Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

كتاب عن ترك الصلاة

كتاب عن ترك الصلاة
الترك لغة:
مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ:تَرَكْتُ الشَّيْءَ تَرْكًا، أَيْ خَلَّيْتُهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ت ر ك) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى [التَّخْلِيَةِ عَنِ الشَّيْءِ] وَهُوَ قِيَاسُ البَابِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْبَيْضَةُ بِالْعَرَاءِ تَرِيكَةً، وَتَرِكَةُ المَيِّتِ:مَا يَتْرُكُهُ مِنْ تُرَاثِهِ،وَقَالَ الرَّاغِبُ:تَرْكُ الشَّيْءِ: رَفْضُهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا أَوْ قَهْرًا وَاضْطِرَارًا، وَمِنَ الأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ {كَم تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وَالتَّرِيكَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُتْرَكُ فَلاَ يَتَزَوَّجُهَا أَحَدٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: التَّرْكُ: وَدْعُكَ الشَّيْءَ، يُقَالُ: تَرَكَهُ يَتْرُكُهُ تَرْكًا وَاتَّرَكَهُ. وَالتَّرْكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} أَيْ أَبْقَيْنَا عَلَيْهِ، وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: [العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ. فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ] وَقِيلَ: أَرَادَ المُنَافِقِينَ؛لأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ رِيَاءً وَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ .
الصلاة اصطلاحًا:
(انظر صِفَة الصَّلاَة).
ترك الصلاة اصطلاحًا:
أَنْ يَدَعَ الإِنْسَانُ إِقَامَةَ الصَّلاَةِ المَفْرُوضَةِ عَمْدًا(1).
ترك الصلاة وإضاعة الصلاة والسهو عن الصلاة:
أَمَّا تَرْكُ الصَّلاَةِ: فَهُوَ عَدَمُ إِقَامَتِهَا عَمْدًا،وَأَمَّا إِضَاعَتُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَلَيْسَ مَعْنَى أَضَاعُوهَا تَرَكُوهَا بِالكُلِّيَّةِ. وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا .
__________
(1) كتاب الصلاة لابن القيم (1‍2‍).

(1/1)


وَقَالَ القُرَظِيُّ(مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ): هِيَ إِضَاعَةُ كُفْرٍ وَجُحُودٍ بِهَا وَقِيلَ: إِضَاعَةُ أَوْقَاتِهَا وَعَدَمُ القِيَامِ بِحُقُوقِهَا .
أَمَّا السَّهْوُ عَنِ الصَّلاَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ ذَكَرَ مِنْهَا الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ:
1- تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا .
2- وَقِيلَ عَنَى بِذَلِكَ (بِالسَّهْوِ) أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا فَلاَ يُصَلُّونَهَا .
3- يَتَهَاوَنُونَ بِهَا وَيَتَغَافَلُونَ عَنْهَا.
حكم ترك الصلاة:
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: [لاَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ إِثْمَهُ عِنْدَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ إِثْمِ قَتْلِ النَّفْسِ، وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، وَمِنْ إِثْمِ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِعُقُوبَةِ اللهِ وَسَخَطِهِ وَخِزْيِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يَكْتُبُ إِلَى الآفَاقِ،أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا،حَفِظَ دِينَه، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ، وَلاَ حَظَّ فِي الإِسْلاَمِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ، وَالصَّلاَةُ أَوَّلُ فُرُوضِ الإِسْلاَم، وَهِيَ آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ، فَهِيَ أَوَّلُ الإِسْلاَمِ وَآخِرُهُ، فَإِذَا ذَهَبَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ فَقَدْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ،وَكُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ فَقَدْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ](1).
__________
(1) انظر كتاب الصلاة لابن القيم ( 1‍2‍، 2‍2‍).

(1/2)


وَقَدْ عَدَّ ابْنُ حَجَرٍ تَعَمُّدَ تَرْكِ الصَّلاَةِ مِنَ الْكَبَائِر، وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (المدثر/42 ـ 43) وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ J أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ J أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ، وَقَالَ أَيُّوبُ: تَرْكُ الصَّلاَةِ كُفْرٌ لاَ يُخْتَلَفُ فِيهِ(1).
الآيات الواردة في "ترك الصلاة"
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً(142)}(2)
{مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ(54)}(3)
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)}(4)
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ(5)الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7)}(5)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "ترك الصلاة"
1-*( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J:[بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ ])*(6).
__________
(1) الزواجر لابن حجر (2‍7‍1‍).
(2) النساء : 142 مدنية
(3) التوبة : 54 مدنية
(4) مريم : 59 مكية
(5) الماعون : 4 – 7 مكية
(6) مسلم (2‍8‍).

(1/3)


2-*( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ J: [عُرَى الإِسْلاَم، وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلاَثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الإِسْلاَمُ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ، حَلاَلُ الدَّمِ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَالصَّلاَةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ ])*(1).
3-*( عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
Jيَقُولُ: [الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ])*(2).
4 - *( عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ
J قَالَ: [ مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ])*(3).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "ترك الصلاة" معنًى
5 - *( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ
J قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ: [لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقُ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ ])*(4).
__________
(1) رواه أبو يعلى في مسنده بإسناد حسن(3‍/13) ح(2345) من رواية حماد بن زيد عن عمرو بن مالك الذكري وهو صدوق،، وثقه ابن حبان (التهذيب (8‍/96) والتقريب (426) والحديث حسنه الهيثمي في الزوائد (1‍/47) والمنذري في الترغيب والترهيب (1‍/379).
(2) الترمذي (1‍2‍6‍2‍) واللفظ له. والنسائي (1‍/1‍3‍2‍).. وأحمد (5‍/6‍4‍3‍)، وصححه الحاكم (1‍/6‍، 7‍) ووافقه الذهبي . وقال محقق [جامع الأصول] (5‍/204): وهو حديث صحيح.
(3) البخاري - الفتح 2‍(3‍5‍5‍).
(4) مسلم (2‍5‍6‍).

(1/4)


6- *( عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ:[الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ(1) وَمَالَهُ ])*(2).
7 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
J:[لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَيَخْرُجْ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ ])(3).
8-*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ، عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: [ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ(4) الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ])*(5).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذَمِّ "ترك الصلاة"
1 - *( قَالَ عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ:[مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ بَرِىءَ مِنَ اللهِ وَبَرِىءَ اللهُ مِنْهُ])*(6).
2-*( عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم/59) قَالَ: [هُوَ نَهَرٌ فِي جَهَنَّمَ خَبِيثُ الطَّعْمِ بَعِيدُ الْقَعْرِ])*(7).
__________
(1) وتر أهله: أي فقد أهله.
(2) البخاري - الفتح 2‍(2‍5‍5‍). ومسلم (6‍2‍6‍) متفق عليه.
(3) البخاري - الفتح 2‍(7‍5‍6‍) واللفظ له. ومسلم (1‍5‍6‍).
(4) ودعهم: أي تركهم.
(5) مسلم (5‍6‍8‍).
(6) المرجع السابق (2‍/7‍9‍8‍).
(7) الصلاة، لابن القيم (0‍4‍).

(1/5)


3 -*( عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: يَاأَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } (الماعون/5) أَيُّنَا لاَ يَسْهُو، أَيُّنَا لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ؟ قَالَ:لَيْسَ ذَاكَ، إِنَّمَا هُوَ إِضَاعَةُ الْوَقْتِ بِلَهْوٍ حَتَّى يَضِيعَ الْوَقْتُ])*(1).
4 - *( عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيِّ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ امْرَأَةٍ لاَ تُصَلِّي؟ فَقَالَ عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ:[ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ ])*(2).
5-*( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:[ نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ كَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ الإِسْلاَمَ: تَعْبُدُ اللهَ،وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللهُ تَعَالَى بِمَوَاقِيتِهَا، فَإِنَّ فِي تَفْرِيطِهَا الْهَلَكَةَ])*(3).
6-*( قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: [كُلُّ شَيْءٍ يَذْهَبُ آخِرُهُ فَقَدْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ، فَإِذَا ذَهَبَتْ صَلاَةُ الْمَرْءِ ذَهَبَ دِينُهُ ])*(4).
__________
(1) الترغيب والترهيب للمنذري (1‍/7‍8‍3‍). وقال: رواه أبويعلى بإسناد حسن.
(2) المرجع السابق (2‍/8‍9‍8‍).
(3) المرجع السابق (2‍/7‍9‍8‍) .
(4) كتاب الصلاة لابن القيم ( 6‍1‍/ 1‍2‍-2‍2‍).

(1/6)


7-*(قَالَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِاللهِ الْمَرْوَزِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: [ لَقَدْ شَدَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَعِيدَ فِي تَرْكِهَا، وَوَكَّدَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ J بِأَنَّ تَارِكَهَا يَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ بِتَرْكِهَا، وَلَمْ تُجْعَلْ فَرِيضَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلاَمَةً بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ إِلاَّ الصَّلاَةُ، فَقَالَ: لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاَةِ] فَأَخْبَرَ أَنَّهَا نِظَامٌ لِلتَّوْحِيدِ، وَيَكْفُرُ بِتَرْكِهَا، كَمَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ التَّوْحِيدِ])*(1).
8-*(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ
J: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ ])*(2).
من مضار "ترك الصلاة"
(1) طَرِيقٌ يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ.
(2) اسْتِحْقَاقُ سَخَطِ اللهِ وَغَضَبِهِ.
(3) حُلُولُ النِّقَمِ وَذَهَابُ النِّعَمِ .
(4) دَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ تَوْفِيقِ الْمَرْءِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ .
(5) الْبُعْدُ عَنِ اللهِ وَالْبُغْضُ مِنَ النَّاسِ .
(6) يُورِثُ الْهَوَانَ وَالذُّلَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .
(7) يُحْشَرُ صَاحِبُهَا مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ.
(8) يُحْرَمُ صَاحِبُهَا نِعْمَةَ لِقَاءِ اللهِ وَيُسَمَّى مُضَيِّعًا لأَمَانَةِ اللهِ.
(9) يُحْرَمُ مِنْ أَهَمِّ مَصْدَرٍ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَزِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ.
__________
(1) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (1‍/2‍3‍1‍).
(2) الترغيب والترهيب للمنذري (1‍/6‍8‍3‍).


تأملات في فضل الصلاة *ومكانتها فــي القرآن والسنة الدكتور/ سليمان الصادق البيرة مكة المكرمة 

 المقدمــــة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، وأزواجه أمهات المؤمنين، ومن اتبع سبيله إلى يوم الدين. وبعد:

فهذا بحث فـي موضوع الصلاة بعنوان ((تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسنة)) والحديث عن الصلاة حديث محبب إلى نفس كل مسلم، فالعلاقة بين المسلم وبين الصلاة علاقة قوية وطيدة، فهي عمود إسلامه، وهي فرض الله عليه فـي اليوم والليلة خمس مرات بعد أن يكلف بها. وهي العبادة المشتملة على أفعال وأقوال تعكس غاية الذل والخضوع لله تعالى. ولما كان الإنسان قد اختاره الله تعالى  ليكون خليفة فـي الأرض: يخلف من قبله، ويخلفه من بعده لتستمر مسئوليته فـي الحياة كان لا بد له من عبادة تناسب مركزه فـي الكون ومسئوليته فـي الحياة، وتتلاءم مع فطرته، ومع المهمة الملقاة على عاتقه، والواجبات التي يجب أن يقوم بها.

فكانت الصلاة المفروضة هي العبادة المناسبة لذلك كله فجاءت بمثابة اللباس المفصول على قامته من غير طول وفضول ومن غير قصر وضيق([1])، والمسلم يحس بقيمة الصلاة وفضلها، وأثرها فـي حياته، فهو سعيد بها، وحريص عليها، يهتم ويغتم لها، ويفرح بأدائها. ما أقامها إلا مؤمن، وما فرط فيها إلا هالك فـي دنياه  وأخراه. فالحديث عن هذه الفريضة الشريفة الرفيعة حديث له طعمه، وخصوصيته، وله مكانته عند المسلم فهو يتصل بأعظم ركن من أركان الإسلام الخمسة بعد ركن الشهادتين، وفـي الصلاة سر عجيب لا يعرفه إلا من أقامها، فهي نور فـي الوجه، وانشراح فـي الصدر، وطمأنينة فـي النفس، وقوة فـي القلب، وثبات فـي الخطى، وتوفيق، وتسديد فـي الأمور، وتيسير فـي الحياة، وسعة فـي الرزق، ومحبة من الخلق، وزيادة فـي الإيمان وعافية فـي البدن.

( ب )

 
وهي شعار العبودية، ودليلها وهي حفظ، وستر، ورفعة، وعزة وكرامة، وغنى بالله عما سواه، وهي النجاة من كل شدة ومحنة وإحنة ، وهي الفرج من كل كرب، وهم وغم، وضيق ونكد، وشقاق، وخلاف، وهي سفينة النجاة من بحور مشاكل الحياة، وهمومها وغمومها، وهي البرد والسلام من لفح رياح الحياة الحارة، وهي الواحة الخضراء الجميلة التي يأوي إليها المصلي من صحراء الهموم القاحلة.

وهي العقل والقلب، والعاطفة والوجدان والشعور، وهي كل شيء فـي حياة صاحبها. بصلاحها تصلح أعماله، وبفسادها تفسد حياته كلها، ويلقى الخسران والندامة فـي الآخرة.

( ج )

 
والحديث عن الصلاة فـي آثارها المتعددة لا يسعه رحب الأرض الواسع.

ومما تحسن الإشارة إليه والتنبيه عليه فـي هذا المقام أنه ينبغي أن تتعدد وتتنوع الكتابة حول الصلاة فـي ميادينها المتعددة والمتنوعة، فالصلاة هي عمود الدين فبإقامتها تقوم حياة المسلم فـي جميع ميادينها: الإيمانية، والعقدية، والنفسية، والشخصية، والعلمية، والمعرفية، والتربوية، والاقتصادية، والسياسية، والحربية، والسلمية.

وللصلاة آثارها الفاعلة والقوية على كل ميدان من هذه الميادين، فهي إيمان وعقيدة فلا إيمان، ولا عقيدة لمن لا صلاة له، والنفس تشرق بالصلاة، وتسمو فـي مدارج كمالها الإنساني فتظهر فيها الصفات الإيجابية الطيبة التي يحبها الله تعالـى ويحبها رسوله . فتضفي على حياة صاحبها، وحياة من حوله جمالاً وبهاءً، وتختفي فيها بالمقابل الصفات السلبية.

والصلاة من أكبر الأسباب فـي تقوية الملكة، وقوة الذاكرة والحفظ، واستحضار المعلومات، وصحة الفهم، وهي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والسلوكيات السلبية، فتظهر فـي سلوكياته صورة مشرقة للشخصية الإسلامية التربوية ذات الهدف النبيل فـي حياتها.

وللصلاة آثارها الواسعة على الميدان الاقتصادي فهي من أكبر العوامل فـي دفع دفة الاقتصاد إلـى أفضل المستويات، فالمسلم المقيم للصلاة موعود من الله تعالـى بتيسير أسباب الرزق، وهو مؤهل لأن يوفق فـي مجال حياته الاقتصادية، فالله تعالـى قد شرح صدره، ونوَّر قلبه ، ويسر أمره، فهو بذلك سوف يسير سيراً راشداً فـي حياته تلك سيراً يراعي فيه ظروف العصر ومستجداته، وتطوراته فـي المجال الاقتصادي، وهو أمر يمكنه من تطوير الأداء وحسن التوجيه والاستثمار فـي الزمان والمكان المناسبين، مما يعود على المسلم المقيم للصلاة وعلى من حوله بالخير العميم.

( د )

 
وللصلاة آثارها – كذلك – فـي ميادين الحياة السياسية، والحربية والسلمية. يقول الله تعالـى: ﴿ $pkšr'¯»tƒ šúïÏ%©!$# (#þqãZtB#uä bÎ) (#qà)­Gs? ©!$# @yèøgs öNä3©9 $ZR$s%öèù ﴾([2]) الآية. وهذا الفرقان يمكن المسلم المقيم للصلاة
– وإقام الصلاة من التقوى – من تصور الأشياء تصوراً صحيحاً، والحكم عليها حكماً مناسباً، والتصرف بناءً على ذلك تصرفاً راشداً، واتخاذ القرار فـي ضوء ذلك كله بما يعود على صاحبه وعلى مجتمعه وأمته بالخير والقوة والنصر والسداد سياسياً، وحربياً، وسلمياً.

إننا مطالبون – كعلماء ودعاة – أن نكثر من الحديث عن الصلاة وأهميتها، وآثارها الفاعلة على جميع ميادين الحياة فـي المجتمع المسلم، وهو أمر سيجعل المسلم  ينفتح على الطاعات، وعلى إدراك أهميتها وأثرها الفاعل فـي مجالات حياته كلها، فيقبل عليها إقبال راغب محب لها.

( هـ )

 
إن الكتابات التي كتبت فـي مجال الحث على الطاعات ركزت
– فـي أغلبها – على الأجر الأخروي، وهو أمر فـي غاية الأهمية، ولكننا ينبغي أن نضيف إليه التركيز على الآثار المترتبة على الطاعات فـي الحياة، وانعكاس ذلك على جوانبها المتعددة، وندعو الناس إلى إدراك الفروق التي تظهر فـي حياتهم بين أيام الطاعة، وبين أيام المعصية.

وفـي النهاية فإنه لا يسع العاقل إلا أن يقف حيث يجد منفعته فـي دينه ودنياه وآخرته. ولئن كان هذا البحث قد عني بالتركيز على الحديث عن الصلاة فـي ميادين: شأنها، خصائصها، فوائدها، مكانتها، وعناية القرآن بها. وكان الحديث عن مكانتها موسعاً أكثر من غيره فإن هناك مؤلفات كثيرة فـي الساحة قد عنيت بالحديث عن الصلاة من حيث الأحكام الشرعية المتعلقة بها، وليس ميدان الحديث عن الصلاة ميداناً واحداً فحسب، بل هو ميادين واسعة متعددة،
ومتنوعة، والمسلمون فـي حاجة إلى إظهار هذه الميادين من خلال الكتابة فيها، وسيكون فـي ذلك خير كثير بإذن الله تعالـى. والساحة الإسلامية فـي حاجة إلـى تنوع الكتابات وتعددها فـي المواضيع ذات الصلة
بعقيدة الأمة وإسلامها، والتي لها آثارها الفاعلة فـي شتى جوانب الحياة.

( و )

 
ولقد أحببت فـي هذا البحث أن أتحدث عن الصلاة فـي بعض ميادينها التي جاء الحديث عنها مبثوثاً فـي ثنايا البحث. والأمر لا يعدو أن يكون محاولة من المؤلف على طريق إلقاء المزيد من الضوء على تلك الميادين، فلعل فـي ذلك دعوة إلى المسلم ليزداد إدراكه لقيمة هذه الفريضة الربانية الكريمة، وشرفها وفضلها، فيقوى تعلقه بها، ويزداد إقباله عليها، وتمسكه بها. وحرصه على القيام بأمرها، فيغذ السير على طريق العبودية لله تعالـى، فينخرط فـي سلك عباد الله الصالحين المقيمين للصلاة، فينصلح بذلك حاله، ومآله، وعاجله، وآجله، وظاهره، وباطنه. فيسعد فـي دنياه وأخراه.

والله تعالـى أسأل أن يتقبل من مؤلفه، ويتجاوز عنه، بفضله ورحمته وإحسانه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

د/ سليمان الصادق البيرة

العزيزية - مكة المكرمة

فـي 20/12/1426هـ

 


متفرقات

1- الصلاة شعار العبودية:

إن الصلاة هي الشعار المتجدد كل يوم لعبودية المصلي لربه وخالقه جل جلاله، والمصلي يعلن بصلاته عن هويته الإيمانية، ويرفع ذلك الشعار الذي يشاركه فيه إخوانه المؤمنون المصلون فـي كل زمان ومكان، فالولاية معقودة بينه وبينهم، وإن تناءت الأمكنة وتباعدت الأزمنة، قال الله تعالـى:
﴿
tbqãZÏB÷sßJø9$#ur àM»oYÏB÷sßJø9$#ur öNßgàÒ÷èt/ âä!$uŠÏ9÷rr& <Ù÷èt/ 4 šcrâßDù'tƒ Å$rã÷èyJø9$$Î/ tböqyg÷Ztƒur Ç`tã ̍s3ZßJø9$# šcqßJŠÉ)ãƒur no4qn=¢Á9$# šcqè?÷sãƒur no4qx.¨9$# šcqãèŠÏÜãƒur ©!$# ÿ¼ã&s!qßuur 4 y7Í´¯»s9'ré& ãNßgçHxq÷Žzy ª!$# 3 ¨bÎ) ©!$# îƒÍtã ÒOŠÅ3ym ﴾([3]).

والولاية معقودة بين المؤمنين وبين قبلتهم فـي صلاتهم: الكعبة المشرفة بيت ربهم جل جلاله، قال تعالـى: ﴿ ÷bÎ) ÿ¼çnät!$uÏ9÷rr& žwÎ) tbqà)­GßJø9$# £`Å3»s9ur öNèduŽsYò2r& Ÿw tbqßJn=ôètƒ ﴾([4]) ويحتمل عود الضمير فـي الآية الكريمة إلى المسجد الحرام كما ذكر العلامة السعدي فـي تفسيره([5])، فالله عز وجل جعل بيته الحرام لتوحيده وعبادته وقيام دينه. فالمؤمنون يتوجهون إلـى بيت ربهم فـي صلاتهم خمس مرات فـي اليوم والليلة، يفعلون ذلك عبودية خالصة وطاعة لله جل جلاله، فهو سبحانه الذي فرض ذلك وأمر به فـي قوله تعالـى: ﴿ ÉeAuqsù y7ygô_ur tôÜx© ÏÉfó¡yJø9$# ÏQ#tysø9$# 4 ß]øŠymur $tB óOçFZä. (#q9uqsù öNä3ydqã_ãr ¼çntôÜx© 3 ﴾([6]) الآية. فالمصلي فـي صلاته يعكس صورة العبودية التي فطره عليها خالقه، فهو فـي صلاته يحقق هذه الفطرة التي يحبها الله تعالـى لأنها الفطرة التي فطر الناس عليها.

 

2- الصلاة مظهر للعبودية:

قال الحكيم الترمذي: "وأما صورتها (أي الصلاة) من الأفعال فإنها وضعت إظهاراً للعبودية، وسبباً لتطهير الموحدين، وستراً لمساوئ أعمالهم، فصُوِّرتْ أفعالها على أفعال العباد لتقابل تلك المساوئ فتسترها ليقدم غداً على ربه مستوراً. وقال تعالـى: ﴿ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ÇnûtsÛ Í$pk¨]9$# $Zÿs9ãur z`ÏiB È@øŠ©9$# 4 ¨bÎ) ÏM»uZ|¡ptø:$# tû÷ùÏdõムÏN$t«ÍhŠ¡¡9$# 4﴾([7])، فالعبد إنما خلق ليكون له عبداً كما خلق فيثاب على كونه هذا (أي كونه عبداً) فيصير غداً حراً ويكون فـي جوار الله ملكاً"([8]).

وقال ابن قيم رحمه الله: "ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لأقسامها كانت أفضل أعمال العبد، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه"([9]).

3- المؤمن يسعد بالصلاة:

والمؤمن هو من أسعد الناس وأكثرهم بهجة وسروراً بالصلاة لأنه يجد فيها ذاته حين يقف بين يدي سيده وخالقه يناجيه، ويثني عليه، ويدعوه، ويضرع إليه، ويخر بين يديه راكعاً ساجداً فـي تذلل، وخضوع، وانكسار يرجو رحمته ويطمع فـي مغفرته. وإنها للحظات من أجمل اللحظات وأطيبها فـي حياة المؤمن، فالصلاة فرضت فـي أفضل الأوقات، وأشرفها عند الله تعالـى. والله عز وجل اختار لعباده المؤمنين هذه الأوقات الشريفة عنده ليقفوا بين يديه فـي صلاتهم بهيئة شريفة تدل على كمال الذل والعبودية والتعظيم له سبحانه وتعالـى. فأي شرف أعلى من هذا الشرف؟ وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ ينال المصلي ذلك كله ويكرم به فـي صلاته وهو يقف عبداً ذليلاً منكسراً، خاشعاً، قانتاً صاغراً لكبرياء الله تعالـى وعظمته وجبروته، إنه بعمله هذا يضع رجليه على مدارج الشرف والعزة والكرامة.

4- الصلاة ميدان العزة والكرامة:

إن الصلاة ميدان واسع من ميادين العزة والكرامة. ومن أراد العزة والكرامة فعليه بالصلاة. إن المصلي عزيز عند الله تعالـى لأنه يضع أشرف وأكرم أعضاء بدنه فـي الأرض عبودية لله تعالـى وتذللاً له جل جلاله، فالمصلي يلقى من الله الكرامة ظاهراً وباطناً، عاجلاً وآجلاً فـي الدنيا والآخرة، ويُلَقَّى يوم القيامة تحية الكرامة فـي دار الكرامة من ربه الكريم، قال تعالـى: ﴿ öNßgçG¨ŠÏtrB tPöqtƒ ¼çmtRöqs)ù=tƒ ÖN»n=y 4 £tãr&ur öNçlm; #\ô_r& $VJƒÌx. ﴾([10]) ولذلك كله وسواه عدت الصلاة (عمود الإسلام) وهي عمود عبودية المسلم لله تعالـى، فمن تركها فقد هدم عمود إسلامه، وهدم عمود عبوديته، فمن لم يصل لله تعالـى فهو متكبر من المتكبرين الذين يسيرون خلف المتكبر الأول إبليس عليه لعائن الله. فهو أول من عبَّد طريق الكبر، وأول من سار فيه، وهو ومن سار خلفه سيكون مصيرهم إلى النار مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالـى: ﴿ ¨bÎ) šúïÏ%©!$# tbrçŽÉ9õ3tGó¡o ô`tã ÎAyŠ$t6Ïã tbqè=äzôuy tL©èygy_ šúï̍Åz#yŠ﴾([11]) وعمود الصلاة: السجود.

 

5- السجود سر الصلاة وركنها الأعظم:

كان العرب قديماً يأنفون من الانحناء، فكان يسقط من يد الواحد سوطه فلا ينحني لأخذه وينقطع شراك نعله فلا ينكس رأسه لإصلاحه، فلما كان السجود عندهم هو منتهى الذلة والضعة أُمروا به لتنكسر بذلك خيلاؤهم، ويزول كبرهم، ويستقر التواضع فـي قلوبهم.

قال ابن قيم رحمه الله: (وشرع السجود على أكمل الهيئة وأبلغها فـي العبودية، والسجود سر الصلاة وركنها الأعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الأركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة فـي الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له. ولهذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأفضل الأحوال له حالٌ يكون فيها أقرب إلـى الله، ولهذا كان الدعاء فـي هذا المحل أقرب إلـى الإجابة، ولما خلق الله سبحانه العبد من الأرض كان جديراً بأن لا يخرج عن أصله بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه، فإن العبد لو تُرك لطبعه ودواعي نفسه لتكبر وأشر، وخرج عن أصله الذي خلق منه، ولوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة فنازعه إياهما، وأُمر بالسجود خضوعاً لعظمة ربه وفاطره، وخشوعاً له، وتذللاً بين يديه وانكساراً له فيكون هذا الخشوع والتذلل رداً له إلى حكم العبودية، ويتدارك ما حصل له من الهفوة والغفلة والإعراض الذي خرج به عن أصله فتمثل له حقيقة التراب الذي خُلق منه وهو يضع أشرف شيء منه وأعلاه وهو الوجه وقد صار أعلاه أسفله خضوعاً بين يدي ربه الأعلى وخشوعاً له، وتذللاً لعظمته واستكانة لعزته، وهذا غاية خشوع الظاهر)([12]).

6- حاجتنا إلى الصلاة:

إننا بحاجة ماسة إلـى ضرورة أن ندرك شأن الصلاة وأثرها وخطرها فـي حياتنا، لأننا ومن خلال هذا الإدراك سوف نحرص على أدائها ولا نفرط فيها. إننا من خلال ذلك سوف نعرف أننا محتاجون إلـى الصلاة أكثر من احتياجنا إلـى الماء والهواء والشراب والطعام فهذه كلها تغذي الجسم، والصلاة تغذي أرواحنا وقلوبنا. ونحن إنما نسعد فـي الدنيا والآخرة بغذاء وسعادة أرواحنا وقلوبنا. فالكفار أجسامهم صحيحة ولكن أرواحهم ميتة قال الله تعالـى:
﴿
öNßg1ts?ur tbrãÝàZtƒ y7øs9Î) öNèdur Ÿw tbrçŽÅÇö7ム﴾([13]) وقال سبحانه: ﴿ ¨bÎ) §ŽŸ° Éb>!#ur£9$# yYÏã «!$# tûïÏ%©!$# (#rãxÿx. ôMßgsù Ÿw tbqãZÏB÷sム﴾([14]). وقال سبحانه: ﴿ bÎ)ur (#÷rttƒ $Zÿó¡Ï. z`ÏiB Ïä!$uK¡¡9$# $VÜÏ%$y (#qä9qà)tƒ Ò>$ysy ×Pqä.ö¨B ﴾([15]) .

7- الصلاة ميدان التطهير  والتزكية:

فالصلاة جعلها الله تعالـى ميداناً لتطهير النفس وتهذيبها، وسبيلاً لإصلاحها، وتزكيتها وإصلاح ما بها من خلل وعوج، وعلاج أمراضها، وعللها، وذلك أن للذنوب أثراً رهيباً فـي التأثير على سلامة النفس وقوتها، ونضارتها ونظافتها، ونقائها وجمالها، وسلامة إدراكها، وحُسن تصورها. والصلاة جعلها الله تعالـى سبباً لإزالة هذا التأثير وإذهابه، ولعل ذلك يدل عليه قول المصطفى : (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شي، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)([16]).

وهذا الحديث الشريف يدل على وظيفة الصلاة وأثرها فـي حياة صاحبها وفيه تمثيل المعقول بالمحسوس، ليظهر المعقول فـي صورة المحسوس اعتناءً بشأنه وبياناً لأهميته وتعميقاً لصورته ومعناه فـي حس المخاطب. والحديث بدلالاته وأبعاده، وإيماآته يتجاوز أبعاد الصورة الظاهرة فـي ذهن المخاطب والمتصلة بإزالة الماء المغتسل به كل يوم خمس مرات للدرن أي الوسخ المتراكم على الجسم إلـى الأبعاد المتصلة بما وراء ذلك وهي الأبعاد التي تتناول ميدان النفس، والعقل والقلب، وذلك وسواه يدل على سعة العلم النبوي الشريف بأسرار العبادات، وبأسباب علاج النفوس  من أمراضها. إن الماء هو سبب الحياة، وإذا وجد فإنه توجد معه الحياة بما تعنيه من الحركة، والفاعلية، والنشاط، والجمال، والذوق، والإحساس بقيمة الحياة، وبوجود الماء يتحرك الناس لنظافة أبدانهم، وبيوتهم وملابسهم، وشأنهم كله: مسكناً، ومركباً، ومطعماً، ومنتزهاً، ومظهراً.

والإنسان النظيف فـي بدنه، وشأنه الظاهر مظهر جميل تحبه النفوس التي تعشق النظافة، وترتاح إليها، وبالمقابل فإن الوسخ تنفر منه الطباع السليمة وتأباه النفوس الكريمة،  ووسخ الظاهر فـي الغالب دليل على قابلية الباطن له. والوسخ هو البيئة التي تتراكم وتتزاحم وتتوالد وتتكاثر فيها الجراثيم والطفيليات والميكروبات، وهي تشكل ضيقاً وعبئاً وثقلاً على النفس والعقل والقلب والروح، وكل شيء يوجد  بوجود أسبابه إلا ما شاء الله خلافه،  وهكذا وجود الوسخ وما يتسبب عنه. والإنسان المتسخ فـي ظاهره هو دائماً ضيق البال، مضطرب الحال، وآثار ذلك كله تنعكس على شخصيته وعلى عافيته، وعلى نفسه وقلبه وعقله وروحه، ومن ثم على عمله كله.

ولعله من خلال ما تقدم بيانه يمكن أن ندرك الأثر الفعال الذي تحدثه الصلاة فـي حياة صاحبها بناءً على فهم هذا الحديث الشريف طهارة، ونقاءً وصفاءً وجمالاً وبهاءً فـي الظاهر، والباطن، فإن الاغتسال كل يوم خمس مرات من نهر غمر جار سيذهب بكل أثر مهما كان نوعه، وبكل الأوساخ العالقة بالبدن، وسينمحي بناءً على ذلك كل أثر يترتب على هذه الأوساخ الظاهرة، وسوف ينشأ عن هذه النظافة المتكررة كل يوم الخفة والنشاط فـي البدن والانشراح فـي النفس.

والخطايا والذنوب هي بمثابة الجراثيم والميكروبات والطفيليات التي تفعل فعلها فـي البدن المتسخ فتفتك بقواه وتوهنه وتجعله بدناً مريضاً غير قادر على أداء وظيفته فـي الحياة، فما تحدثه الذنوب والخطايا – إن لم يتب منها – من أثر مدمر على ظاهر المذنب وباطنه أمر معلوم مشاهد فـي الواقع لا يخفى إلا على النائمين والغافلين. وقد أفاض ابن قيم رحمه الله تعالـى فـي بيان الآثار المدمرة للذنوب والمعاصي إفاضة بديعة فـي كتابه الجميل: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).

وتأتي الصلاة مفروضة من الله تعالـى على عباده المؤمنين فـي اليوم والليلة خمس مرات لتمحو بإذن الله تعالـى تلك الذنوب والمعاصي وتذهب بكل آثارها المترتبة عليها فيخرج المصلي بإقامة الصلاة من تلك الذنوب والمعاصي نظيفاً كيوم ولدته أمه كما يخرج من الأوساخ العالقة ببدنه من يغتسل من نهر جار أمام بيته كل يوم خمس مرات.

8- الصلاة صلة بين العبد وربه :

ولعل هذا يقودنا إلى تدبر أسرار ومعاني دوام التكليف بها وتكرار ذلك خمس مرات في اليوم والليلة، وذلك التدبر لا يجيء من فراغ، ولكنه يترتب على معرفة تلك الصلة الفريدة العجيبة القائمة بين العبد والرب سبحانه وتعالـى والتي يصفها العلامة الندوي أبو الحسن فـي كتابه الرائع: (الأركان الأربعة) بقوله: (إنها صلة غريبة فريدة لا نظير لها ولا مثال، إنها لا تقاس على صلة بين طرفين وبين اثنين فـي هذا الوجود، إنها لا تقاس على صلة بين صانع ومصنوع، وبين حاكم ومحكوم وبين قوي وضعيف، وبين فقير وغني، وبين مستجد مكد وبين جواد منعم فحسب، إنها صلة أدق من جميع هذه الصلات وأعمق وأقوى وأشمل، ولا يفهم هذه الصلة الغريبة الفريدة بين العبد والرب إلا من عرف صفة العبد وصفة الرب، والصلة دائماً تابعة للصفة نابعة منها، إنك لا تستطيع أن تحدد صلة بين طرفين، وبين اثنين، إلا إذا عرفت صفة كل واحد منهما، وعرفت التفاوت أو التفاضل بينهما، وعرفت مقدار احتياج أحدهما إلى الآخر، وفضل أحدهما على الآخر، وجميع الصلات التي نمارسها فـي الحياة والتي تشكل القانون، وتكوِّن المدنية، وتصوغ المجتمع خاضعة للصفات التي نعرفها أو نتوهمها للأفراد والكائنات أو أعضاء الأسرة أو ذوي السلطان)([17]).

وإذا كانت الصلات قائمة على معرفة الصفات، ونابعة منها كما عرفنا فإنه يمكننا إدراك بعض الأسرار والحِكم والمعاني المتصلة بفرض الصلاة على المسلم فـي اليوم والليلة خمس مرات، علماً بأن العلم بحقيقة ذلك عند الله تعالـى، والمسلم مدعو إلى إعمال الفكر والنظر والتأمل وصولاً إلى إدراك بعض المعاني الكريمة، وتلمساً لبعض الحِكم والأسرار بقدر ما يفتح الله تعالـى عليه من الفهم فـي هذا الأمر وسواه.

9- الصلاة طريق يدلنا على الله :

إنني أكرر القول باستمرار بأن مشكلتنا التي تواجهنا فـي طريق سيرنا إلى الله تعالـى – وهي كثيراً ما تعوقنا فـي هذا السير – هي عدم معرفتنا بأسماء الله سبحانه وصفاته الكريمة معرفة نتربى بها ونتزكى على طريق العبودية لله سبحانه، وجميع المظاهر السلبية فـي حياة أمتنا على مستوى الأفراد وسواهم إنما هي ناتجة عن ذلك أي عن عدم هذه المعرفة، وذلك أننا فـي أمس الحاجة إلى هذه المعرفة معرفة نتربى ونتزكى بها أيضاً على طريق العلم بالله تعالـى وبصفاته الكريمة، وبأسمائه العظيمة، حتى ترتفع نفوسنا بهذا العلم تربية وتزكية فتعانق أنوار وأسرار هذا العلم إيماناً بالله تعالـى وحباً وخشية وتعظيماً له سبحانه، واستجابة لأمره، وعبودية مطلقة له جل جلاله، وخوفاً وحياءً منه يستولي ذلك كله على نفوسنا ومشاعرنا وعواطفنا وآمالنا فنقف عند حدوده ونواهيه، ونتقرب إليه بما أمر من الفرائض والطاعات وسائر القربات. فتتكون لدينا بهذا العلم قوة قلبية ونفسية نستعلي بها على المحرمات مهما كانت مغرية، ونستجيب بها لأمر الله كله فـي طواعية كاملة، وعبودية مطلقة مع كمال الذل والحب لله سبحانه وتعالـى.

ومن شأن ذلك العلم أن يقوي فـي نفوسنا اليقين بأننا والخلق أجمعين وجدنا برحمة الله تعالـى وقدرته، فهو الذي خلقنا فـي أحسن تقويم ومنحنا العقل وسلامة الأبدان والأعضاء، ويسر لنا سبل معايشنا ويسر الكون من حولنا، وأعطانا من كل ما سألناه تفضلاً منه وإحساناً من دون سابقة عمل من أحد، وبرغم المعاصي والمخالفات والذنوب التي يحدثها الناس فـي حياتهم، فإن عطاء الله الشامل لخلقه جميعاً  مستمر.

فتسخير الشمس والقمر، وتذليل الأرض، وجعلها مستقراً ومهاداً وكفاتاً للخلق أحياء وأمواتاً، وتسخير البحار والأنهار، وتيسير الأرزاق، كل ذلك وسواه لم يتوقف. وعلى ذلك فالخلق محتاجون إلـى الله تعالـى خالقهم احتياجاً أصلياً فـي كل شيء لا يستغنون عن رحمته طرفة عين، فهو جل جلاله الخالق، الرازق، المسيطر، المدبر،  الرافع الخافض، المعز المذل، القابض، الباسط، المحيى المميت، النافع الضار، المنتقم العزيز الجبار، العلي الكبير، عالم الغيب والشهادة لا تخفى عليه خافية فـي الأرض ولا فـي السماء، وهو بكل شيء عليم، ولا يعجزه شيء فـي الأرض ولا فـي السماء وهو على كل شيء قدير، وهو جل جلاله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن المتكبر، كل شيء بعلمه وإرادته وتقديره، وكل شيء خاضع خضوعاً مطلقاً لمشيئته وإرادته. الخلق خلقه، بيده حياتهم، ومعاشهم، وأرزاقهم، ومماتهم، وملكوت كل شيء بيده، وإليه مرجع الخلق ومصيرهم، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً، وما لهم من دونه من ولي ولا نصير، وكل شيء هالك إلا وجهه، فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. خلق خلقه فأحصاهم عدداً، وقدر أرزاقهم فلم ينس أحداً، رحمته وسعت كل شيء، وسعت المؤمنين والكافرين على السواء.

10- الإنسان أمام بعض صفاته :

وإذا كانت هذه بعض أسماء وصفات الرب عز جلاله فما هي بالمقابل صفات المخلوقين من الإنس الذين فرض الله تعالـى على المكلفين منهم الصلاة خمس مرات فـي اليوم والليلة؟ ولا شك أن كل واحد من هؤلاء المخلوقين يعرف صفات جنسه من خلال معرفته بصفات نفسه.

إننا حين نتكلم عن هذه الصفات أو بعضها فإنما نتكلم عن شيء موجود نحسه ونراه فـي كل لحظة من حياتنا، فهو ليس شيئاً خارجاً أو بعيداً عنا ولكنه شيء ينبع من نفوسنا ويظهر فـي مقالنا وسلوكنا وفعالنا، وكثير من الناس – إلا ما رحم الله – تغلب عليهم صفات الجهل، والحمق، والجشع، والطمع، والغفلة، والغضب، والنسيان، والغطرسة، والكبر، والضعف، والعجز، والفقر، والجحود، وغلبة الشهوة، والتسرع، والعجلة فـي الأمور وفـي الحكم عليها، وعلى الآخرين، والعجب، ونقض العزيمة، والجمع بين الشيء وضده، والإعجاب بالظاهر، والتهافت على الدنيا وملذاتها. والانبهار بجمالها، والضعف أمام هذا الجمال وفقدان العزيمة أمام المال وما يقاربه وحب الدنيا وكراهية الموت.

فهذه الصفات السلبية فـي الإنسان – إلا ما رحم الله – وغيرها كثير وكثير، ولو تُرك هذا الإنسان يتحرك بصفاته تلك دون أن يكون له فـي يومه وليله وقفات مع ربه يتخلص بها من هذه الصفات أو بعضها لهلك وأهلك غيره علماً بأن بعض هذه الصفات يستمد وجوده من الإنسان نفسه فهي تتقوى بالطعام والشراب، والصلات مبنية على الصفات.

11- الصلاة ضرورة لا بد منها :

فمن عرف صفات ربه جل وعلا وعرف صفاته كإنسان أيقن يقيناً جازماً أن وقوفه بين يدي ربه فـي الصلاة المفروضة عليه فـي اليوم والليلة خمس مرات ضرورة حتمية لا يستغني عنها بحال مهما كانت ظروفه وأحواله اللهم إلا أن يغيب عقله. فالصلاة بالنسبة إليه ضرورة إيمانية، وضرورة نفسية، وضرورة أخلاقية، وضرورة عقلية، وضرورة روحية، وضرورة وجدانية، وضرورة شخصية، وضرورة صحية تشمل صحة ظاهره وباطنه، والمؤمن هو المرشح لإدراك ذلك كله وسواه ومعرفته، ولذلك وصف الله تعالـى المؤمنين بإقامة الصلاة، وبالمحافظة والمداومة عليها فـي القرآن الكريم فـي آيات كثيرة دليلاً واضحاً على مدى وعيهم وفهمهم لصفات ربهم ولصفاتهم فأيقنوا باحتياجهم إلـى الله تعالـى، وأدركوا قيمة النعمة التي أنعمها الله تعالـى عليهم حيث أكرمهم وشرفهم بالوقوف بين يديه خمس مرات فـي اليوم والليلة، ليطهرهم بذلك الوقوف ويذهب عنهم شرور أنفسهم ويرفع درجتهم فتزكو أنفسهم على طريق العبودية له جل جلاله.

