Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

كتاب التَّنِّصُّلُ من المسئولية والتَّهَرُّب منها/كتاب الغضب /كتاب الفضح.

 

كتاب التَّنِّصُّلُ من المسئولية والتَّهَرُّب منها
التَّنِّصُّلُ لغة:
مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: تَنَصَّلَ مِنَ الشَّيْءِ: تَبَرَّأَ مِنْهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ن ص ل) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى بُرُوزِ شَيْءٍ مِنْ كِنٍّ أَوْ سِتْرٍ أَوْ مَرْكَبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، يُقَالُ: نَصَلَ الحَافِرُ أَيْ خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَتَنَصَّلَ مِنْ ذَنْبِهِ: تَبَرَّأَ مِنْهُ(1)، وَقَوْلُهُمْ: أَنْصَلْتُ الرُّمْحَ، إِذَا نَزَعْتَ نَصْلَهُ، وَتَنَصَّلْتُ الشَّيْءَ وَاسْتَنْصَلْتُهُ إِذَا اسْتَخْرَجْتَهُ(2)، وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: النَّصْلُ: حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَالرُّمْحِ، وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّيْفِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَقْبِضٌ فَإِذَا كَانَ لَهَا مَقْبِضٌ فَهُوَ سَيْفٌ، يُقَالُ: أَنْصَلَ السَّهْمَ وَنَصَّلَهُ: أَيْ جَعَلَ فِيهِ النَّصْلَ. وَيُقَالُ: نَصَلَتِ اللَّسْعَةُ وَالحُمَةُ. تَنْصُلُ: خَرَجَ سُمُّهَا وَزَالَ أَثَرُهَا، وَالتَّنَصُّلُ شِبْهُ التَّبَرُّءِ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ ذَنْبٍ، وَتَنَصَّلَ إِلَيْهِ مِنَ الجِنَايَةِ: خَرَجَ وَتَبَرَّأَ، وَاسْتَنْصَلَتِ الرِّيحُ اليَبِيسَ إِذَا اقْتَلَعَتْهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَبُرٌّ نَصِيلٌ: نَقِيٌّ مِنَ الغَلَثِ(3).
التَّهَرُّبُ لغة:
__________
(1) مقاييس اللغة 5/433.
(2) الصحاح 5/1831.
(3) لسان العرب 5/4446 (ط. دار المعارف).

(1/1)


مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: تَهَرَّبَ مِنَ الشَّيْءِ يَتَهَرَّبُ إِذَا فَرَّ مِنْهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (هـ ر ب) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الفِرَارِ(1)، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ: هَرَبَ مِنَ الشَّيْءِ (فَرَّ) وَهَرَّبَهُ غَيْرُهُ تَهْرِيبًا، وَأَهْرَبَ الرَّجُلُ: إِذَا جَدَّ فِي الذِّهَابِ مَذْعُورًا، وَقَوْلُهُ: مَا لَهُ هَارِبٌ وَلاَ قَارِبٌ أَيْ صَادِرٌ عَنِ المَاءِ وَلاَ وَارِدٌ(2)، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ [التَّهَرُّبِ] فَإِنَّهُ تَفَعُّلٌ مِنَ الهَرَبِ، وَتُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مَعَانِيَ عَدِيدَةً مِنْهَا: الطَّلَبُ كَاسْتَفْعَلَ، وَمِنْهَا المُطَاوَعَةُ(3) كَانْفَعَلَ، وَمِنْهَا التَّدَرُّجُ فِي الفِعْلِ كَمَا فِي تَجَرَّعَ (أَيْ أَخَذَهُ جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ)، وَغَيْرِ ذَلِكَ(4) .
التَّنَصُّلُ والتَّهَرُّبُ من المسئولية اصطلاحًا:
التَّنَصُّلُ مِنَ المَسْئُولِيَّةِ وَالتَّهَرُّبُ مِنْهَا يَعْنِي التَّبَرُّأَ مِنَ الالْتِزَامِ بِمَا سَبَقَ لِلإِنْسَانِ تَحَمُّلُهُ مِنْ مَسْئُولِيَّةٍ وَالخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا.
الآيات الواردة في "التنصل والتهرب من المسئولية" معنًى
أولاً : التنصل والتهرب في الحياة الدنيا :
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 6/49.
(2) الصحاح 1/237.
(3) المطاوعة: أن تريد من الشيء أمرًا ما فتبلغه (الممتع 1/183).
(4) ذكر ابن جِنِّيٍّ في شرح الملوكي ص75 - 77 خمسة معانِ لهذه الصيغة: الثلاثة التي ذكرناها، ومعنى الاتخاذ كما في تَوَسَّدْتُ السَّاعِدَ أي اتخذته وسادة، والسلب والإزالة كما في تَحَوَّبَ أي أزال الحَوْبَ (الإثم)، وذكر لها ابن عصفور في الممتع (جـ1 ص183 - 185) ثمانية معانٍ، الخمسة التي ذكرناها وأضاف إليها معاني: الختل، والتوقع، والتكثير.

