Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

مجلد 3و مجلد 4.معجم مقاييس اللغة أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) َالَلغة

 

مجلد {3}معجم مقاييس اللغة أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) َالَلغة  

  الْفَرَّاءُ: الْعِنَانُ: الْمُعَانَّةُ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ وَالْمُعَانَدَةُ. وَأَنْشَدَ:
سَتَعْلَمُ إِنْ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ بَيْنَنَا ... عِنَانَ الشِّمَالِ مَنْ يَكُونَنَّ أَضْرَعَا
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: شَارَكَ فُلَانٌ فُلَانًا شِرْكَةَ عِنَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَعِنَّ لِبَعْضِ مَا فِي يَدِهِ فَيُشَارِكَهُ فِيهِ، أَيْ يَعْرِضَ. وَأَنْشَدَ:
مَابَدَلٌ مِنْ أُمِّ عُثْمَانَ سَلْفَعٌ ... مِنَ السُّودِ وَرْهَاءُ الْعِنَانِ عَرُوبُ
قَالَ: عَرُوبُ، أَيْ فَاسِدَةٌ. مِنْ قَوْلِهِمْ عَرِبَتْ مَعِدَتُهُ، أَيْ فَسَدَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمِعَنُّ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي لَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا عَارَضَهُ. قَالَ: وَالْمِعَنُّ: الْخَطِيبُ الَّذِي يَشْتَدُّ نَظَرُهُ وَيَبْتَلُّ رِيقُهُ وَيَبْعُدُ صَوْتُهُ وَلَا يُعْيِيهِ فَنٌّ مِنَ الْكَلَامِ. قَالَ:
مِعَنٌّ بِخُطْبَتِهِ مِجْهَرُ
وَمِنَ الْبَابِ: عُنْوَانُ الْكِتَابِ; لِأَنَّهُ أَبْرَزُ مَا فِيهِ وَأَظْهَرُهُ. يُقَالُ عَنَنْتُ الْكِتَابَ أَعُنُّهُ عَنًّا، وَعَنْوَنْتُهُ، وَعَنَّنَتُهُ أُعِنِّنُهُ تَعْنِينَا. وَإِذَا أَمَرْتَ قُلْتَ عَنِّنْهُ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لَقِيَتُهُ عَيْنَ عُنَّةٍ، أَيْ فَجْأَةً، كَأَنَّهُ عَرَضَ لِي مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. قَالَ طُفَيْلٌ:
إِذَا انْصَرَفَتْ مِنْ عُنَّةٍ بَعْدَ عُنَّةٍ

(4/20)


وَيُقَالُ إِنَّ الْجَبَلَ الذَّاهِبَ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ [لَهُ] عَانٌّ، وَجَمْعُهَا عَوَانٌّ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ الْحَبْسُ، فَالْعُنَّةُ، وَهِيَ الْحَظِيرَةُ، وَالْجَمْعُ عُنَنٌ. قَالَ أَبُو زِيَادٍ: الْعُنَّةُ: بِنَاءٌ تَبْنِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ، وَالْجُمَعُ عُنَنٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
تَرَى اللَّحْمَ مِنْ ذَابِلٍ قَدْ ذَوَى ... وَرَطْبٍ يُرَفَّعُ فَوْقَ الْعُنَنْ
يُقَالُ: عَنَّنْتُ الْبَعِيرَ: حَبَسْتُهُ فِي الْعُنَّةِ. وَرُبَّمَا اسْتَثْقَلُوا اجْتِمَاعَ النُّونَاتِ فَقَلَبُوا الْآخِرَةَ يَاءً، كَمَا يَقُولُونَ:
تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ
فَيَقُولُونَ عَنَّيْتُ. قَالَ:
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كَالسَّدِمِ الْمُعَنَّى ... تُهَدَّرُ فِي دِمَشْقَ وَلَا تَرِيمُ
يُرَادُ بِهِ الْمُعَنَّنُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَحْلُ لَيْسَ بِالرِّضَا عِنْدَهُمْ يُعَرَّضُ عَلَى ثَيْلِهِ عُودٌ، فَإِذَا تَنَوَّخَ النَّاقَةَ لِيَطْرُقَهَا مَنَعَهُ الْعُودُ. وَذَلِكَ الْعُودُ النِّجَافُ. فَإِذَا أَرَادُوا ذَلِكَ نَحَّوْهُ وَجَاؤُوا بِفَحْلٍ أَكْرَمَ مِنْهُ فَأَضْرَبُوهُ إِيَّاهَا، فَسَمَّوُا الْأَوَّلَ الْمُعَنَّى. وَأَنْشَدَ:
تَعَنَّيْتُ لِلْمَوْتِ الَّذِي هُوَ نَازِلُ
يُرِيدُ: حَبَسْتُ نَفْسِي عَنِ الشَّهَوَاتِ كَمَا صُنِعَ بِالْمُعَنَّى. وَفِي الْمَثَلِ: " هُوَ كَالْمُهَدِّرِ فِي الْعُنَّةِ ". قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ: تَعَنَّنْتُ، وَهُوَ مِنَ الْعِنِّينِ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ.

(4/21)


وَمِنَ الْبَابِ: عِنَانُ الْفَرَسِ، لِأَنَّهُ يَحْتَبِسُ، وَجَمْعُهُ أَعِنَّةٌ وَعُنُنٌ. الْكِسَائِيُّ: أَعْنَنْتُ الْفَرَسَ: جَعَلْتُ لَهُ عِنَانًا. وَعَنَّنْتُهُ: حَبَسْتُهُ بِعِنَانِهِ. فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُعَنَّنَةُ فَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ اللَّطِيفَةُ الْبَطْنِ، الْمُهَفْهَفَةُ، الَّتِي جُدِلَتْ جَدَلَ الْعِنَانِ. وَأَنْشَدَ:
وَفِي الْحَيِّ بَيْضَاتُ دَارِيَّةٌ ... دَهَاسٌ مُعَنَّنَةُ الْمُرْتَدَى
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عِنَانُ الْمَتْنِ حَبْلَاهُ. وَهَذَا أَيْضًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
إِلَى عِنَانَيْ ضَامِرٍ لَطِيفِ
وَالْأَصْلُ فِي الْعِنَانِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَبْسِ.
وَلِلْعَرَبِ فِي الْعِنَانِ أَمْثَالٌ، يَقُولُونَ: " ذَلَّ لِي عِنَانُهُ "، إِذَا انْقَادَ. وَ " هُوَ شَدِيدُ الْعِنَانِ "، إِذَا كَانَ لَا يَنْقَادُ. وَ " أَرْخِ مِنْ عِنَانِهِ " أَيْ رَفِّهْ عَنْهُ. وَ " مَلَأْتُ عِنَانَ الْفَرَسِ "، أَيْ بَلَغْتُ مَجْهُودَهُ فِي الْحُضْرِ. قَالَ:
حَرْفٌ بَعِيدٌ مِنَ الْحَادِيَ إِذَا مَلَأَتْ ... شَمْسُ النَّهَارِ عِنَانَ الْأَبْرَقِ الصَّخِبِ
يُرِيدُ إِذَا بَلَغَتِ الشَّمْسُ مَجْهُودَ الْجُنْدُبِ، وَهُوَ الْأَبْرَقُ. وَيَقُولُونَ: " هُمَا يَجْرِيَانِ فِي عِنَانٍ وَاحِدٍ " إِذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي عَمَلٍ أَوْ فَضْلٍ. وَ " جَرَى فُلَانٌ عِنَانًا أَوْ عِنَانَيْنِ "، أَيْ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

(4/22)


سَيَعْلَمُ كُلُّهُمْ أَنِّي مُسِنٌّ ... إِذَا رَفَعُوا عِنَانًا عَنْ عِنَانِ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: " فُلَانٌ طَرِبُ الْعِنَانِ " يُرَادُ بِهِ الْخِفَّةُ وَالرَّشَاقَةُ. وَ " فُلَانٌ طَوِيلُ الْعِنَانِ "، أَيْ لَا يُذَادُ عَمَّا يُرِيدُ، لِشَرَفِهِ أَوْ لِمَالِهِ. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَجْدٌ تَلِيدٌ وَعِنَانٌ طَوِيلٌ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ثَنَيْتُ عَلَى الْفَرَسِ عِنَانَهُ، أَيْ أَلْجَمْتُهُ. وَاثْنِ عَلَى فَرَسِكَ عِنَانَهُ، أَيْ أَلْجِمْهُ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وَحَاوَطَنِي حَتَّى ثَنَيْتُ عِنَانَهُ ... عَلَى مُدْبِرِ الْعِلْبَاءِ رَيَّانَ كَاهِلُهْ
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَتَعْلَمُ إِنْ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ بَيْنَنَا ... عِنَانَ الشِّمَالِ مَنْ يَكُونَنَّ أَضْرَعَا
فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: عِنَانَ الشِّمَالِ، يَعْنِي السَّيْرَ الَّذِي يُعَلَّقُ بِهِ فِي شِمَالِ الشَّاةِ، وَلَقَّبَهُ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الدَّابَّةُ لَا تُعْطَفُ إِلَّا مِنْ شِمَالِهَا. فَالْمَعْنَى: إِنْ دَارَتْ مَدَارَهَا عَلَى جِهَتِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عِنَانُ الشَّمَالِ أَمْرٌ مَشْؤُومٌ كَمَا يُقَالُ لَهَا:
زَجَرْتُ لَهَا طَيْرَ الشِّمَالِ
وَيَقُولُونَ لِمَنْ أَنْجَحَ فِي حَاجَتِهِ: جَاءَ ثَانِيًا عِنَانَهُ.

(4/23)


(عَبَّ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةٍ وَمُعَظَّمٍ فِي مَاءٍ وَغَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَبُّ، وَهُوَ شُرْبُ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ. يُقَالُ عَبَّ فِي الْإِنَاءِ يَعُبُّ عَبًّا، إِذَا شَرِبَ شُرْبًا عَنِيفًا. وَفِي الْحَدِيثِ: «اشْرَبُوا الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا ; فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ» ". قَالَ:
إِذَا يَعُبُّ فِي الطَّوِيِّ هَرْهَرَا
وَيُقَالُ عَبَّ الْغَرْبُ يَعُبُّ عَبًّا، إِذَا صَوَّتَ عِنْدَ غَرْفِ الْمَاءِ. وَالْعُبَابُ فِي السَّيْرِ: السُّرْعَةُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعُبَابُ: مُعْظَمُ السَّيْلِ. وَمِنَ الْبَابِ الْيَعْبُوبُ: الْفَرَسُ الْجَوَادُ الْكَثِيرُ الْجَرْيِ، وَقِيلَ: الطَّوِيلُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَعِيدُ الْقَدْرِ فِي الْجَرْيِ، وَأَنْشَدَ:
بِأَجَشِّ الصَّوْتِ يَعْبُوبٍ إِذَا ... طُرِقَ الْحَيُّ مِنَ الْغَزْوِ صَهَلْ
وَالْيَعْبُوبُ: النَّهَرُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ الشَّدِيدُ الْجِرْيَةِ. قَالَ:
تَخْطُو عَلَى بَرْدِيَّتَيْنِ غَذَّاهُمَا ... غَدِقٌ بِسَاحَةِ حَائِرٍ يَعْبُوبِ
وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْعَبَ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يُعَبْعِبُ فِي كَلَامِهِ وَيَتَكَلَّمُ فِي حَلْقِهِ. وَيُقَالُ ثَوْبٌ عَبْعَبٌ وَعَبْعَابٌ، أَيْ وَاسِعٌ. قَالَ: وَالْعَبْعَابُ مِنَ الرِّجَالِ: الطَّوِيلُ. وَالْعَبْعَبُ: كِسَاءٌ مِنْ أَكْسِيَةِ الصُّوفِ نَاعِمٌ دَقِيقٌ. وَأَنْشَدَ:

(4/24)


بُدِّلْتِ بَعْدَ الْعُرْيِ وَالتَّذَعْلُبِ ... وَلُبْسِكِ الْعَبْعَبَ بَعْدَ الْعَبْعَبِ
مَطَارِفَ الْخَزِّ فَجُرِّي وَاسْحَبِي
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْعُبَبُ: شَجَرَةٌ تُشْبِهُ الْحَرْمَلَ إِلَّا أَنَّهَا أَطْوَلُ فِي السَّمَاءِ، تُخَرِجُ خِيطَانًا، وَلَهَا سِنَفَةٌ مِثْلُ سِنَفَةِ الْحَرْمَلِ، وَوَرَقُهَا كَثِيفٌ. قَالَ ابْنُ مَيَّادَةَ:
كَأَنَّ بَرْدِيَّةً جَاشَتْ بِهَا خُلُجٌ ... خُضْرُ الشَّرَائِعِ فِي حَافَاتِّهَا الْعُبَبُ
وَمِمَّا يُقَارِبُ الْبَابَ الْأَوَّلَ وَلَا يَبْعُدُ عَنْ قِيَاسِهِ، مَا حَكَاهُ الْخَلِيلُ أَنَّ الْعَبْعَبَ: نَعْمَةُ الشَّبَابِ. وَالْعَبْعَبُ مِنَ الشُّبَّانِ: التَّامُّ.

(عَتَّ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُرَاجَعَةِ كَلَامٍ وَخِصَامٍ، وَالْآخَرُ شَيْءٌ قَدْ قِيلَ مِنْ صِفَاتِ الشُّبَّانِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا.
فَالْأَوَّلُ مَا حَكَاهُ الْخَلِيلُ عَتَّ يَعُتُّ عَتًّا، وَذَلِكَ إِذَا رَدَّدَ الْقَوْلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَعَتَتُّ عَلَى فُلَانٍ قَوْلَهُ، إِذَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَمِنْهُ التَّعَتُّتُ فِي الْكَلَامِ، يُقَالُ تَعَتَّتَ يَتَعَتَّتُ تَعَتُّتًا، إِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ فِيهِ. وَأَنْشَدَ:
خَلِيلِيَّ عُتَّا لِي سُهَيْلَةَ فَانْظُرَا ... أَجَازِعَةٌ بَعْدِي كَمَا أَنَا جَازِعُ
يَقُولُ: رَادَّاهَا الْكَلَامَ. يُقَالُ مِنْهُ عَاتَتُّهُ أُعَاتُّهُ مُعَاتَّةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَازِلْتُ أُعَاتُّ فُلَانًا وَأُصَاتُّهُ، عِتَاتًا وَصِتَاتًا، وَهُمَا الْخُصُومَةُ. وَأَصْلُ الصَّتِّ الصَّدْمُ.

(4/25)


وَأَمَّا الْأَصْلُ الَّذِي لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعُتْعُتَ: الشَّابُّ.
قَالَ:
لَمَّا رَأَتْهُ مُودَنًا عِظْيَرَّا ... قَالَتْ أُرِيدُ الْعُتْعُتَ الذِّفِرَّا
الذِّفِرُّ: الطَّوِيلُ. الْمُودَنُ وَالْعِظْيَرُّ: الْقَصِيرُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعُتْعُتَ: الْجَدْيُ.

(عَثَّ) الْعَيْنُ وَالثَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى دُوَيْبَّةٍ مَعْرُوفَةٍ، ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهَا غَيْرُهَا، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى نَعْمَةٍ فِي شَيْءٍ.
فَأَمَّا النَّعْمَةُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَثْعَثُ: الْكَثِيبُ السَّهْلُ. قَالَ:
كَأَنَّهُ بِالْبَحْرِ مِنْ دُونِ هَجَرْ ... بِالْعَثْعَثِ الْأَقْصَى مَعَ الصُّبْحِ بَقَرْ
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَثْعَثُ مِنَ الْعَذَابِ وَاللَّبَبِ، وَهُمَا مُسْتَرَقُّ الرَّمْلِ وَمُكْتَنِزُهُ. وَالْعَثْعَثُ مِنْ مَكَارِمِ النَّبَاتِ. قَالَ:
كَأَنَّهَا بَيْضَةٌ غَرَّاءُ خُطَّ لَهَا فِي ... عَثْعَثٍ يُنْبِتُ الْحَوْذَانَ وَالْعَذَمَا
وَمِنَ الْبَابِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، تَسْمِيَتُهُمُ الْغِنَاءَ عِثَاثًا، وَذَلِكَ لِحُسْنِهِ وَدَمَاثَةِ اللَّفْظِ بِهِ. قَالَ كُثَيِّرٌ:

(4/26)


هَتُوفًا إِذَا ذَاقَهَا النَّازِعُونَ ... سَمِعْتَ لَهَا بَعْدَ حَبْضٍ عِثَاثًا
وَعَثْعَثُ الْوَرِكِ: مَا لَانَ مِنْهُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُرِيكَ وَذَا غَدَائِرَ وَارِدَاتٍ ... يُصِبْنَ عَثَاعِثَ الْحَجَبَاتِ سُودِ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعُثَّةُ، وَهِيَ السُّوسَةُ الَّتِي تَلْحَسُ الصُّوفَ. يُقَالُ عَثَّتِ الصُّوفَ وَهِيَ تَعُثُّهُ، إِذَا أَكَلَتْهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ:
عُثَيْثَةٌ تَقْرُمُ جِلْدًا أَمْلَسَا
يُضْرَبُ مَثَلًا لِلضَّعِيفِ يَجْهَدُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الشَّيْءِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا شُبِّهَ بِذَلِكَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ: إِنَّ الْعُثَّةَ مِنَ النِّسَاءِ الْخَامِلَةُ، ضَاوِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ضَاوِيَّةٍ، وَجَمْعُهَا عَثَائِثُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الْعَجُوزُ. وَأَنْشَدَ:
فَلَا تَحْسَبَنِّي مِثْلَ مَنْ هُوَ قَاعِدٌ ... عَلَى عُثَّةٍ أَوْ وَاثِقٌ بِكَسَادِ
وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ عَثُّ مَالٍ، أَيْ إِزَاؤُهُ، أَيْ كَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا تَلْزَمُ الْعُثَّةُ الصُّوفَ. وَمِنْهُ عَثْعَثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ. وَعَثْعَثْتُ إِلَى فُلَانٍ، أَيْ رَكَنْتُ إِلَيْهِ.

(عَجَّ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ، مِنْ صَوْتٍ أَوْ غُبَارٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ الْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ. يُقَالُ: عَجَّ

(4/27)


الْقَوْمُ يَعِجُّونَ عَجًّا وَعَجِيجًا وَعَجُّوا بِالدُّعَاءِ، إِذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» ، فَالْعَجُّ مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّجُّ. صَبُّ الدَّمِ. قَالَ وَرَقَةُ:
وُلُوجًا فِي الَّذِي كَرِهَتْ مَعَدٌّ ... وَلَوْ عَجَّتْ بِمَكَّتَهَا عَجِيجَا
أَرَادَ: دُخُولًا فِي الدِّينِ. وَعَجِيجُ الْمَاءِ: صَوْتُهُ; وَمِنْهُ النَّهَرُ الْعَجَّاجُ. وَيُقَالُ عَجَّ الْبَعِيرُ فِي هَدِيرِهِ يَعَجُّ عَجِيجًا. قَالَ:
أَنْعَتُ قَرْمًا بِالْهَدِيرِ عَاجِجَا
فَإِنْ كَرَّرَ هَدِيرَهُ قِيلَ عَجْعَجَ. وَيَقُولُونَ عَجَّتِ الْقَوْسُ، إِذَا صَوَّتَتْ. قَالَ:
تَعُجُّ بِالْكَفِّ إِذَا الرَّامِي اعْتَزَمْ ... تَرَنُّمَ الشَّارِفِ فِي أُخْرَى النَّعَمْ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَجَّتِ الرِّيحُ وَأَعَجَّتْ، إِذَا اشْتَدَّتْ وَسَاقَتِ التُّرَابَ. وَيَوْمٌ مِعَجٌّ أَيْ ذُو عَجَاجٍ. وَالْعَجَاجُ: الْغُبَارُ تَثُورُ بِهِ الرِّيحُ، الْوَاحِدَةُ عَجَاجَةُ. وَيُقَالُ عَجَّجَتِ الرِّيحُ تَعْجِيجًا. وَعَجَّجْتُ الْبَيْتَ دُخَانًا حَتَّى تَعَجَّجَ.
وَمِنَ الْبَابِ: فَرَسٌ عَجْعَاجٌ، أَيْ عَدَّاءٌ. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْعَجَاجَ. وَأَنْشَدَ:
وَكَأَنَّهُ وَالرِّيحُ تَضْرِبُ بُرْدَهُ ... فِي الْقَوْمِ فَوْقَ مُخَيَّسٍ عَجْعَاجُ
وَالْعَجَاجَةُ: الْكَثِيرَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ.

(4/28)


وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ وَالتَّشْبِيهِ: فُلَانٌ يَلُفُّ عَجَاجَتَهُ عَلَى فُلَانٍ، إِذَا أَغَارَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَجَاجَةِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّنْفَرِىُّ:
وَإِنِّي لَأَهْوَى أَنْ أَلُفَّ عَجَاجَتِي عَلَى
ذِي كِسَاءٍ مِنْ سَلَامَانَ أَوْ بُرْدِ
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ عَجْعَاجٌ، أَيْ صَيَّاحٌ. وَقَدْ مَرَّ قِيَاسُ الْبَابِ مُسْتَقِيمًا. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَجْعَجَةَ أَنْ تَجْعَلَ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ جِيمًا، وَإِنْشَادُهُمْ:
يَا رَبِّ إِنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حِجَّتِجْ
فَهَذَا مِمَّا [لَا] وَجْهَ لِلشُّغُلِ بِهِ، وَمِمَّا لَا يُدْرَى مَا هُوَ.

(عَدَّ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ لَا يَخْلُو مِنَ الْعَدِّ الَّذِي هُوَ الْإِحْصَاءُ. وَمِنَ الْإِعْدَادِ الَّذِي هُوَ تَهْيِئَةُ الشَّيْءِ. وَإِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَرْجِعُ فَرَوْعُ الْبَابِ كُلُّهَا. فَالْعَدُّ: إِحْصَاءُ الشَّيْءِ. تَقُولُ: عَدَدْتُ الشَّيْءَ أَعُدُّهُ عَدًّا فَأَنَا عَادٌّ، وَالشَّيْءُ مَعْدُودٌ. وَالْعَدِيدُ: الْكَثْرَةُ. وَفُلَانٌ فِي عِدَادِ الصَّالِحِينَ، أَيْ يُعَدُّ مَعَهُمْ. وَالْعَدَدُ: مِقْدَارُ مَا يُعَدُّ، وَيُقَالُ: مَا أَكْثَرَ عَدِيدَ بَنِي فُلَانٍ وَعَدَدَهُمْ. وَإِنَّهُمْ لَيَتَعَادُّونَ وَيَتَعَدَّدُونَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، أَيْ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا. وَمِنَ الْوَجْهِ الْآخَرِ الْعُدَّةُ. مَا أُعِدَّ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ. يُقَالُ أَعْدَدْتُ الشَّيْءَ أُعِدُّهُ إِعْدَادًا. وَاسْتَعْدَدْتُ لِلشَّيْءِ وَتَعَدَّدْتُ لَهُ.