 

12- الصلاة نعمة الله على عباده :

إن الصلاة نعمة كبرى من نعم الله تعالـى على عباده المؤمنين، فهم يعظمون شأن هذه النعمة، ويقدرونها ويحفلون بها ويهتمون ويغتمون لها، وهي فـي بؤرة شعورهم وفـي سويداء قلوبهم، يرقبون أوقاتها فـي جميع أحوالهم، وينظمون حركتهم بناءً على هذه الأوقات، وغير المؤمنين من المسلمين يختلفون فـي موقفهم من الصلاة: فمنهم النشط، ومنهم المتوسط، ومنهم المتكاسل، وذلك بناءً على فهمهم لصفاتهم ولصفات ربهم سبحانه وتعالـى، وصِلاتهم بربهم مؤسَّسة على أساس فهم هذه الصفات. فالصلات مبناها على معرفة الصفات. والإنسان إنما يقترب من غيره من الناس أو يبتعد بناءً على معرفته بصفاتهم التي على ضوئها يدرك أنه فـي حاجة إليهم فيكون وصله لهم وإقباله عليهم، أو أنه ليس فـي حاجة إليهم فيكون ابتعاده منهم أو إعراضه عنهم.

والإنسان من حيث هو إنسان يبحث دائماً عن مصلحته وهو فـي هذا الأمر ذكي يقظ، وهذه فطرة فيه، والله تعالـى راعى هذه الفطرة فـي بني الإنسان فجاءت التكاليف فـي الإسلام بالفعل لما أحل الله، أو الترك لما حرم مشمولة بالأجر العظيم، والعطاء العميم، والثواب الجزيل من الله تعالـى لمن امتثل هذه التكاليف حتى يقبل المكلفون عليها بحماس وامتثال.

13- الصلاة ميدان العطاء الإلهي:

والصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي صلة تدل على فهم وعقل العبد لشأنه ومكانه، وأنه عبد لا قيمة له من دون سيده، فكما أن العبد محتاج إلى سيده من الناس فـي كل أموره، فكذلك هذا العبد المصلي هو محتاج لربه سبحانه فـي كل شيء لأن ربه يملك كل شيء وهو (أي العبد المصلي) فقير فـي كل شيء.

وفـي الصلاة ينال هذا العبد من ربه سبحانه الخيرات والعطايا والهبات، ويفاض عليه من رحمة ا لله وفضله ما يكون سبباً لجبر كسره، وستر عواره، وإصلاح خلله، وشفاء مرضه، ومعافاة بلائه، وسد فقره، وجمع متفرقه، ولم شعثه، وتسكين حيرته، وإذهاب شروره، وتطهير قلبه، وتزكية نفسه، ورفعة منزلته، ونصره، وتأييده، وإنزال السكينة عليه، وإذهاب وحشته، ووساوسه وشروره كلها، وبالجملة يكون صلاح أمره ظاهراً وباطناً. وعلى قدر تنور القلب بالإيمان يكون إدراك ثمرة وفائدة وأثر الصلاة فـي الظاهر والباطن.

وسيدنا رسول الله يقول: (وجعلت قرة عيني فـي الصلاة)([18]) الحديث. وهو بيان نبوي كريم ينوه بأهمية وشأن وأثر الصلاة وما تحدثه فـي حياة صاحبها من أسرار وخيرات وبركات لا يحيط بها إلا الله تعالـى.

14- التهاون فـي الصلاة دليل الجهل بالله تعالـى وبحقيقة الإنسان:

ولذلك فإننا يمكن أن نؤسس – بناء على ما تقدم – القول بأننا إذا رأينا إنساناً مسلماً يتهاون فـي إقامة الصلاة فإننا ندرك أن ذلك التهاون منه ناتج عن جهله بربه تعالـى وبصفاته العلى وبأسمائه الحسنى، وناتج فـي ذات الوقت عن جهله بمعرفة حقيقته هو كإنسان خلق لغاية لا يصلح إلا بأدائها، ألا وهي العبودية لله تعالـى، والصلاة هي المظهر العملي اليومي لهذه العبودية، ولذلك فإن حاجة عباد الله المؤمنين إلى الصلاة كحاجة السمك إلى الماء، وحاجة الإنسان إلى الغذاء والهواء.

قال الحكيم الترمذي فـي كتابه "الصلاة ومقاصدها": (فكل صلاة هي توبة، وما بين الصلاتين غفلة وجفوة، وزلات، وخطايا، فبالغفلة يبعد (أي العبد) من ربه، فإذا بعد أشر وبطر، لأنه يفتقد الخشية والخوف، وبالجفوة يصير أجنبياً، وبالزلة يسقط وينزلق قدمه فتنكسر، وبالخطايا يخرج من المأمن فيأسره العدو. فأفعال الصلاة مختلفة على اختلاف الأحوال التي جاءت من العبد، فبالوقوف يخرج من الإباق لأنه لما انتشرت جوارحه نقصت تلك العبودية، وأبق من ربه، فإذا وقف بين يديه فقد جمعها من الانتشار ووقف للعبودية فخرج من الإباق، وبالتوجه إلى القبلة يخرج من التولي والإعراض، وبالتكبير يخرج من الكبر، وبالثناء يخرج من الغفلة، وبالتلاوة يجدد تسليماً للنفس وقبولاً للعهد، وبالركوع يخرج من الجفاء، وبالسجود يخرج من الذنب، وبالانتصاب للتشهد يخرج من الخسران وبالسلام يخرج من الخطر العظيم)([19]).

فالصلاة هي واحة المؤمن وخندقه، ومعقله ومفزعه ومأمنه، ومكان صعود عمله، ومكانه فـي الصلاة هو خير مكان له فوق الأرض، وهو المكان الذي يبكي عليه عند وفاته، ويشهد له يوم القيامة.

15- تعريف الصلاة دال على إلزام المكلف بها مدة حياته:

وتتعانق حاجة المؤمن للصلاة وعدم انفكاكه عنها ما دام حياً مع تعريف الصلاة نفسها فمن بين التعاريف لأصل كلمة الصلاة: اللزوم، جاء فـي لسان العرب للعلامة ابن منظور رحمه الله قوله: (وقال الزجاج: الأصل فـي الصلاة: اللزوم يقال: قد صلي واصطلى إذا لزم ومن هذا من يُصلى فـي النار أي: يُلزم النار، وقال أهل اللغة فـي الصلاة: إنها من الصلوين وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها، وأول موصل الفخذين من الإنسان، فكأنهما فـي الحقيقة مكتنفا العصعص، قال الأزهري: والقول عندي هو الأول، وإنما الصلاة لزوم ما فرض الله تعالـى)([20]).

ولا يصادم هذا التعريف التعاريف الأخرى لأصل كلمة الصلاة فـي اللغة، وقد أفاض صاحب لسان العرب فـي بيان تلك التعاريف وملخص ذلك أن تلك التعاريف تدور بين معاني: الركوع والسجود، والدعاء، والتعظيم، وكل ذلك موجود فـي الصلاة فلا تضاد بين تلك  التعاريف، فكل واحد منها من قبيل البيان، وهي كلها موجودة فـي تعريف الصلاة بمعناها الشرعي عند الفقهاء من حيث إنها أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، على أن الزبيدي فـي تاج العروس([21]) اعتبر أن معنى الدعاء هو أصل معاني الصلاة.

ولقد كانت عناية القرآن الكريم بأمر الصلاة عناية بالغة تمثلت فـي ذلك الحشد الهائل من الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر الصلاة فـي مواضع قاربت مائة موضع فهي أهم ركن فـي الإسلام بعد الشهادتين، بل هي تجمع أركان الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


خصائص الصلاة

 

إن من يتأمل خصائص الصلاة فـي الإسلام سيجد أنها جاءت لتتعانق مع مسئولية الأمة الإسلامية التي جعلها الله تعالـى خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، كما بين ربنا تعالـى فـي كتابه الكريم بقوله سبحانه: ﴿ öNçGZä. uŽöyz >p¨Bé& ôMy_̍÷zé& Ĩ$¨Y=Ï9 tbrâßDù's? Å$rã÷èyJø9$$Î/ šcöqyg÷Ys?ur Ç`tã ̍x6ZßJø9$# tbqãZÏB÷sè?ur «!$$Î/ 3 ﴾([22]) كما جعل سبحانه مسئوليتها فـي الدعوة والقيادة مسئولية قائمة إلى قيام الساعة ولكل الناس فـي كل الأحوال والأمكنة والأزمنة.

ونبي هذه الأمة عليه صلوات الله وسلامه بُعث إلى الناس كافة، كما قال الله تعالـى: ﴿ !$tBur y7»oYù=yör& žwÎ) Zp©ù!$Ÿ2 Ĩ$¨Y=Ïj9 #ZŽÏ±o0 #\ƒÉtRur £`Å3»s9ur uŽsYò2r& Ĩ$¨Z9$# Ÿw šcqßJn=ôètƒ ﴾([23]) والقرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل الباقي والمحفوظ من كل تبديل أو تحريف بإذنه سبحانه وتعالـى، وما كان محفوظاً إلا لأنه باقٍ إلى قيام الساعة فهو دستور الأمة الخالد الذي يهديها فـي سيرها وحركتها لكل ما هو أقوم وأكرم. قال تعالـى: ﴿ ¨bÎ) #x»yd tb#uäöà)ø9$# Ïöku ÓÉL¯=Ï9 šÏf ãPuqø%r& ﴾([24]) الآية ، وقال جل جلاله: ﴿ ¼çm¯RÎ)ur ë=»tGÅ3s9 ÖƒÌtã ÇÍÊÈ žw ÏmÏ?ù'tƒ ã@ÏÜ»t7ø9$# .`ÏB Èû÷üt/ Ïm÷ƒytƒ Ÿwur ô`ÏB ¾ÏmÏÿù=yz ( ×@ƒÍ\s? ô`ÏiB AOŠÅ3ym 7ŠÏHxq﴾([25])، وقال سبحانه: ﴿ ë=»tGÅ2 çm»oYø9tRr& y7øs9Î) yl̍÷çGÏ9 }¨$¨Z9$# z`ÏB ÏM»yJè=à9$# n<Î) ÍqY9$# ÈbøŒÎ*Î/ óOÎgÎn/u 4n<Î) ÅÞºuŽÅÀ ̓Íyèø9$# ÏÏJptø:$# ﴾([26]).

ومن تأمل خصائص الصلاة فـي الإسلام وجدها تواكب هذه المسئولية العالمية الباقية للأمة فـي الدعوة لدين الله تعالـى وقيادة الأمم الأخرى نحو الهداية لهذا الدين الخالد الحق. ونحن لا يمكننا أن نحيط عداً ووصفاً بكل هذه الخصائص، وحسبنا أن نورد فيما يلي بعض هذه الخصائص ومن ذلك :

1- أنها ربانية المصدر: فالله تعالـى هو الذي فرضها على المؤمنين. قال تعالـى: ﴿ ¨bÎ) no4qn=¢Á9$# ôMtR%x. n?tã šúüÏZÏB÷sßJø9$# $Y7»tFÏ. $Y?qè%öq¨B ﴾([27]) وقال جل من قائل: ﴿ ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ( žcÎ) no4qn=¢Á9$# 4sS÷Zs? ÇÆtã Ïä!$t±ósxÿø9$# ̍s3ZßJø9$#ur 3 ﴾([28]) وقال سبحانه: ﴿ ÉOÏ%r& no4qn=¢Á9$# Ï8qä9à$Î! ħôJ¤±9$# 4n<Î) È,|¡xî È@ø©9$# tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ¨bÎ) tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# šc%x. #YŠqåkôtB ﴾([29]) وقال عز من قائل: ﴿ z`»ysö6Ý¡sù «!$# tûüÏm šcqÝ¡ôJè? tûüÏnur tbqßsÎ6óÁè? ÇÊÐÈ ã&s!ur ßôJysø9$# Îû ÅVºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur $|ϱtãur tûüÏnur tbrãÎgôàè? ﴾([30]).

قال ابن كثير فـي تفسير قوله تعالـى: ﴿ ÉOÏ%r& no4qn=¢Á9$# Ï8qä9à$Î! ħôJ¤±9$# ﴾ الآية: يقول تعالـى لرسوله آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات فـي أوقاتها: ﴿ ÉOÏ%r& no4qn=¢Á9$# Ï8qä9à$Î! ħôJ¤±9$# ﴾ قيل: لغروبها. قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد.

وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن ابن  عباس:  (دلوكها) زوالها. ورواه نافع عن ابن عمر، ورواه مالك فـي تفسيره عن الزهري عن ابن عمر. وقاله أبو برزة الأسلمي، وهو رواية أيضاً عن ابن مسعود ومجاهد، وبه قال الحسن، والضحاك، وأبو جعفر الباقر، وقتادة، واختاره ابن جرير.

وما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد عن الحكم بن بشير، حدثنا عمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن رجل عن جابر بن عبدالله قال: دعوت رسول الله ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي فقال: اخْرج يا أبا بكر، فهذا حين دلكت الشمس)([31])، ثم يقول ابن كثير معلقاً على ما سبق: فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلاة الخمسة فمن قوله ﴿ ÉOÏ%r& no4qn=¢Á9$# Ï8qä9à$Î! ħôJ¤±9$# 4n<Î) È,|¡xî È@ø©9$# ﴾ وهو ظلامه، وقيل: غروب الشمس، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وقوله تعالـى: ﴿ tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ﴾ يعني: صلاة  الفجر.

وقد ثبتت السنة عن رسول الله تواتراً من أفعاله، وأقواله بتفصيل هذه الأوقات على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً عن سلف، وقرناً بعد قرن كما هو مقرر فـي موضعه ولله الحمد)([32]).

وقال العلامة  السعدي رحمه الله تعالـى فـي تفسير قوله تعالـى:
﴿
z`»ysö6Ý¡sù «!$# tûüÏm šcqÝ¡ôJè? tûüÏnur tbqßsÎ6óÁè? ÇÊÐÈ ã&s!ur ßôJysø9$# Îû ÅVºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur $|ϱtãur tûüÏnur tbrãÎgôàè? ﴾([33]): (هذا إخبار عن تنزهه عن السوء والنقص، وتقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق، وأمر للعباد أن يسبحوه حين يمسون، وحين يصبحون، ووقت العشي، ووقت الظهيرة فهذه الأوقات الخمسة: أوقات الصلوات الخمس أمر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد، ويدخل فـي ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس، والمستحب كأذكار الصباح والمساء، وأدبار الصلوات، وما يقترن بها من النوافل لأن هذه الأوقات التي اختارها الله لأوقات المفروضات هي أفضل الأوقات)([34]).

وقد حددت السنة النبوية مواقيت الصلاة بناءً على ما بينه جبريل عليه السلام للرسول ، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي حين زالت الشمس فقال: قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم يا محمد فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواءً، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء، فقام صلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر فـي الصبح فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله فقال: قم يا محمد فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله)([35]).

فالصلاة فرضت من الله تعالـى وقتاً، وهيئة، وأفعالاً، وأقوالاً، وعدداً فلا مدخل لأحد من الخلق فـي أمرها، وهذا على خلاف أمر الصلاة عند الأمم الأخرى.

لقد كان شأن الصلاة فـي حياة الأمة الإسلامية عظيماً بعظمة الآثار المباركة لهذه الفريضة الشريفة، وهذه الآثار الطيبة المباركة لا يمكن لكاتب، أو متحدث أن يفي قدرها عداً لها، أو إحاطة بها، فهي كثيرة متعددة متنوعة، ظاهرة وباطنة، عاجلة وآجلة وعلى جميع المستويات .

وإذا تأملنا أمر الصلاة وفـي حفظ الله لها حيث بقيت كما هي منذ فرضها الله تعالـى على نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى أمته هيئة، وحالاً، وفعلاً، وعدداً، ومقالاً، ووقتاً تبين لنا بأن الله تعالـى أراد بذلك – وهو العليم بمراده – الحفظ لتكون الصلاة من أسباب وحدة الأمة الإسلامية، ولتكون دليلاً بيناً واضحاً على أن هذه الفريضة وما يتصل بها من الهيئة، والفعل، والحال، والمقال، والعدد، والوقت، والسنن، وسوى ذلك
كله شرع من عند الله تعالـى، بلغه بالعمل والقول سيدنا رسول الله
وهو النبي المبلغ عن الله تعالـى. فحفظت الصلاة بذلك من أهواء البشر وتدخلاتهم، وذلك من فضل الله تعالـى على هذه الأمة التي اختارها الله تعالـى الأمة الخاتمة للأمم قبلها، القائمة بمهام الشهادة على من سبقها من أمم، والقيام بهمة الشهادة يقتضي عدالة الأمة الشاهدة، وصحة دينها، وحفظه من التبديل والتحريف واستمرار بقائه إلى قيام الساعة، وهذا كله قد توافر بحمد الله تعالـى لأمة محمد .

ونحن إذا ألقينا نظرة مقارنة على الصلاة عند الأمم التي سبقت الأمة المحمدية مثل أمم : الهند، اليهود، النصارى علمنا بكل يقين أن الدين الصحيح هو دين الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد رسول الله  . فهي عند هذه الأمم وسواها مجرد طقوس لا معنى لها لأنها صلاة حُرفت من البشر بما أضافوه إليها من عندهم، فالصلاة عند اليهود يكتنف تشريعها الشيء الكثير من الغموض فـي تاريخ اليهود وديانتهم يصعب معه عرض صورة واضحة للصلاة عندهم فـي جميع العصور والأجيال كما يقول العلامة أبو الحسن الندوي، والذي يتضح من العرض الذي أورده فـي كتابه (الأركان الأربعة) للصلاة عند اليهود، أن للأحبار والرهبان تدخلاً واضحاً بالزيادة والنقصان فـي عدد الصلوات، وفـي تغيير أوقاتها، وهيئتها، وانتهت الصلاة عند اليهود بأن ضُم إليها الغناء  والموسيقى فخلت بالكلية من كل معنى يدل على العبادة، وأصبح لكل طائفة من طوائف اليهود غالباً صلاة تختلف عما عند غيرها.

أما الصلاة عند المسيحيين فقد دخلها التحريف منذ دخول فكرة التثليث فـي المسيحية وانحرافها عما جاء به عيسى نبي الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولا شك أن لليهودية المنحرفة دخلاً كبيراً فـي إدخال فكرة التثليث إلى المسيحية التي سارت الكنيسة فيها منذ ذلك الانحراف في ركاب اليهودية التي فصلت الكنيسة المسيحية وفق ما تريد كما يقرر صاحب (دائرة معارف الأديان والأخلاق) وأصبحت الصلاة أسبوعية فـي الكنيسة مما يعكس مدى الانحراف الذي أحدثه المسيحيون فـي صلاتهم، فالخمر والموسيقى جزء من هذه الصلاة .

أما الصلاة عند الهنادك أي فـي الديانة الهندوكية فالفوضى والاضطراب الهائلان أهم سماتها، كما تتسم بالغموض، والإبهام فـي أوضاعها، وأشكالها، وهي مختلفة من منطقة إلى أخرى . ومعلوم أن الديانة الهندوكية سوَّقت الانحراف العقائدي إلى العالم، وأن ديانة (كرشنا) هي التي أدخلت فكرة التثليث فـي اليهودية وانتشرت عبادة الأصنام من دون الله، ومن الصعب إيجاد وصف يحدد ما يسمى بـ(الصلاة) فـي الديانة الهندوكية([36]).

2- ومن خصائص الصلاة فـي الإسلام أنها متواترة النقل أي أن أفعالها وهيئتها نُقلت إلينا بالتواتر، فالصحابة رضي الله عنهم رأوا النبي يصلي صلاة الإسلام التي فرضها الله تعالـى عليه وعلى أمته، وكان عليه الصلاة والسلام هو إمامهم فـي الصلاة وهو الذي قال لهم : (صلوا كما رأيتموني أصلي)([37]) والصحابة رضي الله عنهم نقلوا صفة الصلاة كما تلقوها عن النبي إلى التابعين بعدهم ثم نقلها جيل تابعي التابعين عن التابعين وهكذا نقلتها الأجيال بعدهم إلى الأجيال التي تلتهم، وكل جيل من الأمة الإسلامية يبلغها إلى الجيل الذي بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وعلى ذلك فالصلاة لم تُنقل صفتها وهيئتها وأفعالها بواسطة فرد أو أفراد قليلين معدودين، وإنما نُقلت بواسطة الأجيال المتتابعة منذ جيل الصحابة رضي الله عنهم.

3- ومن خصائص الصلاة : أنها ثابتة لا تتغير فـي أسمائها – صلاة الصبح – صلاة الظهر – صلاة العصر – صلاة المغرب – صلاة العشاء، وفـي دخول أوقاتها، وفـي هيئتها، وفـي عددها، وفـي كل ما يتصل بها حضراً وسفراً فلم يجرؤ أحد على تغييرها .

4- لم يستطع أحد أن يزيد أو ينقص فيها لأن قوة النقل والتواتر عن الأجيال فـي هذا النقل والتواتر أبقى وأقوى، وقبل ذلك كله إرادة الله تعالـى وأمره من وراء ذلك .

5- أن هيئتها واحدة لجميع أفراد الأمة برغم تباعد أوطانهم، واختلاف أجناسهم، وتعدد مشاربهم وثقافاتهم.

6- أن طابَعها اليسر والسهولة، فليس فـي أدائها أدنى عنت أو مشقة، ومن لم يجد اليسر والسهولة فـي أداء الصلاة فلن يجدهما فـي حياتيه: الدنيا والآخرة، وكل ما يتصل بها من الطهارة وسواها فطابعه اليسر والسهولة، وأوجه اليسر والسهولة فـي الصلاة متعددة سنتحدث عنها فـي موضع آخر إن شاء الله.

7- أنها تصلى فـي كل مكان طاهر، وذلك دليل على التيسير والرحمة، وعلى عالمية هذه الفريضة، قال ﷺ : (... وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)([38]) وهو دليل على عالمية الدين الإسلامي، وعلى عالمية الأمة الإسلامية .

8- أنه ليس فـي أدائها واسطة بين العبد وربه سبحانه وتعالـى، فالمصلي يقف بين يدي ربه سبحانه يناجيه بكلامه العظيم، ويركع، ويسجد له تعالـى، وحين يدخل المصلي فـي صلاته فإنه ينعزل عن كل ما حوله، ويتجه بقلبه، وعقله وروحه إلى خالقه وسيده قانتاً بين يديه، خاشعاً لجلاله، معظماً فـي ذلة وانكسار لكبريائه وعظمته.

9- أنها مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وجعلت كلمة (الله أكبر) افتتاحاً للصلاة دليلاً على تعظيم المصلي لله تعالـى وتنزيهه له، فهي كلمة جليلة عظيمة عالية غالية شريفة يثبت بها الله تعالـى وينصر عباده المؤمنين، ويزلزل ويهلك بها أعداءه الكافرين فـي كل زمان ومكان .

يفتتح المصلي صلاته بها إعلاناً بأن الله تعالـى أكبر من كل كبير، وأنه سبحانه أكبر من كل شدة وهول ومحنة واضطراب، وأنه جل وعز أكبر من كل ما يعظمه البشر من الأناسي والأشياء، ومن كل ما يعظمه الجن والإنس جميعاً، فهي الكلمة القوية المدوية المجلجلة التي يخشع أمامها الجبابرة ويهوى لها كل صنم، ويضطرب بها كل طاغية وطاغوت([39]).

فالله تعالـى وحده هو الكبير الذي يستحق التكبير، فكل أحد، وكل شيء، وكل قيمة، وكل حقيقة صغيرٌ أمام الله تعالى، وأمام قوة هذه الكلمة العالية الغالية وأسرارها وأنوارها تتوارى الأجرام والأحجام، والقوى والقيم والأحداث والأحوال والمعاني والأشكال وتنمحي فـي ظلال الجلال والكمال لله تعالـى الواحد الكبير المتعال الذي لا ينبغي التكبير إلا له جل جلاله وعز سلطانه امتثالاً لأمره العظيم فـي كتابه الكريم بقوله سبحانه: ﴿ çn÷ŽÉi9x.ur #MŽÎ7õ3s? ﴾([40]) الآية، وبقوله تعالـى: ﴿ y7­/uur ÷ŽÉi9s3sù ﴾([41]).

ولو تأمل المسلم بعضاً من أسرار وأنوار هذه الكلمة العالية الغالية (الله أكبر) لأدرك شيئاً من الأسرار وراء هروب الشيطان الرجيم عليه لعائن الله مدبراً وله ضراط حين يسمع هذه الكلمة فـي الأذان للصلاة، ولأدرك شيئاً من الأسرار وراء انطفاء الحرائق والنيران بالتكبير، ولأدرك أنها سلاح ماضٍ فتاك فـي ساحات الجهاد ضد أعداء الله فهي تخنقهم وترعبهم وتزلزلهم، وهي كذلك سلاح ماض فتاك ضد الأشرار من الجن والإنس فـي كل حال. ولكنها فـي كل الأحوال تحتاج إلى قلوب مؤمنة تنطلق منها. إنها أبلغ كلمة تفتتح بها صلاة المسلم الموحد.

10- ومن خصائص الصلاة فـي الإسلام : أن سمتها الوضوح التام فـي كل أمورها، وفـي كل ما يتصل بها، فليس فيها أدنى إبهام أو غموض.

وهذا الوضوح الذي واكب الصلاة منذ أن فعلها نبينا المصطفى ، ونقلها عنه الصحابة الكرام رضي الله عنهم ونقلتها عنهم الأجيال التالية نقلاً واضحاً سيظل قائماً من جيل إلى جيل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو أمر يدل بكل وضوح وجلاء على أن دين الإسلام هو الدين الباقي المهيمن الخالد إلى قيام الساعة .

إن أحداً لا يستطيع أن يقدم لنا وصفاً صادقاً يصف لنا فيه أمر الصلاة عند الأمم الأخرى من هندوكية، ويهودية، ونصرانية وغيرها، منذ بداية أمرها عند هذه الأمم وإلى الآن. أما فـي أمة محمد الأمة الخاتمة والمهيمنة والشاهدة بالإسلام الخاتم، المهيمن، فأمر الصلاة فيها ومنذ خمسة عشر قرناً أوضح من وضوح الشمس فـي رابعة نهار صيفي جميل .

11- ومن هذه الخصائص: أنها ليس لها طقوس معينة لا بد أن تفعل قبلها، كما هو الحال فـي صلاة الأمم الأخرى، إن تلك الطقوس هي من فعل أهل الديانات المحرَّفة الباطلة، التي أصبحت مجرد ذكريا باهتة فـي نفوس الشيوخ والكبار فـي السن من أتباعها، فأقفرت دور العبادة فيها من الأتباع، وقفلت على مر السنين أبوابها، وأصبحت مجرد أطلال صامتة لا حركة فيها ولا معنى لها، فاضطر أتباعها إلى بيعها وذلك دليل على إفلاسها وغروب شمسها، أما الصلاة في دين الإسلام العظيم  فليست لها طقوس أبداً بل إن هذه الكلمة (طقوس) ليس لها مكان في العبادات في الإسلام فهي كلمة تدخل في ذهنية العابد الوثني، والنصراني، واليهودي، وسواه من المشركين. فالصلاة في الإسلام يدخل فيها المسلم بالطهارة، والطهارة أمرها ميسور فهي بالماء الطاهر، فإن لم يوجد فبالصعيد الطاهر أي: ما ظهر على وجه الأرض من تراب أو حجارة، وتسمى الطهارة الأولى (الوضوء) والثانية (التيمم) وتُصلى الصلاة في المساجد وفـي سواها من كل مكان طاهر. ويصليها المسلم منفرداً، إن تعذرت الجماعة، ومعلوم أن ما يسمى بـ(الصلاة) عند الأمم المشركة لا بد أن يقيمها للناس الكاهن أو القسيس، أو سدنة المعبد وفق طقوس معينة . فالحمد لله على نعمة الإسلام العظيم .

12- ومن الخصائص: أن الاستطاعة فيها متيسرة لجميع أفراد الأمة، فكل فرد يؤديها حسب استطاعته، عافية، ومرضا، قوة وضعفاً، قدرة وعجزاً فهي فرض الله المتيسر أداؤه على جميع المكلفين من المسلمين، والاستطاعة قائمة بالمكلف ما دامت روحه فـي جسده وما دام عقله سليماً.

13- أنها تؤدى بالبدن، والقلب، والعقل، والروح، وسائر الجوارح عبودية لله تعالـى وطاعة له سبحانه، ولذلك فإن آثارها فـي صحة ذلك وقوته واضحة معلومة، ولنا أن ندرك بناءً على ذلك فاعلية الصلاة وأثرها على أصحابها قوة ونشاطاً وفكراً، وإبداعاً، وحسن أداء، وسداد أقوال، وجمال أفعال، وتوفيقاً فـي الأمور كلها، وبالمقابل فإنه يمكننا تصور الآثار الرهيبة المترتبة على ترك الصلاة، والتي تشاهد على تاركها، ومن شاهد أهل البلاء أدرك قيمة المعافاة .

14- أن التواتر فـي نقلها لم يقتصر على الجانب النظري والقولي بل جمع بينهما وبين الجانب العملي فقد نُقلت إلينا بالتواتر النظري والقولي والتواتر العملي فـي آن واحد، وليس واحد منها مفصولاً عن الآخر بحيث يمكن أن يقال إن التواتر النظري أو القولي، سبق التواتر العملي أو إن بينهما اختلافاً واضطراباً، أو إن جيلاً من الأجيال نقل صورة أقوال الصلاة، مختلفة عن جيل آخر، أو إنه نقل أفعالها كذلك، ولكن الأمر المعلوم فـي شأن الصلاة فـي الإسلام وعبر كل الأجيال منذ جيل الصحابة رضي الله عنهم وإلى جيل القرن الخامس عشر الهجري أنها نُقلت متواترة فـي أقوالها وهيآتها وأفعالها فـي آن واحد لأن الأقوال فيها جزء من الأعمال، فالصلاة مشتملة عليهما معاً ولا تصح إلا بهما معاً .

وإذا كانت هذه بعض خصائص الصلاة فـي الإسلام وهذا البعض قطرة من محيط واسع، فإن خصائص الصلاة لا يحاط بها لأنها خصائص الإسلام العظيم الواسعة التي لا يسعها رحب الأرض الواسع عدَّاً لها، أو وصفاً لآثارها، ولعلنا وبعد الحديث عن الخصائص نردفه بالحديث عن الفوائد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فوائد الصلاة

 

والحديث عن فوائد الصلاة حديث محبب إلى النفوس، وبحر فوائدها بحر واسع بسعة عظمتها وخصائصها ومكانتها عند الله تعالـى وعند رسوله وملائكته وعند عباده الصالحين .

وحسبنا أن نقف على شاطئ بحر فوائدها لعلنا نلتقط شيئاً من هذه الفوائد.

إننا لا ينبغي أن نمل الحديث عن هذه الفوائد ومحاولة استخراجها والتقاطها من بحرها الواسع، ففي الوقوف عليها خير كبير لنا ولمن نتحدث أو نكتب إليهم من إخواننا المسلمين . وإن ديننا الإسلامي العظيم جاء بالخيرات والبشارات، والفوائد والثمرات لأتباعه العابدين العاملين فضلاً من الله ورحمة وإحساناً، والله ذو فضل عظيم . هذا ويمكننا الحديث عن شيء من هذه الفوائد فيما يلي :

1- أنها (أي الصلاة) مدرسة إيمانية يتربى فيها المصلي على معان إيمانية كثيرة ومتعددة، ومن هذه المعاني : العبودية لله تعالـى، فالمصلي يرفع شعار هذه العبودية ويعلن عنها بحاله، وفعله، ومقاله فـي الصلاة، وهو قبل ذلك يترك كل عزيز إلى نفسه من مال، وأهل وولد حين يدخل وقت الصلاة، ولا يهتم بشيء عند ذلك إلا اهتمامه بما يتصل بصلاته من طهور، وهيئة، وسعي إلى المسجد مبكراً .

وقد أثنى الله تعالـى على عباده المؤمنين المسبحين لربهم فـي المساجد بالغدو والآصال المقيمين لصلاتهم والمؤدين لزكاتهم، فلا تلهيهم عن ذلك تجارةٌ ولا بيعٌ والحال أنهم أهل تجارة يبيعون ويشترون ويربحون من ذلك . قال تعالـى ﴿ Îû BNqãç/ tbÏŒr& ª!$# br& yìsùöè? tŸ2õãƒur $pkŽÏù ¼çmßJó$# ßxÎm7|¡ç ¼çms9 $pkŽÏù Íirßäóø9$$Î/ ÉA$|¹Fy$#ur ÇÌÏÈ ×A%y`Í žw öNÍkŽÎgù=è? ×ot»pgÏB Ÿwur ììøt/ `tã ̍ø.ÏŒ «!$# ÏQ$s%Î)ur Ío4qn=¢Á9$# Ïä!$tGƒÎ)ur Ío4qx.¨9$#   tbqèù$sƒs $YBöqtƒ Ü=¯=s)tGs? ÏmŠÏù ÛUqè=à)ø9$# ㍻|Áö/F{$#ur ÇÌÐÈ ãNåkuÌôfuÏ9 ª!$# z`|¡ômr& $tB (#qè=ÏHxå NèdyƒÌtƒur `ÏiB ¾Ï&Î#ôÒsù 3 ª!$#ur ä-ãötƒ `tB âä!$t±o ÎŽötóÎ/ 5>$|¡Ïm ﴾([42]) .

قال العلامة السعدي فـي تفسيره: (خص هذين الوقتين (أي الغدو والآصال) لشرفهما لتيسر السير فيهما إلى الله وسهولته، ويدخل فـي ذلك التسبيح فـي الصلاة وغيرها، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء أي : يسبح فيها اللهَ، رجالٌ، وأي رجال، ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا، ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب مشغلة عنه ﴿ žw öNÍkŽÎgù=è? ×ot»pgÏB ﴾ وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض فيكون قوله ﴿Ÿwur ììøt/﴾ من باب عطف الخاص على العام لكثرة الاشتغال بالبيع عن غيره فهؤلاء الرجال وإن اتجروا وباعوا واشتروا فإن ذلك لا محذور فيها لكنه لا تلهيهم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على ﴿ ̍ø.ÏŒ «!$# ÏQ$s%Î)ur Ío4qn=¢Á9$# Ïä!$tGƒÎ)ur Ío4qx.¨9$#   ﴾ بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه)([43]).

ومن المعاني الإيمانية التي يتربى عليها المؤمن فـي مدرسة الإيمان (الصلاة) إحساسه عملياً بأخوة الإيمان التي تجمعه بإخوانه المؤمنين رغم اختلاف الأجناس، والألوان، واللغات، والمستويات، فالصلاة يجتمع فيها المؤمنون كل يوم وليلة خمس مرات يؤدونها جماعة في بيوت الله، وهم يقفون صفوفاً قانتين لرب العالمين، وكلهم يعلم عن يقين أن أشكالهم ومستوياتهم المادية، والبدنية لا قيمة لها فـي هذا المقام، وأنهم سواء أمام الله تعالـى، فهو سبحانه لا ينظر إلى أشكالهم، وألوانهم، ولكنه ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم، فإحساس المؤمن بالأخوة الإيمانية فـي ساحة المساواة فـي الصلاة من شأنه أن يقوي هذا الإحساس فـي نفوس المؤمنين جميعاً فـي كل مكان فيستعلون به على كل عوامل ومظاهر التفرق التي ينسجها ويطورها عدوهم الكافر .

ومن المعاني الإيمانية : تربية المؤمن على التواضع لإخوانه المؤمنين، فهو فـي الصلاة مع إخوانه المؤمنين واحدٌ منهم لا فرق بينه وبينهم بغض النظر عن مكانته خارج المسجد.

ولا شك أن التواضع من القيم الإيمانية التي ينتج عنها التآلف والتقارب والمحبة والرحمة بين المؤمنين، فيعيشون فـي وئام وانسجام فينشأ عن ذلك القوة والعزة والفاعلية فـي الحياة : فـي مجالاتها المتعددة.

والعجيب أن القرآن الكريم يبين أن التواضع للمؤمنين والرحمة بهم ينشأ عنها الشدة على الكافرين كما يقرن بين هذه الرحمة وبين إقامة الصلاة، وبالمقابل فإنه ما وجد إنسان متكبر على المؤمنين شديد عليهم إلا وهو متواضع للكافرين رقيق معهم رحيم بهم وتلك هي حقيقة من حقائق القرآن الخالدة التي لا تتبدل وإن تبدل الناس فـي فهومهم وقيمهم.

قال الله تعالـى : ﴿ Ó£JptC ãAqߧ «!$# 4 tûïÏ%©!$#ur ÿ¼çmyètB âä!#£Ï©r& n?tã Í$¤ÿä3ø9$# âä!$uHxqâ öNæhuZ÷t/ ( öNßg1ts? $Yè©.â #Y£Úß tbqäótGö6tƒ WxôÒsù z`ÏiB «!$# $ZRºuqôÊÍur ( öNèd$yJÅ Îû OÎgÏdqã_ãr ô`ÏiB ̍rOr& ÏŠqàf¡9$# 4 ﴾([44]) وتقديم وصف الشدة على الكفار قبل وصف الرحمة فـي
هؤلاء المؤمنين الذين هم سيدنا محمد رسول الله
وصحابته الكرام رضي الله عنهم أمر له دلالاته وأبعاده وإيماآته المتصلة بالمكونات الإيمانية لشخصيات هؤلاء المؤمنين، وقد جمع الله تعالـى لهم فـي هذه الآية بين جمال قوة الظاهر والباطن، فإن للشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين مظهرين : أحدهما داخلي : محله القلب، والآخر خارجي : يتمثل فـي الحركة الظاهرة وما ينشأ عنها، والمظهر الخارجي مترتب على المظهر الداخلي ترتب النتيجة على مقدماتها وكثرة الركوع والسجود دليل على إقامة الصلاة ومحبتها، وإقامتُها دليل على قوة إيمان مقيمها، وجماله بالإيمان، ولم يوصفوا بمجرد الركوع والسجود ولكنهم وصفوا بكثرة فعلهما وهم مع ذلك يتحركون فـي حياتهم بالسعي المفيد والابتغاء المثمر فاعلية فـي الحياة وإثراءً لمعاني وقيم الإيمان الخيرة الفاضلة لا تكبراً ولا طغياناً ولا ظلماً لأحد بل عبودية لله سبحانه وتعالـى وطلباً لمرضاته، وإقامة وتمكيناً لدين الله العظيم  ولشرعه القويم.

وآثار العبودية والطاعة لله تعالى بكثرة الركوع والسجود سمة تدل عليها سماهم فـي وجوهم فهي وجوه نيرة وضيئة مشرقة مستبشرة متواضعة يعلوها الجلال، والجمال، والحياء تغضب لله وفـي الله، وهي لا تحابي أحداً فـي الولاء والحب لله تعالـى ولأوليائه، والبراء من أعدائه بالشدة عليهم، فلم ير أعداؤهم منهم إلا الشدة والتضييق، ولم يجد منهم إخوانهم المؤمنون إلا الرحمة، والتواضع، واللين، والحب .

وقد جمعوا فـي هذه الصفات أيضاً بين جمال المعاملة مع خالقهم، وبين جمالها مع خلقه المؤمنين، واستنارت بالصلاة بواطنهم، وظواهرهم جلالاً وجمالاً، فكانوا شامة جميلة فـي جبين الإنسانية .

2- أنها تذهب بشرور النفس . وما أكثرها وأغربها فالظلم، والطغيان، والبطر، والكبر، والحقد، والحسد، والجبن، والبخل، واللؤم، واحتقار الآخر، هذه وسواها مما لا يقع تحت حصرٍ هي من شرور النفس البشرية، وأمراضها، ولو تُركت هذه الشرور والأمراض بغير علاج لأهلكت أصحابها، والحرث والنسل معهم .

ومن رحمة الله تعالـى بخلقه أنه لم يتركهم لشرور أنفسهم وأمراضها بل أنزل إليهم كتبه وأرسل إليهم رسله، وشرع من الدين ما عالج به أمراض نفوسهم وأذهب به شرورها .

وجاءت الصلاة ميداناً واسعاً ونافعاً لعلاج هذه الشرور والأمراض وشفائها، وعلم الله تعالـى أنه ما عولجت شرور النفس وأمراضها وشُفيت بمثل الصلاة، وقد يبدو هذا الكلام فـي ميزان من لا يعرف للصلاة أثراً وقيمة أنه كلام ساذج، والناس أعداء ما جهلوا، ولو علم هؤلاء ما فـي الصلاة من خيرات ورحمات وعطايا وبركات ظاهرة وباطنة لما وسعهم إلا أن يرددوا مع ذلك العابد الذي تفاعلت نفسه مع ما وجدت فـي صلاة الليل من خيرات لا يمكن الإحاطة بوصفها، فقال عنها في عبارة عفوية تجسد إحساسه بقيمة هذه الخيرات، وتعكس مشاعره تجاهها قائلاً: نحن في لذة لو علمها أبناء الملوك لقاتلونا عليها، إن وصف الحقائق والتعبير عنها يحتاج إلى قلب يسمو إليها، ويعانقها، أما القلوب الخاوية التي لا يستقر فيها إلا التافه والصغير من الأشياء فهي عاجزة تماماً عن معانقة حقائق الكون والحياة فهي مرتكسة إلى ما استقر فيها، وهي بذلك ترى فـي تلك الحقائق نوعاً من الخيال، وضرباً من الواقع البعيد تحقيقه. وكل إناء بما فيه ينضح.

وتأتي مقالة سيدنا رسول الله تعبر عن العلم النبوي الشريف الواسع بخيرات وبركات الصلاة، وتعكس حقيقة ثابتة من الحقائق المتصلة بهذه الخيرات وتلك البركات، وذلك حين قال لبلال رضي الله عنه : (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ([45]) وفـي لفظ: (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة).

إن هذه المقالة الكريمة الشريفة قد خرجت من مشكاة النبوة الطاهرة التي أوتي صاحبها عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم، ففي هذه المقالة على وجازتها واختصارها كل ما ينشده المؤمنون من خيرات وبركات فـي الصلاة، وكل ما يريده الراغبون فـي طمأنينة النفس وراحتها وذهاب شرورها وأمراضها.