(1/2)


{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ(167)}(1)
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(28)}(2)
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172)أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173)}(3)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ(38)}(4)
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ(49)}(5)
__________
(1) آل عمران : 167 مدنية
(2) الأعراف : 28 مكية
(3) الأعراف : 172 – 173 مكية
(4) التوبة : 38 مدنية
(5) التوبة : 49 مدنية

(1/3)


{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ(81)}(1)
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(90)}(2)
{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(57)}(3)
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً(18)}(4)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ(47)}(5)
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(11)}(6)
__________
(1) التوبة : 81 مدنية
(2) التوبة : 90 مدنية
(3) القصص : 57 مكية
(4) الأحزاب : 18 مدنية
(5) يس : 47 مكية
(6) الفتح : 11 مدنية

(1/4)


{هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ(7)}(1)
ثانيًا : التنصل والتهرب في الحياة الآخرة :
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ(166)وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ(167)}(2)
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ(28)}(3)
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً(27)يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً(29)}(4)
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الأَسْفَلِينَ(29)}(5)
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ(27)}(6)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "التَّنِّصُّلُ والتَّهَرُّب من المسئولية"
__________
(1) المنافقون : 7 مدنية
(2) البقرة : 166 – 167 مدنية
(3) يونس : 28 مكية
(4) الفرقان : 27 – 29 مكية
(5) فصلت : 29 مكية
(6) ق : 27 مكية

(1/5)


1 ـ *(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ J قَالَ: [عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ، وَبِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَمَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلاً فَلْيَقْبَلْ ذَلِكَ مُحِقًّا كَانَ أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الحَوْضَ])*(1).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "التَّنِّصُّلُ والتَّهَرُّب من المسئولية" معنًى
2 ـ *(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
J كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ J إِلَى الغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ J فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ J اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ})*(2).
3 ـ *(عَنْ زَيْدٍ بْنِ الأَرْقَمِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
J فِي سَفَرٍ، أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيِّ لأَصْحَابِهِ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ J حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ)*(3).
__________
(1) الترغيب والترهيب 3/492، وقال المنذري: رواه الحاكم من رواية سويد عن قتادة عن أبي رافع، وقال: صحيح الإسناد.
(2) مسلم 4(2777).
(3) مسلم 4(2772).

(1/6)


4ـ *(… فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي(1)، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللهِ J قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا(2) زَاحَ عَنِّى البَاطِلُ، حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ(3)، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ J قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً. فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ J عَلاَنِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ ... الحَدِيثُ)*(4).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذَمِّ "التَّنِّصُّلُ والتَّهَرُّب من المسئولية"
__________
(1) بَثِّي: البث هو أشد الحزن.
(2) أظل قادمًا: أي أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى عليَّ ظله.
(3) فأجمعت صدقه: عزمت عليه.
(4) هذا الحديث جزء من حديث كعب بن مالك في غزوة تبوك، مسلم 4(2769).

(1/7)


1 ـ *(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ} (الحشر/16) ضَرَبَ اللهُ هَذَا مَثَلاً لِلْمُنَافِقِينَ مَعَ الْيَهُودِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يُجْلِيَ بَنِي النَّضِيرَ مِنَ المَدِينَةِ فَدَسَّ إِلَيْهِمُ الْمُنَافِقُونَ أَلاَّ تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ كُنَّا مَعَكُمْ، وَإِنْ أَخْرَجُوكُمْ كُنَّا مَعَكُمْ، فَحَارَبُوا النَّبِيَّ J فَخَذَلَهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَتَبَرَّؤُوا مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأَ الشَّيْطَانُ مِنْ بِرْصِيصَ العَابِدَ])*(1).
2 ـ *(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} (ق/27): أَيْ يَقُولُ عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي قَدْ وَافَى القِيَامَةِ كَافِرًا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ شَيْطَانُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ: أَيْ مَا أَضْلَلْتُهُ)*(2).
__________
(1) تفسير القرطبي (18/28).
(2) تفسير ابن كثير(4/226).

(1/8)


3 ـ *(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ أَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (التوبة/75): أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى مَجْلِسًا فَأَشْهَدَهُمْ فَقَالَ: لَئِنْ آتَانِيَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ آتَيْتُ كُلَّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ وَتَصَدَّقْتُ مِنْهُ وَجَعَلْتُ مِنْهُ لِلْقَرَابَةِ، فَابْتَلاَهُ اللهُ فَآتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ فَأَخْلَفَ مَا وَعَدَ فَأغْضَبَ اللهَ بِمَا أَخْلَفَهُ مَا وَعَدَهُ)*(1).
4 ـ *(عَنْ قَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَالرَّبِيعِ - رَحِمَهُمُ اللهُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} (البقرة/166) قَالُوا: المَعْنَى أَنَّ السَّادَةَ وَالرُّؤُسَاءَ تَبَرَّءُوا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى الكُفْرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: هُمُ الشَّيَاطِينُ المُضِلُّونَ تَبَرَّءُوا مِنَ الإِنْسِ. وَقِيلَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَتْبُوعٍ يَتَنَصَّلُ مِنْ مَسْئُولِيَّةِ إِضْلاَلِ تَابِعِهِ)*(2).
__________
(1) الدر المنثور (3/468).
(2) تفسير القرطبي (2/183)، والدر المنثور (1/304) وجاء فيه عن قتادة [أنَّ الذين اتبعوا هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشَّرِّ والشِّرك وأنَّ الذين اتبعوا هم الأتباع والضعفاء.