(4/29)


قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَفِي الْأَمْثَالِ:
كُلُّ امْرِئٍ يَعْدُو بِمَا اسْتَعَدَّا
وَمِنَ الْبَابِ الْعِدَّةُ مِنَ الْعَدِّ. وَمِنَ الْبَابِ: الْعِدُّ: مُجْتَمَعُ الْمَاءِ، وَجَمْعُهُ أَعْدَادٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ مِنَ الْبَابِ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ كَأَنَّهُ الشَّيْءُ الَّذِي أُعِدَّ دَائِمًا. قَالَ:

وَقَدْ أَجَزْتُ عَلَى عَنْسٍ مُذَكَّرَةً ... دَيْمُومَةً
مَا بِهَا عِدٌّ وَلَا ثَمَدُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعِدُّ: الْقَدِيمَةُ مِنَ الرَّكَايَا الْغَزِيرَةِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: حَسَبٌ عِدٌّ أَيْ قَدِيمٌ، وَالْجَمْعُ أَعْدَادٌ. قَالَ: وَقَدْ يَجْعَلُونَ كُلَّ رَكِيَّةٍ عِدًّا. وَيَقُولُونَ: مَاءٌ عِدٌّ، يَجْعَلُونَهُ صِفَةً، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ مَاءِ الرَّكَايَا. قَالَ:
لَوْ كُنْتَ مَاءً عِدًّا جَمَمْتَ ... إِذَا مَا أَوْرَدَ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ وَشَلَا
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْعِدُّ: مَاءُ الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ الْكَرَعَ مَاءُ السَّمَاءِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ لَا عِدَّ عِنْدَهَا ... وَلَا كَرَعٌ، إِلَّا الْمَغَارَاتُ وَالرَّبْلُ

(4/30)


فَأَمَّا الْعِدَادُ فَاهْتِيَاجُ وَجَعِ اللَّدِيغِ. وَاشْتِقَاقُهُ وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ; لِأَنَّ ذَلِكَ لِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ يُعَدُّ عَدًّا. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِدَادُ اهْتِيَاجُ وَجَعِ اللَّدِيغِ، وَذَلِكَ أَنْ رُبَّ حَيَّةٍ إِذَا بَلَّ سَلِيمُهَا عَادَتْ. وَلَوْ قِيلَ عَادَّتْهُ، كَانَ صَوَابًا، وَذَلِكَ إِذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ مُذْ يَوْمَ لُدِغَ اهْتَاجَ بِهِ الْأَلَمُ. وَهُوَ مُعَادٌّ، وَكَأَنَّ اشْتِقَاقَهُ مِنَ الْحِسَابِ مِنْ قِبَلِ عَدَدِ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، يَعْنِي أَنَّ الْوَجَعَ كَانَ يَعُدُّ مَا يَمْضِي مِنَ السَّنَةِ، فَإِذَا تَمَّتْ عَاوَدَ الْمَلْدُوغَ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: عِدَادُ الْمَلْدُوغِ: أَنْ يَجِدَ الْوَجَعَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: عِدَادُ السَّلِيمِ: أَنْ يُعَدَّ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا مَضَتْ رَجَوْا لَهُ الْبُرْءَ وَإِذَا لَمْ تَمْضِ سَبْعَةٌ، فَهُوَ فِي عِدَادٍ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعِدَادُ يَوْمُ الْعَطَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ فِي السَّنَةِ وَقْتًا مُؤَقَّتًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادُّنِي فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي» ، أَيْ تَأْتِينِي كُلَّ سَنَةٍ لِوَقْتٍ. قَالَ:
أَصْبَحَ بَاقِي الْوَصْلِ مِنْ سُعَادَا عَلَاقَةً وَسَقَمًا عِدَادَا
وَمِنَ الْبَابِ الْعِدَّانُ: الزَّمَانُ، وَسُمِّيَ عِدَّانًا لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ فَهُوَ مَحْدُودٌ مَعْدُودٌ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
بَكَيْتَ امْرَأً فَظَّا غَلِيظًا مُلَعَّنًا ... كَكِسْرَى عَلَى عِدَّانِهِ أَوْ كَقَيْصَرَا
قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ فِي عِدَّانِ شَبَابِهِ وَعِدَّانِ مُلْكِهِ، هُوَ أَكْثَرُهُ وَأَفْضَلُهُ وَأَوَّلُهُ. قَالَ:
وَالْمَلِكُ مَخْبُوٌّ عَلَى عِدَّانِهِ

(4/31)


الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُهَيَّأً لَهُ مُعَدًّا. هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ. وَذُكِرَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ الْعِدَادَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْقَوْمُ فَيُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفَقَةً. فَأَمَّا عِدَادُ الْقَوْسِ فَنَاسٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ صَوْتُهَا، هَكَذَا يَقُولُونَ مُطْلَقًا. وَأَصَحُّ [مِنْ] ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَنَّ عِدَادَ الْقَوْسِ أَنْ تَنْبِضَ بِهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. وَهَذَا أَقْيَسُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ فِي عِدَادِهَا:
وَصَفْرَاءَ مِنْ نَبْعٍ كَأَنَّ عِدَادَهَا ... مُزَعْزِعَةٌ تُلْقِي الثِّيَابَ حُطُومُ
فَأَمَّا قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
فَدَعْ عَنْكَ سُعْدَى إِنَّمَا تُسْعِفُ النَّوَى ... عِدَادَ الثُّرَيَّا مَرَّةً ثُمَّ تَأْفُِلُ
فَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ: لَقِيتُ [فُلَانًا] عِدَادَ الثُّرَيَّا الْقَمَرَ، أَيْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ. وَزَعَمُوا أَنَّ الْقَمَرَ يَنْزِلُ بِالثُّرَيَّا مَرَّةً فِي الشَّهْرِ.
وَأَمَّا مَعَدٌّ فَقَدْ ذَكَرَهُ نَاسٌ فِي هَذَا الْبَابِ، كَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمِيمَ زَائِدَةً، وَيَزِنُونَهُ بِمَفْعَلٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَذَا، لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُوجِبُهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا فَعَلٌّ مِنَ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَالدَّالِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِيمِ.

(عَرَّ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ صَحِيحَةٌ أَرْبَعَةٌ.
فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى لَطْخِ شَيْءٍ بِغَيْرِ طَيِّبٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ، وَالثَّالِثُ يَدُلُّ عَلَى سُمُوٍّ وَارْتِفَاعٍ، وَالرَّابِعُ يَدُلُّ عَلَى مُعَالَجَةِ شَيْءٍ. وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنَّا لَا نَعُدُّ النَّبَاتَ وَلَا الْأَمَاكِنَ فِيمَا يَنْقَاسُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.

(4/32)


فَالْأَوَّلُ الْعَرُّ وَالْعُرُّ. قَالَ الْخَلِيلُ: هُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ هُوَ الْجَرَبُ. وَكَذَلِكَ الْعُرَّةُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَطْخٌ بِالْجَسَدِ. وَيُقَالُ الْعُرَّةُ الْقَذَرُ بِعَيْنِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ بَائِعَ الْعُرَّةِ وَمُشْتَرِيهَا» .
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرُّ الْجَرَبُ. وَالْعُرُّ: تَسَلُّخُ جِلْدِ الْبَعِيرِ. وَإِنَّمَا يُكْوَى مِنَ الْعَرِّ لَا مِنَ الْعُرِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ: جَمَلٌ أَعَرُّ، أَيْ أَجْرَبُ. وَنَاقَةٌ عَرَّاءُ. قَالَ النَّضْرُ: جَمَلٌ عَارٌّ وَنَاقَةٌ عَارَّةٌ، وَلَا يُقَالُ: مَعْرُورٌ فِي الْجَرَبِ، لِأَنَّ الْمَعْرُورَةَ الَّتِي يُصِيبُهَا عَيْنٌ فِي لَبَنِهَا وَطَرْقِهَا. وَفِي مَثَلٍ: " نَحِّ الْجَرْبَاءَ عَنِ الْعَارَّةِ ". قَالَ: وَالْجَرْبَاءُ: الَّتِي عَمَّهَا الْجَرَبُ، وَالْعَارَّةُ: الَّتِي قَدْ بَدَأَ فِيهَا ذَلِكَ، فَكَأَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْعُدَ بِإِبِلِهِ الْجَرْبَاءِ عَنِ الْعَارَّةِ، فَقَالَ صَاحِبُهُ مُبَكِّتًا لَهُ بِذَلِكَ، أَيْ لِمَ يُنَحِّيهَا وَكُلُّهَا أَجْرَبُ. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ مَعْرُورَةٌ قَدْ مَسَّتْ ضَرْعَهَا نَجَاسَةٌ فَيَفْسُدُ لَبَنُهَا. وَرَجُلٌ عَارُورَةٌ، أَيْ قَاذُورَةٌ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
فَكُلًّا أَرَاهُ قَدْ أَصَابَ عُرُورُهَا

(4/33)


قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَرُّ: الْقَرْحُ، مِثْلَ الْقُوَبَاءِ يَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُصِيبُ الْفُِصْلَانَ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: أُعَرَّ فُلَانٌ، إِذَا أَصَابَ إِبِلَهُ الْعُرُّ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُرَّةُ: الْقَذَرُ، يُقَالُ هُوَ عُرَّةٌ مِنَ الْعُرَرِ، أَيْ مَنْ دَنَا مِنْهُ لَطَّخَهُ بِشَرٍّ. قَالَ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْعُرَّةُ فِي الَّذِي لِلطَّيْرِ أَيْضًا. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فِي شَنَاظِي أُقَنٌ بَيْنَهَا ... عُرَّةُ الطَّيْرِ كَصَوْمِ النَّعَامِ
الشَّنَاظِيُّ: أَطْرَافُ الْجَبَلِ، الْوَاحِدُ شُنْظُوَةٌ. وَلَمْ تُسْمَعْ إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ.
وَيُقَالُ: اسْتَعَرَّهُمُ الشَّرُّ، إِذَا فَشَا فِيهِمْ. وَيُقَالُ عَرَّهُ بِشَرٍّ يَعُرُّهُ عَرًّا، إِذَا رَمَاهُ بِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْمَعَرَّةُ: مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ إِثْمٍ. قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25]
وَلَعَلَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ: رَجُلٌ فِيهِ عَرَارَةٌ، أَيْ سُوءُ خُلُقٍ.
فَأَمَّا الْمُعْتَرُّ الَّذِي هُوَ الْفَقِيرُ وَالَّذِي يَعْتَرُّكَ وَيَتَعَرَّضُ لَكَ، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ إِنْسَانٌ يُلَازُّ وَيُلَازِمُ. وَالْعَرَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ، فَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْعُرْعُرُ: سُوءُ الْخُلُقِ. قَالَ مَالِكٌ الدُّبَيْرِيُّ:
وَرَكِبْتُ صَوْمَهَا وَعُرْعُرَهَا ... فَلَمْ أُصْلِحْ لَهَا وَلَمْ أَكَدِ
يَقُولُ: لَمْ أُصْلِحْ لَهُمْ مَا صَنَعُوا. وَالصَّوْمُ: الْقَذِرُ. يُرِيدُ ارْتَكَبَتْ سُوءَ أَفْعَالِهَا وَمَذْمُومَ خُلُقِهَا.

(4/34)


وَمِنَ الْبَابِ الْمِعْرَارُ، مِنَ النَّخْلِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْمِعْرَارُ: الْمِحْشَافُ. وَيُقَالُ: بَلِ الْمِعْرَارُ الَّتِي يُصِيبُهَا [مِثْلُ الْعَرِّ، وَهُوَ] الْجَرَبُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَرِيرُ، وَهُوَ الْغَرِيبُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَرِيرًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عُرَّ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ، أَيْ أُلْصِقَ بِهِمْ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى بَابِ الْمُعْتَرِّ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ حَاطِبٍ، حِينَ قِيلَ لَهُ: لِمَ كَاتَبْتَ أَهْلَ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: " كُنْتُ عَرِيرًا فِيهِمْ " أَيْ غَرِيبًا لَا ظَهْرَ لِي.
وَمِنَ الْبَابِ الْمَعَرَّةُ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ مَا وَرَاءَ الْمَجَرَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ. سُمِّيَ مَعَرَّةً لِكَثْرَةِ النُّجُومِ فِيهِ. قَالَ: وَأَصْلُ الْمَعَرَّةِ مَوْضِعُ الْعَرِّ، يَعْنِي الْجَرَبَ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّمَاءَ الْجَرْبَاءَ، لِكَثْرَةِ نُجُومِهَا. وَسَأَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَنْزِلُ بَيْنَ حَيَّيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ: " نَزَلْتَ بَيْنَ الْمَجَرَّةِ وَالْمَعَرَّةِ ".
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الصَّوْتُ. فَالْعِرَارُ: عِرَارُ الظَّلِيمِ، وَهُوَ صَوْتُهُ. قَالَ لَبِيدٌ:
تَحَمَّلَ أَهْلُهَا إِلَّا عِرَارًا ... وَعَزْفًا بَعْدَ أَحْيَاءٍ حِلَالِ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَارَّ الظَّلِيمُ يُعَارُّ. وَلَا يُقَالُ عَرَّ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعِرَارُ: صَوْتُ الذَّكَرِ إِذَا أَرَادَ الْأُنْثَى. وَالزِّمَارُ: صَوْتُ الْأُنْثَى إِذَا أَرَادَتِ الذَّكَرَ. وَأَنْشَدَ:

(4/35)


مَتَّى مَا تَشَأْ تَسْمَعْ عِرَارًا بِقَفْرَةٍ ... يُجِيبُ زِمَارًا كَالْيَرَاعِ الْمُثَقَّبِ
قَالَ الْخَلِيلُ: تَعَارَّ الرَّجُلُ يَتَعَارُّ، إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ. قَالَ: وَأَحْسَبُ عِرَارَ الظَّلِيمِ مِنْ هَذَا. وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: " «أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ سَبَّحَ» ".
وَمِنَ الْبَابِ: عَرْعَارِ، وَهِيَ لُعْبَةٌ لِلصِّبْيَانِ، يَخْرُجُ الصَّبِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ صِبْيَانًا رَفَعَ صَوْتَهُ فَيَخْرُجَ إِلَيْهِ الصِّبْيَانُ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
حَيْثُ لَا تَنْبِضُ الْقِسِيُّ وَلَا تَلْ ... قَى بِعَرْعَارٍ وِلْدَةٍ مَذْعُورًا
وَقَالَ النَّابِغَةُ:
مُتَكَنِّفَيْ جَنْبَيْ عُكَاظَ كِلَيْهِمَا ... يَدْعُو وَلِيدَهُمُ بِهَا عَرْعَارِ
يُرِيدُ أَنَّهُمْ آمِنُونَ، وَصِبْيَانُهُمْ يَلْعَبُونَ هَذِهِ اللُّعْبَةَ. وَيُرِيدُ الْكُمَيْتُ أَنَّ هَذَا الثَّوْرَ لَا يَسْمَعُ إِنْبَاضَ الْقِسِيِّ وَلَا أَصْوَاتَ الصِّبْيَانِ وَلَا يَذْعَرُهُ صَوْتٌ. يُقَالُ عَرَعَرَةٌ وَعَرْعَارِ، كَمَا قَالُوا قَرْقَرَةٌ وَقَرْقَارِ، وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَةُ صِبْيَةِ الْعَرَبِ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ الدَّالُّ عَلَى سُمُوٍّ وَارْتِفَاعٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: عُرْعُرَةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَعْلَاهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعُرْعُرَةُ: الْمُعَرَّفَةُ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ. وَالْعُرْعُرَةُ: طَرَفُ السَّنَامِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عُرْعُرَةُ السَّنَامِ: عَصَبَةٌ تَلِي الْغَرَاضِيفَ.
وَمِنَ الْبَابِ: جَمَلٌ عُرَاعِرٌ، أَيْ سَمِينٌ. قَالَ النَّابِغَةُ:

(4/36)


لَهُ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ جَوْفَاءُ جَوْنَةٌ تَلَقَّمُ
أَوْصَالَ الْجَزُورِ الْعُرَاعِرِ
وَيَتَّسِعُونَ فِي هَذَا حَتَّى يُسَمُّوا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ عُرَاعِرَ. قَالَ مُهَلْهَلٌ:
خَلَعَ الْمُلُوكَ وَسَارَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... شَجَرُ الْعُرَى وَعُرَاعِرُ الْأَقْوَامِ
وَمِنَ الْبَابِ: حِمَارٌ أَعَرُّ، إِذَا كَانَ السِّمَنُ فِي صَدْرِهِ وَعُنُقِهِ. وَمِنْهُ الْعَرَارَةُ وَهِيَ السُّودُدُ. قَالَ:
إِنَّ الْعَرَارَةَ وَالنُّبُوحَ لِدَارِمٍ ... وَالْمُسْتَخِفُّ أَخُوهُمُ الْأَثْقَالَا
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرَارَةُ الْعِزُّ، يُقَالُ هُوَ فِي عَرَارَةِ خَيْرٍ، وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فِي عَرَارَةِ نِسَاءٍ، إِذَا تَزَوَّجَ فِي نِسَاءٍ يَلِدْنَ الذُّكُورَ. فَأَمَّا الْعَرَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ فِي صِغَرِ السَّنَامِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قُلْنَاهُ; لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ لُصُوقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، كَأَنَّهُ مِنْ صِغَرِهِ لَاصِقٌ بِالظَّهْرِ. يُقَالُ جَمَلٌ أَعَرُّ وَنَاقَةٌ عَرَّاءُ، إِذَا لَمْ يَضْخُمُ سَنَامُهَا وَإِنْ كَانَتْ سَمِينَةً ; وَهِيَ بَيِّنَةُ الْعَرَرِ وَجَمْعُهَا عُرٌّ. قَالَ:
أَبَدَأْنَ كُومًا وَرَجَعْنَ عُرَّا
وَيَقُولُونَ: نَعْجَةٌ عَرَّاءُ، إِذَا لَمْ تَسْمَنُ أَلْيَتُهَا; وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَالشَّيْءِ الَّذِي كَأَنَّهُ قَدْ عُرَّ بِهَا، أَيْ أُلْصِقُ.

(4/37)


وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ، وَهُوَ مُعَالَجَةُ الشَّيْءِ. تَقُولُ: عَرْعَرْتُ اللَّحْمَ عَنِ الْعَظْمِ، وَشَرْشَرْتُهُ، بِمَعْنًى. قَالُوا: وَالْعَرَعَرَةُ الْمُعَالَجَةُ لِلشَّيْءِ بِعَجَلَةٍ، إِذَا كَانَ الشَّيْءُ يَعْسُرُ عِلَاجُهُ. تَقُولُ: عَرْعَرْتَ رَأْسَ الْقَارُورَةِ، إِذَا عَالَجْتَهُ لِتُخْرِجَهُ. وَيُقَالُ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ ذَبَحَ كَبْشًا وَدَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنِّي دَعَوْتُ هَؤُلَاءِ فَعَالِجِي هَذَا الْكَبْشَ وَأَسْرِعِي الْفَرَاغَ مِنْهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَدَعَا بِالْقَوْمِ، فَقَالَ لَهَا: مَا صَنَعْتِ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَرَغْتُ مِنْهُ كُلِّهِ إِلَّا الْكَاهِلَ فَأَنَا أُعَرْعِرُهُ وَيُعَرْعِرُنِي. قَالَ: تَزَوَّدِيهِ إِلَى أَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَخَضْرَاءَ فِي وَكْرَيْنِ عَرْعَرْتُ رَأْسَهَا ... لِأُبْلِيَ إِذَا فَارَقَتْ فِي صُحْبَتِي عُذْرَا
فَأَمَّا الْعَرْعَرُ فَشَجَرٌ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ [غَيْرُ] مَحْمُولٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْأَمَاكِنِ نَحْوَ عُرَاعِرَ، وَمَعَرِّينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(عَزَّ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَقُوَّةٍ وَمَا ضَاهَاهُمَا، مِنْ غَلَبَةٍ وَقَهْرٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: " الْعِزَّةُ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ مِنَ الْعَزِيزِ. وَيُقَالُ: عَزَّ الشَّيْءُ حَتَّى يَكَادَ لَا يُوجَدُ ". وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ بِلَفْظٍ آخَرَ أَحْسَنُ، فَيُقَالُ: هَذَا الَّذِي لَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ عَزَّ الرَّجُلُ بَعْدَ ضَعْفٍ وَأَعْزَزْتُهُ أَنَا: جَعَلْتُهُ عَزِيزًا. وَاعْتَزَّ بِي وَتَعَزَّزَ. قَالَ: وَيُقَالُ عَزَّهُ

(4/38)


عَلَى أَمْرٍ يَعُِزُّهُ، إِذَا غَلَبَهُ عَلَى أَمْرِهِ. وَفِي الْمَثَلِ: " مَنْ عَزَّ بَزَّ "، أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ. وَيَقُولُونَ: " إِذَا عَزَّ أَخُوُكَ فَهُنْ "، أَيْ إِذَا عَاسَرَكَ فَيَاسِرْهُ. وَالْمُعَازَّةُ: الْمُغَالَبَةُ. تَقُولُ: عَازَّنِي فُلَانٌ عِزَازًا وَمُعَازَّةُ فَعَزَزْتُهُ: أَيْ غَالَبَنِي فَغَلَبْتُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الشَّيْبَ وَالشَّبَابَ:
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّسْرَ عَزَّ ابْنَ دَأْيَةٍ ... وَعَشَّشَ فِي وَكْرَيْهِ جَاشَتْ لَهُ نَفْسِي
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ عَزَزْتُ عَلَيْهِ فَأَنَا أَعِزُّ عِزًّا وَعَزَازَةً، وَأَعْزَزْتُهُ: قَوَّيْتُهُ، وَعَزَّزْتُهُ أَيْضًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ: أُعْزِزْتُ بِمَا أَصَابَ فُلَانًا، أَيْ عَظُمَ عَلَيَّ وَاشْتَدَّ.
وَمِنَ الْبَابِ: نَاقَةٌ عَزُوزٌ، إِذَا كَانَتْ ضَيِّقَةَ الْإِحْلِيلِ لَا تَدُِرُّ إِلَّا بِجَهْدٍ. يُقَالُ: قَدْ تَعَزَّزَتْ عَزَازَةً. وَفِي الْمَثَلِ: " إِنَّمَا هُوَ عَنْزٌ عَزُوزٌ لَهَا دَرٌّ جَمٌّ ". يُضْرَبُ لِلْبَخِيلِ الْمُوسِرِ. قَالَ: وَيُقَالُ عَزَّتِ الشَّاةُ تَعُزُّ عُزُوزًا، وَعَزُزَتْ أَيْضًا عُزُزًا فَهِيَ عَزُوزٌ، وَالْجَمْعُ عُزُزٌ. وَيُقَالُ اسْتُعِزَّ عَلَى الْمَرِيضِ، إِذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَجُلٌ مِعْزَازٌ، إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْمَرَضِ; وَاسْتَعَزَّ بِهِ الْمَرَضُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ وَهُوَ شَاكٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ اسْتُعِزَّ بِكُلْثُومٍ - أَيْ مَاتَ - فَانْتَقَلَ إِلَى سَعْدِ

