتَمِرْ
قَالَ القُتيبي: هَذَا غَلط، كَيفَ يعدو على الْمَرْء مَا شاور فِيهِ، والمُشاورة بركَة.
وَإِنَّمَا أَرَادَ يعدو على الْمَرْء مَا يَهُم بِهِ من الشَّر.
قَالَ: وَقَوله: إنَّ الْمَلأ يأتمرون بك أَي يَهمّون بك؛ وأَنْشد:
اعْلمن أَن كُلّ مُؤْتَمِر
مُخْطىء فِي الرّأي أَحْيَانَا
قَالَ: يَقُول: مَن ركب أمرا بِغَيْر مَشُورة أَخطَأ أحْياناً.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} (الطَّلَاق: 6) بِهِ أَي هُمّوا واعْتَزموا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو عُبيدة لقَالَ: يتأمَّرون بك.
وَقَالَ الزّجّاج: معنى قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّ الْمَلاََ} (الْقَصَص: 20) أَي يأمرُ بعضُهم بَعْضًا بقَتلك.
قلت: يُقال: ائتمر القومُ، وَتَآمَرُوا، إِذا أَمر بعضُهم بَعْضًا.
كَمَا يُقَال: اقتتل الْقَوْم وتقاتلوا، واختصموا وتخاصموا.
وَمعنى يأتمرون بك أَي يؤامر بَعضهم بَعْضًا، كَمَا يُقَال: اقتتل الْقَوْم وتقاتلوا، واختصموا وتخاصموا.
وَمعنى يأتمرون بك، أَي يُؤامر بَعضهم بَعْضًا فِيك، أَي فِي قَتلك.
وَهَذَا أحسن من قَول القُتيبي إِنَّه بِمَعْنى يهمّون بك.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} (الطَّلَاق: 6) فَمَعْنَاه وَالله أعلم: لِيَأْمر بعضُكم بَعْضًا بمَعروف؛ وَقَوله:
اعْلمن أَن كُل مُؤْتمر
مَعْنَاهُ: إِن من ائتمر رَأْيه فِي كل مَا يَنْويه يخطىء أَحْيَانًا.
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ: ارتأى وشاور نَفسه قبل أَن يُواقع مَا يُريد.
قَالَ: وَقَوله:
اعلمن أَن كُل مؤتمر

(15/211)


أَي كُل من عمل بِرَأْيهِ فَلَا بُد أَن يخطىء الأحيان.
قَالَ: وَقَوله: وَلَا يأتمر لمُرشد، إِي لَا يشَاوره.
وَيُقَال: ائتمرت فلَانا فِي ذَلِك الْأَمر.
وائتمر القومُ، إِذا تشاوروا؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
فعادَا لَهُنّ وَزَادا لَهُنّ
واشْتركا عَمَلاً وائْتمارَا
وَقَالَ العجّاج:
لمّا رأى تَلْبيس أمْرٍ مُؤْتَمِرْ
تَلبيس أَمر، أَي تَخْلِيط أَمر؛ مُؤتمر، أَي اتخذ أَمْراً.
يُقَال: بئْسَمَا ائتمرت لنَفسك.
ابْن السّكيت، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَت عَاد تسمّي المُحَرّم: مُؤتمر، وصفر: ناجزاً، وربيعاً الأوّل: خُوَّاناً، وربيعاً الآخر: بُصاناً، وجمادى الأولى: رُبَّى، وجمادى الْآخِرَة: حنِيناً، ورَجب: الْأَصَم، وَشَعْبَان: عاذلاً، ورمضان: فاتقاً، وشوالاً: وعِلاً، وَذَا الْقعدَة: وَرْنة، وَذَا الْحجَّة: بُرَك.
وَقَالَ شمر فِي تَفْسِير حَدِيث عُمر: الرِّجَال ثَلَاثَة: رجل إِذا نزل بِهِ أَمْر ائتمر رأيَه.
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ: ارتأى وشاور نَفسه قبل أَن يُواقع مَا يُريد.
قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
لَا يَدَّري المَكْذوب كَيفَ يَأْتمر
أَي كَيفَ يرتئي رَأيا ويشاور نَفسه ويَعْقد عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَوْله:
ويَعْدو على الْمَرْء مَا يأْتمر
مَعْنَاهُ: الرجل يعْمل الشَّيْء بِغَيْر روية وَلَا تثبّت وَلَا نظر فِي الْعَاقِبَة فيَنْدم عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} (الْكَهْف: 72) أَي جِئْت شَيْئا عَظِيما من المُنْكَر.
قَالَ: ونكراً أقلّ من قَوْله إمراً، لِأَن تَغريق مَن فِي السَّفينة أَنكر مِن قَتْل نَفْسٍ وَاحِدَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سِنانُ مؤمَّر، أَي محدَّد؛ وَقَالَ ابْن مُقبل:
لقد كَانَ فِينا مَن يَحُوط ذِمَارنا
وَيَحْذِي الكَمِيَّ الزَّاعِبِيّ المُؤَمَّرَا
وَقَالَ خَالِد: هُوَ المسَلّط.
قَالَ: وَسمعت الْعَرَب تَقول: أمِّر قَناتك، أَي اجْعَل فِيهَا سِنَانًا. والزَّاعبيّ: الرمْح الَّذِي إِذا هُز تَدافع كُله كأَنَّ مؤخَّره يَجْري فِي مُقَدَّمه.
وَمِنْه قيل: مَرّ يَزعَب بِحمله، إِذا كَانَ يَتَدَافع.
قَالَه الأَصمعيّ.
مور مير: عَمْرو، عَن أَبِيه: المَوْر:

(15/212)


الدَّوَران.
والمَوْر، مَصْدر: مُرْت الصُّوف مَوْراً، إِذا نَتَفْتَه.
وَهِي: المُوَارة: والمُرَاطة.
والمَوْرُ: الطَّرِيق؛ وَمِنْه قولُه:
وظيفاً وظيفاً فَوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
والمَوْر: التُّراب.
والمُور، جمع: نَاقَة مائرة، ومائر، إِذا كَانَت نَشيطةً فِي سَيرها فَتْلاءَ فِي عَضُدها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَع عَن الْحمار مُوارتُه، وَهُوَ مَا وَقع من نُسَاله.
ومار يَمور مَوْراً، إِذا جَعل يَذهب ويَجيء ويَتردَّد.
قَالَ: وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {دَافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً} {للهمَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} (الطّور: 9، 10) .
قَالَ مُجَاهِد: تَدور دَوْراً.
وَقَالَ غَيره: أَي تَجيء وتَذْهب.
وَيُقَال: مار الدمُ يَمُور، إِذا جَرى على وَجه الأَرْض.
وسُمي الطَّريق: مَوْراً، لِأَنَّهُ يُذْهَب فِيهِ ويُجاء.
وَفِي حَدِيث عِكْرمة: لمّا نفخ فِي آدم عَلَيْهِ السلامُ الروحُ مارَ فِي رأْسه فَعَطس، أَي دَار وتردّد.
حَدثنَا الحُسين، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن حَمَّاد الْمهْدي، قَالَ: أخبرنَا اللَّيث بن سعد، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن أبي الزّناد، عَن ابْن هُرْمز، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مثل المُنْفق والبخيل كَمثل رَجُلَين عَلَيْهِمَا جُبّتان من لدن تَراقيهما إِلَى أَيديهما، فَأَما المُنْفق فَإِذا أَنفق مارت عَلَيْهِ وسَبغت حتَّى تبلغ قدَميه وتَعْفو أثَره، وَأما الْبَخِيل فَإِذا أَرَادَ أَن يُنْفق أخذت كُلُّ حَلْقة موضعهَا ولزمَتْه، فَهُوَ يُريد أَن يوسّعها وَلَا تَتّسع) .
قلت: مارت، أَي سَالَتْ وتردّدت عَلَيْهِ، وذَهبت وجاءَت. يَعْنِي نَفَقته.
ابْن هُرْمُز هُوَ: عبد الرحمان بن هُرمز الأَعْرج.
قَالَ اللّيث: المَور، المَوْجُ.
والبَعير يَمور عَضُداه، إِذا تردّد فِي عَرْض جَنْبه.
والطَّعنةُ تمور، إِذا مَالَتْ يَمِينا وشِمالاً.
والدِّماء تَمور على وَجه الأَرض، إِذا انصَبَّت فتردَّدت.
والمَور: التُّرَاب تُثيره الرِّيح.
وَفِي حَدِيث عديّ بن حَاتِم أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: (أَمِرِ الدَّم بِمَا شِئْت) .
قَالَ شَمر: من رَوَاهُ، أَمِرْه فَمَعْنَاه: سَيِّله وأَجْره.
يُقَال: مار الدمُ يَمُور مَوْراً، إِذا جَرى وسال.

(15/213)


وأَمَرْته أَنا، وَأنْشد:
سَوف تُدْنيك من لَمِيسَ سَبَنْدا
ةُ أَمارت بالبَذْل ماءَ الكِرَاشِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَوْر: السُّرْعة؛ وأَنشد:
وَمَشْيُهنّ بالحَبِيب مَوْر
وروى أَبُو عبيد: (أمْرِ الدمّ بِمَا شِئْت) ، أَي سيّله واستَخْرجه.
من مريت النَّاقة، إِذا مَسحت ضَرْعها لِتَدِرّ.
وروى ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَرى الدمَ، وأمراه، إِذا اسْتَخرجه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سايَرْته مُسايرة، وماريته مُمايرة، وَهُوَ أَن تفعل مثل مَا يَفعل؛ وأَنْشد:
يُمايرها فِي جَرْيه وتُمايرُه
وَقَالَ اللَّيْث: اليَامُور: من دَوابّ البرّ، يَجْري على مَن قَتله فِي الحَرم أَو الإحْرام الحُكْمُ.
وذَكر عَمرو بن بَحر (اليَامُور) فِي بَاب الأَوعال الجبليّة والأَياييل والأَرْوَى.
وَهُوَ اسمٌ لجنس مِنْهَا، بِوَزْن اليَعْمور.
واليَعمور: الجَدْي.
وَجمعه: اليَعَامِير.
قَالَ اللَّيْث: والمِيرة: جَلْب الطَّعام للبَيْع.
وهم يَمْتارون لأنْفُسهم.
ويَميرُون غَيرهم مَيْراً.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقال: مارَه يَميره مَيْراً، إِذا أَتَاهُ بمِيرة، أَي طَعام.
وَمِنْه يُقال: مَا عِنْده خَيْر ومَيْر.
وَيُقَال للرُّفْقة الَّتِي تَنهض من الْبَادِيَة إِلَى القُرى لِتَمتار: مَيّارة.
وَقَالَ اللَّيْث: المِئْرة: العدواةُ.
وجَمعها: المِئَر.
وماءَرْتُ بَين الْقَوْم مُماءرةً، أَي عادَيْت بَينهم.
قَالَه أَبُو زيد.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: المِئْرة: الذَّحْل.
وَجَمعهَا: مِئَر.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زَيد: ماءرْتُه مُماءرةً، على فاعَلْته.
وَقَالَ اللَّيْث: امتأر فلانٌ على فلَان، أَي احْتَقد عَلَيْهِ.
وَقَالَ غَيره: المُماءرة: المُعارضة؛ وأَنشد:
يُمائرها فِي مَشيه وتُمَائره
أَي: يُباريها.
وروى الخرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه أَنْشده:

(15/214)


تماءَرْتمُ فِي العِزّ حَتَّى هَلكتُمُ
كَمَا أَهْلك الغارُ النِّساء الضَّرائِرَا
قَالَ: تماءرتم: تَشابَهْتم.
وَقَالَ غَيره: تباريتم.
أَبُو زيد: جَاءَهُم أَمْرٌ مَئِر، بِوَزْن مَعِر، وَهُوَ الشَّديد.
أرم: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأَرْم: القَطْع.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: أَرَمَتْهم السَّنةُ تَأْرمهم، أَي أَكَلَتْهم.
وأَرمَت الأرضُ النَّبْتَ، إِذا أهْلكته.
وأَرَمَتْهم السَّنة: استَأصَلَتهم.
وأَرَم مَا على الخُوان، إِذا أَكَله.
وإنّه لَيَحْرُق عَلَيْهِ الأُرَّم، وَهِي الأضْراس.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرُوم الأضْراس: أُصول مَنابتها.
ابْن بُزُرْجَ: يُقال تِلك أرضٌ أرِمَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الآرام: مُلتقى قبائل الرَّأس.
وَلذَلِك سُمّي الرَّأس الضَّخم: مُؤَرَّماً.
وبَيضة مُؤَرَّمة: وَاسِعَة الأعْلى.
وأرُومة كُلّ شَجرة: أصْلها.
وَالْجَمَاعَة: الأَرُوم.
قَالَ: وَلَا يُقال: أُرومة، بِضَم الْهمزَة.
قَالَ: والأُرَّم: الْحِجَارَة؛ وأَنْشد:
يَلُوك مِن حَرْدٍ عليَّ الأُرَّمَا
وَيُقَال: بل الأُرَّم: الأَضْراس؛ وَقَالَ الراجز:
أُنْبِئْتُ أحْماء سُلَيْمَى أنَّما
أضْحَوا غِضَاباً يَحرقُون الأُرَّمَا
وَقَالَ شمر: الأُرّم: الحَصَى.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشّيباني الآرام: الأَعلام. وَاحِدهَا: إرَم؛ وَقَالَ عَبِيد بن الأَبْرص يصف عُقاباً:
باتَتْ على إرَمٍ عَذُوباً
كأَنّها شَيْخةٌ رَقُوبُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ أَعْرَابِي لمؤذِّن كَانَ بالرّيّ رقى مَنَارَة ليؤذّن فِيهَا: أتَرْقى كُلَّ يَوْم هَذَا الإرَم؟
قَالَ الْفراء: فِي قَول الله عزّ وجلّ: {بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (الْفجْر: 7) : لم يُجْرِها القُرَّاء لأنّها اسمُ بَلْدة.
وَذكر الكلبيّ بِإِسْنَادِهِ أنّ إرَم: سَام بن نوح، فَإِن كَانَ اسْما لرجل فَإِنَّمَا تُرك إجراؤه لأنَّه أعْجمي.
وإرم تَابِعَة ل (عَاد) .
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِي قَوْله إرم ذَات: أَي رجال عَاد الَّذين قَالُوا: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا} (فصلت: 15) .
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: مَا بِالدَّار عَرِيب.

(15/215)


وَقَالَ أَبُو زيد: مَا بهَا أَرِمٌ وأَرِيم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا بهَا أَرِمٌ، على فَعِل.
أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: يُقال: مَا بهَا آرِم، مثل، عَارِم، وَمَا بهَا أرَمِيّ؛ يُرِيد: مَا بهَا عَلَم؛ وَمَا بهَا أَرِم، مِثَال عَرِم.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: مَا بهَا أيرميّ، مثله.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: وسمعتُ أعرابيّاً يُنشد جَارِيَة:
لم تَرْعَ يَوْمًا غَنَما
... فِي الروايا أَيْرما
وسمعتهم يَقُولُونَ: مَا بهَا أيْرَمِيّ، وَلَا إرَمِيّ.
وَيَقُولُونَ للْعلم فَوق القارة: أَيْرميّ.
والإرَم: العَلم، وَجمعه: أُرُوم.
وَبِنَاء مَأرُوم، وَقد أَرمه الْبَانِي أَرْماً.
وجَمَلٌ مَأْرُوم الخَلْق، إِذا كَانَ مُداخلاً مُدمَّجاً؛ وَأنْشد:
تَسمع فِي عُصْلٍ لَهَا صَوالدا
مَأْرُومة إِلَى شباً حَدائِدَا
ضَبْرَ بَراطِيلَ إِلَى جَلاَمدا
وعِنانٌ مَأْرُوم، إِذا فُتل فَتْلاً مَجْدُولاً.
وَقَالَ النَّضر: أُروم الرَّأْس: حُروفه.
وَقيل: هِيَ شُؤون رَأس الْجمل.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الحَصَد من الأَوْتَار: المُتقارب الأرْم.
والزِّمام يُؤارَم، على يُفاعل، أَي يُداخل فَتْله.
وغيضة حَصِيدة: مُلْتفة النَّبت.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: مَا أَدري أَي الأُرُوم هُوَ؟ وَمَا أَدري أيّ الطِّين هُوَ؟ مَعْنَاهُ: مَا أَدْري أيّ النَّاس هُوَ؟
ورم: قَالَ اللّيث: الوَرم، مَعْرُوف.
وَقد وَرِمَ يَرِمُ وَرَماً، فَهُوَ وارِم.
ويَرَمْرَمُ، وتِعَارُ: جَبَلان فِي بِلَاد قيس، مُتقابلان.
والمَرْيم، من النِّساء، الَّتِي تُحب مُحادثة الرِّجال ومحاورتهم، وَمِنْه قَول رُؤْبة:
قلت لزير لم تَصِلْه مَرْيَمُهْ
وبطن الرُّمة: وادٍ مَعروف بعالية نَجد.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: ولّيت أُمورَكم خَيركم فِي نَفسِي فكلّكم وَرِم أَنْفُه على أَن يكون الأمرُ لَهُ دونه.
يَقُول: امْتَلَأَ من ذَلِك غَضبا. وَخص الْأنف بِالذكر من سَائِر الْأَعْضَاء لِأَنَّهُ

(15/216)


مَوضِع الأنفة والكِبر، كَمَا يُقَال: شمخ بِأَنْفِهِ؛ وَقَالَ:
وَلَا يُهاج إِذا مَا أَنْفُه وَرِمَا
أَي لَا يُكَلَّم عِنْد الغَضب.
وَقَالَ عَامر بن سَدوس الخناعيّ:
وحَيّ حِلاَلٍ أُولي بَهْجة
شَهِدْت وشَعْبهمُ مُغْرمُ
بشَهباء تَغْلِب مَن ذادها
لَدَى مَتْنِ وازعها الأَوْرَم
الأَورم: الْكثير من النَّاس: ووازعها: كثرتُها؛ يَزَع بعضُهم بَعْضًا.

(15/217)


بَاب اللفيف من حرف الرَّاء
ورى، أور، روى، (رَأْي، رأرأ، رَاء، أرر، أير، يرر، رير، ورر) .
ورى: رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لأَن يَمْتلىء جَوْفُ أَحدكم قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيْرٌ لَهُ من أَن يَمتلىء شِعْراً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله حَتَّى يَرِيه هُوَ من الوَرْي على مِثَال الرَّمْي.
يُقَال مِنْهُ: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ، غير مَهْموز، وَهُوَ أَن يَدْوَى جَوْفُه؛ وأَنْشد:
قَالَت لَهُ وَرْياً إِذا تَنَحْنَحا
تَدعو عَلَيْهِ بالوَرْى.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي للعجّاج يصف الجِراحات:
عَن قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَن سَبَرْ
يَقُول: إنْ سَبَرها إنسانٌ أَصَابَهُ مِنْهَا الوَرْيُ من شِدّتها.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبيدة فِي الوَرْي مِثْله، إِلَّا أَنه قَالَ: هُوَ أَن يأكُل القَيْحُ جَوْفَه.
قَالَ: وَقَالَ عَبد بني الحَسْحاس يَذكر النِّساء:
وراهُنّ رَبِّي مثل مَا قَدْ وَرَيْنَنِي
وأَحْمَى على أكبادهنّ المَكَاويَا
وَقَالَ ابْن جَبلة: وسمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول فِي قَوْله (تُورِّي من سَبر) قَالَ: مَعنى تُوَرِّي: تَدْفَع؛ يَقُول: لَا يرى فِيهِ علاجاً مِن هولها فيمنعه ذَلِك من دوائها؛ وَمِنْه قولُ الفرزدق:
فَلَو كُنْتَ صُلْب العُودِ أَو ذَا حَفِيظَةٍ
لَوَرَّيْتَ عَن مَوْلاكَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ
يَقُول: نَصَرته ودَفعت عَنهُ.
قَالَ الفَرّاء: الوَرَى: الخَلْق، تكْتب بِالْيَاءِ.
قَالَ: والوَرَى: داءٌ يُصيب الرَّجُل وَالْبَعِير فِي أجوافِهما، مَقْصُور، يُكتب بِالْيَاءِ.
يُقال: بِهِ الوَرَى، وحُمَّى خَيْبَرى، وشَرٌّ مَا يَرى، فإِنّه خَيْسَرى.
وَقَالَ الأصمعيّ، وَأَبُو عَمْرو: لَا يُعرف الوَرَى من الدَّاء، بِفَتْح الرَّاء، إِنَّمَا هُوَ الوَرْي بِإِسْكَان الرَّاء، فصُرِف إِلَى الوَرَى.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: الوَرْي، الْمصدر، والوَرَى، بِفَتْح الرَّاء، الِاسْم.
وَفِي الحَدِيث إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سَفَراً وَرَّى بغَيْره.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: التَّوْرية: السَّتْر.

(15/218)


يُقال مِنْهُ: وَرَّيت الْخَبر أُوَرِّيه تَوْرِية، إِذا سَتَرْتَه وأَظهرتَ غَيره.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَلَا أرَاهُ مأخوذاً إِلَّا من: وَرَاء الْإِنْسَان، لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: ورَّيته، فَكَأَنَّهُ إنّما جعله وَراءه حَيْثُ لَا يَظهر.
قَالَ: وحدّثنا ابْن عُلية، عَن دَاوُود، عَن الشَّعبي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هود: 71) قَالَ: الوراء: وَلَدَ الوَلد.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَرَاء، يكون بِمَعْنى: خَلْف، وقُدّام.
وَقَالَهُ أَبُو عُبيد.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (الْكَهْف: 79) .
قَالَ ابْن عبّاس: كَانَ أمامهم مَلِك؛ قَالَ لَبِيد:
أَلَيْسَ ورائي إنْ تَراخت مَنِيَّتي
لُزُومُ العَصا تُئْنَى عَلَيْهَا الأصابِعُ
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (إِبْرَاهِيم: 17) أَي: من بعد ذَلِك.
وَقَالَ فِي قَول النَّابِغَة:
وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهب
أَي لَيْسَ بعد الله للمرء مَذْهب، يَعْنِي فِي تأكيده التَّنَصُّل مِمَّا قُرِف بِهِ فَيذْهب إِلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحَرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الوَراء: الخَلف.
قَالَ: ووراء، وأمام، وقُدام، يُؤنَّثن ويُذَكَّرن.
ويُصغّر أَمَام فيُقال: أُميِّم ذَلِك، وأُميِّمة ذَلِك.
وَهُوَ وُرَيِّىء الْحَائِط، ووُريِّئَة الْحَائِط.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الوراء، مَمْدُود: الخَلْف، وَيكون: الْأَمَام.
وَقَالَ الْفراء: لَا يجوز أَن يُقال للرجل: وَرَاءَك؛ وَهُوَ بَين يَديك، وَلَا لرَجُل هُوَ بَين يَديك: هُوَ وَرَاءَك، إِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي الْمَوَاقِيت والأيّام والليالي والدَّهر. تَقول: وَرَاءَك بَرْد شَدِيد، وَبَين يَديك برد شَدِيد، لِأَنَّك أنتَ وَرَاءه، فَجَاز لِأَنَّهُ شَيْء يَأْتِي، فَكَأَنَّهُ إِذا لَحِقك صَار من ورائك، وكأنك إِذا بلغته كَانَ بَين يَديك، فَلذَلِك جَازَ الْوَجْهَانِ، من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} (الْكَهْف: 79) أَي: أمامهم. وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ} (إِبْرَاهِيم: 16) أَي: إِنَّهَا بَين يَديه.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله تَعَالَى: {بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ} (الْبَقَرَة: 91) أَي: بِمَا سواهُ.
قَالَ: والوراء: الخَلْف، والوَرَاء: القُدَّام، والوراء: ابْن الابْن.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 7) أَي: سِوى ذَلِك.

(15/219)


والوَرَى، مَقْصُور: الخَلْق؛ يُقَال: مَا أَدْرِي أيّ الوَرَى هُوَ؟
وَقَالَ اللَّيْث: الرِّية، محذوفة من وَرَى.
والواريةُ: دَاء يَأْخُذ فِي الرّئة، يَأْخُذ مِنْهُ السُّعال فَيقْتل صاحِبَه.
يُقال: وُرِي الرَّجل، فَهُوَ مَوْرُوٌّ.
وَبَعْضهمْ يَقُول: مَوْرِيٌّ.
قَالَ: والثَّوْر يَرِي الكَلْب، إِذا طَعَنه فِي رئته.
قَالَ: والرِّئة، يُهمز وَلَا يُهمز، وَهِي مَوضِع الرّيح والنَّفَس، وَجَمعهَا: رئات؛ ويُجْمع: رِئين.
وتصغيرها: رؤيّة.
وَيُقَال: رُوَيّة؛ وَقَالَ الكُميت:
يُنازِعْن العَجاهِنَة الرِّئينا
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: يُقَال: وَرَيْته من الرِّئة فَهُوَ مَوْرِيّ، ووَتَنْته، فَهُوَ مَوْتُون، وشَوَيْته، فَهُوَ مَشْوِيّ، إِذا أصبت رئته وشَواتَه ووتِينَه.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: يُقال من الرِّئة: رَأَيْته، فَهُوَ مَرْئيّ، إِذا أصبته فِي رئته.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: إِذا أَخرج الزَّنْدُ النَّار، قيل: وَرِي الزَّنْد يَرِي، وَأَنا أوريته إيراء.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرِّية، من قَوْلك: وَرت النَّار تَرِي ورْياً ورِيَةً، مثل: وعت تَعِي وَعْياً وعِيَةً، ووريْته أَرِيه وَرْياً ورِيةً.
قَالَ: وأَوريت النَّار أُوريها إيراء، فَوَرت تَرِي، ووَرِيت تَرِي.
وَيُقَال: وَرِيت تَوْرَى؛ وَقَالَ الطرمّاح يصف أَرضًا جدبة لَا نَبات فِيهَا:
كظَهر اللأَى لَو تَبْتغي رِيةً بهَا
لَعَيَّتْ وشَقَّت فِي بُطون الشَّواجِنِ
أَي هَذِه الصَّحرَاء كظَهر بقرة وحشيّة لَيْسَ فِيهَا أَكمة وَلَا وَهْدة.
وَقَالَ ابْن بُزْرج: الرِّية: مَا تُثقب بِهِ النَّار.
قلت: جعلهَا ثقوباً من خَثًى، أَو رَوْث، أَو ضَرَمَة، أَو حَشيشة يابسة.
أَبُو عُبيدة، عَن أبي زيد: أَرّيت النَّار تَأْرية، ونَمَّيتها تَنميةً، وذكّيتها تَذْكية، إِذا رَفَعْتها.
وَاسم الشَّيْء الَّذِي تُلقيه عَلَيْهَا من بَعر أَو حَطَب: الذُّكْيَة.
قلت: أحسَب أَبَا زَيد جعل: أرّيت النَّار من وريتها فَقلب الْوَاو همزَة، كَمَا قَالُوا: أكدت الْيَمين، ووكّدتها، وأَرَّثت النَّار، ووَرَّثتها.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: يُقَال: إنّه لوارِي الزِّناد، ووَارِي الزَّند، ووريُّ الزَّند، إِذا رام أمرا أَنْجح فِيهِ وأَدرك مَا طلب.
قَالَ: ويُقال: وَرِي الزَّند يَرِي، ووَرِي

(15/220)


الزَّندُ يَوْرَى.
قَالَ: وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: أَوريت الزَّند، فَوَرَتْ تَرِي وَرْياً ورِيةً.
وَقد يُقال: وَرِيت تَوْرَى وَرْياً ورِيةً.
وزَنْدٌ وارٍ؛ وَأنْشد:
أُمِّ الهُنَيْنَيْن من زَنْدٍ لَهَا وارِي
وَأما قَول لَبِيد:
تَسْلُب الكانِسَ لم يُورَ بهَا
شُعْبةُ الساقِ إِذا الظِّلُّ عَقَلْ
رُوي: لم يُورَ بهَا، وَلم يُورأ بهَا، وَلم يُوأَر بهَا.
فَمن رَوَاهُ لم يُورَ بهَا، فَمَعْنَاه: لم يَشعر بهَا، وَكَذَلِكَ: لم يُورأ بهَا، يُقال: وَرَيتُه، وأَوْرأتُه، إِذا أعْلَمته. وَأَصله من وَرَى الزّند، إِذا ظَهرت نارُها؛ كَأَن نَاقَته لم تُضىء للظَّبْي الكانِس وَلم تَبِنْ لَهُ فَيَشعر بهَا لسُرعتها، حَتَّى انْتَهَت إِلَى كناسه فندَّ مِنْهَا جافلاً؛ وأنشدني بَعضهم:
دَعاني فَلم أُورَأ بِهِ فأَجَبْتُه
فمدَّ بئَدْيٍ بَيننا غَير أقْطَعا
وَمن رَوَاهُ: لم يُوأر بهَا، فَهِيَ من: أُوار الشَّمْس، وَهُوَ شدّة حرّها، فقلبه، وَهُوَ من التَّنْفِير.
أور: يُقَال: أوأرته فاستوأر، إِذا نَفَّرته.
وَقَالَ الفَرّاء فِي كِتَابه فِي (المصادر) : التَّوراة من الفِعل: التَّفْعِلة؛ كَأَنَّهَا أُخذت من: أوريت الزِّناد، وورّيتها؛ فَتكون تَفْعلة فِي لُغة طيىء، لأَنهم يَقُولُونَ فِي التوصية: تَوْصاة، وللجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّوْرَاة: قَالَ البصريون: توراة أَصْلهَا فَوْعَلة، وفَوعلة كَثِيرَة فِي الْكَلَام، مثل: الحوصَلة، والدوخلة. وكُل مَا قلت فِيهِ فوعلت فمصدره: فوعلة. فالأَصل عِنْدهم: وَوْراة. وَلَكِن الْوَاو الأولى قُلبت تَاء، كَمَا قُلبت فِي تَوْلج وَإِنَّمَا هُوَ فَوْعل من: وَلجت؛ وَمثله كثير.
وَقَالَ غَيره: واستوريت فلَانا رَأيا، أَي طلبت إِلَيْهِ أَن ينظر فِي أَمْرِي فيستخرج رَأيا أمْضى عَلَيْهِ.
والوَرِيّ: الضَّيف؛ وَقَالَ الأَعشى:
وتَشُدّ عَقْد وَرِيِّنا
عَقْدَ الحِبَجْر على الغِفَارَه
قَالَ: وسُمِّي وريّاً، لأنّ بَيْته يُواريه.
يُقَال: واريته، وورّيته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ الله عزّ وَجل: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} (الْأَعْرَاف: 20) أَي سُتِر، على فُوِعل.
وقرىء: ورُوي عَنْهُمَا، بِمَعْنَاهُ.
والواري: السَّمِين من كُل شَيْء.
وأَنْشد شمرٌ لبَعض الشُّعراء يَصف قِدْراً:

(15/221)


ودَهْمَاء فِي عُرْض الرُّواق مناخةٍ
كَثِيرة وَذْرِ اللَّحْم وارية القَلْبِ
يُقال: قَلْبٌ وارٍ، إِذا تَغَشَّى بالشَّحم والسِّمَن.
الْكسَائي: أَرض وَئِرة، وَهِي الشَّديدة الأوار، وَهُوَ الحَرّ.
قَالَ: وَهِي مَقلوبة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقال: من الإرَة، وأَرْت إرَةً، وَهِي إرَةً مَوْءُورَة.
قَالَ: وَهِي مُستوقد النَّار تَحت الحمّام وَتَحْت أتُون الْجِرَار والجَصَّاصة.
إِذا حَفَرْت حُفْرةً لإِيقاد النَّار، يُقَال: وَأرتها أئِرها وَأراً وإرَةً.
والجميع: الإرَات، والإرُون.
وَقَالَ فِي قَول لَبِيد:
تَسلُب الكانِسَ لم يُؤأَرْ بهَا
من ذَلِك.
قَالَ: ويُرْوَى بَيت لَبيد لم يُؤْرَ بهَا بِوَزْن لم يُعْرَ من الأَرْي، أَي لم يَلْصق بصَدره الفَزع.
وَقد قيل: إنّ فِي صدرك عليّ لأَرياً، أَي لَطْخاً من حِقْد.
وَقد أَرَى عليّ صَدْرُه.
قَالَ: وأَرْي القِدر: مَا الْتَصق بجوانبها من الحَرق.
وأرْي العَسل: مَا الْتَصق بجوانب العَسّالة؛ وَأنْشد قَول الطّرماح فِي صفة دَبْر العَسل:
إِذا مَا تَأَرّت بالْخَلِيّ نَبَتْ بِهِ
شرِيجَيْن مِمَّا تَأْتَري وتُتِيعُ
أَي تَقيء العَسل.
قَالَ: والتزاق الأري بالعسَّالة: ائترارُه.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَرت القِدْر تَأْري أَرْياً، إِذا احترقت ولَصِق بهَا الشَّيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد والكِسائي مِثْلَه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال للبن إِذا لَصِق وَضَرُه بالإِناء: قد أرِي.
وَهُوَ الأَرْي، مثل الرَّمْي.
وَقَالَ: أرِي الصَّدْرُ أَرْياً، وَهُوَ مَا يَثْبت فِي الصَّدر من الضِّغن.
وأَرِيت القِدر تأْرِي أَرْياً، وَهُوَ مَا يَلْصَق بهَا من الطَّعام، وَقد أَرَت تأرِي أَيْضا.
وَقَالُوا فِي الأرْي وَهُوَ العسَل: أَرت النَّحْل تَأري أَرْياً.
وَقَالُوا من الإرَة، وَهُوَ الحُفرة الَّتِي تُوقد فِيهَا النَّار: إِرَة بَيِّنة الإِرْوة.
وَقد أَرَوْتُها آرُوها.
وَمن آريّ الدابّة: أَرّيت تأْرِيةً.
والآريّ: مَا حُفر لَهُ وأُدخل فِي الأَرْض، وَهِي الأُرْبة، بِالْبَاء، والرَّكَاسة.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن

(15/222)


الْأَعرَابِي: قَالَ: قُرارة القِدْرِ، وكُدَادتُها، وأَرْيُها.
قَالَ: وأَرْي السّماء: مَا أَرَتْه الرِّيحُ تأْرية أَرْياً، أَي تَصُبَّه شَيْئا شَيئاً.
وأَرْي النَّحل: العَسَلُ تأرِي بِهِ من أفواهها.
وَقَالَ اللّيث: قَالَ زُهير:
يَشِمْنَ بُروقَها وَيُرشّ أَرْي الْ
جَنُوب عَلَى حواجِبها العَمَاءُ
أَي مَا وَقع من النّدى على الشَّجر والعُشْب فَلم يزل يَلْزق بعضُه بِبَعْض ويكثُر.
قلت: وَأَرْي الجَنوب: مَا اسْتَدَرَّته الجَنوب من الغَمام إِذا مَطرت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: فِي قَوْلهم: ل (المعْلف) : آريّ؛ قَالَ: هَذَا مِمَّا يَضعه النَّاس فِي غير مَوْضعه، وإنّما الآري مَحْبس الدابَّة.
وَهِي الأواريّ، والآواخِيّ.
واحدتها: آحية.
وآرِيّ إِنَّمَا هُوَ من الْفِعْل: فاعُول.
تأرّى بِالْمَكَانِ إِذا تَحَبّس.
وَمِنْه: أَرَت القِدْرُ، إِذا لَصِق بأَسفلها شيءٌ من الاحتراق؛ وأنْشد:
لَا يتأرَّون فِي المَضِيق وَإِن
نادَى منادٍ كي يَنْزِلُوا نَزَلُوا
وَقَالَ العجَّاج:
واعْتَاد أرْبَاضاً لَهَا آرِيُّ
قَالَ: اعتادها: أَتَاهَا ورجَع إِلَيْهَا، والأَرباض: جمع رَبَض، وَهُوَ المَأْوى، وَقَوله لَهَا آريّ أَي لَهَا آخِية مِن مكانس البَقر لَا تَزُول وَلها أَصل ثَابت.
وَأنْشد ابْن السِّكِّيت أَيْضا:
داويتُه بالمَحْض حَتَّى شَتَا
يَجْتذب الآرِيّ بالمِرْوَدِ
أَي: مَعَ المِرْود. يصف فرسا؛ وَأَرَادَ يآريّه: الرَّكاسة المَدْفونة تَحت الأَرْض المُثَبَّتة، فِيهَا تُشَدّ الدابّة من عُروقها البارزة، فَلَا تَقْلَعْها لثَباتها فِي الأَرْض.
فأمّا اللَّيْث فَإِنَّهُ زَعم أَن الآري المَعْلف. وَالصَّوَاب مَا قَالَ ابْن السّكيت، وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الإرةَ: النَّار. والإرة: الْحُفرة للنار، والإرةَ: اسْتِعار النَّار وشدّتها، والإرَة: الْخَلْعءَ، وَهُوَ أَن يُغْلى اللَّحْم والخلّ إغلاءً، ثمَّ يُحْمل فِي الأَسْفار.
والإرة: القَدِيدُ، وَمِنْه خَبر بِلاَل: قَالَ لنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَمعكم شيءٌ من الإرَة؟)

(15/223)


أَي: القَديد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الإرة، والقَدِيد والمُشَنَّق، والمُشَرَّق، والمُتَمَّر، والموهر، والمقرند، والوَشيق.
شَمِر: الإرة، النَّار. يُقَال: ائتنا بإرَة، أَي بِنَار. والإرة: الحُفرة، وَهِي البُؤْرة، والإرة: الْعَدَاوَة أَيْضا؛ وأَنشد:
لِمُعالج الشَّحْناء ذِي إرَةٍ
وَقَالَ أَبُو عبيد: الإرة: الْموضع الَّذِي تكون فِيهِ الْخُبْزة، قَالَ: وَهِي المَلّة، قَالَ: والخُبزة: هِيَ المَليل.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: استوأرت الْإِبِل، إِذا تَتَابَعَت على نِفَارٍ واحِد.
وَقَالَ أَبُو زَيد: ذَاك إِذا نفرت فصَعَّدت الْجَبَل، فَإِذا كَانَ نفارها فِي السَّهل قيل: استَأْورت.
قَالَ: وَهَذَا كَلَام بني عقيل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: المُستأور: الفَارّ.
واستأور الْبَعِير، إِذا تهيّأ للوُثوب، وَهُوَ بَارك.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للحُفرة الَّتِي يَجتمع فِيهَا المَاء: أُورة، وأُوقة؛ قَالَ الفَرزدق:
تَرَبّع بَين الأُورتين أَميرُها
وَقَالَ اللَّيْث: المُسْتأْور: الفَزِع؛ وَأنْشد:
كأنّه بزوانٍ نامَ عَن غَنَمٍ
مُستأوِرٌ فِي سَواد اللَّيل مَدْءُوب
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الوائِر: الفَزِع.
والأُوار: شدّة حَرّ الشَّمْس، ولَفح النّار ووَهجها.
ويومٌ ذُو أُوار، أَي ذُو سَمُوم وحَرّ شَديد.
الوِئار المُمَدَّدة، وَهِي مَخَاض الطِّين الَّذِي يُلاط بِهِ الحِياض؛ قَالَ:
بِذِي وَدَعٍ يَحُلّ بكُلّ وَهْدٍ
رَوايا المَاء يَظَّلِم الوِئارَا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْعِيَال، عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أَنشده:
هلُمّ إِلَى أُمَية إنّ فِيهَا
شِفاء الواريات مِن الغَلِيل
قَالُوا: الواريات: الأَدْواء.
قَالَ: ويُقال: الوَرَى: شَرق يَقع فِي قَصبة الرّئَتَيْن فَيَقْتُل البَعِيرَ. وبَعِيرٌ مَوْرِيّ. وَبِه ريِّة، بِغَيْر همز. قَالَهَا الباهليّ.
وَقَالَ أَبُو سَعيد فِي قَوْله تَعَالَى: {ضَبْحاً فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً} (العاديات: 2) يَعْنِي الْخَيل فِي المَكَرّ، أَي تَقدح النَّار بحوافرها إِذا رَكضت على الحِجارة.
وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه جاءتْه امرأةٌ جَلِيلةٌ فَحَسرت عَن ذراعَيْها فَإِذا كُدُوحٌ، وَقَالَت: هَذَا من احتراش الضّبَاب. فَقَالَ لَهَا: لَو أَخذت الضَّبّ فَورَّيته ثمَّ دَعَوْت بمِكْتَفَةٍ

(15/224)


فَثَمَلْتَه كَانَ أَشْبَع.
أَي رَدغته فِي الدَّسم.
وَقَوْلهمْ: لَحْمٌ وارٍ، أَي سَمين.
وجَزُور وارٍ، أَي سَمين.
وَقَوله: فثملته، أَي أَصْلحته.
وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا شَكَا إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امرأتَه، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما) .
قَالَ أَبُو عُبيد: أَي أَثْبت الوُدّ بَينهمَا؛ وأَنْشد:
لَا يَتأرّى لِما فِي القِدْر يَرْقُبه
أَي لَا يتلبّث وَلَا يَتَحبَّس.
قَالَ: ورَوى بعضُهم هَذَا الحديثَ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دَعَا بِهَذَا الدُّعَاء لعليّ وَفَاطِمَة، عَلَيْهِمَا السَّلَام.
والتّأرِّي: جَمْع الرَّجُل الطَّعَام لِبَيْته.
روى: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الرّوِيّ: السّاقِي.
والرَّوِيّ: الضَّعِيف، والسَّوِيّ الصَّحيح البَدَن والعَقْل.
وَقَالَ غَيره: رَوى فلانٌ حَدِيثا وشِعراً، يَرْوِيه رِوايةً، فَهُوَ: راوٍ.
فَإِذا كَثرت رِوَايته، قيل: هُوَ راوِية، الْهَاء للمُبالغة فِي صفة الرِّوَاية.
وَيُقَال: رَوّى فلانٌ فلَانا شِعْراً، إِذا رَواه لَهُ حَتَّى حَفِظه للرِّواية عَنهُ.
وَيُقَال: رَوِي فلانٌ من المَاء، يَرْوَى رِيّاً.
فَهُوَ: رَيّان، والأُنثى: رَيّاً، والجميع: رِوَاء، وماءٌ رَوَاءٌ، مَمْدُود مَفْتوح الرّاء.
وماءٌ رِوًى، مَقصور بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ يَصْدُر مَن يَرِدُه عَن رِيّ.
وَلَا يكون هَذَا إلاّ صِفة لأعْداد الْمِيَاه الَّتِي لَا تَنْزح وَلَا يَنقطع مَاؤُهَا؛ قَالَ الراجز:
ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ
هَذَا مقامٌ لكِ حتّى تِيبَيْهْ
وَيَوْم التَّرْوية: الثَّامِن من ذِي الحِجَّة، سمِّي بِهِ لِأَن الحُجّاج يَتَرَوَّوْن بِهِ من المَاء ويَنهضون إِلَى مِنًى وَلَا مَاء بهَا، فيتزوّدون رِيَّهم من المَاء.
أَبُو عُبيد: الرَّاوية، هُوَ البَعير الَّذِي يُسْتَقى عَلَيْهِ المَاء.
والرجُل المُسْتقِي أَيْضا: رَاوِية.
يُقَال: رَوَيْت على أَهله: أَرْوى رَيَّةً.
قَالَ: والوعاء الَّذِي يكون فِيهِ المَاء إِنَّمَا هِيَ المَزادة، سُمِّيت: راويةً، لمَكَان البَعير الَّذِي يَحْملها.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقال: رَوَيْت الْقَوْم أَرْويهم، إِذا اسْتَقيت لَهُم.

(15/225)


ويُقال: من أَيْن رَيَّتُكم؟ أَي من أَيْن تَرْتَوون الماءَ؟
وَقَالَ غيرُه: الرِّواء: الْحَبل الَّذِي يُرْوَى بِهِ على الرَّاوية إِذا عُكِمت المَزَادتان.
يُقَال: رَوَيْت على الرَّاوية، أَرْوى رَيّاً، فَأَنا رَاوٍ، إِذا شَدَدْت عَلَيْهِمَا الرِّواء؛ وأَنْشَدَني أعرابيّ، وَهُوَ يُعَاكِمني:
رَيّاً تَمِيميّاً على المَزَايِد
ويُجمع: الرِّواء: أَرْوِية.
ويُقال لَهُ: المِرْوَى، وَجمعه: مَرَاوَى.
ورجلٌ رَوَّاءٌ، إِذا كَانَ الاسْتِقاء بالرَّاوِية لَهُ صِنَاعة.
يُقَال: جَاءَ رَوَّاء الْقَوْم.
وَقَالَ اللّيث: يُقال: ارْتَوت مفاصِلُ الدّابّة، إِذا اعْتَدلَت وغَلُظت.
وارْتوت النَّخْلةُ، إِذا غُرست فِي قَفْر ثمَّ سُقِيت فِي أَصْلها.
وارتوى الحَبْلُ، إِذا كَثر قُواه وغَلَظ فِي شِدّة فَتْل؛ وَقَالَ ابنُ أحْمر يذكرُ قَطاةً وفَرْخَها:
تَرْوِي لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَف
تَصْهره الشَّمْسُ فَمَا ينْصهِرْ
تَرْوِي، مَعْنَاهُ: تَسْتَقي.
يُقَال: قد رَوَى، مَعْنَاهُ: قد اسْتَقى على الرَّاوية.
وفرسٌ ريّان الظّهْر، إِذا سَمِن مَتْناه.
وفرسُ ظمآن الشَّوى، إِذا كَانَ مُعَرَّق القَوائم.
وإنّ مفاصِله لظِماءٌ، إِذا كَانَ كَذَلِك؛ وأَنْشد:
رِوَاءٌ أَعَاليه ظِماءٌ مَفاصِلُه
ويُقال للْمَرْأَة: إِنَّهَا لَطيّبة الرَّيَّا، إِذا كَانَت عَطِرة الجِرْم.
وريّا كلِّ شَيْء: طيبُ رَائِحَته؛ وَمِنْه قَوْله:
نَسِيم الصّبا جَاءَت بريَّا القَرَنْفُل
وَقَالَ المتَلَمِّس يَصف جَارِيَة:
فَلَو أنّ مَحْمُوماً بِخَيْبَرَ مُدْنَفاً
تَنَشَّقَ رَيّاها لأقْلع صالِبُهْ
ورُوي عَن عُمر أنّه كَانَ يَأْخُذ مَعَ كُل فَريضة عِقالاً ورِواءً الرِّواء، مَمْدود، وَهُوَ حَبْل فَإِذا جَاءَت إِلَى الْمَدِينَة بَاعهَا ثمَّ تصدّق بِتِلْكَ العُقُل والأرْوية.
قَالَ أَبُو عُبيد: الرِّواء: الحَبل الَّذِي يُقْرن بِهِ البَعيران.
قلت: الرِّواء: الحَبل الَّذِي يُرْوى بِهِ على البَعير، وَأما الحبلُ الَّذِي يُقْرن بِهِ البَعيران، فَهُوَ القَرَن، والقِرَان.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَحْمَر: الأُرْوِيّة: الأُنثى من الوُعُول.
وَثَلَاث أَرَاوِيّ، إِلَى العَشر.
فَإِذا كثرت، فَهِيَ الأَرْوَى.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال للأُنْثى: أُرْوِيّة؛

(15/226)


وللذَّكر: أُرْوية.
ويُقال للأُنثى: عَنْز؛ وللذَّكر: وَعِل.
وَهِي من الشّاء لَا من البَقر.
أَبُو عُبيد: يُقال: لنا عِنْد فلانٍ رَوِيّة وأشْكَلَة، وهما الْحَاجة.
وَلنَا قِبله صارّة، مثله.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: بَقيت مِنْهُ رَوِيّة، أَي بقيّة، مثل التَّلِيَّة: وَهِي البَقيّة من الشَّيْء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال لسادة الْقَوْم: الرَّوَايَا.
قلت: وَهِي جمع راوية. شَبّه السيّد الَّذِي تَحمَّل الدِّيات عَن الحيّ بالبَعِير الرَّاوِية؛ وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
إِذا نُدِبت رَوَايا الثِّقْل يَوْماً
كَفَيْنا المُضْلِعات لمن يَلِينا
أَرَادَ: ب (روايا الثِّقل) : حوامل ثِقْل الدِّيات. والمُضْلِعات: الَّتِي تُثْقل مَن حَمَلها. يَقُول: إِذا نُدِب للدِّيات المُضْلعة حَمّالوها كنّا نَحن المُجيبين لحَمْلها عمّن يَلِينا من دُوننا.
وَقَالَ رجلٌ من بني تَميم، وَذكر قوما أَغَارُوا عَلَيْهِم: لَقِينَاهُمْ فَقَتَلْنَا الرَّوايا، وأبحْنا الزَّوايا. أَي قتلنَا السّادة وأبحنا البُيوت، وَهِي الزَّوايا.
ابْن السِّكيت: روَّيت رَأْسِي بالدُّهْن، ورَوّيْت الثّرِيد بالدَّسَم.
ورَوَّأت فِي الْأَمر، مَهْموز.
وفلانٌ لَيْسَ لَهُ رَويّة فِي الأُمور، بِغَيْر هَمر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَوَّأت فِي الأَمر، وريَّأت: فكَّرت، بِمَعْنى وَاحِد.
فِي بَعض الحَدِيث عَن عَون أَنه ذكر رجلا فَقَالَ: تكلَّم فَجَمع بَين الأرْوَى والنَّعام.
يُرِيد أَنه جَمع بَين كَلمتين مُختلفتين، لِأَن الأرْوَى يكون بِشَعف الجِبال، وَهِي شَاءَ الوَحْش، والنَّعام يكون فِي الفَيافي والْحَضِيض.
يُقَال فِي المَثل: لَا تَجمع بَين الأرْوى والنَّعام.
رأى: قَالَ اللّيث: الرَّأيُ: رَأْي القَلْب.
وَالْجمع: الآرَاء.
وَيُقَال: مَا أضَلّ آرَاءهم وَمَا أَضلَّ رَأْيَهم
وَيُقَال: رأيتُه بعينيّ رُؤْيةً.
ورأيتُه رَأي العَيْن، أَي حَيث يَقَع البَصَرُ عَلَيْهِ.
ويُقال من (رَأْي) القَلب: ارتأَيت؛ وأَنشد:
أَلا أيّها المُرْتَئِي فِي الأُمُورِ
سَيَجْلو العَمَى عَنْك تِبْيانُها
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله عزّ وجلّ: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يُوسُف: 43) : إِذا تَركت

(15/227)


العربُ الْهمزَة من الرُّؤْيا قَالُوا: الرُّويَا، طَلَباً للخفّة، فَإِذا كَانَ من شَأْنهمْ تحويلُ الْوَاو إِلَى الْيَاء قَالُوا: (لَا تَقْصُص رُيّاك) فِي الكَلام، وَأما فِي القُرآن فَلَا يَجُوز؛ وَأنْشد أَبُو الجرّاح:
لَعِرْضٌ من الأعراضِ يُمْسي حَمامُه
ويُضْحِي على أفْنانِه الْغَيْن يَهْتِفُ
أحبّ إِلَى قَلبي من الدِّيك رُيَّةً
وبابٍ إِذا مَا مَال للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَرَادَ (رُؤْية) فَلَمَّا ترك الْهَمْز وَجَاءَت وَاو سَاكِنة بعْدهَا يَاء تَحوّلت يَاء مشدَّدة، كَمَا قَالُوا: لَوَيته لَيّاً، وكَوَيْته كَيّاً، وَالْأَصْل: لَوْياً، وكَوْياً.
قَالَ: وَإِن أَشرت فِيهَا إِلَى الضمة فَقلت: رُيّاً، فرفَعت الرَّاء، فَجَائِز، وَتَكون هَذِه الضَّمة مثل قَوْله: صُيِل، وسُيِق، بِالْإِشَارَةِ.
وَزعم الْكسَائي: أَنه سمع أعرابيّاً يقْرَأ: (إِن كُنْتُم للرُّيَّا تَعْبُرون) .
وَقَالَ اللّيث: رَأَيْت رُيّاً حَسنة.
قَالَ: وَلَا تجْمع الرُّؤيا.
وَقَالَ غَيره: تجمع الرُّؤيا: رُؤًى، كَمَا يُقال: عُلْياً، وعُلًى.
قَوْله عزّ وجلّ: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} (مَرْيَم: 74) . قُرِئت رِئْياً بِوَزْن رِعْياً وقُرئت رِيّاً.
وَقَالَ الفرّاء: الرّئْيُ: المَنْظر.
وَقَالَ الْأَخْفَش: الرِّيّ مَا ظهر عَلَيْهِ ممّا رَأَيْت.
وَقَالَ الفَراء: أهل الْمَدِينَة يَقْرءونها رِيّاً بِغَيْر هَمز، وَهُوَ وَجه جيّد، من رَأَيْت، لِأَنَّهُ مَعَ آيَات لَسْنَ مَهْموزات الْأَوَاخِر.
وَذكر بَعضهم أَنه ذهب بالرِّيّ إِلَى رَوِيت إِذا لم يَهْمز.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الزّجّاج.
قَالَ: وَمن قَرَأَ رِيّاً بِغَيْر هَمْز فَلهُ تَفْسيران:
أَحدهمَا: أنّ مَنْظره مُرْتَوٍ من النِّعمة، كَأَن النَّعيم بَيِّنٌ فيهم.
وَيكون على تَرك الهَمزة من رَأَيْت.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّئِيّ: جِنِّي يَعْرض للرّجل يُريه كهَانَة وطِبّاً.
يُقال: مَعَ فُلان رَئِيّ.
قَالَ: والرُّوَاء: حُسن المَنْظر فِي البَهاء وَالْجمال.
يُقَال: امْرَأَة لَهَا رُواء، إِذا كَانَت حَسَنَة المَرْآة، والمَرْأَى، كَقَوْلِك: المَنْظرة، والمَنْظر.
والمِرآة: الَّتِي يُنْظر فِيهَا.
وَجَمعهَا: المَرَائي.

(15/228)


وَمن حَوّل الْهمزَة قَالَ: المَرَايَا.
قَالَ أَبُو زيد: إِذا أمرت من رَأَيْت قلت: ارْ زَيداً. كَأَنَّك قلت: ادْع زيدا.
فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رَ زيدا. فَتُسْقط ألف الوَصل فتحرّك مَا بعْدهَا.
قَالَ: وَمن تَحقيق الْهَمْز قَوْلك: رَأَيْت الرجل. فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رايت الرجل. فحركت الْألف بِغَيْر إشباع همز، وَلم تسْقط الْهمزَة لأنّ مَا قبلهَا مُتحرك، فَتَقول: الرّجُل يَرَى ذَاك، على التَّخفيف.
قَالَ: وعامّة كَلَام الْعَرَب فِي: يرى، وَترى، ونرى، وَأرى، على التَّخْفِيف.
وَقَالَ بَعضهم يخففه، وَهُوَ قَلِيل. فَيَقُول: زيد يرأى رَأيا حَسناً. كَقَوْلِك: يَرْعَى رَعْياً حَسناً؛ وأَنشد:
أُرى عَيْنَيّ مَا لم تَرْأَياه
كِلانا عالمٌ بالتُّرّهّاتِ
وَقَالَ اللِّحياني: اجْتمعت العربُ على همز مَا كَانَ من رَأَيْت واسْترأيت وارتأيت وراءيت وَمَا كَانَ من رُؤْيَة الْعين.
وَقَالَ بَعضهم بترك الْهمزَة، وَهُوَ قَلِيل.
قَالَ: وكُل مَا جَاءَ فِي كتاب الله مَهْموز، وأَنْشد فِيمَن خَفّف:
صَاح هَل رَيْت أَو سَمِعت برَاعٍ
رَدْ فِي الضَّرْع مَا تَرَى فِي الحِلاَبِ
وَالْكَلَام العالي الْهَمْز، فَإِذا جِئْت إِلَى الْأَفْعَال المُستقبلة الَّتِي فِي أَولهَا الْيَاء وَالتَّاء وَالنُّون وَالْألف، اجْتمعت العربُ الَّذين يَهْمزون وَالَّذين لَا يهمزون على ترك الْهمزَة، كَقَوْلِك: يَرى، وتَرى، وَأرى، ونرى، وَبِه نزل القُرآن، إِلَّا تَيم الرِّباب فإنّها تَهمز فَتَقول: هُوَ يرأى، وترأى، ونرأى، وأرأى.
فَإِذا قَالُوا: مَتى نرَاك؟ قَالُوا: مَتى نرآك؟ مثل نَرْعاك.
وبعضٌ يقلب الْهمزَة، فَيَقُول: مَتى نَراؤُك؟ مثل: نَرَاعُك؛ وأَنْشد:
أَلا تِلْكَ جارَتُنا بالغَضَا
تَقُول أتَرْأَيْنَه لن يضِيفَا
وَأنْشد فِيمَن قَلَب:
مَاذَا نَراؤُك تُغْنِي فِي أخِي ثِقَةٍ
من أُسْد خَفّان جَأْب الوَجه ذِي لُبد
قَالَ: فَإِن جِئْت إِلَى الْأَمر، فإِن أهل الْحجاز يتركون الْهَمْز فَيَقُولُونَ: رَ ذَاك؛ وللاثنين: رَيَا ذَاك؛ وللجميع: رَوا ذَاك؛ وللمرأة: رَيْ ذَاك، وللنِّسوة: رَيْن.
وتَميم تهمز فِي الْأَمر على الأَصْل، فَيَقُولُونَ: ارْأ ذَاك، وارْأيا، ولجماعة النِّسوة: ارْأَيْن.
قَالَ: فإِذا قَالُوا: أَرَيْت فلَانا مَا كَانَ من أمره، أَرَيْتكم فلَانا، أفَريتكم فلَانا؛ فإِن أَهل الْحجاز يهمزونها، وَإِن لم يكن مِن كَلَامهم الهَمْز.

(15/229)


فَإِذا عَدوت أهل الْحجاز فإِنَّ عامّة الْعَرَب على ترك الْهمزَة، نَحْو: أريت الَّذِي يُكَذِّب، أَرَيْتُكم. وَبِه قَرَأَ الْكسَائي، تَرَك الْهَمْز فِيهِ فِي جَمِيع الْقُرْآن؛ وأَنشد لأبي الْأسود:
أرَيْتَ امْرَأ كنْتُ لم أَبْلُه
أتانِي فَقَالَ اتَّخذني خَلِيلاً
فَترك الهمزَة.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن الْفراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم} (الْأَنْعَام: 40) .
قَالَ: الْعَرَب لَهَا فِي أَرَأَيْت لُغَتَانِ ومَعنيان:
أَحدهمَا أَن يسْأَل الرجُل الرجلَ: أَرَأَيْت زَيداً بِعَيْنِك؟ فَهَذِهِ مَهموزة.
فإِذا أوقعتها على الرّجل مِنْهُ قلت: أرأيتَك على غير هَذِه الْحَال؟ يُريد هَل رَأَيْت نَفْسك على غير هَذِه الْحَال. ثمَّ تُثنّي وتَجمع، فَتَقول للرَّجُلين: أَرَأيْتُماكما، وَلِلْقَوْمِ: أرأيتُموكم، وللنِّسْوة: أرأتنّ كنّ، وللمرأة: أرأيتِك، بخفض التَّاء، لَا يجوز إِلَّا ذَلِك.
وَالْمعْنَى الآخر، أَن تَقول: أرأيْتَك. وَأَنت تَقول: أَخْبرني، فتهمزها وتنصب التَّاء مِنْهَا، وتترك الْهَمْز إِن شِئْت، وَهُوَ أَكثر كَلَام الْعَرَب، وتترك التَّاء موحّدة مَفتوحة للْوَاحِد والواحدة والجميع، فِي مؤنثه ومذكره، فَتَقول للْمَرْأَة: أرأيتَك زيدا، هَل خَرج؟ وللنِّسوة: أرأَيتكنّ زيدا مَا فعل؟
وَإِنَّمَا تركت العربُ التَّاء وَاحِدَة لأنّهم لم يُريدوا أَن يكون الفِعل مِنْهَا وَاقعا على نَفسهَا، فاكتفوا بذكرها فِي الْكَاف، ووجّهوا التَّاء إِلَى الْمُذكر والتوحيد إِذا لم يكن الفِعل وَاقعا.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الزّجاج فِي جَمِيع مَا قَالَ.
ثمَّ قَالَ: واخْتلف النّحويّون فِي هَذِه الْكَاف الَّتِي فِي (أرأيْتَكم) .
فَقَالَ الفرّاء والكسائيّ: لَفظهَا لَفْظ نَصب، وتأويلها تَأويل رَفْع.
قَالَ: وَمثلهَا الْكَاف الَّتِي فِي دُونك زيدا، لِأَن الْمَعْنى: خُذْ زَيداً.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهَذَا القَوْل لم يَقُله النّحويّون القُدماء، وَهُوَ خطأ، لِأَن قَوْلك: أرأيتَك زَيْداً مَا شأنُه؟ يُصَيِّر أَرَأَيْت قد تعدّت إِلَى الْكَاف، وَإِلَى زيد، فتَصير أرأَيْت اسْمَيْن، فيَصير المَعْنى: أرَأيتَ نَفْسَك زَيداً مَا حَاله؟
قَالَ: وَهَذَا مُحَالٌ. وَالَّذِي يَذْهب إِلَيْهِ النَّحويون الموثوق بعلمهم أَن الْكَاف لَا مَوضِع لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: أَرَأَيْت زيد مَا حَاله؟ وَإِنَّمَا الْكَاف زِيَادَة فِي بَيَان الْخطاب، وَهِي الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْخطاب. فَتَقول للْوَاحِد الْمُذكر: أرأَيْتَك

(15/230)


زيدا مَا حَاله؟ بِفَتْح التَّاء وَالْكَاف، وَتقول فِي الْمُؤَنَّث: أرأيتك زيدا مَا حَاله يَا مَرأة؟ فتفتح التَّاء على أصل خطاب الْمُذكر وتكسر الْكَاف، لأنّها قد صَارَت آخر مَا فِي الْكَلِمَة والمنبئة عَن الْخطاب، فَإِن عَدَّيت الْفَاعِل إِلَى المَفْعُول فِي الْبَاب صَارَت الْكَاف مفعولة، تَقول: رأَيْتني عَالما بفُلان.
فَإِذا سَأَلت عَن هَذَا الشَّرط قلت للرَّجل، أَرَأَيْتَك عَالما بفلان؟
وللاثنين: ارأَيْتماكما عالِمَيْن بفلان؟
وللجميع: ارأيْتُموكم؟ لِأَن هَذَا فِي تَأْوِيل: أَرأيتم أنْفُسكم؟
وَتقول للْمَرْأَة: أرأيتِك عَالِمَة بفُلان؟ بِكَسْر التَّاء.
وعَلى هَذَا قِيَاس هذَيْن الْبَابَيْنِ.
أَخبرني المُنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب، قَالَ: أَرأَيْتَك زَيْداً قَائِما؟ إِذا اسْتخبر عَن زيد تَرَك الهَمْز، وَيجوز الهَمْز.
وَإِذا استخبر عَن حَال المخَاطب كَانَ الهَمز الِاخْتِيَار، وَجَاز تَرْكه، كَقَوْلِك: أرَأَيْتَك نَفْسَك؟ أَي مَا حالُك، مَا أَمْرُك؟
وَيجوز: أَرَيْتَك نَفْسك؟
وَذكر شَمر حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ أَن أَبَا البَخْتريّ قَالَ: تراءَيْنَا الْهلَال بِذَات عِرْق فسألنا ابْن عبّاس، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَدَّه إِلَى رُؤيته، فإنْ أُغمِي عَلَيْكُم فَأكْمِلوا العِدَّة.
قَالَ شَمِر: قَوْله: تراءينا الْهلَال، أَي تكلَّفنا النَّظر إِلَيْهِ، هَل نَراه أم لَا؟
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: انْطلقْ بِنَا حَتَّى يُهلّ الهِلال، أَي نَنْظر أَنَراه؟
وَقد تراءينا الهِلال: أَي نَظرناه.
وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول: راءَيت، ورَأَيْت.
وَقَرَأَ ابْن عبّاس: {يُرَآءُونَ النَّاسَ} (النِّسَاء: 142) .
وَقد رَأّيْت تَرْئِية، مثل: رَعَّيت تَرْعِية.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَيْتُه الشيءَ إراءةً، وإراية، وإرْءَاءةً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: تراءَيت فِي المِرآة تَرائِياً.
ورَأّيت الرَّجُل تَرْئِيّةً، إِذا أَمْسكت لَهُ المِرآة لِيَنْظُر فِيهَا.
واسْتَرْأيت الرجل فِي الرَّأْي، أَي اسْتَشَرتُه.
وراءيته، وَهُوَ يُرائيه، أَي يُشاوره؛ وَقَالَ عِمران بن حَطّان:
فإنْ تكُن حِين شَاوَرْناك قلْتَ لنا
بالنُّصح مِنْك لنا فِيمَا نُرائِيكَا
أَي: نَسْتَشيرك.
قُلت: وأمّا قَول الله عزّ وجلّ: {يُرَآءُونَ النَّاسَ} (النِّسَاء: 142) وَقَوله: {يُرَآءُونَ} {يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون: 6 و 7)

(15/231)


فَلَيْسَ من المُشاورة، وَلَكِن مَعناه، إِذا أَبْصرهم النّاس صَلّوا، وَإِذا لم يَرَوهم تَركوا الصَّلاة.
وَمن هَذَا قَول الله عز وَجل: {بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ} (الْأَنْفَال: 47) .
وَهُوَ المُرائي، كأنّه يُرِي الَّذِي يَراه أَنه يَفْعل وَلَا يفعل بالنيّة.
وَأما قَول الفَرزدق يهجو قوما ويَرمي امرأَةً مِنهم بِغَيْر الجَمِيل:
وبَات يُراآها حصاناً وَقد جَرَتْ
لنا بُرَتاها بالّذي أَنا شَاكره
قَوْله: يُراآها: يظنّ أَنَّهَا كَذَا. وَقَوله: لنا بُرتاها، مَعْنَاهُ: أَنَّهَا أَمكنته من رِجْلَيها.
قَالَ شَمر: الْعَرَب تَقول: أرى الله بفلانٍ، أَي أرى الله الناسَ بفُلاَنِ العذابَ والهلاك، وَلَا يُقَال ذَلِك: إِلَّا فِي الشَّرّ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
وعَلِمت أنّ الله عَمْ
داً خَسَّها وأَرَى بهَا
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرى الله بهَا أعداءها مَا يَسُرهم؛ وَأنْشد:
أرانا الله بالنَّعَم المُنَدَّى
وَقَالَ أَبُو حَاتِم نحوَه.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تَراءى نارَاهُما) .
قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاهُ: أنّ المُسلم لَا يَحلّ لَهُ أَن يَسْكن بِلَاد المُشركين فَيكون مَعَهم بقَدْر مَا يَرى كُلُّ واحدٍ مِنْهُم نَار صَاحبه.
وَيُقَال: تراءينا، أَي تلاقينا فرأيتُه ورآني.
وَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله: لَا ترَاءى ناراهما، أَي لَا يَتَّسم المُسلم بِسمة المُشْرك وَلَا يَتَشَبَّه بِهِ فِي هَدْيه وشَكله، وَلَا يتخلّق بأخلاقه، من قَوْلك: مَا نارُ بَعِيرك؟ أَي مَا سِمَته؟
وَيُقَال: دَاري تَرى دَار فلَان، أَي تقَابلهَا؛ وَقَالَ ابْن مُقْبِل:
سَلِ الدّارَ مِن جَنْبَي حَبِيرٍ فواحِفٍ
إِلَى مَا رَأى هَضْبَ القَلِيب المصَبَّح
أَرَادَ: إِلَى مَا قابَله.
قَالَ الْأَصْمَعِي: رأسٌ مُرْأى، بِوَزْن مُرْعًى، إِذا كَانَ طَوِيل الخَطم فِيهِ شَبيه بالتَّصْويب، كَهَيئَةِ الإبْريق.
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
وجَذْب البُرَى أَمْرَاس نَجْرَان رُكِّبت
أواخِيُّها بالمُرْأَيات الزَّواحِف
يَعْنِي أواخيّ الأمراس، وَهَذَا مَثل.
والرّاية: العَلم، لَا تهمزها العربُ، وَتجمع: رايات، وَأَصلهَا الهَمز.
وَيُقَال: رَأَيْت رايتَه، أَي رَكَزتُها.
وَبَعْضهمْ يَقُول: أَرْأَيتها، وهما لُغتان.
وَقَالَ اللَّيث: الرَّايَة، من رايات الْأَعْلَام.
وَكَذَلِكَ الرَّايَة الَّتِي تجْعَل فِي العُنق.

(15/232)


وهما من تأليف ياءين وَرَاء.
وتصغير الرَّاية: رُيَيَّهْ.
وَالْفِعْل: رَيَّيْت رَيّاً، ورَيَّيْت تَرِيَّةً.
وَالْأَمر بِالتَّخْفِيفِ ارْيهْ، وَالتَّشْدِيد ريِّهْ.
وعلمٌ مَرِيّ، بِالتَّخْفِيفِ.
وَإِن شئتَ بَيَّنت الياءات فقُلت. مَرْئِيٌّ، بِبَيان الياءات.
وَالْعرب تَقول: أَرى اللَّهُ بفلانٍ، أَي أَرْأَى بِهِ مَا يَشمِت بِهِ عدوّه؛ وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
وَعلمت أنّ الله عَمْ
داً خَسَّها وأَرَى بهَا
يَعني قَبيلَة ذكرهَا، أَي أَرَى الله عدوَّها مَا شَمِت بِهِ.
وَقَالَ النّضر: الإرآء: انتكاب خطم الْبَعِير على حَلْقه.
يُقَال: جمل مُرْأى، وجِمالٌ مُرْآة.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: إِذا استبان حمل الشَّاة من الْمعز والضأن وعَظُم ضَرْعها قيل: أَرْأَت، تَقْدِيره أَرْعَت.
ورمّدت تَرْمِيداً، مثله.
وروى ابْن هانىء عَنهُ: أرأت العَنْزُ خاصّة، وَلَا يُقال للنّعجة: أَرأت، وَلَكِن يُقال: أَثْقلت، لأنّ حياءها لَا يَظهر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال من الظَّن: رِيتُ فُلاناً أَخَاك.
وَمن همز قَالَ: رُؤِيت.
فَإِذا قُلت: أرى وَأَخَوَاتهَا، لم تهمز.
قَالَ: ومَن قلب الْهمزَة من رأى قَالَ: رَاء، كَقَوْلِك: نأى، وناء.
وَرُوِيَ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بَدَأَ بالصّلاة قبل الخُطْبة يَوْم الْعِيد ثمَّ خَطب فرُئِي أَنه لم يُسمع النِّساء فأتاهن ووعَظهن.
وَقَالَ الْفراء: قَرَأَ بعض القُرّاء: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} (الْحَج: 2) فنصب الرَّاء من تُرى.
قَالَ: وَهُوَ وَجه جيّد، يُريد مثل قَوْلك: رُئيتُ أَنَّك قَائِم، ورُئِيتك قَائِما، فَيجْعَل سكارى فِي مَوضِع نَصب، لِأَن ترى تحْتَاج إِلَى شَيْئَيْنِ، تَنْصبهما، كَمَا تحْتَاج ظَنّ.
قلت: رُئيت، مقلوب، الأَصْل فِيهِ: أُريت، فأخّرت الْهمزَة، وَقيل: رُئيت، وَهُوَ بمَعنى الظّنّ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: فلانٌ يتَرَاءَى بِرَأْي فلَان، إِذا كَانَ يَرى رَأْيه ويَميل إِلَيْهِ ويَقْتدي بِهِ.
ويقالُ: مَنَازِلهمْ رئاءٌ، على تَقْدِير رِعَاء، إِذا كَانَت متحاذية؛ وأَنْشد:

(15/233)


ليَالِي يَلْقَى سِرْبُ دَهْما سِرْبَنا
ولَسْنا بجيرانٍ وَنحن رِئَاءُ
ابْن بُزُرْج: التَّرْئية، بِوَزْن التَّرْعِية: الرجُلُ المُخْتال.
وَكَذَلِكَ: التَّرائية، بِوَزْن التّراعِية.
اللَّيْث: التَّرِيّة، مشدّدة الْيَاء، والتَّرِيَة، خَفِيفَة الْيَاء بِكَسْر الرَّاء، والتَّرْية، بجزم الرَّاء، كلهَا لُغات، وَهِي مَا ترَاهُ الْمَرْأَة من بقيّة حَيضها من صُفرة أَو بَياض.
قلت: كأنّ الأَصْل فِيهِ تَرئية، وَهِي تفعلة من رَأَيْت فخفّفت الْهمزَة، فَقيل: تَرْيِية، ثمَّ أُدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَقيل: تَرِيّة.
وَقَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة: ذاتُ التَّرِيّة، وَهِي الدمُ الْقَلِيل.
وَقد رَأَتْ تَرِيَّة، أَي دَمًا قلِيلاً.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ أَهل الجنَّة ليتراءَوْن أهْلَ عِلِّيّين كَمَا تَرَوْن الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي كَبِدِ السَّماء) .
قَالَ شمر: يَتراءَوْن: يتفاعلون، من رَأَيْت كَقَوْلِك: تراءَيْنا الهِلاَل.
وَقَالَ: مَعْنَاهُ: يَنْظُرون.
وَقَالَ غَيره: معنى يتراءون أَي: يرَوْنَ، يدُل على ذَلِك قَوْله: كَمَا تَرَوْن.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: يُقال لكل سَاكن لَا يَتَحَرَّك: ساجٍ وَرَاهٍ وَرَاءٍ.
قَالَ شمر: لَا أعرف راءٍ بِهَذَا الْمَعْنى إِلَّا أَن يكون أَرَادَ رَاه فَجعل بدل الْهَاء يَاء.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: رِئِيٌّ من الجِنّ، بِوَزْن رِعِيّ وَهُوَ الَّذِي يَعْتاد الْإِنْسَان من الجِنّ.
قَالَ: الرِّئْيُ، بِوَزْن الرِّعْي بِهَمْزَة مُسكَّنة: الثوبُ الفاخر الَّذِي يُنْشر ليُرَى حُسْنه؛ وأَنْشد:
بِذِي الرِّئْي الجَمِيل من الأَثاث
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَرْأَى الرَّجل، إِذا كَثرت رُؤَاه، بِوَزْن رُعَاه وَهِي أحلامه، جمع الرُّؤْيا.
اللَّحياني: على وَجْهه رَأْوة الحُمق، إِذا عَرفت الحُمق فِيهِ قبل أَن تَخْبُره.
ويُقال: إنّ فِي وَجهه لرَأْوَةً، أَي نَظْرةً ودَمامَة.
قَالَ: وأرْأَى، إِذا تَبَيَّنت الرَّأْوَةُ فِي وَجْهه، وَهِي الحَماقة.
وأَرْأَى، إِذا ترَاءى فِي المِرآة.
وأرأى، إِذا صَار لَهُ رَئيّ مِن الجِنّ.
وَيُقَال: أَرْأَى الرَّجُل، إِذا أظهر عَملاً صَالحا رِيَاءً وسُمْعة.
وأَرْأَى، إِذا اشْتكى رِئَته، وأرأى؛ إِذا اسْودّ ضَرْعُ شاتِه.
وأَرْأى: إِذا حَرّك بعَينيه عِنْد النّظر تَحْريكاً كثيرا، وَهُوَ يُرأْرِي بعَينَيه.

(15/234)


أَبُو الْحسن اللَّحياني: يُقَال: إِنَّه لخَبيثٌ وَلَو ترى مَا فلَان؟ وَلَو تَرَ مَا فلَان؟ رَفْعٌ وجَزْم.
وَكَذَلِكَ: لَا تَرَ مَا فلَان؟ وَلَا ترى مَا فلَان؟
فِيهَا جَمِيعًا وَجْهَان: الْجَزْم وَالرَّفْع.
فإِذا قَالُوا: إِنَّه لخبيث، وَلم تَرَ مَا فلَان، قالُوا بِالْجَزْمِ.
وَفُلَان فِي كُله رفْع.
وتأويلها: وَلَا سِيمَا فلانٌ.
حُكي ذَلِك كُله عَن الْكسَائي.
رأرأ: عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن أَبِيه: الرَّأرأة: تَقْليب الهَجُول عَيْنَيها لطالبها.
يُقَال: رأرأت، وجَحظت، ومَرْمَشت، بعَيْنَيها.
ورأيته جاحظاً مِرْماشاً.
وَقَالَ اللّحياني: يُقَال: رَأْرأٌ، ورَأْرَاءٌ، إِذا كَانَ يُكْثر تَقْليب حدقَتَيه.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: رَأْرأت بالغنم رَأْرأة، تَقْدِيره رَعْرَعت رعرعة، وطَرْطَبْت بهَا طَرْطَبة، إِذا دَعَوْتها.
وَهَذَا فِي الضَّأْن والمَعز.
قَالَ: والرّأْرأة، مثْلها: إشْلاَؤُكها إِلَى المَاء.
قَالَ: والطّرطبة، بالشَّفَتين.
وَيُقَال: رَجُل رَأرَاء؛ وَامْرَأَة رَأراء، بِغَيْر هَاء، مَمْدُود؛ وَقَالَ:
شِنْظيرةُ الْأَخْلَاق رَأْراء العَيْن
ويُقال: رأرأتِ الظِّباءُ بأَذْنابها، ولألأت، إِذا بَصْبَصت.
رَاء: أَبُو عُبيد، عَن الأَصْمعي: من نَبَات السَّهل: الرَّاء، والواحدة: راءَة.
وَقَالَ أَبُو الهَيثم: الرّاء: زَبَدُ البَحْر.
والمَظّ: دم الْأَخَوَيْنِ، وَهُوَ دمُ الغزال وعُصارة عُروق الأرْطى، وَهِي حُمر؛ وأَنشد:
كأنّ بنَحْرها وبِمِشْفَريْها
ومَخْلِج أَنفها رَاء ومَظَّا
والمَظّ: رُمّان البَرّ.
أرر أير أدر: الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: آر الرَّجُل حَلِيلته يَؤُورها.
وَقَالَ غَيره: آرها يَثِيرها أيْراً؛ إِذا جامَعها.
وَقَالَ الفَراء، فِيمَا رَوى عَنهُ أَبُو عُبيد: أَرَرْت الْمَرْأَة أَؤُرُها أرَّا، إِذا نكحتَها.
وَفِيمَا أَقْرَأَنِي الْإِيَادِي، عَن شَمر لأبي عُبيد: رَجُلٌ مِئَرّ، إِذا كَانَ كثير النِّكاح.
مَأْخُوذ من الأير. هَكَذَا قَرَأت عَلَيْهِ.

(15/235)


وَهُوَ عِنْدِي تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: رَجُلٌ مِيئر، بِوَزْن مِيعر فَيكون حِينَئِذٍ مِفْعلاً من: آرها يثيرها أيْراً.
وَإِن جعلته من الأرّ قلت: رجلٌ مئَرّ؛ وأَنْشد أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُريد قولَ الرّاجز:
بَلّت بِهِ عُلابِطاً مِئَرَّا
ضَخْم الكراديس وأًى زِبِرَّا
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: آر الرَّجُل، إِذا شَفْتَن؛ وَأنْشد:
وَمَا النّاس إِلَّا آئِرٌ ومَئِير
قلت: جعل أرّ وآرَ بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: من أَسمَاء الصَّبا: إير، وهِير؛ وأَيْر، وهَيْر؛ وأَيِّر، وهَيِّر، على مِثَال فَيْعل.
ابْن السّكيت، عَن الفرّاء فِي بَاب فِعْل وفَعْل، يُقَال للشمأل: إير وأَير، وهِير وهَيْر.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: هِيَ الصَّبا.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الإيرُ: رِيحُ الجَنْوب.
وَجمعه: إِيَرَة.
قَالَ: والآرُ: العارُ.
والإيَار: اللُّوح، وَهُوَ الْهَوَاء.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمة، عَن الفَرّاء أَنه قَالَ: يُقال لرِيح الشَّمال: الجِرْبِيَاء، بِوَزْن رَجُلٌ نِفْرِجَاء وَهُوَ الجَبان.
وَيُقَال للشَّمال: إيرٌ، وأَيْر، وأَيِّر، وأَوُور.
قَالَ: وأَنشَدَ فِي بعض بني عُقَيل:
شآميّة جُنْحَ الظَّلام أَوُور
وَقَالَ: الأوُور، على فعول.
وَقَالَ الأصمعيّ: من أَسمَاء الصَّبا: إير، وأَيْر، وهِير وهَيْر، وأَيِّر وهَيِّر، على مِثَال فَيْعِل.
اللحياني عَن أبي عَمْرو: وَيُقَال للصّبا: إير وهِير، وأَير وهَير، وأيِّر وهَيِّر.
وَقَالَ اللَّيث: إيرٌ وهِيرٌ: موضعٌ بالبادية؛ وَقَالَ الشماخ:
على أَصلاب أَحْقب أَخْدَرِيَ
مِن اللاَّئِي تَضَمَّنَهُن إِيرُ
وَيُقَال: رجل أُيارِيٌّ، إِذا كَانَ عَظِيم الأَيْر.
ورَجُلٌ أُنافيّ: عَظِيم الْأنف.
ورُوي عَن عليَّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه تَمَثَّل يَوْمًا فَقَالَ: من يَطُلْ أَيْرُ أَبيه يَنْتَطِق بِهِ. مَعْنَاهُ: أَنه من كَثُرت ذُكور وَلد أبِيه شدَّ بعضُهم بَعضاً.
وَمن هَذَا الْمَعْنى قولُ الشَّاعِر:
فَلَو شَاءَ ربِّي كَانَ أَير أبيكمُ
طَويلا كأَير الْحَارِث بن سَدُوس
وَقَالَ اللَّيث: الإرَار: شِبه ظُؤْرة يَؤُرّ بهَا

(15/236)


الرّاعي رَحِم النَّاقة إِذا مَا رَنَت فَلم تَلْقَح.
وَتَفْسِير قَوْله: يَؤُرّ بهَا الرَّاعِي هُوَ أَن يُدخل يدَه فِي رَحمها فيَقْطع مَا هُناك ويُعَالجه.
قَالَ: والأيْر: أَن يَأْخُذ الرَّجُل إراراً، وَهُوَ غُصن من شَوك القتاد وَغَيره، فيضربه بالأرْض حَتَّى تلينَ أطرافُ شَوكه، ثمَّ يبُلّه ثمَّ يَذُرّ عَلَيْهِ مِلْحاً مَدقوقا فيؤَرّ بِهِ ثَفْر النَّاقة حَتَّى يُدْمِيها، وَذَلِكَ إِذا مَا رَنَت فَلم تَحمل.
قَالَ: والأرير: حكايةُ صَوت الماجِن عِنْد القِمار والغَلَبة، يُقَال: أرّ يأرّ أرِيراً.
أَبُو زيد: ائْتَرّ الرجل ائْتراراً، إِذا استَعْجل.
قلت: لَا أَدْرِي أبالزاي هُوَ أم بالراء؟
يرر: وَقَالَ اللّيث: اليَرَرْ، مصدر (الأيَرّ) .
يُقَال: صَخرة يَرّاء، وحَجرٌ أَيَرّ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُقَيْش: إنّه لحارٌّ يارٌّ. عَنى رَغيفاً أُخْرج من التَّنُّور.
وَكَذَلِكَ إِذا حَمِيت الشمسُ على حَجر أَو شَيْء غيرِه صُلْب فلزمَتْه حرارةٌ شديدةٌ، يُقال: إنّه حارٌّ يارٌّ.
وَلَا يُقال لماءٍ وَلَا طِين إلاّ لشيءٍ صُلْب.
والفِعْل مِنْهُ: يَرّ يَيَرّ يَرَراً.
وَلَا يُوصف بِهِ على نَعْت أفعل وفَعْلان إِلَّا الصَّخر والصّفا، يُقَال: صَفاةٌ يَرّاء، وصَفاً أَيَرُّ.
وَلَا يُقال: إلاّ مَلَّةٌ حارّة يارّة.
وكل شَيْء من نَحْو ذَلِك إِذا ذكرُوا اليارّ لم يذكروه إِلَّا وقَبْله حارّ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الشُّبْرمَ فَقَالَ: (إِنَّه حارٌّ يارٌّ) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الكسائيّ: حارٌّ يارٌّ.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم حارّ جارّ، وحَرّان يَرّان، إتباع، وَلم يَخُصّ شَيْئا دون شَيْء.
وَقَالَ العجَّاج يصف الغَيْث:
وَإِن أصَاب كَدَراً مَدَّ الكَدَرْ
سنابِكُ الخَيْل يُصَدِّعْن الأَيَرّ
(أير) : قَالَ أَبُو عَمْرو: الأيَرّ: الصَّفا الشَّديد الصَّلابة.
وَقَالَ بعده:
مِن الصَّفا القاسِي ويَدْهَسْن الغَدَرْ
عَزَاَزةً ويَهْتَمِرْن مَا انْهَمَرْ
يَدْهَسْن الغَدَرَ، أَي يَدَعْن الجِرْفَةَ وَمَا تعادَى من الأَرض دَهاساً.
وَقَالَ بعده:
من سَهْلةٍ ويَتَأَكَّرْن الأُكَرْ
يعْنِي، الخيلَ وضَرْبها الأَرْض العَزَاز بحوافرها.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الْحجر الأيَرّ، على مِثَال الأَصَمّ: الصُّلْب.

(15/237)


رير: أَبُو عُبيد، عَن اليزيدي: مُخّ رارٌ، ورَيْرٌ، ورِيرٌ، للذَّائِب.
وَقَالَ الفراءُ مِثلَه.
اللَّحياني، عَن أبي عَمْرو: مُخٌّ رِيرٌ، ورَيْرٌ، للرَّقِيق.
ورر: سَلمَة، عَن الفرّاء: الوَرْوَرِي: الضَّعيف البَصَر.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الأعْرابيّ.
قَالَ: والوَرّ: الوَرِك.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الوَرّة، بِالْهَاءِ: الوَرِك.
وَمن رباعيه
(فرنب) : الفِرْنِب: وَهُوَ الفأر. قَالَه ابْن الأعرابيّ.
آخر كتاب الرَّاء

(15/238)


كتاب اللَّام من (تَهْذِيب اللُّغَة)
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ

(بَاب اللَّام وَالنُّون)
ل ن
لن، نل.
نل: أَهمله اللَّيْث.
ابْن الْأَعرَابِي: النُّلْنُل: الشَّيخ الضَّعِيف.
لن: قَالَ النّحويون: (لن) تَنْصب المُسْتقبل، وَاخْتلفُوا فِي علّة نَصْبها إيّاه.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: رُوي عَن الْخَلِيل فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنَّهَا نَصبت كَمَا نصبت (أَن) ، وَلَيْسَ (مَا) بعْدهَا بصلَة، لأنّ (لَن تفعل) نَفْيُ (سيفعل) ، فيقدّم مَا بعْدهَا عَلَيْهَا، نَحْو قَوْلك: زيدا لن أضْرب، كَمَا تَقول: زيدا لم أَضْرب.
ورَوى سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل: الأَصل فِي (لن) : (لَا أَن) ، ولكنّ الحَذف وَقع اسّتخفافاً.
قَالَ: وزَعم سِيبَوَيْهٍ أنّ هَذَا لَيْسَ بجيّد، وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يَجز: زيدا لن أَضرب، وَهُوَ جَائِز على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل وَجَمِيع النَّحْوِيين البَصْريين.
وَحكى هِشام عَن الْكسَائي مِثْلَ هَذَا القَوْل الشاذّ عَن الْخَلِيل، وَلم يَأْخُذ بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَلَا أصحابُه.
اللَّيْث، عَن الْخَلِيل فِي (لن) أَنه (لَا أَن) فوُصلت لكثرتها فِي الْكَلَام، أَلا تَرى أَنَّهَا تُشبه فِي المَعْنى (لَا) وَلكنهَا أَوْكد، تَقول: لن يُكرمَك زيدٌ. مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُ كَانَ يَطمع فِي إكرامه، فَنَفَيْت ذَاك ووكَّدت النَّفْي ب (لن) فَكَانَت أوجب من (لَا) .

(بَاب اللَّام وَالْفَاء)
ل ف
لف، فل.
لف: اللَّيث: اللَّفَف: كثرةُ لحم الخَدَّين والفَخِذَين.
وَهُوَ فِي النّساء نَعت، وَفِي الرِّجال عَيْب.
تَقول: رَجُلٌ ألفّ: ثَقيل.
واللَّفيف: مَا اجْتمع من النَّاس من قبائل

(15/239)


شتَّى لَيْسَ أَصْلُهم وَاحِدًا.
يُقَال: جَاءُوا بلَفّهم ولَفِيفهم.
عَمْرو، عَن أَبِيه: اللَّفيف: الْجمع الْعَظِيم من أَخْلاط شَتّى، فَمنهمْ الشَّريف والدَّنيء، والمُطِيع، والعاصي، والقويّ والضَّعيف.
اللَّيْث: اللَّفيف من الْكَلَام: كُل كلمة فِيهَا مُعتلاّن، أَو مُعتلّ ومُضاعف.
قَالَ: واللَّفَف مَا لفّفوا من هَا هُنَا وَهَا هُنَا، كَمَا يُلفّف الرجلُ شهادةَ الزُّور.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن الْأَخْفَش، فِي قَوْله جلّ وعزَّ: {وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} (النبأ: 16) وَاحِدهَا: لفّة.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: لم نَسمع شَجَرَة لَفَّة، وَلَكِن وَاحِدهَا: لَفَّاء، وَجَمعهَا: لُفٌ، وَجمع لُفّ: أَلْفاف.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق (ألفافاً) أَي: وبساتين مُلْتَفّة.
ابْن الْأَعرَابِي: عَن المفضَّل: اللفّ: الصِّنْف من النَّاس، من خَير أَو شَر.
واللَّفّ: الأَكْل.
واللَّفّ: الشَّوابل من الْجَوَارِي، وَهن السِّمَان الطِّوال.
وَفِي حَدِيث أُمّ زرع: إِن أكل لَفَّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: اللَّف فِي المَطعم: الْإِكْثَار مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيط من صُنوفه، لَا يُبقي مِنْهَا شَيْئا.
ابْن الْأَعرَابِي: اللَّفَف: أَن يَلْتوي عِرْقٌ فِي ساعد الْعَامِل فيُعَطِّله عَن العَمل.
غَيره: الألفّ: عِرقٌ يكون بَين وَظيف اليَد وَبَين العُجاية فِي بَاطِن الوَظيف؛ وأَنشد:
يَا رَيَّها إنْ لم تَخُنِّي كَفِّي
أَو يَنْقطع عِرْقٌ من الألَفّ
ابْن الْأَعرَابِي: لَفْلَف الرَّجُلُ، إِذا اضْطربَ ساعدُه من الْتواء عِرْق فِيهِ.
وَهُوَ اللَّفَف؛ وأَنشد:
الدَّلْو دَلْوِي إنْ نجت من اللَّجَفْ
وَإِن نجا صاحبُها من اللَّفَفْ
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الألَفّ: العَيِيّ.
قَالَ الأصمعيّ: هُوَ الثقيل اللِّسان.
المبرّد: اللَّفيف: إِدْخَال حَرف فِي حَرف.
اللَّيْث: ألَفّ الرجلُ رَأسَه، إِذا جَعله تَحت ثَوبه.
وألَفّ الطَّائِر رأسَه، إِذا جعله تَحت جنَاحه.
وَقَالَ أُميّة بن أبي الصَّلْت:
وَمِنْهُم مُلِفٌّ رأسَه فِي جَناحه
يكَاد لذِكْرَى ربِّه يَتَفَصَّدُ
ابْن الْأَعرَابِي: لَفْلَف الرَّجُل، إِذا اسْتَقْصى الْأكل والعَلْف.
قَالَ: ولَفْلَف: موضعٌ.
وَيُقَال: تلفّف الرَّجُل بثَوْبه، والتَفَّ بِهِ.

(15/240)


وَمِنْه: لِفافة الرَّجُل.
وَقيل فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} (الْقِيَامَة: 29) : إنّه لَفُّ ساقَي الْمَيِّت فِي كَفنه.
وَقيل: إِنَّه اتِّصَال شدّة الدُّنيا بشدّة الْآخِرَة.
وَالْمَيِّت يُلَفّ فِي كَفنه لفّاً، إِذا أُدْرج فِيهِ إدراجاً.
واللَّفيفة: لحم المَتْن الَّذِي تَحْتَهُ العَقب من الْبَعِير.
فل: اللَّيْث: الفَلّ: المُنْهزمُون.
والجميع: الفُلاَّل.
قَالَ: والتَّفليل: تفلُّل فِي حدّ السّيف، أَو فِي غُروب الأَسنان وَنَحْو ذَلِك.
وَفِي سَيفه فُلول؛ وَقَالَ النَّابِغَة يصف السُّيوف:
بِهن فُلولٌ من قِرَاع الكتائِبِ
وَقوم فُلُول: مُنْهزمون.
قَالَ: والاسْتفلال: أَن يُصيب من الْموضع العَسِر شَيْئا قَلِيلا من مَوضِع طَلب حَقّ أَو صِلَة، فَلَا يَسْتَفِلّ إِلَّا شَيْئا يَسِيرا.
ابْن السِّكيت: الفَلّ: الثّلْم فِي السّيف.
وَجمعه: فُلُول.
والفَلّ: الْقَوْم المُنْهزمون، وأَصله من الكَسر، وانفلّ سِنُّه؛ وأَنشد:
عُجَيِّز عارضُها مُنْفَلُّ
قَالَ: والفِلُّ: الأرْضُ الَّتِي لم يُصِبْها مَطَرٌ.
وَجمعه: أَفْلال.
وَقد أَفْلَلنا، إِذا وَطئنا أَرضًا فِلاًّ؛ وَقَالَ ابْن رَواحة:
شَهِدْتُ ولَم أكذبْ بأنّ مُحَمَّدًا
رسولُ الَّذِي فَوق السَّموات من عَلُ
وأنّ الَّتِي بالجِزْع من بَطن نَخْلة
ومَن دانهَا فِلٌّ من الخَيرَ مَعْزِلُ
وَقَالَ الراجز:
حَرَّقها حَمْضُ بِلادٍ فِلِّ
وغَتْم نَجْمٍ غيرُ مُسْتَقِلّ
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أرضٌ فِلٌّ: لَا شيءَ بهَا.
والفَلاة، مِنْهُ.
شَمر، عَن ابْن شُميل: الفَلاَليّ، واحدتها: فَلِيّةٌ: الأَرْض الَّتِي لم يُصبها مطرٌ عامَها حَتَّى يُصيبها المطرُ من الْعَام المُقبل.
ويُقال: أَرض أَفْلال؛ وَقَالَ الراجز:
مَرْت الصَّحارِي ذُو سُهُوبٍ أَفْلاَلْ
الْفراء: أَفَلّ الرَّجلُ: صَار فِي أَرض فِلّ لم يُصِبْه مطرٌ؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
أَفَلّ وأَقْوى فَهُوَ طاوٍ كَأَنَّمَا
يُجَاوب أَعلَى صَوْته صوتُ مِعْوَلِ
عَمْرو، عَن أَبِيه: الفُلّى، والفُرّى: الكتيبة

(15/241)


المُنْهزمة.
وسيفٌ أفلّ: ذُو فُلُول.
وقَفر مُفَلّل، أَي مُؤَشَّر.
أَبُو عبيد، عَن عَمْرو: الفَلِيلة: الشَّعَر المُجتمع؛ قَالَ الكُميت:
ومُطَّردِ الدِّماء وَحَيْثُ يُلْقَى
من الشَّعَر المُضَفّر كالفَلِيل
قَالَ: وأفَلّ الرجل: ذَهب مَاله، مَأْخُوذ من (أَرض فِلّ) .
النَّضر: جَاءَ فلَان يَتَفَلْفَل، أَي يُقَارب بَين خَطوه.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، جَاءَ مُتَفلفلاً، أَي جَاءَ يَشُوص فَاه بالسِّواك.
وثوبٌ مُفَلْفَل، إِذا كَانَت داراتُ وَشْيه تحكي استدارة الفُلْفل وصِغَره.
وفَلْفل، إِذا اسْتاك.
وفَلفل، إِذا تبختر.
وخَمْر مُفَلْفل: أُلقي فِيهِ الفُلْفل، فَهُوَ يَحْذي اللِّسان.
والفُلْفل: الْخَادِم الكَيِّس.
وشَعر مُفَلْفل، إِذا اشتدت جُعودتُه.

(بَاب اللَّام وَالْبَاء)
ل ب
لب، بل.
لب: سمعتُ المُنذريّ يَقُول: عُرض على أبي العبّاس مَا سمعتُ من أبي طَالب فِي قَوْلهم: لَبَّيْك.
قَالَ: قَالَ الفَرء: مَعْنَاهُ: إِجَابَة لَك بعد إِجَابَة، ونَصْبه على المَصْدر.
وَقَالَ الْأَحْمَر: هومأخوذ من: لبَّ بِالْمَكَانِ، وألَبَّ بِهِ، إِذا أَقَامَ، وَأنْشد:
لَبّ بأَرْض مَا تَخَطَّاها الغَتَمْ
قَالَ: وَمِنْه قَول طُفيل:
رَدَدْنَ حُصَيْناً من عَدِيِّ ورَهْطِه
وتَيْمٌ تُلَبِّي فِي العُروج وتَحْلُبُ
قَالَ: كَانَ أصل لَبّ بك: لَبَّب بك، فاستثقلوا ثَلَاث باآت، فقلبوا إِحْدَاهُنَّ يَاء، كَمَا قَالُوا: تَظنَّيْت، من الظنّ.
أَبُو عُبيد، عَن الْخَلِيل: أَصله من أَلْبَبْت بِالْمَكَانِ، فَإِذا دَعَا الرجُل صاحِبَه، أَجَابَهُ: لَبَّيك، أَي أَنا مُقيم عنْدك، ثمَّ وَكّد ذَلِك بلبَّيك، أَي إِقَامَة بعد إِقَامَة.
وحُكي عَن الْخَلِيل أَنه مَأْخُوذ من قَوْلهم: أمٌّ لَبَّةٌ، أَي مُقيمة عاطفة.
فَإِن كَانَ كَذَلِك فَمَعْنَاه: إقبالاً إِلَيْك، ومحبة لَك؛ وأَنْشَد:
وكنتم كأُمَ لَبَّةٍ ظَعن ابنُها
إِلَيْهَا فَمَا دَرَّت عَلَيْهِ بسَاعِدِ
قَالَ: ويُقال: إِنَّه مَأْخُوذ من قَوْلهم: دَارِي تَلُبّ دارَك، فَيكون مَعْنَاهُ: اتّجاهي إِلَيْك وإقبالي على أَمرك.

(15/242)


المُنذري، عَن أبي العبّاس: لَبَّيك، من: لَبّ بِالْمَكَانِ، وأَلبّ بِهِ، أَي أَقَامَ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأَعرابي: اللَّبّ: الطَّاعَة، وَأَصله من الْإِقَامَة.
وَقَوْلهمْ: لَبَّيك، اللَّب: وَاحِد، فَإِذا ثَنَّيت قلت فِي الرَّفع: لَبّان، وَفِي النّصْب والخَفض: لَبَّيْن. وَكَانَ فِي الأَصْل لَبَّينِك، أَي أطعتك مَرَّتين، ثمَّ حُذفت النُّون للإضافة، أَي أطيعك طاعتين مُقيماً عنْدك إِقَامَة بعد إِقَامَة.
اللَّيْث: لُبّ كل شَيْء من الثّمار: دَاخله الَّذِي يُطرح خَارجه، نَحْو: لُبّ الجَوز واللّوز.
ولُب الرجل: مَا جُعل فِي قلبه من العَقل.
قَالَ: ولُباب الْقَمْح، ولُباب الفُسْتق.
ولُباب الْإِبِل: خيارُها.
ولُباب الحَسَب: مَحْضُه.
واللُّباب: الْخَالِص من كُل شَيْء؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّةَ يصف فَحْلاً مِئْنَاثاً:
سِبَحْلاً أبَا شِرْخَيْن أَحْيَا بَناتِه
مَقاليتُها فَهِيَ اللُّبابُ الحَبائسُ
وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي الفالوذج: لُبابُ القَمْح بلُباب النَّحْل.
اللَّيْث: اللَّبَابة، مَصدر اللَّبِيب، وَقد لَبُبْتُ.
ورجُلٌ مَلْبوبٌ، إِذا وُصف باللَّبابة؛ وَقَالَ حَسّان:
وجاريةٍ مَلْبُوبة ومُنَجَّسٍ
وطارقةٍ فِي طَرْقِها لم تُشَدِّدِ
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنّ الله مَنع مِنّي بَني مُدْلج لصلتهم الرَّحِم وطَعْنهم فِي أَلباب الْإِبِل.
ورُوي: فِي لَبّات الْإِبِل.
قَالَ أَبُو عُبيد: من رَوَاهُ فِي أَلْباب الْإِبِل فَلهُ مَعْنيان:
أَحدهمَا: أَن يكون أَرَادَ: جَمْع اللُّب، ولُبّ كل شَيْء: خالصه، كَأَنَّهُ أَرَادَ: خَالص إبلهم وكرائمها.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَنه أَرَادَ جمع اللّبَب وَهُوَ مَوَاضِع المَنْحر من كُلّ شَيْء.
ونَرى أَن لَبَب الْفرس سُمِّي بِهِ، وَلِهَذَا قيل: لَبَّبْت فلَانا، إِذا جمعت ثيابَه عِنْد صَدره ونَحره ثمَّ جَرَرْته.
وَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ اللّبّات فَهِيَ جمع اللّبّة، وَهِي مَوضِع النَّحر.
قَالَ: واللّبَب من الرَّمل: مَا كَانَ قَرِيبا من حَبْل الرّمْل.
وَفِي الحَدِيث أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلّى فِي ثوب وَاحِد مُتَلَبِّباً بِهِ، أَي تحزّم بِثَوْبِهِ عِنْد صَدْره.
وكُل من جَمع ثَوْبه متحزّماً، فقد تلبَّب بِهِ؛ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:

(15/243)


وتَمِيمةٍ من قانص مُتلبِّب
فِي كَفّه جَشْءٌ أَجَشٌّ وأَقْطَعُ
وَمن هَذَا قيل للَّذي لَبِس السِّلاح وتَشَمَّر لِلْقِتَالِ: مُتَلَبِّب؛ وَمِنْه قَول المُنَتَخِّل:
واسْتلأمُوا وتلبَّبُوا
إنّ التلبُّب للمُغِيرْ
ويُقال: أَخذ فلانٌ بِتَلْبيب فلانٍ، إِذا جَمع عَلَيْهِ ثوبَه الَّذِي هُوَ لابسُه عِنْد صَدْره وقَبض عَلَيْهِ يَجُرّه.
اللَّيْث: الصَّريخُ إِذا أَنذر القومَ واستصرخَ: لبَّب، وَذَلِكَ أَن يَجعل كنانَته وقوسَه فِي عُنقه ثمَّ يَقْبض على تَلْبِيب نَفْسه؛ وأَنْشد:
إنّا إِذا الدَّاعي اعْتَزى ولَبَّبَا
وَيُقَال: تَلْبيبه: تردُّده.
أَبُو عُبيد: اللّبْلَبة: الشَّفقة على الْإِنْسَان؛ وَقَالَ الكُميت:
ومنَّا إِذا حَزَبَتْك الأُمور
عَلَيْك المُلَبْلِبُ والمُشْبِلُ
اللّيث: اللّبْلبة: فعل الشَّاة بِوَلَدِهَا إِذا لَحَسَتْه بشَفَتَيْها.
واللَّبْلاب: بَقْلة مَعْرُوفَة يُتداوى بهَا.
قَالَ: ويقالُ: فلانُ فِي بالٍ رَخِيّ ولَبَبٍ، أَي فِي سَعة وخِصْب وأَمْن.
وَحكى يُونس: تَقول الْعَرَب للرَّجُل تَعطف عَلَيْهِ: لَبَابِ لَبَاب، مثل حَذَامِ، وقَطام.
ويُقال للْمَاء الْكثير يَحمل مِنْهُ المِفْتَح مَا يَسَعه فَيضيق صُنْبوره عَنهُ من كثرته فَيَستدير المَاء عِنْد فَمه وَيصير كَأَنَّهُ بُلْبُل آنِيةٍ: لَوْلَب.
قلت: لَا أَدْرِي أعربي أم معرَّب، غير أَن أهل العِراق أُولعوا بِاسْتِعْمَالِهِ.
عَمْرو، عَن أَبِيه: اللَّبْلَبة: التَّفرُّق.
بل: أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: بَللْتُ من مرضِي، وأَبللت: بَرَأْت.
وبَلِلْت بفلانٍ بَلَلاً، إِذا مُنيت بِهِ وعلِقْته؛ عَنْهُمَا.
وبلْلتُ بِهِ، أَي ظَفرت بِهِ. قَالَه شَمِر وَابْن الأعرابيّ.
الأصمعيّ: بَلِلْت أَبَلّ: ظَفِرت بِهِ.
وَيُقَال: بَلّك الله بابْنٍ، أَي رَزقَك الله ابْناً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: بَلّ يَبِلّ، ويَبَلّ، إِذا لزم إنْسَانا ودام على صُحْبته؛ وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
فَبَلِّي إِن بَلِلْتِ بأَرْيَحِيَ
من الفِتْيَان لَا يَمْشي بَطِيئاً
شَمر: من أمثالهم: مَا بلِلْتُ من فلانٍ بأَفْوقَ ناصِل، أَي مَا ظفَرتُ بسَهم انْكَسَرَ فَوْقه وَسقط نَصْلُه.
يُضرب مثَلاً للرَّجل المُجزىء الْكَافِي، أَي ظَفِرتُ برَجُلٍ كامِل غير مُضيع وَلَا ناقِص.

(15/244)


الْأَصْمَعِي: يُقال لَا تَبُلّك عِنْدِي بالّة وبَلاَلِ، أَي لَا يُصيبك منّي خَيرٌ وَلَا أنْفعك ولاأَصْدُقك.
وَيُقَال: لَا تُبَلّ عِنْدي لفلانٍ بالّة وبَلاَلٍ، مَصْرُوف عَن بالّة، أَي نَدًى وخَيْر؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَلَا وأَبيك يَابْنَ أبي عَقِيل
تَبُلَّك بعْدهَا فِينَا بَلاَلِ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بُلُّوا أرْحَامكم وَلَو بالسَّلام) .
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو وَغَيره: بَلَلتُ رَحمي أبُلّها بَلاًّ وبِلاَلاً، إِذا وصَلْتها ونَدَّيتها؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
إمّا لطَالب نِعْمةٍ تَمَّمْتها
ووصالِ رَحْمٍ قد بَرَدْت بِلاَلَها
قَالَ: والبَلِيل: الرّيح الْبَارِدَة مَعَ نَدًى.
أَبُو عَمْرو: البَلِيلة: الرِّيح المُمْغِرة، وَهِي الَّتِي تَمْزُجها المَغْرة، وَهِي المَطْرةُ الضَّعِيفة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البُلْبُلة: المَشْجرة، وَهِي الهَوْدج للحرائِر.
قَالَ: والبُلْبُل: العَنْدليب.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: انْصَرف القومُ بِبَلَلتهم، أَي بحالٍ صالحةٍ وخَيْر.
وَمِنْه: بِلاَل الرَّحم.
وبَلَلْتُه: أَعطيته.
أَبُو عُبَيد: المُبِلُّ: الَّذِي يُعييك أَن يُتابعك على مَا تُريده؛ وَأنْشد:
أَبَلّ فَمَا يَزداد إلاّ حَماقةً
ونوْكاً وإنت كَانَت كثيرا مَخارِجه
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيُّ: الأبلّ: الرجل الشَّديد الْخُصومة.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأبَلُّ: الرَّجُل المَطُول الَّذِي يَمنع بالحَلِف مَا عِنْده من حُقوق النَّاس؛ وأَقرأَنا للمَرّار بن سعيد الْأَسدي:
ذَكَرْنا الدُّيونَ فجَادَلْتنا
جِدالَك فِي الدَّين بَلاًّ حَلُوفَا
الْأَصْمَعِي: أَبَلّ، إِذا امْتَنَع وغَلب.
قَالَ: وَإِذا كَانَ الرَّجُل حَلاَّفاً قيل: أبَلّ؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
أَلا تَتَّقُون الله يَا آل عامِرٍ
وَهل يَتَّقِي الله الأَبَلُّ المُصَمِّمُ
وَيُقَال: مَا فِي سقائه بِلاَل، أَي مَاء.
وَمَا فِي الرّكيَّة بِلاَل.
وَيُقَال: اطْوِ السِّقاء على بُلُلَته، أَي اطْوه وَهُوَ نَديّ قبل أَن يتكَسَّر.
وَيُقَال: ألم أَطوك على بُلُلَتك وبَلّتك، أَي على مَا فِيك من عَيب كَمَا يُطْوى السِّقاء على عَيْبه؛ وأَنْشَدَ:

(15/245)


وأَلْبس المرءَ أَسْتَبْقي بلُولَته
طَيَّ الرِّداء على أَثنائه الخَرِقِ
قَالَ: وَتَمِيم تَقول: البلُولة، من بِلّة الثَّرى.
وَأسد تَقول: البَلَلَة.
اللَّيْثُ: البَلَل، والبِلّة، الدُّون.
وبِلّةُ اللّسان: وُقُوعه على مَوَاضِع الحُروف واستمرارُه على المنْطق؛ تَقول: مَا أَحْسن بِلّة لِسَانه وَمَا يَقَع لِسَانه إلاّ على بِلَّته.
الْأَصْمَعِي: ذَهبت بُلّة الأَوابل، إِذا مَا ذهب ابتلالُ الرُّطْب؛ وأَنشد:
حَتَّى إِذا أهْرَأْنَ بالأَصائل
وفارقَتْها بُلّةُ الأَوَابِلِ
سَلمَة، عَن الْفراء: البُلّة: بقيّة الكَلأ.
والبَلّة: الغِنَى بعد الفَقر.
والبِلّة: العافِية.
اللَّيْث وَغَيره: بَلّ فلانٌ من مَرضه، وأَبَلّ، واسْتَبَلّ، إِذا برأَ.
وَيُقَال للإِنسان إِذا حَسُنت حالُه بعد الهُزال: قد ابْتَلّ، وتَبَلّل.
والبُلبلة: ضَرب من الكِيزان فِي جَنبه بُلْبل يَنصبّ مِنْهُ المَاء.
قَالَ: والبَلْبلة: وسواس الهُموم فِي الصَّدر.
وَهُوَ: البَلْبال، وَجمعه: البَلابل.
ابْن الْأَعرَابِي: بَلْبل متاعَه، إِذا فَرّقه وبَدَّده.
قَالَ: والمُبَلِّل: الطاوُوس الصَّرّاخ.
قَالَ: والبُلبُل: الكُعَيْت.
سَلمَة، عَن الْفراء: البَلْبلة: تَفريق الآراء.
أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ لي أَبُو ليلى الأعرابيّ: أَنْت قُلْقل بُلْبُل، أَي أَنْت ظريف خَفِيف.
ويُقال: بلَّت مَطِيّتُه على وَجْهها، إِذا هَمَتْ ضالّة؛ وَقَالَ كُثيِّر:
فَليْت قَلُوصي عِنْد عَزّةَ قُيِّدَت
بحَبْلٍ ضَعِيفٍ غُرَّ مِنْهَا فضَلَّت
فأَصبح فِي الْقَوْم المُقيمين رَحْلُها
وَكَانَ لَهَا باغٍ سوايَ فَبَلَّت
عَن النَّضر: البَذْر والبُلَل، وَاحِد.
يُقَال: بَلّوا الأَرْض، إِذا بذروها بالبُلَل.
ابنُ السِّكيت: لَهُ أَليل وبَليل، وَهُوَ الأنِين مَعَ الصَّوت؛ وَقَالَ المَرّار:
إِذا مِلْنا على الأكوار أَلْقَت
بأَلْحَتها لأجْرُنها بَلِيلُ
أَرَادَ: إِذا مِلْنا عَنْهَا نازلين إِلَى الأَرْض مدّت جُرُنَها على الأَرْض من التَّعب.
ابْن السِّكيت: البَلّ، مصدر: بَلَلت الشَّيْء أَبُلّه.
والبِلّ: المُبَاح.
وَقَالَ عبّاس بن عبد الْمطلب فِي زَمْزم: لَسْت أُحلها لمُغتسل وَهِي لشراب حِلٌّ وبِلّ.

(15/246)


أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي، عَن مَعمر: بِلٌّ، هُوَ مُباح، بلغَة حِمْير.
قَالَ: وَيُقَال: بِلّ: شِفاء، من قَوْلهم: بَلّ فلَان من مَرضه، وأبلّ، إِذا برأَ.
ابْن السِّكيت، وَأَبُو عُبيد: لَا يكون بِل إِتباع ل (حِلّ) لمَكَان الْوَاو. (
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: رَجُلٌ أَبلّ، وَامْرَأَة بَلاّء: وَهُوَ الَّذِي لَا يُدْرك مَا عِنْده من اللُّؤْم.
ورَجُلٌ بُلاَبِلٌ: خَفِيفُ اليَدين لَا يَخفى عَلَيْهِ شَيْء.
أَبُو تُرَاب، عَن زَائِدَة: مَا فِيهِ بُلالة وَلَا عُلالة، أَي مَا فِيهِ بَقِيَّة.
اللَّيْث: البَلْبَلة: بَلْبلة الألسُن.
وَقيل: سُمّيت أَرض بابِل: بابِل، لِأَن الله تَعَالَى حِين أَرَادَ أَن يُخالف بَين أَلسنة بني آدم بَعث رِيحاً فحشرتهم من كل أفق إِلَى بابل، فبلبل الله بهَا ألسنتهم، ثمَّ فرَّقتْهم تِلْكَ الريحُ فِي الْبِلَاد.
أَبُو زيد: البَلّة والفَتْلة: نَوْرةُ بَرَمة السَّمُر.
قَالَ: وَأول مَا يخرج البَرَمة، ثمَّ أول مَا يخرج من بَدْو الحُبْلة كُعْبورٌ نَحْو بَدْو البُسْرة، فتيكَ البَرَمة، ثمَّ يَنْبت فِيهَا زَغَب بِيضٌ، هُوَ نَوْرتها، فَإِذا أَخرجت تِيكَ سُمِّيت البَلّة والفَتْلة، فَإِذا سقطن عَن طَرف العُود الَّذِي يَنْبُتن فِيهِ نَبَتت فِيهِ الخُلْبة فِي طَرف عُودهن وسَقطن.
والخُلْبة: وعاءُ الْحَب، كَأَنَّهَا وعَاء الباقلاَّء. وَلَا تكون الخُلْبة إِلَّا للسّلَم والسَّمُر، وفيهَا الحبّ، وهنّ عِراض كأنهن نِصال ثَمَر الطلح، فَإِن وعَاء ثَمَرَته للغُلْف، وَهِي سنفة عِرَاض.