(1/9)


5 ـ *( عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ - رَحِمَهُمَا الله- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (يوسف/16) أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى سَخْلَةٍ(1) فَذَبَحُوهَا وَلَطَّخُوا ثَوْبَ يُوسُفَ بِدَمِهَا مُوهِمِينَ أَنَّ هَذَا قَمِيصَهُ الَّذِي أَكَلَهُ فِيهِ الذِّئْبُ وَقَدْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِهِ وَلَكِنَّهُمْ نَسُوا أَنْ يَخْرِقُوهُ وَلِهَذَا لَمْ يَرُجْ(2) هَذَا الصَّنِيعُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ يَعْقُوبَ)*(3).
6 ـ *(وَعَنْ قَتَادَةَ - رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلاَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ(4) وَظَهَرَ الغِفَارِيُّ عَلَى الجُهَنِيِّ. فَنَادَى عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا بَنِي الأَوْسِ انْصُرُوا أَخَاكُمْ فَوَاللهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلاَّ كَمَا قَالَ القَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ... فَسَعَى بِهَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَى النَّبِيِّ
J فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللهِ مَا قَالَ. فَنَزَل قَوْلُهُ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلَمِةَ الكُفْرِ} (التوبة/74))*(5).
7 ـ *(عَنِ الحَسَنِ - رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ هُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا، فَمَاتَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَوَرِثَ مِنْهُ مَالاً فَبَخِلَ بِهِ وَلَم يَفِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ فَأَعْقَبَهُ اللهُ بِذَلِكَ نِفَاقًا إِلَى أَنْ يَلْقَاهُ قَالَ تَعَالَى {بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (التوبة/77))*(6).
__________
(1) السَخْلَة: النعجة الصغيرة.
(2) لم يرج: أي لم يلق قبول.
(3) تفسير النسيابوري بهامش الطبري مجلد 6 (10/126).
(4) جُهَيْنَة وَغِفَار: قبيلتان من العرب.
(5) تفسير النيسابوري بهامش الطبري مجلد6 (10/127).
(6) الدر المنثور (3/468).

(1/10)


8 ـ *(قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} (الأنعام/148) يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ أَخَبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْغَيْبِ عَمَّا سَيَقُولُونَهُ وَظَنُّوا أَنَّ هَذَا مُتَمَسَّكٌ لَهُمْ لَمَّا لَزِمَتْهُمُ الحُجَّةُ وَتَيَقَّنُوا بَاطِلَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَالمَعْنَى: لَوْ شَاءَ اللهُ لأَرْسَلَ إِلَى آبَائِنَا رَسُولاً فَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَعَنْ تَحْرِيمِ مَا أُحِلَّ لَهُمْ فَيَنْتَهُوا، فَاتَّبَعْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ)*(1).
9 ـ *(قَالَ القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهُمُ القِتَالُ تَوَلَّوْا} (البقرة/246): أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمُ القِتَالَ وَرَأَوُا الحَقِيقَةَ وَرَجَعَتْ أَفْكَارُهُمْ إِلَى مُبَاشَرةِ الحَرْبِ، وَأَنَّ نُفُوسَهُمْ رُبَّمَا تَذْهَبُ. {تَوَلَّوْا} أَيِ اضْطَرَبَتْ نِيَّاتُهُمْ وَفَتَرَتْ عَزَائِمُهُمْ، وَهَذَا شَأْنُ الأُمَمِ المُتَنَعِّمَةِ المَائِلَةِ إِلَى الدَّعَةِ تَتَمَنَّى الحَرْبَ أَوْقَاتَ الأَنَفَةِ فَإِذَا حَضَرَتِ الحَرْبُ كَعَّتْ(2) وَانْقَادَتْ لِطَبْعِهَا)*(3).
__________
(1) تفسير القرطبي (7/84).
(2) كَعَّتْ: أي جَبُنَتْ وَأَحْجَمَتْ.
(3) تفسير القرطبي (3/160).

(1/11)


10 ـ *(يَقُولُ القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ... الآيَةُ} (الأعراف/28) الفَاحِشَةَ هُنَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ المُفَسِّرِينَ [طَوَافُهُمْ بِالبَيْتِ عُرَاةً]. وَقَالَ الحَسَنُ: هِيَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِتَقْلِيدِهِمْ أَسْلاَفَهُمْ وَبِأَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِهَا، قَالَ الحَسَنُ: {وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا} قَالُوا: لَوْ كَرِهَ اللهُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَنَقَلَنَا عَنْهُ {قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} بَيَّنَ أَنَّهُمْ مُتَحَكِّمُونَ وَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِمَا ادَّعَوْا، وَقَدْ مَضَى ذَمُّ التَّقْلِيدِ وَذَمُّ كَثِيرٍ مِنْ جَهَالاَتِهِمْ وَهَذَا مِنْهَا)*(1).
من مضار "التَّنِّصُّلُ والتَّهَرُّب من المسئولية"
(1) هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ النِّفَاقِ وَخَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ المُنَافِقِين.
(2) فُشُوُّ الْمُفْسِدِينَ فِي مُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِينَ.
(3) يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الْكَذِبِ، وَالْحَلِفِ الْكَاذِبِ.
(4) مَنْ لَمْ يَقْبَلْ عُذْرَ مَنْ تَنَصَّلَ حُرِمَ مِنَ الوُرُودِ عَلَى الحَوْضِ.
(5) المُتَنَصِّلُ مِنَ المَسْئُولِيَّةِ مُبْغَضٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ النَّاسِ.
(6) المُتَنَصِّلُ مِنَ المَسْئُولِيَّةِ يَسْتَصْغِرُهُ النَّاسُ وَيَحْتَقِرُونَهُ.
(7) دَاءُ التَّنَصُّلِ مِنَ الْمَسْئُولِيَّةِ مِنَ الأَمْرَاضِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الخَطِيرَةِ الَّتِي تُفْقِدُ النَّاسَ الثِّقَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
(8) التَّنَصُّلُ مِنَ المَسْئُولِيَّةِ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ الأَعْمَالِ وَتَأَخِْيرِ مَوَاعِيدِهَا لأَنَّ البَحْثَ عَنْ بَدِيلٍ لِلْمُتَنَصِّلِ لاَ يَتَيَسَّرُ دَائِمًا أَوْ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ.
__________
(1) تفسير القرطبي (7/120، 121).