(4/39)


ابْنِ خَيْثَمَةَ ".» وَرَجُلٌ مَعْزُوزٌ، أَيِ اجْتِيحَ مَالُهُ وَأُخِذَ. وَيُقَالُ اسْتَعَزَّ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقْلِهِ. وَاسْتَعَزَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، إِذَا لَجَّ فِيهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَزَازَةُ: أَرْضٌ صُلْبَةٌ لَيْسَتْ بِذَاتِ حِجَارَةٍ، لَا يَعْلُوهَا الْمَاءُ. قَالَ:
مِنَ الصَّفَا الْعَاسِي وَيَدْعَسْنَ الْغَدَرْ ... عَزَازَهُ وَيَهْتَمِرْنَ مَا انْهَمَرْ
وَيُقَالُ الْعَزَازُ: نَحْوٌ مَنِ الْجِهَادِ، أَرْضٌ غَلِيظَةٌ لَا تَكَادُ تُنْبِتُ وَإِنْ مُطِرَتْ، وَهِيَ فِي الِاسْتِوَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثُمَّ اشْتُقَّ الْعَزَازُ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَعَزَّزَ لَحْمُ النَّاقَةِ، إِذَا صَلُبَ وَاشْتَدَّ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَكْتُبُ عَنْهُ، فَكُنْتُ أَقُومُ لَهُ إِذَا دَخَلَ أَوْ خَرَجَ، وَأُسَوِّي عَلَيْهِ ثِيَابَهُ إِذَا رَكِبَ، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي قَدِ اسْتَفْرَغْتُ مَا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ أَقُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: " إِنَّكَ بَعْدُ فِي الْعَزَازِ فَقُمْ "، أَرَادَ: إِنَّكَ فِي أَوَائِلِ الْعِلْمِ وَالْأَطْرَافِ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْأَوْسَاطَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَذَلِكَ أَنَّ الْعَزَازَ تَكُونُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَجَوَانِبِهَا، فَإِذَا تَوَسَّطْتَ صِرْتَ فِي السُّهُولَةِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَعْزَزْنَا: صِرْنَا فِي الْعَزَازِ. قَالَ الْفَرَّاءُ، أَرْضٌ عَزَّاءٌ لِلصُّلْبَةِ، مِثْلَ الْعَزَازِ. وَيُقَالُ اسْتَعَزَّ الرَّمْلُ وَغَيْرُهُ، إِذَا تَمَاسَكَ فَلَمْ يَنْهَلْ. وَقَالَ رُؤْبَةُ:

(4/40)


بَاتَ إِلَى أَرْطَاةِ حُقْفٍ أَحْقَفَا ... مُتَّخِذًا مِنْهَا إِيَادًا هَدَفًا
إِذَا رَأَى اسْتِعْزَازَهُ تَعَفَّفَا
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَزَّاءُ: السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ. قَالَ:
وَيَعْبِطُ الْكُومَ فِي الْعَزَّاءِ إِنْ طُرِقَا
وَالْعِزُّ مِنَ الْمَطَرِ: الْكَثِيرُ الشَّدِيدُ; وَأَرْضٌ مَعْزُوزَةٌ، إِذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ. أَبُو عَمْرٍو: عَزَّ الْمَطَرُ عِزَازَةً. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ أَصَابَنَا عِزٌّ مِنَ الْمَطَرِ، إِذَا كَانَ شَدِيدًا. قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي السَّيْلِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَزَّزَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ: لَبَّدَهَا، تَعْزِيزًا. وَيُقَالُ إِنَّ الْعَزَازَةَ دُفْعَةٌ تُدْفَعُ فِي الْوَادِي قِيدَ رُمْحٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: مَطَرٌ عِزٌّ، أَيْ شَدِيدٌ. قَالَ: وَيُقَالُ هَذَا سَيْلٌ عِزٌّ، وَهُوَ السَّيْلُ الْغَالِبُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعُزَيْزَاءُ مِنَ الْفَرَسِ: مَا بَيْنَ عُكْوَتِهِ وَجَاعِرَتِهِ. قَالَ ثَعْلَبَةُ الْأَسَدِيُّ:
أُمِرَّتْ عُزَيْزَاهُ وَنِيطَتْ كُرُومُهُ ... إِلَى كَفَلٍ رَابٍ وَصُلْبٍ مُوَثَّقِ
الْكُرُومُ: جَمْعُ كَرْمَةٍ، وَهِيَ رَأْسُ الْفَخِذِ الْمُسْتَدِيرُ كَأَنَّهُ جُونَةٌ. وَالْعُزَيْزَاءُ مَمْدُودٌ، وَلَعَلَّ الشَّاعِرَ قَصَرَهَا لِلشِّعْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مَمْدُودَةٌ قَوْلُهُمْ فِي التَّثْنِيَةِ

(4/41)


عُزَيْزَاوَانُ. وَيُقَالُ هُمَا طَرَفَا الْوَرِكِ. وَالْعُزَّى: تَأْنِيثُ الْأَعَزِّ، وَالْجَمْعُ عُزَزٌ. وَيُقَالُ الْعُزَّانُ: جَمْعُ عَزِيزٍ، وَالذُّلَانُ: جَمْعُ ذَلِيلٍ. يُقَالُ أَتَاكَ الْعُزَّانُ. وَيَقُولُونَ: " أَعَزُّ مِنْ بَيْضِ الْأَنُوقِ "، وَ " أَعَزُّ مِنَ الْأَبْلَقِ الْعَقُوقِ "، وَ " أَعَزُّ مِنَ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ " وَ " أَعَزُّ مِنْ مُخَّةِ الْبَعُوضِ ". وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ عَزَّ عَلَيَّ كَذَا، أَيِ اشْتَدَّ. وَيَقُولُونَ: أَتُحِبُّنِي؟ فَيَقُولُ: لَعَزَّ مَا، أَيْ لَشَدَّ مَا.

(عَسَّ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ: أَحَدُهُمَا الدُّنُوُّ مِنَ الشَّيْءِ وَطَلَبُهُ، وَالثَّانِي خِفَّةٌ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ الْعَسُّ بِاللَّيْلِ، كَأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الطَّلَبِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَسُّ: نَفْضُ اللَّيْلِ عَنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ. يُقَالُ عَسَّ يَعُسُّ عَسًّا. وَبِهِ سُمِّي الْعَسَسُ الَّذِي يَطُوفُ لِلسُّلْطَانِ بِاللِّيلِ. وَالْعَسَّاسُ: الذِّئْبُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعُسُّ بِاللَّيْلِ. وَيُقَالُ عَسْعَسَ اللَّيْلُ، إِذَا أَقْبَلَ. وَعَسْعَسَتِ السَّحَابَةُ، إِذَا دَنَتْ مِنَ الْأَرْضِ لَيْلًا. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا لَيْلًا فِي ظُلْمَةٍ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ سَحَابًا:
عَسْعَسَ حَتَّى لَوْ نَشَاءُ إِذْ دَنَا ... كَانَ لَنَا مِنْ نَارِهِ مُقْتَبَسُ
وَيُقَالُ تَعَسْعَسَ الذِّئْبُ، إِذَا دَنَا مِنَ الشَّيْءِ يَشُمُّهُ. وَأَنْشَدَ:
كَمُنْخُرِ الذِّئْبِ إِذَا تَعَسْعَسَا
قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاءَ فُلَانٌ بِالْمَالِ مِنْ عَسِّهِ وَبَسِّهِ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعُسُّهُ، أَيْ

(4/42)


يَطْلُبُهُ. وَقَدْ يُقَالُ بِالْكَسْرِ. وَيَعْتَسُّهُ: يَطْلُبُهُ أَيْضًا. قَالَ الْأَخْطَلُ:
وَهَلْ كَانَتِ الصَّمْعَاءُ إِلَّا تَعِلَّةً ... لِمَنْ كَانَ يَعْتَسُّ النِّسَاءَ الزَّوَانِيَا
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَيُقَالُ إِنَّ الْعَسَّ خِفَّةٌ فِي الطَّعَامِ. يُقَالُ عَسَسْتُ أَصْحَابِي، إِذَا أَطْعَمْتُهُمْ طَعَامًا خَفِيفًا. قَالَ: عَسَسْتُهُمْ: قَرْيَتُهُمْ أَدْنَى قِرًى. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: نَاقَةٌ مَا تَدُِرُّ إِلَّا عِسَاسًا، أَيْ كَرْهًا. وَإِذَا كَانَتْ كَذَا كَانَ دَرُّهَا خَفِيفًا قَلِيلًا. وَإِذَا كَانَتْ كَذَا فَهِيَ عَسُوسٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَسُوسُ: الَّتِي تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا وَتَصُبُّ اللَّبَنَ. يَقُولُونَ: فِيهَا عَسَسٌ وَعِسَاسٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَسُوسُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي تَرْأَمُ وَلَدَهَا وَتَدُِرُّ عَلَيْهِ مَا نَأَى عَنْهَا النَّاسُ، فَإِنْ دُنِيَ مِنْهَا أَوْ مُسَّتْ جَذَبَتْ دَرَّهَا.
قَالَ يُونُسُ: اشْتُقَّ الْعَسُّ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ الِاتِّقَاءُ بِاللَّيْلِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ اعْتِسَاسُ الذِّئْبِ. وَفِي الْمَثَلِ: " كَلْبٌ عَسَّ، خَيْرٌ مِنْ أَسَدٍ انْدَسَّ ".
وَقَالَ الْخَلِيلُ أَيْضًا: الْعَسُوسُ الَّتِي بِهَا بَقِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ لَيْسَ بِكَثِيرٍ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَسْعَسَ اللَّيْلُ، إِذَا أَدْبَرَ، فَخَارِجٌ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَقْلُوبٌ مَنْ سَعْسَعَ، إِذَا مَضَى. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. فَهَذَا مِنْ بَابِ سَعَّ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي تَقْدِيمِ الْعَيْنِ:

(4/43)


نَجَوْتُ بِأَفْرَاسٍ عِتَاقٍ وَفِتْيَةٍ ... مَغَالِيسَ فِي أَدْبَارِ لَيْلٍ مُعَسْعِسِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابَيْنِ: عَسْعَسَ، وَهُوَ مَكَانٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلَمْ تَرْمِ الدَّارَ الْكَثِيبَ بِعَسْعَسَا ... كَأَنِّي أُنَادِي أَوْ أُكَلِّمُ أَخْرَسَا

(عَشَّ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى قِلَّةٍ وَدِقَّةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فُرُوعُهُ بِقِيَاسٍ صَحِيحٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُشُّ: الدَّقِيقُ عِظَامُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَامْرَأَةٌ عَشَّةٌ. قَالَ:
لَعَمْرُكَ مَا لَيْلَى بِوَرْهَاءَ عِنْفِصٍ ... وَلَا عَشَّةٍ خَلْخَالُهَا يَتَقَعْقَعُ
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
أُمِرَّ مِنْهَا قَصَبًا خَدَلَّجًا ... لَا قَفِرَا عَشَّا وَلَا مُهَبَّجَا
وَيُقَالُ نَاقَةٌ عَشَّةٌ: سَقْفَاءُ الْقَوَائِمِ، فِيهَا انْحِنَاءٌ، بَيِّنَةُ الْعَشَاشَةِ وَالْعُشُوشَةِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي خِلْقَتِهِ عَشَاشَةٌ، أَيْ قِلَّةُ لَحْمٍ وَعِوَجُ عِظَامٍ. وَيُقَالُ تَعَشَّشَ النَّخْلُ،

(4/44)


إِذَا يَبِسَ، وَهُوَ بَيِّنُ التَّعَشُّشِ وَالتَّعْشِيشِ. وَيُقَالُ شَجَرَةٌ عَشَّةٌ، أَيْ قَلِيلَةُ الْوَرَقِ. وَأَرْضٌ عَشَّةٌ: قَلِيلَةُ الشَّجَرِ.
قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْعَشُّ مِنَ الدَّوَابِّ وَالنَّاسِ: الْقَلِيلُ اللَّحْمِ، وَمِنَ الشَّجَرِ: مَا كَانَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَكَانَ فَرْعُهُ قَلِيلًا وَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَشَّةُ: شَجَرَةٌ دَقِيقَةُ الْقُضْبَانِ، مُتَفَرِّقَةِ الْأَغْصَانِ، وَالْجَمْعُ عَشَّاتٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
فَمَا شَجَرَاتُ عِيصِكَ فِي قُرَيْشٍ ... بِعَشَّاتِ الْفُرُوعِ وَلَا ضَوَاحِ
وَيُقَالُ عَشَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ، إِذَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا نَزْرًا. وَعَطِيَّةٌ مَعْشُوشَةٌ، أَيْ قَلِيلَةٌ. قَالَ:
حَارِثُ مَا سَجْلُكَ بِالْمَعْشُوشِ ... وَلَا جَدَا وَبْلِكَ بِالطَّشِيشِ
وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ الْقَطَا:
يُسْقَيْنَ لَا عَشًّا وَلَا مُصَرَّدًا
أَيْ لَا مُقَلِّلًا.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ كِنَانَةَ: " فَقَدْنَاكَ فَاعْتَشَشْنَا لَكَ "، أَيْ دَخَلَتْنَا مِنْ ذَلِكَ ذِلَّةٌ وَقِلَّةٌ.

(4/45)


وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْعُشُّ لِلْغُرَابِ عَلَى الشَّجَرَةِ وَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الطَّيْرِ، وَالْجَمْعُ عِشَشَةٌ. يُقَالُ اعْتَشَّ الطَّائِرُ يَعْتَشُّ اعْتِشَاشًا. قَالَ:
بِحَيْثُ يَعْتَشُّ الْغُرَابُ الْبَائِضُ
إِنَّمَا نَعَتَهُ بِالْبَائِضِ وَهُوَ ذَكَرٌ لِأَنَّ لَهُ شِرْكَةً فِي الْبَيْضِ، عَلَى قِيَاسِ وَالِدٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَعَشَّشَ الطَّائِرُ: اتَّخَذَ عُشًّا. وَأَنْشَدَ:
وَفِي الْأَشَاءِ النَّابِتِ الْأَصَاغِرِ ... مُعَشَّشُ الدُّخَّلِ وَالتَّمَامِرِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: " لَيْسَ هَذَا بِعُشِّكِ فَادْرُجِي "، يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا لَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ لِأَنَّ الْعُشَّ لَا يَكَادُ يِعْتَشُّهُ الطَّائِرُ إِلَّا مِنْ دَقِيقِ الْقُضْبَانِ وَالْأَغْصَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الِاعْتِشَاشُ: أَنْ يَمْتَارَ الْقَوْمُ مِيرَةً لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ.
وَمِنَ الْبَابِ مَا حَكَاهُ الْخَلِيلُ: عَشَّشَ الْخُبْزُ، إِذَا كَرَّجَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَشَّ فَهُوَ عَاشٌّ، إِذَا تَغَيَّرَ وَيَبِسَ. وَعَشَّشَ الْكَلَأُ: يَبِسَ. وَيُقَالُ عَشَّشَتِ الْأَرْضُ: يَبِسَتْ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ: أَعَشَشْتَ الْقَوْمَ، إِذَا نَزَلْتَ بِهِمْ عَلَى كُرْهٍ حَتَّى يَتَحَوَّلُوا مِنْ أَجْلِكَ. وَأَنْشَدَ:

(4/46)


وَلَوْ تُرِكَتْ نَامَتْ وَلَكِنْ أَعَشَّهَا ... أَذًى مِنْ قِلَاصٍ كَالْحَنِيِّ الْمُعَطَّفِ
وَمِنَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا تَنْقَاسُ: أَعْشَاشٌ، مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ، فِيهِ يَقُولُ الْفَرَزْدَقُ:
عَزَفْتَ بِأَعْشَاشٍ وَمَا كِدْتَ تَعْزِفُ ... وَأَنْكَرْتَ مِنْ حَدْرَاءَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ
وَزَعَمَ نَاسٌ عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: سَمِعْتُ رَاوِيَةَ الْفَرَزْدَقِ يُنْشِدُ: " بِإِعْشَاشٍ ". وَقَالَ: الْإِعْشَاشُ: الْكِبَرُ. يَقُولُ: عَزَفْتَ بِكِبْرِكَ عَمَّنْ تُحِبُّ، أَيْ صَرَفْتَ نَفْسَكَ عَنْهُ.

(عَصَّ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ فِي شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " عَصَّ الشَّيْءُ يَعَصُّ، إِذَا صَلُبَ وَاشْتَدَّ ". وَهَذَا صَحِيحٌ. وَمِنْهُ اشْتُقَّ الْعُصْعُصُ، وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ، وَهُوَ الْعَجْبُ، وَجَمْعُهُ عَصَاعِصُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُوَصَّلَ مِنْهَا بِامْرِئِ الْقَيْسِ نِسْبَةٌ ... كَمَا نِيطَ فِي طُولِ الْعَسِيبِ الْعَصَاعِصُ

(4/47)


قَالَ: وَيُسَمَّى الْعُصْعُوصَ أَيْضًا: قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعُصُصُ: لُغَةٌ فِي الْعُصْعُصِ. قَالَ مَرَّارٌ الْعُقَيْلِيُّ:
فَأَتَى مَلَثُ الظَّلَامِ عَلَى ... لَقَمِ الطَّرِيقِ وَضَفَّتَيْ قَصَصِهِ
ذِئْبٌ بِهِ وَحْشٌ لِيَمْنَعَهُ مِنْ زَادِنَا مُقْعٍ عَلَى عُصُصِهِ وَيُقَالُ لَهُ الْعُصْعُوصُ أَيْضًا: كَمَا يُقَالُ لِلْبُرْقُعِ بُرْقُوعٌ. قَالَ:
مَا لَقِيَ الْبَيْضُ مِنَ الْحُرْقُوصِ ... يَدْخُلُ بَيْنَ الْعَجْبِ وَالْعُصْعُوصِ
وَمِنَ الْبَابِ الْعُصْعُصُ: الرَّجُلُ الْمُلَزَّزُ الْخَلْقُ، كَالْمُكَتَّلِ.

(عَضَّ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْأَسْنَانِ. ثُمَّ يُقَاسُ مِنْهُ كُلُّ مَا أَشْبَهَهُ، حَتَّى يُسَمَّى الشَّيْءُ الشَّدِيدُ وَالصُّلْبُ وَالدَّاهِي بِذَلِكَ.
فَالْأَوَّلُ الْعَضُّ بِالْأَسْنَانِ يُقَالُ: عَضِضْتُ أَعَضُّ عَضًّا وَعَضِيضًا، فَأَنَا عَاضٌّ. وَكَلْبٌ عَضُوضٌ، وَفَرَسٌ عَضُوضٌ. وَبَرِئْتُ إِلَيْكَ مِنَ الْعِضَاضِ. وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ الْعُيُوبُ فِي الدَّوَابِّ عَلَى الْفِعَالِ، نَحْوَ الْخِرَاطِ وَالنِّفَارِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَيُقَالُ: عَضِضْتَ الرَّجُلَ، إِذَا تَنَاوَلْتَهُ، بِمَا لَا يَنْبَغِي. قَالَ النَّضْرُ: يُقَالُ: لَيْسَ لَنَا عَضَاضٌ أَيْ مَا يُعَضُّ، كَمَا يُقَالُ مَضَاغٌ لِمَا يُمْضَغُ.
ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: مَا ذُقْتُ عَضَاضًا، أَيْ شَيْئًا يُؤْكَلُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: هَذَا زَمَنٌ عَضُوضٌ، أَيْ شَدِيدٌ كَلِبٌ. قَالَ:

(4/48)


إِلَيْكَ أَشْكُو زَمَنًا عَضُوضًا ... مَنْ يَنْجُ مِنْهُ يَنْقَلِبْ حَرِيضَا
وَيَقُولُونَ: رَكِيَّةٌ عَضُوضٌ، إِذَا بَعُدَ قَعْرُهَا وَشَقَّ عَلَى السَّاقِي الِاسْتِسْقَاءُ مِنْهَا. قَالَ:
أَبِيتُ عَلَى الْمَاءِ الْعَضُوضِ كَأَنَّنِي ... رَقُوبٌ وَمَا ذُو سَبْعَةٍ بِرَقُوبِ
وَقَوْسٌ عَضُوضٌ: لَازِقٌ وَتَرُهَا بِكَبِدِهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَضُّ: الرَّجُلُ السَّيِّئُ الْخُلُقِ الْمُنْكَرِ. قَالَ:
وَلِمَ أَكُ عِضًّا فِي النَّدَامَى مُلَوَّمًا
وَيُقَالُ: الْعِضُّ: الدَّاهِيَةُ. يُقَالُ: هُوَ عِضٌّ مَا يُفْلِتُ مِنْهُ شَيْءٌ; وَهُوَ الشَّحِيحُ، الَّذِي يَقَعُ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَيَعَضُّ عَلَيْهِ. وَإِنَّهُ لَعِضُّ شَرٍّ، أَيْ صَاحِبُهُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: فُلَانٌ عِضُّ سَفَرٍ وَعِضُّ مَالٍ، إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ مُجَرِّبًا لَهُ. وَقَدْ عَضَّ بِمَالِهِ يَعَضُّ بِهِ عُضُوضًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: رَأَيْتُ رَجُلًا عِضًّا، أَيْ مَارِدًا، وَامْرَأَةً عِضَّةً أَيْضًا. وَهَذَا عِضُّ هَذَا، أَيْ حِتْنُهُ وَقِرْنُهُ. وَيُقَالُ إِنَّ الْعِضَّ: الدَّاهِي مِنَ الرِّجَالِ. وَيُنْشَدُ فِيهِ:
أَحَادِيثَ مِنْ عَادٍ وَجُرْهُمَ جَمَّةً ... يُثَوِّرُهَا الْعِضَّانِ زَيْدٌ وَدَغْفَلُ

(4/49)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، يَقُولُونَ: الْعُضَّاضُ: عِرْنِينُ الْأَنْفِ. وَيُنْشِدُونَ:
وَأَلْجَمَهُ فَأْسَ الْهَوَانِ فَلَاكَهُ ... وَأَغْضَى عَلَى عُضَّاضِ أَنْفٍ مُصَلَّمٍ
فَأَمَّا مَا جَاءَ عَلَى هَذَا مِنْ ذِكْرِ النَّبَاتِ فَقَدْ قُلْنَا فِيهِ مَا كَفَى، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعُضَّ، مَضْمُومٌ: عَلَفُ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَهُوَ النَّوَى وَالْقَتُّ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ الْأَعْشَى:
مِنْ سَرَاةِ الْهِجَانِ صَلَّبَهَا الْعُ ... ضُّ وَرْعَى الْحِمَى وَطُولُ الْحِيَالِ
وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْعُضُّ: الْعَلَفُ. وَيُقَالُ بَلِ الْعُضُّ الطَّلْحُ وَالسَّمُرُ وَالسَّلَمُ، وَهِيَ الْعِضَاهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَعَضَّ الْقَوْمُ فَهُمْ مُعِضُّونَ، إِذَا رَعَوُا الْعِضَاهَ. وَأَنْشَدَ:
أَقُولُ وَأَهْلِي مُؤْرِكُونَ وَأَهْلُهَا ... مُعِضُّونَ إِنْ سَارَتْ فَكَيْفَ أَسِيرُ
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْعِضَاهُ مِنَ الشَّجَرِ لَا الْعُشْبِ صَارَتِ الْإِبِلُ مَادَامَتْ مُقِيمَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْلُوفَةِ فِي أَهْلِهَا النَّوَى وَشِبْهُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعُضَّ عَلَفُ الرِّيفِ مِنَ النَّوَى وَالْقَتِّ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يُقَالَ مِنَ الْعِضَاهِ مُعِضٌّ إِلَّا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. وَالْأَصْلُ فِي الْمُعِضِّ أَنَّهُ الَّذِي تَأْكُلُ إِبِلُهُ الْعُضَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِضُّ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، الْعِضَاهُ. وَيُقَالُ بَعِيرٌ غَاضٍ، إِذَا كَانَ يُعْلَفُهُ أَوْ يُرْعَاهُ. قَالَ:

(4/50)


وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنْ أَوْعَدْتَنِي ... وَمَشِيتَ بَيْنَ طَيَالِسٍ وَبَيَاضِ
أَبَعِيرُ عُضٍّ وَارِمٌ أَلْغَادُهُ ... شَثِنُ الْمَشَافِرِ أَمْ بَعِيرٌ غَاضِ
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعُضُّ: الشَّعِيرُ وَالْحِنْطَةُ. وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَنَّ الْعُضَّ عَلَفُ الْأَمْصَارِ، وَالْغَضَى عَلَفُ الْبَادِيَةِ. يَقُولُ: فَلَا أَدْرِي أَعَرَبِيٌّ أَمْ هَجِينٌ.
وَمِمَّا يَعُودُ إِلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ الْعَضُوضُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَا يَكَادُ يَنْفُذُ فِيهَا عُضْوُ الرَّجُلِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَعِضَاضُ عَيْشٍ، أَيْ صَبُورٌ عَلَى الشِّدَّةِ. وَيُقَالُ مَا فِي هَذَا الْأَمْرِ مَعَضٌّ، أَيْ مُسْتَمْسَكٌ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: " إِنَّكَ كَالْعَاطِفِ عَلَى الْعَاضِّ ". وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَخَاضٍ أَتَى أُمَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْضَعَهَا; فَأَوْجَعَ ضَرْعَهَا فَعَضَّتْهُ، فَلَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ أَنْ عَادَ. يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يُمْنَعُ فَيَعُودُ.