لقد كانت جملة (أرحنا بها) فـي المقالة النبوية الكريمة معلماً خالداً من معالم العلم النبوي الشريف الواسع بعلاقة  الصلاة بالنفس البشرية المؤمنة، وأثرها المباشر عليها راحة، وطمأنينة، وسعادة، وأُنساً، وانشراحاً، وخفة، ورغبة فـي الخير وفعله، وكراهية للشر وأهله، ومدى انعكاس ذلك على أداء النفس وفاعليتها، وعطائها على صعيد الحياة العملية، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على من أوتي جوامع الكلم، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .

3- أن الصلاة من أسباب تيسير الرزق، ويمكن أن نستنبط ذلك ونستشفه من خلال ما يلي:

أولاً: قول الله تعالـى ﴿ öãBù&ur y7n=÷dr& Ío4qn=¢Á9$$Î/ ÷ŽÉ9sÜô¹$#ur $pköŽn=tæ ( Ÿw y7è=t«ó¡nS $]%øÍ ( ß`øtªU y7è%ãötR 3 èpt6É)»yèø9$#ur 3uqø)­G=Ï9 ﴾([46]) ولا شك أن الأمر بالصلاة يستلزم الأمر بما تصح به الصلاة، وفـي الآية بيان مسئولية المؤمن تجاه أهله فـي تربيتهم على الصلاة وأمرهم بها، فهي عمود الإسلام، وهي أس الفضائل والأخلاق والمعاملات، وبإقامتها تقوم حياة صاحبها صلاحاً وعملاً وخيراً، والأمر للمؤمن بأن يأمر أهله قائم على الأمر له أولاً، فهو مستلزم لقيامه بهذا الأمر فـي نفسه، ثم فـي أهله وهو ما يتواءم مع نصوص فـي مثل قول الله تعالـى:
﴿
* tbrâßDù's?r& }¨$¨Y9$# ÎhŽÉ9ø9$$Î/ tböq|¡Ys?ur öNä3|¡àÿRr& ﴾([47]) الآية، وفـي مثل قوله سبحانه:
﴿
(#qä9$s% öqs9 $uZ1yyd ª!$# öNà6»uZ÷ƒyolm; ( ﴾([48])، وفـي مثل قوله عز وجل: ﴿ $pkšr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#þqè% ö/ä3|¡àÿRr& ö/ä3Î=÷dr&ur #Y$tR ﴾([49]) الآية. والآية دالة بظاهرها على أن إقامة الصلاة، وأمر الأهل بها، والاصطبار عليها من أسباب تيسير الرزق وتسهيله وذلك لأن الله تعالـى بين فـي الآية أنه لم يكلف المؤمن المصلي، الآمر لأهله بالصلاة بأن يتكلف مشقة رزق نفسه، لأن ذلك غير ميسور له لأن الخلق لا يرزقون أنفسهم، بل ولا يرزقون غيرهم، ولكن الله تعالـى الذي بيده رزق مخلوقاته هو الذي يرزقهم جميعاً إنسهم وجِنَّهم، لا فرق فـي ذلك بين المؤمن والكافر مصداقاً لقوله جل وعز: ﴿ $tBur àMø)n=yz £`Ågø:$# }§RM}$#ur žwÎ) Èbrßç7÷èuÏ9 ÇÎÏÈ !$tB ߃Íé& Nåk÷]ÏB `ÏiB 5-øÍh !$tBur ߃Íé& br& ÈbqßJÏèôÜムÇÎÐÈ ¨bÎ) ©!$# uqèd ä-#¨§9$# rèŒ Ío§qà)ø9$# ßûüÏGyJø9$# ﴾([50])، ولقوله سبحانه على لسان إبراهيم : ﴿ Ï%©!$#ur uqèd ÓÍ_ßJÏèôÜムÈûüÉ)ó¡our ﴾([51]).

وإذا كان الله جل جلاله يسوق الرزق لخلقه أجمعين، فهو سبحانه وتعالـى يسوقه لأحبابه المؤمنين المصلين الآمرين لأهليهم بالصلاة بيسر وسهولة من حيث لا يقدرون ولا يحتسبون فيفتح عليهم أبواب الرزق، ويسهل عليهم مسالكه منحة ورحمة وعطاء وفضلاً منه تعالـى لأنهم آثروا الأهم على المهم .

والتعبير الكريم فـي الآية الكريمة ﴿ ß`øtªU y7è%ãötR 3 ﴾ بنون العظمة يشي بالقوة والعظمة والقدرة لله جل جلاله، و﴿ ß`øtªU ﴾ ضمير فصل : أي نحن نرزقك وليس أحد سوانا، وهذه حقيقة من الحقائق القرآنية الساطعة الخالدة التي ينبغي ألا يغفل عنها كل مؤمن، فلا يتيه كما تاه ويتيه غيره فـي قضية الرزق، فإن كثيرين من الناس يهتمون للقمة العيش اهتماماً واغتماماً يكادان يقضيان على حياتهم، فـي مقابل عدم اكتراثهم بإقامة الصلاة فـي نفوسهم وأهليهم، وهم بذلك لن يزدادوا إلا غماً وضنكاً، لأن خالق  الخلق ومقدر الرزق جل فـي علاه بين فـي كتابه الكريم أن من آثر مرضاته وطاعته وإقامة أمره، يسر له أمر الرزق وسهله، ومن خالف فسيجد التعسير والتشديد فـي حياته . قال تعالـى : ﴿ ô`tBur uÚtôãr& `tã ̍ò2ÏŒ ¨bÎ*sù ¼ã&s! Zpt±ŠÏètB %Z3Y|Ê ¼çnãà±øtwUur uQöqtƒ ÏpyJ»uŠÉ)ø9$# 4yJôãr& ﴾([52]).

ثانياً: أن نصوص القرآن الكريم تقرن بين إقامة الصلاة وبين إيتاء الزكاة والإنفاق من الرزق. قال تعالـى : ﴿ $O!9# ÇÊÈ y7Ï9ºsŒ Ü=»tGÅ6ø9$# Ÿw |=÷ƒu ¡ ÏmÏù ¡ Wèd z`ŠÉ)­FßJù=Ïj9 ÇËÈ tûïÏ%©!$# tbqãZÏB÷sムÍ=øtóø9$$Î/ tbqãKÉ)ãƒur no4qn=¢Á9$# $®ÿÊEur öNßg»uZø%yu tbqà)ÏÿZム﴾([53]) وقال سبحانه : ﴿ $yJ¯RÎ) šcqãZÏB÷sßJø9$# tûïÏ%©!$# #sŒÎ) tÏ.èŒ ª!$# ôMn=Å_ur öNåkæ5qè=è% #sŒÎ)ur ôMuÎ=è? öNÍköŽn=tã ¼çmçG»tƒ#uä öNåkøEyŠ#y $YZ»yJƒÎ) 4n?tãur óOÎgÎn/u tbqè=©.uqtGtƒ ÇËÈ šúïÏ%©!$# šcqßJÉ)ムno4qn=¢Á9$# $£JÏBur öNßg»uZø%yu tbqà)ÏÿZム﴾([54]) .

إن مجيء اقتران صفتي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، أو الإنفاق من الرزق فـي القرآن الكريم فـي وصف المؤمنين، لهو أمر له دلالاته وأبعاده القريبة والبعيدة المتصلة بأثر إقامة الصلاة فـي حياة صاحبها تيسيراً فـي رزقه وبركة فيه، وهو ما يمكننا من القول بأن من أقام الصلاة فهو مبشر من الله تعالـى بتوسيع رزقه حتى يكون رزقاً تتوجب فيه الصدقة المفروضة (الزكاة) أو يكون صاحبه مدعواً للصدقة المتطوع بها، وذلك أمر يدعونا إلى النظر والتأمل فـي الآثار الإيمانية التي تُحْدِثُها إقامتنا للصلاة، فـي مجال حياتنا وخاصة ما اتصل بأمر الرزق، ودراسة هذه الآثار ونتائجها دراسة مستوعبة فـي مجالَيها النظري والعلمي، وربط ذلك بحركة النفس البشرية وهي طائعة لله خالقها .

هذا ويمكننا أن نضيف إلى ما سبق فيما يتصل بمجيء صفتيْ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أو الإنفاق من الرزق معاً فـي القرآن الكريم من بين صفات المؤمنين شيئاً آخر هو ما يدل عليه هذا الاقتران وما يشعر به من المسئولية المناطة بالمؤمنين، وضرورة نجاحهم فـي ميداني الإحسان فيما بينهم وبين الله تعالـى وذلك بصدق الإخلاص فـي العبادة، والإحسان فيما بينهم وبين خلق الله سبحانه .

قال العلامة السعدي رحمه الله فـي تفسيره: (وكثيراً ما يجمع الله تعالـى بين الصلاة والزكاة فـي القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه فـي نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه فلا إخلاص ولا إحسان)([55]). فلا يوجد مؤمن إلا وهو آخذ بزمام النجاح فـي  الميدانين . ومن أخفق فـي ميدان إقامة الصلاة، فهو حتماً سيخفق فـي ميدان الإنفاق المفروض أو المتطوع به، ولا عبرة ببعض الظواهر المخالفة فأمدها قصير والعبر بالمداومة والاستمرار.

وجاءت آيات قرآنية كريمة تبين مصير أناس سقطوا فـي ميدان إقام الصلاة وترتب على ذلك سقوطهم فـي ميدان الإنفاق، فكان مصيرهم بئس المصير عياذاً بالله تعالـى . قال الله سبحانه : ﴿ çnräè{ çnq=äósù ÇÌÉÈ ¢OèO tLìÅspgø:$# çnq=|¹ ÇÌÊÈ ¢OèO Îû 7's#Å¡ù=Å $ygããösŒ tbqãèö7y %Yæ#uÏŒ çnqä3è=ó$$sù ÇÌËÈ ¼çm¯RÎ) tb%x. Ÿw ß`ÏB÷sム«!$$Î/ ÉOŠÏàyèø9$# ÇÌÌÈ Ÿwur Ùçts 4n?tã ÇP$yèsÛ ÈûüÅ3ó¡ÏJø9$# ﴾([56]) وإقام الصلاة من الإيمان بالله العظيم.

وقال عز من قائل: ﴿ $tB óOä3x6n=y Îû ts)y ÇÍËÈ (#qä9$s% óOs9 à7tR šÆÏB tû,Íj#|ÁßJø9$# ÇÍÌÈ óOs9ur à7tR ãNÏèôÜçR tûüÅ3ó¡ÏJø9$# ﴾([57]) الآية . وقال جل وعز : ﴿ ×@÷ƒuqsù šú,Íj#|ÁßJù=Ïj9 ÇÍÈ tûïÏ%©!$# öNèd `tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqèd$y ÇÎÈ tûïÏ%©!$# öNèd šcrâä!#tãƒ ÇÏÈ tbqãèuZôJtƒur tbqãã$yJø9$# ﴾([58]) فقد بينت هذه الآيات الكريمة أن هؤلاء استحقوا ما استحقوا لأنهم جمعوا فـي نفوسهم أسباب العذاب والشقاء فلا طاعة منهم لله، ولا إحسان لخلقه، فجفت نفوسهم من محبة الله تعالـى ومحبة خلقه، والعطف عليهم، فخلت بالكلية من الرحمة، فكان جزاؤها عذاب النار التي لا رحمة فيها، وهو جزاء مناسب لجنس عملهم، ولا يظلم ربك أحداً.

إن الرحمة الإلهية التي تنسكب فـي قلوب المؤمنين مقيمي الصلاة تنشأ عنها رحمتهم بخلق الله، فقلوبهم قلوب رحيمة، ونفوسهم نفوس رقيقة، وإن الكرم الإلهي الذي يفاض على عباده المؤمنين مقيمي الصلاة ينشأ عنه كرم نفوسهم بمحبة خلقه، وكرم أيديهم بالبذل والعطاء .

4- ومن فوائد وثمرات وبركات الصلاة: أنها من أسباب إشاعة القدوة الحسنة والمثل الطيب فـي المجتمع الإسلامي. إن حركة الأمة الإسلامية فـي الحياة قامت على القدوة الحسنة والمثل الطيب، وحين ظهر الإسلام فـي مكة  المكرمة ثم قامت من بعد ذلك دولته فـي المدينة المنورة كان قدوة المؤمنين ومثلهم يتجسد فـي شخص رسول الله ، فكان ذلك دافعاً لهم إلى الاقتداء والاحتذاء به والاتباع له ، ثم كان صحابته رضي الله عنهم من بعده
– وهم يحملون هديه الكريم – نجوماً ساطعة فـي القدوة الحسنة والمثل الطيب، ولا زالت الأمة بحمد الله تعالـى برغم ما أصابها تحترم القدوة الحسنة والمثل الطيب المتمثل فـي سلوك أبنائها من العلماء العاملين، والعابدين، والمجاهدين، والمربين، والسالكين لدروب الخير والفضيلة ومكارم الأخلاق .

وإن الأمة الإسلامية غنية بالمثل الكريمة والقدوات الحسنة من أبنائها، وهي تسعد بهم كل يوم وتتقوى بهم على الصعاب التي تواجهها فـي شتى المجالات، فهم أقباس مضيئة لأمتهم وهي تسير على طريق تأكيد هويتها التي بينها الله تعالـى بقوله الكريم : ﴿ öNçGZä. uŽöyz >p¨Bé& ôMy_̍÷zé& Ĩ$¨Y=Ï9 tbrâßDù's? Å$rã÷èyJø9$$Î/ šcöqyg÷Ys?ur Ç`tã ̍x6ZßJø9$# tbqãZÏB÷sè?ur «!$$Î/ 3 ﴾([59]) وإن الحركات والمذاهب الهدامة التي ظهرت فـي تاريخ الأمة الإسلامية قامت على إلغاء القدوة الحسنة والمثل الطيب وسحقهما أينما وُجدا.

والصلاة ميدان رحب وواسع لإشاعة ونشر القدوة الحسنة والمثل الطيب فـي المجتمع الإسلامي، فالأبناء يرون فـي الوالدين المصليين قدوة حسنة ومثلاً طيباً لهم فيحتذون حذوهم خاصة إذا أدرك الوالدان مسئوليتهما تجاه الأهل والأبناء وتمثلا هذه المسئولية من خلال الأمر الإلهي العظيم الذي نزل به الأمين جبريل عليه السلام على قلب محمد الأمين عليه صلوات الله وسلامه وحياً يتلى إلى يوم القيامة ليدرك كل مؤمن مسئوليته عن نفسه ومسئوليته عن أهله، وذلك هو قوله سبحان وتعالـى: ﴿ öãBù&ur y7n=÷dr& Ío4qn=¢Á9$$Î/ ÷ŽÉ9sÜô¹$#ur $pköŽn=tæ ( ﴾([60]) الآية، وقوله عز من قائل: ﴿ $pkšr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#þqè% ö/ä3|¡àÿRr& ö/ä3Î=÷dr&ur #Y$tR ﴾([61]) الآية.

ويرى الصغار إخوتهم وأخواتهم الكبار يصلون، فتتكون بذلك أمامهم قدوة حسنة ومثل طيب، وهكذا الجيران والأصدقاء فـي العمل يرون فـي المصلين قدوة طيبة يحبون أن يحذوا حذوها.

ويأتي السعي إلى الصلاة فـي المسجد مع جماعة المسلمين كل يوم وليلة خمس مرات معلماً خالداً من معالم إشاعة القدوة الحسنة والمثل الطيب بين المسلمين على طريق العبودية لله تعالـى والإيمان به سبحانه، فالحمد الله على نعمة الإسلام .

ويأتي السعي إلى صلاة الجماعة فـي المساجد ليضيف إلى ذلك أبعاداً واسعة ومعاني عظيمة تتصل بدور المؤمن الذي يمثل القدوة الطيبة الحسنة فـي حركته كلها فـي الحياة، فلا شك ولا جدال بأن صورة المؤمن وهو يسعى إلى الصلاة فـي المسجد جماعة فـي اليوم والليلة خمس مرات منذ أن يكلف بإقامة الصلاة وإلى أن ينتهي أجله أو يعجز عن ذلك، لا شك أن صورته تلك تعكس معنى الإيمان والالتزام بأمر الله عز وجل وبسنة رسول الله . وفـي سعيه كل يوم وليلة خمس مرات حيث يراه أهله وجيرانه وسكان الحي الذي يسكن فيه، إشاعة للقدوة الحسنة بينهم، فالإنسان غالباً يحاكي مايراه، وما يسمعه خيراً أو شراً، فهو يـتأثر بذلك خاصة إذا كان ما يراه أو يسمعه خيراً، فإن قابليته عند ذلك للمحاكاة والتأثر تكون قوية .

وبانتشار القدوة الحسنة تقل أو تختفي القدوة السيئة التي تختفي معها الجرائم ومظاهر الفساد والانحراف، وهكذا يتبين بأن إقامة الصلاة عامل مهم من عوامل الأمن، والاستقرار، وانتشار القدوة الحسنة والمثل الطيب فـي الحياة مما يجعل لهذه الحياة معنى كريماً يحس به ويجد أثره كل ذي نفس كريمة.

5- أنها من أسباب إشاعة جو الثقة فـي المجتمع، وذلك أن رؤية المصلين لبعضهم فـي المسجد فـي الحي الواحد فـي اليوم والليلة خمس مرات يعد من أسباب التعارف والتقارب بينهم، ومن ثــَمَّ إشاعة الثقة والطمأنينة بينهم. إن المسلم لا يحس بالثقة فـي جاره الذي لا يراه يصلي فـي المسجد. إن الصلاة فـي المسجد من شعائر الإيمان والإسلام، لأن المصلي فـي المسجد سينال الخير على كل حال، فيوماً يسمع موعظة يتأثر بها، ويوماً يسمع آية يرق قلبه لها، ومع مرور الأيام يزداد رصيده الإيماني، وتتقوى نفسه بالإيمان والطاعة ويزداد إحساسه بالأنس بصلاة الجماعة وإلفها، وبأثرها على نفسه وشخصيته. ولقد حدثني أحد أئمة المساجد بمكة المكرمة أنه فوجئ بشاب ذات يوم بعد صلاة المغرب يأتيه وهو يبكي بشدة، فلما استفسر منه عن سبب بكائه قال له : أنا أواظب على الصلاة جماعة، وفـي هذا اليوم زين لي الشيطان عملاً سيئاً أغراني به، فعزمت على فعله، وأنا فـي الطريق إلى ذلك أدركتني صلاة المغرب فصليتُ معك، ولما قرأتَ ما قرأتَ من الآيات([62]) فـي الركعة الأولى أحسستُ كأن هذه الآيات تخترق كل شيء فـي كياني، فاقشعر لها بدني، وخشع لها قلبي، وانتابتني حالة من الخوف والفزع سيطرتْ على كياني كله، وكرهت نفسي، وقذارة ما كنت متوجهاً إليه، وأنا تائب إلى الله تعالـى مما عزمت على فعله، فادع الله لي ألا يؤاخذني . فقلت: إن هذه القصة دليل واضح وبرهان ساطع على ثمرة وبركة صلاة الجماعة وأثرها على المسلم، وأنها لا تأتي إلا بالخير، ولا يجد منها أهلها إلا كل الخير.

6- أنها تقلل من المشاكل الأسرية إن لم تكن سبباً فـي القضاء عليها، فالبيت الذي يقيم أهله الصلاة هو بيت تقل مشاكله مع الأيام، لأن لصلاة الرجال الصلاة النافلة، ولصلاة النساء صلاة الفرض والنفل فيه خيراً كثيراً وأجراً عظيماً يعودان بالحفظ والبركة على أهله، والبيت الذي لا يصلي أهله هو كهف مظلم خرب تأوي إليه الأرواح التي تعشق كل مكان مظلم خرب فتكثر بذلك مشاكله ومآسيه، أما البيت الذي يعمره أهله بتلاوة القرآن وبذكر الله تعالـى، وبصلاة النفل من رجاله وبصلاة الفرض والتطوع من نسائه فهو بيت يتلألأ نوراً وضياء، فلا تجد فيه تلك الأرواح مكاناً لأن الصلاة راحة للنفس، وتهدئة للأعصاب، وسكينة للروح، وهكذا فإن أهل هذا البيت ستقل مشاكلهم، ويتقارب ودهم، فكلما أوقد الشيطان فيه ناراً للخلاف والشقاق أطفأها الله تعالـى بصلاتهم .

وينبغي أن يعرف المسلمون أثر الصلاة الفاعل فـي إشاعة جو التقارب والمودة بين أفراد البيت المسلم، لأن حقائق القرآن الكريم تبين ذلك وتدل عليه، ففي سورة البقرة كان حديث القرآن الكريم من الآية رقم (226) إلى الآية رقم (242) عن الإيلاء، والطلاق، والرضاع، وعن المتوفى عنها زوجها، وعن الخِطبة تعريضاً، وفـي الآية رقم (238) كان الحديث عن الأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى . قال تعالـى ﴿ (#qÝàÏÿ»ym n?tã ÏNºuqn=¢Á9$# Ío4qn=¢Á9$#ur 4sÜóâqø9$# (#qãBqè%ur ¬! tûüÏFÏY»s% ÇËÌÑÈ ﴾ وهو أمر يدعو إلى التساؤل عن علاقة هذا الأمر الإلهي الكريم بالآيات التي قبله والتي بعده، فسياق هذه الآيات يتحدث عن قضايا تحدث للناس فـي حياتهم بسبب شقاق أو خلاف أو غير ذلك فينشأ عن ذلك الإيلاء، أو الطلاق. ومن هذه القضايا: الرضاع وحقوقه، والعدة وحقوقها، وهي قضايا ذات طابع اجتماعي تحدث فـي البيوت فهي محلها .

والله تعالـى يبين لعباده المؤمنين أن مما يستعان به على التواد والتقارب بين المختلفين، وأن مما تسكن به النفوس، وتهدأ به العواطف، وتستقر به المشاعر فـي هذا الأمر من كل سبل الخلاف والشقاق هو المحافظة على الصلوات المفروضة وخاصة الصلاة الوسطى فـي هذه الصلوات، والقيام لله فـي هذه الصلوات بمنتهى الخشوع، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر . قال العلامة السعدي رحمه الله فـي تفسيره : (والمحافظة عليها (أي الصلوات) : أداؤها بوقتها وشروطها، وأركانها، وخشوعها، وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلاة تحصل المحافظة على سائر العبادات، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر وخصوصاً إذا أكملها كما أمر بقوله: ﴿ (#qãBqè%ur ¬! tûüÏFÏY»s% ÇËÌÑÈ ﴾ أي: ذليلين مخلصين، خاشعين، فإن القنوت دوام الطاعة مع الخشوع)([63]).

7- أنها من أسباب صحة الأبدان والقلوب. وذلك أمر يعرفه من انشرح صدره بإقامة الصلاة، فإن صلاح البدن وقوته مرتبطان بصلاح القلب وقوته، مصداقاً لقوله : (... ألا وإن فـي الجسد مضغة إذا صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) وهو جزء من حديث النعمان بن بشير، رواه البخاري ومسلم([64]).

ويا تُرى بم يصلح القلب، وبم يفسد؟ إنه يصلح ويقوى ويشرق بطاعة الله تعالـى، وعبادته، ومحبته والإنابة إليه وكثرة ذكره، ومحبة ما يحب، وبغض ما يبغض . ويفسد، ويضعف، ويظلم بالمعاصي والذنوب، فالمعاصي والذنوب – كما يقول ابن قيم رحمه الله – : (تصرف القلب عن صحته، واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب فـي القلوب كتأثير الأمراض فـي الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا تركها، وقد أجمع السائرون إلى الله أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها، ولا يصح لها ذلك إلا بمخالفة هواها فهواها مرضها، وشفاها مخالفته)([65]). ولا شك أن لذلك أثره على البدن، فما وهنت الأبدان إلا بوهن قلوب أصحابها، أما كيف يكون صلاح القلب وقوته سبباً فـي صلاح البدن وقوته، فذلك علم يعرفه الحكماء فـي طب القلوب وعلاجها، كما يعرفه الأطباء فـي معالجة الأبدان. وما انشرحت القلوب واستأنست واستنارت بمثل ذكر الله تعالـى وطاعته، ومحبته، وعبادته .

وتأتي الصلاة ميداناً يتقوى فيه وبه القلب، ويتخلص من أدران الشهوة، وعلائق المادة، فيصفو ويستنير بمناجاته لله رب العالمين، ويقوى ويستعلي على كل خوف ورهبة وخشية لغير الله تعالـى، فلا يخاف إلا من الله سبحانه، ولا يرهب إلا له، ولا يخشى إلا إياه، ومن شأن البدن الذي يكون فيه مثل هذا القلب أن تسري فـي أجزائه القوة والعافية .

روي أنا أبا الطيب الطبري كان قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بعقله وقوته فوثب يوماً من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة فعوتب على ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي فـي الصغر فحفظها الله  علينا فـي الكبر([66])، وهذا فهم سديد رشيد لأثر الطاعة فـي حفظ القلب والعقل والبدن وسائر الجوارح، بل وأثرها فـي حفظ المرء فـي نفسه وأهله وماله وشأنه كله مصداقاً لقول النبي : (احفظ الله يحفظك) وهو جزء من حديث رسول الله فـي وصيته لابن عباس رضي الله عنهما، خرجه الإمام أحمد والترمذي بنحوه مختصراً وقال : حديث حسن صحيح ([67]).

8- ومن فوائد الصلاة: أنها تنور العقل وتقويه فيزكو بها، وينمو، ويستنير، ويفتح الله عليه بالصلاة آفاقاً واسعة من الإدراك والفهم والتبصر بما لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالـى، ولذلك فلا يكاد يوجد اثنان : أحدهما مقيم للصلاة والآخر مضيع لها، إلا وكان المقيم لها أوفر وأكمل عقلاً، وفكره أصح، ورأيه أسد، والصواب قرينه، ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي العقول والألباب كقوله تعالـى: ﴿ Èbqà)¨?$#ur Í<'ré'¯»tƒ É=»t6ø9F{$# ﴾([68]) وقوله سبحانه: ﴿ (#qà)¨?$$sù ©!$# Í<'ré'¯»tƒ É=»t6ø9F{$# öNä3ª=yès9 šcqßsÎ=øÿè? ﴾([69]) وقوله جل وعز: ﴿ $tBur ㍞2¤tƒ HwÎ) (#qä9'ré& É=»t6ø9F{$# ﴾([70]) ونظائر ذلك كثير فـي القرآن الكريم.

إن للحياة مشاغلها، ومشاكلها المتنوعة والكثيرة، ولو تُرك الناس إليها لأهلكتهم، ولكن رحمة الله تداركت المؤمنين، ومن مظاهر هذه الرحمة فرض الصلاة عليهم رحمة بهم وعناية، فكان فرضها فـي اليوم والليلة خمس مرات بمثابة واحة خضراء جميلة ذات ظلال ومياه يأوي إليها المؤمن ليستريح فيها من كد الدنيا وشدتها ولهبها، ومشاكلها، وفـي هذه الاستراحة تجديد لنشاط وحيوية الروح والقلب والعقل وراحة للبدن وتنشيط لحركته، ولعل ذلك يستفاد من قول النبي (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)([71]) فهو يدل على معان وأبعاد ودلالات قريبة وبعيدة، ظاهرة وباطنة تتصل بأثر الصلاة فـي تجديد عمل ونشاط الروح، والقلب، والنفس، وسائر البدن، تجديداً يتصل بعطاء المصلي وأدائه الروحي، والنفسي، والعقلي، والبدني، بما يعكس شأن وأهمية وفاعلية وأثر الصلاة فـي حياته كلها .

وجاء التعبير النبوي الكريم فـي طلب الراحة بالصلاة مطلقاً غير مقيد ليشمل كل ما يريح وتحصل به الراحة المحسوسة والمعقولة، الظاهرة والباطنة، وذلك القول الكريم يدل على مدى تعلق نفسه بالصلاة وحبه لها.

9- ومن فوائد الصلاة : أنها سبيل إلى كرامة النفس، وعزتها : فنفس المؤمن تكرم فـي الصلاة بكثرة مناجاتها لله جل جلاله، وكثرة الركوع والسجود فيها، فلا شك أن الركوع مظهر من مظاهر الخضوع والانكسار، والسجود مظهر من مظاهر الذلة والصغار لله العزيز الجبار، والركوع والسجود هما مدرج من مدارج العبودية لله جل جلاله يضع بهما المصلي قدميه على سلم الصعود إلى علياء العزة والكرامة.

والعجيب فـي أمر الركوع  والسجود أنهما فـي ظاهر فعل العبد المصلي لهما يدلان على خضوعه، وانكساره وذلته وصغاره بين يدي ربه جل فـي علاه، وهما فـي ذات الوقت يرتقي بهما العبد فـي مدارج العزة والرفعة والكرامة، فمن ذل وانكسر لله تعالـى بكثرة الركوع والسجود بإقامة الصلاة أعزه الله وأكرمه، والعزة والكرامة من الله تعالـى موصولتان مبذولتان لمن أقام الصلاة وصلاً يشمل ظاهر أمره وباطنه، وخاصته وعامته، وعاجله، وآجله .

ومن شأن النفس المؤمنة التي تكرم بالصلاة وتعز أنها تبذل الكرم، وتحب الكرامة، وأهلها، وأحوالها، وتكره المهانة وما تؤدي إليه، وأهلها، وأحوالها، كما أنها تعشق العزة، وأهلها، وأحوالها وما تؤدي إليها، وتمقت الذل وأهله، وأحواله، وكل ما يؤدي إليه، فهي نفس قد كرمت وعزت بكرامة وعزة الصلاة، فوضعت الجبهة والأنف والوجه كله فـي الأرض وفـي التراب تعظيماً لله الجليل العظيم، ومحبة وعبودية وطاعة له جل وعز، فرفعها بذلك إلى مدارج وعلياء العزة والكرامة، وأفاض عليها من عزه، وكرمه، ما أصبحت به عزيزة كريمة، فالعزة والكرامة منه وحده سبحانه وتعالـى، فمن أعزه الله لا يذله غيره، ومن أكرمه الله فلا يهينه الآخرون . قال تعالـى:
﴿
`tB tb%x. ߃̍ムno¨Ïèø9$# ¬Tsù äo¢Ïèø9$# $·èÏHsd 4 ﴾([72]) وقال سبحانه: ﴿ ¬!ur äo¨Ïèø9$# ¾Ï&Î!qßtÏ9ur šúüÏZÏB÷sßJù=Ï9ur £`Å3»s9ur šúüÉ)Ïÿ»oYßJø9$# Ÿw tbqßJn=ôètƒ ﴾([73]) وقال عز من قائل: ﴿ `tBur Ç`Íkç ª!$# $yJsù ¼çms9 `ÏB BQ̍õ3B 4 ﴾([74]) ومفهوم المنطوق لهذه الآية الكريمة أن من
يكرمه الله فما له من مهين . وقال جل جلاله : ﴿
Ïèè?ur `tB âä!$t±n@ AÉè?ur `tB
âä!$t±n@ ( ﴾([75]) الآية.

10- أنها سبب للنجاح فـي الدنيا والآخرة . فمن نجح فـي إقامة الصلاة فذلك دليل على حصول النجاح له فـي الدنيا والآخرة . وذلك أن الإنسان لا يمكن أن يحيا بدون دين، ودين المؤمنين هو الإسلام، والإسلام عموده الصلاة، والشيء إذا هدم عموده سقط فالصلاة جعلها الله تعالـى رابطة بين دنيا المؤمن وآخرته، فعن طريقها تظهر فاعلية المؤمن فـي دنياه، ويعرف طريقه إلى آخرته . وعلى ذلك فمن كان حازماً جاداً فـي أمر صلاته فإن ذلك الجد والعزم سينعكسان إيجاباً وفاعلية على حركته فـي الحياة، وإن التهاون فـي أمر الصلاة عزماً، وفعلاً، سيترتب عليه التهاون في شئون الحياة. وهذا أمر نريد أن نبسطه حتى يعرف المسلمون بعضاً من آثار وأسرار الصلاة فـي حياتهم .

إن الله عز وجل جعل الوقت فـي الليل والنهار قائماً على أوقات الصلاة، فقد وزعت أوقاتها فـي اليوم والليلة توزيعاً روعي فيه حاجة المكلف بها ومصالحه بحيث تنعكس إقامته لها على حياته كلها نجاحاً وإيجابية . وأوقاتها التي فرضت فيها هي أشرف الأوقات عند الله تعالـى، والمؤمن حين يعمر يومه وليلته بإقامة الصلاة، فقد عمرهما بطاعة الله سبحانه، وظفر بالطاعة فـي أشرف الأوقات فيهما، ومن شأن ذلك أن تنعكس آثاره عليه بالنشاط والحيوية والفاعلية فـي حركته فـي حياته كلها، فهو منشرح الصدر، سعيد النفس، خفيف الظهر، لا يرى الحياة إلا سبيلاً للآخرة، سريع الخطى إلى كل عمل  فيه مرضاة لله تعالـى ولرسوله ، سماع للخير، ناصح لله تعالـى، ولرسوله ، وللمؤمنين، الصلاة تعيش فـي وجدانه، قرة عين لنفسه، يجد فيها الراحة والطمأنينة والأنس، كما يجدها أملاً يتجدد معه كل يوم خمس مرات، ويشعر معه بحياة جديدة يتجدد معها حباً وطاعة، وولاء، وعبودية وتعظيماً لله جل جلاله .

وهذا النموذج الرائع الناجح فـي دنياه وأخراه هو أثر كريم من آثار إقامة الصلاة، وإذا عرف المسلمون ذلك أقبلوا على الصلاة عناية واهتماماً بها وتعظيماً لشأنها، وحرصاً عليها وإقامةً لها بغاية الحب والرغبة، ففي إقامتها صلاح دنياهم وأخراهم، والعاقل يحرص على ما فيه صلاحه فـي دنياه وأخراه، وإنما يعيش السفيه على هامش الحياة كفقاعة ظهرت على سطح الماء ثم تلاشت، بلا أثر يذكر أو ذكر ينشر .

11- ومن فوائد الصلاة: أنها يثبت بها الإيمان ويقوى بها الإسلام. وذلك أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والصلاة من أشرف وأجل الطاعات، وهي عبادة تتكرر فـي اليوم والليلة خمس مرات، ومن شأن ذلك أن يكوِّن عند المصلي رصيداً إيمانياً يقوى ويزداد مع مرور الأيام والليالي، لأن من شأن الطاعة المقبولة أن يكتسب بها صاحبها هداية تقوده إلى هداية أكبر مصداقاً لقوله تعالـى: ﴿ ߃Ìtƒur ª!$# šúïÏ%©!$# (#÷rytG÷d$# Wèd 3 ﴾([76]) الآية، ومن شأن الطاعة أنها تمحى بها الخطايا، وتكتب بها الحسنات . ومحو الخطايا فيه إذهاب لأثرها المترتب عليها، وكتابة وزيادة الحسنات فيه حصول ما يترتب عليها من تثبيت الإيمان وتقوية الإسلام فـي نفس صاحبها، ورفع درجاته، ولعل هذا يدل عليه قول المصطفى فـي شأن الصلاة وأثرها فـي محو الخطايا وزيادة الحسنات وتثبيت الإيمان وتقوية الإسلام، وتشبيهه عليه الصلاة والسلام الصلاة بأنها تنفي وتزيل الخطايا الظاهرة والباطنة وهي أدران وأوساخ  كنهرٍ غمر جار يغتسل منه المصلي كل يوم خمس مرات . وقد تناولنا الحديث حول هذا الحديث النبوي فيما سبق .

وينشأ عن زيادة الإيمان، وثبات الإسلام فـي نفس المصلي ورفع درجاته، ومحو سيئاته، أن يحصل لديه ما يترتب على ذلك من خيرات كثيرة ظاهرة وباطنة لا يحيط بها إلا الله سبحانه وتعالـى. وهي كلها ذات صلة بأثر وفائدة الصلاة وبركتها على صاحبها.

12- ومن فوائد الصلاة : أنها يتميز بها صاحبها فـي الدنيا والآخرة تميزاً يدل على ما ناله من خير وفضل . ففي  الدنيا يعرف مقيم الصلاة بنورانية الوجه، وانشراح الصدر، وسعة البال، والتواضع والرحمة والرفعة واللين .

وأريد التوقف عند نقطة هامة تتصل بسؤالٍ قد يرد على الألسنة مفاده: هل كل من يؤدي الصلاة لا بد أن تتوفر فيه هذه الصفات، مع أن الناس يرون فـي دنيا الواقع من يصلي ولكنه ليس عنده من هذه العلامات أو الصفات شيء، بل ربما وُجد ما يضادها؟ والجواب عن ذلك هو نفسه متصل بذات النقطة التي أريد التوقف عندها.

إن ما أريد التوقف عنده هو التذكير بأن هناك فرقاً جوهرياً واسعاً وبوناً حقيقياً شاسعاً بين من (يقيم) الصلاة، ويديم ويحافظ على هذه الإقامة، وبين من (يؤديها) مجرد أداء، فالفرق واضح بين من (أقام) صلاته بكل ما تدل عليه الكلمة من معان ودلالات تتصل بالاهتمام، والاغتمام والاستعداد لأمر الصلاة، وتعظيم شأنها، وقتاً، وتطهراً، واستعداد وتبكيراً، وقياماً بكل حقوقها وما يتصل بها من هيئة ونظافة وسواك وجمال حال وحسن مقال، وأداء لسننها الراتبة، وأذكار المتصلة بها من معقبات وسواها، وبين من (أدى) صلاته مجرد أداء .

والقرآن الكريم جاء فيه وصف (أقام) وما تفرع منه للمؤمنين، كما جاء وصفهم بالمحافظة والمداومة على صلاتهم أي على إقامتها، ولم يرد وصفهم بصفة (الأداء). وبهذا يمكننا عدم الخلط بين من (يقيم) صلاته، وبين من (يؤديها) مجرد أداء . ونحن إنما نتعرف على الأشياء من خلال أصحابها بظواهرها وصفاتها حقيقة، ونكل ما وراء ذلك إلى الله تعالـى المطلع على كل شيء، وتبقى الصفات والسلوكيات تدل على ما وراءها غالباً.

وفـي الآخرة يعرف مقيم الصلاة بالنور والغرة فـي الوجه من آثار الوضوء وذلك دل عليه قول المصطفى فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إن أمتي يُدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) ([77]) وأخرجه مسلم مطولاً.

كما يعرف بالسجود واستطاعته، لأنه سجد لربه وخالقه فـي الدنيا فيسهل عليه السجود له سبحانه فـي الآخرة، أما من لم يسجد لربه وخالقه فـي الدنيا فهو لا يستطيع السجود له فـي الآخرة، وذلك دل عليه قول الله تعالـى: ﴿ tPöqtƒ ß#t±õ3ム`tã 5-$y tböqtãôãƒur n<Î) ÏŠqàf¡9$# Ÿxsù tbqãèÏÜtGó¡tƒ ÇÍËÈ ºpyèϱ»yz öNèd㍻|Áö/r& öNßgà)ydös? ×'©!ÏŒ ( ôs%ur (#qçR%x. tböqtãôムn<Î) ÏŠqàf¡9$# öNèdur tbqßJÎ=»y ﴾([78]).

13- ومن فوائد الصلاة : أنها تبارك العمر وتزكيه. فالعمر هو ما يعيشه المرء من السنين والشهور والأيام . وكيف يمكن أن نتصور إنساناً مسلماً لا يعمر عمره بإقامة الصلاة فيه . إن امرءاً لا يعمر أيامه ولياليه وسني عمره بالصلاة لربه سبحانه لهو امرؤ منحوس البركة، مطموس البصر، والبصيرة، فلولا أن الله تعالـى شرفنا وأكرمنا بالصلاة له فـي أيام العمر ولياليه وسنيه، لكان العمر سجناً لا يطاق، ولكانت الحياة مملة ثقيلة، ولكنا بالصلاة نتجدد ونحس ببركة اللحظات والحركات والأنفاس، ونحس بزكاة الأعمار وجمالها، فالحمد لله على فضل الله وإحسانه .

وإن المؤمن ليستشعر نعمة التكريم والتشريف له بفرض الصلاة عليه، وعلى من سبقه من المؤمنين مصداقاً لقوله تعالـى : ﴿ ¨bÎ) no4qn=¢Á9$# ôMtR%x. n?tã šúüÏZÏB÷sßJø9$# $Y7»tFÏ. $Y?qè%öq¨B ﴾([79]) .

14-وجاءت أوقاتها لتشكل علامة بارزة دالة على أهميتها، وأثرها وشأنها فـي عمر صاحبها، وتنظيم أوقاته، وحياته: فصلاة الصبح تأتي بعد النوم والراحة حيث يستقبل بها المصلي يومه وصدر نهاره ترعاه عناية الله تعالـى بما صلى وذكر، وبعد عناء العمل ومكابدة الحياة فـي صدر النهار تأتي صلاة الظهر وسط اليوم فيرتاح المصلي بها، ويجد فـي أجوائها الروح والروحانية حيث يتخلص من العلائق المادية وآثار المواقف اليومية التي واجهته فـي حركته فـي يومه ذاك فيجد نفسه نشطاً، خفيفاً، مرتاحاً، مستعلياً على كل ما رآه، أو واجهه من تناقضات الحياة والناس، ثم تأتي صلاة العصر، بعد تناول طعام الغداء، وأخذ شيء من الراحة حيث يستقبل بها المصلي الجزء المتبقي من اليوم فتضفي عليه النشاط والحيوية، ولتكون خاتمة الصلوات فـي اليوم، ومن خلال آثارها الطيبة المباركة عليه يستقبل ليلته التي تبدأ بصلاة المغرب والتي تشكل محطة انطلاق وتزود ينطلق منها المصلي ويتزود لليلته تلك، وفـي الليل أسرار، وأسحار، وآثار، وخير، وشر، وعطايا، وبلايا، ومنح، ومحن، فلا بد للمؤمن من أخذ الأهبة والاستعداد لذلك كله وسواه من الأسرار والعجائب التي يلفها الليل المظلم بردائه الهادئ الصامت . والوقت بين صلاتي المغرب والعشاء غير طويل عادة خاصة فـي وسط الكرة الأرضية، فتأتي صلاة العشاء لتشكل مع صلاة المغرب
فريضة الليلة ولذلك سميتا بالعشائين، وإن سميت صلاة العشاء بالعشاء الآخرة .

وهكذا ينتقل المصلي بصلاة العشائين، وخاصة بالعشاء الآخرة فـي ليلته آمناً، مستريحاً، مطمئن القلب، منشرح الصدر، مبارك الخطى والأنفاس، وهو يحس بعناية الله تعالـى وحفظه، فينام وهو قرير العين مبتهج النفس، وهو يتطلع إلى صلاة الصبح، حتى إذا دخل وقتها قام من نومه ذاكراً لله تعالـى حامداً له، مستعيناً، ومستعيذاً به، ومتوكلاً عليه، وهو فـي غاية النشاط والإقبال على طاعة ربه وذكره .