(بَاب اللَّام وَالْمِيم)
ل م
لم، مل.
لم: اللّيث: اللَّمّ: الْجَمع الكثيرُ الشَّدِيد.
تَقول: كَتِيبَة مَلْمُومة، وحَجر مَلْمُوم، وطِين مَلْمُوم؛ وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
مَلْمُومة لمًّا كَظَهْر الجُنْبُلِ
وصَف هَامة جَمل.
قَالَ: والآكل يَلُمّ الثّريد فَيَجْعَلهُ لُقَماً.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً} (الْفجْر: 19) أَي أكلا شَدِيداً.
وَقَالَ الزّجّاج: أَي تَأْكُلُونَ تراث اليتَامَى لمّاً، أَي تُلمّون بِجَمِيعِهِ.
قَالَ الْفراء: لمّاً، أَي شَدِيدا.
ورُوي عَن الزّهري أَنه قَرَأَ: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111) ، أَي: جَمْعاً؛ لِأَن معنى اللّم: الجَمع.
تَقول: لَممت الشيءَ أَلُمّه لَمّاً، إِذا جَمعتَه.
فَأَما قَوْلهم: لمّ الله شَعثك، فتأويله: جمع

(15/247)


الله لَك مَا يُذْهِب شَعَثك.
وَأما (لمّا) مُرسلة الْألف مشدّدة الْمِيم غير مُنَوَّنة، فلهَا معانٍ فِي كَلَام الْعَرَب:
أَحدهَا: أنَّها تكون بِمَعْنى الْحِين إِذا ابتدىء بهَا، أَو كَانَت مَعطوفة بواو أَو فَاء، وأُجيبت بِفعل يكون جوابها، كَقَوْلِك: لما جَاءَ الْقَوْم قاتلناهم، أَي حِين جَاءُوا.
وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {سَوَآءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} (الْقَصَص: 23) .
وَقَوله تَعَالَى: {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ} (الصافات: 102) .
مَعْنَاهُ كُله: حِين.
وَقد يُقدّم الْجَواب عَلَيْهَا، فيُقال: استعدّ الْقَوْم لقِتَال العدوّ لما أحسّوا بهم، أَي حِين أحسّوا بهم.
وَتَكون (لما) بِمَعْنى (لم) الجازمة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ} (ص: 8) . أَي: لم يذوقوه.
وَتَكون بِمَعْنى إلاّ، تَقول: سَأَلتك لَمّا فَعلت، بِمَعْنى: إلاّ فَعلْت.
وَهِي فِي لُغة هُذيل بِمَعْنى (إِلَّا) إِذا أُجيب بهَا (إِن) الَّتِي هِيَ للجحد؛ كَقَوْل الله تَعَالَى: {) الثَّاقِبُ إِن كُلُّ} (الطارق: 4) مَعْنَاهُ: مَا كل نفس إلاّ عَلَيْهَا حَافظ.
وَمثله قولُه تَعَالَى: {لاَ يَرْجِعُونَ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (يس: 32) .
شدّدها عَاصِم، وَالْمعْنَى: مَا كُلُّ إلاّ جميعٌ لَدينا.
وَقَالَ الفَرّاء: (لما) إِذا وضعت فِي معنى إِلَّا فَكَأَنَّهَا (لَمْ) ضُمّت إِلَيْهَا (مَا) فصارا جَمِيعًا بِمَعْنى (إِن) الَّتِي تكون جحداً، فضمّوا إِلَيْهَا (لَا) فصارا جَمِيعًا حرفا وَاحِدًا وخرجا من حَدّ الْجحْد.
وَكَذَلِكَ (لمّا) .
قَالَ: وَمثل ذَلِك قولهُم: لَوْلَا، إِنَّمَا هِيَ (لَو) و (لَا) جُمعتا فَخرجت (لَو) من حدّها و (لَا) من الْجحْد، إِذا جُمعتا فصيِّرتا حَرْفاً.
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي يَقُول: لَا أَعرف وَجه (لمّا) بالتّشديد.
قلت: وممّا يدُلك على أَن (لما) يكون بِمَعْنى (إِلَّا) مَعَ (أَن) الَّتِي تكون جَحداً، قولُ الله عزّ وجلّ: {الاَْحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (ص: 14) ، وَهِي قِرَاءَة قُرّاء الأمْصار.
وَقَالَ الْفراء: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله: {الاَْحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (ص: 14) .
وَالْمعْنَى وَاحِد، والأولَى قِرَاءَة الفَرّاء.
وَقَالَ الخليلُ: (لمّا) تكون انتظاراً لشَيْء مُتَوقَّع.
وَقد تكون انْقِطَاعًا لشَيْء، قد مَضى.

(15/248)


قلت: وَهُوَ كَقَوْلِك: لمّا غَاب قُمْت.
الْكسَائي: (لما) تكون جحداً فِي مَكَان، وَتَكون انتظاراً لشَيْء متوقَّع فِي مَكَان، وَتَكون بِمَعْنى (إِلَّا) فِي مَكَان.
تَقول: بِاللَّه لمّا قُمْت عنَّا، بِمَعْنى: إلاّ قُمْت عنَّا.
وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111) . فَإِنَّهُ قُرئت مخفّفة ومُشدَّدة.
فَمن خَففها جَعل (مَا) صلَة، الْمَعْنى: وَإِن كُلاًّ ليوفينّهم ربّك أعمالَهم.
وَاللَّام فِي (لما) لَام (أَن) و (مَا) زَائِدَة مُؤَكدَة، لم تُغَيِّرالمعنى وَلَا العَمل.
وَقَالَ الْفراء فِي (لما) هَا هُنَا بِالتَّخْفِيفِ قولا آخر، جعل (مَا) اسْما للنَّاس، كَمَا جَازَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاء: 3) . وَالْمعْنَى: من طَابَ لكم. وَالْمعْنَى: وَإِن كلاّ لما، أَي لمن ليوفِّينهم.
وأمّا اللَّام الَّتِي فِي قَوْله: (ليوفِّينهم) فَإِنَّهَا لامٌ دَخَلت على نِيَّة يَمينٍ فِيمَا بَين (مَا) وَبَين صلتها، كَمَا تَقول:
هَذَا مَن لَيَذْهَبنّ، وَعِنْدِي مَن لَغَيْرُه خَيْرٌ مِنْهُ.
وَمثله قَوْله عز وَجل: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} (النِّسَاء: 72) .
وَأما من شدّد (لمّا) فِي قَوْله: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111) .
فَإِن الزّجاج جعل (لمّا) بِمَعْنى (إلاّ) .
وَأما الْفراء فَإِنَّهُ زعم أَن مَعْنَاهُ: لمَنْ مَا، ثمَّ قُلبت النُّون ميماً، فاجْتمعت ثَلَاث ميمات، فَحُذفت إِحْدَاهُنَّ، وَهِي الْوُسْطَى، فَبَقيت (لما) .
قَالَ: وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن (من) لَا يجوز حذفهَا، لِأَنَّهَا اسمٌ على حَرْفين.
قَالَ: وَزعم الْمَازِني أَن (لمّا) أَصْلهَا (لما) خَفِيفَة ثمَّ شدِّدت الْمِيم.
قَالَ الزّجاج: وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء أَيْضا، لِأَن الْحُرُوف نَحْو (ربّ) وَمَا أَشْبهها يُخفّف، وَلَا يُثقَّل مَا كَانَ خَفِيفا، فَهَذَا منتقض.
قَالَ: وَهَذَا جَمِيع مَا قيل فِي (لمّا) مشدّدة.
وَأما (لم) فَإِنَّهُ لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل الغابر، وَهِي تجزمه، كَقَوْلِك: لم يَسْمَع.
اللَّيْث: (لم) عَزِيمَة فِعْل قد مَضى، فَلَمَّا جُعل الفِعل مَعهَا على جِهَة الفِعل الغابر جُزم، وَذَلِكَ قَوْلك: لم يَخْرج زيدٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا خَرج زيدٌ، فاستقبحوا هَذَا اللّفظ فِي الْكَلَام، فحملوا الْفِعْل على بِنَاء الغابر، فَإِذا أُعيدت (لَا) و (لَا) مَرَّتين أَو أَكثر حَسُن حِينَئِذٍ، لقَوْل الله عز وجلّ: {الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} (الْقِيَامَة: 31) أَي: لم يُصدق وَلم يُصَلِّ.

(15/249)


قَالَ: وَإِذا لم يُعِد (لَا) فَهُوَ فِي المَنطق قَبِيح، وَقد جَاءَ؛ قَالَ أُمَيّة:
إِن تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغْفر جَمّا
وأيّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمّا
أَي: لم يُلم.
وَأما (ألم) فَالْأَصْل فِيهَا (لم) أُدخل فِيهَا ألف اسْتفهام.
وَأما (لِمَ) فَإِنَّهَا (مَا) الَّتِي تكون استفهاماً وُصلت بلام.
ابْن السِّكيت: اللّمّ، مصدر: لمَمت الشَّيْء، وَهُوَ جمعك الشَّيْء وإصلاحكه.
وَمِنْه يُقَال: لَمَّ الله شَعَثك، يَلُمّه.
قَالَ: واللّمَم: الجُنون.
واللَّمم: دون الكَبِيرة من الذّنوب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ} (النَّجْم: 32) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قيل: اللَّمم: نَحْو القُبلة، والنَّظرة، وَمَا أَشْبه ذَلِك.
وَقيل، (إِلَّا اللمم) : إِلَّا أَن يكون العَبد أَلَمّ بِفَاحِشَة ثمَّ تَابَ.
قَالَ: وَيدل قولُه: {اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ} (النَّجْم: 32) على أَن اللَّمم أَن يكون الْإِنْسَان قد أَلَمّ بالمَعْصية وَلم يُصرّ عَلَيْهَا.
وَإِنَّمَا الْإِلْمَام فِي اللُّغَة يُوجب أَنَّك تَأتي فِي الْوَقْت وَلَا تُقيم على الشَّيْء، فَهَذَا معنى اللَّمَم.
قلت: وَيدل على صِحَة قَوْله قولُ الْعَرَب: أَلممْت بفلان إلماماً، وَمَا تَزُورنا إلاّ لِمَاماً.
قَالَ أَبُو عُبيد، مَعْنَاهُ: الأحيانَ على غير مُواظبة وَلَا وقتٍ مَعْلوم.
وَقَالَ الْفراء: فِي قَوْله: إِلَّا اللمم يَقُول: إِلَّا المُتقارب من الذُّنوب الصَّغيرة.
قَالَ: وسمعتُ الْعَرَب تَقول: ضَربته مَا لَمَمُ القَتل. يُريدون: ضربَا مُتقارباً للْقَتْل.
قَالَ: وَسمعت آخر يَقُول: ألمَّ يفعل كَذَا، فِي معنى: كادَ يَفعل.
قَالَ: وَذكر الْكَلْبِيّ: إِنَّهَا النَّظرة على غير تَعمُّد، فَهِيَ لَمَمٌ، وَهِي مَغْفورة، فَإِن أعَاد النّظر فَلَيْسَ بلَمَم، وَهُوَ ذَنب.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللَّمَم من الذُّنوب: مَا دون الْفَاحِشَة.
أَبُو زيد: كَانَ ذَلِك مُنذ شهر أَو لَمَمِه، ومنذ شَهرين أَو لَمَمِهما.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: رَجُلٌ مَلْمُوم ومَمْسوس، أَي بِهِ لَمَمٌ ومَسٌّ من الجُنون.
وَفِي الحَدِيث: (وإنّ مِمَّا يُنْبت الرَّبيع مَا يَقتل حَبَطاً أَو يُلِمّ) .
قَالَ: مَعْنَاهُ: يَقْرُب.
وَمِنْه الحَدِيث الآخر: (فلولا أَنه شيءٌ قَضَاهُ الله لأَلمَّ أَنْ يَذْهب بَصَرُه) .

(15/250)


يَعْنِي، لِما يرى فِيهَا، أَي لَقَرُب أَن يَذْهب بَصره.
أَبُو زيد: فِي أَرض فلَان من الشّجر المُلِمّ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ الَّذِي قَارب أَن يَحْمل.
وجَيْشٌ لَمْلَمٌ: كثيرٌ مُجْتمع.
وحَيٌّ لَمْلَمٌ، كَذَلِك؛ وَقَالَ ابْن أَحمر:
مِن دونهم إِن جِئْتهم سَمَراً
حيٌّ حِلاَلٌ لَمْلَمٌ عَسْكَرُ
ويَلَمْلَم، وأَلَمْلَم: مِيقات أهل الْيمن للإِحرام بِالْحَجِّ، موضعٌ بِعَيْنِه.
ورجلٌ مِلَمٌ مِعَمٌّ، إِذا كَانَ يُصلح النَّاس ويَعُمّهم معروفُه.
اللَّيْث: الإلْمام: الزّيارة غِبّاً.
والفِعل: أَلْممت بِهِ، وَعَلِيهِ.
قَالَ: والمُلِمّة: النَّازِلَة الشَّدِيدَة، من شَدَائِد الدَّهر.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عَوّذ ابْنَيه من كُلّ عين لاَمَّة.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ: لامّة وَلم يقل مُلِمة، وَأَصلهَا من: أَلممْت بالشَّيْء، تأَتيه وتُلم بِهِ، لِأَنَّهُ لم يُرَد طَرِيق الْفِعْل، وَلَكِن يُراد أَنَّهَا ذَات لَمَم، فَقيل على هَذَا: لامّة؛ كَمَا قَالَ النَّابِغَة:
كِليني لهمَ يَا أُمَيْمة ناصِب
أَرَادَ: لهمَ ذِي نَصب، وَلَو أَرَادَ الْفِعْل لقَالَ: مُنْصب.
قَالَ اللَّيْث: هِيَ الْعين الَّتِي تُصيب الْإِنْسَان.
وَلَا يَقُولُونَ: لَمَّته الْعين، وَلَكِن حُمل على النَّسب بِذِي وَذَات.
قَالَ: وحَجَرٌ مُلَمْلَمٌ: مُسْتَدير.
قَالَ: واللِّمّة: شَعر الرَّأْس إِذا كَانَ فَوق الوَفْرة.
قَالَ: ولِمَّة الوَتِد: مَا تشعَّث من رَأسه المَوْتُود بالفِهْر.
شمر، عَن ابْن شُمَيْل: نَاقَة مُلَمْلَمة، وَهِي المُدارة الغليظة الْكَثِيرَة اللَّحْم المُعتدلة الخَلق.
الْأَصْمَعِي: رجُل مُلَمْلَمٌ: مَجموعٌ بعضُه إِلَى بعض.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِلَمُّ من الرِّجَال: الَّذِي جَمع بَين أَهل بَيته يَلُمّهم.
ولَمّ الله شَعَثك، أَي قَارب بَين شَتيت أَمرك؛ قَالَ رؤبة:
فابْسُط علينا كَنَفَي مِلَمِّ
أَي مُجمِّع لشَملنا، أَي يَلُمّ أَمْرنا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عدنان: اللَّمَمُ: طَرَفٌ من الجُنون يُلِمّ بالإنسان، وَهَكَذَا كُل مَا أَلَمّ بالإنسان طرفٌ مِنْهُ؛ وَقَالَ عُجير السَّلُولِيّ:
وخالَط مِثل اللَّحْم واحْتَلّ قَيْده
بِحَيْثُ تَلاقَى عامِرٌ وسَلُولُ
وإِذا قيل: بفلانٍ لَمّة، فَمَعْنَاه: أَن الْجِنّ

(15/251)


تلمّ بِهِ الأحيانَ.
وَفِي الحَدِيث: إِن امْرَأَة شكت إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَماً بابنتها.
قَالَ: وَقَوله: للشَّيْطَان لَمّة، أَي دُنُوٌّ، وَكَذَا للمَلِك لَمّة.
ابْن شُميل: لُمّة الرَّجُل: أصحابُه، إِذا أَرَادَ سَفَراً فَأصَاب من يَصْحَبهُ فقد أصَاب لُمّةً. وَالْوَاحد: لُمّة. وَالْجَمَاعَة: لمّة.
وكل من لَقِي فِي سَفَره مِمَّن يُؤنسه أَو يُرْفده: لُمّة.
وأمّا لُمَةُ الرَّجُل: مِثْلُه، فَهُوَ مُخَفّف.
وَقَالَ الزّجاج: (لما) جوابٌ لقَوْل الْقَائِل: قد فعل فلانٌ، فجوابُه: لمّا يَفْعل.
وَإِذا قَالَ: فعل، فجوابُه: لم يَفْعل.
وَإِذا قَالَ: لقد فعل، فَجَوَابه: مَا فعل، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله لقد فَعل، فَقَالَ المُجيب: وَالله مَا فَعل.
وإِذا قَالَ: هُوَ يَفعل، يُرِيد مَا يَسْتقبل، فَجَوَابه: لن يَفعل، وَلَا يَفْعل.
وَهَذَا من كَلَام سِيبَوَيْهٍ.
مل: قَالَ اللّيث: المَلَّة: الرمَاد، والجَمْر.
يُقَال: مَلَلْتُ الخُبْزَةَ فِي المَلَّة.
فَهِيَ مَمْلُولة.
وَكَذَلِكَ: كُلّ مَشْويّ فِي المَلَّة من قَرِيس وغَيْره.
وطريقٌ مُمَلّ: قد سُلِك حَتَّى صَار مُعْلَماً؛ وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
رَفَعْناها ذَمِيلاً فِي
مُمَلَ مُعْمَلٍ لَحْبِ
قَالَ: والمَلَل: المَلال، وَهُوَ أَن تَمَلّ شَيْئا وتُعرِض عَنهُ.
ورَجُلٌ مَلُولة؛ وأَنْشد:
وأُقْسم مَا بِي من حَفاءٍ وَلَا مَلَل
وَقد يُقال: مَلِلْتُه مَلاَلةً.
ورَجُلٌ مَلَّة، إِذا كَانَ يَملّ إخوانَه سَرِيعا.
ومَلَل: اسمُ مَوضِع فِي طَرِيق مَكَّة، بَين الحَرَمَيْن.
والمُلْمُول: المِكْحال.
أَبُو حَاتِم: هُوَ المُلْمُول الَّذِي يُكحل بِهِ وتُسْبَر بِهِ الجِراح.
وَلَا يُقَال: المِيل، إِنَّمَا الْميل: القِطعة من الأَرْض.
وَقَول الله تَعَالَى: {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (الْبَقَرَة: 120) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: المِلّةَ، فِي اللُّغَة: سُنّتهم وطريقتهم.
وَمن هَذَا أَخذ (المَلَّة) ، أَي الْموضع الَّذِي يُخْتبز فِيهِ، لِأَنَّهُ يؤثّر فِي مَكَانهَا كَمَا يؤثَّر فِي الطَّريق.
قَالَ: وَكَلَام الْعَرَب إِذا اتّفق لَفظه فأكثره مشتقٌّ بعضُه من بعض.
قلت: وَمِمَّا يُؤَيّد قولَه قولُهم: طَرِيق

(15/252)


مُمَلٌّ، مَسْلوك مَعلوم.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم: المِلّة: الدِّية.
والمِلَل: الدِّيات؛ وأَنْشد:
غنائِم الفِتْيان فِي يَوْم الوَهَل
ومِن عَطايا الرُّؤَساء فِي المِلَل
وَفِي حَدِيث عُمر: لَيْسَ على عربيّ مِلَل، ولَسْنا بنازِعين من يَد رَجُلٍ شَيْئا أَسْلَم عَلَيْهِ، ولكنّا نُقوِّمهم المِلَّة على آبَائِهِم خمْسا من الْإِبِل.
قلت: أَرَادَ نقوّمهم كَمَا تُقوم أَرْش الدّيات ونَذَر الْجراح، وَجعل لكل رَأس مِنْهُم خمْسا من الْإِبِل تضمنها عَشَائِرهمْ، أَو يضمنونها للَّذين مَلَكوهم.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَلَّ يَمِلّ، إِذا أَخذ المِلّة، وَهِي الدِّية.
ومَلّ يَمُلّ المَلَّة، إِذا خَبز؛ وأَنْشد:
جَاءَت بِهِ مُرَمَّداً مَا مُلاّ
مَا فِيّ آلُ خَمَّ حِين أَلَّى
قَالَ: مَا مُلاَّ، (مَا) جَحْد. وَمَا فِي،، (مَا) صلَة. والآل: شخصه. وخَم: تَغَيَّرت ريحُه. وأَلّى: أَبطأ. ومُلّ، أَي أنضج.
الْأَصْمَعِي: مرّ فلَان يَمْتَلّ امتِلالاً، إِذا مَرّ مَرّاً سَريعاً.
ومَلّ ثوبَه يَمُلّه، إِذا خاطه الْخياطَة الأولى قبل الكفّ.
وَيُقَال: هَذَا خُبز مَلّة.
وَلَا يُقال للخُبز: مَلّة، إِنَّمَا المَلّة: الرَّماد الحارّ.
والخُبْز يُسَمَّى: المَلِيل، والمَمْلُول؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد لجرير:
تُرَى التَّيْمِيّ يَزْحف كالْقَرَنْبَى
إِلَى تَيْمِيّةٍ كَعَصَا المَلِيل
ويُقال: بِهِ مَلِيلة ومُلاَل، وَذَلِكَ حرارة يجدهَا، وَأَصله من المَلّة.
وَمِنْه قيل: فلانٌ يَتَمَلْمَل على فِراشه.
أَبُو زيد: أمَلّ فلانٌ على فلانٍ، إِذا شَقّ عَلَيْهِ وأَكثر فِي الطَّلب.
يُقَال: أَمْلَلت عليّ؛ وَقَالَ ابْن مُقبل الإياديّ:
أَلا يَا دِيَارَ الحيّ بالسَّبُعان
أملّ عَلَيْهَا بالبِلاَ المَلَوَانِ
قَالَ شَمر: أَلْقى عَلَيْهَا.
وَقَالَ غَيره: ألَحّ عَلَيْهَا حَتَّى أثّر فِيهَا.
وبَعِيرٌ مُمَلٌّ: أَكثر رُكُوبه حَتَّى أَدبر ظَهره؛ وَقَالَ العجّاج:
تَشْكو الوَجَى من أَظْلَل وأَظلَل
من طُول إمْلاَل وظَهْر مُمْلَل
أَرَادَ: تَشكو نَاقَته وَجَى أَظَلَّيْها، وهما باطِنا مَنْسِمَيها، وتشكو ظهرَها الَّذِي أَمَلّه الرّكُوب، أَي أَدبره وحَسر وَبره.

(15/253)


وَقَالَ الفَرّاء: أمللت عَلَيْهِ، لُغَة أهل الْحجاز وَبني أَسَد.
وأَمْلَيْت، لُغَة تَمِيم وقَيْس.
ويُقال: أمَلّ عَلَيْهِ شَيْئا يَكْتُبهُ، وأَمَلى عَلَيْهِ، وَنزل القُرآن باللُّغتين، قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} (الْبَقَرَة: 282) .
وَقَالَ: {تُمْلَى عَلَيْهِ} (الْفرْقَان: 5) .
وَقَالَ اللَّيْث: بعيرٌ مُلامِلٌ، أَي سَريع.
وَقَالَ فِي قَوْله:
كَأَنَّهُ فِي مِلّة مَملول
المَملول: من المِلة أَرَادَ كَأَنَّهُ مِثَال مُمَثَّل مِمَّا يعبد فِي مِلَل المُشْركين.
غَيره: نَاقَة مَلْمَلى، على فَعْلَلى، إِذا كَانَت سريعة؛ وأَنْشد:
يَا ناقَتا مَا لَكِ تَدْأَلَينا
ألم تَكُونِي مَلْمَلَى دَفُونَا
ابْن بُزُرْجَ: إِنَّه لمالُولة، ومَلُولة.
أَبُو عُبيد: رجل مَلُولة من المَلاَلة.
وَقَول الشَّاعِر:
على صَرْماء فِيهَا أَصْرَماها
وخِرِّيتُ الفَلاة بهَا مَلِيلُ
أَي نضجته الشَّمس ولَوّحته فَكَأَنَّهُ مَمْلول فِي المَلّة.
الْأَصْمَعِي: مَلّ يَمُلّ مَلاًّ، مَرْ مَرّاً سَرِيعا.
أَبُو تُراب، عَن مُصعب: امْتَلّ واسْتلّ، وانْمَلّ وانْسَلّ، بِمَعْنى وَاحِد.
شَمر: إِذا نبا بالرَّجُل مَضجعه من غَمَ أَو وَصب، فقد تَمَلْمَل، وَهُوَ تقلبه على فرَاشه.
قَالَ: وتململُه وَهُوَ جَالس، أَن يتَوَكَّأ مَرَّة على ذَا الشِّقّ، وَمرَّة على ذَا، ويجثو على رُكْبَتيه.
وَأَتَاهُ خَبَرٌ فمَلْمَلَه.
والحِرباء تَتَمَلْمَل من الحرّ، تصعد رَأس الشَّجرة مرّة، وتبطن فِيهَا مرّة. وَتظهر فِيهَا أُخرى.

(15/254)


أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف اللَّام

(أَبْوَاب اللَّام وَالنُّون)
ل ن ف
نفل، فنل، فَلَنْ.
فَلَنْ: قَالَ اللَّيثُ: قَالَ الخَليل: (فلَان) ، تَقْدِيره فُعَال.
وتَصغيره: فُلَيْن.
قَالَ: وبعضٌ يَقُول: هُوَ فِي الأَصْل فُعلان، حُذفت مِنْهُ وَاو.
قَالَ: وتصغيره على هَذَا القَوْل فُلَيَّان وكالإنسان حُذفت مِنْهُ الْيَاء، أَصله: إنسيان، وتصغيره: أُنَيْسان.
قَالَ: وحجتهم فِي قَوْلهم: فُل بن فُل، كَقَوْلِهِم: هَيُّ بن بيّ، وهيَّان بن بَيّان.
وَفُلَان وفلانة، كِنَايَة عَن أَسمَاء الْآدَمِيّين.
قَالَ: وَإِذا سُمّي بِهِ الْإِنْسَان لم تَحْسن فِيهِ الْألف وَاللَّام.
يُقَال: هَذَا فلَان آخر، لِأَنَّهُ لَا نكرَة لَهُ.
ولكنّ الْعَرَب إِذا سَمُّوا بِهِ الإبلَ قَالُوا: هَذَا الفُلان، وَهَذِه الفُلانة.
فَإِذا نَسبت قلت: فلانٌ الفُلانيّ، لِأَن كل اسْم يُنسب إِلَيْهِ فَإِن الْيَاء تلْحقهُ تُصيِّره نكرَة، وبالألف وَاللَّام يصير معرفَة فِي كل شَيْء.
ابْن السّكيت: تَقول: لقِيت فلَانا، إِذا كنَّيت عَن الآدميّين قُلته بِغَيْر ألف وَلَام، وَإِذا كَنَّيت عَن الْبَهَائِم قُلْته بِالْألف وَاللَّام، تَقول: حلبتُ الفُلانة، وَركبت الفُلانة؛ وَأنْشد فِي تَرْخيم فلَان:
وَهُوَ إِذا قيل لَهُ وَيْهاً فُلُ
فإنّه أحْج بِهِ أَن يَنْكَلُ
وَهُوَ إِذا قيل لَهُ وَيْها كُلُ
فإِنه مُواشَكٌ مُسْتَعْجِلُ
أَبُو تُراب، عَن الْأَصْمَعِي، يُقال: قُم يَا فل، وَيَا فُلاه.
فَمن قَالَ: يَا فُل فَمضى فَرفع بِغَيْر تَنْوِين، فَقَالَ: قُم يَا فُل؛ وَقَالَ الكُمَيت:
يُقال لمثلي وَيْهاً فُلُ
ومَن قَالَ: يَا فلاه فَسكت أَثبت الْهَاء، فَقَالَ: قُل ذَلِك يَا فُلاه، وَإِذا مَضى قَالَ: يَا فُلا قُلْ ذَلِك، فَطَرح ونَصَب.
وَقَالَ المبرّد: قَوْلهم: يَا فُل لَيْسَ بتَرخيم، ولكنّها على حِدة.
نفل: قَالَ اللَّيث: النَّفَل: الغُنْم.
وَجمعه: الأَنفال.

(15/255)


ونَفَّلْتُ فلَانا: أَعْطَيْته نَفْلاً وغُنْماً.
وَالْإِمَام يُنَفِّل الجُنْدَ، إِذا جَعل لَهُم مَا غَنِموا.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} (الْأَنْفَال: 1) الْآيَة.
قَالَ: الْأَنْفَال: الغَنائِم.
وَاحِدهَا: نَفَل.
وَإِنَّمَا سأَلوا عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت حَرَامًا على من كَانَ قَبْلهم، فأَحَلّها الله لَهم.
وَقيل أَيْضاً: إِنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفِّل فِي السَّرايا، فكرهوا ذَلِك.
وتأويله: { (كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَِّرِهُونَ} (الْأَنْفَال: 5) ، كَذَلِك تُنَفّل مَن رأيتَ وَإِن كَرِهُوا.
وَكَانَ النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَعل لكل مَن أَتَى بأسير شَيْئا؛ فَقَالَ بعضُ أَصحابه: يَبْقى آخِرُ النَّاس بِغَيْر شَيْء.
قلت: وجماع مَعنى النَّفل والنافلة: مَا كَانَ زِيَادَة على الأَصل، سُمِّيت الغَنائم أَنفالاً، لأنّ الْمُسلمين فُضِّلُوا على سَائِر الأُمم الَّذين لم تَحِلّ لَهُم الغَناثم.
وسُمّيت صَلَاة التطوُّع: نَافِلَة، لِأَنَّهَا زِيَادَة أَجْر لَهُم على مَا كُتب من ثَواب مَا فُرض عَلَيْهِم.
ونَفَّل النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّرايا فِي الْبَدأة الرُّبع، وَفِي القَفَلة الثُّلث، تَفضيلاً لَهُم على غَيرهم من أهل الْعَسْكَر بِمَا عانَوْا من أَمر العدوّ، وقاسَوْه من الدُّؤوب والتّعب، وباشروه من القِتال والخَوْف.
قَالَ الله عزَّ وَجل لِنَبِيّه: {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} الْآيَة (الْإِسْرَاء: 79) .
قَالَ الفَرّاء: معنى قَوْله: نَافِلَة لَك: لَيست لأحدِنا نَافِلَة إلاّ للنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد غُفر لَهُ مَا تَقدّم من دَنبه وَمَا تَأَخّر، فعملُه نَافِلَة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هَذِه نافلةٌ زِيَادَة للنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة لَيست لأحد؛ لِأَن الله أمره أَن يزْدَاد فِي عِبَادَته على مَا أمَرَ بِهِ الخلْق أَجْمَعِينَ، لأنّه فضَّله عَلَيْهِم، ثمَّ وعده أَن يَبعثه مقَاما مَحْمُودًا؛ وصَحَّ أَنه الشَّفَاعَة.
وَالْعرب تَقول فِي ليَالِي الشَّهر: ثَلاث غُرَر. وَذَلِكَ أوّل مَا يَهل الْهلَال سُمِّين: غُرَراً، لِأَن بَياضها قَليل كغُرة الفَرس، وَهِي أقل مَا فِيهِ من بَيَاض وَجْهه.
ويُقال لثلاثٍ بعد الغُرور: نُفَل؛ لِأَن الغُرر كَانَت الأَصْل، وَصَارَت زِيَادَة النُّفل زِيَادَة على الأَصْل.
وكل عطيّة تَبرّعَ بهَا مُعطيها من صَدقة، فَهِيَ نافِلة.
والنافلة: ولدُ الْوَلَد، لِأَن الأَصْل كَانَ الْوَلَد، فَصَارَ ولَدَ الْوَلَد زِيَادَة على الأَصْل.

(15/256)


وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (الْأَنْبِيَاء: 72) . كَأَنَّهُ قَالَ: وهبنا لإِبْرَاهِيم إِسْحَاق، فَكَانَ كالفَرْض لَهُ، لِأَنَّهُ دَعَا الله بِهِ؛ ثمَّ قَالَ: وَيَعْقُوب نَافِلَة، فالنافلة ليعقوب خاصّة، لِأَنَّهُ وَلد الْوَلَد، أَي وهبناه لَهُ زِيَادَة على الفَرْض لَهُ، وَذَلِكَ أَن إِسْحَاق وُهب لَهُ بدعائه، وزِيد يَعْقُوب تَفضُّلاً، وَالله أعلم.
ويُقال للرَّجُل الْكثير النَّوافل، وَهِي العَطايا: نَوْفَل.
قَالَ: وَقَالَ شَمر مثلَه.
قَالَ: وقومٌ نَوْفلون؛ وَقَالَ الكُمَيت يمدح رجلا:
غِياثُ المَضُوع رِئابُ الصُّدو
عِ لأَمَتُك الزُّفَرُ النَّوْفَلُ
اللَّيْث: النَّوْفل: السَّيد من الرِّجال.
ويُقال لبَعض أَوْلَاد السِّباع: نَوْفَل.
أَبُو عُبيد النَّوفل: العَطِيّة، تُشَبّه بالبَحْر؛ وَأنْشد لأعْشى باهلة:
يأبَى الظُّلاَمة مِنه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ
عَمْرو، عَن أَبِيه، هُوَ: اليَمّ، والقَلْمس، والنَّوْفل، والمُهْرُقان، والدَّأْماء، وخُضَارة، والأَخْضر، والعُلَيم، والخَسِيف.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: النَّفل: الغَنائم، والنَّفل: الهِبَة، والنَّفل: التَّطوّع، والنَّفل: نَبْتٌ مَعْروف، وانْتَفل الرَّجُل، إِذا اعْتَذَر.
أَبُو عُبيد، وَابْن شُمَيْل: انْتَفَلْت مِنْهُ وأنْتَفيت مِنْهُ، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: قَالَ لي فلانٌ قولا فانْتفلت مِنْهُ، أَي أنْكرت أَن أَكون فَعَلْته؛ وأَنشد:
أمُنْتَفِلاً مِن نَصْر بُهَثَة دائباً
وتَنْفلُني مِن آلِ زَيْدٍ فبِئسَما
ابْن السِّكيت: تَنَفَّل فلانٌ على أَصْحَابه، إِذا أَخذ أَكثر ممّا أخذُوا عِنْد الغَنيمة.
أَبُو سَعيد: نفّلتُ فلَانا على فلَان، أَي فَضَّلته.
ونَفَّلت عَن فلانٍ مَا قيل فِيهِ تَنْفِيلاً، إِذا نَضَحْت عَنهُ ودَفَعْته.
والنَّوفليّة: شَيْء تَتَّخذه نسَاء الْأَعْرَاب من صُوف يكون فِي غِلَظٍ أقلّ من الساعد، ثمَّ يُحْشَى، ويُعطف فتضعه الْمَرْأَة على رَأسهَا، ثمَّ تَختمر عَلَيْهِ؛ وَمِنْه قولُ جِيران العَود:
ألاّ لَا تُغرّن امْرَءًا نَوْفليّة
على الرَّأْس بَعْدِي والتّرائِبُ وُضَّحُ
وَلَا فاحِمٌ يُسْقَى الدِّهان كأنَّه
أساوِدُ يَزْهاها مَعَ اللَّيل أَبْطَحُ
اللَّيْث: النَّوفلة: المَمْلحة.
وَلَا أَعرفه.
فنل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقال لِرقبة

(15/257)


الفِيل: الفِنْئِل.
سَلمة، عَن الفرّاء، الفِنْئل، بِالْهَمْز: المَرأة القَصِيرة.
ل ن ب
لبن، نبل.
نبل: اللّيثُ: النُّبْل، فِي الْفضل، والفَضِيلة.
وأمّا النَّبَالة، فَهِيَ أعَمّ، تَجْري مَجْرى النُّبل، وَتَكون مصدرا للشَّيْء النَّبِيل الجَسيم؛ وأَنْشد:
كَعْثَبُهَا نَبِيلُ
قَالَ: وَهُوَ يَعيبها بِهَذَا.
والنَّبَلُ، فِي معنى جمَاعَة النَّبِيل، كَمَا أَن الأَدَم جمَاعَة الأدِيم.
وَفِي بَعض القَوْل: رَجُلٌ نَبْلٌ، وَامْرَأَة نَبْلة، وَقوم نِبَال.
وَفِي المَعنى الأوّل: قوم نُبلاء.
قَالَ: والنَّبْل: اسْم للسهام العربيّة. وصاحبُها: نابل. وحرفته: النِّبَالة. وَهُوَ أَيْضا: نَبّال.
وَإِذا رَجعوا إِلَى واحده قَالُوا: سَهْم.
قَالَ: ونبلت فلَانا بكُسوة أَو طَعَام، أَنْبُله نَبْلاً، إِذا ناولتَه شَيْئا بعد شَيْء؛ وأَنشد:
لَا تَجْفُوانِي وانْبُلاني بِكِسْرة
وَفِي الحَدِيث: (اتَّقُوا الْملَاعن وأَعِدُّوا النُّبَل) .
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: أَرَاهَا هَكَذَا: يُقَال: نَبِّلْني أحجاراً للاستنجاء، أَي أَعْطِنيها. ونَبِّلْني عُرْفاً. لم يُعرف مِنْهُ إِلَّا هَذَا.
قَالَ: وَسمعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول: النُّبَل: هِيَ حِجَارَة الاسْتِنجاء.
قَالَ أَبُو عُبيد، والمحدِّثون يَقُولُونَ: النَّبَل.
ونراها إِنَّمَا سُميت نَبَلاً لصغرها.
وَهَذَا من الأضداد فِي كَلَام الْعَرَب، يُقال للعِظام: نَبَل، وللصّغار: نَبَل.
قَالَ: وحدّثني مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن عِيسى، عَن الْقَاسِم بن مَعْن: أنّ رجلا من الْعَرَب تُوفِّي فَورثه أَخُوهُ، فعيّره رجلٌ بِأَنَّهُ فَرِح بِمَوْت أَخِيه لمّا وَرثه؛ فَقَالَ:
إِن كنت أَزنَنْتني بهَا كَذِباً
جَزْءُ فلاقَيْت مِثْلَها عَجِلاَ
أَفْرَح أَن أُرْزَأ الكِرَامَ وأنْ
أُورَثَ ذَوْداً شَصائِصا نَبَلاَ
قَالَ: والنَّبَل، فِي هَذَا الْموضع: الصِّغار الأجْسام.
فنرى أَن حِجَارَة الاسْتنجاء سُمِّيت نَبَلاً لِصِغَرها.
قَالَ أَبُو سعيد: كل مَا ناولت شَيْئا ورَميته، فَهُوَ نَبَل.
قَالَ: وَفِي هَذَا طريقٌ آخر: أَن تَقول: مَا كَانَت نُبْلتك مِنْهُ فِيمَا صَنَعْتَ؟ أَي جزاؤُك وثوابُك مِنْهُ؟

(15/258)


قَالَ: وأمّا مَا رَوى أَبُو عبيد نَبَلاً بِفَتْح النُّون فخطأ، إِنَّمَا هُوَ عندنَا: نُبَلا، بِضَم النّون.
والنُّبَل، هَا هُنَا: عوضٌ ممّا أُصِبْت بِهِ، وَهُوَ مَرْدُود إِلَى قَوْله: مَا كَانَت نُبْلتك من فلَان؟
أَبُو حَاتِم، عَن أبي عُبيدة، يُقَال: ضَبٌّ نَبَلٌ، وَهُوَ الضَّخْم.
وَقَالُوا: النَّبَل: الخَسِيس؛ وأَنْشد:
شَصائِصاً نَبَلاً
بِفَتْح النّون.
قلت: أمّا الَّذِي فِي الحَدِيث: (وَأَعدُّوا النُّبَل) ، فَهُوَ بِضَم النُّون، جمع: النُّبْلَة، وَهُوَ مَا تناولته من مَدَر أَو حَجر.
وَأما النَّبَل فقد جَاءَ بِمَعْنى: النَّبِيل الجَسيم، وَجَاء بِمَعْنى: الخَسيس.
وَمِنْه قيل للرجل الْقصير: تِنْبل، وتِنْبال؛ وَأنْشد أَبو الْهَيْثَم قَول طَرَفة:
وَهُوَ بَسْملِ المُعْضلات نَبِيلُ
فَقَالَ: وَقَالَ بعضُهم: نَبِيل، أَي عَاقل.
وَقيل: حاذق.
وَهُوَ نَبِيل الرّأي. أَي جَيِّده.
وَقيل: نَبِيل: رَفِيق بإِصلاح عِظام الأُمور.
أَبُو زيد: تقَابل فلَان وَفُلَان فَنَبله فلَان، إِذا تنافَرا أيّهما أَنْبَل، من النُّبْل، وَأيهمَا أَصْدق عَملاً.
وَمِنْه قَوْله:
تَرَّصَ أَفواقها وقَوَّمها
أَنْبَلُ عَدْوان كُلِّها صَنَعا
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، وسَلَمة، عَن الفَرّاء: انْتَبل، إِذا مَاتَ، أَو قُتِل.
والنّبِيلة: الجِيفة.
وتَنَبّل البَعِير: مَاتَ.
ابْن الْأَعرَابِي: النُّبْلة: اللُّقْمة الصّغيرة، وَهِي المَدَرَة الصَّغِيرَة، وَمِنْه قَوْله: (وأَعِدُّوا النُّبَل) .
ابْن السِّكيت: نَبَلْت الإبلَ، أَنْبُلها نَبْلاً، إِذا سُقْتها سوقاً شَدِيداً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي الْوَلِيد الْأَعرَابِي وَالْفراء: النَّبْل: السَّير السّريع الشَّديد؛ وأَنشد:
لَا تَأْوِيا للْعِيس وانْبُلاها
لَبِئْسما بُطْءٌ وَلَا تَرْعَاهَا
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّبْل: حُسن السَّوْق.
ابْن السِّكيت: أنْبلْتُه سَهْما: أعْطيته، ونَبَلْته بالنَّبل أَنْبُله، إِذا رَمَيته بالنَّبْل.
وَفُلَان نابِلٌ، أَي حاذق بِمَا يُمارسه من عمل؛ وَمِنْه قولُ أبي ذُؤيب:
تَدلَّى عَلَيْهَا بالحِبال مُوَثَّقاً
شديدَ الوَصاة نابِلٌ وَابْن نابِلِ
شَمِر: تَنَبَّلت مَا عِنْدِي: ذهبتُ بِمَا عِندي.

(15/259)


قَالَ: ونَبَلْت: حَمَلْت.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أصابتني خُطوب تَنَبَّلت مَا عِنْدِي؛ وَقَالَ أَوْس بن حَجر:
لمّا رَأَيْت العُدْمَ قَيَّد نائِلي
وأَمْلَق مَا عِندي خُطوبٌ تَنَبَّلُ
وَقَالَ: نابلني فلانٌ فَنَبلْته، أَي كنت أَجْودَ مِنْهُ نَبْلاً.
وفلانٌ أنْبل النَّاس، أَي أَعْلمهم بالنَّبْل.
أَبُو زيد: انْبُل بقومك، أَي ارْفُق؛ وَقَالَ الهُذليّ:
فانْبُل بقومك إمّا كنت حاشِرَهم
وكُلُّ جامعِ مَحْشُورٍ لَهُ نَبَلُ
قَالَ: والنَّبْل، فِي الحِذْق.
والنَّبالة والنُّبْل، فِي الرِّجال.
وَيُقَال: ثَمَرَة نَبِيلة.
وقِدحٌ نَبِيل.
ويُقال: نَبِّلْني، أَي هَبْ لي نِبَالاً.
ابْن السِّكيت: يُقال: أَتَانِي فلانٌ فَمَا انْتَبَلْت نَبْله ونُبْلَه ونَبَالَه إلاّ بأخِرة.
يُقَال ذَلِك للرّجُل يَغْفُل عَن الأمْر فِي وقته ثمَّ يَنْتبه لَهُ بعد إدْباره.
غَيره: النابِل: الَّذِي يَرْمي بالنَّبْل؛ وأَنْشد:
تَطْعَنهم سُلْكَى ومَخْلوجةً
لَفْتَك لأَميْنِ على نَابِلِ
وَقيل: النابِل: هَا هُنَا: الَّذِي يُسوِّي النَّبْل.
ابْن السِّكيت: رجلٌ نابِل، إِذا كَانَ مَعه نَبْلٌ.
ونَبَّال، مثله.
فإِذا كَانَ يَعملها قُلْتَ: نابل.
واسْتَنْبَلني فلانٌ فأَنْبَلته، أَي أَعْطَيته نَبْلاً.
لبن: ابْن السِّكيت: يُقال: هُوَ أخُوه بِلبان أُمه، بِكَسْر اللَّام؛ وَلَا تَقل: بلَبن أُمه، إِنَّمَا اللّبن الَّذِي يُشرب من الْبَهَائِم؛ وَأنْشد لأبي الْأسود:
فإِنْ لَا يَكُنْها أَو تَكُنْه فإنَّه
أَخُوهَا غَذَتْه أُمُّه بِلِبانِها
قَالَ: ويُقال: هَؤُلَاءِ قومٌ مُلْبِنون، إِذا كَثُر لَبَنُهم.
وَيُقَال: نَحن نَلْبُن جيرانَنا، أَي نَسْقيهم اللَّبَن.
وقومٌ مَلْبونُون، إِذا ظهر مِنْهُم سَفهٌ وجَهل وخيلاء، يُصيبهم من أَلبان الْإِبِل مَا يُصيب أَصحابَ النَّبيذ.
وَيُقَال: جَاءَ فلَان يَسْتَلبن، أَي يَطلب لَبَناً لعِياله ولضِيفانه.
أَبُو عُبيد، عَن اليزيدي: يُقال للشاة إِذا صَارَت ذَات لَبن: شَاة لَبِنة، ولَبُون، ومُلْبِن.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: يُقَال كم لُبْنُ شَاتك؟ أَي كم مِنْهَا ذاتُ لَبن؟

(15/260)


أَبُو زيد: اللَّبُون من الشَّاء، ذاتُ اللَّبن، غريرة كَانَت أَو بَكِيئة.
وَجَمعهَا: لِبَانٌ ولُبْنٌ.
فَإِذا قَصدوا قَصْد الغزيرة قَالُوا: لَبِنَة.
وَجَمعهَا: لَبِنٌ ولِبَان.
وَقد لَبِنَت لَبْناً.
شمر: يُقال: كم لُبْن شائك؟
قَالَ، وَقَالَ الْفراء: شَاة لَبِنة؛ وغَنم لِبانٌ، ولِبْنٌ ولُبْنٌ.
قَالَ: وَزعم يُونُس أَنه جَمع.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: إِنَّمَا سَمِعت لِبْن.
وشاءٌ لِبْن، بِمَنْزِلَة لُبْن؛ وأَنشد:
رَأَيْتُك تَبْتاع الحِيال بلُبْنها
وتأوي بَطِيناً وَابْن عَمّك ساغِبُ
قَالَ: واللُّبْن: جمع اللَّبُون.
اللّيث: اللَّبن خلاص الجَسد، ومُسْتخلصه من بَين الفَرْث والدَّم، وَهُوَ كالعرق يَجرِي فِي العُروق.
وَإِذا أَرَادوا طَائِفَة قَليلَة من اللّبن، قَالُوا: لَبَنَة.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (إنّ خَدِيجَة بَكت، فَقَالَ لَهَا النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُبْكيك؟ فَقَالَت: دَرَّت لَبنة الْقَاسِم، فذكرتْهُ. فَقَالَ لَهَا: أما تَرْضَين أَن تَكْفُله سارّة فِي الْجنَّة؟ قَالَت: لَودِدْتُ أنّي علمتُ ذَلِك؟ فغَضب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَدّ إصْبَعه فَقَالَ: إِن شِئْت دَعَوْت الله أَن يُريك ذَاك. فَقَالَت: بلَى أصَدِّق الله ورسولَه) .
قَالَ: وناقة لَبُون، ومُلْبِن.
وَقد أَلْبَنْت، إِذا نَزل لَبنُها فِي ضَرعها.
وَإِذا كَانَت ذَات لَبن فِي كل أحايينها، فَهِيَ لَبُون.
وولدُها فِي تِلْكَ الْحَال: ابْن لَبُون.
الْأَصْمَعِي وَغَيره: يُقال لولد النَّاقة إِذا اسْتكْمل سنتَيْن وطعَن فِي الثَّالِثَة: ابْن لَبُون.
والأُنثى: بِنْت لَبُون.
اللّيث: اللّبْنى، شَجَرَة لَهَا لَبن كالعَسل، يُقَال لَهُ: عَسَل لُبْنَى.
واللُّبان: الكُنْدُر.
واللّبانة: الْحَاجة، لَا مِن فاقةٍ بل من هِمّة.
يُقَال: قَضى فلانٌ لُبانته.
قَالَ: ولُبَيْنى: اسْم ابْنة إِبْلِيس.
واللَّبان: الصَّدْر.
واللّبِنة: وَاحِدَة اللَّبن.
واللبْن: لُغَة، وَهُوَ المَضْروب من الطِّين مُرَبَّعاً.
والمِلْبن: الَّذِي يُضْرب بِهِ.
والمِلْبن أَيْضا: شِبه المِحْمل يُنْقل فِيهِ اللَّبِن وَنَحْوه.
والتَّلْبين: فِعْلك حِين تضربه.

(15/261)


وكُل شَيْء رَبّعته، فقد لَبّنته؛ وأَنْشد شَمِر:
لَا يحمل المِلْبن إِلَّا المَلْبون
قَالَ: المِلْبن: المِحْمَل. والمَلْبون: الجَمل السَّمين الْكثير اللَّحم.
ثَعْلَب: المِلْبن: المِحمل، وَهُوَ مُطوّل مُرَبّع. وَكَانَت المحامِل مُربَّعة فغيَّرها الحجّاج لينام فِيهَا وَيتَّسع، وَكَانَت الْعَرَب تُسمّيها: المِحْمل، والمِلْبَن، والسابل.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قَالَ رجُلٌ من الْعَرَب لآخر: لي إِلَيْك حُوَيجة. فَقَالَ: لَا أَقْضيها حَتَّى تكون لُبْنانيّة، أَي عَظِيمَة مثل لُبنان، وَهُوَ اسْم جَبل، قَالَ: ولُبْنان: فُعْلالٌ، ينْصَرف.
وتَلَبَّن: تمكّث؛ وَقَالَ رُؤبة:
فَهَل لُبَيْنى من هَوَى التَّلَبُّن
قَالَ أَبُو عَمْرو: التلبُّن، من (اللُّبانة) ؛ يُقَال: لي لُبانة أتلَبّن عَلَيْهَا، أَي أتمكّث.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: لَبّنت، وتلَدّنت، بِمَعْنى: تلبّثت، وتمكثت.
ابْن الْأَعرَابِي: اللُّبان: شَجر الصَّنوبر، فِي قَوْله:
لَهَا عُنُق كسَحُوق اللُّبَان
الأصمعيّ: التَّلْبينة: حِساء يُعْمل من دَقيق أَو من نُخالة، ويُجعل فِيهَا عَسل؛ سُمِّيت تَلْبينة تَشْبيهاً لَهَا باللّبن، لبياضها ورقّتها.
وَقَالَ الرِّياشيّ، فِي حَدِيث عَائِشَة: عَلَيْكُم بالمَشْنيئة النافعة التَّلْبين.
قَالَ: تَعْني: الحَسْو.
قَالَ: وَسَأَلت الأصمعيّ عَن المَشنيئة فَقَالَ: تَعْنِي: البَغِيضة.
ثمَّ فسر التَّلْبينة كَمَا ذَكرْنَاهُ.
أَبُو عُبيد: لَبِنَة القَمِيص: بَنيقتُه.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: اللَّبِن: الَّذِي يَشتكي عُنُقه مِن وِسادة.
ابْن السِّكيت، نحوَه.
وَقد لَبِن لَبَناً.
وَقَالَ: اللَّبْن، مصدر: لَبَنْت القَوْم أَلْبِنُهم، إِذا سقيتَهم اللّبن.
ولَبنه بالعَصا يَلْبِنه لَبْناً، إِذا ضَربه بهَا.
يُقَال: لَبَنه ثَلَاث لَبَناتٍ.
وَقد لَبنه بصَخْرة.
وَقَالَ: رجل لابِنٌ، ذُو لَبن، وتامرٌ: ذُو تَمْر.
وَفرس مَلْبون: سُقي اللَّبن؛ وأَنشد:
مَلْبونة شَدَّ المليكُ أَسْرَها
وَبَنَات اللَّبن: مِعًى فِي البَطْن مَعْروفة.
ولُبْن، اسْم جَبل؛ قَالَ الرّاعي:
كجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلاَلاَ
عَمْرو، عَن أَبِيه، اللَّبْن: الْأكل الْكثير.
واللّبْن: الضّرب الشَّديد.
ابْن الْأَعرَابِي، المِلْبنة: المِلْعَقة.

(15/262)


ل ن م
نمل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: نَمّل ثوبَك، والقُطْه، أَي ارفأه. ورَجُل نَمِل: حاذِق. وَغُلَام نَمِل، أَي عَبِث.
سَلمة، عَن الْفراء: نَمِل فِي الشَّجر يَنْمَل نَمَلاً، إِذا صَعِد فِيهَا.
شمر، وَأَبُو عبيد: نَمِل الرَّجل، وأَنْمل، إِذا نمّ؛ وأَنْشد:
وَلَا أُزعج الكَلمِ المُحْفِظَا
تِ للأَقْربين وَلَا أُنْمِل
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلّمي حَفْصَة رُقْيَة النَّمْلة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ قُروح تَخْرج فِي الجَنب وَغَيره.
قَالَ: وَأما النّملة، فَهِيَ النَّميمة.
وَرجل نَمِل، إِذا كَانَ نمّاماً.
سَلمَة، عَن الْفراء: النّملة: قُرُوح تخرج بالجَنْب. وَجَمعهَا: نَمل.
قَالَ: والنَّملة: النَّميمة. وَجَمعهَا: نَمل. والنملة: المشية المقاربة. وَجَمعهَا: نَمل.
أَبُو نصر، عَن الْأَصْمَعِي: تَقول الْمَجُوس: إِن وَلد الرجل إِذا خرجت بِهِ النملة فخطّ عَلَيْهَا ابنُه من أُخته أَو بنته برأَ؛ وأَنْشد لبَعض الْعَرَب:
وَلَا عَيب فِينَا غَيْر عِرْق لِمَعْشر
كرامٍ وأنّا لَا نَخُط على النّمْل
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وأنشدناه ابْن الْأَعرَابِي لَا نحط بِالْحَاء، وفَسره: إِنَّا كرام وَلَا نأتي بُيوت النَّمْل فِي الجدب لِنحفر على مَا جَمع لنأكله.
اللَّيْث: كتاب مُنَمّل، مَكْتُوب، هذليّة.
قَالَ، والنَّمل: الرجل الَّذِي لَا ينظر إِلَى شَيْء إِلَّا عَمِله.
قَالَ: وَجمع النّمل: نمال؛ وَقَالَ الأخطل:
دَبيبُ نِمالٍ فِي نَقاً يَتَهيّل
ورَجُلٌ نَمِل الْأَصَابِع، إِذا كَانَ كثير العَبَث.
أَو كَانَ خَفِيف الْأَصَابِع فِي العَمل.
وَفرس نَمِل القوائم، لَا يَكادَ يَستقرّ.
والأُنْمُلة: المَفْصل الْأَعْلَى الَّذِي فِيهِ الظفر من الإصبع.
ورَجُلٌ مُؤَنْمَل الْأَصَابِع، أَي غَليظ أطرافها فِي قِصر.
قَالَ: والنّأْمَلة: مَشْي المُقَيّد.
والنَّملة: مَشقّ فِي حافر الدابّة.
أَبُو عُبيد: النَّملة: شقّ فِي الْحَافِر من

(15/263)


الْأَشْعر إِلَى طرف السُّنبك.
وَنهى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النَّحلة والنَّملة.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن الحَرْبيّ: النَّمل: مَا كَانَ لَهَا قَوَائِم.
فَأَما الصّغار، فَهِيَ الذَّرّ.
قَالَ: والنّمل يسكن البراريّ والخرابات وَلَا يُؤْذي النَّاس، والذرّ يُؤْذي.
وَيُقَال نَمّلت فلَانا، أَي أَقلقته وأَعْجلته؛ وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
فإنّي وَلَا كُفْران لله آيةٌ
لِنَفسي لقد طالَبْتُ غير مُنَمَّل
أَي: غير مُرْهق وَلَا مُعْجل عمّا أُريد.

(أَبْوَاب اللَّام وَالْفَاء)
ل ف ب
مهمل.
ل ف م
فَلم، لفم.
فَلم: رُوِي عَن عِكرمة، عَن ابْن عبّاس، قَالَ: ذكر رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدّجّالَ فَقَالَ: (أَقْمر فَيْلم هِجان) .
قَالَ شَمر: الفَيْلم: العَظيم الجُثّة من الرِّجال.
وَرَأَيْت فَيْلماً من الأمْر، أَي عَظِيما.
ورَوى الخَرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بِئْر فَيْلم: واسعةُ الفَم.
ورَوى أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ: الفَيْلم: المُشْط.
والفَيلم: الجَبان.
أَبُو عُبيد: الفَيلم: الْعَظِيم، وَقَالَ البُريق الهُذليّ:
ويَحمي المُضاف إِذا مَا دَعَا
إِذا فَرّ ذُو اللِّمّة الفَيْلمُ
وَأنْشد غيرُه فِي المُشط:
كَمَا فَرَّق اللِّمّة الفَيْلمُ
لفم: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد: تَمِيم تقُول: تَلثَّمت على الفَم؛ وَغَيرهم يَقُول: تَلفَّمت.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: يُقال من اللِّفام: لَفَمْت أَلْفَم.
قَالَ: وَإِذا كَانَ على طَرف الْأنف، فَهُوَ اللِّفام.
فَإِذا كَانَ على الفَم، فَهُوَ اللِّثام.

(بَاب اللَّام وَالْبَاء مَعَ الْمِيم)
ل ب م
لبم، بلم، ملب.
لبم: أهْمَله اللّيث.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: اللَّبْمُ: اخْتِلاج الكَتِف.

(15/264)


ملب: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ، يُقالُ للزَّعْفران: الشَّعَر، والفَيْد، والمَلاَب، والعَبِير، والمَرْدَقُوش، والجِسَاد.
قَالَ: والمَلَبَة: الطَّاقة من شَعر الزَّعْفران.
وتُجمع: مَلَباً.
اللّيث: المَلاَب: نوعٌ من العِطر.
بلم: ابْن شُميل، عَن أبي الهُذيل: الإبْليم: العَنْبر؛ وأَنْشد:
وحُرَّة غيرِ مِتْفالٍ لَهَوْتُ بهَا
لَو كَانَ يَخْلُد ذُو نُعْمَى لِتَنْعِيمِ
كأنّ فَوق حَشَاياها ومَحْبَسها
صوائِرَ المِسْك مَكْبُولاً بإبْلِيم
أَي: مَخْلوطاً بالعَنْبر.
وَقَالَ بعضُهم: الإِبليم: العسَل. وَلَا أَحْفَظه.
ثَعلب، عَن ابْن الأَعرابي: البَيْلَم: القُطن.
الْأَصْمَعِي: البَيْلم: القُطن الَّذِي فِي جَوف القَصَبة.
أَبُو عُبيد، عَنهُ: إِذا وَرِم حَيَاءُ النَّاقة من الضَّبَعة قيل: قد أَبْلَمت.
أَبُو عَمْرو، مثله.
وَيُقَال: بهَا بَلَمَةٌ شَدِيدة.
الفَرّاء: المِبْلام: الَّتِي لَا تَرْغُو من شدّة الضَّبَعة.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِنَّمَا تُبلم البَكرات خاصّة دون غَيْرها.
قَالَ: وسمعتُ نُصَيْراً يَقُول: البَكْرة الَّتِي لم يَضْربها الفحلُ قطُّ، فَإِنَّهَا إِذا ضَبَعت أَبْلَمت.
فَهِيَ مُبْلِم، وَذَلِكَ أَن يَرِم حياؤُها عِنْد الضَّبَعة.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زيد: المُبْلِم: البَكرة الَّتِي لم تُنْتَج قطّ وَلم يَضْربْها فَحْلٌ.
فَذَلِك الإبلام.
فَإِذا ضَربها الفحلُ ثمَّ نَتَجُوها فإنّها تَضْبع وَلَا تُبْلِم.
وَالِاسْم: البَلَمَة.
ابْن السِّكيت: يُقال: لَا تُبلِّم عَلَيْهِ أَمْرَه، أَي لَا تُقَبِّح أَمْرَه.
مأخوذٌ من بَلَمة النَّاقة، إِذا وَرِم حياؤها من الضّبَعة.
قَالَ: وأَبْلَم الرَّجُل، إِذا وَرِمت شَفتاه.
ورأيتُ شفتَيْه مُبْلِمَتَيْن.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: الْأَمر بَيْننَا شِقّ الأَبْلمة، وَهِي الخُوصة.
ابْن السِّكيت: إبْلمة، وأَبْلَمة.
وحُكيت لي: أُبْلُمة، وَهِي الخوصة.

(15/265)


أَبْوَاب الثلاثي المعتل من حرف اللَّام

(بَاب اللَّام وَالنُّون)
ل ن (وايء)
لَان، نَالَ، وَلنْ.
لين لون لَان: اللّيث: يُقَال فِي فِعْل الشَّيْء اللَّيِّن: لانَ يَلِين لَيْناً، ولَيَاناً.
غيرُه: اللَّيَانُ: نَعْمة العَيْش، وأَنْشَد:
بَيْضَاءُ باكَرها النَّعيمُ فصاغَها
بِلَيَانَة فأَدَقَّها وأَجَلَّها
أَي: أدَقّ خَصْرها وأَجَلّ كَفَلَها، أَي وَثّره.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الهَيْثم: العربُ تَقول: هَيْن لَيْن، وهَيِّنٌ لَيِّنٌ.
قَالَ: وحدّثني عمي سُويد بن الصَّباح، عَن عُثْمَان بن زَائِد، قَالَ: قَالَت جدةُ سُفيانَ لسُفْيان:
بُنيّ إِن البِرّ شَيءٌ هَيِّنُ
الْمَفْرشُ اللَّيِّن والطُّعَيِّمُ
ومَنْطِقٌ إِذا نَطقت لَيِّنُ
قَالَ: يأْتونَ بِالْمِيم مَعَ النُّون فِي القافية.
وأَنْشده أبُو زَيد:
بُنيّ إنّ البِرّ شَيءٌ هَيْنُ
المَفْرش اللَّيّن والطُّعَيْمُ
ومَنْطق إِذا نَطَقْت لَيْنُ
وَقَالَ: قَالَ الكُمَيت:
هَيْنُون لَيْنُون فِي بُيوتهمُ
سِنْخُ التُّقَى والفَضائل الرُّتَبُ
وَقَالَ الفَراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْعِقَابِ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ} (الْحَشْر: 5) : كُل شَيْء من النَّخل سِوَى العَجْوة، فَهُوَ من اللِّين.
واحدته: لِينَة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هِيَ الأَلوان.
والواحدة: لُونة؛ فَقيل: لينَة، بِالْيَاءِ، لانكساراللاَّم.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَلْوان: الدَّقل؛ وَاحِدهَا: لَوْن.
وَقَالَ فِي قَول حُمَيد الأرقط:
حَتَّى إِذا أَغْست دُجَى الدُّجُونِ
وشُبِّه الألْوان بالتَّلْوِينِ
يُقَال: كَيفَ تَركتم النَّخيل؟ فيُقال: حِين لَوّن. وَذَلِكَ من حِين أَخذ شَيْئا من لَونه الَّذِي يَصير إِلَيْهِ. فشَبّه ألوان الظَّلام بَعد الْمغرب يكون أَولا أصفر، ثمَّ يَحْمرّ، ثمَّ يَسْوَدّ بتَلْوين البُسْر يَصْفَرّ ويحمرّ ثمَّ يَسودّ.

(15/266)


ولِينة: موضعٌ فِي بِلَاد نجد عَن يَسار المُصْعد فِي طَرِيق مكَّة بِحذَاء الهَبِير؛ ذكره زُهير فَقَالَ:
مِن مَاء لينَة لَا طَرْقاً وَلَا رَنَقا
ويلينةَ ركايا عَذْبة نُقرت فِي حَجرٍ رِخْوٍ، وماؤها عَذْب زُلال.
نيل نول: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} (التَّوْبَة: 120) .
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن بَعضهم: النَّيْل، من ذَوَات الْوَاو، صُيِّر واوُها يَاء، لأنّ أَصله نَيْوِل فَأَدْغموا الْوَاو فِي الْيَاء، فَقَالُوا: نَيِّل ثمَّ خَفَّفوا فَقَالُوا: نَيْل، وَمثله: مَيِّت، ومَيْت.
اللَّيْث: النَّيل، مَا نِلْت من مَعروف إِنْسَان.
وَكَذَلِكَ: النَّوَال.
ويُقال: أناله معروفَه، ونَوَّله، إِذا أعطَاهُ؛ وَقَالَ طرفَة:
إنْ تُنَوِّلْه فقد تَمْنَعُه
وتُرِيه النَّجْم يَجْري بالظُّهُرْ
قَالَ: والنَّوْلة: اسْم للقُبْلة.
قَالَ: والنَّال، والمَنالة، والمَنَال، مصدر: نِلْت أَنَال.
وَيُقَال: نُلْت لَهُ بِشَيْء، أَي جُدْت.
وَمَا نُلْته شَيْئا، أَي مَا أَعْطيته.
غَيره: يُقَال: نالني بالخَير يَنُولني نَوْلاً، ونَوَالاً ونَيْلاً.
وأنالَني بِخَير إنالةً.
وَقَوله جلّ وعزّ: {نَّيْلاً} (التَّوْبَة: 121) من نِلْت أَنال، لَا من: نُلْت أَنُول.
وفلانٌ ينَال من عِرض فلَان، إِذا سَبّه.
وَهُوَ يَنال مِن مَاله، ويَنال من عدوِّه، إِذا وَتره فِي مالٍ أَو شَيْء.
كل ذَلِك من: نِلْت أَنال، أَي أَصَبْت.
وَيُقَال: نالني من فلانٍ معروفٌ، ينالني، أَي وصل إليّ؛ وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الْحَج: 37) .
أَي: لن يصل إِلَيْهِ مَا يُنيلكم بِهِ ثوبا غيرُ التَّقْوى.
وَيُقَال: ناولت فلَانا شَيْئا مُناولة، إِذا عاطَيْتَه.
وتناولتُ من يَده شَيْئا: تعاطَيْتُه.
ونِلته مَعْرُوفا، ونَوَّلته.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي العبّاس فِي قَوْلهم للرَّجُل: مَا كَانَ نَوْلك أَن تَفْعل كَذَا؟
قَالَ: والنَّوْل من النَّوال، تَقول: مَا كَانَ فِعْلك هَذَا حظّاً لَك.
سَلمة، عَن الفَرّاء: يُقال: ألم يَأن لَك، وأَلم يَئِن لَك، وألم يَنِل لَك، لُغَات كلهَا.

(15/267)


أَحْسنهنّ الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن: {الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ} (الْحَدِيد: 16) .
وَيُقَال: أنَى لَك أَن تفعل كَذَا، ونال لَك، وأَنَال لَك، وآن لَك، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: المِنوال: الْخَشَبَة الَّتِي يَلُف الحائك عَلَيْهَا الثَّوْب.
وَهُوَ النَّول.
وَجمعه: أنوال.
اللَّيْث: المِنْوال: الحائك الَّذِي يَنْسُج الوسائد ونحوَها.
وأداتُه المَنصوبة تسمَّى أَيْضا: المِنْوال؛ وأَنشد:
كُمَيْتاً كَأَنَّهَا هرواةُ مِنْوال
وَقَالَ: أَرَادَ النَّسَّاج.
والنِّيل: نيلُ مصر، وَهُوَ نَهْرُه.
قلت: وَرَأَيْت فِي سَواد الْكُوفَة قَرْيَة يُقال لَهَا: النِّيل، يخترقُها خليج كَبِير يَتخلّج من الفُرات الكَبير؛ وَقَالَ لَبيد يَذكره:
مَا جاور النَّيل يَوْمًا أهلُ إِبْليلا
أَبُو عَمْرو: رجل نالٌ بِوَزْن مَال أَي جَواد.
وَهُوَ فِي الأَصْل نائل.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: المِنْوال: الحائك نَفسه، يذهب إِلَى أَنه يَنْسُج بالنَّول، وَهُوَ مَنْسج يُنْسَج بِهِ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: يُقَال: هم على مِنْوال وَاحِد، إِذا اسْتَوَت أخلاقُهم.
وَيُقَال: رَمَوْا على مِنْوَالٍ وَاحِد، إِذا احْتَتَنُوا فِي النِّضال، أَي اسْتَوَوْا.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: باحة الدَّار، ونالتُها وقاعتُها، وَاحِد؛ وَقَالَ ابْن مقْبل:
يُسْقَى بأَجْداد عادٍ هُمْلاً رَغَداً
مِثل الظِّباء الَّتِي فِي نالة الْحَرَمِ
الْأَصْمَعِي: أَي: ساحتها وباحتُها.
الكسائيّ: لقد تَنوّل علينا فلانٌ بشيءٍ يسير، أَي أَعْطَانَا.
وتَطَوَّل، مثْلُه.
أَبُو تُراب، عَن أبي مِحْجن: التنوُّل، لَا يكون إِلَّا فِي الْخَيْر؛ والتَّطوُّل، قد يكون فِي الخَير والشَّر.
وَلنْ: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: التولُّن: رفع الصِّياح عِنْد المَصائب.

(بَاب اللَّام وَالْفَاء)
ل ف (وايء)
لِيف، فَلَا، فال، لفا، ألف، ولف، أفل.
فَلَا: اللَّيْث: الفَلاةُ: المَفَازة.
وَجَمعهَا: فَلا، وفَلَوات.
قَالَ: والفَلْو: الجَحش والمُهر.
وَقد فَلَوْناه عَن أُمه: أَي فَطَمْناه.
وافْتَليناه لأَنفسنا، أَي اتخذناه؛ وَقَالَ

(15/268)


الشَّاعِر:
نَقُود جِيادَهُنّ ونَفْتَليها
وَلَا نَغْذُو التُّيوسَ وَلَا القِهَادَا
وَقَالَ الأَعشى:
مُلْمِعٍ لاعةِ الفُؤاد إِلَى جَحْ
شٍ فَلاَه عَنْهَا فبِئس الفَالِي
أَي حَال بَينهَا وَبَين وَلَدهَا.
والجميع: أَفْلاء.
قَالَ: والفِلاَية، من فَلْي الرَّأْس.
والتَّفلّى: التكلُّف.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت الحُمر كَأَنَّهَا تتحاكّ دَفَقاً فإِنها تتفالى؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
ظلَّت تفالى وظلَّ الجَوْنُ مُصْطَخِماً
كأنّه عَن سَرارِ الأَرض مَحْجُومُ
أَبُو زيد: فَلَيْت الرجل فِي عَقْله أَفْليه فَلْياً، إِذا نظرت مَا عَقْلُه.
ابْن الْأَعرَابِي: فَلَى: قَطع.
وفَلِي: انْقَطع.
أَبُو عُبيد: فلوت رأسَه بِالسَّيْفِ، وفَلَيْته، إِذا ضَربته؛ وأَنْشد:
أما تَراني رابِطَ الجَنَان
أَفْليه بالسَّيْف إِذا اسْتَفْلانِي
ابْن الْأَعرَابِي: العربُ تَقول: أَتتكم فاليةُ الأفاعي.
يُضرب مثلا لأوّل الشّر يُنْتَظر.
وَجَمعهَا: الفَوالي، وَهِي هناةٌ كالخنافس رُقْطٌ تألف العَقاربَ والحيّات.
ويُقال: فَلت فلانةُ رَأْسَه تَفْليه فِلايةً، إِذا بَحثت عَن القَمْل والخَطَا.
والنِّساء يُقال لَهُنَّ: الفاليات، والفَوالي؛ وَقَالَ عَمرو بن مَعدي كَرِب:
تَراه كالثَّغام يُعَلُّ مِسْكاً
يَسُوء الفاليات إِذا فَلَيْنِي
أَرَادَ: فَلَيْنني، بنُونين، فحذَف إِحْدَاهمَا اسْتثقالاً للْجمع بَينهمَا.
وفَلَيت الشِّعْر، إِذا تدبَّرته واستخرجْت مَعَانِيه.
وفَليت الْأَمر، إِذا تأمّلت وُجوهه ونَظرت إِلَى عَواقبه.
وَيُقَال: فلوتُ القومَ، وفَلَيتهم، إِذا تَخَلَّلتهم.
ابْن السِّكيت: فلوت المُهر من أُمه أَفْلوه، وافْتليته، إِذا فَصَلته عَنْهَا وقَطعت رَضاعه مِنْهَا.
وَقد فَلَيْت رَأْسَه.
وَيُقَال للمُهر: فُلوّ.
والجميع: أفلاء؛ وَمِنْه قَول أبي كَبير الهُذلي:
مُسْتَنّة سَنَن الفُلُوِّ مُرشّةٌ
ابْن الْأَعرَابِي: فَلاَ الرَّجُل، إِذا سَافر؛ وفلا، إِذا عَقل بعد جَهل.

(15/269)


وفلا، إِذا قَطع.
وَفِي الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس: امْر الدَّمَ بِمَا كَانَ قَاطعا من لِيطَة فالية، أَي قَصَبَة وشُقّة قَاطِعَة.
قَالَ: والسِّكين يُقَال لَهَا: الفالية.
ومَرى دم نَسيكته، إِذا استخرجه.
شمر، عَن ابْن شُمَيْل: الفلاة: الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَلَا أنيس، وَإِن كَانَت مُكْلئة.
يُقَال: علونا فلاةً من الأَرض.
أَبُو خَيرة: هِيَ الَّتِي لَا مَاء فِيهَا، فأقلّها للإِبل رِبْع، وللغَنم وَالْحمير غِبٌّ، وأكثرها مَا بلغت ممّا لَا ماءَ فِيهِ.
ابْن السّكيت: أَفْلَى القومُ: صارُوا إِلَى الفَلاَة.
وَسمعت الْعَرَب تَقول: نزل بَنو فلَان على مَاء كَذَا، وهم يَفْتلون الفلاة من ناحِية كَذَا، أَي يَرْعَون كَلأ الْبَلَد ويَرِدُون الماءَ مِن تِلْكَ الجِهة.
وافْتلاؤها: رَعْيها وَطلب مَا فِيهَا من لُمَع الْكلأ، كَمَا يُفْلى الرَّأْس.
فيل فول: قَالَ ابْن السِّكِّيت: رجل فِيلُ الرَّأي، وفالُ الرّأي، وفَيِّل الرَّأْي، وفَيْل الرَّأْي، وفائل الرَّأْي، إِذا كَانَ ضَعِيفا؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
بَنِي رَبِّ الجوَاد فَلَا تَفِيلوا
فَمَا أَنْتُم فنَعْذِرَكُم لِفِيلِ
وَيُقَال: مَا كنت أحب أَن أرى فِي رَأْيك فِيَالةً؛ وَقَالَ جرير:
رأيتُك يَا أُخَيطل إِذا جَرَيْنَا
وجِرِّبت الفِراسةُ كُنْت فَالا
اللَّيْث: الفُول: حَبٌّ يُقَال لَهُ: الباقلَّى.
الْوَاحِدَة: فُولة.
والفِيل: مَعْرُوف.
والتفيُّل: زِيَادَة الشَّبَاب ومُهْكَته؛ وأَنْشد:
حَتَّى إِذا مَا حَان مِن تَفَيُّله
غَيره: رجل فَيِّل اللَّحم: كَثِيرُه.
وَبَعْضهمْ يهمزه فَيَقُول: فَيْئل.
أَبُو عبيد: الفائلان: عرقان يَسْتبطنان الفَخذين.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله:
سَليم الشَّظَا عَبْل الشَّوَى شَنِجِ النَّسَا
لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفاتٌ على الفَالِ
قيل: أَرَادَ: على الفائل، فَقلب، وَهُوَ عِرق فِي الْفَخْذ يكون فِي خُرْبة الوَرك يَنْحَدر فِي الرِّجْل، وَلَيْسَ بَين الخربة والجوف عَظْم إِنَّمَا هُوَ جلد وَعظم؛ وَقَالَ الأَعشى:
قد تَخْضب العَيرَ من مَكنون فائله
وَذَلِكَ أَن الْفَارِس إِذا حَذَق الطَّعن قَصد الخُربة، لِأَنَّهُ لَيْسَ دون الْجوف عَظم. ومَكْنُون فائِله: دَمُه الَّذِي قد كُنّ فِيهِ.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الفِيَال: لُعبة

(15/270)


للصِّبيان؛ وأَنشد:
كَمَا قَسم التُّرْب المفايلُ باليَدِ
اللَّيْث: يُقَال: فِيَال، وفَيَال.
فَمن فتح الْفَاء جعله اسْما، وَمن كسرهَا جعله مصدرا.
وَهُوَ أَن يُخبأ شَيْء فِي التّراب، ثمَّ يُقْسم قِسْمين، ثمَّ يَقُول الخابىء لصَاحبه: فِي أَي القِسْمين هُوَ؟ فَإِن أَخطَأ، قَالَ لَهُ: فال رَأْيُك.
غَيره: يُقَال لهَذِهِ اللّعبة: الطُّيَن، والسُّدَّر؛ وأَنْشد ابْن الأَعرابيّ:
فَبِتْن يَلْعَبْن حوالَيّ الطُّبَنْ
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الفائل: اللَّحم الَّذِي على خُرْب الوَرِك.
وَكَانَ بَعضهم يَجعل الفائل عِرْقاً.
ابْن السِّكيت: الفأل: ضِدّ الطِّيَرة.
وَقد تفاءلت.
قَالَ: والفأل: أَن يكون الرجلُ مَرِيضا فَيسمع رجلا يَقُول: يَا سَالم؛ أَو يكون طالبَ ضالّة فَيسمع آخر يَقُول: يَا وَاجِد؛ فيتوجّه لَهُ فِي ظنّه، لِما سَمعه، أَنه يبرأ من مَرضه، أَو يجد ضالّته.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُحِبّ الفأل وَيكرهُ الطِّيَرة.
والطِّيرة: ضِدّ الفَأل.
والطيّرة: فَمَا يُتشاءم بِهِ؛ والفأل: فِيمَا يُسْتَحبّ.
قلت: وَمن الْعَرَب مَن يَجْعَل الفأل فِيمَا يُكره أَيْضا.
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: تفاءلت تفاؤلاً، وَذَلِكَ أَن تَسمع الْإِنْسَان وَأَنت تُريد حَاجَة يَدْعُو: يَا سعيد، يَا أَفْلح، أَو يَدْعُو باسم قَبِيح.
والفأل، مَهْمُوز.
وَفِي (النَّوادر) : يُقال: لَا فَأْلَ عَلَيْك، بمَعْنى: لَا ضَيْر عَلَيْك، وَلَا طَيْر عَلَيْك، وَلَا شَرّ عَلَيْك.
أفل: يُقال: أَفَلت الشمسُ تَأْفِل وتأفُل، أَفْلاً وأُفُولاً.
فَهِيَ آفِلة وآفِل.
وَكَذَلِكَ الْقَمَر يأفِل، إِذا غَابَ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَمَّآ أَفَلَ} (الْأَنْعَام: 76) أَي: غَابَ وغَرَب.
اللَّيْث: إِذا اسْتقرّ اللّقاح فِي قَرار الرَّحم، قيل: قد أَفَل.
ثمَّ يُقال للحامل: آفِل.
وَيَقُولُونَ: لَبُؤة آفِل وآفلة، إِذا حَمَلت.
والأفيل: الفصيل، والجميع الإفال.
وَفِي (النَّوَادِر) : أفِلَ الرجلُ إِذا نشِط، فَهُوَ أفِل.
ألف: قَالَ الله تَعَالَى: {} {قُرَيْشٍ} (قُرَيْش: 1 و 2) الْآيَة.

(15/271)


قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فِيهَا ثَلَاثَة أَوْجه: (لِإِيلَافِ قُريش) ، و (لإلاف قُريش) ، ولإلْف قُريش.
وَقد قُرىء بالوَجهين الأوَّلَين.
أَبُو عُبيد: أَلِفتُ الشيءَ، وآلَفْته. بِمَعْنى وَاحِد، أَي لَزِمْتُه، فَهُوَ مُؤْلَف، ومألوف.
وآلَفَتِ الظِّباءُ الرَّمْلَ، إِذا أَلِفَتْها؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
من المُؤْلفات الرَّمْلِ أَدْماءُ حُرَّةٌ
شُعاعُ الضُّحَى فِي مَتْنها يَتَوضَّحُ
أَبُو زيد: أَلِفْت الشَّيْء: وأَلِفْتُ فلَانا، إِذا أَنِسْتَ بِهِ.
وأَلَّفْت بَينهم تَأليفاً، إِذا جَمعت بَينهم بعد تَفرُّق.
وأَلَّفْتُ الشيءَ: وَصَلْتُ بعضَه بِبَعْض؛ وَمِنْه: تَأليفُ الكُتب.
وأَلَّفْتُ الشيءَ، أَي وَصَلْتُه.
وآلَفت فلَانا الشيءَ، إِذا ألزمْته إِياه، أُولِفه إيلافاً.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {} {قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ} (قُرَيْش: 1 و 2) الْمَعْنى: لِتُؤْلَفَ قُرَيْشٌ الرِّحْلتين فيتَّصلا وَلَا يَنْقطعا.
وَقيل: اللَّام مُتّصلة بالسُّورة الَّتِي قبلهَا، أَي أهلك الله أَصْحَاب الفِيل لِتُؤْلَفَ قُريش رحْلَتِيها آمِنين.
وَأَخْبرنِي المُنْذري، عَن أبي الحَسن الطُّوسِيّ، عَن أبي جَعْفَر الخَرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه قَالَ: أَصْحَاب الإيلاف أَرْبَعَة إخْوَة: هَاشم، وَعبد شمس، والمطَّلب، وَنَوْفَل: بَنُو عبد منَاف؛ فَكَانُوا يُؤَلِّفون الجِوَارَ يُتْبعون بعضَه بَعْضًا يُجيرون قُريْشًا بِميرهم، وَكَانُوا يُسمَّون المُجِيرين، فأمّا هَاشم فَإِنَّهُ أَخذ حَبْلاً من ملك الرُّوم، وَأخذ نوفلٌ حبلاً من كِسرى، وَأخذ عبد شمس حبلاً من النَّجَاشِيّ، وَأخذ المُطّلب حَبْلاً من مُلوك حِمْير، فَكَانَ تجّار قُريش يَختلفون إِلَى هَذِه الأَمْصار بحبال هَؤُلَاءِ الْإِخْوَة، فَلَا يُتَعَرَّض لَهُم.
ابْن الأنباريّ: من قَرَأَ لإلافهم وإلفهم فهما من أَلِف يَألف.
وَمن قَرَأَ لإيلافهم فَهُوَ من آلف يُؤلف.
قَالَ: وَمعنى: يُؤَلِّفون: يهيِّئون ويُجَهِّزون.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: يؤلِّفون: يُجيرُون؛ وَأنْشد ابْن الأنباريّ:
زَعمتُم أنّ إخوتكم قُريشاً
لَهُم إلْفٌ وَلَيْسَ لْكم إِلاَفُ
وَقَالَ الفَرّاء: من قَرَأَ إلْفَهم فقد يكون من يُؤَلِّفون.
قَالَ: وأجود من ذَلِك أَن يُجعل من يألفون رحْلَة الشتَاء والصَّيف.
قَالَ: والإيلاف من يُؤْلِفون، أَي يُهيِّئون ويُجَهِّزون.

(15/272)


وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: كَانَ هَاشم يُؤَلِّف إِلَى الشَّام، وَعبد شَمس يؤلِّف إِلَى الْحَبَشَة، وَالْمطلب إِلَى الْيمن، وَنَوْفَل إِلَى فَارس.
قَالَ: ويتألّفون، أَي يَسْتجيرون؛ وأَنشد أَبُو عُبيد لأبي ذُؤَيْب:
تُوصِّل بالرُّكْبان حِيناً وتُؤْلِفُ ال
جِوارَ ويُغْشِيها الأَمانَ ذِمامُها
يصفُ حُمراً أُجيرت حِيَال أَقْوام.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (التَّوْبَة: 60) هَؤُلَاءِ قومٌ من سادة الْعَرَب أَمر الله جلّ وعزّ نبيَّه فِي أوَّل الْإِسْلَام بتألُّفهم، أَي بمُقاربتهم وإعطائهم من الصَّدقات ليُرغِّبوا مَن وَرَاءَهُمْ فِي الْإِسْلَام، وَلِئَلَّا تَحْملهم الحميَّة مَعَ ضَعف نيّاتهم على أَن يَكُونُوا إلْباً مَعَ الكُفّار على الْمُسلمين، وَقد نَفَّلهم الله يَوْم حُنَين بمئتين من الْإِبِل تألُّفاً لَهُم، مِنْهُم: الأَقرع بن حَابِس التميميّ، والعبّاس بن مِرداس السُّلميّ، وعُيَينة بن حِصنْ الفزاريّ، وَأَبُو سُفيان بن حَرب، وَصَفوَان بن أُمية.
وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: تألّف النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَقت بعضَ السَّادة من الْعَرَب بمالٍ أعطاهموه، فَلَمَّا دَخل الناسُ فِي دين الله أَفْوَاجًا وَأظْهر الله دينَه على المِلَل كلهَا أغْنى وَله الْحَمد أَن يُتألَّف كافِرٌ اليومَ بمالٍ يُعطاه. وَللَّه الْحَمد وَلَا شريك لَهُ.
والأَلف، من الْعدَد، مَعْرُوف.
وَثَلَاثَة الآلاف، إِلَى العَشرة.
ثمَّ أُلوف جمع الْجمع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} (الْبَقَرَة: 243) .
ويُقال: ألفٌ أَقرع، لِأَن الْعَرَب تذكِّر الْألف.
وَإِن أُنّث على أَنه جمع، فَهُوَ جَائِز.
وَأكْثر كَلَام الْعَرَب على التَّذكير.
أَبُو عُبيد: يُقَال: كَانَ الْقَوْم تِسعمائة وَتِسْعَة وَتِسْعين فآلَفْتُهم، مَمْدُود.
وَقد آلَفُوا هم، إِذا صَارُوا أَلفْاً.
وَكَذَلِكَ أَمْأَيتهم، فأَمْأَوْا، إِذا صَارُوا مِئة.
وَيُقَال: فلَان أَلِيفي وإِلْفي.
وهم أُلاّفِي.
وَقد نَزَع الْبَعِير إِلَى أُلاّفه؛ وَقَالَ ذُو الرُّمة:
أكُنْ مِثْلَ الأُلاّف لُزَّت كُراعُه
إِلَى أُختها الأُخرى ووَلّى صواحِبُهُ
وَيجوز الأُلاّف، وَهُوَ جمع آلِف.
وَقد ائتلف الْقَوْم ائتلافاً، فتآلفوا تآلُفاً.
وألّف الله بَينهم تَأْلِيفاً.
وأَوالف الطَّير: الَّتِي قد أَلِفت مكّة.
وأَوالف الحَمام: دواجنُها الَّتِي تألف البُيوت؛ وَقَالَ العجّاج:
أَوَالفاً مكةَ من وُرْق الحِمى

(15/273)


أَراد: الحَمام.
وَقَالَ رُؤبة:
بِاللَّه لَو كنت من الأُلاّف
أَرَادَ: الَّذين يأْلَفون الْأَمْصَار.
واحدهم: آلف.
ولف: الباهليّ، عَن الأصمعيّ، إِذا تتَابع لَمَعان البَرْق، فَهُوَ وَلِيف ووِلاَف.
وَقد ولَف يَلِف وَلِيفاً، وَهُوَ مُخيلٌ للمَطو لَا يكَاد يُخلف إِذا وَلَف.
وَقَالَ بَعضهم: الوليف: أَن يَلمع مرَّتين مرَّتين؛ وَقَالَ صَخر الغَيّ:
لِشَمّاء بَعد شَتَات النَّوى
وَقد بِتُّ أَخْيَلْتُ بَرقاً وَلِيفَا
أَي: رأيتُه مُخِيلاً.
اللَّيْث: الوَلْف، والوِلاَف، والوَلِيف: ضَربٌ من العَدْو، وَهُوَ أَن تقع القوائمُ مَعًا، وَكَذَلِكَ أَن تَجِيء القوائم مَعًا.
والفِعل: وَلَف الفَرسُ يَلِف وَلْفاً، ووليفاً؛ وَقَالَ رُؤبة:
ويومَ رَكْض الْغَارة الوِلاَفِ
قَالَ ابْن الأعرابيّ: أَرَادَ ب (الولاف) : الاعتزاء والاتّصال.
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ الإلاف فصيَّر الهمزةَ واواً.
وكل شَيْء غَطَّى شَيْئا وأَلبسه، فَهُوَ مُولِفُ لَهُ؛ وَقَالَ العجّاج:
وَصَارَ رَقْراق السّارب مُولِفَا
لِأَنَّهُ غطّى الأَرض.
لِيف: اللِّيف: لِيف النَّخْل، مَعروف. والقِطعة: لِيفة. وَقد ليّفه المُلَيِّف تَلْييفاً.
ابْن السِّكيت: فلَان يَلأف الطّعام لأْفاً، إِذا أَكله أَكْلاً جَيِّداً.
لفا: أَبُو زيد: لَفَأْتُ اللّحْم عَن العَظْم لَفْئاً: جَلَفْتُهُ عَنهُ.
قَالَ: واللَّفِيئَةُ: البَضْعة الَّتِي لَا عَظْم فِيهَا، نَحْو النَّحْضة، والهَبْرة، والوَذْرة.
وَيُقَال: فلَان لَا يَرْضى باللّفاء من الْوَفَاء، أَي لَا يَرضى بدُون وَفَاء حقِّه.
أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال: لفأت الرَّجُلَ، إِذا نقصتَه حَقّه فأعطَيته دون الوَفاء.
يُقَال: رَضِي من الوَفاء باللّفَاء.
قَالَ: وجَمع اللّفيئة من اللَّحْم: لَفَايَا، مثل خَطيئة وخَطَايَا.
أَبُو عَمْرو: لَفأه بالعَصا ولَكَأه، إِذا ضَربه بهَا.
ولفأه حَقَّه، إِذا أَعطاه كلَّه.
قَالَ: ولَفأه حقّه، إِذا أَعطاه أَقلَّ من حَقِّه.
قَالَ أَبُو سعيد: قَالَ أَبُو تُراب: أَحْسب

(15/274)


هَذَا الْحَرْف من الأَضداد.

(بَاب اللَّام وَالْبَاء)
ل ب (وايء)
لاب، لبّى، ولب (يلب) ، وبل، ألب، أبل، بِلَا، بأل، لبأ.
لوب: قَالَ أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: اللُّوَاب: العَطَش.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: لاب يَلُوب لَوْباً، إِذا حام حول المَاء مِن العَطش.
اللَّيْث: نخل لُوبٌ، وإبلٌ لُوب ولوائِب، إِذا عَطِشت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا وجد لَبَاباً، أَي قَدْر لُعْقةٍ من الطَّعَام يَلُوكها.
قَالَ: واللَّباب: أقلّ من مِلء الفَم.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: اللاَّبة: الحَرّة.
وَجَمعهَا: لابٌ، ولُوبٌ.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَرّم مَا بَين لاَبَتَيْها) .
الأصمعيّ: اللاَّبة: هِيَ الأَرْض الَّتِي قد أَلبَستها حجارةٌ سُود.
وَجَمعهَا: لابات، مَا بَين الثَّلَاث إِلَى العَشرة.
فَإِذا كَثُرت، فَهِيَ اللاَّب، واللُّوب؛ وَقَالَ بِشر بن أبي حَاتِم يصف كَتيبة:
مُعاليةٌ لَا هَمّ إلاّ مُحَجِّرٌ
وحَرّة لَيْلى السَّهْلُ مِنْهَا فَلُوبُها
يُرِيد: جمع لابة، وَمثله: قارة وقُور، وساحة وسُوح.
شَمر، عَن ابْن شُميل: اللُّوبة تكون عَقبة جواداً أطول مَا يكون، وَرُبمَا كَانَت دَعْوةً.
قَالَ: واللُّوبة: مَا اشتدّ سوادُه وغَلُظ وانْقاد على وَجه الأَرض، وَلَيْسَ بالطويل فِي السَّمَاء، وَهُوَ ظاهرٌ على مَا حَوْله.
والحَرّة: أعظم من اللَّوبة.
وَلَا تكون اللوبة إِلَّا حِجَارَة سُوداً، وَلَيْسَ فِي الصَّمَّان لُوبة، لأنّ حِجَارَة الصَّمّان حُمْرٌ.
وَلَا تكون اللُّوبة إِلَّا فِي أنف الْجَبَل، أَو سِقْطٍ، أَو عُرْض من جَبل.
وَأَرَادَ بِمَا بَين اللاَّبتين، فِي الحَدِيث: المَدينة.
لبأ: ابْن هانىء، عَن أبي زيد: أُولَى الألبان: اللِّبأ عِنْد الْولادَة، وَأكْثر مَا يكون ثَلَاث حَلْبات، وأقلّه حَلْبة.
وَقد لَبّأت الناقةُ تَلْبِيئاً.
وناقة مُلَبِّىء: بِوَزْن مُلَبِّع، إِذا وَقع اللِّبَأُ فِي

(15/275)


ضَرْعها.
ثمَّ الفِصْح بعد اللِّبأ.
إِذا جَاءَ اللَّبن بعد انْقطاع اللِّبأ؛ يُقَال: قد أَفْصحت الناقةُ، وأَفْصح لَبَنُها.
وَيُقَال: لَبَأتُ اللِّبأَ أَلْبؤه لَبْئاً، إِذا حَلَبت الشاةَ لِبَأً.
ولَبأَتُ الْقَوْم أَلْبؤهم لَبْئاً، إِذا صَنَعت لَهُم اللِّبَأ.
وَيُقَال: أَلْبأت الجَدي، إِذا شَدَدْته إِلَى رَأس الخِلْف ليرضَعَ اللِّبأ.
واسْتَلبأ الجديُ، إِذا رَضع من تِلقاء نَفْسه.
ابْن الْأَعرَابِي: ألبأت اللّبأ، أَصْلحتُه وطَبَخْتُه.
وأَلْبأت الْقَوْم: زوّدتهم اللِّبأ.
وأَلبأَت الجَدْيَ: سَقَيته اللِّبأ.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: لَبأتهم من اللِّبأ، إِذا أَطْعَمتَهم.
اللَّيْث: اللِّبأ، مَهْمُوز مَقْصُور: أول حَلْب عِنْد وَضع المُلَبِّىء.
ولَبَأت الشاةُ ولدَها: أَرْضَعَتْه اللِّبأ؛ وَقد التبأها، إِذا رَضع لِبَأَها.
والتبأتُ، إِذا شَرِبْت.
أَبُو عبيد، عَن الْأَحْمَر، يُقَال: بَينهم المُلْتَبئة، أَي هم مُتفاوضون لَا يَكْتُمُ بَعضهم بَعْضًا.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: بَنو فلَان لَا يَلْتَبِئون فتاهم، وَلَا يَتعيّرون شَيْخهم، أَي لَا يُزوِّجون الغُلام صَغِيرا وَلَا الشَّيْخ كَبِيرا طلبا للنّسْل.
ابْن السّكيت: هِيَ اللَّبُؤة وَهِي اللُّغة الفصيحة واللَّبَأة، واللَّباة، واللّبْوَة، وَهِي الأُنثى من الأُسود.
ابْن الْأَعرَابِي: اللُّبَابَة: شجر الأُمْطِيّ الَّذِي يُعْمَل مِنْهُ العِلْك.
وَقَالَ: اللُّوباء، مُذَكّر، يُمدّ ويُقصر، يُقَال: هُوَ اللُّوبياء، واللُّوبيَا، واللُّوبياج.
أَبُو دَاوُد، عَن ابْن شُميل، قَالَ فِي تَفْسِير لَبَّيك قولا خَالف فِيهِ أَقَاوِيلَ مَن ذكرنَا: لَبَأ فلانٌ من هَذَا الطَّعَام يَلْبأ لَبْئاً، إِذا أكْثَر مِنْهُ.
قَالَ: ولَبَّيك، كَأَنَّهُ اسْتِرْزاق.
ألب: أَبُو عُبيد، عَن الْفراء وَأبي عَمْرو: الأَلْب: الطَّرْد.
وَقد أَلَبْتُها أَلْباً، بِوَزْن: عَلَبْتُها عَلْباً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الأَلب: الجَمع الْكثير من النَّاس.
والأَلْب: نشاط الساقي؛ وأَنْشد:
تَبَشّرِي بماتِحٍ أَلُوبِ
مُطَرِّحٍ لدَلْوِه غَضُوبِ
والأَلْب: مَيْل النّفْس إِلَى الهَوى.
والأَلْب: ابْتِدَاء بُرْء الدُّمَّل.
والأَلْب: العَطَش.

(15/276)


والأَلْب: التَّدْبير على العدُوِّ من حيثُ لَا يَعلم.
ابْن الأعرابيّ: الأَلُوب: الَّذِي يُسْرِع.
وَقد أَلب يَأْلِب، ويَألُب، وأَنْشد:
ألم تريا أَنّ الأَحاديث فِي غدٍ
وَبعد غدٍ يأْلِبْن أَلْب الطَّرائِدِ
ابْن بُزُرْج: المِئْلَب: السَّرِيع.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هم عَلَيْهِ أَلْب وَاحِد، ووَعْل وَاحِد، وصَدْع وَاحِد، وضِلَعٌ وَاحِد، يَعْنِي اجْتماعهم عَلَيْهِ بالعَدَواة.
اللَّيْث: صَار الْقَوْم عَلَيْهِ ألباً وَاحِدًا فِي الْعَدَاوَة.
وَقد تألّبوا عَلَيْهِ تألُّباً، إِذا تضافروا عَلَيْهِ.
وَيُقَال: أَلْب فلانٍ مَعَه، أَي صَفْوه مَعَه.
أَبُو زيد: أَصَابَت القومَ أُلْبَةٌ وجُلْبَة، أَي مجاعةٌ شَدِيدَة.
اللَّيْث: اليَلَب والأَلْب: البَيْض من جُلود الْإِبِل.
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الفُولاذ من الْحَدِيد؛ وأَنْشد لعَمْرو بن كُلْثوم:
علينا البَيْض واليَلَب اليَمانِي
وأسيافٌ يَقُمْن ويَنْحَنِينَا
وَقَالَ ابْن السِّكيت: سَمعه بعضُ الْأَعْرَاب فَظن أَن اليلب أَجود الْحَدِيد؛ فَقَالَ:
ومِحْورٍ أُخْلِص من مَاء اليَلَب
قَالَ: وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا قَالَه على التَّوَهّم.
وَقَالَ ابْن شُميل: اليَلَب: خَالص الحَديد.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: اليَلب: الدَّرَق.
وَقيل: هِيَ جُلود تُلبس بِمَنْزِلَة الدُّرُوع.
الْوَاحِدَة: يَلبة.
وَهِي جُلُود يُخرز بعضُها إِلَى بَعض تُلْبَس على الرُّؤوس خَاصَّة، وَلَيْسَت على الأجساد.
ولب: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: وَلَب إِلَيْهِ الشّيءُ يَلِب وُلُوباً: وَصل إِلَيْهِ كَائِنا مَا كَانَ.
ابْن الْأَعرَابِي: الوالبة: نَسْل الْإِبِل والغَنم والقَوم.
اللَّيْث: الوالبة: الزَّرعة الَّتِي تَنْبُت من عُروق الزَّرْعة الأُولى، تَخْرج الوُسْطى فَهِيَ الأُمّ، وتَخرج الأوالب بعد ذَلِك فتَتَلاحَق.
وبل: ابْن الْأَعرَابِي: الوابِلة: طَرف الكَتِف.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هِيَ لَحمة الكَتِف.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الوابلة: الحَسَنُ، وَهِي طَرف عَظْم العَضُد الَّذِي يَلِي المَنْكِب، سمِّي حَسَناً لِكَثْرَة لَحمه، وأَنْشد:
كأنّه جَيْأَلٌ عَرْفاء عارضَها
كَلْبٌ ووابلةٌ دَسْماء فِي فِيها
شَمر: هِيَ رأسُ العَضُد فِي حُقّ الكَتف.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: اسْتَوْبلتُ

(15/277)


الأرْضَ: اسْتَوْخَمْتُها.
أَبُو زيد: استوبلتُ الأرضَ، إِذا لم تَسْتمرىء بهَا الطعامَ وَلم تُوافقه فِي مَطْعمه، وَإِن كَانَ مُحِبّاً لَهَا.
قَالَ: والوَبيل: الَّذِي لَا يُسْتَمْرأ.
وَمَاء وَبِيل، ووبيء، ووَخيم، إِذا كَانَ غير مَرِيء.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً} (المزمل: 16) هُوَ الثَّقيل الغليظ جدّاً.
وَمن هَذَا قيل للمَطر الشَّديد الضَّخم القَطر، الغليظ الْعَظِيم: الوابل.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: أرضٌ مَوبُولة، من الوابل.
والوَبْل، مثل الوَابل.
اللَّيْث: سحابٌ وابِلٌ.
والمطر، هُوَ الوَبْل.
كَمَا يُقال: ودْق، ووادِق.
قَالَ: والوَبيل من المَرْعى: الوَخيم.
يُقَال: رَعَيْنا كلأً وَبِيلاً.
وَفِي الحَدِيث: (أيّما مالٍ أَدّيت زَكَاتَه فقد ذَهبت أَبَلَتُه) ، أَي: وَبَلته، فقُلبت الْوَاو همزَة.
قَالَ شَمر: مَعْنَاهُ شرُّه ومَضرّته.
والوَبال: الفَساد، واشتقاقه من الوَبِيل.
عَمْرو، عَن أَبِيه، الأَبَلة: العاهَةُ.
وَفِي الحَدِيث: (لَا تبع الثَّمر حَتَّى تأمن عَلَيْهِ الأَبَلَة) .
أَبُو نصر، عَن الْأَصْمَعِي: الوَبِيل، والمَوْبِل: العَصا الضَّخْمة.
قَالَ: والمَوْبل أَيْضا: الحُزْمة من الحَطَب؛ وأَنشد:
زَعَمت جُؤَيّة أَنّني عَبدٌ لَهَا
أَسْعَى بمَوْبِلها وأَكْسِبها الخَنا
والإيبالة: الْحزْمةُ من الحَطب، ومَثَلٌ يُضْرب: ضِغْثٌ على إيبالة، أَي زِيادة على وِقْر.
اللَّيْث: الوَبيل: خَشَبَة القَصّار الَّتِي يَدُقّ بهَا الثِّيَاب بعد الغَسْل.
(أبل) : وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : جَاءَ فلانٌ فِي أُبُلّته، وإبَالَته، أَي فِي قَبيلته.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أَبَلت الوَحْشُ تأبلَ أَبْلاً، إِذا جَزأت بالرُّطْب عَن المَاء؛ وَقَالَ لَبيد:
وَإِذا حرّكتُ غَرْزِي أَجْمَرتْ
أَو قِرَابي عَدْوَ جَوْنٍ قد أَبَلْ
الأصمعيّ: أَبِل الرَّجُل يَأْبَل أَبَالةً، إِذا حَذِق مَصْلحة الْإِبِل وَالشَّاء.

(15/278)


وَإِن فلَانا لَا يَأتبل، أَي لَا يَثبت على رِعية الْإِبِل وَلَا يُقيم عَلَيْهَا فِيمَا يُصلحها.
قَالَ: وإبلٌ مُؤبلّة: كَثِيرَة.
وإبلٌ أَوَابِل: قد جَزأت بالرُّطْب عَن المَاء.
غَيره: أبّل الرَّجُل، إِذا كَثرت إبلُه، بتَشديد الْبَاء، وَمِنْه قَولُ طُفَيل الغَنوي:
فأَبّل واستَرْخَى بِهِ الخَطْب بعد مَا
أَساف وَلَوْلَا سَعْيُنا لم يُؤَبِّل
شَمر: إِبلٌ أُبّلٌ: مُهملة.
وَرجل أَبِلٌ بالإبِل بَيِّن الأبَلَة، إِذا كَانَ حاذقاً بالقِيام عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الراجز:
إنّ لَهَا لراعياً جَريّا
أَبْلاً بمَا يَنْفعها قَوِيّا
لم يَرْع مَأْزُولاً وَلَا مَرْعِيّا
حَتَّى عَلاَ سَنامَها عُلِيّا
وأخبرين ابْن هاجك، عَن ابْن جَبلة، عَن أبي عُبيدة، أَنه أنْشدهُ:
يَسُنّها أَبِلٌ مَا إِن يُجَزِّئها
جَزْءاً شَدِيدا وَمَا إِن تَرْتوي كَرَعَا
سَلمَة، عَن الفَراء: إنّه لأَبِلُ مالٍ، على فَعِل، وتُرْعِيْة مَال، وإِزَاء مَال، إِذا كَانَ قَائِما عَلَيْهَا.
ابْن الْأَعرَابِي: الأبِيل: الرّاهب الرَّئيس؛ وهم الأبِيلُون.
وَقَالَ غَيره: هوالأَيْبُليّ؛ وَقَالَ الأَعْشَى:
وَمَا أَيْبُلِيّ على هَيْكل
بَناه وصَلّب فِيهِ وصارَا
أَبُو نصر، عَن الأصمعيّ، عَن مُعتمر بن سُلَيْمَان، قَالَ: رَأَيْت رجلا من أهل عُمان، وَمَعَهُ أَبٌ لَهُ كَبِير يمشي، فَقلت لَهُ: احْمِله. فَقَالَ: لَا يَأتبل، أَي لَا يَثْبت على الإبِل.
أَبُو نَصر: إبلٌ مُؤبَّلَة، إِذا كَانَت للقِنْية.
أَبُو زيد: سَمِعت رَدَّاداً الكِلابي يَقُول: تأبّل فلانٌ إبلاٌ، وتغنَّم غَنَماً، إِذا اتَّخذها.
وَالْعرب تَقول: إِنَّه ليروح على فلَان إبلاَنِ، إِذا راحتْ إبلٌ مَعَ راعٍ وإبِلٌ مَعَ راعٍ آخرَ.
وأقلّ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم الْإِبِل الصِّرْمة، وَهِي الَّتِي جَاوَزت الذَّوْدَ إِلَى الثّلاثين.
ثمَّ الهَجْمة، أَولهَا الْأَرْبَعُونَ إِلَى مَا زَادَت.
ثمَّ هُنَيدة: مِئة من الْإِبِل.
وَتجمع الْإِبِل: آبال.
ابْن الأعرابيّ: الإبَّوْلُ: طائرٌ يَنفرد من الرَّفّ، وَهُوَ السَّطر من الطَّيْر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} (الْفِيل: 3) .
وَقَالَ أَبُو عُبيد: لَا واحدَ لَهَا.
وَقَالَ غيرُه: إبّالة، وأبابِيل، وإبَالة، كأنّها جمَاعَة.

(15/279)


وَقيل: إبَّوْل، وأَبَابِيل، مثل: عِجَّوْل وعَجَاجِيل.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله: أبابيل لَا وَاحِد لَهَا، مثل الشَّماطيط.
قَالَ: وزَعم الرُّؤاسيّ أنّ وَاحِدهَا إبّالة.
وسمعتُ من العَرب: ضِغْثٌ على إبّالة، غير مَمْدُود، لَيْسَ فِيهَا يَاء.
وَلَو قَالَ قَائِل: وَاحِدهَا إيبالة كَانَ صَوَابا، كَمَا قَالُوا: دِينار ودَنانير.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لما قَتل ابْن آدم أَخَاهُ: تأبّلَ آدم، أَي تَرك غِشْيان حَوَّاء حُزْناً على وَلَده.
وأَنشد أَبُو عَمْرو:
أوابلُ كالأَوْزان حُوشٌ نُفُوسُها
يُهدِّر فِيهَا فَحْلُها ويَريسُ
يصف نوقاً، شَبَّهها بالقُصور سِمَناً. أوابل: جزأت بالرُّطْب.
وتأبّل الوحشيّ، إِذا اجتزأ بالرُّطْب عَن المَاء.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَيْهِمْ طَيْراً} (الْفِيل: 3) : جماعات من هَا هُنَا وجماعات من هَا هُنَا.
وَقيل: طيراً أبابيل: يَتبع بَعْضهَا بَعْضًا إبِّيلا إبِّيلا، أَي قَطيعاً خَلْف قَطيع.
اللّحيانيّ: أبَّنْت الميتَ تَأْبيناً، وأَبَّلته تَأبيلاً، إِذا أَثْنَيت عَلَيْهِ بعد وَفَاته.
ابْن الأعرابيّ: الأُبُلّة: الفِدْرة من التَّمر؛ وأَنشد قَول الهُذلي:
فيأكل مَا رُضّ مِن زادنا
ويأبَى الأُبُلَّة لم تُرضَضِ
وَقَالَ ابْن السِّكيت: تَقول: هِيَ الأُبُلَّة، لأبّلة البَصْرة؛ والأُبُلّة: الفِدْرة من التَّمر.
أَبُو مَالك: إِن ذَلِك الْأَمر مَا عَلَيْك فِيهِ أُبْلَة وَلَا أُبْنَة، أَي لَا عَيْب عَلَيْك فِيهِ.
ويُقال: إِن فعلت ذَاك فقد خَرَجْت من أَبَلَته، أَي مِن تَبِعته ومَذَمّته.
بِلَا: الأصمعيّ: بَلاه يَبْلُوه بَلْواً، إِذا جَرَّبه.
وبَلاه يَبْلوه بَلْواً، إِذا ابْتَلاه الله بِبَلاء.
يُقال: اللَّهُمَّ لَا تُبْلنا إلاّ بالّتي هِيَ أَحْسن.
وَيُقَال: أبلاه الله يُبليه إبلاءً حَسَناً، إِذا صَنع بِهِ صَنيعاً جَمِيلاً.
والبَلاء، الِاسْم؛ وَقَالَ زُهير:
جَزَى الله بِالْإِحْسَانِ مَا فَعلا بكم
وأبْلاهما خَيْرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو
أَي: صنع بهما خير الصَّنيع الَّذِي يَبْلو بِهِ عِبَادَه.
ويُقال: بِلَى الثوبُ بِلًى وبَلاَءً؛ وَقَالَ العجّاج:
والدَّهر يُبْليه بلاءَ السِّرْبال
إِذا فَتحت الْبَاء مددت، وَإِذا كسرت قَصَرت؛ وَمثله: القِرَى والقَرَاء، والصِّلَى والصَّلاَء.

(15/280)


ويُقال: أَبْليت فلَانا، إِذا حَلَفْت لَهُ فطَيَّبت بهَا نَفْسَه؛ وَقَالَ أَوْسُ بن حَجَر:
كأنّ جَدِيدَ الأَرْض يُبْلِيك عنهمُ
تَقِيَّ اليَمِين بعد عَهْدِك حالِفُ
يَقُول: كأنّ جَدِيد أَرض هَذِه الدَّار، وَهُوَ وَجْهُها، لَما عَفا من رُسومها، وامَّحى من آثارها، حالِفٌ تقيّ الْيَمين يحلف لَك أَنه مَا حَلّ بِهَذِهِ الدَّار أحدٌ لدُروس معاهدها ومعالمها.
والبَلِيّة: الناقةُ تُعْقل عِنْد قَبر صَاحبهَا فَلَا تُعْلف حَتَّى تَموت، وَجَمعهَا: البَلاَيا.
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفعلون ذَلِك.
ويُقال: قَامَت مُبلّيات فلَان يَنُحْن عَلَيْهِ، وَهن النِّساء اللَّواتي يَقُمْن حول رَاحِلَته فَيَنُحن إِذا مَاتَ أَو قُتل؛ وَقَالَ أَبُو زُبيد:
كالبَلايا رُؤُوسها فِي الوَلاَيَا
مانِحَاتِ السَّمُوم حُرَّ الخُدود
وَيُقَال: نَاقَتك بِلْوُ سَفر، إِذا أَبْلاها السَّفَرُ.
ابْن الْأَعرَابِي: أَبْلَى فلانٌ إِذا اجْتهد فِي صِفة كَرم أَو حَرْب.
يُقال: أَبلى ذَلِك اليومَ بلَاء حَسَناً.
وَمثله: بالى يُبالي مُبالاة؛ وأَنشد:
مَا لي أَرَاك قَائِما تُبَالِي
وأنتَ قد قُمْتَ من الهُزَالِ
قَالَ: سَمِعه وَهُوَ يَقُول: أكلنَا وشَربنا وفَعلنا، يُعَدِّد المكارمَ، وَهُوَ فِي ذَلِك كَاذِب.
اللَّيْث: بَلِيّ: حيٌّ من الْيَمين.
والنِّسْبة إِلَيْهِم: بَلَوِيّ.
قَالَ: وَيُقَال: بُلي فلانٌ، وابْتُلي، إِذا امْتُحن.
وَالْبَلَاء، فِي الْخَيْر وَالشَّر.
وَالله يُبلي العبدَ بلَاء حسنا، ويُبليه بلَاء سيِّئاً.
وأَبْليت فلَانا عُذْراً، أَي بَيّنت لَهُ وجهَ العُذر لأُزيل عنِّي اللَّوْم.
والبَلْوى، اسْم من بَلاء الله.
وَفِي حَدِيث حُذَيفة: لَتَبْتَلُنّ لَهَا إِمَامًا أَو لَتُصَلُّن وُحْداناً.
شَمِر: يَقُول: لتختارُنّ. وأَصْله: بلاه يَبلوه، وابتلاه، أَي جَرَّبه.
ويُقال: اللَّهُمَّ لَا تُبْلنا إلاّ بِالَّتِي هِيَ أحسن، أَي لَا تَمْتحننا.
وَالِاسْم: البَلاء.
بَال: ثَعْلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بالَى فلانٌ فلَانا، إِذا فاخَره.
وبالاَه، إِذا نَاقَصَه.
وبالى بالشَّيْء، إِذا اهْتَمّ بِهِ.