(عَطَّ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَطْعَطَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ حِكَايَةُ صَوْتِ الْمُجَّانِ إِذَا قَالُوا: عِيطَ عِيطَ.
وَقَالَ الدُّرَيْدِيُّ: " الْعَطْعَطَةُ: حِكَايَةُ الْأَصْوَاتِ إِذَا تَتَابَعَتْ فِي الْحَرْبِ ".
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو: إِنَّ الْعَطَاطَ: الشُّجَاعُ الْجَسِيمُ، وَيُوصَفُ بِهِ الْأَسَدُ. وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّ زَئِيرَهُ مُشَبَّهٌ بِالْعَطْعَطَةِ. قَالَ الْمُتَنَخِّلُ:

(4/51)


وَذَلِكَ يَقْتُلُ الْفِتْيَانَ شَفْعًا ... وَيَسْلُبُ حُلَّةَ اللَّيْثِ الْعَطَاطِ
وَمِنَ الْبَابِ أَيْضًا: الْعَطُّ: شَقُ الثَّوْبِ عَرْضًا أَوْ طُولًا مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ. يُقَالُ جَذَبَتْ ثَوْبَهُ فَانْعَطَّ، وَعَطَّطْتُهُ أَنَا: شَقَقْتُهُ. قَالَ الْمُتَنَخِّلُ:
بِضَرْبٍ فِي الْقَوَانِسِ ذِي فُرُوغٍ ... وَطَعْنٍ مِثْلِ تَعْطِيطِ الرِّهَاطِ
وَقَالَ أَبُو النَّجْمِ:
كَأَنَّ تَحْتَ دِرْعِهَا الْمُنْعَطِّ ... شَطَّا رُمِيتَ فَوْقَهُ بِشَطِّ
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَيْضًا مِنَ الصَّوْتِ، لِأَنَّهُ إِذَا عَطَّهُ فَهُنَاكَ أَدْنَى صَوْتٍ.

(عَظَّ) الْعَيْنُ وَالظَّاءُ ذُكِرَ فِيهِ عَنِ الْخَلِيلِ شَيْءٌ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ. فَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْعَظَّ الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ; يُقَالُ عَظَّتْهُ الْحَرْبُ، مِثْلُ عَضَّتْهُ. فَكَأَنَّهُ مِنْ عَضِّ الْحَرْبِ إِيَّاهُ. فَإِنْ كَانَ إِبْدَالًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. وَرُبَّمَا أَنْشَدُوا:
بَصِيرٌ فِي الْكَرِيهَةِ وَالْعِظَاظِ
وَمِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَظْعَظَةَ: الْتِوَاءُ السَّهْمِ إِذَا لَمْ يَقْصِدْ لِلرَّمِيَّةِ وَارْتَعَشَ فِي مُضِيِّهِ. [عَظْعَظَ] يُعَظْعِظُ، عَظْعَظَةً وَعِظْعَاظًا، وَكَذَلِكَ

(4/52)


عَظْعَظَ الدَّابَّةُ فِي الْمِشْيَةِ، إِذَا حَرَّكَ ذَنَبَهُ وَمَشَى فِي ضِيقٍ مِنْ نَفَسِهِ. وَالرَّجُلُ الْجَبَانُ يُعَظْعِظُ عَنْ مُقَاتِلِهِ، إِذَا نَكَصَ عَنْهُ وَرَجَعَ وَحَادَ. قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَعَظْعَظَ الْجَبَانُ وَالزِّينِيُّ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " لَا تَعِظِينِي وَتَعَظْعِظِي ".

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَفَقَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَفَقَ الرَّجُلُ يَعْفِقُ عَفْقًا، إِذَا رَكِبَ رَأْسَهُ فَمَضَى. تَقُولُ: لَا يَزَالُ يَعْفِقُ الْعَفْقَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ، أَيْ يَغِيبُ الْغَيْبَةَ. وَالْإِبِلُ تَعْفِقُ عَفْقًا وَعُفُوقًا، إِذَا أُرْسِلَتْ فِي مَرَاعِيهَا فَمَرَّتْ عَلَى وُجُوهِهَا. وَرُبَّمَا عَفَقَتْ عَنِ الْمَرْعَى إِلَى الْمَاءِ، تَرْجِعُ إِلَيْهِ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ. وَكُلُّ وَارِدٍ وَصَادِرٍ عَافِقٌ; وَكُلُّ رَاجِعٍ مُخْتَلِفٍ عَافِقٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى تَرَدَّى أَرْبَعٌ فِي الْمُنْعَفَقْ

(4/53)


قَالَ: أَرَادَ فِي الْمُنْصَرَفِ عَنِ الْمَاءِ. قَالَ: وَيُقَالُ: عَفَقَ بَنُو فُلَانٍ [بَنِي فُلَانٍ] ، أَيْ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ. وَأَنْشَدَ:
عَفْقًا وَمَنْ يَرْعَى الْحُمُوضَ يَعْفِقِ
وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَرْعَى الْحُمُوضَ تَعْطَشُ مَاشِيَتُهُ سَرِيعًا فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْفِقَ، أَيْ يَرْجِعَ بِسُرْعَةٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَفَقَهُ عَنْ حَاجَتِهِ، أَيْ رَدَّهُ وَصَرَفَهُ عَنْهَا. وَمِنْهُ التَّعَفُّقُ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ وَالْأَخْذُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مَشْيًا لَا يَسْتَقِيمُ، كَالْحَيَّةِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعَفْقُ: سُرْعَةُ رَجْعِ أَيْدِي الْإِبِلِ وَأَرْجُلِهَا. قَالَ:
يَعْفِقْنَ بِالْأَرْجُلِ عَفْقًا صُلْبًا
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ يُعَفِّقُ الْغَنَمَ، أَيْ يَرُدُّهَا عَنْ وُجُوهِهَا. وَرَجُلٌ مِعْفَاقُ الزِّيَارَةِ لَا يَزَالُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. وَيُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ: " أَنْتَلِي فِيهَا تَأْوِيلَاتٍ ثُمَّ أَعْفِقُ "، أَيْ أَقْضِي بَقَايَا مِنْ حَوَائِجِي ثُمَّ أَنْصَرِفُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: تَعَفَّقَ بِالشَّيْءِ، إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَأَنْشَدَ:
تَعَفَّقَ بِالْأَرْظَى لَهَا وَأَرَادَهَا ... رِجَالٌ فَبَذَّتْ نِبْلَهَا وَكَلِيبُ

(4/54)


وَمِنَ الْبَابِ: قَوْلُهُمْ لِلْحَلَبِ عِفَاقٌ. وَتَلْخِيصُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَحْلِبَهَا كُلَّ سَاعَةٍ. يُقَالُ عَفَقْتَ نَاقَتَكَ يَوْمَكَ أَجْمَعَ فِي الْحَلَبِ. وَقَالَ ذُو الْخِرَقِ:
عَلَيْكَ الشَّاءَ شَاءَ بَنِي تَمِيمٍ ... فَعَافِقْهُ فَإِنَّكَ ذُو عِفَاقِ
وَمِنَ الْبَابِ: عَفَقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ، إِذَا ضَرَبَتْهُ وَفَرَّقَتْهُ. قَالَ سُوَيْدٌ:
وَإِنْ تَكْ نَارٌ فَهِيَ نَارٌ بِمُلْتَقًى ... مِنَ الرِّيحِ تَمْرِيهَا وَتَعْفِقُهَا عَفْقًا
وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصَّوْتِ فَيَقُولُونَ: عَفَقَ بِهَا، إِذَا أَنْبَقَ بِهَا وَحَصَمَ.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْعَفْقُ ضَرْبٌ بِالْعَصَا، وَالضِّرَابُ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ تَصْوِيتٌ.

(عَفَكَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى صِفَةٍ مَكْرُوهَةٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَعْفَكُ: الْأَحْمَقُ. قَالَ:
صَاحٍ أَلَمْ تَعْجَبْ لِذَاكَ الضَّيْطَرِ ... الْأَعْفَكِ الْأَخْرَقِ ثُمَّ الْأَعْسَرِ

(4/55)


الضَّيْطَرُ: الْأَحْمَقُ الْفَاحِشُ، وَالْأَعَفَكُ أَيْضًا وَالْأَخْرَقُ: الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا يُحْسِنُ عَمَلًا، وَهُوَ الْمُخَلَّعُ مِنَ الرِّجَالِ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " بَنُو تَمِيمٍ يُسَمُّونَ الْأَعْسَرَ الْأَعْفَكَ ".

(عَفَلَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةٍ فِي خِلْقَةٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَفَلُ يَخْرُجُ فِي حَيَاءِ النَّاقَةِ كَالْأُدْرَةِ، وَهِيَ عَفْلَاءُ. وَيُقَالُ: الْعَفْلُ شَحْمُ خُصْيَيِ الْكَبْشِ. قَالَ بِشْرٌ:
وَارِمُ الْعَفْلِ مُعْبَرُ
قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَفْلُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَسُّ مِنَ الشَّاةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا سِمَنَهَا.

(عَفَنَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ فِي شَيْءٍ مِنْ نَدًى. وَهُوَ عَفِنَ الشَّيْءُ يَعْفَنُ عَفَنًا.

(عَفَو) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَرْكِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ عَلَى طَلَبِهِ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَعْنَى.
فَالْأَوَّلُ: الْعَفْوُ: عَفْوُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَنْ خَلْقِهِ، وَذَلِكَ تَرْكُهُ إِيَّاهُمْ فَلَا يُعَاقِبُهُمْ، فَضْلًا مِنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةً فَتَرَكْتَهُ فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهُ. يُقَالُ:

(4/56)


عَفَا عَنْهُ يَعْفُو عَفْوًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ صَحِيحٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَعْفُوَ الْإِنْسَانُ عَنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنِ اسْتِحْقَاقٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «عَفَوْتُ عَنْكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» فَلَيْسَ الْعَفْوُ هَاهُنَا عَنِ اسْتِحْقَاقٍ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ تَرَكْتُ أَنْ أُوجِبَ عَلَيْكُمُ الصَّدَقَةَ فِي الْخَيْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَافِيَةُ: دِفَاعُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَنِ الْعَبْدِ، تَقُولُ عَافَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ مَكْرُوهَةٍ، وَهُوَ يُعَافِيهِ مُعَافَاةً. وَأَعْفَاهُ اللَّهُ بِمَعْنَى عَافَاهُ. وَالِاسْتِعْفَاءُ: أَنْ تَطْلُبَ إِلَى مَنْ يُكَلِّفُكَ أَمْرًا أَنْ يُعْفِيَكَ مِنْهُ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: عَفَا ظَهْرُ الْبَعِيرِ، إِذَا تُرِكَ لَا يُرْكَبُ وَأَعْفَيْتُهُ أَنَا.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِفَاوَةُ: شَيْءٌ يُرْفَعُ مِنَ الطَّعَامِ يُتْحَفُ بِهِ الْإِنْسَانُ. وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ التَّرْكُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُرِكَ فَلَمْ يُؤْكَلْ. فَأَمَّا قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
وَظَلَّ غُلَامُ الْحَيِّ طَيَّانَ سَاغِبًا ... وَكَاعِبُهُمْ ذَاتُ الْعِفَاوَةِ أَسْغَبُ
فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَتْ تُعْطِي عَفْوَ الْمَالِ فَصَارَتْ تَسْغُبُ لِشِدَّةِ الزَّمَانِ. وَهَذَا بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْعِفَاوَةِ. يَقُولُ: كَمَا يُرْفَعُ لَهَا الطَّعَامُ تُتْحَفُ بِهِ، فَاشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْعَافِي مِنَ الْمَرَقِ فَالَّذِي يَرُدُّهُ الْمُسْتَعِيرُ لِلْقِدْرِ. وَسُمِّيَ عَافِيًا لِأَنَّهُ يُتْرَكُ فَلَمْ يُؤْكَلْ. قَالَ:
إِذَا رَدَّ عَافِي الْقِدْرِ مَنْ يَسْتَعِيرُهَا

(4/57)


وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْعَفْوُ: الْمَكَانُ الَّذِي لَمْ يُوطَأْ. قَالَ:
قَبِيلَةٌ كَشِرَاكِ النَّعْلِ دَارِجَةٌ ... إِنْ يَهْبِطُوا الْعَفْوَ لَا يُوجَدْ لَهُمْ أَثَرُ
أَيْ إِنَّهُمْ مِنْ قِلَّتِهِمْ لَا يُؤَثِّرُونَ فِي الْأَرْضِ.
وَتَقُولُ: هَذِهِ أَرْضٌ عَفْوٌ: لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ فَلَمْ تُرْعَ. وَطَعَامٌ عَفْوٌ: لَمْ يَمَسَّهُ قَبْلَكَ أَحَدٌ، وَهُوَ الْأُنُفُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَفَا: دَرَسَ، فَهُوَ مِنْ هَذَا; وَذَلِكَ أَنَّهُ شَيْءٌ يُتْرَكُ فَلَا يُتَعَهَّدُ وَلَا يُنْزَلُ، فَيَخْفَى عَلَى مُرُورِ الْأَيَّامِ. قَالَ لَبِيدٌ:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَا
أَلَا تَرَاهُ قَالَ " تَأَبَّدَ " فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ أَبَدٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأَبَّدَ، أَيْ أَلِفَتْهُ الْأَوَابِدُ، وَهِيَ الْوَحْشُ.
فَهَذَا مَعْنَى الْعَفْوِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ كُلُّ مَا أَشْبَهَهُ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: عَفَا، دَرَسَ، وَعَفَا: كَثُرَ - وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ - لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا تُرِكَ وَلَمْ يُتَعَهَّدْ حَتَّى خَفِيَ عَلَى مَرِّ الدَّهْرِ فَقَدْ عَفَا، وَإِذَا تُرِكَ فَلَمْ يُقْطَعْ وَلَمْ يُجَزْ فَقَدْ عَفَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ كُلِّهِ التَّرْكُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عَلَيْهِ الْعَفَاءُ، فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ التُّرَابُ; يُقَالُ ذَلِكَ فِي الشَّتِيمَةِ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ التُّرَابُ الْمَتْرُوكُ الَّذِي لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَمْ يُوطَأْ; لِأَنَّهُ إِذَا

(4/58)


وُطِئَ وَلَمْ يُتْرَكْ مِنَ الْمَشْيِ عَلَيْهِ تَكَدَّدَ فَلَمْ يَكُ تُرَابًا. وَإِنْ كَانَ الْعَفَاءُ الدُّرُوسَ فَهُوَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرْنَاهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَحَمَّلَ أَهْلُهَا عَنْهَا فَبَانُوا ... عَلَى آثَارِ مَنْ ذَهَبَ الْعَفَاءُ
يُقَالُ عَفَتِ الدَّارُ فَهِيَ تَعْفُو عَفَاءً، وَالرِّيحُ تَعْفُو الدَّارَ عَفَاءً وَعَفْوًا. وَتَعَفَّتِ الدَّارُ تَعَفِّيًا.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَفْوُ فِي الدَّارِ: أَنْ يَكْثُرَ التُّرَابُ عَلَيْهَا حَتَّى يُغَطِّيَهَا. وَالِاسْمُ الْعَفَاءُ، وَالْعَفْوُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَفْوُ وَالْعُفُوُّ، وَالْجَمْعُ الْعِفَاءُ، وَهِيَ الْحُمُرُ الْفِتَاءُ، وَالْأُنْثَى عَفْوَةٌ وَالْجَمْعُ عِفْوَةٌ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُتْرَكُ لَا تُرْكَبُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا. فَأَمَّا الْعِفَوَةُ فِي هَذَا الْجَمْعِ فَلَا يُعْلَمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاوٌ مُتَحَرِّكَةٌ بَعْدَ حَرْفٍ مُتَحَرِّكٍ فِي آخِرِ الْبِنَاءِ غَيْرَ هَذِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا عِفَاةٌ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعِفْوُ وَالْعُفْوُ، وَالْعِفْيُ وَالْعُفْيُ: وَلَدُ الْحِمَارِ، وَالْأُنْثَى عِفْوَةٌ، وَالْجَمْعُ عِفَاءٌ. قَالَ:
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ سَكِنَاتِهِ ... وَطَعْنٍ كَتَشْهَاقِ الْعَفَا هَمَّ بِالنَّهْقِ
وَمِنَ الْبَابِ الْعِفَاءُ: مَا كَثُرَ مِنَ الْوَبَرِ وَالرِّيشِ، يُقَالُ نَاقَةٌ ذَاتُ عِفَاءٍ، أَيْ كَثِيرَةُ الْوَبَرِ طَوِيلَتُهُ قَدْ كَادَ يَنْسِلُ. وَسُمِّيَ عِفَاءً لِأَنَّهُ تُرِكَ مِنَ الْمَرْطِ

(4/59)


وَالْجَزِّ. وَعِفَاءُ النَّعَامَةِ: الرِّيشُ الَّذِي عَلَا الزِّفَّ الصِّغَارَ. وَكَذَلِكَ عِفَاءُ الطَّيْرِ، الْوَاحِدَةُ عِفَاءَةُ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ. قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلرِّيشَةِ عِفَاءَةُ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا كَثَافَةٌ. وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:

فَيَا صُبْحُ كَمِّشْ غُبَّرَ اللَّيْلِ مُصْعِدًا
بِبَمِّ وَنَبِّهْ ذَا الْعِفَاءِ الْمُوَشَّحِ إِذَا صَاحَ لَمْ يُخْذَلْ وَجَاوَبَ صَوْتَهُ حِمَاشُ الشَّوَى يَصْدَحْنَ مِنْ كُلِّ مَصْدَحِ
فَذُو الْعِفَاءِ: الرِّيشُ. يَصِفُ دِيكًا. يَقُولُ: لَمْ يُخْذَلْ، أَيْ إِنَّ الدُّيُوكَ تُجِيبُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَقَالَ فِي وَبَرِ النَّاقَةِ:
أُجُدٌ مُوَثَّقَةٌ كَأَنَّ عِفَاءَهَا ... سِقْطَانِ مِنْ كَنَفَيْ ظَلِيمٍ نَافِرِ
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعِفَاءُ: السَّحَابُ كَالْخَمْلِ فِي وَجْهِهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ تَشْبِيهٌ، إِنَّمَا شُبِّهَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَبَرِ وَالرِّيشِ الْكَثِيفَيْنِ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّهُمْ: يُقَالُ مِنَ الشَّعْرِ عَفَوْتُهُ وَعَفَيْتُهُ، مِثْلُ قَلَوْتُهُ وَقَلَيْتُهُ، وَعَفَا فَهُوَ عَافٍ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكْثُرَ وَيَطُولَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] ، أَيْ نَمَوْا وَكَثُرُوا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، أَنَّ أَصْلَ الْبَابِ فِي هَذَا الْوَجْهِ التَّرْكُ.

(4/60)


قَالَ الْخَلِيلُ: عَفَا الْمَاءُ، أَيْ لَمْ يَطَأْهُ شَيْءٌ يُكَدِّرُهُ. وَهُوَ عَفْوَةُ الْمَاءِ. وَعَفَا الْمَرْعَى مِمَّنْ يَحُلُّ بِهِ عَفَاءً طَوِيلًا.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَفْوَةُ الشَّرَابِ: خَيَرُهُ وَأَوْفَرُهُ. وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَنَّهُ تُرِكَ فَلَمْ يُتَنَقَّصْ وَلَمْ يُتَخَوَّنْ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الَّذِي مَعْنَاهُ الطَّلَبُ قَوْلُ الْخَلِيلِ: إِنَّ الْعُفَاةَ طُلَّابُ الْمَعْرُوفِ، وَهُمُ الْمُعْتَفُونَ أَيْضًا. يُقَالُ: اعْتَفَيْتُ فُلَانًا، إِذَا طَلَبْتُ مَعْرُوفَهُ وَفَضْلَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْعَفْوَ فَالْأَصْلَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى، وَهُوَ التَّرْكُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَفْوَ هُوَ الَّذِي يُسْمَحُ بِهِ وَلَا يُحْتَجَنُ وَلَا يُمْسَكُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَعْطَيْتُهُ الْمَالَ عَفْوًا، أَيْ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ.
الْأَصْمَعِيُّ: اعْتَفَاهُ وَعَفَاهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ لِلْعُفَاةِ الْعُفَّى.
. . . . . . . . . . . . لَا يَجْدِبُونَنِي ... إِذَا هَرَّ دُونَ اللَّحْمِ وَالْفَرْثِ جَازِرُهْ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَافِيَةُ طُلَّابُ الرِّزْقِ اسْمٌ جَامِعٌ لَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» .
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ مَا أَكْثَرَ عَافِيَةَ هَذَا الْمَاءِ، أَيْ وَارِدَتَهُ مِنْ أَنْوَاعٍ شَتَّى. وَقَالَ أَيْضًا: إِبِلٌ عَافِيَةٌ، إِذَا وَرَدَتْ عَلَى كَلَأٍ قَدْ وَطِئَهُ النَّاسُ، فَإِذَا رَعَتْهُ لَمْ تَرْضَ بِهِ فَرَفَعَتْ رُؤُسَهَا عَنْهُ وَطَلَبَتْ غَيْرَهُ.