ولنا أن نتصور ما يجده هذا المصلي، من خير، وسعادة فـي حياته، وما يشعر به من بركة فـي أيامه وعمله وشأنه كله، فهو حين يتنقل بين أوقات الصلوات كعصفور جميل يتنقل من شجرة جميلة إلى أخرى جميلة، يحلق فـي الآفاق . وينظر إلى الأرض وأهلها من موقعه الأخضر العالي الرقيق الجميل .

15- والصلاة ترفع صاحبها عن السفاسف، والدناءات، والحقارات، فتكسبه همة عالية، وعزيمة قوية، ونفساً كريمة، فتصبح اهتماماته، ونظراته للحياة وللأشياء وللناس حوله عالية تدل على علو همته، وقوة عزيمته، وكرامة نفسه، وهذه المعاني وسواها يمكن أن تستفاد من قول الله عز وجل: ﴿ ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ( žcÎ) no4qn=¢Á9$# 4sS÷Zs? ÇÆtã Ïä!$t±ósxÿø9$# ̍s3ZßJø9$#ur 3 ﴾([80])، وبالمقابل فإن العقل الكريم الحر ليعجب غاية العجب من مسلم تمر عليه السنون بشهورها ولياليها، وأيامها، وساعاتها وثوانيها وهو لا يصلي لربه صلاة واحدة، أو من مسلم يتهاون فـي أمر صلاته، فيصليها فـي غير أوقاتها، بهمة فاترة متقاعسة، ونفس متثاقلة، وكأنه مكره مرغم على  فعلها، وما علم هذا، وذاك أن عمر العبد هو مدة حياته، قال ابن قيم رحمه الله: (ولا حياة لمن أعرض عن الله، واشتغل بغيره، بل حياة البهائم خير من حياته، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره، ومحبته وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه)([81]).

وهذه الحياة تشرق وتقوى بإقامة الصلاة، فمن أقام الصلاة فهو حي، ومن ضيعها فهو ميت وإن كان يعيش مع من يعيشون، فثمة فرق واسع وبون شاسع بين من يحيا بمعاني الإيمان وحقائق الإسلام، وبين من يعيش بالعيش. قال تعالـى: ﴿ `tBurr& tb%x. $\GøŠtB çm»oY÷uŠômr'sù $oYù=yèy_ur ¼çms9 #YqçR ÓÅ´ôJtƒ ¾ÏmÎ/ Îû Ĩ$¨Y9$# `yJx. ¼ã&é#sW¨B Îû ÏM»yJè=à9$# }§øŠs9 8lÍ$sƒ¿2 $pk÷]ÏiB 4 ﴾([82]) الآية .

16-  ومن فوائد الصلاة: أنها سبب لقوة الشخصية واتزانها وثباتها. إن الإسلام دين عقيدة سامية تبني الشخصية المسلمة ببعديها العقلي والنفسي ومن دلائل الكمال والشمول فـي دين الإسلام العظيم أن العقيدة عقيدة تقيد العقل ولا تصادره فهي القاعدة الفكرية التي تقاس عليها الأفكار، فهي فكرة كلية شاملة للإنسان والحياة، والكون نظم بها الإسلام الشخصية الإنسانية المسلمة تنظيماً متوازناً دقيقاً يراعي حاجات الإنسان من خلال مكوناته المادية والروحية ويؤدي إلى استقرار الشخصية واتزانها، وثباتها فوازن الإسلام بذلك فـي الإنسان بين متطلبات الروح، والجسد،  وهيأ لكل منهما سبله التي يتم من خلالها حمايته وصيانته، وتوجيهه الوجهة التي ترتقي به فـي مدارج الطاعة لله تعالـى واتباع ما أحل، والابتعاد عما حرم، وصار للشخصية في الإسلام صفات خاصة تميزها عن غيرها، وهي صفات تعكس أثر الإسلام العظيم الفاعل فـي بناء الشخصية المسلمة وتكوينها على نحو متميز، يظهر من خلاله مقصد الإسلام وهدفه فـي بناء الشخصية الإسلامية، لتكون شخصية دالة بفعلها، وحالها، ومقالها على عبوديتها لله تعالـى، فهي شخصية لا تبغي فـي الأرض علواً، ولا فساداً، بل تبغي مرضاة الله سبحانه بعبادته، واتباع شرعه القويم .

قال تعالـى: ﴿ * }§øŠ©9 §ŽÉ9ø9$# br& (#q9uqè? öNä3ydqã_ãr Ÿ@t6Ï% É-ÎŽô³yJø9$# É>̍øóyJø9$#ur £`Å3»s9ur §ŽÉ9ø9$# ô`tB z`tB#uä «!$$Î/ ÏQöquø9$#ur ̍ÅzFy$# Ïpx6Í´¯»n=yJø9$#ur É=»tGÅ3ø9$#ur z`¿ÍhÎ;¨Z9$#ur tA#uäur tA$yJø9$# 4n?tã ¾ÏmÎm6ãm ÍrsŒ 4n1öà)ø9$# 4yJ»tGuŠø9$#ur tûüÅ3»|¡yJø9$#ur tûøó$#ur È@Î6¡¡9$# tû,Î#ͬ!$¡¡9$#ur Îûur ÅU$s%Ìh9$# uQ$s%r&ur no4qn=¢Á9$# tA#uäur no4qŸ2¨9$# šcqèùqßJø9$#ur öNÏdÏôgyèÎ/ #sŒÎ) (#rßyg»tã ( tûïÎŽÉ9»¢Á9$#ur Îû Ïä!$yù't7ø9$# Ïä!#§ŽœØ9$#ur tûüÏnur Ĩù't7ø9$# 3 y7Í´¯»s9'ré& tûïÏ%©!$# (#qè%y|¹ ( y7Í´¯»s9'ré&ur ãNèd tbqà)­GßJø9$# ﴾([83]) وقد جاءت هذه الآية الكريمة متضمنة لأمهات الأحكام فهي كما قال العلامة البيضاوي فـي تفسيره: (جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، دالة عليها صريحاً، وضمناً، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة فـي ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس... ولذلك وصف المجتمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى اعتباراً لمعاشرته للخلق، ومعاملته مع الحق)([84]).

إن الصلاة ميدان كريم لبناء الشخصية المسلمة، وثباتها وقوتها، واتزانها، فهي مشتملة على الكمالات الإنسانية التي هي من قبيل صحة الاعتقاد، فالتكبير، والركوع، والسجود، والقيام كلها تعظيم لله الحق القيوم وتأكيد عملي لعقيدة: أنه لا معبود بحق إلا الله تعالـى، فالله أكبر من كل كبير ومن كل ما يراه، أو يسمعه المصلي من الأناسي والمخلوقات عموماً قال تعالـى: ﴿ È@è%ur ßôJptø:$# ¬! Ï%©!$# óOs9 õÏ­Gtƒ #V$s!ur óOs9ur `ä3tƒ ¼ã&©! Ô7ƒÎŽŸ° Îû Å7ù=ßJø9$# óOs9ur `ä3tƒ ¼ã&©! @Í<ur z`ÏiB ÉeA%!$# ( çn÷ŽÉi9x.ur #MŽÎ7õ3s? ﴾([85])، ولا قنوت إلا لله تعالـى. قال عز
من قائل: ﴿
(#qãBqè%ur ¬! tûüÏFÏY»s% ﴾([86]) ولا ركوع، ولا سجود ولا عبادة إلا لله
جل جلاله. قال عز من قائل: ﴿
$ygƒr'¯»tƒ šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qãèŸ2ö$# (#rßàfó$#ur (#rßç6ôã$#ur öNä3­/u (#qè=yèøù$#ur uŽöyø9$# öNà6¯=yès9 šcqßsÎ=øÿè? ) ﴾([87]) والصلاة مشتملة على ما يتعلق بالكمالات النفسية ففيها التعود على الصبر، وعلى حسن معاشرة المسلمين وذلك لأن المصلي يقف فـي صفوف الصلاة خمس مرات فـي اليوم والليلة مع إخوانه المصلين فـي صلاة الجماعة وفـي ذلك الصبر والتعود على حسن معاشرة المسلمين تهذيب للنفس، وتقويم للشخصية، وتدريب على التعامل مع الآخرين، ففي كل صلاة يقابل المصلي فـي المسجد أنواعاً مختلفة من الناس، فيعامل كل واحد بما يناسب فـي غير تكبر عليهم. أو انتقاص من أقدارهم.

ولا شك أن شخصية المسلم تزداد قوة ونماءً بالصلاة فهو فـي الصلاة يناجي ربه، ويثني عليه بما هو أهله، ويسبحه، ويكبره، ويتضرع إليه، ويتذلل بين يديه، وذلك كله وسواه يكسبه صدق الالتجاء إلى الله تعالـى، وصدق التوكل عليه، وجمال الاستغناء به سبحانه عما سواه، وجلال الافتقار إليه عز وجل، ونور العزة به جل جلاله، فتسمو نفسه بهذه المعاني الكريمة، وينعكس ذلك على شخصيته فترى شخصية متزنة متوازنة غير حاقدة، ولا متكبرة ولا هلوعة، تعامل الآخرين تعاملاً كريماً فهي اتزان وعقل وفهم وكرم نفس.

17- ومن فوائد الصلاة: أنها سبب لقوة الملكة والبصيرة والذاكرة، وهذا أمر واضح مشاهد فـي حياة الناس المسلمين الذين يقيمون الصلاة، لا ينكره إلا مكابر مناكر ينكر ضوء الشمس فـي رابعة نهار صيفي، فالصلاة طاعة لله وعبادة، وهي من أعظم الطاعات، وأحب العبادات إلى الله تعالـى، ولذلك افترضها على عباده خمس مرات فـي اليوم والليلة ولا تسقط إلا بالعجز الكلي عنها وذلك منذ التكليف بها.

وأثر الطاعة فـي قوة البصيرة والملكة والذاكرة معلوم عند أهل النظر والفكر والعلم، والفهم فالطائع لله تعالـى جوارحه محفوظة سليمة بالطاعة، وتزداد سلامة وقوة مع كثرة الطاعات وكثرة الأذكار، والملكة فـي المسلم الطائع لربه هي الأخرى تصفو بالطاعات، وتتألق صفاءً وقوة بكثرتها، وكذلك البصيرة لأن أثر الذنوب والسيئات على جوارح الإنسان وملكته، وبصيرته أثر سيء، فالنسيان ينشأ عن المعاصي والذنوب.

والذنوب والمعاصي كما يقول ابن قيم رحمه الله تعالـى: (تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته، فلا يصبر عليه، بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره فيدرك الباطل حقاً، والحق باطلاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت لها وغفلت عن الله وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن فـي عقوبة الذنوب إلا هذه العقوبة وحدها كانت داعية إلى تركها والبعد منها والله المستعان، وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة  فـي جلاءها وصفائها فيمتلئ نوراً)([88]).

والنور الذي تحدثه الطاعة فـي الوجه هو أثر لنورانية القلب وبصيرته وقد قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه للإمام الشافعي رضي الله عنه لما اجتمع به ورأى فيه نورانية الوجه: "إني أرى الله قد ألقى عليك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية"([89])، وذلك لأن للمعصية ظلاماً فـي الوجه فـي الدنيا والآخرة، كما أن للطاعة نوراً فـي وجه صاحبها فـي الدنيا والآخرة، فالطاعة تنير بصيرة القلب، وتطلق نوره، وتفتح طرق العلم، ومواد الهداية، وتقوي الملكة . وحين تكون الطاعة طاعة متكررة فـي كل يوم وليلة من حياة صاحبها فإن آثارها، وبركاتها، وأسرارها وأنوارها تكثر بتكررها، ولذلك فإن الصلاة جعلت لمصلحة صاحبها وهي تعود عليه بخير كثير وأجر وفير فـي الظاهر والباطن والعاجل والآجل مما لا يحيط بعلمه إلا الله سبحانه وتعالـى. ونحن فـي حاجة إلى التدليل على ما تقدم وذلك من خلال دراسة مخبرية تجرى على يدي مختصين فـي العلم التجريبي تبين هذه الآثار بالدليل المادي الذي يظهر من خلال حركة وعمل أعضاء الإنسان وحركة دورته الدموية ومن خلال عمل القلب بسطاً وانقباضاً بحيث تكون هذه الدراسة على اثنين من المسلمين : أحدهما مقيم للصلاة، والآخر مضيع لها، وستظهر عند ذلك نتائج يندهش لها الناس إيجاباً وسلباً. وعلماء الأمة السالفون رضي الله عنهم حين بينوا آثار الطاعات وآثار الذنوب على أصحابها وعلى الحياة عامة، فإنهم فهموا ذلك من نصوص القرآن الكريم، ومن نصوص السنة النبوية الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام، ومن خلال المشاهدة، والتتبع لسير الناس وحياتهم وتقلبهم بين الخير والشر والسراء والضراء أفراداً وجماعات، ونحن نعيش في عصر العلم التجريبي ينبغي أن نضيف إلى جهودهم ما يمكن أن يسفر عنه العلم التجريبي من نتائج في هذا المجال، وأحسب أن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة مرشحة للاضطلاع بهذه المهمة والله الموفق إلى سواء السبيل.

ونحب أن نؤكد على حقيقة هامة وهي أن ما تقدم من الحديث عن فوائد الصلاة ما هو إلا قطرة صغيرة فـي بحر واسع الأنحاء غزير الموج والماء لا يدرك قعره، ولا تحد شواطئه، فالصلاة فضلها عظيم وخيرها عميم وفوائدها لا تحصى ولاتعد، وحسبنا التقريب، فالفوائد التي ذكرناها وإن جاءت فـي سبعة عشر فائدة – اختصاراً- فهي عند البسط تربو على الثلاثين، فالصلاة كما تقدم هي معقل المؤمن ومفزعه، وخندقه، ونهره الذي يتطهر به،  ومفتاح رزقه، وهي سره، ونوره، وعقله، وقلبه، وروحه  ومشاعره، وعواطفه  وهي بالجملة حياته التي يحيا بها قلبه فـي الدنيا، ويحيا بها فـي الآخرة يوم تموت قلوب، فمن كان فـي صلاته حياً فهو فـي آخرته حي، ومن كان فـي صلاته ثابتاً متزناً فهو على الصراط ثابت متزن. فإقامة الصلاة تدل على إيمان صاحبها ودينه وعلى عدالته، ورجاحة عقله، وثبات قلبه، واتزان شخصيته، وكرم نفسه، فليهنأ مقيموا الصلاة بالخيرات فـي الحياة وبعد الممات.

قال ابن قيم رحمه الله: (فاعلم أن لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين ولذة أرواح الموحدين وبستان العابدين، ولذة نفوس الخاشعين. ومحك الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمة الله المهداة إلى عباده المؤمنين، هداهم إليها وعرفهم بها وأهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين رحمة بهم ، وإكراماً لينالوا بها شرف كرامته والفوز بقربه لا لحاجة منه إليهم بل منة منه وتفضلاً عليهم، وتعبد بها قلوبهم وجوارحهم جميعاً وجعل حظ  القلب العارف منها أكمل الحظين وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه وانصرافه حال القيام له بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده وتكميله حقوق عبوديته ظاهراً وباطناً حتى تقع على الوجه الذي يرضاه ربه سبحانه)([90]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 


مكانة الصلاة

 

ومكانة الصلاة عظيمة سامية عند الله تعالـى، وعند رسله الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وعند ملائكته الكرام عليهم السلام، وعند المؤمنين في كل زمان ومكان، فهي مفزع المؤمنين، ومعقلهم، وخندقهم، ونورهم، وهي سفينة نجاتهم في حياتهم وفوزهم في آخرتهم.

والحديث عن هذه المكانة قد يطول وقد يقصر، ولا يوفي هذا الحديث حقه وقدره أحد، فمكانة الصلاة تتشابك مع أسرارها، ولا يحيط بأسرارها أحد، وسيظل الحديث عن هذه المكانة ميداناً رحباً فسيحاً واسع الأرجا، متعدد الأنحاء، لا يسعه رحب الأرض الواسع، وهو ميدان يحب أهل العلم الحديث عنه، إبرازاً لمعالمه، واستكشافاً لبعض أرجائه، وأنحائه، وارتياداً لبعض آفاقه، ومحاولة لتلمس بعض أسراره، ولطائفه. وكل واحد منهم يدرك من ذلك على قدر ما يفتح الله تعالـى به عليه من الفهم، والاستنباط والاستدلال، فنسأل الله الفتاح العليم أن يفتح بصيرتنا في فهم كتابه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وفـي فهم كل ما يوصلنا إليه سبحانه، فهماً يعيننا على تلمس درب العبودية والمعرفة له جل جلاله.

ويبقى الميدان قبل ذلك، وبعده رحباً واسعاً، شاسعاً، لا يدرك عمقه، ولا يحاط، بأرجائه، وأنحائه، وذلك أن إدراك مكانة الصلاة على جهة الإحاطة والشمول هو إدراك لمقاصدها، الظاهرة والباطنة، العاجلة والآجلة، ومن الذي يمكنه إدراك مقاصدها على ذلك النحو؟ ومقاصد الصلاة متشابكة مع مقاصد الإسلام ومتلاقية معها، ومرتبطة بها، ومن الذي يمكنه إدراك مقاصد الإسلام في شمولها، وكمالها، وتمامها، وإدراك فوائدها وخيراتها الكثيرة الوفيرة، المحسوسة، والمعقولة، الظاهرة، والباطنة، العاجلة، والآجلة؟ فالإسلام هو الحياة بكل ما تدل عليه هذه الكلمة وتعنيه، في حاضرها الآني وغدها القريب، ومستقبلها الآتي. وعمر كل إنسان محدود، ومشاغله كثيرة والواجبات تفيض على الأوقات، والله تعالـى هو المستعان به على كل حال، وبناءً على ذلك كله وسواه مما لم نذكره فإنه لا يسع طويلب علم مثلي، بضاعته قليلة، وإصابته للهدف ضعيفة بل متعذرة إلا الجلوس على طرف من أطراف هذا الميدان الواسع ثم محاولة تلمس بعض المعالم التي يستدل بها مثلي على شيء من هذه المكانة، فلعل الله تعالـى ينفع بشيء من ذلك، ومن هذه المعالم الدالة على مكانة الصلاة:

أولاً: أنها – أي الصلاة – ركن الإسلام القوي بعد شهادة التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وهي الشهادة التي قامت بها السماوات والأرض، والتي من أجلها وجد الخلق، ووجدت الجنة والنار، والنعيم، والعذاب، والثواب، والعقاب، والميزان، والصراط، والموت والحياة، وانقسم الناس إلى مؤمن، وكافر، فهي أساس دين الإسلام، ومحوره، ولا يقبل من أحد إسلام، ولا عمل إلا بها، فالإسلام يوجد بوجودها وينتفي بانتفائها، ولذلك كانت أول أركان الإسلام، كما جاء في حديث رسول الله ﷺ الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»([91]).

وجاء ترتيب الصلاة في الذكر في هذا الحديث بعد الشهادة بناءً على ترتيبها في الوجود، وذلك دليل واضح على شأن الصلاة، ومكانتها وخطرها، وأثرها في حياة المسلم، فإذا كانت الشهادة هي الدليل القولي على الإسلام، فإن الصلاة هي الدليل العملي عليه، وهي دليل الإيمان أيضاً.

ثانياً: أنها أول فريضة سماها الله تعالـى في كتابه الكريم بعد الإخلاص بعبادته سبحانه، قال الإمام المروزي في كتابه: «تعظيم قدر الصلاة»: (فجعل أول فريضة نصها بالتسمية بعد الإخلاص بالعبادة لله: الصلاة)([92]). قال تعالـى: ﴿ !$tBur (#ÿrâÉDé& žwÎ) (#rßç6÷èuÏ9 ©!$# tûüÅÁÎ=øƒèC ã&s! tûïÏe$!$# uä!$xÿuZãm (#qßJÉ)ãƒur no4qn=¢Á9$# (#qè?÷sãƒur no4qx.¨9$# 4 y7Ï9ºsŒur ß`ƒÏŠ ÏpyJÍhŠs)ø9$# ﴾([93]).

ثالثاً: أنها تجمع أركان الإسلام، فهي توحيد، وعبودية لله تعالـى، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهدين الأول والثاني، وهي زكاة فالمصلي يبذل وينفق فيه وقتاً من عمره والعمر هو رأس ماله، فكما أن الزكاة طهرة للمال فكذلك الصلاة طهرة للأوقات والأبدان وصحة لها. وهي صوم لأن المصلي يكف نفسه في صلاته عن كل شيء دنيوي ويصوم عنه، وهي حج لأن المصلي ينفصل عن كل ما حوله بقلبه، ويتوجه إلى ربه، ملبياً أمره بإقامة الصلاة له جل جلاله.

رابعاً: أنها توجب أخوة الدين مع من أقامها، ويحقن بها دمه، ويطلق سراحه بعد دخوله في الإسلام. قال تعالـى: ﴿ #sŒÎ*sù yn=|¡S$# ãåkô­F{$# ãPãçtø:$# (#qè=çGø%$$sù tûüÏ.ÎŽô³ßJø9$# ß]øym óOèdqßJ?y`ur óOèdrääzur öNèdrçŽÝÇôm$#ur (#rßãèø%$#ur öNßgs9 ¨@à2 7|¹ósD 4 bÎ*sù (#qç/$s? (#qãB$s%r&ur no4qn=¢Á9$# (#âqs?#uäur no4qŸ2¨9$# (#q=yÜsù öNßgn=Î;y 4 ﴾([94]) وقال سبحانه: ﴿ bÎ*sù (#qç/$s? (#qãB$s%r&ur no4qn=¢Á9$# (#âqs?#uäur no4qŸ2¨9$# öNä3çRºuq÷zÎ*sù Îû Ç`ƒÏe$!$# 3 ﴾([95])، وقال ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» أخرجه الشيخان([96]).

خامساً: أن الله تعالـى مدح عباده المصلين، وذلك أمر له دلالاته، وأبعاده المتصلة بمكانة الصلاة، وأثرها، وخطرها في حياتهم، قال تعالـى: ﴿ ôs% yxn=øùr& tbqãZÏB÷sßJø9$# ÇÊÈ tûïÏ%©!$# öNèd Îû öNÍkÍEŸx|¹ tbqãèϱ»yz ﴾([97]) ففي هاتين الآيتين من سورة (المؤمنون) مدح الله تعالـى عباده المؤمنين بالفلاح بسبب خشوعهم في صلاتهم، قال الإمام المروزي: (فمدحهم في أول نعتهم بالخشوع فيها، ثم أعاد ذكرها في آخر القصة إعظاماً لقدرها، في القربة إليه، ولما أعد للقائمين بها، المحافظين عليها من جزيل الثواب، ونعيم المآب، فقال: ﴿ tûïÏ%©!$#ur ö/ãf 4n?tã öNÍkÌEºuqn=|¹ tbqÝàÏù$ptä ÇÒÈ y7Í´¯»s9'ré& ãNèd tbqèOͺuqø9$# ÇÊÉÈ šúïÏ%©!$# tbqèO̍tƒ }¨÷ryŠöÏÿø9$# öNèd $pkŽÏù tbrà$Î#»yz ﴾([98])، ولم نجد الله عز وجل مدح أحداً من المؤمنين بمواظبته على شيء من الأعمال مدح من واظب على الصلوات في أوقاتها، ألا تراه كيف ذكرها مبتدأة من بين سائر الأعمال، قال الله ﴿ * ¨bÎ) z`»|¡SM}$# t,Î=äz %·æqè=yd ÇÊÒÈ #sŒÎ) çm¡¡tB Ž¤³9$# $Yãrây_ ÇËÉÈ #sŒÎ)ur çm¡¡tB çŽösƒø:$# $¸ãqãZtB ﴾([99])، 

 ثم لم يبرئ أحداً من هذين الخُلقين المذمومين من جميع الناس قبل المصلين، فقال: ﴿ žwÎ) tû,Íj#|ÁßJø9$# ÇËËÈ tûïÏ%©!$# öNèd 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqßJͬ!#yŠ  ﴾([100]) ثم أعاد ذكرهم في آخر الآية بذكرٍ آخر، فقال: ﴿ tûïÏ%©!$#ur öLèe 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqÝàÏù$ptä ÇÌÍÈ y7Í´¯»s9'ré& Îû ;M»¨Zy_ tbqãBtõ3B﴾([101]) وقال: ﴿ ¨bÎ) tûïÏ%©!$# šcqè=÷Gtƒ |=»tGÏ. «!$# (#qãB$s%r&ur no4qn=¢Á9$# ﴾([102]

 في كل ذلك يبدأ بمدح الصلاة قبل سائر الأعمال، تبعها ما تبعها من سائر الطاعات، فكرر الثناء عليهم، ومدحهم بالمحافظة عليها، ليدوموا عليها، كل ذلك تأكيداً لها وتعظيماً لشأنها([103]).

إن هذا الاهتمام الرباني الكريم بشأن الصلاة، والإشادة بمكانتها
في القرآن الكريم لهو أمر جدير بالتأمل والاعتبار من كل من له قلب أو
ألقى السمع وهو شهيد، وهو أمر له دلالاته وأبعاده المتصلة بلفت
أنظار المؤمنين إلى هذه المكانة حتى يزدادوا حرصاً على الصلاة، وتعظيماً لشأنها، وإدراكاً لمكانتها.

سادساً: أن الله تعالـى توعد بالوعيد الشديد من ضيع أوقات الصلاة. قال تعالـى: ﴿ * y#n=sƒmú .`ÏB öNÏdÏ÷èt/ ì#ù=yz (#qãã$|Êr& no4qn=¢Á9$# (#qãèt7¨?$#ur ÏNºuqpk¤9$# ( t$öq|¡sù tböqs)ù=tƒ $xî ﴾([104]) وقد روي عن أئمة من السلف تفسير إضاعة الصلاة في الآية الكريمة، بتضييع مواقيتها، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: هي إضاعة أوقاتها، وعدم القيام بحقوقها. قال القرطبي: وهو الصحيح([105]).

وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله تعالـى: ﴿ * y#n=sƒmú .`ÏB öNÏdÏ÷èt/ ì#ù=yz (#qãã$|Êr& no4qn=¢Á9$# ﴾([106]) قال: إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركاً كان كفراً، وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبدالرحمن والحسن بن سعيد عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن: ﴿ tûïÏ%©!$# öNèd `tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqèd$y ﴾([107]) و﴿ 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqßJͬ!#yŠ ﴾([108]) و﴿ 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqÝàÏù$ptä ﴾([109])؟ فقال ابن مسعود: ذلك على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبدالرحمن إلا على تركها، فقال: تركها الكفر([110]). ولا شك أن حياة المسلم لا تصلح إلا بالصلاة، والوعيد الشديد من الله تعالـى على إضاعة أوقاتها تنبيه للمسلم بضرورة المحافظة على هذه الأوقات حتى تصلح حياته ولا تفسد.

سابعاً: أن تاركها يخرج من الإيمان. قال الله تعالـى: ﴿ $yJ¯RÎ) ß`ÏB÷sム$uZÏG»tƒ$t«Î/ tûïÏ%©!$# #sŒÎ) (#rãÅe2èŒ $pkÍ5 (#ryz #Y£Úß (#qßs¬7yur ÏôJpt¿2 öNÎgÎn/u öNèdur Ÿw šcrçŽÉ9õ3tFó¡o ) ﴾([111]) وقال سبحانه: ﴿ #sŒÎ)ur Ÿ@Ï% ÞOçlm; (#qãèx.ö$# Ÿw šcqãèx.ötƒ ÇÍÑÈ ×@÷ƒur 7Í´tBöqtƒ tûüÎ/Éjs3æHø>Ïj9 ﴾([112]) وقال جل وعز: ﴿ $tB óOä3x6n=y Îû ts)y ÇÍËÈ (#qä9$s% óOs9 à7tR šÆÏB tû,Íj#|ÁßJø9$# ﴾([113]) فقد بين الله سبحانه وتعالـى شأن المؤمنين في آية السجدة بأنهم إذا ذكروا بآيات الله خروا ساجدين لله مسبحين بحمده، غير مستكبرين عن السجود له سبحانه وتعالـى، ودل ذلك على أن من لم يسجد لله تعالـى بالصلاة له، فهو ممن لا يؤمن بآياته، وهو من المستكبرين عن عبادته سبحانه، وجزاء المستكبرين عذاب جهنم والعياذ بالله. قال تعالـى: ﴿ ¨bÎ) šúïÏ%©!$# tbrçŽÉ9õ3tGó¡o ô`tã ÎAyŠ$t6Ïã tbqè=äzôuy tL©èygy_ šúï̍Åz#yŠ ﴾([114]).

وفـي الآية من سورة «المرسلات» بين الله تعالـى أن عاقبة من لا يصلي ولا يركع مع الراكعين: عذاب النار، ويكون عذابه فيها في مكان مخصوص منها،  وهو واد يقال له: (ويل) يسيل بصديد وقيح أهلها عياذاً بالله تعالـى.

وفـي الآية من سورة «المدثر» بين سبحانه وتعالـى أن أهل الجنة بعد أن استقروا فيها أقبل يسأل بعضهم بعضاً عن المجرمين ما الذي جعل مصيرهم إلى سقر، فكان جواب هؤلاء المجرمين بأنهم لم يكونوا من المصلين، فذكروا أول شيء في مقدمة جرائمهم، وهو أنهم لم يكونوا من المصلين، وذلك دليل على خروج تاركها من الإيمان.

قال الإمام المروزي رحمه الله: (ولقد شدد  الله تبارك وتعالـى الوعيد في تركها ووكده على لسان نبيه بأن أخرج تاركها من الإيمان بتركها، ولم تجعل فريضة من أعمال العباد علامة بين الكفر والإيمان إلا الصلاة. فقال: (ليس بين العبد وبين الكفر من الإيمان إلا ترك الصلاة)([115])، فأخبر أنها نظام للتوحيد، وأكفر بتركها، كما أكفرَ بترك التوحيد، ثم أخرج من الإيمان من عاهد من جميع العباد على الإيمان، فقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)([116]) حديث صحيح، وإن كانت العلماء مختلفة في الإكفار بتركها، فإنهم مجمعون على الرواية بإكفار من تركها، ثم ما  غلظ في تركها من وجوب النار، وإيجاب الرحمة والمغفرة لمن قام بها)([117]).

وماذا يبقى من إسلام المرء إذا انهار وسقط عموده، فعمود كل شيء هو ما يكون به قيامه وقوته، فالصلاة هي عمود وصلب الإسلام، فمن تركها فقد سقط عمود إسلامه، فلا حظ له في الإسلام، وإذا كان المضيع لأوقاتها متوعداً بالعذاب في واد غي في جهنم، فكيف بمن تركها بالكلية؟ وذلك كله دليل على مكانة الصلاة عند الله تعالـى وعند رسوله ﷺ.

ثامناً: أن القرآن الكريم نص على فرضها. قال الله تعالى: ﴿ ¨bÎ) no4qn=¢Á9$# ôMtR%x. n?tã šúüÏZÏB÷sßJø9$# $Y7»tFÏ. $Y?qè%öq¨B ﴾([118])، ورد فـي تفسير قوله سبحانه: ﴿$Y7»tFÏ. $Y?qè%öq¨B﴾ عن الحسن قوله: كتاباً واجباً، وقال زيد بن أسلم: منجماً، كلما مضى نجم جاء نجم آخر، أي كلما مضى وقت جاء وقت آخر، وقال ابن عباس: أي مفروضاً، وقال أيضاً: إن للصلاة وقتاً كوقت الحج. قال القرطبي: والمعنى عند أهل اللغة: مفروض لوقت بعينه، يقال: وقته فهو موقوت، ووقته فهو مؤقت([119]).

وقد جاء فرض الصلاة على المؤمنين متصلاً بما يقوم عليه صلاح أمرهم في الظاهر، والباطن ، وفـي العاجل والآجل، فالصلاة فريضة الله تعالـى الغالية المباركة على عباده المؤمنين في كل زمان ومكان كيفما كان حالهم بعد التكليف بها، وحتى خروج الروح من الجسد أو العجز عنها بكل وسيلة. فلا يتمرد على أدائها إلا مستكبر، مصيره إلى النار وبئس القرار. قال تعالـى: ﴿ ¨bÎ) šúïÏ%©!$# tbrçŽÉ9õ3tGó¡o ô`tã ÎAyŠ$t6Ïã tbqè=äzôuy tL©èygy_ šúï̍Åz#yŠ ﴾([120])، والمؤمن في أمة محمد حين يقيم الصلاة فهو يتواصل مع قافلة إخوانه المؤمنين قبله، وهو بذلك يصل نسبه الإيماني بإخوانه هؤلاء، ويسير على ذات الطريق الذي ساروا عليه، وهو طريق العبودية لله جل جلاله، فالصلاة هي المظهر العملي اليومي الذي يعبر به المؤمن عن هذه العبودية استجابة لأمر الله العظيم: ﴿ (#qßJŠÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# (#qè?#uäur no4qx.¨9$# (#qãèx.ö$#ur yìtB tûüÏèÏ.º§9$# ﴾([121]) فمن لم يقم الصلاة، ولم يركع مع الراكعين فلا حظ له في دين الإسلام.

تاسعاً: أنها تكفر الخطايا وتمحو الذنوب، وهي – أي الصلاة – حسنات مذهبة للسيئات، قال الله تعالـى: ﴿ ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ÇnûtsÛ Í$pk¨]9$# $Zÿs9ãur z`ÏiB È@øŠ©9$# 4 ¨bÎ) ÏM»uZ|¡ptø:$# tû÷ùÏdõムÏN$t«ÍhŠ¡¡9$# 4 y7Ï9ºsŒ 3tø.ÏŒ šúï̍Ï.º©%#Ï9 ﴾([122]) روي في سبب نزول هذه الآية مع اختلاف في ألفاظ الروايات أنها نزلت في رجل قبَّل امرأة، وقيل: وباشرها فيما دون الجماع، ثم أتى النبي ليقضي في أمره، فنزلت، فتلاها على الرجل، وبين عليه الصلاة والسلام أن هذه الآية ليست خاصة بذلك الرجل بل هي للناس كافة، روى ذلك الشيخان([123]) بألفاظ متقاربة. قال القرطبي: (لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة، وخصها بالذكر لأنها ثابتة الإيمان، وإليها يفزع في النوائب، وكان النبي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة أخرجه أحمد([124]). وروى الإمام المروزي بسنده عن الإمام المفسر محمد بن كعب القرظي قوله: (بلغنا أن النبي قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، قلت: أخرجه أحمد([125]) وغيره بطرق موصولة. قال محمد بن كعب: وهذا في القرآن: ﴿ bÎ) (#qç6Ï^tFøgrB tÍ¬!$t6Ÿ2 $tB tböqpk÷]è? çm÷Ytã öÏeÿs3çR öNä3Ytã öNä3Ï?$t«Íhy Nà6ù=ÅzôçRur WxyzôB $VJƒÌx. ﴾([126]) وقال لمحمد ﴿ ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ÇnûtsÛ Í$pk¨]9$# ﴾ فطرفي النهار: الفجر والظهر والعصر  ﴿ $Zÿs9ãur z`ÏiB È@øŠ©9$# 4 ﴾ المغرب والعشاء ﴿ ¨bÎ) ÏM»uZ|¡ptø:$# tû÷ùÏdõムÏN$t«ÍhŠ¡¡9$# 4 ﴾ وهن الصلوات الخمس)([127]).

وما تقدم من الحديث المتصل بمكانة الصلاة آنفاً يدلنا على وظيفة الصلاة، وأثرها في حياة صاحبها، ومعلوم أن الخطايا والذنوب هي سبب لكل ما يلقاه الإنسان في حياته من الشرور، و المصائب، والمهالك. ولو ترك الإنسان المؤمن لذنوبه وخطاياه، لهلك ولكن الله تعالـى رحيم بعباده المؤمنين، ففرض عليهم الصلاة، وجعلها مكفرة لذنوبهم وخطاياهم، وذلك أن المؤمن لا يخلو من الذنوب غالباً، فجاءت الصلاة هدية الله لعباده المؤمنين، وطهرة لهم، وفـي ذلك تطهير لأرواحهم، وتزكية لأنفسهم، وتثبيت لإيمانهم، وتجديد لصلتهم بمولاهم وخالقهم، فما أجمل أن يتجاوز الرب العفو عن عباده المؤمنين، ويغفر لهم، فشأن العباد الخطأ، وشأن الرب سبحانه العفو والمغفرة، وهذا الأمر من شأنه أن يحملنا على أهمية التفكر والتدبر في وظيفة الصلاة في حياتنا، وأننا محتاجون إليها أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب اللذين بهما قوام الأبدان، والأبدان تشيخ وتهرم، ويأكلها التراب في النهاية، ولكن الصلاة بها قوام الأرواح، وحياتها، والحياة الحقيقية هي حياة وصحة الأرواح، وليست صحة وقوة الأبدان، فكل صلاة هي بمثابة واحة جميلة وارفة الظلال، كثيرة الخضرة والماء، يأوي إليها المؤمن، ويستريح في ظلالها، وخضرتها، وجمالها، فيتزود منها لمسيرة عمله في يومه وليلته، وينطلق نحو أهدافه المباركة في حياته، نظيف المظهر، والمخبر، قوي الإرادة، نظيف الوسيلة والغاية، كريم النفس، طاهر القلب، طيب المشاعر، نبيل العواطف، يستشعر طاعته لله تعالـى في كل خطوة يخطوها، السعادة تغمره، وانشراح الصدر يميزه، والرحمة شعاره، وهذا كله وسواه حصل له ببركة إقامته للصلاة.

ولا شك أن ثمة فرقاً كبيراً وكبيراً جداً بين من هذا شأنه، في كل أيام حياته، وبين من يتحرك في حياته وهو ضيق الصدر كأنما يصعد في السماء من شدة هذه الضيق، مثقل بأوساخه، وأدرانه الظاهرة والباطنة، يحس بثقلها، وغمها، وهي تتجدد وتتكاثر مع فجر كل يوم وبداية كل ليلة، لأنه لا يوجد ما يمحوها، ويزيلها، فصاحبها لا يصلي لربه وخالقه سبحانه وتعالـى، فقطع بذلك الصلة بينه وبين ربه وخالقه جل جلاله، فأحاطت به غمومه، وأوحاله، وهمومه، وتكاثرت عليه أدرانه الظاهرة والباطنة، فضاق صدره، وأظلم قلبه، واكفهرت نفسه، وقست مشاعره، وتبلدت عواطفه، وليس له مخرج من كل ذلك إلا بالتوبة إلى الله تعالـى، وإقام الصلاة، فلعل الله تعالـى يتداركه برحمته، فيعفو عنه، ويقبل توبته. أما إذا لم يتب فهو على طريق الكفار سائر، وسعيه مذموم، ومصيره إلى النار معلوم عياذاً بالله تعالـى.

أما المصلي – أي الذين يقيم صلاته – فهو يتحرك في دائرة الحسنات بفضل الصلاة، حسناته كثيرة، وخيراته وفيرة، وحسناته تغلب سيئاته، وتذهب بها، وإذهاب السيئات يشمل إذهاب وقوعها بأن يصير انسياق النفس إلى ترك السيئات سهلاً وهيناً، وهو أمر يدل على مكانة الصلاة، وعلى الدور التربوي الذي تشكله في حياة صاحبها، فهو بها يتربى على الفضيلة، وتسمو نفسه سمواً تحلق من خلاله في سماء الشرف والكرامة، والفضيلة، وترتفع به عن مهابط الرذيلة، ودركاتها ومهاوي المعصية وظلماتها، فصلاته تنهاه عن ذلك مصداقاً لقول الله تعالـى: ﴿ žcÎ) no4qn=¢Á9$# 4sS÷Zs? ÇÆtã Ïä!$t±ósxÿø9$# ̍s3ZßJø9$#ur 3 ﴾([128]) الآية.

قال العلامة السعدي في تفسيره: (فالفحشاء كل ما استعظم، واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفس، والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر، ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها المتمم لأركانها، وشروطها، وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر، فبالضرورة: مداومتها، والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء، والمنكر، فهذا من أعظم مقاصد الصلاة وثمراتها([129]).

عاشراً: أنها علامة فارقة بين المؤمن، والمنافق. قال الله تعالـى: ﴿ ¨bÎ) tûüÉ)Ïÿ»uZßJø9$# tbqããÏ»sƒä ©!$# uqèdur öNßgããÏ»yz #sŒÎ)ur (#þqãB$s% n<Î) Ío4qn=¢Á9$# (#qãB$s% 4n<$|¡ä. tbrâä!#tãƒ }¨$¨Z9$# Ÿwur šcrãä.õtƒ ©!$# žwÎ) WxŠÎ=s% ﴾([130]) وقال سبحانه: ﴿ Ÿwur tbqè?ù'tƒ no4qn=¢Á9$# žwÎ) öNèdur 4n<$|¡à2 ﴾([131])، ولا شك أن الصلاة ميدان يكشف زيف المنافق ويميط اللثام عن حقيقته التي يعمل جاهداً على إخفائها، فهو لا يمكنه الصبر على الصلاة وعلى تكاليفها، ولا يستطيع الوفاء بحقوقها، فلا بد أن يظهر منه حيالها ما يدل على نفاقه، خاصة في أداء صلاتيْ الصبح والعشاء جماعة. وقد يتظاهر المنافق بالصلاة فترة قد تطول، وذلك لحاجة في نفسه يريدها من الناس من جلب منفعة عاجلة له، أو دفع مضرة عنه، ولكنه بكل تأكيد لا يستطيع المواصلة، فالقرآن الكريم قد بين حاله، وكشف سره، فهو لا يقوم إلى الصلاة إلا متكاسلاً، كارهاً، ومع ذلك فهو لا يقصد بصلاته إلا أن يراءي بها الناس، وهو في حقيقة أمره ذو نفس مظلمة، وقلب منكر لا يعرف ذكر الله إلا قليلاً، وبنص القرآن الكريم، فإن النفاق يورث الكسل في العبادة لا محالة، كما يقرر ذلك أهل البصيرة والعلم.