(15/281)


غَيره: البالُ: بالُ النَّفس، وَهُوَ الاكتراث.
وَمِنْه اشْتُق: يَا لَيت.
وَلم يَخْطُر ببالي ذَلِك الْأَمر، أَي لم يَكْرِثْني.
والمصدر: البالَة.
وَمن كَلَام الحَسن: لم يُبَالِهم الله بالَةً.
ويُقال: لم أُبال، وَلم أُبَلْ، على القَصْر.
والبالُ أَيْضا: رخاءُ العَيْش.
إِنَّه رخيّ البال وناعمُ البال.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البالُ: القَلْب.
والبال: جمع البالة، وَهِي الجِرَاب الضَّخْم.
ابْن نَجدة، عَن أبي زيد: من أَسمَاء النَّفس: البَال.
ابْن الْأَعرَابِي، عَن الْمفضل: بَال الرَّجُل يَبُول بَوْلاً شريفاً فاخراً، إِذا وُلد لَهُ ولدٌ يُشْبهه.
والبال: القَلْب.
والبال: الحالُ.
والبال: جمع البالة وَهِي عَصاً فِيهَا زُجٌّ يكون مَعَ صَيّادي أَهل البَصْرة.
قَالَ: والبال: جمع البالة وَهِي الجِراب الصَّغير.
شَمِر: البال: الحالُ والشَّأن؛ وَقَالَ عُبيد:
فبِتْنا على مَا خَيَّلت ناعِمَيْ بَال
مُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله عزّ وجلّ: {سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ} (مُحَمَّد: 2) ، أَي: حالَهم فِي الدُّنيا.
والبال: الأَمَل؛ يُقَال: فلانٌ كاسِف البال.
وكُسوف باله: أَن يَضيق عَلَيْهِ أملُه.
وَهُوَ رَخِيّ البَال، إِذا لم يَشتدّ عَلَيْهِ الْأَمر وَلم يَكْتَرث.
ورُوي عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه قَالَ: إِن عمر استَعْملني على الشَّام وَهُوَ لَهُ مُهمّ، فَلَمَّا أَلْقى الشَّام بَوَانِيَه وَصَارَ بَثَنيّةً عَزلني واسْتَعْمل غَيْري. فَقَالَ رجلٌ: هَذِه وَالله الفِتنة فَقَالَ خَالِد: أمَا وَابْن الخطّاب حيٌّ فَلَا، وَلَكِن ذَاك إِذا كَانَ النَّاس بِذِي بَلَّى، وَذي بَلَّى.
ألْقى بَوانِيَه، أَي قَرَّ قَرارُه وَاطْمَأَنَّ أَمْرُه.
وَقَوله: بِذِي بَلَّى، وَذي بَلَّى.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَرَادَ تفرُّق النَّاس وَأَن يَكُونُوا طوائفَ من غير إِمَام يَجْمعهم.
وَكَذَلِكَ كُلّ من بَعُد عَنْك حَتَّى لَا تعرف مَوْضِعه، فَهُوَ بِذِي بلّى.
وَفِيه لُغة أُخْرَى: بِذِي بِلِيّان.
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي يُنشد هَذَا الْبَيْت فِي رجل يُطيل النَّوم:
تنامُ ويَذْهَب الأقوامُ حتّى
يُقال أَتَوْا على ذِي بِلّيانِ
يَعْنِي: أَنه أَطَالَ النّوم وَذهب أَصْحَابه فِي

(15/282)


سفرهم حَتَّى صَارُوا إِلَى مَوضِع لَا يعرف مكانهم من طُول نَومه.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فلانٌ بِذِي بَلّى، وَذي بِلِيّان، إِذا كَانَ ضائعاً بَعيدا عَن أَهله.
اللَّيث: بَلَى، جَوَاب اسْتِفْهَام فِيهِ حرف نَفي، كَقَوْلِك: ألم تَفعل كَذَا؟ فَيَقُول: بَلَى.
وَقَالَ المبرّد: بل حُكمها الِاسْتِدْرَاك، أَيْنَمَا وَقعت، فِي جَحْد أَو إِيجَاب.
قَالَ: وبلى تكون إِيجَابا للنَّفْي لَا غير.
سَلمَة، عَن الْفراء: بلَى تَأتي بمعنيين: تكون إضراباً عَن الأول، وإيجاباً للثَّانِي: كَقَوْلِك، لَهُ عِنْدِي دِينَار، لَا بل دِينَارَانِ.
وَالْمعْنَى الآخر: أَنَّهَا تُوجب مَا قبلهَا وتُوجب مَا بعْدهَا، وَهَذَا يُسمَّى: الِاسْتِدْرَاك؛ لِأَنَّهُ أَرَادَهُ فنَسيه ثمَّ اسْتدركه.
قَالَ الْفراء: والعربُ تَقول: بَلْ وَالله لَا آتِيك، وبَنْ وَالله لَا آتِيك، يجْعَلُونَ اللَّام فِيهَا نُوناً.
وَقَالَ: هِيَ لُغَة بني سعد ولُغة كَلْب.
قَالَ: وسمعتُ الباهليّين يَقُولُونَ: لابَنْ، بِمَعْنى: لابَلْ.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي الإبلاء بِمَعْنى، الْيَمين:
وَإِنِّي لأُبلي فِي نسَاء سَواءها
فأمّا على لَيلى فإنّي لَا أُبْلِي
يَقُول: أَحْلف على غير ليلى إِنِّي لَا أُحب غَيرهَا، وَأما على لَيلى فإِني لَا أَحلف.
وَقَالَ بَعضهم: لَا أباليه بالة.
هُوَ فِي الأَصْل: لَا أباليه بالية، اسْم على فاعلة من الْبلَاء، كالعافية، هِيَ اسْم من عافاه الله.
بَال: اللَّيْث: البَئيل: الصَّغير النَّحِيف الضَّعيف، مثل الضَّئِيل.
وَقد بَؤُل يَبْؤل بآلَة.
اللحياني: هُوَ ضَئِيل بَئيل.
وَهِي الضَّآلة والبآلة، والضّؤولة والبُؤُولة.
أَبُو زيد: بَؤُل يَبْؤل، فَهُوَ بَئِيل، إِذا صَغُر.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَنْشد قَول أبي ذُؤيب:
كأنّ عَلَيْهَا بالةً لَطَمِيّةً
لَهَا مِن خلال الدأْيَتَيْن أَرِيجُ
وَقَالَ: البالة، الجراب، وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ (بيلة) الَّتِي فِيها المِسك.
أَبُو سعيد: البالة: الرَّائِحَة والشَّمة.
وَهِي من قَوْلهم: بلوته، أَي شَمَمْته واختبرته.
وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلهَا بَلَوة، وَلكنه قدّم الْوَاو

(15/283)


قبل اللَّام، فصيّرها ألفا، وَهُوَ كَقَوْلِك: قاعَ وقَعَا، أَلا ترى قَول ذِي الرّمّة:
بأَصْفر وَرْدٍ آل حَتَّى كأَنَّما
يَسُوف بِهِ الْبَالِي عُصَارة خَرْدَلِ
أَلا ترَاهُ جعله: يَبْلُوه.

(بَاب اللَّام وَالْمِيم)
ل م (وايء)
مَال، أمل، ألم، مَال، لأم (لوم) ، ملا، أمْلى، لما، وَلم.
أمل: اللَّيْث: الأَمَل: الرَّجاء.
وَيُقَال: أَمَلْته آمُله، وأَمَله يأْمُله.
والتّأمُّل: التَّثبُّت.
والأَمِيل: حَبل من الرَّمْل مُعْتَزل عَن مُعْظَمه؛ على تَقْدِير مِيل؛ وأَنْشد:
كالبَرْق يَجْتَاز أَمِيلاً أَعْرَفَا
وَجمعه: أُمُل.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَمِيل: حَبْل من الرَّمْل يكون عَرْضه نَحوا من مِيل.
قلت: وَلَيْسَ قولُ مَن زعم أَنهم أَرَادوا بِهِ الأَميل من الرمل: الأمْيل، فخُفِّف، بِشَيْء، وَلَا نَعلم فِي كَلَامهم مَا يشبه هَذَا.
وَيُقَال: مَا أَطول إمْلته من الأَمل.
ابْن الْأَعرَابِي: الأَمَلة: أعوان الرَّجُل.
واحدهم: آمِل.
ميل: اللّيث: المالُ، مَعْرُوف، وَجمعه: أَمْوَال.
ومالُ أهل الْبَادِيَة: النّعَم.
وَرَجُلٌ مالَةٌ: ذُو مَال، والفِعل: تَمَوَّل.
أَبُو زيد: المِيل، مَعْرُوف.
والمَيَلُ، مصدر الأَمْيَل، وَهُوَ المائل.
والفِعل: مَيِل يَمْيَل.
اللَّيْث: المَيْلاء من الرَّمْلِ: عُقْدة ضَخْمة مُعْتَزلة.
قلت: لَا أعرف المَيْلاء، فِي صِفة الرِّمَال، وأحْسبه أَراد قَول ذِي الرُّمّة:
مَيْلاَءَ من مَعْدنِ الصِّيران قاصِيَةٍ
أَبْعَارُهُنّ على أَهْدافها كَثَبُ
وَإِنَّمَا أَرَادَ هَا هُنَا ب (المَيْلا) : أَرْطَاة، وَلها حِينَئِذٍ مَعْنيان:
أَحدهمَا: أَنه أَراد أنّ فِيهَا اعْوجاجاً.
وَالثَّانِي: أَنه أَرَادَ أَنَّهَا مُنْتَحِيةً مُتباعدة من مَعدن بَقر الوَحْش.
اللَّيْث: المِيلُ: مَنارٌ يُبْنى للمُسافر فِي أنْشاز الأَرْض وأَشْرافها.
قلتُ: المِيلُ، فِي كَلَام الْعَرَب: قدر مُنتهى مدِّ البَصر من الأَرض.
وَقيل للأعلام المَبنيّة فِي طَريق مَكَّة:

(15/284)


أَمْيَال، لأنّها بُنيت على مقادير مَدَى الْبَصَر من الْميل إِلَى الْميل، وكلّ ثَلَاثَة أَمْيَال مِنْهَا فَرْسخ.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: قَول العامّة المِيل لما تُكحل بِهِ العينُ، خطأ، إِنَّمَا هُوَ المُلْمُول.
اللَّيْث: المِيل: المُلْمُول.
قَالَ: والأَمْيل من الرِّجال: الجبّار.
قَالَ: وَهُوَ فِي تَفْسِير الْأَعْرَاب: الَّذِي لَا تُرس مَعَه فِي الحَرب.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأمْيل: الَّذِي لَا سَيْف لَهُ، جمعه: مِيل؛ قَالَ الأعْشى:
لَا مِيلٌ وَلَا عُزُلُ
وَهَذَا هُوَ الصَّحيح.
وَيُقَال: تَمَوّل فلانٌ مَالا، إِذا اتّخذ قِنْية من المَال؛ وَمِنْه قولُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غير مُتموِّل مَالا، وَغير مُتأثِّل مَالا) .
والمعنيان مُتَقاربان.
وَيُقَال: مَال الرَّجُل يَمَالُ: كَثُر مالُه.
وَمَا أمْوَلَه أَي مَا أَكثر مالَه
عَمْرو، عَن أَبِيه، هِيَ العَنكبوت، والمُولَةُ، والشَّبَتُ، والْمِنَنة.
والمِشْطة المَيْلاء: مِشْطة مَعْرُوفَة، وَقد كرهها بعضُهم للنِّساء.
وَجَاء فِي الحَدِيث فِي ذكر النِّساء: (مائلاتٌ مُميلات) .
يَقُول: يَمِلْن بالخُيلاء ويُصْبِين قلوبَ الرِّجال.
وَقيل: مائلات الخِمْرة؛ كَمَا قَالَ الراجز:
مائلة الخِمْرة والكَلاَم
وَقيل: المائلات: المُتبرِّجات.
وَقيل: مائلات الرُّؤوس إِلَى الرِّجال.
وَفِي حَدِيث أبي مُوسى أَنه قَالَ لأنس: عُجِّلت الدُّنْيا وغُيِّبت الْآخِرَة، أما وَالله لَو عاينوها مَا عدلوا وَلَا مَيَّلوا. أَي: لم يَشكّوا وَلم يترددوا.
تَقول الْعَرَب: إِنِّي لأُميِّل بَين ذَيْنك الأَمْرين، وأُمايل بَينهمَا، أيّهما أركب، وأُمايط بَينهمَا، وَإِنِّي لأُمَيِّل وأُمايل بَينهمَا أيّهما أفضل؟ وَقَالَ عِمْران بن حطّان:
لما رأوْا مَخْرجاً من كُفْر قَومهم
مَضَوْا فَمَا مَيَّلوا فِيهِ وَمَا عَدَلُوا
أَي لم يَشكّوا.
وَإِذا مَيّل الرَّجُل بَين أَمْرين، فَهُوَ شاكّ.
وَقَوله: مَا عدلوا، كَمَا تَقول: كَمَا عَدلوا بِهِ أحدا.
أَبُو زيد: مَيل الحائطُ، ومَيل سنامُ الْبَعِير؛ ومَيِل الحوْضُ، مَيَلاً.
وَمَال الحائطُ يَمِيل مَيْلاً.
ابْن السِّكيت: فِي فلَان مَيَلٌ علينا.
وَفِي الْحَائِط مَيَلٌ.

(15/285)


لأم لوم: اللَّيْث: اللّوْم: المَلامة، وَقد لامَ يَلُوم.
ورَجُلٌ مَلُوم ومَلِيم: قد اسْتَحَقّ اللَّومَ.
قَالَ: واللّوْماء: المَلامة.
واللّوْمَةُ: الشّهْدة.
قَالَ: واللاّمة، بِلَا همز، واللاّمُ: الهَوْل؛ قَالَ المُتَلَمِّس:
ويكاد من لامٍ يَطير فؤادُها
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْق: اللاّم: القُرْب.
وَقَالَ أَبُو خيرة: اللاّم، من قَول الْقَائِل: لامٍ، كَمَا يَقُول الصائتُ: أيا أيا، إِذا سَمِعت الناقةُ ذَلِك طارت من حدّة قَلبهَا.
قَالَ: وَقَول أبي الدُّقَيْش أوْفق لمعْنى المتنكِّس فِي الْبَيْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ:
ويَكاد من لامٍ يَطير فُؤادُها
إِذْ مَرَّ مُكّاءُ الضُّحَى المُتَنكِّسُ
ابْن الْأَعرَابِي: اللاّمُ: الشَّخْص فِي بَيت المتلمِّس.
يُقَال: رَأَيْت لامَه، أَي شخصه.
ثَعْلَب، عَنهُ: اللّوَمُ: كَثْرَة اللّوْم.
وَقَالَ الْفراء، وَأَبُو زيد: من الْعَرَب من يَقُول المَلِيم بِمَعْنى: المَلُوم.
وَمن قَالَ مَلِيم بناه على لِيمَ.
أَبُو عُبيدة: لُمْت الرَّجُلَ، وأَلَمْتُه. بِمَعْنى وَاحِد؛ وَمِنْه قَول مَعْقل بن خُويلد الْهُذلِيّ:
حَمِدْتُ الله أَن أَمْسى رَبِيع
بدار الهُون مَلْحِيّاً مُلامَا
ويُقال: قضى القومُ لُواماتٍ لَهُم، وَهِي الْحَاجَات.
واحدُها: لُوَامة.
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبيدة: اللأمَةُ: الدِّرْع.
وَجَمعهَا: لُؤَم، مِثَال فُعَل.
وَقَالَ: وَهَذَا على غير قِيَاس.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللأمة: السِّلاح كُلّه.
يُقَال للسَّيف: لأْمَة؛ وللرُّمح: لأْمَة.
وَإِنَّمَا سُمِّيت: لأْمة، لِأَنَّهَا تُلائم الْجَسَد وتُلازمه.
قَالَ: ويُقال: اسْتلأم الرّجُل، إِذا لبس مَا عِنْده من عدَّة ودِرْع ومِغْفَر وسَيْف ونَبْل؛ وَقَالَ عَنترة:
إِن تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإنّني
طَبٌّ بأخْذ الْفَارِس المُسْتَلْئِم
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: اللأمة، الدِّرع الحصينة.
سُمّيت: لأْمَة، لإحكامها وجَودة حلقها؛ وَقَالَ ابْن أبي الحُقيق فَجعل اللأْمة البَيْضَ:
بِفَيْلَقٍ تُسْقِط الأحْبالَ رُؤيتُها
مُسْتَلْئِمي البَيْض من فَوق السَّرابِيلِ
وَقَالَ الْأَعْشَى، فَجعل اللأمة السِّلاَح كُلّه:

(15/286)


وقُوفاً بِمَا كَانَ من لأْمَةٍ
وهُنّ صِيَامٌ يَلُكْن اللُجُمْ
وَقَالَ غيرُه، فَجعل اللأمة الدِّرع وفُروجها بَين يَدَيها وَمن خَلفها:
كأنّ فُروج اللأمة السَّرْد شَكّها
على نفسِه عَبْلُ الذِّراعين مُخْدِرُ
أَبُو زيد: لَؤُم الرَّجل يَلْؤُم لُؤْماً ومَلأَمَةً؛ فَهُوَ لَئِيم.
وَيُقَال: قد ألأم الرَّجُل، إِذا صَنَع مَا يَدْعوه الناسُ عَلَيْهِ لَئِيماً، فَهُوَ مُلْئِم.
وَيُقَال: هَذَا رجل مِلأَمٌ، وَهُوَ الَّذِي يُعْذِر اللِّئام.
ابْن الْأَعرَابِي: المُلْئِم: الَّذِي يَلد اللِّئامَ.
قَالَ: ويُقال للرجل إِذا سُبّ: يَا لُؤْمان، ويامَلأَمان، وَيَا مَلأم.
قَالَ: واستلأم فلانٌ الأبَ، إِذا كَانَ لَهُ أبُ سَوْءٍ لَئِيم.
وَيُقَال: هَذَا لِئْم هَذَا، أَي مِثْله.
وَالْقَوْم أَلآم؛ وأَنشد:
أتقعد العامَ لَا تَجْني على أَحدٍ
مُجنَّدين وَهَذَا الناسُ أَلآمُ
قَالَ: واللأم: الاتِّفاق.
والمُلْئِم: الرَّجُل اللَّئِيم.
وتَلاءَم الشيئان، إِذا اجْتمعَا واتَّصَلا.
ويُقال: التأم الفَرِيقان والرَّجُلان، إِذا تصالحَا واجتمعا؛ وَمِنْه قولُ الأَعْشى:
يَظُن النَّاس بالمَلِكَيْ
ن أنّهما قد الْتأمَا
فَإِن تَسْمَع بَلأْمهما
فَإِن الأَمْرَ قد فَقِمَا
والتأم الجُرْحُ: التئاما، إِذا بَرأ والْتحم.
وَهَذَا طَعَام يُلائمني، أَي يوافقني.
وَلَا تَقُل: يُلاومني.
ولاءَمْت بَين الْفَرِيقَيْنِ، إِذا أَصْلَحْتَ بَينهمَا.
اللَّيْث: ألأْمت الجُرْحَ بالدَّواء.
وألأمت القُمْقُم، إِذا سَدَدْت صُدُوعَه.
ابْن السِّكيت: اللُّؤْمة: السِّنّة الَّتِي تَحْرث بهَا الأَرْض.
فَإِذا كَانَت على الفَدّان، فَهِيَ العِيَان.
وَجَمعهَا: عُيُن.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: سَهْمٌ لأمٌ: عَلَيْهِ ريشٌ لُؤَامٌ؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
نَطْعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجةً
لَفْتَكَ لأْميْن على نابِلِ
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: لأَمْتُ السهْم، مثل فَعَلْت: جَعلتُ لَهُ لُؤَاماً.
الأصمعيّ، وَأَبُو عُبيدة: من الرِّيش: اللُّؤَام، وَهُوَ ماكان بَطْن القُذّة مِنْهُ يَلي ظَهر الأُخرى، وَهُوَ أَجود مَا يكون، فَإِذا التقى بَطْنان، أَو ظَهران، فَهُوَ لُغَاب ولَغْب؛ وَقَالَ أَوْس بن حَجَر:

(15/287)


يُقَلِّب سَهْماً راشه بمَناكِبٍ
ظُهارٍ لُؤامٍ فَهُوَ أَعْجفُ شاسِفُ
وَيُقَال: استلام الرجل إِلَى ضَيْفه، إِذا فعل مَا يُلام عَلَيْهِ؛ وَقَالَ القُطاميّ:
ومَن يَكُن اسْتلام إِلَى ثَوِيَ
فقد أَحْسنتُ يَا زُفَر المَتَاعَا
لمى: أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: تزوّج فلانٌ لُمَتَه من النِّساء، أَي مِثْله.
ورُوي أَن شَيخا تزوَّج جَارِيَة شابّة زَمن عُمر بن الْخطاب، فَفَرِكَتْه وَقَتَلتْه، فَلَمَّا بلغ عُمَرَ الخبرُ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، لِيتزوج كُلّ رَجُل لُمَته، أَي امْرَأَته على قَدْر سِنّه، وَلَا يتزوّج الشَّيْخ حدثةً يشقّ عَلَيْهَا تَزَوّجه.
ورُوي عَن فَاطِمَة البَتول أَنَّهَا خرجت فِي لُمَة من نِسائها تتوطّأ ذَيْلَها حَتَّى دَخَلت على أبي بكر الصّديق، أَي: فِي جمَاعَة من نِسائها.
وَقيل: اللُّمَة من الرّجال: مَا بَين الثّلاثة إِلَى العَشرة.
ويُقال: لَك فِيهِ لُمَة، أَي: أُسْوة؛ وأَنْشد ابْن الأعْرابيّ:
قَضاء الله يَغْلب كُلَّ حَيَ
ويَنْزل بالجَزْوع وبالصَّبُورِ
فَإِن نَغْبُر فإنّ لنا لُمَاتٍ
وإنْ نَغْبُر فَنحْن على نُذُورِ
أَي: نَذَرنا أنّا سنموت لَا بُدّ لنا من ذَلِك.
قَالَ: واللُّمَات: المُتوافقون من الرِّجال.
يُقَال: أَنْت لي لُمَة، وَأَنا لَك لُمة.
وَقَالَ فِي مَوضع آخر: اللُّمَى: الأتراب.
قلت: جعل النّاقِص من اللُّمَة واواً أَو يَاء، فجمعها على اللُّمَى.
قَالَ: واللّمْي: الشِّفاه السُّود.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : اللُّمَة فِي المحراث: مَا يَجُرّ بِهِ الثَّور يُثير بِهِ الأَرْض.
وَهِي: اللُّومة، والنَّورج.
أَبُو زيد: تَلَمّأت الأرضّ على فلانٍ تَلَمُّؤاً، إِذا هِيَ اسْتَوَت عَلَيْهِ فوارتْه؛ وأَنشد فِي ذَلِك:
وللأَرْض كم مِن صالِحٍ قد تَلَمَّأت
عَلَيْهِ فوارتْه بلمّاعةٍ قَفْرِ
ويُقال: قد ألمأتُ على الشَّيْء، إِذا احتويتَ عَلَيْهِ.
غَيره: يُقال: مَا أَدري أَيْن أَلمأَ مِن بِلَاد الله؟ أَي ذَهَب.
وَيُقَال: كَانَ فِي الأَرْض مَرعى وزَرع فهاجت الرِّياح فألْمأَتْها، أَي تَركتها صَعِيداً.
ابْن كُثْوة: مَا يَلْمَأ فَمُه بِكَلِمَة، وَمَا يَجْأَى فَمُه، بمَعْناه.

(15/288)


وَمَا يلمأ فَمُ فلَان بِكَلِمَة، مَعْنَاهُ: لَا يَسْتعظم شَيْئا تَكَلَّم بِهِ مِن قَبيح.
اللَّيْث: اللَّمى، مَقصور، من الشَّفة اللّمْياء، وَهِي اللَّطيفة القليلة الدَّم.
والنعت، أَلْمى ولَمْياء.
وَكَذَلِكَ: لَثة لَمياء: قَليلَة اللّحم.
وَقَالَ أَبُو نصر: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن اللّمى مرّة، فَقَالَ: هِيَ سُمْرة فِي الشّفَة.
ثمَّ سَأَلته ثَانِيَة، فَقَالَ: هُوَ سَواد يكون فِي الشّفتين؛ وأَنشد:
يَضْحكن عَن مَثْلوجة الأثلاج
فِيهَا لَمًى مِن لُعْسَةِ الأدْعاج
وظِلٌّ أَلْمي: كثيف أَسْود؛ قَالَ طرفَة:
وتَبْسِم عَن أَلْمَى كأنّ مُنَوَّراً
تَخَلَّل حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي
أَرَادَ: عَن ثَغْر ألْمى اللِّثات، فَاكْتفى بالنَّعت عَن المَنْعوت.
وَقَالَ أَبُو الجَرّاح: إنّ فُلَانَة لَتُلَمِّي شَفَتَيْها.
وَقَالَ بَعضهم: الأَلْمى: الْبَارِد الرِّيق. وظِلٌّ ألْمى: بارِد.
وجَعل ابْن الأعرابيّ: اللّمَى سَواداً.
ألم: أَبُو عُبيد: عَن ابْن السِّكيت: أَلِمْتَ بَطْنَك، ورَشِدْت أَمْرَك.
قَالَ: وانتصاب بَطْنك وأَمْرك على التّفسير، وَهُوَ مَعرفة، والمُفَسرات نكرات؛ كَقَوْلِك: قَرِرْت بِهِ عَيْناً، وضِقْت بِهِ ذَرْعاً. وَقد مَرّ تفسيرُه.
والأَلَم: الوَجع.
وَقد أَلِم الرَّجُل يَأْلَم، أَلَماً، فَهُوَ أَلِم.
ويُجمع الأَلم: آلاماً.
فَإِذا قلت: عَذَاب أَلِيم، فَهُوَ بِمَعْنى مُؤْلم.
وَمِنْه: رَجُلٌ وَجِع، وضَرْب وَجِع، أَي مُوجع.
وتألّم فلانٌ من فلانٍ، إِذا تشكَّى مِنْهُ وتوجَّع.
أَبُو زيد: يُقَال: مَا أجد أَيْلَمةً وَلَا ألماً، وَهُوَ الوَجع.
ابْن الْأَعرَابِي: مَا سَمِعت لَهُ أَيْلمةً، أَي صَوتاً.
شمر، عَنهُ: مَا وجدت أَيْلمةً وَلَا أَلماً، أَي وجعاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَيْلمة: الحَركة؛ وأَنْشد:
فَمَا سمعتُ بعد تِلْكَ النَّأَمَهْ
مِنْهَا وَلَا مِنْه هُناك أَيْلَمهْ
وأَلُومَة: مَوضِع، وَقَالَ صَخْر الغَيّ:
ويَجْلُبوا الخَيْلَ من أَلُومةَ أَو
مِن بَطْن عَمْقٍ كَأَنَّهَا البُجُدُ
ملا أمْلى: أَبُو حَاتِم: حُبٌّ مَلآن، وقِرْبة مَلأَى، وحِبَابٌ مِلاَء.
وَإِن شِئت خَفّفت الْهمزَة فَقلت: مَلاً.

(15/289)


والمِلْء: مَا أَخذ الإناءُ من المَاء.
وَقد امْتَلَأَ الْإِنَاء.
وإناء مَلآن.
وشابٌّ مالىء الْعين، إِذا كَانَ فخماً حَسَناً؛ قَالَ الراجز:
بِهَجْمة تَملأ عَيْن الحاسِدِ
وَيُقَال: أَمْلأ فلانٌ فِي قَوْسه، إِذا أَغْرق فِي النَّزْع.
ومَلأ فلانٌ فُروج فَرسه، إِذا حَمله على أشَدّ الحُضْر.
أَبُو عُبيد: مُلىء فلانٌ، فَهُوَ مَمْلوء.
وَالِاسْم: المُلاءة، وَهُوَ الزُّكام.
وَقد أملأه الله، إِذا أَزْكَمه.
اللَّيْث: المُلأَة: ثِقَلٌ يَأْخُذ فِي الرَّأْس كالزُّكام من امتلاء المَعِدة.
والمَلأ، مَهْمُوز مَقْصُور: أَشْرَاف النَّاس ووُجوههم؛ قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ} (الْبَقَرَة: 246) و {قَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ} (الْأَعْرَاف: 59) .
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَمع رجلا من الْأَنْصَار مَرْجِعَه من غَزوة بَدْر يَقُول: مَا قتلنَا إِلَّا عجائزَ صُلْعاً. فَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُولَئِكَ الْمَلأ من قُريش لَو حَضرت فِعالَهم لاحْتَقرت فِعْلك.
وَالْمَلَأ أَيْضا: الخُلق: يُقَال: أحْسِنْ مَلأَك أَيهَا الرجل، وأحسنوا أمْلاءَكم.
وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تكابُّوا على المَاء فِي تِلك الغَزاة لِعَطشٍ نالهم، قَالَ: (أَحْسنوا أَمْلاءكم فكُلّكم سَيَرْوَى) .
أَي: أَحْسِنُوا أَخلاقكم.
وَمِنْه قَوْله:
تَنادَوْا آل بُهْثة إِذْ رَأَوْنَا
فقُلْنا أحْسِني مَلأً جُهَيْنَا
أَي: أحسني خُلقاً يَا جُهَينة.
ويُقالُ: أَرَادَ: أحسني مُمالأة، أَي معاونةً، من قَوْلك: مالأت فلَانا، أَي عاونتُه وظاهرتُه.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَتل سَبْعَة نفر بصبيّ قَتَلُوهُ غِيلةً، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صَنعاء لقتلتُهم بِهِ.
يَقُول: لَو تضافَروا واجتمعوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: رجُلٌ مَلِيء، مَهْمُوز: بَيِّنُ المَلاَء.
والمَلأ: الرُّؤساء، سُمّوا بذلك لأَنهم مِلاَءٌ بِمَا يُحتاج إِلَيْهِ.
قَالَ: والمَلأ: الخَلْق.
قَالَ: وهما مَهموزان مَقْصُوران.
وَأما الملا: المُتَّسع من الأَرْض، فَهُوَ غير مَهْمُوز، يكْتب بِالْألف وبالياء، والبَصريون يكتبونه بِالْألف؛ وَأنْشد:

(15/290)


أَلا غَنِّياني وارْفَعا الصَّوتَ بالمَلاَ
فإنّ المَلاَ عِنْدي يَزيد المَدى بُعْدَا
أَبُو زيد: مَلُؤ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلاءة.
فَهُوَ: مَلىء.
اللَّيْث: المُلاَءة: الرَّيْطة.
وَالْجمع: المُلاَء.
قَالَ: وَقوم مِلاَء.
قَالَ: ومَن خَفّف قَالَ: قومٌ مِلًى.
ابْن الْأَعرَابِي: المُلَى: الرّمَاد الحارّ.
والمُلَى: الزَّمانُ مِن الدَّهْر.
وَقَالَ ابْن السِّكيت، فِي قَول الشَّاعِر:
وتَحَدَّثوا مَلأً لِتُصْبح أُمّنا
عَذْراء لَا كَهْلٌ وَلَا مَوْلُودُ
أَي: تَشاوروا وتَحَدَّثوا مُتمالئين على ذَلِك ليقتُلونا أَجْمَعِينَ فتُصبح أمّنا كالعَذراء الَّتِي لَا وَلد لَهَا.
أَبُو عبيد: يُقال للْقَوْم إِذا تتابعوا برأيهم على أَمْر: قد تمالئُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: تَمَلَّأْتُ من الطَّعَام تَمَلُّوءاً.
مَلوة من الدَّهْر، ومُلوة، ومِلوة، ومَلاوة؛ وهُذيل تَقول: مَلاَوة؛ وبعضُ الْعَرَب يَقُول: مُلاَوة، كُله من الطُّول.
ابْن الْأَعرَابِي: مَلاوة من الدَّهْر، ومُلاوة، ومِلاوة، أَي حينٌ من الدّهْر.
اللَّيْث: إِنَّه لفي مَلاوة من عَيْش، أَي قد أُمْلِيَ لَهُ.
وَالله يُملي من يَشَاء فيؤجّله فِي الخَفض والسَّعة والأَمْن؛ قَالَ العجّاج:
مُلاوةً مُلِّيتُها كأنِّي
ضاربُ صَنْجٍ نَشْوةٍ مُغَنِّي
الْأَصْمَعِي: أَمْلى عَلَيْهِ الزَّمنُ، أَي طَال عَلَيْهِ.
وأملى لَهُ، أَي طوّل لَهُ وأَمْهله.
ومَلاَ البَعيرُ يَمْلُو مَلْواً، إِذا سَار سَيْراً شَدِيدا؛ وَقَالَ مُلَيح الهُذليّ:
فأَلْقوا عليهنّ السّياط فشَمَّرت
سعالَى عَلَيْهَا المَيْسُ تَمْلُوا وتَقْذِفُ
شَمر: يُقَال: فلَان أَمْلأ لعَيْنِي من فلَان، أَي أتمّ فِي كل شَيْء منْظرًا وحُسْناً.
وَهُوَ رجل مالىءٌ للعَين، إِذا أَعجبك حُسْنه وبَهْجته.
ابْن الْأَعرَابِي: مالأه، إِذا عاونه؛ ولامأه، إِذا صَحبه أشباهُه.
مأل: ابْن الْأَعرَابِي: رَجُلٌ مَئِلٌ، وَامْرَأَة مَئِلة، أَي ضَخْمٌ تارٌّ.
وَقد مَئِلت تَمْأَل، ومَؤُلت، تَمْؤُل.
وَلم: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الوَلْمة: تَمام الشَّيْء واجْتماعه.
وأَوْلَم الرَّجُلُ: اجْتمع خَلْقُه وعَقْلُه.
قَالَ: والوَلَمُ: الحَبْلُ الَّذِي يُشدّ من التَّصْدير إِلَى السِّنَاف لئلاّ يَقْلقا.

(15/291)


والوَلْم: القَيْد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: يُسمَّى الطَّعام الَّذِي يُصْنع عِنْد العُرس: الوَلِيمة.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرحمان بن عَوْف، وَقد جمع إِليه أَهله: (أَوْلِم) .
أَي: اصْنع وَلِيمةً.
وأصْل هَذَا كُله من الِاجْتِمَاع.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: رجلٌ وَيْلُمّة: داهيةٌ أيّ داهية.

(15/292)


بَاب لفيف حرف اللَّام
(لَام، لَو، لَا، لات، إمالا، أَلا، إِلَّا، إِلَى، لي، ألى، أَلا، آل، ة أل، ليل، لوى، ولى، أول، أيلول، إيليا، ولول، تلو
نَبدأ أَولا بالحروف الَّتِي جَاءَت لمعانٍ من بَاب اللاّم لحَاجَة النَّاس إِلَى مَعْرفَتهَا، فَمِنْهَا:
لَام: اللَّام الَّتِي توصل بهَا الْأَسْمَاء، وَالْأَفْعَال، وَلها معانٍ شتّى، فَمِنْهَا:
لَام الْملك
كَقَوْلِك: هَذَا المالُ لِزيد، وَهَذَا الفرسُ لِعَمرو.
وَمن النَّحْوِيين من يُسَمِّيها لَام الْإِضَافَة. سُمِّيت لَام الْملك لأنّك إِذا قلت: هَذَا لِزَيْد، عُلم أَنه مِلْكُه.
وإِذا اتَّصلت هَذِه اللَّام بالمكْنِيّ عَنهُ نُصبت، كَقَوْلِك: هَذَا المَال لَهُ، ولَنا، ولكَ، ولَها، ولَهما، ولَهم.
وَإِنَّمَا فُتحت مَعَ الكِنايات لِأَن هَذِه اللَّام فِي الأَصْل مَفْتُوحَة، وإِنما كسرت مَعَ الْأَسْمَاء لِيُفْصل بَين لَام الْقسم وَبَين لَام الْإِضَافَة، أَلا ترى أَنَّك لَو قُلت: إِن هَذَا المَال لِزيد، عُلم أَنه مِلْكه، وَلَو قلت: إنّ هَذَا لَزَيْدٌ، عُلم أَن المُشار إِلَيْهِ هُوَ زَيد فكُسرت ليُفرق بَينهمَا.
وَإِذا قلت: المالُ لكَ، فتحت؛ لأنّ اللَّبس قد زَالَ.
وَهَذَا قولُ الْخَلِيل والبَصْرييّن.
لَام كي
هِيَ كَقَوْلِك: جئتُ لِتَقُومَ يَا هَذَا.
سُمِّيت لَام كي لأنّ مَعْنَاهَا: جئتُ لكَي تَقُومَ.
وَمَعْنَاهَا: معنى لَام الْإِضَافَة، وَلذَلِك كُسرت؛ لِأَن الْمَعْنى: جِئْت لِقيامك.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} (يُونُس: 88) : هِيَ لَام كي. الْمَعْنى: يَا ربّ أَعْطَيتهم مَا أَعطيتهم ليضلّوا عَن سَبيلك.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: الِاخْتِيَار أَن تكون هَذِه اللَّام وَمَا أشبههَا بِتَأْوِيل الخَفْض. الْمَعْنى: آتيْتهم مَا آتَيْتهم لضلالهم.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} (الْقَصَص: 8) مَعْنَاهُ: لِكَوْنه، لِأَنَّهُ قد آلت الْحَال إِلَى ذَلِك.

(15/293)


قَالَ: والعربُ تجْعَل لَام كي فِي مَعنى لَام الْخَفْض، وَلَام الْخَفْض فِي معنى لَام كي لتقارُب المعَنى.
قَالَ الله تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} (التَّوْبَة: 95) . الْمَعْنى: لإعراضكم عَنْهُم، وهم لم يحلفوا لكَي تُعرضوا، وَإِنَّمَا حلفوا لإعراضهم عَنْهُم؛ وأَنْشد:
سَمَوْت وَلم تكن أَهلا لِتَسْمُو
ولكنّ المُضَيَّع قد يُصابُ
أَرَادَ: لم تكن أَهلا للسّمُوّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} (التَّوْبَة: 121) : اللَّام فِي لِيَجْزيهم لَام الْيَمين، كَأَنَّهُ قَالَ: ليجزينّهم، فَحذف النُّون وَكسر اللَّام، وَكَانَت مَفْتُوحَة، فَأَشْبَهت فِي اللَّفْظ لَام كي، فنَصبوا بهَا كَمَا نصبوا ب (لَام كي) .
قَالَ: وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {} {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: 1 و 2) . الْمَعْنى ليغفرنّ الله لَك.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو حَاتِم غَلط، لِأَن لَام القَسم لَا تُكسر وَلَا يُنصب بهَا، وَلَو جَازَ أَن يكون معنى لِيَجْزِيَهُم الله: ليجزينّهم، لقُلنا: وَالله ليقومَ زيد، بِمَعْنى ليقومنّ، وَهَذَا مَعدوم فِي كَلَام الْعَرَب.
وَاحْتج أَبُو حَاتِم بِأَن الْعَرَب تَقول فِي التعجُّب: أَظْرِفْ بزَيْد فيَجْزمونه لشبهه بِلَفْظ الْأَمر. وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك؛ لِأَن التعجّب عُدل إِلَى لفظ الْأَمر، وَلَام الْيَمين لم تُوجد مَكْسُورَة قطّ فِي حَال ظُهُور الْيَمين، وَلَا فِي حَال إضمارها.
قَالَ أَبُو بكر: وَسَأَلت أَبَا العبّاس عَن اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: 2) ، فَقَالَ: هِيَ لَام كي. مَعْنَاهُ: إنّا فتحنا لَك فَتْحاً مُبيناً لكَي يَجتمع لَك مَعَ الْمَغْفِرَة تمامُ النّعمة فِي الْفَتْح، فَلَمَّا انضمّ إِلَى الْمَغْفِرَة شَيْء حَادث وَاقع حَسُن معنى كي.
وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} (سبأ: 4) هِيَ: لَام كي، تتصل بقوله تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} (سبأ: 3) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ فِى كِتَابٍ} (سبأ: 3) أَحْصَاهُ عَلَيْهِم لكَي يَجْزِي المُحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.
لَام الْأَمر
وَهُوَ كَقَوْلِك: لِيضْرب زيْدٌ عمرا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَصْلهَا نَصْب، وَإِنَّمَا كُسرت ليفرّق بَينهَا وَبَين لَام التوكيد، وَلَا يبالى بشبهها بلام الْجَرّ؛ لأنّ لَام الْجَرّ لَا تقع فِي الْأَفْعَال، وَتَقَع لَام التوكيد فِي الْأَفْعَال، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: لِيضرب، وَأَنت تَأمر، لأشبه لامَ التوكيد،

(15/294)


إِذا قلت: إِنَّك لَتضربُ زيدا.
وَهَذِه اللَّام فِي الْأَمر أَكثر مَا تُستعمل فِي غير المُخاطب، وَهِي تجزم الفِعل، فَإِن جَاءَت للمُخاطب لم يُنْكر.
وَقَالَ الْفراء: رُوي أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي بعض الْمشَاهد: (لِتأخذُوا مَصَافّكم) . يُرِيد: خُذوا مَصافّكم.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (يُونُس: 85) .
أَكثر القُرّاء قرءوا بِالْيَاءِ.
ورُوي عَن زَيد بن ثَابت: {فَلْيَفْرَحُواْ} (يُونُس: 58) . يُرِيد أَصْحَاب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ خيرٌ مِمَّا يجمعُونَ، أَي ممّا يَجمع الكُفّار.
وقوّى قراءةَ أُبيّ (فَافْرَحُوا) وَهُوَ البِناء الَّذِي خُلق للأَمر إِذا واجَهْت بِهِ.
قَالَ الْفراء: وَكَانَ الكسائيّ يَعيب قَوْلهم فَلْتفرحوا، لِأَنَّهُ وَجده قَلِيلا فَجعله عَيْباً.
وَقَرَأَ يَعْقُوب الحَضْرميّ، بِالتَّاءِ، وَهِي جَائِزَة.
اللَّام الَّتِي هِيَ لِلْأَمْرِ فِي تَأْوِيل الْجَزَاء
من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {لِلَّذِينَءَامَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا} (العنكبوت: 12) .
قَالَ الْفراء: هُوَ أَمر فِيهِ تَأْوِيل الْجَزَاء، كَمَا أَن قَوْله تَعَالَى: {النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ} (النَّمْل: 18) نَهْيٌ فِي تَأْوِيل الجَزاء، وَهُوَ كثير فِي كَلَام الْعَرَب؛ وَأنْشد:
فَقلت ادْعِي وأَدْعُ فإنّ أَنْدَى
لِصَوْتٍ أَن يُنَادِي داعِيان
أَي: ادْعِي ولأَدعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن دعوتِ دعوتُ.
ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج.
وَقَالَ: يُقرأ قَوْله: {اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا} (العنكبوت: 12) بِسُكُون اللاّم وبكسرهما، وَهُوَ أمرٌ فِي تَأْوِيل الشَّرط.
الْمَعْنى: إِن تَتّبعوا سَبيلنا حَملنا خطاياكم.
لَام التوكيد
وَهِي تَتصل بالأسماء وَالْأَفْعَال الَّتِي هِيَ جوابات القَسَم وَجَوَاب إنّ.
فالأسماء كَقَوْلِك: إنّ زيدا لكريم.
وَالْأَفْعَال كَقَوْلِك: إنّه ليذُبّ عَنْك.
وَفِي الْقسم: وَالله لأصلّين، ورَبّي لأصُومَنّ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} (النِّسَاء: 71) أَي: ممّن أَظهر الْإِيمَان لَمن يُبطِّىء عَن القِتال.
قَالَ الزّجاج: اللَّام الأولى الَّتِي فِي قَوْله ليبطِّئن لَام الْقسم، و (من) مَوْصُولَة بالجالب للقسم، كأنّ هَذَا لَو كَانَ كلَاما لَقلت: إنّ مِنْكُم لَمن أحْلِف بِاللَّه وَالله ليبطِّئنّ.
قَالَ: والنَّحويون مجمعون على أَن (مَا)

(15/295)


و (من) و (الَّذِي) لَا يُوصَلْن بِالْأَمر والنّهي إِلَّا بِمَا يضمر مَعهَا من ذكر الْخَبَر، وَأَن لَام الْقسم إِذا جَاءَت مَعَ هَذِه الْحُرُوف فَلفظ الْقسم وَمَا أَشبهه لَفظه مضمرٌ مَعهَا وَمِنْهَا:
اللامات الَّتِي تؤكّد
بهَا حُروف المجازاة
وتُجاب بلام أُخرى توكيداً، كَقَوْلِك: لَئِن فَعَلْت كَذَا لتندمَنّ، وَلَئِن صَبَرت لَتَرْبَحَنّ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} (آل عمرَان: 81) .
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب النَّحوي، أَنه قَالَ: المَعنى فِي قَوْله: (لما آتيتكم) : لمَهما آتيتكم، أَي: أَيّ كتاب آتيتكم لتؤمننّ بِهِ ولتنصُرنّه.
قَالَ: وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: قَالَ الْأَخْفَش: اللَّام الَّتِي فِي {لما آتيتكم اسْم، وَالَّذِي بعْدهَا صلَة لَهَا، وَاللَّام الَّتِي فِي لتؤمنن بِهِ ولتنصُرنه لَام القَسم، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله لتؤمننّ، فوكّد فِي أول الْكَلَام وَفِي آخِره. وَتَكون (من) زَائِدَة.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: هَذَا كلّه غلط. اللَّام الَّتِي تدخل فِي أَوَائِل الجزاءات تُجاب بجوابات الأَيمان، تَقول: لَمَن قَامَ لآتينّه. فَإِذا وَقع فِي جوابها (مَا) و (لَا) عُلم أنّ اللَّام لَيست بتوكيد، لِأَنَّك تَضع مَكَانهَا (لَا) و (مَا) . وَلَيْسَت كالأولى، وَهِي جَوَاب للأُولى.
قَالَ: وَأما قَوْله: من كتاب فأَسْقط (من) فَهَذَا غلط، لِأَن (من) الَّتِي تدخل وَتخرج لَا تقع إِلَّا مواقع الْأَسْمَاء، وَهَذَا خبر، وَلَا تقع فِي الْخَبَر، إِنَّمَا تقع فِي الجَحد والاستفهام وَالْجَزَاء، وَهُوَ قد جعل (لَما) بِمَنْزِلَة: لَعَبد الله وَالله لقائمٌ، وَلم يَجعله جَزَاء.
وَمن اللامات الَّتِي تَصحب إنْ
فَمرَّة تكون بِمَعْنى (إِلَّا) ، وَمرَّة تكون صلَة وتوكيداً، كَقَوْل الله تَعَالَى: إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) .
فَمن جَعل (إِن) جحداً جَعل اللَّام بِمَعْنى (إلاّ) .
الْمَعْنى: مَا كَانَ وَعْد ربِّنا إِلَّا مَفْعولاً.
وَمن جعل (إِن) بِمَعْنى (قد) جعل اللَّام توكيداً.
الْمَعْنى: قد كَانَ وَعْد ربّنا مَفْعُولا.
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {قَالَ تَاللَّهِ إِن} (الصافات: 56) ، يجوز فِيهَا المَعْنيان.
لَام التَّعَجُّب وَلَام الاستغاثة
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن المبرّد: إِذا استُغيث بِوَاحِد وبجماعة، فَاللَّام مَفْتُوحَة، تَقول: ياللرِّجال يَا لَلْقوم، يَا لَزيد

(15/296)


وَكَذَلِكَ إِذا كنت تَدْعوهم.
فَأَما (لَام) الْمَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهَا تُكسر، تَقول: يَا للرّجال لِلْعَجب وَيَا لَلرّجال لِلماء وأَنْشد:
يَا لَلرّجال لِيوم الْأَرْبَعَاء أمَا
ينفكّ يُحْدِث بعد النَّهي لي طَرَبَا
وَقَالَ الآخر:
تكنّفني الوُشاةُ فأَزْعجوني
فيا لَلنّاس للواشي المُطَاعِ
وَتقول: يَا لِلْعجب، إِذا دَعَوْت إِلَيْهِ، كَأَنَّك قلت: يَا لَلنّاس لِلعجب.
قَالَ: وَلَا يجوز أَن تَقول: يَا لَزيد، وَهُوَ مقبل عَلَيْك، إِنَّمَا تَقول ذَلِك لِلْبعيد.
كَمَا لَا يجوز أَن تَقول: يَا قَوماه، وهم مقبلون عَلَيْك.
فَإِن قلت: يَا لَزيد، ولِعَمْرو، كسرت اللَّام فِي لعَمْرو، وَهُوَ مدعوّ، لِأَنَّك إِنَّمَا فتحت اللَّام فِي زيد للفَصل بَين المدعوّ والمدعوّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَطفت على زيد اسْتَغْنَيْت عَن الْفِعْل، لِأَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي مِثل حَاله؛ وَأنْشد:
يَا لَلْكَهول وللشبّان لِلْعجب
وَالْعرب تَقول: يَا لَلْعَضيهة، وَيَا لَلْلأَفِيكة، وَيَا لَلْبَهِيتَةِ.
وَفِي اللامات الَّتِي فِي هَذِه الْحُرُوف وَجْهَان:
فَإِن أردْت بهَا الاستغاثة نَصَبتها.
وَإِن أردْت أَن تَدْعُو إِلَيْهَا بِمَعْنى التّعجب كسرتها، كأنَّك أردْت: يَا أَيهَا الرجل اعْجب لِلْعضيهة، وَيَا أيّها النَّاس اعجبُوا للأَفيكة.
وَمن اللامات:
لَام التّعقيب
للإضافة، وَهِي تدخل مَعَ الْفِعْل الَّذِي معَناه الِاسْم، كقَولك: فلَان عابرُ الرُّؤْيا، وعابرٌ للرؤْيا؛ وَفُلَان راهبُ ربّه، وراهبٌ لربّه.
وَمن ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الْأَعْرَاف: 154) .
وَقَالَ عزّ وجلّ: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يُوسُف: 43) .
قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا دخلت اللَّام تَعْقيباً للإضافة.
الْمَعْنى: الَّذين هم راهبون لرَبّهم، ورهبُوا ربَّهم، ثمَّ أدخلُوا اللَّام على هَذَا الْمَعْنى لِأَنَّهَا عَقّبت الْإِضَافَة.
اللَّام الَّتِي بِمَعْنى
(إِلَى) وَبِمَعْنى (أجل)
وَقد تَجِيء اللَّام بِمَعْنى (إِلَى) وَبِمَعْنى (أجل) .

(15/297)


قَالَ الله جلّ وعزّ: {رَبَّكَ أَوْحَى} (الزلزلة: 5) أَي: أوحى إِلَيْهَا.
وَقَالَ عزّ وجلّ: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 61) ، أَي: وهم إِلَيْهَا سَابِقُونَ.
وَقيل: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} (يُوسُف: 100) ، أَي خَرُّوا من أَجله سُجَّداً، كَقَوْلِك: أكْرَمت فلَانا لَك، أَي: من أَجلك.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مُرِيبٍ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ} (الشورى: 15) ، أَي: إِلَى ذَلِك فادْع.
لَام التَّعْرِيف
قَالَ الزّجاج وَغَيره: لَام التَّعْرِيف الَّتِي تصحبها الْألف، كَقَوْلِك: القومُ خارجون، وَالنَّاس طاعنون الْفرس وَالْحمار، وَمَا أَشبههما.
اللَّام الزَّائِدَة
وَمِنْهَا: اللَّام الزَّائِدَة فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، كَقَوْلِك: فَعْمَلٌ للفَعْم، وَهُوَ المُمتلىء، وناقةٌ عَنْسل لِلْعَنس الصُّلْبَة.
وَفِي الْأَفْعَال، كَقَوْلِك قَصْمَلَه، أَي: كَسره، وَالْأَصْل: قَصمه.
وَقد زِيدت فِي (ذَاك) ، فَقَالُوا: ذَلِك، وَفِي أولاك فَقَالُوا: (أولالك) .
اللَّام الَّتِي فِي (لقد)
وَأما اللَّام الَّتِي فِي (لقد) فإِنها دخلت تَأْكِيدًا ل (قد) ، فاتصلت بهَا كَأَنَّهَا مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ اللَّام الَّتِي فِي (لَمَا) مخفّفة.
لَو: قَالَ اللَّيْث: لَو: حرف أُمْنيّة، كَقَوْلِك: لَو قَدم زَيد: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (الْبَقَرَة: 167) ، فَهَذَا قد يُكْتفى بِهِ عَن الجَواب.
قَالَ: وَقد تكُون (لَو) مَوْقوفة بَين نَفْي وأُمْنِيَّة، إِذا وُصلت ب (لَا) .
وَقَالَ المبرّد: (لَو) تُوجب الشَّيْء من أجل وُقوع غَيره.
وَلَوْلَا: تمنع الشَّيْء من أَجل وُقوع غَيره.
سَلمة، عَن الْفراء: تكون (لَو) سَاكِنة الْوَاو، إِذا جَعلتهَا أَدَاة، فَإِذا أَخرجتها إِلَى الْأَسْمَاء شَدَّدت واوها وأَعربتها؛ وَمِنْه قَوْله:
عَلِقَتْ لوّاً تُكَرِّرُه
إنّ لَوّاً ذَاك أَعْيَانَا
وَقَالَ الْفراء: لَوْلَا، إِذا كَانَت مَعَ الْأَسْمَاء فَهِيَ شَرط، وَإِذا كَانَت مَعَ الْأَفْعَال، فَهِيَ بِمَعْنى (هَلاّ) ، لَوْمٌ على مَا مَضَى وتَحْضيض لِما يَأْتِي.
قَالَ: و (لَو) تكون جَحْداً وتمنِّياً وشَرْطاً.
فَإِذا كَانَت شرطا كَانَت تخويفاً، وتَشْويقاً، وتَمْثيلاً، وشَرطاً لَا يَتِمّ.
وَقَالَ الزّجاج: (لَو) : يَمتنع بهَا الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره، تَقول: لَو جَاءَنِي زيدٌ لجِئته. وَالْمعْنَى: أنّ مَجِيئي امْتنع لِامْتِنَاع مَجِيء زَيد.
ابْن الْأَعرَابِي: اللَّوَّة: السَّوْأة.
تَقول: لَوَّةً لفُلَان بِمَا صَنع، أَي سَوْأة.

(15/298)


قَالَ: والتَّوة: السَّاعَة من الزَّمان.
والحَوّة: كلمةُ الحَقّ.
وَقَالَ: اللَّيّ، واللَّوّ: الْبَاطِل.
والحَوّ، والحيّ: الحقّ.
يُقَال: فلانٌ لَا يَعرف الحوَّ من اللَّوّ، أَي لَا يَعرف الْكَلَام البَيِّن من الخَفِيّ.
لَا: لَا: حرفٌ يُنْفَى بِهِ ويُجْحَد بِهِ.
وَقد تَجِيء زَائِدَة مَعَ الْيَمين، كَقَوْلِك: لَا أُقْسم بِاللَّه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {} (الْقِيَامَة: 1) وأشكَالِها فِي الْقُرْآن، لَا اخْتِلَاف بَين النَّاس أَن مَعْنَاهَا: أُقْسم بِيَوْم الْقِيَامَة.
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسير (لَا) :
فَقَالَ بَعضهم: (لَا) لَغْوٌ، وَإِن كَانَت فِي أول السُّورة؛ لِأَن القُرآن كلّه كالسُّورة الْوَاحِدَة، لِأَنَّهُ مُتَّصل بعضُه بِبَعْض.
وَقَالَ الفَرّاء: (لَا) رَدٌّ لكلامٍ تقدَّم، كَأَنَّهُ قيل: لَيْسَ الْأَمر كَمَا ذُكِر.
ثمَّ قَالَ: وَكَانَ كثيرٌ من النَّحويين يَقُولُونَ: (لَا) صِلَةٌ.
قَالَ: وَلَا يُبْتدأ بِجَحْد، ثمَّ يُجعل صلَة يُراد بهَا الطَّرْح؛ لِأَن هَذَا لَو جَازَ لم يُعرف خَبَرٌ فِيهِ جَحْد من خبر لَا جحد فِيهِ، وَلَكِن الْقُرْآن نزل بالرّد على الَّذين أَنكروا الْبَعْث وَالْجنَّة وَالنَّار، فجَاء الإقسام بالرّد عَلَيْهِم فِي كثير من الْكَلَام المُبتدأ مِنْهُ وَغير المُبتدأ، كَقَوْلِك فِي الْكَلَام: لَا وَالله لَا أفعل ذَاك، جعلُوا (لَا) وَإِن رَأَيْتهَا مُبتَدأَة، رَدّاً لكَلَام قد مَضى.
فَلَو أُلْغِيَت (لَا) مِمَّا يُنوى بِهِ الجوابُ لم يكن بَين اليَمين، الَّتِي تكون جَوَابا، واليَمين الَّتِي تُستأنف، فَرْقٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَرَب تَطْرح (لَا) وَهِي مَنْويّة، كَقَوْلِك: وَالله أضربُك، تُريد: وَالله لَا أضربك؛ وأَنشد:
وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ
وأسأل نائحةً مَا لَها
أَي: لَا آسَى، وَلَا أسأَل.
وأفادني المُنذريّ، عَن اليزيديّ، عَن أبي زيد فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} (النِّسَاء: 175) قَالَ: مَخَافَة أَن تضلّوا، وَلَو كَانَ: يُبَيِّن الله لكم ألاّ تَضِلّوا، لَكَانَ صَواباً.
قلت: وَكَذَلِكَ: ألاّ تضل، وَأَن تَضِلّ، مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
وَمِمَّا جَاءَ فِي القُرآن من هَذَا قولُه جلّ وعزّ: {إِلاَّ غُرُوراً إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (فاطر: 41) يُريد: ألاّ تَزولا.
وَكَذَلِكَ: قولُه تَعَالَى: {لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ} (الحجرات: 2) ، أَي: ألاّ تحبط.

(15/299)


وَقَوله تَعَالَى: {أَن تَقُولُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ} (الْأَنْعَام: 156) مَعْنَاهُ: ألاّ تَقولُوا.
قَالَ: وقولك: أَسأَلك بِاللَّه ألاّ تَقوله، وَأَن تَقوله.
فَأَما: ألاّ تَقوله: فَجَاءَت (لَا) لِأَنَّك لم تُرد أَن يَقُوله.
وَقَوله: أَسأَلك بِاللَّه أَن تَقوله: سَأَلتك هَذَا، فِي مَعْنى النَّهْي.
أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْكَلَام: وَالله أَقُول ذَاك أبدا، وَالله لَا أَقُول ذَاك أبدا.
(لَا) هَا هُنَا طَرْحُها وإدخالُها سَوَاء، وَذَلِكَ أَن الْكَلَام لَهُ إباء وإنعام، فَإِذا كَانَ من الْكَلَام مَا يَجِيء من بَاب الإنعام مُوَافقا للإباء، كَانَ سَوَاء، وَمَا لم يكن لم يكن، أَلا ترى أَنَّك تَقول: آتِيك غَدا، وَأَقُول مَعَك، فَلَا يكون إِلَّا على مَعنى الإنعام.
فَإِذا قلت: وَالله أَقُول ذَاك، على معنى: وَالله لَا أَقُول ذَاك، صَلَح.
وَذَلِكَ لِأَن الإنعام: وَالله لأقولنّه، وَالله لأذهبنّ مَعَك، وَلَا يكون: وَالله أذهب مَعَك، وَأَنت تُريد أَن تَفْعل.
قَالَ: وَاعْلَم أَن (لَا) لَا تكون صلَة إلاّ فِي معنى الإباء، وَلَا تكون فِي معنى الإنْعام.
قلت: وَافق قولُ أبي إِسْحَاق قولَ الفَرّاء فِي تَفسير (لَا أُقْسم) .
وَقَالَ الفرّاء: العربُ تَجعل (لَا) صلَة إِذا اتّصلت بجَحْد قبلهَا؛ قَالَ الشَّاعِر:
مَا كَانَ يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم
والأَطْيبان أَبُو بَكر وَلَا عُمَرُ
أَرَادَ: (والطيبان) أَبُو بكر وعُمر.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَّحِيمٌ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ} (الْحَدِيد: 29) .
العربُ: تَجعل (لَا) صلَة فِي كُل كَلَام دَخل فِي أَوله جَحد، أَو فِي آخِره جَحْد غيرُ مُصرّح، فَهَذَا ممّا دخل آخِرَه الجحدُ، فَجعلت (لَا) فِي أوّله صلَة.
قَالَ: وأمّا الجحدُ السَّابِق الَّذِي لم يُصرّح بِهِ، فقولك: مَا مَنعك أَن لَا تَسْجد، وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الْأَنْعَام: 109) ، وَقَوله تَعَالَى: { (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 95) .
وَفِي (الْحَرَام) معنى جَحْد ومَنْع، وَفِي قَوْله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} مثله.
فَلذَلِك جُعلت (لَا) بعده صِلة، مَعْنَاهَا: السُّقُوط من الْكَلَام.
قَالَ: وَقد قَالَ بعض مَن لَا يعرف

(15/300)


العَربيّة: إنّ معنى (غير) ، فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: 7) معنى (سَوِي) ، وَأَن (لَا) صلَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: 7) .
واحتجّ بقول العجّاج:
فِي بِئر لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
بإِفْكه حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ
قَالَ: وَهَذَا جَائِز، لِأَن الْمَعْنى وَقع فِيمَا لَا يتَبَيَّن فِيهِ عَمَلُه، فَهُوَ جَحْد مَحْض، لِأَنَّهُ أَرَادَ: فِي بِئْر مَا لَا يُحير عَلَيْهِ شَيْئا، كَأَنَّك قلت: إِلَى غير رُشْد توجَّه، وَمَا يَدْري.
وَقَالَ الفَراء: معنى (غير) فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: 7) معنى (لَا) ، وَلذَلِك زِدْت عَلَيْهَا (لَا) ، كَمَا تَقول: فلَان غير مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ.
فَإِذا كَانَت (غير) بِمَعْنى (سوى) لم يَجْز أَن تَكُرّ عَلَيْهَا (لَا) ، أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول: عِنْدِي سِوى عبد الله وَلَا زَيْدٍ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله (فِي بِئْر لَا حُور) : أَرَادَ: حُؤُور، أَي رُجُوع.
وَالْمعْنَى: أَنه وَقع فِي بئرٍ هَلَكة لَا رُجوعَ فِيهَا، وَمَا شَعر بذلك، كَقَوْلِك: وَقع فِي هَلَكة وَمَا شَعر بذلك.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَنْشد الأصمعيّ لساعدةَ الهُذليّ:
أَفَعَنْك لَا بَرْقٌ كأنّ وَميضه
غابٌ تَسَنَّمه ضِرَامٌ مُثْقَبُ
قَالَ: يُرِيد: أمنك بَرْقٌ، و (لَا) صلةٌ.
وَهَذَا يُخالف مَا قَالَه الفَراء: إنّ (لَا) لَا تكون صلَة إِلَّا مَعَ حرف نَفْي تقدّمه؛ وأَنشد الْبَاهِلِيّ للشَّماخ:
إِذا مَا أَدْلَجت وَضَعَتْ يدَاها
لَهَا الإدْلاجُ ليلةَ لَا هُجُوع
أَي: عملت يداها عَمل اللَّيلة لَا يُهجع فِيهَا. يَعني: الناقةَ، ونَفَى ب (لَا) الهُجوع، وَلم يُعْمِل (لَا) ، وَترك الهجوع مجروراً على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْإِضَافَة؛ وَمثله قولُ رُؤبة:
لقد عَرَفْت حِين لَا اعْتِراف
نَفَى ب (لَا) وَتَركه مَجْروراً.
وَمثله:
أَمْسَى ببَلْدَةٍ لَا عَمَ وَلَا خالِ
وَقَالَ المُبرد فِي قَوْله عزّ وجلّ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: 7) : إِنَّمَا جَازَ أَن تَقع (لَا) فِي قَوْله {وَلاَ الضَّآلِّينَ} ، لأنّ معنى (غير) مُتضمّن معنى النَّفْي.
والنَّحويون يُجيزون: أَنْت زيدا غيرُ ضَارب، لِأَنَّهُ بِمَعْنى: أَنْت زيدا لَا ضاربٌ.
وَلَا يُجيزون: أَنْت زيدا مِثْل ضَارب، لِأَن زيدا من صلَة ضَارب فَلَا يتقدَّم عَلَيْهِ.

(15/301)


قَالَ: فَجَاءَت (لَا) تُشدِّد من هَذَا النَّفي الَّذِي تضمّنه (غير) لِأَنَّهَا تُقارب الدَّاخلة.
أَلا ترى أَنَّك تَقول: جَاءَنِي زيدٌ وَعَمْرو، فَيَقُول السامعُ: مَا جَاءَك زيد وَعَمْرو؛ فَجَائِز أَن يكون جَاءَ أحدُهما.
فَإِذا قَالَ: مَا جَاءَنِي زيدٌ وَلَا عَمْرو، فقد تبيّن أَنه لم يَأْته واحدٌ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ} (فصلت: 34) يُقارب مَا ذكرنَا وإنْ لم يَكُنْه.
لَا، الَّتِي تكون للتبرئة
النَّحْويّون يَجعلون لَهَا وُجوهاً فِي نَصب المُفرد والمُكَرَّر، وتَنْوين مَا يُنَوَّن وَمَا لَا يُنَوَّن.
والاختيارُ عِنْد جَمِيعهم أَن يُنصب بهَا مَا لَا تُعاد فِيهِ، كَقَوْل الله تَعَالَى: {أَلَمْ} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 1 و 2) .
أَجْمع القُرّاء على نَصْبه بِلَا تَنْوين.
فَإِذا أَعَدْت (لَا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} (الْبَقَرَة: 254) فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْت نَصبت بِلَا تَنوين، وَإِن شِئْت رَفَعْت ونَوَّنت.
وفيهَا لغاتٌ كَثِيرَة سوى مَا ذكرتُ من نصب بعض المكرّر منوناً وَغير مُنوَّن، وَرفع بعض منوناً، وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ اللَّيْث: هَذِه لاَءٌ مَكْتُوبَة، فَتَمُدّها لِتُتِمّ الكلمةُ اسْماً.
وَلَو صغّرت لقِيل: هَذِه لُوَيّةٌ مَكْتُوبَة، إِذا كَانَت صَغِيرَة الكِتْبة غَيْرَ جَلِيلة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} (الْبَلَد: 11) (فَلَا) بِمَعْنى (فَلم) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلم يقتحم العَقبة.
قَالَ: وَمثله: {الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} (الْقِيَامَة: 31) ، إِلَّا أَن (لَا) بِهَذَا الْمَعْنى، إِذا كُرِّرت أفْصَح مِنْهَا إِذا لم تُكَرَّر؛ وَقد قَالَ أُمية:
وأيّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} (الْبَلَد: 11) : مَعْنَاهَا: فَمَا، وَقيل: فهلاّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: المَعنى: فَلم يَقْتحم العَقبة؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} (الْقِيَامَة: 31) .
قَالَ: وَلم تذكر (لَا) هَا هُنَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وقلّما تَتَكَلَّم العربُ فِي مثل هَذَا الْمَكَان إلاّ (بِلَا) مرَّتين أَو أَكثر؛ لَا تكَاد تَقول: لَا جئتني، تُرِيدُ: مَا جئتني، فَإِن قلت: لَا جئتني وَلَا زُرْتني، صَلُح.
وَالْمعْنَى فِي {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} مَوْجُود؛ لِأَن (لَا) ثَابِتَة، فَإِنَّهَا فِي الْكَلَام، لِأَن قَوْله: {مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ} (الْبَلَد: 17) يَدل على معنى {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} وَلَا آمَن.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء.
لات: أفادني المُنْذريّ، عَن اليزيدي، عَن

(15/302)


أبي زيد: فِي قَوْله تَعالى: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) ، قَالَ: التَّاء فِيهَا صلَة، وَالْعرب تَصِل هَذِه التَّاء فِي كَلَامهَا وتَنزعها؛ وأَنْشَد:
طَلبوا صُلْحنا ولاتَ أَوانٍ
فأَجَبْنَا أَن لَيْس حِين بَقَاء
قَالَ: وَالْأَصْل فِيهَا (لَا) ، وَالْمعْنَى فِيهَا (لَيْسَ) .
وَالْعرب تَقول: مَا أَسْتَطِيع، وَمَا أسْطيع.
وَيَقُولُونَ: (ثمت) فِي مَوضِع (ثمَّ) ، و (ربت) فِي مَوضِع (رب) ، و (يَا ويلتنا) ، و (يَا ويلتا) .
أَبُو الْهَيْثَم، عَن نصر الرّازي: فِي قَوْلهم: لات هَنَّا، أَي: لَيْسَ حينَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَنَّا، فأَنَّث (لَا) فَقيل: لاةَ، ثمَّ أُضيف فتحوّلت الْهَاء تَاء، كَمَا أنَّثوا (رب) : ربّة، و (ثُم) : ثُمّة.
قَالَ: وَهَذَا قولُ الكسائيْ.
وَقَالَ الْفراء: مَعنى: ولات حِين مناص، أَي لَيْسَ بِحِين فِرار.
قَالَ: وتَنْصب بهَا لِأَنَّهَا فِي مَعنى (لَيْسَ) ؛ وأَنْشد:
طَلَبوا صُلْحنا ولات أَوَان
وَقَالَ شَمر: اجْتمع عُلَمَاء النَّحويين على أنّ أصل هَذِه التَّاء فِي (لات) هَاء، وُصلت ب (لَا) فَقَالُوا: (لاة) لغير معنى حَادث، كَمَا زادوها فِي (ثمَّ) و (ثمَّة) ، ولزمت، فَلَمَّا وصلوها جعلوها تَاء.
إمالا: قَالَ اللَّيث: قَوْلهم إمّا لَا فافْعل كَذَا، إِنَّمَا هِيَ على مَعنى: إِن لَا تفعل ذَاك فافْعل ذَا.
وَلَكنهُمْ لمّا جمعُوا هَؤُلَاءِ الأحرف فيصرْن فِي مَجرى اللَّفظ مُثقّلةً، فَصَارَ (لَا) فِي آخرهَا كَأَنَّهُ عَجُز كلمة فِيهَا ضمير مَا ذكرت لَك فِي كَلَام طَلبت فِيهِ شَيْئا، فرُدّ عَلَيْك أمرُك، فَقلت: إمّالا فافْعل ذَا.
قَالَ: وَتقول: الْقَ زيدا وإلاّ فَلَا.
مَعْنَاهُ: إِن لم تَلْق زيدا فدَعْ؛ وأَنشد:
فطلِّقها فلَسْت لَهَا بكُفءٍ
وإلاّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسَامُ
فأَضمر فِيهِ: وَإِلَّا تُطَلِّقْها يَعْل، وَغير الْبَيَان أَحْسن.
أَبُو الزُّبير، عَن جَابر بن عبد الله: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى جَمَلاً نادّاً فَقَالَ: لمن هَذَا الْجمل؟ فَإِذا فِتْيةٌ من الْأَنْصَار قَالُوا: اسْتَقَينا عَلَيْهِ عشْرين سنة وَبِه سَخِيمةٌ فأَرَدْنا أَن نَنْحَره فانْفَلت منّا؛ فَقَالَ: أَتَبِيعونه؟ قَالُوا: لَا بَلْ هُوَ لَك؛ فَقَالَ: إمّا لَا فأَحْسِنوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي أَجَلُه.
قلت: أَرَادَ: إلاّ تبيعوه فأَحْسنوا إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الْعَامَّة رُبما قَالُوا فِي مَوضِع: افْعَل ذَاك إمّالا: افْعَل ذَاك بارى، وَهُوَ فارسيّ مَرْدُود.

(15/303)


والعامة تَقول أَيْضا: أُمَّا لِي، فيَضُمُّون الْألف ويُميلون، وَهُوَ خطأ أَيْضا.
وَالصَّوَاب: إمَّالا، غير مُمالٍ؛ لِأَن الأَدوات لَا تُمال.
ويُقال: خُذ هَذَا إمَّالا؛ وَالْمعْنَى: إِذا لم تَأْخُذ ذَاك فخُذ هَذَا.
وَهُوَ مِثْل المَثَل.
وَقد يَجِيء (لَيْسَ) بِمَعْنى (لَا) ، و (لَا) بِمَعْنى (لَيْسَ) ؛ وَمن ذَلِك قولُ لَبِيد:
إِنَّمَا يُجْزى الفَتى لَيس الْجَمَلْ
أَراد: لَا الجَمل.
وسُئل النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن العَزْل، فَقَالَ: (لَا عَلَيْكُم، ألاّ تَفْعلوه، فإنّما هُوَ القَدَر) .
مَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْكُم ألاّ تفعلوه، يَعني العَزْل، كَأَنَّهُ أَراد: لَيْسَ عَلَيْكُم الْإِمْسَاك عَنهُ مِن جِهَة التَّحريم، وَإِنَّمَا هُوَ القَدَر، إِن قدّر الله أَن يكون ولدٌ كَانَ.
أَلا: سَلمة، عَن الْفراء، عَن الْكسَائي: (أَلاَ) ، تكون تَنْبيهاً وَيكون بعْدهَا أَمْرٌ، أَو نَهْي، أَو إخْبار، تَقول من ذَلِك، أَلاَ قُم، أَلا لَا تَقم، أَلا إِن زيدا قد قَامَ.
وَتَكون عَرْضاً أَيْضا، وَيكون الفِعل بعْدهَا جَزْماً ورَفْعاً.
كل ذَلِك جَاءَ عَن العَرب.
تَقول من ذَلِك: أَلا تَنزل تَأْكُل؟
وَتَكون أَيْضا تَقْرِيبًا وتَوْبيخاً، وَيكون الْفِعْل بعْدهَا مَرفوعاً لَا غَيْر.
تَقول من ذَلِك: أَلا تَندم على فعالك؟ أَلاَ تَسْتَحي من جيرانك؟ أَلا تخَاف ربّك؟
قَالَ اللَّيْث: وَقد تُرْدَف (أَلا) ب (لَا) أُخْرى، فَيُقَال: أَلالا؛ وأَنْشد:
فَقَامَ يَذُود الناسَ عَنْهَا بِسَيْفه
وَقَالَ ألالا مِن سَبيل إِلَى هِنْدِ
ويُقال للرَّجُل: هَل كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: ألالا، جَعل (أَلا) تَنْبيهاً، و (لَا) نِفْياً.
وأمّا:
إِلَّا: تكون اسْتثِْنَاء، وَتَكون حَرف جَزاء.
أَصْلهَا: إِن لَا، وهما مَعًا لَا يمالان؛ لِأَنَّهُمَا من الأدوات، والأدوات لَا تُمال، مثل: حَتَّى، وأمّا، وإلاّ، وَإِذا، لَا يجوز فِي شَيْء مِنْهَا الإمالة، لِأَنَّهَا لَيست بأسماء، وَكَذَلِكَ: إِلَى، وعَلى، ولدى، الإمالة فِيهَا غير جَائِزَة.
وأمّا: مَتى، وأنَّى، فَيجوز فيهمَا الإمالة لِأَنَّهُمَا محلاّن والمحالّ أَسْماء.
و (بلَى) يجوز فِيهَا الإمالة، لِأَنَّهَا (ياءٌ) زيدت فِي (بل) .
وأمّا (إِلَّا) الَّتِي أصلُها: إِن لَا، فإنَّها تَلي الأفعالَ المُسْتَقْبلة فتَجزمها، من ذَلِك قولُ الله تَعَالَى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الاَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الْأَنْفَال: 73) فَجزْمُ

(15/304)


{تَفْعَلُوهُ} و {تَكُنْ} ب (إِلَّا) ، كَمَا تفعل (إِن) الَّتِي هِيَ أُمّ الجَزاء.
وَأما (إِلَّا) الَّتِي هِيَ للاستثناء فلهَا مَعانٍ:
تكون بِمَعْنى غير، وَتَكون بِمَعْنى سوى، وَتَكون بِمَعْنى لَكِن، وَتَكون بِمَعْنى لما، وَتَكون بِمَعْنى الِاسْتِثْنَاء المَحْض.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: إِذا استثنيت ب (إِلَّا) من كَلَام لَيْسَ فِي أوّله جحد فانْصِب مَا بعد (إِلَّا) .
وَإِذا اسْتَثنيت بهَا من كَلَام أَوله جَحد فارْفع مَا بَعدها.
وَهَذَا أَكثر كَلَام الْعَرَب، وَعَلِيهِ الْعَمَل، من ذَلِك قولُه عزّ وجلّ: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} (الْبَقَرَة: 249) فنَصب لِأَنَّهُ لَا جَحد فِي أَوله.
وَقَالَ تَعَالَى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النِّسَاء: 66) فَرفع لِأَن فِي أَوّله الجَحد.
وقِسْ عَلَيْهَا مَا شَاكلها.
وَقَالَ:
وكُلُّ أَخٍ مُفارقُه أَخُوه
لَعمْر أَبِيك إلاّ الفَرْقَدانِ
قَالَ الفَرّاء: الْكَلَام فِي هَذَا الْبَيْت فِي معنى جَحد، وَلذَلِك رفع ب (إِلَّا) ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَحدٌ إِلَّا مُفارقُه أَخُوهُ إِلَّا الفرقدان، فجعلهما مُترجِماً عَن معنى (مَا أحدٌ) ؛ وَقَالَ لَبيد:
لَو كَانَ غَيْري سُلَيْمى الْيَوْم غَيَّره
وَقْع الحَوادث إلاّ الصارِمُ الذَّكَرُ
جعله الخليلُ بَدَلا من معنى الْكَلَام، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أحدٌ إِلَّا يتغيّر من وَقع الْحَوَادِث، إِلَّا الصارمُ الذَّكَر.
وَقَالَ الفَرَّاء، فِي قَول الله عزّ وجلّ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الْأَنْبِيَاء: 22) .
قَالَ: (إلاّ) فِي هَذَا الْموضع بِمَنْزِلَة سوى، كَأَنَّك قلت: لَو كَانَ فيهمَا (سِوَى) الله لفَسدتا.
قلت: وَقد قَالَ بَعضُ النحويّين: مَعْنَاهُ: مَا فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله، وَلَو كَانَ فيهمَا سِوَى الله لفَسدتا.
وَقَالَ الْفراء: رَفْعه على نِيّة الوَصل لَا الِانْقِطَاع من أوّل الْكَلَام.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} (الْبَقَرَة: 150) .
قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ، إلاّ الَّذين ظلمُوا فَإِنَّهُ لَا حُجّة لَهُم فَلَا تَخْشَوْهم.
وَهَذَا كَقَوْلِك فِي الْكَلَام: الناسُ كلهم لَك حامدُون إِلَّا الظَّالم لَك المعتدي، فَإِن ذَلِك لَا يُعْتدّ بِتَرْكه الْحَمد، لموْضِع الْعَدَاوَة، وَكَذَلِكَ الظَّالِم لَا حُجة لَهُ، وَقد سُمِّي ظَالِما.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَإِلَيْهِ ذهب الزّجاج،

(15/305)


فَقَالَ بعد ذكره قَول أبي عُبيدة، والأَخفش: القولُ عِنْدِي فِي هَذَا واضحٌ، الْمَعْنى: لئلاّ يكون للناسِ عَلَيْكُم حُجة إِلَّا مَن ظلم باحتجاجه فِيمَا قد وضح لَهُ، كَمَا تَقول: مَا لَك عليّ حُجّةٌ إِلَّا الظُّلم، وَإِلَّا أَن تَظْلمني.
الْمَعْنى: مَا لَك عليّ حُجةٌ أَلْبَتَّة، ولكنّك تَظلمْني، وَمَا لَك عَليّ حُجَّةٌ إِلَّا ظُلْمي.
وَإِنَّمَا سُمّي ظُلْمه هَا هُنَا حُجةً، لِأَن المحتجّ بِهِ سَماه حُجةً، وحُجته داحضةٌ عِنْد الله، قَالَ الله تَعَالَى: {لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ} (الشورى: 16) ، فقد سُمِّيت حُجة، إِلَّا أَنَّهَا حُجة مُبْطل، فَلَيْسَتْ بحُجة مُوجبَة حقّاً.
وَهَذَا بَيَان شافٍ إِن شَاءَ الله.
وَأما قولُه تَعَالَى: {ءَامِنِينَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ} (الدُّخان: 56) ، فَمَعْنَى (إِلَّا) هَا هُنَا بِمَعْنى سوى، الْمَعْنى: لَا يَذُوقون فِيهَا الْمَوْت الْبَتَّةَ، ثمَّ نوى تَكْرِير (لَا يذوقون) أَي: لَا يَذوقون سوى المَوْتة الأولى.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: 22) .
أَراد: سوى مَا قد سلف.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} (يُونُس: 98) . مَعْنَاهُ: فهلاّ كَانَت قَرْيَة آمَنت، أَي: أهل قَرْيَة آمنُوا. وَالْمعْنَى معنى النَّفي، أَي فَمَا كَانَت قَرْيَة آمنُوا عِنْد نُزول العَذاب بهم فنَفَعها إيمانُها. ثمَّ قَالَ: إِلَّا قوم يُونس، اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأَول، كَأَنَّهُ قَالَ: لَكِن قومُ يُونس لما آمنُوا، وَذَلِكَ أنّهم انْقَطَعُوا من سَائِر الْأُمَم الَّذين يَنْفعهم إِيمَانهم عِنْد نُزول الْعَذَاب بهم.
وَمثله قولُ النَّابِغَة:
أَعْيَت جَوَابا وَمَا بالرَّبْع من أَحَدٍ
إِلَّا ألأوارِيّ لأْياً مَا أُبَيِّنها
فنصب أواريّ على الِانْقِطَاع من الأوّل.
وَهَذَا قَول الفَراء وَغَيره من حُذّاق النَّحويِّين.
وأَجازوا الرّفع فِي مثل هَذَا، وَإِن كَانَ المُسْتثنى لَيْسَ من الأول، وَكَانَ أَوله منفياً، يَجعلونه كالبدل؛ وَمن ذَلِك قَوْله:
وَبلْدةٍ لَيْسَ بهَا أَنِيسُ

(15/306)


إلاّ اليَعافيرُ وإلاّ العِيسُ
لَيست اليعافير والعيس من الأَنيس، فرفعهما، وَوَجْه الْكَلَام فيهمَا النَّصْب.
وَأما (إِلَّا) بِمَعْنى (لما) مثل قَول الله تَعَالَى: {الاَْحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (ص: 14) .
وَهِي قِرَاءَة عبد الله: (إِن كُلّهم لما كذب الرُّسُل) .
وَتقول: أَسألك بِاللَّه إِلَّا أَعْطَيتني، ولَما أَعْطيتني، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: وحَرف من الِاسْتِثْنَاء تَرفع بِهِ الْعَرَب وتَنْصب، لُغتان فصيحتان، وَهُوَ قَوْلك: أَتَانِي إخْوَتك إلاّ أَن يكون زيدا، وزيدٌ.
فَمن نَصب أَرَادَ: إِلَّا أَن يكون الأَمْرُ زيدا.
وَمن رفع بِهِ جعل (كَانَ) هَا هُنَا تَامَّة، مكْتفية عَن الْخَبَر باسمها، كَمَا تَقول: كَانَ الأَمر، كَانَت القِصّة.
وَسُئِلَ هُوَ عَن حَقِيقَة الِاسْتِثْنَاء إِذا وَقع ب (إلاّ) مكرّراً مرَّتين أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا.
فَقَالَ: الأوّل حَطٌّ، وَالثَّانِي زِيَادَة، وَالثَّالِث حَطّ، وَالرَّابِع زِيَادَة، إِلَّا أَن تجْعَل بَعض (إِلَّا) إِذا جُزت الأوّل بِمَعْنى الأوّل، فَيكون ذَلِك الِاسْتِثْنَاء زِيَادَة لَا غير.
قَالَ: وأمّا قَول أبي عُبيدة فِي (إِلَّا) الأولى: إِنَّهَا تكون بِمَعْنى الْوَاو، فَهُوَ خطأ عِنْد النَّحويين.
إِلَى: الْعَرَب تَقول: إِلَيْك عنِّي، أَي أَمْسك وكُفّ.
وَتقول: إِلَيْك كَذَا وَكَذَا، أَي خُذْه؛ وَقَالَ القُطاميّ:
إِذا التَّيار ذُو العَضلات قُلنا
إِلَيْك إِلَيْك ضاقَ بهَا ذِرَاعَا
وَإِذا قَالُوا: اذْهب إِلَيْك، فمعْناه: اشْتَغل بنَفسك وأَقبل عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الأَعشى يُخاطب عاذلته:
فاذْهَبي مَا إِليك أَدْركني الحِلْ
مُ عَدَاني من هَيْجِكم إشْفَافِي
وَقد تكون إِلَى انْتِهَاء غَايَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} (الْبَقَرَة: 187) .
وَتَكون (إِلَى) بِمَعْنى (مَعَ) ، كَقَوْل الله تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النِّسَاء: 2) . مَعْنَاهُ: مَعَ أَمْوَالكُم.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (الْمَائِدَة: 6) ، فَإِن أَبَا الْعَبَّاس وَغَيره من النَّحْوِيين جعلُوا (إِلَى) بِمَعْنى (مَعَ) هَاهُنَا، وأَوْجَبُوا غَسل المَرافق والكعبَيْن.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد وَإِلَيْهِ ذهب الزّجاج: اليدُ من أَطراف الْأَصَابِع إِلَى الْكَتف،

(15/307)


والرِّجْل من الْأَصَابِع إِلَى أَصل الفخذين، فَلَمَّا كَانت المَرافق والكعبان دَاخِلَة فِي تَحديد الْيَد والرِّجل، كَانَت دَاخِلَة فِيمَا يُغسل وخارجةً مِمَّا لَا يُغسل. وَلَو كَانَ الْمَعْنى: مَعَ الْمرْفق، لم يكن فِي الْمرَافِق فَائِدَة، وَكَانَت الْيَد كلهَا يجب أَن تُغسل، لكنه لما قيل: إِلَى الْمرَافِق، اقتُطعت فِي الغَسل من حَدِّ الْمرَافِق.
وَقد أشبعت القَوْل بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي (تَفْسِير حُرُوف الْمُخْتَصر) ، فَانْظُر فِيهِ إِن طلبت زِيَادَة فِي الْبَيَان.
ابْن شُميل عَن الْخَلِيل: إِذا اسْتَأْجر الرجل دابّة إِلَى مَرْو، فَإِذا أَتَى أدناها فقد أَتَى مَرْو؛ وَإِذا قَالَ: إِلَى مَدِينَة مرو، فإِذا أَتَى بَاب الْمَدِينَة فقد أَتَاهَا.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (الْمَائِدَة: 6) أَي: إِن الْمرَافِق فِيمَا يُغْسل.
لي: وَقَالَ اللّيث فِي قَوْلك (لي) : هما حرفان قُرنا، وَاللَّام لَام الْملك، وَالْيَاء يَاء الْإِضَافَة، وَكسرت اللَّام من أجل الْيَاء.
ألى: قَالَ: الأَلاَء، شَجَرٌ وَرَقُه وحَمْلُه دِبَاغ.
وَهُوَ لَا يَزال أَخضر شتاءً وصَيْفاً.
والواحدة: أَلاَءة.
وتأليفها من لَام بَين هَمزتين:
يُقَال: أَديم مَأْلوء، أَي مَدْبُوع بالأَلاَء.
ابْن الْأَعرَابِي: إِهابٌ مَأْلًى، مَدْبُوغ بالأَلاَء.
أَبُو عَمْرو: من الشَّجر الدِّفْلي.
والأَلاء، والآآء، بِوَزْن العَاعاء، والحَبْن، كُلّه الدِّفْلى.
أَبُو زيد من الشّجر: الأَلاء.
الْوَاحِدَة: ألاَءة، بِوَزْن أَلاَعَة.
وَهِي شَجَرَة تُشبه الرَّأْس لَا تَتَغَيَّرُ فِي القَيظ، وَلها ثَمرة تُشْبه سُنْبل الذُّرَة، ومَنْبتها الرّمْل والأودية.
قَالَ: والسَّلامان نحوٌ من الأَلاء، غير أَنَّهَا أَصْغَر مِنْهَا، تُتَّخَذ مِنْهَا المَساويك، وثَمرتها مثل ثَمَرَتهَا، ومَنْبتها الأودية والصحارَى، وَقَالَ عَبد الله بن غَنمة يذكر قَتْل بِسْطام:
فخرّ عَلى الألاءة لم يُوَسَّد
كأنّ جَبِينَه سَيْفٌ صَقِيلُ
وأمّا الآء، فالواحدة: آءة.
وَهُوَ من مَراتع النعام.
أَبُو عَمْرو: الَّلأْلاَءُ: القَرْحُ التَّامُّ.
أَبُو عُبيد: اللأى، بِوَزْن اللَّعَا: الثور الوَحْشِيّ.

(15/308)


شَمِر، عَن أبي عَمْرو: الَّلأَى: البَقر، وَحكى: بِكَمْ لآكَ هَذِه؟ أَي بقرتك هَذِه؟ وَقَالَ الطِّرّماح:
كَظَهْر الَّلأًى لَا يُبْتغى رَيّةٌ بهَا
لَعَنَّت وشَقَّت فِي بُطون الشَّوَاجِنِ
والَّلأَى: بِوَزْن اللَّعا: الإبْطاء.
يُقَال: لأَى يَلأى لأْياً، ولأًى، والتأى يَلْتئي، إِذا أَبْطأ.
قَالَ اللَّيْث: لم أسمع الْعَرَب تَجعل الَّلأْى مَعْرفة، يَقُولُونَ: لأياً عرفتُ، وَبعد لأْي فَعَلت، أَي بعد جَهد ومشَقّة.
وَيُقَال: مَا كدت أحملهُ إِلَّا لأْياً.
قَالَ أَبُو عُبيد: اللأْي: الإبطاء والاحْتباس؛ وَقَالَ زُهَير:
فَلأْياً عرفتُ الدَّارَ بعد تَوهّم
قَالَ: وَسمعت الفَرّاء يَحْكِي عَن الْعَرَب أَنَّهَا تَقول لصَاحب اللُّؤلؤ: لأّاء، بِوَزْن لَعّاء، وكَرِه قَوْل النَّاس: لأّال.
اللَّيث: اللُّؤلؤ، مَعْرُوف، وَصَاحبه: لأّال.
قَالَ: وحذفوا الْهمزَة الْأَخِيرَة حَتَّى استقام لَهُم فَعّال؛ وأَنْشد:
دُرَّةٌ مِن عَقائِل البَحْر بِكْر
لم تَخُنْها مثاقبُ الَّلأّال
قَالَ: وَلَوْلَا اعتلال الهَمزة مَا حَسن حَذفها، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ لبيَّاع السِّمْسم: سَمَّاس، وحَذْوُهما فِي الْقيَاس وَاحِد.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَرى هَذَا خطأ.
قَالَ: واللِّئالة، بِوَزْن اللِّعالة: حِرْفَةُ الَّلأّال.
ويُقال: تَلألأ النَّجم.
وتَلألأت النَّار، إِذا اضْطَرمت.
يُقَال: لأْلأَت النارُ لأَلأْةً، إِذا توقَّدت.
وَيُقَال: لَا أفعل ذَاك مَا لألأَت الفُور بأذنابها، وَذَلِكَ كلّه من اللَّمْع.
وَيُقَال للثور الوَحْشيّ: لأْلأ بِذَنبه.
الفرّاء: اللِّيَاء واحدته: لِياءة: اللُّوبياء.
وَيُقَال: للصَّبِيّة المَليحة: كأنّها لِياءة مَقْشورة.
والألاَء: النّعم.
واحدتها إِلْيٌ، وأَلْيٌ، وأَلْو، وأَلًى، وإِلًى.
وَقَالَ النَّابِغَة:
هُمُ الْمُلُوك وأَبْناء المُلوك لَهُم

(15/309)


فَضْلٌ على النَّاس فِي الأَلاء والنِّعَم
وَفِي الحَدِيث: (ومَجامرهم الأَلُوّة غير مُطَرَّاة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ: وَهُوَ العُود الَّذِي يُتبخّر بِهِ.
وأَراها كلمة فارسيةٌ عُرِّبت.
قَالَ أَبُو عُبيد: وفيهَا لُغتان: الأَلُوّة، والأُلُوَّة.
أَبُو عُبيد: الأَلْوة، والأُلِيَّة: اليَمِين.
وَالْفِعْل: آلى يُؤْلي إِيلاء، وتأَلّى يتألّى تألِّياً، وائتلى يَأتلي ائتلاءً.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ} (النُّور: 22) الْآيَة.
وَقَالَ الْفراء: الائتِلاء: الحَلف.
وَقَرَأَ بعض أهل الْمَدِينَة وَلَا يتألّ وَهِي مُخالفة الْكتاب، من تألّيت، وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر حَلف ألاّ يُنْفق على مِسْطَح بن أُثاثة وقَرابته الَّذين ذكرُوا عَائِشَة، فأَنزل الله هَذِه الْآيَة، وَعَاد أَبُو بكر إِلَى الْإِنْفَاق عَلَيْهِم.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي طَالب، فِي قَوْلهم: لَا دَرَيْت وَلَا ائْتَلَيْت.
قَالَ الْفراء: ائتليت، افتعلت، من: أَلَوت: قَصَّرت، فَيَقُول: لَا دَرَيْت وَلَا قَصَّرت فِي الطَّلب ليَكُون أَشْقَى لَك؛ وأَنْشد:
وَمَا المرءُ مَا دَامَت حُشَاشةُ نَفسه
بمُدْرك أَطْرَاف الخُطوب وَلَا آلِي
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيُّ: هُوَ من: ألوت الشَّيْء، إِذا استَطعته، فَيَقُول: لَا دَرَيْت وَلَا اسْتطعت أَن تَدْرِي؛ وأَنشد:
فَمن يَبْتَغي مَسْعَاةَ قَوْمِيَ فَلْيَرُمْ
صُعوداً إِلَى الْجَوزاءِ هَل هُوَ مُؤْتَلِي
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ} (النُّور: 22) . من: ألوت، أَي قَصَّرت.
قلت: والقَوْل هُوَ الأَوّل.
ابْن الإعرابيّ: الأَلْو: التَّقصير، والأَلو: المَنْع، والأَلْو: الِاجْتِهَاد، والألْو: الِاسْتِطَاعَة، والألْو: الْعَطِيَّة؛ وأَنْشَد:
أخالدُ لَا ألُوك إِلَّا مُهَنَّداً
وجِلْدَ أَبِي عِجْلٍ وَثيق القَبائلِ
أَي: لَا أُعْطيك إلاّ سَيْفا وتُرساً من جِلْد ثَور.
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أَتَانِي فلانٌ فَمَا ألوت رَدَّه، أَي مَا اسْتَطعتُ.
وأتاني فِي حَاجَة فأَلوت فِيهَا، أَي اجْتهدت فِيهَا.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: يُقال: مَا ألوتُ جَهْداً، والعامة تَقول: مَا آلوك جَهْداً، بِالْكَاف، وَهُوَ خطأ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَوْله تَعَالَى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} (آل عمرَان: 118) أَي: لَا يُقَصِّرون فِي فَسادكم.

(15/310)


وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ: الألْو، من الأضداد.
يُقَال: أَلا يَأْلُو، إِذا فَتر وضَعُف؛ وَكَذَلِكَ: أَلَّى وائْتَلَى.
وأَلاَ، وأَلَّى، وتَأَلَّى، إِذا اجْتهد؛ وَأنْشد:
وَنحن جِيَاعٌ أيَّ أَلْوٍ تَأَلَّتِ
مَعْنَاهُ: أيّ جَهْد جَهَدَتْ.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: أَلَّيْت، أَي أَبطأت.
قَالَ: وسألني الْقَاسِم بن مَعْن عَن بَيْت الرَّبِيع بن ضَبُع الفَزارِيّ:
وَمَا أَلّى بَنِيَّ وَلَا أَسَاؤُوا
فَقلت: أَبطأوا. فَقَالَ: مَا تَدَع شَيْئا، وَهُوَ فَعَّلت، من: أَلَوت، أَي: أَبْطأت.
وَقَالَ غيرُه: هُوَ من الأُلُوّ، وَهُوَ التَّقْصِير.
وَقَوله:
جَهْراء لَا تَأْلُو إِذا هِيَ أَظْهرت
بَصَراً وَلَا مِنْ عَيْلةٍ تُغْنِيني
أَي: لَا تُطيق؛ يُقال: هُوَ يَأْلُو هَذَا الأَمر، أَي: يُطِيقه، ويَقْوَى عَلَيْهِ.
ويُقال: إنّي لَا آلُوك نُصْحاً، أَي: لَا أَفْتُر وَلَا أُقَصِّر.
اللحياني: جمع اللأي، وَهُوَ الثَّور ويُقال: البَقرة: ألآء، بِوَزْن ألعاع.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: لآة، وأَلاة، بِوَزْن لَعاة وعَلاة.
اللحياني: يُقَال لضَرب من العُود: أَلُوّة، وأُلُوّة، ولِيّة، ولُوّة.
وَتجمع: أَلُوَّة: أَلاَوِية؛ وأَنشد:
بساقَيْن سَاقَيْ ذِي قَضين تحشُها
بأَعوادِ رَنْدٍ أَو أَلاَوِيَةً شُقْرَا
اللّيث: يُقال: أَلْيَة الشَّاة، وأَلْية الْإِنْسَان.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: هِيَ أَلْية النّعْجة، مَفْتُوحَة الْألف. وَالْجمع: أَلَيات.
وَلَا تَقُل: لِيّة، وَلَا إِلْيَة، فَإِنَّهُمَا خطأ.
ويُقال: كَبْش أَلْيان. ونعجة أَلْيَانة، بَيّنة الأُلَى، مَقْصور. وكبش أَلْيَان. ونَعْجة أَلْيا. وكِباشُ ونِعَاج أُلْيٌ، مثل: عُمْيٌ.
اللَّيْث: أَلْيَة الخِنْصر: اللّحمة الَّتِي تحتهَا.
وَهِي أَلْية اليَد.
ابْن الْأَعرَابِي: الإلْية، بِكَسْر الْهمزَة: القِبَلُ؛ وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا يُقَام الرَّجُل من مَجْلسه حَتَّى يَقوم من إلْية نَفْسه) ، أَي: من قِبَل نَفْسه.
قلت: وَقَالَ غَيره: قَامَ فلَان من ذِي إلْيَةٍ، أَي: من تِلْقاء نَفْسه.
ورُوي عَن ابْن عُمر: أَنه كَانَ يقوم لَهُ الرجلُ من لِيَة نَفْسه، بِلَا ألف.
قلت: كَأَنَّهُ اسمٌ من: وَلِي يَلي، مثل:

(15/311)


الشِّيَه، من: وَشَى يَشِي.
وَمن قَالَ: إلْيَة فأصلها: وِلْيَة، فقُلبت الْوَاو هَمزة:
أَبُو زيد: هما ألْيان، للأَلْيتين.
وَإِذا أفردت الْوَاحِدَة، قيل: ألْية؛ وأَنْشد:
ظَعِينةٌ واقفةٌ فِي رَكْب
ترتجُّ ألْياه ارْتجاج الوَطْبِ
وَكَذَلِكَ: هما خُصْيان.
الْوَاحِدَة: خُصْيَة.
وأمّا اللِّيّة بِغَيْر همز، فلهَا مَعْنيانِ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللِّيّة: قرابةُ الرَّجُل وخاصّته؛ وأَنْشد:
فَمن يَعْصِبْ بِليّته اغْتِراراً
فَإنَّك قد مَلأت يدا وَشَامَا
قَالَ: واللِّيّة أَيْضا: العُود الَّذِي يُسْتَجْمر بِهِ. وَهِي الأَلُوّة.
وَيُقَال: لأى: أبْطأ. وأَلَى، إِذا تَكَبَّر.
قلت: وَهَذَا غَريب.
ابْن الأعْرابيّ: الأَلِيّ: الرَّجُلُ الكثيرُ الْإِيمَان. والأَلَى: الْإِيمَان.
والأُلَى، بِمَعْنى (الَّذين) ؛ وأَنشد:
فإنّ الأُلَى بالطَّفّ من آل هاشِم
ألل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} (التَّوْبَة: 10) .
رُوي عَن مُجاهد والشَّعبيّ: {إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالَ أَبُو عُبيدة: الإلّ: العَهْد. والذِّمَّة: مَا يُتَذَمَّم بِهِ.
وَقَالَ الفَرّاء: الإلّ: القَرابة. والذِّمة: العَهْد.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَقيل: الإل: الحَلِف.
وَقيل: هُوَ اسمٌ من أَسمَاء الله.
قَالَ: وَهَذَا عندنَا لَيْسَ بالوَجه، لِأَن أَسمَاء الله تَعَالَى مَعْروفة، كَمَا جَاءَت فِي القُرآن وتُليت فِي الأَخبار، وَلم نَسمع الدّاعي يَقُول فِي الدُّعاء: يَا إلّ، كَمَا يَقُول: ياألله، وَيَا رحمان.
قَالَ: وَحَقِيقَة الإلّ عِنْدِي، على مَا تُوجبه اللُّغة: تَحديدُ الشَّيْء.
فَمن ذَلِك:
الألّة: الحَرْبة، لِأَنَّهَا محدّدة.
وَمن ذَلِك: أُذُنٌ مُؤَللَّة، إِذا كَانَت محدّدة.
ف (الإل) يخرج فِي جَميع مَا فُسّر من العَهْد والقَرابة والجِوار، على هَذَا.
إِذا قُلت فِي العَهد: بَينهمَا إلّ، فتأويله: أَنه قد حدّد فِي أخْذ العَهد.
وَإِذا قلت فِي الجِوار: بَينهمَا إل، فتأويله: جِوَار يحادّ الْإِنْسَان.
وَإِذا قلته فِي القَرابة، فتأويله: الْقَرَابَة الَّتِي تحادّ الْإِنْسَان.
سَلمة، عَن الفرَاء، الأُلّة: الرَّاعِية الْبَعِيدَة

(15/312)


المَرْعى من الرُّعاة.
والألّة: القَرابة.
رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَجب رَبُّكم من إِلِّكم) .
قَالَ أَبُو عُبيد: المُحدِّثون رَوَوْه: من إلِّكم، بِكَسْر الْألف، والمَحْفوظ عندنَا: من أَلِّكم، بِالْفَتْح، وَهُوَ أشْبه بالمصادر، كَأَنَّهُ أَرَادَ: من شِدّة قُنُوطكم.
وَيجوز أَن يكون من قَوْلك: ألّ يَئِلّ ألاًّ، وأَلَلاً، وأَلِيلاً، وَهُوَ أَن يرفع الرَّجُل صَوْتَه بالدُّعاء، ويَجأر؛ وَقَالَ الكُمَيت:
وأَنْت مَا أَنْت فِي غَبْرَاءَ مُظْلمةٍ
إِذا دَعَتْ أَلَلَيْها الكاعِبُ الفُضُلُ
فقد يكون أَلَلَيْها أَنه يُريد الألل الْمصدر، ثمَّ ثنّاه كأنهُ يُرِيد: صَوتا بعد صَوْت، وَيكون قَوْله: أَلَلَيْها أَن يُريد حكايةَ أصوات النِّساء إِذا صَرَخْن.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأل فِي غير هَذَا: السُّرعة؛ يُقال: ألّ فِي السَّيْر يئل ويَؤُلّ، إِذا أَسْرع.
وَكَذَلِكَ: ألّ لَوْنُه يَؤُلّ أَلاَّ، إِذْ صَفا وبَرَق.
وَقَالَ أَبُو دُواد يصف الْفرس والوحش:
فَلَهزْتُهُنّ بهَا يَؤُلّ فَرِيصُها
مِن لَمْع رَايتنا وهُنّ غَوادِي
ابْن السِّكيت: الأُلّة: الحَرْبة.
وَجَمعهَا: الأَلّ.
قَالَ: والأَلّ، مصدر: ألّه يَؤُلّه أَلاًّ، إِذا طَعَنه بالألّة.
والألّ: الصِّياح.
يُقَال: ألّ يَئِلّ أَلاًّ وأَلَلاً، وأَلِيلاً؛ وأَنْشد:
إِذا دَعَت أَلَلَيْها
قَالَ: ثَنَّى المَصدر، وَهُوَ نَادِر.
وَقَالَ: والأَلِيلة: الدُّبَيْلة.
قَالَ: والأَلَلَةُ: الهَوْدج الصَّغِير.
والإلّ: الحِقْد، والإلّ: العَهْد.
والأُلّ: الأَوّل؛ وأَنشدنِي المُفضّل:
لِمَنْ زُحْلُوقَةٌ زُلّ
بهَا العَيْنان تَنْهَلُّ
يُنادي الآخِرَ الأُلُّ
أَلاَ حُلُّوا أَلاَ حُلُّوا
قَالَ: وَهَذَا يَعني لُعبةً للصِّبيان يَجْتمعون فَيَأْخُذُونَ خَشَبَةً فَيَضعونها على قَوْزٍ مِن الرَّمل، ثمَّ يجلس على أحد طَرَفَيها جماعةٌ، وعَلى الآخر جماعةٌ، فأيّ الجماعتين كَانَت أَوْزن ارْتفعت الأُخرى، فينادون أصحابَ الطّرف الآخر: أَلا حُلُّوا، أَي خَفِّفوا مِن عَددكم حَتَّى نُساويكم فِي التَّعْديل.
قَالَ: وَهَذَا الَّتِي تُسَمِّها العربُ: الدَّوْدَاة، والزُّحْلُوقة.
قَالَ: وتُسمَّى: أُرْجُوحة الْحَضَر المطوّحة.

(15/313)


غيرهُ: أَلاَل: حبلٌ بَعَرَفات.
والأَلِيلُ: الأَنِين؛ وأَنْشد:
أمَا تَراني أَشْتَكِي الأَلِيلاَ
قَالَ: والألَل، والألَلاَن: وَجْهَا السِّكِّين؛ وَوجْهَا كُلّ شيءٍ عريض.
قَالَ: وإيل: اسْم من أَسمَاء الله، بالعبرانيّة.
قلت: وَجَائِز أَن يكون أُعرب فقِيل: إِسْرَائِيل، وَإِسْمَاعِيل، كَقَوْلِك: عَبدالله، وعُبيد الله.
ابْن السِّكيت، عَن أبي عَمْرو: لَهُ الوَيْل والألِيل.
قَالَ: والأليل: الأنين؛ وأَنْشد:
لَهُ بَعد نَوْمات العُيون أَلِيلُ
أَي: توجُّع وأَنِين.
اللِّحياني: فِي أَسْنَانه يَلَل وأَلَل، وَهُوَ أَن تُقْبِل الأسْنانُ على باطِن الفَم.
غَيره: الأيَلُّ القَصِير الأسْنان.
وَالْجمع: اليُلُّ؛ وَقَالَ لَبِيد:
يُكْلِح الأَرْوَق مِنْهُم والأيَلّ
اللِّحياني: وَهُوَ الضَّلاَل ابْن الألاَل ابْن التَّلاَل؛ وأَنشد:
أَصْبحت تَنْهض فِي ضَلالك سادِراً
إنّ الضَّلاَلَ ابنُ الألال فأَقْصِرِ
ابْن الْأَعرَابِي: الأَلَلاَن: اللَّحمتان المُتطابقتان فِي الكَتِف، بَينهمَا فَجوةٌ على وَجه الْكَتف، يَسيل من بَينهمَا مَاء إِذا مِيزت إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى.
الْأَصْمَعِي، عَن امْرَأَة من الْعَرَب قَالَت لابنتها: لَا تُهدي إِلَى ضَرّتك الكَتِف فإِنّ المَاء يَجري بَين أَلَلَيْها، أَي: أَهْدى شَرّاً مِنْهَا.
قلت: وَإِحْدَى هَاتين اللَّحمتين الرُّقَّى، وَهِي كالشَّحمة البَيضاء تكون فِي مَرْجع الكَتِف، وَعَلَيْهَا أُخرى مثلُها تسمَّى: المَأتَى.
آل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأَوْلُ الرُّجوع.
وَقد آل يَؤُول أَوْلاً.
والأَوْلُ: بُلوغ طِيب الدُّهْن بالعِلاج.
الأصمعيّ: آل القَطران يَؤُول أَوْلاً، إِذا خَثُر.
قَالَ: وَآل مالَه يَؤُوله إيَالةً، إِذا أَصْلحه وسَاسَه؛ قَالَ لَبِيد:
بِصَبُوح صافِيةٍ وضَرْب كرِينةٍ
بمُؤَتّرٍ تأتالُه إبْهامُها
إِنَّمَا هُوَ تفتعله من أُلْته، أَي: أَصْلحته.
قلت: وَمِنْه قَوْلهم: أُلْنا وإيل وعلينا، أَي سُسْنا وساسُونا.
وَيُقَال لأَبْوال الْإِبِل الَّتِي جَزأت بالرُّطْب فِي آخر جَزْئها: قد آلت تَؤُول أَوْلاً، أَي: خَثُرت.