(4/61)


وَقَالَ النَّضْرُ: اسْتَعَفَّتِ الْإِبِلُ هَذَا الْيَبِيسَ بِمَشَافِرِهَا، إِذَا أَخَذَتْهُ مِنْ فَوْقِ التُّرَابِ.

(عَفَتَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَسْرِ شَيْءٍ، يَقُولُونَ: عَفَتَ الْعَظْمَ: كَسَرَهُ. ثُمَّ يَقُولُونَ الْعَفَتُ فِي الْكَلَامِ: كَسْرُهُ لُكْنَةً، كَكَلَامٍ الْحَبَشِيِّ.

(عَفَجَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْآخَرُ ضَرْبٌ.
فَالْأُولَى الْأَعْفَاجُ: الْأَمْعَاءُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ وَاحِدَهَا عِفْجٌ وَعَفْجٌ.
وَأَمَّا الْأُخْرَى فَيُقَالُ عَفَجَ، إِذَا ضَرَبَ. وَيُقَالُ لِلْخَشَبَةِ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا الْغَاسِلُ الثِّيَابَ: مِعْفَاجٌ. وَسَائِرٌ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ.

(عَفَرَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ مَعَانٍ. فَالْأَوَّلُ لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ، وَالثَّانِي نَبْتٌ، وَالثَّالِثُ شِدَّةٌ وَقُوَّةٌ، وَالرَّابِعُ زَمَانٌ، وَالْخَامِسُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْحَيَوَانِ.
فَالْأَوَّلُ: الْعُفْرَةُ فِي الْأَلْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ إِلَى غُبْرَةٍ فِي حُمْرَةٍ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ التُّرَابُ الْعَفَرُ. يُقَالُ: عَفَّرْتُ الشَّيْءَ فِي التُّرَابِ تَعْفِيرًا. وَاعْتَفَرَ الشَّيْءُ: سَقَطَ فِي الْعَفَرِ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ذَوَائِبَ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّهَا إِذَا أَرْسَلَتْهَا سَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ.

(4/62)


تَهْلَكُ الْمِدْرَاةُ فِي أَكْنَافِهِ ... وَإِذَا مَا أَرْسَلَتْهُ يَعْتَفِرْ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَفَرُ ظَاهِرُ تُرَابِ الْأَرْضِ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَتَسْكِينِهَا. قَالَ: " وَالْفَتْحُ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ ".
وَيُقَالُ لِلظَّبْيِ أَعْفَرُ لِلَوْنِهِ. قَالَ:
يَقُولُ لِيَ الْأَنْبَاطُ إِذْ أَنَا سَاقِطٌ بِهِ ... لَا بِظَبْيٍ فِي الصَّرِيمَةِ أَعْفَرَا
قَالَ: وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَى اسْمِ التُّرَابِ. وَكَذَلِكَ الرَّمْلُ الْأَعْفَرُ. قَالَ: وَالْيَعْفُورُ الْخِشْفُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُزُوقِهِ بِالْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " الْعَفِيرُ لَحْمٌ يُجَفَّفُ عَلَى الرَّمْلِ فِي الشَّمْسِ ".
وَمِنَ الْبَابِ: شَرِبْتُ سَوِيقًا عَفِيرًا، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُلَتَّ بِزَيْتٍ وَلَا سَمْنٍ.
فَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: " وَقَعُوا فِي عَافُورِ شَرٍّ " مِثْلُ عَاثُورٍ، فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَفَرِ، وَهُوَ التُّرَابُ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ ثَاءٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إِنَّ ذَلِكَ مُشْتَقٌّ مَنْ عَفَّرَهُ، أَيْ صَرَعَهُ وَمَرَّغَهُ فِي التُّرَابِ. وَأَنْشَدَ:
جَاءَتْ بِشَرٍّ مَجْنَبٍ عَافُورِ

(4/63)


فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْعَفْرَ: بَذْرُ النَّاسِ الْحُبُوبَ، فَيَقُولُونَ عَفَرُوا أَيْ بَذَرُوا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا; لِأَنَّ ذَلِكَ يُلْقَى فِي التُّرَابِ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: " مَا قَرِبْتُ امْرَأَتِي مُنْذُ عَفَّرْنَا ".
ثُمَّ يَحْمَلُ عَلَى هَذَا الْعَفَارِ، وَهُوَ إِبَارُ النَّخْلِ وَتَلْقِيحُهُ. وَقَدْ قِيلَ فِي عَفَارِ النَّخْلِ غَيْرُ هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُفْرُ: اللَّيَالِي الْبِيضُ. وَيُقَالُ لِلَّيْلَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ عَفْرَاءُ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا لَيْلَةُ السَّوَاءِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْعُفْرَ: الْغَنَمُ الْبِيضُ الْجُرْدُ، يُقَالُ قَوْمٌ مُعْفِرُونَ وَمُضِيئُونَ. قَالَ: وَهُذَيْلٌ مُعْفِرَةٌ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ مُعْفِرَةٌ غَيْرُهَا.
وَيَقُولُونَ: مَا عَلَى عَفَرِ الْأَرْضِ مِثْلُهُ، أَيْ عَلَى وَجْهِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، «كَانَ إِذَا سَلَّمَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى يُرَى مِنْ خَلْفِهِ عُفْرَةُ إِبِطَيْهِ» .
وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي فَالْعَفَارُ، وَهُوَ شَجَرٌ كَثِيرُ النَّارِ تُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّنَادُ، الْوَاحِدَةُ عَفَارَةٌ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " اقْدَحْ بِعَفَارٍ أَوْ مَرْخِ، وَاشْدُدْ إِنْ شِئْتَ أَوْ أَرْخِ ".
قَالَ الْأَعْشَى:
زِنَادُكَ خَيْرُ زِنَادِ الْمُلُو ... كِ خَالَطَ مِنْهُنَّ مَرْخٌ عَفَارًا
وَلَعَلَّ الْمَرْأَةَ سُمِّيَتْ " عَفَارَةُ " بِذَلِكَ. قَالَ الْأَعْشَى:

(4/64)


بَانَتْ لِتُحْزِنَنَا عَفَارَهْ ... يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ
وَكَذَلِكَ " عُفَيْرَةُ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعُفُرُ: جَمْعُ الْعَفَارِ مِنَ الشَّجَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَأَنْشَدُوا:
قَدْ كَانَ فِي هَاشِمٍ فِي بَيْتِ مَحْضِهِمُ ... وَارَى الزِّنَادَ إِذَا مَا أَصْلَدَ الْعُفُرُ
وَيَقُولُونَ: " فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ "، أَيْ إِنَّهُمَا أَخَذَا مِنَ النَّارِ مَا أَحْسَبَهُمَا.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ. قَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ عِفْرٌ بَيِّنُ الْعَفَارَةِ، يُوصَفُ بِالشَّيْطَنَةِ، وَيُقَالُ: شَيْطَانٌ عِفْرِيَةٌ وَعِفْرِيتٌ، وَهُمُ الْعُفَارِيَةُ وَالْعَفَارِيتُ. وَيُقَالُ إِنَّهُ الْكَيِّسُ الظَّرِيفُ. وَإِنْ شِئْتَ فَعِفْرٌ وَأَعْفَارٌ، وَهُوَ الْمُتَمَرِّدُ. وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَسَالَةِ. يُقَالُ لِلْأَسَدِ عِفِرٌّ وَعَفَرْنَى، وَيُقَالُ لِلْخَبِيثِ عِفِرِّينُ، وَهُمُ الْعِفِرُّونَ. وَأَسَدٌ عَفَرْنَى وَلَبُؤَةٌ عَفَرْنَاةٌ، أَيْ شَدِيدَةٌ. قَالَ:
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إِذَا عَثَرَتْ ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا
وَيُسَمُّونَ دُوَيْبَّةً مِنَ الدَّوَابِّ " لَيْثٌ عِفِرِّينٌ "، وَهَذَا يَقُولُونَ إِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْبَابُ الْأَوَّلُ; لِأَنَّ مَأْوَى هَذِهِ الدُّوَيْبَّةِ التُّرَابُ فِي السَّهْلِ، تُدَوِّرُ دَارَةً ثُمَّ تَنْدَسُّ فِي جَوْفِهَا، فَإِذَا هِيجَ رَمَى بِالتُّرَابِ صُعُدًا.

(4/65)


قَالَ الْخَلِيلُ: وَيُسَمُّونَ الرَّجُلَ الْكَامِلَ مِنْ أَبْنَاءِ الْخَمْسِينَ: لَيْثُ عِفِرِّينَ. يَقُولُونَ: " ابْنُ الْعَشْرِ لَعَّابٌ بِالْقُلِينِ، وَابْنُ الْعِشْرِينَ بَاغِي نِسِينَ، وَابْنُ ثَلَاثِينَ أَسْعَى السَّاعِينَ، وَابْنُ الْأَرْبَعِينَ أَبْطَشُ الْبَاطِشِينَ، وَابْنُ الْخَمْسِينَ لَيْثُ عِفِرِّينَ، وَابْنُ سِتِّينَ مُؤْنِسُ الْجَلِيسِينَ، وَابْنُ السَّبْعِينَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَابْنُ الثَّمَانِينَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ; وَابْنُ التِّسْعِينَ وَاحِدُ الْأَرْذَلِينَ، وَابْنُ الْمِائَةِ لَا جَاءَ وَلَا سَاءَ "، يَقُولُ: لَا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعِفْرِيَةُ النَّفْرِيَةُ: الْخَبِيثُ الْمُنْكَرُ. وَهُوَ مِثْلُ الْعِفْرِ، يُقَالُ رَجُلٌ عِفْرٌ، وَامْرَأَةٌ عِفْرَةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُبْغِضُ الْعِفْرِيَةَ النِّفْرِيَةَ، الَّذِي لَمْ يُرْزَأْ فِي مَالِهِ وَجِسْمِهِ» . قَالَ: وَهُوَ الْمُصَحَّحُ الَّذِي لَا يَكَادُ يَمْرَضُ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَفَرْفَرَ مِثْلُ الْعَفَرْنَى مِنَ الْأُسُودِ، وَهُوَ الَّذِي يَصْرَعُ قِرْنَهُ وَيَعْفِرُ. فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ عَادَ هَذَا الْبَابُ إِلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَأَنْشَدَ:
إِذَا مَشَى فِي الْحَلَقِ الْمُخَصَّرِ ... وَبَيْضَةٍ وَاسِعَةٍ وَمِغْفَرٍ
يَهُوسُ هَوْسَ الْأَسَدِ الْعَفَرْفَرِ
وَيُقَالُ إِنَّ عَفَارَ: اسْمُ رَجُلٍ، وَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ النِّصَالُ. قَالَ:

(4/66)


نَصْلٌ عَفَارِيٍّ شَدِيدٍ عَيْرُهُ ... لَمْ يَبْقَ مِ النِّصَالِ عَادٍ غَيْرُهُ
وَيُقَالُ لِلْعِفِرِّ عُفَارِيَةٌ أَيْضًا. قَالَ جَرِيرٌ:
قَرَنْتُ الظَّالِمِينَ بِمَرْمَرِيسٍ ... يَذِلُّ لَهُ الْعُفَارِيَةُ الْمَرِيدُ
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ مِنَ الزَّمَانِ قَوْلُهُمْ: لَقِيتُهُ عَنْ عُفْرٍ: أَيْ بَعْدَ شَهْرٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ لَهُ شَرَفٌ قَدِيمٌ: مَا شَرَفُكَ عَنْ عُفْرٍ، أَيْ هُوَ قَدِيمٌ غَيْرُ حَدِيثٍ.
قَالَ كُثَيِّرٌ:
وَلَمْ يَكُ عَنْ عُفْرٍ تَفَرُّعُكَ الْعُلَى ... وَلَكِنْ مَوَارِيثُ الْجُدُودِ تَؤُولُهَا
أَيْ تُصْلِحُهَا وَتَرُبُّهَا وَتَسُوسُهَا.
وَيُقَالُ فِي عَفَارِ النَّخْلِ: إِنَّ النَّخْلَ كَانَ يُتْرَكُ بَعْدَ التَّلْقِيحِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يُسْقَى.
قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ التَّعْفِيرُ: وَهُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمُطْفِلُ وَلَدَهَا سَاعَةً وَتَتْرُكَهُ سَاعَةً. قَالَ لَبِيدٌ:
لِمُعَفَّرِ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ ... غُبْرٌ كَوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طَعَامُهَا
وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّ الْعَفِيرَ مِنَ النِّسَاءِ هِيَ الَّتِي لَا تُهْدِي لِأَحَدٍ شَيْئًا. قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّعْفِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ بَعِيدٌ مِنَ الَّذِي

(4/67)


شَبَّهَ بِهِ، وَلَعَلَّ الْعَفِيرَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ هَدِيَّتُهَا تَدُومُ وَتَتَّصِلُ، ثُمَّ صَارَتْ تُهْدَى فِي الْوَقْتِ. وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ صَحِيحٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي ذَكَرَ الْفَرَّاءُ لِلْكُمَيْتِ:
وَإِذَا الْخُرَّدُ اغْبَرَرْنَ مِنَ الْمِحْ ... لِ وَصَارَتْ مِهْدَاؤُهُنَّ عَفِيرًا
فَالْمِهْدَاءُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْإِهْدَاءُ، ثُمَّ عَادَتْ عَفِيرًا لَا تُدِيمُ الْهَدِيَّةَ وَالْإِهْدَاءَ.
وَأَمَّا الْخَامِسُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعِفْرِيَةَ وَالْعِفْرَاةَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ شَعْرُ وَسَطِ الرَّأْسِ. وَأَنْشَدَ:
قَدْ صَعَّدَ الدَّهْرُ إِلَى عِفْرَاتِهِ ... فَاحْتَصَّهَا بِشَفْرَتَيْ مِبْرَاتِهِ
وَهِيَ لُغَةٌ فِي الْعِفْرِيَةِ، كَنَاصِيَةٍ وَنَاصَاةٍ. وَقَدْ يَقُولُونَ عَلَى التَّشْبِيهِ لِعُرْفِ الدِّيكِ: عِفْرِيَةٌ. قَالَ:
كَعِفْرِيَةِ الْغَيُورِ مِنَ الدَّجَاجِ
أَيْ مِنَ الدِّيَكَةِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: شَعْرُ الْقَفَا مِنَ الْإِنْسَانِ الْعِفْرِيَةُ.

(عَفَزَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالزَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْعَرَبِ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْعَفْزُ: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَإِنَّ الْعَفْزَ: الْجَوْزُ. وَهَذَا لَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ.

(عَفَسَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُمَارَسَةٍ وَمُعَالَجَةٍ. يَقُولُونَ: هُوَ يُعَافِسُ الشَّيْءَ، إِذَا عَالَجَهُ. وَاعْتَفَسَ الْقَوْمُ: اصْطَرَعُوا

(4/68)


وَعُفِسَ، إِذَا سُجِنَ. وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، كَأَنَّهُ لَمَّا حُبِسَ كَانَ كَالْمَصْرُوعِ. وَالْمَعْفُوسُ: الْمُبْتَذَلُ. وَالْعَفْسُ: سَوْقُ الْإِبِلِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُتَقَارِبٌ.

(عَفَصَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ أَوْ لَيٍّ. يُقَالُ: عَفَصَ يَدَهُ: لَوَاهَا. وَيَقُولُونَ: الْعَفَصُ: الْتِوَاءٌ فِي الْأَنْفِ.

(عَفَطَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صُوَيْتٍ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. يَقُولُونَ: الْعَفْطَةُ: نَثْرَةُ الضَّائِنَةِ بِأَنْفِهَا. يُقَالُ: " مَا لَهُ عَافِطَةٌ وَلَا نَافِطَةٌ ". وَيُقَالُ إِنَّ الْعَافِطَةَ الْأَمَةُ، وَالنَّافِطَةَ الشَّاةُ. ثُمَّ يَقُولُونَ لِلْأَلْكَنِ الْعِفْطِيُّ وَيَقُولُونَ: عَفَطَ بِغَنَمِهِ، إِذَا دَعَاهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا فِي الثُّلَاثِيِّ]
(عَقَلَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُنْقَاسٌ مُطَّرِدٌ، يَدُلُّ عُظْمُهُ عَلَى حُبْسَةٍ فِي الشَّيْءِ أَوْ مَا يُقَارِبُ الْحُبْسَةَ. مِنْ ذَلِكَ الْعَقْلِ، وَهُوَ الْحَابِسُ عَنْ ذَمِيمِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَقْلُ: نَقِيضُ الْجَهْلِ. يُقَالُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا، إِذَا عَرَفَ مَا كَانَ يَجْهَلُهُ قَبْلُ، أَوِ انْزَجَرَ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ. وَجَمْعُهُ عُقُولٌ. وَرَجُلٌ عَاقِلٌ وَقَوْمٌ عُقَلَاءُ. وَعَاقِلُونَ. وَرَجُلٌ عَقُولٌ، إِذَا كَانَ حَسَنَ الْفَهْمِ وَافِرَ الْعَقْلِ. وَمَا لَهُ مَعْقُولٌ، أَيْ عَقَلٌ ; خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَجْلُودِ لِلْجَلَّادَةِ، وَالْمَيْسُورِ لِلْيُسْرِ. قَالَ:

(4/69)


فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُمْ عَقْلًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ إِرْبٌ وَمَعْقُولُ
وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: " رُبَّ أَبْلَهٍ عَقُولٌ ". وَيَقُولُونَ: " عَلِمَ قَتِيلًا وَعَدِمَ مَعْقُولًا ". وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ عَقُولٌ لِلْحَدِيثِ، لَا يُفْلِتُ الْحَدِيثَ سَمْعُهُ، وَمِنَ الْبَابِ الْمَعْقِلُ وَالْعَقْلُ، وَهُوَ الْحِصْنُ، وَجَمْعُهُ عُقُولٌ. قَالَ أُحَيْحَةُ:
وَقَدْ أَعْدَدْتُ لِلْحِدْثَانِ صَعْبًا ... لَوْ أَنَّ الْمَرْءَ تَنْفَعُهُ الْعُقُولُ
يُرِيدُ الْحُصُونَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَقْلُ، وَهِيَ الدِّيَةُ. يُقَالُ: عَقَلْتُ الْقَتِيلَ أَعْقِلُهُ عَقْلًا، إِذَا أَدَّيْتُ دِيَتَهُ. قَالَ:
إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ ... كَالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ الْبَقَرُ
الْأَصْمَعِيُّ: عَقَلْتُ الْقَتِيلَ: أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ. وَعَقَلْتَ عَنْ فُلَانٍ، إِذَا غَرِمْتَ جِنَايَتَهُ. قَالَ: وَكَلَّمْتُ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَقَلْتُهُ وَعَقَلْتُ عَنْهُ، حَتَّى فَهَّمْتُهُ.
وَالْعَاقِلَةُ: الْقَوْمُ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمُ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ إِذَا كَانَ قَتِيلَ خَطَأٍ. وَهُمْ بَنُو عَمِّ الْقَاتِلِ الْأَدْنَوْنَ وَإِخْوَتُهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: صَارَ دَمُ فُلَانٍ مَعْقُلَةً عَلَى قَوْمِهِ، أَيْ صَارُوا يَدُونَهُ.