كتاب الغضب
الغضب لغةً:
الْغَضَبُ نَقِيضُ الرِّضَا، وَهُوَ مَصْدَرُ غَضِبَ يَغْضَبُ غَضَبًا . وَغَضِبَ عَلَيْهِ غَضَبًا، وَمَغْضَبَةً، وَأَغْضَبْتُهُ أَنَا فَتَغَضَّبَ، وَرَجُلٌ غَضْبَانُ وَامْرَأَةٌ غَضْبَى . وَغَضِبَ مِنْ لاَ شَيْءٍ، أَيْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُوجِبُهُ، وَتَغَضَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ غَضِبَ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْغَضَبُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، شَيْءٌ يُدَاخِلُ قُلُوبَهُمْ وَمِنْهُ مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ، فَالْمَذْمُومُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، وَالْمَحْمُودُ مَا كَانَ فِي جَانِبِ الدِّينِ وَالْحَقِّ، وَأَمَّا غَضَبُ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الأَفْعَالِ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ حَقِيقَةً عَلَى مَا يَلِيقِ بِجَلاَلِهِ، وَأَمَّا لاَزِمِ الغَضَبِ فَهُوَ إِنْكَارُهُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَمُعَاقَبَتُهُ إِيَّاهُ، (وَالْوَصْفُ مِنْ ذَلِكَ): غَضِبٌ وَغَضُوبٌ، وَغضْبَانُ أيْ يَغْضَبُ سَرِيعًا، وَغَاضَبْتُ الرَّجُلَ أَغْضَبْتُهُ وَأَغْضَبَنِي، وَغَاضَبَهُ: رَاغَمَهُ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} ، قِيلَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، وَقِيلَ: مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَعْنَى مُغَاضِبًا مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ كَمَا تَقُولُ: غَضِبْتُ لَكَ أَيْ مِنْ أَجْلِكَ، وَالْمُؤْمِنُ يَغْضَبُ للهِ تَعَالَى إِذَا عُصِيَ، وَقَوْلُهُمْ امْرَأَةٌ غَضُوبٌ أَيْ عَبُوسٌ، وَالْغَضُوبُ أَيْضًا الْحَيَّةُ الْخَبِيثَةُ .
الغضب اصطلاحًا:
قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: الْغَضَبُ: تَغَيُّرٌ يَحْصُلُ عِنْدَ فَوَرانِ دَمِ الْقَلْبِ لِيَحْصُلَ عَنْهُ التَشَفِّي فِي الصَّدْرِ(1).
وَقَالَ الرَّاغِبُ: هُوَ ثَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ إِرَادَةَ الانْتِقَامِ(2).
__________
(1) التعريفات (8‍‍‍).
(2) المفردات (4‍‍‍).

(1/1)


وَقَالَ التَّهَانَوِيُّ: الْغَضَبُ هُوَ حَرَكَةٌ لِلنَّفْسِ مَبْدَؤُهَا الانْتِقَامُ، وَقِيلَ: هُوَ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَقْتَضِي حَرَكَةَ الرُّوحِ إِلَى خَارِجِ الْبَدَنِ طَلَبًا للانْتِقَامِ(1).
درجات الغضب:
قَالَ الْغَزَالِيُّ: يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي قُوَّةِ الْغَضَبِ عَلَى دَرَجَاتٍ ثَلاَثٍ وَهِيَ: التَّفْرِيطُ، وَالإِفْرَاطُ، وَالاعْتِدَالُ.
أَوَّلاً: التَّفْرِيطُ وَيَكُونُ إِمَّا بِفَقْدِ قُوَّةِ الْغَضَبِ بِالْكُلِّيَةِ أَوْ بِضَعْفِهَا، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لِلإِنْسَانِ: إِنَّهُ لاَ حَمِيَّةَ لَهُ وَيُذَمُّ جِدًّا، وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ.
ثَانِيًا: الإِفْرَاطُ: وَيَكُونُ بِغَلَبَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ حَتَّى تَخْرُجَ عَنْ سِيَاسَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالطَّاعَةِ وَلاَ يَبْقَى لِلْمَرْءِ مَعَهَا بَصِيرَةٌ وَنَظَرٌ وَفِكْرَةٌ وَلاَ اخْتِيَارٌ .
ثَالِثًا: الاعْتِدَالُ: وَهُوَ الْمَحْمُودُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْتَظِرَ إِشَارَةَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَيَنْبَعِثَ حَيْثُ تَجِبُ الْحَمِيَّةُ وَيَنْطَفِيءَ حَيْثُ يَحْسُنُ الْحِلْمُ وَحِفْظُهُ عَلَى حَدِّ الاعْتِدَالِ هُوَ الاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ وَهُوَ الْوَسَطُ .
علاج الغضب وتسكينه:
يُعَالَجُ الْغَضَبُ إِذَا هَاجَ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
1‍أَنْ يَذْكُرَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى الْخَوْفِ مِنْهُ وَيَبْعَثُهُ الْخَوْفُ مِنْهُ عَلى الطَّاعَةِ لَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَزُولُ الْغَضَبُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ، قَالَ عِكْرِمَةُ، يَعْنِي إِذَا غَضِبْتَ.
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون (3‍/9‍‍‍‍).