(15/314)


فَهِيَ آيلة؛ وَقَالَ ذُو الرّمة:
ومِن آيلٍ كالوَرْس نَضْح سُكُوبه
مُتُونَ الحَصَى من مُضْمَحِلَ ويابِس
ويُقال: طبخت النَّبيذ حَتَّى آل إِلَى الثُّلث، أَو الرُّبع، أَي رَجع.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الْآل: الشَّخْص.
والآل: الْأَحْوَال؛ جمع: آلَة.
قَالَ: والآل: السَّراب.
والآل: الْخشب المجرَّد؛ وَمِنْه قَوْله:
آلٌ على آلٍ تَحمّل آلاَ
فالآل، الأول: الرجل؛ وَالثَّانِي: السراب؛ وَالثَّالِث: الخَشَب.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: اخْتلف النَّاس فِي الْآل:
فَقَالَت طَائِفَة: آل النَّبِي: من اتّبعه، قرَابَة كَانَ أَو غَير قَرابة.
وآلُه: ذُو قَرابته مُتَّبعاً كَانَ أَو غير مُتَّبع.
وَقَالَت طَائِفَة: الْآل والأهل، وَاحِد.
واحتجّوا بِأَن الْآل إِذا صُغِّر قَالُوا: أُهَيل، فَكَانَ الْهمزَة هَاء، كَقَوْلِهِم: هَنَرْت الثَّوب وأَنَرْتُه، إِذا جعلت لَهُ عَلماً.
ورَوى الفَرّاء، عَن الْكسَائي فِي تَصْغير آل: أُوَيْل.
قَالَ أَبُو العبّاس: فقد زَالَت تِلْكَ العلّة وَصَارَ الْآل والأهل أصلَيْن لمَعنَييْن، فَيدْخل فِي الصَّلاة كلّ من اتبع النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرَابَة كَانَ أَو غيرَ قرَابَة.
ورَوينا عَن الشافعيّ أَنه سُئل عَن قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) ، مَن آلُ مُحَمَّد؟
فَقَالَ: مِن قائلٍ: آله: أَهله وأزواجه، كَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَن الرجل يُقال لَهُ: أَلَكَ أَهْلٌ؟ فَيَقُول: لَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنه لَيْسَ لَهُ زَوْجة.
قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا مَعْنًى يحْتَملهُ اللِّسان، وَلكنه معنى كَلَام لَا يُعرف إِلَّا أَن يكون لَهُ سَبب من كَلَام يدلُّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن يُقال للرجل: تزوّجت؟ فَيَقُول: مَا تأهّلت، فيُعرف بأوّل الْكَلَام أَنه أَرَادَ: مَا تزوجت. أَو يَقُول الرجل: أَجْنبت من أَهلِي، فيُعرف أَن الْجَنَابَة إِنَّمَا تكون من الزَّوْجة.
فأمّا أَن يبْدَأ الرَّجُلُ فَيَقُول: أَهلي بِبَلَد كَذَا فَأَنا أزُور أَهلِي، وَأَنا كريم الأهْل، فإنّما يَذْهَب النَّاس فِي هَذَا إِلَى: أهل البَيت لَهُ.
قَالَ: وَقَالَ قائلٌ: آل مُحَمَّد: أهلُ دِين محمّد.
قَالَ: وَمن ذَهب إِلَى هَذَا أَشْبه أَن يَقُول: قَالَ الله لنُوح عَلَيْهِ السَّلَام: {احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} (هود: 40) ، وَقَالَ نوح: {رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى} (هود: 45) ، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ

(15/315)


أَهْلِكَ} (هود: 46) أَي: لَيْسَ من أَهل دِينك.
قَالَ الشَّافِعِي: وَالَّذِي نَذهب إِلَيْهِ فِي مَعنى الْآيَة أنّ مَعْناه: إِنَّه لَيْسَ من أَهلك الَّذين أَمرناك بحَمْلهم مَعَك.
فإِن قَالَ قائلٌ: وَمَا دَلّ على ذَلِك؟
قيل: قولُه: {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} (هود: 40) فأَعلمه أَنه أَمره بِأَن يحمل من أَهله مَن لم يَسْبق عَلَيْهِ القولُ من أهل المَعاصي، ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (هود: 46) .
قَالَ الشَّافِعِي: وذَهب ناسٌ إِلَى أَن آل مُحَمَّد: قرَابَته الَّتِي يَنْفرد بهَا دُون غَيرهَا مِن قَرابته.
قَالَ: وَإِذا عُدّ آل الرجل وَلده الَّذين إِلَيْهِ نَسبهم، وَمن يُؤْويه بيتُه مِن زَوْجة أَو مَملوك أَو مولى أَو أحد ضَمّه عيالُه، وَكَانَ هَذَا فِي بعض قَرابته من قبل أَبِيه دُون قرَابَته من قبل أمه، لم يجز أَن يُسْتدل على مَا أَرَادَ الله من هَذَا ثمَّ رَسُوله إِلَّا بسُنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قَالَ: إنّ الصَّدقة لَا تَحِلّ لمحمّد وَآل محمّد، دلّ على أَن آل مُحمد هم الَّذين حُرِّمت عَلَيْهِم الصَّدقة وعُوِّضوا مِنْهَا الخُمس، وهم صَليبة بني هَاشم، وَبني المطّلب، وهم الَّذين اصطفاهم الله من خَلقه بعد نبيّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت: قد أخبرنَا بِجَمِيعِ ذَلِك الأوزاعيّ عَن حَرملة، عَن الشَّافِعِي.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن الْأَصْمَعِي: السَّراب، والآل، وَاحِد.
وَخَالفهُ غَيره، فَقَالَ: الْآل، من الضُّحى إِلَى زَوال الشَّمس؛ والسَّراب: بعد الزّوال إِلَى صَلَاة العَصر.
واحتجّوا بِأَن الْآل يَرفع كُلّ شَيْء حَتَّى يصير لَهُ آلٌ، أَي شخص، وَآل كل شَيْء شَخْصُه. وَأَن السّارب يَخْفض كلَّ شَيْء فِيهِ حَتَّى يصير لاصقاً بِالْأَرْضِ لَا شَخْص لَهُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الأعلم أبي بكر، عَن ابْن سَلام، عَن يُونُس، قَالَ: قَالَت الْعَرَب: الآلُ: مُذْ غُدْوة إِلَى ارْتِفَاع الضُّحَى الأعْلى، ثمَّ هُوَ سَراب سائرَ الْيَوْم.
وَأَخْبرنِي، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: الْآل: الَّذِي يَرفع الشُّخوص، وَهُوَ يكون بالضُّحى؛ والسراب: الَّذِي يَجْري على وَجه الأَرْض كَأَنَّهُ المَاء، وَهُوَ يكون نِصْف النَّهَار.
قلت: وعَلى هَذَا رَأَيْت الْعَرَب فِي الْبَادِيَة. وَهُوَ صَحِيح؛ سُمِّي: سراباً، لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ الجارِي.
وَقَالَ هِشام، أَخُو ذِي الرُّمة:

(15/316)


حتّى إِذا أَمْعَرُوا صَفْقَيْ مَبَاءَتهم
وجَرَّد الخَطْبُ أَثْباجَ الجَراثِيمِ
آلُو الجِمَالَ هَرامِيلَ العِفاء بهَا
على المَنَاكِب رَيْعٌ غيرُ مَجْلُوم
آلوا الجِمال: أَي رَدُّوها لِيَرْتحلُوا عَلَيْهَا.
اللَّيْث: الإيَال على فِعَال: وِعَاء يُؤَال فِيهِ شَرابٌ أَو عَصير، أَو نَحْو ذَلِك.
يُقَال: أُلْت الشَّراب أؤُوله أَوْلاً؛ وأَنْشد:
ففَتّ الخِتَامَ وَقد أَزْمَنَت
وأَحْدَثَ بعد إِيَالٍ إِيَالاَ
قلت: وَالَّذِي نَعرفه: آل الشَّرابُ، إِذا خَثُر وانْتهى بُلوغُه ومُنتهاه من الْإِسْكَار.
وَلَا يُقَال: أُلْتُ الشَّرابَ.
والإيَال، مصدر: آل يَؤُول أَوْلاً وإِيَالاً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْآلَة: سَرِير المَيت؛ وأَنْشد بَيت كَعب بن زُهَير:
كُل ابْن أُنْثى وَإِن طَالَتْ سَلامَتُه
يَوْمًا على آلَةٍ حَدْباء مَحْمُولُ
غَيره: آل فلانٌ من فلانٍ، أَي وَأَلَ مِنْهُ ونجَا، وَهِي لُغَة الْأَنْصَار؛ يَقُولُونَ: رَجُلٌ آيل، مَكَان وَائِل؛ وأَنشد بعضُهم:
يَلُوذ بشُؤْبُوبٍ من الشَّمس فَوْقها
كَمَا آلَ مِن حَرِّ النَّهارِ طَرِيدُ
وَآل لَحْمُ النَّاقة، إِذا ذَهب؛ وَقَالَ الأعْشى:
أَكْلَلتها بعد المِرَا
ح فآل مِن أَصْلابِها
أَي: ذَهب لحمُ صُلْيها.
اللَّيْث: الأيِّل: الذَّكر من الأوْعال.
والجميع: الأيَايل.
قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي: أَيّلاً، لِأَنَّهُ يَؤُول إِلَى الْجبَال يَتحصَّن فِيهَا؛ وأَنشد:
كأنّ فِي أَذْنابهنّ الشُّوَّلِ
من عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأَيِّلِ
وَقَالَ غيرُه: فِيهِ ثَلَاث لُغات: إيَّل، وأَيِّل، وأُيَّل.
ابْن شُميل: الأيّل، الذَّكر. والأُنثى: أيّلة. وَهُوَ الأرْوَى.
أَبُو عبيد: هُوَ الأُيّل، وأَنْشد شَمِرٌ للجَعْدِيّ:
وبِرْذَوْنة بَلّ البَراذِينُ ثَغْرها
وَقد شَرِبت من آخِر اللّيْل أُيّلاَ
قَالَ شَمر: الأُيّل، بِوَزْن فُعَّل، وَقَالَ: شَرِبتْ ألبان الأيَايل.
وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ البَوْل الخائِر.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هَذَا محَال، وَمن أَيْن تُوجد ألبان الأيايل؛ وَالرِّوَايَة:
وَقد شَرِبت من آخر اللّيل أُيّلا
وَهُوَ: اللّبن الخاثر، من آل، إِذا خَثُر.
قَالَ أَبُو عَمْرو: أُيّل: ألبان الأيَايل.
وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ الْبَوْل الخائر، بِالْفَتْح

(15/317)


، من أَبْوَال الأُرْويّة، إِذا شربْته المرأةُ اغْتلمت؛ وَقَالَ الفرزدق:
وكأنّ خاثِره إِذا ارْتَثَؤُوا بِهِ
عَسَلٌ لَهُم حُلِبت عَلَيْهِ الأيِّلُ
ابْن شُميل: الأيّل: هُوَ ذُو القَرن الأشْعث الضخم، مثل الثور الأهليّ.
وَجمعه: الأيايل.
قَالَ: وَيُقَال لَهُ: أُيّل، مِثَال فُعَّل.
وأل: اللَّيْث: الْمَآل والمَوْئِل: المَلْجأ.
يُقال من المَوْئل: وأَلْت، مثل وَعَلْت.
وَمن الْمَآل: أُلْت، مثل عُلْت مَآلًا، بِوَزْن معالاً؛ وأَنشد:
لَا يَسْتطيع مَآلًا مِن حَبائِله
طَيرُ السَّماء وَلَا عُصْم الذُّرَى الوَدِقِ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} (الْكَهْف: 58) .
قَالَ الْفراء: المَوْئِل: المَنْجَى، وَهُوَ المَلْجأ.
وَالْعرب تَقول: فلَان يُوائِل إِلَى مَوْضعه. يُرِيد: يذهب إِلَى مَوْضِعه وحِرزه؛ وأَنشد:
لَا واءَلَتْ نفسُك خَلَّيتها
للعامريِّين وَلم تُكْلَمِ
أَبُو الْهَيْثَم: وأل يَئِل وَأْلاً ووَأْلَة، ووَاءَل يُوائل مُواءَلَة، ووِئالاَ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الوَأْلَة، مثل الوَعْلة، أبعار الْغنم وَالْإِبِل وَأَبْوَالهَا جَمِيعًا.
يُقَال: قد أَوأل الْمَكَان، فَهُوَ مُوئِل.
وَهُوَ الوَأْل والوَأَلة.
اللَّيْث: الوَأْل والوَعْل: المَلْجأ.
ليل: اللَّيْث: اللَّيل: ضِدّ النَّهار.
واللَّيل: ظلامُ اللَّيل.
والنّهار: الضِّياء.
فَإِذا أفردت أَحدهمَا من الآخر قلت: لَيْلَة، ويَوم.
وتصغير لَيْلَة: لُيَيْلة، أخرجُوا الْيَاء الْأَخِيرَة من مخرجها فِي اللَّيالي.
يَقُول بَعضهم: إِنَّمَا كَانَ أصل تأسيس بنائها لَيْلًا مَقْصور.
وَقَالَ الْفراء: لَيْلَة، كَانَت فِي الأَصْل: لَيْلية، وَلذَلِك صُغِّرت: لُيَيلة.
وَمثلهَا: الكَيْكة: البَيْضة، كَانَت فِي الأَصْل: كَيْكية؛ وَجَمعهَا: الكَيَاكي.
وَقَالَ اللَّيْث: العربُ تَقول: هَذِه لَيلة لَيْلاء، إِذا اشتَدّت ظُلْمتها؛ ولَيْلٌ أليل؛ وَقَالَ الكُميت:
وليلهم الأَلْيل
قَالَ: وَهَذَا فِي ضَرورة الشِّعر، أما فِي الْكَلَام ف (لَيْلاَء) .
النَّضْر: لَيلٌ لائِل: طَوِيل؛ وأَلْيلْت: صِرْت فِي اللَّيل.
وَقَالَ فِي قَوْله:

(15/318)


لَسْتُ بِلَيْلِيّ ولكنِّي نَهِرْ
يَقُول: أَسِير بالنّهار وَلَا أطيِق سُرَى اللَّيْل.
قَالَ: وَإِلَى نِصف النَّهَار تَقول: فعلتُ اللَّيلةَ.
فإِذا زَالَت الشمسُ قلت: فعلتُ البارحةَ، لِلَّيْلة الَّتِي قد مَضَت.
ابْن نَجدة، عَن أبي زيد: الْعَرَب تَقول: رَأَيْت الليلةَ فِي مَنَامِي، مُذْ غدوةٍ إِلَى زَوال الشَّمْس.
فَإِذا زَالَت الشَّمْس قَالُوا: رَأَيْت البارحةَ فِي مَنامي.
قَالَ: وَيُقَال: تَقْدَمُ الإبلُ هَذِه الليلةَ الَّتِي فِي السَّماء؛ إِنَّمَا تَعني: أَقربَ اللَّيالي من يَوْمك، وَهِي الليلةُ الَّتِي تَلِيه.
وَقَالَ أَبُو مَالك: الهِلالُ فِي هَذِه اللَّيلةِ الَّتِي فِي السَّمَاء؛ يَعْني: الليلةَ الَّتِي تَدْخلها، يُتكلَّم بِهَذَا فِي النَّهَار.
وأفادنا المُنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم: النّهار، اسْم، وَهُوَ ضدّ اللَّيل.
وَالنَّهَار: اسْم لكُل يَوْم.
وَاللَّيْل: اسْم لكُل لَيْلَة.
لَا يُقَال: نهارٌ ونهاران، وَلَا لَيل ولَيْلان.
إِنَّمَا وَاحِد النَّهار: يَوْم؛ وتَثنيته: يَوْمَانِ؛ وَجمعه: أيّام.
وضدّ الْيَوْم: لَيْلَة؛ وَجَمعهَا: ليالٍ.
وَكَأن الْوَاحِدَة ليلاة فِي الأَصْل، يدل على ذَلِك جمعهم إِيَّاهَا: اللَّيالي، وتَصْغيرهم إيّاها: لُيَيْلة.
قَالَ: وَرُبمَا وَضعت الْعَرَب النَّهَار فِي مَوضِع الْيَوْم.
فيجمعونه حينئذٍ: نُهُراً؛ وَقَالَ دُريد بن الصّمّة:
وغارة بَين الْيَوْم وَاللَّيْل فَلْتَةً
تداركتُها وَحْدي بسيدٍ عَمَرَّدِ
فَقَالَ: بَين الْيَوْم وَاللَّيْل، وَكَانَ حقّه: بَين الْيَوْم وَاللَّيْلَة، لأنّ اللّيلة ضدّ الْيَوْم، وَالْيَوْم ضد اللّيلة، وَإِنَّمَا اللَّيْل ضد النَّهَار؛ كَأَنَّهُ قَالَ: بَين النَّهَار وَبَين اللّيل.
وَالْعرب تَستجيز فِي كَلَامهَا: تَعالى النهارُ، فِي معنى: تعالَى الْيَوْم.
ابْن الْأَعرَابِي: أُمّ لَيلى، هِيَ الخَمر.
وليلى: هِيَ النّشوة، وَهُوَ ابْتِدَاء السُّكر.
وحَرّة لَيلى، مَعْرُوفَة، وَهِي إحْدى حِرَار بِلَاد العَرب.
ولَيلى: من أَسمَاء النِّساء، مَعْنَاهُ: أَنَّهَا ذَات نشوة، لما فِيهَا من النَّعْمة والفُتُور.
لوى: قَالَ اللَّيْث: لَوَيْتُ الحَبْلَ أَلْوِيه لَيّاً.
قَالَ: ولَوَيْت الدَّيْن ليًّا ولَيّاناً؛ وَفِي الحَدِيث: (ليّ الواجِد) .
قَالَ أَبُو عُبيد: اللّيّ: المَطْل؛ وأَنْشد للأَعْشَى:

(15/319)


يَلْوينَني دَيْنِي النهارَ وأَقْتَضي
دَيْنِي إِذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدَا
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
تُطِيلَين لَيَّانِي وأنتُ مَلِيَّةٌ
وأُحْسِنُ يَا ذاتَ الوِشاح التَّقاضِيَا
الْأَصْمَعِي: لَوى الأمْرَ عَنهُ، يَلْويه لَيّاً.
وَيُقَال: أَلْوى بذلك الأَمْرِ، إِذا ذَهب بِهِ.
ولَوى عَلَيْهِم: عَطَف عَلَيْهِم وَتَحَبَّس.
ويُقال: مَا يَلْوي على أَحد.
ويُقال فِي وَجع الجَوْفِ: لَوِي يَلْوي لَوًى، مَقْصور.
وَيُقَال: لَوِي ذنبُ الْفرس، يَلْوَى لَوًى، وَذَلِكَ إِذا مَا اعْوَجّ؛ وَقَالَ العجّاج:
كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوًى
يُقال مِنْهُ: فرسٌ مَا بِهِ لَوًى وَلَا عَصَلٌ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: كَبْشُ أَلْوَى، ونَعْجة لَيَّاء، من شَاة لُيّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أمثالهم: أَيْهاتَ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقَاء المُغْرِب كأنّها داهية.
وَلم يُفسِّر أَصْله.
وأَلْوَى بثَوبه، إِذا لمَع بِهِ.
وَكَذَلِكَ: ألْوى البَعِيرُ بذَنبه.
أَبُو الْعَبَّاس: أَلْوى، إِذا جَفّ زَرْعُه.
وأَلْوى: عَطف على مُسْتَغِيث.
وأَلْوى: أكل اللَّوِيّةَ.
وأَلْوى: خاط لِواء الأَمِير.
وأَلْوى: أَكْثر التَّمَنِّي.
اللَّيْث: أَلْوى بثَوْبه للصَّرِيخ.
وألوت المرَأةُ بِيَدها.
وألوت الحربُ بالسَّوام، إِذا ذَهبت بهَا وصاحبُها يَنْظر إِلَيْهَا.
أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الرَّجُل الصَّعْب الشَّديد اللَّجاجة: لتجدنّ فلَانا أَلْوى بَعِيدَ المُستحر؛ وأَنْشد فِيهِ:
وجدتَني ألْوى بَعيد المُسْتَحَرّ
أحْمل مَا حُمِّلْتُ من خَيْرٍ وشَرّ
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم: الأَلْوى: الْكثير المَلاَوِي.
ويُقال: رَجُلٌ أَلْوى شَدِيد الخُصومة يَلْتوي على خَصْمه بالحجّة وَلَا يَقَرّ على شَيْء وَاحِد.
والألْوى: الشَّديد الالتواء، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ بالفارسيّة: شخانيون.
قَالَ: ولويت الثّوبَ: عصرتُه حَتَّى خرج مَا فِيه مِن المَاء.
الأصمعيّ: اللِّوَى: مُنْقطع الرَّمْلة.
يُقَال: قد أَلْوَيتم فانْزِلُوا، وَذَلِكَ إِذا بَلَغوا لِوَى الرَّمْل.
واللَّوِيّة: مَا يُخْبأ للضَّيْف، أَو يَدَّخره الرَّجُلِ لِنَفْسه.
وَجَمعهَا: اللوَايَا؛ وَمِنْه قَوْله:

(15/320)


آثَرْتَ ضَيْفك باللَّوِيّة وَالَّذِي
كانتْ لَهُ ولِمثْلِه الأذْخَار
وَسمعت أعرابيّاً من بني كِلاب يَقُول لِقَعيدةٍ لَهُ: أَيْن لَوَاياك وحَواياك؟ ألاَ تُقدِّمينها إِلَيْنَا؟
أَرَادَ: أَيْن مَا خبأت من شُحيمة وقَدِيدة وَتَمْرَة وَمَا أشبههَا من شَيْء يُدَّخر للحقُوق.
واللَّوِيّ: مَا جَفّ من البَقْل.
وَقد أَلْوَى البَقْلُ.
وَجمع لِوَاء الْأَمِير: أَلْوِية، وأَلْواء.
وَجمع لِوَى الرَّمل: ألْوية، وأَلْواء.
ولَوَى خَبَره، إِذا كَتمه.
والأَلْوَى: المُعتزل لَا يزَال مُنْفرداً؛ وأَنْشد:
حَصانٌ تُقْصِد الألْوى
بِعَيْنَيْها وبالْجِيدِ
قَالَ: والأُنثى: لَيّاء.
ونسوة لِيّان؛ وَإِن شِئْت: لَيَّاوات.
والرِّجال ألْوُون.
وَالتَّاء وَالنُّون فِي الْجَمَاعَات لَا يمْتَنع مِنْهُمَا شَيْء من أَسمَاء الرِّجال ونعوتها، وَإِن نعت قيل: يلوى لوى، وَلَكنهُمْ استغنوا عَنهُ بقَوْلهمْ: لَوَى رَأسه.
وَمن جعل تأليفه من لَام وَاو، قَالَ: لَوى؛ وَقَالَ الله تَعَالَى فِي ذِكْر الْمُنَافِقين: {اللَّهِ لَوَّوْاْ} (المُنَافِقُونَ: 5) . 7
وقرىء: لَوَوْا.
اللَّيْث: يُقَال لَويتُ عَن هَذَا الْأَمر، إِذا الْتَويْت عَنهُ؛ وأَنشد:
إِذا الْتَوَى بِي الْأَمر أَو لَوِيت
مِن أَيْن آتِي الأمْرَ إِذْ أُتِيت
ولُؤيّ بن غَالب: أَبُو قُريش.
ابْن السِّكيت وَغَيره: هُوَ عَامر بن لُؤيّ، بِالْهَمْز.
وعوامّ النَّاس لَا يَهْمزون.
وَيُقَال: لَوَّى عَلَيْهِ الأمرَ، إِذا عَوّصه.
وَيُقَال: لوّأ الله بك، بِالْهَمْز تَلْوِئةً، أَي شَق بك؛ وأَنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وَكنت أرَجِّي بعد نَعْمانَ جابِراً
فلَوّأ بالعَيْنَيْن والوَجْه جابِرُ
وَيُقَال: هَذِه وَالله الشَّوْهَة واللَّوْأة.
وَيُقَال للرجل الشَّديد: مَا يُلْوَى ظهرُه، أَي مَا يَصْرعه أحد.
والمَلاَوي: الثَّنايا الَّتِي لَا تَسْتقيم.
أَبُو عُبيد، عَن اليَزيديّ: أَلْوت النَّاقة بذَنَبها، ولوت ذَنبهَا.
وأَلوى الرَّجُلُ برَأْسه، ولَوى رأسَه.
وأَصَرّ الفرسُ بأُذنه، وصَرّ أذُنَه.
ولى: أَبُو عُبيدة وَغَيره: الْوَلْيُ: القُرْب، وأَنشد:

(15/321)


وَشطّ وَلْيُ النَّوى إنّ النَّوَى قَذَفٌ
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الوَلْي، مثل الرَّمْي: الْمَطَر الَّذِي يَأْتِي بعد المَطر.
يُقال: وُلِيت الأرْضُ وَلْياً.
فَإِذا أردْت الِاسْم، فَهُوَ الوَلِيّ، مثل النَّعِيّ.
والنَّعيّ، الِاسْم؛ والنَّعْي، الْمصدر.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لِنِي وَلْيَةً تُمْرِعْ جَنَابِي فإنّني
لِما نِلْتُ من وَسْمِيِّ نُعْماكَ شاكِرُ
لِني، أمْرٌ من الوَلْي، أَي أمطرني وَلْيةً مِنْك، أَي مَعروفاً بعد مَعْروف.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَلِيّ: التَّابِع المُحِبّ.
وَقَالَ فِي قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كنت مَولاه فعليٌّ مَوْلَاهُ) ، أَي من أحبّني وتولاّني فَلْيتولّه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {) يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} (الْقِيَامَة: 34) .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ تَهَدُّد ووَعِيد.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو نَصر: قَالَ الْأَصْمَعِي: {أَوْلَى} مَعْنَاهُ: قاربك مَا تكره، أَي نزل بك يَا أَبَا جهل مَا تكره وقاربَك.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
فعادَى بَين هادَيَتَيْن مِنْهَا
وأَوْلَى أَن يَزيد على الثَّلاثِ
أَي: قَارب أَن يَزِيد.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: لم يقل أحد فِي أَوْلى لَك، أَحْسن ممّا قَالَ الأصمعيّ.
قَالَ: وَقَالَ غَيرهمَا: أَوْلى، يَقُولهَا الرَّجُل لآخر يُحَسِّره على مَا فَاتَهُ، وَيَقُول: يَا مَحْروم، أَي شَيْء فاتك؟
وَقَوله عزّ اسمُه: {مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَىْءٍ} (الْأَنْفَال: 72) .
قَالَ الْفراء: يُريد: مَا لكم من مواريثهم من شَيْء.
قَالَ: وكَسْر الْوَاو هَا هُنَا من وِلايتهم أعجبُ إليّ من فتحهَا، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُفتح أَكثر ذَلِك إِذا أُرِيد بهَا النُّصرة.
وَكَانَ الْكسَائي يَفتحها ويَذهب بهَا إِلَى النُّصرة.
قلتُ: وَلَا أَظُنهُ عَلِم التَّفسير.
قَالَ الْفراء: ويختارون فِي وَلِيتُه وِلاَية: الْكسر، وَقد سَمِعناهما بِالْفَتْح وبالكسر فِي مَعْنَييْهما جَمِيعًا؛ وأَنْشد:
دَعيهم فهم أَلْبٌ عليّ ولايةٌ
وحَفْرهمُ أَن يَعْلموا ذاكَ دائِبُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس نَحوا مِمَّا قَالَ الفرّاء.
وَقَالَ الزّجاج: يُقرأ: (وَلاَيتهم) ،

(15/322)


و (وِلاَيتهم) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، فَمن فتح جَعلها من: النُّصرة والنَّسب.
قَالَ: والوِلاية، الَّتِي بِمَنْزِلَة الْإِمَارَة، مَكْسُورَة.
قَالَ: والوِلاية على الْإِيمَان وَاجِبَة، الْمُؤْمِنُونَ بعضُهم أَولياء بعض.
وَلِيٌّ بَيِّن الوَلاَية.
ووالٍ بيِّن الوِلاَية.
والوليّ: وليّ الْيَتِيم الَّذِي يَلِي أَمره ويَقُوم بكِفايته.
ووليّ الْمَرْأَة: الَّذِي يَلي عَقْد النِّكاح عَلَيْهَا وَلَا يَدعها تَسْتَبِدّ بعَقْد النِّكاح دُونه.
وَيُقَال: فلَان أولى بِهَذَا الْأَمر من فلَان، أَي: أحقّ بِهِ.
وهما الأَوْليان، أَي: الأَحَقّان؛ قَالَ الله عَزّ وجلّ: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاَْوْلَيَانِ} (الْمَائِدَة: 107) .
قَرَأَ بهَا عليّ رَضِي الله عَنهُ، وَبهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَنَافِع وكَثِير.
وَقَالَ الْفراء: مَن قَرَأَ الأَوْلَيان أَرَادَ: وَليَّي المَوْرُوث.
وَقَالَ الزجّاج: الأَوْلَيان، فِي قَول أَكثر الْبَصرِيين، يَرتفعان على الْبَدَل ممّا فِي يقومان. الْمَعْنى: فَلْيَقُم الأَوْليان بِالْمَيتِ مَقام هذَيْن الجائيين.
وَمن قَرَأَ الأوَّلِين ردَّه على الَّذين وَكَأن المَعنى: من الَّذين استَحقّ عَلَيْهِم أَيْضا الأوَّلين.
وَهِي قِرَاءَة ابْن عبّاس، وَبهَا قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بقول ابْن عبَّاس: أَرَأَيْت إِن كَانَ الأَوْليان صغيرَيْن؛ وَأنْشد أَبُو زيد:
فَلَو كَانَ أَوْلى يُطْعم القَوْمَ صِدْتُهم
ولكنّ أَوْلَى يَتْرُك القَوْمَ جُوَّعَا
قَالَ: أَولى فِي هَذَا حِكَايَة، وَذَلِكَ أنّه كَانَ لَا يُحسن أَن يَرمي، وأحبّ أَن يُمتدح عِنْد أَصْحَابه، فَقَالَ: أَوْلَى، وَضرب بِيَدِهِ على الْأُخْرَى، وَقَالَ: أولى، فحكي ذَلِك.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى} (مَرْيَم: 4) .
قَالَ الْفراء: هم وَرثة الرَّجل وَبَنُو عَمِّه.
قَالَ: والوَليّ والمَوْلى، وَاحِد فِي كَلَام الْعَرَب.
قلت: ومِن هَذَا قولُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَيّمَا امرأةٍ نَكَحت بِغَيْر إذْن مَوْلَاهَا) .
وَرَوَاهُ بَعضهم وَليهَا، لأنّهما بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ابْن فَهم، عَن ابْن سَلام، عَن يُونُس، قَالَ: الْمولى، لَهُ مَوَاضِع فِي كَلَام الْعَرَب:
مِنْهَا: الْمولى فِي الدِّين: وَهُوَ الْوَلِيّ، وَذَلِكَ قولُ الله تَعَالَى: {أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى

(15/323)


الَّذِينَءَامَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} (مُحَمَّد: 11) .
وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَن كُنت مَولاه) ، أَي وليّه.
قَالَ: وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُزَينة وجُهينة وأَسْلَم وغِفار موالِي الله وَرَسُوله) ، أَي: أولياؤُهما.
قَالَ: وَالْمولى: العَصَبة، وَمِنْه قولُه عزّ وجلّ: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى} (مَرْيَم: 5) .
وَقَالَ اللِّهْبِيّ يُخاطب بني أُميّة:
مَهْلاً بَنِي عَمِّنا مَهْلاً مَوالِينا
امْشُوا رُوَيْداً كَمَا كُنْتُم تكَونُونَا
قَالَ: وَالْمولى: الحليف، وَهُوَ من انْضَمَّ إِلَيْك فعزّ بِعِزّك وامْتَنع بمَنَعتك.
والمَوْلى: المُعْتَق انْتسب بنَسبك، وَلِهَذَا قيل للمُعْتقين: المَوالِي.
قَالَ: قَالَ أَبُو الهَيثم: المَوْلى على سِتّة أوْجه:
الْمولى. ابنُ العَمّ، والعمُّ، والأخُ، والابْنُ، والعَصَبات كلهم، والمَوْلَى: النَّاصِر، والمَوْلَى: الَّذِي يَلِي عَلَيْك أَمْرَك.
قَالَ: وَرجل وَلاء، وقومٌ وَلاء، فِي معنى: ولِيّ، وَأَوْلِياء.
والوَلاَء، مصدر.
والمَولى: مولى المُوالاة، وَهُوَ الَّذِي يُسلم على يدك ويُوالِيك.
وَالْمولى: مولى النِّعمة، وَهُوَ المُعْتِق أَنعم على عَبْده بعِتْقه.
وَالْمولى: المُعْتَق، لِأَنَّهُ ينزل منزلَة ابْن الْعم، يجب علَيك أَن تَنْصره، وترَثه إِن مَاتَ وَلَا وارِثَ لَهُ.
والتَّولية، تكون إقبالاً، وَمِنْه قولُه جلّ عزّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الْبَقَرَة: 144) ، أَي: وَجِّه وَجهك نَحوه وتلقاءَه.
وَكذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (الْبَقَرَة: 148) .
قَالَ الْفراء: هُوَ مُسْتقبلها.
والتَّولية، فِي هَذَا الْموضع: إقْبال.
قَالَ: والتّولية، تكون انصرافاً؛ قَالَ الله تَعَالَى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (التَّوْبَة: 25) .
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يُوَلُّوكُمُ الاَْدُبَارَ} (آل عمرَان: 111) .
هِيَ، هَاهُنَا: انصراف.
وَقَالَ أَبُو مُعاذ النّحوي: قد تكون (التَّوْلِية) بِمَعْنى: التَّوَلِّي.
يُقَال: وَلّيت وتولّيت، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَسمعت الْعَرَب تنشد بيتَ ذِي الرُّمّة:

(15/324)


إِذا حَوّل الظِّلُّ العَشِيَّ رَأيتَه
حَنِيفاً وَفِي قَرْن الضُّحَى يَتَنَصَّرُ
أَرَادَ: تحوُّل الظِّل بالعَشِيّ.
وَقَوله: {هُوَ مُوَلِّيهَا} (الْبَقَرَة: 148) أَي: متولّيها، أَي مُتّبعها وراضِيها.
تولَّيت فلَانا: اتَّبعته ورَضِيت بِهِ.
وَيُقَال للرُّطْب إِذا أَخذ فِي الهَيْج: قد وَلى، وتَولى.
وتَوَلِّيه: شُهْبَتُه.
والتَّوْلية فِي البَيع: أَن تَشْتَري سِلْعةً بِثمن مَعْلوم ثمَّ تولّيها رجلا آخر بذلك الثَّمن.
وَتَكون (التَّولية) مصدرا، كَقَوْلِك: ولَّيت فلَانا عمل ناحيته، إِذا قلدته وِلايَتها.
و (التَّوَلِّي) يكون بِمَعْنى: الْإِعْرَاض، وَيكون بِمَعْنى: الاتّباع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ} (مُحَمَّد: 38) ، أَي: تُعرضوا عَن الْإِسْلَام.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} (التَّوْبَة: 23) ، مَعْنَاهُ: من يَتَّبعهم ويَنْصرهم.
وتوليت الْأَمر تولياً، إِذا وَليته؛ قَالَ الله تَعَالَى: {تَوَلَّى كِبْرَهُ} (النُّور: 11) أَي: وَلي وِزر الْإِفْك وإشاعته.
ابْن الْأَعرَابِي: الْمُوَالَاة: أَن يتشاجر اثْنَان فَيدْخل ثَالِث بَينهمَا للصُّلح، وَيكون لَهُ فِي أَحدهمَا هوى فيواليه، أَي يُحابيه.
قَالَ: والى فلَان فلَانا، إِذا أَحَبَّه.
وللمُوالاة مَعنى ثَالِث، سمعتُ العربَ تَقول: والُوا حَواشِيَ نَعَمكم من الجِلّة، أَي اعزلوا صغارها عَن كِبَارهَا.
واليْناها فتوالَت؛ وأَنْشد بعضُهم:
وكُنّا خُلَيْطَى فِي الجِمالِ فأَصْبحت
جِمالِي تُوالَي وُلَّهاً مِن جِمَالِكا
وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ولكنّها كانتْ نَوى أَجْنبيّةً
تَوَالِيَ رِبْعيّ السِّقَابِ فأَصْحَبَا
ورِبْعي السِّقاب: الَّذِي نُتج فِي أول الرّبيع. وتواليه أَن يُفْصل عَن أمّه فيشتد وَلَهُه إِلَيْهَا إِذا فَقدها أوّل مَا يُوالَى، ثمَّ يَسْتمر على المُوالاة. ويُصْحِب، أَي يَنْقاد ويَصْبر بعد شدَّة وَلهه لمُفارقته أُمّه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : توالَيْتُ مَالِي، وامْتَزْت مالِي، وازْدَلْت مالِي، بِمَعْنى وَاحِد.
جعلت هَذِه الأحرف واقِعَة، وَالظَّاهِر مِنْهَا أَنَّهَا لَازِمَة.
والوليّة: البَرْذعة، وَجَمعهَا: الوَلايا.
والمَوالاة: المُتابعة.
يُقال: والَى فلانٌ برُمْحه بَين صَيْدين، وعادى بَينهمَا، وَذَلِكَ إِذا تَابع بَينهمَا بطَعْنَتين مُتواليَتْين.
ويُقال: أصبته بِثَلَاثَة أَسهم وَلاَءً، أَي تِباعاً.

(15/325)


وتوالت إليّ كُتُب فلانٍ، أَي تَتابَعت؛ وَقد والاها الكاتبُ.
ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول النَّمرِ بن تَولب يَصف نَاقَة سَمِينَة نَحرها:
عَن ذاتِ أَوْلية أَسَاوِدَ رَيّها
وكأنّ لونَ المِلْح فَوق شِفَارِها
قَالَ: الأَوْلية: جمع الوليّة، وَهِي البرْذعة. شَبّه مَا تراكم عَلَيْهَا من الشَّحْم بالوَلاَيا، وَهِي البَراذع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحْوَه.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ أَنها أكلت وليًّا بعد وليّ من الْمَطَر. أَي: رَعت مَا نَبَت عَنْها فَسَمِنت.
قلت: (الولايا) إِذا جَعلتها جمع (الوليّة) ، وَهِي البَرذعة الَّتِي تَحت الرَّحْل، فَهِيَ أَشْهر.
وَمِنْه قَول أبي ذُؤيب:
كالبلايَا رُؤُوسها فِي الولاَيا
مانحات السَّمُوم حُرَّ الخُدُودِ
وَيُقَال: اسْتبق الفارسان على فرسَيْهما إِلَى أَمَدٍ تسابَقا إِلَيْهِ، فاستولى أحدُهما على الْغَايَة، إِذا سَبق الآخر إِلَيْهَا: وَقَالَ النَّابِغَة:
سَبْق الْجواد إِذا اسْتَوْلَى على الأَمَدِ
واستيلاؤه على الأَمد: أَن يَغْلب عَلَيْهِ بسَبْقه إِلَيْهِ.
وَمن هَذَا يُقال: استولى فلانٌ على مَالِي، إِذا غلب عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ: اسْتَوْمى عَلَيْهِ، بمَعناه.
وهما من الحُروف الَّتِي تعاقب فِيهَا اللَّام وَالْمِيم، وَمِنْهَا قَوْلهم: لَوْلَا فَعَلْت كَذَا، ولومَا فعلت كَذَا، بِمَعْنى (هلا) ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الْحجر: 7) ؛ وَقالَ عَبِيد:
لَو مَا على حِجْر ابْن أُمّ
قَطَام تَبْكي لَا عَلَيْنَا
الأصمعيّ: خالَمْتُه وخالَلْتُه، إِذا صادقته؛ وَهُوَ خِلِّي وخِلْمي.
أَبُو زيد: الرّوال، والرّوام: اللُّغام.
وَيُقَال: أوليت فلَانا شَرًّا، وأوليته خيرا، كَقَوْلِك: سُمْتُه خيرا وشرًّا.
وأوليته مَعْرُوفا: أسْديته إِلَيْهِ.
ويل: وَقَالَ الله تَعَالَى: {} (المطففين: 1) و {} (الْهمزَة: 1) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَيْلٌ، رفع للابتداء، وَالْخَبَر (لِلْمُطَفِّفِينَ) .
قَالَ وَلَو كَانَت فِي غير الْقُرْآن لجَاز (ويلا) على معنى: جعل الله لَهُم ويلاً، وَالرَّفْع أَجود فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام؛ لِأَن الْمَعْنى: قد ثَبَت لَهُم هَذَا.
قَالَ: وَالْوَيْل: كلمةٌ تقال لكل من وَقع فِي

(15/326)


عَذَاب أَو هَلكة.
قَالَ: وأصل (الوَيل) فِي اللُّغَة: الهَلاك وَالْعَذَاب.
ورُوي عَن عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ: الوَيل: وادٍ فِي جَهنم لَو أرْسلت فِيهِ الجبالُ لماعَتْ من حرّه قبل أَن تبلغ قَعْره.
وَقَالَ اللَّيْث: الويل: حُلول الشّرِّ.
والوَيْلة: البَلِيّة والفضيحة.
وَإِذا قَالَ الْقَائِل: يَا ويلتاه، فَإِنَّمَا يَعْنِي: يَا فَضيحتاه.
وَكَذَلِكَ يُفسر قَوْله تَعَالَى: {ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ} (الْكَهْف: 49) .
وَقد تجمع الْعَرَب (الويل) : الوَيْلات.
ويُقال: ويّلت فلَانا، إِذا أكثرت لَهُ من ذِكْر الوَيْل.
وهما يَتَوايلان.
وَيُقَال: ويْلاً لَهُ وائلا، كَقَوْلِك: شغل شاغل.
وَإِذا قَالَت الْمَرْأَة: واوَيْلَها، قلت: وَلولَت؛ قَالَ رُؤْبة:
كَأَنَّمَا عَوْلَتُه من التَّأقْ
عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَت بعد المَأقْ
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب النَّحوي: أَن (وَيلة) كَانَ أَصْلهَا (وي) وصلت ب (لَهُ) .
وَمعنى: وي: حُزْن، أُخْرج مُخرج النُّدبة.
قَالَ: والعوْل: الْبكاء، فِي قَوْلهم، وَيْلَه وعَوْلَه، ونُصِبا على الذَّم والدُّعاء.
أول: قَالَ اللَّيْث: الْأَوَائِل: من (الأول) .
فَمنهمْ من يَقُول: تأسيس بنائِهِ من هَمزة، وواو وَلَام.
وَمِنْهُم من يَقُول: تأسيسه من واوين بعدهمَا لَام.
وَلكُل حُجّة.
وَقَالَ فِي قَوْله:
جَهَام تَحُثّ الوائلات أواخره
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الدُّقَيش (تحث الأوّلات) .
قَالَ: والأَوّل وَالْأولَى، بِمَنْزِلَة: أَفْعل، وفُعْلى.
قَالَ: وَجمع (الأولى) : الأوليات.
قلت: وَيجمع (الأوّل) : على (الأُوَل) مثل: الأَكبر، والكُبَر، وَكَذَلِكَ الأُولى.
وَمِنْهُم من شدّد الْوَاو من (أُوّل) مجموعاً اللَّيْث: من قَالَ: تأليف (أوّل) من همزَة وواو وَلَام، فَينبغي أَن يكون (أفعل) مِنْهُ: أأول، بهمزتين؛ لِأَنَّك تَقول: آب يؤوب: أَأْوب.

(15/327)


واحتجّ قَائِل هَذَا القَوْل أَن الأَصْل كَانَ (أَأْول) ، فقلبت إحْدى الهمزتين واواً، ثمَّ أُدْغمت فِي الْوَاو الْأُخْرَى، فَقيل: أَوّل.
وَمن قَالَ، إِن أصل تأسيسه واوان وَلَام، جعل الْهمزَة ألف (أفعل) ، وأَدغم إِحْدَى الواوين فِي الْأُخْرَى وشَدَّدهما.
وَيُقَال: رَأَيْته عَاما أَوّل، على بِنَاء (أفعل) .
اللَّيْث: وَمن نَوّن حمَله على النّكرة، وَمن لم يُنون فَهُوَ بابُه.
ابْن دُرَيْد: أوّل، فَوْعَل.
قَالَ وَكَانَ فِي الأَصْل (وَوّل) فقُلبت الْوَاو الأُولى همزَة، وأُدغمت إِحْدَى الواوين فِي الْأُخْرَى، فَقيل: أوّل.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} (آل عمرَان: 96) .
قَالَ: (أوّل) فِي اللُّغَة، على الْحَقِيقَة: ابْتِدَاء الشَّيْء.
قيل: وَجَائِز أَن يكون الْمُبْتَدَأ لَهُ آخر، وَجَائِز ألاّ يكون لَهُ آخِر.
فالواحد أوّل الْعدَد، وَالْعدَد غيرُ مُتناهٍ؛ ونعيم الْجنَّة لَهُ أوّل، وَهُوَ غير مُنْقطع.
وقولك: هَذَا أوّل مالٍ كسبته، جَائِز ألاّ يكون بعده كَسْب، وَلَكِن أَرَادَ: بل هَذَا ابْتِدَاء كَسْبي.
قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل: أوّل عبدٍ أملكهُ حُرّ، فَمَلك عَبْداً، لَعَتَق ذَلِك العَبْد، لِأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ المِلْك.
فَجَائِز أَن يكون قَول الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} (آل عمرَان: 96) هُوَ الْبَيْت الَّذِي لم يكَن الحجّ إِلَى غَيره.
وَجَاء فِي خبر مَرْفُوع إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد حسن، فِي تَفْسِير (الأوّل) فِي صفة الله عزّ وجلّ: (إِنَّه الأَوّل لَيْسَ قبله شَيْء، وَالْآخر لَيْسَ بعده شَيْء) .
وَلَا يجوز أَن نَعْدُوَ هَذَا التَّفسير.
قلت: وَقد قَالَ بعض اللُّغويين فِي اشتقاق (الأول) : إِنَّه (أفعل) ، من: آل يؤول؛ و (أُولى) فُعْلى مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ (أول) فِي الأَصْل: أَأْول، فقُلبت الْهمزَة الثَّانِيَة واواً، وأُدغمت فِي الْوَاو الأُخرى، فَقيل: أوّل.
وعُزي هَذَا القولُ إِلَى سِيبَوَيْهٍ.
وَكَأَنَّهُ من قَوْلهم: آل يؤول، إِذا نجا وسَبَق.
وَمثله: وأل يَئل، بِمَعْنَاهُ.
أَبُو زيد، يُقال: لَقِيتُه عامَ الأوَّل، وَيَوْم الأوَّل، جرّ آخِره.
وَهُوَ كَقَوْلِك: أتيتُ مسجدَ الجامِع.
قلت: وَهَذَا من بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَعْته.

(15/328)


أَبُو زيد: يُقَال: جَاءَ فلَان فِي أَوّليّة النَّاس، إِذا جَاءَ فِي أوّلهم.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: أوّل يكون على ضَرْبَيْنِ: يكون اسْما. وَيكون نَعْتاً مَوْصُولا بِهِ (من كَذَا) .
فَأَما كَونه نعتاً، فقولك: هَذَا رجلٌ أوّلُ مِنْك، وَجَاءَنِي زيدٌ أوّل من مجيئك، وجئتك أوّلَ من أمس.
وأمّا كَوْنُه اسْما، فقولك: مَا تركت أوّلاً وَلَا آخِراً. كَمَا تَقول: مَا تركت لَهُ قَدِيما وَلَا حَدِيثا.
وعَلى أَي الْوَجْهَيْنِ سمّيت بِهِ رجلا انْصَرف فِي النكرَة، لِأَنَّهُ فِي بَاب الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَة (أفكل) ، وَفِي بَال النُّعوت بِمَنْزِلَة (أَحْمَر) .
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: تَقول العربُ: أوّلُ مَا أطلع ضَبٌّ ذَنَبه.
يُقال ذَلِك للرجل يَصنع الخَيْر وَلم يكن صَنعَه قبل ذَلِك.
قَالَ: وَالْعرب ترفع (أوّل) ، وتَنصب (ذَنبه) ، على معنى: أوّلُ مَا أَطلع ذَنبه.
قَالَ: وَمِنْهُم من يرفع (أول) وَيرْفَع (ذَنبه) ، على معنى: أَول شَيْء أطلعه ذنبُه.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَنْصب (أول) وَينصب (ذَنبه) ، على أَن يَجْعَل (أول) صفة.
قَالَ: وَمِنْهُم مَن يَنصب (أول) وَيرْفَع (ذَنبه) ، على معنى: فِي أوَّل مَا أَطلع ضَبٌّ ذَنبه، أَي فِي أوّل ذَلِك.
وأمّا (التَّأْوِيل) ، فَقيل: من أوّل يُؤوِّل تَأْوِيلا.
وثُلاثيه: آل يَؤول، أَي رَجع وَعَاد.
وسُئل أَحْمد بن يحيى عَن (التَّأْوِيل) فَقَالَ: التَّأْوِيل والتَّغيير، وَاحِد.
قلت: أُلْت الشيءَ: جَمَعْتُه وأَصْلَحته، فَكَأَن (التَّأْوِيل) جَمْع معانٍ مُشكلة بِلَفْظ وَاضح لَا إِشْكَال فِيهِ.
وَقَالَ بعضُ الْعَرَب: أَوَّل الله عَلَيْك أمْرَك، أَي جَمعه.
وَإِذا دَعوا عَلَيْهِ قَالُوا: لَا أَوّل الله عَلَيْك شَمْلَك.
ويُقال فِي الدُّعاء للمُضِلّ: أَوّل الله عَلَيْك، أَي رَدّ الله عَلَيْك ضالَّتك وجَمَعها لَك.
ويُقال: تأوّلت فِي فلانٍ الأَجْرَ، أَي تَحرَّيته وطَلَبْتُه.
اللَّيث: التأوّل والتأويل: تَفْسِير الْكَلَام الَّذِي تَختلف مَعَانِيه، وَلَا يَصح إِلَّا بِبَيَان غير لَفظه؛ وَأنْشد:
نَحن ضَرَبناكم على تَنْزيله
فاليومَ نَضْرِبْكم على تَأْوِيله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} (الْأَعْرَاف: 53) .

(15/329)


قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: هَل ينظرُونَ إلاّ مَا يَؤول إِلَيْهِ أَمرهم مِن البَعث.
قيل: وَهَذَا التَّأويل هُوَ قَوْله جلّ وعزّ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (آل عمرَان: 7) ، أَي: لَا يعلم مَتى يكون أَمر الْبَعْث وَمَا يؤول إِلَيْهِ الْأَمر عِنْد قيام السَّاعَة إِلَّا الله {وَالرَاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ} (آل عمرَان: 7) ، أَي: آمنّا بالبَعث. وَالله أعلم.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه حَسن.
وَقَالَ غَيره: أعلم الله جلّ ثَنَاؤُهُ أنّ فِي الْكتاب الَّذِي أَنزله آيَات مُحكمات هنّ أم الْكتاب لَا تَشابه فِيهِ، فَهُوَ مَفْهُوم مَعْلُوم، وَأنزل آياتٍ أُخَر متشابهات تكلَّم فِيهَا الْعلمَاء مُجتهدين، وهم يعلمُونَ أَن الْيَقِين الَّذِي هُوَ الصَّوَاب لَا يَعلمه إِلَّا الله، وَذَلِكَ مثل المُشكلات الَّتِي اخْتلف المتأولون فِي تَأْوِيلهَا وتكلَّم فِيهَا من تكلَّم، على مَا أدّاه الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ.
وَإِلَى هَذَا مَال أَبُو بكر بن الأنباريّ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، يُقَال: إِنَّمَا طَعَام فلَان القَفْعاء والتَّأْويل.
قَالَ: والتأويل: نَبْت يَعْتلفه الحِمار، والقَفْعاء: شَجَرَة لَهَا شَوْك. ويُضرب هَذَا للرّجُل إِذا اسْتَبْلد فَهْمُه. وشُبِّه بالحمار فِي ضَعف عَقله.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الْعَرَب تَقول: أَنْت فِي ضَحائك بَين القَفْعاء والتَّأْويل. وهما نَبْتان مَحمودان من مَراعي البَهائم، فَإِذا أَرادوا أَن يَنْسبوا الرَّجُلَ إِلَى أنّه بَهيمة، إِلَّا أَنه مُخصب مُوسَّع عَلَيْهِ، ضَربوا لَهُ هَذَا الْمثل.
وأَنشد غَيره لأبي وَجْزة:
عَزْب المراتع نَظّارٌ أَطاع لَهُ
مِن كُلّ رابيةٍ مَكْرٌ وتَأْوِيلُ
وَرَأَيْت فِي تَفْسِيره أَنّ (التَّأْوِيل) : اسْم بقَلة يُولع بهَا بَقر الْوَحْش تَنْبُت فِي الرَّمْل.
قلت: المَكْر والقَفْعاء، معروفان، قد رأيتهما فِي الْبَادِيَة، وَأما (التَّأْوِيل) فَمَا سَمِعته إلاّ فِي شعر أبي وَجْزة هَذَا، وَقد رَعاه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} (آل عمرَان: 7) .
التَّأْوِيل: المَرجع والمَصير، مَأْخُوذ من: آل يَؤُول إِلَى كَذَا، أَي صَار إِلَيْهِ.
وأوّلته: صَيَّرته إِلَيْهِ.
وَكَانَ أَبُو عُبيد يُنشد بيتَ الأَعشى:
على أنّها كَانَت تَأَوّل حُبّها
تأوّل رِبْعِيّ السِّقاب فأَصْحَبَا
يَعْنِي: أنّ حبها كَانَ صَغِيرا فآل إِلَى العِظَم، مثل السَّقْب يكون صَغِيرا ثمَّ يَشُب

(15/330)


حَتَّى يصير مثل أُمّه.
قلت: إِلَةُ الرَّجل: أهل بَيته الَّذين يَئل إِلَيْهِم، أَي يَلجأ إِلَيْهِم.
وإلة، حرف نَاقص، أَصله: وِئْلة، مثل: (صِلة) و (زنة) ، أَصلهمَا: (وِصْلة) و (وِزْنة) .
وأمّا: إيلة الرجل، فهم أَصله الَّذين يَؤول إِلَيْهِم، وَكَانَ أَصله: إولة، فقلبت الْوَاو يَاء.
أَو يجوز أَن يكون الأَصْل (إيلة) ، فخففت.
وأَيلْة: قَرْيَة عربيّة، كَأَنَّهَا سُميت: أَيْلَة، لِأَن أَهلهَا يَؤُولون إِلَيْهَا.
وَأما: إيلة الرَّجُل، فقراباتُه.
وَكَذَلِكَ: وَلْيته.
ابْن السِّكيت: فِي أَسْنَانه يَلل وأَلَل، وَهُوَ أَن تُقبل الأَسنان على بَاطِن الْفَم.
ابْن الأعرابيّ: الأيَلُّ: الطَّوِيل الْأَسْنَان.
والأيَلّ: الصَّغِير الْأَسْنَان، وَهُوَ من الأضداد؛ وَقَالَ لَبِيد:
تُكْلح الأرْوق مِنْهَا والأيَلّ
لَا: ابْن الْأَعرَابِي: لاواه، إِذا خَالفه.
سَلمة، عَن الْفراء: لاوَيْت، أَي قلت: لَا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَوْلَيْت، بِهَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ غيرُه: العربُ إِذا أَرَادوا تقليل مُدّة فِعل، أَو ظُهور شَيْء خَفِيّ، قَالُوا: كَانَ فِعْله كَلاَ.
وَرُبمَا كرّروا فَقَالُوا: كلا وَلَا؛ وَمِنْه قَول ذِي الرُّمة:
أصَاب خَصاصةً فَبَدَا كَلِيلاً
كلا وانْفَلّ سائِرُه انْفِلاَلا
وَقَالَ آخر:
يكون نُزول الْقَوْم فِيهَا كلاَ ولاَ
اللِّحياني، عَن الْكسَائي: لَوَّيت لاءً حَسنةً، بِالْمدِّ، ومَوَّيت مَاء حَسَنَة، إِذا كتبتَهما.
قَالَ: وَهَذِه لاءٌ مُلوّاة، أَي مَكْتوبة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِي قَوْله:
أَبى جُودُه لَا البُخْلَ واسْتَعْجلت نَعَمْ
بِهِ مِن فَتى لَا يَمْنع الجُوعَ قاتِلَهْ
قَالَ: أَرَادَ: أبَى جُودُه (لَا) الَّتِي تُبَخِّل الْإِنْسَان، كَأَنَّهُ إِذا قيل لَهُ: لَا تُسْرف وَلَا تبذِّر أَبى جُودُه قولَ (لَا) هَذِه، واسْتَعْجلت بِهِ (نعم) فَقَالَ: نعم أفعل وَلَا أترك الجُودَ.
حكى ذَلِك الزّجّاج لأبي عَمْرو، ثمَّ قَالَ:

(15/331)


وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ، على رِوَايَة مَن رَوى (أَبى جودُه لَا الْبُخْل) :
أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ: أَبى جُودُه البُخْلَ، وَتجْعَل (لَا) صِلة، كَقَوْل الله تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} (الْأَعْرَاف: 11) ، وَمَعْنَاهُ: مَا مَنعك أَن تَسْجد.
قَالَ: وَالْقَوْل الثَّانِي، وَهُوَ عِنْدِي حَسن، قَالَ: أرى أَن تكون (لَا) غير لَغو، وَأَن يكون (الْبُخْل) مَنْصُوبًا بَدَلا من (لَا) . الْمَعْنى: أَبى جُوده لَا، الَّتِي هِيَ للبُخل، فكأنك قلت: أَبى جُوده الْبُخْل، وعجّلت بِهِ نَعم.
أيلول: وأَيْلول: اسْم الشَّهْر، أَحْسبهُ رُوميًّا.
إيلياء: وإيلياء: مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس، وَمِنْهُم من يقصر فَيَقُول: إيليا؛ وكأنهما روميّان.
يليل: ويَلْيَل: اسْم جبل مَعروف فِي الْبَادِيَة.
ولول: وولول: اسْم سيفٍ كَانَ لعتّاب بن أَسِيد، وابنُه الْقَائِل يَوْم الْجمل:
أَنا ابْن عَتّابٍ وسَيْفي وَلْوَلْ
تلو: وَقَوله عزّ وجلّ: {أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ} (النِّسَاء: 134) .
قَرَأَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو: {وَإِن تَلْوُواْ} بواوين، من: لوى الْحَاكِم بقضيّته، إِذا دَافع بهَا.
وَأما قِرَاءَة من قَرَأَ (وَإِن تلوا) بواو وَاحِدَة، فَفِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أنّ أَصله (تلووا) بواوين، كَمَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم، فأبدل من الْوَاو المضمومة همزَة، فَصَارَت تلْؤا، بإِسكان اللَّام، ثمَّ طُرحت الْهمزَة وطرحت حركتها على اللَّام، فَصَارَت: تلُو، كَمَا قيل فِي أَدوُر: أَدْؤر، ثمَّ طرحت الْهمزَة، فَقيل أدُر.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون (تلوا) من الْولَايَة، لَا من (الليّ) . وَالْمعْنَى أَن تلوا الشَّهَادَة فتُقيموها.
وَهَذَا كُله صَحِيح فِي قَول البصرييّن.
الْألف وَاللَّام
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: العربُ تُدخل الْألف وَاللَّام على الفِعل المُسْتقبل على جِهَة الِاخْتِصَاص والحِكاية؛ وأَنْشد للفرزدق:
مَا أَنْت بالحَكم الْتُرْضَى شَهادَتُه
وَلَا الأصِيل ولاذي الرَّأْي والجَدَل
قَالَ: وأَنشد الفرّاء فِي مثله:
أخْفن اطِّنائي إِن سَكَتُّ وإنّني
لفي شُغل عَن ذَحْلها اليُتَتَبَّعُ
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (يتتبع) ، وَهُوَ فِعل مُسْتقبل، لما وَصَفنا.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: هَذَا اليَضرِبك، وَرَأَيْت اليضربك: يُرِيد: الَّذِي يَضربك. وَهَذَا الْوَضَع الشِّعر، يُرِيد: الَّذِي وَضع الشِّعْر؛ وَأنْشد الْمفضل:

(15/332)


يَقول الخَنا وأَبْغض العُجم ناطقاً
إِلَى ربِّنا صوتُ الحِمار اليُجَدَّعُ
يُرِيد: الَّذِي يُجَدَّع.

(آخر حرف اللَّام)

(15/333)


كتاب حرف النُّون
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ

(بَاب النُّون وَالْفَاء)
ن ف
(نف، فن: مستعملة) .
نف: أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد، عَن مُحَمَّد بن عمرويه، عَن المُثنَّى، عَن المؤرِّج: نَفَفْتُ السَّوِيقَ وسَفِفْتُه، وَهُوَ النَّفِيف والسَّفيف، لِسَفِيف السَّويق؛ وَأنْشد لرجل من أَزْد شَنُوءة:
وَكَانَ نَصِيري مَعْشَراً فطَحَا بهم
نَفِيفُ السَّوِيق والبُطونُ النَّوافِقُ
وَقَالَ: إِذا عَظُم الْبَطن وارتفع المَعَدُّ، قيل لصَاحبه: ناتق.
اللَّيْث: النَّفْنَف: الْهَوَاء.
وكل شَيْء بَينه وَبَين الأَرْض مَهْوًى، فَهُوَ نَفْنف؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
ترى قُرْطَها من حُرّة اللِّيت مُشْرِفاً
على هَلَكٍ فِي نَفْنف يَتطوَّحُ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: النَّفْنَف: مَهْواةُ مَا بَين كُلّ جَبَلَيْن.
ابْن شُميل: نَفانف الكَبِد: نَواحِيها.
ونَفانِف الدَّار: نواحِيها.
شَمِر، عَنهُ: صُقْع الْجَبَل، الَّذِي كأنّه جدارٌ مَبْنِيٌّ مُسْتَوٍ: نَفْنَف.
قَالَ: والنَّفْنف أَيْضا: أسناد الجَبل الَّتِي تَعْلوه مِنْهَا وتَهْبط مِنْهَا.
قَالَ: والركيّة من شَفتها إِلَى قَعْرِها: نَفْنَف.
ونفَانِف الجَبل لَا تُنبت شَيْئا، لِأَنَّهَا خشنة غَلِيظَة بعيدَة من الأَرْض.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّفْنَف: مَا بَين أَعلى الْحَائِط إِلَى أَسْفَل، وَبَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأَعْلَى البِئر إِلَى أَسْفَل.
فن: اللَّيْث: الفَنّ: الْحَال.
قَالَ: والفُنون: الضُّروب؛ يُقَال: رَعَينا فُنون النَّبات، وأَصبنا فُنون الأَمْوال؛ وَأنْشد:
قد لَبِسْت الدَّهْر من أَفْنانِه
كل فنَ ناعمٍ مِنْهُ حَبِرْ
قَالَ: والرجلُ يفنِّن الْكَلَام، أَي يشتقّ فِي فنَ بعد فَنّ.
قَالَ: والتفنُّن، فِعْلك.
قَالَ: والتَّفنين: فِعْلُ الثَّوْب إِذا بَلِي فَتَفَزَّر

(15/334)


بعضُه من بعض من غير تَشَقُّق.
قَالَ: والفَنَن: الغُصْن المُستقيم طُولاً وعرضاً؛ وَقَالَ العجاج:
والفَنَنُ الشّارِقُ والغَرْبِيّ
وَقَالَ عِكرمة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {) تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} (الرحمان: 48) .
قَالَ: ظِلّ الأغْصان على الحِيطان.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فسّره بعضُهم، ذواتا أَغْصان؛ وفَسّره بعضُهم: ذواتا ألوان.
وَاحِدهَا حِينَئِذٍ: فَنّ وفَنَن، كَمَا قَالُوا: سَنٌّ وسَنَن، وعَنٌّ وعَنَن.
وَقَالَ غَيره: وَاحِد (الأفنان) بِمَعْنى (الألوان) فَنّ.
وَإِذا أردْت (الأغصان) ، فواحدها: فَنَن.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: شَجَرَة فَنْواء: ذَات أفنان.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَكَانَ يَنبغي فِي التَّقْدِير: فَنّاء.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أَحْمد بن يحيى: شَجَرَة فنّاء وفَنْواء: ذَات أفْنان.
وَأما: شَجَرَة قَنْواء، بِالْقَافِ، فَهِيَ الطَّويلة.
وَفِي حَدِيث أهل الْجنَّة: مُرْدٌ مُكَحَّلون أولُو أفانِين.
يُرِيد: أولو شُعور وجُمَم.
وأفانين: جمع أفنان؛ وأفنان: جمع فَنَن، وَهُوَ الخُصْلة من الشّعر، شُبِّه بالغُصن؛ قَالَ الشَّاعِر:
يَنْفُضن أفنان السّبِيب والعُذَر
يصف الْخَيل ونَفْضها خُصل شَعر نَوَاصِيهَا وأَذنابها.
وَقَالَ المرّار:
أعلاقةً أمَّ الوَليد بعد مَا
أَفْنانُ رأسِك كالثَّغام المُخْلِسِ
يَعْنِي: خُصل جُمّة رَأسه حِين شَاب.
أَبُو زيد: الفَيْنان: الشَّعر الطَّوِيل الحَسن.
قلت: هُوَ (فيعال) من (الفنن) ، وَالْيَاء زَائِدَة.
وَيُقَال: فَنّن فلانٌ رَأْيَه، إِذا لَوّنه وَلم يَثْبت على رَأْي وَاحِد.
ورَجَلٌ مِفَنٌّ مِعَنٌّ: ذُو فُنون من الْكَلَام وَاعْتِرَاض وعنَن؛ وَأنْشد أَبُو زيد:
إنّ لنا لكَنَّهْ
مِعَنَّةٌ مِفَنَّهْ
أَبُو زيد: المُفَنِّنة: الْمَرْأَة الْكَبِيرَة السيِّئة الخُلق.
ورَجُلٌ مُفَنِّن.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَفْنين: البُقعة السَّخيفة السّمجة فِي الثَّوب الصَّفِيق، وَهُوَ عَيْب.
وَفِي قَول أبَان بن عُثْمَان: مَثَل اللَّحن فِي الرَّجُل السَّرِيّ كالتَّفْنين فِي الثَّواب.

(15/335)


ابْن الْأَعرَابِي: الأُفنون: الحَيّة. والأُفنون: الْعَجُوز المُسِنَّة. والأُفنون: الغُصن المُلتفّ. والأُفنون: الجَرْيُ المُختلط، من جَرْي الْفرس والناقة. والأُفنون: الْكَلَام المُثَبَّج، من كَلَام الهِلْبَاجَة.
وَالْعرب تَقول: كنت بِحَالَة حَسَنَة فَنَّةً من الدَّهْر، وفَيْنةً من الدَّهْر، وضَرْبةً من الدَّهر، أَي طَرفاً من الدَّهْر.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الفَنّ: العَنَاء.
فَنَنْتُ الرَّجُلَ: أفُنّه فنًّا، إِذا عَنَّيْته؛ وَقَالَ الراجز:
لأَجْعَلَنْ لابْنة عمروٍ فَنًّا
حَتَّى يكونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفَنّ: الطَّرْدُ.
وَهُوَ يَفُنّ الإِبلَ.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: الفَنّ: المَطْل.
ابْن الْأَعرَابِي: فَنْفَن الرّجُل: إِذا فَرَّقَ إبلَه كسلاً وتوَانِياً.
أَبُو عُبَيد: اليَفَن: الكَبِير؛ وَقَالَ الأعْشى:
وَمَا إِن أرَى الدَّهْر فِيمَا مَضى
يُغادر مِنْ شَارِفٍ أَو يَفَنْ
ابْن الْأَعرَابِي: من أَسمَاء الْبَقَرَة: اليَفَنَة، والعَجوز، واللِّفْت، والطَّغْيَا.
اللَّيْث: اليَفَن: الشَّيخ الفاني.
وَقَالَ: (الْيَاء) فِيهِ أَصْلية.
وَقَالَ بعضُهم: بل هُوَ على تَقْدِير (يفعل) ، لأنّ الدَّهْر فنَّه وأَبْلاه.

(بَاب النُّون وَالْبَاء)
ن ب
(نب، بن: مستعملان) .
نب: اللَّيْث: نَبّ التَّيسُ يَنِبُّ نَبِيباً.
وَقَالَ عُمَرُ لِوَفْدِ أهل الكُوفة، حِين شَكَوا سَعْدا: ليكلِّمْني بعضُكم وَلَا تَنِبُّوا عِنْدِي نَبِيبَ التُّيُوس.
عَمْرو، عَن أَبِيه: نَبَّب الرَّجُل، إِذا هَذَى عِنْد الجِماع.
ونَبْنَب، إِذا طَوّل عَمَله وحَسَّنه.
بن: اللَّيْث: البَنَّة: ريحُ مَرابض الغَنَم والبَقر والظِّباء.
تَقول: أجد لهَذَا الثَّواب بَنَّة طَيِّبة من عَرْف تُفّاح أَو سَفَرْجل.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: البَنّة: الرِّيح الطيِّبة. وَجَمعهَا: بِنَان.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: (البَنَّة) ، تُقال فِي الرِّيح الطيِّبة وغَير الطيِّبة.
اللَّيْث: الإبْنان: اللُّزوم.
يُقَال: أَبَنَّت السَّحابةُ، إِذا لَزِمت ودامت.
أَبُو عبيد: أَبْنَنْت بِالْمَكَانِ: أَقمت بِهِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
أبَنَّ بهَا عَوْدُ المبَاءة طَيِّبٌ

(15/336)


وَيُقَال: رَأَيْت حيًّا مُبِنًّا بمَكَان كَذَا، أَي مُقِيماً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الْأَنْفَال: 12) .
قَالَ: وَاحِد (البَنان) : بَنَانة.
وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: الْأَصَابِع وغَيْرها من جَمِيع الْأَعْضَاء.
قَالَ: وَإِنَّمَا اشْتقاق (البنان) من قَوْلهم: (أَبَنَّ) بِالْمَكَانِ.
والبَنان بِهِ يُعْتمل كُلّ مَا يكون للإقامة والحياة.
اللَّيْث: البَنان: أَطراف الْأَصَابِع من اليدَين والرِّجْلَين.
و (البَنان) فِي كتاب الله: الشَّوى، وَهِي الأَيدي والارْجُل.
قَالَ: والبَنانة: الإصبع الْوَاحِدَة؛ وأَنشد:
لَا هُمّ أَكْرمت بَني كِنَانَه
لَيس لِحَيَ فَوْقهم بَنَانَهْ
أَي لَيْسَ لأحد عَلَيْهِم فَضل قِيسَ إصْبع.
قَالَ: وبُنَانة: حيٌّ من اليَمن.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَنانة: الرَّوضة المُعْشِبة.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الهَيثم: البَنانة: الإِصْبَع كُلها.
وتُقال للعُقدة العُلْيا من الإصْبع؛ وأَنْشد:
يُبلّغنا مِنْهَا البَنانُ المُطَرَّفُ
والمُطرّف: الَّذِي طرِّف بالحِنّاء.
قَالَ: وكل مَفْصل: بَنانة.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَنْبَنَة: صَوت الفُحش والقَذَع.
ابْن الْأَعرَابِي: بَنْبَن الرَّجُل، إِذا تكلّم بِكَلَام الفُحش، وَهِي البَنْبَنة.
وأَنشد شَمر:
فَصَارَ ثَناها فِي تَمِيم وَغَيرهم
عَشِيّة يَأْتِيهَا بِبَنْبَان عِيرُها
يَعْنِي: مَاء لبني تَمِيم يُقَال لَهُ: بَنْبَان.
قَالَ: والتَّبْنين: التَّثْبيت فِي الْأَمر.
والبَنِين: المُتثبِّت العاقِل.
الْفراء: البِنّ: الطِّرْق من الشَّحم.
يُقال للدابة إِذا سَمنت: رَكبها طِرْق وبِنٌّ على بِنّ.
والبِنُّ: الْموضع المُنْتن الرّائحة.
ورُوي عَن عمر أَنه قَالَ: حَتَّى تَكُونُوا بَنَاناً وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ ابْن مَهدي: يَعْنِي شَيْئا وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَذَاكَ الَّذِي أَرَادَ عمر، وَلَا أَحسب الْكَلِمَة عربيّة، وَلم أسمعها إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.

(بَاب النُّون وَالْمِيم)
ن م
نم، من: (مستعملان) .

(15/337)


نم: قَالَ اللَّيْث: النَّمِيمة، والنَّمِيم، هما الِاسْم.
والنَّعْت: نمّام.
والفِعل: نَمَّ يَنِمّ نَمًّا ونَمِيماً ونَمِيمةً.
قَالَ: والنَّمِيمة: صوتُ الكِتابة.
ويُقال: هُوَ وَسْواس هَمْس الكَلام؛ وَمِنْه قولُه:
ونَمِيمة من قانِصٍ مُتلبِّب
فِي كفّه جَشْءٌ أَجْشّ وأَقْطَعُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّه سمع مَا نَمّ على القانِص.
وَقَالَ غَيره: النَّميمة: الصوتُ الخفِيّ مِن حَرَكَة شَيْء أَو وَطْء قَدَم.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: نَمّ يَنِمّ ويَنُمّ.
الفرّاء مِثله.
وَالْأَصْل بالضّم.
اللَّيْث: النّمْنَمة: خطُوط مُتَقاربة قِصَارٌ شِبْهَ مَا تُنَمْنِم الرِّيحُ دُقَاقَ التُّراب.
قَالَ: ولكُل وَشْي نَمْنَمَةٌ.
قَالَ: والنِّمْنمُ: البَياضُ الَّذِي يكون على أَظْفار الأحْداث.
الْوَاحِدَة: نِمْنِمة؛ قَالَ رُؤبة يصف قَوْساً رُصِّع مَقْبِضُها بسُيُور مُنَمْنَمة:
رَصْعا كَسَاها شِيَةً نَمِيمَا
أَي: نَقَشها.
وكتابٌ مُنَمْنَم: مُنَقَّش.
ابْن الأعرابيّ: النَّمةُ: اللّمْعة من بَياض فِي سَواد، أَو سَواد فِي بَياض.
والنِّمَة: القَمْلة.
من: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ} (الْأَعْرَاف: 160) .
قَالَ اللَّيْث: المنّ كَانَ يَسْقط على بَنِي إِسْرَائِيل من السّماء، إِذْ هم فِي التِّيه، وَكَانَ كالعَسل الحامِس حلاَوةً.
وَقَالَ الزَّجّاج: جُملة (المنّ) فِي اللُّغة: مَا يَمُن الله بِهِ ممّا لَا تَعب فِيهِ وَلَا نَصَب.
قَالَ: وَأهل التَّفسير يَقُولُونَ: إنّ المنّ شَيْء كَانَ يَسْقط على الشّجر حُلْوٌ يُشْرب.
وَيُقَال: إِنَّه التُّرَنْجَبيِن.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الكَمْأة من المَنّ) .
وَمعنى (المَنّ) مَا وَصفنَا: أَنه ممّا مَنّ الله بِهِ من غير تَعب.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: الْمَعْنى فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الكمأةُ من المنّ) : إِنَّمَا شَبّهها بالمَنّ الَّذِي كَانَ يَسْقط على بني إِسْرَائِيل، لِأَنَّهُ كَانَ يسْقط على بني إِسْرَائِيل عفوا بِلَا عِلاج، إِنَّمَا يُصْحبون وهم بأَفْنِيَتهم فَيَتناولُونه، وَكَذَلِكَ الكَمأة لَا مَؤُونةَ فِيهَا بَبذرٍ وَلَا سَقْىٍ.
وأمّا قَول الله جلّ وعزّ: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذَى} (الْبَقَرَة: 264) ف (المَنّ) هَاهُنَا: أَن تَمُنّ بِمَا أَعْطيت وتعتدّ

(15/338)


بِهِ، كَأَنَّك إِنَّمَا تقصد بِهِ الاعْتداد. والأَذى: أَن تُوبِّخ المُعْطَى، فأَعْلم الله أنّ المَنّ والأذى يُبْطلان الصَّدقة.
قَالَ الله تَعَالَى: {فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن} (المدثر: 6) أَي: لَا تُعْطِ شَيْئا مُقدَّراً لتأخُذَ بِهِ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ.
وَقَوله تَعَالَى: {الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ} (فصلت: 8) ، أَي لَا يُمَنّ بِهِ عَلَيْهِم.
وَقيل: غير مَقْطُوع.
قلت: فالمَنّ: الَّذِي يَسْقُط من السّماء. والمَنّ: الاعْتِداد. والمَنّ: العَطَاء. والمَنّ: القَطْع.
وَمن صِفَات الله تَعَالَى: المَنّان. وَمَعْنَاهُ: الْمُعْطِي ابْتِدَاء. وَللَّه المِنَّة على عباده وَلَا مِنّة لأحد مِنْهُم عَلَيْهِ.
عَمْرو، عَن أَبِيه: المَنين من الرِّجال: الضَّعِيف. والمَنين: الْقوي. وحَبْلٌ مَنِين، أَي أَخْلَق وتَقَطَّع؛ وأَنْشد:
وَلم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِين
والمَنِين: الغُبَار. ويُقال للثَّوب الخَلق: مَنِين. والمُنَّة: القُوّة والمِنّة: العَطِيّة. والمِنّة: الاعْتِداد.
أَبُو عَمْرو: المَمْنُون: الضَّعِيف. والمَمْنون: القَوِيّ.
غَيره: المَنّ، لُغَة فِي (المَنَا) ، الَّذِي يُوزن بِهِ. وَجمعه: أَمْنان.
وَمن قَالَ (مَنَا) ، جمعَه: أَمْنَاء.
سَلمة، عَن الفَراء، عَن الْكسَائي، قَالَ: (من) تكون اسْما، وَتَكون جَحْداً، وَتَكون اسْتفهاماً، وَتَكون شرطا، وَتَكون معرفَة، وَتَكون نكرَة، وَتَكون للْوَاحِد، وَتَكون للاثنين، وَتَكون خُصُوصا، وَتَكون للإنْس وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ، وَتَكون للبهائم إِذا خُلطت بغَيْرهَا.
وَأنْشد الفَرّاء فِيمَن جَعلها اسْما:
فَضَلوا الأنامَ ومَن بَرا عُبْدانَهُمْ
وبَنَوْا بمكَّة زَمْزَماً وحَطيما
قَالَ: مَوضِع (من) خَفض، لِأَنَّهُ قَسم، كَأَنَّهُ قَالَ: فَضَل بَنو هَاشم سَائِر النَّاس، وَالله الَّذِي بَرى عُبْدَانَهُمْ.
قلت: هَذِه الوُجوه الَّتِي ذكرهَا الْكسَائي مَوْجُودة فِي الْكتاب.
أما الِاسْم الْمعرفَة: فكقولك: والسّماء ومَنْ بناها. مَعْنَاهُ: وَالَّذِي بَناها.
والجَحد كَقَوْل الله تَعَالَى: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} (الْحجر: 56) ، المَعْنى: لَا يَقْنَط.
والاستفهام كَقَوْلِك: مَن تَعْني بِمَا تَقول؟
وَالشّرط كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة: 7) فَهَذَا شَرط، وَهُوَ عَام.
وَمن الْجَمَاعَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} (الرّوم: 44) .

(15/339)


وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ} (الْأَنْبِيَاء: 82) .
وأمّا الْوَاحِد، فَقَوله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (يُونُس: 42) .
وللاثنين كَقَوْلِه:
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لَا تَخونُني
تَكُنْ مِثْلَ من ياذِئبُ يَصْطَحِبَانِ
قَالَ الفَرّاء: ثنَّى (يصطحبان) وَهُوَ فعل ل (مَن) لأنّه نَواه ونَفْسه.
وَقَالَ فِي جَمِيع النِّسَاء: {اللَّهِ يَسِيراً وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (الْأَحْزَاب: 31) .
سَلمة، عَن الْفراء: تكون (من) ابْتِدَاء غَايَة، وَتَكون بَعْضًا، وَتَكون صِلَة.
قَالَ الله عز وَجل: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} (يُونُس: 61) ، أَي: مَا يَعْزب عَن عِلمه وَزْنُ ذَرّة؛ وأَنشد لداية الْأَحْنَف فِيهِ:
واللَّه لولاَ حَنَفٌ بِرجْلِه
مَا كَانَ فِي فِتْيانِكم مِنْ مِثْلِه
قَالَ الْفراء: من (صلَة) هَاهُنَا.
قَالَ: وَالْعرب تدخل (مِن) على جَمِيع المَحالّ، إلاّ على اللاّم وَالْيَاء.
وتُدخل (من) على (عَن) ، وَلَا تدخل (عَن) عَلَيْهَا؛ لِأَن (عَن) اسْم، و (من) ، أَدَاة؛ قَالَ القَطاميّ.
مِن عَن يَمين الحُبَيَّا نَظْرةٌ قَبَلُ
أَبُو عُبيد: العربُ تَضع (مِن) مَوضِع (مُذْ) يُقال: مَا رَأَيْته من سنة، أَي مُذْ سنة؛ وَقَالَ زُهير:
لمن الدِّيار بقُنّة الحِجْر
أَقْوَيْن مِن حِجَجٍ ومِن دَهْرٍ
أَي: مُذ حِجَجٍ.
وَتَكون (من) بِمَعْنى: اللَّام الزَّائِدَة؛ قَالَ الشَّاعِر:
أَمِن آل لَيْلَى عَرَفْت الدِّيَارَا
أَراد: الْآل لَيْلى؟
وَتَكون (من) بِمَعْنى البَدل، قَالَ الله تَعَالَى: {للهإِسْرَاءِيلَ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِى الاَْرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزخرف: 60) . مَعناه: وَلَو شِئْنَا لجعلنا بدلكم.
وَقَالَ الفَراء: (المَنون) تُذكَّر وتُؤنث، فَمن ذكّره أَراد بهَا الدَّهر، وَمن أَنَّث أَراد بهَا المَنِية؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
أَمن المَنُون ورَيْبها تَتَوجَّعْ
قَالَ: والمَنون: الْمَرْأَة تَتَزَوّج على مَالهَا، فَهِيَ أبدا تَمُنّ على زَوْجها. وَهِي المّنانة أَيْضا.
وَقَالَ بعض الْعَرَب: لَا تَتَزوّجَنّ حنّانةً وَلَا مَنّانة.
أَبُو عَمْرو: المِنَنَةُ: العَنْكَبُوت.
وَلم يَبْق للثلاثيّ الصّحيح كلمة مُسْتعملة فِي حَرْف النُّون.

(15/340)


بَاب المعتل من حرف النُّون
ن ف (وَا يء)
نفى، ناف، فَنًّا، فان، إنف، ينف، أفن، وفن، فون، فنو، نفو، إفن.
ينف: يَنُوف: اسمُ جَبلٍ فِي الْبَادِيَة.
نفى: اللّيث: نَفَيْت الرَّجُلَ وغيرَه نَفْياً، إِذا طَرَدْته، فَهُوَ مَنْفِيّ: قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاَْرْضِ} (الْمَائِدَة: 33) .
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: مَن قَتله فَدَمُه هَدَرٌ، أَي لَا يُطالب قاتلُه بدَمِه.
وَقيل: أَو يُنْفوا من الأَرْض: يُقاتلون حينما تَوجَّهوا مِنْهَا لَا يُتْركون فارِّين.
وَقيل: نَفْيهم، إِذا لم يقْتلوا وَلم يأخُذوا مَالا، أَو يُخلَّدوا فِي السِّجن، إِلَّا أَن يَتُوبوا قبل أَن يُقْدَر عَلَيْهِم.
ونَفْي الزَّاني الَّذِي لم يُحْصِن: أَن يُنْفَى من بَلَده الَّذِي هُوَ بِهِ إِلَى بلد آخَر سنة.
وَهُوَ التَّغْرِيب الَّذِي جَاءَ فِي الحَديث.
ونَفْي المُخنَّث: أَن يُطرد من مُدن المُسلمين، كَمَا أَمر النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفْي هِيتٍ وماتع، وهما مُخَنّثان كَانَا بالمَدينة.
ويُقال: نفيت الشَّيْء أَنْفِيه نَفْياً ونُفَاية، إِذا رَدَدْته.
والنُّفاية: المَنْفِيّ القَلِيل، مثل: البُراية والنُّحاتة.
ونَفِيُّ المَاء، مَا انْتَضح مِنْهُ إِذا نُزع من الْبِئْر بالدَّلو والقِرَب؛ وَمِنْه قولُ الراجز:
كأنّ مَتْنَيْه من النَّفِيّ
من طُول إشْرافِي على الطَّوِيّ
مواقعُ الطّيْر على الصفيّ
وَهَذَا ساقٍ كَانَ أسود الجِلدة يَسْتَقِي من بِئْر مِلْح، فَكَانَ يَبْيَضّ نَفِيّ المَاء على ظَهِره إِذا تَرَشَّش، لملُوحته.
أَبُو زيد: النِّفْية، والنِّفْوة، هما اسْم مَا نُفي من شَيْء لِردَاءته.
ابْن شُميل: يُقَال للدائرة الَّتِي فِي قُصاص الشَّعر: النَّافِية؛ وقُصاص الشَّعر: مُقَدَّمه.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّفِيّة، والنُّفْيَة: سُفرة مُدوَّرة تُتخذ من خُوص النَّخْل.
وعوام النَّاس بالحجازِ يسمّونها: النَّبِيّة، وَهِي النَّفيّة.
اللحياني: النَّفِيّ والنَّثِيّ، هُوَ مَا نَفاه الرِّشاءُ مِن المَاء.
قَالَ: والفَنَا والثَّنا: فِناء الدَّار.
اللَّيْث: نَفِيّ الرِّيح: مَا نَفى من التُّرَاب فِي أُصول الحِيطان وَنَحْوه.

(15/341)


وَكَذَلِكَ: نفيّ المَطر؛ ونَفِيّ القِدْر.
أَبُو عُبيد: نَفَى الرجلُ عَن الأَرض.
ونَفَيْته أَنا؛ وَقَالَ القُطاميّ:
فأصْبح جاراكُم قَتِيلاً ونافِياً
أَصَمّ فَزَادوا فِي مَسامعه وَقْرَا
وَقَالَ اللَّيْث نَحْوَه.
يُقال: نَفَى الشيءُ يَنْفى نَفْياً، أَي تَنَحّى.
وَمن هَذَا يُقال: نَفَى شَعَرُ فلَان يَنْفِي، إِذا ثار واشْعانّ؛ وَمِنْه قَول مُحَمَّد بن كَعْب القُرظيّ لعمر بن عبد الْعَزِيز حِين استُخْلف فَرَآهُ شَعِثاً، فأدام النّظر إِلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ عمر: مَا لَك تديم النّظر إليّ؟ فَقَالَ: أنظر إِلَى مَا نَفَى من شَعرك، أَي ثار وشَعِث.
وَيُقَال: انْتَفَى فلانٌ من وَلَده، إِذا نَفاه عَن أَن يكون لَهُ ولدا.
وانْتفى فلانٌ من فلانٍ، وانْتَفل مِنْهُ، إِذا رَغِب عَنهُ أَنَفاً.
وانْتفى شَعرُ الإِنسان، ونفَى، إِذا تساقط.
وانتفى ورقُ الشّجر، إِذا تساقط.
ونَفَيان السَّحاب: مَا نَفَى من مَائه فأَسَاله؛ وَقَالَ سَاعِدَة الهُذليّ:
يَقْرُو بِهِ نَفيانُ كُلِّ عشيّة
فالماءُ فَوق مُتونه يَتصبَّبُ
وَأما نَفيان السَّيْل، فَهُوَ مَا فاض من مُجتمعه كَأَنَّهُ يجْتَمع فِي الْأَنْهَار والإخاذات، ثمَّ يَفيض إِذا مَلأها، فَذَلِك نَفَيانهُ.
الْأَصْمَعِي: النَّفأ من النَّبت: القِطَع المتفرِّقة. واحدتها: نُفْأة.
ناف: ناف، وأناف، إِذا أَشْرَف.
وَمن (ناف) يُقَال: هَذِه مِئة ونَيِّف، بتَشديد الْيَاء، أَي زِيَادَة.
وعوامّ النَّاس يخفّفون وَيَقُولُونَ: ونَيْف، وَهُوَ لَحن عِنْد الفُصحاء.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: الَّذِي حَصَّلناه من أقاويل حُذّاق البَصرِّيين والكوفيين أَن (النَّيِّف) من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث.
قَالَ: والبِضْع، من أَربع إِلَى تِسْع.
وَيُقَال: نَيَّف فلانٌ على السِّتِّين وَنَحْوهَا، إِذا زَاد عَلَيْهَا.
اللَّيْث: يُقَال: أنافت هَذِه الدَّرَاهِم على مئة، وأناف الْجَبَل؛ وأناف البِناء.
فَهُوَ جَبَلٌ مُنِيف.
وَبِنَاء مُنِيف، أَي طَوِيل.
وناقة نِياف، وجَمل نِيَافٌ، أَي طَوِيل فِي ارْتِفَاع.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: جمل نَيَّاف، على (فَيْعال) إِذا ارْتَفع فِي سَيْره؛ وأَنْشد:
يَتْبعن نيّاف الضّحى عَزاهِلاَ
ويُروي: زيّاف الضُّحى، وَهُوَ عِنْدِي أصَحّ.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّوْف: السَّنام العالي. وَبِه

(15/342)


سُمِّي نَوْفٌ البِكَالِيّ.
قَالَ: والنَّوْف: بُظارة الْمَرْأَة.
ويُقال لكل شَيْء مشرف على غَيره: إِنَّه لمُنِيف؛ قَالَ طرفَة يصف الْخَيل:
وأنافتْ بهَوَادٍ تُلُعٍ
كَجذوعٍ شُذِّبت عَنْهَا القُشُرْ
وَمِنْه يُقال: عشرُون ونَيِّف، لِأَنَّهُ زَائِد على العَقْد.
وَكَذَلِكَ: ألْف ونَيِّف.
وَلَا يُقال: نَيِّف، إِلَّا بَعد كُل عَقْد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّيِّف، الفَضْل.
يُقال: ضَع النَّيِّفَ فِي مَوْضعه.
وَقد نَيَّف العددُ على مَا تَقُول.
المؤرّج: النَّوْف: المَصّ من الثَّدْي.
والنَّوْف: الصَّوْت.
يُقَال: نافت الضَّبُعة تَنُوف نَوْفاً.
قلت: وَهَذَانِ الحرفان لَا أَحفظهما، وَلَا أَدْرِي من رَوَاهُمَا عَنهُ.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: نَئِف يَنْأَف، إِذا أَكل. ويَصْلُح فِي الشُّرب.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَئِف فِي الشَّراب إِذا ارْتوى.
فين: الْكسَائي وَغَيره: الفَيْنة، الْوَقْت من الزَّمان.
قَالَ: وَإِن أخذت قَوْلهم، شَعَر فَيْنان، من (الفَنَن) ، وَهُوَ الغُصن، صَرَفته فِي حَالي المَعرفة والنكرة، وَإِن أَخَذته من (الفَيْنة) ، وَهُوَ الْوَقْت من الزَّمَان، ألحقته بِبَاب: فَعْلان وفَعْلانة، فصرفْته فِي النكرَة، وَلم تَصْرفه فِي الْمعرفَة.
أَبُو زَيد: يَقال: إِنِّي لآتي فلَانا الفينةَ بعد الفَيْنة، أَي آتِيه: الحِين بعد الْحِين، وَالْوَقْت بعد الْوَقْت، وَلَا أَريم الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ.
فَنًّا: اللَّيْث: الفَنَاء: نقيض البَقَاء، والفِعْل: فَنَى يَفْنَى فَنَاءً، فَهُوَ فانٍ.
غَيره: فَنِي الرَّجُلُ يَفْنَى، إِذا هَرم وأَشْرف على المَوْت؛ وَقَالَ لَبيد يَصف الإنسانَ وفَنَاءه:
حبائِلُه مَبْثوثةٌ بِسَبِيله
ويَفْنَى إِذا مَا أَخْطأته الحَبائِلُ
أَي: يَهْرم فَيَمُوت، لَا بُد مِنْهُ، إِذا أخطأته أسبابُ المَنايا فِي شبِيبته وَقبل هَرَمه.
الفِناء: سَعةٌ أمَام الدَّار. وَجمعه: الأَفْنِية.
ابْن الْأَعرَابِي: بهَا أفْناء من النَّاس وأَعْناء، أَي أَخْلاط. الْوَاحِد: عِنْوٌ، وفِنْوٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو الهَيْثم: يُقال: هَؤُلَاءِ من أفْناء النَّاس. وَلَا يُقال فِي الْوَاحِد: رجُلٌ من أَفناء النَّاس.
وَتَفْسِيره: قوم من هَاهُنَا وَهَاهُنَا نُزَّاعٌ.

(15/343)


وَلم نَعْرف لَهَا وَاحِدًا.
أَبُو عَمْرو: شَجَرَة فَنْواء: ذَات أَفَنانٍ.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الفَنَاء، مَقْصور: عِنَبُ الثَّعْلَب. ويُقال: نَبْت آخر؛ وَقَالَ زُهَيْر:
كأنّ فُتات العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْن بِهِ حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّم
ابْن الْأَعرَابِي: أَنْشد قَول الراجز فِي صِفة راعي غَنَم:
صُلْب العَصَا بالضَّرْبِ قد دَمَّاها
يَقُول لَيْت اللَّه قد أَفْنَاهَا
فِيهِ مَعْنيان:
أَحدهمَا: أنّه جَعل عَصاه صُلْبة، لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى تَقْويمها، ودَعا عَلَيْهَا فَقَالَ: لَيْت ربِّي قد أَهْلكها ودمّاها، أَي سَيّل دَمَها بالضَّرب لخِلافها عَلَيْهِ.
وَالْوَجْه الثَّانِي فِي قَوْله (صُلب الْعَصَا) أَي لَا تُحوجه إِلَى ضربهَا، فَعَصَاهُ بَاقِيَة. قَوْله (بِالضَّرْبِ قد دَمّاها) ، أَي: كساها السِّمَن، كَأَنَّهُ دَمَّمَها بالشَّحْم، لِأَنَّهُ يُرَعِّيها كُلّ ضَرب من النَّبات.
وَأما قَوْله (لَيْت الله قد أفناها) ، أَي: أَنْبت لَهَا الفَنَا، وَهُوَ عِنَب الثَّعلب حَتَّى تَغْزُر وتَسْمَن.
قَالَ: والأفاني: نَبْت أصْفر وأحمر.
واحدته: أفَانِية.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: وَإِذا يَبس الأفاني، فَهُوَ الحَمَاط.
قلت: هَذَا غَلط، لِأَن (الأفاني) : نَبْت من ذُكور البَقْل، وَإِذا يَبِس تناثر وَرَقُه.
وَأما الحَماط، فَهُوَ الحَلَمة وَلَا هَيْج لَهَا، لِأَنَّهَا من الْجَنْبة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفَنَاة: البَقَرة.
وَجَمعهَا: فَنَوات.
قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: فانَيْتُه، أَي سَكَّنْتُه.
غَيره: المُفاناة: المُداراة؛ وأَنْشد:
كَمَا يُفَانِي الشُّمُوسَ رائِدُها
أَبُو تُرَاب، عَن أبي السَّمَيْدع: بَنو فلَان مَا يُعانُونُ مالَهم وَلَا يُفَانُونه، أَي مَا يقومُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُصْلِحونه.
أفن: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: المَأفون، والمأفوك، جَمِيعًا، من الرِّجال: الَّذِي لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّور، أَي: لَا رأيَ لَهُ يُرْجَع إِلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْحسن المَزنيّ، عَن أَحْمد ابْن يحيى، أَنه قَالَ: وُجْدان الرَّقِين تُعَفِّي عَن أَفْن الأَفِين. مَعْنَاهُ: أَن الرَّقين يَسْتر حُمْق الأحْمق.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أفَنْتُ الإبلَ أفْنَاً، إِذا حَلَبْت كُلّ مَا فِي ضَرْعها؛ وأَنْشَد للمُخبَّل:

(15/344)


إِذا أُفِنَت أَرْوى عِيالَك أَفْنُها
وَإِن حُيِّنتْ أَرْبى على الوَطْب حِينُها
والتَّحْيين: أَن تُحْلب فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مرّة وَاحِدَة.
قلت: وَمن هَذَا قيل للأحمق: مأفون، كَأَنَّهُ نُزع عَنهُ عَقْلُه كُلّه.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأفْن: نَقْص اللَّبَن.
ويُقال: مَا فِي فلانٍ آفِنةٌ، أَي خَصْلة تَأْفِن عَقْله؛ وَقَالَ الكُمَيْت يمدح زِيَاد بن مَعْقِل الأسَدِيّ:
مَا حَوَّلَتْك عَن اسْم الصِّدْق آفِنَةٌ
من العُيُوب وَمَا نَبّرْت بالسَّبَبِ
يَقُول: مَا حوَّلتك عَن الزِّيَادَة خصْلَة تنْقُصك، وَكَانَ اسْمه زياداً.
أَبُو زيد: أُفِن الرجلُ يُؤْفَن أفْناً، فَهُوَ مَأفون، وَهُوَ الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ.
أنف: اللَّيْث: الأَنْف، مَعْرُوف. وَجمعه: أُنوف.
ورَجلَ حَمِيّ الأنْف، إِذا كَانَ أنِفاً يَأَنَف أَن يُضَام.
وَقد أَنِف يَأْنَف أَنَفاً وأَنَفَةً.
وَفِي الحَدِيث: كالجَمل الأنِف.
قَالَ أَبُو عُبيد: هُوَ الَّذِي عَقر أنْفَه الخِطَامُ.
وَإِن كَانَ من خِشَاش أَو بُرَة أَو خِزَامة فِي أَنفه، فَهُوَ لَا يَمْتنع على قائده فِي شَيْء، للوَجع الَّذِي بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ الأَصْل فِي هَذَا أَن يُقال لَهُ: مأنُوف، لِأَنَّهُ مَفْعول بِهِ.
كَمَا يُقَال: مَصْدور ومَبْطون، للَّذي يَشتكي صَدْره أوْ بَطْنه.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الأنِفُ: الذَّلُول.
وَلَا أرى أصْله إِلَّا من هَذَا.
الفَرّاء: أنَفْت الرَّجُلَ: ضربتُ أنْفَه.
وأَنَفه الماءُ، إِذا بَلَغ أنْفَه.
وَقَالَ بعض الكِلابيّين: أنِفَت الإبلُ، إِذا وَقع الذُّبَابُ على أُنوفها وطَلَبت أماكِنَ لم تكن تَطْلُبها قبل ذَلِك.
وَهُوَ الأنَفُ، والأنفُ يُؤْذيها بالنَّهار؛ وَقَالَ مَعْقِل بن رَيْحان:
وقَرِّبُوا كُلّ مَهْري ودَوسَرَةٍ
كالفَحْلِ يَقْدَعُها التَّفْقِيرُ والأنَفُ
وَقد أنِف البَعِيرُ الكَلأ، إِذا أجَمَه.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، والناقة وَالْفرس، تَأَنَف فَحْلَها، إِذا تبيّن حَمْلُها فكرهَتْه؛ وَقَالَ رُؤْبة:

(15/345)


حَتَّى إِذا مَا أنِفَ التّنُّومَا
وخَبَطَ العِهْنَةَ والقَيْصُومَا
ابْن الْأَعرَابِي: أنِفَ: أجَم؛ ونَئِف: كَرِه؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرَةً
وصَمْعَاء حَتَّى آنَفَتْها نِصَالُها
أَي: صيّرت النِّصالُ هَذِه الإبلَ إِلَى هَذِه الحالةَ تَأْنف رَعي مَا رَعَتْه، أَي تَأْجِمه.
وسمعتُ أعرابيًّا يَقُول: أنِفَتْ فرسي هَذِه الْبَلدة، أَي اجْتَوت كَلأها فهُزِلَت.
ابْن السِّكيت: رَجُلٌ أُنَافِيٌّ: عَظِيم الأنْف.
وَقَالَ: أنَفَت الإبلُ، إِذا وَطِئت كلأً أُنُفاً، وَهُوَ الَّذِي لم يُرْعَ. يُقَال: رَوْضَةٌ أُنُف.
وكأس أُنُف: لم يُشْرب بهَا قبل ذَلِك؛ كأنّه استُؤْنِف الشُّرْبُ بهَا.
وأَنَفْتُه، إِذا ضربتَ أنْفَه.
وَيُقَال: هاج البُهْمَى حَتَّى آنَفَتِ الرَّاعيةَ نِصَالُها، وَذَلِكَ أَن يَيْبَس سَفَاها فَلَا تَرْعاها الإبلُ وَلَا غيرُها، وَذَلِكَ فِي آخر الحَرّ، فَكَأَنَّهَا جعَلتْها تأنف رَعْيها، أَي تَكْرهه.
وَيُقَال: ائْتَنفتُ الأمْرَ، واستأنفته، إِذا اسْتَقْبَلته.
وَهُوَ من: أنْف الشَّيْء.
وأَنْف كُلّ شَيْء: أوَّلُه.
يُقال: هَذَا أَنْف الشدّ، أَي أوّله.
وأنف الْبرد: أوّلُه.
وأنف المطرِ: أول مَا أَنْبت؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
قد غَدا يَحْملني فِي أَنْفِه
لاحِقُ الأيْطل مَحْبُوكٌ مُمَرّ
وأَنّف خُفّ البَعير: طَرف مَنْسمه.
ابْن السّكيت: أَنْف الجَبل: نادِرٌ يَشْخَص مِنْهُ.
وأنْف الناب: طرفُه حِين يَطْلُع.
وأنْف الْبرد: أشدّه.
وأنْف الشّد: أَشَدّه.
وَالْعرب تُسمِّي (الْأنف) : أنفان؛ وَقَالَ ابنُ أَحْمَر:
يَسُوف بأَنْفَيْه النِّقاع كأنَّه
عَن الرَّوْض من فَرْط النَّشَاط كَعِيمُ
أَبُو زيد: أَنِفْت من قَوْلك أشَدَّ الأنَف، أَي كَرِهتُ مَا قُلْت لي.
ابْن الْأَعرَابِي: الأَنْف: السيّد.
وَقَالَ فِي قَول الله جَلّ وعزّ: {الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ} (مُحَمَّد: 16) ، أَي: مُذْ سَاعة.
وَقَالَ الزجّاج: أَي: مَاذَا قَالَ السَّاعَة.
قَالَ: وَمعنى (آنِفا) ، من قَوْلك: استأنفتُ الشَّيْء، إِذا ابْتدأتَه.
فَالْمَعْنى: مَاذَا قَالَ فِي أوّل وَقْتٍ يَقْرُب منَّا.
اللَّيْث: أتيت فلَانا آنِفا، كَمَا تَقول: من

(15/346)


ذِي قُبُل.
وَقَالَ غيرُه: أَنَّف فلانٌ مالَه تأنيفاً، وآنَفها إينافاً، إِذا رَعاها أُنُف الكَلأ؛ وأَنشد:
لستُ بِذِي ثَلَّة مُؤَنَّفةٍ
آقِط ألبانَها وأَسْلَؤُها
وَقَالَ حُميد الأرْقط:
ضَرائِرٌ لَيْسَ لهنّ مَهْرُ
تَأَنِيفهنّ نَفَلٌ وأَفْرُ
أَي: رَعْيُهنّ الكَلأ الْأنف، هَذَانِ الضربان من الْعَدو والسَّير.
ويُقال: أَرض أَنِيفة، إِذا بَكَّر نباتُها.
وَهَذِه آنَفُ بِلَاد الله، أَي: أَسْرعها نَبَاتاً.
الْأَصْمَعِي: رَجُلٌ مِئْنَافٌ: يُرَعِّي مالَه أُنُفَ الكَلأَ.
ويُقال للْمَرْأَة إِذا حمَلت فَاشْتَدَّ وَحَمُها وتَشَهّت على أَهلهَا الشيءَ بعد الشَّيْء: إِنَّهَا لتتأنَّف الشّهواتِ تأنُّفاً.
وَيُقَال للحديد الليِّن: أَنِيفُ وأَنِيث.
وَيُقَال: فلانٌ يَتَّبع أَنْفَه، إِذا كَانَ يَتشمَّم الرَّائِحَة فَيَتْبعها.
وَإِذا نَسبوا إِلَى بني أنف النَّاقة، وهم بَطْن من بني سَعْد بن زَيد مَنَاة، قَالُوا: فلانٌ الأنْفيّ، سُمُّوا: أَنْفِيّين، لقَوْل الحُطيئة لَهُم:
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غَيْرُهُم
وَمن يُسوِّى بأنْف النَّاقة الذَّنَبَا
وفن: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَفْنَة: القِلّة فِي كُل شَيْء.
والتّوفُّن: النَّقْص فِي كُل شَيْء.
فون: وَقَالَ: التّفَوُّن: البَركة وحُسْن النَّمَاء.
فنو: والفَنْوة: الْمَرْأَة العربيّة.
وأَفْنى الرَّجُلُ، إِذا صَحِب أَفْناء النَّاس.
نفو: النّفْوة: الخَرْجَة من بَلد إِلَى بَلد.
افن: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه على إفّان ذَلِك، وقِفّان ذَلِك، وغِفّان ذَلِك، أَي على حِين ذَلِك.
قَالَ: والغَين، فِي بَني كِلاب.

(بَاب النُّون وَالْبَاء)
ن ب (وَا يء)
نبأ، نَاب، أنب، وبن، بني، بَان، أبن.
وبن: اللِّحياني: مَا فِي الدَّار وابِنٌ، أَي مَا فِيهَا أحد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَبْنة: الأذَى.
والوَبْنة: الجَوْعَة.
أنب: وَقَالَ: الأناب: ضَرْبٌ مِن العِطْر يُضاهي المِسْك؛ وأَنْشد:
فَعُلّ بالعَنْبر والأَنَابِ
كَرْماً تَدَلَّى مِن ذَرَى الأعْنَابِ
يعْنى: جَارِيَة تَعُلّ شَعَرها بالأناب.

(15/347)


قَالَ: والأنَب: الباذِنْجان.
ابْن السِّكيت: أنَّب فلانٌ فلَانا، إِذا عَنَّفه، تَأْنِيباً.
غَيره: التّأنيب، والتَّوبيخ، والتَّثْريب: أَشد العَذْل.
اللَّيْث: الأُنْبُوب: مَا بَين العُقْدتَين فِي القَصب والقَنَاة.
وأَنُبوب القَرْن: مَا فَوق العُقد إِلَى الطَّرف؛ وأَنْشد:
بسَلِبٍ أُنْبوبه مِدْرَى
قَالَ: وَيُقَال لأَشراف الأَرض إِذا كَانَت رَقَاقاً مُرْتفعة: أنَابيب؛ وَقَالَ العجّاج يَصف وُرود العَيْر الماءَ:
بكُلّ أُنْبوب لَهُ امْتِثالُ
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
إِذا احْتَقّت الأَعْلامُ بالآل والْتَقَتْ
أَنابيبُ تَنْبُو بالعُيون العَوارِفِ
أَي: تُنكرها عَين كَانَت تَعْرفها.
الْأَصْمَعِي: يُقال: الْزم الأُنْبُوب. وَهُوَ الطَّريق.
والزم المَنْحَر، وَهُوَ القَصْد.
نبا: أَبُو زيد: نَبا: ارْتفع.
وربَا الْخُرَاج ونَبا، إِذا وَرِم.
اللَّيْث: نَبا بَصره عَن الشَّيْء نُبُوًّا، ونَبْوةً، مرّةً وَاحِدَة.
ونَبا السَّيْفُ عَن الضَّريبة، إِذا لم يَحِكْ فِيهَا.
ونَبا فلانٌ عَن فلانٍ، إِذا لم يَنْقَد لَهُ.
ونَبا بفلان منزلُه، إِذا لم يُوافقه، وأَنْشد:
وإِذا نَبا بك مَنْزِلٌ فَتَحوَّل
وَإِذا لم يَسْتمكن السَّرْجُ أَو الرَّحْل على الظَّهر، قيل: نَبَا؛ وأَنشد:
عُذَافِرُ يَنْبو بأَحْناء القَتَبْ
ابنُ بُزرْج: أَكَل الرَّجُلُ أَكْلَةً إِن أَصْبح مِنْهَا لَنَابِياً. وَلَقَد نَبَوْت من أَكْلَةٍ أَكلتُها، أَي سَمِنْت مِنْهَا.
وأَكل أَكلةً ظَهر مِنْهَا ظَهْرهُ، أَي سَمِن مِنْهَا.
ابْن شُميل: نَبا بِي فلانٌ، إِذا جَفانِي.
والنَّبْوة: الجَفْوة.
ويُقال: فلانٌ لَا يَنْبُو فِي يدَيك إنْ سأَلْته، أَي لَا يَمْنَعك.
ونَبت بِي تِلْكَ الأرْضُ، أَي لم أَجد بهَا قَراراً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّبْوة: الارْتفاع. والنَّبْوة: الجَفْوة. والنَّبْوة: الْإِقَامَة.
ابْن السِّكيت: النَّبِيّ، هُوَ: مَن أنْبأ عَن الله، فَترك هَمزه.

(15/348)


قَالَ: وَإِن أَخَذته من (النَّبْوة) و (النَّباوة) ، وَهِي الِارْتفَاع من الأَرْض لارْتِفَاع قدره وَلِأَنَّهُ شَرف على سَائِر الْخلق، فأصله غير الهَمز.
وَقَالَ فِي قَول أَوْس بن حَجَر:
لأَصْبح رَتْماً دُقاقَ الحَصى
مكانَ النَّبِيّ من الكاثِبِ
قَالَ: النَّبي: الْمَكَان المُرتفع. والكاثب: الرمل المُجْتمع.
وَقيل: النَّبِيّ: مَا نَبا من الحِجارة إِذا نَجَلتها الحَوافر.
وَقَالَ الْكسَائي: النَّبِيّ: الطَّريق.
والأَنبياء: طُرق الهُدى.
وَقَالَ الزجّاج: الْقِرَاءَة المُجْتمع عَلَيْهَا فِي (النَّبيين) و (الْأَنْبِيَاء) طَرْح الْهمزَة، وَقد همز جماعةٌ من أَهل الْمَدِينَة جَميع مَا فِي القُرآن من هَذَا، واشتقاقه من (نبأ) و (أنبأ) ، أَي أخبر.
قَالَ: والأجود ترك الْهَمْز، لِأَن الِاسْتِعْمَال يُوجب أَن مَا كَانَ مهموزاً من (فعيل) فَجَمعه: فعلاء، مثل: ظَريف وظُرفاء.
فَإِذا كَانَ من ذَوَات الْيَاء فَجمعه (أفعلاء) ، نَحْو: غَنِيّ وأغنياء، ونبيّ وأنبياء، بِغَيْر همز.
فإِذا همزت، قلت: نبيء ونُبَآء، كَمَا تَقول فِي الصَّحِيح، وَهُوَ قَلِيل.
قَالُوا: خَمِيس وأَخمساء، ونَصيب وأَنصباء.
فَيجوز أَن يكون (نَبِي) من (أنبأت) مِمَّا تُرك همزه لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال.
وَيجوز أَن يكون من: نبا ينبو، إِذا ارْتَفع، فَيكون (فعيلا) من (الرِّفعة) .
قَالَ أَبُو معَاذ النَّحويّ: سَمِعت أَعرابيًّا يَقُول: من يدُلني على النَّبِيّ؟ أَي الطّريق.
حَدثنَا ابْن منيع: قَالَ: حَدثنَا عليّ بن سهل، عَن أبي سَلمة التَّبوذكيّ. قَالَ: سَمِعْت أَبَا هِلَال يَقُول: مَا كَانَ بِالْبَصْرَةِ رجُلٌ أعلم من حُميد بن هِلَال، غَير أنّ النَّباوة أضَرَّت بِهِ.
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ: أنّ طَلب الشَّرف أضَرّ بِهِ.
والنَّباوة: موضعٌ بِالطَّائِف أَيْضا، مَعْرُوف: وَفِي الحَدِيث: خَطَب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بالنّبَاوة من الطَّائِف.
وَمن مهموزه
نبأ: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نَبَأتُ على القَوم أَنْبَأُ نَبْئاً، إِذا طَلعت عَلَيْهِم.
ويُقال: نَبَأْتُ من أرضٍ إِلَى أَرض أُخرى، إِذا خرجت مِنْهَا إِلَيْهَا؛ قَالَ عَديّ بن زيد يَصِف فرسا:

(15/349)


وَله النَّعْجةُ المَرِيّ تُجاه الرَّ
كْبِ عِدْلاً بالنَّابِىء المِخْرَاقِ
أَرَادَ ب (النابىء) : الثور، خرج مِن بَلدٍ إِلَى بَلد.
اللَّيْث: النَّبأ: الخَبر. وإنّ لفُلَان نَبأ، أَي خَبرا.
والفِعل: نبّأته، وأَنْبأته، واسْتَنْبَأْته.
والجَميع: الأَنْبَاء.
قَالَ اللّيث: والنَّبْأة: الصَّوتُ لَيْسَ الشّديد؛ وَأنْشد:
آنَسَتْ نَبْأةً وأَفْزعها القَنَّ
اصُ قَصْراً وَقد دَنا الإمْسَاءُ
أردْت: آنست صاحبَ نَبْأة.
ويُقال: نَابأْت الرَّجُلَ ونَابأنِي، إِذا أَخبرتُه وأَخبرك؛ قَالَ ذُو الرُّمة يَهْجو قوما:
زُرْقُ العُيون إِذا جاوَرْتَهم سَرَقُوا
مَا يَسْرِقُ العَبْدُ أَو نَابأْتَهم كَذَبُوا
وَقيل: نابأتهم: تركتُ جِوارهم وتباعَدْتُ عَنْهُم.
وَيُقَال: تنبّأ الكذّاب، إِذا ادّعَى النُّبوة. وَلَيْسَ بنبيّ، كَمَا تَنَبّأ مُسَيْلِمة الكذّاب وَغَيره من الدجَّالين الكذَّابين المُتنبِّئين.
وَقَول الله تَعَالَى: {أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} (الْقَصَص: 66) .
قَالَ الفَرَّاء: يَقُول الْقَائِل: قَالَ الله تَعَالَى: {الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى} (الصافات: 27) كَيفَ قَالَ هَاهُنَا: {الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} ؟ قَالَ أهل التَّفسير: إِنَّه يَقُول: عَمِيت عَلَيْهِم الْحُجَج يَوْمئِذٍ فَسَكَتُوا، فَذَلِك قَوْله: {الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} .
قلت: الحُجَج أنباء، وَهِي جمع (النبأ) ، لِأَن الْحجَج أنباء عَن الله تَعَالَى.
نيب نوب: اللَّيْث: النَّاب: مُذكَّر، من الْأَسْنَان؛
وَالْجمع: أنْياب. والناب: الناقةُ المُسِنّة. ويُجمع: نِيَباً وأنْياب.
والناب: سَيِّد الْقَوْم وكبيرُهم.
والنائبة: النازِلة.
يُقَال: نَاب هَذَا الأمرُ نوبَة: نَزَل.
ونابَتْهم نوائبُ الدَّهْر.
وناب عنّي فلَان فِي هَذَا الْأَمر نِيابةً، إِذا قَامَ مقامَك.
وأناب فلانٌ إِلَى الله إنابة، فَهُوَ مُنيب، إِذا تَابَ وَرجع إِلَى الطَّاعَة.
وتَناوَبْنا الخَطْبَ والأَمْرَ نَتناوبه، إِذا قُمْتُما بِهِ نَوْبةً بعد نَوبة.
وانتاب الرَّجُل القَوْم، إِذا أَتَاهُم مرّة بعد مَرّة.
وَيُقَال: المَنايا تَتناوبنا، أَي تَأتي كُلاًّ منّا لنَوْبته.
وَجمع النَّوْبة: نُوَب.

(15/350)


وَقَالَ غَيره فِي قَول أبي ذُؤَيب:
إِذا لَسَعْته النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها
وحالَفها فِي بَيْت نُوبٍ عواسِلِ
لم يَرْج: لم يُبالِ. قَالَ أَبُو عُبَيد.
قَالَ: والنُّوب: جمع نَائِب، من النَّحل، لِأَنَّهَا تعود إِلَى خَلِيّتها.
وَقيل: الدَّبْر يُسمَّى: نُوباً، لسَوادها، شُبِّهت بالنُّوبة، وهم جِنْس من السُّودان.
وأَنْشد أَبُو بكر قولَ جَميل:
رَمَى اللَّه فِي عَيْنَي بُثَيْنة بالقَذَى
وَفِي الغُرّ من أَنْيابها بالقَوادح
قَالَ: أنيابها: ساداتُها، أَي: رمى الله بالهَلاك وَالْفساد فِي أنْياب قَومهَا وساداتها، إِذْ حالوا بَينهَا وَبَين زيارتي.
وَقَوله:
رَمى اللَّه فِي عَيني بُثَينة بالقَذَى
كَقَوْلِك: سُبحان الله مَا أحسن عينيها
ونحوٌ مِنْهُ: قَاتله الله مَا أشجعه وهوت أُمّه مَا أرْجَله
وَقَالَت الكِندية تَرْثي إخوتها:
هَوت أُمهم مَا ذامُهم يومَ صُرِّعُوا
بِنَيْسان من أَنْياب مَجْدٍ تَصَرَّمَا
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: النَّوْبُ: مَا كَانَ مِنْك مَسِيرةَ يَوْم وَلَيْلَة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ، فِيمَا رَوى شَمر عَنهُ: النَّوْب: القَرَبُ يَنُوبها يَعهد إِلَيْهَا يَنالها.
قَالَ: والقَرَب، والنّوب، وَاحِد.
أَبُو عمر: والقَرَب، أَن يَأْتِيهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام مَرّةً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّوْب، أَن يَطْرد الْإِبِل باكراً إِلَى المَاء فيُمسي على المَاء يَنْتابه؛ وَمِنْه قولُ لَبيد:
إِحْدَى بَني جَعْفر كَلِفْتُ بهَا
لم تُمْسِ نَوْباً منِّي وَلَا قَرَبَا
وَقَالَ ابْن السِّكيت: النَّوْب، القُرْب؛ وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
أرِقْتُ لذِكره من غير نَوْبٍ
كَمَا يَهْتاج مَوْشِيٌّ نَقِيبُ
أَرَادَ ب (الموشيّ) : الزمّارة من القَصب المُثقَّب.
قَالَ: والنُّوب: النَّحْل: جمع: نَائِب.
ويُقال: أَصبَحت لَا نَوْبة لكَ، أَي لَا قُوة لَك.
وَكَذَلِكَ: تركتُه لَا نَوْبَ لَهُ، أَي لَا قوّة لَهُ.
النَّضْر: يُقال للمطر الجَوْد: مُنِيب.
وأصَابنا رَبِيعٌ صِدْقٌ مُنيبٌ حَسَنٌ، وَهُوَ دُون الجَوْد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: نابَ فلانٌ، إِذا لَزم الطاعةَ.
وأناب، إِذا تَابَ فَرجع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {الرَّحِيمُ وَأَنِيبُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (الزمر: 54) .