(4/70)


وَيَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا. يَعْنُونَ أَنَّ مُوضِحَتَهَا وَمُوَضِحَتَهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا بَلَغَ الْعَقْلُ مَا يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ صَارَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى نِصْفِ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَبَنُو فُلَانٍ عَلَى مَعَاقِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَعْنِي مَرَاتِبَهُمْ فِي الدِّيَاتِ، الْوَاحِدَةُ مَعْقُلَةٌ. قَالُوا أَيْضًا: وَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّ الْإِبِلَ الَّتِي كَانَتْ تُؤْخَذُ فِي الدِّيَاتِ كَانَتْ تُجْمَعُ فَتُعْقَلُ بِفَنَاءِ الْمَقْتُولِ، فَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ. وَقِيلَ سُمِّيَتْ عَقْلًا لِأَنَّهَا تُمْسِكُ الدَّمَ.
قَالَ الْخَلِيلُ: إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ صَدَقَةَ الْإِبِلِ تَامَّةً لِسَنَةٍ قِيلَ: أَخَذَ عِقَالًا، وَعِقَالَيْنِ لِسَنَتَيْنِ. وَلَمْ يَأْخُذْ نَقْدًا، أَيْ لَمْ يَأْخُذْ ثَمَنًا، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا فِيهَا. وَأَنْشَدَ:
سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ
وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ كُلَّهَا عِقَالٌ. يُقَالُ: اسْتُعْمِلَ فُلَانٌ عَلَى عِقَالِ بَنِي فُلَانٍ، أَيْ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ. قَالُوا: وَسُمِّيَتْ عِقَالًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ عَنْ صَاحِبِهَا الطَّلَبَ بِهَا وَتَعْقِلُ عَنْهُ الْمَأْثَمَ أَيْضًا.
وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا مَنَعَتِ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ: " وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا

(4/71)


أَدَّوْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ "، فَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ صَدَقَةَ عَامٍ، وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّمَا أَرَادَ بِالْعِقَالِ الشَّيْءَ التَّافِهَ الْحَقِيرَ، فَضَرَبَ الْعِقَالَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ لِذَلِكَ مَثَلًا. وَقِيلَ إِنَّ الْمُصَدِّقَ كَانَ إِذَا أَعْطَى صَدَقَةَ إِبِلِهِ أَعْطَى مَعَهَا عُقُلَهَا وَأَرْوِيَتَهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَقَلَ الظَّبْيُ يَعْقِلُ عُقُولًا، إِذَا امْتَنَعَ فِي الْجَبَلِ. وَيُقَالُ: عَقَلَ الطَّعَامُ بَطْنَهُ، إِذَا أَمْسَكَهُ. وَالْعَقُولُ مِنَ الدَّوَاءِ: مَا يُمْسِكُ الْبَطْنَ. قَالَ: وَيُقَالُ: اعْتَقَلَ رُمْحَهُ، إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ رِكَابِهِ وَسَاقِهِ. وَاعْتَقَلَ شَاتَهُ، إِذَا وَضَعَ رِجْلَهَا بَيْنَ فَخْذِهِ وَسَاقِهِ فَحَلَبَهَا. وَلِفُلَانٍ عُقْلَةٌ يَعْتَقِلُ بِهَا النَّاسَ، إِذَا صَارَعَهُمْ عَقَلَ أَرْجُلَهُمْ. وَيُقَالُ عَقَلْتُ الْبَعِيرَ أَعْقِلُهُ عَقْلًا، إِذَا شَدَدْتَ يَدَهُ بِعِقَالِهِ، وَهُوَ الرِّبَاطُ. وَفِي أَمْثَالِهِمْ:
الْفَحْلُ يَحْمِي شَوْلَهُ مَعْقُولًا
وَاعْتُقِلَ لِسَانُ فُلَانٍ، إِذَا احْتُبِسَ عَنِ الْكَلَامِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فُلَانَةٌ عَقِيلَةُ قَوْمِهَا، فَهِيَ كَرِيمَتُهُمْ وَخِيَارُهُمْ. وَيُوصَفُ بِذَلِكَ السَّيِّدُ أَيْضًا فَيُقَالُ: هُوَ عَقِيلَةُ قَوْمِهِ. وَعَقِيلَةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَكْرَمُهُ. وَالدُّرَّةُ: عَقِيلَةُ الْبَحْرِ. قَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
دُرَّةٌ مِنْ عَقَائِلِ الْبَحْرِ بَكْرٌ ... لَمْ يَشِنْهَا مَثَاقِبُ اللَّآلِ

(4/72)


وَذُكِرَ قِيَاسُ هَذَا عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، قَالُوا عَنْهُ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَقِيلَةً لِأَنَّهَا عَقَلَتْ صَوَاحِبَهَا عَنْ أَنْ يَبْلُغْنَهَا. وَقَالَ الْخَلِيلُ: بَلْ مَعْنَاهُ عُقِلَتْ فِي خِدْرِهَا. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عَقِيلَةُ أَخْدَانٍ لَهَا لَا دَمِيمَةٌ ... وَلَا ذَاتُ خُلُقٍ أَنْ تَأَمَّلْتَ جَأْنَبِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَقِيلَةُ، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ. قَالَ:
بَكْرٌ يُبِذُّ الْبُزْلَ وَالْبِكَارًا ... عَقِيلَةٌ مِنْ نُجُبٍ مَهَارَى
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْعَقَلُ فِي الرِّجْلَيْنِ: اصْطِكَاكُ الرُّكْبَتَيْنِ، يُقَالُ: بَعِيرٌ أَعْقَلُ، وَقَدْ عَقِلَ عَقَلًا. وَأَنْشَدَ:
أَخُو الْحَرْبِ لَبَّاسٌ إِلَيْهَا جِلَالَهَا ... وَلَيْسَ بِوَلَّاجِ الْخَوَالِفِ أَعْقَلَا
وَالْعُقَّالُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الدَّوَابَّ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَقَدْ يُخَفَّفُ. وَدَابَّةٌ مَعْقُولَةٌ وَبِهَا عُقَّالٌ، إِذَا مَشَتْ كَأَنَّهَا تَقْلَعُ رِجْلَيْهَا مِنْ صَخْرَةٍ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ فِي الشَّاءِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: امْرَأَةٌ عَقْلَاءُ، إِذَا كَانَتْ حَمْشَةَ السَّاقَيْنِ ضَخْمَةَ الْعَضَلَتَيْنِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَاقُولُ مِنَ النَّهْرِ وَالْوَادِي وَمِنَ الْأُمُورِ أَيْضًا: مَا الْتَبَسَ وَاعْوَجَّ.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ سَمَاعًا، أَنَّ الْعِقَالَ: الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرِ، سُمِّيَتْ عِقَالًا لِقُرْبِ مَائِهَا، كَأَنَّهَا تُسْتَقَى بِالْعِقَالِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْعَقَنْقَلُ مِنَ الرَّمْلِ، وَهُوَ مَا ارْتَكَمَ مِنْهُ; وَجَمَعُهُ عَقَاقِيلُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِكَامِهِ وَتَجَمُّعِهِ. وَمِنْهُ عَقَنْقَلُ الضَّبِّ: مَصِيرُهُ.

(4/73)


وَيَقُولُونَ: " أَطْعِمْ أَخَاكَ مِنْ عَقَنْقَلِ الضَّبِّ "، يُتَمَثَّلُ بِهِ. وَيَقُولُونَ إِنَّهُ طَيِّبٌ. فَأَمَّا الْأَصْمَعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ يُرْمَى بِهِ، وَيُقَالُ: " أَطْعِمْ أَخَاكَ مِنْ عَقَنْقَلِ الضَّبِّ " اسْتِهْزَاءً. قَالُوا: وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَقَنْقَلًا لِتَحَوِّيِهِ وَتَلَوِّيِهِ، وَكُلُّ مَا تَحَوَّى وَالْتَوَى فَهُوَ عَقَنْقَلُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِقُضْبَانِ الْكَرْمِ: عَقَاقِيلُ، لِأَنَّهَا مُلْتَوِيَةٌ. قَالَ:
نَجُذُّ رِقَابَ الْقَوْمِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَجَذِّ عَقَاقِيلِ الْكُرُومِ خَبِيرُهَا
فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الَّتِي جَاءَتْ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مُنْقَاسَةً، فَعَاقِلٌ: جَبَلٌ بِعَيْنِهِ. قَالَ:
لِمَنِ الدِّيَارُ بِرَامَتَيْنِ فَعَاقِلٍ ... دَرَسَتْ وَغَيَّرَ آيَهَا الْقَطْرُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَنُو عَاقِلٍ رَهْطُ الْحَارِثِ بْنِ حُجْرٍ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَاقِلًا، وَهُمْ مُلُوكٌ.
وَمَعْقِلَةُ: مَكَانٌ بِالْبَادِيَةِ. وَأَنْشَدَ:
وَعَيْنٍ كَأَنَّ الْبَابِلِيَّيْنِ لَبَّسَا ... بِقَلْبِكَ مِنْهَا يَوْمَ مَعْقُلَةٍ سِحْرَا
وَقَالَ أَوْسٌ:
فَبَطْنُ السُّلَيِّ فَالسِّخَالُ تَعَذَّرَتْ ... فَمَعْقُلَةٌ إِلَى مُطَارٍ فَوَاحِفٌ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: بِالدَّهْنَاءِ خَبْرَاءُ يُقَالُ لَهَا مَعْقُلَةٌ.

(4/74)


وَذُو الْعُقَّالِ: فَرَسٌ مَعْرُوفٌ. وَأَنْشَدَ:
فَكَأَنَّمَا مَسَحُوا بِوَجْهِ حِمَارِهِمْ ... بِالرَّقْمَتَيْنِ جَبِينَ ذِي الْعُقَّالِ

(عَقِمَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى غُمُوضٍ وَضِيقٍ وَشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ حَرْبٌ عَقَامٌ وَعُقَامٌ: لَا يَلْوِي فِيهَا أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ لِشِدَّتِهَا. وَدَاءٌ عَُقَامٌ: لَا يُبْرَأُ مِنْهُ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ عَقَامٌ، وَهُوَ الضَّيِّقُ الْخُلُقِ. قَالَ:
أَنْتَ عَقَامٌ لَا يُصَابُ لَهُ هَوًى ... وَذُو هِمَّةٍ فِي الْمَطْلِ وَهْوَ مُضَيِّعُ
وَمِنَ الْبَابِ عَقِمَتِ الرَّحِمُ عُقْمًا، وَذَلِكَ هَزْمَةٌ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ فَلَا تَقْبَلُ الْوَلَدَ. وَيُقَالُ: عَقِمَتِ الْمَرْأَةُ وَعُقِمَتْ، وَهِيَ أَجْوَدُهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «تُعْقَمُ أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى السُّجُودِ» ، وَالْمَعْنَى يُبْسُ مَفَاصِلِهِمْ. وَيُقَالُ رَجُلٌ عَقِيمٌ، وَرِجَالٌ عُقَمَاءُ، وَنِسْوَةٌ مَعْقُومَاتٌ وَعَقَائِمُ وَعُقُمٌ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: عُقِمَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا لَمْ تَلِدْ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عُقِمَتِ الْمَرْأَةُ عَقْمًا، وَهِيَ مَعْقُومَةٌ وَعَقِيمٌ، وَفِي الرَّجُلِ أَيْضًا عُقِمَ فَهُوَ عَقِيمٌ وَمَعْقُومٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: عَقَمْتُ فُلَانَةَ، أَيْ سَحَرْتُهَا حَتَّى صَارَتْ مَعْقُومَةَ الرَّحِمِ لَا تَلِدُ.

(4/75)


قَالَ الْخَلِيلُ: عَقْلٌ عَقِيمٌ، لِلَّذِي لَا يُجْدِي عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا.
وَيُرْوَى أَنَّ الْعَقْلَ عَقْلَانِ: فَعَقْلٌ عَقِيمٌ، وَهُوَ عَقْلُ صَاحِبِ الدُّنْيَا; وَعَقْلٌ مُثْمِرٌ، وَهُوَ عَقْلُ [صَاحِبِ] الْآخِرَةِ.
وَيُقَالُ: الْمُلْكُ عَقِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتُلُ أَبَاهُ عَلَى الْمُلْكِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَسُدُّ بَابَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى النَّسَبِ. وَالدُّنْيَا عَقِيمٌ: لَا تَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا. وَالرِّيحُ الْعَقِيمُ. الَّتِي لَا تُلْقِحُ شَجَرًا وَلَا سَحَابًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] ، قِيلَ: هِيَ الدَّبُورُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ عَقِمَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ تَعْقَمُ عُقْمًا. وَالْعَقِيمُ مِنَ الْأَرْضِ: مَا اعْتَقَمْتَهَا فَحَفَرْتَهَا. قَالَ:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمِ
قَالَ الْخَلِيلُ: الِاعْتِقَامُ: الْحَفْرُ فِي جَوَانِبِ الْبِئْرِ. قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ:
وَمَاءٍ آجِنِ الْجَمَّاتِ قَفْرٍ ... تَعَقَّمُ فِي جَوَانِبِهِ السِّبَاعُ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِذَلِكَ اعْتِقَامٌ لِأَنَّهُ فِي الْجَانِبِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الضِّيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْمُعَاقِمُ: الْمُخَاصِمُ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْكَلَامِ.
وَكَانَ الشَّيْبَانِيُّ يَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ عُقْمِيٌّ، أَيْ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُعْرَفُ. وَزَعَمَ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ يُكْنَى أَبَا عِيَاضٍ، عَنْ حَرْفٍ مِنْ غَرِيبِ هُذَيْلٍ، فَقَالَ:

(4/76)


هَذَا كَلَامٌ عُِقْمِيٌّ، أَيْ مِنْ كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ الْيَوْمَ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَاجِزَ بَيْنَ التِّبْنِ وَالْحَبِّ إِذَا ذُرِّيَ الطَّعَامُ مِعْقَمٌ.

(عَقَوَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ وَلَيْسَ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَإِحْدَاهَا الْعَقْوَةُ: مَا حَوْلَ الدَّارِ. يُقَالُ مَا يَطُورُ بِعَقْوَةِ فُلَانٍ أَحَدٌ. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْعِقْيُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ. وَالثَّالِثَةُ: الْعِقْيَانُ، وَهُوَ فِيمَا يُقَالُ: ذَهَبٌ يَنْبُتُ نَبَاتًا، وَلَيْسَ مِمَّا يُحَصَّلُ مِنَ الْحِجَارَةِ.
وَالِاعْتِقَاءُ مِثْلُ الِاعْتِقَامِ فِي الْبِئْرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَيُقَالُ عَقَّى الطَّائِرُ، إِذَا ارْتَفَعَ فِي طَيَرَانِهِ. وَعَقَّى بِسَهْمِهِ فِي الْهَوَاءِ. وَيَنْشُدُ:
عَقَّوْا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ ... ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ
وَمِنَ الْكَلِمَاتِ أَعْقَى الشَّيْءُ، إِذَا اشْتَدَّتْ مَرَارَتُهُ.

(عَقِبَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ شَيْءٍ وَإِتْيَانِهِ بَعْدَ غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَشِدَّةٍ وَصُعُوبَةٍ.
فَالْأَوَّلُ قَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ شَيْءٍ يَعْقُبُ شَيْئًا فَهُوَ عَقِيبُهُ، كَقَوْلِكَ خَلَفَ يَخْلُفُ، بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذَا مَضَى أَحَدُهُمَا عَقَبَ الْآخَرِ. وَهُمَا عَقِيبَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(4/77)


عَقِيبُ صَاحِبِهِ. وَيُعَقِّبَانِ، إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ ذَهَبَ النَّهَارُ، فَيُقَالُ عَقَبَ اللَّيْلُ النَّهَارَ وَعَقَبَ النَّهَارُ اللَّيْلَ. وَذَكَرَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [الرعد: 11] قَالَ: يَعْنِي مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لِأَنَّهُمْ يَتَعَاقَبُونَ. وَيُقَالُ إِنَّ الْعَقِيبَ الَّذِي يُعَاقِبُ آخَرَ فِي الْمَرْكَبِ، وَقَدْ أَعَقَبْتَهُ، إِذَا نَزَلْتَ لِيَرْكَبَ. وَيَقُولُونَ: عَقِبَ عَلَيَّ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ عَقَبٌ، أَيْ أَدْرَكَنِي فِيهَا دَرَكٌ. وَالتَّعْقِبَةُ: الدَّرَكُ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَاقَبْتُ الرَّجُلَ مُعَاقَبَةً وَعُقُوبَةً وَعِقَابًا. وَاحْذَرِ الْعُقُوبَةَ وَالْعَقِبَ. وَأَنْشَدَ:
فَنِعَمَ وَالِي الْحُكْمِ وَالْجَارُ عُمَرْ ... لَيِّنٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ ذَوَ عَقْبٍ ذَكَرْ
وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُقُوبَةً لِأَنَّهَا تَكُونُ آخِرًا وَثَانِيَ الذَّنْبِ. وَرُوِيَ عَنْ [ابْنِ] الْأَعْرَابِيِّ: الْمُعَاقِبُ الَّذِي أَدْرَكَ ثَأْرَهُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَأَنْشَدَ:
وَنَحْنُ قَتَلْنَا بِالْمُخَارِقِ فَارِسًا ... جَزَاءَ الْعُطَاسِ لَا يَمُوتُ الْمُعَاقِبُ
أَيْ أَدْرَكْنَا بِثَأْرِهِ قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعُطَاسِ وَالتَّشْمِيتِ. وَمِثْلُهُ:

(4/78)


فَقَتْلٌ بِقَتْلَانَا وَجَزٌّ بِجَزِّنَا ... جَزَاءَ الْعُطَاسِ لَا يَمُوتُ مَنِ اتَّأَرْ
قَالَ الْخَلِيلُ: عَاقِبَةُ كُلِّ شَيْءٍ: آخِرُهُ، وَكَذَلِكَ الْعُقَبُ، جَمْعُ عُقْبَةٍ. قَالَ:
كُنْتَ أَخِي فِي الْعُقَبِ النَّوَائِبِ
وَيُقَالُ: اسْتَعْقَبَ فُلَانٌ مِنْ فِعْلِهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَاسْتَعْقَبَ مِنْ أَمْرِهِ نَدَمًا، وَتَعَقَّبَ أَيْضًا. وَتَعَقَّبْتُ مَا صَنَعَ فُلَانٌ، أَيْ تَتَبَّعْتُ أَثَرَهُ. وَيَقُولُونَ: سَتَجِدُ عَقِبَ الْأَمْرِ كَخَيْرٍ أَوْ كَشَرٍّ، وَهُوَ الْعَاقِبَةُ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ الْمُنْقَطِعِ الْكَلَامِ: لَوْ كَانَ لَهُ عَقِبٌ تَكَلَّمَ، أَيْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ جَوَابٌ. وَقَالُوا فِي قَوْلِ عُمَرَ:
فَلَا مَالَ إِلَّا قَدْ أَخَذْنَا عِقَابَهُ وَلَا دَمَ إِلَّا قَدْ سَفَكْنَا بِهِ دَمَا
قَالَ: عِقَابَهُ، أَرَادَ عُقْبَاهُ وَعُقْبَانَهُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَعْتَقِبَانِ فُلَانًا، إِذَا تَعَاوَنَا عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: إِبِلٌ مُعَاقِبَةٌ: تَرْعَى الْحَمْضَ مَرَّةً، وَالْبَقْلَ أُخْرَى. وَيُقَالُ: الْعَوَاقِبُ مِنَ الْإِبِلِ مَا كَانَ فِي الْعِضَاهِ ثُمَّ عَقَبَتْ مِنْهُ فِي شَجَرٍ آخَرَ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَوَاقِبُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي تُدَاخِلُ الْمَاءَ تَشْرَبُ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الْمَعْطِنِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الْمَاءِ وَأَنْشَدَ يَصِفُ إِبِلًا:
رَوَابِعُ خَوَامِسُ عَوَاقِبُ
وَقَالَ أَبُو زِيَادٍ: الْمُعَقِّبَاتُ: اللَّوَاتِي يَقُمْنَ عِنْدَ أَعْجَازِ الْإِبِلِ الَّتِي تَعْتَرِكُ عَلَى

(4/79)


الْحَوْضِ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ نَاقَةٌ دَخَلَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَالْوَاحِدَةُ مُعَقِّبَةٌ. قَالَ:
النَّاظِرَاتُ الْعُقَبُ الصَّوَادِفُ
وَقَالُوا: وَعُقْبَةُ الْإِبِلِ: أَنْ تَرْعَى الْحَمْضَ [مَرَّةً] وَالْخَلَّةَ أُخْرَى. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَلْهَاهُ آءٌ وَتَنُّومٌ وَعُقْبَتُهُ مِنْ ... لَائِحِ الْمَرْوِ وَالْمَرْعَى لَهُ عُقَبٌ
قَالَ الْخَلِيلُ: عَقَبْتُ الرَّجُلَ، أَيْ صِرْتُ عَقِبَهُ أَعْقُبُهُ عَقْبًا. وَمِنْهُ سُمِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْعَاقِبَ " لِأَنَّهُ عَقِبَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -. وَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِعَاقِبَةٍ، كَمَا يُقَالُ بِآخِرَةٍ. قَالَ:
أَرَثَّ حَدِيثُ الْوَصْلِ مِنْ أُمِّ مَعْبَدٍ ... بِعَاقِبَةٍ وَأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدِ
وَحُكِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: رَأَيْتُ عَاقِبَةً مِنَ الطَّيْرِ، أَيْ طَيْرًا يَعْقُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَقَعُ هَذِهِ مَكَانَ الَّتِي قَدْ كَانَتْ طَارَتْ قَبْلَهَا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: جِئْتُ فِي عُقْبِ الشَّهْرِ وَعُقْبَانِهِ، أَيْ بَعْدَ مُضِيِّهِ، الْعَيْنَانِ مَضْمُومَتَانِ. قَالَ: وَجِئْتُ فِي عَقِبِ الشَّهْرِ وَعُقْبِهِ وَفِي عُقُبِهِ. قَالَ:
[وَقَدْ] أَرُوحُ عُقُبَ الْإِصْدَارِ ... مُخَتَّرًا مُسْتَرْخِيَ الْإِزَارِ

(4/80)


قَالَ الْخَلِيلُ: جَاءَ فِي عَقِبِ الشَّهْرِ أَيْ آخِرِهِ; وَفِي عُقْبِهِ، إِذَا مَضَى وَدَخَلَ شَيْءٌ مِنَ الْآخَرِ. وَيُقَالُ: أَخَذْتُ عُقْبَةً مِنْ أَسِيرِي، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ بَدَلًا. قَالَ:
لَا بَأْسَ إِنِّي قَدْ عَلِقْتُ بِعُقْبَةٍ
وَهَذَا عُقْبَةٌ مِنْ فُلَانٍ أَيْ أُخِذَ مَكَانَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عُقْبَةُ الْقَمَرِ. . . . . . . .
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عُقْبَةُ الْقِدْرِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَعِيرَ الْقِدْرَ فَإِذَا رَدَّهَا تَرَكَ فِي أَسْفَلِهَا شَيْئًا. وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ مَا فِي الْقِدْرِ، أَوْ يَبْقَى بَعْدَ أَنْ يُغْرَفَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ:
إِذَا عُقَبُ الْقُدُورِ يَكُنَّ مَالًا ... تُحِبُّ حَلَائِلَ الْأَقْوَامِ عِرْسِي
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
. . . . . . . . . . . . . . . وَلَمْ ... يَكُنْ لِعُقْبَةِ قِدْرِ الْمُسْتَعِيرِينَ مُعْقِبُ
وَيَقُولُونَ: تَصَدَّقْ بِصَدَقَةٍ لَيْسَتْ فِيهَا تَعْقِبَةٌ، أَيِ اسْتِثْنَاءٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: عَاقَبَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ. إِذَا رَاوَحَ بَيْنَهُمَا، اعْتَمَدَ مَرَّةً عَلَى الْيُمْنَى وَمَرَّةً عَلَى الْيُسْرَى.
وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ أَنَّ الْمِعْقَابَ: الْمَرْأَةُ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا بَعْدَ أُنْثَى، وَكَانَ ذَلِكَ عَادَتَهَا. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَيْسَ لِفُلَانٍ عَاقِبَةٌ، يَعْنِي عَقِبًا. وَيُقَالُ عَقَبَ لِلْفَرَسِ جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ، أَيْ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(4/81)


عَلَى الْعَقْبِ جَيَّاشٌ كَأَنَّ اهْتِزَامَهُ ... إِذَا جَاشَ مِنْهُ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ
وَقَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ مَنْ ثَنَّى شَيْئًا فَهُوَ مُعَقِّبٌ قَالَ لَبِيدٌ:
حَتَّى تَهَجَّرَ لِلرَّوَاحِ وَهَاجَهَا ... طَلَبُ الْمُعَقِّبِ حَقَّهُ الْمَظْلُومُ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْمُعَقِّبُ: الْمَاطِلُ، وَهُوَ هَاهُنَا الْمَفْعُولُ بِهِ، لِأَنَّ الْمَظْلُومَ هُوَ الطَّالِبُ، كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَبُ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ مِنْ مَاطِلِهِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْمَعْنَى كَمَا يَطْلُبُ الْمُعَقِّبَ الْمَظْلُومُ حَقَّهُ، فَحَمَلَ الْمَظْلُومَ عَلَى مَوْضِعِ الْمُعَقِّبِ فَرَفَعَهُ.
وَفِي الْقُرْآنِ: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: 10] ، أَيْ لَمْ يَعْطِفْ. وَالتَّعْقِيبُ، غَزْوَةٌ بَعْدَ غَزْوَةٍ. قَالَ طُفَيْلٌ:
وَأَطْنَابُهُ أَرْسَانُ جُرْدٍ كَأَنَّهَا ... صُدُورُ الْقَنَا مِنْ بَادِئٍ وَمُعَقِّبِ
وَيُقَالُ: عَقَّبَ فُلَانٌ فِي الصَّلَاةِ، إِذَا قَامَ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ النَّاسُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَجْلِسِهِ يُصَلِّي.
وَمِنَ الْبَابِ عَقِبُ الْقَدَمِ: مُؤَخَّرُهَا، وَفِي الْمَثَلِ: " ابْنُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ "، وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ فِي عَقِيلِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ كَبْشَةَ بِنْتَ عُرْوَةَ الرَّحَّالِ تَبَنَّتْهُ، فَعَرَمَ عَقِيلٌ عَلَى أُمِّهِ يَوْمًا فَضَرَبَتْهُ، فَجَاءَتْهَا كَبْشَةٌ تَمْنَعُهَا، فَقَالَتْ: ابْنَيِ ابْنِي، فَقَالَتِ الْقَيْنِيَّةُ - وَهِيَ أَمَةٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ -: " ابْنُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ "، أَرَى ابْنَكَ هُوَ الَّذِي نُفِسْتِ بِهِ وَوَلَدْتِهِ حَتَّى أَدْمَى النِّفَاسُ عَقِبَيْكِ، لَا هَذَا.