(1/2)


2‍أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي الأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالاحْتِمَالِ فَيَرْغَبُ فِي ثَوَابِ ذَلِكَ، فَتَمْنَعُهُ شِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى ثَوَابِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ عَنِ التَّشَفِّي وَالانْتِقَامِ وَيَنْطَفِيءُ عَنْهُ غَيْظُهُ.
3‍أَنْ يُخَوِّفَ نَفْسَهُ بِعِقَابِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قُدْرَةُ اللهِ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ قُدْرَتِي عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ، فَلَوْ أَمْضَيْتُ فِيهِ غَضَبِي، لَمْ آمَنْ أَنْ يُمْضِيَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - غَضَبَهُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَنَا أَحْوَجُ مَا أَكُونُ إِلَى الْعَفْوِ.
4‍أَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الْعَدَاوَةِ وَالانْتِقَامِ وَتَشْمِيرِ الْعَدُوِّ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ .
5‍أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَنَّهُ يُشْبِهُ حِينَئِذٍ الْكَلْبَ الضَّارِيَ وَالسَّبْعَ العَادِيَ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مُجَانَبَةً لأَخْلاَقِ الأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الْفُضَلاَءِ فِي أَخْلاَقِهِمْ.
6‍أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ غَضَبَهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ شَيْ ءٍ جَرَى عَلَى وَفْقِ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى لاَ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ هُوَ فَكَيْفَ يَكُونُ مُرَادُ نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى.
7‍أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الْغَضَبُ مِنَ النَّدَمِ وَمَذَمَّةِ الانْتِقَامِ.
8‍أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الْقُلُوبَ تَنْحَرِفُ عَنْهُ وَتَحْذَرُ الْقُرْبَ مِنْهُ فَيَبْتَعِدُ الْخَلْقُ عَنْهُ فَيَبْقَى وَحِيدًا فَرِيدًا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَصْرِفَ الْغَضَبَ عَنْهُ.

(1/3)


9‍-أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنِ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا جَلَسَ وَإِنْ كَانَ جَالِسًا اضْطَجَعَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَسْتَنْشِقَ بِالْمَاءِ.
10‍أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
1‍‍أَنْ يَذْكُرَ ثَوَابَ الْعَفْوِ وَحُسْنَ الصَّفْحِ فَيَقْهَرَ نَفْسَهُ عَلَى الْغَضَبِ.
2‍‍أَنْ يَذْكُرَ انْعِطَافَ الْقُلُوبِ عَلَيْهِ وَمَيْلَ النُّفُوسِ إِلَيْهِ، فَلاَ يَرَى إِضَاعَةَ ذَلِكَ بِتَنْفِيرِ النَّاسِ مِنْهُ وَيَكُفَّ عَنْ مُتَابَعَةِ الْغَضَبِ(1).
الآيات الواردة في "الغضب"
آيات حل فيها غضب الله ـ عز وجل ـ على اليهود :
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(7)}(2)
{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ(59)قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(60)}(3)
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (0‍‍‍، 2‍‍‍)، إحياء علوم الدين للغزالي (3‍/3‍‍‍5‍‍‍)، مختصر منهاج القاصدين (0‍‍‍‍‍‍).
(2) الفاتحة : 6-7مكية.
(3) المائدة : 59-60 مدنية

(1/4)


{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى(80)كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاََ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى(81)وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82)}(1)
آيات الغضب فيها في سياق كونه صفة لنبي أثاره سلوك قومه
{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي(86)قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ(87)}(2)
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)}(3)
آيات الغضب فيها في سياق التحذير منه :
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاََ تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ(15)وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16)}(4)
__________
(1) طه : 80-82مكية.
(2) طه : 86-87مكية.
(3) الأنبياء : 87-88مكية.
(4) الأنفال : 15-16 مدنية

(1/5)


{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(37)وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاََةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(38)}(1)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الغضب"
1‍*( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ
J وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ J:[ إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ] . فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ J قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ )*(2).
2‍*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ، - يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ(3) - اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ J فِي سَبِيلِ اللهِ])*(4).
3‍*( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ
J: أَوْصِنِي . قَالَ:[ لاَ تَغْضَبْ ] . فَرَدَّدَ مِرَارًا . قَالَ:[ لاَ تَغْضَبْ])*(5).
__________
(1) الشورى : 37-38مكية.
(2) البخاري-الفتح 0‍‍(5‍‍‍‍)واللفظ له،ومسلم(0‍‍‍‍).
(3) الرَّباعية: السِّنُّ بْينَ الثَّنِيَّة والنَّاب.
(4) البخاري- الفتح7‍(3‍‍‍‍)واللفظ له، ومسلم (3‍‍‍‍).
(5) البخاري الفتح 0‍‍(6‍‍‍‍).

(1/6)


4- *( عَنْ عَطِيَّةَ (وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ ) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J:[ إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ])*(1).
5- *( عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ
J فِي أَمْرٍ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ J، فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ . ثُمَّ قَالَ:[ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ . فَوَاللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ])*(2).
6- *( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ
J يَوْمًا صَلاَةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ. ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَنَا بِهِ . أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ (3)الْبَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ، أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيءِ، أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ، أَلاَ وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْءِ ))(4).
__________
(1) أبو داود (4‍‍‍‍) واللفظ له، وفيه قصة وقال مخرج جامع الأصول: حسن (8‍/9‍‍‍)، وأحمد (4‍/6‍‍‍).
(2) البخاري الفتح 0‍‍(1‍‍‍‍)، ومسلم (6‍‍‍‍) واللفظ له.
(3) مِنهم : أي من بني آدم .
(4) الترمذي (2191) وقال : هذا حديث حسن صحيح .