(15/351)


ابْن شُميل: يُقَال للْقَوْم فِي السَّفر: يتناوبون ويَتنازلون، ويَتطاعمون، أَي يَأْكُلُون عِنْد هَذَا نُزْلَة وَعند هَذَا نزلةً. والنُّزْلة: الطَّعام يَصنعه لَهُم حَتَّى يَشْبعوا.
يُقَال: كَانَ الْيَوْم على فلانٍ نُزْلتنا، وأكلنا عِنْده نُزْلتنا، وَكَذَلِكَ النَّوْبة.
والتَّناوُب على كل وَاحِد مِنْهُم نَوْبة يَنُوبها، أَي طَعام يَوْم.
وَجمع، النَّوْبة، نُوَب.
بنى: اللَّيْث: بَنَى البَنّاء البِنَا بَنْياً، وبِنَاءً، وبِنًى، مَقْصور.
والبِنْية: الْكَعْبَة؛ يُقَال: لَا وربّ هَذِه البِنْية.
قَالَ: والبُنوّة، مصدر (الابْن) .
وَيُقَال: تَبَنّيته، إِذا ادَّعَيْت بُنُوّته.
والنّسبة إِلَى (الْأَبْنَاء) : بنوي وأَبناوي، نَحْو الأَعْرابي، ينْسب إِلَى (الْأَعْرَاب) .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: العربُ تَقول: هَذِه بِنْت فلَان، وَهَذِه ابْنة فلَان، لُغَتَانِ، وهما لُغتان جيدتان.
وَمن قَالَ: ابْنة فلَان، فَهُوَ خطأ ولحن.
وَقَالَ الزجّاج: (ابْن) كَانَ فِي الأَصْل: بنْوٌ، أَو بَنَوٌ، وَالْألف ألف وصل فِي (الابْن) .
يُقَال: ابْن بَيِّن البُنُوّة.
ويُحتمل أَن يكون أَصله: بَنَياً.
قَالَ: وَالَّذين قَالُوا: بَنون، كَأَنَّهُمْ جمعُوا (بَنياً) : بَنُون؛ وَأَبْنَاء، جَمع (فِعْل) أَو (فَعَل) .
قَالَ: و (بنت) تدُل على أَنه يَسْتَقِيم (فِعْلاً) .
وَيجوز أَن يكون (فَعَلاً) نُقلت إِلَى (فِعْل) كَمَا نُقلت أُخت من (فَعَلَ) إِلَى (فعل) .
فَأَما (بَنَات) فَلَيْسَ بِجمع (بنْت) على لَفظها، إِنَّمَا رُدّت إِلَى أَصْلهَا، فَجمعت: بَنَات.
على أَن أصل (بنت) : فَعَلَة، مِمَّا حذفت لامُه.
قَالَ: والأخفش يخْتَار أَن يكون الْمَحْذُوف من (ابْن) الْوَاو.
قَالَ: لِأَنَّهُ أَكثر مَا يُحذف الْوَاو لِثقَلها، وَالْيَاء تحذف أَيْضا لِأَنَّهَا تثقل.
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن (يَداً) قد أَجمعُوا على أَن الْمَحْذُوف مِنْهُ الْيَاء، وَلَهُم دَلِيل قَاطع على الْإِجْمَاع؛ يُقَال: يَديت إِلَيْهِ يَداً. و (دَمٌ) مَحْذُوف مِنْهُ الْيَاء.
و (البُنُوّة) لَيْسَ بِشَاهِد قَاطع للواو، لأَنهم يَقُولُونَ: الفُتُوَّة، والتَّثْنِيَة: فَتَيان.
ف (ابْن) يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو أَو الْيَاء، وهما عندنَا مُتساويان.
قَالَ شَمر: أَنْشدني ابْن الْأَعرَابِي لرجُلٍ من بني يَرْبُوع:

(15/352)


مَنْ يَك لَا ساءَ فقد سَاءَنِي
تَركُ أُبَيْنِيك إِلَى غير راعِ
إِلَى أبي طَلْحة أَو واقِدٍ
ذَاك عَمْري فاعْلَمَنْ للضَّياع
قَالَ أُبْيني، تَصْغِير (بَنِينَ) .
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أُبَيْنى لَا تَرمُوا جَمْرة العَقَبة حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِنَى: الأبْنيَة من المَدَر والصُّوف.
وَكَذَلِكَ: البِنَى من الكَرَم؛ وَقَالَ الحُطيئة يَمدح قوما:
أُولَئِكَ قَوْمي إِن بَنَوْا أَحْسَنُوا البِنَى
وَإِن عاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِن عَقَدُوا شَدُّوا
وَقَالَ غَيره: يُقَال بِنْية وبِنَى، مثل رِشوة ورِشا، كأنّ البِنْية: الْهَيْئَة الَّتِي بُني عَلَيْهَا، مثل المِشْية والرِّكْبَة.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: من القِسي: البانِيَة، وَهِي الَّتِي بَنَت على وترها، وَذَلِكَ أَن يكَاد يَنْقطع وترها فِي بَطْنها من لُصوقه بهَا.
وطّيىء تَقول: قوسٌ باناة، يُريدون: بانِيَة؛ وأَنشد:
عارضٍ زَوْرَاءَ مِن نَشمٍ
غَيْرَ بانَاةٍ على وَتَرِهْ
قَالَ الْفراء: وَأما (البائنة) ، فَهِيَ الَّتِي بَانَتْ من وترها، وَكِلَاهُمَا عَيْب.
والباني: العَرُوس الَّذِي بَنى على أَهله؛ وَقَالَ:
يَلوح كأنّه مِصْباح بانِي
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: والبَوانِي: أضلاع الزَّوْر.
قَالَ أَبُو عُبيد: ويُقال: ألْقى فلَان أرْواقه. وَألقى بَوانِيه، وَألقى عَصَاهُ، إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ واطمأنّ.
قلت: والأَرْواق: جمع (رَوْق) الْبَيْت، وَهُوَ رِوَاقه.
وَأما (البواني) فِي قَوْله (أَلقى الشَّام بَوانيه) .
فإِن ابْن جبلة: هَكَذَا رَوَاهُ عَن أبي عبيد، النُّون قبل الْيَاء، وَلَو قيل (بوائنه) الْيَاء قبل النُّون، كَانَ حسنا.
والبوائن: جمع (البُوَان) ، وَهُوَ اسْم كُل عَمُود فِي البَيت مَا خلا وَسَط الْبَيْت، الَّذِي لَهُ ثَلَاث طرائق.
ابْن السِّكيت: يُقَال: بَنى فلَان على أَهله، وَقد زَفّها، وازْدَفّها.
والعامة تَقول: بنى بأَهْله، وَلَيْسَ من كَلَام العَرب.
وَيُقَال: أَبْنَيتُ فلَانا بَيْتاً، إِذا أَعْطيته بَيْتا يَبْنيه؛ وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
لَو وَصَل الغيثُ أَبْنَيْن امْرءاً
كَانَت لَهُ قُبّة سَحْقَ بِجَاد

(15/353)


قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله (وَصل الْغَيْث) ، أَي: لَو اتَّصل الْغَيْث لأَبْنَين امْرءاً سَحْق بِجاد، بعد أَن كَانَت لَهُ قُبّة.
يَقُول: يُغِرن عَلَيْهِ فيُخَرِّبنه فيتّخذ بِنَاء من سَحق بِجاد، بعد أَن كَانَت لَهُ قُبّة.
وَقيل: يَصف الْخَيل فَيَقُول: لَو سَمّنها الغيثُ بِمَا يُنبت لَهَا الْكلأ لأَغَرْت بهَا على ذَوي القباب فَأخذت قبابَهم حَتَّى تكون البُجُد لَهُم أبنيةً بعْدهَا.
وَالْعرب تَقول: إنّ المِعْزَى تُبْهي وَلَا تُبْنِي.
الْمَعْنى: أَنَّهَا لَا ثَلّة لَهَا حَتَّى تُتّخذ مِنْهَا الأبْنية.
وَقيل: الْمَعْنى أَنَّهَا تَخْرق البُيوت بوثْبها عَلَيْهَا، وَلَا تُعين على الْأَبْنِيَة.
ومِعْزى الْأَعْرَاب جُرْدٌ لَا يَطول شعرهَا فيُغْزَل، وَأما مِعْزى بِلَاد الصَّرْد وَأهل الرِّيف فَإِنَّهَا تكون وافية الشُّعور، والأكراد يُسَوُّون بُيوتَهم من شعرهَا.
والبانَةُ: شجرةٌ لَهَا ثَمَرَة تُرَبَّب بأفاويه الطِّيب ثمَّ يُعْتَصر دُهْنها طِيباً.
وَجَمعهَا: البانُ.
أَبُو عُبيد: المِبْناة النِّطْع. وَيُقَال: مَبْناة.
قَالَ: وَقيل المِبْنَاة: العَيْبة.
وَقَالَ شُريح بن هانىء: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: لم يكن من الصَّلَاة شَيْء أحْرى أَن يُؤَخِّرها من صَلَاة الْعشَاء. قَالَت: وَمَا رأيتُه مُتَّقِياً الأَرْض بِشَيْء قطّ إِلَّا أَنِّي أذكر يوَم مَطَرٍ فَإنَّا بَسَطْنا لَهُ بِنَاءً.
قَالَ شَمِر: قَوْلهَا (بِنَاء) ، أَي: نِطْعاً، وَهُوَ مُتّصل بِالْحَدِيثِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَدنان: يُقال للبيتِ: هَذَا بِناء.
أَخْبرنِي عَن الهَوازني، قَالَ: المَبْناة: من أَدَم كَهَيئَةِ القُبّة تجعلها الْمَرْأَة فِي كِسْر بَيْتها تسكُن فِيهَا، وَعَسَى أَن يكون لَهَا غنم فَتقْتصر بهَا دون الْغنم لنَفسهَا وثيابها. وَلها إِزَار فِي وسط الْبَيْت من دَاخل يُكنّها من الحرّ وَمن واكِف الْمَطَر، فَلَا تُبلَّل هِيَ وثيابها.
قَالَ شَمِر: وأقرأنا ابنُ الْأَعرَابِي للنابغة:
على ظَهر مَبْناةٍ جَدِيد سُيورُها
يَطُوف بهَا وَسْط اللَّطيمة بائِعُ
قَالَ: المَبْناة: قُبّة من أَدم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَبناة: حَصِير، أَو نطْع يَبْسطه التَّاجِر على بَيْعه. فَكَانُوا يجْعَلُونَ الحُصُرَ على الأَنطاع يَطُوفون بهَا، وَإِنَّمَا سُمّيت: مَبْناة: لِأَنَّهَا تُتَّخذ من أَدَم يُوصل بعضُها إِلَى بعض؛ وَقَالَ جرير:

(15/354)


رَجعتْ وفودهمُ بتَيْمٍ بَعْدَمَا
خَرَزُوا المَبانِي فِي بَنِي زَدْهَامِ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِي قَوْلهم: المِعزى تُبْهي وَلَا تُبني، أَي لَا تُعْطِي من الثلّة مَا يُبْنى مِنْهَا بَيْتٌ.
قَالَ: وأبنيت فلَانا بَيْتا، أَي أَعْطيته مَا يَبْني بَيْتا.
وروى شَمِر أَن مُخنّثاً قَالَ لعبد الله بن أبي أُمية: إِن فتح الله عَلَيْكُم الطَّائِف فَلَا تُفْلتنّ مِنْك باديةَ بنت غَيْلان، فَإِنَّهَا إِذا جَلست تَبَنَّت، وَإِذا تكلّمت تَغَنَّتْ، وَإِذا اضطجعت تَمنَّت، وَبَين رِجْلَيْهَا مِثل الْإِنَاء المُكْفأ.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الأعرابيّ يَقُول فِي قَوْله: (إِذا قعدت تَبَنَّت) ، أَي: فرَّجت بَين رِجْلَيها.
قلت: كَأَنَّهُ يَجعل ذَلِك من (المَبْناة) ، وَهِي القُبة من الأَدم، إِذا ضُربت ومُدَّت الأَطناب فانفرجت.
وَكَذَلِكَ هَذِه إِذا قَعَدت تَربَّعت وفرّجت رِجْلَيها.
وَقَوله (بَين رِجْليها مثل الْإِنَاء المُكْفأ) ، يَعْنِي: ضِخَم رَكَبها ونُهوده كَأَنَّهُ إِنَاء مَكْبُوب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال بنى لَحْمَ فلانٍ طعامُه، يَبْنيه بِناءً، إِذا عَظُم من الْأكل؛ وأَنْشد:
بَنَى السَّوِيقُ لَحْمَها واللَّتُّ
كَمَا بَنَى بُخْتَ العِراق القَتُّ
قلت: وَجَائِز أَن يكون معنى قَول المخنّث (إِنَّهَا إِذا قَعدت تَبَنّت) من قَوْلهم. بَنى لحمَ فلانٍ طعامُه، إِذا سَمّنه وعَظَّمه.
وَكَانَ الرجل إِذا جَمع إِلَيْهِ أَهله ضَرب عَلَيْهَا بَيْتاً، وَلذَلِك قيل: بَنى فلانٌ على أَهْله.
بَين بون: يُقال: بَان الحقّ يَبين بَيَاناً؛ فَهُوَ بائِن.
وَأَبَان يُبين إبانة؛ فَهُوَ مُبين، بِمَعْنَاهُ؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {} (الزخرف: 1، 2) .
وَقيل: {حم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - وَالْكِتَابِ} هُوَ مُبين كُلّ مَا يُحتاج إِلَيْهِ.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} .
يُقال: بَان الشيءُ وَأَبَان، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَيُقَال: بَان الشيءُ، وأَبَنْتُه.
فَمَعْنَى (مُبين) مبيِّن، أَي إِنَّه مُبين خَيره وبركته، ومُبين الْحق من الْبَاطِل، والحلال من الْحَرَام، ومُبين أَن نُبوة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حقّ، ومُبين قصَص الْأَنْبِيَاء.
قلت: وَيكون (المُستبين) أَيْضا، بِمَعْنى (المُبين) .
يُقال: بَان الشَّيْء، وبَيّن، وَأَبَان،

(15/355)


واسْتبان، بِمَعْنى وَاحِد؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} (النُّور: 34) بِكَسْر الْيَاء وتشديدها، بِمَعْنى: مُتَبَيِّنات.
وَمن قَرَأَ (مُبَيَّنات) بِفَتْح الْيَاء، فَالْمَعْنى: إِن الله بَيَّنها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: قد بَيَّن الصُّبح لذِي عَينين، أَي تَبيَّن.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله تَعَالَى: {) الْقُرْءَانَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} (الرحمان: 3، 4) .
قيل: إِنَّه عَنى ب (الْإِنْسَان) هَاهُنَا: النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علّمه البَيان، أَي: علّمه القُرآن الَّذِي فِيهِ بيانُ كلّ شَيْء.
وَقيل: الْإِنْسَان، هَاهُنَا: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَيجوز فِي اللُّغَة أَن يكون (الْإِنْسَان) اسْما لجنس النَّاس جَمِيعًا، وَيكون على هَذَا الْمَعْنى: علّمه الْبَيَان، جعله مُمَيّزا حَتَّى انْفَصل الْإِنْسَان ببَيانه وتَمييزه من جَمِيع الْحَيَوَان.
قلت: و (الاستبانة) يَكون وَاقعا.
يُقَال: استبنتُ الشَّيْء، إِذا تأمّلته حَتَّى تبَيَّن لَك: قَالَ الله تَعَالَى: { ((وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الاَْيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الْأَنْعَام: 55) ، الْمَعْنى: ولتستبين أَنْت يَا مُحَمَّد سَبِيل الْمُجْرمين، أَي لتزداد استبانة؛ وَإِذا بَان سَبيل الْمُجْرمين فقد بَان سَبِيل الْمُؤمنِينَ مِنْهُم.
وَأكْثر القُرّاء قرءوا {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} .
والاستبانة، حِينَئِذٍ، تَكون غير وَاقع.
وَيُقَال: تبيّنت الْأَمر، أَي: تأملته وتوسّمته؛ وَقد تبيّن الْأَمر، يكون لَازِما وواقعاً.
وَكَذَلِكَ: بَيَّنته فَبَيَّن، أَي تَبيَّن، لَازم ومُتعدّ.
وَقَوله جلّ وعزّ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ} (النَّحْل: 89) ، أَي: بُيِّن لَك فِيهِ كُلّ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ أَنْت وأمّتك من أَمر الدِّين.
وَهَذَا من اللّفظ العامّ الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخَاص.
وَالْعرب تَقول: بَيَّنت الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بِكَسْر التَّاء.
و (تِفعال) بِكَسْر التَّاء يكون اسْما فِي أَكثر كَلَام العَرب.
فَأَما الْمصدر فَإِنَّهُ يَجِيء على (تَفعال) ، بِفَتْح التَّاء، مثل: التَّكذاب، والتَّصْداق، وَمَا أشبهه.
وَجَاء فِي المصادر حرفان نادران، وهما تِلْقاء الشَّيْء، والتِّبيان، وَلَا يُقاس عَلَيْهِمَا.
والبَيْن، فِي كَلَام الْعَرَب، جَاءَ على وَجْهين مُتضادَّين:

(15/356)


يكون (البَين) بِمَعْنى: الفِراق؛ وَيكون بِمَعْنى: الوَصْل.
قَالَ الله تَعَالَى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الْأَنْعَام: 94) .
قَرَأَ نَافِع وحَفص، عَن عَاصِم وَالْكسَائِيّ: (بَيْنَكم) ، نَصْباً.
وَقَرَأَ ابنُ كثير وَأَبُو عَمْرو، وَابْن عَامر وَحَمْزَة (بَيْنُكم) رفعا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: لَقد تَقَطَّع بَيْنُكم، أَي وَصْلُكم.
وَمن قَرَأَ (بَينكم) فَإِن أَبَا الْعَبَّاس رَوى عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: تَقَطَّع الَّذِي كَانَ بَيْنكُم.
وَقَالَ الزجّاج: من فتح فالمَعنى: لقد تَقطع مَا كُنْتُم فِيهِ من الشَّركة بَيْنكم.
ورُوي عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: (لقد تقطّع مَا بَيْنكم) .
وَاعْتمد الفَرّاء وغيرُه من النَّحْوِيين قِراءة ابْن مَسْعُود، لمن قَرَأَ (بَيْنَكم) .
وَكَانَ أَبُو حَاتِم يُنكر هَذِه الْقِرَاءَة وَيَقُول: من قَرَأَ (بينَكم) لم يَجُز إِلَّا بموصول، كَقَوْلِك: مَا بَينكم.
قَالَ: وَلَا يجوز حَذف الْمَوْصُول وبقَاء الصِّلَة، وَلَا يُجِيز العربُ: إنّ قَامَ زيدٌ، بِمَعْنى: إنّ الَّذِي قَامَ زيد.
قلت: أجَاز الفَراء، وَأَبُو إِسْحَاق النحويّ النَّصْب، وهما أعلم بالنَّحو من أبي حَاتِم.
وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن الله خَاطب بِمَا أَنزل فِي كِتَابه قوما مُشْرِكين، فَقَالَ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (الْأَنْعَام: 94) .
أَرَادَ: لقد تقطع الشِّرك بَيْنكُم، فأضمر (الشّرك) لِمَا جَرى من ذكْر الشُّركاء، فافْهمه.
وَيُقَال: بَين الرَّجُلين بَيْن بَعيد، وبَوْنٌ بَعيد.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً} (الْكَهْف: 52) .
فإنّ الزّجاج قَالَ: مَعْنَاهُ: جعلنَا بَينهم من الْعَذَاب مَا يُوبقهم، أَي يُهلكهم.
وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: جعلنَا بَينهم، أَي: تواصُلَهم فِي الدُّنيا مَوْبِقاً لَهُم يَوْم الْقِيَامَة، أَي: هلكاً. وَتَكون (بَين) صفة بِمَعْنى: وسط، وخِلال.
وَيُقَال: بَانَتْ يَد النَّاقة عَن جنبها تبِين بُيوناً.
وَبَان الخليطُ يَبين بَيْناً وبَينُونة؛ قَالَ الطّرْماح:
أآذَن الثاوي بِبَيْنُونة
أَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه

(15/357)


قَالَ: الْكَوَاكِب البابانيات، هِيَ الَّتِي لَا تَنزل بهَا شَمس وَلَا قَمر، إِنَّمَا يُهْتَدى بهَا فِي البَر وَالْبَحْر، وَهِي شآميّة، ومهبُّ الشمَال مِنْهَا، أوّلها القُطب، هُوَ كَوْكَب لَا يَزُول، والجَدي والفَرْقدان، وَهُوَ بَيْن القُطب، وَفِيه بَنات نَعش الصُّغرى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَمِعت الْمبرد يَقُول: إِذا كَانَ الِاسْم الَّذِي يَجِيء بعد (بَينا) اسْما حقيقيّاً رفعتَه بِالِابْتِدَاءِ. وَإِن كَانَ اسْما مَصْدريًّا خَفضته، وَتَكون (بَينا) فِي هَذِه الْحَال بِمَعْنى (بَين) .
قَالَ: فَسَأَلت أَحْمد بن يحيى عَنهُ أُعْلمه، فَقَالَ: هَذَا الدّر، إلاّ أَن من الفُصحاء مَن يرفع الِاسْم الَّذِي بعد (بَينا) وَإِن كَانَ مصدريًّا، فيُلحقه بِالِاسْمِ الْحَقِيقِيّ؛ وَأنْشد بَيت الْخَلِيل بن أَحْمد:
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجتِه
ذَهَب الغِنى وتَقَوَّض البَيْتُ
وَجَائِز: وبَهْجتُه.
قَالَ: وَأما (بَيْنَمَا) فالاسم الَّذِي بعده مَرْفُوع، وَكَذَلِكَ المَصْدَر.
وَقَالَ اللَّيْث: البَيِّن من الرِّجَال: الفَصيح.
والبَيان: الفَصاحة.
كَلَام بَيِّن: فَصيح.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا إِن التَّبْيين من الله والعَجلة من الشَّيطان فتَبَيَّنوا) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ الْكسَائي وَغَيره: التَّبْيين: التثّبت فِي الْأَمر والتأنّي فِيهِ.
وقُرىء قَول الله تَعَالَى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ} (النِّسَاء: 94) .
وقرىء: (فتثبَّتوا) ، والمعنيان مُتقاربان.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سَجدة الحُجُرات {ءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ} (الحجرات: 6) ، و (تَثَبَّتوا) ، قُرىء بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضا.
شَمِر، قَالَ ابْن شُميل: البَيِّن من الرِّجال: السَّمْح اللِّسان، الفصيح الظَّريف، العالي الْقَلِيل الرَّتَج.
وَقوم أَبيناء؛ وَأنْشد شَمر:
قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبِيُّ ويَلْتَئِي
على البَيِّن السَّفّاك وَهُوَ خَطِيبُ
قَوْله: يلتئي، أَي: يُبطىء، من (اللأي) ، وَهُوَ الإبطاء.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن من البَيان لَسِحْراً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: الْبَيَان، هُوَ: الْفَهم وذكاء القَلب مَعَ اللَّسَن.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: أَنه يَبلغ من بَيَان ذِي الفَصاحة أَنه يَمدح الْإِنْسَان فيُصدَّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِف القُلوب إِلَى قَوْله وحُبّه، ثمَّ يَذُمّه فيصدَّق فِيهِ حَتَّى يصرف الْقُلُوب إِلَى قَوْله

(15/358)


وبُغضه، فَكَأَنَّهُ سَحر السامعين بذلك، وَهُوَ وَجه قَوْله: (إِن من الْبَيَان لسِحْراً) .
وعَدن أَبْين: اسْم قَرْيَة على سِيف الْبَحْر ناحِية الْيمن.
ابْن السّكيتُ: البَيْن: الفِراق.
والبِبُن: القِطْعة من الأَرْض قدر مَدّ البَصر؛ وَأنْشد لِابْنِ مُقْبل:
مِن سَرْوِ حِمْير أبوالُ البِغال بِهِ
أنّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذَلِك البِينا
وَقَالَ أَبُو مَالك: البِين: الفَصل بَين الأَرضين، يكون الْمَكَان حَزناً وبقُربه رمل وَبَينهمَا شَيْء لَيْسَ بَحزن وَلَا سهل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِينُ: النَّاحِيَة.
والبِين: قَدر مدّ البَصر مِن الطَّريق.
وَقَالَ الباهليّ: وفَصْل بَيْن كل أَرْضَين يُقال لَهُ: بِين.
وَعَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الحَياء والعِيّ شُعْبتان من الْإِيمَان، والبَذاء والبَيان شُعْبتان من النِّفاق) .
وَقَالَ غَيره فِي قَوْله:
يَا رِيحَ بَيْنُونة لَا تَذْمِينا
جئْتِ بأَلْوان المُصَفَّرِينا
بَيْنونة: موضعٌ بَين عُمان والبَحرين، وَبِيء.
وَقَالَ أَبُو مَالك: بِئْرٌ بَيُونٌ، وَهِي الَّتِي لَا يُصيبها رشاؤها، وَذَلِكَ لِأَن جِراب البِئر مُسْتقيم.
وَقَالَ غَيره: البَيُون: البِئر الواسعة الرَّأْس الضَّيقة الْأَسْفَل؛ وَأنْشد:
إنّك لَو دَعَوْتني ودُوني
زَوْرَاءُ ذاتُ مَنْزع بَيُونِ
لقلتُ لَبَّيهْ لِمن يَدْعُوني
فَجَعلهَا: زَوْراء، وَهِي الَّتِي فِي جرابها عَوَج. والمَنْزع: الْموضع الَّذِي يَصْعد فِيهِ الدَّلْو إِذا نُزع من الْبِئْر، فَذَلِك الْهَوَاء هُوَ المَنزع.
وَقَالَ بَعضهم: بِئْرٌ بَيُون، وَهِي الَّتِي يُبين المُسْتقى الحَبْلَ فِي جِرابها لعَوَجٍ فِي جُولها؛ قَالَ جرير يصف خَيْلاً وصَهيلها:
يَشْنِفْن للنَّظر البَعيد كأنّما
إرنانُها ببَوائِن الأشْطَانِ
أَرَادَ: كَأَنَّهَا تَصهل فِي بِئْر دَحُول، وَذَاكَ أغْلظ لِصَهيلها.
أَبُو زيد، يُقَال: طلب فلَان البائِنَة إِلَى أبَوَيْه، وَذَلِكَ إِذا طلب إِلَيْهِمَا أَن يُبِيناه بمالٍ، فَيكون لَهُ على حِدَةٍ.
قَالَ: وَلَا تكون البائنة إلاّ من الْوَالِدين، أَو أَحدهمَا.
وَقد أَبانه أَبَوَاهُ إبانةً.
حَتَّى بَان هُوَ بذلك، يَبينُ بيوناً.

(15/359)


حدّثنا عبد الله بن عُروة، عَن يُوسُف، عَن جَرير، عَن مُغيرة، عَن الشَّعبي: قَالَ: سمعتُ النُّعمان بن بَشِير يَقُول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وطَلَبَتْ عَمْرةُ إِلَى بَشِير بن سَعد أَن يُنْحِلَنِي نَخْلاً من مَاله، وَأَن يَنْطَلِق بِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيُشْهده، فَقَالَ: (هَل لَك مَعَه وَلَدٌ غَيره؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَهَل أَبَنْت كُلَّ واحدٍ مِنْهُم بِمثل الَّذِي أَبَنْت هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: فإنّي لَا أَشْهد على هَذَا، هَذَا جَوْرٌ، أَشْهِد على هَذَا غَيْرِي، اعْدلوا بَين أَوْلَادكُم فِي النَّخْل كَمَا تحبّون أَن يَعْدِلوا بَيْنكم فِي البِرّ واللّطف) .
قَوْله: هَل أَبَنْت كُلّ وَاحِد؟ أَي: هَل أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِد مَالا تُبينه بِهِ، أَي: تُفْرده.
وَالِاسْم: البائنة.
ابْن شُميل: يُقال لِلْجَارِيَةِ إِذا تزوَّجت: قد بانَت.
وهُنّ قد بِنّ، إِذا تزوَّجن.
وبَيَّن فلانٌ بِنْته، وأبانها، إِذا زوَّجها وَصَارَت إِلَى زَوْجها.
أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: البَوْنة: البِنْت الصَّغِيرة.
والبَوْنَة: الفَصِيلة.
والبَوْنَة: الفِرَاق.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: اسْتُ الْبَائِن أعرف؛ وَقيل: أَعْلم.
أَي: من وَلِي أمرا ومارَسَه فَهُوَ أعلم بِهِ ممّن لم يُمَارِسْه.
والبائن: الَّذِي يَقوم على يَمين النَّاقة إِذا حَلَبها. والجميع: البُيَّن.
والبائن والمُسْتَعلي، هما الحالبان اللّذان يَحْلُبان النَّاقة، أحَدُهما حالِبٌ وَالْآخر مُحْلِب. والمُعِين هُوَ المُحْلِب.
والبائن، عَن يَمِين النَّاقة يمسك العُلْبة. والمُسْتَعلي: الَّذِي عَن شمالها، وَهُوَ الحالب.
يرفع البائنُ العُلْبة إِلَيْهِ؛ قَالَ الكُميت:
يُبَشِّر مُسْتَعْلِياً بائنٌ
من الحالبَيْن بأنْ لَا غِرَارَا
أبن: اللَّيْث: يُقال: فلانٌ يُؤْبَن بخَيْرِ وبِشَرَ، أَي: يُزَنّ بِهِ. فَهُوَ مَأبُون.
قَالَ: والأُبنة: عُقدة فِي العَصَا. وَجَمعهَا: أُبَن.
ويُقال: لَيْسَ فِي حَسَب فلانٍ أُبْنَة؛ كَقَوْلِك: لَيْسَ فِيهِ وَصْمة.
عَمْرو، عَن أَبِيه: يُقَال: فلانٌ يُؤْبَن بخَيْر، ويُؤْبن بشَرّ.
فَإِذا قلت: يُؤْبن، مجرَّداً، فَهُوَ فِي الشرّ لَا غَيْر.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي هَالة فِي صفة مجْلِس النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مجلسُه مجْلِس عِلْم وحياء لَا

(15/360)


تُرْفع فِيهِ الْأَصْوَات، وَلَا تُؤبن فِيهِ الحُرم، أَي لَا تُذكر فِيهِ النّساء، ويُصان مَجْلِسُه عَن الرَّفَث وَمَا يَقْبح نَشْرُه.
ورُوي عَن النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الشِّعر إِذا أُبِنَت فِيهِ النِّساء.
قَالَ شَمر: أبَنْت الرجُلَ بِكَذَا وَكَذَا، إِذا أزْنَنْته بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أبَنْت الرّجل آبِنه، وآبنُه، إِذا رَمَيته بقبيح وقذفْته بسُوء.
قَالَ: وَمعنى (لَا تؤبن فِيهِ الحُرم) ، أَي: لَا تُرمى بسُوء وَلَا تُعاب، وَلَا يُذكر مِنْهَا القَبِيحُ وَمَا لَا يَنْبغي مِمَّا يُسْتَحْيا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأَبِن، غير مَمْدُود الْألف، على (فَعِل) من الطَّعام والشَّراب: الغَلِيظ الثَّخِين.
والأُبنة: العَيب فِي الحَسب والعُود.
وَقَول رُؤبة:
وامْدَح بِلَالًا غَيْر مَا مُؤَبَّنِ
قَالَ ابْن الأعرابيّ: مُؤَبَّن: مَعِيب.
وَخَالفهُ غَيره.
وَقيل للمَجْبُوس: مَأْبون، لِأَنَّهُ يُزَنّ بالعَيْب القَبيح.
وكأنّ أَصله من (أُبْنة) الْعَصَا، لِأَنَّهَا عَيْبٌ فِيهَا.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: أَبّنْت الرَّجُل تَأْبيناً، إِذا مَدَحْتَه بعد مَوته؛ وَقَالَ مُتمِّم ابْن نُوَيْرة:
لَعَمْرِي وَمَا دَهْرِي بتأْبِين هالِكٍ
وَلَا جَزَعاً ممّا أَصَاب فأَوْجَعَا
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: التّأبين: اقتفاء الْأَثر؛ قَالَ أَوْس:
يَقُول لَهُ الرّاؤُون هذاكَ راكبٌ
يُؤَبِّن شَخْصاً فَوق عَلياء واقِفُ
يَصِف العَيْرَ.
وَقيل لمادح المَيت: مؤبِّن، لاتّباعه آثَار فِعاله وصَنائعه.
وَقَالَ شَمر: التَّأبين: الثَّنَاء على الرّجل فِي المَوت والحياة.
وإبّان الشَّيْء: وقته.
يُقَال: أَتَانَا فلَان إبّان الرُّطب، وإبّان اخْتراف الثِّمَار، وإبّان الحَرّ أَو الْبرد، أَي أَتَانَا فِي ذَلِك الْوَقْت.
وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصِف عَيْراً وسَحِيلَه:
تُغنِّيه من بَين الصَّبيّين أُبْنةٌ
نَهُومٌ إِذا مَا ارْتدّ فِيهَا سَحِيلُها
تُغنِّيه، يَعْنِي (العَيْر) بَين الصّبّيين، وهما طرفا اللَّحْى. والأُبْنة: العُقْدة، وعَنى بهَا هَاهُنَا: الغَلْصَمة. والنَّهُوم: الَّذِي يَنْخِط، أَي يَزفر؛ يُقَال: نَهَم ونَأم فِيهَا فِي الأبْنة. والسَّحِيل: الصَّوت.
وأَبَانَان: جبلان فِي الْبَادِيَة، ذكرهمَا مُهْلهل؛ وَقَالَ:

(15/361)


لَو بأبَانَيْن جَاءَ يَخْطُبها
رُمِّل مَا أنْف خاطبٍ بِدَمِ
وأَبَان: اسمٌ.
مَا يعرف بالابن وَالْبِنْت
ابْن الْأَعرَابِي:
ابْن الطِّين: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَابْن مَلاط: العَضُد.
وَابْن مُخدِّش: رَأس الكَتِف؛ وَيُقَال: إِنَّه النُّغْض أَيْضا.
وَابْن النَّعَامة: عَظْم السّاق.
وَابْن النَّعامة: عِرْق فِي الرِّجْل.
وَابْن النَّعامة: مَحَجَّة الطّريق.
وَابْن النّعامة: الفرسُ الفارِه.
وَابْن النَّعامة: الساقي الَّذِي يكون على رَأس البِئر.
ويُقال للرَّجُل الْعَالم هُوَ:
ابْن بَجْدتها، وَابْن بُعْثُطها، وَابْن سُرْسُورها، وَابْن ثَراها، وَابْن مَدِينتها، وَابْن زَوْمَلتها، أَي العالِم بهَا.
وَابْن الفَأرة: الدِّرْص.
وَابْن السِّنَّور: الدِّرص أَيْضا.
وَابْن النَّاقة: البابُوس. ذكره ابْن أَحْمر فِي شِعْره.
وَابْن الخَلّة: ابْن مَخاض.
وَابْن عِرْس: السُّرْعُوب.
وَابْن الجرَادة: السِّرْو.
وَابْن اللَّيْل: اللِّصّ.
وَابْن الطَّريق: اللِّصّ أَيْضا.
وَابْن غَبْراء: اللِّصّ أَيْضا.
وَقيل فِي قَول طَرفة:
رأيتُ بني غَبْراء لَا يُنْكرُونني
إنّ بني غبراء اسمٌ للصَّعاليك الَّذين لَا مالَ لَهُم، سُمُّوا: بَني غَبْراء، للزُوقهم بغَبْراء الأَرض، وَهُوَ تُرابها.
أَرَادَ أَنه مَشهور عِنْد الفُقراء والأغْنياء.
وَقيل: بَنو غَبراء: هم الرُّفْقة يَتَناهدون فِي السَّفَر.
وَابْن إلاَهة، وأَلاَهة: ضَوء الشَّمْس، وَهُوَ الضِّحّ.
وَابْن المُزْنة: الْهلَال؛ وَمِنْه قَوْله:
رأيْتُ ابْنَ مُزْنَتها جانِحَا
وَابْن الكَرَوان: اللَّيْل.
وَابْن الحُبَارى: النَّهار.
وَابْن تُمَّرة: طَائِر. وَيُقَال: التُّمرَّة.
وَابْن الأَرْض: الغَدير.
وَابْن طامِر: البُرْغُوث.
وَابْن طامِر: الخَسيس من النَّاس.
وَابْن هَيَّان، وَابْن بَيّان، وَابْن هَيّ، وَابْن بَيّ، كُلّه الخَسِيس من النَّاس.

(15/362)


وَابْن النّخلة: الدُّجى.
وَابْن اليَحْنة: السَّوْط. واليَحْنة: النَّخلة الطَّويلة.
وَابْن الْأسد: الشَّيْع، والحَفْص.
وَابْن القِردْ: الحَوْدَل، والرُّبَّاح.
وَابْن البَرَاء: أول يَوْم من الشّهر.
وَابْن المازِن: النَّمْل.
وَابْن الغُراب: البُجّ.
وَابْن الفوالي: الجانّ. يَعْنِي: الحيّة.
وَابْن القاويّة: فَرخ الحمَام.
وَابْن الفاسِيَاء: القَرَنْبي.
وَابْن الحَرام: السَّلا.
وَابْن الكَرْم: القِطْف.
وَابْن المَسَرَّة: غُصن الرَّيْحان.
وَابْن جَلاَ: السّيِّد.
وَابْن دَأْية: الغُراب.
وَابْن أَوْبر: الكَمْأة.
وَابْن قِتْرة: الحيّة.
وَابْن ذُكاء: الصُّبْح.
وَابْن فَرْتَنى، وَابْن تُرْنَى: ابْن البَغِيّة.
وَابْن أَحْذَار: الرَّجُل الحَذِر.
وَابْن أَقْوال: الرَّجُل الكثيرُ الكَلام.
وَابْن الفَلاة: الحِرْباء.
وَابْن الطَّوْد: الحَجر.
وَابْن حَجِير: اللَّيْل الَّتِي لَا يُرى فِيهَا الهِلال.
وَابْن آوى: سَبُعٌ.
وَابْن مَخاض، وَابْن لَبُون: من أَوْلَاد الْإِبِل.
ويُقال للسِّقاء: ابْن الأَدِيم.
فَإِذا كَانَ أكبر، فَهُوَ: ابْن أديمَين، وَابْن ثَلَاثَة آدِمة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال: هَذَا ابنُك، ويُزاد فِيهِ الْمِيم فَيُقَال: هَذَا ابْنُمك. فَإِذا زيدت فِيه الْمِيم أُعرب من مكانَيْن، فَقيل: هَذَا ابْنُمُك، فضُمَّت النُّون وَالْمِيم، وأعرب بضَم النُّون وَضم الْمِيم؛ ومررت بابْنِمِك وأريت ابْنَمَك، تُتْبع النُّون الْمِيم فِي الْإِعْرَاب، وَالْألف مَكْسُورَة على كل حَال.
وَمِنْهُم من يُعربه مِن مكانٍ وَاحِد، فيُعرب الْمِيم لِأَنَّهَا صَارَت آخر الِاسْم، ويدع النُّون مَفْتُوحَة على كل حَال، فَيَقُول: هَذَا ابْنَمُك، وَهَذَا ابْنَمُ زيد، ومررت بابْنَم زيد، وَرَأَيْت ابنَم زيد؛ وأَنْشد:
وَلَدْنا بني العَنْقاء وابْني مُحرِّق
فأَكرِمْ بِنَا حَالا وأَكرم بِنَا ابْنَما
وَزِيَادَة الْمِيم فِيهِ كَمَا زادوها فِي: شَدْقم،

(15/363)


وزُرْقم، وشَجْعم، لنوعٍ من الحيّات.
ويُقال فِيمَا يعرف ببنات:
بَنات الدَّم: بَنَات أَحْمر.
وَبَنَات المُسْنَد: صُروفُ الدَّهْر.
وبَنات مِعًى: البَعَر.
وبَنات اللَّبن: مَا صَغُر مِنْهَا.
وَبَنَات النَّقَا: هِيَ الحُلْكة، تُشَبَّه بِهن بَنان العَذَارى؛ قَالَ ذُو الرُّمة:
بَنات النّقَا تَخْفَى مِراراً وتَظْهرُ
وَبَنَات مَخْرٍ، وبناتُ بَخْرٍ: سحائب يَأْتِين قُبُل الصَّيف مُنْتَصبات.
وَبَنَات غَير: الكَذِب.
وَبَنَات بِئس: الدَّواهي؛ وَكَذَلِكَ: بَنَات طَبق، وَبَنَات بَرح، وَبَنَات أَوْدَك.
وَابْنَة الجَبْل: الصَّدَى.
وَبَنَات أعْنق: النِّسَاء، وَيُقَال: خيل نُسِبت إِلَى فَحل يُقَال لَهُ: أَعْنق.
وَبَنَات صَهَّال: الخَيْل.
وبَنات شَحّاج: البِغال.
وَبَنَات الأخْدِريّ: الأُتْن.
وَبَنَات نَعش: من الْكَوَاكِب الشّماليَّة.
وَبَنَات الأَرْض: الْأَنْهَار الصَّغِيرَة.
وَبَنَات المنَى: اللَّيل.
وَبَنَات الصَّدْر: الهُموم.
وَبَنَات المِثال: النِّساء. والمِثال: الفِرَاش.
وَبَنَات طَارق: بَنات المُلوك.
وبَنات الدَّوّ: حَمير الوَحْش.
وَهِي بَنَات صَعْدة أَيْضا.
وَبَنَات عُرْجون: الشَّماريخ.
وَبَنَات عُرْهون: الفُطْر.

(بَاب النُّون وَالْمِيم)
ن م (وَا يء)
نمى، نوم، نيم، منى، مأن، يمن، ينم، ونم، أَمن، نأم، منأ، أنم، منا، مين، إِنَّمَا.
أنم: اللَّيْث: الأَنام: مَا على ظَهر الأَرْض من جَميع الخَلْق.
قَالَ: وَيجوز فِي الشّعْر: الأَنِيم.
وَقَالَ المُفّسرون فِي قَول الله تَعَالَى: {للهالْمِيزَانَ وَالاَْرْضَ وَضَعَهَا لِلاَْنَامِ} (الرحمان: 10) هم: الجِنّ وَالْإِنْس.
والدّليل على مَا قَالُوا أَن الله تَعالى قَالَ بعقب ذِكره (الْأَنَام) إِلَى قَوْله: {الْعَصْفِ} (الرحمان: 12) : {وَالرَّيْحَانُ فَبِأَىِّءَالا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرحمان: 13) وَلم يَجْرِ للجنّ ذِكْرٌ قبل ذَلِك، إِنَّمَا ذَكر الجانّ بعده، فَقَالَ: {) (تُكَذِّبَانِ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ

(15/364)


كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ} (الرحمان: 14، 15) الْآيَة.
والجنّ وَالْإِنْس، هما الثَّقَلان.
وَقيل: جَازَ مُخاطبة الثَّقَلين قبل ذِكرهما مَعًا، لِأَنَّهُمَا ذُكرا بعقب الْخطاب؛ كَمَا قَالَ المثقَّب العبديّ:
فَمَا أَدري إِذا يَمَّمتُ أَرْضاً
أُريد الخَيْرَ أيّهما يَلِيني
أالخير الَّذِي أَنا أَبْتَغيه
أم الشّر الَّذِي هُوَ يَبْتَغِيني
فَقَالَ: أَيهمَا، وَلم يَجر للشرّ ذِكر إِلَّا بعد تَمام الْبَيْت.
نأم: أَبُو زيد: نأم الأَسدُ يَنْئِم نَئِيماً، وزأر يَزْأر زَئِيراً.
والنَّئِيم، أَهْون من الزَّئِير.
ابْن السِّكيت: يُقَال: أَسْكت نَامَته، مَهْمُوزَة مخّففة الْمِيم، وَهُوَ من النّئِيم، وَهُوَ الصوَّت الضَّعيف.
وَيُقَال: نامّته بالتَّشديد، فَيجْعَل من المضاعف، وَهُوَ مَا يَنمّ عَلَيْهِ من حَركته.
وَيُقَال: نأم البُوم أَيْضا؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إلاّ نَئِيم البُوم والضُّوَعا
مأن: أَبُو زيد: مأنْتُ الرَّجُلَ أمْأَنُه مَأْناً، إِذا أصَبت مأنَته، وَهُوَ مَا بَين سُرّته وعانَته وشُرْسُوفه.
وَيُقَال: مَا مَأَنْت مَأْنه، وَلَا شأنْت شأنَه، وَلَا انْتبلت نَبْله، أَي مَا انْتَبَهت لَهُ وَلَا احتفلت بِهِ.
وَقَالَ الْفراء: أَتَانِي هَذَا الأَمْرُ وَمَا شأنت شَأْنه، وَلَا مأنت مأنه، أَي لم أُعْمل فِيهِ.
وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَي مَا عَلِمت عِلْمه.
قَالَ: ومثلُه: مَا رَبأت رَبْأه.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقَال: مَا شأنت شَأْنه، وَلَا مَأَلت مأْله، وَلَا هُؤْت هَوْأَه، وَلَا ربأت ربأه، وَلَا نَبَلْت نَبْله، وَلَا مَأنت مَأْنه، أَي مَا شَعرت بِهِ.
قَالَ: والمأنة: أَسْفَل السُّرة.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت أعرابيًّا من بني سُليم يَقُول: مَا مأنت مَأْنه، أَي مَا عَلِمتُ عِلْمه. وَهُوَ بِمَأْنه، أَي بِعلْمه.
وَقَالَ شَمر، قَالَ الفرّاء: أَتَانِي وَمَا مَأنت مَأْنه، أَي: من غير أَن تهيّأت، وَلَا أَعْددت، وَلَا عملت فِيهِ.
ونحوَ ذَلِك قلت.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنه أَنشده قولَ المَرّار:
فتهامَسوا شَيْئاً فَقَالُوا عَرِّسوا
مِن غير تَمْئِنَةٍ لغير مُعرَّسِ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تَمْئنة: تهيئة وَلَا فِكْر وَلَا نَظر.

(15/365)


وَقد ذهب أَبُو عُبيد ب (التمَّئنة) فِي بَيت المّرار إِلَى (المَئِنّة) الَّتِي فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود.
وَقد ذكرته فِيمَا تقدم وبيّنت وَجه الصَّوَاب فِيهِ.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: مأنت القومَ، من: المَؤُونة.
وَمن تَرك الْهَمْز قَالَ: مُنْتهم أَمُونهم.
قلت: وَهَذَا يدل على أَن (المؤونة) فِي الأَصْل مَهْموزة.
وَقيل: المَؤونة (فَعُولة) من: مُنْته أمُونَه مَوْناً، وهُمزت (مؤونة) لانْضمام واوها، وَهَذَا حسن.
وَقَالَ اللَّيْث: المائِنة: اسْم مَا يُموَّن، أَي يُتكلَّف، من (المؤونة) .
قَالَ: ومأنة الصَّدر: لحْمَة سَمِينة أَسْفَل الصَّدر كَأَنَّهَا لَحمةٌ فَضْلٌ.
وَكَذَلِكَ: مأنة الطِّفْطِفة.
قَالَ شَمر: قَالَ ابْن الأَعرابي: المأنة: مَا بَين السُّرّة والعَانة.
ويُجمع: مأنات، ومُؤُن: وأَنشد:
يُشَبَّهن السَّفِين وهُنّ بُخْتٌ
عِراضاتُ الأَباهِر والمُؤُن
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: المأنة: الطِّفْطِفة؛ وأَنْشَد:
إِذا مَا كُنْتِ مُهْدِيةً فأَهْدِي
من المَأنات أَو قِطَع السَّنَامِ
منأ: أَبُو عُبيد وَغَيره: المَنيئة، على (فعيلة) : الجِلْدُ أوّل مَا يُدْبغ، ثمَّ يكون أَفِيقاً، ثمَّ يكون أَدِيماً.
ومنأتُه: وافقتُه، مِثَال (فعلته) .
وَقَالَ الأصمعيّ والكسائيّ: المَنيئة: المَدْبَغَة.
ابْن السِّكيت، عَن الأصمعيّ: المَنيئة الجِلْدُ مَا كَانَ فِي الدِّباغ.
وبَعثت امْرَأَة من العَرب بِنْتاً لَهَا إِلَى جارتها، فَقَالَت: تَقول لَك أُمّي: أَعْطِنِي نَفْساً أَو نَفْسين أَمْعَس بِهِ مَنيئتي فإنِّي أَفِدَة.
وأَنْشد ابْن السِّكيت:
إِذا أَنْت باكَرْتَ المَنيئَة باكَرَتْ
مَداكاً لَهَا من زَعْفرانٍ وإئمِدَا
أَمن: قَالَ اللِّحيانيّ: أمِن فلانٌ يَأْمن أَمْناً، وأَمَناً، وأَمَاناً، وأَمَنَةً.
فَهُوَ آمِن؛ قَالَ الله تَعَالَى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ} (الْأَنْفَال: 11) .
نصب (أَمَنة) لِأَنَّهُ مَفْعول لَهُ، كَقَوْلِك: فعلت ذَلِك حَذَر الشَّرّ.
قَالَ ذَلِك الزجّاج.
وَقَالَ اللّحياني: رجل أُمَنَة، للَّذي يأمنه

(15/366)


الناسُ وَلَا يَخافون غائلَته.
وَيُقَال: رَجل أَمَنة، بِالْفَتْح، للَّذي يصدِّق بكُل مَا يَسمع وَلَا يكذِّب بِشَيْء.
ورُجل أَمَنةً أَيْضا: إِذا كَانَ يَطمئن إِلَى كُل أحد.
قَالَ: وَسمعت أَبَا زِيَاد يَقُول: أَنْت فِي أَمْن من ذَاك، أَي: فِي أَمَان.
وَيُقَال: آمن فلانٌ العدوَّ إِيمَانًا. فأَمِنَ يَأْمَن. والعدوّ مُؤْمَن.
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر المَدِنّي {لَسْتَ مُؤْمِناً} (النِّسَاء: 94) أَي: لَا نُؤْمنُك.
قَالَ: وَيُقَال: مَا كَانَ فلَان أمِيناً.
وَلَقَد أمُن يَأْمُن أَمانةً.
وإنّه لرجلٌ أُمّانٌ، أَي: لَهُ دِينٌ؛ وأَنْشد أَبُو عُبَيد:
وَلَقَد شَهِدْت التاجرَ الأُمَّ
انَ مَوْرُوداً شَرابُه
قَالَ اللِّحياني: رجُلٌ أَمِنٌ وأَمِينٌ: بِمَعْنى وَاحِد، وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {سِينِينَ وَهَاذَا الْبَلَدِ} (التِّين: 3) ، وتأويله: الآمِن؛ وأَنْشد:
أَلم تَعْلمي يَا أَسْمَ وَيْحك أنّني
حَلَفْتُ يَميناً لَا أخُون يَميني
يُرِيد: آمِنِي.
قَالَ شَمر: قَالَ أَبُو نصر فِي قَوْله: (التَّاجِر الأُمَّان) ، هُوَ الأمِين.
وَقَالَ بَعضهم: الأُمّان: الَّذِي لَا يكْتب، لِأَنَّهُ أُمِّيّ.
وَقَالَ بَعضهم: الأُمّان: الزرّاع.
وَأنْشد ابْن السِّكيت:
شَرِبْت من أَمْن دَوَاء المَشْي
يُدْعَى المَشُوَّ طَعْمُه كالشرْيِ
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : أَعْطَيْت فلَانا مِن أَمْن مَالِي، وَلم يفسّر.
قلت: كَأَن مَعْنَاهُ: من خَالص مَالِي، وَمن خَالص دوَاء الْمَشْي؛ قَالَ الحُوَيْدرة:
ونَقِي بآمِنِ مالِنا أَحْسَابَنا
ونُجِرّ فِي الهيَجا الرِّمَاحَ ونَدَّعِي
قلت: ونَقِي بآمِن مالنا، أَي: بخالص مالِنا.
اللَّيْث: نَاقَة أَمُون: وَهِي الأَمينة الوَثيقة.
قَالَ: وَهَذَا (فعول) جَاءَ فِي مَوضِع (مفعول) ، كَمَا يُقَال: نَاقَة عَضُوب وحَلُوب.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول القارىء بعد الْفَرَاغ من قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب (آمين) : فِيه لُغتان: تَقول الْعَرَب: أَمِين: بقصر الْألف. وآمين: بِالْمدِّ؛ وأَنشد فِي لُغة مَن قَصر:
تباعَد مِنِّي فُطْحُلٌ إِذْ سألتُه
أَمِين فَزَاد اللَّهُ مَا بَيْننَا بُعْدَا
وأَنشد فِي لُغَة مَن مَدّ (آمين) :

(15/367)


يَا ربّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أَبَداً
ويَرْحَم اللَّه عَبْداً قَالَ آمِينَا
قَالَ: ومعناهما: اللَّهُمَّ استجب، وهما موضوعان فِي مَوضِع اسْم الاستجابة، كَمَا أَن (صَهْ) موضوعٌ مَوضِع (سُكوتاً) .
قَالَ: وحقّهما من الْإِعْرَاب الْوَقْف، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْأَصْوَات، إِذْ كَانَا غير مشتقّين من فعل، إِلَّا أَن النُّون فُتحت لالتقاء الساكنين، وَلم تكسر النُّون لثقل الكَسرة بعد الْيَاء، كَمَا فتحُوا: أَيْن، وَكَيف.
قلت: يُروى عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: أَمِين: اسْم من أَسمَاء الله.
وَلَيْسَ يَصِحّ مَا قَالَ عِند أهل اللُّغَة أَنه بِمَنْزِلَة: يَا الله، وأضمر: استجب لي، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لَرُفع إِذا أُجري وَلم يكن مَنْصُوبًا.
وحَدثني المُنذري، عَن أبي بكر الخطابيّ، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف العضيضي، عَن المؤمل بن عبد الرحمان، عَن أبي أُمية، عَن سعيد المَقْبري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: آمين: خاتَمُ ربّ الْعَالمين على عباده الْمُؤمنِينَ.
قَالَ أَبُو بكر: فِي تَفْسِير قَوْله: (آمين خَاتم رب الْعَالمين) : مَعْنَاهُ: أنّه طَابع الله على عباده، لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ عَنْهُم الْآفَات والبلايا، فَكَانَ كخاتم الْكتاب الَّذِي يَصُونه وَيمْنَع من إفساده، وَإِظْهَار مَا فِيهِ لمن يكره علمه بِهِ، ووقوفه على مَا فِيهِ.
ورُوي حديثٌ آخر عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: آمين: دَرَجَة فِي الجّنة.)
قَالَ أَبُو بكر: مَعْنَاهُ: أَنه حرف يَكْتسب بِهِ قائلُه دَرَجَة فِي الجنّة.
قَالَ: وَكَانَ الْحسن إِذا سُئل عَن تَفْسِير (آمين) قَالَ: هُوَ: اللَّهُمَّ اسْتَجب.
وَقيل: معنى (آمين) : كَذَلِك تكون.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، قَالَ: الأَمِين: المؤتمن؛ وأَنْشد:
حَلَفت يَمِينا لَا أخُون أَمِيني
أَي: الَّذِي يَأْتمنني.
قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: إِذا دَعَوْت قلت: آمين، بقصر الْألف، وَإِن شِئْت طَوّلت.
وَقَالَ: وَهُوَ إِيجَاب، رب افْعل.
ورُوي من عدَّة طُرق أَن (الْأمين) اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
وَأما (الْإِيمَان) فَهُوَ مصدر: آمن يُؤمن إِيمَانًا؛ فَهُوَ مُؤمن.
وَاتفقَ أهل الْعلم من اللُّغويين وَغَيرهم أَن (الْإِيمَان) مَعْنَاهُ: التَّصْديق؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {خَبِيرٌ قَالَتِ الاَْعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ} (الحجرات: 14) .

(15/368)


وَهَذَا مَوضِع يَحتاج النَّاس إِلَى تفهّمه، وَأَيْنَ يَنْفصل المُؤمن من المُسلم، وَأَيْنَ يستويان؟
فالإسلام إِظْهَار الخُضوع والقَبول لما أَتَى بِهِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه يُحقَن الدَّم، فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك الْإِظْهَار اعْتِقَاد وتصديقٌ بِالْقَلْبِ فَذَلِك الْإِيمَان، الَّذِي يُقال للموصوف بِهِ: هُوَ مُؤمن مُسلم، وَهُوَ الْمُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله، غير مرتاب وَلَا شَاك، وَهُوَ الَّذِي يَرى أَن أَدَاء الْفَرَائِض واجبٌ عَلَيْهِ، وَأَن الْجِهَاد بِنَفسِهِ وَمَاله واجبٌ عَلَيْهِ، لَا يدْخلهُ فِي ذَلِك رَيب، فَهُوَ الْمُؤمن وَهُوَ المُسلم حقًّا؛ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) أَي: أُولَئِكَ الَّذين قَالُوا إنّا مُؤْمنون، فهم الصادقون.
فَأَما من أظهر قبُول الشَّريعة واستسلم لدفع الْمَكْرُوه، فَهُوَ فِي الظَّاهِر مُسْلم وباطنُه غَير مصدِّق، فَذَلِك الَّذِي يَقُول: أَسلمت، لِأَن الْإِيمَان لَا بدّ من أَن يكون صَاحبه لَا صدِّيقاً، لِأَن قَوْلك: آمَنت بِاللَّه، أَو قَالَ قَائِل: آمَنت بِكَذَا وَكَذَا، فَمَعْنَاه: صَدّقت، فَأخْرج الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ من الْإِيمَان، فَقَالَ: {أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى} (الحجرات: 14) ، أَي: لم تصدِّقوا إِنَّمَا أَسْلمتم تعوُّذاً من الْقَتْل.
فالمؤمن مُبطن من التَّصديق مثل مَا يُظهر، والمُسلم التامّ الْإِسْلَام مُظْهرٌ الطَّاعَة مُؤمن بهَا، وَالْمُسلم الَّذِي أظهر الْإِسْلَام تعوُّذاً غيرُ مُؤمن فِي الْحَقِيقَة، إِلَّا أنّ حُكمه فِي الظَّاهِر حُكْم المُسلمين.
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إخْوَة يُوسُف لأبيهم: {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (يُوسُف: 17) . لم يخْتَلف أهل التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْت بمصدِّق لنا.
وَالْأَصْل فِي الْإِيمَان الدُّخول فِي صِدْق الْأَمَانَة الَّتِي ائتمنه الله عَلَيْهَا، فَإِذا اعْتقد التَّصديق بِقَلْبِه كَمَا صدَّق بِلِسَانِهِ، فقد أدّى الْأَمَانَة وَهُوَ مُؤمن، وَمن لم يعْتَقد التَّصْدِيق بِقَلْبِه فَهُوَ غير مؤدَ للأمانة الَّتِي ائتمنه الله عَلَيْهَا وَهُوَ مُنافق.
وَمن زعم أَن الْإِيمَان هُوَ إِظْهَار القَوْل دون التَّصْدِيق بالقَلب، فَإِنَّهُ لَا يَخلو مِن وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون منافقاً يَنْضح عَن الْمُنَافِقين تأييداً لَهُم.
أَو يكون جَاهِلا لَا يَعلم مَا يَقوله وَمَا يُقال لَهُ، أَخرجه الْجَهْل واللَّجاج إِلَى عِناد الْحق وتَرك قَبُول الصَّوَاب.
أعاذنا الله من هَذِه الصّفة وَجَعَلنَا مِمَّن عَلم فاسْتعمل مَا عَلِم، أَو جهل فتعلّم مِمَّن علم، وسلّمنا من آفَات أهل الزَّيغ والبدع. وحَسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.

(15/369)


وَفِي قَول الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) مَا يبيّن لَك أَن (الْمُؤمن) هُوَ المُتضمن لهَذِهِ الصّفة، وَأَن من لم يتضمّن هَذِه الصّفة فَلَيْسَ بمؤُمن، لِأَن (إِنَّمَا) فِي كَلَام الْعَرَب تَجِيء لتثبيت شَيْء وَنفي مَا خَالفه. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.
وَقَالَ النَّضر: قَالُوا للخليل: مَا الْإِيمَان؟ فَقَالَ: الطُّمَأنينة.
قَالَ: وَقَالُوا للخليل: تَقول: أَنا مُؤمن؟ قَالَ: لَا أقوله. وَهَذَا تَزْكِيَة.
وَالْمُؤمن: من أَسمَاء الله تَعَالَى، الَّذِي وَحَّد نَفْسه بقوله: {وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ} (الْبَقَرَة: 163) وَبِقَوْلِهِ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ} (آل عمرَان: 18) .
وَقيل: الْمُؤمن فِي صفة الله: الَّذِي آمن الخَلْق من ظُلمه.
وَقيل: الْمُؤمن: الَّذِي آمن أولياءَه عذابَه.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَقيل: المُؤمن: الَّذِي يصدق عبادَه مَا وَعدهم.
وكُلّ هَذِه الصِّفات لله تَعَالَى، لِأَنَّهُ صَدَّق بقوله مَا دَعَا إِلَيْهِ عبادَه من تَوحيد، وَلِأَنَّهُ آمَن الخَلْق من ظلمه، وَمَا وعدنا من الْبَعْث، وَالْجنَّة لمن آمن بِهِ، وَالنَّار لمن كفر بِهِ، فَإِنَّهُ مُصدِّق وَعده لَا شريك لَهُ.
وَيُقَال: استأمنني فلَان.
فآمَنته أُومنه إِيمَانًا.
وقُرىء فِي سَجدة بَراءة: {إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} (التَّوْبَة: 12) .
فَمن قَرَأَ بِكَسْر الْألف، فَمَعْنَاه: إِنَّهُم إِذا أجارُوا وآمَنُوا المُسلمين لم يَفُوا وغَدَروا. وَالْإِيمَان، هَاهُنَا: الْإِجَارَة وَالْأَمَانَة.
حَدثنَا السَّعْدِيّ، حَدثنا البكائي، حَدثنَا عبد الله، عَن أبي هِلَال، عَن قَتَادَة، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ، وَلَا دين لمن لَا عَهْد لَهُ) .
وَيُقَال: أمّن الإِمَام والدّاعي تَأْمِيناً، إِذا قَالَ بعد الْفَرَاغ من أم الْكتاب: آمِين.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {فَوْزاً عَظِيماً إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا} (الْأَحْزَاب: 72) فقد رُوي عَن ابْن عبَّاس وسَعيد بن جُبير، أَنَّهُمَا قَالَا: الْأَمَانَة، هَاهُنَا: الْفَرَائِض الَّتِي افترضها الله على عِباده.
وَقَالَ ابْن عمر: عُرضت على آدم الطَّاعَة والمَعْصية، وعُرِّف ثَوَاب الطَّاعَة وعقاب المَعْصية.
وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ: أَن الْأَمَانَة، هَاهُنَا: النِّية الَّتِي يَعْتقدها الْإِنْسَان، لِأَن الله ائتمنه عَلَيْهَا وَلم يُظهر عَلَيْهَا أحدا من خَلقه، فَمن أَضْمر من التّوحيد والتصديق مثل مَا أظهر، فقد أدّى الْأَمَانَة، وَمن أَضْمر

(15/370)


التَّكْذِيب وَهُوَ مصدِّق باللّسان فِي الظَّاهِر، فقد حمل الْأَمَانَة وَلم يؤدّها، وكُل من خَان فِيمَا اؤتمن عَلَيْهِ فَهُوَ حَامِل.
وَالْإِنْسَان فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} (الْأَحْزَاب: 72) ، هُوَ: الْكَافِر الشاكّ الَّذِي لَا يُصدِّق، وَهُوَ الظلوم الجهول، يدلّك على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الْأَحْزَاب: 73) .
اللحياني: يُقَال: مَا آمن أَن يَجد صحابةً، إِيمَانًا، أَي: مَا وثق.
وَالْإِيمَان، عِنْده: الثِّقَة.
ابْن الْأَنْبَارِي: رجل مُؤمن: مصدِّق بِاللَّه ورُسُله.
وَآمَنت بالشَّيْء، إِذا صدّقت بِهِ، قَالَ الله تَعَالَى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (التَّوْبَة: 61) . وأَنشد:
وَمن قَبْل آمنَّا وَقد كَانَ قَوْمُنا
يُصلُّون للأوثان قبلُ محمَّدا
مَعْنَاهُ: وَمن قبل آمنّا مُحَمَّدًا، أَي: صدّقناه.
قَالَ: وَالْمُسلم: المُخلص لله الْعِبَادَة.
نمى: روينَا عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَيْسَ بالكاذب من أَصلح بَين النَّاس، فَقَالَ خيرا ونَمَى خَيْراً) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: نَميت حَدِيث فلَان إِلَى فلانٍ، أَنْميه، إِذا بلّغته على وَجه الْإِصْلَاح وَطلب الْخَيْر.
قَالَ: وَمعنى قَوْله: ونمى خيرا، أَي أَبلغ خيرا ورَفع خيرا.
وكُل شَيْء رَفَعْته، فقد نَمَيْته؛ وَمِنْه قولُ النَّابِغَة الذُّبياني:
وانْمِ القَتُود على عَيْرانةٍ أُجُدِ
قَالَ: وَلِهَذَا قيل: نَمَى الخِضابُ فِي الْيَد والشَّعر، إِنَّمَا هُوَ ارْتَفع وَعلا وَزَاد، فَهُوَ يَنْمي.
وَزعم بعض النَّاس أَن (يَنْمُو) لُغَة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وأمّا التَّنْمية، فَمن قَوْلك: نَمَّيت الحَدِيث أُنَمِّيه تَنْميةً، بِأَن يُبَلِّغ هَذَا عَن هَذَا على وَجه الْإِفْسَاد والنَّميمة.
وَهَذِه مذمومة، والأُولى مَحمودة.
وَالْعرب تفرّق بَين (نميت) مُخَفّفَة، وَبَين (نميت) مشدّدة، بِمَا وصفت، وَلَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغَة فِيه.
وَيُقَال: انتْمَى فلانٌ إِلَى فلَان، إِذا ارْتَفع إِلَيْهِ فِي النّسَب.
ونماه جَدُّه، إِذا رَفع إِلَيْهِ نسبه؛ وَمِنْه قَوْله:
نَماني إِلَى العَلْياء كُلُّ سَمْيَدع

(15/371)


وكُلّ ارْتِفَاع: انْتماء.
يُقَال: انْتَمَى فلانٌ فَوق الوسادة؛ وَمِنْه قولُ الجَعْدي:
إِذا انْتَميا فَوق الفِراش عَلاَهما
تضوُّعُ رَيّا رِيحِ مِسْكٍ وعنَبْرِ
ابْن الْأَعرَابِي: عَن المفضّل، قَالَ: يُقَال للكَرمة: إِنَّهَا لكثيرة النّوامي، وَهِي الأَغْصَان. واحدتها: نامية.
وَإِذا كَانَت الكرمة كَثِيرَة النوامي، فَهِيَ: عاطِبَة.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أرمي الصّيْد فأُصْمِي وأُنْمِي.
فَقَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيت ودَع مَا أَنْمَيْت.
والإصماء: أَن يَرْميه فيَقتله على المكَان بِعَيْنِه قبل أَن يَغِيب عَنهُ. والإنماء: أَن يرميه فيَغيب عَن عين الرّامي وَيَمُوت وَهُوَ لَا يرَاهُ، فيجده مَيتا، وَلَا يجوز أكله لِأَنَّهُ لَا يؤمَن أَن يكون قَتله غيرُ سَهمه الَّذِي رَمَاه بِهِ.
يُقَال: أَنْميت الرّميّةَ.
فَإِن أردْت أَن تجْعَل الْفِعْل للرّمِيّة، قلت: قد نَمَت تَنْمى، أَي: غَابَتْ وَارْتَفَعت إِلَى حَيْثُ لَا يَرَاهَا الرّامي.
قلت: قَالَ امْرُؤ القَيس:
فَهو لَا تَنْمِي رَمِيّته
مَا لَهُ لَا عُدّ مِن نَفَرِهْ
وَقَالَ اللَّيْث: نَمَيْت فلَانا فِي النّسَب، أَي رَفَعْته.
فانتمى فِي نَسَبه.
وتنمّى الشيءُ تَنمِّياً، إِذا ارْتَفع؛ قَالَ القُطَامِيّ:
فأَصْبح سَيْل ذَلِك قدت تنَمّى
إِلَى مَن كَانَ مَنْزِله يَفَاعَا
قَالَ: والأشياء كلّها على وَجه الأَرْض: نامٍ وصامت.
فالنامِي: مثل: النَّبَات وَالشَّجر وَنَحْوه.
والصامت: كالحجر والجَبل وَنَحْوه.
والنّامية من الْإِبِل: السَّمينة.
يُقال: نَمَت الناقةُ، إِذا سَمِنت.
سَلمة، عَن الفرّاء، قَالَ: النامية: الخَلْق؛ وَمِنْه الحَدِيث: (لَا تُمثِّلوا بنامية الله) ، أَي بخَلْقه.
وَقَالَ غيرُه: يُقَال: أَنْميتُ لفُلَان، وأَمْدَيت لَهُ، وأمْضيت لَهُ، وَتَفْسِير هَذَا: تَرْكه فِي قَلِيل الْخَطَأ حَتَّى يبلغ بِهِ أقصاه، فيُعاقب فِي مَوضِع لَا يكون لصَاحب الْخَطَأ فِيهِ عُذْر.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: النُّمِّيّ: الفَلس، بالرّومية؛ وَقَالَ النَّابِغَة الذُّبْيَاني:

(15/372)


وقارَفَتْ وَهْي لم تَجْرَبْ وباعَ لَهَا
مِن الفَصَافِص بالنُّمِّيّ سِفْسِيرُ
وَقَالَ شَمر: النُّمِّي: فُلوسٌ مِن رَصَاص.
وَقَالَ بَعضهم: مَا كَانَ من الدَّراهم فِيهِ رَصاص أَو نُحاس، فَهُوَ نُمِّي.
وَكَانَت بالحِيرة على عَهد النُّعمان بن المُنذر.
ونُمِّيّ الرَّجُل: نُحاسه وطَبْعه؛ قَالَ أَبُو وَجْزة:
وَلَوْلَا غَيره لَكَشَفْتُ عَنهُ
وَعَن نُمِّيِّه الطَّبع اللَّعِين
نوم: يُقال: نَام الرَّجُلُ يَنَام نَوْماً. فَهُوَ نَائِم، إِذا رَقَد.
ونامت الشَّاة وغيرُها من الْحَيَوَان، إِذا ماتَت.
وَفِي حَدِيث عَليّ: إِنَّه حثّ على قتال الْخَوَارِج فَقَالَ: إِذا رأيتُموهم فأَنيموهم، أَي: اقْتُلوهم.
قَالَ الْفراء: النائمة: المَيتة.
والنامية: الجُثّة.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: نَامَتْ السُّوق وحَمُقت، إِذا كَسَدت.
وَقَالَ غَيره: نَام الثَّوْب والفَرْوُ، إِذا أَخْلَق.
والمَنامة: القَطِيفة.
والمَنام: مصدر: يَنام نَوماً ومَناماً.
وَجمع (النَّائِم) : نِيام، ونُوّام، ونُوَّم، وَرجل نَوْمٌ، وَقوم نَوْمٌ، وَامْرَأَة نَوْمٌ، ورَجُلٌ نَوْمانُ: كثير النَّوْم، ورَجُلٌ نُوَمةٌ: ينَام كثيرا، ورَجُلٌ نُوَمة، إِذا كَانَ خامِل الذِّكْر.
وَفِي الحَدِيث: إنّما يَنْجُو من شَرّ ذَلِك الزَّمان كُلُّ مُؤمن نُوَمة، أُولَئِكَ مَصابِيح العُلماء.
قَالَ أَبُو عُبيد: النُّوَمة: الخامِلُ الذِّكْر الغامِض فِي النّاس، الَّذِي لَا يَعْرف الشَّرَّ وَلَا أَهْلَه.
اللَّيث: رجل نَوِيمٌ ونُوَمَة، أَي: مُغَفَّل.
وَيُقَال: اسْتَنام فلانٌ إِلَى فلَان، إِذا أَنِس بِهِ واطمأَنّ إِلَيْهِ، فَهُوَ مُسْتَنِيم إِلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: يُقَال: نامَ إِلَيْهِ، بِهَذَا المَعْنى.
وأقرأني المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي أنّه أَنشده:
فَقلت تَعَلَّم أنّني غيرُ نَائِم
إِلَى مُسْتَقِلَ بالخيانة أَنْيبَا
قَالَ: غير نَائِم، أَي: غير واثق بِهِ. والأَنْيب: الغَليظ الناب، يُخَاطب ذِئْباً.
وَقَالَ غَيره: استنام الرَّجُلُ، بِمَعْنى: تناوم شَهْوةً للنَّوم؛ وأَنْشد:
إِذا اسْتنام راعه النَّجِيّ
قَالَ شَمِر: رُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لعَلي: مَا النُّوَمة؟ فَقَالَ: الَّذِي يَسْكُن فِي

(15/373)


الفِتْنة فَلَا يَبْدو مِنْهُ شَيْء.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: هُوَ الغافل عَن الشَّرّ.
وَقيل: هُوَ الْعَاجِز عَن الأُمور.
وَقيل: هُوَ الخامل الذّكر الغامِض فِي النَّاس.
قَالَ شَمِر: وكُلّ شَيْء سَكن، فقد نَام.
وَمَا نَامَتْ السّماءُ اللَّيْلَة مَطراً.
واسْتَنام أَيْضا، إِذا سَكن؛ قَالَ العجّاج:
إِذا اسْتنام راعه النَّجِيّ
ونام المَاء، إِذا دَامَ وَقَامَ.
ومنامه، حَيْثُ يَقُوم.
نيم: عَمْرو، عَن أبِيه: النِّيم: النّعْمة التامّة.
والنِّيم: ضَرْبٌ من العِضاه؛ قَالَ الهُذليّ:
ثمَّ يَنُوش إِذا أَدَّ النَّهارُ لَهُ
بعد التّرقُّب من نِيمٍ وَمن كَتَمِ
والنِّيم والكَتَم: شجرتان من العِضَاه.
أَبُو عُبيد: عَن أبي الْحسن الْأَعرَابِي، قَالَ: النِّيم: الفَرْو.
والنِّيم أَيْضا: الدَّرَج الَّذِي فِي الرِّمال إِذا جرت عَلَيْهِ الرّيح؛ وأَنشد لذِي الرُّمّة:
حتّى انْجلى اللَّيْلُ عنّا فِي مُلَمَّعةٍ
مِثْل الأَدِيم لَهَا مِن هَبْوَةٍ نِيمُ
وَيُقَال: أَخذه نُوَام، وَهُوَ مثل السّبات يكون من داءٍ بِهِ.
أَبُو نصر: النِّيم: الفَرْو القَصِير إِلَى الصَّدْر.
قيل لَهُ: نِيم، أَي: نِصف فرو، بِالْفَارِسِيَّةِ، قَالَ رُؤبة:
وَقد أرَى ذَاك فَلَنْ يَدومَا
يُكْسَيْن من لِينِ الشَّبَابِ نِيمَا
وفُسِّر أَنه الفَرْو.
وَقيل: النِّيم: فَرْوٌ يُسَوَّى من جُلود الأرانب، وَهُوَ غالي الثَّمن.
ويُقال: فلانٌ نِيمِي، إِذا كنت تَأْنس بِهِ وتَسْكُن إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: فِي قَول الله تَعَالَى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً} (الْأَنْفَال: 43) . أَي: فِي عَيْنك.
وَقَالَ الزجّاج: رُوي عَن الْحسن أَن مَعْنَاهَا: فِي عَيْنك الَّتِي تَنام بهَا.
قَالَ: وَكثير من أهل النَّحْو ذَهَبُوا إِلَى هَذَا.
وَمَعْنَاهُ عِنْدهم: إِذْ يُريكهم الله فِي مَوضع مَنامك، أَي: فِي عَيْنك، ثمَّ حذف

(15/374)


(الْموضع) وَأقَام (الْمَنَام) مُقامَه.
وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ. وَلَكِن قد جَاءَ فِي التَّفْسِير أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُمْ فِي النَّوم قَلِيلا، وقَصّ الرُّؤيا على أَصحابه، فَقَالُوا: صدقت رُؤْياك يَا رَسُول الله.
قَالَ: وَهَذَا المَذهب أَسْوغ فِي العَرَبيّة، لِأَنَّهُ قد جَاءَ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْيُنِهِمْ} (الْأَنْفَال: 44) فدلّ هَذَا على أنّ هَذِه رُؤية الالتقاء وأنّ تِلْكَ رُؤْية النَّوم.
ابْن الْأَعرَابِي: نَام الرجل، إِذا تَواضع لله.
يمن: اللَّيْث: اليُمْن، نَظِير (البَرَكة) .
يُقَال يَمُن الرَّجُلُ، فَهُوَ مَيْمُون.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: روى سَعيد بن جُبير، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي {ك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - هيع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (مَرْيَم: 1) هُوَ: كافٍ هادٍ يَمينٌ عزيزٌ صادقٌ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فَجعل قولَه (كَاف) أول اسْم الله (كافٍ) ، وَجعل (الْهَاء) أول اسْمه (هاد) ، وَجعل (الْيَاء) أول اسْمه يَمِين، من قَوْلك: يَمَن اللَّهُ الإنْسَانَ يَيْمُنه يَمْناً ويُمْناً، فَهُوَ مَيْمون.
قَالَ: فاليمين واليامن، يكونَانِ بِمَعْنى وَاحِد، كالقدير والقادر؛ وَأنْشد قولَ رؤبة:
بَيْتَك فِي اليامن بَيْت الأيْمَن
فَجعل اسْم الْيَمين مشتقاً من (الْيمن) ، وَالله أعلم.
قَالَ: وَجعل (الْعين) : عَزِيزًا، و (الصَّاد) : صَادِقا.
قلت: واليَمين، فِي كَلَام الْعَرَب، على وُجُوه:
يُقَال لليد اليُمنى: يَمين.
وَالْيَمِين: الْقُوَّة؛ وَمِنْه قولُ الشّماخ:
رأيتُ عَرابَة الأَوْسِيّ يَسْمُو
إِلَى الخَيْرات مُنْقَطع القَرِين
إِذا مَا رايةٌ رُفِعت لِمَجْدٍ
تلّقاها عرابةُ باليَمينِ
أَي: بالقُوة.
وَقَالَ: بِمَنْزِلَة حَسَنة.
وَيُقَال: قَدِم فلانٌ على أَيْمن اليَمِين، يَعْني: اليُمْن.
قَالَ: وَقَوله (تلّقاها عرابة بِالْيَمِينِ) ، أَرَادَ: باليُمْن.
وَقيل: أَرَادَ: باليَد اليُمْنى.
وَقيل: أَرَادَ: بالقُوة والحقّ.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {يَتَسَآءَلُونَ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ} (الصافات: 28) .
قَالَ الزجّاج: هَذَا قَول الكُفَّار الَّذين أضلّوهم، أَي: كُنْتُم تَخْدعوننا بأقوى الْأَسْبَاب، فكنتم تأتوننا من قِبل الدِّين فتُروننا أنّ الدّين وَالْحق مَا تُضلوننا بِهِ.

(15/375)


وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} (الْأَعْرَاف: 17) : مِن قِبَل دِينهم.
وَقَالَ بَعضهم: لآتِينّهم من بَين أَيْديهم، أَي: لأُغْوينهم حَتَّى يكذّبوا بِمَا تقدّم من أُمور الأُمم السَّابِقَة، وَمن خَلفهم، حَتَّى يكذبوا بِأَمْر البَعث، وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم، أَي: لأُضّلنهم فِيمَا يعلمُونَ لأَمْر الكَسب، حَتَّى يُقال فِيهِ: ذَلِك بِمَا كسبت يداك، وَإِن كَانَت اليَدان لم تَجْنيا شَيْئا، لِأَن اليدَين الأَصْل فِي التصرّف، مثلا لجَمِيع مَا عُمِل بِغَيْرِهِمَا.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {لاَ تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً} (الصافات: 93) ، فَفِيهِ أقاويل:
أَحدهمَا: بيَمينه، وَقيل: بالقُوّة.
وَقيل: وبيَمينه الَّتِي حَلف حِين قَالَ: { (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 57) .
قَالَ اليزيدي: ويَمَنْت أَصْحَابِي: أَدْخلْتُ عَلَيْهِم اليُمن.
وَأَنا أيْمنهم يُمْناً ويُمْنَةً.
وشَأمتُ أَصْحَابِي: أَدْخلتُ عَلَيْهِم الشُّؤْمَ.
وَأَنا أَشْأَمهم شُؤْماً، وشَئِمت عَلَيْهِم، وَأَنا مَشْؤوم عَلَيْهِم.
قَالَ: وشأمتهم: أخذت على شَمائلهم.
ويَسرتهم: أخذت على يَسارهم، يَسْراً.
وَفِي حَدِيث عُمر حِين ذكر مَا كَانَ فِيهِ من القَشَف والقِلّة فِي جاهليَّته وأنّه وأُخْتاً لَهُ خَرَجا يَرْعيان ناضِحاً لَهما، وأنّ أُمّهما زَوَّدَتْها بِيُمَيْنَتَيْها من الهَبيد كُلّ يَوْم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَجه الْكَلَام: بيُمَيِّنَيْها بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَصغير (يَمِين) ، لَكِن قَالَ: يُمَيْنَيْها، على تَصْغِير التّرخيم.
وَإِنَّمَا قَالَ: يُمَيْنَيها، وَلم يقل: يَديها، وَلَا كَفَّيها، لِأَنَّهُ لم يُرد أَنَّهَا جَمعت كَفَّيها ثمَّ أعطتهما بِجَمِيعِ الكفّين، وَلكنه إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا أَعطت كُلّ وَاحِد كفًّا وَاحِدًا بِيَمينها، فهاتان يَمِينان.
وَقَالَ شمر: قَالَ غير أبي عُبيد: إِنَّمَا هُوَ يُمَيِّنَيْها.
قَالَ: وَهَكَذَا سمعتُ من يَزيد بن هَارُون.
قَالَ شَمر: وَالَّذِي أختاره بعد هَذَا: يُمَيْنَتَيْهَا، لِأَن (المينة) إِنَّمَا هِيَ فِعل: أَعطى يَمْنةً ويَسْرةً.
قَالَ: وسمعتُ من لَقيت من غَطَفان يتكلّمون فَيَقُولُونَ: إِذا أَهْوَيت بيَمينك مَبْسوطةً إِلَى طَعَام أَو غَيره فأعْطيت بهَا مَا حَملته مَبْسوطة فَإنَّك تَقول: أَعطاه يَمْنةً من الطَّعام؛ فَإِن أعطَاهُ بهَا مَقْبوضةً قَالَ: أعطَاهُ قَبْضةً من الطَّعَام؛ وَإِن حَثَى لَهُ بِيَدِهِ، فَهِيَ الحَثْيَة، والْحَفْنَة.
قلت: وَالصَّوَاب عِنْدِي مَا رَواه أَبُو عُبيد: يُمَيْنَتَيْها.

(15/376)


وَهُوَ صَحِيح كَمَا رَوى، وَهُوَ تَصْغِير (يَمْنَتَيْها) أَرَادَ: أَنَّهَا أَعْطَتْ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا بِيَمينها يمنةً، فصغّر (اليمنة) : يُمَيْنة، ثمَّ ثناها فَقَالَ: يُمَيْنتين.
وَهَذَا أحسن الْوُجُوه مَعَ السّماع.
وَفِي حَدِيث عُروة بن الزّبير أَنه قَالَ: لَيْمُنُك لَئِن كنت ابْتليت لقد عافَيْت، وَلَئِن كُنت أَخَذْت لقد أَبْقَيت.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله لَيْمُنُك، وأيْمُنُك، إِنَّمَا هِيَ يَمين، وَهِي كَقَوْلِهِم: يَمِين الله، كَانَ يحلفُونَ بهَا.
قَالَ امْرُؤ القَيس:
فقلتُ يَمينُ اللَّه أَبْرح قاعِداً
وَلَو ضَرَبُوا رأسِي لَدَيْك وأَوْصالِي
فَحلف بِيَمِين الله.
ثمَّ تجمع (الْيَمين) أَيْمناً؛ كَمَا قَالَ زُهير:
فتُجْمع أيمُنٌ منّا ومِنكم
بمُقْسَمة تَمُور بهَا الدِّمَاءُ
ثمَّ يحلفُونَ بأَيْمن الله فَيَقُولُونَ: وأيمن الله أفعل كَذَا وَكَذَا، وأَيْمُنك يَا رب، إِذا خَاطب ربَّه.
فعلى هَذَا قَالَ عُروة: لَيْمُنُك.
هَذَا هُوَ الأَصْل فِي (أَيمن الله) ثمَّ كثر فِي كَلَامهم وخفّ على ألسنتهم حَتَّى حَذفوا النُّون كَمَا حذفوها من (لم يكن) ، فَقَالُوا: (لم يَك) ، وَكَذَلِكَ قَالُوا: أَيم الله.
وفيهَا لُغَات سواهَا.
قلت: أحسن أَبُو عبيد فِي جَمِيع مَا قَالَ، إِلَّا أَنه لم يُفَسّر قَوْله: (أيْمُنُك) ، لم ضُمّت النُّون.
قَالَ: والعلّة فِيهَا كالعلّة فِي قَوْلهم: لعمرك، كَأَنَّهُ أُضمر فِيهَا يَمينٌ ثَان، فَقيل: وأَيْمُنك فلأَيمنكَ عَظِيمة، وَكَذَلِكَ: لَعَمْرك فَلَعَمْرك عَظِيم.
قَالَ: قَالَ ذَلِك الْفراء والأحمر.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ لَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} (النِّسَاء: 87) كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله الَّذِي لَا إلاه إِلَّا هُوَ ليجمعنَّكم.
وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تَقول: أيم الله، وهيم الله.
الأَصْل: أَيمن الله، وقَلبت الْهمزَة هَاء، فَقيل: هَيم الله.
وَرُبمَا اكتفوا بِالْمِيم وحَذفوا سَائِر الْحُرُوف، فَقَالُوا: مُ الله ليفعلنّ كَذَا.
وَهِي لُغَات كلّها، وَالْأَصْل: يَمِين الله، وأَيْمن الله.
وَقَالَ بَعضهم: قيل للحلف: يَمِين، باسم: يَمِين الْيَد، وَكَانُوا يَبْسطون أَيْمَانهم إِذا حَلفوا، أَو تحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا، وَلذَلِك قَالَ عُمر لأبي بكر: ابْسُط يدك أبَايعْك.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَإِن صَحَّ أَن (يَمِينا)

(15/377)


من أَسمَاء الله، كَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، فَهُوَ الْحلف بِاللَّه.
غير أَنِّي لم أسمع (يَمِينا) فِي أَسمَاء الله إِلَّا مَا رَوَاهُ عَطاء بن السَّائِب، عَن ابْن جُبير، عَنهُ، وَالله أعلم.
وَالْعرب تَقول: أَخذ فلَان يَمِينا وَأخذ يساراً، وَأخذ يَمْنة وأَخذ يَسْرة.
وَأَصْحَاب الميمنة فِي كتاب الله: أَصْحَاب اليَمين.
وتَيامن فلَان: أَخذ ذاتَ الْيَمين.
وتياسر: أَخذ ذَات اليَسار.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، يُقَال: يامِن بِأَصْحَابِك، وشائِم بهم، أَي: خُذ بهم يَمِينا وَشمَالًا.
وَلَا يُقَال، تيامن بهم، وَلَا تَياسر بهم.
ويُقال: تيامن القومُ وأَيْمَنُوا، إِذا أَتَوا اليَمن.
ابْن الأنباريّ: العامّة تغلط فِي معنى (تيامن) فتظن أَنه أَخذ عَن يَمينه، وَلَيْسَ كَذَلِك مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب، إِنَّمَا يَقُولُونَ: تيامَن، إِذا أَخذ نَاحيَة الْيمن، وتشاءم، إِذا أَخذ نَاحيَة الشَّام، ويامن، إِذا أَخذ عَن يَمِينه، وشاءم، إِذا أَخذ عَن شِمَاله.
قَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا نَشأت بَحْرِيّةً ثمَّ تشاءَمت فَتلك عَيْنٌ غُدَيْقَة) .
أَرَادَ: إِذا ابتدأت السّحابة من نَاحيَة البَحر ثمَّ أخذت نَاحيَة الشّام.
وَيُقَال: أشأم الرَّجُل وأيمن، إِذا أَراد الْيَمين
قَالَ: ويامن وأيمن أَيْضا، إِذا أَرَادَ اليمَنَ.
وَيُقَال: لناحية اليَمن: يَمين، ويَمَن.
وَإِذا نَسبو إِلَى (الْيَمين) قَالُوا: يَمينيّ.
وَإِذا نسبوا إِلَى (الْيمن) قَالُوا: يَمانٍ.
قَالَ: واليُمْنة، واليَمنة: ضربٌ من بُرود الْيَمين.
وَقيل لناحية الْيمن: يَمَنٌ، لِأَنَّهَا تلِي يَمِين الكَعبة.
كَمَا قيل لناحية الشَّام: شام، لِأَنَّهَا عَن شِمال الْكَعْبَة.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُقبل من تَبوك: (الْإِيمَان يَمانٍ والْحِكْمة يمانِية) .
قَالَ أَبُو عُبيد: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لأَن الْإِيمَان بَدا من مَكَّة، لِأَنَّهَا مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومبعثه، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة.
وَيُقَال: إِن مَكَّة من أرضِ تهَامَة، وتهامة من أَرض الْيمن، وَلِهَذَا سُمّي مَا ولي مَكَّة من أَرض الْيَمين واتصل بهَا: التهائم.
فمكة على هَذَا التَّفْسِير يَمَانِية، فَقَالَ: الْإِيمَان يمانٍ، على هَذَا.
وَفِيه وَجه آخر: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنى بِهَذَا القَوْل الأَنصار، لأَنهم يَمانُون، وهم نَصروا الْإِيمَان، فنُسب الْإِيمَان إِلَيْهِم.

(15/378)


وَهُوَ أحسن الوُجوه عِنْدِي.
قَالَ: وَمِمَّا يُبيِّن ذَلِك حديثُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لمّا وَفد عَلَيْهِ وَفْدُ الْيمن: (أَتَاكُم أهلُ اليَمن، هم أَلْين قلوباً وأرَق أَفْئِدَة، الْإِيمَان يَمانٍ وَالْحكمَة يمانِية) .
وَقَوْلهمْ: رَجُل يمانٍ، مَنْسُوب إِلَى (اليَمن) .
كَانَ فِي الأَصْل، يمنيّ، فزادوا ألفا قبل النُّون، وحذفوا يَاء النِّسْبة.
وتهامة، كَانَت فِي الأَصْل تَهَمة، فزادوا ألفا، فَقَالُوا تهَام.
وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه.
وَيُقَال: فلانٌ يُتَيمّن بِرَأْيهِ، أَي يُتبرَّك بِهِ.
والتَّيَمُّن: المَوت.
يُقَال: تَيمَّن فلانٌ تَيَمُّناً، إِذا مَاتَ.
وَالْأَصْل فِيهِ أَنه يُوَسَّد يمينَه إِذا ماتَ فِي قَبره؛ وَقَالَ الجعديّ:
إِذا مَا رَأَيْت الْمَرْء عَلْبَى وجِلْدَه
كضَرْحٍ قديمٍ فالتيمُّن أَرْوَحُ
عَلْبى: اشتدّ عِلباؤُه وامتدّ. والضَّرْح: الجِلْد.
وَجمع (الميمون) : ميامِين، وَقد يَمنَه الله يُمناً، فَهُوَ مَيْمُون.
وَالله اليامن، وَجمع الميمنة: مَيامن.
ينم: اليَنَمة: عُشْبة.
وَالْعرب تَقول: قَالَت اليَنَمة: أَنا اليَنَمه، أَغْبُق الصَّبِيّ بعد العَتَمه، وأكُبّ الثُّمال فَوق الأَكَمه.
اليَنَمة: عُشْبة إِذا رَعَتها الماشيةُ كَثُرت رَغْوة أَلْبَانهَا فِي قِلّة.
مأن: أَبُو سعيد: يُقَال: امْأن مَأْنك، أَي: اعْمل مَا تُحْسن.
وَيُقَال: أَنا أمأنه، أَي: أحْسنه.
وَكَذَلِكَ: أشْأَنْ شَأَنك؛ وأَنْشد:
إِذا مَا عَلِمْتُ الأَمْر أقْرَرْتُ عِلْمَه
وَلَا أَدَّعي مَا لَسْتُ أَمْأَنُه جَهْلاَ
كفى بامْرىءٍ يَوْمًا يَقُول بعِلْمه
ويَسْكُت عمّا لَيْسَ يَعْلَمه فَضْلاَ
مين: المَيْن: الكَذِب، يُقال: مان يَمين مَيْناً، فَهُوَ مائن، أَي كَاذِب.
وَفُلَان مُتماين الوُدّ، إِذا كَانَ غير صَادِق الخُلّة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ مَا ثَدْي أُمِّهم
إِلَيْنَا وَلَكِن وُدّهم مُتمايِنُ
ويروى: مُتَيامن، أَي: مائل إِلَى اليَمن.
ويُقال: مان فلانٌ أهلَه يَمُونهم مَوْناً، إِذا عالهم.

(15/379)


ومِين فلانٌ يُمَان، فَهُوَ مَمُون.
ابْن الْأَعرَابِي: مان، إِذا شَقّ الأرْض للزَّرع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المانُ: السِّكة الَّتِي يُحرث بهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التموُّن: كَثْرَة النَّفقة على العِيال.
والتَّومُّن: كَثْرَة الأَولاد.
وَقَالَ الفَرّاء: المِيناء: جَوْهر الزُّجَاج الَّذِي يُعمل الزّجاج مِنْهُ، مَمْدُود.
والمينا: الْموضع الَّذِي تُرْفأ إِلَيْهِ السُّفن، يُمد ويُقصر، وَالْقصر فِيهِ أَكثر؛ وأنْشد فِي المَدّ:
فَلَمَّا اسْتقلت مِ المَناخ جِمالُها
وأَشْرَفْن بالأَحْمال قُلْتُ سَفِينُ
تأطَّرن بالمِيناء ثمَّ جَزَعْنه
وَقد لَحّ من أَحمالهنَّ شُحُونُ
وَقَالَ الْفراء: والمينى، مَقْصُور، الْموضع الَّذِي تُرفأ إِلَيْهِ السفن، يكْتب بِالْيَاءِ.
منى: والمَنَا: بِفَتْح الْمِيم مَقْصُور: الَّذِي يُوزن بِهِ، يُكتب بالأَلف، ويثنى، فَيُقَال: مَنَوان.
قَالَه ابْن السّكيت.
قَالَ: وَيُقَال: هُوَ مِنّي بمَنَى مِيل، أَي بقَدْرِ ميل.
وَحكى الْفراء: دَاري بِمَنَى دَاره، أَي بحِذائها.
قَالَ: والمَنَى، بِالْيَاءِ: القَدَر.
وَقد مَنَى الله لَك مَا يَسُرّك، أَي قَدّر الله لَك مَا يَسُرّك؛ قَالَ صَخر الغَيّ:
لعَمْرو أَبِي عَمْرو لقد سَاقه المَنَى
إِلَى جَدَثٍ يُوزَى لَهُ بالأَهاضِبِ
أَي، سَاقه القَدَر.
وَقد مَنَى اللَّهُ لَك المَوت يَمْنيه؛ وأَنْشد:
وَلَا تقولَنْ لشيءٍ سَوف أَفْعَله
حَتَّى تُلاقِيَ مَا يَمْنِي لَك المَانِي
أَي: مَا يقُدِّر لَك الْقَادِر.
وَقَالَ الآخر:
مَنَتْ لَك أَن تُلاقِيَني المَنَايَا
أُحادَ أُحادَ فِي الشَّهر الحَلالِ
أَي: قدرت لَك الأقْدار.
ابْن الْأَنْبَارِي: أَخْبرنِي ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: قَالَ الشَّرقي بن القُطامي:
المَنايا: الأَحداث. والحِمامُ: الأَجَل. والحَتْف: القَدَر. والمَنون: الزَّمان.
اللَّيْث: المَنا: الْمَوْت. وَكَذَلِكَ: المَنِيّة.
اللِّحياني: مَناه الله بحُبها يمنيه ويَمْنوه،

(15/380)


أَي: ابتلاه بحُبها، مَنْياً ومَنْواً.
قَالَ الرُّؤَاسي وَأَبُو زيد: يُقَال: هُوَ مَناً، ومَنوان، وأَمْناء، للمِكيال الَّذِي يَكيلون بِهِ السَّمْن وَغَيره.
وَقد يكون من الْحَدِيد أَوْزَاناً.
وَبَنُو تَميم يَقُولُونَ: هُوَ: مَنٌّ، ومنَّان، وأَمْنان.
اللَّيْث: مِنى، مَقْصُور: مَوضِع مَعْرُوف بِمَكَّة.
سُمّيت (مِنى) لما يُمْنى بهَا من الدَّم، أَي: يُرَاق.
قَالَ الله تَعَالَى: {نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ} (الْقِيَامَة: 37) .
قَالَ أُبو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: المَنِي، مُشدَّد.
يُقَال: مَنَّى الرَّجُل وأَمْنَى، من المَنِيّ، بِمَعْنى.
وَرُوِيَ أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَنَى الله الشَّيْء: قَدّره. وَبِه سُميت (مِنَى) .
وَقَالَ ابْن شُميل: سُمِّي: مِنى، لِأَن الكَبْش مُنِي بِهِ، أَي: ذُبِح.
وَقَالَ ابْن عُيينة: أُخذ من (المنايا) .
وَأما (المُنى) بِضَم الْمِيم، فَجمع: المُنْية، وَهُوَ مَا يَتَمَّنى الرَّجُل. والأُمْنِيّة: أُفُعولة. وَجَمعهَا، الأمانِيّ.
وَقَالَ اللّيث: ربّما طُرحت الْألف فَقيل: مُنْية، على (فُعلة) .
وَجَمعهَا: مُنى.
وَيُقَال: أُمْنية، على: أفْعُولة.
وَيجمع أمانيّ، مُشَدّدَة الْيَاء، وأمانٍ، مخفّفة، كَمَا يُقال: أثافٍ وأثافيّ، وأضاحٍ وأضاحيّ، لجمع الأُثفية والأُضحيّة.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للناقة أول مَا تُضرب: هِيَ فِي مُنْيتها، وَذَلِكَ مَا لم يَعلموا أَبِهَا حَمْلٌ أم لَا؟
ومُنْية البِكْر: الَّتِي لم تحمل قبل ذَلِك عشر لَيَال.
ومُنية الثِّنْي، وَهُوَ الْبَطن الثَّانِي خمس عشرَة لَيْلَة.
قيل: وَهِي مُنتهى الأيّام، فَإِذا مَضت عُرف ألاقحٌ هِيَ أم غير لاقح؟
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: البِكْر من الْإِبِل تُسْتَمْنى بعد أَربع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين، والمُسِنّة بعد سَبْعَة أيّام.
قَالَ: والاستمناء أَن يَأْتِي صاحبُها فيَضرب بِيَدِهِ على صَلاها، ويَنْقُر بهَا، فَإِن اكتارَتْ بذَنبها أَو عقدت رَأسهَا وجَمعت بَين قُطْريها عُلِم أنّها لاقح.
وَقَالَ فِي قَول الشَّاعِر:

(15/381)


قَامَت تُريك لَقَاحاً بعد سابعةٍ
والعَيْنُ شاحبةٌ والقَلْب مَسْتُورُ
قَالَ: مَستور، إِذا لقحت ذهب نشاطُها.
كأنّها بصَلاها وَهِي عاقدةٌ
كَوْرُ خِمارٍ على عَذْراء مَعْجُورُ
وَقَالَ شَمر، قَالَ ابْن شُميل: تُمْتَنَى القِلاص لِسَبع خطأ، إِنَّمَا هُوَ: تَمْتتى القِلاصُ، لَا يجوز أَن يُقال: امْتَنيت الناقةَ أَمْتنيها، فَهِيَ مُمْتَناة.
قَالَ: وقُرىء على نُصير وَأَنا حَاضر، يُقَال: أَمْنَت الناقةُ، فَهِيَ تُمْني إمْناءً، فَهِيَ مُمْنية ومُمْنٍ، وامْتَنَت، فَهِيَ مُمْتنية، إِذا كَانَت فِي مُنْيتها، على أنْ الفِعل لَهَا دُون راعيها؛ وأنشدنا فِي ذَلِك لذِي الرّمة:
نَتُوجِ وَلم تُقْرف لِمَا يُمْتَنى لَهُ
إِذا نُتِجت ماتتْ وحَيَّ سَلِيلُها
فَرَوَاهُ هُوَ وَغَيره من الرُّواة: لما يُمْتنى، بِالْيَاءِ، وَلَو كَانَ كَمَا رَوى شَمر لكَانَتْ الرِّوَايَة: لما تَمْتني لَهُ.
وَقَوله: لم تُقْرف: لم تُدَان لما يُمْتنى لَهُ، أَي: لم تحمل الْحمل الَّذِي يُمْتنى لَهُ.
وَأنْشد نُصير لذِي الرّمة أَيْضا:
وحتّى اسْتبان الفَحلُ بعد امتْنائها
من الصَّيْف مَا اللَّاتِي لَقِحْن وحُولها
أَي: بعد امتنائها هِيَ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: مُنيْة النَّاقة، ومِنية النَّاقة: الْأَيَّام الَّتِي يُسْتَبرأ فِيهَا لَقاحها من حيَالها.
وَيُقَال: الناقاة فِي مُنْيَتها.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُنْية: اضْطِرَاب المَاء وامِّخاضه فِي الرَّحم قبل أَن يتغيّر فَيصير مَشِيجاً.
وَقَوله: لم تُقْرف لما يُمْتنى لَهُ: يصف البَيضة أَنَّهَا لم تُقْرف، أَي لم تجامع لما يُمتْنى لَهُ فيُحتاج إِلَى معرفَة مُنيتها.
ابْن السّكيت: قَالَ يُونُس: يُقَال: امتنى الْقَوْم، إِذا نزلُوا منى.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أمنى القومُ، إِذا نزلُوا مِنى.
عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: المُماناة: قِلّة الغَيرة على الحُرَم. والمُماناة: المداراة. والمماناة: الِانْتِظَار. والمُماناة: المُعاقبة فِي الرّكوب. والمُماناة: الْمُكَافَأَة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للدّيوث: المُماذل، والمُماني، والمُماذي.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أَنْشدني أَبُو عَمْرو:
صُلْبٍ عَصاه للمطيّ مِنْهَمِ
لَيْسَ يُمَانِي عُقَبَ التَّجَسُّمِ
قَالَ: وَيُقَال: قد مانيتك مذ الْيَوْم، أَي انْتَظَرْتُك.
والمُماناة: المُطاولة؛ قَالَ غَيلان بن حُرَيث:

(15/382)


فَإِن لَا يَكن فِيهَا هُرَارٌ فإنني
بِسلَ يُمانِيها إِلَى الحَوْل خائِفُ
وَأنْشد أَيْضا:
وجُبْتُ لمَّاعاً بَعِيد البَوْنِ
مِن أَجْلها بِفِتْيةٍ مَا نَوْنِي
أَي: عاقبوني.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المِناوة، والقِناوة: المُجازاة.
يُقَال: لأَمْنُونّك مِنَاوَتك، ولأَقْنُونَّك قِنَاوَتك.
وَقَالَ أَبُو العبّاس أَحْمد بن يحيى: التَّمنِّي: حديثُ النّفس بِمَا يكون وَبِمَا لَا يكون.
قَالَ: والتمنِّي: السُّؤال للربّ فِي الْحَوَائِج، وَفِي الحَدِيث: (إِذا تمنَّى أحدُكم فَلْيَسْتكثر فَإِنَّمَا يسْأَل ربَّه) .
قَالَ أَبُو بكر: تمنّيت الشَّيْء، أَي: قدّرته وأحببتُ أَن يَصير إليّ، من (المَنا) وَهُوَ (القَدَر) . وتَمنّى: إِذا تَلا القُرآن. وتمنَّى: كذب ووَضع حَدِيثا لَا أَصْل لَهُ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ دَأب، وَهُوَ يحدّث: هَذَا شَيْء رَوَيْته أم شَيْء تَمنَّيْته؟
مَعْنَاهُ: افتعلته واخْتلقته وَلَا أصْل لَهُ.
قَالَ: والتمنِّي: التِّلَاوَة: قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُمْنِيَّتِهِ} (الْحَج: 52) ، أَي: فِي تِلَاوَته مَا لَيس فِيهِ.
قَالَ: والتمنّي: الكَذِب.
يَقُول الرجل: وَالله مَا تمنَّيت هَذَا الْكَلَام وَلَا اخْتَلْقته.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ} (الْبَقَرَة: 78) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالُوا فِيهِ قولَين:
قيل: مَعْنَاهُ: لَا يَعْلمون الْكتاب إِلَّا تِلَاوَة.
وَقد قيل: إِلَّا أمانِي، أَي: إلاّ أكاذيب.
وَالْعرب تَقول: أَنْت إِنَّمَا تَمْتَني هَذَا القولَ، أَي: تَخْتَلقه.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون (أماني) نُسب إِلَى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ مَا لَا يَعلمه فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يتمنّاه، وَهَذَا اسْتعْمل فِي كَلَام النَّاس، فَيَقُولُونَ للَّذي يَقُول مَا لَا حَقِيقَة لَهُ وَهُوَ يُحِبهُ، هَذَا مُنى، وَهَذِه أمْنية.
قلت: والتلاوة سُمِّيت: أُمنية، لأنّ تالي الْقُرْآن إِذا مرّ بِآيَة رَحْمَة تمنّاها، وَإِذا مرّ بِآيَة عَذَاب تمنّى أَن يُوقّاه.
مَناة: اسْم صَنم كَانَ لأهل الجاهليّة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {للهوَالْعُزَّى وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ الاُْخْرَى} (النَّجْم: 20) .
وَقيل فِي قَول لَبِيد:
دَرس المَنَا بمَتالِع فأَبَان
إنّه أَرَادَ (بالمَنَا) : الْمنَازل، فرَخّمها؛ كَمَا

(15/383)


قَالَ العجّاج:
قواطناً مكّة من وُرْق الحِمَا
أَرَادَ: الْحمام.
وَيُقَال: مُنِي ببلّية، أَي: ابْتُلي بهَا، كَأَنَّمَا قُدِّرت لَهُ وقُدِّر لَهَا.
وَيُقَال: مَنيت الرجل، ومَنَوْته، أَي اخْتبرته.
ونم: أَبُو عُبيد: وَنَم الذّبابُ، وذَقَط؛ وأَنْشد:
لقد وَنَم الذُّبابُ عَلَيْهِ حتَّى
كأنّ وَنِيمه نُقَط المِدَادِ
إِنَّمَا: قَالَ النَّحويون: (إِنَّمَا) أَصْلهَا: مَا، مَنعت (إنّ) من العَمل.
وَمعنى (إِنَّمَا) إثباتٌ لما يُذكر بعْدهَا ونَفْيٌ لما سواهُ؛ كَقَوْلِه:
وَإِنَّمَا ... ... .
يُدافع عَن أَحْسابهم أَنا أَو مِثْلي
الْمَعْنى: مَا يُدافع عَن أَحسابهم إلاَّ أَنا، أَو من هُوَ مِثْلي.

(15/384)


بَاب اللفيف من حرف النُّون
ناء، نأى، أَنى، آن، وَأَن، نوى، أون، نانا، إِن، أَيْن، أَيَّانَ، الْآن، إيوَان، أَوَان، نون، وين، ونا.
ناء: ناء، بِوَزْن (ناع) .
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نُؤْت بالحِمْل، وَأَنا أَنوء بِهِ نَوءًا، إِذا نهضتَ بِهِ مُثْقَلاً.
وَيُقَال: أَناءَنِي الحِمل، أَي: نُؤْت بِهِ.
وناء النجمُ يَنُوء نوءًا، إِذا سَقَط.
وَفِي الحَدِيث: (ثَلَاث من أَمر الجاهليّة: الطَّعن فِي الأَنْساب، والنِّياحة، والأَنْواء) .
قَالَ أَبُو عبيد: الأنواء، ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجماً مَعْرُوفَة الْمطَالع فِي أَزمنة السَّنة كلهَا من الصَّيف والشتاء وَالربيع والخريف، يسْقط مِنْهَا فِي كُل ثلاثَ عشرَة لَيْلَة نجمٌ فِي الْمغرب مَعَ طُلوع الْفجْر ويَطلع آخر يُقَابله فِي المَشرق من سَاعَته، وَكِلَاهُمَا مَعْلُوم مسمًّى.
وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين كلّها مَعَ انْقِضَاء السّنة، ثمَّ يرجع الْأَمر إِلَى النَّجْم الأول مَعَ اسْتِئْنَاف السّنة المُقبلة.
وَكَانَت الْعَرَب فِي الجاهليّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر قَالُوا: لَا بُدَّ من أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر أَو ريَاح، فينسُبون كل غيث يكون عِنْد ذَلِك النَّجْم، فَيَقُولُونَ: مُطرنا بنَوْء الثريّا والدَّبَران والسِّمَاك.
فَهَذِهِ الأنواء، وَاحِدهَا: نَوْء.
قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي نَوْءاً، لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط مِنْهَا بالمَغرب ناء الطالعُ بالمَشرق، ينُوء نوءًا، أَي: نَهض وطَلع، وَذَلِكَ النُّهوض هُوَ النَّوْء، فسُمِّي النجمُ بِهِ.
وَكَذَلِكَ كُلّ ناهض بثَقل وإبطاء، فإِنه يَنُوء عِنْد نُهوضه.
وَقد يكون (النَّوء) : السُّقوط.
قَالَ: وَلم أسمع أَن (النَّوء) السُّقوط، إِلَّا فِي هَذَا الْموضع؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
تَنوء بأُخْراها فَلأياً قِيامُها
وتَمْشي الهُوَيْنَى عَن قَريبٍ فَتَبْهَرُ
قَالَ شمر: هَذِه الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ، الَّتِي أَرَادَ أَبُو عبيد، هِيَ منَازِل الْقَمَر، وَهِي معروفةٌ عِنْد الْعَرَب وَغَيرهم من الفُرس وَالروم والهند، لم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ.
قَالَ: وَقد رَأَيْتهَا بالهنديّة والرُّومية والفارسية مُتَرجمة.

(15/385)


قَالَ: وَهِي بالعربيّة فِيمَا أَخْبرنِي بِهِ ابْن الأعرابيّ: الشَّرطان، والبَطِين، والنَّجْم، والدَّبَران، والهَقْعة، والهَنْعة، والذِّرَاع، والنَّثْرة، والطَّرْف، والجَبْهة، والخراتان، والصَّرْفة، والعَوّاء، والسِّماك، والغَفْر، والزُّبَانى، والإكْليل، والقَلْب، والشَّوْلة، والنَّعائم، والبَلْدة، وسَعْد الذَّابح، وسَعْد بُلَع، وسَعْد السُّعود، وسَعْد الأَخْبية، وفَرْغَ الدَّلْو المُقَدَّم، وَفرغ الدَّلْو المؤخَّر والحُوت.
قَالَ: وَلَا تَسْتَنىء العربُ بهَا كُلها، إِنَّمَا تذكر بالأنواء بَعْضها، وَهِي مَعْرُوفَة فِي أشعارهم وكَلامهم.
وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: لَا يكون نوء حَتَّى يكون مَعَه مَطر، وَإِلَّا فَلَا نَوْء.
قَالَ: وجَمع (النوء) أنواء، ونُوآن، مثل: نُوعان؛ قَالَ ابْن أَحْمَر:
الفاضلُ الْعَادِل الْهَادِي نقِيبته
والمسْتناء إِذا مَا يَقْحط المَطَرُ
المُستناء: الَّذِي يُطْلب نَوْءُه.
قلت: مَعْنَاهُ: الَّذِي يُطْلب رِفْدُه.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: أول الْمَطَر الوسمّي؛ وأنواؤه: العَرْقوتان المُؤخَّرتان.
قلت: هما الفَرْغ المؤخّر.
ثمَّ الشَّرط، ثمَّ الثُّريّا، ثمَّ الشَّتَويّ، وأنواؤه: الجَوزاء، ثمَّ الذِّراعان ونَثْرتهما، ثمَّ الجَبْهة، وَهِي آخر الشَّتويّ وَأول الدفئي والصَّيْفيّ، ثمَّ الصيفي، وأنواؤه السماكان، الأول الأعزل وَالْآخر الرَّقيب.
وَمَا بَين السّماكين صَيْف، وَهُوَ نَحْو من أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ثمَّ الْحَمِيم، وَهُوَ نَحْو من عشْرين لَيْلَة عِنْد طُلوع الدَّبران، وَهُوَ بَين الصَّيف والخريف، وَلَيْسَ لَهُ نَوْء. ثمَّ الخريفي، وأَنواؤه: النَّسْران؛ ثمَّ الْأَخْضَر، ثمَّ عَرْقوتا الدَّلْو الأُوليان.
قلت: وهما: الفَرغ المُقدَّم.
قَالَ: وكل مَطر من الوسميّ إِلَى الدَّفئيّ رَبيع.
أَبُو عبيد: سُئل ابْن عَبَّاس عَن رجل جعل أمرَ امْرَأَته بِيَدِهَا، فَقَالَت لَهُ: أَنت طالقٌ ثَلَاثًا. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: خَطَّأ الله نَوْءَها أَلا طَلّقت نَفسهَا ثَلَاثًا.
أَي: أخطأها المَطُر.
وَمن قَالَ: خَطَّ الله نوءها، جعله من (الخَطِيطة) .
قَالَ أَبُو سعيد: معنى (النوء) النُّهوض، لَا نَوْء المَطر.
والنَّوء: نُهوض الرّجل إِلَى كل شَيْء يَطْلُبهُ، أَرَادَ: خَطّأ الله مَنْهضها ونَوْءها إِلَى كُلّ مَا تَنْويه، كَمَا تَقول: لَا سَدّد الله فلَانا لما يَطْلُب.
وَهِي امْرَأَة قَالَ لَهَا زوجُها: طلّقي نَفسك.
فَقَالَت لَهُ: طلَّقْتُك، فَلم ير ذَلِك شَيْئاً،

(15/386)


وَلَو عَقَلت لقالت: طَلقت نَفسِي.
وَقَالَ الزجّاج فِي بعض أَماليه: وَذكر قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من قَالَ: سُقينا بالنَّجم فقد آمن بالنَّجم وكَفر بِاللَّه، وَمن قَالَ سَقانا الله فقد آمَن بِاللَّه وكَفر بالنَّجم) .
قَالَ: وَمعنى: مُطرنا بِنَوْء كَذَا، أَي: مُطرنا بطُلوع نَجم وسُقوط آخر.
والنوء، على الْحَقِيقَة سُقوط نجم فِي الْمغرب وطُلوع آخر فِي الْمشرق.
فالسّاقطة فِي الْمغرب هِيَ الأَنْواء، والطالعة فِي الْمشرق هِيَ البوارح.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: النوء، ارْتِفَاع نجم من الْمشرق وسُقوط نَظِيره فِي الْمغرب، وَهُوَ نَظير القَوْل الأول.
فَإِذا قَالَ الْقَائِل: مُطرنا بِنَوْء الثُّريّا، فَإِنَّمَا تَأْوِيله: أَنه ارْتَفع نجم من المَشرق وسَقط نَظِيره فِي الْمغرب، أَي: مُطرنا بِمَا ناء بِهِ هَذَا النَّجْمُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا غَلَّظ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، لِأَن الْعَرَب كَانَت تزْعم أَن ذَلِك الْمَطَر الَّذِي جَاءَ بسُقُوط نجم هُوَ فِعل النَّجْم، وَلَا يجعلونه سُقْيا من الله، وَإِن وَافق سُقوطَ ذَلِك النَّجْم، يجْعَلُونَ النُّجوم هِيَ الفاعلة، لِأَن فِي الحَدِيث دَلِيلا على هَذَا، وَهُوَ قَوْله: (من قَالَ سُقينا بالنَّجم فقد آمن بِالنَّجْمِ وكَفر بِاللَّه) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأما من قَالَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا، وَلم يُرد ذَلِك الْمَعْنى، وَمرَاده: أَنا مُطِرْنَا فِي هَذَا الْوَقْت، وَلم يَقْصد إِلَى فعل النَّجم، فَذَلِك وَالله أعلم جَائِز، كَمَا جَاءَ عَن عمر أَنه اسْتَسْقى بالمُصَلَّى ثمَّ نَادَى العبّاسَ: كم بَقي من نوء الثريّا؟ فَقَالَ: إِن العُلماء بهَا يَزْعمُونَ أَنَّهَا تعترض فِي الأُفق سَبعاً بعد وُقُوعهَا، فوَاللَّه مَا مَضَت تِلْكَ السَّبع حَتَّى غِيث النَّاس.
فَإِنَّمَا أَرَادَ: كم بَقِي من الْوَقْت الَّذِي جَرت بِهِ العادةُ أنّه إِذا تمّ أَتَى الله بالمَطر.
قَالَ: ورُوي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الْوَاقِعَة: 82) . قَالَ: تَقولُونَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا.
قلت (مَعْنَاهُ) : وتجعلون شُكر رزقكم الَّذِي يَرزقكموه الله التَّكذيب أَنه من عِنْد الرَّزَّاق، وتجعلون الرزق من عِنْد غير الله، وَذَلِكَ كفر؛ وأمّا من جعل الرِّزق من عِنْد الله جلَّ وعزّ، وَجعل النَّجم وقتا وقّته الله تَعَالَى للغَيْث، وَلم يَجْعَل الغَيث الرَّزَّاق، رَجَوْت أَلا يكون مكذّباً، وَالله أعلم.