قال القرطبي في تفسير الآية  الكريمة: (أي يصلون مراعاة، وهم متكاسلون متثاقلون، لا يرجون ثواباً، ولا يعتقدون على تركها عقاباً، وفـي صحيح الحديث: (إن أثقل صلاة على المنافقين العتمة، والصبح) ([132])، فإن العتمة تأتي وقد أتعبهم عمل النهار، فيثقل عليهم القيام إليها، وصلاة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من كل مفروح به، لولا السيف ما قاموا)([133]). بينما يكون المؤمن فرحاً بصلاته، مهتماً بها غاية الاهتمام، مسروراً بأدائها، مغموماً، مهموماً إذا حصل منه تفريط غير مقصود في تكاليفها. ومعلوم أن اعتياد المساجد، واعتياد الذهاب إليها بحب، وانشراح، واعتزاز للصلاة مع الجماعة، والتبكير إلى الصلوات كل ذلك وسواه من سمات المؤمنين، فالحمد لله الذي جعل الصلاة علامة فارقة بين المؤمنين، والمنافقين، و جعلها ميداناً لطهارة النفس، وتزكية الروح، لا ترومه نفوس المنافقين الملوثة بأدران النفاق وأوساخه، فهي نفوس غارقة في أوحال النفاق المظلمة، وهذا شأنهم في الدنيا، أما شأنهم في الآخرة، فهم معروفون بأنهم لا يقدرون على السجود، والحال أنهم قد دعوا إليه.

وقد بين الإمام المروزي: (أن المنافقين مُيزوا يوم القيامة من المؤمنين بعدم السجود. قال الله: ﴿ tPöqtƒ ß#t±õ3ム`tã 5-$y tböqtãôãƒur n<Î) ÏŠqàf¡9$# Ÿxsù tbqãèÏÜtGó¡tƒ ÇÍËÈ ºpyèϱ»yz öNèd㍻|Áö/r& öNßgà)ydös? ×'©!ÏŒ (  ﴾([134]) وذلك أن المؤمنين لما نظروا إلى ربهم خروا له سجداً، ودعي المنافقون إلى السجود، فأرادوه، فلم يستطيعوا، حيل بينهم، وبين ذلك عقوبة لتركهم السجود لله في الدنيا. قال الله: ﴿ ôs%ur (#qçR%x. tböqtãôムn<Î) ÏŠqàf¡9$# ﴾([135]) يعني في الدنيا ﴿ öNèdur tbqßJÎ=»y ﴾([136]) مما حدث في ظهورهم مما حال بينهم وبين السجود)([137]).

حادي عشر: أن أوقات الصلاة هي أحب الأوقات إلى الله تعالـى، و(ساعات الصلاة أفضل من غيرها، وفضَّل اله ساعات الصلوات على سائر الساعات اختارها ليناجيه عباده فيها لصلاحهم)([138])، ولذلك فإن من أحب أن يرفع حاجته إلى الله عز وجل فعليه بأوقات الصلاة، فهي أوقات مباركة أثيرة عنده سبحانه وتعالـى، روى الإمام المروزي عن كعب قال: (اختار الله البلاد، فأحب البلاد إلى الله البلد الحرام، واختار الزمان فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول، واختار الله الأيام، فأحب الأيام إلى الله يوم الجمعة، واختار الليالي منها، فأحب الليالي إلى الله ليلة القدر، واختار الله الساعات، فأحب ساعات الليل والنهار إلى الله ساعات الصلوات المكتوبات، واختار الله الكلام، فأحب الكلام إلى الله "لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله")([139]) انتهى.

وبين الله تعالـى في كتابه الكريم أن صلاة الصبح تشهدها ملائكته الكرام. فقال سبحانه: ﴿ tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ¨bÎ) tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# šc%x. #YŠqåkôtB ﴾([140])، وفسر أهل العلم ﴿ tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# ( ﴾ بصلاة الصبح، نقل ذلك القرطبي وغيره من المفسرين. وقال رحمه الله: (وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات لأن القرآن هو أعظمها، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور عن الزجاج أيضاً)([141]).

وقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال فـي تفسير قوله تعالـى: ﴿ tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ¨bÎ) tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# šc%x. #YŠqåkôtB ﴾: (تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح([142]).

والملائكة الكرام عليهم السلام مخلوقات نورانية شريفة كريمة تكثر في الأزمنة، والأمكنة المباركة كما هو معلوم، وهي تجتمع في صلاة العصر أيضاً. قال فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»([143]) وجاءت أحاديث نبوية شريفة كثيرة تبين فضل الصلوات، وتنص بخاصة على فضل كل صلاة منها.

ومن رحمة الله تعالـى بعباده المؤمنين أن أوقات الصلوات جاءت منسجمة مع مصالحهم في الحياة ولا تستغرق منهم وقتاً طويلاً، فصلاة الصبح هي بداية النشاط اليومي للمؤمن الذي يكون قد أخذ نصيبه من الراحة والنوم، فيكون أول عمل يبدأ به يومه هو الصلاة، ويا لها من بداية جميلة موفقة لها شأنها، ومكانتها عند الله تعالـى، ولها أثرها الفعال على نفسية المصلي، وبدنه، وقلبه، وأحاسيسه، وعواطفه، ونشاطه كله، يظهر ذلك جلياً وينعكس على حركته، وأدائه في ذلك اليوم قوة، ونشاطاً، وسروراً، وإنتاجاً، ورغبة في الخير، وفعله، وإقبالاً على الطاعة، وأهلها، وأُنساً بمعية الله تعالـى، وتأييده، وقناعة بما قسم الله تعالـى له، ورضى عنه سبحانه، وتوفيقاً في فعل الخير، وتسديداً إلى الطيب من القول، وسماعه. ونحن نسأل في هذا المقام: ماذا لو كانت هذه الصلاة مفروضة في نصف الليل، أو في ثلثه الأخير مثلاً؟، نسأل هذا السؤال لندرك رحمة الله تعالـى في تشريعه، وفـي أحكام دينه العظيم.

إن المتأمل في أوقات الصلوات الخمس ليدرك بكل وضوح أنها جاءت على أكمل وأتم، وأشمل، وأحسن ما يكون به الانسجام التام بين هذه الأوقات وبين مصالح المكلفين بها، وتقلبهم في الحياة. وذلك دليل بين واضح على رحمة وعلم من فرض هذه الصلوات وهو الله جل جلاله، وعز سلطانه، فله الحمد على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.

ثاني عشر: أن الله عز وجل سماها إيماناً، وإسلاماً وديناً، قال تعالـى: ﴿ $tBur tb%x. ª!$# yìÅÒãÏ9 öNä3oY»yJƒÎ) 4 ﴾([144])، وقد تواطأت أقوال كثير من المفسرين في تفسير قول الله تعالـى: ﴿ $tBur tb%x. ª!$# yìÅÒãÏ9 öNä3oY»yJƒÎ) 4 ﴾([145]) الآية. بأن الإيمان في هذه الآية: الصلاة، وذلك أن الرسول ﷺ صلى بالمسلمين نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً ثم أمره الله تعالـى بأن يتحول إلى الكعبة فقال سبحانه: ﴿ÉeAuqsù y7ygô_ur tôÜx© ÏÉfó¡yJø9$# ÏQ#tysø9$# 4 ﴾([146]).

وقد أخرج البخاري عن البراء قال: (وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: ﴿ $tBur tb%x....﴾ إلى ﴿ Ô$râäts9 ÒOŠÏm§ ﴾([147]). فسمى صلاتهم إلى بيت المقدس إيماناً.

قال سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل ﴿ $tBur tb%x. ª!$# yìÅÒãÏ9
öNä3oY»yJƒÎ) 4 ﴾([148]): صلاتكم نحو بيت المقدس([149]) وهذا من بالغ الرحمة الإلهية بالمؤمنين، وفيه بيان لهم أن صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم إلى الكعبة، إنما كان إيماناً بالله تعالـى، ولم يكن أساسه إقراراً لعصبية أو غيرها لما يتبعه غير المؤمنين، فالعقيدة الإسلامية لا تقبل راسباً من رواسب الجاهلية في أي صورة من الصور جل أم صغر([150])، فالأمر كله لله عز وجل، فهو الذي أمر عباده المؤمنين في الحالين، وهو سبحانه يربيهم بذلك على العبودية المطلقة التي لا أثر فيها لشيء من تلك الرواسب، والله تعالـى رءوف بعباده المؤمنين، فهو يخبرهم في هذه الآية ويطمئنهم على إيمانهم وعلى صلاتهم التي كانت إلى بيت المقدس، بأنهم لم يكونوا على ضلال، وأن صلاتهم لم تضع، فالله تعالـى لا يضيع عليهم عبادتهم التي توجهوا بها إليه، ولا يشق عليهم في تكليف يجاوز طاقتهم التي يضاعفها الإيمان ويقويها، فهو جل وعز عليم بطاقات عباده المحدودة، فلا يكلفهم فوقها، وهو سبحانه يهدي عباده المؤمنين، ويمدهم بالعون ويثبتهم من عنده حتى يجتازوا الاختبار حين تصدق نيتهم، وتصح عزيمتهم، وقد نجح المؤمنون في هذا الاختبار وهو تحويل القبلة، فآمنوا، وصدقوا، ولم يرتابوا.

وإذا كان البلاء مظهراً لحكمة الله تعالـى، فإن اجتياز هذا الابتلاء، فضل رحمته([151]) سبحانه.

وهكذا جاء النص على رحمة الله تعالـى ورأفته بالناس في ختام هذه الآية الكريمة: ﴿ žcÎ) ©!$# Ĩ$¨Y9$$Î/ Ô$râäts9 ÒOŠÏm§  ﴾([152]).

ثالث عشر: أنها يفزع إليها عند الشدائد والخطوب، ويستعان بها على كل أمر. قال الإمام المروزي رحمه الله تعالـى: (وأمر الله عباده أن يفزعوا إلى الصلاة، والاستعانة بالصلاة، في كل أمرٍ همَّ من أمر دنياهم، وآخرتهم، ولم يخص بالاستعانة بها شيئاً دون شيء. قال تعالـى: ﴿ (#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([153])، وإنما بدأ بالصبر قبلها لأن الإيمان، وجميع الفرائض والنوافل من الصلاة وغيرها، لا تتم إلا بالصبر، ثم قال: ﴿ $pk¨XÎ)ur îouŽÎ7s3s9 žwÎ) n?tã tûüÏèϱ»sƒø:$# ﴾([154]) وهم المنكسرة قلوبهم إجلالاً لله، ورهبة منه، فشهد لمن حقت عليه أن يقيمها له، أنه من الخاشعين، و كيف لا يفزع المؤمنون إلى الصلاة وهي عماد دينهم، كذلك أخبر النبي أن الصلاة عمود الدين)([155]).

ولما كانت الصلاة من أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء، والشر، والأذى، وكل ما أهم وغم، فقد كان مفزع المؤمنين وما زال عند كل مهم من أمور الدنيا والآخرة إلى مناجاة ربهم في الصلاة، وما استدفعت الشرور بمثل إقامة الصلاة، وإنها السياج الواقي بإذن الله تعالـى لأصحابها المؤمنين، من جميع الشرور الظاهرة والباطنة، فهذا أبونا آدم عليه السلام يفزع إلى الصلاة، ذكر الإمام المروزي بسنده عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن آدم خرجت به شأفة (أي قرحة بباطن القدم) على إبهام قدمه، فارتفعت إلى أصل قدمه ثم ارتفعت إلى ركبته، ثم ارتفعت إلى منكبه، ثم ارتفعت إلى أصل عنقه، فقام، فصلى صلاة، فنزلت إلى مكنبه، ثم صلى أخرى، فنزلت إلى حقوه، ثم صلى أخرى، فنزلت إلى ركبته، ثم صلى أخرى، فنزلت إلى أصل قدمه، ثم صلى أخرى فخرجت من رجله)([156]).

وكان نبينا إذا رأى بأهله شدة أو ضيقاً أمرهم بالصلاة قائلاً:
يا أهلاه صلوا صلوا، وتلا هذه الآية: ﴿
öãBù&ur y7n=÷dr& Ío4qn=¢Á9$$Î/ ÷ŽÉ9sÜô¹$#ur $pköŽn=tæ ( Ÿw y7è=t«ó¡nS $]%øÍ ( ß`øtªU y7è%ãötR 3 èpt6É)»yèø9$#ur 3uqø)­G=Ï9 ﴾([157])، وكان الأنبياء عليهم السلام إذا حزَّ بهم أمر فزعوا إلى الصلاة([158]).

قال القرطبي في تفسيره: (أمره تعالـى أن يأمر أهله بالصلاة، ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها، ويلازمها، وهذا الخطاب للنبي ، ويدخل في عمومه جميع أمته، وأهل بيته على التخصيص)([159]).

قال الإمام المروزي: (وأمر الله عباده أن يأتموا بمحمد ، وأمرهم محمد (عليه الصلاة والسلام) إذا رأوا الآيات التي يخافون فيها العذاب أن يفزعوا إلى الصلاة فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت فافزعوا إلى الصلاة»([160])، وفزع هو إلى الصلاة، ولا نعلم طاعة يدفع الله بها العذاب مثل الصلاة، فصلى الكسوف بزيادة في الركوع، وبكى في سجوده، وتضرع)([161]).

ونقلت لنا السيرة النبوية خبره في غزوتيْ بدر، والأحزاب أنه كان يصلي طوال الليل فيهما، ففي ليلة غزوة بدر يصف علي رضي الله عنه حال النبي فيقول: (لقد رأيتنا ليلة بدر، و ما فينا إلا نائم غير رسول الله ﷺ يصلي، ويدعو حتى أصبح)([162])، وفـي ليلة الأحزاب يصفه حذيفة رضي الله عنه، فيقول: رجعت إلى النبي ﷺ ليلة الأحزاب، وهو مشتمل في شملة يصلي، وكان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر صلى. أخرجه أحمد([163]).

ونُعي إلى ابن عباس رضي الله عنهما ابن له وهو في سفر، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم قال: فعلنا ما أمر الله به، وتلا هذه الآية: ﴿ (#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([164]) الآية.

جاء في كتاب «تعظيم قدر الصلاة» للإمام المروزي قوله: (فالصلاة مفزع كل مريد عند الشدائد وعند حوادث عظيم النعم شكراً لله، فإذا لم تمكن الصلاة، فالسجود له عند حوادث النعم، وذلك لما عرفهم من عظيم قدر الصلاة عنده حتى إن الملائكة في السماوات السبع، إذا رعبوا فأصابهم هول اعتصموا بالسجود)([165]).

ومن خلال ما تقدم يتضح لنا بكل جلاء أن الصلاة لها أثرها الطيب الفعال عند الشدائد، والخطوب. وهو أمر يدل على عظمة، وسعة وغناء المنهج الإسلامي العظيم في البناء، والتجديد، والإصلاح. ففي ساحة الصلاة يتجدد إيمان المؤمن، ويستعلي على المحن، والشدائد والخطوب، فلا ينهزم أمامها، بل يصمد شامخاًً بإيمانه، وصلاته، معتمداً على ربه سبحانه في كل حال، وذلك يدل على أن وسائل التثبيت والتجديد في المنهج الإسلامي العظيم، لا تستورد من خارج هذا المنهج، وهذا أمر له أبعاده ودلالاته المتصلة بقدرة هذا المنهج، على البقاء، والفاعلية، والتأثير، وتقديم كل مفيد، كريم، فالصلاة تواكب المؤمنين، وتصحبهم في سائر أحوالهم، وهي مفزعهم، وخندقهم، وسياجهم في كل الأحوال، إليها يفيئون، وبإقامتها يستروحون، ويستريحون، ولفوائدها وخيراتها يجنون، وبها عند ربهم يرفعون، وينصرون، يجدون أنوارها، وأسرارها، وثمارها، وبركاتها في سائر أحوالهم، ومن فضل الله تعالـى على عباده المؤمنين أن جعل لهم الصلاة سبيلاً، لتفريج الكروب، وستر العيوب، وتذويب الخطوب، وتخفيف المحن والإحن، والشدائد والأهوال، وشرح الصدور، وتقوية القلوب، وتطهير النفوس، وتزكية الأرواح، فهي ميدان الانتصار، ولعلنا ندرك المعنى العظيم في فزع النبي ﷺ إلى الصلاة إذا حزبه أمر. ولعل ذلك يدعونا ونحن نعيش في عصر العجائب والشدائد، وتوتر الأعصاب، وكثرة المفاجآت المذهلة إلى أن نقتدي بنبينا عليه الصلاة والسلام، فنفزع إلى الصلاة عندما يحزبنا أمر من الأمور، وسنجد أثر ذلك في نفوسنا، وحياتنا خيراً، ونصراً وعزة، وطمأنينة، وراحة في النفوس، وانشراحاً في الصدور.

إن الفرد في غير أمة الإسلام حين يحزبه أمر من الأمور فإنه لا يجد في حياته ما يولي عليه، أو يركن إليه من هدي معصوم يعينه على الثبات وتخطي المحن، وتجاوز الخطوب، فهو يلجأ إلى وسائل فاسدة يكذب هو بها على نفسه، ويزعم خداعاً منه لنفسه، أنها تعينه في محنته، فتراه يذهب إلى حانات الخمر، ليفرغ همومه وغمومه في كئوسها، وهو إنما يزداد بذلك هماً وغماً، خاصة بعد أن يفيق من سكرة الخمر، أو يذهب ليشترك في الرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة، وهو في هذا الرقص يبذل جهداً بدنياً قاسياً،  ومع صراخه، وصراخ الراقصين معه، وبعد بذل ذلك المجهود، يحس بالارتخاء، فيزعم أنه بذلك العمل ينفس على نفسه المكروبة المغمومة، ويطرد همومه وغمومه، ولقد كان هذا الطريق هو البداية لعبدة الشيطان، حيث ظهر الشيطان عليه اللعنة للراقصين على أنغام تلك الموسيقى كما اعترف بذلك أحد عبدة الشيطان عليه اللعنة.

أو يذهب الفرد في غير أمة الإسلام إلى أماكن بعض الطوائف ذات المذاهب المنحرفة، والتي تعتمد التأمل، ورياضة الأليوجا، سبيلاً، لطرد الهموم، والغموم كما يزعم أتباعها، والواقع أن الفرد حين يبذل جهداً بدنياً من خلال رياضة معقدة مثل رياضة الأليوجا، ويتنفس بطريقة خاصة مع هذه الرياضة، فإنه في النهاية سيحس بنوع من الخفة في بدنه، وذلك أمر ميسور لكل من بذل جهداً بدنياً برياضة الأليوجا أو بأي رياضة كانت، فإنه سيشعر بذلك، لأن في الرياضة بتحريك عضلات الجسم، تجديداً للاكسوجين، وتحريكاً، وتنشيطاً للدورة الدموية، وتحريكاً، وتنشيطاً لأعضاء وعضلات الجسم، ومن شأن ذلك أن تنشأ عنه الخفة، والاسترخاء، ولكن ذلك لا ينشط الروح، أو يقويها وهي لا تنشط ولا تقوى إلا إذا كانت نية العبادة لله تعالـى مصاحبة للعمل الحركي في الإسلام، والعبادة توقيفية بمعنى أنها لا تكون إلا بالوحي المعصوم من الله تعالـى لنبي من أنبيائه الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، والديانات التي قبل الإسلام، اندثرت، أو حرفت، والله تعالـى لم يتكفل بحفظ ديانة منها، لأنها كانت ديانات محلية، زماناً ومكاناً، ودين الإسلام العظيم وحده هو الذي تكفل الله تعالـى بحفظه لأن الإسلام دين العالمين جميعاً، فأمر العبادات فيه معلوم، محفوظ منقول إلينا بالتواتر في جانبيه، النظري، والعملي، وعلى ذلك فإن عبادة الصلاة في دين الإسلام العظيم هي العبادة الصحيحة التي يجد فيها المسلم، حين يفزع إليها، بغيته، راحةً لنفسه وبدنه، وهدوءاً لأعصابه، وتزكية لروحه، وإذهاباً لغمومه وهمومه، لأنها تعظيم لله جل جلاله، وعبودية تشترك فيها سائر الجوارح، طاعة له سبحانه وتعالـى.

إننا في حاجة إلى أن نفقه فعل سيدنا رسول الله ﷺ في فزعه إلى الصلاة في ليلتيْ غزوتي بدر، والأحزاب، فقهاً يحملنا على الاقتداء والتطبيق، ونتربى من خلال ذلك على عقيدة أن الأمر كله لله جل وعز، وأن الشدائد والمحن، والخطوب، تربي الرجال المؤمنين في أمة الإسلام العظيم، الذين يفزعون إلى ربهم وسيدهم، وخالقهم، وناصرهم، ومدبر أمرهم كله، بالصلاة له والاطراح بين يديه، والتذلل لعزته، والتواضع لكبريائه، والانكسار لجبروته، والتضرع إليه، ودعائه، بالثناء عليه بما هو أهله، كما تربي الشدائد والمحن، والخطوب النساء المؤمنات في هذه الأمة المباركة أمة الإسلام العظيم، أمة سيدنا محمد ﷺ على ذات الطريق الذي تربى ويتربى بواسطته الرجال المؤمنون، ولقد سجل تاريخنا الإسلامي الوضيء مواقف رائعة للمؤمنين من الرجال والنساء، كانت أقباساً مضيئة على طريق الفزع إلى الله تعالـى بالصلاة بين يديه عند حدوث أمر مهم، اقتداء بالمربي الأعظم والنبي الأكرم سيدنا محمد ﷺ.

إننا في حاجة ماسة إلى أن نعي الأبعاد، والدلالات، والمعاني والتي يمكن أن نستقيها ونستلهمها من وراء فزعه ﷺ إلى الصلاة كلما حزبه أمر. ولا شك أن هذا السلوك النبوي الرشيد، قد وعاه المؤمنون رجالاً ونساء، في أمته ﷺ، واستوعبوا مقاصده العقدية، والإيمانية، والتربوية، فاهتدوا بهدي نبيهم ﷺ في الإلتجاء إلى الله تعالـى، ومناجاته بالصلاة له جل جلاله، فكانت حياتهم راشدة، وسعيهم مشكوراً، فازدادوا بذلك إيماناً، ويقيناً وقوة، وثباتاً، فلم تهزهم الشدائد والمحن، ولم تزدهم المصائب إلا إيماناً وتسليماً، فعبدالله ابن عباس رضي الله عنه كما أسلفنا لما نعي إليه ابن له وهو في سفر كان قوله محدداً، وفعله محدداً بمعنى أنه لم يقل، ولم يفعل شيئاً اتباعاً لعاطفته وإنما قال، وفعل ما يمليه عليه اتباعه لكتاب ربه، وسنة نبيه ﷺ فقال: ﴿ $¯RÎ) ¬! !$¯RÎ)ur Ïmøs9Î) tbqãèÅ_ºu ﴾ وذلك هو ما جاء عليه النص في القرآن الكريم بتربية المؤمنين على هذا القول حين تصيبهم مصيبة. قال تعالـى: ﴿ ÌÏe±o0ur šúïÎŽÉ9»¢Á9$# ÇÊÎÎÈ tûïÏ%©!$# !#sŒÎ) Nßg÷Fu;»|¹r& ×pt7ŠÅÁB (#þqä9$s% $¯RÎ) ¬! !$¯RÎ)ur Ïmøs9Î) tbqãèÅ_ºu ﴾([166])، ثم نزل من على راحلته، وصلى ركعتين، وذلك منه اتباع لسنة النبي ﷺ فقد كان يفزع إلى الصلاة إذا حزبه أمر. وابن عباس
رضي الله عنهما وهو الذي تربى في مدرسة النبوة الطاهرة على يدي
المربي الأعظم ﷺ، يدرك قيمة ما قاله، وما فعله، وهو ما عبر عنه بقوله:
فعلنا ما أمر الله به، متمثلاً، وتالياً لقول الله تعالـى: ﴿
(#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([167]) الآية .

وفـي موقف آخر تجسد المرأة المؤمنة من صحابيات رسول الله ﷺ، رضي الله عنهن، موقف الإيمان والاتباع بأجمل وأروع ما يكون، روى الزهري عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموية، وكانت من المهاجرات الأول في قوله تعالـى: ﴿ (#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([168]) قال: «غشي على عبدالرحمن بن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاض نفسه فيها، وفـي رواية – حتى قاموا من عنده وجللوه ثوباً – فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر، والصلاة»([169]). ويا له من موقف إيماني عظيم من هذه الصحابية المؤمنة العاقلة، المدركة لشأن، ورفعة اتباعها لكتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، و المدركة في ذات الوقت لمسئوليتها في هذا الموقف، وهو موقف ليس سهلاً على امرأة ترى زوجها مجللاً بالثياب وقد غشي عليه غشية ظنت مع من كان حوله أنه فارق الحياة.

إننا نريد أن نقف مع هذه المرأة المؤمنة في موقفها الحضاري الرائع الذي يدل على سمو عقلها، ورفعة فهمها، وعلى قوة نفسها وإيمانها، ونسأل في ذات الوقت عن السر وراء ذلك كله، خاصة إذا علمنا أن تصرف المرأة في الجاهلية قبل الإسلام في مثل هذا الموقف هو لطم الخدود، وشق الجيوب، وترديد مصطلحات جاهلية؟

إن السر وراء ذلك كله هو الإسلام العظيم الذي تربت به تلك النفوس فكرمت به، وسمت، وتطهرت من أرجاس الجاهلية وأدرانها، فأصبحت نفوساً تعكس الإسلام في حياتها بكل قيمه، وأخلاقه، وجماله، وسموه. وليست الجاهلية فترة انتهى زمانها، ولكنها وصف لسلوكيات، وأخلاقيات الإنسان حين ينحرف عن هدي الله تعالـى، فهي بذلك موجودة في انحراف الإنسان عن هذا الهدي، وهي ليست جاهلية واحدة، ولكنها جاهليات متعددة: فهناك جاهلية العلم، وجاهلية المعرفة، وجاهلية  الأخلاق، و جاهلية السلوك، وأسها كلها: الجهل بالله تعالـى وبدينه العظيم. ونحن نريد أن نقارن بين موقف ابن عباس رضي الله عنه حين بلغه وفاة ابن له، وموقف أم كلثوم رضي الله عنها زوجة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، وقد رأت زوجها مجللاً بالثياب يظن أنه مات، وبين مواقف كثير من المسلمين والمسلمات في هذا الزمن حين يواجهون مصيبة الموت، أو حين يواجهون مصيبة ما من مصائب الدنيا.

إن الناس بغير هذا الدين لا تبدو منهم صورتهم الإنسانية الراشدة، ولكنهم تظهر منهم صورة الهمجية، وحياة الغاب، فالمسلم الذي لا يلتزم بأحكام الدين يتصرف عند وقوع المصيبة تصرفاً هو أقرب إلى صورة إنسان الغاب، فالجزع، والغضب، وشدة الحزن، والإغماء، وغرابة الألفاظ، ولبس الأسود، وإطلاق الشعر، وإهمال المظهر، وكثرة التدخين، وذلك هو أكثر ما يميز هذا المسلم الذي لا يرتبط بدينه إلا بمظاهر اجتماعية، أما المرأة في المصيبة، فهي أشد حزناً، وجزعاً، وهي أشد غرابة في تصرفاتها، وصراخها، وعويلها، ولطم خدودها، وشق ثيابها، وحثوها التراب على شعر رأسها.

إن المرء حين يرى هذا المظاهر المتخلفة يحس أن الجاهلية قام سوقها، ويحس بمدى الواقع المتأخر، والمتردي الذي لا زالت المرأة المسلمة تعيشه في معظم البلاد الإسلامية، وهو أمر يلقي بالمسئولية على المربين، وأهل العلم، والدعوة في توجيه المرأة، وتعليمها أحكام دينها.

وإذا انتقلنا من مصيبة الموت إلى بعض المصائب، والابتلاءات التي قد يواجهها الناس في حياتهم اليوم، ووقفنا عند تصرفات بعض المنتسبين للإسلام لرأينا في تصرفاتهم عجائب تجعل الحليم حيران، ومن ذلك: الفزع إلى قبور الأولياء والصالحين، والاستعانة بالسحرة، والكهنة، والمنجمين، وذلك كله وسواه يدل على خلل واضح في عقيدة هؤلاء، كما يدل على جهل فاضح بالله تعالـى، وبدينه القويم.

إن المنهج القويم في مواجهة المصائب عند وقوعها هو ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالـى: ﴿ (#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([170]) الآية، وبقوله تعالـى: ﴿ ̍Ïe±o0ur šúïÎŽÉ9»¢Á9$# ÇÊÎÎÈ tûïÏ%©!$# !#sŒÎ) Nßg÷Fu;»|¹r& ×pt7ŠÅÁB (#þqä9$s% $¯RÎ) ¬! !$¯RÎ)ur Ïmøs9Î) tbqãèÅ_ºu ﴾([171]) وفـي آيات أخرى في كتاب الله تعالـى، وما دل عليه الرسول ﷺ بفعله الرشيد السديد في فزعه إلى الصلاة عند مواجهة أمر فيه شدة، و ما روي عنه من سنة قولية جاءت مبثوثة في كتب السنة، وما سوى ذلك من السلوكيات، والأقوال التي ليس لها سند شرعي صحيح، فهو من صنع الجاهلية المعاصرة، والتي تعد في هذا المجال امتداداً للجاهلية الأولى. فالحمد لله على نعمة الإسلام العظيمة، والتي من خلالها ترى آدمية الإنسان، وإنسانيته.

رابع عشر : أنها كانت آخر وصية النبي ﷺ لأمته، وذلك أنه لما اشتد به ﷺ المرض، وبلغ الحال التي لا يكاد يبين فيها لسانه بالكلام، كانت وصيته عليه الصلاة والسلام للأمة في تلك الحال الشديدة الصلاة. روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت آخر وصية رسول الله ﷺ، وهو يغرغر بها في صدره، فلا يكاد يفيض بها لسانه «الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم»([172]).

وهذا الاهتمام الشديد من النبي ﷺ بشأن الصلاة، والذي ظهر في وصيته عليه الصلاة والسلام لأمته وهو في سكرات الموت دليل بين واضح على مكانة الصلاة، وشأنها عند رسول الله ﷺ، وجدير بكل مكلف عاقل أن يتبصر هذه الوصية، وينزلها من نفسه المنزلة التي تليق بها قياماً بحقها، وتنفيذاً لها، ووفاءً لحق من أوصى بها ﷺ، والواقع المشاهد في حياة الناس عند سكرات الموت: أنهم يحرصون على وصية أبنائهم، بما يرونه أهم الأشياء في نفوسهم، وأعزها عليهم، حتى يتذكر الأبناء الوصية، ويهتموا بها، لأن الإنسان في حال معالجة سكرات الموت، يصعب عليه التذكر، اللهم إلا ما كان من الأمور الكامنة في سويداء القلب، وبؤرة الشعور، فإنه في الغالب ينطق بها في تلك الحال، وذلك لشدة الاهتمام والتعلق بها.

والصلاة هي عمود الإسلام، والرسول ﷺ حريص على أمته بأن تقيم عمود إسلامها، وحياتها حتى يستقيم ويبقى لها كيانها، فعمود كل شيء هو ما به بقاؤه، واستمراره، ومتى هدم العمود، انهدم ما سواه تبعاً له. فلا قيمة للأمة، ولا قوة لها، ولا استمرار لبقائها حية قوية بين الأمم إلا بإقامة الصلاة. فالصلاة هي نبع الحياة القوية الفاعلة لهذه الأمة. ولعل هذه المعاني تدلنا بقليل أو كثير على عظمة هذه الوصية النبوية الشريفة العظيمة، وعلى شرف، وعظمة نفس صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فهو ﷺ الحريص على أمته، الرءوف الرحيم بها. قال الله تعالـى: ﴿ ôs)s9 öNà2uä!%y` Ñ^qßu ô`ÏiB öNà6Å¡àÿRr& îƒÍtã Ïmøn=tã $tB óOšGÏYtã ëȃ̍ym Nà6øn=tæ šúüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ Ô$râäu ÒOŠÏm§ ﴾([173]) وقال سبحانه: ﴿ ÓÉ<¨Z9$# 4n<÷rr& šúüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ ô`ÏB öNÍkŦàÿRr& ( ﴾([174]) الآية.

خامس عشر: ومما يدل على مكانة الصلاة: أن مصلى المؤمن يبكي عليه بعد موته، فقد جعل الله تعالـى البقعة التي يصلي عليها المؤمن تبكي عليه دون سائر البقاع([175]). روى سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه قال: إذا مات المؤمن بكى عليه مصلاه من الأرض، وبابه من السماء([176]).

وروى المنهال بن عمرو رضي الله عنه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: سئل ابن عباس: أتبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم! إنه ليس من الخلائق أحد إلا له باب من السماء، أو باب في السماء، يصعد فيه عمله، وينزل فيه رزقه، فإذا مات المؤمن، بكت عليه معادنه من الأرض التي كان يذكر الله فيها، ويصلي فيها، وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله، وأما قوم فرعون فلم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، ولم تبك عليهم السماء والأرض. قال الإمام المروزي([177]): يريد قوله: ﴿ $yJsù ôMs3t/ ãNÍköŽn=tã âä!$yJ¡¡9$# ÞÚöF{$#ur  ﴾([178]) الآية.

جاء في تفسير ابن كثير: وقال مجاهد أيضاً: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً. قال: فقلت له (أي لابن عباس): أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل([179]). وهذا دليل على أن للسماء والأرض بكاء يعلم الله تعالـى كيفيته، وصفته، وأن العلاقة بين المؤمن وبين الكون حوله هي علاقة انسجام ووئام، فالكل يسبح الله تعالـى، ويطيعه ولا يتمرد عليه، قال تعالـى: ﴿ ßxÎm6|¡è@ ã&s! ßNºuq»uK¡¡9$# ßìö7¡¡9$# ÞÚöF{$#ur `tBur £`ÍkŽÏù 4 bÎ)ur `ÏiB >äóÓx« žwÎ) ßxÎm7|¡ç ¾ÍnÏ÷Kpt¿2 `Å3»s9ur žw tbqßgs)øÿs? öNßgysÎ6ó¡n@ 3 ¼çm¯RÎ) tb%x. $¸JŠÎ=ym #Yqàÿxî ﴾([180]). وقــــال ســـــبحانه: ﴿ öä.øŒ$#ur $tRyö7tã yŠ¼ãr#yŠ #sŒ Ï÷ƒF{$# ( ÿ¼çm¯RÎ) ë>#¨rr& ÇÊÐÈ $¯RÎ) $tRö¤y tA$t7Ågø:$# ¼çmyètB z`ósÎm7|¡ç ÄcÓÅ´yèø9$$Î/ É-#uŽõ°M}$#ur  ﴾([181]) وقال جل وعز: ﴿ §NèO ôM|¡s% Nä3ç/qè=è% .`ÏiB Ï÷èt/ šÏ9ºsŒ }Îgsù Íou$yÚÏtø:$$x. ÷rr& x©r& Zouqó¡s% 4 ¨bÎ)ur z`ÏB Íou$yfÏtø:$# $yJs9 ㍤fxÿtFtƒ çm÷ZÏB ㍻yg÷RF{$# 4 ¨bÎ)ur $pk÷]ÏB $yJs9 ß,¤)¤±o ßlã÷uŠsù çm÷YÏB âä!$yJø9$# 4 ¨bÎ)ur $pk÷]ÏB $yJs9 äÝÎ6öku ô`ÏB ÏpuŠô±yz «!$# 3 $tBur ª!$# @@Ïÿ»tóÎ/ $£Jtã tbqè=yJ÷ès? ﴾([182]).

قال القرطبي في تفسيره: «وذكر ابن المبارك في «دقائقه» أخبرنا مسعر عن عبدالله بن واصل، عن عوف بن عبدالله قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن الجبل يقول للجبل: يا فلان، هل مر بك اليوم ذاكرٌ لله عز وجل؟ فإن قال: نعم سُر به، ثم قرأ عبدالله: ﴿ (#qä9$s%ur xsƒªB$# ß`»oH÷q§9$# #V$s!ur ﴾([183]). قال: أفتراهن يسمعن الزور، ولا يسمعن الخير، وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضاً: يا جاراه، هل مر بك اليوم عبد صلى لله، أو ذكر الله عليك؟ فمن قائلة: لا، ومن قائلة: نعم، فإذا قالت: نعم، رأت لها بذلك فضلاً عليها»([184]).

والخلاصة: أن المؤمن يحبه كل من يحب الله، ويطيعه، من الإنس والجن، والكون المسخر بأمر الله تعالـى، بما فيه من حيوان، ونبات وجماد.

سادس عشر: ومما يدل على مكانة الصلاة وعظيم قدرها عند الله تعالـى: أنها قرة عين النبي ﷺ. قال الإمام المروزي: (ولو لم يستدل المؤمن على أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله إلا بما ألزم قلب حبيبه المصطفى محمد ﷺ من حب الصلاة. وجعل قرة عينه فيها دون سائر الأعمال كلها، وإن كان ﷺ محباً لجميع الطاعات ولكنه خص الصلاة ؛ فأخبر أن قرة عينه جعل في الصلاة لربه، لكفاه بذلك دليلاً)([185])، وهذا أمرٌ جدير بالتأمل وإلقاء الضوء عليه حتى يمكن أن نتلمس من خلال ذلك بعض المعاني، والدلالات، والإيماءات المتصلة بهذا الأمر.

إن نفس النبي عليه الصلاة والسلام هي أشرف وأكرم نفس، وأطهرها، وأزكاها، فالله عز وجل اصطفى نبيه ﷺ، واختاره من خيارٍ، من خيار، وزكى نفسه، وطهرها، فهو ﷺ صفوة الخلق، والمثل الكامل للإنسانية، فإذا قال عليه الصلاة والسلام «وجعلت قرة عيني في الصلاة»([186]) فمعنى ذلك أن الصلاة بالنسبة إليه ﷺ قرة عين، أي أنها يجد فيها كل ما يتمناه، وذلك دليل على فضلها، وشرفها، فلم تجعل قرة عينه ﷺ في شيء من العبادات سوى الصلاة، فهي ساحة الخضوع، والتذلل، والانكسار لله العزيز الجبار الواحد القهار جل جلاله، وفيها أجمل صور الانكسار، والتذلل، والخضوع، وذلك بالركوع والسجود لله جل جلاله، ولذلك كانت ساحة السجود هي ساحة القرب من الله تعالـى، فكون الصلاة هي قرة عين النبي ﷺ دون سائر العبادات دليل على فضلها وشرفها.

والصلاة هي ميدان العبودية لله تعالـى، ومظهرها العملي، ولذلك كان ﷺ يجد فيها قرة عينه حيث يزداد قربه من ربه سبحانه بالسجود له، والركوع، والقنوت.

والسائرون على هدي نبيهم ﷺ يتلمسون آثار هذا الهدي في صلاتهم، ويحاولون أن يقتبسوا من أنواره وأسراره، وهم يجتهدون في الإحسان في صلاتهم، فلعل ذلك يكون معيناً لهم على الدخول في ساحة القرب من الله تعالـى، ونيل مرضاته. ولذلك فقد كانت الصلاة، ولا تزال هي الميدان الذي يكشف عن القلوب، ومدى تعلقها بالله تعالـى وتعظيم هيبته، والخوف من مقامه، ومدى تذللها لعظمته، وانكسارها لجبروته، وصغارها لكبريائه.

قال الإمام أحمد: «إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم في الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة، فاعرف نفسك يا عبدالله، احذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك»([187]). فالقلب العامر بمحبة الله تعالـى، وخشيته، وخوف مقامه، وتعظيم أمره، وإجلاله، إذا وقف بين يدي الله سبحانه في الصلاة فإن الله تعالـى يفيض عليه من فضله، وعطاياه، ويفتح عليه من الخير ما الله به عليم، فتمتلئ أرجاء هذا القلب بالهيبة، والخشية والإجلال لله عز وجل، ويسطع فيه نور الإيمان، وترفع عنه حجب النفس، ودخان الشهوات، فيرتع في رياض معاني القرآن، وتخالطه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات، وعلوها، وجمالها، وكمالها، فيحصل عنده انفعال بها يستولي على مشاعره، وعواطفه، فيجتمع همه على الله تعالـى، وتقر عينه بمناجاته، والتضرع له، والإحساس بالقرب منه، والإقبال عليه، فلا يحس بالدنيا من حوله، ولعل هذه المعاني، وسواها مما يتصل بها تقربنا من أقطار القول النبي الكريم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ليعرف كل منا مدى قربه أو بعده من هذا القول الشريف.

سابع عشر: ومما يدل على مكانة الصلاة، وفضلها، وشرفها: أن الذنوب تتساقط عن المصلي بالركوع والسجود، (رأى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فتى قد أطال الصلاة، وأطنب، فقال: أيكم يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا أعرفه، فقال عبدالله بن عمر: أما إني لو عرفته، لأمرته بكثرة الركوع والسجود، وفـي رواية: لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن العبد إذا قام إلى الصلاة، أُتي بذنوبه كلها، فوضعت على عاتقيه (وفـي رواية: فجعلت على رأسه وعاتقه) فكلما ركع، أو سجد تساقطت عنه» أخرجه الإمام المروزي في قيام الليل([188]). وخرجه الألباني في الصحيحة([189])، وصححه. وذلك أن الركوع والسجود يمثلان غاية الخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالـى، فالركوع خضوع، والسجود تذلل، و الركوع في الصلاة يعقبه السجود ليتم تطهير العبد بهما، والركوع قطع لظهر الكبر في الإنسان، والسجود تحطيم لظهر الغطرسة والتعالي فيه، وفيهما دلالة بليغة على أن الدخول إلى ساحة الجبار القهار جل جلاله، لا يتم إلا من خلال أبواب العبودية، والذلة، والصغار، والانكسار. والركوع والسجود أحد هذه الأبواب، والركوع يمهد للسجود، فهو توطئة له، ومقدمة بين يديه، ولذلك تقدمه.

قال ابن قيم رحمه الله: (وشرع السجود على أكمل الهيئة، وأبلغها في العبودية، والسجود سر الصلاة، وركنها الأعظم، وخاتمة الركعة، وما قبلها من الأركان كالمقدمات له، فهو شبه طواف الزيارة في الحج، فإنه مقصود الحج، ومحل الدخول على الله، وزيارته، وما قبله كالمقدمات له، ولهذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأفضل الأحوال له، حال يكون فيها أقرب إلى الله، ولهذا كان الدعاء في هذا المحل أقرب إلى الإجابة، ولما خلق الله سبحانه العبد من الأرض كان جديراً بأن لا يخرج عن أصله، بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه، فإن العبد لو ترك لطبعه، ودواعي نفسه لتكبر، وأشر، وخرج عن أصله الذي خلق منه، ولوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة، فنازعه إياهما، وأمر بالسجود خضوعاً لعظمة ربه وفاطره، وخشوعاً، وتذللاً بين يديه، وانكساراً له، فيكون هذا الخشوع، والتذلل رداً له إلى حكم العبودية، ويتدارك ما حصل له من الهفوة، والغفلة، والإعراض الذي خرج عن أصله، فتمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه، وهو يضع أشرف شيء منه وأعلاه، وهو الوجه، وقد صار أعلاه أسفله خضوعاً بين يدي ربه الأعلى، وخشوعاً له وتذللاً لعظمته، واستكانة لعزته، وهذا غاية خشوع الظاهر، فإن الله سبحانه خلقه من الأرض التي هي مذللة للوطء بالأقدام، واستعمله فيها ورده إليها، ووعده بالإخراج منها فهي أمه، وأبوه، وأصله، وفصله، فضمته حياً على ظهرها، وميتاً في بطنها، وجعلت له طهراً، ومسجداً، فأمر بالسجود إذ هو غاية خشوع الظاهر، وأجمع العبودية لسائر الأعضاء، فيعفر وجهه في التراب استكانة وتواضعاً، وخضوعاً، وإلقاء باليدين)([190]).