(1/7)


7- *( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ ])*(1).
8- *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J:[ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ])*(2).
9 -*( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J:[ مَنْ لَمْ يَدْعُ اللهَ سُبْحَانَهُ غَضِبَ عَلَيْهِ])*(3).
10- *( كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ: بِأَنْ لاَ تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانٌ . فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ
J يَقُولُ:[ لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ])*(4).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذَمِّ "الغضب"
1‍*( قَالَ يَحْيَى لِعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - لاَ تَغْضَبْ، قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، قَالَ: لاَ تَقْتَنِ مَالاً، قَالَ: هَذَا عَسَى )*(5).
__________
(1) أحمد (1‍/9‍‍‍) وفي رقم (6‍‍‍‍) قال شاكر: إسناده صحيح (4‍/2‍‍)، وجاء بلفظ أطول من هذا كما في (4‍/1‍‍‍) رقم (6‍‍‍‍) وهذا لفظه: [علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت] وقال: صحيح أيضًا .
(2) البخاري - الفتح0‍‍(4‍‍‍‍)، ومسلم (9‍‍‍‍) .
(3) ابن ماجة (7‍‍‍‍) واللفظ له، أحمد (2‍/3‍‍‍) وقال الشيخ أحمد شاكر(9‍‍/3‍‍): إسناده صحيح.
(4) البخاري - الفتح 3‍‍(8‍‍‍‍) واللفظ له، ومسلم (7‍‍‍‍).
(5) الإحياء (3‍/2‍‍‍).

(1/8)


2- *( قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت/4‍‍) قَالَ: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمَهُمُ اللهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ])*(1).
3- *( قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: [ انْظُرُوا إِلَى حِلْمِ الرَّجُلِ عِنْدَ غَضَبِهِ، وَأَمَانَتِهِ عِنْدَ طَمَعِهِ، وَمَا عِلْمُكَ بِحِلْمِهِ إِذَا لَمْ يَغْضَبْ، وَمَا عِلْمُكَ بِأَمَانَتِهِ إِذَا لَمْ يَطْمَعْ؟])*(2).
4- *( قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: [مَكْتُوبٌ فِي الْحِكَمِ: يَا دَاوُدُ إِيَّاكَ وَشِدَّةَ الْغَضَبِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْغَضَبِ مَفْسَدَةٌ لِفُؤَادِ الْحَكِيمِ])*(3).
5- *( قَالَ مُجَاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: [ قَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ: مَا أَعْجَزَنِي بَنُو آدَمَ فَلَنْ يَعْجِزُونِي فِي ثَلاَثٍ: إِذَا سَكَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذْنَا بِخِزَامَتِهِ فَقُدْنَاهُ حَيْثُ شِئْنَا وَعَمِلَ لَنَا بِمَا أَحْبَبْنَا، وَإِذَا غَضِبَ قَالَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ وَعَمِلَ بِمَا يَنْدَمُ، وَنُبَخِّلُهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ وَنُمَنِّيهِ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ])*(4).
__________
(1) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: ذكره البخاري تعليقًا (3‍/9‍‍‍).
(2) الإحياء (3‍/7‍‍‍).
(3) مساوىء الأخلاق للخرائطي (1‍‍‍)، دار السوادي.
(4) الإحياء (3‍/7‍‍‍).

(1/9)


6- *( كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللهُ - إِلَى عَامِلِهِ:[ أَلاَّ تُعَاقِبَ عِنْدَ غَضَبِكَ، وَإِذَا غَضِبْتَ عَلَى رَجُلٍ فَاحْبِسْهُ، فَإِذَا سَكَنَ غَضَبُكَ فَأَخْرِجْهُ فَعَاقِبْهُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ، وَلاَ تُجَاوِزْ بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا])*(1).
7- *( وَقَالَ أَيْضًا:[ الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ])*(2).
8‍*(قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: [مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاقِصِينَ: أَنَّ الْمَرِيضَ أَسْرَعُ غَضَبًا مِنَ الصَّحِيحِ، وَالْمَرْأَةَ أَسْرَعُ غَضَبًا مِنَ الرَّجُلِ، وَالصَّبِيُّ أَسْرَعُ غَضَبًا مِنَ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ، وَالشَّيْخَ الضَّعِيفَ أَسْرَعُ غَضَبًا مِنَ الْكَهْلِ، وَذَا الْخُلُقِ السَّيِّءِ وَالرَّذَائِلِ الْقَبِيحَةِ أَسْرَعُ غَضَبًا مِنْ صَاحِبِ الْفَضَائِلِ، فَالرَّذْلُ يَغْضَبُ لِشَهْوَتِهِ إِذَا فَاتَتْهُ اللُّقْمَةُ، وَلِبُخْلِهِ إِذَا فَاتَتْهُ الْحَبَّةُ، حَتَّى إِنَّهُ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَصْحَابِهِ . بَلِ الْقَوِيُّ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ])*(3).
9‍*( قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: [دَخَلَ النَّاسُ النَّارَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَبْوَابٍ:[ بَابُ شُبْهَةٍ أَوْرَثَتْ شَكًّا فِي دِينِ اللهِ، وَبَابُ شَهْوَةٍ أَوْرَثَتْ تَقْدِيمَ الْهَوَى عَلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ وَبَابُ غَضَبٍ أَوْرَثَ الْعُدْوَانَ عَلَى خَلْقِه])*(4).
10‍*( قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ:[ الْغَضَبُ عَلَى مَنْ لاَ تَمْلِكُ عَجْزٌ، وَعَلَى مَنْ تَمْلِكُ لُؤْمٌ ])*(5).
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(2) الإحياء (3‍/7‍‍‍).
(3) مستفاد من الإحياء (3‍/4‍‍‍).
(4) الفوائد (9‍‍).
(5) أدب الدنيا والدين (1‍‍‍).