(15/387)

11--تهذيب اللغة محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) 

 وَهُوَ معنى مَا قَالَه أَبُو إِسحاق وَغَيره من ذَوي التَّمييز.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذِه الأنواء فِي غَيْبوبة هَذِه النُّجُوم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (الْقَصَص: 76) .
قَالَ: نَوْؤها بالعُصبة: أَن تُثقلهم.
وَالْمعْنَى: أَن مفاتحه تُنيء العُصبة، أَي: تُميلهم من ثِقلها.
فَإِذا أدخلت (الْبَاء) قلت: تنوء بهم، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {آتُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (الْكَهْف: 96) .
وَالْمعْنَى: آتوني بقِطْر أُفْرِغْ عَلَيْهِ.
فَإِذا حذفت (الْبَاء) زِدْت على الْفِعْل ألفا فِي أوّله.
قَالَ الْفراء: وَقد قَالَ رَجُلٌ من أَهل العربيّة: مَا إنّ العُصبة لَتَنوء بمَفاتحه، فحوّل الفِعْل إِلَى (المفاتح) ؛ كَمَا قَالَ الراجز:
إنّ سِراجاً لكريمٌ مَفْخَرُهْ
تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إِذا مَا تَجْهَرُهْ
وَهُوَ الَّذِي يَحْلَى بِالْعينِ، فَإِن كَانَ سُمع (آتوا) بِهَذَا، فَهُوَ وَجْه، وإلاّ فَإِن الرَّجُلَ جَهِلَ المَعنى؛ وَقد أنْشدني بعضُ الْعَرَب:
حتّى إِذا مَا التأمت مواصِلُهْ
وناء فِي شِقّ الشِّمالِ كاهِلُهْ
يَعْنِي: الرَّامِي لمّا أَخذ الْقوس ونَزع مالَ عَلَيْهَا.
قَالَ: ونرى أَن قَول الْعَرَب: مَا ساءك وناءك، من ذَلِك، إِلَّا أَنه أَلْقى الْألف، لِأَنَّهُ مُتْبَعٌ ل (سَاءَك) ؛ كَمَا قَالَت الْعَرَب: أكلت طَعَاما فهنأَني ومَرَأني.
مَعْنَاهُ، إِذا أُفرد: أَمْرأني، فَحذف مِنْهُ الْألف لما أُتْبِع مَا لَيْسَ فِيهِ الْألف، وَمَعْنَاهُ: مَا ساءك وأناءك.
قلت: وَأرى الفَرّاء عَنَى بالرَّجُل الَّذِي قَالَ إِنَّه من أهل العربّية: أَبَا الْحسن الْأَخْفَش.
قلت وأصل (النوء) المَيْل فِي شِقّ.
وَقيل: لمن نَهَضَ بِحمْلِهِ: ناء بِهِ، لِأَنَّهُ إِذا نَهض بِهِ وَهُوَ ثَقيل أناء الناهضَ، أَي: أماله.
وَكَذَلِكَ النَّجم، إِذا سَقَط، مائلٌ نَحْو مَغيبه الَّذِي يَغيب فِيهِ.
وَقَول ذِي الرّمّة فِي وَصف الْجَارِيَة:
تنوء بأُخراها
الْبَيْت مَعْنَاهُ: أَن أُخراها، وَهُوَ عَجيزتها، تُنيئها إِلَى الأرضِ لضخمها وَكَثْرَة لَحْمها فِي أردافها. وَهَذَا تَحْويل للفِعْل أَيْضا.
أَبُو زيد: يُقَال: ناء اللَّحم يَنيء نَيْئاً. وأنأتُه أَنا إناءةً، إِذا لم تُنْضجه. وَكَذَلِكَ: نَهىءَ اللَّحْمُ.

(15/388)


وَهُوَ لحمٌ بَيِّن النُّهوء والنُّيُوء، بِوَزْن (النُّيُوع) .
قلت: وَالْعرب تَقول: لحمٌ نِيّ، فيحذفون الْهمزَة، وَأَصله الهَمز.
وَالْعرب تَقول للبَّن الْمَحْض: نِيءٌ.
فَإِذا حَمُض فَهُوَ نَضيج؛ وأَنْشد الأَصمعيّ:
إِذا مَا شَئتُ باكَرني غُلامٌ
بِزقَ فِيهِ نِيءٌ أَو نَضِيجُ
قَالَ: أَرَادَ (بالنِّيء) : خمرًا لم تَمْسَسْها النارُ، وب (النَّضيج) : المَطْبوخ.
وَقَالَ شَمر: النِّيء من اللَّبن: ساعةَ يُحْلب قبل أَن يُجْعل فِي السِّقاء.
قَالَه ابْن الأعرابيّ.
قَالَ شَمر: وناء اللحمُ يَنُوء نَوْءاً ونِيًّا، لم يَهْمز (نيًّا) .
فَإِذا قَالُوا: النَّي، بِفَتْح النُّون، فَهُوَ الشَّحْم دون اللَّحم.
وأمّا النُّؤْي، بِوَزْن النّعْي، فَهُوَ الحاجز حَول الخَيْمة. وَجَمعهَا: أَنْآء.
ويُقال: إنْء نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نُعيك، إِذا أَمرته أَن يُسوِّي حول خبائه نُؤْياً مُطِيفاً بِهِ، كالطَّوْف يَصرف عَنهُ ماءَ الْمَطَر.
والنُّهيْر: الَّذِي دون النُّؤْي، هُوَ: الأتيّ.
وَمن تَرك الْهَمْز قَالَ: نَ نُؤْيَك. وللاثنين: نَيَا نُؤْيَكما. وللجماعة: نَوْا نُؤْيَكم.
وأمّا: نأى يَنْأى، بِوَزْن: نَعَى يَنْعى، فَمَعْناه: بَعُد. وَقد: أنأيته إنئاء، إِذا أَبْعدته. والنَّأْيُ: البُعْد.
وَيُقَال للرَّجل إِذا تكبّر وأَعْرض بوَجْهه: نَأَى بِجَانِبه.
وَمَعْنَاهُ: أَنه أَنأى جانبَه من وَراء، أَي: نحّاه.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} (الْإِسْرَاء: 83) ، أَي: أنأى جانِبَه عَن خالقه مُتغانياً عَنهُ مُعْرِضاً عَن عِبادته ودُعائه.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن المبرّد، أَنه أَنْشده:
أعاذلَ إِن يُصْبِح صَدَاي بِقَفْرةٍ
بَعِيداً نآنِي زائِرِي وقَرِيِبي
قَوْله: نآنِي، فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَنه بِمَعْنى: أَبعدني، كَقَوْلِك: زِدْته فَزَاد، ونَقَصْته فنقص.
وَالْوَجْه الثَّانِي فِي (نآني) بِمَعْنى: نَأى عنَّي.
وَقد قَالَ اللَّيْث: يُقال: نأيت الدمع عَن خدّي بإصبعي نَأْياً؛ وأَنْشد:
إِذا مَا الْتقينا سالَ مِن عَبَراتِنا

(15/389)


شآبِيبُ يُنْأَى سَيْلُها بالأَصابِعِ
قَالَ: والانتياء، بِوَزْن (الابتغاء) ، افتعال من (النأي) .
ويُجمع نُؤْي الخِباء: نُوًى، على فُعَل.
وَقد آنتأيت نُؤْياً.
والمُنْتأى: مَوْضِعه؛ قَالَ الطّرمّاح:
مُنتأى كالقَرْوِ رَهْنَ انْثلامِ
وَمن قَالَ: النُّؤْي: الأتيّ الَّذِي هُوَ دُون الحاجز، فقد أَخطَأ؛ قَالَ النَّابِغَة:
ونُؤْيٌ كجِذْم الحَوْضِ أَثْلم خاشِعُ
وَإِنَّمَا يَنْثلم الحاجز الأتِيّ.
وَكَذَلِكَ قَوْله:
وسَفْع على آسٍ ونُؤْي مُعَثْلَب
والمُعَثْلب: المَهْدوم، وَلَا يَنْهدم إِلَّا مَا كَانَ شاخصاً.
وَالْعرب تَقول: نأى فلانٌ يَنْأَى، إِذا بَعُد، وناء عنِّي، بِوَزْن (بَاعَ) ، على القَلْب.
وَمثله: رَآنِي فلَان، بِوَزْن (رعاني) ، وراءني، بِوَزْن (راعني) .
وَمِنْهُم من يُميل أَوله فَيَقُول: نأى وَرَأى.
ابْن السِّكيت: يُقَال، ناوأت الرَّجُل مَناوأةً ونِوَاءً، إِذا عادَيْته.
وَأَصله الْهَمْز، لِأَنَّهُ من: ناء إِلَيْك، ونُؤْت إِلَيْهِ، أَي: نَهَضَ إِلَيْك، ونَهضت إِلَيْهِ؛ وأَنشد غَيره:
إِذا أَنْت ناوأت الرِّجالَ فَلم تَنُؤْ
بقَرْنَيْن غَرَّتْك القُرونُ الكَوامِلُ
وَلَا يَسْتَوي قَرْنُ النِّطَاح الَّذِي بِهِ
تَنُوء وقَرْنٌ كلّما نُؤْت مائِلُ
والنِّواء والمُناوأة: المُعاداة.
وَفِي الحَدِيث فِي الْخَيل: ورجُلٌ رَبطها فَخْراً ورِياءً ونِواءً لأهل الْإِسْلَام، أَي: مُعاداةً لَهُم.
نأنأ: رُوي عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ: طُوبَى لمن مَاتَ فِي النَّأنأَة.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ النأنأة، مَهْمُوزَة، وَمَعْنَاهَا: أوّل الْإِسْلَام.
إِنَّمَا سُمّي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ قَبل أَن يَقْوى الْإِسْلَام وَيكثر أَهله وناصرُه، فَهُوَ عِنْد النَّاس ضَعيف، وأصل (النأنأة) الضَّعْف.
ورَجل نَأنأٌ: ضَعِيف؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
لَعَمْرك مَا سَعْدٌ بخُلّة آثِم
وَلَا نَأنإٍ عِنْد الحِفاظ وَلَا حَصِرْ
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن ذَلِك قولُ عليّ رَضِي الله عَنهُ لسُلَيمان بن صُرَد، وَكَانَ تخلّف عَنهُ يومَ الْجمل ثمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ عليّ رَضِي الله عَنهُ: تَنَأنأَت وتَراخَيْت فَكيف رَأَيْت صُنْع الله؟
قَوْله (تنأنأت) ، يُرِيد: ضَعُفت

(15/390)


واسْتَرْخَيْت.
وَقَالَ الأُموي: نأنأت الرجلَ نأنأة، إِذا نهَنهْتَه عَمَّا يُريد وكَففته، كَأَنَّهُ يُرِيد: إِنِّي حَملته على أَن ضَعف عَمَّا أَرَادَ وتراخى.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: رَجلٌ نَأنأ، ونأنَاء، بالمدِّ وَالْقصر.
وَقَالَ الْكسَائي: ناءَيت عَنْك الشَّرَّ، على (فاعلت) ، أَي: دافعت؛ وأَنْشد:
وَأَطْفَأت نيرانَ الحروب وَقد عَلَتْ
وناءَيْتُ عَنْهُم حَرْبَهم فتقرَّبوا
قَالَ: والنَّأي، لُغَة فِي: نُؤْي الدَّار.
وَكَذَلِكَ: النِّئي.
ويُجمع (النُّؤي) نُؤْيَاناً، بِوَزْن (نُعْيَاناً) ، وأَنْآء.
آن يؤون: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: آن يَؤُون أَوْناً، إِذا استراح؛ وأَنْشد:
غَيَّر يَا بِنْتَ الحُلَيْس لَوْنِي
مَرُّ اللَّيالِي واخْتِلافُ الجَوْنِ
وسَفَرٌ كَانَ قَلِيلَ الأوْنِ
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: أُنْتُ أَؤُون أَوْناً، وَهِي الرَّفاهيَة والدَّعَة.
وَهُوَ رَجُلٌ أئِن، مثل (قَاعد) ، أَي: وادِع.
ابْن السِّكيت: بَيْننا وَبَين مَكَّة عَشْر ليالٍ آئِنات، أَي: وادِعات.
ويُقال: أُن على نَفسك، أَي: ارْفُق بهَا فِي السَّير.
وَتقول لَهُ أَيْضا إِذا طاش: أُن على نَفسك، أَي: اتَّدِعْ.
وَيُقَال: أَوِّن على قَدْرك، أَي: اتَّئد على نَحْوِك.
وَقد أَوَّن تَأْوِيناً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال للعِدْلين يُعْكمَان: الأَوْنان.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَرِب حَتَّى أَوَّنَ، وحَتَّى عَدَّن، وَحَتَّى كأنّه طِرَافٌ؛ قَالَ رُؤْبة:
سِرًّا وَقد أَوَّن تَأوِينَ العُقُقْ
وصف أُتناً وَرَدت المَاء فشَربت حَتَّى امْتَلَأت خَواصرُها، فَصَارَ المَاء مثل الأَوْنين إِذا عُدِلا على الدابّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّأوُّن: امتلاء البَطن.
والتَّوؤن: ضَعْف البَدن والرأي، أَي ذَلِك كَانَ.
قلت: التّوؤّن: مَأْخُوذ من قَوْلهم: رجل وَأنٌ، وَهُوَ الأَحْمق.
رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْفراء، عَن ابْن السّكيت.
يُقَال: أَوِّنوا فِي سَيركم، أَي: اقْتَصِدوا.

(15/391)


من (الأَوْن) وَهُوَ: الرِّفْق.
وَقد أوّنت، أَي: اقْتصدت.
وَيُقَال: رِبْعٌ آئنٌ خَيْرٌ من عَبَ حَصْحاص.
قلت: الوَأْبة، بِالْبَاء: مُقاربة الخَلْق.
والوأنة، بالنُّون: الحمقاء.
ابْن السِّكيت: امْرَأَة وَأْنة، إِذا كَانَت مُقاربة الخَلْق.
وَقَالَ اللّيث: الوأنةُ؛ سَواء فِيهِ الرَّجُل وَالْمَرْأَة، يَعْني: المُقْتدر الخَلْق.
والإوان: شبه أَزَج غير مَسدود الوَجْه.
والإيوان، لُغَة؛ وَأنْشد:
إيوَان كِسْرى ذِي القِرَى والرَّيحان
وَجَمَاعَة (الإوَان) أُوُن، مثل: خِوان وخُوُن.
وَجَمَاعَة (الإيوان) : أواوين، وإيوانات؛ وأَنْشد:
شَطَّت نَوَى مَن أَهْلُه بالإيوان
قَالَ: وَجَمَاعَة إيوَان اللِّجام: إيوانات.
وَقَالَ غَيره: الإوان: من أعمدة الخِبَاء.
قَالَ: وكل شَيْء عَمدت بِهِ شَيْئا فَهُوَ: إوَان؛ قَالَ الرّاعي يَذْكر امْرأة:
تَبِيت ورِجْلاها إوانان لاسْتها
عَصَاها اسْتُها حَتَّى يكلّ قَعودُها
أَي: رِجْلاها سَندان لاستها تَعْتمد عَلَيْهِمَا. وَقَوله: عَصاها استُها، أَي: تُحرّك استها على البَعير.
اللَّيْث: الأَوان: الحَين وَالزَّمَان.
تَقول: جَاءَ أوانُ الْبرد؛ قَالَ العجّاج:
هَذَا أَوَان الجِدّ إِذْ جَدّ عُمَرْ
وَجمع، الأوان: آونة.
ابْن السِّكيت، عَن الْكسَائي، قَالَ: قَالَ ابْن جَامع: هَذَا إوان ذَلِك.
وَالْكَلَام: أَوَان ذَلِك، بِالْفَتْح.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه آئنة بعد آئنة، بِمَعْنى: آونة.
الْآن: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: الْآن، حرف بُني على الْألف وَاللَّام، وَلم يُخْلعا مِنْهُ وتُرك على مَذْهَب الصِّفة، لِأَنَّهُ صفة فِي الْمَعْنى واللَّفظ، كَمَا رَأَيْتهمْ فَعلوا ب (الَّذِي) و (اللَّذين) فتركوهما على مَذهب الأداة، وَالْألف وَاللَّام لَهما غير مُفَارقَة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فإنّ الألاء يعلمونك مِنْهُم
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أَولا) .
ثمَّ تَركهَا مخفوضةً فِي مَوضِع النصب، كَمَا كَانَت قبل أَن تدْخلهَا الْألف وَاللَّام؛ وَمثله قَوْله:

(15/392)


وإنّي حُبِسْت اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه
ببابك حتّى كَادَت الشمسُ تَغْرُبُ
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أمس) ثمَّ تَركه مخفوضاً على جِهَة (الأُلاء) ، وَمثله قَوْله:
وجُنَّ الخازِ بازِ بِهِ جُنُونا
فَمثل (الْآن) بِأَنَّهَا كَانَت مَنْصُوبَة قبل أَن تدخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ أدخلتهما فَلم يُغيِّراها.
قَالَ: وأصل (الْآن) إِنَّمَا كَانَ (أَوَان) فَحذف مِنْهُ الْألف، وغيّرت واوها إِلَى الْألف، كَمَا قَالُوا فِي (الراح) : الرِّياح؛ وأَنْشد أَبُو القَمقام:
كَأَن مَكَاكِيّ الجِواء غُدَيَّة
نَشَاوى تساقَوْا بالرِّياح المُفَلْفَل
فَجعل (الرِّياح) و (الأوان) مرّة على جِهَة (فَعَل) ، وَمرَّة على جِهَة (فعَال) كَمَا قَالُوا: زَمَن، وزَمَان.
قَالُوا: وَإِن شِئْت جعلت (الْآن) أَصْلهَا من قَوْلك: آن لَك أَن تفعل، أدخلت عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ تركتهَا على مَذْهَب (فَعَل) فَأَتَاهَا النصب من نَصْب (فَعل) ، وَهُوَ وَجه جَيد.
كَمَا قَالُوا: نَهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قِيل وَقَالَ، فَكَانَت كالاسمين، وهما مَنْصوبتان.
وَلَو خَفَضْتهما، على أَنَّهُمَا أُخرجتا من نِيّة الفِعل إِلَى نيّة الْأَسْمَاء، كَانَ صَوَابا.
وَسمعت الْعَرَب يَقُولُونَ: من شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِن شُبَ إِلَى دُبَ.
وَمَعْنَاهُ: فَعل مذ كَانَ صَغِيرا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرا.
وَقَالَ الْخَلِيل: الْآن، مبنيّ على الْفَتْح، تَقول: نَحن من الآنَ نَصيرُ إِلَيْك.
فنفتح (الْآن) لِأَن الْألف وَاللَّام إِنَّمَا يَدْخُلان لعْهدٍ، و (الْآن) لم تَعْهده قبل هَذَا الْوَقْت، فَدخلت الْألف وَاللَّام للْإِشَارَة إِلَى الْوَقْت، وَالْمعْنَى: نَحن من هَذَا الْوَقْت نَفْعل. فَلَمَّا تضمّنت معنى هَذَا وَجَب أَن تكون مَوقوفة، ففُتحت لالتقاء الساكنين، وهما الْألف وَالنُّون.
قلت: وَأنكر الزّجاج مَا قَالَ الفَراء أَن (الْآن) إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصْل (آن) ، وَأَن الْألف وَاللَّام دخلت على جِهَة الْحِكَايَة.
وَقَالَ: مَا كَانَ على جِهَة الْحِكَايَة، نَحْو قَوْلك (قَامَ) إِذا سمّيت بِهِ شَيْئا، فَجَعَلته مبنيًّا على الْفَتْح، لم تدخله الْألف وَاللَّام.
ثمَّ ذكر قَول الْخَلِيل (الْآن) مبنيّ على الْفَتْح، وذَهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قولُ سِيبويه.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله عزّ وجلّ: {الئَانَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) فِيهِ ثَلَاث لُغَات:
قَالُوا: الْآن، بِالْهَمْزَةِ وَاللَّام سَاكِنة.
وَقَالُوا: أَلان، متحركة اللَّام بِغَيْر همز، وتُفْصل، قَالُوا: مِن لاَن.

(15/393)


ولغة ثَالِثَة: قَالُوا: لانَ جِئْت بِالْحَقِّ.
قَالَ: والآن: مَنْصُوبَة النُّون، فِي جَمِيع الْحَالَات، وَإِن كَانَ قبلهَا حرف خافض، كَقَوْلِك: مِن الآنَ.
وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي (الْآن) فَقَالَ: وانتصاب (الْآن) بالمُضمر، وعلامةُ النصب فِيهِ فتحُ النُّون، وَأَصله: (الأوان) فأُسْقطت الْألف الَّتِي بعد الْوَاو، وَجعلت الْوَاو ألفا، لانفتاح مَا قَبلها.
قَالَ: وَقيل: أَصله: آن لَك أَن تفعل، فسمّى الْوَقْت بالفِعل الْمَاضِي، وَترك آخِره على الفَتْح.
قَالَ: وَيُقَال على هَذَا الْجَواب: أَنا لَا أُكَلِّمك من الآنَ يَا هَذَا، وعَلى الْجَواب الأول: من الْآن؛ وَأنْشد لأبي صَخْر:
كأنّهما مِلآنِ لم يَتغيَّرا
وَقد مَرَّ للدارَيْن من بَعدنَا عَصْر
وَقَالَ ابْن شُميل: هَذَا أَوَان الآنَ تَعلم، وَمَا جِئْت إِلَّا أوانَ الآنَ، أَي: مَا جِئْت إِلَّا الآنَ، بَنصب (الْآن) فيهمَا.
وَسَأَلَ رجلٌ ابْن عمر عَن عُثمان، قَالَ: أَنْشدك الله هَل تعلم أنّه فَرَّ يَوْم أُحد، وَغَابَ عَن بَدْر وَعَن بَيعة الرّضوان؛ فَقَالَ ابْن عمر: أمّا فرَاره يَوْم أُحد فَإِن الله عز وَجل يَقُول: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (آل عمرَان: 155) ، وأمّا غَيبته عَن بَدر، فَإِنَّهُ كَانَت عِنْده بِنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت مَرِيضَة، وَذكر عُذْره فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ تلآن مَعك.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأُموي: قَوْله (تلآن) يُرِيد: الْآن، وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة، يَزيدون التّاء فِي (الْآن) ، وَفِي (حِين) ، ويحذفون الْهمزَة الأولى، فَيُقَال: (تَلأن) ، و (تِحين) .
قَالَ: وأنْشد لأبي وَجْزة:
العاطفُون تَحينَ مَا من عاطِفٍ
والمُطْعمون زَمان مَا مِن مُطْعِمِ
وَقَالَ آخر:
وصَلّينا كَمَا زَعَمت تَلاَنا
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي والأحمر وَغَيرهمَا يَذْهبون إِلَى أَن الرِّواية: العاطفونه، فَيَقُولُونَ: جعل الْهَاء صلَة، وَهُوَ فِي وسط الْكَلَام، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إلاَّ على السَّكْت.
قَالَ: فحدّثت بِهِ الأُمويّ فأَنْكره.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَهُوَ عِنْدِي على مَا قَالَ الأُمويّ، وَلَا حُجّة لمن احْتج بِالْكتاب فِي قَوْله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) لِأَن التَّاء مُنْفصلة من (حِين) ، لأَنهم كتبُوا مثلهَا مُنْفَصِلا أَيْضا ممّا لَا يَنْبَغِي أَن يفصل كَقَوْلِه: {ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ} (الْكَهْف: 49) والّلام مُنْفصلة من (هَذَا) .
قلت: والنَّحْويون على أَن التَّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ} (ص: 3) فِي الأَصْل

(15/394)


هَاء، وَإِنَّمَا هِيَ: وَلاَه، فَصَارَت تَاء للمُرور عَلَيْهَا، كالتاآت المُؤنَّثة.
وَقد ذكرت أقاويلهم فِي بَاب (لَا) من كتاب اللَّام، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
أَبُو زَيد: الْعَرَب تَقول: مَرَرْتُ بِزَيْد الْآن، تنقل اللَّام وتكسر الدَّال وتُدغم التَّنْوِين فِي اللاّم.
أَيَّانَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النَّحْل: 21) أَي: لَا يعلمُونَ مَتى البَعْث؟
وَقَالَ الفرّاء: قَرَأَ أَبُو عَبد الرحمان السُّلمي (إيّان يُبْعثون) بِكَسْر الْألف، وَهِي لُغَة لسُلَيم.
قَالَ: وَقد سَمِعت الْعَرَب تَقول: مَتى إوان ذَاك؟ وَالْكَلَام: أَوَان.
قلت: وَلَا يجوز أَن تَقول: أَيَّانَ فعلت هَذَا؟ أَي: مَتى فعلت؟
وَقَالَ تَعَالَى: {سَاهُونَ يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} (الذاريات: 12) لَا يكون إِلَّا استفهاماً عَن الْوَقْت الَّذِي لم يَجِىء.
أَيْن: اللَّيْث: أَيْن، وَقت من الأَمْكنة.
تَقول: أَيْن فلَان؟ فَيكون مُنْتصباً فِي الْحَالَات كلهَا، مالم تَدْخله الْألف وَاللَّام.
وَقَالَ الزّجاج: أَيْن، وَكَيف: حرفان يُستفهم بهما، وَكَانَ حقّهما مَوْقُوفين فحرِّكا لِاجْتِمَاع الساكنين، ونُصبا وَلم يُخْفضا من أجل الْيَاء، لِأَن الكسرة مَعَ الْيَاء تَثْقُل والفَتحة أخَفّ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه: 69) : فِي حرف ابْن مَسْعود: أَيْن أَتَى؟
قَالَ: وَتقول الْعَرَب: جئتُك من أَيْن لَا تَعلم.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أمّا مَا حُكي عَن الْعَرَب: جئْتُك من أَيْن لَا تعلم، فَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب مَن لم يَفْهم فاستفهم، كَمَا يَقُول قَائِل: أَيْن المَاء والعُشب؟
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الأين: الإعياء وَلَيْسَ لَهُ فِعْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: آن يئين أيْناً، من الإعياء، وَأنْشد:
إنّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِر
إنّا، أَي: أَعْيَيْنا.
اللَّيْث: الأين: الإعياء، وَلَا يُشتقّ مِنْهُ فِعل إلاّ فِي الشّعْر.
شَمر، عَن أبي خَيْرة؛ والحراني، عَن ابْن السِّكيت: الأَن والأَيم: الذّكر من الحيّات.
وَقَالَ ابْن شُميل: كُل حَيّة: أَيْم، ذكرا كَانَ أَو أُنْثى.

(15/395)


وَرُبمَا شُدد فَقيل: أيّم؛ قَالَ الهُذلي:
باللَّيْل مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضّف
وَقَالَ العجاج:
وبَطْنَ أَيْم وقَواماً عُسْلُجاً
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الأُيون، والأُيوم: جمَاعَة.
أَنى: قَالَ بَعضهم: أنَّى: أَدَاة، وَلها مَعنيان:
أَحدهمَا: أَن تكون بِمَعْنى: مَتى، قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان: 165) أَي: مَتى هَذَا؟ وَكَيف هَذَا؟
وَتَكون (أنَّى) بِمَعْنى: من أَيْن؛ قَالَ الله تَعَالَى: {ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن} (سبأ: 52) .
يَقُول: من أَيْن لَهُم ذَلِك.
وَقد جَمعهمَا الشَّاعِر تَأْكِيدًا فَقَالَ:
أَنّى ومِن أَيْن آبَك الطَّرَبُ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان: 165) . يَحتمل الْوَجْهَيْنِ: قُلْتُمْ: من أَيْن هَذَا؟ وَيكون: قُلتم كَيفَ هَذَا؟
وَقَوله تَعَالَى: {قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَاذَا} (آل عمرَان: 37) أَي: من أَيْن لَك هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث: أَنى، مَعْنَاهَا: كَيفَ؟ وَمن أَيْن؟ من أَنَّى شِئْت؟ من أَين شِئْت؟
وَقَالَ فِي قَول عَلْقمة:
ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنْم مُطْعَمُه
أنَّى تَوجَّه والمَحْرومُ مَحْرُومُ
أَرَادَ: أَيْنَمَا توجَّه؟ وكيفما توجَّه؟
قَالَ ابْن الأنباريّ: وَقَرَأَ بَعضهم: { (طَعَامِهِ ط {أَنَّا صَبَبْنَا} (عبس: 25) .
قَالَ: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة قَالَ: الْوَقْف على (طَعَامه) تامّ، وَمعنى: أنَّى: أَيْن؟
إِلَّا أنّ فِيهَا كِنَايَة عَن الوُجوه، وتأويلها: من أيّ وَجْه صَبَبْنا المَاء؛ وأَنْشد:
أنّى ومِن أَين آبَك الطَّرَبُ
وَقَول الله تَعَالَى: {وَمِنْءَانَآءِ الَّيْلِ} (طه: 130) . قَالَ أهل اللُّغَة: آنَاء اللَّيْل: ساعاته. وَاحِدهَا: إنْيٌ، وإنًى.
فَمن قَالَ (إنيٌ) فَهُوَ مثل: نِحْي وأَنحاء.
وَمن قَالَ: إنًى، فَهُوَ مثل: مِعى وأَمْعاء؛ قَالَ الشَّاعِر:
بكُلّ إنْيٍ قَضَاه اللَّه يَنْتَعل
كَذَا رَوَاهُ ابْن الأنباريّ. وَقَالَ: وَاحِد: آنَاء اللَّيْل، على ثَلَاثَة أوجه: إنْي، بِسُكُون النُّون.
وإنى، بِكَسْر الْألف.
وأنًى: بِفَتْح الْألف.
وَقَوله:
فورَدَتْ قبل إنَى صحَابها

(15/396)


يُروى: إنًى، وأَنًى. وَقَالَهُ الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ الْأَخْفَش: وَاحِد (الآناء) إنْو.
وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي فِي (الإنَى) :
أَتَمّت حَملها فِي نصف شَهْر
وحَمْل الْحَامِلَات إنى طَوِيلُ
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: تأنيت الرَّجل، أَي: انتظرته وتأخّرت فِي أمره وَلم أَعْجل.
وَيُقَال: إنّ خَير فلَان لِبَطيء أَنِيّ؛ قَالَ ابْن مُقْبل:
ثمَّ احتملْن أنِيًّا بعد تضْحية
مثل المخَارِيف من جَيْلان أَو هَجَر
قَالَ: وَرجل متأنَ، أَي متمكِّث متلبِّث، أنّيت، وآنَيت.
قَالَ ابْن الأنباريّ: الأنَى، من بُلُوغ الشَّيْء مُنتهاه، مَقْصور يكْتب بِالْيَاءِ.
وَقد أَنَى يَأنِي؛ وَقَالَ:
بِيَوْم أَنًى ولِكُلّ حامِلة تمَامُ
أَي: أَدْرك وبَلغ.
وَقَوله تَعَالَى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ} (الْأَحْزَاب: 53) أَي: غير مُنْتظرين نُضْجَه وبُلوغه.
تَقول: أَنى يَأْنِي، إِذا نَضج.
وَقَالَ تَعَالَى: {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ} (الرحمان: 44) . قيل: هُوَ الَّذِي انْتهى فِي الْحَرَارَة.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { (حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ} (الغاشية: 5) أَي: مُتناهية فِي شدّة الْحَرَارَة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ} (الْحَدِيد: 16) هُوَ من: أَنى يَأنِي، وَفِيه لُغات: يُقال: أنَى لَك يَأني، وآن لَك يَئين، ونال لَك، وأنال لَك أَن تفعل كَذَا، كُله بِمَعْنى وَاحِد، وأجودها: أَنَى لَك.
قَالَ الزجّاج: وَمَعْنَاهَا كلّها: حَان لَك يَحِين.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الفَرّاء فِي اللُّغَات الثَّلَاث.
اللَّيْث، يُقَال: أَنَى الشيءُ يَأني أُنِيًّا، إِذا تأخّر عَن وَقته؛ وَمِنْه قَوْله:
والزَّاد لَا آنٍ وَلَا قَفَارُ
أَي: لَا بطيء وَلَا جَشِبٍ غير مَأدُوم.
وَمن هَذَا يُقال: تأنَّى فلَان يتأنَّى، إِذا تمكّث وانْتَظر.
قَالَ: والأَنَى، من: الأَناة والتُّؤدة، قَالَ العجّاج، فَجعله الأَناء:
طَال الأناء وزَايَل الحقّ الأَشر
وَهِي: الأَناة.
ابْن السِّكيت: الإنى من السَّاعات، وَمن بُلوغ الشَّيْء مُنتهاه، مَقصور، يُكتب بِالْيَاءِ، ويُفتح فيمدّ؛ قَالَ الحُطيئة:
وآنَيْتُ العَشَاء إِلَى سُهَيْلٍ
أَو الشِّعرى فَطال بِي الأنَاءُ
روى أَبُو سَعيد بَيت الحُطيئة:

(15/397)


وأنَّيْت العَشَاء إِلَى سُهَيل
بتَشْديد النّون.
قَالَ: وَيُقَال: أنَّيْت الطَّعامَ فِي النَّار، إِذا أَطَلْت مُكْثه.
وأنَّيْت فِي الشَّيْء، إِذا قَصّرت فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجُل جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة يتخطَّى رِقَاب النَّاس: (رأيتُك آنَيْت وآذَيْت) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: آنيت، أَي أَخَّرت الْمَجِيء وأَبْطأت.
وَمِنْه قيل للمُتمكّث فِي الأُمور: مُتأَنَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: تأنّى، إِذا رَفق. وآنَيْت، وأَنَّيت، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: يُقَال: اسْتأنَيْتَ بفلان، أَي: لم أُعْجِلْه.
وَيُقَال: اسْتَأن فِي أَمْرك، أَي: لَا تعجل؛ وأَنْشد:
اسْتأن تَظْفر فِي أمورك كلّها
وَإِذا عَزَمْت على الهَوى فتوكَّلِ
والأَناة: التُّؤَدة.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَناة من النِّساء: الَّتِي فِيهَا فُتور عَن القِيام.
والوَهْنانة، نَحْوهَا.
اللَّيث: يُقال للْمَرْأَة المُباركة الحكيمة المُواتية: أَنَاة. وَالْجمع: أَنَوات.
قَالَ: وَقَالَ أهلُ الْكُوفَة: إِنَّمَا هِيَ الوَناة، من الضَّعْف، فهمزوا الْوَاو.
وَقَالَ أَبُو الدّقَيش: هِيَ المُباركة.
والإناء، مَمْدُود: وَاحِد: الْآنِية؛ مثل: رِدَاء وأَرْدية.
ثمَّ تجمع الْآنِية: الْأَوَانِي، على فواعل، جمع (فاعلة) .
وَيُقَال: لَا تُؤْن فُرْصَتك، أَي: لَا تؤخِّرها إِذا أَمْكَنَتْك.
وكل شَيْء أَخَّرته، فقد آنَيْته.
وَقيل: امْرَأَة أَنَاة، أَي رَزِينة لَا تَصْخب وَلَا تُفْحش؛ قَالَ الشَّاعِر:
أناةٌ كأنّ المِسْك تَحت ثِيَابهَا
ورِيحَ خُزَامَى الطَّلّ فِي دَمِثِ الرَّمْل
ونى يني: اللَّيْث: الوَنَى: الفَتْرة فِي الأعْمال والأمور والتَّوانِي.
تَقول: فلانٌ لاَ يَني فِي أَمْره، أَي لَا يَفْتُر وَلَا يَعْجِز.
يُقَال: وَنَى يَنِي ونْياً، فَهُوَ وانٍ.
ويُقال: فلانٌ لَا يَنِي يَفْعل كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنى: لَا يَزال؛ وأَنْشد:
فَمَا يَنُون إِذا طافُوا بحَجِّهمُ
يهتِّكُون لِبَيْت اللَّه أَسْتَارَا
وناقة وانيةٌ، إِذا أَعْيت؛ وأَنشد:
ووانيةٍ زَجَرْتُ على وَجَاهَا
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ أَبُو العبَّاس: الوَنى: واحدته: ونِيّة، وَهِي اللّؤْلُؤة.

(15/398)


قلت: وَاحِدَة (الوَنى) : وناة، لَا: وَنِيّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَنِيّة: الدُّرّة؛ قَالَ أَوْس بن حَجَر:
فحطَّت كَمَا حَطَّت وَنِيّة تاجِرٍ
وَهَى نَظْمُها فارْفَضّ مِنْهَا الطَّوائِفُ
عَمْرو، عَن أَبِيه، هِيَ الوَنِيّة والوَناة، للدُّرّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّيت: وَنِيّة، لثَقبها.
وَقَالَ غَيره: جَارِيَة وَنَاة، كَأَنَّهَا الدُّرّة.
والوَناة: الَّتِي فِيهَا فُتور لِنَعْمتها.
نوى: اللَّيْث: النَّوَى: التَّحوُّل مِن دارٍ إِلَى دارٍ غَيرهَا، كَمَا تَنْتوي الأعرابُ فِي بادِيَتها.
وانْتَوى القومُ، إِذا انتقلوا من بَلدٍ إِلَى بَلد.
والنِّيّة، والنَّوى، وَاحِد.
والعربُ تؤّنث: النَّوى، وأَنْشد:
عَدَتْه نِيَّةٌ عَنْهَا قَذُوفُ
قَالَ الطِّرمّاح:
آذَن النَّاوِي بِبَيْنُونة
ظَلْت مِنْهَا كصَرِيع المُدَام
النَّاوِي: الَّذِي أَزْمع على التحوّل. والنَّوى: البُعد. والنَّوى: النِّيَّة.
وَهِي: النِّيَة، مُخفَّفة، وَمَعْنَاهَا: القَصْد لبلد غير الْبَلَد الَّذِي أَنت فِيهِ مُقِيم.
وفلانٌ يَنْوي وَجه كَذَا، أَي يقْصده، من سَفر أَو عَمل.
والنَّوى: الوَجه الَّذِي يَقْصده.
وفلانٌ نَواك، وَنِيَّتك، ونَواتُك؛ قَالَ الشَّاعِر:
صَرَمَتْ أُمَيمةُ خُلَّتي وصِلاَتِي
ونَوتْ ولمّا تَنْتَوي كنَواتِي
ويُقال: لي فِي بني فلانٍ نَواة، ونِيّة، أَي حَاجَة.
وَقَالَ الفرّاء: نَواك اللَّهُ، بِمَعْنى: حَفِظك الله؛ وأَنْشد:
يَا عَمْرو أَحْسِن نَواكَ الله بالرَّشَد
واقْر السَّلامَ على الأَنقاء والثَّمَدِ
قَالَ: وَقَالَ أعرابيّ من بني سُليم لابْنٍ لَهُ سمّاه (إِبْرَاهِيم) : ناويتُ بِهِ إِبْرَاهِيم، أَي: قَصدْت قَصْده فتبرّكت باسمه.
وَفِي الحَدِيث: (نّية الرّجُل خيرٌ مِن عَمله) .
وَلَيْسَ هَذَا بمخالف لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من نَوى حَسَنةً فَلم يَعْملها كُتِبت لَهُ حَسنة، ومَن عَملهَا كُتبت لَهُ عَشْراً) .
وَالْمعْنَى فِي قَوْله: (نِية الْمُؤمن خيرٌ من عمله) : أَنه يَنْوي الْإِيمَان مَا بَقِي، ويَنْوي الْعَمَل لله بِطَاعَتِهِ مَا بَقِي، وَإِنَّمَا يخلّده الله جلّ وعزّ بِهَذِهِ النيّة لَا بِعَمَلِهِ أَلا ترى أَنه إِذا آمن ونَوى الثَّبَات على الْإِيمَان وأَداء

(15/399)


الطَّاعَات مَا بَقي، وَلَو عَاشَ مائَة سنة يَعمل الطَّاعَات وَلَا نيّة لَهُ فِيهَا أَنه يعملها لله، فَهُوَ فِي النَّار.
والنّية: عَمل الْقلب، وَهِي تَنْفَع الناوي وَإِن لم يعْمل الْأَعْمَال، وأداؤها لَا يَنفعه دونهَا.
فَهَذَا معنى قَوْله: (نِيَّة الرجل خيرٌ من عمله) .
قَالَ أَبُو عُبيد: وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الرَّجل يُعْرف بالصِّدْق يُضْطَرّ إِلَى الْكَذِب، قَوْلهم: عِندَ النّوى يَكْذبك الصَّادِقُ.
وَذكر قِصَّة العَبد الَّذِي خُوطر صاحبُه على كذبه.
والنَّوَى: هَاهُنَا: مَسِير الحيّ مُتحوِّلين من دارٍ إِلَى أُخرى.
وأَخبرني المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: النِّية والنَّوى: الْوَجْه الَّذِي تُريده وتَنْويه.
قَالَ: ونَوِيّك: صاحبُك الَّذِي نِيّته نِيّتك؛ وأَنْشد:
وَقد عَلِمْت إذْ دُكين لي نَوِي
أنّ الشَّقِيّ يَنْتَحِي لَهُ الشَّقِي
قَالَ: وحَكى الفَرّاء: نَواه اللَّهُ، أَي: صَحِبه الله. وَيكون: حَفِظه الله.
قَالَ: ورجلٌ مَنْوِيٌّ، ونِيّةٌ مَنْوِيّة.
إِذا كَانَ يُصيب النُّجْعة المَحْمودَة.
وَفِي حَدِيث عَبد الرحمان بن عَوْف: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى عَلَيْهِ وَضَراً من صُفرة فَقَالَ: مَهْيَم. فَقَالَ: تَزوَّجت امْرَأَة من الْأَنْصَار على نَواةٍ من ذهب. فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَو بِشَاة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: على نواة؛ يَعْنِي: خَمْسَة دَرَاهِم، فسمَّى (نواة) ، كَمَا تُسمَّى الْأَرْبَعُونَ: أَوقيّة، وَالْعشْرُونَ نَشًّا.
وَقَالَ: حدّثني يحيى بن سعيد، عَن سُفيان، عَن مَنصور، عَن مُجَاهِد، قَالَ: الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ، والنَّشّ عشرُون، والنَّواة خَمْسَة.
قلت: وَلَفظ حَدِيث عبد الرحمان يدُلّ على أنّه تَزوّج امْرَأَة على ذَهب قِيمَته خَمْسة دَرَاهِم، أَلا ترَاهُ قَالَ: على نواة من ذَهب.
وَرَوَاهُ جماعةٌ عَن حُميد، عَن أنس. وَلَا أَدري لِمَ أَنْكره أَبُو عُبيد؟
وَقَالَ إِسْحَاق: قلت لِأَحْمَد بن حَنبل: كم وَزْن نَواة من ذَهب؟ قَالَ: ثَلَاثَة دَراهم.
قَالَ: وَقَالَ لي إِسْحَاق: النواة: خَمْسَة دَرَاهِم.
وَقَالَ المُبرد فِي تَفسير (النواة) مثلَ قَول أبي عُبيد سَوَاء.
وَقَالَ: العربُ تَعْنِي بالنّواة خَمسة دَراهم.
قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولون: على نَواة من ذَهب قِيمتُها خَمْسة دَرَاهِم، وَهُوَ

(15/400)


خطأ وَغلط.
وَقَالَ غير وَاحِد: نَوَيْت النَّوى، وأَنْوَيته، وَذَلِكَ إِذا أكلت التَّمر وَجمعت نَوَاه.
اللَّيْث: نَوَّت البُسرة، وأَنْوَت، إِذا عَقَدت نَوَاتها. وَثَلَاث نَوَيات. والجميع: النَّوَى.
قَالَ: والنَّوَى: مَخْفِض الْجَارِيَة، وَهُوَ الَّذِي يَبْقى من بَظْرها إِذا قُطِع المُتْك.
وَقَالَت أعرابّية: مَا تَرَك النَّخْجُ لنا مِن نَوًى.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا سَمِنت النَّاقة، فَهِيَ ناوِية.
وَقد نَوت تَنْوِي نَيًّا.
وهُن نُوقٌ نِوَاءٌ؛ قَالَ أَبُو النَّجم:
أَو كالمُكَسَّر لَا تَؤُوب جِيادُه
إلاّ غّوانِمَ وَهِي غَيْرُ نِوَاء
قَالَ أَبُو الدُّقَيش: النِّيّ، الِاسْم، وَهُوَ الشَّحْمُ.
والنَّيّ، هُوَ الفِعل.
يُقَال: نَوت النَّاقة نَيًّا، إِذا كثر نِيّها.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّيّ، والنِّيّ.
وَقَالَ غَيره: النِّيّ: اللَّحْم، بِكَسْر النُّون.
والنَّيّ: الشَّحم.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: النَّوى: الْحَاجَات. والوَنى: ضَعْف البَدن. وأَنْوَى الرَّجُل، إِذا كثرت أَسْفارُه. وأَنوى، إِذا تبَاعد.
وأَنْوَى، ونَوَى، ونَوَّى، إِذا أَلْقى النَّوى.
وأَنْوى، ونَوَى، ونَوَّى، من النِّيّة.
وأَنْوى، ونَوى، ونَوَّى، فِي السَّفَر. وأَنْشد:
إنّك أَنت المَحْزون فِي أَثر الْ
حَيّ فَإِن تَنْوِينّهم تُقِم
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قلت للمُفضَّل: مَا تَقول فِي هَذَا الْبَيْت؟ قَالَ: فِيهِ مَعنيان:
أَحدهمَا: يَقُول: قد نَوْوا فِراقَك فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا تُقم فَلَا تَطْلُبهْم.
وَالثَّانِي: قد نَوَوْا السَّفَر، فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا تُقِم صُدُور الْإِبِل فِي طَلبهم؛ كَمَا قَالَ الآخر:
أقِم لَهَا صُدورَها يَا بَسْبَسُ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الوَنْوة: الاسترخاء فِي العَقل. والوَنى: الضَّعْف. والنَّنّ: الشَّعر الضَّعيف.
والوَنّ: الصَّنْج الَّذِي يُضْرب بالأصابع، وَهُوَ الونج، مشتقّ من كَلَام العَجم.
أَبُو عُبيد: وَنَيْت فِي الْأَمر: فَتَرت.
وأَوْنَيْت غَيْرِي.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ نَوِيّ الْقَوْم وناويهم، ومُنْتويهم، أَي صَاحب أَمرهم

(15/401)


ورأيهم.
نون: قَالَ الله جلّ وعزّ: (ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1) .
قَالَ الْفراء: لَك أَن تُدغم النُّون وتُظهرها، وإظهارها أَعجب إليّ، لأنَّها هِجاء والهِجاء كالموقوف عَلَيْهِ وَإِن اتَّصَل.
وَمن أخفاها بناها على الاتِّصال.
وَقد قَرَأَ القُرَّاء بالوَجْهين جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن (ن) الحُوت الَّذِي دُحِيت عَلَيْهِ سَبْع أَرَضين.
وَجَاء فِي التَّفْسِير، أَن (ن) : الدَّواة.
وَلم يجىء فِي التَّفْسِير كَمَا فُسرت حُرُوف الهجاء.
قلت: (ن والقلم) لَا يجوز فِيهِ غير الهجاء، أَلا ترى أَن كُتَّاب الْمُصحف كتبوه (ن) ، وَلَو أُرِيد بِهِ: الدواة والحوت، لكُتب: نون.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي بَاب إخفاء النّون وإظهارها: النّون، مَجهورة ذَات غُنّة، وَهِي تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم خَاصَّة، وَتبين مَعَ حُرُوف الْحلق عَامَّة، وَإِنَّمَا خفيت مَعَ حُرُوف الْفَم لقربها مِنْهَا، وَبَانَتْ مَعَ حُرُوف الْحلق لبُعدها مِنْهَا.
وَكَانَ أَبُو عَمْرو يخفي النُّون عِنْد الْحُرُوف الَّتِي تُقاربها، وَذَلِكَ أَنَّهَا من حُروف الْفَم، كَقَوْلِك: من قَالَ؟ وَمن كَانَ؟ وَمن جَاءَ؟ قَالَ الله تَعَالَى {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ} (الْأَنْعَام: 160) على الْإخْفَاء.
وَأما بَيَانهَا عِنْد حُرُوف الْحلق السّتة، فَإِن هَذِه السِّتَّة تَبَاعَدت من مَخرجها وَلم تكن مِن قَبيلتها وَلَا من حيِّزها، فَلم تخف فِيهَا كَمَا أَنَّهَا لم تُدْغم فِيهَا.
وكما أَن حُرُوف اللِّسَان لَا تُدغم فِي حُرُوف الحَلق لبُعدها مِنْهَا، وَإِنَّمَا أُخْفيت مَعَ حُرُوف الْفَم كَمَا أُدغمت اللَّام وَأَخَوَاتهَا، كَقَوْلِك: من أَجلك، من هُنَا، من خَافَ، من حرم زِينَة الله، من عليّ، من عَلَيْك.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يُجري الْغَيْن وَالْخَاء مجْرى الْقَاف وَالْكَاف فِي إخفاء النُّون مَعَهُمَا.
وَقد حَكَاهُ النَّضر عَن الْخَلِيل.
قَالَ: وَإِلَيْهِ ذهب سِيبويه.
قَالَ الله تَعَالَى: {) تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} (الرحمان: 46) إِن شِئْت أَخفيت، وَإِن شِئْت أَبَنْت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النُّونة: الْكَلِمَة مِن الصَّواب.
والنُّونة: النُّقْبة الَّتِي تكون فِي ذَقَن الصّبيّ الصَّغير.
وَفِي حَدِيث عُثْمَان أَنه رأى صَبِيًّا مَلِيحاً فَقَالَ: وسِّموا نُونته، أَي: سَوِّدوها لِئَلَّا تُصيبه العَين.

(15/402)


وَذُو النُّون: سيفٌ كَانَ لمَالِك بن زُهير، أخي قيس بن زُهَيْر، فَقتله حَمل بن بَدْر وَأخذ مِنْهُ سيفَه (ذَا النُّون) ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الهَباءة قتل الْحَارِث بن زُهير حَمَل بن بدر وَأخذ مِنْهُ ذَا النُّون، وَفِيه يَقُول الْحَارِث:
ويُخبرهم مكانُ النُّون منِّي
وَمَا أُعطيتُه عَرَق الخِلاَلِ
أَي: مَا أُعطيته مُكَافَأَة وَلَا مَودَّة، وَلَكِنِّي قتلت حَملاً وأخذتُه مِنْهُ قَسْراً.
وَقَول الله تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} (الْأَنْبِيَاء: 87) هُوَ: يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام، سمّاه الله (ذَا النُّون) لِأَنَّهُ حَبسه فِي جَوف الْحُوت الَّذِي التقمه.
والنُّون: الحُوت.
وَيُقَال للسَّيف العَريض الْمَعْطُوف طَرَفي الظُّبة: ذُو النُّونَيْن؛ وَمِنْه قَوْله:
قَرَيْتُك فِي الشَّريط إِذا التَقَيْنَا
وَذُو النّونيْن يومَ الحَرْب زَيْني
والتَّنْوين: تَنْوِين الِاسْم إِذا أَجْرَيته.
أَن: قَالَ أَبُو زيد: أنّ الرّجُل يَئِن أَنِيناً، وأَنَت يَأنِت أَنِيتاً، ونَأَتَ يَنْئِت نَئِيتاً، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: رَجُلٌ أُنَنَة: كثير الْكَلَام والبَثّ والشُّكْوى. وَلَا يُشْتقّ مِنْهُ فِعْل.
وَمن (الأنين) يُقال: أنّ يَئِن أَنِيناً، وأَنًّا، وأَنَّةً.
وَإِذا أَمَرْت قُلت: إينَنْ، لِأَن الهمزتين إِذا الْتقتا فسَكنت الأخيرةُ اجْتمعوا على تَلْيِينها.
وَأما فِي الْأَمر الثَّانِي فإِنه إِذا سكنت الْهمزَة بَقي النُّون مَعَ الْهمزَة وَذَهَبت الْهمزَة الأولى.
وَيُقَال للْمَرْأَة: إنّي، كَمَا يُقال للرُّجل: اقْرِرْ، وللمرأة: قِرّي.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أنَّ الماءَ يُؤنّه، إِذا صَبَّه.
وَفِي بعض أَخْبَار الْعَرَب: أُنّ مَاء ثمَّ أَغْلِه، أَي: صُبَّه وأَغْلِه.
ابْن السِّكيت: يُقال: مَا لَهُ حانّة وَلَا آنَّة، أَي مَا لَهُ نَاقَة وَلَا شَاة.
قَالَ: وَيُقَال: لَا أَفعلهُ بِمَا أنّ فِي السَّمَاء نَجْمٌ، أَي: مَا كَانَ فِي السَّمَاء نجم؛ وَمَا عَنّ فِي السَّمَاء نجم، أَي: مَا عَرض؛ وَبِمَا أنّ فِي الفُرات قَطرة، أَي: مَا كَانَ فِي الفُرات قَطْرَة.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إنّ طول الصَّلَاة وقِصَر الخُطْبة مَئِنّة من فِقْه الرَّجُل، أَي: بَيَان مِنْهُ.
قَالَ أَبُو زيد: إِنَّه لَمِئّنة أَن يَفعل ذَلِك، وَإِنَّهَا وإنهن لمِئَّنة أَن يَفْعَلُوا ذَلِك، بِمَعْنى: لخليق أَن يَفْعَلُوا ذَلِك: وأَنْشد:
ومَنزل من هَوَى جُمْلٍ نزلتُ بِهِ
مَئِنّة من مَراصيد المَئِنّاتِ

(15/403)


بِهِ تجاوزتُ عَن أولى وكائِده
إنّي كَذَلِك رَكّاب الحَشِيّاتِ
أولى، حِكَايَة عَمْرو، عَن أَبِيه.
الأنّة والمَئِنة، والعَدْقة، والشَّوّزب، وَاحِد؛ وَقَالَ دُكَين:
يَسْقِي على دَرّاجة خَرُوس
مَعْصُوبة بَين رَكايا شُوسِ
مَئِنَّة مِنْ قَلَتِ النّفوسِ
يُقَال: مَكَان من هَلاك النُّفُوس. وَقَوله: مَكَان من هَلَاك النُّفُوس: تَفْسِير لِمئِنّة، ودلّ ذَلِك على أَنه بِمَنْزِلَة (مَظِنّة) والخَروس: البَكْرة الَّتِي لَيست بصافية الصَّوْت. والجَروس، بِالْجِيم: الَّتِي لَهَا صَوت.
وَقَالَ أَبو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلَني شُعبة عَن (مَئِنّة) ، فَقلت: هُوَ كَقَوْلِك عَلامَة، وخليق.
قَالَ أَبُو زيد: هُوَ كَقَوْلِك: مَخْلقة، ومَجْدَرة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يَعني أَن هَذَا مِمَّا يُعْرف بِهِ فِقه الرجل ويُستدلّ بِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: وكل شَيْء دلّك على شَيْء فَهُوَ مَئِنَّة لَهُ؛ وأَنشد للمَرّار:
فتَهامَسُوا سِرًّا فَقَالُوا عَرِّسُوا
من غَيْر تَمْئِنة لغير مُعَرَّسِ
قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي، وَأبي زيد، فِي تَفْسِير المَئِنّة، صَحِيح، وَأما احتجاجه بِرَأْيهِ بِبَيْت المَرّار فِي التَّمْئنة للمَئِنّة، فَهُوَ غَلط وسَهو؛ لِأَن الْمِيم فِي (التمئنة) أَصْلِيَّة، وَهِي فِي (مئنّة) مَفْعلة لَيست بأَصلية.
وَقد فسرت بَيت المَرّار فِي بَاب (مأن) .
وَأما (مئنة) فَإِن اللحياني قَالَ: هُوَ مَئِنّة أَن يفعل ذَلِك، ومَظِنَّة أَن يفعل ذَلِك، وأَنْشد:
إنّ اكْتحالا بالنَّقِيِّ الأَبْلج
ونَظَراً فِي الحاجِب المُزجَّجِ
مَئِنّة من الفَعال الأعْوج
فَكَانَ (مَئِنّة) عِنْد اللّحياني مُبدل الْهمزَة فِيهَا من الظَّاء فِي (المظنة) ، لِأَنَّهُ ذكر حروفاً تُعاقب فِيهَا الظَّاء الْهمزَة، مِنْهَا قَوْلهم: بَيت حَسن الأَهْرة والظَّهرة، وَقد أَفر وظَفر، أَي: وَثب.
إِن: قَالَ اللَّيْث: قَالَ الْخَلِيل: (إِن) الثَّقِيلَة تكون مَنْصُوبَة الْألف، وَتَكون مَكْسُورَة الْألف، وَهِي الَّتِي تَنْصب الْأَسْمَاء.
قَالَ: وَإِذا كَانَت مُبتدأة لَيْسَ قبلهَا شيءٌ يُعتمد عَلَيْهِ، أَو كَانَت مُستأنفة بعد كَلَام قديم ومَضى، أَو جَاءَت بعْدهَا لَام مُؤَكدَة يُعْتمد عَلَيْهَا، كُسرت الْألف، وَفِيمَا سوى ذَلِك تُنصب الْألف.
وَقَالَ الفرّاء فِي (أنّ) إِذا جَاءَت بعد القَوْل وَمَا تصرّف من القَوْل، وَكَانَت حِكَايَة لم يَقع عَلَيْهَا القولُ وَمَا تصرف مِنْهُ، فَهِيَ

(15/404)


مَكْسُورَة، وَإِن كَانَت تَفْسيراً لِلْقَوْلِ نَصَبتها، وَذَلِكَ مثل قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً} (يُونُس: 65) .
وَكَذَلِكَ المَعنى اسْتِئْنَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (النِّسَاء: 157) كسرتها، لِأَنَّهَا بعد القَوْل على الْحِكَايَة.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ} (الْمَائِدَة: 117) فَإنَّك فَتحت الْألف، لِأَنَّهَا مُفَسَّرة ل (مَا) ، و (مَا) قد وَقع عَلَيْهَا القولُ فنصبها، وموضعها نَصْب.
وَمثله فِي الْكَلَام: قد قلت لَك كلَاما حَسناً أنّ أَبَاك شريفٌ، وأنَّك عَاقل، فتحت (أنّ) لِأَنَّهَا فَسَّرت الْكَلَام، وَالْكَلَام مَنْصوب.
وَلَو أردْت تَكْرِير القَوْل عَلَيْهَا كَسَرْتها.
قَالَ: وَقد تكون (إنّ) بعد القَوْل مَفْتُوحَة، إِذا كَانَ القَوْل يُرافعها؛ من ذَلِك أَن تَقول: قولُ عبد الله مُذ الْيَوْم أنّ النَّاس خارجون، كَمَا تَقول: قولُك مُذ الْيَوْم كلامٌ لَا يُفْهم.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا وَقعت (إنّ) على الْأَسْمَاء والصِّفات فَهِيَ مُشدَّدة.
وَإِذا وَقعت على فعل أَو حرف لَا يتَمَكَّن فِي صِفة أَو تَصريف فخفِّفها، تَقول: بَلغنِي أَن قد كَانَ كَذَا وَكَذَا، تخفّف من أجل (كَانَ) ، لِأَنَّهَا فِعل، وَلَوْلَا قد لم تَحْسن على حَال من الفِعل حَتَّى تعتمد على (مَا) أَو على (الْهَاء) ، كَقَوْلِك: إِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ غَائِبا، وَبَلغنِي أَنه كَانَ أَخُو بكر غنِيًّا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَنه كَانَ كَذَا وَكَذَا، تشدِّدها إِذا اعتمدَتْ.
وَمن ذَلِك قَوْلك: إنْ رُبّ رجل، فتخفّف.
فَإِذا اعتمدَت قلت: إِنَّه رُبّ رجُل، شدَّدْت.
وَهِي مَعَ الصّفات مشدّدة: إنّ لَك، وإنّ فِيهَا، وإنّ بك، وأَشَباهها.
قَالَ: وللعرب لُغَتَانِ فِي (إنّ) الْمُشَدّدَة:
إِحْدَاهمَا التَّثقيل، وَالْأُخْرَى التَّخْفِيف.
فأمّا من خَفّف فَإِنَّهُ يَرفع بهَا.
إِلَّا أَن نَاسا من أهل الْحجاز يخفِّفون ويَنصبون على توُّهم الثَّقِيلَة.
وقرىء: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111) خفَّفوا ونَصبوا.
وأنْشد الفَرّاء فِي تَخْفيفها مَعَ المُضْمر:
فَلَو أَنْك فِي يومِ الرَّخاء سأَلْتني
فِراقَك لم أَبْخل وَأَنت صَدِيقُ
وأنْشد القولَ الآخر:

(15/405)


لقد عَلِم الضَّيْفُ والمُرْمِلون
إِذا اغْبرّ أفْقٌ وهَبّت شَمالا
بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ
وقِدْماً هُناك تكون الثِّمالا
وَقَالَ أَبُو طَالب النّحوي، فِيمَا رَوى عَنهُ المُنذري، قَالَ: أهلُ الْبَصْرَة غير سِيبَوَيْهٍ وذَويه يَقُولُونَ: إنّ الْعَرَب تخفِّف (أَن) الشَّدِيدَة وتُعملها؛ وأَنشدوا:
ووَجْهٍ مُشْرق النَّحْر
كأنْ ثَدْيَيه حُقّانِ
أَرَادَ (كأنّ) فخفَّف وأَعمل.
وَقَالَ الفَرّاء: لم نسْمع الْعَرَب تُخفّف (أَن) وتُعملها إلاّ مَعَ المَكنّى، لِأَنَّهُ لَا يتبيّن فِيهِ إِعْرَاب، فأمّا فِي الظَّاهِر فَلَا.
وَلَكِن إِذا خفّفوها رَفَعوا
وأمّا من خَفف: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فإِنهم نَصبوا {أَخْلَدَهُ} ب {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ، كَأَنَّهُ قَالَ: (وَإِن ليوفينهم كُلا) .
قَالَ: وَلَو رُفعت (كل) لصَلح ذَلِك، تَقول: إنْ زيدٌ لقائم.
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام

(15/406)


وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ} (التَّوْبَة: 23) .
من خَفضها جعلهَا فِي مَوضِع (إِذا) .
ومَن فتحهَا جعلهَا فِي مَوضِع (إِذْ) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن} (الْأَعْلَى: 9) .
قَالَ: (إِن) فِي معنى (قد) .
وَقَالَ أَبُو العبّاس، العربُ تَقول: إِن قَامَ زيد، بِمَعْنى قد قَامَ زيد.
وَقَالَ الْكسَائي: سمعتُهم يَقُولُونَهُ فظننته شرطا، فسألتهم فَقَالُوا: نُرِيد: قد قَامَ زيد، وَلَا نُرِيد: مَا قَامَ زيد.
وَقَالَ الْفراء: (إِن) الْخَفِيفَة أُمّ الْجَزاء، وَالْعرب تُجازي بحروف الِاسْتِفْهَام كُلّها وتجزم الْفِعْلَيْنِ: الشَّرْط وَالْجَزَاء، إِلَّا (الْألف) و (هَل) ، فَإِنَّهُمَا يَرفعان مَا يليهما.

(15/407)


وَسُئِلَ ثَعلب: إِذا قَالَ الرّجل لامْرَأَته: إِن دخلت الدَّار، إِن كلمت أَخَاك، فَأَنت طَالِق، مَتى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذا فعلتهما جَمِيعًا. قيل لَهُ: لِم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قد جَاءَ بشَرطين. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق إِن احمرّ البُسْر. فَقَالَ: هَذِه مسألةُ محَال، لأنّ البُسر لَا بُدّ من أَن يَحمرّ. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ: أَنْت طَالِق إِذا احْمَرّ البُسر. قَالَ: هَذَا شَرط صَحِيح، تطلُق إِذا احمرّ البُسر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيمَا أثْبت لنا عَنهُ: إنْ قَالَ الرَّجُل لامْرَأَته: أنتِ طَالِق إِن لم أُطلِّقك، لم يَحْنث حَتَّى يُعلم أنّه لَا يُطلِّقها بِمَوْتِهِ أَو بموتها.
وَهُوَ قَول الكوفيّين.
وَلَو قَالَ: إِذا لم أطلّقك، وَمَتى مَا لم أُطلّقك، فَأَنت طَالِق، فَسكت مُدّة يُمكنهُ فِيهَا الطَّلَاق، طُلّقت.
أَنا: للْعَرَب فِي (أَنا) لُغات، وأجودها: أنّك إِذا وَقَفْت عَلَيْهَا قُلت: أنَا، بِوَزْن (عَنَا) .
وَإِذا مَضَيت عَلَيْهَا قلت: أَنَ فَعَلْت ذَاك، بِوَزْن: عَنَ فَعَلْت ذَاك.
تُحرِّك النُّون فِي الوَصل وَهِي سَاكِنة من مثله فِي الْأَسْمَاء غير المتمكِّنة، مثل: (من) و (كم) إِذا تَحرّك مَا قبلهَا.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَنا فعلت ذَاك، فَيثبت الْألف فِي الْوَصْل وَلَا يُنوّن.
وَمِنْهُم من يسكّن النُّون، وَهِي قَليلَة، فَيَقُول: أنْ قُلت ذَاك.
وقُضاعة تَمُدّ الْألف الأُولى: آنَ قُلته؛ قَالَ عَدِيّ:
يَا لَيت شعري آنَ ذُو عَجّةٍ
مَتَى أرى شَرْباً حوالَي أَصِيصْ
وَقَالَ العُدَيل فِيمَن يُثبت الْألف:
أَنا عَدْل الطِّعان لمن بَغَانِي
أَنا العَدْل المُبيِّن فاعْرفونِي
و (أَنا) لَا تَثْنية لَهُ من لَفظه إِلَّا ب (نَحن) ، ويَصلح (نَحن) فِي التّثنية وَالْجمع.
فَإِن قيل: لمَ ثَنَّوا (أَنْت) فَقَالُوا: أَنْتُمَا، وَلم يثنوا (أَنا) .
قيل: لمَا لم تجز: أَنا وَأَنا، لرجُل آخر، لم يُثنّوا.
وَأما (أَنْت) فثنّوه (بأنتما) لِأَنَّك تُجيز أَن تقولَ لرجلٍ: أَنْت وَأَنت، لآخر مَعَه، فَلذَلِك ثُنِّي.
وَأما (إنّي) فتثنية (إِنَّا) ، وَكَانَ فِي الأَصْل: إنّنا، فكثرت النونات، فحذفت إِحْدَاهَا، وَقيل: إنّا.
وَقَوله عزّ وجلّ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ} (سبأ: 24) . الْمَعْنى: إنّنا وَإِنَّكُمْ، فعطف (إيَّاكُمْ) على الِاسْم فِي قَوْله (إنّا) على النُّون وَالْألف، كَمَا تَقول: إِنِّي وإيّاك. مَعْنَاهُ: إنّي وإنّك، فافهمه؛ وَقَالَ:

(15/408)


إنّا اقْتَسمنا خُطّتَيْنا بعدكم
فحملتُ بَرّة واحْتملت فجارِ
(إِنَّا) تَثْنِيَة (إِنِّي) فِي الْبَيْت.
نِينَوَى: اسْم قَرْيَة مَعْروفة تُتاخم كَرْبلاء.
وين: الوَيْنة: العِنَبة السَّوداء. وَجمعه: الوَيْن؛ وأَنْشد:
كَأَنَّهُ الوَيْن إِذْ يُجْنى الوَيْن
يَصف شَعْر امرأَة.
يين: قَالَ أَبُو عَمْرو: يَيَن: اسْم مَوضع.
النُّون: اللَّيْث: النُّون حرف فِيهِ نونان بَينهمَا وَاو، وَهِي مدّة.
وَلَو قيل فِي الشّعْر: نن، كَانَ صَوَابا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو (نون) جزما.
وَقَرَأَ أَبُو إِسْحَاق (نون) : جرًّا.
وَقَالَ الفَراء {ن والقلم} (الْقَلَم: 1) : لَك أَن تُدْغَم النُّون الْأَخِيرَة وتُظهرها، وإظهارها أعجب إليّ. لِأَنَّهَا هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ، وَإِن اتَّصل.
وَمن أخفاها بناها على الآتصال.
وَقد قَرَأَ القُرّاء بالوَجهْين جَمِيعًا.
وَكَانَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة يُبِينانها، وَبَعْضهمْ يتْرك الْبَيَان.
وَقَالَ النحويون: (النّون) تزاد فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال.
أما فِي الْأَسْمَاء فَإِنَّهَا تزاد أَولا فِي: تفعل، إِذا سُمِّي بِهِ.
وتُزاد ثَانِيَة فِي: جُنْدب، وجَنْدل.
وتُزاد ثَالِثَة فِي: حَبَنطى، وسَرَندى، وَمَا أشْبهه.
وتُزاد رَابِعَة فِي: خَلْبن، وضَيْفن، وعَلْجن، ورَعْشن.
وتُزاد خَامِسَة فِي: مثل: عُثْمَان، وسُلطان.
وتُزاد سادسة فِي: زعفران، وكَيْذُبان.
وتُزاد سابعة فِي مثل: عُبَيْثران.
وتُزاد عَلامَة للصَّرف فِي كل اسْم منصرف.
وتُزاد فِي الْأَفْعَال ثَقيلَة وخَفِيفة.
وتُزاد فِي التّثنية وَالْجمع، وَفِي الْأَمر فِي جمَاعَة النِّساء.
حَدثنَا عبد الله، عَن حَمْزَة، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر والثَّوري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظَبيان، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا خَلق الله خَلق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: إِي رَبّ، وَمَا أكتب؟ فَقَالَ: الْقدر. قَالَ: فَكتب فِي ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ كَائِن إِلَى قيام السَّاعَة. ثمَّ خلق النُّون، ثمَّ بسط الأَرْض عَلَيْهَا فاضطربَ النُّون فمادت الأَرْض، فخلق الله الجِبال فأثْبتها بهَا. ثمَّ قَرَأَ ابْن عبّاس: {ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1) .

(15/409)


وبالإسْناد عَن الحَسن وقَتادة فِي قَوْله: {} (الْقَلَم: 1) قَالَا: الدَّواة والقَلم. وَمَا يَسْطُرون: مَا يَكْتبون.
قَالَ أَبُو تُراب: وأَنْشدني جماعةٌ من فُصحاء قيس وأَهل الصِّدْق مِنْهُم:
حاملةٌ دَلوك لَا مَحمولَهْ
مَلأى من المَاء كعَين النُّونَهْ
فَقلت لَهُم: رَوَاهَا الْأَصْمَعِي (كعين الموله) فَلم يَعْرفوها، وَقَالُوا: النونة: السّمكة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُوله: العَنْكبوت.

(15/410)


حرف الْفَاء
قَالَ ابْن المُظَفّر: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: ذهبت العربيّة مَعَ الْحُرُوف الَّتِي مرت فَلم يَبْق للفاء إِلَّا اللّفيف وأحرف قَليلَة من المُعتل، وَهِي:
فُمّ، فَأم، فوم، فَمٌ
فمّ: وَمن المضاعف: ثُم وفُمّ، فِي النَّسَق.
يُقال: رَأَيْت عمرا فُمَّ زيدا، وثُمّ زيدا، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الفَرّاء: فُمّ وثُم، من حُروف النّسَق.
فَأم: أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفِئام: وطاءٌ يكون للمَشاجِر.
وَجمعه: فُؤُم، على وزن فُعُم؛ قَالَ لَبِيد:
وأَرْبَد قارسُ الهَيْجَا إِذا مَا
تَقعَّرت المَشاجِرُ بالفِئَامِ
وَقَالَ غَيره: هَوْدجٌ مُفَأَّم، وُطِّىء بالفِئَام؛ وَأنْشد قولَ زُهَير:
على كُلِّ قَيْنيّ قَشِيب مُفَأَّمِ
وَرَوَاهُ غيرُه: قشيب مُفْأَّم.
والتَّفْئيم: تَوسيع الدَّلْو.
يُقال: أفأمت الدَّلْو، وأَفْعمته، إِذا مَلأْتَه.
ومَزَادةٌ مُفَأَّمة، إِذا وُسِّعت بِجلْد ثَالِث.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: عِنْد فلَان فِئامٌ من النَّاس، والعامة تَقول: فِيام، وهم الْجَمَاعَة؛ وَأنْشد غَيره:
فِئَامٌ يَنْهضُون إِلَى فِئَام
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فأَمْت وصأمْت، إِذا رَوِيتَ من المَاء.
وروى ابْن الْفرج لِابْنِ الأعرابيّ فِي بَاب الصَّاد وَالْفَاء: فَئِبْت وصَئِبْت، إِذا رويتَ من المَاء.
قَالَ أَبُو عَمْرو: التفاؤم: أَن تملأ الْمَاشِيَة أَفواهَها من العُشب؛ وَأنْشد:
ظلَّت برَمْلٍ عالجٍ تَسَنَّمُهْ
فِي صِلِّيانٍ ونَصِيَ تَفْأمُهْ
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ أَبَا السَّميدع يَقُول: فئِمت فِي الشَّراب وصَئِمت، إِذَا كَرعت فِيهِ نَفَساً.
قلت: وكأنّه من: فأمت الْإِنَاء، إِذا أَفْعمته ومَلأته.

(15/411)


وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَئِب وصَئِب، إِذا رَوِي من المَاء.
قلت: وَهِي كُلها لُغَات، الْقَاف وَالْفَاء وَالْمِيم.
فام: ابْن شُميل، يُقال: قَطعوا الشَّاة فُوماً فُوماً، أَي قِطَعاً قِطَعاً.
اللَّيْث: الفامِيّ: السُّكرىّ.
قلت: مَا أرَاهُ عَربيّاً مَحْضاً.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا} (الْبَقَرَة: 61) .
قَالَ: الفُوم، فِيمَا يذكرُونَ: لغةٌ قديمَة، وَهِي الحِنْطة والخُبز، جَمِيعًا قد ذُكِرَا.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: سمعتُ الْعَرَب من أهل هَذِه اللُّغة يَقُولُونَ: فَوِّموا لنا، بالتَّشديد، يُريدون: اخْتبزوا لنا.
قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله (وثُومها) بالثاء.
وَكَأَنَّهُ أشبه الْمَعْنيين بالصّواب، لِأَنَّهُ مَعَ مَا يُشاكله من العَدس والبَصل.
وَالْعرب تُبدل الْفَاء ثاء فَيَقُولُونَ: جَدَف وجدث، للقَبْر؛ وَوَقع فِي عافور شّر، وعاثور شّر.
وَقَالَ الزجّاج: الفوم: الحِنْطة.
وَيُقَال: الحُبوب.
لَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغة أنّ (الفوم) : الحِنطة، وَسَائِر الحُبوب الَّتِي تُختبز يَلْحقها اسمُ الفُوم.
قَالَ: وَمن قَالَ (الفوم) هَاهُنَا: الثُّوم، فَإِن هَذَا لَا يُعرف. ومُحال أَن يَطلب القومُ طَعَاما لَا بُرّ فِيهِ، وَهُوَ أَصْل الْغذَاء. وَهَذَا يَقطع هَذَا القَوْل.
وَقَالَ اللِّحياني: هُوَ الثُّوم والفُوم، للحِنْطة.
قلت: إِن كَانَ قَرَأَ ابْن مَسْعُود بالثاء فَمَعْنَاه: الفُوم، وَهُوَ الحِنْطة.
فَم: ابْن السّكيت: قَالَ الفرّاء: يُقال: هَذَا فمٌ، مَفْتُوح الْفَاء مخفف الْمِيم.
وَكَذَلِكَ فِي النَّصب والخَفض: رَأَيْت فَمَا، ومررت بِفَمٍ.
وَمِنْهُم من يَقُول: هَذَا فُمٌ، ومررت بفُم، وَرَأَيْت فُماً.
فيَضم الْفَاء فِي كل حَال، كَمَا يَفتحها فِي كل حَال.
وأمَّا تَشديد الْمِيم فَإِنَّهُ يَجوز فِي الشّعْر؛ كَمَا قَالَ:
يَا ليتها قد خَرَجت من فُمّه
وَلَو قَالَ: من فَمِّه، لجَاز.
قَالَ: وأمّا: فُو، وَفِي، وفا، فَإِنَّمَا يُقَال فِي الْإِضَافَة، إِلَّا أَن العجّاج قَالَ:

(15/412)


خالط من سَلْمى خياشِيم وفا
قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا ذَلِك فِي غير الْإِضَافَة، وَهُوَ قَلِيل.
اللَّيْث: أمّا: فو، وفا، وَفِي، فَإِن أصل بنائها (الفَوْه) حذفت الْهَاء من آخرهَا. وحُملت الْوَاو على الرّفْع والنَّصب والجرّ، فاجترت الْوَاو صُروفَ النَّحْو إِلَى نَفسهَا، فَصَارَت كَأَنَّهَا مدّة تَتبع الْفَاء.
وَإِنَّمَا يستحسنون هَذَا اللَّفْظ فِي الْإِضَافَة، أما إِذا لم تُضف فَإِن الْمِيم تُجعل عماداً للفاء، لِأَن الْيَاء وَالْوَاو وَالْألف يَسْقطن مَعَ التَّنوين، فكرهوا أَن يكون اسْم بِحرف مغلق، فعمِّدت الْفَاء بِالْمِيم، إِلَّا أَن الشَّاعِر قد يَضطر إِلَى إِفْرَاد ذَلِك بِلَا مِيم، فَيجوز فِي القافية؛ كَقَوْلِه:
خالط مِن سَلْمى خياشيمَ وفا
قلت: وممّا يَدُلّ على أَن الأَصْل فِي: فَم، وفو، وفا، وَفِي، (هَاء) حُذفت من آخرهَا: قولُهم للرّجُل الْكثير الْأكل: فَيِّهٌ، وَامْرَأَة فَيِّهةٌ.
ابْن السِّكيت: رَجُلٌ أَفْوه: عَظِيم الفَم طَوِيل الأسْنان.
وَكَذَلِكَ: مَحالَة فوهاء، إِذا طَالَتْ أسنانها الَّتِي يَجري الرِّشاء فِيهَا.
ورَجُلٌ مُفَوَّه، وفَيِّهٌ: حَسن الْكَلَام.
سلَمة، عَن الفَرّاء: أَلْقَيت على الْأَدِيم دَبْغةً، والدَّبْغة: أَن تُلْقِي عَلَيْهِ فَمَا مِن دباغ خَفِيفة، أَي: فَماً من دِبَاغ، أَي نَفْساً.
ودَبَغْتُه نَفْساً، ويُجمع: أنْفُساً، كأنْفُس النّاس، وَهِي المرّة.
أَخْبرنِي المُنْذري، عَن ثَعلب عَنهُ، قَالَ أَبُو زُبيد يصف شِبْلين:
ثمَّ اسْتفاها فَلم يَقْطع رَضَاعَهما
عَن التَّصَبُّب لَا شَعْبٌ وَلَا قَدْعُ
اسْتَفاها: اشتدّ أكلُها. والتَّصَبُّب: اكتساء اللَّحم للسِّمن بعد العِظام، والتَّحلُّم، مثله. والقَدْع: أَن تُدفَع عَن الْأَمر تُريده؛ يُقَال: قَدَعته فقُدع قَدْعاً.
ورَجُلٌ فَيّه: جَيِّد الْأكل. وَقد اسْتفاه. وَهِي مُسْتَفِيه.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم فِي الدُّعاء على الرَّجُل قولُهم: فاهَا لفيك؛ تُرِيدُ: فَا الدّاهية.
قَالَ: ومَعناه: الخَيبةُ لَك.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَأَصله أَنه يُريد: جَعل الله بفيك الأرضَ.
وكما يُقَال: بفيك الأَرْض، يُقال: بفيك الأثلب والحَجر؛ وأَنْشد:
فَقلت لَهَا فاها لفيك فَإِنَّهَا
قلُوص امرىء قارِيك مَا أَنت حاذِرُهْ
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فاهَا لفيك، غير مُنوّن، إِنَّمَا يُرِيدُونَ: الدَّاهية، وَصَارَ بَدَلا من اللفّظ، بقوله: دَهاك الله، يدلّك على ذَلِك قَوْله:

(15/413)


وداهية مِن دَواهي المَنو
ن يَرْهَبها الناسُ لَا فَالها
فَجعل للدّاهية: فَمَا.
وَقَالَ آخر:
لَئِن مالكٌ أَمْسى ذليلاً لطالما
سَعَى للَّتِي لَا فَالها غَيْر آئِبِ
أَرَادَ: لَا فَم لَهَا، أَي: للداهية.
وأنْشد شَمر للكُميت:
وَلَا أَقُول لذِي قُربَى وآصِرة
فاهَا لفِيك على حالٍ من العَطَبِ
وَقَالَ شَمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فاهاً بفيك، منوّنة، أَي: ألصق الله فَاك بِالْأَرْضِ.
قلت: وَقد مَرّ الْحَرْف مشبعاً فِي كتاب الْهَاء.
بَاب حُرُوف اللفيف من الْفَاء
فَاء فأى فأفأ فيف فوف فو فِي وفا آف أفّ.
فَاء: قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الْبَقَرَة: 226) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ} (النَّحْل: 48) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
(فالفيء) فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة معَان، مَرجعها إِلَى أصل وَاحِد، وَهُوَ الرُّجوع.
قَالَ تقدّس ذِكره فِي المُولين من نِسَائِهِم، {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وَذَلِكَ أَن الْمولي حَلف ألاَ يطأَ امرأتَه، فَجعل الله لَهُ مُدّة أَرْبَعَة أشهر بعد إيلائه، فَإِن جَامعهَا هِيَ فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر فقد فَاء، أَي: رَجَعَ عمّا حَلف عَلَيْهِ مِن ألاّ يُجامعها إِلَى جِماعها، وَعَلِيهِ لِحْنثه كفّارةُ يَمين، وَإِن لم يُجامعها حَتَّى تَنقضي أَرْبَعَة أشهر من يَوْم آلَى، فَإِن ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أوقعوا عَلَيْهَا تطْليقةً، وجَعلوا عَزِيمَة الطَّلَاق انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر. وَخَالفهُم الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم من أهل العِلم، وَقَالُوا: إِذا آنقضت أَربعة أشهر وَلم يُجامعها وُقِّفَ المُولي، فإمّا أَن يَفيء، أَي يُجَامِعهَا ويكفِّر، وَإِمَّا أَن يُطلِّق.
فَهَذَا هُوَ الْفَيْء من الْإِيلَاء، وَهُوَ الرُّجوع إِلَى مَا حَلف عَلَيْهِ أَلا يَفعله.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ} (النَّحْل: 48) فإِنْ التَّفيّؤ، تفَاعل من (الْفَيْء) ، وَهُوَ الظل بالعشيّ.
وتَفّيؤ الظلال: رُجوعها بعد انتصاف النّهار، وانتعال الْأَشْيَاء ظِلالَها.

(15/414)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي طَالب النَّحْوِيّ، أَنه قَالَ: التفيَّؤ لَا يكون إلاّ بالْعَشي، والظّل بِالْغَدَاةِ، وَهُوَ مَا لم تَنَلْه الشَّمْس.
والفيء بالعَشي: مَا انصرفت عَنهُ الشَّمس.
قَالَ: وَقد بَيَّنه الشَّاعِر فَقَالَ:
فَلَا الظِّلّ مِن بَرْد الضُّحَى تَسْتَطيعه
وَلَا الفَيء مِن بَرْد العَشِيّ تَذوقُ
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت نحوَه.
قَالَ: وَجمع (الْفَيْء) : أفياء، وفُيوء؛ وَأنْشد:
لعمري لأَنْت الْبَيْت أُكْرِم أَهْلَه
وأقْعُد فِي أَفْيائه بالأَصائِلِ
قَالَ: والظل: مَا نَسخَتْه الشَّمْس.
والفيء: مَا نَسخ الشمسَ.
ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل، يُقَال للقِطْعة من الطَّير: فَيْءٌ، وعَرِقة، وصَفّ.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
فَإِن (الْفَيْء) : مَا ردّ الله تَعَالَى على أَهل دِينه من أَموال مَن خَالف أَهل دينه بِلَا قِتال، إمّا بِأَن يُجْلَوا عَن أوطانهم ويُخَلّوها للمُسلمين، أَو يُصالحوا على جِزية يُؤَدّونها عَن رُؤوسهم، أَو مالٍ غير الْجِزْيَة يَفْتدون بِهِ من سَفك دِمَائِهِمْ.
فَهَذَا المَال، هُوَ (الْفَيْء) فِي كتاب الله.
قَالَ الله تَعَالَى: {الْفَاسِقِينَ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) أَي: لم تُوجفوا عَلَيْهِ خيلاً وَلَا ركاباً.
نزلت فِي أَمْوَال بَني النّضير حِين نَقضوا العَهد وجَلَوْا عَن أوطانهم إِلَى الشَّام، فقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْوَالهم من النخيل وَغَيرهَا فِي الوُجوه الَّتِي أرَاهُ الله أَن يَقْسمها فِيهَا.
وقِسمة الْفَيْء غيرُ قِسمة الغَنيمة، الَّتِي أوْجف الله عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ والرِّكاب.
وَقد بَيّنت جماع ذَلِك فِيمَا مَرّ من الْكتاب.
وأصل (الْفَيْء) : الرُّجُوع، كَمَا أعلمتك، سُمّي هَذَا المَال: فَيْئا، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الْمُسلمين من أَمْوَال الكُفّار عَفْواً بِلَا قتال.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي قِتال أهل البَغي {تَبْغِى حَتَّى تَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَ إِلَى أَمْرِ} (الحجرات: 9) أَي: تَرجع إِلَى الطَّاعَة.
وَيُقَال لنَوى التَّمر، إِذا كَانَ صُلْباً: ذُو فَيْئة، وَذَلِكَ أَنه تُعْلَفه الدّوابّ فتأكله، ثمَّ يَخرج من بُطونها كَمَا كَانَ نَدِيًّا؛ وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة يَصف فرسا:
سُلاَّءة كعَصا النَّهديّ غُلّ لَهَا

(15/415)


ذُو فَيْئَة من نَوى قُرّان مَعْجُومُ
ويفسّر قَوْله: (غُلّ لَهَا ذُو فَيْئة) تفسيرَيْن:
أَحدهمَا: أَنه أَدخل جَوْفَها نَوى من نَوى نَخِيل قُرّان حَتَّى اشتدَ لَحْمُها.
وَالثَّانِي: أَنه خُلِق لَهَا فِي بَطن حوافرها نُسورٌ صِلابٌ كأنّها نوى قُرّان.
وَيُقَال: تفيأَت المرأةُ لزَوجهَا، إِذا تكسّرت لَهُ تدلُّلاً؛ وَمِنْه قَول الراجز:
تَفّيأَت ذَات الدَّلال والخَفْر
لعابسٍ جافي الدَّلالَ مُقْشَعِرّ
قَالَ النَّضر: الأَفَى: القِطَع من الْغَيْم، وَهِي الفِرَق يَجِئْن قِطَعاً كَمَا هِيَ.
قلت: الْوَاحِدَة: أَفَاة.
وَيُقَال: هَفاة، أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفأتُ فلَانا على الأَمْر، إفاءةً، إِذا أَرَادَ أمرا فَعدلْتَه إِلَى أَمر غَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: المَفْيؤة، وَهِي المَقْنؤة، من الْفَيْء.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: مَقْنأة، ومقْنُؤة، للمكان الَّذِي لَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمس.
وَلم أَسمع (مفيؤة) بِالْفَاءِ، لغير اللَّيْث، وَهُوَ يُشبه الصَّواب.
أَبُو زيد: يُقَال: فِئت إِلَى الْأَمر فَيْئاً، إِذا رَجَعت إِلَيْهِ.
وأفأت على الْقَوْم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم سَلَب قوم آخَرين فجِئْتهم بِهِ.
وأفأت عَلَيْهِم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم فَيْئا أُخذ مِنْهُم.
وَقَالَ النَّضر: يُقال لِلْحَديدة إِذا كَلّت بعد حِدّتها: قد فاءَتْ.
فأى: أَبُو زيد: فَأَوْت رأسَ الرَّجُل، إِذا فَلَقتَه بالسَّيف.
وَكَذَلِكَ: فَأَيْته.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الفَأْوُ: مَا بَين الجَبَلْين؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
حَتَّى انْفأَى الفَأْوُ عَن أَعْناقها سَحَرا
قَوْله: انْفأَى، أَي: انْكَشَفَ. والفَأو، فِي بَيت ذِي الرُّمة: طَرِيق بَين قارَتين بِنَاحِيَة الدَّوّ بَينهمَا فَجٌّ واسِعٌ، يُقَال لَهُ: فأو الرَّيّان؛ وَقد مَرَرْتُ بِهِ.
والفِئة، بِوَزْن (فِعَة) : الفِرْقة من النّاس.
مَأْخُوذَة من: فأيت رَأسه، أَي: شَققته.
وَكَانَت فِي الأَصْل فِئْوة، بِوَزْن (فِعْلة) فنُقص.
وَجمع (الفئة) : فِئُون، وفِئَات.
اللَّيْث: يُقال فأوت رَأسه، وفأَيْته، وَهُوَ ضَرْبك قِحْفَه حتّى يَنْفرج عَن الدِّماغ.
والانْفِياء: الانفْراج.

(15/416)


قَالَ: وَمِنْه اشتُق اسْم (الفِئة) ، وهم طَائِفَة من النَّاس.
فأفأ: اللَّيْث: الفَأْفأة، فِي الْكَلَام كأنّ الْفَاء تَغْلب على اللِّسان.
تَقول: فَأْفأ فلانٌ فِي كَلَامه، فَأْفأةً.
ورَجُلٌ فَأْفاء، وَامْرَأَة فَأفاءة.
وَقَالَ المبرّد: الفَأْفأة: التَّرْديد فِي (الْفَاء) .
اللّحيانيّ، يُقال: رَجُلٌ فأْفأ وفَأْفَاء، يُمدّ ويُقْصر.
فيف: اللَّيْث: الفَيْف: المَفازة الَّتِي لَا مَاء فِيهَا، مَعَ الاسْتواء والسَّعة.
وَإِذا أُنِّثت، فَهِيَ: الفَيْفاء.
وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَجمع (الفيف) : فُيوف، وأَفْياف.
قلت: وبالدَّهناء مَوضعٌ يُقَال لَهُ: فَيْف الرِّيح.
قَالَ شَمر: وَقَالَ المؤرِّج: الفَيْف من الأَرْض: مُختلَف الرِّياح؛ وأَنشد لِعَمْرو ابْن مَعْد يكرب:
أَخْبر المُخْبِرُ عَنْكُم أنّكم
يومَ فَيْف الرِّيح أُبْتُمْ بالفَلَج
ويُقال: فيف الرّيح: موضعٌ مَعْرُوف؛ قَالَ ذُو الرّمة:
والرَّكْب يعْلُو بهم صُهْبٌ يَمانِيةٌ
فَيْفاً عَلَيْهِ لِذيل الرِّيح نِمْنِيمُ
وَقَالَ غَيره: الفيفاء: الصَّحرَاء المَلْساء؛ وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كُلّ طَرِيق بَين جَبَلين: فَيْفٌ؛ وأَنْشد:
مَهِيلُ أَفْيافٍ لَهَا فُيوف
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
ومُغْبَرّة الأَفياف مَسْحولة الحَصَا
دَيامِيمها مَوْصُولة بالصَّفاصِفِ
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: الفَيْفاء: البعيدةُ من المَاء.
وَقَالَ شمر: والقَول فِي (الفَيْف) (والفيفاء) مَا ذكره المُؤرّج من مُخْتَلف الرِّياح.
فوف: اللَّيْث: الأفواف: ضربٌ من عُصْب البُرود.
يُقال: بُرْدٌ أفواف، وبُرْد مُفَوّف.
قَالَ: والفَوْف، مصدر: الفُوفة.
يُقَال: مَا فافَ عنِّي بخَيْرٍ وَلَا زَنْجَر.
وَذَلِكَ أَن تسْأَل رجلا فَيَقُول بظُفر إبهامه على ظُفر سبّابته: وَلَا مثل ذَا.
وَالِاسْم مِنْهُ: الفُوفة.
وأمّا (الزَّنجرة) فَمَا يأخُذ بَطْنُ الظُّفر من طرف الثَّنية إِذا أخذْتها بِهِ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفُوفة: القِشْرة الرَّقيقة تكون على النَّواة.
قَالَ: وَهِي القِطْمير أَيْضا.
قَالَ: والفُوف ثيابٌ رِقاقٌ من ثِياب اليَمن

(15/417)


مُوشّاة.
ونحوَ ذَلِك حكى شَمِرٌ عَنهُ.
وَعَن أبي حَاتِم: الفُوف، بِضَم الْفَاء، وبُرد مُفَوَّف.
قلت: وروى أصحابُ أبي عُبيد عَنهُ، عَن الْفراء: الفُوف: البَياض الَّذِي يكون فِي أظفار الأَحْداث.
وَمِنْه قيل: بُرْدٌ مُفَوَّف.
وَقَالَ شَمر: هُوَ الفُوف، بالضّم.
قَالَ: وَسَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن (الفُوف) فَلم يعرفهُ؛ وأَنشد:
وَأَنت لَا تُغْنين عني فُوفَا
فو: اللَّيْث: الفُوَّة: عُروق تُسْتَخرج من الأَرْض تُصْبغ بهَا الثِّيَاب.
يُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: رُوبِين.
ولفظها على تَقْدِير: خُوّة، وقُوّة.
وَلَو وَصفت بهَا أَرضًا لَا يُزرع فِيهَا غيرُه، قلت: أرضٌ مَفْواة، من المَفَاوِي.
وثَوْبٌ مُفَوَّى، لِأَن الْهَاء الَّتِي فِي (الفُوَّة) لَيست بأصليّة، بل هِيَ هَاء التَّأْنِيث.
فِي: اللَّيْث: (فِي) حرفٌ من حُروف الصِّفَات.
وَقَالَ غَيره: (فِي) تَأتي بِمَعْنى (وسط) ، وَتَأْتِي بِمَعْنى (دَاخل) ، كَقَوْلِك: عبدُ الله فِي الدَّار، أَي: دَاخل الدَّار، ووَسط الدَّار.
وتجيء (فِي) بِمَعْنى، على، قَالَ الله جلّ وعزّ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 71) .
الْمَعْنى: على جُذوع النّخل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله تَعَالَى: {طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} (نوح: 16) ، أَي: مَعَهُنَّ.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: جَاءَت (فِي) بِمَعْنى: (مَعَ) ؛ قَالَ الجَعْديّ:
ولَوْحُ ذراعَيْن فِي بِرْكةٍ
إِلَى جُؤْجُؤٍ رَهِلِ المَنْكِبِ
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَدْفع عَنْهَا الجُوعَ كُلَّ مَدْفَع
خَمْسون بُسْطاً فِي خَلايا أَرْبَعِ
أَرَادَ: مَعَ خلايا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابه فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْت لَيْسَ بِتَوْأَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ: كَأَن ثِيَابه على سَرحةٍ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ} (الشورى: 11) أَي: يكثركم بِهِ؛ وَأنْشد:
وأَرْغبُ فِيهَا عَن عُبَيدٍ ورَهْطه
وَلَكِن بهَا عَن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ
أَي: أَرغب بهَا.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ

(15/418)


وَمَنْ} (النَّمْل: 8) أَي: بُورِكَ مَن على النَّار، وَهُوَ الله جَلّ وعَزّ.
وفا: اللَّيْث: يُقال: وَفَا يَفِي وَفَاءً؛ فَهُوَ وافٍ.
ووَفى رِيشُ الْجنَاح، فَهُوَ وافٍ. وكل شَيْء بَلغ تَمام الْكَمَال، فقد وَفَى وتَمّ.
وَكَذَلِكَ: دِرْهم وافٍ، يَعني: أَنه دِرْهم يَزِن مِثْقالاً. وكَيْلٌ وافٍ.
وَقَالَ شَمر: بَلغنِي عَن ابْن عُيينة، قَالَ: الوافِي: دِرْهمٌ ودانِقَان.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الَّذِي وفَى مِثْقالاً.
ورَجُلٌ وَفِيٌّ: ذُو وَفاء.
قَالَ أَبُو بكر: قَوْلهم: لَزِم الوَفاء: معنى (الْوَفَاء) فِي اللُّغَة: الخُلق الشَّريف العالي الرَّفيع من قَوْلهم: وَفى الشَّعَرُ فَهُوَ وافٍ، إِذا زَاد.
قَالَ ذَلِك أَبُو العبّاس.
قَالَ: وَوَفَيْت لَهُ بالعهد أَفِي، ووافَيْت أُوافِي.
وارْضَ من الْوَفَاء باللَّفاء، أَي: بِدُونِ الْحق؛ وأَنْشد:
وَلَا حَظِّي اللَّفاء وَلَا الخَسِيس
والمُوافاة: أَن تُوافي إنْساناً فِي المِيعاد.
تَقول: وافَيْتُه.
ويُقال: أَوْفيته حَقَّه، ووفَّيته أَجْره.
وأوْفَيْت على شَرف مِن الأَرْض، إِذا أشْرَفْت عَلَيْهِ. فَأَنا مُوفٍ.
والميفاة: الْموضع الَّذِي يُوفِي فَوْقه الْبَازِي، لإيناس الطَّير أَو غَيره.
وَإنَّهُ لَمِيفاء على الْأَشْرَاف، إِذا لم يَزل يُوفي على شرف؛ قَالَ رُؤبة:
أبلغ مِيفاء رُؤس فوره
والوفاة: المَنِيّة. وتُوفي فلَان. وتوفّاه الله، إِذا قَبض نَفْسه.
وَقَالَ غَيره: تَوَفِّي الْمَيِّت، بِمَعْنى: اسْتيفاء مُدَّته الَّتِي كُتبت من عَدد أَيّامه وشُهُوره وأعوامه فِي الدّنيا.
ويُقال: تَوَفَّيْت المالَ مِنْهُ، واسْتوْفيته، إِذا أَخَذته كُلّه.
وتَوفَّيْت عَدد الْقَوْم، إِذا عَدَدْتَهم كلهم؛ وأَنْشد أَبُو عُبيدة لِمَنظور الوَبْريّ:
إنّ بني الأَدْرم لَيسوا من أَحد
وَلَا تَوفّاهم قُريْشٌ فِي العَدَدْ
أَي: لَا تجعلهم قريشٌ تَمام عَددهمْ، وَلَا تستوفي بهم عَدَدَهم.
وَمن هَذَا قولُ الله جلّ وعزّ: {بِوَكِيلٍ اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُْخْرَى إِلَى} (الزمر: 42) أَي: يَسْتَوْفِي مُدد آجالهم فِي الدُّنْيا.
وَقيل: يَستوفي تمامَ عَدَدِهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وأمّا تَوَفِّي النَّائِم، فَهُوَ اسْتيفاء وَقت عَقله وتمييزه إِلَى أَن نَام.

(15/419)


وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السَّجْدَة: 11) هُوَ من: تَوْفية العَدَد.
تَأْوِيله: أَن يَقْبض أَرواحكم أَجْمَعِينَ فَلَا ينقُص وَاحِد منْكم.
كَمَا تَقول: قد اسْتوفيت من فلَان، وتوفَّيت مِنْهُ مَا لي عَلَيْهِ. تَأْوِيله: لم يَبْق عَلَيْهِ شَيْء.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي وَأبي عُبيدة: وَفَيت بالعهد، وَأَوْفيت بِهِ، سَوَاء.
وَقَالَ شَمر: يُقال: وَفَى، وأَوْفَى.
من قَالَ (وَفَى) فَإِنَّهُ يَقُول: تَمّ، كَقَوْلِك: وَفَى لنا فلانٌ، أَي: تَمّ لنا قولُه وَلم يَغْدر.
ووَفَى هَذَا الطَّعَام قَفِيزاً، أَي: تمّ قَفِيزا؛ وَقَالَ الحُطيئة:
وَفى كَيْل لَا نِيبٍ وَلَا بَكَرات
أَي: تَمَّ.
ثمَّ قَالَ: وَمن قَالَ: (أوفى) فَمَعْنَاه: أوفاني حقَّه، أَي: أتَمَّه وَلم يَنْقُص مِنْهُ شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا رَدّ على شَمر: الَّذِي قَالَ شَمر فِي (وفى) و (أوفى) باطلٌ لَا معنى لَهُ، إِنَّمَا يُقال: أوفيت بالعهد، ووَفَيت بالعهد.
وكل شَيْء فِي كتاب الله تَعَالَى من هَذَا فَهُوَ بِالْألف؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) و {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} (الْإِسْرَاء: 34) .
ويُقال: وَفى الكيلُ، ووَفَى الشيءُ، أَي: تَمّ.
وأوْفَيته أَنا: أَتْمَمْتُه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ الْكَيْلَ} (الشُّعَرَاء: 181) .
قَالَ: ويُرْوى عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم وَفَيتم سَبْعين أُمّةً أَنْتُم خَيرها وأَكْرمها على الله) ، أَي تمت العِدّة سَبعين أُمّة بكم.
قَالَ: وَأما قَوْلهم: وفى لي فلانٌ بِمَا ضَمِن لي.
فَهَذَا من بَاب: أوفيت لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، ووَفَّيت لَهُ بِكَذَا؛ قَالَ الأَعْشى:
وقبلك مَا أَوْفى الرُّقَادُ بجارَةٍ
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى} (النَّجْم: 37) ، أَي: بلّغ.
يُرِيد: بلّغ أَن لَيْست تَزر وازرةٌ وِزْرَ أُخرى، أَي: لَا تحمل الوازرة ذَنْب غَيرهَا.
وَقَالَ الزّجاج: وفّى إِبْرَاهِيم مَا أُمِر بِهِ، وَمَا امْتحن بِهِ من ذَبح وَلَده، فعزم على ذَلِك حَتَّى فَداه الله بِذبح عَظِيم، وامْتُحن بالصَّبر على عَذاب قَومه، وأُمر بالاختتان فاخْتَتن.
قيل: وَفَّى، وَهِي أبلغ من (وَفى) ، لِأَن الَّذِي امتحن بِهِ من أعظم المِحَن.

(15/420)


ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الوفي: الَّذِي يَأْخُذ الحقّ ويُعْطي الْحق.
قَالَ: المِيفَى: طَبَق التَّنُّور.
وَقَالَ رَجُلٌ من العَرب لطّباخه: خَلِّب مِيفَاك حَتَّى يَنْضَج الرَّوْدَق.
قَالَ: خَلِّب، أَي: طَبِّق. والرَّوْدَق: الشِّواء.
وَقَالَ أَبُو الخطّاب: الْبَيْت الَّذِي يُطبخ فِيهِ الآجُر يُقَال لَهُ: المِيفَى.
قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيل.
وَأما (المُوافاة) الَّتِي يَكتبها كتّاب دواوين الخَراج فِي حِسابهم، فَهِيَ عِنْدِي مَأْخُوذَة من قَوْلك: أَوْفيته حقَّه.
وَقد جَاءَ (فاعلت) بِمَعْنى: أفْعلت، وفَعَّلت، فِي حُرُوف بِمَعْنى وَاحِد.
يُقال: جَارِيَة مُناعمة ومُنعَّمة.
وضاعفت الشَّيْء، وأضعفته، وضَعَّفته، بِمَعْنى.
وتعاهدت الشَّيْء وتعهّدته.
وباعدته، وبَعّدته، وأبْعدته.
وقارَبْت الصبيَّ، وقَرَّبته.
وَهُوَ يُعاطيني الشَّيْء، ويُعْطيني.
قَالَ بِشْر بن أبي خازم:
كَأَن الأتْحميّة قَامَ فِيهَا
لِحُسْن دَلاَلها رَشَأٌ مُوافِي
قَالَ الباهليّ: مُوافٍ، مثل (مفاجىء) ؛ وأَنشد:
وكأنما وافاك يَوْم لَقيتَها
مِن وحْش وَجْرة عاقِدٌ مُتَرَبِّب
وَقيل: موافٍ: قد وافى جسمُه جسم أمّه.
صَار مثلَها.
آف: اللَّيْث: الآفة: عَرض مُفْسدٌ لما أَصاب من شَيْء.
وَيُقَال: آفةُ الظَّرف الصَّلَف، وَآفَة العِلْم النِّسْيان.
قَالَ: وَإِذا دَخلت الآفة على قَوم، قيل: قد إفُوا.
ويُقال فِي لُغة: إيفُوا.
ابْن بُزُرْج: إيف الطَّعام، فَهُوَ مَئيف، مثل: مَعيف.
قَالَ: وعِيه، فَهُوَ مَعُوه، ومَعيه، ومَعْهُوه.
قلت: وَقَول اللَّيْث (إفوا) الْألف مُمالة بَينهَا وَبَين الْفَاء سَاكن يُبَيِّنه اللّفظ لَا الخَطّ.
الْكسَائي: طَعام مَؤْوف، أَي: أصابتْه آفَة.
أُفٍّ: قَالَ الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} (الْإِسْرَاء: 23) .
أَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن الفرّاء، قَالَ: فِي (أفّ) سِتّ لُغات: يُقال: أُفَّ لَك، وأُفًّا لَك؛ وأُفِّ لَك، وأُفَ لَك؛ وأفُّ لَك، وأفٌّ لَك.
وَزَاد غَيره: أفَّة وإفَّة.

(15/421)


قَالَ الفّراء: وَلَا تقل فِي (أفّة) إِلَّا الرّفع والنَّصب.
قَالَ الفّراء: فَأَما الْقِرَاءَة فقُرىء: أُفِّ، بِالْكَسْرِ بِغَيْر تَنْوِين، وأُفَ، بالتَّنْوين.
فَمن خَفَض ونّون ذَهب إِلَى أَنَّهَا صَوت لم يُعرف مَعْنَاهُ إِلَّا بالنُّطق بِهِ، فَخَفضوه كَمَا تُخفض الْأَصْوَات، ونَوَّنوه كَمَا قَالَت الْعَرَب: سَمِعت طاقٍ طاقٍ، لصوت الضَّرْب؛ وَيَقُولُونَ: سَمِعت تَغٍ تَغٍ، لصوت الضَّحك.
وَالَّذين لم يُنَوِّنوه وخَفَضوا قَالُوا: أُفِّ، على ثَلَاثَة أحرف، وَأكْثر الْأَصْوَات على حرفين، مثل صَهٍ، وتَغٍ، ومَهٍ، فَذَلِك الَّذِي يُخفض وينون، لأنّه متحرك الأول، ولسنا بمُضطرين إِلَى حَرَكَة الثَّانِي من الأدوات وأَشباهها، فخفض بالنُّون.
وشُبهت (أُف) بقَوْلهمْ: مُدّ، ورُدّ، إِذْ كَانَت على ثَلَاثَة أَحْرف.
قَالَ: والعربُ تَقول: جَعل فلانٌ يتأفّف من رِيح وَجَدها.
مَعْنَاهُ: يَقُول أُف أُف.
وحُكي عَن الْعَرَب: لَا تقولنَّ لَهُ أُفًّا وَلَا قُفًّا.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: من قَالَ أُفاً لَك، نَصَبه على مَذْهَب الدُّعاء، كَمَا يُقَال: ويلاً للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفٌّ، رَفَعه بِاللَّامِ، كَمَا يُقَال: ويلٌ للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفَ لَك، خَفضه على التَّشْبِيه بالأصوات، كَمَا يُقَال: صَهٍ ومَهٍ.
وَمن قَالَ: أُفيِّ لَك، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه.
وَمن قَالَ: أُفْ لَك، شَبّهه بالأدوات، ب (من) ، و (كم) ، و (بل) ، و (هَل) .
وَقَالَ أَبُو طَالب: أُفٌّ لَك وتُفٌّ؛ وأُمَّةٌ وتُفَّةٌ.
وَقَالَ الأصعمي: الأُفّ وسخ الْأذن؛ والتُّفّ: وسخ الأَظْفار.
يُقال ذَلِك عِنْد استقذار الشّيء، ثمَّ كثُر حَتَّى استعملوه فِي كل مَا يتأذّون بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: أُف، مَعْنَاهُ: قلّة، وتُف، إتباع، مَأْخُوذ من (الأَفف) ، وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل.
أَبُو الْهَيْثَم بخطّه لِابْنِ بُزُرْج، يُقَال: كَانَ فلَان أُفوفة، وَهُوَ الَّذِي لَا يَزال يَقُول لبَعض أمره: أُف لَك، فَذَلِك الأُفوفة.
قَالَ القُتيبي، فِي قَول الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} (الْإِسْرَاء: 23) أَي: لَا تَسْتَثْقل شَيْئا من أَمرهمَا وتضيق صَدرا بِهِ، وَلَا تُغلظ لَهما.
قَالَ: وَالنَّاس يَقُولُونَ لما يكْرهُونَ ويَسْتَثقلون: أُفّ لَهُ.
وأصل هَذَا نَفْخك للشَّيْء يَسْقط عَلَيْك من تُرَاب أَو رماد، وللمكان تُريد إمَاطَة

(15/422)


الأَذى عَنهُ، فقيلت لكل مُسْتَثقل.
وَقَالَ الزجّاج: مَعنى (أفّ) النَّتن.
وَمعنى الْآيَة: لَا تَقُل لَهما مَا فِيهِ أَدنى تَبرُّم إِذا كبرا وأسَنَّا، بل تَولَّ خِدْمتهما.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأففُ: الضَّجر.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: اليأفوف، واليَهْفوف: الْحَدِيد القَلب من الرِّجال.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: واليأفوف: العَيِي الخَوّار؛ وأَنْشد لِلرَّاعِي:
مُغَمَّر العَيْش يَأفُوفٌ شَمائِلُه
يأبَى المودّة لَا يُعْطي وَلَا يَصِل
قَوْله: مُغَمَّر العَيش، أَي: لَا يكَاد يُصيب من الْعَيْش إِلَّا قَلِيلا، أُخذ مِن (الْغمر) .
وَقيل: هُوَ المُغفّل عَن كُلِّ عَيْش.
وَيُقَال: جِئْت على إفّان ذَاك، وعَلى تَئِفّة ذَاك، وعَلى أَفَف ذَاك، وعَلى تَئِفَة ذَاك، كل ذَلِك قُيِّدَ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أَتَانِي على إفّان ذَاك، وأفَّان ذَاك، وأَفَف ذَاك، وعِدّان ذَاك، وتَئفّة ذَاك، وتَئِفَته، بِمَعْنى وَاحِد.