ثامن عشر: ومما يدل على شرف الصلاة ومكانتها، وفضلها على سائر الأعمال أن موضع السجود من المصلي لا تأكله النار، قال الإمام المروزي: (ومن فضل الصلاة على سائر الأعمال أن من دخل النار من المؤمنين لم يجدوا شيئاً من الأعمال التي عملوها بجوارحهم تمنع شيئاً من أجسامهم من الاحتراق إلا السجود له في الدنيا، فإن النار لم تصب مواضع السجود من المصلين خاصة، كذلك أخبر النبي ﷺ)([191]).

قال ابن قيم رحمه الله: (ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله، بحسب نصيبه من عبوديته، وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية، متضمنة لأقسامها، كانت أفضل أعمال العبد، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه، وكان السجود أفضل أركانها الفعلية، وسرها التي شرعت لأجله، وكان تكرره في الصلاة أكثر من تكرر سائر الأركان، وجعله خاتمة الركعة، وغايتها، وشرع فعله بعد الركوع، فإن الركوع توطئة له، ومقدمة بين يديه)([192]).

ولما كان السجود هو سر الصلاة وعمودها، وأفضل أركانها وهو غاية التذلل والخضوع بالعمل الظاهر كان عطاء الله تعالـى لعباده الساجدين عظيماً، و من مظاهر هذا العطاء الكريم:

أن الله تعالـى حرم على النار أن تأكل موضع السجود من المصلين، وذلك أمر له دلالاته وأبعاده الدالة على شأن السجود عند الله سبحانه. وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري: «.. حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان شهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له: ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل»([193]).

ومن ذلك: أنه ما سجد عبدٌ مؤمنٌ لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه سيئة. قال ﷺ: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة»([194]).

ومن ذلك: ابتهاجه ﷺ، وافتخاره بأنه أول مأذون له في السجود لله تعالـى يوم القيامة، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أمته بتعظيم نعمة الله عليه بما يخصه به يوم القيامة، بأن يجعله أول مأذون له بالسجود يوم القيامة، وأخبر أنه إذا قصد إلى الله عز وجل ليشفع لأهل التوحيد خرَّ ساجداً بين يدي الله عز وجل فلا يزال كذلك حتى يؤمر برفع رأسه، ويجاب إلى ما سأل، روي عن أبي ذر، وأبي الدرداء رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله ﷺ: «أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، فأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم، فأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم. فقال رجل: يا رسول الله! كيف تعرف أمتك من بين الأمم؟ قال: غر محجلون، من آثار الطهور، ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، فأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم»([195]).

تاسع عشر: ومما يدل على شرف الصلاة وفضلها: أن جميع الأعمال فيها توحيد لله وتعظيم له. قال صاحب كتاب «حجة الله البالغة» الإمام الدهلوي رحمه الله: (اعلم أن أصل الصلاة ثلاثة أشياء: أن يخضع لله تعالـى بقلبه، ويذكر الله بلسانه، ويعظمه غاية التعظيم بجسده، فهذه الثلاثة أجمعت الأمم على أنها من الصلاة، وإن اختلفوا فيما سوى ذلك)([196]). ثم أخذ رحمه الله ببيان كل أصل من هذه الأصول الثلاثة:

فعن الأول وهو خضوع القلب قال: (والأصل في ذلك أن خضوع القلب لله، وتوجهه إليه تعظيماً، ورغبة، ورهبة أمرٌ خفي لا بد له من ضبط، فضبطه النبي ﷺ بشيئين: أن يستقبل القبلة بوجهه وبدنه، وأن يقول بلسانه: الله أكبر، وذلك لأن من جبلة الإنسان أنه إذا استقر في قلبه شيء جرى حسب ذلك الأركان – أي الأعضاء – واللسان وهو قوله ﷺ: «إن في جسد ابن آدم مضغة...» الحديث، ففعل اللسان والأركان أقرب مظنة، وخليقة لفعل القلب، ولا يصلح للضبط إلا ما يكون كذلك)([197]).

أما عن الأصل الثاني وهو ذكر الله باللسان فقال: (وأما ذكر الله فلا بد من توقيته –أي ضبطه– أيضاً، فإن التوقيت أجمع لشملهم، وأطوع لقلوبهم، وأبعد من أن يذهب كل أحد إلى ما يقتضيه رأيه حسناً، كان أو قبيحاً، وإنما تفوض إليهم الأدعية النافلة التي يخاطب بمثلها السابقون على أنها أيضاً لم يتركها النبي ﷺ بغير توقيت –أي ضبط – ولو استحباباً، وإذا تعين التوقيت فلا أحق بالفاتحة لأنها دعاء جامع أنزله الله تعالـى على ألسنة عباده يعلمهم كيف يحمدون الله، ويثنون عليه، ويقرون له بتوحيد العبادة، والاستعانة، وكيف يسألونه الطريقة الجامعة لأنواع الخير ويتعوذون به من طريقة المغضوب، والضالين، وأحسن الدعاء أجمعه)([198]).

وأما عن الأصل الثالث وهو تعظيم الله بالجسد، فقد قال: (أما التعظيم بجسده، فالأصل فيه ثلاث حالات: القيام بين يديه، والركوع، والسجود، وأحسن التعظيم ما جمع بين الثلاث، وكان التدرج من الأدنى إلى الأعلى أنفع في تنبيه النفس للخضوع من غيره. وكان السجود أعظم التعظيم، يظن أنه المقصود بالذات، وأن الباقي طريق إليه، فوجب أن يؤدي حق هذا الشبه وذلك بتكراره)([199]).

ثم استطرد رحمه الله يذكر كل فعل، وقول من أفعال، وأقوال الصلاة بأسلوب جميل وتعليل لطيف طريف.

على أن الإمام المروزي رحمه الله قد عدد أعمال الصلاة وهي كلها تعظيم لله سبحانه فقال: (فلا عمل بعد توحيد الله أفضل من الصلاة لله لأنه افتتحها بالتوحيد، والتعظيم لله بالتكبير، ثم الثناء على الله وهي قراءة فاتحة الكتاب، وهي حمد لله، وثناء عليه، وتمجيد له، ودعاء، وكذلك التسبيح في الركوع، والسجود، والتكبيرات عند كل خفض، ورفع، كل ذلك توحيد لله، وتعظيم له، وختمها بالشهادة له، بالتوحيد، ولرسوله بالرسالة، وركوعها، وسجودها خشوعاً له، وتواضعاً، ورفع اليدين عند الافتتاح، والركوع، ورفع الرأس تعظيماً لله، وإجلالاً له، ووضع اليمين على الشمال بالانتصاب لله تذللاً له، وإذعاناً بالعبودية)([200]).

وإذا كانت جميع أعمال الصلاة، وأقوالها تعظيماً لله تعالـى وتوحيداً له، فإنه لا يقدر على القيام بها إلا من وحد الله وعظمه، ولا يكون ذلك إلا من مؤمن، ولعل ذلك يدل عليه مجيء اقتران صفة إقام الصلاة، بصفة الإيمان في كتاب الله تعالـى، والحق أننا في حاجة إلى عمل علمي يعمد إلى جمع أقوال أهل العلم في أفعال الصلاة وأقوالها، مثل الغزالي، والحكيم الترمذي، والدهلوي، وابن تيمية وابن قيم، وغيرهم، وإخراج هذه الأقوال في إطار مرتب منظم محلى بشيء من التعليق الخفيف اللطيف، الظريف.

عشرون: ومما يدل على شرف الصلاة  وفضلها، ومكانتها: أنها أول ما يحاسب عليه العبد من الأعمال يوم القيامة. روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة صلاته المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك»([201]).

وفـي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح، وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وأن انتقص من فريضته شيء، قال الرب تبارك وتعالـى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك»([202])، واللفظ للترمذي.

وهذان الحديثان الشريفان يدلان على وظيفة الصلاة وخطرها وأثرها في صلاح الأعمال إن هي صلحت، كما يدلان بالمقابل على أثرها في فساد الأعمال إن هي فسدت. وذلك أمر مشاهد معلوم في حياة الناس، فما من إنسان مسلم مسدد في عمله في هذه الدنيا، وموفق إلى فعل الخير، يجمع بين صلاح الدين والدنيا إلا وهو قد وفق إلى الصلاح في صلاته.

إن ثبات الإنسان في صلاته، وسكينته وخشوعه فيها، يقوده إلى ثبات خطاه، وتعقله في سيره في حياته، وما من إنسان يعبث في صلاته، ويكثر من الحركات فيها، إلا وتجده مهزوزاً، في حياته العملية، غير ثابت، ومستقر، فالله تعالـى جعل الصلاة هي عمود إسلام المصلي، فإذا كان عمود الشيء ضعيفاً مهزوزاً، فإنه بالتالي سيؤثر على ما سواه ضعفاً، واضطراباً، وهكذا الصلاة في تأثيرها واثرها على أعمال العبد يوم القيامة، فإن وجدت صالحة فقد أفلح، وأنجح، وإن وجدت فاسدة فقد خاب، وخسر، ولكن كيف يمكننا أن نؤدي صلاة صالحة، تنفعنا في الدنيا، وفـي الآخرة؟ إن لكل شيء فيما يتعلق به صلاحاً، أو فساداً أسباباً، ومقدمات تؤدي إلى أحد الأمرين، فما هي الأسباب والمقدمات يا ترى التي تعيننا على أن تكون صلاتنا صالحة؟

إن من أول هذه الأسباب الإيمان بالله تعالـى، وتعظيم أمره، وطعمة الحلال.

وثانيها: تفريغ القلب للصلاة، استعداداً، ومحبة لها، وحرصاً على إقامتها، وتحصيلاً لمقدمات إقامتها، من تحصيل الطهور، والهيئة الحسنة، والسواك، والطيب، والتبكير لها، والظفر بالصفوف الأولى، والقيام بفعل سننها القبلية والبعدية، والقولية، والفعلية، وإحسان الفعال، والحال، والمقال فيها.

والصلوات الخمس حلقات متصلة ببعضها، يؤثر بعضها في بعض، فالإحسان في إقامة صلاة الصبح مثلاً، وقتاً، وجماعة، وهيئة، وفعلاً، ومقالاً، يؤدي إلى الإحسان في إقامة صلاة الظهر، والعكس صحيح. وصلاح النية وقوتها عامل مهم في قوة وصلاح العمل، والعكس صحيح كذلك، فرب عمل صغير صار بالنية القوية الصالحة كبيراً، وعظيماً عند الله تعالـى، ورب عمل كبير صار بالنية الفاترة الضعيفة صغيراً عنده سبحانه. والحب له أثره وشأنه في إتقان الأعمال، وصلاحها، فحب الصلاة والاعتزاز بها مهمان في إحسان وتجويد أفعالها، وأقوالها.

وإذا عرف المصلي أن الصلاة كما يقول العلامة أبو الحسن الندوي: (استجابة لغريزة البشر النوعية، غريزة الافتقار، والضعف، والطلب، وغريزة الالتجاء والاعتصام، والدعاء، والمناجاة، والاطراح على عتبة القوي الغني، الجواد الكريم، الرءوف الرحيم، الحافظ، المانع، المعطي، الباذل، العليم، الخبير، السميع، المجيب، واستجابة لغريزة الشكر والوفاء، وغريزة الحب، والحنان، وغريزة الخضوع، والتواضع، والعبودية، والتذلل،
فهو – أي المصلي – في ذلك كالسمك لا يعيش إلا في الماء، وإذا أخرج من الماء لم يزل في حاجة إلى الماء وفـي حنين، وفـي فرار والتجاء إليه، وذلك معنى قول الرسول ﷺ: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»([203])، وقوله ﷺ لمؤذنه بلال: «يا بلال أقم الصلاة، أرحنا بها»([204]).

إذا عرف المصلي ذلك فإنه سيقبل على الصلاة، بحب، واعتزاز، وخفة وهمة، ونشاط، وسيكون ذلك حافزاً له على الإحسان في صلاته لتكون صلاة صالحة تصلح بصلاحها أعماله في الدنيا، والآخرة.

فالعلاقة بين المصلي وصلاته هي علاقة وطيدة، علاقة الحبيب بمن يحبه في أسمى وأجمل وأرقى ما يكون الحب، والاعتزاز بهذا الحب، ففي الصلاة يجد المصلي ذاته وكيانه، ويجد أصله ونسبه، وانتماءه الحقيقي، ويجد عواطفه، وأشواقه، ومشاعره، وأحاسيسه، وفيها يجد إيمانه، فالصلاة (أقرب إلى المؤمن، وأكثر إيواء، وأسرع نجدة، وإسعافاً، وأسخى، وأحنى، وأعطف عليه من حجر الأم الرءوم الحنون على الطفل الشريد، اليتيم الضائع، الضعيف العاجز كلما عوكس، أو هدد، و كلما أصابه الروع أو الفزع، أو مسه الجوع أو العطش آوى إلى أمه فرمى نفسه في أحضانها، أو تشبث بأذيالها، كذلك الصلاة معقل المسلم وملجؤه الذي يأوي إليه، والعروة الوثقى التي يعتصم بها، والحبل الممدود بينه وبين ربه الذي يتعلق به، وهو غذاء الروح، وبلسم الجروح، ودواء النفوس، وإغاثة الملهوف، وأمان الخائف، وقوة الضعيف، وسلاح الأعزل)([205]).

ولذلك كان حنين الصحابة رضي الله عنهم إلى الصلاة كبيراً، وحبهم لها عظيماً، واعتزازهم بها قوياً، فكانوا يؤثرونها على كل محبوب إلى النفس، فهي أحب إليهم من أولادهم.

نعم، إذا عرف المصلي هذه المعاني وسواها تعلقت نفسه بالصلاة،  محبة لها، واعتزازاً بها، وحرصاً على فعلها في صورة صالحة جميلة. فلا صلاح للأعمال في الدنيا والآخرة إلا بصلاح الصلاة، ولذلك فهي جديرة بأن تكون أول الأعمال التي يحاسب عليها العبد يوم القيامة، فنسأل الله السداد في أعمالها، وأقوالها، وأحوالها، وصلاح النية فيها، والحب لها.

واحد وعشرون: ومما يدل على شرفها وفضلها: أنها خير أعمال المؤمن، وأن أفضل العمل أداؤها لوقتها، روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله ﷺ: أي العمل أفضل؟ فقال: «الصلاة لميقاتها» أخرجه مسلم([206]).

وروى ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة»([207]).

إن مما تقدم من الحديث عن مكانة الصلاة آنفاً مما اشتمل على بيان المصطفى ﷺ لفضل الصلاة وشأنها، بأنها من أفضل الأعمال، وأن أفضل العمل أداؤها لوقتها، لهو أمر يجعلنا نقف عند هذا البيان النبوي الكريم، نستلهم بعض أبعاده، ودلالاته، فهو بيان من لا ينطق عن الهوى ﷺ. نعم إن الصلاة هي أفضل العمل، وأداؤها لوقتها أفضل العمل كذلك، لأن الصلاة هي حياة الأعمال، وهي حياة الإيمان الدالة عليه، فهي بالإضافة إلى أن أعمالها كلها توحيد وتعظيم لله تعالـى كما بينا فيما مضى، فهي صلة، مستمرة بين العبد وربه، فرضها الله سبحانه على عباده المؤمنين خمس مرات في اليوم والليلة، رحمة بهم، وذلك أنه سبحانه ميز الإنسان من بين سائر المخلوقات، بشرف العقل، والتكليف بناء على هذا الشرف، فكان بذلك أحق من جميع المخلوقات بأن يكون في عبادة دائمة لا انقطاع لها من قيام وركوع، وسجود، ومن حمد، وتسبيح، وذكر لا يفتر عنه لسانه، فكانت هذه الصلوات الخمس بأوقاتها، وركعاتها كما يقول العلامة أبو الحسن الندوي: (وجبات روحية، وحقناً صحية شرعها الخلاق العظيم، المبدع الحكيم، الذي ليس طبيب النفوس فحسب، بل هو خالقها العليم، وصانعها الحكيم كذلك، فلا بد من الإيمان والخضوع لحكمتها، وتشريعها  ولا بد من التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ، والإتيان بها في أوقاتها، التي لا تعلم أسرارها، وما يظهر فيها من تجليات، وإشراقات، وما يتنزل فيها من بركات ورحمات)([208]).

ولشرف الصلاة ومكانتها عند الله تعالـى، جاءت أوقاتها من أحب الأوقات إلى الله تعالـى، كما بينا فيما مضى.

اثنان وعشرون: أن الصلاة تجتث الصفات السلبية في النفس. قال تعالـى: ﴿ * ¨bÎ) z`»|¡SM}$# t,Î=äz %·æqè=yd ÇÊÒÈ #sŒÎ) çm¡¡tB Ž¤³9$# $Yãrây_ ÇËÉÈ #sŒÎ)ur çm¡¡tB çŽösƒø:$# $¸ãqãZtB ÇËÊÈ žwÎ) tû,Íj#|ÁßJø9$# ÇËËÈ tûïÏ%©!$# öNèd 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqßJͬ!#yŠ ﴾([209]) فهي ميدان تتربى فيه نفس المؤمن على صفات، و معان نبيلة كريمة، بعد أن تتخلص مما يضادها، قال ابن قيم رحمه الله: (ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة وأشباهها من داخل فيه وخارج عنه اقتضت تمام رحمته وإحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخلع والعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرات، وجعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة ووقاراً لهذا العبد الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ليست في اللون الآخر لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية، ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة، ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفراً لمذموم كان يكرهه بإزائه، ويثيبه عليه نوراً خاصاً، فإن الصلاة نور وقوة في قلبه وجوارحه وسعة في رزقه ومحبة في العباد له)([210])، وذلك أن الصلاة هي ساحة أمن وأمان، وإيمان، يجد فيها المؤمن كل ما ينشده، من الخير، والعزة، والكرامة، والكرم، والأمن والإيمان.

إن الإنسان من حيث هو إنسان – إلا من رحم الله تعالـى – قد جبل على صفات سلبية، مثل الهلع، والخوف، والشح، والطمع، ولو ترك لهذه الصفات السلبية، ومثلها في نفسه، لهلك، وأهلك غيره، ولكن الله تعالـى رحم هذا الإنسان، فلم يتركه لصفاته  السلبية تهلكه، فأرسل إليه رسله يدلونه على الإيمان، وميادينه، فالإيمان هو الذي ينصلح به حال هذا الإنسان ظاهراً، وباطناً، وتتربى به نفسه.

والصلاة إيمان، وتوحيد، وعبودية، وطاعة لله سبحانه، وتطهير  وتثبيت، وتقوية، وتزكية لنفوس المؤمنين، جاءت مفروضة خمس مرات في اليوم والليلة، لغايات شريفة نبيلة لا يحيط بعلمها إلا الله تعالـى، ولا شك أن تطهير النفس وتزكيتها من بين هذه الغايات، وذلك أن النفس البشرية غريبة عجيبة في سلوكها، و مفاجآتها، وتلونها، وهي لا تقف عند حد في ذلك. ولكنها بالإيمان ينضبط سلوكها ويقف تلونها، وتقل مفاجآتها، وتختفي فيها صفاتها السلبية، فكانت الصلاة بتكررها خمس مرات جرعة إيمانية قوية تعالج في النفس أمراضها، وسلبياتها الظاهرة، والباطنة، ومن ذلك علاج صفات البخل، والجزع، والهلع. وهي صفات مكينة في النفس البشرية، فالبخل بالمال، ومنعه عند الحصول عليه، والجزع عند حصول الشر من الصفات اللصيقة بالإنسان، إلا من رحم الله تعالـى، وهما صفتان مهلكتان لأن مدارهما على سوء الظن بالله تعالـى، ولذلك كان الكرم مفتاحاً لكل خير في الإنسان، وكان البخل والشح فيه مفتاحاً لكل  الشرور، فكانت الصلاة علاجاً، وشفاء، لأنواع الشر في النفس، من بخل، وجزع، وكبر، ولؤم، وشح، وسواها، فالصلاة ميدان تكرم فيه نفس المؤمن بكثرة القنوت، والمناجاة، والركوع، والسجود لله الكريم سبحانه، ومن كرمت نفسه بطاعة ربها، كرمت يداه بالبذل والعطاء لمحاويج المسلمين، وإن دور الصلاة في علاج أمراض النفس الظاهرة والباطنة، وشفائها لهو ميدان يحتاج من أهل العلم إلى البحث فيه، ودراسة أسراره، وأبعاده، واستخراج منافعه، حتى يعم النفع بها.

ثلاث وعشرون: أنها عامل هام وفعال في اكتساب الصفات الطيبة وتقويتها، ومن هذه الصفات صفة الكرم، والإنفاق في سبيل الله تعالـى، ولا شك أن صفة الإنفاق في سبيل الله تعالـى متفرعة، وناشئة عن صفة الكرم التي منشؤها حسن الظن بالله تعالـى، وما أجمل الإنسان، حين يكون حسن الظن بربه، وهي صفة كريمة نبيلة يتفرع عنها كل خير في هذا الإنسان. وما أقبح هذا الإنسان، وأظلم نفسه حين يكون سيء الظن بربه، فالبخل، والهلع، والجبن، والجزع، والخوف، وما ينشأ عنها من صفات ذميمة كلها وسواها ميكروبات فتاكة في النفس الإنسانية تنشأ عن بؤرة الصديد الأساسية في هذه النفس، وهي سوء الظن بالله تعالـى. ولذلك جاء فرض الصلاة تطهيراً للنفس من الصفات الذميمة، وإحلال الصفات الكريمة مكانها.

وقد بين الله تعالـى في كتابه الكريم أثر الصلاة الفاعل في اكتساب الصفات النبيلة، فجاء ذكر إقامة الصلاة في القرآن الكريم مقترناً بالإنفاق في سبيل الله تعالـى في مواضع كثيرة ومن ذلك قوله تعالـى: ﴿  $O!9# ÇÊÈ y7Ï9ºsŒ Ü=»tGÅ6ø9$# Ÿw |=÷ƒu ¡ ÏmÏù ¡ Wèd z`ŠÉ)­FßJù=Ïj9 ÇËÈ tûïÏ%©!$# tbqãZÏB÷sムÍ=øtóø9$$Î/ tbqãKÉ)ãƒur no4qn=¢Á9$# $®ÿÊEur öNßg»uZø%yu tbqà)ÏÿZム﴾([211])، كما جاء ذكر إقامة الصلاة مقترناً بصفات أخرى كريمة في القرآن كثيراً، ومن ذلك قول الله تعالـى: ﴿ ôs% yxn=øùr& tbqãZÏB÷sßJø9$# ÇÊÈ tûïÏ%©!$# öNèd Îû öNÍkÍEŸx|¹ tbqãèϱ»yz ÇËÈ tûïÏ%©!$#ur öNèd Ç`tã Èqøó¯=9$# šcqàÊ̍÷èãB ÇÌÈ tûïÏ%©!$#ur öNèd Ío4qx.¨=Ï9 tbqè=Ïè»sù ÇÍÈ tûïÏ%©!$#ur öNèd öNÎgÅ_rãàÿÏ9 tbqÝàÏÿ»ym ÇÎÈ žwÎ) #n?tã öNÎgÅ_ºurør& ÷rr& $tB ôMs3n=tB öNåkß]»yJ÷ƒr& öNåk¨XÎ*sù çŽöxî šúüÏBqè=tB ÇÏÈ Ç`yJsù 4ÓxötGö/$# uä!#uur y7Ï9ºsŒ y7Í´¯»s9'ré'sù ãNèd tbrߊ$yèø9$# ÇÐÈ tûïÏ%©!$#ur öNèd öNÎgÏF»oY»tBL{ öNÏdÏôgtãur tbqããºu ÇÑÈ tûïÏ%©!$#ur ö/ãf 4n?tã öNÍkÌEºuqn=|¹ tbqÝàÏù$ptä ÇÒÈ y7Í´¯»s9'ré& ãNèd tbqèOͺuqø9$# ÇÊÉÈ šúïÏ%©!$# tbqèO̍tƒ }¨÷ryŠöÏÿø9$# öNèd $pkŽÏù tbrà$Î#»yz ﴾([212]).

ففي هذه الآيات الكريمة يتضح لنا أثر الصلاة الفاعل في اكتساب الصفات النبيلة، ومن هذه الصفات: الإعراض عن اللغو، وفعل الزكاة، وحفظ الفروج عن الحرام، وحفظ الأمانة والعهد، والمحافظة على الصلوات، ولما ورثتهم الصلاة هذه الصفات الكريمة، وتفاعلوا معها، وانفعلوا بها، كانوا جديرين بوراثة جنة الفردوس وراثة خالدة دائمة.

ولا شك أن الخشوع في الصلاة دليل على النجاح فيها، ولا يروم ذلك إلا المؤمنون، وهم المفلحون بذلك.

والنجاح في الصلاة بالخشوع فيها دليل على ترويض النفس، وتهذيبها، وتربيتها على طريق الإحسان فيها، ومن وفق إلى هذا الإحسان، وصبر عليه، وحافظ عليه فهو بالتالي سيوفق إلى مقام الخشوع، وذلك سيقوده إلى النجاح في السيطرة على نفسه، فيقودها إلى كل ما فيه خيرها، وصلاحها، فيصبح قادراً على الإعراض عن اللغو، واللغو هو كل ما لا خير فيه، من الأفعال، والأقوال، والأحوال.

ولا شك أن القادرين على توجيه الحياة، وحركة التاريخ، والتأثير فيهما، توجيهاً وتأثيراً نافعين غير ضارين هم الذين استطاعوا أن يسيطروا على أنفسهم، ويضبطوا حركتهم تجاه ما يحيط بهم، من مظاهر الحياة المتنوعة، فهم ليسوا ريشة في مهب رياح الشهوات والتوسع في المباحات، وميولات النفس اللاغية. والمؤمنون الخاشعون في صلاتهم هم القادرون على الإعراض عن اللغو، برغم كل ما يحيط به، ويغلفه من زينة، وبهرج، وإغراء، ونفوس هؤلاء المؤمنين المصلين هي نفوس غزيزة كريمة أبية محلقة في سماء المروءة، والكرامة، تعانق معالي الأشياء، وتتسامى عن صغارها، وجاء وصفهم بالإعراض عن اللغو برغم ما يحيط به، ويغلفه من مغريات ليدل ذلك على المعاني والصفات الكريمة التي تتحلى بها نفوسهم، ففي الإعراض ترك، وهجر، وتباعد في عزة، وإباء  واستعلاء بقيم الإيمان العالية على كل ما هو تافه.

وهكذا يتضح لنا شأن الصلاة ودورها الفاعل في تقوية الإرادة، في مواجهة التحديات والمغريات مهما كان بريقها، ولمعانها، ومهما كان تهافت الآخرين عليها. والعجيب أن صفة الإعراض عن اللغو هي ثاني صفة من الصفات التي وصف بها هؤلاء المؤمنون المصلون بعد وصفهم بالخشوع في صلاتهم، ولا شك أن لذلك دلالاته وإيماآته القريبة، والبعيدة، فالخشوع استشعار القلوب لرهبة الموقف بين يدي الله تعالـى، فتسكن، وتخشع، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح، والملامح، والحركات فتختفي من أذهان أصحابها جميع الشواغل، والاهتمامات، ولا يبقى منها في تلك القلوب إلا ما يتصل بتعظيم وإجلال موقفها بين يدي الله تعالـى والرهبة له، والخوف منه، والخشية له جل جلاله، ولذلك تجد أصحاب هذه القلوب في صلاتهم أسكن وأهدأ، ما يكونون، فالخشوع هو السكون في مذلة واحتياج، وسكون الجوارح دليل على خشوع القلب، ولذلك يصدق على الرجل الذي يكثر من الحركات في صلاته قول من قال: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)([213]).

والإعراض عن اللغو في الحياة هو ثمرة الإعراض عن لغو الجوارح في الصلاة، أي أن الإعراض عن اللغو هو ثمرة الخشوع في الصلاة، واللغو يشمل لغو القول، ولغو الفعل، ولغو السلوك، والمظاهر، ولغو الاهتمام، والعواطف، والشعور، وهذا اللغو لا مكان له في قلوب المؤمنين الخاشعين في صلاتهم، فلهذه القلوب الكبيرة العظيمة في اهتمامها، وشعورها، ونظرتها إلى الكون، والحياة، والأحياء، ما يشغلها عن هذا اللغو، ولها في ذكر الله تعالـى، وتعظيم أمره، والصبر على ذلك، وتدبر آياته الظاهرة، والخفية في الأنفس والأكوان، ولها في مسئوليتها من تكاليف العقيدة، والإيمان، والإسلام، والإحسان، وحسن السلوك، والثبات على دين الله تعالـى، والوفاء بمسئوليتها تجاه الأمانة التي حملتها بكل تكاليفها ما يشغلها عن كل لغو أو عبث.

إن تكاليف هذه الأمانة لا تنتهي، ولا يغفل عنها المؤمنون، ولا يعفون منها، فهي مفروضة عليهم فرض عين، أو فرض كفاية، وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري، والعمر البشري، والطاقة البشرية محدودة، وهذه الطاقة إما أن تنفق فيما يصلح الحياة وينميها ويرقيها، أو تنفق في اللغو الذي لا خير فيه، والذي لا يعود على الحياة بخير، ولكن المؤمن وحده هو المدفوع بحكم إيمانه، ومقتضيات هذا الإيمان وبحكم عقيدته، وما تستوجبه من مسئوليات إلى أن ينفق طاقته البشرية المحدودة في البناء، والتعمير، والإصلاح.

ولا يعني ما تقدم أن يُفهم منه أن الإسلام دين يصادر الترويح الجميل الهادفة، ويحارب البسمة، واللطافة والجمال في حياة أتباعه. كلا وألف كلا، بل إن دين الإسلام العظيم هو دين البسمة، واللطافة والجمال، والذوق والأدب، والترويح الجميل الهادف، ولكنه بكل حال يحارب اللغو  وكل ما يؤدي إلى تفريغ الحياة من معناها الصحيح الكريم والذين بينه الله تعالـى في كتابه العزيز بقوله سبحانه: ﴿ $tBur àMø)n=yz £`Ågø:$# }§RM}$#ur žwÎ) Èbrßç7÷èuÏ9 ﴾([214]) والعبادة لله تعالـى في هذه الحياة هي إعمار الحياة بكل معنى كريم، وبكل فعل جليل، وبكل قول جميل، وبكل سلوك سوي نبيل، ولن يكون ذلك كله كذلك إلا إذا كان يصب في دائرة الطاعة والعبادة لله تعالـى، ومرضاته. والإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش بين طريقين لا ثالث لهما: طريق الخير، وما يؤدي إليه، وطريق الشر، وما يؤدي إليه، وقول الله تعالـى: ﴿ ôs%
yxn=øùr& tbqãZÏB÷sßJø9$# ÇÊÈ tûïÏ%©!$# öNèd Îû öNÍkÍEŸx|¹ tbqãèϱ»yz ÇËÈ tûïÏ%©!$#ur öNèd Ç`tã Èqøó¯=9$# šcqàÊ̍÷èãB ﴾([215]) يدل على هذا المعنى، فالصلاة، والخشوع فيها هي سبيل المؤمنين، وهي الجد والالتزام، وتربية النفس وأطرها على سلوك طريق الخير، والصلاة المفروضة تؤدى جماعة في بيوت الله تعالـى التي جعلها الله سبحانه مكاناً يذكر فيها اسمه، وأمر بتطهيرها، وإعمارها بالطاعة له جل جلاله، ومن لم يأخذ نفسه بأطرها على أداء الصلوات المفروضة في هذه البيوت الطاهرة، فليس أمامه إلا أن تقوده نفسه إلى طريق اللغو، وهو طريق من طرق الشر، وهكذا يحس المؤمن بالفارق بين الجو الذي يعيشه في بيوت الله تعالـى، وبين الجو الذي يجده في الشارع بعد الخروج من المسجد، فالشارع في كل زمان ومكان عامر باللغو، والمؤمنون وحدهم عندهم القدرة عن الإعراض عنه بكل إباء وعزة وثبات.

إن القرآن الكريم كثيراً ما يقرن بين صفة إقامة الصلاة، وبين صفة إيتاء الزكاة حين يكون الحديث عن صفات المؤمنين، دليلاً على التلازم بين هاتين الصفتين، ودليلاً على أن من أقام أمره بنجاح فيما يتصل بمسئوليته تجاه ربه وخالقه سبحانه وتعالـى، فهو قمنٌ أن يقيم أمره بنجاح فيما يتصل بمسئوليته تجاه إخوانه المسلمين، فيؤدي إليهم فرض الله تعالـى عليه في ماله وكسبه، وهكذا يحس الناس في كل زمان ومكان بقيمة الإيمان، وأهله المؤمنين، وأنهم قطب الرحى في هذه الحياة، فهم الناجحون في ميدان الإحسان فيما بينهم وبين ربهم وخالقهم سبحانه وتعالـى، وهم الناجحون في ذات الوقت في ميدان الإحسان فيما بينهم وبين خلق الله جل وعلا. وجاء قول الله تعالـى في سورة «المؤمنون»: ﴿ tûïÏ%©!$#ur öNèd Ío4qx.¨=Ï9 tbqè=Ïè»sù ﴾([216]) بياناً شافياً جميلاً، ووصفاً كريما للمؤمنين وفاعليتهم في الحياة، فهم لم ينجحوا في ميدان إقامة الصلاة، والخشوع فيها، وفـي ميدان الإعراض عن اللغو، ولكنهم نجحوا وبكل جدارة وقوة في ميدان البذل والعطاء، ولو جاء وصفهم في القرآن الكريم مقتصراً فقط على إقامة الصلاة، والخشوع فيها، والإعراض عن اللغو، لكان في ذلك إشادة بنجاحهم في صفات تعود عليهم فقط بالنفع، ولا يتعدى نفعها إلى غيرهم، ولأمكن القول والحالة هذه بأن المؤمنين يعيشون لأنفسهم فقط، ولكن وصفهم بفعل الزكاة مع وصفهم بما سبق من صفات إقامة الصلاة، والخشوع فيها،  والإعراض عن اللغو بيان واصف كاشف، ودليل واضح على أن المؤمنين ليسوا من يعيش لنفسه، ولكن الحياة عندهم هي العمل الفاعل والهادف في مجالاتها المتعددة الظاهرة، والباطنة، فيما يتصل بنفع أنفسهم، وتربيتها ونجاحها في ميدان الإيمان بالله تعالـى، وتوحيده ومعرفته، وطاعته، وتحقيق أمره في هذه الحياة، وفيما يتصل بنفع إخوانهم الآخرين اهتماماً وعناية بهم، وإيصالاً لكل خير إليهم.

ولا شك أن إخراج الزكاة دليل على تربية النفس على طريق الاستجابة لأمر الله سبحانه، وإيثارها لمرضاته تعالـى، فالمال يحبه الناس جميعاً، مؤمنهم، وكافرهم، طائعهم، وعاصيهم، خيرهم، وشريرهم، فهو أثير عند بني الإنسان. قال تعالـى: ﴿ ¼çm¯RÎ)ur Éb=ßsÏ9 ÎŽösƒø:$# îƒÏt±s9 ﴾([217])، والخير هنا هو المال، ومن الناس من يشكل المال في حياته كل شيء، فهو يسرق، ويغدر، ويغش، ويغصب، ويخون دينه، ووطنه من أجل المال، فهو لا يرى لنفسه، ولا لغيره قيمة إلا بالمال، وهذا النوع من الناس نوع سيء فاسد، ويفسد بفساده آخرون.

والمؤمنون الذين جعلهم الله تعالـى واحة خير وأمن وعطاء في هذه الحياة يتعاملون مع المال تعاملاً فيه عقل ودين ومرءوة ورشد وفهم واتزان في قوة نفس، وعفتها وجمالها، وثباتها، فالمال في ميزانهم لا يعدو أن يكون وسيلة يمكن عن طريقها تحقيق نفع كثير، وخير وفير بما يرضي الله تعالـى ويرضي رسوله ﷺ على مستوى  الفرد والأسرة، والمجتمع، والأمة، فهم بذلك يبذلونه طيبة به نفوسهم، عبودية وطاعة لله تعالـى، فالزكاة طهارة للقلب والنفس، والمال، طهارة للقلب والنفس من الشح، واستعلاء على حب الذات، وانتصار على ضعف النفس، ووسوسة الشيطان بالفقر، وثقة كاملة في موعود الله تعالـى الحق بالعوض والجزاء، وطهارة، ونماء، وحفظ للمال، وهي صيانة للأمة من الخلل الذي ينشئه الفقر والعوز في جانب، والترف في جانب آخر، وهي تأمين اجتماعي لأفراد الأمة، وهي ضمان اجتماعي للعاجزين، وهي وقاية للأمة كلها من التفكك والانحلال.

وبهذا كله وسواه تظهر قيمة المؤمنين الفاعلة الهادفة، وشأنهم العظيم في الحياة حولهم، فهم المقيمون للصلاة الخاشعون فيها، وصلاتهم تعرف بخشوعهم فيها، فكأنها صلاة خاصة بهم لا يحسنها غيرهم، ولذلك أضاف المولى سبحانه الصلاة إليهم فقال: ﴿ tûïÏ%©!$# öNèd Îû öNÍkÍEŸx|¹ tbqãèϱ»yz ﴾([218]) وكان يمكن أن يقال مثلاً: الذين هم في الصلاة خاشعون، وفـي عملهم هذا إشاعة للقدوة الحسنة في مجتمعهم.

وفـي موقفهم بالإعراض عن لغو الحياة حولهم دليل على قوة إرادتهم، وثبات قلوبهم على الحق، وعلو همتهم، فهم الذين تربت أنفسهم في ساحة الصلاة، والخشوع فيها، فأصبحت نفوساً مهيئة بذلك للإعراض عن لغو الحياة، و عن كل تافه من القول، والفعل، والسلوك، وعن كل ما لا خير فيه.

والنجاح في هذين الميدانين ليس أمراً يسيراً، ولكنه أمر ترومه النفوس التي تعلقت بالله تعالـى، وآثرت ما عنده على ما عند سواه، فأحسنت العمل، واستقامت على طريقه بنية صادقة، و همة مخلصة عالية، لا تعرف الملل، أو الكسل، فكرمت بذلك، وأصبحت نفوساً كريمة في مشاعرها، وعواطفها، وفـي أقوالها، وأفعالها، وفـي أخذها وعطائها. ومن كرمت بالطاعة والمحبة لله نفسه، فستكرم بالعطاء يداه عن سخاء، وسماحة، وكرامة، ولذلك كان هؤلاء المؤمنون المقيمون للصلاة الخاشعون فيها فاعلين للزكاة.

والتعبير القرآني الكريم بوصف هؤلاء المؤمنين بأنهم «للزكاة فاعلون»، أي وصفهم بفعل الزكاة دون أدائها، أمر له دلالاته وإيماآته القريبة والبعيدة المتصلة بمكانة هؤلاء المؤمنين، وهو يحمل في طياته الإشادة بسلامة صدورهم، ونقاء نفوسهم، وعلو همتهم، وقوة قلوبهم، وصدق نيتهم في فعل ما يرضي الله تعالـى، ويرضي رسوله ﷺ.

قال العلامة الزمخشري في تفسيره: (الزكاة اسم مشترك بين
عين ومعنى، فالعين: القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير، والمعنى فعل المزكي الذي هو التزكية، وهو الذي أراده الله، فجعل
المزكين فاعلين له، ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل، ويقال لمحدثه: فاعل، تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل:
فاعل القتل، وللمزكي: فاعل التزكية)([219]).

وقال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره: (وإنما أوثر هذا الاسم الأعم وهو «فاعلون» لأن مادة «ف ع ل» مشتهرة في إسداء المعروف)([220]).

ولفظ «فاعلون» يدل على الاهتمام، والقوة، والإخلاص، والحب في الأداء، ويفهم من كلام ابن عطية في تفسيره([221]) أن لفظ «فاعلون» يدل على شأن المؤمنين في فعل الزكي من الأخلاق، والأفعال الكريمة، فهم فاعلون لكل شيء زكي، وذلك يشمل الزكاة وسواها. ولكن تبقى دلالات إيثار وصف «فاعلون» دون سواه أوسع مدى، وأعظم دلالة على همة المؤمنين، وكرم نفوسهم، ومحبتهم لكل فعل فيه مرضاة الله تعالـى، ومرضاة رسوله ﷺ.

إن للصلاة أثراً عظيماً في اكتساب الفضائل، والابتعاد عن الرذائل، وقد بينا فيما مضى أثر الصلاة في الإعراض عن كل ما لا خير فيه من اللغو وسواه، كما بينا أثرها في أداء الزكاة، وذلك من خلال الحديث عن الآيات الواردة في أول سورة «المؤمنون»، فالصلاة المقبولة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتقوده إلى الأفعال، والأحوال، والأقوال الكريمة، وجاءت الآيات من تلك السورة تبين هذه المعاني، وتدل عليها، فوصف فيها المؤمنون المقيمون للصلاة، بالإعراض عن اللغو، وبفعل الزكاة، وبحفظ فروجهم عما حرمه الله تعالـى، وبمراعاة العهد والأمانة بالحفظ والأداء، وبالمحافظة على أوقات صلواتهم، وتلك صفات عالية كريمة عند الله تعالـى، أهلتهم لوراثة جنة الفردوس، فهم الوارثون لها، وهم فيها خالدون، وذلك دليل على فضلهم ومكانتهم عند ربهم عز جلاله، ودليل على محبته سبحانه لتلك الصفات فيهم والتي هي طريق فلاحهم، وصعودهم إلى الفردوس الأعلى في جنة الخلود حيث المقام الصدق عند المليك المقتدر عز وجل، والفضل كله منه سبحانه وتعالـى، يؤتيه من يشاء من عباده، وهو جل جلاله واسع عليم.