(1/10)


11‍- *( وَقَالَ آخَرُ:[ إِيَّاكَ وَعِزَّةَ الْغَضَبِ فَإِنَّهَا تُفْضِي إِلَى ذُلِّ الاعْتِذَارِ ])*(1).
من مضار "الغضب"
(1‍) يُغْضِبُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَيُرْضِي الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ.
(2) يَؤُولُ إِلَى التَّقَاطُعِ وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ .
(3) يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَهَذَا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ .
(4) كَثِيرًا مَا يَعْقُبُهُ الاعْتِذَارُ وَالنَّدَمُ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ .
(5) قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى الْبَدَنِ حَتَّى يُعْمِي الْبَصَرَ وَيُصِمَّ الآذَانَ، وَيُخْرِسَ اللِّسَانَ، وَيُعْجِزَ الإِنْسَانَ، بَلْ قَدْ يَمُوتُ الإِنْسَانُ وَتَزْهَقُ نَفْسُهُ بِالْكُلِّيَّةِ .
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

كتاب الفضح
الفضح لغةً:
الْفَضْحُ مَصْدَرُ فَضَحَهَ يَفْضَحُهُ فَضْحًا إِذَا كَشَفَهُ وَلَمْ يَسْتُرْهُ. وَالْفَضِيحَةُ: الْعَيْبُ وَالْجَمْعُ فَضَائِحُ، وَفَضَحْتُهُ فَضْحًا مِنْ بَابِ نَفَعَ: كَشَفْتُهُ، وَفِي الدُّعَاءِ: [لاَ تَفْضَحْنَا بَيْنَ خَلْقِكَ] أَيِ اسْتُرْ عُيُوبَنَا وَلاَ تَكْشِفْهَا(1).
وَيُقَالُ: افْتَضَحَ الرَّجُلُ يَفْتَضِحُ افْتِضَاحًا إِذَا رَكِبَ أَمْرًا سَيِّئًا فَاشْتَهَرَ(2) بِهِ . وَفَضَح َ الشَّيْءَ يَفْضَحُهُ فَضْحًا فَافْتُضِحَ إِذَا انْكَشَفَتْ مَسَاوِيهِ، وَرَجُلٌ فَضَّاحٌ وَفَضُوحٌ: يَفْضَحُ النَّاسَ . وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ فَضِيحِ البُسْرِ فَقَالَ: لَيْسَ بِالفَضِيحِ وَلَكِنَّهُ الْفَضُوحُ . أَرَادَ أَنَّهُ يُسْكِرُ فَيَفْضَحُ شَارِبَهُ إِذَا سَكِرَ مِنْهُ.
وَالْفَضِيحَةُ: اسْمٌ مِنْ هَذَا لِكُلِّ أَمْرٍ سَيِّىءٍ يَشْهَرُ صَاحِبَهُ بِمَا يَسُوءُ(3).
الفضح اصطلاحًا:
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْفَضِيحَةُ: انْكِشَافُ مَسَاوِىءِ الإِنْسَانِ(4) وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ الْفَضْحُ: أَنْ يَكْشِفَ الْمَرْءُ عَنْ مَسَاوِىءِ أَخِيهِ (لِيُعْرَفَ بِهَا)، وَهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ التَّشْهِيرِ وَكَشْفِ الْعَوْرَاتِ.
حكم فضح المسلم:
__________
(1) المصباح المنير (5‍‍‍).
(2) وفي (اشْتَهَر) لغة أخرى بضم التاء وكسر الهاء.
(3) لسان العرب(2‍/5‍‍‍).
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (2‍‍‍).

(1/1)


عَدَّ ابْنُ حَجَرٍ، هَتْكَ الْمُسْلِمِ أَوْ تَتَبُّعَ عَوْرَاتِهِ حَتَّى يَفْضَحَهُ وَيُذِلَّهُ بِهَا النَّاسُ مِنَ الْكَبَائِرِ مُسْتَدِلاًّ بِقَوْلِ الْمُصْطَفَى J: [مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ] وَعَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ، وَالافْتِضَاحَ، فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ مَا لاَ يَخْفَى(1).
الآيات الواردة في "الفضح"
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِي(68)وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِي(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71)لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ(73)فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ(74)إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ(75)}(2)
الآيات الواردة في "الفضح" معنًى
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63)يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64)}(3)
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ(127)}(4)
__________
(1) الزواجر (7‍‍‍).
(2) الحجر : 67 – 75 مكية
(3) التوبة : 63 – 64 مدنية
(4) التوبة : 127 مدنية

(1/2)


الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الفضح"
1 - *(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ: [أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْ ءٍ،وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ - وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ - احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ)*(1).
2 - *( وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ
J خُطْبَةً حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي خُدُورِهِنَّ فَقَالَ:[ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ . لاَ تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ هَتَكَ اللهُ سِتْرَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ])*(2).
3 -*(عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J:[ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ لِيَفْضَحَهُ فِي الدُّنْيَا فَضَحَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ،قِصَاصٌ بِقِصَاصٍ])*(3).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الفضح" معنًى
__________
(1) أبو داود(3‍‍‍‍) واللفظ له، والنسائي (6‍/9‍‍‍). والدارمي (2‍/4‍‍‍). والحاكم (2‍/3‍‍‍) وصححه ووافقه الذهبي .
(2) أبو داود في سننه رقم (4880)، والهيثمي في مجمع الزوائد (8‍/4‍‍) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات .
(3) أحمد (2‍/6‍‍) وقال الشيخ أحمد شاكر (7‍/6‍‍) إسناده صحيح. وعند الهيثمي (5‍/5‍‍) بلفظه وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبدالله بن أحمد وهو ثقة إمام .