(آخر حرف الْفَاء)

(15/423)


حرف الْبَاء
ابْن المُظفر، قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد مَضت العربيّة مَعَ سَائِر الحُروف، فَلم يبْق للباء مضاعف، وَلَا صَحِيح وَلَا معتل وَلَا رُباعي، وَبَقِي مِنْهُ اللَّفيف وأحرف من المعتل مُعربة، مثل: البوم، ولميبة، وَهِي فارسيّة؛ وبَمَّ العُود، ويَبَنْبَم، مَوضِع.
البوم: قلت: أما (البوم) ، فَهُوَ الذّكر من الْهَام، وَهُوَ عربيّ.
يُقال: بُوم بَوّام باللَّيل، إِذا كَانَ يَصِيح.
يبنبم: وَذكر حُميد بن ثَوْر (يَبَنْبَم) :
إِذا شِئت غَنَّتْني بأجْزاع بِيشةٍ
أَو النّخل مِن تَثْليث أَو من يَبَنْبَمَا
بِمَ: و (بَمّ) : مَدِينَة بكرَمان، ذكرهَا الطِّرمّاح فَقَالَ:
ألَيْلَتنا فِي بَمّ كَرْمان أَصْبِحي
وَأما (بِمَ) العُود، الَّذِي يُضْرب بِهِ، فَهُوَ أحَد أوتاره، وَلَيْسَ بعربيّ.
بَاب اللفيف من حرف الْبَاء
بب بِي بَاء بأى بو بَاب بيا أَب آب ابى واب وبا.
بب: روى زَيد بن أَسلم، عَن أَبِيه، عَن عمر، أَنه قَالَ: لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأُلْحقنّ آخر النّاس بأولهم حَتَّى يَكُونُوا بَبَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ عبد الرحمان بن مَهْدِيّ: يَعْني: شَيْئا وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَذَاكَ الَّذِي أَرَادَ. وَلَا أَحسب الْكَلِمَة عربيّة، وَلم أسمعها فِي غير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرير: لَا نَعرِف (بَبّاناً) فِي كَلَام الْعَرَب؛ وَالصَّحِيح عندنَا: بَيَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ: وأصل هَذِه الْكَلِمَة أَن الْعَرَب تَقول إِذا ذكرت مَن لَا يُعرف: هَذَا هيّان بن بيّان، كَمَا يُقال: طامِر بن طامِر.
قَالَ: فالمَعنى: لأُسوّينّ بَينهم فِي العَطاء، فَلَا أُفضِّل أحدا على أحد.
قلت: بَبّاء، بباءين، حرف رَوَاهُ هِشَام بن سعد وَأَبُو مَعْشر، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: سَمِعت عمر.
وَمثل هَؤُلَاءِ الرُّواة لَا يُخطئون فيُصحِّفوا، و (بَبّان) وَإِن لم يكن عربيًّا مَحضاً فَهُوَ

(15/424)


صَحِيح بِهَذَا المَعنى.
وَقَالَ اللَّيْث: ببّان، على تَقْدِير (فَعْلان) ، ويُقال على تَقْدِير (فَعّال) ، وَالنُّون أَصْلِيَّة، وَلَا يُصرف مِنْهُ فِعْل.
قَالَ: وَهُوَ و (البأج) فِي معنى وَاحِد.
قلت: وَكَانَ رَأْي عُمر فِي أعطية النَّاس التَّفْضِيل على السَّوابق، وَكَانَ رَأْي أبي بكر التَّسْوية، ثمَّ رَجع عمر إِلَى رَأْي أبي بكر، وَالْأَصْل فِي رُجُوعه هَذَا الحَدِيث.
سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق السَّعدي يَقُول ذَلِك.
قلت: وبَبَّان، كَأَنَّهَا لُغَة يَمانية.
اللَّيْث: بَبَّة، يُوصف بِهِ الأَحمق.
وَكَانَ رَجُلٌ من قُريش يُقَال لَهُ: بَبَّة، وَكَانَ فِي صِغَره كثير اللَّحْم، فَلذَلِك سُمِّي: بَبّة.
ورَوى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: البَبّ: الغُلام السائِل، وَهُوَ السَّمِين.
وروى عَمْرو، عَن أَبِيه، يُقال: تببّب، إِذا سَمِن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقال للشابّ المُمتلىء البَدن نَعْمة وشَباباً: بَبّة؛ وأَنشد لامْرَأَة تُرقِّص ابْنهَا:
لأنْكِحَنَّ بَبَّهْ
جَارِيَة خِدَبَّهْ
مُكْرَمة مُحَبّهْ
تَجُبّ أَهْلَ الكَعْبَهْ
بِي أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: البَيّ: الخَسِيس من الرِّجال.
وَكَذَلِكَ، ابْن بَيّان، وَابْن هَيّان، كُله الخَسِيس من النَّاس وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: هَيّ بن بيّ، وهَيّان بن بيّان.
قَالَ: ويُقال: إِن (هَيّ بن بَيّ) من ولد آدم، ذَهب فِي الأَرْض كَمَا تَفَرَّق سائرُ ولد آدم، فَلم يُحَسَّ مِنْهُ عَيْنٌ وَلَا أثرٌ وفُقد.
أَخبرني المُنذريّ، عَن أبي طَالب، أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: حَيّاك الله وبَيّاك.
قَالَ: قَالَ الأصمعيّ: معنى (بَيّاك) : أضْحَكك.
وَذكر أَبُو عُبيد أَن آدم لما قُتل ابنُه مَكث مائَة سنةٍ لَا يضْحك، فَقيل لَهُ: حَيّاك الله وبَيّاك؛ فَقَالَ: وَمَا بَيَّاك؟ فَقَالَ: أَضحكك.
رَوَاهُ بِإِسْنَاد لَهُ عَن سَعيد بن جُبَير.
قَالَ أَبُو طَالب: وَقَالَ الآخر فِي (بياك) :

(15/425)


مَعْنَاهُ: بَوّأك مَنْزلاً، فَقَالَ: (بيَّاك) لازدواج الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: بَيَّاك: قَصدك بالتحيَّة؛ وأَنْشد:
لما تَبَيَّيْنَا أخَا تَمِيم
أعْطى عَطاء اللَّحِز اللَّئِيم
وَقَالَ آخر:
باتت تَبَيَّا حَوْضَها عُكُوفَا
مِثْل الصُّفوف لاقت الصُّفُوفَا
أَي: تعتمد حَوْضَها.
وَقَالَ أَبُو مَالك: بَيَّاك: قَرَّبك؛ وأَنْشد:
بَيّا لَهُم إِذْ نزلُوا الطَّعاما
الكِبْدَ والمَلْحَاءَ والسَّنَامَا
ويُقال: بَيَّيْت الشَّيْء وبَيّنته، إِذا أَوْضحته.
والتّبْيِيُ: التَّبْيِين من قُرب.
بَاء: اللَّيْث: الْبَاءَة والمَباءة: منزل الْقَوْم حيثُ يَتَبّوءون من قِبَل وادٍ أَو سَنَد جَبَلٍ.
ويُقال: كُلّ مَنْزل يَنْزله الْقَوْم؛ قَالَ طرفَة:
طيِّبو الْبَاءَة سَهْلٌ وَلَهُم
سُبُلٌ إِن شِئْتَ فِي وَحْش وَعِر
قَالَ: والمَباءة أَيْضا: مَعْطن الْقَوْم لِلْإِبِلِ حَيْثُ تُناخ فِي المَوارد.
يُقَال: أبأنا الْإِبِل إباءة، أَي أَنَخْنَا بعضَها إِلَى بعض؛ وَأنْشد:
حَلِيفان بَينهمَا مِيرةٌ
يُبِيآن فِي عَطَنٍ ضَيِّقِ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: المَباءة: المَنزل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم، عَنهُ: يُقَال: تبوّأ فلَان منزلا، إِذا اتَّخذه.
وبَوَّأْته مَنْزِلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أبأت القَوْمَ مَنْزِلاً.
وأبأت الإبلَ، فَأَنا أُبيئها إباءةً، إِذا رَدَدْتها إِلَى المَباءَة، وَهِي المَراحُ الَّذِي تَبيت فِيهِ.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ} (العنكبوت: 58) .
يُقال: بَوّأته منزلا، وأَثْوَيته منزلا، سَوَاء، مَعْنَاهُمَا: أنزلته.
وَقَالَ الْأَخْفَش: أبأت بِالْمَكَانِ: أَقَمْت بِهِ.
وبَوّأك بَيْتاً: اتّخذت لَك بَيْتاً.
وَقَوله تَعَالَى: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (يُونُس: 87) أَي: اتَّخِذَا.
أَبُو زَيد: أبأت الْقَوْم مَنزلاً، وبَوَّأتهم منزلا، تَبْوِيئاً، إِذا نَزلت بهم إِلَى سَنَد جَبل أَو قِبَل نَهْر.
قَالَ: وَالِاسْم: المَباءة، وَهُوَ المَنزل.
شَمِر، عَن الْفراء، يُقَال: تَبَوّأ فلَان منزلا، إِذا نَظر إِلَى أَسْفَل مَا يُرَى وأشَدِّه

(15/426)


اسْتِوَاء وأَمْكنه لِمَبيته فاتَّخذه.
قَالَ شَمر: وَقد قَالُوا: تَبَوّأ: هيّأ وأَصلح.
وتَبَوَّأ: نَزل وَأقَام.
قَالَ: والمعنيان قريبان.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فَلْيَتَزوَّج، ومَن لم يَسْتطع فَعَلَيهِ بالصَّوْم فإِنه لَهُ وجَاء) .
أَرَادَ ب (الْبَاءَة) : النِّكَاح والتَّزْويج.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاءَة، أَي: على النِّكاح؛ وأَنْشد:
يُعْرِس أَبْكاراً بهَا وعُنّسَا
أكرمُ عِرْسٍ باءَةً إِذْ أَعْرَسَا
قلت: ويُقال: للجماع نَفسه: باءة.
وَالْأَصْل فِي (الْبَاءَة) : الْمنزل، ثمَّ قيل لِعَقْد التّزويج: باءة، لأنّ من تزوج امْرَأَة بَوَّأها مَنْزِلاً.
سَلمة، عَن الفرّاء: الْبَاءَة: النِّكاح، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة.
وَالنَّاس يَقُولُونَ: الباه.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْبَاء، والباءة، والباه: مقولاتٌ كُلّها.
ابْن الْأَنْبَارِي: الْبَاء: النِّكاح.
يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاء، والباءة، والباه، بِالْهَاءِ وَالْقصر، أَي: على النِّكاح.
والباءة: الْوَاحِدَة. وَالْبَاء: الْجمع.
قَالَ: وتُجمع (الْبَاءَة) على (الباآت) ؛ وأَنْشد:
يأيّها الرّاكبُ ذُو الثَّبات
إِن كنت تَبْغي صاحبَ الباآتِ
فاعْمِد إِلَى هاتيكم الأبيات
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: بَاء فلانٌ بِبِيئة سَوْء، أَي: بِحَال سَوْء.
ويُقال: فِي أَرض فلَان فلاةٌ تُبِيء فِي فلاة، أَي: تذْهب.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} (الْبَقَرَة: 90) .
قَالَ: باءُوا، فِي اللُّغَة: احْتَملوا.
يُقال: بُؤت بِهَذَا الذَّنْب، أَي: احْتَملتُه.
وَقيل: باءوا بِغَضب، أَي: بإثم اسْتَحّقوا بِهِ النَّار، على إِثْم تقدّم اسْتَحقّوا بِهِ أَيْضا النَّار.
وَقيل: باءوا: رجعُوا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَاء بإثمه، ويبُوء بِهِ بَوْءاً، إِذا أَقَرَّ بِهِ.
قَالَ: وباء فلانٌ بفلانٍ، إِذا كَانَ كُفْئاً لَهُ يُقْتل بِهِ، وَمِنْه قَول المُهلهل لِابْنِ الْحَارِث بن عَبَّاد حِين قَتله: بُؤ بِشسْع نَعْل كُلَيب.
مَعْنَاهُ: كن كُفْئاً لِشِسْع نَعْله لَا لِدَمه.
قَالَ الزجّاج: معنى: بَاء بذَنبه: احْتمله، وَصَارَ المُذْنب مَأْوَى الذَّنْب.

(15/427)


وبَوّأته منزلا، أَي: جعلته: ذَا مَنْزل.
وَقَالَ أَبُو زيد: بُؤْتُ بالذَّنْب أبُوء بِهِ بَوْءًا، إِذا اعْتَرَفْتَ بِهِ.
وباءَ الرجُل بِصَاحِبِهِ، إِذا قُتل بِهِ.
قَالَ صَخْر الغَيّ يَمْدح سَيْفاً لَهُ:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبتُه
أَبيض مَهْوٍ فِي مَتْنة رُبَدُ
الخَشِيبة: الطَّبع الأول قبل أَن يُصْقل ويُهيّأ.
فَلَوْتُ عَنهُ سُيوف أَرْ
يَحَ حتَّى باءَ كَفِّي وَلم أَكد أجِدُ
فلوت: انْتَفيت. أَرْيح، من الْيمن. بَاء كَفِّي، أَي: صَار كفِّي لَهُ مباءَةً، أَي: مرجعاً.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو العبّاس، قَالَ أَبُو عُبيدة: يُقال: الْقَوْم بَواء، أَي سَوَاء.
وَيُقَال: مَا فلانٌ لفلانٍ بِبَواء، أَي: مَا هُوَ بكفء.
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقال بَاء فلَان بفلانٍ، إِذا قُتل بِهِ وَصَارَ دَمُه بِدَمه. والبَواءُ: السَّواء. يُقَال: القومُ على بَوَاء.
وقَسم المَال بَينهم على بَوَاء، أَي: على سَواء.
وأبأتُ فلانَاً بفلانٍ: قَتَلْتُه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَين حَيَّين من الْعَرَب قِتالٌ، وَكَانَ لأحد الحَيّين طَوْلٌ على الآخرين، فَقَالُوا: لَا نَرْضى حَتَّى يُقتل بالعَبد منّا الحُرّ مِنْهُم، وبالمرأة الرّجُل. فأَمرهم النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتباءَوا.
قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا رُوي لنا: يتباءوا، بِوَزْن (يتباعوا) .
وَالصَّوَاب: عندنَا يَتَبَاوَءُوا، بِوَزْن (يتباوعوا) مثل: يتقاولوا، من (القَول) .
وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ: (الْجِرَاحَات بَوَاء) ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُتساوية فِي القِصاص، وَأَنه لَا يُقْتص للمجروح إلاّ من جارحه الْجَانِي عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْخَذ إِلَّا مثل جراحته سَوَاء، وَذَلِكَ: البَواء؛ وَقَالَت ليلى الأخيلية فِي مقتل تَوْبَة بن الحُمَيِّر:
فإِن تَكن القَتْلى بَوَاءً فإِنّكم
فَتى مَا قتلتُم آلَ عَوْفِ بن عامِرِ
قَالَ: وأنْشدني الْأَحْمَر لرجُل قَتل قَاتل أَخِيه:
فقلتُ لَهُ بُؤ بامرىءٍ لَسْتَ مِثْلَه
وَإِن كنتَ قُنْعاناً لمن يَطلبُ الدَّمَا
يَقُول: أَنْت وَإِن كنت فِي حَسَبك مَقْنعاً لكُل مَنْ طَلبك بثأْرٍ فلستَ مِثلَ أَخِي.
وَإِذا أَقَّص السُّلطانُ رجلا برجُل، قيل: أباء فلَانا بفلان؛ قَالَ طُفَيل الغَنَوي:

(15/428)


أباء بقَتْلانَا من القومِ ضعْفَهم
وَمَا لَا يُعَدّ من أَسِيرٍ مُكَلَّبِ
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَحْمَر: فإِن قَتله السّلطانُ بقَود، قيل: قد أقاد السَّلطانُ فلَانا، وأَقَصَّه، وأَباءه، وأَصْبره.
وَقد أبأتة أُبيئه إباءةً.
وَقَالَ ابْن السِّكيت فِي قَول زُهير بن أبي سُلْمَى:
فَلم أَرَ مَعْشراً أَسَرُوا هَدِيًّا
وَلم أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ
قَالَ: الهَدِيّ: ذُو الحُرمة. وَقَوله: يُستباء، أَي: يُتَبوّأ، تُتَّخذ امْرَأَته أَهْلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: يُسْتباء، من (البَواء) ، يُرِيد: (القَوَد) ، وَذَلِكَ أَنه أَتاهم يُريد أَن يَسْتجير بهم فَأَخَذُوهُ وقتلوه بِرَجُل مِنْهُم.
اللَّيْث: يُقَال: بَوّأت الرُّمح نَحْو الْفَارِس، إِذا سَدَّدته قَصْده وقابَلْته بِهِ.
ويُقال: هم بَوَاء فِي هَذَا الْأَمر، أَي: أكْفاء ونُظَراء.
وَقَالَ أَبُو الدُّقيش: كلّمناهم فأَجابوا عَن بَواء وَاحِد، أَي: أَجابُوا كُلّهم جَوَابا وَاحِدًا؛ وَأنْشد للتَّغلبيّ:
أَلا تَنْتَهِي عنّا مُلوكٌ وتَتَّقي
مَحارِمَنا لَا يُبْأه الدَّم بالدَّم
ويُروى: لَا يَبْؤؤ الدَّم بالدّمِ، أَي: حِذارَ أَن تَبوء دِمَاؤُهُمْ بدماء من قَتَلُوهُ.
بو: اللَّيْث: البَوّ، غير مَهْمُوز: جِلد حُوار يُحْشى تبْناً تُظْأر عَلَيْهِ نَاقَة فَترْأمه.
قَالَ: والرَّمَاد: بَوّ الأثافِيّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَوي: الرَّجُل الأَحْمق.
وب: الوَبّ: التهَّيؤ للحملة فِي الحَرْب.
يُقَال: هَبّ، ووَبّ، إِذا تهيّأ للحَمْلة.
قلت: الأَصْل فِيهِ: أَب، فقُلبت الْهمزَة واواً.
أَب: وَقَالَ أَبُو عُبيدة: أَبَبْت أؤبّ أَبًّا، إِذا عَزمت على المَسير وتَهيّأت؛ قَالَ الأعْشى:
صَرَمْتُ وَلم أَصْرِمْكمُ وكصارِمٍ
أخٌ قد طَوى كَشحاً وأَبَّ لِيَذْهَبا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للظِّباء: إِن أَصَابَت المَاء فَلَا عَباب، وَإِن لم تُصب المَاء فَلَا أَباب، أَي: لم تأتَبّ لَهُ وَلم تَتهيَّأ لِطَلبه.
وَقَوله تَعَالَى: {غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} (عبس: 31) . قَالَ الفَرّاء: الأبّ: مَا تَأْكُله الأَنْعام.
وَقَالَ الزجّاج: الأبّ: جَمِيع الْكلأ الَّذِي تَعتلفه الْمَاشِيَة.
وَقَالَ عَطاء: كل شَيْء يَنْبت على وَجه الأَرْض، فَهُوَ الأبّ.

(15/429)


وَقَالَ مُجَاهِد: الْفَاكِهَة: مَا أكله النَّاس؛ والأبّ: مَا أكلت الْأَنْعَام؛ وَأنْشد بَعضهم:
جِذْمنا قَيْسٌ ونجْدٌ دارُنا
وَلنَا الأبّ بِهِ والمَكْرَعُ
ثَعْلَب: عَن ابْن الاعرابي: أبّ، إِذا حَرّك.
وأَبّ، إِذا هَزم بحَمْلة لَا مَكذوبةَ فِيهَا.
اللَّيْث: يُقال: أَبَّ فلانٌ يَده إِلَى سَيْفه، أَي: رَدَّ يدَه لِيَسْتلّه.
بأى: أَبُو زيد: بأوت على الْقَوْم أَبأى بأواً، إِذا فَخرت عَلَيْهِم.
وَقَالَ اللّحياني: بَأَوت أَبْأَى بَأْواً، وبَأَيْت أبأَى بَأْياً، لُغَتَانِ.
سَلمَة، عَن الْفراء: البَأَواء، يُمد ويُقْصر، وَهِي العظمة. والبأْو، مثله.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: بَأَى يَبْأَى، مِثَال: بَعَى يَبْعى، بأْواً، مثل (بَعْواً) ؛ وأَنْشد أَبُو حَاتِم:
فَإِن تَبْأَيْ بِبَيْتك مِن مَعَدَ
يَقُل تَصْديقَك العُلماءُ جَيْرِ
وَقَالَ بَعضهم: بأَوت أبؤو، مثل (أبعو) ، وَلَيْسَت بجيِّدة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بأى، أَي شقّ شَيْئا. وَيُقَال: بأى بِهِ، بِوَزْن: بَعى بِهِ، إِذا شَقّ بِهِ.
سَلمة، عَن الْفراء: بَاء بِوَزْن (بَاعَ) ، إِذا تكبر، كَأَنَّهُ مقلوب من (بأى) ، كَمَا قَالُوا: رَاء، وَرَأى.
بأبأ: اللَّيْث: البأبأة: قَول الْإِنْسَان لصَاحبه: بِأبي أَنْت، وَمَعْنَاهُ: أفديك بِأبي، فُيشتْق من ذَلِك فِعل، فيُقال: بأْبَأَ بِهِ.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: وإبابَا أَنْت، جعلوها كلمة مبنيّة على هَذَا التّأسيس.
قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه: يَا وَيْلتا، مَعْنَاهُ: يَا ويلتى، فقُلبت الْيَاء ألفا، وَكَذَلِكَ: يَا أَبتَا، مَعْنَاهُ: يَا أبتى.
وعَلى هَذَا توجّه قِرَاءَة من قَرَأَ: (يَا أَبَت إنِّي رأيْتُ) .
أَرَادَ: يَا أبتا: وَهُوَ يُرِيد يَا أبتي، ثمَّ حَذف الْألف.
وَمن قَالَ: يَا بِيَبَا: حوّل الْهمزَة يَاء، وَالْأَصْل: يَا بَابَا، مَعْنَاهُ، يَا بِأبي.
والفِعل من هَذَا: بَأبَأ يُبَأبىء بَأْبَأَةً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البأباء: مَمْدُود: ترقيص المَرأة ولَدها.
والبأباء: زَجْر السِّنور، وَهُوَ الغِسّ؛ وأَنشد ابْن الأعرابيّ لرجل فِي الْخَيل:
وهُنّ أهلُ مَا يَتمازَيْن
وهُن أهل مَا يُبَأْبَيْن
أَي: يُقَال لَهَا: يَأْبَى فرسي، نجّاني يَوْم كَذَا، و (مَا) فيهمَا صلَة، مَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ

(15/430)


يَعْنِي الْخَيل أهل للمُناغاة بِهَذَا الْكَلَام، كَمَا يُرقَّص الصّبيّ، وَقَوله: يتمازَين، أَي: يتفاضلْن.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: تَبأبأت تَبَأْبُؤاً، إِذا عَدَوْت؛ وأنْشد ابْن السِّكِّيت:
وَلَكِن يُبَأْبِئُه بُؤْبؤٌ
وبِئْباؤَه حَجَأٌ أَحْجؤُه
وَقَالَ ابْن السِّكيت: يُبأْبئه: يُفدِّيه. بؤبؤ: سيّد كريم. وبئباؤه: تفديته. وحَجأَ، أَي: فَرح. أحجؤه، أَي: أفرح بِهِ.
والبؤبؤ: إِنْسَان الْعين الَّذِي بِهِ تُبصر.
وَفُلَان فِي بُؤْبؤ صِدْق، أَي: فِي أَصْل صِدْق.
أَبَا: قَالَ ابْن السِّكيت: يُقال: أَبَوْتُ الرَّجُلَ آبوه، إِذا كنتَ لَهُ أَبَا.
ويُقال: مَا لَهُ أبٌ يَأْبُوه، أَي: يَغْذوه ويُربِّيه.
قَالَ: وأَبَيْت الشَّيْء آباه إباءً: كرهته.
أَبُو عُبيد: تأَبَّيْت أَبَا، أَي اتَّخذت أَبَا، وتأَمَّيت أُمّاً، وتَعَمَّمت عمّاً.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فلَان يأْبُوك، أَي يكون لَك أَبَا؛ وأنْشد لِشَرِيك بن حَيَّان العَنبريّ يَهجو أَبَا نُخَيلة:
يَا أَيُّهذا المُدَّعي شَرِيكا
بَيِّن لنا وحَلِّ عَن أَبِيكَا
إِذا انْتَفَى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا
وقَد سأَلنا عَنْك مَن يَعْزُوكَا
إِلَى أبٍ فكلُّهم يَنْفيكا
فاطْلُب أبَا نَخْلَة مَن يأبُوكا
وادَّع فِي فَصيلة تُؤْويكا
اللَّيْث: يُقال: فلَان يأْبُو هَذَا اليَتيم إباوةً، أَي: يَغْذوه كَمَا يَغذو الوالدُ ولدَه.
أَبُو عُبيد، عَن اليزيديّ: مَا كنتَ أَبَا، وَلَقَد أَبيت أُبُوَّة.
وَمَا كنت أُمّاً، وَلَقَد أَمِمْت أُمُومةً.
وَمَا كنتَ أَخا، وَلَقَد أَخَّيت وتأَخَّيت.
وَقَالَ غَيره: مَا كنت أَبَا، وَلَقَد أَبَوْت.
وَمَا كنت أَخا، وَلَقَد أَخَوْت.
وَمَا كنت أُما، وَلَقَد أَمَوْت.
وَيُقَال: هما أَبَواه، لِأَبِيهِ وأُمّه.
وَجَائِز فِي الشّعْر: هما أَبَاه.
وَكَذَلِكَ: رَأَيْت أَبَيْه.
واللغة الْعَالِيَة: رَأَيْت أَبَويه.
قَالَ: وَيجوز أَن يُجمع (الْأَب) بالنُّون. فيُقال: هَؤُلَاءِ أبونكم، أَي: آباؤكم، وهم الأبون.
قلت: وَالْكَلَام الجيّد فِي جمع (الْأَب) : هَؤُلَاءِ الْآبَاء، بِالْمدِّ.
وَمن الْعَرَب من يَقول: أُبُوّتنا أكْرم الْآبَاء، يجمعُونَ (الْأَب) على (فعولة) ، كَمَا يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ عُمومتنا وخُؤولتنا؛ وَقَالَ

(15/431)


الشَّاعِر فِيمَن جمع (الْأَب) أَبِين:
أقبل يَهْوِي مِن دُوَيْن الطِّرْبَالْ
وهْو يُفدَّى بالأبين والخالْ
رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنكح الْمَرْأَة لمالها وحسبها، عَلَيْك بِذَات الدِّين تَرِبَت يَداك) .
قَالَ أَبُو عُبيد: هَذِه كلمة جاريةٌ على لِسَان الْعَرَب يقُولونها وَلَا يُريدن وقُوع الْأَمر.
قَالَ: وَزعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أبَ لَك، مَدح؛ وَلَا أُمّ لَك، ذمٌّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجَدنا (لَا أُم لَك) وُضع مَوضِع الْمَدْح أَيْضا، وَاحْتج بِبَيْت كَعب بن سعد الغَنوي يرثي أَخَاهُ:
هوت أُمّه مَا يبْعَث الصُّبْحُ غادياً
وماذا يُؤدي اللَّيْل حِين يؤوبَ
وَإِنَّمَا رد أَبُو الْهَيْثَم بِهِ على أبي عُبيد قَوْله وَقَالَ: إِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمّه، وويل أُمّه، وَلَيْسَ للرَّجُل فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يشبه هَذَا قَوْلهم، فِي: لَا أُمَّ لَك.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذا قَالَ الرّجُل للرجل، لَا أُمَّ لَك، فَمَعْنَاه: لَيْسَ لَك أُمٌّ حُرّة، وَهُوَ شَتْم.
وَذَلِكَ أنّ بَني الْإِمَاء لَيْسوا بمَرْضِيِّين ولاحِقين بِبَني الأحْرار والأَشراف.
قَالَ: وَلَا يَقُول الرجلُ لصَاحبه: لَا أمّ لَك، إِلَّا فِي غَضبه عَلَيْهِ وتَقْصيره بِهِ شاتماً لَهُ.
وأمّا إِذا قَالَ: لَا أَبَا لَك، فَلم يتْرك لَهُ من الشَّتيمة شَيْئا.
وَإِذا أَرَادَ إكرامه قَالَ: لَا أَبَا لشانيك. وَلَا أبَّ لشانيْك، وَمَا أشبه ذَلِك.
روى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن شُميل أَنه سَأَلَ الخليلَ عَن قَول الْعَرَب: لَا أَبا لَك. فَقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا كافِيَ لَك.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: أَنَّك تُجْزَى أَمرك، وَهَذَا أَحْمد.
قَوْلهم: لَا أُم لَك، أَي: أَنْت لَقيط لَا تُعرف لَك أُمّ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، كَلمةٌ تَفْصل بهَا العربُ كلامَها.
وَقَالَ المبرّد: يُقال: لَا أَبَ لَك، وَلَا أبك، بِغَيْر لَام.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: اسْتَئِب أَباً، واسْتأبِبْ أَباً، وتأَبَّ أَباً، واسْتَئمّ أُمّاً، واسْتَأْمَم أُمّاً، وتأَمَّم أمّاً.
قلت: وَإِنَّمَا شُدِّد (الْأَب) وَالْفِعْل مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصْل غير مشدّد، لِأَن (الْأَب) أَصله: أَبُو، فزادوا بدل (الْوَاو) يَاء، كَمَا قَالُوا: قِنّ، للْعَبد، وَأَصله: قِنْيٌ.

(15/432)


وَمن الْعَرَب من قَالَ ل (الْيَد) : يدّ، فشدّد الدَّال، لِأَن أَصله: يَدْيٌ.
وَمن المَكنِيّ بِالْأَبِ قولُهم:
أَبُو الْحَارِث: كنية الْأسد.
وَأَبُو جَعدة: كنية الذِّئب.
وَأَبُو حُصَين: كُنية الثَّعلب.
وَأَبُو ضَوَطرى: الأحمق.
وَأَبُو حُباحب: للنار الَّتِي لَا يُنتفع بهَا.
وَأَبُو جُخادب: للجراد.
وَأَبُو برَاقش: لطائر مُبَرْقش.
وَأَبُو قَلَمون: لثوبٍ يتلوّن ألواناً.
وَأَبُو قُبيس: جَبل بمكّة.
وَأَبُو دارس: كُنيته الفَرْج، من (الدَّرس) ، وَهُوَ الحَيْض.
وَأَبُو عَمْرة: كنيته الجُوع؛ قَالَ:
حَلّ أبُو عَمْرة وَسْط حُجْرَتي
وَأَبُو مَالك: كُنية الْهَرم؛ وَقَالَ:
أَبَا مالكٍ إنّ الغَواني هَجَرْنني
أَبَا مالكٍ إنِّي أَظُنّك دائِبَا
أَبى يَأْبَى: أَبُو زيد: يُقال: أَبَى التَّيْس، وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص. وتَيس: آبَى. وعَنْز أَبْواء، فِي تُيوس أُبْوٍ. وأَعْنُز أُبْو؛ وَذَلِكَ أَن يَشم التَّيس من المِعزى الأهليّة بَوْل الأُرْوِيّة فِي مواطنها فَيَأْخذهُ من ذَلِك داءٌ فِي رَأسه ونُفَّاخ فَيرم رَأسه ويقتُله الداءُ فَلَا يكَاد يُقْدر على أكل لَحْمه من مَرارته.
وربّما أَبِيت الضأنُ من ذَلِك، غير أَنه قلّما يكون ذَلِك فِي الضَّأْن؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر لراعي غَنم لَهُ أَصابها الأُباء:
أقولُ لِكَنّازٍ تَدَكَّلْ فإنّه
أَبى لَا أظنّ الضأنَ مِنْهُ نَواجِيَا
فيا لكِ من أَرْوى تعادَيْت بالعَمَى
ولاقَيْت كَلاَّباً مُطِلاً ورامِيَا
أَبُو عبيد، عَن أبي زِيَاد الكِلابي والأَحمر: أَخذ الغَنم الأبَى، مَقْصُور، وَهُوَ أَن تشرب أَبْوَال الأَرْوَى فيُصيبها مِنْهُ دَاء.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ: إِذا شَمّت الماعزةُ السّهْليَّة بَول الماعزة الجَبليّة، وَهِي الأرْويّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تكَاد تَبرأ، فَيُقَال: أَبِيت تَأْبَى.
قلت: قَوْله (تَشْرب أَبْوَال الأرْوى) خطأ، إِنَّمَا هُوَ تشمّ؛ كَمَا قَالَ أَبُو زَيد.
وَكَذَلِكَ سمعتُ الْعَرَب.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، فِي قَول العَرب: إِذا حَيَّا أحدُهم الْملك، قَالَ: أَبَيت اللَّعن.
قَالَ: أَبيت أَن تأَتي من الْأُمُور مَا تُلْعن عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: لم يجىء عَن الْعَرَب حَرفٌ على (فَعَل يَفْعَل) مَفْتُوح الْعين فِي الْمَاضِي والغابر، إِلَّا وثانيه أَو ثالثه أحد

(15/433)


حُروف الْحلق، غير: أَبَى يَأْبَى، فَإِنَّهُ جَاءَ نَادرا.
قَالَ: وَزَاد أَبُو عَمْرو: رَكن يَرْكَن، أَيْضا.
وَخَالفهُ الفَرّاء فَقَالَ: إِنَّمَا يُقال: رَكَن يَرْكُن، ورَكِنَ يَرْكَن.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: لم يُسمع من الْعَرَب (فَعَل يَفْعَل) ممّا لَيْسَ لامه أَو عينه من حُروف الْحلق إلاّ: أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجَى يَشْجَى.
وَزَاد المبرّد: جَبَى يَجْبَى.
قلت: وَهَذِه الأحرف أَكثر الْعَرَب فِيهَا على: قَلَى يَقْلِي، وغَشِي يَغْشَى، وعَشى اللَّيْل يَعْشو، إِذا أظلم، وشَجاه يَشْجوه، وشَجِي يَشْجى، وجَبَا يَجْبِي.
ويُقال: رجلٌ أبِيّ، ذُو إباء شَديد، إِذا كَانَ يَأْبَى أَن يُضام.
ورَجُلٌ أَبَيَان: ذُو إبَاء شَدِيد.
ويُقال: تأَبّى عَلَيْهِ تأَبِّياً، إِذا امْتنع عَلَيْهِ. ورجُلٌ أبّاء، إِذا أَبَى الضَّيم.
ويُقال: أَخذه أُبَاءٌ، إِذا كَانَ يَأَبى الطَّعام فَلَا يَشْتهيه.
وَقَالَ بعضُهم: آبى المَاء، أَي امْتنع أَن ينزل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير.
وَإِن نزل فِي الركيَّة ماتحٌ فأَسِنَ، فقد غَرَّر بِنَفسِهِ، أَي خاطر بهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: آبى، أَي: نقَص.
رَوَاهُ عَن المُفضل؛ وَأنْشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلي ولكنْ وَزَعْتُها
تُسَرّ بهَا يَوْمًا فآبَى قَتَالُها
ورَواه أَبُو نَصْر، عَن الْأَصْمَعِي: فأَنّى قَتَالها، أَي: من أنَّى قَتَالها.
وروى أَبُو عمر، عَن أَحْمد بن يحيى، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: الأَبِي: السَّنِق من الْإِبِل.
والأبيّ: المُمْتنعَة من العَلف لِسَنَقها، والمُمتنعة من الْفَحْل لقلّة هَدَمها.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: المُؤْبِي: الْقَلِيل من المَاء.
وَحكى: عندنَا ماءٌ مَا يُؤْبَى، أَي: مَا يقل.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْمَاء إِذا انْقَطع: مَاء مُؤْبىً.
وَيُقَال: عِنْده دَراهم لَا تُؤْبى، أَي لَا تَنْقَطِع.
وركَّية لَا تُؤْبى: لَا تَنْقطع.
وأوبِى الفصيلُ عَن لبن أمه، أَي اتَّخم عَنهُ لَا يَرْضعها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُؤْبِي: الْقَلِيل.
وبا: أَبُو زيد: يُقال: وَبئت الأرضُ تَوْبأ وَبَأً.
وَهِي أَرض مَوْبُوءة، وَأَرْض وَبِئة، إِذا كثر مَرضُها.

(15/434)


وَقَالَ القُشيريون: وَبِئت الأرضُ تِيبَأُ، وأَوْبأت إيباءً.
وَهُوَ فصيل مُوبىً، إِذا سَنِق لآمْتِلائه.
وَقَالَ اللّحياني: مَاء مُوبىء، أَي وَبىء، مَن شَربه مرض.
قَالَ شَمر: وَقَالَ ابْن شُميل: أَرض وَبئة، على فعلة، ومَوْبوءة.
وَقد وَبئت، إِذا كَثر مَرضهَا.
وَيُقَال: وَبيئة، على (فعيلة) .
وَالْبَاطِل وبيء لَا تُحمد عاقبته.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أرضٌ وبئة، على (فعلة) ، ووبيئة: على (فعيلة) .
ابْن بُزُرْج: أَوْمأت بالعَينين والحاجبَين، ووبَأْتُ باليَدين والثَّوب والرَّأْس.
قَالَ: ووبأت الْمَتَاع، وعَبَأته، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: وبأت إِلَيْهِ، مثل: أَوْمَأت إِلَيْهِ.
آب: يُقَال: آب الْغَائِب يَؤُوب إياباً.
قَالَ الفَرَّاء: وأوبة؛ وأيبة؛ ومآبا، إِذا رَجَع.
ويُقال: لِتَهنئك أوبة الْغَائِب، أَي: إيابه.
والمآب: المَرجع.
وآبت الشَّمْس تؤوب مآباً، إِذا غَابَتْ فِي مآبها، أَي: فِي مغيبها؛ وَقَالَ تُبّع:
فَرَأى مَغيب الشَّمْس عِنْد مآبها
فِي عَين ذِي خُلُب وثَأطٍ حَرْمَدِ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا أقبل من سَفر قَالَ: (آيبون تائبون لربِّنا حامدون) .
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ} (ص: 25 و 40) أَي: حُسن الْمرجع الَّذِي يَصير إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
وَيُقَال: جَاءَ النَّاس من كل أَوب، أَي: مِن كُل وَجه.
وَيُقَال: مَا أحسن أوْبَ ذراعَي هَذِه النَّاقة، وَهُوَ رَجعها قَوَائِمهَا فِي السّيْر.
وَقَالَ شَمر: كل شَيْء يَرجع إِلَى مَكَانَهُ فقد آب يَؤُوب إياباً، إِذا رَجَعَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سبأ: 10) .
وَقَرَأَ بَعضهم: (يَا جبال أُوبي مَعَه) .
فَمن قَرَأَ (أَوِّبي مَعَه) ، مَعْنَاهُ: رَجِّعي مَعَه التَّسْبيح.
وَمن قَرَأَ (أُوبي مَعَه) فَمَعْنَاه: عُودي مَعَه فِي التَّسبيح كلّما عَاد فِيهِ.
قَالَ أَبُو بكر: فِي قَوْلهم (رجل أوّاب) سَبعة أَقْوَال:
قَالَ قوم: الأوّاب: الراحم.
وَقَالَ قوم: الأوّاب: التائب.
وَقَالَ سَعيد بن جُبير: الأوّاب: المُسبِّح.
وَقَالَ ابْن المسيّب: الأوّاب: الَّذِي يُذْنب

(15/435)


ثمَّ يَتوب، ثمَّ يُذْنب ثمَّ يَتوب.
وَقَالَ قَتَادَة: الأوّاب: المُطيع.
وَقَالَ عُبيد بن عُمير: الَّذِي يَذْكُر ذَنْبه فِي الْخَلَاء فَيسْتغفر الله مِنْهُ.
وَقَالَ أهل اللُّغة: الأواب: الرجّاع الَّذِي يَرجع إِلَى التَّوْبَة والطّاعة.
من: آبَ يؤوب، إِذا رَجَعَ: قَالَ الله تَعَالَى: {تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ} (ق: 32) .
قَالَ عَبيد:
وكُلّ ذِي غَيْبة يَؤُوب
وغائبُ الْمَوْت لَا يَؤُوب
وَقَالَ: تأوّبه مِنْهَا عَقابيل، أَي: رَاجعه.
وَقَالَ غَيره: يُقال للرجل يَرجع باللّيل إِلَى أَهله: قد تأوّبهم وائْتابهم، فَهُوَ مؤتاب ومتأوِّب.
والتأويب، فِي كَلَام الْعَرَب: مَسير النَّهَار كُلّه إِلَى اللّيل.
يُقال: أَوّب يُؤَوّب تَأْويبا.
وَالْمعْنَى: يَا جبال أوبي النَّهَار كلّه بالتّسبيح إِلَى اللَّيْل؛ قَالَ سلامةُ بن جَنْدل:
يَوْمانُ يومُ مُقامات وأنْدية
ويومُ سَيْرٍ إِلَى الأعَداء تَأْويب
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: التأْويب: أَن يسير النَّهَار وَينزل اللَّيْل.
وَقَالَ أَبُو مَالك: أوّب الْقَوْم تأَويباً، أَي: سارُوا بالنّهار.
قَالَ: وأسأدُوا، إِذا سارُوا باللَّيْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال أَنا عُذيقها المُرجَّب وحُجَيرها المُؤَوَّب.
قَالَ: المُؤوب: المُدوّر المقَوَّر المُلَمْلم.
وكلّها أَمْثَال.
قَالَ: والأَوْب: رَجْع الْأَيْدِي والقوائم فِي السَّير؛ قَالَ كَعْب بن زُهير:
كأَنّ أَوب ذِراعَيْها وَقد عَرِقَت
وَقد تَلَفَّع بالقُور العساقِيلُ
أوْبُ يَدَيْ ناقةٍ شَمْطاء مُعْولةٍ
ناحَت وجاوَبها نُكْدٌ مَثاكِيلُ
قَالَ: والمُؤَاوبة: تَبارِي الرَّكب فِي السَّير؛ وأَنْشد:
وإنْ تُؤاوبه تَجِدْه مِثْوَبَا
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: { (الاَْكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} (الغاشية: 25) .
قَالَ: هُوَ بتَخفيف الْيَاء، والتّشديد فِيهِ خطأ.
وَقَالَ الزّجاج: قرىء (إيّابهم) بالتّشديد.
قَالَ: وَهُوَ مصدر: أَيّب إيّاباً، على معنى: فَيْعل فِيعالا، من: آب يَؤُوب.
وَالْأَصْل: إيواباً، فأُدغمت الْيَاء فِي الْوَاو، وانقلبت الْوَاو إِلَى الْيَاء، لِأَنَّهَا سُبقت بسُكون.
قلت: وَلَا أَدْرِي مَن قَرَأَ (إيّابهم)

(15/436)


بالتّشديد، والقُرّاء على (إيابهم) مخفّفاً.
قَالَ: ومآبة الْبِئْر ومثابتها: حَيْثُ يجْتَمع إِلَيْهِ المَاء فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: آبك الله، أَي: أبعدك الله، دُعَاء عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذا أَمرته بخُطّة فعصاك ثمَّ وَقع فِيمَا يكره، فأَتاك فأَخبرك بذلك، فَعِنْدَ ذَلِك تقولُ لَهُ: آبك الله؛ وأنْشد:
فَآبك هَلاّ واللَّيالي بغرَّة
تُلِمّ وَفِي الأيّام عَنك غُفُول
وَقَالَ آخر:
فآبَك ألاّ كُنْت آلَيْت حَلْفةً
عَليه وأغْلقت الرِّتاجَ المُضَبَّبا
أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ سريع الأوبة، أَي: الرُّجوع.
وَقوم يحوّلون الْوَاو يَاء، فَيَقُولُونَ: سريع الأيْبَة.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ} (ص: 17) .
حَدثنَا أَبُو زيد، عَن عبد الْجَبَّار، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عبيد بن عُمير، قَالَ: الأوّاب: الحفيظ الَّذِي لَا يَقوم عَن مَجْلِسه حَتَّى يَسْتغفر.
وَقَالَ الزّجاجُ: الأوّاب: الكثيرُ الرّجوع.
والأوّاب: التوَّاب.
ويُقال: جَاءَ القومُ من كل أَوْب، أَي: من كلّ ناحِية.
ورمينا أوباً أَو أَوْبين، أَي رشقاً أَو رشقين؛ قَالَ ذُو الرّمة يصف صائداً:
طَوَى شَخْصَه حَتَّى إِذا مَا تَودَّفَتْ
على هِيلة من كُلّ أَوْب نِفَالها
على هيلة: أَي: على فَزع وهَول لِما مرّ بهَا مِن الصَّائد مرّة بعد أَخرى. من كُل أَوب، أَي: من كُل وَجْه؛ لِأَنَّهُ لَا مكمن لَهَا من كل وَجه، عَن يَمينها وَعَن شِمالها وَمن خَلفها.
وَأب: اللَّيْث: وَأَب الحافِرُ يَئِب وَأْبةً، إِذا انْضَمَّت سنابِكُه. وإنّه لوأْب الحافِر. وحافرٌ وَأْبٌ: شَديد.
ابْن السِّكيت: حافرٌ وَأْبٌ، إِذا كَانَ قَدْراً، لَا وَاسِعًا عَريضاً وَلَا مَصْرُوراً.
وقِدْرٌ وَئيبة، من: الْحَافِر الوَأْب.
وقِدْرٌ وَئِية، بياءين، من: الفَرس الوآة.
أَبُو عُبيد: الإبَة: العَيْب: وأَنْشد:
عَصَبْن برَأْسه إبَةً وعارَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: التُّؤَبَةُ: الاستحياء، وَأَصلهَا: وُأَبة، مَأْخُوذ من (الإبة) ، وَهُوَ العَيب.
قَالَ أَبُو عَمْرو: تَغدَّى عِنْدِي أعرابيّ فَصِيح من بني أَسَد، فَلَمَّا رَفع يدَه قُلت لَهُ: ازْدَد؛ فَقَالَ: وَالله مَا طَعَامك يأبا عَمْرو بِذِي تُؤبة، أَي: لَا يُسْتَحيا مِن

(15/437)


أكله.
وَقد اتَّأَب الرَّجُل من الشَّيْء يَتَّئِب، فَهُوَ مُتَّئِب، وَهُوَ افتعال، من (الإبة) ، و (الوأب) . وَقد وَأَب يَئِب، إِذا أَنِف.
وأوأبت الرّجل، إِذا فعلت بِهِ فعلا يُسْتحيا مِنْهُ؛ وَأنْشد شَمر:
وإنّي لكَىءٌ عَن المُوئِبات
إِذا مَا الرَّطيء انْمأَى مَرْتَؤُهْ
ابْن شُمَيْل: ركّية وَأْبة: قَعِيرة.
وقَصْعة وَأْبة: مُفَلْطحة واسِعة.
بوب بيب: اللَّيْث: البابُ: مَعْرُوف، وَالْفِعْل مِنْهُ: التَّبْوِيب. والبابة، فِي الْحُدُود والحساب وَنَحْوه: الْغَايَة. والبابة: ثَغر من ثُغور الرّوم. وَبَاب الأَبواب: من ثُغور الْخَزَر. والبوّاب: الحاجِب.
وَلَو اشْتَقّ مِنْهُ فِعل على (فِعَالة) لقيل: بِوَابة، بِإِظْهَار الْوَاو، وَلَا يُقلب يَاء، لأنّه لَيْسَ بمَصْدر مَحْض، إنّما هُوَ اسْم.
قَالَ: وَأهل البَصْرة فِي أسواقهم يُسمُّون الساقي الَّذِي يَطُوف عَلَيْهِم بِالْمَاءِ: بَيَّاباً.
ثَعْلَب: بَاب فلانٌ، إِذا حَفَر كُوَّة، وَهُوَ البِيبُ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: البِيبُ: كُوَّة الْحَوْض، وَهِي مَسيل المَاء، والصُّنْبور، والثَّعْلَب، والمَثْعب، والأسْكُوب.
أَبُو عُبَيد: تَبَوَّبْت بَوَّاباً، أَي: اتَّخذت بَوَّاباً.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقال: أَتَانَا فلانٌ بِبَابِيَّة، أَي: بأُعجوبة؛ وأَنْشد قَول الجَعدِيّ:
ولكنّ بابيّةً فاعْجَبُوا
حَدِيث قُشَير وأفْعالُها
بابيّة: عَجِيبة.
اللَّيْث: البابيّة: هَدير الفَحل فِي تَرْجيعه تكْرَار لَهُ؛ قَالَ رُؤْبة:
بَغْبَغةً مرًّا ومَرًّا بابِيَّا
وَقَالَ أَيْضا:
يَسُوقُها أَعْيَسُ هدَّارٌ بَبِبْ
إِذا دَعَاهَا أَقْبَلت لَا تَتَّئِبْ
وبَيْبة: اسْم؛ وأنْشد:
ومارَ دَمٌ مِن جارِ بَيْبة ناقِعُ
وبالبَحْرين موضعٌ يُعرف ببابَيْن، وَفِيه يَقُول قائلُهم:
إِن ابْن بُورٍ بَيْن بابَيْن وجَمْ
والخيلُ تَنْحاه إِلَى قُطْر الأَجَمْ
وضبَّةُ الدُّغْمانُ فِي رُوس الأَكَمْ
مُخْضَرّةً أعْيُنها مِثْلُ الرَّخَمْ
عَمْرو، عَن أَبِيه: وبَوّبَ الرَّجُلُ، إِذا حَمل على العَدُوّ.
والبَوْبَاة: الفلاة، وَهِي المَوْمَاة.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: هَذَا من بابَتِي.

(15/438)


قَالَ يَعقوب بن السِّكيت وَغَيره: البابة، عِنْد الْعَرَب: الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
وَقَالَ أَبُو العَميثل: البابَة: الخَصْلة.
وَقيل: بابات الكِتاب: سُطُوره.
بابة، وبابات، وأبواب؛ وأنْشد لِتَميم بن مُقْبل:
تخيَّر بابات الكِتَاب هِجائيَا
قَالَ: مَعْنَاهُ: تخيّر هجائي من وُجوه الكِتاب.
فَإِذا قَالَ النَّاس: من بابتي، فَمَعْنَاه: من الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
قَالَ ابْن دُريد: البِيبَة: المَثْعب الَّذِي يَنصب مِنْهُ المَاء إِذا أُفْرغ من الدَّلو فِي الْحَوْض. وَهُوَ البِيب، والبِيبَة.
يبب: قَالَ أَبُو بكر، فِي قَوْلهم: خرابٌ يَبَاب: اليَبَاب، عِنْد الْعَرَب: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أحد؛ قَالَ ابْن أبي رَبِيعة:
مَا عَلَى الرّسْم بالبُلَيَّيْن لَو بَيّ
نَ رَجْعَ السَّلاَمِ أَو لَو أَجَابَا
فَإلَى قصْر ذِي العَشِيرة فالصَّا
لِف أَمْسى من الأَنِيس يَبابَا
مَعْنَاهُ: خَالِيا لَا أَحد بِهِ.
وَقَالَ شمر: اليَباب: الْخَالِي الَّذِي لَا شَيْء بِهِ.
يُقَال: خراب يَباب، إتباع ل (خراب) قَالَ الكُميت:
بِيَبَابٍ من التَّنائف مَرْتٍ
لم تُمَخَّط بِهِ أُنُوف السِّخَالِ
لم تُمخَّط، أَي: لم تُمْسح. والتَّمْخيط: مَسْح مَا على الْأنف من السِّخلة إِذا ولدت.
ويب: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ الْكسَائي: من الْعَرَب مَن يَقُول: وَيْبَك، وَويْب غَيْرِك.
وَمِنْهُم من يَقُول: وَيْباً لزيد، كَقَوْلِك: ويلاً لزَيد. وَقد مرّ تَفْسِيره.
الْبَاء: وَقَالَ النَّحويون: الجالب للبَاء فِي (بِسم الله) معنى الِابْتِدَاء، كَأَنَّهُ قَالَ: أبتدىء باسم الله.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: (الْبَاء) مَعْنَاهَا: الإلصاق، ودَخلت (الْبَاء) فِي قَول الله تَعَالَى {أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ} (آل عمرَان: 151) لأَن معنى (أشرك بِاللَّه) : قَرن بِاللَّه غَيره، وَفِيه إِضْمَار، وَالْبَاء للإِلصاق والقِران.
وَمعنى قَوْلهم: وَكّلت بفلان، مَعْنَاهُ: قرنت بِهِ وَكيلا.
ورَوى مُجَاهِد عَن ابْن عمر أَنه قَالَ:
رَأَيْته يَشتدّ بَين الهَدَفَيْن فِي قَمِيص فَإِذا أصَاب خَصْلةً يَقُول: أَنا بهَا، أَنا بهَا يَعْنِي: إِذا أصَاب الهدف ثمَّ يرجع متنكّباً قوسه حَتَّى يَمُر فِي السُّوق.
وَقَالَ شمر، قَوْله: أَنا بهَا، يَقُول:

(15/439)


صَاحبهَا.
وَفِي حَدِيث سَلمة بن صَخْر أَنه أَتَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر أنّ رجلا ظاهَر من امْرَأَته ثمَّ وَقع عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لعلّك بذلك يَا سَلمة؟ فَقَالَ: نعم، أَنا بذلك) .
يَقُول: لعلّك صاحبُ الْأَمر.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه أُتي بِامْرَأَة قد زَنت، فَقَالَ لَهَا: مَنْ بك؟
يَقُول: من صاحُبك؟
قَالَ شمر: ويُقال: لما رَآنِي بالسَّلاح هِرِب.
مَعْنَاهُ: لما رَآنِي أَقبلت بالسِّلاح، وَلما رَآنِي صاحبَ سِلاح؛ قَالَ حُميد:
رأَتْني بحَبْلَيها فردَّت مَخَافَة
أَرَادَ: لمّا رأتني أَقبلت بحبلَيْها.
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الْحَج: 25) أَدخل (الْبَاء) فِي قَوْله (بإلحاد) لِأَنَّهَا حَسُنت فِي قَوْله: وَمن يُرد بِأَن يُلحِد فِيهِ.
وقولُه تَعَالَى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ} (الْإِنْسَان: 6) ، قيل: ذهب (بِالْبَاء) إِلَى الْمَعْنى، لِأَن الْمَعْنى: يَرْوَى بهَا عبادُ الله.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {} (المعارج: 1) .
أَرَادَ، وَالله أعلم: سَأَلَ عَن عَذَاب وَاقع.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: { (عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (الْقَلَم: 5، 6) الْبَاء، بِمَعْنى (فِي) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي أَيّكُم الْمفْتُون.
قَالَ الفَراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) : دَخلت (الْبَاء) فِي قَوْله {كفى باللَّه للمُبالغة فِي المَدْح وَالدّلَالَة على قَصد سَبيله، كَمَا قَالُوا: أَظرفْ بعَبد الله وأَنْبِل بِعَبْد الرحمان فأَدْخلوا (الْبَاء) على صَاحب الظّرف والنُّبل للمُبالغة فِي المَدح.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: ناهيك بأخينا وحَسبك بصديقنا أدخلُوا (الْبَاء) لهَذَا الْمَعْنى، وَلَو أَسقطت (الْبَاء) لقُلْت: كفى اللَّهُ شَهِيداً.
قَالَ: وَمَوْضِع (الْبَاء) وَقع فِي قَوْله تَعَالَى: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) .
وَقَالَ أَبُو بكر: انتصاب قَوْله {شَهِيدا على الْحَال من الله أَو على القَطْع.
وَيجوز أَن يكون مَنْصوباً على التَّفسير مَعْنَاهُ: كفى بِاللَّه من الشَّاهِدين، فَيجْرِي من المَنْصوبات مَجْرى (الدِّرْهم) فِي قَوْلهم: عِنْدِي عشرُون دِرْهماً.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} (الْفرْقَان: 59) ، أَي: سَلْ عَنهُ خَبِيرا يُخبرك؛ وَقَالَ عَلْقَمَة:
فَإِن تسأَلوني بالنّساء فإِنني
بصيرٌ بأَدْواء النِّساء طَبيبُ
أَي: تسأَلوني عَن النِّساء.

(15/440)


قالَه أَبُو عُبيد.
وَقَالَ تَعَالَى: {الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} (الانفطار: 6) ، أَي: مَا خَدعك عَن ربّك الْكَرِيم وَالْإِيمَان بِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ} (الْحَدِيد: 14) أَي: خدعكم عَن الله وَالْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة لَهُ الشيطانُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمة، عَن الْفراء، قَالَ: سمعتُ رجلا من الْعَرَب يَقُول: أَرْجُو بِذَاكَ. فسأَلته؛ فَقَالَ: أَرْجُو ذَاك.
وَهُوَ كَمَا تَقول: يُعجبني بأَنك قَائِم، وَأُرِيد لأذهبَ، مَعْنَاهُ: أُرِيد أَذْهب.

(15/441)


حرف الْمِيم
(بَاب اللفيف من حرف الْمِيم)
مِيم موم موا ميا مأَى مَاء وَأم أمْ مَا أمّا، إمّا أمّ يم أما مأ آم يَوْم ويم مَاء.
قَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد فنيت العربّية فَلم يَبْق للميم إِلَّا الَّلفيف.
مِيم: قَالَ اللَّيْث: الْمِيم: حرف هجاء، لَو قصرت فِي اضطرار شِعْر جَازَ.
زعم الْخَلِيل أَنه رأى يَمَانِيا سُئل عَن هجائه، فَقَالَ: بَابا، مِمْ مِمْ.
قَالَ: وَأصَاب الْحِكَايَة على اللَّفظ، وَلَكِن الَّذين مدّوا أَحْسنوا الْحِكَايَة بالمَدّة.
قَالَ: والميمان، هما بِمَنْزِلَة النُّونين من (الجَلَمين) .
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يُسمِّي الْمِيم مُطْبقة، لِأَنَّك إِذا تَكلّمت بهَا أَطْبقت.
قَالَ: وَالْمِيم من الْحُرُوف الصِّحاح السّتة المُذْلَقة الَّتِي هِيَ فِي حَيّزين: حَيز الْفَاء، وَالْآخر حيّز اللَّام.
وَجعلهَا فِي التَّأْلِيف الْحَرْف الثَّالِث للفاء وَالْبَاء، وَهِي آخر الْحُرُوف من الحيز الأول، وَهَذَا الحيّز شفويّ.
موم: اللَّيْث وَغَيره: المُوم: البِرْسَام.
يُقال: رجلٌ مَمُوم.
وَقد مِيم يُمام مُوماً ومَوْماً.
وَلَا يكون (يموم) لِأَنَّهُ مفعول بِهِ، مثل بُرْسِم؛ قَالَ ذُو الرمة يصف صائداً:
إِذا تَوجَّس رِكزاً من سَنابكها
أَو كَانَ صاحبَ أَرض أوا بِهِ المُومُ
وَمَعْنَاهُ: أَن الصّياد يُذهب نَفسه إِلَى السَّمَاء ويفغر إِلَيْهَا أبدا لِئَلَّا يجد الوحشُ نَفْسَه فينفر، وشَبّهه بالمُبَرْسَم، والمَزكوم، لِأَن البِرْسام مُفْغِرٌ والزَّكام مُفْغر.
الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت: مِيم، فَهُوَ مَمُوم، من (المُوم) .
قَالَ شمر، قَالَ ابْن شُميل: المَوْماة: الفلاة الَّتِي لَا مَاء بهَا وَلَا أنيس بهَا.
قَالَ: وَهِي جماع أسماءَ الفلوات.
والمَوامِي: الْجَمَاعَة.
ويُقال: علونا مَوْمَاةً.
وَأَرْض مَوْمَاة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَوامِي، مثل السَّباسِب.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ المَوْماء، والمَوْماة.

(15/442)


وَبَعْضهمْ يَقُول: الهَوْمة، والهَوْماة.
وَهُوَ اسْم يَقع على جَمِيع الفلوات.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ: يُقال لَهَا: الموماة والبَوْباة، بِالْمِيم وَالْبَاء.
ومامَة: اسْم أُمّ عَمرو بن مامة.
موا: الْأَصْمَعِي: الماويّة: المِرآة، كأَنها نُسِبت إِلَى المَاء.
وَقَالَ اللّيث: الماوِيّة: البِلَّور.
ويُقال: ثَلَاث ماويّات.
وَلَو تُكلِّف مِنْهُ فِعْل، لقيل: مُمْوَاة.
قلت: ماويّة، كَانَت فِي الأَصْل (مائية) ، فقُلبت المدّة واواً فقِيل: ماويّة.
وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة على جادّة البَصْرة مَنْهلة بَين حَفَر أبي مُوسَى ويَنْسوعةَ، يُقَال لَهَا: ماويّة.
وماويّة: من أَسمَاء النِّساء؛ وأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ماويَّ يَا ربّتما غارةٍ
شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ
أَرَادَ: ماوّية، فرَخَّم.
ميا: اللَّيْث: ميّة: اسْم امْرَأَة.
وَزَعَمُوا أنّ القِردة الأُنثى تسمى: مَيَّة.
وَيُقَال: مَنَّة.
ويُقال فِي الِاسْم: مَيّ.
مأى: أَبُو زيد، يُقَال: مأَوْت السِّقاء مَأْواً، ومأَيته مأْياً: إِذا وسَّعته فجعلتَه وَاسِعًا.
وَكَذَلِكَ: الْوِعَاء. ويُقال تمأَّى السِّقاء.
فَهُوَ يَتمأَّى تمئِّياً وتَمَوُّءًا، إِذا مَا مددتَه فاتّسَع.
وَقَالَ اللَّيْث: المَأَى: النّميمة بَين القَوم.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: مأَيت بَين الْقَوْم: أَفْسدت.
اللَّيْث: مأَوت بَينهم، إِذا ضربت بعضَهم بِبَعْض.
ومأَيت، إِذا دَببت بَينهم بالنَّميمة؛ وأنْشد:
ومأَى بَينهم أخُو نكراتٍ
لم يَزَلْ ذَا نَمِيمةٍ مأَءَا
وَامْرَأَة مَاَّاءَة: نمّامة، مثل: منَّاعة.
ومُستقبله: يَمْأَى.
اللَّيْث: الْمِائَة، حُذفت من آخرهَا (وَاو) .
وَقيل: حرف لين لَا يُدْرى: أ (واوٌ) هُوَ أَو (يَاء) ؟ والجميع: المِئُون.
ابْن السِّكيت: أمأَت الدراهمُ، إِذا صَارَت مائَة.
وأمأَيْتها أَنا.
قَالَ: وَتقول: ثَلثمائة.
وَلَو قلت: ثَلَاث مئين، مِثَال (معِين) كَانَ جَائِزا، أَو ثَلَاث مِىءٍ، مِثَال (مَعَ) ؛ قَالَ مُزَرّد:
وَمَا زَوَّدُوني غَيْر سَحقِ عِمَامَة
وخَمْسمىءٍ مِنْهَا قَسِيّ وزائِفُ

(15/443)


قَالَ: وَلَو قلت: مئات، بِوَزْن (معاة) ، لجَاز.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِذا تَمّمت الْقَوْم بِنَفْسِك مئة، فقد مَأَيْتَهم. وهم مَمْئيّون. وأَمْئَاهم، فهم مُمْؤُون. فَإِن أَتممَتهم بغيرك، فقد أَمْأَيتهم. فهم مُمْأَوْن.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: كَانَ الْقَوْم تِسْعةً وتِسْعين فأمأيتُهم، بِالْألف، مثل: أفْعلتهم.
وَكَذَلِكَ فِي (الأَلْف) : آلفتهم.
وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هم كَذَلِك، قلتُ: قد أَمْأَوْا، وألْفُوا، إِذا صارُوا مائَة وأَلْفاً.
مَاء: اللحياني: ماءت الهِرّة تَمُوء، مثل: ماعت تَمُوع. وَهُوَ الضُّغاء، إِذا صاحَت.
وَقَالَ: هِرّةٌ مَؤُوء، بِوَزْن (مَعُوع) .
وصوتها: المُواء، على (فُعال) .
عَمْرو، عَن أَبِيه: أَمْوأَ: إِذا صَاح صِيَاح السِّنّور.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ المائِيّة، بِوَزْن (الماعيّة) . يُقَال ذَلِك للسِّنَّوْر.
وَأم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَأْمة: المُوافَقَةَ. والويمة: التُّهْمَة. أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: واءَمْتُه وئاماً، ومُواءَمة، وَهِي المُوافقة، أنْ تَفعل كَمَا يَفعل.
قَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي المُياسرة: لَوْلَا الوِئام لهلك اللِّئام.
قَالَ: والوئام: المُباهاة.
يَقُول: إِن اللِّئام لَيْسُوا يأْتونَ الْجَمِيل من الأُمور على أَنَّهَا أخلاقُهم، وَإِنَّمَا يفعلونها مباهاة وتَشَبُّهاً بِأَهْل الْكَرم، وَلَوْلَا ذَلِك لهلكوا.
هَذَا قَول أبي عُبيدة.
وَأما غَيره من عُلمائنا فيُفَسّرون (الوئام) : المُوافقة، يَقُولُونَ: لَوْلَا مُوافقة النَّاس بَعضهم بَعْضًا فِي الصُّحْبة والعِشرة لكَانَتْ الهَلَكة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَلَا أَحسب الأَصْل كَانَ إلاّ هَذَا.
ابْن السّكيت: يُقال لَهما: تَوْأمان؛ وَهَذَا تَوأم. وَهَذِه توأمة. والجميع: تَوائم، وتُؤام.
وَقد أتأمت الْمَرْأَة، إِذا ولدت اثْنَيْنِ فِي بَطْن وَاحِد. فَهِيَ مُتْئِم.
اللَّيْث: التَّوأم: ولدان مَعًا.
وَلَا يُقال: هما توأمان، وَلَكِن يُقال: هَذَا تَوأم هَذِه، وَهَذِه توأمتُه.
فَإِذا جُمعا، فهما تَوْأم.
قلتُ: أَخطَأ اللَّيث فِيمَا قَالَ، والقولُ مَا قَالَ ابْن السِّكيت.

(15/444)


وَهَذَا قَول الفَرّاء والنَّحويين الَّذين يُوثق بعِلْمهم.
قَالُوا: يُقال للْوَاحِد: توأم.
وهما توأمان، إِذا ولدا فِي بَطن وَاحِد؛ قَالَ عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه فِي سَرْحةٍ
يُحْذَى نِعال السِّبْت لَيْسَ بتَوْأم
قلتُ: وَقد ذكرتُ هَذَا الْحَرْف فِي كتاب التَّاء، فَأَعَدْت ذِكْره لأعرِّفك أنّ التَّاء مُبْدلة من الْوَاو.
ف (التوأم) وَوْأم، فِي الأَصْل، وَكَذَلِكَ: (التَّوْلج) ، فِي الأَصْل: وَوْلَج، وَهُوَ الكِنَاس.
وأصل ذَلِك من (الوِئَام) ، وَهُوَ الوِفاق.
ويُقال: فلانٌ يُغَنِّي غِنَاءً مُتوائِماً، إِذا وَافق بعضُه بَعْضًا وَلم تَخْتلف ألحْانُه؛ قَالَ ابنُ أَحْمر:
أَرَى نَاقَتي حنَّت بلَيْلٍ وساقها
غِناءٌ كمَوْج الأعْجَم المُتَوائِمِ
وَقَالَ أَبُو عَمرو: لَيَالٍ أُوَّمٌ، أَي: مُنكرة: وأَنْشد:
لمّا رَأَيْت آخر اللَّيل غنَمْ
وأنّها إحْدى لَيالِيك الأُوَمْ
أَبُو عُبيد: المُؤَوَّم، مثل (المعوَّم) : الْعَظِيم الرَّأس.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الطُّوسي، عَن الخَرّاز، عَن ابْن الأعرابيّ: و (يَوْأم) : قَبيلَة من الحَبش؛ وأَنْشد:
وَأَنْتُم قبيلةٌ من يَوْأَمْ
جَاءَت بكُم سَفِينةٌ من اليمْ
قَالَ المُوأَّم: المشوّه الخَلق.
وَأَمّه الله، أَي: شَوّه خَلْقه.
وَقَوله (من يَوْأم) ، أَي: إِنَّكُم سُودان فَخَلْقكم مُشَوَّه.
آم: أَبُو عبيد: الأَيْم والأَيْن، جَمِيعًا: الحيّة.
قَالَ شَمر: قَالَ أَبُو خَيْرة: الأيْم والأيْن والثُّعْبان: الذكران من الْحَيَّات، وَهِي الَّتِي لَا تَضُرّ أحدا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: كل حيَّة أَيم، ذكرا كَانَت أَو أُنثى.
وَرُبمَا شدد فَقيل: أيِّم، كَمَا يُقال: هَيِّن وهَيْن.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ} (النُّور: 32) .
قيل فِي تَفْسِيره: الْحَرَائِر.
والأيامى: القَرابات: الآبنة وَالْخَالَة وَالْأُخْت.

(15/445)


وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقال للرجل الَّذِي لم يتَزَوَّج: أَيّم، وللمرأة أيّمة، إِذا لم تتزوَّج.
قَالَ: والأيّم: البِكْر والثَّيِّب.
قَالَ: وَيُقَال: آم الرَّجُلُ يَئِيم أيْمةً، إِذا لم تكن لَهُ زَوْجة.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، إِذا لم يكن لَهَا زَوْج.
وَفِي الحَدِيث إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتَعوَّذ من الأيْمة والعَيْمة، وَهِي طول العُزْبة.
ابْن السِّكيت: فُلَانَة أَيِّم، إِذا لم يكن لَهَا زوج؛ وَرجل أيِّم، لَا امْرَأَة لَهُ؛ وَالْجمع: الأيَامى. وَالْأَصْل: أيَايم، فقُلبت الْيَاء وجُعلت بعد الْمِيم.
وَقد آمت الْمَرْأَة تَئِيم أَيْمةً وأَيْماً؛
وتأيَّم الرّجُلُ زَمَانا، وتأيَّمت الْمَرْأَة، إِذا مَكَثا أيّاماً وزماناً لَا يتزَوَّجان.
والحَرْبُ مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وَتَدَع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
ابْن الأنباريّ: رجل أيِّم، ورجلان أيِّمان، وَرِجَال أيِّمون، وَنسَاء أيِّمات.
وأُيَّمٌ: بَيِّن الأيُوم والأَيْمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإيَام: الدُّخان؛ وأَنْشد لأبي ذُؤيب:
فَلَمَّا جَلاَها بالإيَام تَحيَّزت
ثُباتٍ عَلَيْهَا ذلُّها واكتئابُها
يُقَال: آم الدُّخانُ يَئيم إياماً.
قَالَ: وَأما الأُوام، فَهُوَ شِدّة العَطَش؛
وَقد آم الرَّجُلُ يَؤُوم أوْماً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأوام: الْعَطش، وَلم يَذكر لَهُ فِعْلاً.
والأيامى، كَانَ فِي الأَصْل: أيايم، جمع (الأيّم) فقُلبت الْيَاء جُعلت بعد الْمِيم.
قَالَه ابْن السِّكيت.
قَالَ: ويُقال: مَا لَهُ آمٌ وعامٌ، أَي: هَلكت امْرَأَته.
وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقال: أيم، فَجعلت الْيَاء ألفا.
وَقد آم يَئيم أَيْمة.
وَمعنى (عامٌ) : هَلَكت مَاشِيَته حَتَّى يَعِيم إِلَى اللّبن.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال رَجُلٌ أَيْمان، وعَيْمان أَيْمان: هَلكت امْرَأَته.
ابْن السِّكيت: تأيّمت الْمَرْأَة، وتأيّم الرجلُ زَمَانا، إِذا مكَثا لَا يَتزوَّجان.
قَالَ: أَأَمْتُ الْمَرْأَة، مثل: أَعَمْتها، فَأَنا أُئِيمها، مثل أُعِيمها.
وَالْحَرب مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وتَدع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
اللَّيْث: يُقال امْرَأَة أيِّم، وَقد تأيّمت، إِذا كَانَت بِغَيْر زَوْج.
وَقيل ذَلِك إِذا كَانَ لَهَا زوج فَمَاتَ عَنْهَا،

(15/446)


وَهِي تصلح للأزواج، لِأَن فِيهَا سُؤْرةٌ من شباب؛ قَالَ رُؤبة:
مغايراً أَو يَرْهب التّأْيِيما
وَقَوله:
وكأنّما ينأى بِجَانِب دفِّها الْ
وَحْشِي مِن هَزِج العَشِيّ مُؤَوَّمِ
أَرَادَ: من حادٍ هَزِج العَشيّ بحُدائه.
اللَّيْث: المُواءمة: المُباراة.
قَالَ: ويُقال: فُلَانَة تُوَائِم صَواحباتها، إِذا تكلّفت مَا يتكلَّفن من الزِّينة؛ قَالَ المَرّار:
يَتواءَمْن بنَوْمات الضُّحى
حَسَنات الدَّلّ والأُنْس الخَفِرْ
أم: قَالَ الفَرّاء: أَمْ، فِي الْمَعْنى تكون ردّاً على الِاسْتِفْهَام على جِهَتَيْن:
إِحْدَاهمَا: أَن تُفارق معنى (أم) .
وَالْأُخْرَى: أَن تَستفهم بهَا على جِهة النَّسق الَّذِي يُنْوى بهَا الابتداءُ، إِلَّا أَنه ابتداءٌ مُتَّصل بِكَلَام.
فَلَو ابتدأت كلَاما لَيْسَ قبله كَلَام، ثمَّ استفهمت لم يكن إِلَّا ب (الْألف) أَو ب (هَل) ، من ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {} {رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن} (السَّجْدَة: 1، 3) فَجَاءَت (أم) وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِفْهَام، فَهَذَا دَلِيل على أَنه اسْتِفْهَام مُبْتَدأ على كَلَام قد سبقه.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبْتَدأ قد سبقه كَلَام، وَإِن شِئْت قلت: قبله اسْتِفْهَام فَرُد عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الْبَقَرَة: 106) .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ} {الاَْشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} (ص: 62، 63) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبتدأ على كَلَام قد سَبقه كَلَام.
وَإِن شِئْت جعلته مَرْدُوداً على قَوْله: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ} (ص: 62) .
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {ياقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَاذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِى مِن} (الزخرف: 51) ثمَّ قَالَ: {تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} (الزخرف: 52) .
فالتفسير فيهمَا وَاحِد.
قَالَ الْفراء: وَرُبمَا جعلت الْعَرَب (أم) إِذا سَبقها اسْتِفْهَام، وَلَا يصلح فِيهِ (أم) على جِهَة (بل) . فَيَقُولُونَ: هَل لَك قِبلنا حق أم أَنْت رجل مَعْرُوف بالظلم؟ .
يُريدون: بل أَنْت رجُلٌ مَعْروف بالظُّلم؛ وأَنشد:
فوَاللَّه مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَت
أم النَّوم أم كُلٌّ إليّ حَبِيبُ

(15/447)


يُرِيد: بَلْ كُلٌّ.
قَالَ: ويَفعلون مثل ذَلِك ب (أَو) ، وسنذكره فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ الزجّاج: أم، إِذا كَانَت مَعْطوفة على لفظ الِاسْتِفْهَام، فَهِيَ مَعْرُوفَة لَا إِشْكَال فِيهَا؛ كَقَوْلِك: أزَيْدٌ أحسن أم عَمْرو؟ و: أكذا خير أم كَذَا؟
وَإِذا كَانَت لَا تقع عطفا على ألف الِاسْتِفْهَام، إِلَّا أَنَّهَا تكون غير مُبتَدأَة، فَإِنَّهَا تؤذن بِمَعْنى (بل) ، وَمعنى (ألف الِاسْتِفْهَام) .
ثمَّ ذكر قَول الله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
قَالَ الْمَعْنى: بل أَتُريدون أَن تسألوا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ} {} {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (السَّجْدَة: 1، 3) .
الْمَعْنى: بل يَقُولُونَ افتراه.
وَقَالَ اللَّيْث: أم، حرف أحسن مَا يكون فِي الِاسْتِفْهَام على أَوله، فَيصير الْمَعْنى كَأَنَّهُ اسْتفهام بعد اسْتفهام.
قَالَ: وَيكون (أم) بِمَعْنى (بل) .
وَيكون (أم) بِمَعْنى (ألف الِاسْتِفْهَام) ، كَقَوْلِك: أم عِندك غداء حاضرٌ؟ وَهِي لُغَة حَسَنَة من لُغات الْعَرَب.
قلت: وَهَذَا يجوز إِذا سَبقه كَلَام.
قَالَ اللَّيْث: وَتَكون (أم) مُبتَدأَة للْكَلَام فِي الْخَبَر، وَهِي لُغَة يَمَانِية، يَقُول قَائِلهمْ: أم نَحن خرجنَا خيارَ النَّاس، أم نُطعم الطَّعَام، أم نضرب السِّهَام؛ وَهُوَ يُخْبِر.
وروى ابْن اليزيدي، عَن أبي حَاتِم، قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: (أم) تكون زَائِدَة، لُغَة لأهل الْيمن؛ وأَنْشد:
يَا دَهْن أم مَا كَانَ مَشْيِي رَقَصَا
بل قد تكون مِشْيَتي ترقُّصَا
أَرَادَ يَا دَهناء، فرَخَّم، و (أم) زَائِدَة؛ أَرَادَ: مَا كَانَ مَشيي رَقَصاً، أَي: كنت أترقَّص وَأَنا فِي شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتّى صَار مَشيي رَقَصا.
وَقَالَ غَيره: تكون (أم) بلغَة أهل الْيمن بِمَعْنى: الْألف وَاللَّام.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسَ من امْبِرّ امْصِيامٌ فِي امْسَفَر) .
أَي: لَيْسَ من البرّ الصّيام فِي السَّفر.
قلت: وَالْألف فِيهَا ألف وصل، تُكتب وَلَا تُظهر إِذا وُصلت، وَلَا تُقطع كَمَا تُقطع ألف (أم) الَّتِي قدّمنا ذكرهَا؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
ذَاك خَلِيلي وَذُو يُعاتِبُني
يَرْمي وَرائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَهْ

(15/448)


أَلا تَراه كَيفَ وَصل الْمِيم باللاَّم، فافهمه.
قلت: وَالْوَجْه ألاّ تثبت الْألف فِي الْكِتَابَة، لأنّها مِيم جُعلت بدل الْألف وَاللَّام، للتَّعْريف.
مَا: قَالَ أهل العربيّة: (مَا) إِذا جُعِلت اسْما هِيَ لغير المُميِّزين من الجِنّ وَالْإِنْس؛ و (من) تكون للمميِّزين.
وَمن الْعَرَب من يَستعمل (مَا) فِي مَوضِع (من) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: 22) التَّقْدِير: لَا تَنكحوا مَن نكح آباؤكم.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاء: 3) ، مَعْنَاهُ: من طَابَ لكم.
وروى سَلمة، عَن الفَراء، قَالَ الْكسَائي: تكون (مَا) اسْما، وَتَكون جَحْداً، وَتَكون استفهاماً، وَتَكون شَرْطاً، وَتَكون تعجُّباً، وَتَكون صِلَةً، وَتَكون مَصْدراً.
قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: وَقد تَأتي (مَا) تمنع العاملَ عمله، وَهُوَ كَقَوْلِك: كَأَنَّمَا وَجهك الْقَمَر، وَإِنَّمَا زَيْد صديقنا.
قلت: وَمِنْه قولْه تَعَالَى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (الْحجر: 2) ربّ: وضعت للأسماء، فَلَمَّا أُدخلت فِيهَا (مَا) جُعلت للفِعْل.
وَقد توصل (مَا) ب (رب) و (ربت) فَتكون صلَة؛ كَقَوْلِه:
ماوِيّ يَا رُبَّتما غارةٍ
شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيَسمِ
يُريد: يَا ربّت غَارة.
وتجيء (مَا) صلَة يُراد بهَا التَّأْكِيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ} (النِّسَاء: 155) . الْمَعْنى: بِنَقْضهم ميثاقهم.
وَتَكون مصدرا؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الْحجر: 94) أَي: فَاصْدَعْ بالأَمر.
وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَتَبَّ مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا} (المسد: 2) أَي: وكَسْبه.
و (مَا) التَّعجب؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (الْبَقَرَة: 175) .
والاستفهام ب (مَا) كَقَوْلِك: مَا قَولك فِي كَذَلِك؟
والاستفهام ب (مَا) مِن الله لِعِبَادِهِ على وَجهين: هُوَ للمُؤمن تَقْرير؛ وللكافر تَقْريع وتَوْبيخ.
فالتَّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى لمُوسى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى} {قَالَ هِىَ عَصَاىَ} (طه: 17 و 18) قَرَّره الله أَنَّهَا عَصىً كَرَاهِيَة أَن يَخافها إِذا حَوَّلها حَيَّة.
والشَّرط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {شَىْءٍ قَدِيرٌ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر: 2) .
والجحد؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النِّسَاء: 66) .

(15/449)


وتجيء (مَا) بِمَعْنى (أَي) ؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} (الْبَقَرَة: 69) الْمَعْنى: يبين لنا أيّ شَيْء لَوْنهَا؟ و (مَا) فِي هَذَا الْموضع رَفع، لِأَنَّهُ ابْتِدَاء، ومُرافعها قَوْله (لَوْنهَا) .
الْفراء: و {ضَلاَلاً مِّمَّا خَطِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ} (نوح: 25) تَجعل (مَا) صلَة فِيمَا تَنْوي بِهِ مَذْهَب الْجَزَاء، كَأَنَّهُ: من خطيئاتهم مَا أُغرقوا.
وَكَذَلِكَ رَأَيْتهَا فِي مُصحف عبد الله، وتأخرها دَلِيل على مَذْهَب الْجَزَاء.
وَمثلهَا فِي مصحفه: (أَي الْأَجَليْنِ مَا قَضيتَ) .
أَلا ترى أَنَّك تَقول: حَيْثُمَا تكن أكن، وَمهما تقل أقُل.
وَقَوله تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى} (الْإِسْرَاء: 110) وُصل الْجَزَاء ب (مَا) ، فإِذا كَانَ استفهاماً لم يُوصل ب (مَا) ، وَإِنَّمَا يُوصل إِذا كَانَ جَزَاء؛ أَنْشد ابْن الأعرابيّ قولَ حسّان:
إِن يكُن غَثّ مِنْ رَقَاشِ حَدِيثٌ
فبمَا يَأْكُل الحديثُ السَّمينَا
قَالَ: فبمَا، أَي: رُبمَا.
قلت: وَهُوَ مَعروف فِي كَلَامهم قد جاءَ فِي شعر الْأَعْشَى وَغَيره.
أما: وَقَالَ اللَّيْث (أمَا) اسْتِفْهَام جحود؛ كَقَوْلِك: أما تَسْتَحي من الله؟
قَالَ: وَتَكون (أما) تَأْكِيد للْكَلَام ولليمين، كَقَوْلِك: أما إِنَّه لرجل كَرِيم.
وَفِي الْيَمين كَقَوْلِك: أمَا وَالله لَئِن سَهرت كُل لَيْلَة لأدَعنّك نَادِما؛ أما لَو علمتُ بمكانك لأزعجنّك مِنْهُ.
إِمَّا وَأما: وافتراقهما
أَبُو الْعَبَّاس، عَن سَلمة، عَن الفراءِ، قَالَ: قَالَ الْكسَائي فِي بَاب (إمّا) و (أمّا) :
إِذا كنت آمراً، أَو ناهياً، أَو مُخبراً، فَهِيَ (أمّا) مَفْتُوحَة.
وَإِذا كنت مُشترطاً أَو شاكاً أَو مخيِّراً أَو مُخْتَارًا، فَهِيَ (إمّا) بِكَسْر الْألف.
قَالَ: وَتقول من ذَلِك فِي الأول: أما الله فاعْبد، وَأما الخَمر فَلَا تَشْربها، وأمّا زيد فقد خَرج.
قَالَ: وَتقول فِي النَّوْع الثَّانِي؛ إِذا كنت مُشترطاً: إمّا تَشْتمنّ زيدا فَإِنَّهُ يَحْلُم عَنْك.
وَتقول فِي الشكّ: لَا أَدْري من قَامَ إمَّا زيدٌ وإمّا عَمْرو.
وَتقول فِي التَّخيير: تعلّم إمّا الفِقه: وإمّا النَّحو.
وَتقول فِي الْمُخْتَار: لي بِالْكُوفَةِ دارٌ وَأَنا خَارج إِلَيْهَا فإمّا أَن أَسْكنها وإمّا أَن أبِيعها.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَجعل (إمّا) بِمَعْنى: إمّا الشّرطِيَّة. قَالَ: وَأنْشد الْكسَائي

(15/450)


لصَاحب هَذِه اللُّغَة، إِلَّا أَنه أبدل إِحْدَى الميمين يَاء:
يَا لَيْت مَا أُمّنا شالت نعامتها
إيما إِلَى جَنّة إيما إِلَى نارِ
وَقَالَ المبرّد: إِذا أتيت ب (إمّا) و (أما) فافتحها مَعَ الْأَسْمَاء واكسرها مَعَ الْأَفْعَال؛ وأَنْشد:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت ذَا سَفر
فَالله يَحْفظ مَا تَأتي وَمَا تَذَرُ
كسرت (إِمَّا أَقمت) مَعَ الْفِعْل، وَفتحت (وَأما أَنْت) لِأَنَّهَا وَليهَا الِاسْم. وَقَالَ:
أَبَا خُراشة أمّا أنْت ذَا نَفر
الْمَعْنى: إِذا كنت ذَا نفر. قَالَه ابْن كَيسان.
وَقَالَ الزجّاج: (إِمَّا) الَّتِي للتَّخيير شُبهت ب (إِن) الَّتِي ضمّت إِلَيْهَا (مَا) ، مثل قَوْله تَعَالَى: {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (الْكَهْف: 86) .
كتبت بِالْألف لما وَصفنَا، وَكَذَلِكَ (إِلَّا) كتبت بِالْألف، لِأَنَّهَا لَو كُتبت بِالْيَاءِ لأَشْبهت (إِلَى) .
قَالَ البَصريون: (أمّا) هِيَ (أَن) الْمَفْتُوحَة ضُمت إِلَيْهَا (مَا) عوضا من الْفِعْل، وَهِي بِمَنْزِلَة (إِذْ) ، الْمَعْنى: إِذْ كنت قَائِما فإِني قَائِم مَعَك؛ ويُنْشدون:
أَبَا خُراشة أمّا أَنْت ذَا نفر
قَالُوا: فَإِن ولي هَذِه الْفِعْل كُسرت، فَقيل: إمّا انْطَلَقت انْطلقت مَعَك؛ وأَنْشدوا:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت مُرتحلا
فكَسر الأُولى وفتَح الثَّانِيَة.
فَإِن ولي هَذِه الْمَكْسُورَة فعل مُستقبل أحدثت فِيهِ النُّون، فَقلت: إمّا تذهبنّ فإنّي مَعَك.
فَإِن حَذفت النُّون جَزمت، فَقلت: إمّا يَأْكُلك الذِّئْب فَلَا أَبكيك.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (الْإِنْسَان: 3) .
قَالَ (إمّا) هَا هُنَا تكون جَزَاء، أَي: إِن شكر وَإِن كَفر.
قَالَ: وَيكون على (إمّا) الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (التَّوْبَة: 106) فَكَأَنَّهُ قَالَ: خَلَقناه شقيّاً أَو سعيداً.
أم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأُم: امْرَأَة الرَّجل المُسِنّة.
وَالأُم، الوالدة من كل الحَيوان.
ويُقال: مَا أَمِّي وأَمُّه؟ وَمَا شَكلي وشَكله؟ أَي: مَا أَمْري وأَمْره لبُعده منّي، فلمَ يتعرّض لي؟ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَمَا أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا
تَفَرَّع فِي ذُؤابَتِي المَشِيبُ

(15/451)


وَقَالَ ابْن بُزُرْج: قَالُوا مَا أَمّك وأمّ ذَات عِرْق؟ أَي: أَيْهات مِنْك ذَات عِرْق؟
قَالَ اللَّيْث: الأُم، هِيَ الوالدة؛ وَالْجمع الأُمَّهات.
وَقَالَ غَيره: تُجمع (الأُم) من الآدميّات: أمّهات؛
وَتجمع من الْبَهَائِم: أُمّات؛ قَالَ:
لقد آليْت أُعْذَر فِي خِداع
وَإِن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ
اللَّيْث: يُقَال: تأمّم فلَان أُمّاً، أَي: اتخذها لنَفسِهِ أُمّاً.
وَتَفْسِير (الْأُم) فِي كل مَعَانِيهَا: أمّة، لِأَن تأسيسه من حَرْفين صَحِيحَيْنِ، وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة، وَلَكِن الْعَرَب حذَفت تِلْكَ الْهَاء إِذا أمنُوا اللَّبْس.
قَالَ: وَيَقُول بعضُهم فِي تَصغير (أُمّ) : أمَيْمة.
وَالصَّوَاب: أُمَيْهة، تُرد إِلَى أصل تأسيسها.
وَمن قَالَ (أُميمة) صغّرها على لَفظهَا، وهم الَّذين يَقُولُونَ (أمّات) ؛ وأَنشد:
إِذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا
قَالَ ابْن كيسَان: يُقال: أُمّ، وَهِي الأصْل؛
وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّة؛ وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّهة؛ وأَنْشد:
تَقَبَّلْتها عَن أُمَّةٍ لَك طالما
تُنوزِع فِي الأَسواق عَنْهَا خِمارُها
يُريد: عَن أُم لَك، فألحقها هَاء التَّأْنِيث.
وَقَالَ آخر:
أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي
فأمّا الْجمع فَأكْثر الْعَرَب على (أمّهات) وَمِنْهُم من يقُول: أُمّات.
وَقَالَ المبرّد: الْهَاء من حُرُوف الزّيادة، وَهِي مزيدة فِي (الأُمهات) وَالْأَصْل (الأُم) وَهُوَ: القَصْد.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، أَن (الْهَاء) مزيدة فِي (الْأُمَّهَات) .
وَقَالَ اللَّيْث: من الْعَرَب مَن يَحذف ألف (أم) كَقَوْل عديّ بن زيد:
أيّها العائب عِنْدِي مّ زَيْد
وَأعلم أَن كل شَيْء يُضم إِلَيْهِ سَائِر مَا يَلِيهِ فَإِن الْعَرَب تسمِّي ذَلِك الشَّيْء: أُمًّا، من ذَلِك: أُم الرَّأْس، وَهُوَ الدِّماغ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم؛ والشجّة الآمّة: الَّتِي تبلغ أُمَّ الدِّماغ.
والأَميم: المَأْموم.
قَالَ والأُمَيْمة: الْحِجَارَة الَّتِي تُشْدخ بهَا الرُّؤوس؛ قَالَ:
ويومَ جَلَّينا عَن الأهاتم
بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ

(15/452)


المكنىّ بِالْأُمِّ
قَالَ: وأُم التّنائف: الْمَفَازَة الْبَعِيدَة.
وَأم القُرَى: مَكَّة.
وكُل مَدِينَة، هِيَ أُم مَا حولهَا من القُرى.
وأُم الكِتَاب: كُل آيَة محكمَة من آيَات الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام والفرائض.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (إِن أُم الْكتاب هِيَ فَاتِحَة الْكتاب) ، لِأَنَّهَا هِيَ المتقدّمة أَمَام كل سُورة فِي جَمِيع الصَّلَوَات، وابتدى بهَا فِي المُصحف فقدّمت، وَهِي الْقُرْآن الْعَظِيم.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ} (الزخرف: 4) . فَقَالَ: هِيَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَالَ قَتَادَة: أُم الْكتاب: أَصل الْكتاب.
وَعَن ابْن عبّاس: أُمّ الْكتاب، الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره.
وَقَوله تَعَالَى: {مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القارعة: 9) أَي: أُمه الَّتِي يأوي إِلَيْهَا، كَمَا يأوي الرجل إِلَى أُمه، هاوية، وَهِي النَّار يهوي فِيهَا من يدخلهَا، أَي: يَهلك.
وَقيل: فَأم رَأسه هاوية فِيهَا، أَي: سَاقِطَة.
وأُم الرُّمْح: لواؤُه وَمَا لُفّ عَلَيْهِ من خِرقة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وسَلَبْنا الرُّمْح فِيهِ أُمّه
مِن يَدِ العاصِي وَمَا طالَ الطِّوَلْ
وَأخْبرنَا عبد الْملك، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، قَالَ: العربُ تَقول للرجل يَلِي طَعَام الْقَوْم وَخدمَتهمْ: هُوَ أُمتهم؛ وأَنْشد للشَّنْفرى:
وأُمّ عِيَال قد شهِدت تَقُوتهم
إِذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت
قَالَ: ويُقال للْمَرْأَة الَّتِي يأوي إِلَيْهَا الرَّجُلُ: هِيَ أُم مَثْواه.
وَفِي الحَدِيث: (اتَّقوا الْخمر فَإِنَّهَا أُم الْخَبَائِث) .
وَقَالَ شمر: أم الْخَبَائِث: الَّتِي تجمع كُل خَبِيث.
قَالَ: وَقَالَ: الفصيح فِي أَعْرَاب قَيس: إِذا قيل: أُمّ الشَّرّ، فَهِيَ تَجمع كل شَرّ على وَجه الأَرْض. -
وَإِذا قيل أُمّ الْخَيْر، فَهِيَ تَجمع كُلّ خَير.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْأُم لكُل شَيْء، هِيَ المجَمع لَهُ والمَضَمّ.
وأُم الرَّأْس، هِيَ الخريطة الَّتِي فِيهَا الدِّماغ.
وأمُّ النُّجوم: المَجَرّة.
وأمُّ الطَّريق: مُعظمها، إِذا كَانَ طَرِيقا عَظِيما وَحَوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطَّرِيق.

(15/453)


وأمّ اللُّهَيْم: هِيَ المَنِيّة.
وأمّ خَنُّور: الخِصْب.
وأمّ جَابر: الخُبز.
وأمّ صَبَّار: الحَرَّة.
ورُوي عَن عَمرو، عَن أَبِيه، أَنه قَالَ:
أمّ عُبَيد: هِيَ الصَّحراء.
وأمّ عَطِيّة: الرَّحَى.
وأمّ شَمْلة: الشَّمْس.
وأمّ الخُلْفُف: الدَّاهية.
وأمّ رُبَيْق: الْحَرْب.
وأمّ ليْلى: الخَمْرُ. وليلى: النَّشوة.
وأمّ دَرْز: الدُّنيا.
وأمّ بَحنة: النَّخلة.
وأمّ سِرياح: الجرادة.
وأمّ عَامر: المَقْبُرة.
وأمّ جَابر: السُّنْبلة.
وأمّ طِلْبة: العُقاب.
وَكَذَلِكَ: أمّ شَعْواء.
وأمّ حباب: هِيَ الدُّنيا؛ وَهِي أمّ وافرة.
وأمّ زافرة: البَيْن.
وأمّ سَمْحة: العَنْز.
ويُقال لِلْقِدْر: أمّ غِياث، وأمّ عُقْبة، وأمّ بَيْضَاء، وأمّ دسمة، وأمّ العِيَال.
وأمّ جِرْذَان: النَّخلة، وَإِذا سَمَّيت رجلا بأُم جِرذان لم تَصْرفه.
وأمّ خَبِيص، وأمّ سُويد، وأمّ عَقاق، وأمّ عَزمة، وأمّ طبيخة، وَهِي أمّ تسعين.
وأمّ حِلْس: الأثان.
وأمّ عَمْرو، وأمّ عَامر: الضَّبُع.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: إِنَّه لحسن أمّة الوَجْه، يعنون: سُنَّته وصُورته.
وَإنَّهُ لقبيح أمّة الوَجه.
وَأَخْبرنِي المنُذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للرجل الْعَالم: أُمّة.
قَالَ: والأُمّة: الْجَمَاعَة.
والأُمّة: الرجل الْجَامِع للخَيْر.
والأُمة: الطَّاعَة.
وأُمّة الرَّجُل: وَجهه وقامَتُه.
وأُمّة الرَّجل: قَوْمُه.
والإمّة، بِالْكَسْرِ: الْعَيْش الرَّخِيّ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الْمُنْذِرِيّ، قَالَ: الأُمَّة: الحِين.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (يُوسُف: 45) .
قَالَ: بعد حينٍ من الدَّهْر.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والأُمّة: الدِّين.

(15/454)


والأُمّة: المُعلِّم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} (النَّحْل: 120) .
قَالَ: أُمّة معلِّما للخير.
وروى سَلمة، عَن الْفراء: {قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا عَلَى} (الزخرف: 22) ، وَهِي مثل: السُّنّة والمِلّة.
وقرىء (على إمّة) ، وَهِي الطَّرِيقَة، من: أَمَمْت.
يُقَال: مَا أحسن إمّته
قَالَ: والإمّة أَيْضا: الْملك والنَّعيم؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد:
ثمَّ بعد الفَلاح والمُلك والإمّ
ة وارتْهمُ هُنَاكَ القُبور
قَالَ: أَرَادَ: إِمَامَة المُلك ونعيمه.
وَقَالَ أَبو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} (الْبَقَرَة: 213) ، أَي: كانو على دين وَاحِد.
قَالَ: والأُمّة: فِي اللُّغَة أَشْيَاء، فَمِنْهَا؛ أَن الأُمُّة: الدّين، وَهُوَ هَذَا.
والأُمّة: الْقَامَة؛ وَأنْشد:
وَإِن مُعاوية الأَكْرمي
ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ
أَي: طوال القَامات.
قَالَ: والأُمّة، من النَّاس، يُقال: قد مَضَت أُمم، أَي: قُرُون.
والأُمّة: الرجل الَّذِي لَا نَظير لَهُ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} (النَّحْل: 120) .
وَقَالَ أَبو عُبيدة: معنى قَوْله (كَانَ أُمة) أَي: كَانَ إمَاماً. والأُمّة: النِّعمة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: هُوَ فِي إمّة من العَيش؛ وآمة، أَي: خِصْب.
قَالَ شمر. وآمة، بتَخْفِيف الْمِيم: عَيْب؛ وأُنْشد:
مَهلاً أَبيت اللّعْن مَهْ
لَا إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
وَذكر أَبُو عَمْرو الشَّيباني أَن الْعَرَب تَقول للشَّيْخ إِذا كَانَ بَاقِي القُوة: فلَان بإِمّةٍ، رَاجع إِلَى الْخَيْر والنّعمة، لِأَن بَقَاء قُوته من أعظم النِّعمة.
قَالَ: وأَصل هَذَا الْبَاب كُله من (القَصْد) .
يُقَال: أممت إِلَيْهِ، إِذا قَصدته.
فَمَعْنَى (الأمّة) فِي الدّين، أَن مَقصدهم مقصدٌ وَاحِد.
وَمعنى (الإمّة) فِي النِّعمة؛ إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي يَقْصده الْخلق ويَطْلُبونه.
وَمعنى (الْأمة) فِي الرجُل المُنفرد الَّذِي لَا نَظير لَهُ: أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سَائِر النَّاس؛ قَالَ النَّابِغَة:
وَهل يَأْثمن ذُو أُمّة وَهُوَ طائع
ويُروى: ذُو إمّة.

(15/455)


فَمن قَالَ: ذُو أمّة، فَمَعْنَاه: ذُو دِين.
وَمن قَالَ: ذُو إمّة، فَمَعْنَاه: ذُو نعْمَة أُسديت إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمعنى (الأُمّة) : الْقَامَة، سَائِر مَقْصَد الْجَسَد.
فَلَيْسَ يخرج شَيْء من هَذَا الْبَاب عَن معنى (أممت) ، أَي: قصدت.
وَيُقَال: إمامنا هَذَا حَسن الإمّة، أَي: حسن الْقيام بإمامته إِذا صلّى بِنَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالُوا فِي معنى الْآيَة غيْرَ قولٍ.
قَالَ بَعضهم: كَانَ النَّاس فِيمَا بَين آدم ونوح كُفَّاراً فَبعث الله النَّبيين يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنَّار
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ جَمِيع مَن مَعَ نوح فِي السَّفِينة مُؤمناً ثمَّ تَفرّقوا من بعده عَن كُفْر، فَبعث الله النَّبِيين.
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: النَّاس كَانُوا كفّاراً فَبعث الله إِبْرَاهِيم والنَّبيِّين من بعده.
قلت: و (الأمّة) فِيمَا فسروا، يَقع على الكفّار وعَلى المُؤمنين.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ} (الْبَقَرَة: 78) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى (الْأُمِّي) فِي اللُّغَة: الْمَنْسُوب إِلَى مَا عَلَيْهِ جَبَلَتْه أُمّه، أَي: لَا يكْتب، فَهُوَ فِي أَنه لَا يكْتب على مَا ولد عَلَيْهِ. وارتفع (أُمِّيُّونَ) بِالِابْتِدَاءِ، و (مِنْهُم) الْخَبَر.
وَقَالَ غَيره: قيل للَّذي لَا يكْتب: أُمي، لِأَن الْكِتَابَة مكتسبة، فَكَأَنَّهُ نُسب إِلَى مَا وُلد عَلَيْهِ، أَي: هُوَ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ.
وَكَانَت الْكِتَابَة فِي الْعَرَب فِي أهل الطَّائِف تعلّموها من رجل من أهل الْحيرَة، عَن أَهل الأنبار.
قَالَ أَبُو زيد: الأمّي من الرِّجَال: العَيِيّ الْقَلِيل الْكَلَام الجافي الجلْف؛ وأَنشد:
وَلَا أَعُود بعْدهَا كَرِيّا
أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا
والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا
قيل لَهُ: أميّ، لِأَنَّهُ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ من قلَّة الْكَلَام وعُجْمة اللّسان.
وَقيل للنَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأُمي، لِأَن أُمة الْعَرَب لم تكن تكْتب وَلَا تقْرَأ الْمَكْتُوب، بَعثه الله رَسُولا وَهُوَ لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ من كتاب، وَكَانَت هَذِه الْخلَّة إِحْدَى آيَاته المُعجزة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا عَلَيْهِم كتاب الله منظوماً مَعَ أميته بآيَات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تَارَة بعد أُخْرَى، بالنَّظم الَّذِي أُنزل عَلَيْهِ، فَلم يغيّره وَلم يبدِّل أَلْفَاظه.
وَكَانَ الْخَطِيب من الْعَرَب إِذا ارتجل خطْبَة ثمَّ أَعَادَهَا زَاد فِيهَا ونَقص، فَحفِظه الله

(15/456)


جلّ وعزّ على نبيّه كَمَا أَنزله، وأَبانه من سَائِر مَن بَعثه إِلَيْهِم بِهَذِهِ الْآيَة الَّتِي بايَن بَينه وَبينهمْ بهَا، وَفِي ذَلِك أَنزل الله تَعَالَى: {) إِلاَّ الْكَافِرونَ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48) .
يَقُول جلّ وعزّ: لَو كنت تتلو من الْكتاب، أَو تخط لارتاب المُبطلون الَّذين كفرُوا، ولقالوا إِنَّه وَجد هَذِه الأقاصيص مَكْتُوبَة فحفظها من الْكتب.
اللَّيْث: كُل قوم نُسبوا إِلَى نَبِي فأُضيفوا إِلَيْهِ، فهم: أُمّته.
وَقيل: أُمة مُحَمَّد: كُل من أَرسل إِلَيْهِ ممَّن آمن بِهِ أَو كفر.
قَالَ: وكل جيل من النَّاس، فهم: أُمة على حِدة.
وَقَالَ غَيره: كل جنس من الْحَيَوَان غير بني آدم أُمّة على حِدة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الْأَنْعَام: 38) الْآيَة.
وَمعنى قَوْله: (إِلَّا أُمَم أمثالكم) فِي معنى دون معنى.
يُرِيد: وَالله أَعلم: أَن الله خلقهمْ وتعبّدهم بِمَا شَاءَ أَن يتعبَّدهم بِهِ من تَسبيح وَعبادَة عَلِمها مِنْهُم وَلم يُفقِّهنا ذَلِك.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَوْلَا أَن الْكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها، وَلَكِن اقْتُلوا مِنْهَا كُلَّ أَسْود بَهيم) .
اللَّيْث: الإمّة: الائتمام بِالْإِمَامِ.
يُقال: فلَان أَحقّ بإِمّة هَذَا الْمَسْجِد من فلَان، أَي: بِالْإِمَامَةِ.
قلت: الإمّة: الْهَيْئَة فِي الإمَامة وَالْحَالة.
يُقال: فلَان حَسن الإمّة، أَي: حسن الْهَيْئَة إِذا أمّ النَّاس فِي الصَّلَاة.
وَالْإِمَام: كل من ائتم بِهِ قومٌ كَانُوا على الصّراط الْمُسْتَقيم أَو كَانُوا ضالّين.
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إمَام أُمته، وَعَلَيْهِم جَمِيعًا الائتمام بسُنَّته الَّتِي مَضى عَلَيْهَا.
والخليفة: إمَام رَعيّته.
وَالْقُرْآن: إمَام المُسلمين.
وإمَام الغُلام فِي المَكتب، مَا يتعلّمه كُلَّ يَوْم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) قَالَت طَائِفَة، بإِمامهم. وَقَالَت طَائِفَة: دينهم وشَرعهم.
وَقيل: بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أحصى فِيهِ عَمَلهم. وَقَول الله تَعَالَى: {فَقَاتِلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (التَّوْبَة: 12) أَي: قَاتلُوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الَّذين ضُعَفاؤُهم تَبع لَهُم.
وقرىء قَوْله تَعَالَى: {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} على حَرْفين.

(15/457)


فَأكْثر القُراء قرؤوا: أيِمة؛ بِهَمْزَة وَاحِدَة.
وَقَرَأَ بَعضهم: أَئِمَّة، بهمزتين.
وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِذا فَضلنا رجلا فِي الْإِمَامَة قُلْنَا: هَذَا أَوَمُّ من هَذَا.
وَبَعْضهمْ يَقُول: هَذَا أَيَمّ من هَذَا.
قَالَ: وَالْأَصْل فِي (أَئِمَّة) : أأْمِمَة، لِأَنَّهُ جمع (إِمَام) مثله: مِثَال وأَمثلة.
وَلَكِن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى فِي الثَّانِيَة، وأُلقيت حركتها على الْهمزَة، فَقيل: أَئمّة، فأبدلت الْعَرَب من الْهمزَة الْمَكْسُورَة الْيَاء.
قَالَ: وَمن قَالَ: هَذَا أَيَمّ من هَذَا، جعل هَذِه الْهمزَة كلّما تحركت أَبدل مِنْهَا يَاء.
وَالَّذِي قَالَ: فلَان أَوَمُّ من هَذَا، كَانَ عِنْده أَصلها (أَأَمّ) ، فَلم يُمكنهُ أَن يُبدل مِنْهُ ألفا لِاجْتِمَاع الساكنين، فَجَعلهَا واواً مَفْتُوحَة؛ كَمَا فِي جمع (آدم) : أوادم.
وَهَذَا هُوَ الْقيَاس.
قَالَ: وَالَّذِي جعلهَا يَاء قَالَ: قد صَارَت الْيَاء فِي (أَيمّة) بَدَلا لَازِما.
وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش.
وَالْأول مَذْهَب المازنيّ، وَأَظنهُ أَقيس المذهبين.
فَأَما (أَئِمَّة) باجتماع الهمزتين، فَإِنَّمَا يُحكى عَن أبي إِسْحَاق: فإِنه كَانَ يُجِيز اجْتِمَاعهمَا، وَلَا أَقول إِنَّهَا غير جَائِزَة.
وَالَّذِي بدأنا بِهِ هُوَ الِاخْتِيَار.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) يَقُول: فِي طَرِيق لَهُم يَمُرون عَلَيْهَا فِي أَسْفارهم. فَجعل الطَّريقَ إمَاماً، لِأَنَّهُ يُؤَمّ ويُتّبع.
اللَّيْث: الْأَمَام، بِمَعْنى: القُدّام.
وَفُلَان يَؤُم الْقَوْم، أَي: يَقْدُمهم.
وَيُقَال: صَدرك أمامُك، بِالرَّفْع، إِذا جعلته اسْماً.
وَتقول: أَخُوك أمامَك، بِالنّصب، لِأَنَّهُ صِفة.
وَقَالَ لَبيد، فَجعله اسْماً:
فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه
مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها
يصف بقرة وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت، وكِلا فَرْجَيها، وهما أمامها وَخَلفهَا، تحسب أَنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها، أَي: وليّ مَخافتها.
قَالَ أَبُو بكر: معنى قَوْلهم: فلانٌ يؤُمّ أَي: يتقدّمهم.
أُخذ من (الْأَمَام) ، يُقَال: فلَان إِمَام الْقَوْم، إِذا تَقدَّمهم.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: فلَان إِمَام الْقَوْم، مَعْنَاهُ: هُوَ المتقدِّم لَهُم.
وَيكون الإِمَام رَئِيسا، كَقَوْلِك: إِمَام

(15/458)


المُسلمين.
وَيكون: الْكتاب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) .
وَيكون (الإِمَام) : الطَّرِيق الْوَاضِح، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) . وَيكون (الإِمَام) : الْمِثَال، وَأنْشد:
أَبوهُ قبله وَأَبُو أَبِيه
بنَوا مجد الْحَيَاة على إِمامِ
مَعْنَاهُ: على مِثَال؛ وَقَالَ لَبيد:
ولكُلّ قَومِ سُنَّة وإمامُها
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الأَمُّ، هُوَ القَصْد.
يُقَال: أممته أؤُمه أمّاً، إِذا قَصَدْت لَهُ.
وأَمَمته أَمًّا: إِذا شَجَجْته.
وشَجَّة آمَّةٌ.
قَالَ: والأَمَم، بَين الْقَرِيب والبَعيد.
وَيُقَال: ظَلَمت ظلما أَمَماً؛ قَالَ زُهير:
كَأَن عَيْني وَقد سَالَ السَّلِيلُ بهم
وَجِيرة مَا هُمُ لَو أَنهم أَمَمُ
وَيُقَال: هَذَا أَمر مُؤَامٌّ، أَي: قَصْدٌ مُقَارِب.
وأَنشد اللَّيْث:
تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا
لَو أَنَّهَا تَطْلب شَيئاً أَمَمَا
أَرَادَ: لَو طلبت شَيْئا يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها، فَأَما أَن تطلُب بِالْبَلَدِ القَفر السَّلْجم، فَإِنَّهُ غير مُتَيَسِّر وَلَا أَمَم.
وَيُقَال: أَمَمْتُه أمًّا، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.
قَالَ: وَلَا يَعرف الأصمعيّ (أَمَّمْته) بالتّشديد.
ويُقال: أَمَمْتُه، وأَمَّمْته، وتأَمَّمْته، وتَيَمَّمته، بِمَعْنى وَاحِد، أَي: توخيته وقَصَدْتُه.
والتَيمُّم بالصَّعيد، مَأْخُوذ من هَذَا.
وَصَارَ (التيمّم) عِنْد عوام النَّاس المَسْح بِالتُّرَابِ، وَالْأَصْل فِيهِ، القَصْد والتوخِّي؛ قَالَ الْأَعْشَى:
تَيَمَّمت قيسا وَكم دُونه
من الأَرْض من مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ
اللّحياني، يُقَال: أَمّوا، ويَمُّوا، بِمَعْنى وَاحِد، ثمَّ ذكر سَائِر الُّلغات.
اللَّيْث: إِذا قَالَت الْعَرَب للرجل: لَا أُم لَك، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: زَعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أَب لَك: مدح؛ وَأَن قَوْلهم: لَا أُمَّ لَك: ذمّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجدنَا قَوْلهم: لَا أُمّ لَك، قد وُضع مَوضِع المَدح؛ قَالَ كَعْب الغَنويّ:
هَوت أُمّه مَا يَبْعث الصُّبح غادياً
وماذا يُؤَدّي الليلُ حِين يُؤوبُ

(15/459)


قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَأَيْنَ هَذَا ممّا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عُبيد، وَإِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمه، ويل أمّه، وهَوت أُمه، والوَيل لَهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذَهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يُشبه هَذَا قَوْلهم: لَا أُم لَك، لِأَن قَوْله: لَا أم لَك، فِي مَذْهَب: لَيْسَ لَك أُمٌّ حرَّة، وَهَذَا السبّ الصَّرِيح، وَذَلِكَ أَن بني الْإِمَاء عِنْد الْعَرَب مَذْمُومون لَا يَلحقون ببني الْحَرَائِر، وَلَا يَقُول الرَّجلُ لصَاحبه: لَا أُم لَك، إِلَّا فِي غَضَبه عَلَيْهِ مُقصِّراً بِهِ شاتماً لَهُ.
قَالَ: وَأما إِذا قَالَ: لَا أَبا لَك، فَلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئاً.
يم: اللَّيْث: اليَمُّ: البَحر الَّذِي لَا يُدْرك قَعْره وَلَا شَطّاه.
وَيُقَال: اليَمُّ: لُجّته.
ويُمَّ الرَّجُل، فَهُوَ مَيْمُوم، إِذا وَقع فِي البَحر وغَرِق فِيهِ.
ويُقال: يُمَّ الساحلُ، إِذا طَما عَلَيْهِ البحرُ فغَلَب عَلَيْهِ.
قلت: اليَمّ: البَحر، وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله بالسُّريانية، فعرّبته الْعَرَب، وَأَصله: (يَماً) .
وَيَقَع اسْم (اليم) على مَا كَانَ مَاؤُهُ مِلْحاً زُعافاً، وعَلى النَّهر الْكَبِير العَذْب المَاء.
وأُمرت أُم مُوسى حِين وَلدتْه وخافت عَلَيْهِ فِرعون أَن تَجْعَلهُ فِي تَابُوت ثمَّ تَقذفه فِي اليَمّ، وَهُوَ نَهر النّيل بِمصْر، وماؤه عَذب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} (طه: 39) فَجعل لَهُ ساحلاً؛ وَهَذَا كُله دليلٌ على بُطلان قَول اللَّيْث فِي (اليم) : إِنَّه الْبَحْر الَّذِي لَا يُدرك قَعْره وَلَا شَطَّاه.
وَأما (اليمام) من الطَّير، فَإِن أَبَا عُبيد قَالَ: سمعتُ الْكسَائي يَقُول: اليمَام: من الحَمام الَّتِي تكون فِي البُيوت، وَالْحمام: البرّي.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليمام: ضَرْب من الْحمام؛ بَرِّيّ.
وَأما (الْحمام) فكُل مَا كَانَ ذَا طَوق، مثل القُمْريّ والفاختة.
وَقَالَ غَيره فِي (الْيَمَامَة) وَهِي الْقرْيَة الَّتِي قَصبتها: حَجْر، يُقَال: إِن اسْمهَا فِيمَا خَلا كات (جَوًّا) فسُمِّيت: يمامة باسم امْرَأَة كَانَت تَسكنها، وَاسْمهَا (يمامة) ، وَالله أعلم.
أما: قَالَ اللَّيْث: الأمَة: الْمَرْأَة ذاتُ العُبوديّة.
وَقد أَقرّت بالأُمُوَّة.
وَقَالَ غَيره: يُقال لجمع (الْأمة) : إِمَاء، وإمْوان، وَثَلَاث آمٍ، وأَنْشد:
تَمْشي بهَا رُبدُ النَّعا
مِ تَماشِيَ الآم الزَّوافِر

(15/460)


وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الآم: جمع الأَمَة، كالنَّخلة والنَّخْل، والبَقْلة والبَقْل.
وأصل (الْأمة) أَمْوة، حذفوا لامها لمّا كَانَت من حُرُوف اللين، فَلَمَّا جَمعوها على مِثَال: نَخلة ونخل، لَزِمهم أَن يقُولوا: أَمة وآم، فكرهوا أَن يجعلوها على حَرفين، وكرهوا أَن يردُّوا الْوَاو المحذوفة لمّا كَانَت فِي آخر الِاسْم، لاستثقالهم السُّكُوت على (الْوَاو) ، فقدموا (الْوَاو) فجعلوها ألفا، فِيمَا بَين الْألف وَالْمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقال: ثَلَاث آمٍ.
وَهُوَ على تَقْدِير (أفْعُل) .
قلت: لم يزدْ اللَّيْث على هَذَا، وأُراه ذهب إِلَى أَنه كَانَ فِي الأَصْل: ثَلَاث أَمْوُيٍ.
وَالَّذِي حَكَاهُ لي المُنذريّ أصحّ وأَقيس، لِأَنِّي لم أَر فِي بَاب الْقلب حرفين حُوِّلا، وأُراه جُمع على (أَفْعُل) على أَن الْألف الأولى من (آم) ألف (أفْعُل) ، وَالْألف الثَّانِيَة فَاء (أفعل) وَحذف (الْوَاو) من (آمُو) فَانْكَسَرت (الْمِيم) كَمَا يُقَال فِي جمع (جِرْو) ثَلَاثَة أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصْل: ثَلَاثَة أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذفت الْوَاو جُرّت الرَّاء.
وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْهَيْثَم قَول حَسَن.
قَالَ الْمبرد: أصل (أمَة) : فَعَلة، متحركة العَين، وَلَيْسَ شَيْء من الْأَسْمَاء على حرفين إلاّ وَقد سَقط مِنْهُ حرف يُستدَلّ عَلَيْهِ بجمعه أَو تَثنيته، أَو بِفعل إِن كَانَ مُشتقَّاً مِنْهُ، لِأَن أقلّ الْأُصُول ثَلَاثَة أحرف، ف (أَمة) الذَّاهِب مِنْهَا (وَاو) لقَولهم: إِمْوَان.
قَالَ: و (أمة) : فَعَلة، متحرِّكة.
ويُقال فِي جمعهَا: آمٍ، وَوزن هَذَا (أَفْعُل) ، كَمَا يُقَال: أَكمة وأكم، وَلَا يكون (فَعْلة) على (أَفْعُل) . ثمَّ قَالُوا: إِمْوان، كَمَا قَالُوا: إخْوان.
وَقَالَ ابْن كيسَان: تَقول: جاءتْني أَمة الله.
وَإِذا ثَنّيت قلت: جَاءَتْنِي أمتا الله.
وَفِي الْجمع على التكسير: جَاءَتْنِي إِمَاء الله، وإِمْوان الله، وأَمَوات الله، وَيجوز: أَمات الله، على النَّقص.
ويُقال: هن آمٌ لزيد، وَرَأَيْت آماً لزيد، ومررت بآمٍ لزيد.
فَإِذا كثرت: فَهِيَ الْإِمَاء، والإمْوان، والأُمْوان.
أَبُو عُبيد: مَا كنتِ أمة، وَلَقَد أَمَوْتِ أُمُوَّة.
وَمَا كنتِ أمَة، وَلَقَد تأمَّيتِ، وأَمِيت، أُمُوّة.
ومأ: أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: ومأت إِلَيْهِ أمَأ وَمْئاً، مثل: أَوْمأت.