(4/82)


وَمِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْعُقُوبَةِ وَالْعِقَابِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَبِالْأَشْقَيْنَ مَا كَانَ الْعِقَابُ
وَيُقَالُ: أَعْقَبَ فُلَانٌ، أَيْ رَجَعَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَاءَ عُقَيْبَ مُضِيِّهِ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَجَالَ وَلَمْ يُعْقِبْ بِغُضْفٍ كَأَنَّهَا ... دُقَاقُ الشَّعِيلِ يَبْتَدِرْنَ الْجَعَائِلَا
قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: الْمُعْقِبُ: نَجْمٌ يَعْقُبُ نَجْمًا آخَرَ، أَيْ يَطْلُعُ بَعْدَهُ. قَالَ:
كَأَنَّهَا بَيْنَ السُّجُوفِ مُعْقِبُ
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عَلَيْهِ عُقْبَةُ السَّرْوِ وَالْجَمَالِ، أَيْ أَثَرُهُ. قَالَ: وَقَوْمٌ عَلَيْهِمْ عُقْبَةُ السَّرْوِ. . . . . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ أَثَرَ الشَّيْءِ يَكُونُ بَعْدَ الشَّيْءِ.
وَمِمَّا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي مَجْرَى الْأَمْثَالِ قَوْلُهُمْ: " مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ عَقِبُكَ " أَيْ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ. وَ " فُلَانٌ مُوَطَّأُ الْعَقِبِ " أَيْ كَثِيرُ الْأَتْبَاعِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمَّارٍ: " «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ فَاجْعَلْهُ مُوَطَّأَ الْعَقِبِ» ". دَعَا أَنْ يَكُونَ سُلْطَانًا يَطَأُ النَّاسُ عَقِبَهُ، أَيْ يَتْبَعُونَهُ وَيَمْشُونَ وَرَاءَهُ، أَوْ يَكُونُ ذَا مَالٍ فَيَتْبَعُونَهُ لِمَالِهِ. قَالَ:
عَهْدِي بِقَيْسٍ وَهُمُ خَيْرُ الْأُمَمْ
لَا يَطَؤُونَ قَدَمًا عَلَى قَدَمْ

(4/83)


أَيْ إِنَّهُمْ قَادَةٌ يَتْبَعُهُمُ النَّاسُ، وَلَيْسُوا أَتْبَاعًا يَطَؤُونَ أَقْدَامَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّخَعِيِّ: " الْمُعْتَقِبُ ضَامِنٌ لِمَا اعْتَقَبَ " فَالْمُعْتَقِبُ: الرَّجُلُ يَبِيعُ الرَّجُلَ شَيْئًا فَلَا يَنْقُدُهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، فَيَأْبَى الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ السِّلْعَةَ حَتَّى يَنْقُدَهُ، فَتَضِيعَ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ. يَقُولُ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُعْتَقِبًا لِأَنَّهُ أَتَى بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهُوَ إِمْسَاكُ الشَّيْءِ.
وَيَقُولُونَ: اعْتَقَبْتُ الشَّيْءَ، أَيْ حَبَسْتُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْإِعْقَابَةُ: سِمَةٌ مِثْلُ الْإِدْبَارَةِ، وَيَكُونُ أَيْضًا جِلْدَةً مُعَلَّقَةً مِنْ دُبُرِ الْأُذُنِ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْعَقَبَةُ: طَرِيقٌ فِي الْجَبَلِ، وَجَمْعُهَا عِقَابٌ. ثُمَّ رُدَّ إِلَى هَذَا كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ عُلُوٌّ أَوْ شِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْبِئْرُ تُطْوَى فَيُعْقَبُ وَهْيُ أَوَاخِرُهَا بِحِجَارَةٍ مِنْ خَلْفِهَا. يُقَالُ أَعْقَبْتُ الطَّيَّ. وَكُلُّ طَرِيقٍ يَكُونُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فَهِيَ أَعْقَابٌ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمُعْقِبُ: الَّذِي يُعْقِبُ طَيَّ الْبِئْرِ: أَنْ يَجْعَلَ الْحَصْبَاءَ، وَالْحِجَارَةَ الصِّغَارَ فِيهَا وَفِي خَلَلِهَا، لِكَيْ يَشُدَّ أَعْقَابَ الطَّيِّ. قَالَ:
شَدًّا إِلَى التَّعْقِيبِ مِنْ وَرَائِهَا
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعُقَابُ: الْخَزَفُ الَّذِي يُدْخَلُ بَيْنَ الْآجُرِّ فِي طَيِّ الْبِئْرِ لِكَيْ تَشْتَدَّ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعُقَابُ مَرْقًى فِي عُرْضِ جَبَلٍ، وَهُوَ نَاشِزٌ. وَيُقَالُ: الْعُقَابُ:

(4/84)


حَجْرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ السَّاقِي، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ أَيْضًا الْمَسِيلُ الَّذِي يَسِيلُ مَاؤُهُ إِلَى الْحَوْضِ. وَيُنْشَدُ:
كَأَنَّ صَوْتَ غَرْبِهَا إِذَا انْثَعَبْ ... سَيْلٌ عَلَى مَتْنِ عُقَابٍ ذِي حَدَبْ
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَقَبُ: مَا يُعْقَبُ بِهِ الرِّمَاحُ وَالسِّهَامُ. قَالَ: وَخِلَافُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَصَبِ أَنَّ الْعَصَبَ يَضْرِبُ إِلَى صُفْرَةٍ، وَالْعَقَبَ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ، وَهُوَ أَصْلَبُهُمَا وَأَمْتَنُهُمَا. وَالْعَصَبُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، أَنَّ هَذَا الْبَابَ قِيَاسُهُ الشِّدَّةُ.
وَمِنَ الْبَابِ مَا حَكَاهُ أَبُو زَيْدٍ: عَقِبَ الْعَرْفَجُ يَعْقَبُ أَشَدَّ الْعَقَبِ. وَعَقَبُهُ أَنْ يَدِقَّ عُودُهُ وَتَصْفَرَّ ثَمَرَتُهُ، ثُمَّ لَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يُبْسُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعُقَابُ مِنَ الطَّيْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّتِهَا وَقُوَّتِهَا، وَجَمْعُهُ أَعْقُبٌ وَعِقْبَانٌ، وَهِيَ مِنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ. وَيُقَالُ عُقَابٌ عَقَبْنَاةٌ، أَيْ سَرِيعَةُ الْخَطْفَةِ. قَالَ:
عُقَابٌ عَقَبْنَاةٌ كَأَنَّ وَظِيفَهَا ... وَخُرْطُومَهَا الْأَعْلَى بِنَارٍ مُلَوَّحُ
خُرْطُومُهَا: مِنْسَرُهَا. وَوَظِيفُهَا: سَاقُهَا. أَرَادَ أَنَّهُمَا أَسْوَدَانِ.

(4/85)


ثُمَّ شُبِّهَتِ الرَّايَةُ بِهَذِهِ الْعُقَابِ، كَأَنَّهَا تَطِيرُ كَمَا تَطِيرُ.

(عَقَدَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى شَدٍّ وَشِدَّةِ وُثُوقٍ، وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ فَرَوْعُ الْبَابِ كُلُّهَا.
مِنْ ذَلِكَ عَقْدُ الْبِنَاءِ، وَالْجَمْعُ أَعْقَادٌ وَعُقُودٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ فِعْلًا. وَلَوْ قِيلَ عَقَّدَ تَعْقِيدًا، أَيْ بَنَى عَقْدًا لَجَازَ. وَعَقَدْتُ الْحَبْلَ أَعْقِدُهُ عَقْدًا، وَقَدِ انْعَقَدَ، وَتِلْكَ هِيَ الْعُقْدَةُ.
وَمِمَّا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى لَكِنَّهُ يُزَادُ فِيهِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعَانِي: أَعَقَدْتُ الْعَسَلَ وَانْعَقَدَ، وَعَسَلٌ عَقِيدٌ وَمُنْعَقِدٌ. قَالَ:
كَأَنَّ رُبًّا سَالَ بَعْدَ الْإِعْقَادْ ... عَلَى لَدِيدَيْ مُصْمَئِلٍّ صِلْخَادْ
وَعَاقَدْتُهُ مِثْلُ عَاهَدْتُهُ، وَهُوَ الْعَقْدُ وَالْجَمْعُ عُقُودٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وَالْعَقْدُ: عَقْدُ الْيَمِينِ، [وَمِنْهُ] قَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] . وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ وَكُلِّ شَيْءٍ: وُجُوبُهُ وَإِبْرَامُهُ. وَالْعُقْدَةُ فِي الْبَيْعِ: إِيجَابُهُ. وَالْعُقْدَةُ: الضَّيْعَةُ، وَالْجَمْعُ عُقَدٌ. يُقَالُ اعْتَقَدَ فُلَانٌ عُقْدَةً، أَيِ اتَّخَذَهَا. وَاعْتَقَدَ مَالًا وَأَخًا، أَيِ اقْتَنَاهُ. وَعَقَدَ قَلْبَهُ عَلَى كَذَا فَلَا يَنْزِعُ عَنْهُ. وَاعْتَقَدَ الشَّيْءُ:

(4/86)


صَلُبَ. وَاعْتَقَدَ الْإِخَاءُ: ثَبَتَ. وَالْعَقِيدُ: طَعَامٌ يُعْقَدُ بِعَسَلٍ. وَالْمَعَاقِدُ: مَوَاضِعُ الْعَقْدِ مِنَ النِّظَامِ. قَالَ:
مَعَاقِدُ سِلْكِهِ لَمْ تُوصَلِ
وَعِقْدُ الْقِلَادَةِ مَا يَكُونُ طُوَارَ الْعُنُقِ، أَيْ مِقْدَارَهُ. قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: " الْمِعْقَادُ خَيْطٌ تُنَظَّمُ فِيهِ خَرَزَاتٌ ".
قَالَ الْخَلِيلُ: عَقَدَ الرَّمْلُ: مَا تَرَاكَمَ وَاجْتَمَعَ، وَالْجَمْعُ أَعَقَادٌ. وَقَلَّمَا يُقَالُ عَقِدٌ وَعَقِدَاتٌ، وَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ مِنْ عَقَدٍ ... عَلَى جَوَانِبِهِ الْأَسْبَاطُ وَالْهَدَبُ
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " أَحْمَقُ مِنْ تُرْبِ الْعَقَدِ " يَعْنُونَ عَقَدَ الرَّمْلِ; وَحُمْقُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ التُّرَابُ، إِنَّمَا يَنْهَارُ. وَ " هُوَ أَعْطَشُ مِنْ عَقَدِ الرَّمْلِ "، وَ " أَشْرَبُ مِنْ عَقَدِ الرَّمْلِ " أَيْ إِنَّهُ يَتَشَرَّبُ كُلَّ مَا أَصَابَهُ مِنْ مَطَرٍ وَدَثَّةٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: نَاقَةٌ عَاقِدٌ، إِذَا عَقَدَتْ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُقْدَةُ مِنَ الشَّجَرِ: مَا يَكْفِي الْمَالَ سَنَتَهُ. قَالَ غَيْرُهُ:

(4/87)


الْعُقْدَةُ مِنَ الشَّجَرِ: مَا اجْتَمَعَ وَثَبَتَ أَصْلُهُ. وَيُقَالُ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَكْثُرُ شَجَرُهُ عُقْدَةٌ أَيْضًا. وَكُلُّ الَّذِي قِيلَ فِي عُقْدَةِ الشَّجَرِ وَالنَّبْتِ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى هَذَا. وَلَا مَعْنَى لِتَكْثِيرِ الْبَابِ بِالتَّكْرِيرِ.
وَيَقُولُونَ: " هُوَ آلَفُ مِنْ غُرَابِ الْعُقْدَةِ ". وَلَا يَطِيرُ غُرَابُهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِدُ مَا يُرِيدُهُ فِيهَا.
وَيُقَالُ: اعْتَقَدَتِ الْأَرْضُ حَيَا سَنَتِهَا، وَذَلِكَ إِذَا مُطِرَتْ حَتَّى يَحْفِرَ الْحَافِرُ الثَّرَى فَتَذْهَبَ يَدُهُ فِيهِ حَتَّى يَمَسَّ الْأَرْضَ بِأُذُنِهِ وَهُوَ يَحْفِرُ وَالثَّرَى جَعْدٌ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عُقَدُ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عُقَدِ الْكَلَأِ; لِأَنَّ فِيهَا بَلَاغًا وَكِفَايَةً. وَعَقَدَ الْكَرْمُ، إِذَا رَأَيْتَ عُودَهُ قَدْ يَبِسَ مَاؤُهُ وَانْتَهَى. وَعَقَدَ الْإِفْطُ. وَيُقَالُ إِنَّ عَكَدَ اللِّسَانِ، وَيُقَالُ لَهُ عَقَدَ أَيْضًا، هُوَ الْغِلَظُ فِي وَسَطِهِ. وَعَقِدَ الرَّجُلُ، إِذَا كَانَتْ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ، فَهُوَ أَعْقَدُ.
وَيُقَالُ ظَبْيَةٌ عَاقِدٌ، إِذَا كَانَتْ تَلْوِي عُنُقَهَا، وَالْأَعْقَدُ مِنَ التُّيُوسِ وَالظِّبَاءِ: الَّذِي فِي قَرْنِهِ عُقْدَةُ أَوْ عُقَدٌ، قَالَ النَّابِغَةُ فِي الظِّبَاءِ الْعَوَاقِدِ:
وَيَضْرِبْنَ بِالْأَيْدِي وَرَاءَ بَرَاغِزٍ ... حِسَانِ الْوُجُوهِ كَالظِّبَاءِ الْعَوَاقِدِ
وَمِنَ الْبَابِ مَا حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَئِيمٌ أَعْقَدُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ سَهْلَ الْخُلُقِ. قَالَ الطّرِمَّاحُ:
وَلَوْ أَنِّي أَشَاءُ حَدَوْتُ قَوْلًا ... عَلَى أَعْلَامِهِ الْمُتَبَيِّنَاتِ

(4/88)


لَأَعْقَدَ مُقْرِفِ الطَّرَفَيْنِ بَيْنِي
عَشِيرَتُهُ لَهُ خِزْيَ الْحَيَاةِ
يُقَالُ إِنَّ الْأَعْقَدَ الْكَلْبُ، شَبَّهَهُ بِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: نَاقَةٌ مَعْقُودَةُ الْقَرَى، أَيْ مُوَثَّقَةُ الظَّهْرِ. وَأَنْشَدَ:
مُوَتَّرَةُ الْأَنْسَاءِ مَعْقُودَةُ الْقَرَى ... ذَقُونًا إِذَا كَلَّ الْعِتَاقُ الْمَرَاسِلُ
وَجُمَلٌ عَقْدٌ، أَيْ مُمَرُّ الْخَلْقِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
فَكَيْفَ مَزَارُهَا إِلَّا بِعَقْدٍ ... مُمَرٍّ لَيْسَ يَنْقُضُهُ الْخَؤُونُ
وَيُقَالُ: تَعَقَّدَ السَّحَابُ، إِذَا صَارَ كَأَنَّهُ عَقْدٌ مَضْرُوبٌ مَبْنِيٌّ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: " قَدْ تَحَلَّلَتْ عُقَدُهُ "، إِذَا سَكَنَ غَضَبُهُ. وَيُقَالُ: " قَدْ عَقَدَ نَاصِيَتَهُ "، إِذَا غَضِبَ فَتَهَيَّأَ لِلشَّرِّ. قَالَ:
بِأَسْوَاطِ قَوْمٍ عَاقِدِينَ النَّوَاصِيَا
وَيُقَالُ: تَعَاقَدَتِ الْكِلَابُ، إِذَا تَعَاظَلَتْ. قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: " عَقَّدَ فُلَانٌ كَلَامَهُ، إِذَا عَمَّاهُ وَأَعْوَصَهُ ". وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُعَقِّدَ السَّاحِرُ. قَالَ:
يُعَقِّدُ سِحْرَ الْبَابِلِيَّيْنِ طَرَفُهَا ... مِرَارًا وَتَسْقِينَا سُلَافًا مِنَ الْخَمْرِ
وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَقِّدُ السِّحْرَ. وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] : مِنَ السَّوَاحِرِ اللَّوَاتِي يُعَقِّدْنَ فِي الْخُيُوطِ. وَيُقَالُ إِذَا أَطْبَقَ الْوَادِي عَلَى قَوْمٍ فَأَهْلَكَهُمْ: عَقَدَ عَلَيْهِمْ.

(4/89)


وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا الْأَصْلَ قَوْلُهُمْ لِلْقَصِيرِ أَعْقَدُ. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عُقْدَةٌ. وَالْعُقْدُ: الْقِصَارُ. قَالَ:
مَاذِيَّةُ الْخُرْصَانِ زُرْقٌ نِصَالُهَا ... إِذَا سَدَّدُوهَا غَيْرَ عُقْدٍ وَلَا عُصْلِ

(عَقَرَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ مُتَبَاعِدٌ مَا بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَّرِدٌ فِي مَعْنَاهُ، جَامِعٌ لِمَعَانِي فُرُوعِهِ.
فَالْأَوَّلُ الْجَرْحُ أَوْ مَا يُشْبِهُ الْجَرْحَ مِنَ الْهَزْمِ فِي الشَّيْءِ. وَالثَّانِي دَالٌّ عَلَى ثَبَاتٍ وَدَوَامٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْخَلِيلِ: الْعَقْرُ كَالْجَرْحِ، يُقَالُ: عَقَرْتُ الْفَرَسَ، أَيْ كَسَعْتُ قَوَائِمَهُ بِالسَّيْفِ. وَفَرَسٌ عَقِيرٌ وَمَعْقُورٌ. وَخَيْلٌ عَقْرَى. قَالَ زِيَادٌ:
وَإِذَا مَرَرْتُ بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ ... كُومَ الْهِجَانِ وَكُلَّ طِرْفٍ سَابِحِ
وَقَالَ لَبِيدٌ:
لَمَّا رَأَى لُبَدُ النُّسُورَ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْعَقِيرِ الْأَعْزَلِ
شَبَّهَ النَّسْرَ بِالْفَرَسِ الْمَعْقُورِ. وَتُعْقَرُ النَّاقَةُ حَتَّى تَسْقُطَ، فَإِذَا سَقَطَتْ نَحَرَهَا مُسْتَمْكِنًا مِنْهَا. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلِعَذَارَى مَطِيَّتِي ... فَيَا عَجَبًا لِرَحْلِهَا الْمُتَحَمِّلِ

(4/90)


وَالْعَقَّارُ: الَّذِي يَعْنُفُ بِالْإِبِلِ لَا يَرْفُقُ بِهَا فِي أَقْتَابِهَا فَتُدْبِرَهَا. وَعَقَرْتُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ: أَدْبَرَتُهُ. قَالَ امْرُؤِ الْقَيْسِ:
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيطُ بِنَا مَعًا ... عَقَرْتَ بِعِيرِي يَا امْرَأَ الْقَيْسِ فَانْزِلِ
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: عَقَرْتَ بِي، أَيْ أَطَلْتَ حَبْسِي، لَيْسَ هَذَا تَلْخِيصَ الْكَلَامِ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ حَبَسَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ عَقَرَ نَاقَتَهُ فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى السَّيْرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ:
قَدْ عَقَرَتْ بِالْقَوْمِ أُمُّ الْخَزْرَجِ ... إِذَا مَشَتْ سَالَتْ وَلِمَ تَدَحْرَجِ
وَيُقَالُ تَعَقَّرَ الْغَيْثُ: أَقَامَ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ عُقِرَ فَلَا يَبْرَحُ. وَمِنَ الْبَابِ: الْعَاقِرُ مِنَ النِّسَاءِ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَحْمِلُ. وَذَلِكَ أَنَّهَا كَالْمَعْقُورَةِ. وَنِسْوَةٌ عَوَاقِرُ، وَالْفِعْلُ عَقَرَتْ تَعْقِرُ عَقْرًا، وَعَقِرَتْ تَعْقَرُ أَحْسَنُ. قَالَ الْخَلِيلُ: لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يَنْزِلُ بِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ فِعْلِهَا بِنَفْسِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: " عُجُزٌ عُقَّرُ ".
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَقَرَتِ الْمَرْأَةُ وَعَقِرَتْ، وَرَجُلٌ عَاقِرٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عَقُرَتْ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، كَقَوْلِكَ: ظَرُفَ وَكَرُمَ.
وَفِي الْمَثَلِ: " أَعْقَرُ مِنْ بَغْلَةٍ ". وَقَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ عِقَابًا:

(4/91)