(1/3)


4 - *( عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ J يَقُولُ:[ إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ] فَقَالَ أَبُوالدَّرْدَاءِ: كَلِمَةً سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ J نَفَعَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا)*(1).
5- *( عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، قَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ الكُورَةِ الَّتِي تَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: نَعَمْ . قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ:[ مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلاَّ هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى])*(2).
6 - *( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ:[ مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ])*(3).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذَمِّ "الفضح"
__________
(1) أبوداود(8‍‍‍‍) واللفظ له وقال الألباني (3‍/3‍‍‍): صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6‍/4‍‍‍): إسناده حسن ورواه ابن حبان في صحيحه
(2) أبو داود(0‍‍‍‍) وقال الألباني (2‍/8‍‍‍): صحيح.
(3) ابن ماجة (6‍‍‍‍) واللفظ له . والمنذري في الترغيب والترهيب (3‍/9‍‍‍) وقال: إسناده حسن. الجزء الأول من الحديث عند أبي داود (3‍‍‍‍) من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وبعض الحديث عند مسلم (9‍‍‍‍) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.

(1/4)


1‍- *( كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ:[ مَا أَفْشَيْتُ سِرِّي إِلَى أَحَدٍ قَطُّ فَأَفْشَاهُ فَلُمْتُهُ، إِذْ كَانَ صَدْرِي بِهِ أَضْيَقَ ])*(1).
2‍- *( قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:[ سِرُّكَ أَسِيرُكَ، فِإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ أَسِيرَهُ ])*(2).
3 - *(عَنْ دَخِيرٍ أَبِي الْهَيْثَمِ كَاتِبِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: إِنَّ لَنَا جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَأَنَا دَاعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ لِيَأْخُذُوهُمْ .قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، وَعِظْهُمْ، وَهَدِّدْهُمْ. قَالَ: إِنِّي نَهَيْتُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، وَأَنَا دَاعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ(3) لِيَأْخُذُوهُمْ، فَقَالَ عُقْبَةُ: وَيْحَكَ لاَ تَفْعَلْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ:[ مَنْ سَتَرَ عَوْرَةً فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً فِي قَبْرِهَا])*(4).
__________
(1) المستطرف(1‍/7‍‍‍).
(2) المستطرف(1‍/6‍‍‍).
(3) الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطى بضم الشين وسكون الراء.
(4) أبو داود رقم (4892)، والمنذري في الترغيب (3‍/8‍‍‍) واللفظ له وقال: رواه أبوداود (2‍‍‍‍) والنسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبان في صحيحه، وقال: صحيح الإسناد وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (1‍/4‍‍‍). قال الحافظ: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافا كثيرا، ذكرت بعضه في مختصر السنن . الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطي بضم الشين وسكون الراء .

(1/5)


4 - *( يُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَسَرَّ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ حَدِيثَهُ فَقَالَ لأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا وَمَا أُرَاهُ يَطْوِي عَنْكَ مَا بَسَطَهُ إِلَى غَيْرِكَ . فَقَالَ: فَلاَ تُحَدِّثْنِي بِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ . قَالَ: فَقُلْتُ يَاأَبَتِ وَإِنَّ هَذَا لَيَدْخُلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِهِ؟ فَقَالَ: لاَ. وَاللهِ يَا بُنَيَّ وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ لاَ تُذَلِّلَ لِسَانَكَ بِأَحَادِيثِ السِّرِّ . قَالَ: فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَاوَلِيدُ أَعْتَقَكَ أَبُوكَ مِنْ رِقِّ الْخَطَأِ . فَإِفْشَاءُ السِّرِّ خِيَانَةٌ])*(1).
من مضار "الفضح"
(1‍) فَضْحُ الأَسْرَارِ وَالأَعْرَاضِ اعْتِدَاءٌ، وَالاعْتِدَاءُ مَحْظُورٌ شَرْعًا.
(2‍) مَنْ فَضَحَ سِرَّ أَخِيهِ أَوْ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ.
(3‍) الْفَاضِحُ مَمْقُوتٌ، يَتَجَنَّبُ النَّاسُ مُجَالَسَتَهُ وَمُخَالَطَتَهُ.
(4‍) إِذَا وَجَدَ الْمُجْتَمَعَ قَدْ نَبَذَهُ ازْدَادَ حِقْدًا عَلَى النَّاسِ وَانْعَكَسَ ذَلِكَ قَلَقًا وَاضْطِرَابًا فِي نَفْسِهِ.
(5‍) إِذَا كَثُرَتِ الْفَضَائِحُ فِي مُجْتَمَعٍ مَا فَلْيُتَوَدَّعْ مِنْهُ؛ إِذْ إِنَّهُ أَصْبَحَ مُجْتَمَعًا مُنْحَلاً لاَ قِيمَةَ لَهُ.
__________
(1) الإحياء (3‍/2‍‍‍).

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...