أربع وعشرون: ومما يدل على شرف الصلاة ومكانتها وفضلها: أن المصلي يكتسب احترام الناس وتقديرهم، وذلك أن الناس بفطرتهم يحبون الإنسان الصالح المستقيم، ويكرهون الفاسد المنحرف، فالمصلي خاصة إذا كان شاباً يحبه الناس أهل العقل والبصيرة ويرتاحون إليه، ويجد عندهم الود له،  وذلك أن الله تعالـى قضى أن يعز من أطاعه، ويذل من عصاه، وأن يجعل للمؤمنين وداً في السماء وفـي الأرض، ويجعل لهم من أمرهم يسراً، ورشداً وفرجاً، والصلاة هي شامة الطهر، والإيمان، والصلاح، في جبين المؤمنين، فما أقامها إلا مؤمن، وما حافظ عليها إلا تقي. قال تعالـى: ﴿ ¨bÎ) šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qè=ÏJtãur ÏM»ysÎ=»¢Á9$# ã@yèôfuy ãNßgs9 ß`»oH÷q§9$# #tŠãr ﴾([222]) وقال سبحانه:
﴿
`tBur È,­Gtƒ ©!$# @yèøgs ¼ã&©! %[`tøƒxC ﴾([223]) وقال عز من قائل: ﴿ `tBur È,­Gtƒ ©!$# @yèøgs ¼ã&©! ô`ÏB ¾Ín͐öDr& #ZŽô£ç ﴾([224])، فالصلاة تضفي على صاحبها جمالاً، ونوراً، وبهجة، وأنساً، وانشراحاً، وتكسبه قلباً رقيقاً يحب المؤمنين، ويعطف على خلق الله ويرحمهم، ويحسن إليهم، وهم بالتالي يأنسون إليه، ويثقون في أمانته، ويرتاحون إلى أريحيته ولطفه في التعامل، وله في نفوسهم الود والاحترام.

خمس وعشرون: ومما يدل على شرف الصلاة وفضلها: أن المصلي صاحب أمانة وعهد، أي أنه يحافظ على الأمانة والعهد ويرعاهما، وذلك أن الصلاة هي شامة المؤمنين في كل زمان ومكان، والعلاقة بين إيمان المؤمنين وبين حفظ العهد والأمانة علاقة تلازم، فما حافظ عليهما إلا مؤمن، وقد وصف الله تعالـى في كتابه الكريم  عباده المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويحافظون عليها، ويداومون على ذلك بحفظ الأمانة والعهد، ومراعاتهما
قال تعالـى: ﴿
tûïÏ%©!$#ur öNèd öNÎgÏF»oY»tBL{ öNÏdÏôgtãur tbqããºu ÇÑÈ tûïÏ%©!$#ur ö/ãf 4n?tã öNÍkÌEºuqn=|¹ tbqÝàÏù$ptä ﴾([225]) وقال سبحانه: ﴿ tûïÏ%©!$#ur öLèe öNÍkÉJ»oY»tBL{ ôMÏdÏôgtãur tbqããºu ÇÌËÈ tûïÏ%©!$#ur Nèd öNÍkÌEºy»pkyÎ/ tbqßJͬ!$s% ÇÌÌÈ tûïÏ%©!$#ur öLèe 4n?tã öNÍkÍEŸx|¹ tbqÝàÏù$ptä ﴾([226]) ومعلوم أن هذه الآيات وردت في سورتي «المؤمنون» و«سأل سائل» ضمن آيات أخرى تحمل بعض أوصاف المؤمنين، وقد صدرت كلها في السورتين بصفة إقامة الصلاة والخشوع فيها،  وبصفة المداومة على الصلاة، وقد بين النبي ﷺ أن الأمانة والعهد من الإيمان فقال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»([227]) وهو حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره.

ومعلوم أن الصلاة أمانة كبرى وعظيمة، ما أداها، وحفظها، وحافظ عليها إلا مؤمن، والفرائض التي فرضها الله تعالـى على عباده المؤمنين هي أمانة في أعناقهم، وهم الأوفياء في الحفاظ عليها، وتأتي الصلاة في مقدمة هذه الفرائض فهي أهم وأعظم الأمانات، بعد أمانة شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولذلك فإن المؤمن يملك المؤهلات التي تجعله أهلاً للمحافظة على الأمانة، والعهد، والوفاء بهما، وذلك دليل على أثر الصلاة وفاعليتها في بناء النفس، وقوتها، وسماحتها، وعلو همتها لتصبح نفساً تهتم بمعالي الأشياء وأشرافها، ولا تهتم بأسافلها، والحقير منها.

والحفاظ على الأمانة، والعهد دليل واضح على شرف نفوس مقيمي الصلاة، وعلو همتهم، وكم يسعد المجتمع، ويستقر بوجود المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، إنه بلا شك يسعد، ويستقر، وتحفظ فيه الأمانات والعهود، فتسوده بذلك حياة الطمأنينة، والثقة بين أفراده، وينعكس أثر ذلك على مجالات حياته كلها خيراً، وأمناً، واستقراراً، ورخاء، وتقدماً، وذلك يقودنا إلى التأكيد على أن إقامة الصلاة في المجتمع الإسلامي من أقوى العوامل في استقراره، وشيوع الخير في أرجائه، والعكس صحيح.

ست وعشرون: ومن فضل الصلاة وشرفها عند الله تعالـى: أن كل خطوة يخطوها المصلي إلى الصلاة المفروضة في المسجد، يكتب الله تعالـى له بها حسنة، ويمحو بها عنه سيئة. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إذا توضاً (الرجل) فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجة، و حُط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد»([228])، وهو جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم.

وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: حضر رجلاً من الأنصار الموتُ فقال: إني محدثكم حديثاً، ما أحدثكموه إلا احتساباً؛ سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا توضأ أحدكم، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه خطيئة...» الحديث([229]).

إن المؤمن حين يمشي إلى المسجد ليؤدي فيه صلاة الجماعة، ليؤكد عملياً عبوديته لله تعالـى، و كلما كان العمل أدل على العبودية لله سبحانه كلما كان الثواب عليه كبيراً، والأجر عظيماً، ففي كل خطوة يخطوها الساعي إلى الصلاة في المسجد يلقى بها عند الله تعالـى خيراً كثيراً، فيرفع بها من درجاته، ويحط بها من سيئاته، والفضل لله أولاً وآخراً، وهو وحده ذو الفضل العظيم.

سبع وعشرون: ومما يدل على شرف الصلاة ومكانتها: أنها لا بد أن يتطهر لها، فهي لا تصح إلا بالطهارة سواء كانت طهارة مائية «الوضوء» أو طهارة ترابية «التيمم» قال الله تعالـى: ﴿ $pkšr'¯»tƒ šúïÏ%©!$# (#þqãYtB#uä #sŒÎ) óOçFôJè% n<Î) Ío4qn=¢Á9$# (#qè=Å¡øî$$sù öNä3ydqã_ãr öNä3tƒÏ÷ƒr&ur n<Î) È,Ïù#tyJø9$# (#qßs|¡øB$#ur öNä3ÅrâäãÎ/ öNà6n=ã_ör&ur n<Î) Èû÷üt6÷ès3ø9$# 4 ﴾([230]) وقال سبحانه: ﴿ (#qßJ£JutFsù #YÏè|¹ $Y7ÍhŠsÛ (#qßs|¡øB$$sù öNä3Ïdqã_âqÎ/ öNä3ƒÏ÷ƒr&ur  ﴾ الآية([231]).

والصلاة هي المظهر العملي الذي يدل على دين وإيمان صاحبها والذي يعكس بالتالي تعظيمه لشأن هذه الفريضة العظيمة، فتراه يجمع بين الطهارة الشرعية، والطهارة المادية، وذلك بنظافة مظهره، فيُرى نظيف الثياب والشعر، طيب الرائحة، جميل المظهر، يهتم بالاستياك لصلاته. ونحن إذا عرفنا شأن الوضوء عند الله تعالـى وعند رسوله ﷺ، وأنه سبب لمغفرة الذنوب، ونوال رحمة الله تعالـى، وأنه شطر الإيمان، وأنه من العبادات التي تغسل بها الخطايا غسلاً، وترفع بها الدرجات، وتزاد الحسنات، وأنه سبب لحصول النور والغرة والتحجيل للمؤمن يوم القيامة، إذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن الوضوء هو وسيلة إلى الصلاة لأدركنا شرف ومكانة الغاية التي هي الصلاة، والتي يعد الوضوء وسيلة إليها، فإذا كانت كل هذه الخيرات والعطايا من الله تعالـى مترتبة على الوضوء وهو وسيلة، فكيف بالغاية التي يتوصل إليها بهذه الوسيلة العظيمة؟ فدل ذلك على شرف ومكانة الصلاة، وأنها فريضة عالية الشأن والمكانة عند الله تعالـى وعند رسوله ﷺ.

والطهارة من شروط الصلاة، فلا بد فيها من الطهارة بنوعيها: الحسية، والمعنوية أي الطهارة الشرعية، والطهارة المادية، فلا بد من طهارة المكان، والبدن، والثياب، والطهارة نوعان: طهارة إجزاء، وطهارة كمال، والكُمَّل هم الذين يحرصون على طهارة الكمال بما يشمل الزيادة على طهارة الإجزاء، من الطيب، والسواك، وحسن الهيئة وجمالها، وما أجمل هيئة المؤمنين وهم يتراصون في صفوفهم في المساجد، في ثياب نظيفة، فتتعانق هذه الهيئة الجميلة مع جمال وشرف المكان الذي يصلون فيه، ولعل ذلك يقودنا إلى الحديث عن الفقرة:

الثامنة والعشرين والتي نستدل بها على شرف الصلاة ومكانتها، وهي المتعلقة ببناء المساجد للصلاة، وذلك دليل على شرفها ومكانتها، فالمساجد هي بيوت الله تعالـى في الأرض تضيء لأهل السماء، كما تضيء النجوم لأهل الأرض، أخرجه في مجمع الزوائد([232]) عن ابن عباس. قال الله تعالـى:
﴿
Îû BNqãç/ tbÏŒr& ª!$# br& yìsùöè? tŸ2õãƒur $pkŽÏù ¼çmßJó$# ﴾([233]) الآية، وقال سبحانه: ﴿ ¨br&ur yÉf»|¡yJø9$# ¬! Ÿxsù (#qããôs? yìtB «!$# #Ytnr& ﴾([234]).

والمساجد لها شأنها ومكانتها عند الله تعالـى، وعند رسوله ﷺ وعند المؤمنين، وذلك لأنها المكان الذي تؤدى فيه أشرف وأعظم فرائض الإسلام وهي الصلاة جماعة، ولذلك نجد أن الله تعالـى رتب على بناء المساجد الأجر العظيم، والثواب العميم. روى ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح من حديث جابر أن رسول الله ﷺ قال: «من بنى لله مسجداً كمفحص قطاة، أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة»([235])، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه أيضاً، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: «من بنى لله مسجداً، ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة»([236])، وفـي صحيح البخاري في حديث طويل عن أنس أن النبي ﷺ  «أمر ببناء المساجد»([237]  وفـي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»([238]) وجاء الحث في الإسلام على الاهتمام بالمساجد، وذلك بإعمارها حساً، ومعنى أي: بتنظيفها، وفرشها، وتطييبها، وتدفئتها في الشتاء، وتبريدها في حر الصيف  وبكثرة الصلوات فيها، وقراءة القرآن وبكثرة الذكر والطاعة فيها، والاعتكاف.

والمسجد هو المكان الذي تبنى وتربى فيه روح المؤمن فهو مكان صلاته المفروضة التي يتشرف من خلالها بمناجاة ربه سبحانه وتعالـى، وهو المكان الذي يظهر فيه المؤمن عبوديته لله تعالـى وإيمانه به سبحانه وإلا فما الذي يحمله على المشي إلى المسجد في ضوء النهار وفـي ظلام الليل خمس مرات، إن الذي يحمله على ذلك إيمانه بربه سبحانه، وإيمانه بأنه عبد لربه عليه أن يستجيب لأمره بالصلاة له في المسجد مهما كانت الظروف، ولا شك أن الذي لا يحمله إيمانه على المشي وكثرة الخطى إلى المسجد، سوف يجد نفسه ثقيلاً عاجزاً عن المشي إلى ما يرضي الله تعالى، ولن تحمله أرجله، بل ستخذله، ويخذله قلبه كذلك، ما دام إيمانه لم يرفعه إلى مستوى من يعمر مساجد الله تعالـى.

إن الصلة قائمة بين عباد الله المؤمنين، وبين المسجد في كل زمان، ومكان وجد فيهما مؤمنون، وإلى قيام الساعة، وقد دلت نصوص قرآنية كريمة على هذه الصلة قال تعالـى: ﴿ (#qßJŠÏ%r&ur öNä3ydqã_ãr yZÏã Èe@à2 7Éfó¡tB çnqãã÷Š$#ur šúüÅÁÎ=øƒèC ã&s! tûïÏe$!$# 4 ﴾([239]) وقال سبحانه: ﴿ Îû BNqãç/ tbÏŒr& ª!$# br& yìsùöè? tŸ2õãƒur $pkŽÏù ¼çmßJó$# ßxÎm7|¡ç ¼çms9 $pkŽÏù Íirßäóø9$$Î/ ÉA$|¹Fy$#ur ÇÌÏÈ ×A%y`Í žw öNÍkŽÎgù=è? ×ot»pgÏB Ÿwur ììøt/ `tã ̍ø.ÏŒ «!$# ﴾([240])، وقال عز من قائل: ﴿ ¨br&ur yÉf»|¡yJø9$# ¬! Ÿxsù (#qããôs? yìtB «!$# #Ytnr& ﴾([241]).

وعلى ذلك فإن المؤمن لا يطيق البعد عن المسجد، فهو متصل به حساً بكثرة الخطى، والمشي إليه، ومعنى حيث إن قلب المؤمن معلق بالمساجد، ومن بين السبعة الذين يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل قلبه معلق بالمساجد»([242]) كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، أي: أنه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود فيها، وكيف يكون ثواب من تعلق قلبه بالمسجد الحرام للصلاة والطواف فيه؟ إن فضل الله عظيم، وعطاءه واسع، يؤتي فضله من يشاء من عباده، ويرزق من يشاء منهم بغير حساب.

وحيثما حل المؤمن فإن سؤاله الأول دائماً عن المسجد، ويتخذ
المؤمنون في مساجدهم وفـي بيوتهم مكاناً خاصاً (محراباً) أو داراً صغيرة لصلاتهم المفروضة والنافلة. قال تعالـى: ﴿
( $yJ¯=ä. Ÿ@yzyŠ $ygøŠn=tã $­ƒÌx.y z>#tósÏJø9$# yy`ur $ydyZÏã $]%øÍ (  ﴾([243]) الآية، وقال سبحانه: ﴿ çmø?yŠ$oYsù èps3Í´¯»n=yJø9$# uqèdur ÖNͬ!$s% Ìj?|ÁムÎû É>#tósÏJø9$# » ([244]) الآية، وقال عز وجل: ﴿ * ö@ydur y79s?r& (#àst7tR ÄNóÁyø9$# øŒÎ) (#râ§q|¡n@ z>#tósÏJø9$#  ﴾([245]) الآية.

تسع وعشرون: ومما يدل على فضل الصلاة وشرفها: أنها الفريضة الوحيدة التي ينادى عليها بالآذان. قال الله تعالـى: ﴿ $pkšr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#þqãZtB#uä #sŒÎ) šÏŠqçR Ío4qn=¢Á=Ï9 `ÏB ÏQöqtƒ ÏpyèßJàfø9$# (#öqyèó$$sù 4n<Î) ̍ø.ÏŒ «!$# (#râsŒur yìøt7ø9$# 4 öNä3Ï9ºsŒ ׎öyz öNä3©9 bÎ) óOçGYä. tbqßJn=÷ès? ﴾([246])، وقال سبحانه: ﴿ #sŒÎ)ur öNçG÷ƒyŠ$tR n<Î) Ío4qn=¢Á9$# $ydräsƒªB$# #Yrâèd $Y6Ïès9ur 4 šÏ9ºsŒ óOßg¯Rr'Î/ ÓQöqs% žw tbqè=É)÷ètƒ ﴾([247]) وجاء تحديد صيغة النداء – أي الأذان – للصلاة في السنة النبوية، وكان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فاهتم النبي ﷺ بأمر جمع الناس للصلاة، كيف يجمعهم لها؟ فذُكر له اتخاذ الناقوس مثل ناقوس النصارى، فلم يعجبه، وذُكر له اتخاذ قرن (أي بوق) مثل قرن اليهود، فلم يعجبه، وذكر له اتخاذ راية تنصب عند دخول وقت الصلاة، فلم يعجبه ذلك، فاهتم أحد الصحابة لهذا الأمر، وهو عبدالله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، فرأى في منامه كيفية الأذان، فغدا على النبي ﷺ، فأخبره بما رأى، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «قم يا بلال، فانظر ما يأمرك به عبدالله بن زيد، فافعل، فأذن بلال»([248]).

وروى مسلم عن أبي محذورة، أن نبي الله ﷺ علمه هذا الأذان: «الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسولُ الله، أشهد أن محمداً رسولُ الله» ثم يعود فيقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسولُ الله، أشهد أن محمداً رسولُ الله، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين). زاد إسحاق وهو أحد رواة هذا الحديث:«الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله»([249]).

وروى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر،  الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أن محمداً ا. قال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح. قال: لا حول  ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر. قال: الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة»([250]).

وقد نقلت الأمة الأذان كما شرعه نبيها ﷺ، وحافظت عليه جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا، وسيبقى الأمر كذلك إلى أن يأذن الله تعالـى بنهاية الدنيا، والله تعالـى جعل صيغة الأذان بألفاظ تعكس معاني التوحيد، والعبودية الخالصة له سبحانه، وتعكس مقاصد الإسلام، وروح الدين، وذلك دليل على عظمة هذا الدين، وربانيته، فما كان للبشر جميعاً الاهتداء إلى اختراع الأذان، وألفاظه الجميلة الشريفة الكريمة. فلفظ «الله أكبر» إعلان بعظمة الله تعالـى وكبريائه، وأنه أكبر من كل كبير، فهي (الكلمة البليغة الواضحة المفهومة في كل زمان، ومكان، ولكل مجتمع، وبيئة، وفرد، القوية، المدوية، المجلجلة التي يخشع أمامها الجبابرة، ويهوى لها كل صنم، ويضطرب بها كل طاغية، وطاغوت) ([251]) وهي الكلمة التي يفر منها الشيطان هارباً وله ضراط خوفاً وفرقاً، ولا يطيق الكفار لها سمعاً في ساحات الجهاد، ويولون مدبرين عند سماعها، وبالجملة فهي كلمة لا يطيقها شياطين الإنس والجن سلماً، وحرباً، فهي نار على الكافرين، ونور للمؤمنين في كل زمان ومكان.

وتأتي كلمة «أشهد أن لا إله إلا الله» لتدل على الحقيقة الخالدة الباقية بأنه لا إله معبود بحق إلا الله جل جلاله، وبإعلان هذه الكلمة تتهاوى أمام نورها، وتسقط أمام قوتها وعظمتها سائر الآلهة المزعومة، الظاهرة، والباطنة، فالعظمة، والرفعة، والإلهية، والعبودية لله سبحانه فهو الإله المعبود بحق، فلا إله غيره، ولا معبود بحق سواه، وهكذا تتعانق هذه الكلمة مع سالفتها «الله أكبر» لتشكلا معلماً خالداً من معالم الحكمة الإلهية العظيمة في نداء الصلاة، بحيث إنه لم يكن مجرد إعلام وتنبيه بدخول وقت الصلاة، بل إنه، وكما يقول العلامة الدهلوي رحمه الله في كتابه «حجة الله البالغة»: (يضم مع ذلك أن يكون من شعائر الدين بحيث يكون النداء به على رءوس الخامل والنبيه وتنويهاً بالدين، ويكون قبوله من القوم آية انقيادهم لدين الله، فوجب أن يكون مركباً من ذكر، ومن الشهادتين، والدعوة إلى الصلاة ليكون مصرحاً بما أريد به)([252]).

وكلمة «أشهد أن محمداً رسول الله» تقرير لحقيقة نبوة سيدنا محمد ﷺ، واعتراف بها، ودليل كامل على رفع ذكره ﷺ، فلم يقرن الله تعالـى في الأذان باسمه الكريم غير اسم نبيه وخاتم رسله سيدنا محمد ﷺ، مصداقاً لقوله سبحانه: ﴿ $uZ÷èsùuur y7s9 x8tø.ÏŒ » ([253]).

وهكذا جاء الأذان دعوة مركزة إلى الإسلام، وتعريفاً بمقاصده، وتعاليمه، قال العلامة  الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله: (وليس لهذا النداء الذي يجمع بين الجمال والبساطة نظير في أساليب الدعوة والإعلام بالعبادات، والديانات الأخرى، إنه النداء الديني الوحيد الذي ابتعد عن كل مظهر خارجي، وعن استعانة بالآلات، والإغراءات، وجاء فيه لباب الدين، وخلاصته، إنه يضم الإعلان بعظمة الله، وكبريائه، وأنه أكبر من كل كبير، ويضم الشهادتين شهادة (أن لا إله إلا الله) وشهادة (أن محمداً رسول الله)، ثم الدعوة إلى الصلاة، وحضورها في جماعة في المسجد، ثم الإخبار بأنها وسيلة الفلاح، في الدنيا، والآخرة، وأنه لا فلاح بدونها، فأصبح بذلك كله كلمة جامعة، ودعوة كاملة، ونداء بليغاً يخاطب القلب، والعقل، ويلفت المسلم وغير المسلم، وينشط الكسلان وينبه الغافل)([254]).

والأذان مع كل ما اشتمل عليه من المعاني الرفيعة، العالية التي تدل على شرفه، وفضله، وشأنه هو إعلام بالصلاة، فهو وسيلة لها، وإذا كانت الوسيلة بما ذكر من الشرف والفضل والرفعة، فكيف بما يتوسل بها إليه وهو الصلاة، ولمزيد الدلالة على شرف الصلاة، ومكانتها، فإنه لم يكتف بالأذان وسيلة للإعلام بدخول وقتها، بل كانت الإقامة بالإضافة إلى ذلك وسيلة للإعلان على إقامة الصلاة، وجاءت ألفاظ الإقامة هي ألفاظ النداء مضافاً إليها لفظ (قد قامت الصلاة) مرتين، وذلك كله دليل بين على شرف الصلاة، ومكانتها العالية عند الله تعالـى.

ثلاثون: ومما يدل على مكانة الصلاة: أنها فريضة الله على جميع الأنبياء، قال محمد بن نصر المروزي في كتابه الرائع «تعظيم قدر الصلاة»، والذي كان جل اعتمادنا عليه في حديثنا عن مكانة الصلاة، قال رحمه الله: (ومما دل الله تعالـى به على تعظيم قدر الصلاة، ومباينتها لسائر الأعمال: إيجابه إياها على أنبيائه، ورسله، وإخباره عن تعظيمهم إياها، فمن ذلك أنه جل وعز قرب موسى نجياً، وكلمه تكليماً، فكأن أول ما افترض عليه
بعد افتراضه عليه عبادته إقام الصلاة، ولم ينص له فريضة غيرها، فقال تبارك وتعالـى مخاطباً لموسى بكلماته ليس بينه وبينه ترجمان: ﴿
ôìÏJtGó$$sù $yJÏ9 #ÓyrqムÇÊÌÈ ûÓÍ_¯RÎ) $tRr& ª!$# Iw tm»s9Î) HwÎ) O$tRr& ÎTôç6ôã$$sù ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ü̍ò2Ï%Î! ﴾([255]) فدل ذلك على عظم قدر الصلاة وفضلها على سائر الأعمال إذ لم يبدأ مناجيه وكليمه بفريضة أول منها، ثم ما أخبر عن سحرة فرعون بعد شركهم، وعنادهم إذ يحلفون بعزة فرعون متخذينه إلهاً من دون الله، ولم يأتهم رسول قبل ذلك، ولا سمعوا كتاباً، فلما أراهم موسى الآية حين ألقى عصاه، فقلبها الله حية تسعى، فالتقفت حبالهم، وعصيهم، فعلموا أن ذلك ليس بسحر، ولا يشبهه فعل بني آدم انقادوا للإيمان بالله عز وجل، فلم يلهموا طاعة يرجعون بها إلى الله، ويترضونه بها ظناً أن يغفر لهم عما كان منهم إلا السجود، وهو أعظم الصلاة. قال الله عز وجل: ﴿ uÅ+ø9é'sù äotys¡¡9$# tûïÏÉf»y ÇÍÏÈ (#þqä9$s% $¨ZtB#uä Éb>tÎ/ tûüÏJn=»yèø9$# ÇÍÐÈ Éb>u 4ÓyqãB tbr㍻ydur ﴾([256]) فعفروا وجوههم لله في التراب خضوعاً له، فلم يجعل الله لهم مفزعاً إلا إلى الصلاة مع الإيمان به وهي مفزع كل منيب)([257]).

وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتضمن ما يدل على افتراض الصلاة على الأنبياء والمرسلين قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ $uZ­/u (#qßJÉ)ãÏ9 no4qn=¢Á9$# ﴾([258]) الآية، فلم يذكر إبراهيم عليه السلام عملاً لذريته غير الصلاة ، وقوله سبحانه عن عيسى عليه السلام: ﴿ tA$s% ÎoTÎ) ßö7tã «!$# zÓÍ_9s?#uä |=»tGÅ3ø9$# ÓÍ_n=yèy_ur $wŠÎ;tR ÇÌÉÈ ÓÍ_n=yèy_ur %º.u$t7ãB tûøïr& $tB àMZà2 ÓÍ_»|¹÷rr&ur Ío4qn=¢Á9$$Î/ Ío4qŸ2¨9$#ur $tB àMøBߊ $|ym ﴾([259]).

ومما يدل على فرض الصلاة على أنبياء الله إسماعيل، وإسحاق ويعقوب وزكريا، وداود، وسليمان، وإلياس، ويونس، وشعيب، ونوح عليهم السلام قول الإمام محمد المروزي رحمه الله: (ثم ذكر عز وجل الأنبياء نبياً نبياً فوصفهم، ثم قال: ﴿ y7Í´¯»s9'ré& z`ƒÏ%©!$# zNyè÷Rr& ª!$# NÍköŽn=tã z`ÏiB z`¿ÍhŠÎ;¨Y9$# `ÏB Ïp­ƒÍhèŒ tPyŠ#uä ô`£JÏBur $oYù=yJym yìtB 8yqçR `ÏBur Ïp­ƒÍhèŒ tLìÏdºtö/Î) Ÿ@ƒÏäÂuŽó Î)ur ô`£JÏBur $uZ÷ƒyyd !$oYøu;tGô_$#ur 4 #sŒÎ) 4n?÷Gè? ÷LÏiøn=tæ àM»tƒ#uä Ç`»uH÷q§9$# (#ryz #Y£Úß $|Å3ç/ur ) ﴾([260]) فأخبر عن جميع الأنبياء أن مفزعهم كان إلى الصلاة، يعبدون الله ويتقربون إليه بها)([261]) ثم قال رحمه الله: (وجاء الخبر عن رسول الله ﷺ أن الأنبياء قبله صلوات الله عليهم لم يزالوا يصلون الخمس التي صلاها جبريل بالنبي ﷺ)([262])، وهو رحمه الله يشير إلى الحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي ﷺ فيما معناه: أن جبريل عليه السلام صلى به عليه الصلاة والسلام الصلوات الخمس كل صلاة في وقتين: في أول الوقت، وفـي آخره، ثم قال له: يا محمد الوقت فيما بين هذين الوقتين، هذا وقت الأنبياء قبلك)([263]).

هذا ومما تنبغي الإشارة إليه، والتأكيد عليه، ونحن نتحدث عن مكانة الصلاة بعد الفقرة الثلاثين، أن مكانة الصلاة، لا يحاط بها، تعديداً، أو وصفاً لها، ولعلنا ونحن في ختام حديثنا عن هذه المكانة أن نشير في عجالة إلى ما يتصل بهذه المكانة في نقاط موجزة غير مفصلة، ومن ذلك إضافة إلى ما تقدم:

واحد وثلاثون: أنها الفريضة الوحيدة التي فرضت في السماء، وفرضها الله تعالـى على نبيه محمد ﷺ بدون واسطة الوحي.

اثنان وثلاثون: أنها ليست نوعاً واحداً بل أنواعاً متعددة، ومما جاء ذكره في القرآن الكريم عن أنواعها: صلاة الجمعة، وصلاة الخوف، وصلاة السفر، وصلاة المريض، وصلاة الجنائز، وصلاة الجماعة، وصلاة العيد، وصلاة الليل، وجاءت السنة النبوية بتفصيل ما لم يرد تفصيله في القرآن الكريم من هذه الصلوات.

ثلاث وثلاثون: أن الله تعالـى شهد لمن أقامها بالإيمان، فما أقامها، وعمر مساجد الله بإقامتها فيها إلا مؤمن قال تعالـى: ﴿ $yJ¯RÎ) ãßJ÷ètƒ yÉf»|¡tB «!$# ô`tB šÆtB#uä «!$$Î/ ÏQöquø9$#ur ̍ÅzFy$# tP$s%r&ur no4qn=¢Á9$# tA#uäur no4qŸ2¨9$# óOs9ur |·øƒs žwÎ) ©!$# (﴾([264]).

أربع وثلاثون: أنها لا تسقط بحال ما دامت روح المكلف بها لم تخرج من جسده، وهذا بخلاف باقي الفرائض فهي تسقط بعدم القدرة عليها مادياً، أو بدنياً.

خمس وثلاثون: أن الله عز وجل شهد لمن أقامها محافظاً عليها بوارثة الفردوس في الجنة كرامة منه سبحانه لعباده المصلين.

ست وثلاثون: ولمكانة الصلاة وشرفها عند الله تعالـى أنها لم ترد في كتابه العزيز إلا مقرونة بصفات جليلة كريمة تهفو إليها كل نفس كريمة عالية الهمة.

سبع وثلاثون: أنها يستعان بها على كل أمر من أمور الدنيا والآخرة. قال تعالـى: ﴿ (#qãZŠÏètFó$#ur ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ﴾([265]) الآية. ويلاحظ أنه قد ذكر في هذه الآية الكريمة المستعان به، وهو الصبر والصلاة، بينما حذف المستعان عليه، وذلك لكثرته.

ثمان وثلاثون: ومما يدل على شرفها ومكانتها أنه ما وجد أب صالح إلا كانت الصلاة من أول ما يوصي به ابنه، أو أبناءه فيما يوصيهم به، فهي أول وصية الآباء الصالحين لأبنائهم، وهذا ما سجله القرآن الكريم حكاية عن لقمان في وصيته لابنه. قال تعالـى: ﴿ ¢Óo_ç6»tƒ ÉOÏ%r& no4qn=¢Á9$# öãBù&ur Å$rã÷èyJø9$$Î/ tm÷R$#ur Ç`tã ̍s3ZßJø9$# ÷ŽÉ9ô¹$#ur 4n?tã !$tB y7t/$|¹r& ( ¨bÎ) y7Ï9ºsŒ ô`ÏB ÇP÷tã ÍqãBW{$# ﴾([266]) فدل تقديمها على أنها محور الصفات التي تليها.

تسع وثلاثون: أنها سبب لنوال رحمة الله. قال تعالـى: ﴿ (#qßJŠÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# (#qè?#uäur no4qx.¨9$# (#qãèÏÛr&ur tAqߧ9$# öNà6¯=yès9 tbqçHxqöè? ﴾([267]) ومن نال رحمة الله فهو السعيد في الدنيا والآخرة، ومن حرمها فهو الشقي، والرحمة من الله مترتبة على إقامة الصلاة، فمن أقامها فهو المرحوم.

أربعون: ومما يدل على مكانة الصلاة وفضلها: أن الشيطان الرجيم يعتزل المصلي وهو يبكي حين سجود المصلي، قال رسول الله ﷺ: «إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويل له (وفـي رواية: يا ويلي)، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار»([268]).

واحد وأربعون: أنها سبب لمرافقة النبي ﷺ في الجنة والدخول في شفاعته، روى مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: (سل) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: (أو غير ذلك؟) قلت: هو ذاك. قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود)([269]).

اثنان وأربعون: أنها عمود الدين. وعمود كل شيء ما به قوامه، فإذا صح المود وقام قياماً صحيحاً، قام ما سواه بذلك القيام. أما إذ سقط العمود، فالبنيان كله يسقط، وذلك يدل على مكانة الصلاة وشأنها في الدين. فمن أقامها، فقد قام دينه  وصح. والعكس صحيح. وقد بين  الرسول ﷺ أن الصلاة عمود الإسلام في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ألا أخبركم برأس الأمر وعموده؟ قلت: بلى، يا رسول الله. قال: رأس الأمر: الإسلام. وعموده: الصلاة»([270]) وهو جزء من حديث طويل. قال  الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

وبعد: فالحديث عن مكانة الصلاة حديث واسع لا يسعه رحب الأرض الواسع، وهي مكانة تتجدد مع مرور الليالي والأيام، ويتجدد معها المسلم المصلي.

ويظل ميدان الحديث عن هذه المكانة لا يضيق على من يلجه للحديث عن هذه المكانة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

 

q q q

 


آيات قرآنية وردت تدل بلفظ «الصلاة» على معان أخرى

 

لقد تناولنا فيما مضى بالحديث فضل الصلاة ومكانتها بين القرآن والسنة في عرض من الإجمال لا من التفصيل، ويبقى الحديث عن آيات قرآنية وردت تدل بلفظ «الصلاة» على الصلوات الخمس المفروضة، وذلك في كل صلاة، قرن ذكرها بذكر الزكاة غالباً، ولم يقتصر الأمر على هذا الجانب فحسب، بل تنوع حديث القرآن الكريم عن الصلاة، فتارة يراد بها الصلوات الخمس، كما ذكرنا، وتارة يراد بها غيرها أي أنه جاء التعبير عن الصلاة بلفظها ولكن أريد بها معنى آخر غير الصلوات الخمس مجتمعة، ويمكن إيراد ما ذكرنا فيما يلي:

1- بمعنى الرحمة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ y7Í´¯»s9'ré& öNÍköŽn=tæ ÔNºuqn=|¹ `ÏiB öNÎgÎn/§ ×pyJômuur ( šÍ´¯»s9'ré&ur ãNèd tbrßtGôgßJø9$# ﴾([271]) قال القرطبي في تفسيره: (وصلاة الله على عبده: عفوه، ورحمته، وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة)([272]) وقال: (وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيداً، وإشباعاً للمعنى)([273]).

2- بمعنى الثناء والدعاء والرحمة والاستغفار، وذلك في قوله
تعالى: ﴿
¨bÎ) ©!$# ¼çmtGx6Í´¯»n=tBur tbq=|Áムn?tã ÄcÓÉ<¨Z9$# 4 ﴾([274]) الآية. قال البخاري:
(قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة
الملائكة الدعاء)([275]).

وقال أبو عيسى الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد
من  أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة وصلاة الملائكة
الاستغفار([276])، ومنه قوله تعالى: ﴿
uqèd Ï%©!$# Ìj?|ÁムöNä3øn=tæ ¼çmçGs3Í´¯»n=tBur /ä3y_̍÷ãÏ9 z`ÏiB ÏM»yJè=à9$# n<Î) ÍqY9$# 4 ﴾([277]) الآية.

3- بمعنى الدعاء، والاستغفار، وذلك في قوله تعالى: ﴿ Èe@|¹ur öNÎgøn=tæ ( ¨bÎ) y7s?4qn=|¹ Ö`s3y öNçl°; 3 ﴾([278])، قال ابن كثير في تفسيره: (وقوله ﴿ Èe@|¹ur öNÎgøn=tæ ( ﴾ أي ادع لهم، واستغفر لهم كما رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله ﷺ إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)([279]).

ومنه قوله قوله تعالى: ﴿ šÆÏBur É>#tôãF{$# `tB ÚÆÏB÷sム«!$$Î/ ÏQöquø9$#ur ̍ÅzFy$# äÏ­Gtƒur $tB ß,ÏÿZムBM»t/ãè% yYÏã «!$# ÏNºuqn=|¹ur ÉAqߧ9$# 4 ﴾([280]) الآية قال القرطبي في تفسيره: (ومعنى ﴿ ÏNºuqn=|¹ur ÉAqߧ9$# 4 ﴾: استغفاره ودعاؤه)([281]).

4- بمعنى القراءة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ Ÿwur öygøgrB y7Ï?Ÿx|ÁÎ/ Ÿwur ôMÏù$sƒéB $pkÍ5 Æ÷tFö/$#ur tû÷üt/ y7Ï9ºsŒ WxÎ6y ﴾([282]).

5- بمعنى صلاة الخوف، وذلك في قوله تعالى: ﴿ #sŒÎ)ur |MZä. öNÍkŽÏù |MôJs%r'sù ãNßgs9 no4qn=¢Á9$#  ﴾([283]) الآية، روى ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم عن أبيه عن نعيم بن حماد عن عبدالله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: ﴿ #sŒÎ)ur |MZä. öNÍkŽÏù |MôJs%r'sù ãNßgs9 no4qn=¢Á9$#  ﴾ قال: هي صلاة الخوف([284]).

6- بمعنى صلاة العيد. قال تعالى: ﴿ Èe@|Ásù y7În/tÏ9 öptùU$#ur  ﴾([285]).

وقال قتادة، وعطاء وعكرمة: ﴿ Èe@|Ásù y7În/tÏ9 ﴾ صلاة العيد يوم النحر.
﴿
öptùU$#ur ﴾ نسكك.

7- بمعنى صلاة الجمعة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ $pkšr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#þqãZtB#uä #sŒÎ) šÏŠqçR Ío4qn=¢Á=Ï9 `ÏB ÏQöqtƒ ÏpyèßJàfø9$# (#öqyèó$$sù 4n<Î) ̍ø.ÏŒ «!$# ﴾([286]) الآية، أجمعت عبارات المفسرين على أن المراد بالصلاة في هذه الآية هي صلاة الجمعة. قال القرطبي في تفسيره: ( قوله تعالى: ﴿ #sŒÎ) šÏŠqçR Ío4qn=¢Á=Ï9 ﴾ يختص بوجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء، فأما البعيد الدار الذي لا يسمع النداء فلا يدخل تحت الخطاب)([287]).

8-  بمعنى صلاة السفر، وذلك في قوله تعالى: ﴿ #sŒÎ)ur ÷Läêö/uŽŸÑ Îû ÇÚöF{$# }§øŠn=sù ö/ä3øn=tæ îy$uZã_ br& (#rçŽÝÇø)s? z`ÏB Ío4qn=¢Á9$# ﴾([288]) الآية، قال صاحب الوسيط في التفسير أبو الحسن الواحدي رحمه الله: ( وفرض المسافر أربع إلا أنه رخص له في القصر، إن شاء أخذ بالرخصة، وإن شاء أتم على أصل الفرض لأن الله تعالى قال: ﴿ }§øŠn=sù ö/ä3øn=tæ îy$uZã_ br& (#rçŽÝÇø)s? z`ÏB Ío4qn=¢Á9$# ﴾ وهذا اللفظ للإباحة، لا للإيجاب)([289]). ولا خلاف بين المفسرين على أن المراد بالصلاة في الآية: صلاة السفر.

9-  بمعنى صلاة الجنازة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ Ÿwur Èe@|Áè? #n?tã 7tnr& Nåk÷]ÏiB |N$¨B #Yt/r& ﴾([290]) الآية، قال ابن كثير في تفسيره: (أمر الله تعالى رسوله   ﷺ أن يبرأ من المنافقين، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات، وألا يقوم على قبره ليستغفر له، أو يدعو له، لأنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا عليه، وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين كما قال البخاري)([291]).

10- بمعنى صلاة الجماعة، وذلك يدل عليه قوله تعالى: ﴿ #sŒÎ)ur öNçG÷ƒyŠ$tR n<Î) Ío4qn=¢Á9$# $ydräsƒªB$# #Yrâèd ﴾([292]) ذكر المفسرون نقلاً عن الكلبي قال: كان منادي رسول الله ﷺ إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، وصلوا، لا صلوا، ويضحكون على طريق الاستهزاء، فأنزل الله هذه الآية([293]).

11- بمعنى صلاة الأمم الماضية، وذلك يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ ÓÍ_»|¹÷rr&ur Ío4qn=¢Á9$$Î/ Ío4qŸ2¨9$#ur $tB àMøBߊ $|ym ﴾([294]) قال القرطبي في تفسيره: (أي لأؤديهما إذا أدركني التكليف، وأمكنني أداؤهما)([295]).

12- بمعنى الإسلام، وذلك يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ Ÿxsù s-£|¹ Ÿwur 4©?|¹ ﴾([296]) قال صاحب «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» في المراد بقوله تعالى: ﴿ Ÿwur 4©?|¹ ﴾: أي لا أسلم([297]).

13- بمعنى كنائس اليهود، وذلك يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ Ÿwöqs9ur ßìøùyŠ «!$# }¨$¨Z9$# Nåk|Õ÷èt/ <Ù÷èt7Î/ ôMtBÏdçl°; ßìÏBºuq|¹ ÓìuÎ/ur ÔNºuqn=|¹ur ßÉf»|¡tBur ㍟2õム$pkŽÏù ãNó$# «!$# #ZŽÏVŸ2 3 ﴾([298]) وذلك هو تفسير الفيروزآبادي في كتابه السابق([299]). ونقل القرطبي في تفسيره قول الزجاج والحسين بتفسير «الصلوات» بأنها كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوتا([300]). وذكر ابن الجوزي في كتابه «نزهة الأعين النواظر في علم الوجود والنظائر»([301]) تفسيرها بأنها: موضع الصلاة، أي موضع صلوات على حذف المضاف، وهو قول ابن زيد، نقله القرطبي في تفسيره([302]).

14- بمعنى الدين، وذلك يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ (#qä9$s% Ü=øyèà±»tƒ šè?4qn=|¹r& šâæDù's? br& x8çŽøI¯R $tB ßç7÷ètƒ !$tRät!$t/#uä ﴾([303]) الآية، نقل الرازي وغيره تفسير عطاء قال: (يريد: دينك يأمرك، فكنى عن الدين بالصلاة لأنها من أمر الدين) ([304]).

15- بمعنى صلاة العصر، ويدل عليه قول الله تعالى: ﴿ $yJßgtRqÝ¡Î;øtrB .`ÏB Ï÷èt/ Ío4qn=¢Á9$#  ﴾([305]) الآية، ذكر عامة المفسرين بأن الصلاة في الآية هي صلاة العصر، كما بين صاحب التفسير الوسيط، وقال: (وأهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الأكاذيب والحلف الكاذب)([306]).