(15/461)


قَالَ: وأَنشدني القَنَانِيّ:
مَا كَانَ إلاّ وَمْؤُها بالْحَوَاجِبِ
اللَّيْث: الْإِيمَاء: أَن تُومىء برأسك أَو بِيَدِك، كَمَا يُومىء الْمَرِيض بِرَأْسِهِ للرُّكوع والسُّجود.
وَقد تَقول الْعَرَب: أَوْمَأ بِرَأْسِهِ، أَي قَالَ: لَا؛ قَالَ ذُو الرمّة.
قِياماً تَذُبّ البَقَّ عَن نُخراتها
بنَهْزٍ كإيماء الرُّؤُوس المَوانِعِ
وأَنْشد ابْن شُميل:
قد كُنت أَحْذَر مَا أَرى
فأَنا الغداةَ مُوامِئُهْ
قَالَ النَّضر: وزَعم أَبُو الخَطَّاب: مُوَامِئه: مُعاينه.
وَقَالَ الفرّاء: استولى عليّ الْأَمر، واسْتَومى، إِذا غَلب عَلَيْهِ.
ابْن السِّكيت: يُقال: ذَهب ثوبي فَمَا أَدْرِي مَا كَانَت وامِئته، وَمَا أَدري من أَلمْأ عَلَيْهِ.
وَهَذَا قد يُتكلّم بِغَيْر جحد.
وَقَالَ الفرّاء: أَوْمى يُومي، ووَمى يَمي، مثل: أَوحى يُوحي، ووَحى.
وَيُقَال: ومأ بالشَّيْء، إِذا ذَهب بِهِ.
آم: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد، قَالَ: الآمة، على مِثَال الْعَامَّة: الإمة، وَهِي الخِصْب.
وَقَالَ شمر: الآمة: الْعَيْب، وأَنْشد:
مَهْلاً أَبَيْت اللَّعْ
ن إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
اللَّيْث: الآمَة من الصَّبِيّ: مَا يَعْلَق بسُرّته حِين يُولَد.
ويُقال: مَا لُفّ فِيهِ من خِرْقة وَمَا خَرج مَعَه؛ قَالَ حسّان:
ومَوْءُودَة مَقْرورة فِي معَاوِزٍ
بآمتها مَرْسُومة لم تُوسَّدِ
وروى ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الآمة: العَيْب.
والآمَة: العُزّاب، جمع آمٍ. أَرَادَ: أَيِّم، فقَلب.
وَقَول النَّابِغَة:
أُمْهِرْن أَرْماحاً وَهن بآمَةٍ
أَعْجَلْنُهُنّ مَظّنة الإعْذارِ
يُرِيد: أَنَّهُنَّ سُبِين قبل أَن يُخْفضن، فَجعل ذَلِك عَيْباً.
ودعا جريرٌ رجُلاً من بني كَلب إِلَى مُهاجاته، فَقَالَ الْكَلْبِيّ: إنّ نسَائِي بآمتهنّ، وَإِن الشُّعراء لم تدع فِي نِسَائِك مُتَرَقَّعاً.
أَرَادَ: أَن نِسَاءَهُ لم يُهتْك سِتْرهن، وَلم تذكر سوآتهن بسُوء، وأنهن بِمَنْزِلَة الَّتِي وُلدتْ وَهِي غير مَخْفوضة وَلَا مُفْتَضَّة.

(15/462)


يَوْم: اللَّيْث: الْيَوْم، مِقْدَار من طُلوع الشَّمْس إِلَى غُروبها؛ والجميع: الأيّام. وَالْيَوْم: الْكَوْن؛ يُقَال: نعِم الْأَخ فلَان فِي الْيَوْم، إِذا نزل بِنَا، أَي: فِي الكائنة من الْكَوْن إِذا حدثت؛ وأَنْشد:
نِعْم أخُو الهَيْجاء فِي اليَوْمِ اليَمِي
قَالَ: أَرَادَ أَن يشتقّ من الِاسْم نعتاً فَكَانَ حدُّه أَن يَقُول: فِي اليَوم اليَوْم، فقَلبه كَمَا قلبوا (العشيّ) و (الأينق) .
وَتقول الْعَرَب لليوم الشّديد: يَوْم ذُو أيّام، وَيَوْم ذُو أياييم، لطُول شرّه على أَهله.
وَقَالَ: و (الأيّام) فِي أصل الْبناء: أَيْوام، وَلَكِن الْعَرَب إِذا وجدوا فِي كلمة (يَاء) و (واواً) فِي مَوضِع وَاحِد، وَالْأولَى مِنْهُمَا سَاكِنة، أدغموا إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، وَجعلُوا الْيَاء هِيَ الْغَالِبَة، كَانَت قبل الْوَاو أَو بعْدهَا، إِلَّا فِي كَلِمَات شواذّ تُرْوَى مثل: الفتوة، والهوّة.
قَالَ ابْن كيسَان: وسُئل عَن (أَيَّام) لم ذهبت (الْوَاو) ؟ فَأجَاب: إِن كُل (يَاء) و (وَاو) سَبق أَحدهمَا الآخر بِسُكُون، فَإِن (الْوَاو) تصير (يَاء) فِي ذَلِك الْموضع. وتُدغم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، من ذَلِك (أَيَّام) أَصْلهَا: أيوام، وَمثلهَا: سيّد، وميت، الأَصْل: سَيْود، ومَيوِت.
فَأكْثر الْكَلَام على هَذَا إلاّ حرفين: صَيْوب وحَيْوة، وَلَو أعلُّوهما لقالوا: صيّب، وحيّة.
وَأما الْوَاو إِذا سَبقت فقولك: لويته ليّاً، وشَويته شَيّاً؛ وَالْأَصْل: شَوْياً، ولَوياً.
وسُئل أَبُو العبّاس أَحْمد بن يحيى عَن قَول العَرب: اليَوْم اليَوْم؟
فَقَالَ: يُريدون: اليَوم اليَوِم، ثمَّ خَفّفوا (الْوَاو) فَقَالُوا: اليَوْم اليَوْم.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) يَقُول: خَوِّفهم بِمَا نَزل بعَادٍ وثَمود وَغَيرهم من الْعَذَاب، وبالعفو عَن آخَرين، وَهُوَ فِي الْمَعْنى كَقَوْلِهِم: خذهم بالشدّة واللِّين.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام، فِي معنى (الوقائع) .
يُقال: هُوَ عَالم بأيّام الْعَرَب، يُرِيد: وقائعها؛ وأنْشد:
وقائع فِي مُضر تِسعةٌ
وَفِي وائِل كَانَت العاشِرَةْ
فَقَالَ: تِسْعَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تِسع، لأنّ الوقيعة أُنْثَى، ولكنّه ذَهب إِلَى (الْأَيَّام) .
وَقَالَ شَمر: جَاءَت (الْأَيَّام) بِمَعْنى: الوقائع والنِّعَم.
قَالَ: وَإِنَّمَا قصّوا الْأَيَّام دون ذِكر اللَّيَالِي فِي الوقائع، لِأَن حروبهم كَانَت نَهَارا، وَإِذا كَانَت لَيْلًا ذكروها، كَقَوْل لَبِيد:

(15/463)


لَيلة العُرْقوب حتّى غامَرتْ
جَعْفر يُدْعَى ورَهْط ابْن شَكَل
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله تَعَالَى: {يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ} (الجاثية: 14) .
قَالَ: نِعَمه.
وَقَالَ شمر فِي قَوْلهم:
يوماه يَوْم نَدىً ويومُ طِعان
ويوماه: يَوْم نعيم وَيَوْم بُؤس.
فاليوم، هَا هُنَا: بِمَعْنى الدَّهْر، أَي: هُوَ دَهْرَه كَذَلِك.
وَحدثنَا المُنذري، عَن مكين، عَن عبد الحميد بن صَالح، عَن مُحَمَّد بن أبان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أُبيّ بن كَعْب، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) قَالَ: (أَيَّامه: نِعمه) .
وَأما قَول عَمرو بن كُلثوم:
وأيّام لنا غرٌّ طوال
فَإِنَّهُ أَرَادَ أيّام الوقائع الَّتِي نُصروا فِيهَا على أَعْدائهم. وَقَوله:
شَرّ يَوْمَيْها وأَغواه لَهَا
رَكِبت عَنْزُ بحدْجٍ جَمَلاَ
أَرَادَ: شَرّ أيّام دَهرها، كَأَنَّهُ قَالَ: شَرّ يَوْمَي دَهْرها الشَّرَّين.
وَهَذَا كَمَا يُقَال: إِن فِي الشّر خياراً.
ويم: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَيْمة: التُّهمة.
المَاء: اللَّيْث: المَاء: مَدَّتُه فِي الأَصْل زِيَادَة، وَإِنَّمَا هِيَ خَلف من (هَاء) محذوفة.
وَبَيَان ذَلِك أَنه فِي التصغير: (مُوَيه) ، وَفِي الْجمع: مِيَاه.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هَذِه ماءة، كبني تَمِيم، يَعنون: الركّية بِمَائِهَا.
فَمنهمْ من يَرويها ممدودة، وَمِنْهُم من يَقُول: ماةَ، مَقْصورة، وَمَاء كثير، على قِيَاس: شَاة وَشاء.
قلت: أصل (المَاء) : ماه، بِوَزْن (تاه) ، فَثقلَتْ الْهَاء مَعَ السّاكن قبلهَا فقلبوا الْهَاء مدّة، فَقَالُوا: مَاء، كَمَا ترى.
وَالدَّلِيل على أَن الأَصْل فِيهِ الْهَاء قولُهم: أَماه فلَان رَكِيَّة، وَقد ماهت الركيّة، وَهَذِه مُوَيْهة عذبة. ويُجمع: مياهاً.
وَقد ذكرت هَذَا فِي معتل (الْهَاء) بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرح.
وَالْمَاء، الْمِيم مُمالة والأَلف ممدودة: حِكَايَة أصوات الشَّاء والظّباء، قَالَ ذُو الرّمة:
داعٍ يُناديه باسم الماءِ مَبْغُومُ
وَقَالَ الْكِنَانِي: مَوّيت مَاء حَسنة، إِذا كتبتها.

(15/464)


وَحكى اللّحياني عَن الرُّؤَاسي، يُقَال: هَذِه قصيدة مَوويّة: قافيتها (مَا) ، ولوَويّة، إِذا كَانَت على (لَا) .
وَقَالَ غَيره: قصيدة مائّية وماويّة، ولائيّة ولاويّة، ويائية وياويّة.
وَهَذَا أَقيس.
والماويّة: الْمرْآة، أَصْلهَا مائية، فقُلبت المَدّة واواً؛ كَمَا يُقَال: شاوِيّ.
وَقَالَ: (الماوّية) بتَشْديد الْيَاء، هِيَ الْمرْآة، نُسبت إِلَى المَاء لصفائها، وَأَن الصُّور ترى فِيهَا كَمَا ترى فِي المَاء الصافي، وَالْمِيم أَصْلِيَّة فِيهَا.

(15/465)


كتاب الْحُرُوف الْجوف
يُقَال للياء وَالْوَاو وَالْألف: الأحرف الْجوف.
وَكَانَ الْخَلِيل يُسمّيها الْحُرُوف الضَّعيفة الهوائية.
سُميت جوفاً لِأَنَّهُ لَا أحياز لَهَا، فنسبت إِلَى أحيازها كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي لَهَا أَحياز، إِنَّمَا تخرج من هَوَاء الْجوف، فسمِّيت مرّة جُوفاً، وَمرَّة هوائية.
وسُميت ضَعِيفَة لانتقالها من حَال إِلَى حَال عِنْد التصرّف باعتلال.
قلت: وَأَنا أبدأ بتفسير مَا يأتلف مِنْهَا، وَيكون لَهَا أَفعَال، أَو يكون أَسمَاء وأدوات، ثمَّ أَذكر هجاءها مُنْفَرِدَة ومعروفة بمعانيها، لتقف عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

(أَبنية أفعالها وأسمائها)
أَوَى وأى وي أيّ أيْ أوْ أوّ وَا
الْوَاو: وَمَعْنَاهَا فِي الْعَطف وَغَيره.
(فعل) الْألف مَهْمُوزَة وساكنة (فعل) اليائي.
أَوَى: تقولُ الْعَرَب: أَوَى إِلَى منزلهِ يَأوي أُويّاً.
وآويته أَنا إيواءً.
هَذَا الْكَلَام الْجيد.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَويت فلَانا، إِذا أنزلته بك.
وأَوَيت الْإِبِل، بِمَعْنى آويتها.
وأقرأني الْإِيَادِي عَن شَمر لأبي عُبيد؛ يُقَال: أَوَيته، بِالْقصرِ؛ وآويته، بِالْمدِّ، على أفعلته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وأويت إِلَى فلَان، بِالْقصرِ لَا غير.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه أنكر أَن يُقَال: أويت؛ بقصر الْألف، بِمَعْنى آويت.
قَالَ: وَيُقَال: أويت فلَانا، بِمَعْنى: أويت إِلَيْهِ.
قلت: وَلم يَحفظ أَبُو الْهَيْثَم رَحمَه الله هَذِه اللُّغَة، وَهِي صَحِيحَة.

(15/466)


وَسمعت أعرابيّاً فصيحاً من بني نُمير كَانَ اسْتُرعي إبِلا جُرْباً، فَلَمَّا أراحها مَلَثَ الظّلامِ نَحَّاها عَن مأوى الْإِبِل الصّحاح، ونادى عريفَ الحيّ وَقَالَ: أَلا أَيْن آوي هَذِه الْإِبِل المُوقَّسة؟ وَلم يقل: أُووِي.
وروى الرُّواة عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يأوي الضالّة إلاّ ضالّ) .
هَكَذَا رَوَاهُ فُصحاء المُحدّثين، بِفَتْح الْيَاء.
وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح لَا ارتياب فِيهِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عُبيد عَن أَصحابه.
وسمعتُ الفصيح من بني كلاب يقولُ لمأوى الْإِبِل: مأواة، بِالْهَاءِ.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن الْمفضل، عَن أَبِيه، عَن الْفراء، أَنه قَالَ: ذُكر لي أنَّ بعض الْعَرَب يُسمِّي مَأْوى الْإِبِل: مأوِي، بِكَسْر الْوَاو.
قَالَ: وَهُوَ نَادِر، وَلم يجىء فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو: مَفْعِل، بِكَسْر الْعين، غير حرفين: مَأْقِي الْعين، ومَأْوِي الْإِبِل، وهما نادران.
واللغة الْعَالِيَة فيهمَا: مأوَى، ومُوقٌ ومأقٌ.
ويُجمع (الآوي) مِثَال (العاوي) : أُوِيّاً، بِوَزْن (عُوِيّاً) ؛ وَمِنْه قولُ العجّاج:
كَمَا يُدانِي الحِدأ الأُوِيّ
شبّه الأثافي واجتماعها بحدأ انضمت بَعْضهَا إِلَى بعض، فَهِيَ متأوّية ومتأوّيات.
قلت: وَيجوز: تآوَت، بِوَزْن (تعاوت) على (تفاعلت) .
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تأوّى الْجرْح، وأَوَى، وتآوَى، وآوَى، إِذا تقَارب للبُرء.
وَفِي الحَدِيث: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُخَوِّي فِي سُجوده حَتَّى كَنّا نَأْوي لَهُ.
قلت: معنى قَوْله (كُنَّا نأوي لَهُ) بِمَنْزِلَة قَوْلك: كنّا نرثي لَهُ، ونرقّ لَهُ، ونُشفق عَلَيْهِ من شدّة إقلاله بَطْنَه عَن الأَرْض ومدّه ضَبُعَيه عَن جَنْبيه.
يُقَال: أَوَيْت لَهُ آوي لَهُ أويةً، وأيّة، ومَأوية، ومأواة، إِذا رَثَيت لَهُ.
واستأويته، أَي استرحمته، استيواء؛ وَقَالَ:
وَلَو أنِّي اسْتأْوَيْتُه مَا أَوى لِيا
وَقَالَ الآخر:
أَرَانِي وَلَا كُفرانَ لله أَيَّةً
لِنَفسي لقد طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ
أَي: غير مُقْلق من الْفَزع. أَرَادَ: لَا أكفر الله أيّة لنَفْسي، نَصبه لِأَنَّهُ مَفْعول لَهُ.
وأياة الشَّمْس، وآياتها: ضوؤها؛ قَالَ:
سَقته إياة الشَّمس إِلَّا لِثَاتِه
وَيُقَال: الأياء، بِالْمدِّ؛ والإِيا،

(15/467)


بِالْقصرِ.
وَلم أسمع لَهما فعلا.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الأياء: مَفْتُوح الأول مَمْدُود؛ والإياء، مكسور الْألف مَقْصُور، وإياة، كُله وَاحِد: شُعاع الشّمْس وضوؤها.
رَوى ذَلِك الْفراء، عَن الْكسَائي؛ وَأنْشد:
سَقَتْه إياةَ الشَّمْس الإلثاته
أُسِفّ وَلم يُكْمَد عَلَيْهِ بإثمد
وروى ابْن شُميل عَن الْعَرَب: أَوّيتُ بِالْخَيْلِ تأَوِيةً، إِذا دَعوتَها: آوُوه، لِتَريع إِلَى صَوْتك؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فِي حاضِرٍ لَجِبٍ قاسٍ صواهلُه
يُقال للخيل فِي أَسْلافه آوُو
قلت: وَهُوَ مَعروف مِن دُعَاء العَرب خَيْلَها.
وأى: الْأَصْمَعِي وَغَيره، يُقال: وأيت أَئِي وَأْياً، إِذا ضَمنت ووَعدت؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
وَمَا خُنْتُ ذَا عَهد وَأَيْت بعَهْده
وَلم أحْرم المُضْطَرّ إِذْ جَاءَ قانِعاً
اللَّيْث: يُقَال: وَأَيْت لَك بِهِ على نَفسِي وَأْياً. وَالْأَمر: أَهْ. والاثنين: أَيَا. والجميع: أَوْا.
تَقول: أَهْ، وتسكت؛ وَلَا تَأَه، وتَسْكت.
وَهُوَ على تَقْدِير: عه، وَلَا تَعَه.
وَإِن مَررت قلت: إبِمَا وعدت، إيَا بِما وعدتما، كَقَوْلِك: عِ مَا يُقال لَك، فِي المُرور.
والوَأَى: الْفرس السَّريع المُقْتدر الخَلْق.
والنَّجيبة من الْإِبِل يُقَال لَهَا: الوآة، بِالْهَاءِ؛ وأَنْشد:
وَيَقُول ناعتُها إِذا أَعْرضْتها
هذي الوآة كصَخْرة الوَعْلِ
وَقَالَ القُتيبي: قَالَ الرِّياشي: الوئيّة: الدُّرة، مثل: وَئيّة القِدر.
قلت: وَلم يضْبط القُتيبي هَذَا الْحَرْف، وَالصَّوَاب الوَنِيّة، بالنُّون: الدُّرة، وَكَذَلِكَ الوَنَاة، وَهِي الدُّرة المَثْقوبة.
وَأما (الوئيّة) فَهِيَ القِدر الْكَبِيرَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: من القُدور: الوَئِيّة، على (فَعِيلة) وَهِي الواسعة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثله؛ وأنشدنا:
وقِدْر كرأل الصَّحْصَحان وَئِيَّة
أنخت لَهَا بَعد الهُدوِّ الأثافِيا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه قَالَ: قِدْر وَئِيّة، ووَئِيبة.
فَمن قَالَ: (وئيّة) ، فَهِيَ من الْفرس الوَأَى، وَهُوَ الضَّخم.
وَمن قَالَ: وَئيبة، فَهُوَ من الحافِر الوَأْب.
والقِدح المُقعَّب يُقال لَهُ: وَأْبٌ؛ وأَنْشد:

(15/468)


جَاءَ بِقدْرٍ وَأْبة التَّصْعيد
والأفتعال من: وأى يئي: اتَّأَى يَتَّئي، فَهُوَ مُتَّىءٍ.
والاستفعال مِنْهُ: اسْتوأى يَسْتوئي، فَهُوَ مُسْتَوْءٍ.
وي: اللَّيْث: وَي: يكنى بهَا عَن (الوَيْل) .
وَقد تدخل (وي) على (كَأَن) المُخفَّفة والمشدّدة؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} (الْقَصَص: 82) .
قَالَ الْخَلِيل: هِيَ مَفْصولة، تَقُول: وي، ثمَّ تبتدىء فَتَقول: كَأَن.
وَقد ذكر الفَراء قَول الْخَلِيل هَذَا، وَقَالَ: (ويكأن) : (وي) مُنفصلة من (كَأَن) ، كَقَوْلِك للرجل: وَيْ أما ترى مَا بَين يَديك فَقَالَ: وي، ثمَّ اسْتَأْنف {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ، وَهُوَ تعجّب؛ و (كَأَن) فِي الْمَعْنى: الظنّ والعِلْم.
قَالَ الفَراء: وَهَذَا وَجه يَستقيم، وَلَو تَكْتُبهَا العربُ مُنْفصلة.
وَيجوز أَن يكون كَثر بهَا الْكَلَام فوُصلت بِمَا لَيست مِنْهُ، كَمَا اجْتمعت الْعَرَب على كتاب (بابْنؤُمّ) فوصلوها لكثرتها.
قلت: هَذَا صَحِيح، وَالله أعلم.
أَي ووجوهها
رُوي عَن أَحْمد بن يحيى والمُبرّد أنّهما قَالَا: ل (أَي) ثَلَاثَة أُصول:
تكون استفهاماً، وَتَكون تعجّباً، وَتَكون شرطا؛ وأَنشد:
أيّاً فعلت فإنّني لَك كاشِحٌ
وعَلى انتقاصك فِي الحَياة وأَزْدَدِ
وَقَالا مَعًا: جزم قَوْله (وأزدَد) على النَّسق، على مَوضِع الْفَاء الَّتِي فِي (فإنني) ، كَأَنَّهُ قَالَ: أيّاً تَفْعل أُبْغضك وأَزَدد.
وَهُوَ مثل معنى قِراءة من قَرَأَ: {قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} (المُنَافِقُونَ: 10) .
فتقدير الْكَلَام: إِن تُؤَخِّرني أَصَّدَّق وأَكُن.
قَالَا: وَإِذا كَانَت (أَي) استفهاماً لم يعْمل فِيهَا الفِعل الَّذِي قبلهَا، وَإِنَّمَا يَرفعها أَو يِنصبها مَا بعْدهَا؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} (الْكَهْف: 12) .
قَالَ المبرّد: ف (أَي) رَفعٌ، و (أحصى) رفع بِخَبَر الِابْتِدَاء.
وَقَالَ ثَعْلَب: (أَي) يرافعه (أحصى) .
وَقَالا: عمل الفِعل فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ، كَأَنَّهُ قَالَ: لنعلم أيّاً من أيّ، ولنعلم أحدَ هذَيْن.
قَالَا: وَأما المَنصوبة بِمَا بعْدهَا، فَقَوله تَعَالَى: {ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَىَّ مُنقَلَبٍ} (الشُّعَرَاء: 227) نَصَب (أيًّا)

(15/469)


ب (يَنْقَلِبُون) .
وَقَالَ الفَرّاء: أَي، إِذا أَوْقَعت الفِعل المتقدّم عَلَيْهَا خَرجت من معنى الِاسْتِفْهَام، وَذَلِكَ إِن أردته جَائِز، يَقُولُونَ: لأضربنّ أَيُّهم.
يَقُول ذَلِك لأنّ الضَّرْب لَا يَقع على اسمٍ يَأْتِي بعد ذَلِك اسْتِفْهَام، وَذَلِكَ أَن الضَّرب لَا يَقع على اثْنَيْنِ.
قَالَ: وَقَول الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً} (مَرْيَم: 69) .
من نصب (أيا) أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ، وَلَيْسَ باستفهام، كَأَنَّهُ قَالَ: لنستخرجن العاتي الَّذِي هُوَ أشدّ.
ثمَّ فسّر الفَراء وَجه الرَّفع، وَعَلِيهِ القُرّاء، على مَا قدّمنا ذكره من قَول ثَعْلب والمُبرّد.
وَقَالَ الفَرّاء: و (أَي) إِذا كَانَت جَزَاء فَهِيَ على مَذْهَب الَّذِي قَالَ: وَإِذا كَانَت (أَي) تَعَجبا لم يُجاز بهَا؛ لأنّ التَّعَجُّب لَا يُجازى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِك: أيّ رجل زيد؛ وأيّ جَارِيَة زَيْنَب؟
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أيّ، وأيّان، وأيّون.
إِذا أفردوا (أيّا) ثنّوها وجمعوها وأنّثوها، فَقَالُوا: أيّة، وأيّتان، وأيّات.
وَإِذا أضافوها إِلَى ظَاهر أفردوها وذكّروها، فَقَالُوا: أيّ الرجلَيْن؟ وأيّ الْمَرْأَتَيْنِ؟ وأيّ الرِّجَال؟ وَأي النِّساء.
وَإِذا أضافوا إِلَى المَكْنِيّ المُؤَنّث ذكّروا وأَنّثوا، فَقَالُوا: أيّهما، وأيتهما، للمرأتين.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} (الْإِسْرَاء: 110) .
وَقَالَ زُهير فِي لُغة من أَنّث:
وزَوّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكُوا
أَرَادَ: أيّة وُجهة سَلكوا، فأنّثها حِين لم يُضِفْها.
قَالَ: وَلَو قُلْت: أيّاً سَلكوا، بِمَعْنى: أيّ وَجه سلكوا؟ كَانَ جَائِزا.
وَيَقُول لَك قَائِل: رأيتُ ظَبْيًا؛ فتُجِيبه: أيّاً؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَيْن؛ فَتَقول: أَيَّيْن؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظِباءً؛ فَتَقول: أيّات؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَة؛ فَتَقول: أيّةً؟
قَالَ: وَإِذا سَأَلت الرجل عَن قبيلته، قلت: المَيِّيُّ.
وَإِذا سَأَلته عَن كُورته، قلت: الأيِّيّ.
وَتقول: مَيِّيٌّ أَنْت؟ وأَيِّيٌّ أنْت؟ بياءين شَدِيدتَيْن.
وَحكى الفرّاء عَن الْعَرَب فِي لُغَيَّة لَهُم:
أيّهم مَا أدْرك يركب على أيّهم يُريد.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله:

(15/470)


فأَيِّي مَا وأَيّك كَانَ شَرّاً
فسِيقَ إِلَى المَقامة لَا يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرّجُل: الكاذبُ منِّي ومنك فَعل الله بِهِ.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا يُريد أَنَّك شرّ، وَلكنه دَعا عَلَيْهِ بلَفظ هُوَ أحسن من التَّصريح، كَمَا قَالَ الله تعالَى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى} (سبأ: 24) .
وَأنْشد المفضّل:
لقد علم الأَقوامُ أيّي وأَيّكم
بَني عامِرٍ أَوْفَى وَفَاء وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: علمُوا أَنِّي أوفى وَفَاء وَأَنْتُم أظلم.
قَالَ: وَقَوله: فأيّي مَا وأيك، (أَي) مَوضِع رفع، لِأَنَّهُ اسْم (كَانَ) ، وأيّك، نَسق عَلَيْهِ، و (شَرّ) ، خَبَرهَا.
قَالَ: وَقَوله:
فسِيق إِلَى المقامة لَا يَرَاهَا
أَي: عَمي، دعاءٌ عَلَيْهِ.
أَبُو زيد: صَحِبه الله أيّاً مَا تَوَجَّه.
يُرِيد: أَيْنَمَا توجَّه.
وَقَالَ اللَّيث: أيّان، هِيَ بِمَنْزِلَة: مَتَى.
قَالَ: وَيخْتَلف فِي نونها، فَيُقَال: أصليّة، وَيُقَال: زَائِدَة.
وَقَالَ الفَرّاء: أصل (أَيَّانَ) : أَي أوَان، فخفّفوا (الْيَاء) من (أيّ) ، وَتركُوا همزَة (أَوَان) فالتَقَتْ ياءٌ سَاكِنة بعْدهَا وَاو، فأُدغمت (الْوَاو) فِي (الْيَاء) .
حَكَاهُ عَن الْكسَائي.
وَأما قَوْلهم فِي النّداء: أيّها الرجل، وأيتها الْمَرْأَة، وأيّها النَّاس.
فإنّ الزّجاج قَالَ: أَي: اسْم مُبْهم مَبْنِيّ على الضَّم، من: أيّها الرجل، لِأَنَّهُ منادَى مُفرد، و (الرجل) صفة ل (أَي) لَازِمَة، تَقول: يأيها الرجل أَقْبل، وَلَا يجوز: يَا الرجل، لِأَن (يَا) تَنْبِيه بِمَنْزِلَة التَّعريف فِي (الرجل) ، فَلَا يجمع بَين (يَا) وَبَين (الْألف وَاللَّام) فتصل إِلَى (الْألف وَاللَّام) ب (أَي) ، و (هَا) لَازِمَة ل (أَي) للتَّنْبيه، وَهِي عوض من الْإِضَافَة فِي (أَي) ، لِأَن أصل (أَي) أَن تكون مُضَافَة إِلَى الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، والمُنادى فِي الْحَقِيقَة (الرجل) ، و (أَي) وُصلت إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا قلت: يأيها الرّجل، ف (يَا) نِدَاء، و (أَي) اسْم منادى، و (هَا) تَنْبِيه، و (الرجل) صفة، ف (الْوَاو) وَصلت (أَي) بالتّنبيه، فَصَارَ اسْما تامّاً، لِأَن (أيا) و (مَا) و (من) و (الَّذِي) أَسمَاء نَاقِصَة لَا تتمّ إِلَّا بالصّلات.
وَيُقَال: (الرّجل) تَفْسِير لمن نُودي.
أَي سَاكِنة الْيَاء
قَالَ أَبُو عَمْرو: سَأَلت المُبرّد عَن (أَي) مَفْتُوحَة سَاكِنة مَا يكون بعْدهَا؟
فَقَالَ: يكون الَّذِي بعْدهَا بَدَلا، وَيكون

(15/471)


مستأنفاً، وَيكون مَنْصوباً.
قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد بن يحيى، فَقَالَ: يكون مَا بعْدهَا مُترجِماً، وَيكون مُستأنفاً، وَيكون نَصباً بِفعل مُضمر.
تَقول: جَاءَنِي أَخُوك، أَي: زيدٌ.
وَرَأَيْت أَخَاك، أَي: زيدا.
ومررت بأخيك، أَي: زيدٍ.
وَتقول: جَاءَنِي أَخُوك، فَيجوز فِيهِ: أَي: زيدٌ، وَأي: زيدا.
ومررت بأخيك، فَيجوز فِيهِ: أَي زيدٍ، وَأي زيدا، وَأي زيدٌ.
وَيُقَال: رَأَيْت أَخَاك، أَي زيدا، وَيجوز: أَي زيدٌ.
إِي، بِمَعْنى نعم
الليثُ: إِي: يَمِين؛ قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِى وَرَبِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِنَّهُ لَحَقٌّ} (يُونُس: 53) الْمَعْنى: إِي وَالله.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جَلّ وعزّ: {أَي وربي إِنَّه الْحق} (يُونُس 53) ، الْمَعْنى: نَعم وَرَبِّي.
وَنَحْو ذَلِك رَوَى أَحْمد بن يحيى، عَن ابْن الْأَعرَابِي.
وَهَذَا هُوَ القَوْل الصَّحِيح.
أَو: ومعانيها
قَالَ أَبُو العبّاس ثَعْلَب: (أَو) تكون تخييراً، وَتَكون شَكّاً، وَتَكون بِمَعْنى (بل) ، وَتَكون بِمَعْنى (مَتى) ، وَتَكون بِمَعْنى (الْوَاو) .
وَقَالَ الْكسَائي وَحده: وَتَكون شرطا.
وَأنْشد أَبُو زيد فِيمَن جعلهَا بِمَعْنى (الْوَاو) :
وَقد زَعمت ليلى بأَنِّيَ فاجِرٌ
لِنَفْسي تُقاها أَو عَلَيْهَا فُجورُها
مَعْنَاهَا: وَعَلَيْهَا.
وأنْشد الْفراء:
إنّ بهَا أَكْتلَ أَو رِزَامَا
خُويربان يَنْقُفَان الهامَا
وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ} (الصافات: 147) إِنَّمَا هِيَ: وَيزِيدُونَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ} (هود: 87) . قَالَ: تَفْسِيره: وَأَن نَفْعل.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وَعز: {) مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ} (الصافات: 147) أَو يزِيدُونَ عنْدكُمْ، فَيجْعَل مَعْنَاهَا للمخاطبين، أَي: هم أَصْحَاب شارة وزيّ وجَمال رائع، فَإِذا رَآهُمْ النَّاس قَالُوا: هَؤُلَاءِ مِائَتَا ألف.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس المبرّد: (إِلَى مائَة ألف) ، فهم فَرْضُه الَّذِي عَلَيْهِ أَن يُؤدّيه.

(15/472)


وَقَوله {أَو يزيدونٍ} يَقُول: فَإِن زادوا بالأولاد قبل أَن يُسْلِموا فادْعُ الْأَوْلَاد أَيْضا، فَيكون دعاؤُك للأولاد نَافِلَة لَك لَا يكون عَلَيْك فَرْضاً.
قلت: وأمّا قَوْله تَعَالَى فِي آيَة الطَّهَارَة: {وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43) فَهُوَ بِمَعْنى (الْوَاو) الَّتِي تُعرف بواو الْحَال.
الْمَعْنى: وَجَاء أَحد مِنْكُم من الْغَائِط، أَي: فِي هَذِه الْحَالة.
وَلَا يجوز أَن يكون تَخْييراً.
وأَما قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43) فَهِيَ معطوفة على مَا قبلهَا بمعناها.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوْ} (الْإِنْسَان: 24) .
فَإِن الزّجاج قَالَ: (أَو) هَا هُنَا أوكد من (الْوَاو) ، لِأَن (الْوَاو) إِذا قلت: لَا تُطع زيدا وعمراً، فأطاع أَحدهمَا كَانَ غير عاصٍ، لِأَنَّهُ أَمره ألاّ يُطيع الِاثْنَيْنِ، فَإِذا قَالَ: وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِماً أَو كفورا، ف (أَو) قد دَلّت على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أهل لِأَن يعْصى.
وَقَالَ الْفراء: (أَو) إِذا كَانَت بِمَعْنى (حَتَّى) فَهُوَ كَمَا تَقول: لَا أَزَال مُلازمك أَو تُعطيني، وَإِلَّا أَن تُعطيني.
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} (آل عمرَان: 128) .
مَعْنَاهُ: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم، وَإِلَّا أَن يَتُوب عَلَيْهِم؛ وَمِنْه قولُ امرىء الْقَيْس:
يُحاول مُلْكاً أَو يَمُوت فيُعْذرا
مَعْنَاهُ: إِلَّا أَن يَمُوت.
وَأما الشكّ، فَهُوَ كَقَوْلِك: خرج زيد أَو عَمْرو؟
وَقَالَ محمّد بن يزِيد: (أَو) من حُرُوف الْعَطف، وَلها ثَلَاثَة معَان:
تكون لأحد أَمريْن عِنْد شكّ المُتكلم أَو قَصده أَحدهمَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِك: أتيتُ زيدا أَو عمرا، وَجَاءَنِي رجل أَو امْرَأَة؛ فَهَذَا شَكّ.
فَأَما إِذا قَصد أَحدهمَا، فكقولك: كل السّمك أَو اشرب اللَّبن، أَي: لَا تجمعهما، وَلَكِن اختر أيّهما شِئت.
وَكَذَلِكَ: أَعْطِنِي دِينَارا أَو اكسُني ثوبا.
وَتَكون بِمَعْنى الْإِبَاحَة، كَقَوْلِك: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرين، وأْتِ المَسْجِد أَو السُّوق، أَي: قد أَذِنت لَك فِي هَذَا الضَّرب من النَّاس؛ وَإِن نهيته عَن هَذَا قلت: لَا تجَالس زيدا أَو عمرا، أَي: لَا تجَالس هَذَا الضَّرْب من النَّاس.
وعَلى هَذَا قولُه تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوكفوراْ} (الْإِنْسَان: 24) أَي: وَلَا تُطع

(15/473)


وَاحِدًا مِنْهُمَا، فافْهمه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: (أَوَ لَم يَرَوْا) و (أَو لم يَأْتهم) إِنَّهَا (وَاو) مُفْردَة دَخَلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام كَمَا دَخَلت على (الْفَاء) و (ثمَّ) و (لَا) .
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: إِنَّه لفُلَان أَو مَا بنَجد قرظَة، ولآتينّك أَو مَا بنَجد قرظة، أَي: لآتينّك حقّاً، وَهُوَ توكيد.
أوّ: قَالَ النّحويون: إِذا جعلت (أَو) اسْما، ثقّلت واوها، فَقلت: هَذِه أوّ حَسنة.
وَتقول، دع الأوّ جانباً.
تَقول ذَلِك لمن يسْتَعْمل فِي كَلَامه: افْعَلْ كَذَا أَو كَذَا، وَكَذَلِكَ تثقل (لوَّ) إِذا جعلته اسْما؛ قَالَ أَبُو زيد:
إنّ ليَتْاً وإنّ لَوًّا عَناءُ
وَقَول الْعَرَب: أَوِّ من كَذَا، بواو ثَقيلَة، هُوَ بِمَعْنى: تشكّى مشقّة أَو همّ أَو حُزن؛ وأَنْشد بَعضهم:
فأوِّ من الذِّكْرى إِذا مَا ذكرتها
وَمن بُعْد أرْضٍ بَيْننَا وسَماءِ
وَقَالَ أَبُو زيد: أنشدنيه أَبُو الجرّاح:
فَأَوِّه من الذكرى إِذا مَا ذكرتها
قَالَ: وَيجوز فِي الْكَلَام لمن قَالَ: (أَوّهِ) مَقْصُورا، أَن يَقُول فِي (يَتَفعّل) : يتأَوَّى، وَلَا يَقُولهَا بِالْهَاءِ.
وَقَالَ الْمَازِني: أَوَّةٌ، من الفِعْل، وَأَصله: أوِوَةٌ، فأدغمت الْوَاو فِي الْوَاو وشُدِّدت.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ من الفِعل: فَعْلَةٌ، بِمَعْنى: أَوّة، زيدت هَذِه الْألف، كَمَا قَالُوا: ضَرب حاقَّ رَأسه، فزادوا هَذِه الْألف.
قَالَ: وَلَيْسَ (أوّة) بِمَنْزِلَة قَول الشَّاعِر:
تأوَّه آهة الرَّجُل الحزين
لِأَن الْهَاء فِي (أَوّة) زَائِدَة، وَفِي (تأوه) أَصليّة.
أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: أوتا، فيقلبون الْهَاء تَاء.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وقومٌ من الْعَرَب يَقُولُونَ: آوُوه، بِوَزْن: عاووه، وَهُوَ من الفِعْل: فاعول؛ وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة.
وَقَالَ أَبُو طَالب: قَول العامّة: آوَّة: مَمْدُود، خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ: آوَّة من كَذَا، أَو: أَوْة مِنْهُ، بقصر الْألف.
وروى أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا قَالَ الرجل: أَوّة من كَذَا: رَدّ عَلَيْهِ الآخر: عَلَيْك أَوْهَتُك.
وَقَالَ الْفراء: أنْشدني أَبُو ثَروان:
أوِّ من الهِجران يَوْم لقيتها
وَمن طُول أَرض دونهَا وسَماءِ
قَالَ: ويروى: (فأَوْه) ، و (فأَوِّه) .
وَقَالَ غَيره: أوّة: فَعْلة، هاؤها للتأنيث، لأَنهم يَقُولُونَ: سَمِعت أَوَّتَك، فيجعلونها

(15/474)


تَاء.
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث: أوَّة، بِمَنْزِلَة: (فَعْلة) ، أَوَّةً لَك.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: أَوْهِ على زيد، كسروا الْهَاء وبينّوها.
وَقَالُوا: أوَّ تَا عَليك، بِالتَّاءِ؛ وَهُوَ التلهّف على الشَّيْء عَزِيزًا كَانَ أَو هَيِّناً.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ؛ فِيمَا رَوى ثَعْلَب عَن عَمْرو، عَن أَبِيه: الأُوَّة: الداهية، بِضَم الْهمزَة.
قَالَ: وَيُقَال: مَا هِيَ إِلَّا أُوَّةٌ من الأُوَو يَا فَتى، أَي: داهية من الدَّوَاهِي.
قَالَ: وَهَذَا من أَغرب مَا جَاءَ عَنْهُم حِين جَعلوا (الْوَاو) كالحرف الصَّحِيح فِي مَوضِع الْإِعْرَاب؛ فَقَالُوا: الأُوَو، بِالْوَاو الصَّحيحة.
وَا: قَالَ اللَّيْث: وَا: حرف نُدبة، كَقَوْل النادبة: وافلاناه

(15/475)


بَاب الألفات ومعانيها
ألف: رَوى أَبُو عَمْرو، عَن أَحْمد بن يحيى، وَمُحَمّد بن يزِيد، أَنهما قَالَا: أُصول الألفات ثَلَاثَة وتَتَبعها الْبَاقِيَات:
ألف أصْلية، وَهِي فِي الثلاثي من الْأَسْمَاء؛
وَألف قَطْعِيَّة، وَهِي فِي الرُّباعي.
وَألف وَصْليّة، وَهِي فِيمَا جَاوز الرّباعيّ.
قَالَا: فالأصلية مثل: ألِفٍ ألِفٍ، وإلْفٍ إلْفٍ؛ وَمَا أشبهه.
والقطعية، مثل: ألف (أَحْمد) و (أَحْمَر) وَمَا أشبهه.
والوصلية، مثل ألف (استنباط) و (اسْتِخْرَاج) .
وَهن فِي الْأَفْعَال إِذا كَانَت أَصْلِيَّة مثل ألف (أكل) ، وَفِي الرباعي إِذا كَانَت قَطْعِيَّة مثل ألف (أحسن) ، وَفِيمَا زَاد عَلَيْهِ مثل ألف (استكبر) و (استدرج) ، إِذا كَانَت وصلية.
قَالَا: وَمعنى ألف الِاسْتِفْهَام ثَلَاثَة:
تكون بَين الآدميّين، يَقُولهَا بعضُهم لبَعض استفهاماً.
وَتَكون من الجبّار لوليّه تقريراً.
ولِعدوّه توبيخاً.
فالتّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام: {أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) .
قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا وَقع التَّقرير لعيسى، لأنّ خُصومه كَانُوا حُضُوراً، فَأَرَادَ الله من عِيسَى أَن يكذِّبهم بِمَا ادّعوا عَلَيْهِ.
وأمّا التّوبيخ لعدوّه، فكقوله تَعَالَى: { (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى} (الصافات: 153) ، وَقَوله تَعَالَى: {ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (الْبَقَرَة: 140) ، و {تُورُونَ أَءَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ} (الْوَاقِعَة: 72) .
قلت: فَهَذِهِ أُصول الألفات.
وللنحويّين ألقابٌ لألفات غَيرهَا، وَأَنا ذاكرها لَك فتقف عَلَيْهَا:
فَمِنْهَا: الْألف الفاصلة، وَهِي فِي موضعَيْن:
إِحْدَاهمَا: الْألف الَّتِي يُثبتها الكتبة بعد (وَاو) الْجمع ليُفصل بهَا بَين (وَاو) الْجمع وَبَين مَا بعْدهَا، فِي مثل: كفرُوا، وشكروا.
وَكَذَلِكَ الْألف الَّتِي فِي مثل: يَغْزوا،

(15/476)


ويَدْعوا.
وَإِذا اسْتغنى عَنْهَا، لاتصال المكنى بالفِعل، لم تَثبت هَذِه الْألف الفاصِلة.
والأُخرى: الْألف الَّتِي فَصلت بَين النُّون، الَّتِي هِيَ عَلامَة الْإِنَاث، وَبَين النُّون الثَّقِيلَة، كَرَاهَة اجْتِمَاع ثَلَاث نونات فِي مثل قَوْلك للنّساء، وَأَنت تَأمر: افْعلنانّ، بِكَسْر النُّون وَزِيَادَة ألف بَين النونين.
وَمِنْهَا: ألف الْعبارَة، لِأَنَّهَا تعبِّر عَن الْمُتَكَلّم، مثل قَوْلك: أَنا أفعل كَذَا، وَأَنا أسْتَغْفر الله، وتسمّى: العاملة، وَقد مَر ذكر اللُّغَات الَّتِي فِيهَا، فِيمَا تقدّم من الْكتاب.
وَمِنْهَا: الْألف المَجهولة، مثل ألف (فَاعل) و (فاعول) وَمَا أشبههَا، وَهِي كل ألف تدخل فِي الْأَفْعَال والأسماء، مِمَّا لَا أصل لَهَا، إِنَّمَا تَأتي لإشباع الفتحة فِي الفِعل وَالِاسْم.
وَهِي إِذا لَزمتها الْحَرَكَة تصِير واواً، كَقَوْلِك: خَاتم وخواتم، صَارَت (واواً) لما لزمتها الْحَرَكَة لسكون الْألف بعْدهَا، وَالْألف الَّتِي بعْدهَا هِيَ أَلف الْجمع، وَهِي مَجْهُولَة أَيْضا.
وَمِنْهَا: ألف العِوض، وَهِي المبدلة من التَّنوين المَنصوب، إِذا وقفت عَلَيْهَا، كَقَوْلِك: رَأَيْت زيدا، وَفعلت خيرا، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: ألف الصّلة، وَهِي ألف توصل بهَا فَتْحة القافية وفتحة هَاء الْمُؤَنَّث:
فَأَما فَتْحة القافية، فَمثل قَوْله:
بَانَتْ سُعاد وأَمسى حبلها انْقَطعا
فوصل فَتْحة الْعين بِأَلف بعْدهَا.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ} (الْأَحْزَاب: 10) : الْألف الَّتِي بعد النُّون الْأَخِيرَة هِيَ صِلة لفتحة النُّون:
وَلها أَخَوَات فِي تواصل الْآيَات، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَوَارِيرَاْ} (الْإِنْسَان: 15) و {تُسَمَّى} (الْإِنْسَان: 18) .
وأَما فَتْحة هَاء الْمُؤَنَّث، فقولك: ضربتها، ومررت بهَا.
وَالْفرق بَين أَلف الْوَصْل وأَلف الصِّلَة، أَن أَلف الْوَصْل إِنَّمَا اجْتلبت فِي أَوائل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، وأَلف الصِّلَة فِي أَواخر الْأَسْمَاء كَمَا تَرى.
وَمِنْهَا أَلف النُّون الْخَفِيفَة، أَصْلهَا الثَّقِيلَة إِلَّا أَنَّهَا خففت؛ وَمن ذَلِك قولُ الْأَعْشَى:
وَلَا تَحْمد المُثْرين وَالله فاحْمَدَا
بالنُّون الْخَفِيفَة، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ آخر:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْن خَمْس وعِشْري
ن فَقَالَت لَهُ الفَتاتان قُومَا
أَرَادَ: قومن، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ:

(15/477)


يَحْسَبه الجاهِلُ مَا لم يَعْلَما
شَيْخاً على كرسيّه معمّما
فنصب (يعلم) لِأَنَّهُ أَرَادَ: مَا لم يعلمن. بالنُّون الْخَفِيفَة، فَوقف بِالْألف.
وَقَالَ أَبُو عِكْرِمَة الضّبيّ فِي قَول امرىء الْقَيْس.
قِفا نَبْك مِن ذِكْرى حَبيب ومَنْزل
أَرَادَ: قِفن، فأبدل الْألف من النُّون الْخَفِيفَة، كَقَوْلِك: قُوماً، أَرَادَ: قُومن.
قَالَ أَبُو بكر: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} (ق: 24) .
أَكثر الرِّوَايَة أنّ الخِطاب لمَالِك خَازِن جَهنم وَحده، فبناه على مَا وصفناه.
وَقيل: هُوَ خطاب لمَالِك وملَك مَعَه، وَالله أَعلم.
وَمِنْهَا: ألف الْجمع، مثل: مَسَاجِد، وجبال، وفُرسان، وفواعِل.
وَمِنْهَا: ألف التَّفْضيل والتصغير: كَقَوْلِك: فلَان أَكرم مِنْك، وألأم مِنْك، وَفُلَان أَجْهَل النَّاس.
وَمِنْهَا: ألف النداء، كَقَوْلِك: أَزِيد، تُريد: يَا زيد.
وَمِنْهَا: ألف النّدبة، كَقَوْلِك: وازيداه.
أَعنِي (الْألف) الَّتِي بعد (الدَّال) .
وتُشاكلها ألف الاستنكار، إِذا قَالَ الرجل: جَاءَ أَبُو عَمْرو، فيُجيب المُجيب: أَبُو عَمْراه، زيدت الْهَاء على المدّة فِي الاسْتنكار، كَمَا زيدت فِي: وافلاناه، فِي النُّدبة.
وَمِنْهَا: ألف التَّأْنِيث، نَحْو مُدَّة: حَمْرَاء ونُفساء.
وَمِنْهَا: ألف: سَكرى، وحُبْلَى.
وَمِنْهَا: ألف التَّعايي، وَهُوَ أَن يَقُول الرجل: إِن عُمر، ثمَّ يُرْتَج عَلَيْهِ كلامُه، فيقف على (عمر) وَيَقُول: إِن عُمرا، فيمدها مُستمدًّا لما يفتح لَهُ من الْكَلَام، فَيَقُول: مُنطلق. الْمَعْنى: إِن عمر مُنطلق، إِذا لم يَتعَايَ.
ويفعلون ذَلِك فِي التَّرخيم، كَقَوْلِك: يَا عُما، وَهُوَ يُرِيد (عُمر) ، فيمد فَتْحة الْمِيم بِالْألف ليمتدّ الصَّوْت.
وَمِنْهَا: ألفات المدّات، كَقَوْل العَرب ل (الكلكل) : الكَلْكال، وَيَقُولُونَ ل (الْخَاتم) : خاتام، ول (الدانَق) : دانَاق.
قَالَ أَبُو بكر: الْعَرَب تصل الفتحة بِالْألف، والضمة بِالْوَاو، والكسرة بِالْيَاءِ.
فَمن وَصْلهم الفتحة بِالْألف قولُ الراجز:
قُلْت وَقد خَرّت على الكَلْكال
يَا نَاقَتي مَا جُلْت عَن مَجالِي
أَرَادَ: على الكَلكل، فوصل فَتْحة الْكَاف بِالْألف. وَقَالَ آخر:
لَهَا مَتْنتان خظاتاكما

(15/478)


أَرَادَ: خَظَتا.
ومِن وَصْلهم الضمّة بِالْوَاو: مَا أَنْشده الْفراء:
لَو أنْ عَمْراً هَمَّ أَن يَرْقُودَا
فانْهض فشُدّ المِئْزَرَ المَعْقُودَا
أَرَادَ: أَن يَرْقُد، فوصل ضمّة الْقَاف بِالْوَاو. وَأنْشد أَيْضا:
الله يعلم أنّا فِي تَلفُّتنا
يومَ الْفِرَاق إِلَى إخْواننا صُورُ
وأنّني حَيْثما يَثْنِي الْهوى بَصَري
مِن حَيْثُمَا سَلكُوا أدْنُو فأنْظُور
أَرَادَ: فَأنْظر.
وَأنْشد فِي وَصل الكسرة بِالْيَاءِ:
لَا عَهْد لي بِنيضالِ
أَصْبحتُ كالشَّنّ الْبَالِي
أَرَادَ: بنضال. وَقَالَ:
على عَجل منِّي أطأطىءُ شِيمالِي
أَرَادَ: شمَالي، فوصل الكسرة بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْألف المحوَّلة، وَهِي كل ألف أَصْلهَا الياءُ وَالْوَاو المُتحرَّكتان كَقَوْلِك: قَالَ، وَبَاعَ، وقضا، وغزا، وَمَا أشْبهها.
وَمِنْهَا: ألف التَّثنية، كَقَوْلِك: يجلسان، ويذهبان.
وَمِنْهَا: ألف التَّثْنية فِي الْأَسْمَاء، كَقَوْلِك: الزَّيدان، والقَمران.
قَالَ أَبُو زيد: وسمعتُهم يَقُولُونَ: أَيَا أَيَّاهُ أَقْبل، وَزنه: عَيَا عَيَاه.
وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: ألف الْقطع فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن تكون فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء المُفردة.
وَالْوَجْه الآخر: أَن تكون فِي أَوَائِل الْجمع.
فالتي فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء تَعرفها بثباتها فِي التَّصْغير، بِأَن تَمتحن الْألف فَلَا تجدها فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً؛ من ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 14) الْألف فِي (أحسن) ألف قطع، وتصغيره: أُحَيْسن.
وَتقول فِي مِثَاله من الفِعل: افْعَل، فتجد الْألف لَيست فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} (النِّسَاء: 86) .
وَالْفرق بَين ألف الْقطع وَألف الْوَصْل أَن ألف الْوَصْل (فَاء) من الْفِعْل، وَألف الْقطع لَيست: فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً، وَتدْخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام الَّتِي هِيَ للتعريف، تَقول: الأبوان والأزواج، وَكَذَلِكَ ألف الْجمع فِي السّتَة.
وَأما ألفات الْوَصْل فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء فَهِيَ تِسْعَة، ألف: ابْن، وَابْنَة، وابنين، وابنتين، وامرىء، وَامْرَأَة، وَاسم، واست.

(15/479)


فَهَذِهِ ثَمَانِيَة تكسر الْألف فِي الِابْتِدَاء وتحذف فِي الْوَصْل.
والتاسعَة: الْألف الَّتِي تدخل مَعَ اللَّام للتَّعريف، وَهِي مَفْتُوحَة فِي الِابْتِدَاء سَاقِطَة فِي الْوَصْل، كَقَوْلِك: الرحمان، وَالْقَارِعَة، والحاقّة، تسْقط هَذِه الألفات فِي الْوَصْل وتنفتح فِي الِابْتِدَاء.
بَاب الياآت وألقابها الَّتِي تعرف بهَا
الْيَاء: فَمِنْهَا: يَاء التَّأْنِيث فِي مثل: اضْربي، وتَضربين، وَلم تَضربي.
وَفِي الْأَسْمَاء: (يَاء) حُبْلى، وعَطْشى؛ يُقَال: هَا حُبْليان، وعَطْشيان، وجُماديان، و (يَاء) ذِكْرى، وسيما.
وَمِنْهَا: يَاء التَّثنية وَالْجمع، كَقَوْلِك: رَأَيْت الزيدَيْن.
وَمِنْهَا: يَاء الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْل النَّابِغَة:
يَا دَار مَيَّة بالعَلْياء فالسَّندِي
فوصل كسرة الدَّال بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: يَاء الإشباع فِي المَصادر والنُّعوت؛ كَقَوْلِك: كاذبته كيذاباً، أَرَادَ: كِذَابا. أَرَادَ أَن يُظهر الْألف الَّتِي فِي ضاربته فِي الْمصدر، فجعلوها يَاء، لكسرة مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء (مِسْكين) و (عَجِيب) أَرَادوا بِنَاء (مِفْعِل) ، وَبِنَاء (فَعِل) فأَشْبَعوا بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المحوَّلة، مثل (يَاء) الْمِيزَان، والميعاد، وَقيل: ودُعي، وَهِي فِي الأَصْل (وَاو) فقُلبت يَاء لكسر مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء النّداء؛ كَقَوْلِك: يَا زيد، وَيَقُولُونَ: أزَيد.
وَمِنْهَا: يَاء الاستنكار، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالحَسن، فَيَقُول المُجيب مُستنكراً لقَوْله: ألْحَسنيهْ، مدّ النُّون بياء، وَألْحق بهَا هَاء الوقْف.
وَمِنْهَا: يَاء التّعايي، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالَحَسني، ثمَّ تَقول: أخي بَني فلَان.
وَمِنْهَا: يَاء مدّ المُنادى، كندائهم: يَا بِّشْر، يمدّون ألف (يَا) ويُشدِّدون (بَاء) (بِشْر) ويمدونها. بياء (يَا بيشر) ، يمدّون كسرة الْبَاء بِالْيَاءِ، فَيجْمَعُونَ بَين ساكنين؛ وَيَقُولُونَ: يَا مُنْذير، يُرِيدُونَ: يَا مُنْذر.
وَمِنْهُم من يَقُول: يَا بشير، فيكسرون الشين ويُتبعونها الْيَاء يمدّونها بهَا، يُرِيدُونَ: يَا بِشْر.
وَمِنْهَا: الْيَاء الفاصلة فِي الْأَبْنِيَة، مثل: (يَاء) صَيْقل، و (يَاء) بَيْطار، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: يَاء الْهمزَة، فِي الخطّ مرّة، وَفِي اللَّفْظ أُخْرَى.
فأمّا الْخط: فَمثل (يَاء) : قَائِم، ومائل، صُورت الْهمزَة يَاء، وَكَذَلِكَ من: شركائهم، وَأُولَئِكَ، وَمَا أشبههَا.

(15/480)


وأمّا اللَّفْظ فَقَوْلهم فِي جَمع (الْخَطِيئَة) : خطايَا؛ وَفِي جمع (الْمرْآة) : مَرايا، اجْتمعت همزتان فَليَّنوهما وَجعلُوا إِحْدَاهمَا ألفا.
وَمِنْهَا: يَاء التَّصْغير، كَقَوْلِك فِي تَصغير (عَمْرو) : عُمَير، وَفِي تَصْغِير (ذَا) : ذَيّا، وَفِي تَصغير (شيخ) : شُيَيْخ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المُبدلة من لَام الفِعْل، كَقَوْلِك: الخامي، والسادي، للخامس وَالسَّادِس، يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي القوافي وَغير القوافي.
وَمِنْهَا: يَاء الثَّعالي، يُرِيدُونَ: الثعالب؛ وأَنْشد:
ولِضَفادِي جَمَّه نَقانِقُ
يُرِيد: لِضَفادع.
وَقَالَ الآخر:
إِذا مَا عُدّ أربعةٌ فِسالٌ
فَزوْجكِ خامسٌ وَأَبُوك سادِي
وَمِنْهَا: الْيَاء الساكنة تُترك على حَالهَا فِي مَوضع الجَزم فِي بعض اللُّغَات؛ وأَنْشد الْفراء:
ألم يَأْتِيك والأنباء تَنْمى
بِمَا لاقت لَبُون بني زيَادِ
فَأثْبت الْيَاء فِي (يَأْتِيك) وَهِي فِي مَوضِع جزم. وَمثله قَوْله:
هُزِّي إِلَيْك الجِذْعَ يُجْنِيْكِ الجَنَى
وَوجه الْكَلَام: يُجْنبك.
وَقد نَقلوا مثل ذَلِك فِي (الْوَاو) ؛ وأَنشد:
هجوتَ زيّان ثمَّ جِئْتَ مُعْتذراً
من هَجْو زيّان لم تَهْجو وَلم تَدَعِ
وَمِنْهَا: يَاء النِّداء، وحذفُ المنادى وإضماره، كَقَوْل الله تَعَالَى، على قِرَاءَة مَن قَرَأَ: {يَهْتَدُونَ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (النَّمْل: 25) ، الْمَعْنى: أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا؛ وأَنْشد:
يَا قاتلَ الله صِبْياناً تَجِيء بهم
أمُّ الهُنَيْنَين مِن زَنْدٍ لَهَا وارِي
كَأَنَّهُ أَرَادَ: يَا قوم، قَاتل الله صبياناً.
وَمثله قَوْله:
يَا من رأى بارقاً أُكَفْكفه
بَين ذِرَاعَي وجَبْهة الأَسَدِ
كَأَنَّهُ دَعَا: يَا قوم، يَا إخوتي، فَلَمَّا أَقبلُوا عَلَيْهِ قَالَ: من رأَى؟
وَمِنْهَا: يَاء نِدَاء مَا لَا يُجيب تَنْبِيها لمن يَعْقل؛ من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) و {ياوَيْلَتَاءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} (هود: 72) وَالْمعْنَى: أَن استهزاء الْعباد بالرُّسل صَار حَسْرةً عَلَيْهِم، فنُوديت تِلْكَ الحسرةُ تَنْبِيها للمُتحسِّرين. الْمَعْنى: يَا حسرةً على الْعباد، أَيْن أَنْت فَهَذَا أوانك، وَكَذَلِكَ مَا أشبهه.
وَمِنْهَا: ياآت تدل على أَفعَال بعْدهَا فِي أوائلها ياآت؛ وأَنشد بَعضهم:

(15/481)


مَا للظّلِيم عاكَ كَيفَ لايا
يَنْقَدّ عَنهُ جلدُه إِذا يَا
يُذّرَى التُّرابُ خَلفه إذْ رَايَا
أَرَادَ: كَيفَ لَا ينقدّ جلده إذَا يُذْرَى الترابُ خَلْفه.
وَمِنْهَا: يَاء الْجَزْم المُرسل والجَزم المُنْبسط.
فَأَما يَاء الْجَزْم المُرسل فكقولك: أَقضي الْأَمر، وتحذف لِأَن قبل الْيَاء كسرة تَخلُف مِنْهَا.
وَأما يَاء الْجَزْم المُنبسط فكقولك: رَأَيْت عَبدِي الله؛ ومررت بعبدي الله، لم تكن قبل الْيَاء كسرة تكون عوضا مِنْهَا، فَلم تَسْقط وكُسرت لالتقاء الساكنين، وَلم تَسقط لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا خَلف.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، قَالَ: إِذا كَانَت الْيَاء زَائِدَة فِي حرف رباعيّ أَو خماسيّ أَو ثلاثيّ، فالرباعيّ: كالقَهْقرى، والخَوْزَلى، وبَعير جَلْعبى، فَإِذا ثَنّته العربُ أَسقطت الْيَاء، فَقَالُوا: الْخوزلان، والقهقران، وَلم يثبتوا الْيَاء فيقولا: الخوزَليان، وَلَا القَهْقريان، لِأَن الْحَرْف كرّر حُروفه، فاسْتثقلوا مَعَ ذَلِك جمع الْيَاء مَعَ الْألف، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي نَصبه لَو ثُنّي على هَذَا: الخوزَليين، فثقُل وَسَقَطت الْيَاء الأولى.
وَفِي الثلاثي إِذا حُرّكت حروفُه كُلها: الجَمزَى والوَثَبى، ثمَّ ثَنَّوه فَقَالُوا: الجَمزان، والوَثبان، وَرَأَيْت الجَمزَيْن والوَثَبْين.
قَالَ الْفراء: مَا لم يَجتمع فِيهِ ياآن كتبته بِالْيَاءِ للتأنيث، فَإِذا اجْتمع الياآن كتبت إِحْدَاهمَا ألفا لثقلها.
بَاب الواوات
الْوَاو: الواوات، لَهَا معَان مُخْتَلفَة، لكُل معنى مِنْهَا اسْم تُعرف بِهِ.
فَمِنْهَا: وَاو الْجمع، كَقَوْلِك، اضربوا، ويَضربون. وَفِي الأسماه: المُسلمون.
وَمِنْهَا: وَاو الْعَطف، وَالْفرق بَينهَا وَبَين (الْفَاء) فِي الْمَعْطُوف، أَن الْوَاو يُعطف بهَا جملَة جُمل، وَلَا تَدلّ على التَّرْتِيب فِي تَقديم المُقدّم ذكره، وَتَأْخِير المؤخّر ذكرُه.
و (أما) الْفَاء فَإِنَّهَا يُوصل بهَا مَا بعْدهَا بِالَّذِي قبلهَا، والمقدّم هُوَ الأوّل.
قَالَ الْفراء: إِذا قلت: زُرت عبد الله وزيداً، فَأَيّهمَا شِئت كَانَ الْمُبْتَدَأ بالزيارة.
وَإِذا قلت: زرت عبد الله فَزَيْداً، كَانَ الأول هُوَ الأول وَالْآخر هُوَ الآخر.
وَمِنْهَا: وَاو الْقسم تخَفْض مَا بعْدهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يُوعَدُونَ} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ} (الطّور: 1، 2) ف (الْوَاو) الَّتِي فِي

(15/482)


(الطّور) هِيَ وَاو الْقسم، وَالْوَاو الَّتِي هِيَ فِي {وَالطُّورِ} هِيَ وَاو الْعَطف، أَلا ترى أَنه لَو عطف بِالْفَاءِ كَانَ جَائِزا، و (الْفَاء) لَا يقسم بهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {} {ذَرْواً فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً} (الذرايات: 1، 2) غير أَنه إِذا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مُتّصل بِالْيَمِينِ الأولى، وَإِذا كَانَ بِالْوَاو فَهُوَ شَيْء آخر أُقسِم بِهِ.
وَمِنْهَا: وَاو الاستنكار، إِذا قلت: جَاءَنِي الْحسن، قَالَ المُستنكر: الْحسَنُوه. وَإِذا قلت: جَاءَنِي عَمْرو، قَالَ: أعمْروه، يمدّ بواو، وَالْهَاء للوقفة.
وَمِنْهَا: وَاو الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْلِه:
قِف بالدِّيار الَّتِي لم يَعفها القِدَمُو
فوُصلت ضمة الْمِيم بواو تَمّ بهَا وزن البَيْت.
وَمِنْهَا: وَاو الإشباع؛ مثل قَوْلهم: البُرْقُوع، والمُعْلُوق. 2
وَحكى الْفراء: أَنظور، فِي مَوضِع (أنظر) ؛ وَأنْشد غيرُه:
لَو أنّ عَمْراً همّ أَن يَرْقُودَا
أَرَادَ: أَن يرقد، فأشبع الضمة بِالْوَاو، ونَصَب (يرقودا) على مَا يُنصب بِهِ الْفِعْل.
وَمِنْهَا: وَاو التَّعايي، كقوك: هَذَا عَمْرو، فيستمدّ، ثمَّ يَقُول: مُنطلق.
وَقد مضى بعض أخواتها فِي بَاب الألفات والياآت.
وَمِنْهَا: وَاو مَدّ الِاسْم بالنداء؛ كَقَوْلِهِم: أيَا قُورط، يُرِيد قُرْطاً، فمدّوا ضمّة الْقَاف ليمتدّ الصوتُ بالنداء.
وَمِنْهَا: الْوَاو المُحوّلة، نَحْو، طُوبى، أَصْلهَا: طيِبى، فقلبت الْيَاء واواً، لانضمام الطَّاء قبلهَا، وَهِي من: طَابَ يَطيب.
وَمِنْهَا: وَاو: المُوقنين، والموسرين، أَصْلهَا: المُيْقنين، من: أيقنت، والمُيْسرين، من: أَيْسرت.
وَمِنْهَا: وَاو الْجَزْم المُرسل؛ مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} (الْإِسْرَاء: 4) فأسقط الْوَاو لالتقاء الساكنين، لِأَن قبلهَا ضَمّة تخلفها.
وَمِنْهَا جَزم الْوَاو المُنْبسط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَتُبْلَوُنَّ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِكُمْ} (آل عمرَان: 186) فَلم يُسقط الْوَاو وَحَرّكها لِأَن قبلهَا فَتْحة، وَلَا تكون عِوضاً مِنْهَا.
هَكَذَا أَخْبرنِي المُنذريّ بِهِ، عَن أَبي طَالب، وَقَالَ: إِنَّمَا يَسقط أحد الساكنين إِذا كَانَ الأول من الْجَزْم المُرسل انْكَسَرَ وَلم يسْقط. والجزم المُرسل كل وَاو قبلهَا فَتْحة، وياء قبلهَا كسرة، أَو ألف قبلهَا فَتْحة.
فالألف كَقَوْلِك للاثنين: اضربا الرجل، سَقطت الْألف عِنْد التقاء الساكنين، لِأَن قبلهَا فَتْحة فَهِيَ خلف مِنْهَا.

(15/483)


وَمِنْهَا: واوات الْأَبْنِيَة، مثل الجَورب، والتّورب، للتّراب والجورب، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: وَاو الْهمزَة فِي الخطّ واللّفظ.
فَأَما الْخط، فقولك: هَذِه شاؤك، صورت الْهمزَة وَاواً لضمّتها.
وَأما اللَّفْظ فقولك: حَمروان، وسوداوان.
وَمثل قَوْلك: أُعِيذك بأَسْماوات الله، وأبناوات سعد، وَمثل (السَّماوات) وَمَا أَشبهها.
وَمِنْهَا: وَاو النداء، وواو النُّدبة.
فَأَما النّداء، فقولك: وازيد.
وَأما النّدبة، فقولك، وازَيداه، والهفاه، واغُربتاه.
وَمِنْهَا: وَاو الْحَال، كَقَوْلِك: أتيتُه وَالشَّمْس طالعة، أَي: فِي حَال طُلُوعهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ} (الْقَلَم: 48) .
وَمِنْهَا: وَاو الْوَقْت، كَقَوْلِك: اعْمَلْ وَأنت صَحِيح، أَي: فِي وَقت صِحَّتك، والآن وَأَنت فارغ.
فَهَذَا وَاو الْوَقْت، وَهِي قريبَة من وَاو الْحَال. وَمِنْهَا: وَاو الصَّرف.
قَالَ الْفراء: الصَّرف أَن تَأتي (الْوَاو) مَعطوفة على كَلَام فِي أَوله حَادِثَة لَا تَسْتقيم إعادتُها على مَا عُطف عَلَيْهَا؛ كَقَوْلِه:
لَا تَنْه عَن خُلُقٍ وتأتِيَ مِثْلَه
عارٌ عَلَيْك إِذا فَعَلْت عظيِمُ
أَلا ترى أَنه لَا يَجوز إِعَادَة (لَا) على: (وَتَأْتِي مثله) ، فَلذَلِك سُمّي صَرْفاً، إِذْ كَانَ مَعْطُوفًا وَلم يَسْتقم أَن يُعاد فِيهِ الْحَادِث الَّذِي فِيمَا قبله.
وَمِنْهَا: الَّتِي تدخل فِي الْأَجْوِبَة فَتكون جَوَابا مَعَ الْجَواب، وَلَو حُذفت كَانَ الْجَواب مُكتفياً بِنَفسِهِ؛ وَأنْشد الْفراء:
حَتَّى إِذا قَمِلت بُطُونكمُ
ورأيتُمُ أبناءكم شَبُّوا
وقَلبتُم ظَهْر المِجَنّ لنا
إنّ اللَّئِيم العاجزُ الْخَبُّ
أَرَادَ: قلبتم.
وَمثله فِي الْكَلَام: لما أَتَانِي وأثب عَلَيْهِ. كَأَنَّك قلت: وَثَبت عَلَيْهِ.
قَالَ: وَهَذَا لَا يجوز إِلَّا مَعَ (لما) و (حَتَّى) و (إِذا) .
الْأَصْمَعِي قَالَ: قلت لأبي عَمرو بن الْعَلَاء: رَبّنا وَلَك الْحَمد، مَا هَذِه الْوَاو؟
فَقَالَ: يَقُول الرجل للرجل: بِعْني هَذَا الثَّوْب، فَيَقُول: وَهُوَ لَك.
أَصله يُرِيد: هُوَ لَك؛ وَقَالَ أَبُو كَبِير الهُذلي:
فَإِذا وَذَلِكَ لَيس إِلَّا حِينَه

(15/484)


وَإِذا مَضى شيءٌ كَأَن لمْ يُفْعَلِ
أَرَادَ: فَإِذا ذَلِك، يَعْنِي شَبابه وَمَا مضى من أَيَّام تمتُّعه.
وَمِنْهَا: وَاو النِّسْبة.
حكى أَبُو عبيد، عَن اليَزيدي، عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، أَنه كَانَ يَقُول: يُنْسب إِلَى (أَخ) : أخوي، وَإِلَى (الرِّبَا) : رِبَويّ، وَإِلَى (أُخْت) : أُخَويّ، وَإِلَى (ابْن) : بَنَوِيّ، وَإِلَى (عالية) الْحجاز: عُلْوِيّ، وَإِلَى (عَشِيّة) عشويّ، وَإِلَى (أَب) : أبَوِيّ.
وَمِنْهَا: الْوَاو الدائمة، وَهِي كل وَاو تُلابس الْجَزَاء، وَمَعْنَاهَا: الدَّوَام؛ كَقَوْلِك: زُرْني وأَزورَك، وأزورُك، بِالنّصب وَالرَّفْع.
فالنصب على المُجازاة، ومَن رَفع فَمَعْنَاه: زيارتك عليّ وَاجِبَة أُديمها لَك عل كُلّ حَال.
وَمِنْهَا: الْوَاو الفارقة، وَهِي كُل وَاو دَخلت فِي أحد الحرفين المُشْتبهين لُيفرق بَينه وَبَين المُشْبه لَهُ فِي الخطّ، مثل واوِ (أُولَئِكَ) وواو (أولى) ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ} (النُّور: 31) : زيدت فِيهَا الْوَاو فِي الْخط ليَفرق بَينهَا وَبَين مَا شاكلها فِي الصُّورَة، مثل: إِلَيّ، وَإِلَيْك.
وَمِنْهَا: وَاو (عَمْرو) فَإِنَّهَا زيدت لتفرق بَين (عَمْرو) و (عمر) . وزيدت فِي (عَمْرو) دون (عُمر) ، لِأَن (عُمر) أثْقل من (عَمْرو) .
بَاب تصريف أَفعَال حُرُوف اللين وَغَيرهَا
الِّلحياني عَن الْكسَائي: مَا كَانَ من ثَلَاثَة أحرف وَسطه (ألف) فَفِي فِعله لُغَتَانِ: الْوَاو وَالْيَاء، كَقَوْلِك: دَوّلت دَالا، وقَوّفت قافاً، أَي كتبتهما: إِلَّا (الْوَاو) فَإِنَّهَا بِالْيَاءِ لَا غير، لِكَثْرَة (الواوات) ، فَتَقول فِيهَا: وَيَّيْت واواً حَسَنَة، وَغَيره يَقُول: أَوَّيت، وَبَعْضهمْ يَقُول: وَوَّيت.
الْكسَائي: تَقول الْعَرَب: كلمة مُؤَوَّاة، مثل (مُعَوَّاة) ، أَي: مبنيّة من بَنَات (الْوَاو) .
غَيره كلمة: مُؤَيّاة، من بَنَات (الْوَاو) وَكلمَة مُيَوَّاة، من بَنَات (الْيَاء) .
وَإِذا صَغَّرت (الْوَاو) قلت: أُوَيَّة؛ وَإِذا صغرت (الْيَاء) قلت: أُيَيَّة.
غَيره: هَذِه قصيدة واويّة، إِذا كَانَت على (الْوَاو) ، ويائيّة، على الْيَاء.
وَيُقَال: أشبهت ياؤك يائِي، وأشبهت ياءَك، بِوَزْن (ياعك) .
فَإِذا ثَنّيت قلت: ياءَيّ، بِوَزْن: (ياعَيّ) .
وَقَالَ الْكسَائي: جَائِز أَن تَقول: يَيَّيت يَاء حَسَنَة، إِذا كتبتها.
وَكَذَلِكَ: ووَّيت واواً حَسنة.
وَأما الْألف فتأليفها من: همزَة، وَلَام، وَألف.
وَقيل: إِنَّهَا سُميت (ألفا) لِأَنَّهَا تألف

(15/485)


الْحُرُوف، وَهِي أَكثر الحُروف دُخولاً فِي المَنْطق.
وَيَقُولُونَ: هَذِه ألِفٌ مُؤَلَّفة.
وَقد جَاءَ عَن بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (الْبَقَرَة: 1) أَن (الْألف) من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَالله أعلم بِمَا أَراد.
وَقَالَ الْخَلِيل: وجدتُ كُلَّ (يَاء) و (وَاو) فِي الهجاء لَا تعتمد على شَيْء بعْدهَا تَرجع فِي التَّصريف إِلَى (الْيَاء) ، نَحْو: يَا، وفا، وطا، وَنَحْوه.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَفْسِير الْحُرُوف الْمُقطعَة
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْحُرُوف المُقطعة، مثل: الم، المص، المر، وَغَيرهَا: ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى أقسم بِهَذِهِ الْحُرُوف، وَأَن هَذَا الْكتاب الَّذِي أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْكتاب الَّذِي عِنْد الله لَا شكّ فِيهِ.
قَالَ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 1، 2) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن: الر، حم، ن، اسْم (الرحمان) مقطع فِي اللَّفْظ مَوْصُول فِي الْمَعْنى.
وَالْقَوْل الثَّالِث: الم، مَعْنَاهُ: أَنا الله أعلم وَأرى.
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ} قَسم.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزَّعْفَرَانِي، عَن يحيى بن عباد، عَن شُعْبَة، عَن السّديّ، عَن ابْن عَبَّاس: الر: اسْم من أَسمَاء الله، وَهُوَ الِاسْم الْأَعْظَم.
وَقَالَ قَتَادَة: الم: اسْم من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا مُحَمَّد: حَدثنَا ابْن قنبر، عَن عَليّ بن حُسَيْن بن واقِد، قَالَ: أَخْبرنِي أُبَيّ، عَن يزِيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: الر، الم، حم: حُرُوف معرّفة.
قَالَ أُبيّ: فحدّثت بِهِ الْأَعْمَش، فَقَالَ: عنْدك مثل هَذَا وَلَا تُحدِّثنا بِهِ.
وَحدثنَا ابْن هَاجك، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة، قَالَ: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ: حم، وَيس، وَجَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور.
وَحدثنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن حُريت الْعَتكِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَوانة، عَن إِسْمَاعِيل بن سَالم، قَالَ: سُئل عَامر عَن فواتح الْقُرْآن، نَحْو: حم، وَنَحْو: صَاد، وألم، والر، فَقَالَ: هِيَ اسْم من أَسمَاء الله مقطعَة بالهجاء، إِذا وصلتها كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.

(15/486)


ثمَّ قَالَ عَامر: الرحمان، هَذِه فَاتِحَة ثَلَاث سور، إِذا جمعتهن كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا أَبُو الإصبع الْمصْرِيّ، عَن شبيب بن حَفْص، عَن بشر بن بكر، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيم، عَن ضَمْرة بن حبيب، وَحَكِيم، وَرَاشِد بن سعد؛ قَالُوا: إنّ: المر، والمص، والم، وَأَشْبَاه ذَلِك، وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا، إِن فِيهَا اسْم الله الْأَعْظَم.
وروى ابْن نجيح؛ عَن مُجَاهِد: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن.
قَالَ أَبُو عبد الله: وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن هانىء: حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله (الم) قَالَ: هَذِه الْأُصُول الثَّلَاثَة من التِّسْعَة وَالْعِشْرين حرفا، لَيْسَ فِيهَا حرف إلاّ وَهُوَ مِفْتَاح اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي آلائه وبلائه؛ وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي مُدّة قوم وآجالهم.
قَالَ: وَقَالَ عِيسَى بن عمر: أعجب أَنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون فِي رِزقه كَيفَ يَكْفُرون بِهِ؛ فالألف مِفْتَاح اسْمه (الله) ، وَلَام مِفْتاح اسْمه (لطيف) ، وَمِيم مِفْتَاح اسْمه (مجيد) . فالألف آلَاء الله، وَاللَّام لطف الله، وَالْمِيم مجد الله؛ وَالْألف وَاحِد، وَاللَّام ثلاتَون، وَالْمِيم أَرْبَعُونَ.
قَالَ مُحَمَّد: وَحدثنَا عُبيد الله بن جَرير: حَدثنَا ابْن كثير، عَن الثَّوْريّ، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عبد الرحمان السّلمِيّ، قَالَ: آلم: آيَة، وحم: آيَة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي فهم، عَن الْأَثْرَم، عَن أبي عُبيدة، أَنه قَالَ: هَذِه الْحُرُوف المُقَطعة حُرُوف الهجاء، وَهِي افْتِتَاح كَلَام.
وَقَالَ الْأَخْفَش نحوَه.
وَدَلِيل ذَلِك أَن الْكَلَام الَّذِي ذُكر قبل السُّورة قد تَمّ.
وَزعم قُطرب أَن (الر) و (المص) و (الم) و (كهيعص) و (ص) و (ق) و (يس) و (ن) حُرُوف المعجم لتدلّ أَن هَذَا الْقُرْآن مؤلّف من هَذِه الْحُرُوف المقطّعة، الَّتِي هِيَ حُرُوف: ا، ب، ت، ث، فجَاء بَعْضهَا متقطَّعاً وَجَاء تمامُها مؤلف ليدل الْقَوْم الَّذين نزل عَلَيْهِم الْقُرْآن أَنه بحروفهم الَّتِي يَعقلونها لَا ريبَ فِيهِ.
ولقُطرب قولٌ آخرُ فِي (الم) : زعم أَنه يجوز أَن يكون لمّا لغَا القومُ فِي الْقُرْآن فَلم يتفهّموه حِين قَالُوا: {كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْاْ} (فصلت: 26) ، أنزل عَلَيْهِم ذِكْر هَذِه الْحُرُوف، لأَنهم لم يعتادوا الْخطاب بتقطيع الْحُرُوف، فَسَكَتُوا

(15/487)


لما سمعُوا الْحُرُوف طَمَعا فِي الظَّفر بِمَا يحبونَ، ليفهموا بعد الْحُرُوف الْقُرْآن وَمَا فِيهِ، فَتكون الحجّة عَلَيْهِم أَثْبت، إِذا جَحدوا بعد تفهّم وَتعلم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمُخْتَار من هَذِه الْأَقَاوِيل مَا رُوي عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَن معنى (الم) : أَنا الله أعلم، وَأَن كل حرف مِنْهَا لَهُ تَفْسِير.
قَالَ: والدّليل على ذَلِك أَن الْعَرَب تنطق بالحرف الْوَاحِد تدلّ بِهِ على الْكَلِمَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا؛ وأَنشد:
قُلت لَهَا قِفي فَقَالَت ق
فَنَطَقَ بقاف فَقَط، يُرِيد: قَالَت أَقف.
وَأنْشد: أَيْضا:
نادَيتهم أَن أَلْجِمُوا ألاتا
قالُوا جَمِيعًا كلّهم أَلاَفَا
قَالَ: تَفْسِيره: نادوهم أَن ألجموا، ألاَ تَرْكَبُونَ؟ قَالُوا جَمِيعًا: ألاَ فارْكَبُوا.
فَإِنَّمَا نطق ب (تا) و (فا) ، كَمَا نَطق الأول ب (قَاف) .
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أختاره فِي معنى هَذِه الْحُرُوف، وَالله أعلم بحقيقتها.
ورُوي عَن الشّعبي أَنه قَالَ: لله فِي كل كتابٌ سِرٌّ، وسره فِي الْقُرْآن حُروف الهجاء الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل السُّور.
وَأجْمع النحويون أَن حُرُوف التهجّي، وَهِي الْألف وَالْبَاء وَالتَّاء والثاء، وَسَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْهَا، أَنَّهَا مبنيَّة على الْوَقْف وأنّها لَا تُعرب.
وَمعنى (الْوَقْف) أَنَّك تقدّر أَن تسكت على كل حرف مِنْهَا، فالنَّطق بهَا: ألف لَام مِيم.
وَالدَّلِيل على أَن حُرُوف الهجاء مبنيّة على السكت كَمَا بُني الْعدَد على السَّكت، أَنَّك تَقول فِيها بِالْوَقْفِ مَعَ الْجمع بَين الساكنين، كَمَا تَقول إِذا عددت: وَاحِد، إثنان، ثَلَاثَة، أَرْبَعَة، فتقطع ألف (اثْنَيْنِ) وَألف (اثْنَيْنِ) ألف وصل، وتذكر الْهَاء فِي (ثَلَاثَة) ، و (أَرْبَعَة) . وَلَوْلَا أَنَّك تقدِّر السكت لَقلت: ثَلَاثَة، كَمَا تَقول: ثَلَاثَة يَا هَذَا. وحقّها من الْإِعْرَاب أَن تكون سَواكن الْأَوَاخِر.
وشَرْح هَذِه الْحُرُوف وتفسيرها أَن هَذِه الْحُرُوف لَيست تجَري مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة وَالْأَفْعَال المضارعة الَّتِي يجب لَهَا الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا هِيَ تقطيع الِاسْم المؤلّف الَّذِي لَا يجب الْإِعْرَاب إِلَّا مَعَ كَمَاله، فقولك: جَعْفَر، لَا يجب أَن تُعرب مِنْهُ الْجِيم وَلَا الْعين وَلَا الْفَاء وَلَا الرَّاء، دون تَكْمِيل الِاسْم.
وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَة وُضعت على هَذِه الْحُرُوف، فَإِن أجريتها مجْرى الْأَسْمَاء وحدَّثت عَنْهَا قلت: هَذِه كافٌ حَسَنَة،

(15/488)


وَهَذَا كافٌ حَسَن.
وَكَذَلِكَ سَائِر حُرُوف المعجم.
فَمن قَالَ: هَذِه كَاف، أنّث لِمَعْنى الْكَلِمَة؛ وَمن ذكَّر فلمعنى الحَرْف.
وَالْإِعْرَاب وَقع فِيهَا لِأَنَّك تُخرجها من بَاب الْحِكَايَة؛ قَالَ الشَّاعِر:
كافاً وميمَيْن وسيناً طاسِمَا
وَقَالَ آخر:
كَمَا بُيِّنت كافٌ تلُوح وميمُها
فذكَّر (طاسما) لِأَنَّهُ جعله صفة للسِّين، وَجعل السِّين فِي مَعنى الْحَرْف.
وَقَالَ: كَاف تلُوح، فأنّث (الْكَاف) لِأَنَّهُ ذَهب بهَا إِلَى الْكَلِمَة.
وَإِذا عطفت هَذِه الْحُرُوف بَعْضهَا على بعض أعربتها: فَقلت: ألف وباء وتاء وثاء، إِلَى آخرهَا.
وَكَذَلِكَ الْعدَد إِذا عَطفت بَعْضهَا على بعض أعربتها، فَقلت: وَاحِد، وَاثْنَانِ، إِلَى آخرهَا.

(15/489)


أَبْوَاب الْهَمْز
اعْلَم أَن الْهمزَة لَا هجاءَ لَهَا، إِنَّمَا تكْتب مرّة ألفا، وَمرَّة يَاء، وَمرَّة واواً.
وَالْألف اللينة لَا حَرف لَهَا إِنَّمَا هِيَ جزءٌ من مُدَّة بعد فَتْحة.
والحروف ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا، مَعَ الْوَاو وَالْألف وَالْيَاء، وتتم بِالْهَمْزَةِ تِسْعَة وَعشْرين حرفا.
والهمزة كالحرف الصَّحِيح، غير أَن لَهَا حالات من التَّلْيين والحَذْف والإبدال والتَّحقيق، تعتلّ فِيهَا، فأُلحقت بالأحرف المعتلة الجُوف، وَلَيْسَت من الْجوف إِنَّمَا هِيَ حلقية فِي أقْصَى الْحلق.
وَلها ألقاب كألقاب الْحُرُوف:
فَمِنْهَا: همزَة التَّأْنِيث، كهمزة العُشَراء، والنّفساء والخُششاء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الأصليَّة فِي آخر الْكَلِمَة، مثل: الحفاء، والبواء، والوطاء، والطواء؛ وَمِنْهَا: الوصاء، وَالْبَاء، والواء، والإيطاء فِي الشّعْر. هَذِه كُلها همزها أصْلِيّ.
وَمِنْهَا: همزَة المدّة المُبدلة من الْيَاء وَالْوَاو، كهمزة: السَّمَاء، والبكاء، والكساء، وَالدُّعَاء، وَالْجَزَاء، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: الْهمزَة المُجلبة بعد الْألف الساكنة، نَحْو: همزَة: وَائِل، وطائف، وَفِي الْجمع، نَحْو: كتائب، وسرائر.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الزَّائِدَة، نَحْو همزَة: الشمأل، والشأمل، والغرقىء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الَّتِي تُزاد لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان، نَحْو: اطمأنّ، واشمأز، وازبأر، وَمَا شاكلها.
وَمِنْهَا: همزَة الوقفة فِي آخر الفِعل، لُغَة لبَعض دون بعض، نَحْو قَوْلهم للمرأَة: (قولىء) ، وللرجلين: قولأ، وللجميع: قولؤ، وَإِذا وصلوا الْكَلَام لم يَهمزوه، وَلَا يهمزون إِلَّا إِذا وقفُوا عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا: همزَة التوهّم، كَمَا رَوى الْفراء عَن بعض الْعَرَب أَنهم يهمزون مَا لَا همز فِيهِ إِذا ضارع المَهموز.
قَالَ: وَسمعت امرأَة من غَنِيّ تَقول: رثأت زَوجي بأَبيات، كأَنها لمّا سَمعت: (رثأَت اللَّبن) ذهبت إِلَى أَنّ مرثية الْمَيِّت مِنْهَا.
قَالَ: وَيَقُولُونَ: لبّأَت بِالْحَجِّ، وحلأت السويق، فيغلطون، لِأَن (حلأت) يُقَال فِي دَفع العَطشان عَن المَاء، و (لبأت) يذهب

(15/490)


بهَا إِلَى اللّبأ.
وَقَالُوا: استنشأَت الرّيح، وَالصَّوَاب: استنشيت، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى قَوْلهم: نَشأ السَّحَاب.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الْأَصْلِيَّة الظَّاهِرَة فِي اللَّفْظ، نَحْو همزَة: الخبء، والدفء، والكفء، والعبء، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: اجْتِمَاع الهمزتين فِي كل وَاحِدَة، نَحْو همزتي: الرئاء، والحلوئاء.
وَأما (الضياء) فَلَا يجوز همز يائه، والمدة الْأَخِيرَة فِيهِ همزَة أصليّة، من: ضاء يضوء ضوءاً؛ وَأنْشد أَحْمد بن يحيى فِيمَن هَمز مَا لَيْسَ بمَهموز:
وَكنت أرجِّي بِئْر نعْمَان حائراً
فَلوّأ بالعينين والأَنف حائِرُ
أَرَادَ: لوّى، فهمز.
قَالَ: وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ: إِذا كَانَت الْهمزَة طرفا وَقبلهَا سَاكن حَذَفوها فِي الخَفض والرَّفْع وأثبتوها فِي النصب، إِلَّا الْكسَائي وحَده فَإِنَّهُ يُثبتها كُلَّها.
قَالَ: وَإِذا كَانَت الْهمزَة وُسْطى أَجمعُوا كلّهم على ألاّ تَسْقط.
قَالَ: وَاخْتلف الْعلمَاء بأيّ صُورة تكون الْهمزَة؟ .
فَقَالَت طَائِفَة: تَكْتُبهَا بحركة مَا قبلهَا، وهم الْجَمَاعَة.
وَقَالَ أَصْحَاب الْقيَاس: تَكْتُبهَا بحركة نَفسهَا.
واحتجت الْجَمَاعَة بأنّ الخطّ يَنُوب عَن اللّسان، وَإِنَّمَا يلْزمنَا أَن نتوهّم بالخطّ مَا نَطق بِهِ اللِّسَان.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: وَهَذَا هُوَ الْكَلَام.
بَاب: اجْتِمَاع الهمزتين لَهما مَعْنيانِ
قَالَ الله تَعَالَى: {ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الْبَقَرَة: 6) ،
من القُراء من يُحقق الهمزتين، فَيقْرَأ: (أأنذرتهم) قَرَأَ بِهِ عَاصِم وهَمزه وَالْكسَائِيّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (آنذرتهم) بِهَمْزَة مطوّلة.
وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا شاكله نَحْو قَوْله تَعَالَى:
{أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) . {ءَأَلِدُ} (هود: 72) ، {شَجَرَهَا} (النَّمْل: 60 64) .
وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَيَعْقُوب بِهَمْزَة مطوَّلة.
وَقَرَأَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق: (آأنذرتهم) بِأَلف سَاكِنة بَين الهمزتين، وَهِي لُغَة سائرةٌ بَين الْعَرَب؛ قَالَ ذُو الرمّة:
أيا ظَبْيَة الوَعساء بَين حُلاحل
وَبَين النَّفا آأنت أم أُمّ سالِم
وَقَالَ آخر:

(15/491)


تطالَلْت فَاسْتشرفْتُه فعرفته
فقُلت لَهُ آأنت زيدُ الأرانبِ
وَأنْشد أَحْمد بن يحيى:
خِرق إِذا مَا الْقَوْم أَجْرَوا فكاهةً
تذكَّر آإيّاه يَعْنون أم قِرْدا
وَقَالَ الزجّاج: زعم سِيبَوَيْهٍ أَن من الْعَرَب من يحقِّق الْهمزَة وَلَا يجمع همزتين، وَإِن كَانَتَا من كَلِمَتَيْنِ.
قَالَ: وَأهل الْحجاز لَا يخفّفون وَاحِدَة مِنْهُمَا.
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يَرى تَخفيف الثَّانِيَة، فَيجْعَل الثَّانِيَة بَين الْهمزَة وَالْألف، وَلَا يَجْعَلهَا ألفا خَالِصَة.
قَالَ: وَمن جعلهَا ألفا خَالِصَة فقد أَخطَأ من جِهَتَيْنِ:
إِحْدَاهمَا: أَنه جَمع بَين ساكنَيْن.
وَالْأُخْرَى: أَنه أبدل من همزَة متحرِّكة قبلهَا ألفا، وَالْحَرَكَة الْفَتْح.
قَالَ: وَإِنَّمَا حَقّ الْهمزَة إِذا تحرّكت وَانْفَتح مَا قبلهَا أَن تُجعل بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَتَقول فِي: (سَأَلَ) : سَالَ؛ وَفِي (رؤف) : روف؛ وَفِي (يئس) بِيس.
وَهَذَا فِي الْخط وَاحِد، وَإِنَّمَا تحكمه المُشافهة.
قَالَ: وَكَانَ غير الْخَلِيل يَقُول فِي مثل قَوْله تَعَالَى: {بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ} (مُحَمَّد: 18) أَن تخفّف الأُولى.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: جمَاعَة من الْعَرَب يقرؤون (فقد جا أشراطها) يحقِّقون الثَّانِيَة ويخفّفون الأولى.
قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.
قَالَ: وأمّا الْخَلِيل فَإِنَّهُ يقْرَأ بتحقيق الأولى وَتَخْفِيف الثَّانِيَة.
قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَرْت تَخْفيف الثَّانِيَة، لِاجْتِمَاع النَّاس على بدل الثَّانِيَة فِي قَوْلهم: آدم، وَآخر، لِأَن الأَصْل فِي (آدم) : أأدم، وَفِي (آخر) : أَأْخر.
قَالَ الزجّاج: وَقَول الْخَلِيل أَقيس، وَقَول أبي عَمْرو جيّد أَيْضا.
قَالَ: وَأما الهمزتان إِذا كَانَتَا مكسورتين نَحْو قَوْله تَعَالَى: {عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (النُّور: 33) ، وَإِذا كَانَتَا مضمومتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {دُونِهِ أَوْلِيَآءُ} (الْأَحْقَاف: 32) ، فإِن أَبَا عَمْرو يُخفف الْهمزَة الأولى مِنْهُمَا، فَيَقُول (على البغا إِن أَردن) ، و (أوليا أُولَئِكَ) فَيجْعَل الْهمزَة الأولى فِي (الْبغاء) بَين الْهمزَة وَالْيَاء ويكسرها؛ وَيجْعَل الْهمزَة فِي قَوْله تَعَالَى: (أَوْلِيَاء أُولَئِكَ) الأولى بَين الْوَاو والهمزة وبضمّها.
قَالَ: وَجُمْلَة مَا قَالَ النحويون فِي مثل هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال:

(15/492)


أَحدهَا: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل، أَن تجْعَل مَكَان الْهمزَة الثَّانِيَة همزَة بَين بَين أَعنِي: بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَإِذا كَانَ مضموماً جُعل الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة، فَقَالَ: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ.
وَأما أَبُو عَمْرو فَيقْرَأ على مَا ذكرنَا.
وَأما ابْن أبي إِسْحَاق وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء فَإِنَّهُم يَجمعون بَين الهمزتين.
وَأما اخْتِلَاف الهمزتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {السُّفَهَآءُ أَلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - َ} (الْبَقَرَة: 13) فَأكْثر القُراء على تَحْقِيق الهمزتين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ يحقِّقَ الْهمزَة الثَّانِيَة فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ، ويخفّف الأولى فيجعلها بَين الْوَاو والهمزة، فَيَقُول (السُّفَهَاء أَلا) وَيقْرَأ (من السَّمَاء إِن) فيخفّف الثَّانِيَة.
وَأما سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولُونَ (السُّفَهَاء وَلَا) يَجعلون الْهمزَة الثَّانِيَة واواً خَالِصَة؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {النُّشُورُ أَءَمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الاَْرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} (الْملك: 1) يَاء خَالِصَة.
فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب.
بَاب مَا جَاءَ عَن الْعَرَب فِي تَحْقِيق الْهَمْز وتليينه وتحويله وحذفه
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الْهَمْز على ثَلَاثَة أوجه: التَّحْقِيق، وَالتَّخْفِيف، والتحويل.
فالتحقيق مِنْهُ أَن تُعْطِي الْهمزَة حَقّهَا من الإشباع، فإِذا أردْت أَن تعرف إشباع الْهمزَة فَاجْعَلْ (العَين) فِي موضعهَا، كَقَوْلِك من (الخبء) : قد خبأت لَك، بِوَزْن (خبعت) ، وقرأت، بِوَزْن (قرعت) ، فَأَنا أخبع وأقرع، وَأَنا خابىء وقارىء، نَحْو: خابع، وقارع.
فخُذ تَحْقِيق الْهَمْز بِالْعينِ كَمَا وصفت لَك.
قَالَ: وَالتَّخْفِيف من الْهَمْز، إِنَّمَا سمّوه تَخْفِيفًا لِأَنَّهُ لم يُعط حقّه من الْإِعْرَاب والإشباع، وَهُوَ مُشْرب همزاً تصرّف فِي وُجُوه العربيّة بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تحرّك، كَقَوْلِك: خبأت وقرأت، فَجعل الْهمزَة ألفا سَاكِنة على سُكونها فِي التَّحْقِيق، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا.
وَهِي كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يدخلهَا التحريك، كَقَوْلِك: لم يَخبا الرجل، وَلم يقرا الْقُرْآن، فيكسر الْألف من (يخبا) و (يقرا) ، لسكون مَا بعْدهَا، فكأنك قلت: لم يَخْبِيَّرجُل، وَلم يَقْر يَلْقرآن، وَهُوَ يخبو ويَقرو، فيجعلها واواً مَضْمُومَة فِي الإدراج.
فإِن وقفتها جَعلتهَا ألفا، غيرأنك تهيئها للضَّمة من غير أَن تظهر ضمتها، وَتقول: مَا أخباه وَأَقَرَّاهُ، فتحرّك الْألف بِفَتْح لبقيّة مَا فِيهَا من الْهمزَة، كَمَا وَصفت لَك.

(15/493)


قَالَ: وأمّا التَّحويل من الْهَمْز فأَن تحوّل الْهمزَة إِلَى (الْيَاء) و (الْوَاو) ، كَقَوْلِك: قد خَبَيت الْمَتَاع؛ فَهُوَ مخبيّ، وَهو يَخباه، فاعْلم.
فَيجْعَل الياءَ ألفا حَيْثُ كَانَ قبلهَا فَتْحة، نَحْو ألف: يسعا، و: يخشا؛ لِأَن مَا قبلهَا مَفْتُوح.
قَالَ: وَتقول: رفوت الثَّوْب رَفواً، فحوّلت الْهمزَة واواً، كَمَا ترى.
وَتقول: لم يخب عني شَيْئا، فَتسقط مَوضِع اللَّام من نظيرها من الفِعْل؛ للإعراب، وَتَدَع مَا بَقِي على حَاله متحركاً، وَتقول: مَا أخباه؛ فتسكن الْألف المحوّلة كَمَا أسكنت الْألف من قَوْلك: مَا أخشاه.
قَالَ: وَمن محقّق الْهَمْز قولُك للرجل: يلؤم، كَأَنَّك قلت: يَلعم، إِذا كَانَ بَخِيلًا؛ والأسد يَزْئر، كَقَوْلِك: يزعر.
فإِذا أردْت التَّخفيف قلت للرجل: يَلُم، وللأسد: يَزر؛ على أَن ألقيت الْهمزَة من قَوْلك: يلؤم ويزئر، وحركت مَا قبلهَا بحركتها على الضَّم وَالْكَسْر، إِذا كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا.
فإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة مِنْهُمَا قلت للرجل: يَلُوم، فجعلتها واواً سَاكِنة، لِأَنَّهَا تَبعت الضمة؛ وللأسد: يزير، فجعلتها يَاء للكسرة قبلهَا، نَحْو: يَبِيع.
وَكَذَلِكَ كل همزَة تبْعَث حرفا سَاكِنا عَدلتها إِلَى التَّخْفِيف، فإِنك تلقيها وتحرّك بحركتها الحرفَ السَّاكِن قبلهَا، كَقَوْلِك للرجل: يسل، فتحذف الْهمزَة وتحرك مَوضِع الْفَاء من نظيرها من الْفِعْل بحركتها، لِأَنَّهُ سَاكن؛ كَقَوْلِك فِي الْأَمر: سل، فَتحَرك مَا قبل الْهمزَة بحركتها، وأسقطت ألف الْوَصْل إِذْ تحرّك مَا بعْدهَا.
وَإِنَّمَا يجتلبونها للإسكان؛ فإِذا تحرّك مَا بعْدهَا لم يحتاجوا إِلَيْهَا.
وَمن الْمُحَقق بَاب آخر: وَهُوَ قَوْلك من (رَأَيْت) ، وَأَنت تَأمر: ارأ، كَقَوْلِك: ارْع زَيداً.
فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رَ زَيْداً، فَتسقط ألف الْوَصْل لتحرّك مَا بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت من الْعَرَب من يَقُول: يَا فلَان نُويك، على التَّخْفِيف، وتحقيقه: انْأَ نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نعيك، إِذا أمره أَن يَجْعَل حول خبائه نؤياً كالطّوق يَصْرف عَنهُ مَاء الْمَطَر.
وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلك: رَأَيْت الرجل، فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رايت، فحركت الْألف بِغَيْر إشباع همز، وَلَا تسْقط الْهمزَة لِأَن مَا قبلهَا متحرك.
وَتقول للرجل: ترأى ذَلِك، على التَّحْقِيق.

(15/494)


وعامّة كَلَام الْعَرَب فِي: يرى، وَترى، وَأرى، ونرى، على التَّخْفِيف.
قَالَ: وَتقول: رأب الْقدح، فَهُوَ مرؤوب، بِوَزْن: مرعوب، ومروب، على التَّخْفِيف، لم تزد على أَن ألقيت الْهمزَة من الْكَلِمَة وَجعلت حركتها بالضمّ على الْحَرْف السَّاكِن قَبلها.
قَالَ أَبُو زيد: وَاعْلَم أَن وَاو (فعول) و (مفعول) وياء (فعيل) وياء التصغير لَا يَعتقبن الْهَمْز فِي شَيء من الْكَلَام، لِأَن الْأَسْمَاء طوّلت بهَا، كَقَوْلِك فِي التَّحْقِيق: هَذِه خَطِيئَة، بِوَزْن (خطيعة) ، فَإِذا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: هَذِه خطية، جعلت حركتها يَاء للكسرة، وَتقول: هَذَا رجل خبوء، كَقَوْلِك: خبوع، فَإِذا خفّفت قلت: رجل خبو، فَجعلت الْهمزَة واواً للضمة الَّتِي قبلهَا، وجعلتها حرفا ثقيلاً فِي وزن حرفين مَعَ الْوَاو الَّتِي قبلهَا، وَتقول هَذَا، مَتَاع مخبوء، بِوَزْن مخبوع، فإِذا خففت قلت: مَتَاع مخبو، فحولت الْهمزَة واواً للضمة قبلهَا.
أَبُو زيد: تَقول: رجل برَاء من الشّرك، كَقَوْلِك: براع، فَإِذا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: براو، فَتَصِير الْهمزَة واواً، لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَتقول: مَرَرْت بِرَجُل براي، فَتَصِير يَاء على الكسرة، وَرَأَيْت رجلا برايا، فَتَصِير ألفا لِأَنَّهَا مَفْتُوحَة.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: هَذَا غطاء، وَكسَاء، وخباء، فتهمز مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل، لِأَنَّهَا غَايَة وَقبلهَا ألف سَاكِنة، كَقَوْلِك: هَذَا غطاع، وَهَذَا كساع، وَهَذَا خباع، فالعين مَوضِع الْهمزَة.
فَإِذا جمعت الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد فِي التَّحْقِيق قلت: هَذَانِ غذاآن، وكساآن، وخباآن، كَقَوْلِك غطاعان وكساعان وخباعان، فتهمز الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد.
وَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، فتجعل الْهمزَة واواً لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَإِن جمعت الِاثْنَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ على سنة الْوَاحِد، قلت: هَذَانِ غطاآن، وكساآن، وخباآن، فَتحَرك الْألف الَّتِي فِي مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل بِغَيْر إشباع، لِأَن فِيهَا بَقِيَّة من الْهمزَة وَقبلهَا ألف سَاكِنة.
فَإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة، قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، لِأَن قبلهَا حرفا سَاكِنا وَهِي مَضْمُومَة، وَكَذَلِكَ: الْقَضَاء، هَذَا قضاو، على التَّحْوِيل، لِأَن ظُهُور الْوَاو هَاهُنَا أخف من ظُهُور الْيَاء.
وَتقول فِي الِاثْنَيْنِ إِذا جمعتهما على سنة

(15/495)


تَحْويل الْوَاو: غطاوان، وكساوان، وخباوان، وقضاوان.
قَالَ أَبُو زيد: وَقد سَمِعت بعض بني فَزَارَة يَقُول: هما كسايان، وخبايان، وقضايان، فيحول الْوَاو إِلَى الْيَاء.
قَالَ: وَالْوَاو فِي هَذِه الْحُرُوف أَكثر فِي الْكَلَام.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: يَا زيد من أَنْت؟ كَقَوْلِك: من عَنت.
فَإِذا عدلت الْهمزَة إِلَى التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نت، كَأَنَّك قلت: نعنت؛ لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة من (أَنْت) وحركت مَا قبلهَا بحركتها، وَلم يدْخلهُ إدغام لِأَن النُّون الْأَخِيرَة سَاكِنة وَالْأولَى متحركة.
وَتقول: من أَنا، كَقَوْلِك: من عَنَّا، على التَّحْقِيق.
فإِن أردْت التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نَا، كَأَنَّك قلت: يَا زيد منا، لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة وحركت مَا قبلهَا بحركتها.
فَإِذا أردْت الإسكان قلت: يَا زيد منا، أدخلت النُّون الأولى فِي الْأَخِيرَة، وجعلتهما حرفا وَاحِدًا ثقيلاً فِي وزن حرفين، لِأَنَّهُمَا متحركان فِي حَال التَّخْفِيف، وَمثله قَول الله تَعَالَى: {لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّى} (الْكَهْف: 38) خففوا الْهمزَة من: لَكِن أَنا، فَصَارَت (لَكِن نَا) ، كَقَوْلِك: لكننا، ثمَّ أسكنوا، بعد التَّخْفِيف. فَقَالُوا: لَكنا.
قَالَ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من قيس يَقُول: يَا أَب أقبل، وياب اقبل، وَيَا أَبَة أقبل، ويابة أقبل، فألغى الْهمزَة من كل هَذَا.
وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلك: افْعوعلت، من (رَأَيْت) : إياوْأيْت، كَقَوْلِك: افْعوْعيت.
فَإِذا عدلته إِلَى التَّخْفِيف قلت: إيويت وَحدهَا، وويت، وَالْأولَى مِنْهُمَا فِي مَوضِع الْفَاء من الْفِعْل، وَهِي سَاكِنة، وَالثَّانيَِة هِيَ الزَّائِدَة، فحرّكتها بحركة الهمزتين قبلهَا، وَثقل ظُهُور الواوين مفتوحتين، فهمزوا الأولى مِنْهُمَا.
وَلَو كَانَت الْوَاو الأولى وَاو عطف لم يثقل ظُهُورهَا فِي الْكَلَام، كَقَوْلِك: ذهب زيد ووافد؛ وَقدم عَمْرو وراهب.
قَالَ: وَإِذا أردْت تَحْقِيق (مُفْعوعل) من (وأيت) قلت: مُوأَوْئى، كَقَوْلِك: مُوعوعى.
فَإِذا عدلت إِلَى التَّخْفِيف قلت: مُواوِي، فتفتح الْوَاو الَّتِي فِي مَوضع الْفَاء بفتحة الْهمزَة الَّتِي فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل، وتكسر الْوَاو الثَّانِيَة، وَهِي الزَّائِدَة، بِكَسْر الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت بعض بني عجلَان بن قيس يَقُول: رأَيت غُلامِيَّبَيْك. وَرَأَيْت غُلاَميَّسَد. تحوّل الْهمزَة الَّتِي فِي (أَسد) وَفِي (أَبِيك) إِلَى الْيَاء، ويدخلونها

(15/496)


فِي الْيَاء الَّتِي فِي (الغلامين) الَّتِي هِيَ نفس الْإِعْرَاب فيظْهر يَاء ثَقيلَة فِي وزن حرفين، كَأَنَّك قلت: رَأَيْت غلاميبيك، وَرَأَيْت غلاميَّسد.
قَالَ: وَسمعت رجلا من بني كلب يَقُول: هَذِه وأبة، وَهَذِه امْرَأَة شأبة، فهمزوا الْألف مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنه ثقل عَلَيْهِ إسكان الحرفَيْن مَعًا. وَإِن كَانَ الْحَرْف الآخر مِنْهَا متحرِّكاً؛ وَأنْشد الفَرّاء:
يَا عَجَبا لقد رأيتُ عَجَبَا
حِمار قَبَّان يَسُوق أَرْنَبَا
وأمّها خاطُمها أَن تذهبَا

وَقَالَ أَبُو زيد: أهل الْحجاز إِذا اضطروا نَبَروا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْهُذلِيّ: قد توضَّيْت، فَلم يهمز وحَوَّلها يَاء.
وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا.
قلت: وَقد ميزَّت فِي معتلات كل كتاب مَا يهمز ممّا لَا يهمز، تمييزاً لَا تتعذّر عَلَيْك مَعْرفَته، وحقّقت مَا يجب تَحْقِيقه فِي موَاضعه من أَبْوَاب المعتلات، وفصَّلت مَا لَا يهمز ممّا يهمز تَفْصِيلًا يقف بك على الصَّوَاب إِذا أَتَت بك الْقِرَاءَة عَلَيْهَا.
وَأما اللَّيْث بن المظفّر فَإِنَّهُ خلط فِي كِتَابه المَهموز بِمَا لَا يُهمز، حَتَّى يَعْسر على النَّاظر فِيهِ تَمْيِيز مَا لَا يهمز مِمَّا لَا يهمز، لاختلاط بعضه بِبَعْض.
وَللَّه الْحَمد على حسن توفيقه وتَسديده.
(خَاتِمَة الْكتاب)

وَهَذَا آخر الْكتاب الَّذِي سمّيته (تَهْذِيب اللُّغَة) وَقد حَرصت أَلا أُودعه من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا، من أعرابيّ فَصيح، أَو مَحْفُوظًا لإِمَام ثِقة، حَسن الضّبط، مأمونٍ على مَا أَدّى.
وأمّا مَا يَقع فِي تضاعيف الْكتاب لأبي بكر مُحَمَّد بن دُريد الشَّاعِر وللّيث، ممّا لم أحفظه لغَيْرِهِمَا، فَإِنِّي قد ذكرت فِي أَول الْكتاب أَنِّي وَاقِف حُرُوف كَثيرة لَهما، وَأَنه يجب على النَّاظر فِيهَا أَن يَفحص عَنْهَا، فَإِن وجدهَا مَحْفُوظَة لإِمَام من أَئمة اللُّغَة، أَو فِي شعر جاهليّ، أَو بدويّ إسلامي، عَلِم أَنَّهَا صَحِيحة؛ وَإِذا لم تصحّ من هَذِه الْجِهَة توقّف عَن تصحيحها.
وَأما (النَّوَادِر) الَّتِي رَواها أَبُو عُمر الزَّاهِد وَأَودعها كِتَابه، فَإِنِّي قد تأمّلتها، وَمَا عثرت مِنْهَا على كلمة مصحّفة، أَو لَفْظَة مُزالة عَن وَجههَا، أَو محرفة عَن مَعْنَاهَا.
ووجدتُ عُظم مَا رَواه لأبي عمروٍ الشَّيباني، وَابْن الْأَعرَابِي، وَأبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة، والأصمعي، مَحْفُوظًا من كُتبهم الْمَعْرُوفَة لَهُم، والنوادر الَّتِي رَواها الثِّقَات عَنْهُم.
وَلَيْسَ يَخفى ذَلِك على مَن درس كُتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لَهَا.
وَلم أذهب أَنا فِيمَا أَلّفت وجَمعت فِي كتابي هَذَا مَذْهَب من تصدَّى للتأليف فَجمع مَا جمع من كُتب لم يُحكم مَعْرفَتهَا، أَو لم يَسمعها مِمَّن أَتقنها، وَحمله الجهلُ وقلّةُ الْمعرفَة على تحَصيل مَا لم يحصِّله، وإكمال مَا لم يكمّله، حَتَّى أَفضى بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَحّف فَأكْثر، وغَيَّر فَأَخْطَأَ.
ولمّا رأَيْت مَا أَلّفْه هَذِه الطبقةُ، وجنايتهم على لِسَان الْعَرَب الَّذِي نَزل بِهِ الْكتاب وَوَردت السّنَن وَالْأَخْبَار، وإزالتهم لُغات الْعَرَب عَن صِيغَة أَلسنتها، وإدخالهم فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، علمتُ أَن المميّزين من عُلماء اللُّغَة قد قلّوا فِي أَقطار الأَرْض. وأَن من درس تِلْكَ الْكتب رُبمَا اغترّ بهَا واتّخذها أُصولاً فَبنى عَلَيْهَا؛ فألّفت هَذَا الْكتاب وأَعفيتُه من الحشو، وبيّنت فِيهِ الصَّوَاب من الْخَطَأ، بقَدر معرفتي، ونقيته من التَّصْحِيف المغيّر، وَالْخَطَأ المُستفحش والتَّغيير المُزال عَن جِهَته.
وَلَو أَني كثّرت كتابي هَذَا وحَشوته بِمَا حوته دفاتري، وَاشتملت عَلَيْهِ الْكتب الَّتِي أَفْسدها الورّاقون، وغيَّرها المصحِّفون، لطال الْكتاب وتضاعف على مَا انْتهى، وَكنت أَحد الجانين على لِسَان الْعَرَب.
وَالله يُعيذنا من ذَلِك، ويوفّقنا للصّواب، ويؤم بنَا سَمْت الْحق، ويتغمَّد برأفته زللنا بمنّه ورَحمته.
وَاعْلَم أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا أَنِّي لَا أَدّعي أَنِّي حَصَّلت فِيهِ لُغَات الْعَرَب كلّها، وَلَا طَمِعت فِيهِ، غير أَنِّي اجتهدت أَن يكون مَا دوّنته مهذباً من آفَة التَّصْحِيف، منقىًّ من فَسَاد التَّغيير.
فَمن نظر فِيهِ من ذَوي المَعرفة فَلَا يَعجلن إِلَى الرَّد وَالْإِنْكَار، ولْيَتَثبَّث فِيمَا يخْطر بِبَالِهِ، فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك بَان لَهُ الحقّ وانتفع بِمَا اسْتَفَادَ.
وَمهما قَصرنَا عَنهُ فَإِنَّمَا هُوَ لعجز الْإِنْسَان عَن الْكَمَال، وَمَا كَانَ من إحساس فبتوفيق الله وتسديده، وَالنِّيَّة فِي كل ذَلِك مِنْهَا الِاجْتِهَاد فِي بُلُوغ الْحق.
وَأَسأَل الله ذَا المَنّ وَالطَّوْل أَن يعظم لي الْأجر على حسن النِّيَّة، وَلَا يحرمني ثَوَاب مَا توخّيته من النَّصِيحة لأهل الْعلم وَالْأَدب، وإياه أَسأَل مُبدياً ومُعيداً أَن يصلّي على مُحَمَّد النَّبِي وعَلى آله الطيبين أطيب الصَّلَاة وأزكاها، وَأن يُحلنا دَار كرامته، وَمُستقر رَحمته، إِنَّه أكْرم مسؤول، وَأقرب مُجيب.
========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...