 

q q q

 


آيات قرآنية وردت بألفاظ أخرى دلت على الصلاة

 

قد بينا فيما مضى من خلال حديثنا عن مكانة الصلاة في القرآن فيما يقارب من أربعين معلماً، وبقي معلمان مهمان يتصلان بحديث القرآن عن الصلاة، وقد بينا آنفاً أحد هذين المعلمين وهو يتصل بما جاء في القرآن من ألفاظ الصلاة، مراداً بها معان غير الصلوات الخمس المفروضة، غير أن تلك المعاني لها صلة بالصلوات الخمس. وبقي الحديث عن المعلم الثاني وهو يتصل بما جاء في القرآن الكريم من ألفاظ أخرى يراد بها الصلاة، أي أنه جاء التعبير عنها بتلك الألفاظ، ويمكن الحديث عن ذلك فيما يلي:

أولاً: لفظ الحسنات، قال الله تعالى: ﴿ ÉOÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ÇnûtsÛ Í$pk¨]9$# $Zÿs9ãur z`ÏiB È@øŠ©9$# 4 ¨bÎ) ÏM»uZ|¡ptø:$# tû÷ùÏdõムÏN$t«ÍhŠ¡¡9$# 4 y7Ï9ºsŒ 3tø.ÏŒ šúï̍Ï.º©%#Ï9 ﴾([307]) فقد سمى الله تعالى الصلوات المفروضة بالحسنات، ولذلك دلالاته وأبعاده التي تشعر بقيمة الصلاة وشأنها عند الله تعالى. قال الإمام محمد بن نصر المروزي: (ثم لم يخص الله تعالى عملاً من أعمال الدين، فجعله يكفر به الخطايا، ويطهر به المذنبين، كما خص الصلاة بذلك، فقال: ﴿ ¨bÎ) ÏM»uZ|¡ptø:$# tû÷ùÏdõムÏN$t«ÍhŠ¡¡9$# 4 ﴾ فجاءت الأخبار أنها نزلت في الصلوات الخمس. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير «الحسنات» في الآية قوله: الصلوات الخمس. أخرج ذلك الطبري([308])، وغيره.

والقصة في سبب نزول الآية مرشح قوي لتفسير الحسنات بالصلوات المفروضة، كما بين ذلك الإمام المروزي وغيره.

ثانياً: لفظ الإيمان، قال الله تعالى: ﴿ $tBur tb%x. ª!$# yìÅÒãÏ9 öNä3oY»yJƒÎ) 4 žcÎ) ©!$# Ĩ$¨Y9$$Î/ Ô$râäts9 ÒOŠÏm§  ﴾([309]) ففي هذه الآية بين الله تعالى لعباده المؤمنين بعد تحويل القبلة والتوجه في الصلاة إلى المسجد الحرام بدل بيت المقدس أنه سبحانه لن يضيع صلاة من صلوا متوجهين إلى بيت المقدس، وذلك من بالغ رحمة الله، وإحسانه بعباده المؤمنين. قال صاحب «محاسن التأويل» رحمه الله: (وإنما عدل إلى لفظ الإيمان الذي هو عام في الصلاة وغيرها، ليفيدهم أنه لم يضع شيئاً مما عملوه، ثم يصح عنهم، فيندرج المسئول عنه اندراجاً أولياً، ويكون الحكم كلياً، وذكر بلفظ الخطاب دون الغائب ليتناول الماضين والباقين تغليباً لحكم المخاطب على الغائب في اللفظ، وفي تتمة الآية إشارة إلى تعليل عدم الإضاعة بما اتصف به من الرأفة المنافية لما هجس في نفوسهم من الإضاعة) ([310]).

ثالثاً: لفظ الذكر، قال تعالى: ﴿ !#sŒÎ*sù ÷LäêYÏBr& (#rãà2øŒ$$sù ©!$# $yJx. Nà6yJ¯=tæ $¨B öNs9 (#qçRqä3s? šcqãKn=÷ès?  ﴾([311]) وقال سبحانه على لسان سليمان عليه السلام: ﴿ þÎoTÎ) àMö6t7ômr& ¡=ãm ÎŽösƒø:$# `tã ̍ø.ÏŒ În1u 4Ó®Lym ôNu#uqs? É>$yfÏtø:$$Î/  ﴾([312]) وقال جل وعز: ﴿ $pkšr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#þqãZtB#uä #sŒÎ) šÏŠqçR Ío4qn=¢Á=Ï9 `ÏB ÏQöqtƒ ÏpyèßJàfø9$# (#öqyèó$$sù 4n<Î) ̍ø.ÏŒ «!$# (#râsŒur yìøt7ø9$# 4 öNä3Ï9ºsŒ ׎öyz öNä3©9 bÎ) óOçGYä. tbqßJn=÷ès? ﴾([313]) قال القرطبي في تفسير الذكر في الآية الأولى: (أي ارجعوا إلى ما أمرتم به من إتمام الأركان،  وقال: قيل معناه اشكروه على هذه النعمة في تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الإجزاء، ولم تفتكم صلاة من الصلوات، وهو الذي لم تكونوا تعلمونه)([314]).

قال ابن كثير في تفسير الآية الثانية: (ذكر غير واحد من السلف، والمفسرين أنه – أي سليمان عليه السلام – اشتغل بعرضها –أي خيوله- حتى فات وقت صلاة العصر، وقال: ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال، والخيل تراد للقتال)([315]).

وجاء في تفسير الذكر في آية سورة الجمعة قول عطاء بأنه الصلاة وفسر قوله تعالى: ﴿ (#öqyèó$$sù 4n<Î) ̍ø.ÏŒ «!$# ﴾ بأنه الذهاب والمشي إلى الصلاة، نقل ذلك الواحدي في تفسيره «الوسيط»([316])، وغيره.

وفسر سعيد بن جبير الذكر في الآية بأنه موعظة خطيب الجمعة([317]).

رابعاً: لفظ القرآن، قال تعالى: ﴿ tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ¨bÎ) tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# šc%x. #YŠqåkôtB ﴾([318]) روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الصبح» واللفظ للبخاري يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: ﴿ tb#uäöè%ur ̍ôfxÿø9$# ( ¨bÎ) tb#uäöè% ̍ôfxÿø9$# šc%x. #YŠqåkôtB ﴾([319]).

خامساً: لفظ التسبيح، قال تعالى: ﴿ z`»ysö6Ý¡sù «!$# tûüÏm šcqÝ¡ôJè? tûüÏnur tbqßsÎ6óÁè? ÇÊÐÈ ã&s!ur ßôJysø9$# Îû ÅVºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur $|ϱtãur tûüÏnur tbrãÎgôàè? ﴾([320]) قال القرطبي في تفسيره: (قال ابن عباس: الصلوات الخمس في القرآن. قيل له: أين ؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿ z`»ysö6Ý¡sù «!$# tûüÏm šcqÝ¡ôJè? ﴾ صلاة المغرب، والعشاء ﴿ tûüÏnur tbqßsÎ6óÁè? ﴾ صلاة الفجر، ﴿ $|ϱtãur ﴾ العصر ﴿ tûüÏnur tbrãÎgôàè? ﴾ الظهر. وقاله الضحاك، وسعيد بن جبير. وقال النحاس: أهل التفسير على أن هذه الآية ﴿ z`»ysö6Ý¡sù «!$# tûüÏm šcqÝ¡ôJè? tûüÏnur tbqßsÎ6óÁè? ﴾ في الصلوات([321]).

سادساً: لفظ الاستغفار، قال تعالى: ﴿ Í$ptôžF{$$Î/ur öLèe tbrãÏÿøótGó¡o ﴾([322]) قال القرطبي في تفسيره: (وقال ابن عمر ومجاهد: أي يصلون وقت السحر فسموا الصلاة استغفاراً([323]).

سابعاً: لفظ الركوع، ومن ذلك قول الله تعالى:
﴿
(#qãèx.ö$#ur yìtB tûüÏèÏ.º§9$# ﴾([324])، وقوله سبحانه: ﴿ #sŒÎ)ur Ÿ@Ï% ÞOçlm; (#qãèx.ö$#
Ÿw šcqãèx.ötƒ ﴾([325]) قال صاحب «الوسيط في التفسير»: قال المفسرون: معناه صلوا مع المصلين محمد ﷺ، وأصحابه فعبر بالركوع عن جميع الصلاة إذ كان ركناً من أركانها، وإنما قال ﴿ (#qãèx.ö$#ur ﴾ بعد قوله: ﴿ (#qßJŠÏ%r&ur no4qn=¢Á9$# ﴾ لأنه أراد الحث على إقامة الصلاة في جماعة، وقيل: لأنه لم يكن في دين اليهود، ولا في صلاتهم ركوع، فذكر ما اختص بشريعة الإسلام، والآية خطاب لليهود)([326]).

وفي تفسير الآية الثانية قال ابن كثير: (أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا ولهذا قال: ﴿ ×@÷ƒur 7Í´tBöqtƒ tûüÎ/Éjs3æHø>Ïj9 ﴾([327]).

ثامناً: لفظ السجود، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ z`ÏBur È@ø©9$# çmósÎm7|¡sù t»t/÷Šr&ur ÏŠqàf¡9$# ﴾([328]) قال الراغب الأصفهاني: (وقد يعبر به – أي السجود-عن الصلاة بقوله: ﴿ t»t/÷Šr&ur ÏŠqàf¡9$# ﴾ أي أدبار الصلاة)([329]).

 

q q q

 

 

الخاتمة

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد: فهذا بحث: «تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسنة» وهو بحث يأمل كاتبه أن يلقى القبول عند  القراء، وإن اختلفت وجهات النظر في هذه التأملات، وموضوع الكتابة في الصلاة أبوابه مشرعة، وهي متنوعة، ومتعددة. أسأل الله تعالى أن يكون هذا البحث قد ساهم في تحبيب إخوانه المسلمين في الصلاة التي هي عمود إسلامهم، والبحث في نظر كاتبه لا يعدو أكثر من كونه محاولة دافعها حب من كتب إليهم، وحب من كتبه عنه.

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به في كل وقت وآن. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المؤلــف

 

q q q

 

 


فهرس المراجع

 

1- أسرار الصلاة والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع لابن قيم الجوزية. تحقيق إياد القيسي. الطبعة الأولى 1424هـ - 2003م. دار ابن حزم للطباعة والنشر. بيروت .

2- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز آبادي، المكتبة العلمية، بيروت، توزيع :دار الباز بمكة المكرمة، (بدون تاريخ).

3- تاج العروس شرح القاموس للزبيدي . المطبعة الخيرية بالجمالية. 1306هـ . القاهرة.

4- تعظيم قدر الصلاة للإمام المروزي. الطبعة الأولى 1406هـ. طبع دار الأرقم-استانبول. نشر مكتبة  الدار بالمدينة المنورة.

5- تفسير البيضاوي. الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م. دار الكتب العلمية - بيروت .

6- تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور. 1984م. طبع الدار التونسية للنشر- تونس .

7- تفسير الزمخشري. دار المعرفة. بيروت .

8- تفسير السعدي. تحقيق عبدالرحمن بن معلا اللويحق. الطبعة الأولى 1420هـ. طبع مؤسسة الرسالة - بيروت .

- تفسير السعدي. مراجعة علاء السعيد. 1415هـ - 1995م. طبع مكتبة دار الفكر - بيروت. نشر مكتبة نزار الباز.

9- تفسير الطبري. 1405هـ. دار الفكر- بيروت .

- تفسير الطبري. تحقيق د/ عبدالله التركي. الطبعة الأولى
1422هـ- 2001م. طبع دار هجر للطباعة والنشر - القاهرة .

10- تفسير الفخر الرازي. الطبعة الأولى 1401هـ/ 1981م، طبع ونشر: دار الفكر، بيروت، لبنان.

11- تفسير القرطبي. تحقيق أحمد عبدالعليم البردوني. 1972م. دار الشعب - القاهرة .

- تفسير القرطبي. 1405هـ - 1985م. طبعة دار إحياء التراث
العربي - بيروت .

12- تفسير ابن عطية. تحقيق : عبدالله إبراهيم الأنصاري، السيد عبدالعال إبراهيم. الطبعة الأولى 1404هـ - 1984م. الدوحة – قطر .

13- تفسير ابن كثير. 1401هـ. دار الفكر - بيروت .

- تفسير ابن كثير. تحقيق سامي محمد سلامة. الإصدار الثاني. الطبعة الأولى. 1422هـ - 2002م. دار طيبة. الرياض .

14- جامع الترمذي للإمام الترمذي . تحقيق وتعليق: عادل مرشد. الطبعة الأولى 1422هـ/2001م. دار الأعلام. عمَّان - الأردن.

15- جامع العلوم والحكم لابن رجب. تحقيق: شعيب الأرناؤط ، إبراهيم باجس. الطبعة السابعة 1421هـ - 2000م. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر - بيروت .

16- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن قيم الجوزية. 1405هـ - 1984م. دار الندوة الجديدة  - بيروت .

17- حجة الله البالغة للإمام الدهلوي. الطبعة  الأولى 1415هـ - 1995م. طبع دار الكتب العلمية - بيروت .

18- دلائل النبوة للبيهقي. تحقيق د/ عبدالمعطي قلعجي. الطبعة الثانية 1405هـ. دار الكتب العلمية - بيروت .

19- الأركان الأربعة لأبي الحسن الندوي. الطبعة الأولى 1406هـ- 1986م. الناشر: دار الكتب الإسلامية، دار إحياء العلوم - بيروت .

20- سنن أبي داود. تحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد. طبعة دار الفكر. بيروت .

21- سنن الترمذي. تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرين. دار إحياء التراث العربي. بيروت .

22- سنن النسائي الكبرى. تحقيق عبدالغفار البنداري وسيد كسروي حسن. الطبعة الأولى. دار الكتب العلمية - بيروت.

23- سنن النسائي (المجتبى) تحقيق عبدالفتاح أبو غدة. الطبعة الثانية 1406هـ. مكتبة المطبوعات الإسلامية - حلب .

24- سنن ابن ماجه. تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي. دار الفكر. بيروت .

25- سنن الدارمي. تحقيق فواز أحمد زمرلي ، خالد السبع العلمي. الطبعة الأولى 1407هـ. دار الكتاب العربي - بيروت .

26- سنن البيهقي. تحقيق محمد عبدالقادر عطا. 1414هـ. دار الباز.

27- صحيح البخاري. تحقيق د/ مصطفى ديب البغا. الطبعة الثالثة 1407هـ. دار ابن كثير - بيروت .

28- صحيح مسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي. دار إحياء التراث العربي. بيروت.

29-صحيح ابن خزيمة. تحقيق : محمد مصطفى الأعظمي. 1390هـ. طبع المكتب الإسلامي - بيروت .

30-صحيح ابن حبان. تحقيق : شعيب الأرناؤط  الطبعة الثانية 1414هـ. مؤسسة الرسالة - بيروت.

31- الصلاة ومقاصدها للحكيم الترمذي. تحقيق : الشيخ بهيج غزاوي .

32- الصلاة وحكم تاركها لابن قيم الجوزية. تحقيق: تيسير زعيتر. الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م. المكتب الإسلامي - بيروت .

33- في ظلال القرآن. الطبعة الشرعية العاشرة 1402هـ – 1982م. طبع دار الشروق .

34- لسان العرب. دار صادر. بيروت .

35- محاسن التأويل للقاسمي. الطبعة الثانية 1398هـ- 1978م. طبع دار الفكر - بيروت.

36- مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني. تحقيق : صفوان عدنان داوودي. الطبعة الأولى 1412هـ- 1992م. دار القلم- دمشق، دار الشامية- بيروت.

37- مسند الإمام أحمد. مؤسسة قرطبة- مصر.

38- مسند أبي يعلى. تحقيق: حسين سليم أسد. الطبعة الأولى 1404هـ. دار المأمون للتراث-دمشق.

39- مسند الشاميين للطبراني. تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي. الطبعة الأولى 1405هـ. مؤسسة الرسالة- بيروت.

40- مسند البزار (البحر الزخار) تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله. الطبعة الأولى 1409هـ. مؤسسة علوم القرآن-بيروت.

41- المستدرك للحاكم. تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا. الطبعة الأولى 1411هـ. دار الكتب العلمية- بيروت.

42- مصنف عبدالرزاق. تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي. الطبعة الثانية 1403هـ. المكتب الإسلامي-بيروت.

43- مصنف ابن أبي شيبة. تحقيق: كمال يوسف الحوت. الطبعة الأولى 1403هـ. مكتبة الرشد- الرياض.

44- مجمع الزوائد للهيثمي. 1407هـ. دار الريان للتراث، دار الكتاب العربي.

45- مختصر قيام الليل للمروزي. دار الكتب العلمية - بيروت.

- مختصر قيام الليل للإمام المروزي. الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. نشر: حديث أكاديمي، فيصل آباد- باكستان.

46- نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، لابن الجوزي، تحقيق: محمد عبد الكريم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404هـ.

47- الوسيط في التفسير للواحدي. الطبعة الأولى 1415هـ-1995م. دار الكتب العلمية - بيروت.

 

q q q

 


فهرس الموضوعات

الموضـــــــــوع الصفحة


-1 المقدمــــة  ‌أ

متفرقات

ج  01- الصلاة شعار العبودية  1

ج  02- الصلاة مظهر للعبودية  2

ج  03- المؤمن يسعد بالصلاة   3

ج  04- الصلاة ميدان العزة والكرامة     3

ج  05- السجود سر الصلاة وركنها الأعظم   4

ج  06- حاجتنا إلى الصلاة 5

ج  07- الصلاة ميدان التطهير  والتزكية   6

ج  08- الصلاة صلة بين العبد وربه 8

ج  09- الصلاة طريق يدلنا على الله 10

ج  10- الإنسان أمام بعض صفاته   11

ج  11- الصلاة ضرورة لا بد منها    12

ج  12- الصلاة نعمة الله على عباده 13

ج  13- الصلاة ميدان العطاء الإلهي 14

ج  14- التهاون فـي الصلاة دليل الجهل بالله تعالـى وبحقيقة الإنسان     15

ج  15- تعريف الصلاة دال على إلزام المكلف بها مدة حياته 16

خصائص الصلاة:

خ  01- ربانية المصدر 19

خ  02- متواترة النقل 24

خ  03- ثابتة لا تتغير  25

خ  04- لا يستطع أحد الزيادة فيها أو الإنقاص منها     25

خ  05- هيئتها واحدة للأمة كلها 25

خ  06-طابَعها اليسر والسهولة  25

خ  07- تصلى فـي كل مكان طاهر  26

خ  08- ليس فـي أدائها واسطة بين العبد وربه    26

خ  09- مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم  26

خ  10- واضحة في كل ما يتصل بها  28

خ  11- ليس لها طقوس معينة 28

خ  12- الاستطاعة فيها متيسرة لجميع المكلفين بها  29

خ  13- تؤدى بالبدن، والقلب، والعقل، والروح، وسائر الجوارح 29

خ  14- لم يقتصر التواتر في نقلها على الجانب النظري والقولي بل جمع بينهما
            وبين الجانب العملي  30

فوائد الصلاة:

ف 01- هي مدرسة إيمانية يتربى فيها المصلي على معان كثيرة 31

ف 02- تذهب بشرور النفس  35

ف 03- أنها من أسباب تيسير الرزق    37

ف 04- أنها من أسباب إشاعة القدوة الحسنة والمثل الطيب في المجتمع الإسلامي 42

ف 05- أنها من أسباب إشاعة جو الثقة في المجتمع  45

ف 06- تقلل المشاكل الأسرية  46

ف 07- أنها من أسباب صحة الأبدان والقلوب     47

ف 08- أنها  تنور العقل وتقويه 49

ف 09- سبيل إلى كرامة النفس  وعزتها   51

ف 10- سبب للنجاح في الدنيا والآخرة   52

ف 11-أنها يثبت بها الإيمان ويقوى بها الإسلام     54

ف 12- أنها يتميز بها صاحبها في الدنيا والآخرة 55

ف 13- تبارك العمر وتزكيه 56

ف 14- أن أوقاتها جاءت لتنظيم حياة صاحبها وأوقاته   57

ف 15- ترفع صاحبها عن السفاسف 58

ف 16- سبب لقوة الشخصية واتزانها    60

ف 17- سبب لقوة الملكة والبصيرة والذاكرة    62

مكانة الصلاة:

م 01- هي ركن الإسلام القوي بعد الشهادتين  68

م 02-أول فريضة سماها الله تعالـى بعد الإخلاص بعبادته    69

م 03-تجمع أركان الإسلام   69

م 04-توجب أخوة الدين مع من أقامها    70

م 05-مدح الله عباده المصلين   70

م 06-جاء الوعيد الشديد على من ضيع أوقاتها 72

م 07-تاركها يخرج من الإيمان    73

م 08-نص القرآن على فرضها    75

م 09-تكفر الخطايا وتمحو الذنوب    76

م 10-أنها علامة فارقة بين المؤمن ، والمنافق   80

م 11-أوقاتها هي أحب الأوقات إلـى الله تعالـى     82

م 12-سماها الله إيماناً وإسلاماً وديناً 84

م 13-يفزع إليها عند الشدائد والخطوب   86

م 14-كانت آخر وصيته لأمته 97

م 15-مصلى المؤمن يبكي عليه بعد موته   98

م 16-هي قرة عينه   101

م 17-الذنوب تتساقط عن المصلي بالركوع والسجود     103

م 18-موضع السجود من المصلي لا تأكله النار 105

م 19-جميع الأعمال في الصلاة فيها توحيد لله تعالـى وتعظيم له     107

م 20- هي أول ما يحاسب عليه العبد المسلم من الأعمال يوم القيامة     110

م 21-هي خير أعمال المؤمن 114

م 22-أنها تجتث الصفات السلبية في النفس   115

م 23-هي عامل هام وفعال في اكتساب الصفات الطيبة وتقويتها   118

م 24-تكسب المصلي احترام الناس وتقديرهم  128

م 25-أن المصلي صاحب أمانة وعهد 129

م 26-خطوات المصلي إلى الصلاة في المسجد يكتب الله تعالـى له بها الحسنات
        ويمحو بها عنه السيئات  131

م 27-أنها لا بد أن يتطهر لها (طهارة مائية-الوضوء، أو طهارة ترابية-التيمم)    131

م 28-أنها العبادة التي تبنى لها المساجد    133

م 29-أنها العبادة التي ينادى عليها بالآذان في اليوم والليلة خمس مرات كما
         ينادى عليها عند إقامتها بألفاظ قريبة من ألفاظ الأذان    136

م 30- هي فريضة الله تعالى على جميع الأنبياء والمرسلين 140

م 31- هي الفريضة الوحيدة التي فرضت في السماء 143

م 32- أنها ليست نوعاً واحداً بل أنواعاً متعددة ومتنوعة 143

م 33- شهد الله  لمن أقامها بالإيمان   143

م 34- أنها لا تسقط بحال منذ التكليف بها حتى الموت  144

م 35- شهد الله لمن أقامها محافظاً عليها بوارثة الفردوس  144

م 36- لم تذكر في القرآن إلا مقرونة بصفات نبيلة كريمة   144

م 37- أنها يستعان بها على كل أمور الدنيا والآخرة 144

م 38- هي وصية الآباء الصالحين لأبنائهم  144

م 39- هي سبب لنوال رحمة الله    145

م 40- الشيطان يعتزل المصلي الساجد وهو يبكي نادماً 145

م 41- هي سبب لمرافقة النبي ﷺ في الجنة والدخول في شفاعته 145

م 42- هي عمود الدين والإسلام 145

آيات قرآنية وردت تدل بلفظ «الصلاة» على معان أخرى:

و 01- الرحمة 147

و 02- الثناء 147

و 03- الدعاء، والاستغفار 148

و 04- القراءة     148

و 05- صلاة الخوف   149

و 06- صلاة العيد     149

و 07- صلاة الجمعة    149

و 08- صلاة السفر   149

و 09- صلاة الجنازة   150

و 10- صلاة الجماعة   150

و 11- صلاة الأمم الماضية  151

و 12- الإسلام   151

و 13- كنائس اليهود   151

و 14- الدين 152

و 15- صلاة العصر   152

آيات قرآنية وردت بألفاظ أخرى دلت على الصلاة:

ي 1- الحسنات  153

ي 2- الإيمان 154

ي 3- الذكر  154

ي 4- القرآن 155

ي 5- التسبيح    156

ي 6- الاستغفار 156

ي 7- الركوع  156

ي 8- السجود    157

الخاتمة    169

فهرس المراجع      170

فهرس الموضوعات      175



([1]) انظر : الأركان الأربعة لأبي الحسن الندوي : (22) .
([2]) سورة الأنفال : (29).
([3]) سورة التوبة: (71).
([4]) سورة الأنفال: (34).
([5]) انظر : تفسير السعدي ص (320).
([6]) سورة البقرة : (144).
([7]) سورة هود : (114).
([8]) الصلاة ومقاصدها (43) للحكيم الترمذي، تحقيق الشيخ بهيج غزاوي.
([9]) كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم، تحقيق تيسير زعيتر، ص (180، 181).
([10]) سورة الأحزاب : (44).
([11]) سورة غافر : (60).
([12]) كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم ص (178، 179).
([13]) سورة الأعراف : (198).
([14]) سورة الأنفال : (55).
([15]) سورة الطور : (44).
([16]) صحيح مسلم (1/462) برقم (667).
([17]) الأركان الأربعة ص (13، 14).
([18]) رواه أحمد فـي مسنده (3/128، 199، 285) والنسائي فـي سننه (7/61) فـي عشرة النساء.
([19]) الصلاة ومقاصدها ص (29).
([20]) لسان العرب (14/464-465).
([21]) تاج العروس للزبيدي (19/606، 607).
([22]) سورة آل عمران : (110).
([23]) سورة سبأ : (28).
([24]) سورة الإسراء : (91).
([25]) سورة فصلت : (40، 41).
([26]) سورة إبراهيم : (1).
([27]) سورة النساء : (103).
([28]) سورة العنكبوت : (45).
([29]) سورة الإسراء : (78).
([30]) سورة الروم : (18).
([31]) جامع البيان (15/137) وفـي سنده راوٍ مجهول.
([32]) تفسير ابن كثير (5/101، 102).
([33]) سورة الروم : (18).
([34]) تفسير السعدي (4/76).
([35]) سنن النسائي (1/255، 256).
([36]) انظر فيما سبق : الأركان الأربعة لأبي الحسن الندوي ص (62 إلى 77).
([37]) رواه البخاري فـي صحيحه (1/226) برقم (605)، وفـي (5/2238) رقم (5662).
ومسلم فـي صحيحه (1/371) برقم (523) من حديث مالك بن الحويرث.
([38]) رواه البخاري فـي صحيحه (1/128) برقم (335) و(1/168) رقم (438) من حديث جابر، واللفظ له. ومسلم فـي صحيحه برقم (521).
([39]) الأركان الأربعة لأبي الحسن الندوي ص (34).
([40]) سورة الإسراء : (111).
([41]) سورة المدثر : (3).
([42]) سورة النور : (36 إلى 39).
([43]) تفسير السعدي (3/365).
([44]) سورة الفتح : (29).
([45]) رواه أبو داود في سننه (4985) كتاب الأدب.
([46]) سورة طه : (124).
([47]) سورة البقرة : (44).
([48]) سورة إبراهيم : (21).
([49]) سورة التحريم : (6).
([50]) سورة الذاريات : (56 إلى 58).
([51]) سورة الشعراء : (79).
([52]) سورة طه : (124).
([53]) سورة البقرة : (1، 2، 3).
([54]) سورة الأنفال : (2، 3).
([55]) تفسير السعدي (1/10).
([56]) سورة الحاقة : (30 إلى 34).
([57]) سورة المدثر : (42 إلى 44).
([58]) سورة الماعون : (4 إلى 7).
([59]) سورة آل عمران : (110).
([60]) سورة طه : (124).
([61]) سورة التحريم : (6).
([62]) حدثني ذلك الإمام أنه قرأ الآيات الخمس الأولى من سورة النور.
([63]) تفسير السعدي (1/179).
([64]) رواه البخاري في صحيحه (1/28) برقم (52).
ومسلم في صحيحه (3/1219) برقم (1599).
([65]) الجواب الكافي ص (82).
([66]) جامع العلوم والحكم لابن رجب، تحقيق : شعيب الأرناؤط، وإبراهيم باجس (1/466).
([67]) انظر : مسند الإمام أحمد (1/293).
وسنن الترمذي (4/667) برقم (2516).
([68]) سورة البقرة : (197).
([69]) سورة المائدة : (100).
([70]) سورة البقرة : (269).
([71]) تقدم تخريجه.
([72]) سورة فاطر : (10).
([73]) سورة المنافقون : (8).
([74]) سورة الحج : (18).
([75]) سورة آل عمران : (26).
([76]) سورة مريم : (76).
([77]) رواه البخاري في صحيحه (1/63) برقم (136).
ومسلم في صحيحه (1/217، 218) برقم (246).
([78]) سورة (ن) : (42، 43).
([79]) سورة النساء : (103).
([80]) سورة العنكبوت : (45).
([81]) الجواب الكافي ص (90).
([82]) سورة الأنعام : (122).
([83]) سورة البقرة : (177).
([84]) تفسير البيضاوي ص (36).
([85]) سورة الإسراء : (111).
([86]) سورة البقرة : (238).
([87]) سورة الحج : (77).
([88]) الجواب الكافي (100).
([89]) نفس المصدر : (83).
([90]) أسرار الصلاة والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع. لابن قيم (55-56).
([91]) صحيح البخاري (1/12) برقم (8)، وصحيح مسلم (1/45) برقم (16).
([92]) تعظيم قدر الصلاة (1/86).
([93]) سورة البينة: (5).
([94]) سورة براءة: (5).
([95]) سورة براءة: (11).
([96]) صحيح البخاري (1/17) برقم (25).
وصحيح مسلم (1/53) برقم (22).
([97]) سورة المؤمنون: (1-2).
([98]) سورة المؤمنون: (9-10-11).
([99]) سورة سأل سائل: (19-20-21).
([100]) نفس السورة: (22-23).
([101]) نفس السورة: (34-35).
([102]) سورة فاطر: (29).
([103]) تعظيم قدر الصلاة (1/136).
([104]) سورة مريم: (59).
([105]) تفسير القرطبي (11/122).
([106]) سورة مريم: (59).
([107]) سورة الماعون: (5).
([108]) سورة سأل سائل: (23).
([109]) سورة سأل سائل: (34).
([110]) انظر: تعظيم قدر الصلاة (1/137).
([111]) سورة السجدة: (15).
([112]) سورة المرسلات: (48-49).
([113]) سورة المدثر: (42-43).
([114]) سورة غافر: (60).
([115]) رواه مسلم في صحيحه (1/88) برقم (82) بلفظ مقارب.
([116]) رواه الترمذي في سننه (5/13) برقم (2621) في باب ما جاء في ترك الصلاة، وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في سننه (1/231) برقم (463) في باب الحكم في ترك الصلاة، وابن ماجه في سننه (1/342) برقم (1079) باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، وأحمد في مسنده (5/346).
([117]) تعظيم قدر الصلاة (1/132-133).
([118]) سورة النساء: (103).
([119]) انظر: تفسير القرطبي (5/374).
([120]) سورة غافر: (60).
([121]) سورة البقرة: (43).
([122]) سورة هود: (114).
([123]) رواه البخاري في صحيحه (1/196) برقم (526)، ومسلم في صحيحه (4/2115) برقم (2763).
([124]) رواه أحمد في مسنده (5/388) وانظر: تفسير القرطبي (9/109).
([125]) رواه مسلم في صحيحه (1/209) برقم (233)، والترمذي في سننه (1/418) برقم (214) وقال: «حسن صحيح»، وأحمد في مسنده (2/359، 414، 484) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بألفاظ متقاربة.
([126]) سورة النساء: (31).
([127]) تعظيم قدر الصلاة (1/148).
([128]) سورة العنكبوت: (45).
([129]) تفسير السعدي (4/59).
([130]) سورة النساء: (142).
([131]) سورة التوبة: (54).
([132]) انظر: صحيح البخاري برقم (657) وصحيح مسلم برقم (651).
([133]) تفسير القرطبي (5/422).
([134]) سورة القلم: (42-43).
([135]) سورة القلم: (43).
([136]) سورة القلم: (43).
([137]) تعظيم قدر الصلاة (1/296).
([138]) نفس المصدر (1/334).
([139]) المصدر نفسه (1/334).
([140]) سورة الإسراء: (78).
([141]) تفسير القرطبي (10/309).
([142]) رواه الترمذي في جامعه (5/302) برقم (3135).
([143]) رواه البخاري في صحيحه (1/203) برقم (555) ومسلم في صحيحه (1/439) برقم (632).
([144]) سورة البقرة: (143).
([145]) سورة البقرة: (143).
([146]) سورة البقرة: (144).
([147]) سورة البقرة: (143) وانظر: صحيح البخاري برقم (4486) وهو جزء من حديث.
([148]) سورة البقرة: (143).
([149]) تعظيم قدر الصلاة (1/343).
([150]) انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب (1/132).
([151]) انظر: في ظلال القرآن (1/133).
([152]) سورة البقرة: (143).
([153]) سورة البقرة: (45).
([154]) سورة البقرة: (45).
([155]) تعظيم قدر الصلاة (1/218-219).
([156]) نفس المصدر (1/224-225).
([157]) سورة طه: (132).
([158]) انظر: تفسير ابن كثير (5/328).
([159]) تفسير القرطبي (11/263).
([160]) صحيح مسلم برقم (901-907) بلفظ مختلف.
([161]) تعظيم قدر الصلاة (1/230).
([162]) رواه النسائي في سننه الكبرى (1/270) برقم (823) والبيهقي في دلائل النبوة (3/49).
([163]) مسند الإمام أحمد (5/388) الشطر الأخير من الحديث فقط.
([164]) سورة البقرة: (45) وانظر: تعظيم قدر الصلاة (1/222).
([165]) تعظيم قدر الصلاة (1/235-236).
([166]) سورة البقرة: (155-156).
([167]) سورة البقرة: (45).
([168]) سورة البقرة: (45).
([169]) تعظيم قدر الصلاة (1/223-224).
([170]) سورة البقرة: (45).
([171]) سورة البقرة: (155-156).
([172]) السنن الكبرى للنسائي (4/258) برقم (7094) و(7095) وانظر: تعظيم قدر الصلاة (1/332).
([173]) سورة التوبة: (128).
([174]) سورة الأحزاب: (6).
([175]) تعظيم قدر الصلاة (1/334).
([176]) نفس المصدر.
([177]) انظر فيما تقدم: نفس المصدر (1/335).
([178]) سورة الدخان: (29).
([179]) تفسير ابن كثير (7/254).
([180]) سورة الإسراء: (44).
([181]) سورة ص: (17-18).
([182]) سورة البقرة: (74).
([183]) سورة مريم: (88).
([184]) تفسير القرطبي (10/267).
([185]) تعظيم قدر الصلاة (1/331) وانظر: أسرار الصلاة لابن قيم، تحقيق: إياد القيسي (122-123).
([186]) أخرجه أحمد (3/128) والنسائي (2/83).
([187]) كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم (171).
([188]) مختصر قيام الليل ص (130) وانظر: تعظيم قدر الصلاة (1/316-317).
([189]) رقم (1398).
([190]) كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم، تحقيق: تيسير زعيتر (178-179).
([191]) تعظيم قدر الصلاة (1/292).
([192]) الصلاة وحكم تاركها (180-181).
([193]) رواه البخاري في صحيحه (1/277-278) برقم (6573)، ومسلم في صحيحه (1/163-165) برقم (182).
([194]) رواه مسلم في صحيحه (1/353) برقم (488).
([195]) مسند الإمام أحمد (5/199).
([196]) حجة الله البالغة (1/4).
([197]) حجة الله البالغة (1/5-6).
([198]) المصدر السابق (1/7).
([199]) حجة الله البالغة (1/7).
([200]) تعظيم قدر الصلاة (1/268).
([201]) سنن ابن ماجه (1/458) برقم (1425) و(1426).
وفـي مسند أحمد (4/65) و(5/377) عن رجل من الصحابة، لم يذكر أبا هريرة.
([202]) سنن الترمذي (2/269) برقم (413) وقال: حديث حسن غريب، وانظر: سنن النسائي (1/232، 233) برقم (465) و(466).
([203]) سبق تخريجه.
([204]) سنن أبي داود رقم (4985) وانظر فيما تقدم: الأركان الأربعة (29).
([205]) الأركان الأربعة (29-30).
([206]) رقم (85).
([207]) رواه الدارمي في سننه (1/174) برقم (655)، وابن ماجه في سننه (1/101) برقم (277)، وأحمد في مسنده (5/276، 282)، والحاكم في المستدرك (1/220) برقم (447، 448، 449) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
([208]) الأركان الأربعة (24).
([209]) سورة سأل سائل: (19 إلى 23).
([210]) أسرار الصلاة لابن قيم (57).
([211]) سورة البقرة: (1-2-3).
([212]) سورة المؤمنون: (1 إلى 11).
([213]) رواه عبدالرزاق في المصنف (2/266) برقم (3308)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/86) برقم (6787) والبيهقي في السنن الكبرى (2/285) برقم (3365) قولاً لسعيد بن المسيب.
([214]) سورة الذاريات: (56).
([215]) سورة المؤمنون: (1 إلى 3).
([216]) سورة المؤمنون: (4).
([217]) سورة العاديات: (8).
([218]) سورة المؤمنون: (2).
([219]) تفسير الزمخشري (3/43).
([220]) تفسير التحرير والتنوير (18/12).
([221]) المحرر الوجيز (10/331).
([222]) سورة مريم: (96).
([223]) سورة الطلاق: (2).
([224]) سورة الطلاق: (4).
([225]) سورة المؤمنون: (8-9).
([226]) سورة سأل سائل: (32-33-34).
([227]) رواه أحمد في مسنده (3/135، 154، 251) من حديث أنس.
([228]) رواه البخاري في صحيحه (1/181) برقم (477)، ومسلم في صحيحه (1/459) برقم (649) واللفظ له.
([229]) سنن أبي داود (1/154) برقم (563).
([230]) سورة المائدة: (6).
([231]) سورة النساء: (43).
([232]) مجمع الزوائد (2/7).
([233]) سورة النور: (36).
([234]) سورة الجن: (18).
([235]) سنن ابن ماجه (1/244) برقم (738) وابن خزيمة في صحيحه (2/269) برقم (1292).
([236]) صحيح ابن حبان (4/490) برقم (1610).
([237]) صحيح البخاري (1/165) برقم (428) وصحيح مسلم برقم (524).
([238]) صحيح مسلم (1/464) برقم (671).
([239]) سورة الأعراف: (29).
([240]) سورة النور: (36).
([241]) سورة الجن: (18).
([242]) صحيح مسلم (2/715) برقم (1031).
([243]) سورة آل عمران: (37).
([244]) سورة آل عمران: (39).
([245]) سورة ص: (21).
([246]) سورة الجمعة: (9).
([247]) سورة المائدة: (58).
([248]) سنن أبي داود (1/134-135) برقم (498) و(499).
([249]) صحيح مسلم (1/287) برقم (379).
([250]) صحيح مسلم (1/289) برقم (385).
([251]) انظر: الأركان الأربعة (34).
([252]) حجة الله البالغة (1/353).
([253]) سورة ألم نشرح: (4).
([254]) الأركان الأربعة (51).
([255]) سورة طه: (13-14).
([256]) سورة الشعراء: (46-47-48).
([257]) تعظيم قدرة الصلاة (1/96-97).
([258]) سورة إبراهيم: (37).
([259]) سورة مريم: (30-31).
([260]) سورة مريم: (58).
([261]) تعظيم قدر الصلاة (1/113).
([262]) المصدر السابق.
([263]) أخرجه الترمذي (1/278-280) برقم (149) وانظر فيما مضى نفس المصدر (1/96) وما بعدها.
([264]) سورة التوبة: (18).
([265]) سورة البقرة: (45).
([266]) سورة لقمان: (17).
([267]) سورة النور: (56).
([268]) صحيح مسلم رقم (81) وانظر: تعظيم قدر الصلاة (1/328).
([269]) صحيح مسلم برقم (489).
([270]) جامع الترمذي برقم (2616).
([271]) سورة البقرة: (157).
([272]) تفسير القرطبي (2/177).
([273]) المصدر السابق.
([274]) سورة الأحزاب: (56).
([275]) صحيح البخاري (4/1802).
([276]) سنن الترمذي (2/354) رقم الحديث (485)، وانظر: تفسير ابن كثير (3/507-508).
([277]) سورة الأحزاب: (43).
([278]) سورة التوبة: (103).
([279]) تفسير ابن كثير (3/517)، صحيح مسلم (2/756) رقم الحديث (1078) والبخاري برقم (1497).
([280]) سورة التوبة: (99).
([281]) تفسير القرطبي (8/235).
([282]) ســـــورة الإســـــراء: (110) وانظــــر: تفســــير ابن كثيــــر (5/128-129) وتفســـــير القرطبـــــي
(10/343-344).
([283]) سورة النساء: (102).
([284]) تفسير ابن كثير (2/403).
([285]) سورة الكوثر: (2).
([286]) سورة الجمعة: (9).
([287]) تفسير القرطبي (18/104).
([288]) سورة النساء: (101).
([289]) تفسير الواحدي (الوسيط) (2/108).
([290]) سورة التوبة: (84).
([291]) تفسير ابن كثير (4/192-193).
([292]) سورة المائدة: (58).
([293]) تفسير الطبري (6/291) وابن كثير (2/73)، والقرطبي (6/30).
([294]) سورة مريم: (31).
([295]) تفسير القرطبي (11/103).
([296]) سورة القيامة: (31).
([297]) البصائر (3/438).
([298]) سورة الحج: (40).
([299]) البصائر (3/438).
([300]) تفسير القرطبي (12/71).
([301]) ص (395).
([302]) تفسير القرطبي (12/71).
([303]) سورة هود: (87).
([304]) انظر: تفسير الفخر الرازي (18/44).
([305]) سورة المائدة: (106).
([306]) الوسيط في التفسير لأبي حيان (2/241).
([307]) سورة هود: (114).
([308]) تفسير الطبري (12/132).
([309]) سورة البقرة: (143).
([310]) محاسن التأويل (2/299).
([311]) سورة البقرة: (239).
([312]) سورة ص: (32).
([313]) سورة الجمعة: (9).
([314]) تفسير القرطبي (3/225).
([315]) تفسير ابن كثير (7/65).
([316]) الوسيط في التفسير للواحدي (4/299).
([317]) تفسير القرطبي (18/107).
([318]) سورة الإسراء: (78).
([319]) صحيح البخاري برقم (4717) وصحيح مسلم برقم (649).
([320]) سورة الروم: (17-18).
([321]) تفسير القرطبي (14/14).
([322]) سورة الذاريات: (18).
([323]) تفسير القرطبي (17/37).
([324]) سورة البقرة: (43).
([325]) سورة المرسلات: (48).
([326]) التفسير الوسيط (1/129).
([327]) الآية: (49) وانظر: تفسير ابن كثير (8/301).
([328]) سورة ق: (40).
([329]) المفردات (397).

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...