لَهَا نَاهِضٌ فِي الْوَكْرِ قَدْ مَهَّدَتْ لَهُ ... كَمَا مَهَّدَتْ لِلْبَعْلِ حَسْنَاءُ عَاقِرُ
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِرَ أَشَدُّ تَصَنُّعًا لِلزَّوْجِ وَأَحْفَى بِهِ، لِأَنَّهُ [لَا] وَلَدَ لَهَا تَدُلُّ بِهَا، وَلَا يَشْغَلُهَا عَنْهُ.
وَيَقُولُونَ: لَقِحَتِ النَّاقَةُ عَنْ عُقْرٍ، أَيْ بَعْدَ حِيَالٍ، كَمَا يُقَالُ عَنْ عُقْمٍ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ لِدِيَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عُقْرٌ، وَذَلِكَ إِذَا غُصِبَتْ. وَهَذَا مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ، إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ. فَسُمِّيَ الْمَهْرُ عُقْرًا، لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ. وَقَوْلُهُمْ: " بَيْضَةُ الْعُقْرِ " اسْمٌ لِآخِرِ بَيْضَةٍ تَكُونُ مِنَ الدَّجَاجَةِ فَلَا تَبِيضُ بَعْدَهَا، فَتُضْرَبُ مَثَلًا لِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا مِنْ أَهْلِ الصَّمَّانِ يَقُولُ: كُلُّ فُرْجَةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ عَقْرٌ وَعُقْرٌ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَائِمَتَيِ الْمَائِدَةِ وَنَحْنُ نَتَغَدَّى فَقَالَ: مَا بَيْنَهُمَا عُقْرٌ. وَيُقَالُ النَّخْلَةُ تُعْقَرُ، أَيْ يُقْطَعُ رَأْسُهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا أَبَدًا شَيْءٌ. فَذَلِكَ الْعَقْرُ، وَنَخْلَةٌ عَقِرَةٌ. وَيُقَالُ كَلَأٌ عَقَارٌ، أَيْ يَعْقِرُ الْإِبِلَ وَيَقْتُلُهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: رَفَعَ عَقِيرَتَهُ، إِذَا تَغَنَّى أَوْ قَرَأَ، فَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمُجَاوَرَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا يُقَالُ رَجُلٌ قُطِعَتْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَرَفَعَهَا وَوَضَعَهَا عَلَى الْأُخْرَى وَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ. وَالْعَقِيرَةُ هِيَ الرِّجْلُ الْمَعْقُورَةُ، وَلَمَّا كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَهَا سُمِّيَ الصَّوْتُ بِهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَا رَأَيْتُ عَقِيرَةً كَفُلَانٍ، يُرَادُ الرَّجُلُ الشَّرِيفُ، فَالْأَصْلُ فِي

(4/92)


ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ الْقَتِيلِ الْكَبِيرِ الْخَطِيرِ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَقِيرَةً وَسْطَ قَوْمٍ! قَالَ:
إِذَا الْخَيْلُ أَجْلَى شَاؤُهَا ... فَقَدْ عُقِرَ خَيْرُ مَنْ يَعْقِرُهُ عَاقِرُ
قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ فِي الشَّتِيمَةِ: عَقْرًا لَهُ وَجَدْعًا. وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ حَلْقَى عَقْرَى. يَقُولُ: عَقَرَهَا اللَّهُ، أَيْ عَقَرَ جَسَدَهَا; وَحَلْقَهَا، أَيْ أَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: تُوصَفُ بِالشُّؤْمِ، أَيْ إِنَّهَا تَحْلِقُ قَوْمَهَا وَتَعْقِرُهُمْ. وَيُقَالُ عَقَّرْتُ الرَّجُلَ، إِذَا قُلْتُ لَهُ: عَقْرَى حَلْقَى. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ: " مَا نَتَشْتُ الرُّقْعَةَ وَلَا عَقَرْتُهَا " أَيْ وَلَا أَتَيْتُ عَلَيْهَا. وَالرُّقْعَةُ: الْكَلَأُ الْمُتَلَبِّدُ. يُقَالُ كَلَؤُهَا يُنْتَشُ وَلَا يُعْقَرُ.
وَيَقُولُونَ: عُقَرَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ، عَلَى وَزْنِ تُخَمَةٍ، أَيْ إِنَّهُ يَعْقِرُهُ. وَأَخْلَاطُ الدَّوَاءِ يُقَالُ لَهَا الْعَقَاقِيرُ، وَاحِدُهَا عَقَّارٌ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عَقَرَ الْجَوْفَ. وَيُقَالُ الْعَقَرُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ الرَّوْعِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْرَحَ، وَتُسْلِمُهُ رِجْلَاهُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: سَرْجٌ مِعْقَرٌ، وَكَلْبٌ عَقُورٌ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: كَلْبٌ عَقُورٌ، وَسَرْجٌ عُقَرَةٌ وَمِعْقَرٌ. قَالَ الْبَعِيثُ:
أَلَحَّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ قَتْبٌ عُقَرْ

(4/93)


وَيُقَالُ سَرْجٌ مِعْقَرٌ وَعَقَّارٌ وَمِعْقَارٌ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْعَقْرُ الْقَصْرُ الَّذِي يَكُونُ مُعْتَمَدًا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ يَلْجَؤُونَ إِلَيْهِ. قَالَ لَبِيدٌ:
كَعَقْرِ الْهَاجِرِيِّ إِذِ ابْتَنَاهُ ... بِأَشْبَاهٍ حُذِينَ عَلَى مِثَالِ
الْأَشْبَاهُ: الْآجُرُّ ; لِأَنَّهَا مَضْرُوبَةٌ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَقْرُ كُلُّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: عُقَرُ الدَّارِ: مَحَلَّةُ الْقَوْمِ بَيْنَ الدَّارِ وَالْحَوْضِ، كَانَ هُنَاكَ بِنَاءً أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَأَنْشَدَ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ:
أَزْمَانَ سُقْنَاهُمُ عَنْ عُقْرِ دَارِهِمْ ... حَتَّى اسْتَقَرَّ وَأَدْنَاهُمْ لَحَوْرَانَا
قَالَ: وَالْعُقْرُ أَصْلُ كُلِّ شَيْءٍ. وَعُقْرُ الْحَوْضِ: مَوْقَفُ الْإِبِلِ إِذَا وَرَدَتْ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بِأَعْقَارِهِ الْقِرْدَانُ هَزْلَى كَأَنَّهَا نَوَادِرُ صَيْصَاءِ الْهَبِيدِ الْمُحَطَّمِ
يَعْنِي أَعْقَارَ الْحَوْضِ. وَقَالَ فِي عُقْرِ الْحَوْضِ:
فَرَمَاهَا فِي فَرَائِصِهَا مِنْ إِزَاءِ الْحَوْضِ أَوْ عُقُرِهِ
وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ عُقْرِ الْحَوْضِ عَقِرَةٌ، وَلِلَّتِي تَشَرَبُ مِنْ إِزَائِهِ أَزِيَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ عُقْرُ النَّارِ: مُجْتَمَعُ جَمْرِهَا. قَالَ:

(4/94)


وَفِي قَعْرِ الْكِنَانَةِ مُرْهَفَاتٌ ... كَأَنَّ ظُبَاتِهَا عُقُرٌ بَعِيجُ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَقَارُ: ضَيْعَةُ الرَّجُلِ، وَالْجَمْعُ الْعَقَارَاتُ. يُقَالُ لَيْسَ لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَقَارُ هُوَ الْمَتَاعُ الْمَصُونُ، وَرَجُلٌ مُعْقِرٌ: كَثِيرُ الْمَتَاعِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُتَيْبِيُّ: الْعُقَيْرَى اسْمٌ مَبْنِيٌّ مِنْ عُقْرِ الدَّارِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: " «سَكِّنِي عُقَيْرَاكِ فَلَا تُصْحِرِيهَا» "، تُرِيدُ الْزَمِي بَيْتَكِ.
وَمِمَّا شُبِّهَ بِالْعَقْرِ، وَهُوَ الْقَصْرُ، الْعَقْرُ: غَيْمٌ يَنْشَأُ مِنْ قِبَلِ الْعَيْنِ فَيَغْشَى عَيْنَ الشَّمْسِ وَمَا حَوْلَهَا. قَالَ حُمَيْدٌ:
فَإِذَا احْزَأَلَّتْ فِي الْمُنَاخِ رَأَيْتَهَا كَالْعَقْرِ أَفْرَدَهُ الْعَمَاءُ الْمُمْطِرُ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْخَمْرَ تُسَمَّى عُقَارًا لِأَنَّهَا عَاقَرَتِ الدَّنَّ، أَيْ لَازَمَتْهُ. وَالْعَاقِرُ مِنَ الرَّمْلِ: مَا يُنْبِتُ شَيْئًا كَأَنَّهُ طَحِينٌ مَنْخُولٌ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي.
وَقَدْ بَقِيَتْ أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ لَعَلَّهَا تَكُونُ مُشْتَقَّةً مِنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
مِنْ ذَلِكَ عَقَارَاءُ: مَوْضِعٌ، قَالَ حُمَيْدٌ:
رَكُودُ الْحُمَيَّا طَلَّةٌ شَابَ مَاءَهَا ... بِهَا مِنْ عَقَارَاءِ الْكُرُومِ رَبِيبُ

(4/95)


وَالْعَقْرُ: مَوْضِعٌ بِبَابِلَ، قُتِلَ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، يُقَالُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمُ الْعَقْرِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فَخَرْتَ بِيَوْمِ الْعَقْرِ شَرْقِيَّ بَابِلٍ وَقَدْ جَبُنَتْ فِيهِ تَمِيمٌ وَقَلَّتِ
وَعَقْرَى: مَاءٌ. قَالَ:
أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنَّ خَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَقْرَى فَوْقَ إِحْدَى الرَّوَاحِلِ

(عَقَزَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالزَّاءُ بِنَاءٌ لَيْسَ يُشْبِهُ كَلَامَ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالسِّينُ، وَالْقَافُ وَالشِّينُ، مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْعَقْشُ: بَقْلَةٌ أَوْ نَبْتٌ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

(عَقَصَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ فِي شَيْءٍ قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَقَصُ: الْتِوَاءٌ فِي قَرْنِ التَّيْسِ وَكُلِّ قَرْنٍ. يُقَالُ كَبْشٌ أَعْقَصُ، وَشَاةٌ عَقْصَاءُ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَقَصُ: كَزَازَةُ الْيَدِ وَإِمْسَاكُهَا عَنِ الْبَذْلِ. يُقَالُ: هُوَ عَقِصُ الْيَدَيْنِ وَأَعْقَصُ الْيَدَيْنِ، إِذَا كَانَ كَزًّا بَخِيلًا.
قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْعَقِصُ مِنَ الرِّجَالِ: الْمُلْتَوِي الْمُمْتَنِعُ الْعَسِرُ، وَجَمْعُهُ أَعْقَاصٌ.
قَالَ:
مَارَسْتُ نَفْسًا عَقِصًا مِرَاسُهَا

(4/96)


قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَقْصُ: أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ خُصْلَةٍ مِنْ شَعْرٍ فَتَلْوِيَهَا ثُمَّ تَعْقِدَهَا حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ، ثُمَّ تُرْسِلَهَا. وَكُلُّ خُصْلَةٍ عَقِيصَةٌ، وَالْجَمْعُ عَقَائِصُ وَعِقَاصٌ. وَيُقَالُ عَقَصَ شَعْرَهُ، إِذَا ضَفَرَهُ وَفَتَلَهُ. [وَيُقَالُ] الْعَقْصُ أَنْ يَلْوِيَ الشَّعْرَ عَلَى الرَّأْسِ وَيُدْخِلَ أَطْرَافَهُ فِي أُصُولِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَرْنٌ أَعْقَصُ. وَيُقَالُ لِكُلِّ لِيَّةٍ عِقْصَةٌ وَعَقِيصَةٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى الْعُلَى ... تَضِلُّ الْعِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
وَيُقَالُ: الْعِقَاصُ الْخَيْطُ تُعْقَصُ بِهِ أَطْرَافُ الذَّوَائِبِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَقِصُ مِنَ الرِّمَالِ: رَمْلٌ لَا طَرِيقَ فِيهِ. قَالَ:
كَيْفَ اهْتَدَتْ وَدُونَهَا الْجَزَائِرُ ... وَعَقِصٌ مِنْ عَالِجٍ تَيَاهِرُ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمِعْقَصُ: سَهْمٌ يَنْكَسِرُ نَصْلُهُ وَيَبْقَى سِنْخُهُ، فَيُخْرَجُ وَيُضْرَبُ أَصْلُ النَّصْلِ حَتَّى يَطُولَ وَيُرَدُّ إِلَى مَوْضِعِهِ فَلَا يُسَدُّ الثُّقْبَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ دُقِّقَ; مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّاةِ الْعَقْصَاءِ.
وَمِنَ الْحَوَايَا وَاحِدَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعُقَيْصَاءُ. وَيَقُولُونَ: الْعَقِصُ: عُنُقُ الْكَرِشِ. وَأَنْشَدَ:

(4/97)


هَلْ عِنْدَكُمْ مِمَّا أَكَلْتُمْ أَمْسِ ... مِنْ فَحِثٍ أَوْ عَقِصٍ أَوْ رَأْسِ
وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
تَضِلُّ الْعِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
هِيَ الْمَرْأَةُ رُبَّمَا اتَّخَذَتْ عَقِيصَةً مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا تَضِلُّ فِي رَأْسِهَا. وَيُقَالُ: إِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا كَثِيرَةُ الشَّعْرِ، فَمَا عُقِصَ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِي جَمِيعِهِ، لِكَثْرَةِ مَا يَبْقَى.

(عَقَفَ) الْعَيْنُ وَالْقَافُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عَطْفِ شَيْءٍ وَحَنْيِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَقَفْتُ الشَّيْءَ فَأَنَا أَعْقِفُهُ عَقْفًا، وَهُوَ مَعْقُوفٌ، إِذَا عَطَفْتُهُ وَحَنَوْتُهُ. وَانْعَقَفَ هُوَ انْعِقَافًا، مِثْلُ انْعَطَفَ. وَالْعُقَّافَةُ كَالْمِحْجَنِ. وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ انْحِنَاءٌ فَهُوَ أَعْقَفُ. وَيُقَالُ لِلْفَقِيرِ أَعْقَفُ، وَلَعَلَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْحِنَائِهِ وَذِلَّتِهِ. قَالَ:
يَا أَيُّهَا الْأَعْقَفُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... لَا نِعْمَةً [تَبْتَغِي] عِنْدِي وَلَا نَشَبَا
وَالْعُقَافُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الشَّاةَ فِي قَوَائِمِهَا حَتَّى تَعْوَجَّ، يُقَالُ شَاةٌ عَاقِفٌ وَمَعْقُوفَةُ الرِّجْلَيْنِ. وَرُبَّمَا اعْتَرَى كُلَّ الدَّوَابِّ، وَكُلٌّ أَعْقَفُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَمِنْ ضُرُوعِ الْبَقَرِ عَقُوفٌ، وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُ شَخْبُهُ عِنْدَ الْحَلَبِ. وَيُقَالُ: أَعْرَابِيٌّ أَعْقَفُ،

(4/98)


أَيْ مُحَرَّمٌ جَافٍ لَمْ يَلِنْ بَعْدُ، وَكَأَنَّهُ مُعَوَّجٌ بَعْدُ لَمْ يَسْتَقِمْ. وَالْبَعِيرُ إِذَا كَانَ فِيهِ جَنَأٌ فَهُوَ أَعْقَفُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا فِي الثُّلَاثِيِّ]
(عَكَلَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَضَمٍّ.
قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ عَكَلَ السَّائِقُ الْإِبِلَ يَعْكِلُ عَكْلًا، إِذَا ضَمَّ قَوَاصِيَهَا وَجَمَعَهَا. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَهُمُ عَلَى شَرَفِ الْأَمِيلِ تَدَارَكُوا ... نَعَمًا تُشَلُّ إِلَى الرَّئِيسِ وَتُعْكَلُ
وَيُقَالُ عَكَلْتُ الْإِبِلَ: حَبَسْتُهَا. وَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتُهُ فَقَدَ عَكَلْتُهُ. وَالْعَوْكَلُ: ظَهْرُ الْكَثِيبِ الْمُجْتَمِعِ. قَالَ:
بِكُلِّ عَقَنْقَلٍ أَوْ رَأْسِ بَرْثٍ ... وَعَوْكَلِ كُلِّ قَوْزٍ مُسْتَطِيلِ
وَيُقَالُ: الْعَوْكَلَةُ: الْعَظِيمَةُ مِنَ الرَّمْلِ. قَالَ:
وَقَدْ قَابَلَتْهُ عَوْكَلَاتٌ عَوَازِلٌ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَوْكَلَ الْمَرْأَةُ الْحَمْقَاءُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْلِ الْمُجْتَمِعِ، لِأَنَّهُ

(4/99)


لَا يَزَالُ يَنْهَالُ، فَالْمَرْأَةُ الْقَلِيلَةُ التَّمَاسُكِ مُشَبَّهَةٌ بِذَلِكَ، كَمَا مَرَّ فِي تُرْبِ الْعَقِدِ. وَيُقَالُ: الْعَوْكَلُ مِنَ الرِّجَالِ: الْقَصِيرُ. وَذَلِكَ بِمَعْنَى التَّجَمُّعِ. قَالَ:
لَيْسَ بِرَاعِي نَعَجَاتٍ عَوْكَلِ
وَيُقَالُ: إِبِلٌ مَعْكُولَةٌ، أَيْ مَحْبُوسَةٌ مَعْقُولَةٌ. وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ. وَعُكْلٌ: قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَكَلْتُ الْمَتَاعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، إِذَا نَضَدْتُهُ.

(عَكَمَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمٍّ وَجَمْعٍ لِشَيْءٍ فِي وِعَاءٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ عَكَمْتُ الْمَتَاعَ أَعْكِمُهُ عَكْمًا، إِذَا جَمَعْتَهُ فِي وِعَاءٍ. وَالْعِكْمَانُ: الْعِدْلَانِ يُشَدَّانِ مِنْ جَانِبِي الْهَوْدَجِ. قَالَ:
يَا رَبِّ زَوِّجْنِي عَجُوزًا كَبِيرَةً ... فَلَا جَدَّ لِي يَا رَبِّ بِالْفَتَيَاتِ
تُحَدِّثُنِي عَمَّا مَضَى مِنْ شَبَابِهَا ... وَتُطْعِمُنِي مِنْ عِكْمِهَا تَمَرَاتِ
وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ لِلْمُتَسَاوِيَيْنِ: " وَقَعَا كَالْعِكْمَيْنِ ". وَأَعْكَمْتُ الرَّجُلَ: أَعَنْتُهُ عَلَى حَمْلِ عِكْمِهِ. وَعَاكَمْتُهُ: حَمَلْتُ مَعَهُ. قَالَ الْقُطَامِيُّ فِي أَعْكَمَ:
إِذَا وَكَّرَتْ مِنْهَا قَطَاةٌ سِقَاءَهَا ... فَلَا تُعْكِمُ الْأُخْرَى وَلَا تَسْتَعِينُهَا

(4/100)


أَيْ إِنَّهَا تَحْمِلُ الْمَاءَ إِلَى فِرَاخِهَا فِي حَوَاصِلِهَا، فَإِذَا مَلَأَتْ حَوْصَلَتَهَا لَمْ تُعِنِ الْقَطَاةَ الْأُخْرَى عَلَى حَمْلِهَا.
وَتَقُولُ: أَعْكِمْنِي، أَيْ أَعِنِّي عَلَى حَمْلِ الْعِكْمِ. فَإِنْ أَمَرْتَهُ بِحَمْلِهِ قُلْتَ: إِعْكِمْنِي مَكْسُورَةَ الْأَلِفِ إِنِ ابْتَدَأْتَ، وَمُدَرَّجَةً إِنْ وَصَلْتَ. كَمَا تَقُولُ أَبْغِنِي ثَوْبًا، أَيْ أَعِنِّي عَلَى طَلَبِهِ.
وَيُقَالُ عَكَمَتِ النَّاقَةُ وَغَيْرُهَا: حَمَلَتْ شَحْمًا عَلَى شَحْمٍ، وَسِمَنًا عَلَى سِمَنٍ. وَاعْتَكَمَ الشَّيْءُ وَارْتَكَمَ، بِمَعْنًى.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَكَمَ عَنْهُ، إِذَا عَدَلَ جُبْنًا، فَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّ الْفَزِعَ إِلَى جَانِبٍ يَتَضَامُّ. وَقَالَ:
وَلَاحَتْهُ مِنْ بَعْدِ الْوُرُودِ ظَمَاءَةٌ وَلَمْ يَكُ عَنْ وَرْدِ الْمِيَاهِ عَكُومًا أَيْ لَمْ يَنْصَرِفْ وَلَمْ يَتَضَامَّ إِلَى جَانِبٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:
فَجَالَ فَلَمْ يَعْكِمْ وَشَيَّعَ إِلْفَهُ بِمُنْقَطَعِ الْغَضْرَاءِ شَدٌّ مُوَالِفُ
فَقَوْلُهُ: " لَمْ يَعْكِمْ " مَعْنَاهُ لَمْ يَكُرَّ، لِأَنَّ الْكَارَّ عَلَى الشَّيْءِ مُتَضَامٌّ إِلَيْهِ.
وَيُقَالُ: مَا عَكَمَ عَنْ شَتْمِي، أَيْ مَا انْقَبَضَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَعْكَمٍ ... أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَرِّمِ

(4/101)


يُرِيدُ بِمَعْكِمٍ: الْمَعْدِلَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخَلِيلِ يُقَالُ لِلدَّابَّةِ إِذَا شَرِبَتْ فَامْتَلَأَ بَطْنُهَا: مَا بَقِيَتْ فِي جَوْفِهَا هَزْمَةٌ وَلَا عَكْمَةٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِالْعَكْمَةِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَرْوَى. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. قَالَ:
حَتَّى إِذَا مَا بَلَّتِ الْعُكُومَا مِنْ قَصَبِ الْأَجْوَافِ وَالْهُزُومَا وَمِنَ الْبَابِ: رَجُلٌ مُعَكَّمٌ، أَيْ صُلْبُ اللَّحْمِ.

(عَكَنَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُكَنُ: جَمْعُ عُكْنَةٍ، وَهِيَ الطَّيُّ فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ مِنَ السِّمَنِ. وَلَوْ قِيلَ جَارِيَةٌ عَكْنَاءُ لَجَازَ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مُعَكَّنَةٌ. وَيُقَالُ تَعَكَّنَ الشَّيْءُ تَعَكُّنًا، إِذَا ارْتَكَمَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ الْأَعْشَى:
إِلَيْهَا وَإِنْ فَاتَهُ شُبْعَةٌ تَأَتَّى لِأُخْرَى عَظِيمُ الْعُكَنْ
وَمِنَ الْبَابِ: النَّعَمُ الْعَكَنَانُ: الْكَثِيرُ الْمُجْتَمِعُ، وَيُقَالُ عَكْنَانٌ بِسُكُونِ الْكَافِ أَيْضًا. قَالَ:
وَصَبَّحَ الْمَاءَ بِوِرْدٍ عَكْنَانٌ
قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: نَاقَةٌ عَكْنَاءُ، إِذَا غَلُظَتْ ضَرَّتُهَا وَأَخْلَافُهَا.

(4/102)


(عَكَوَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ وَغِلَظٍ أَيْضًا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
الْعَكْوَةُ: أَصْلُ الذَّنَبِ. وَعَكَوْتَ ذَنَبَ الدَّابَّةِ، إِذَا عَطَفْتَ الذَّنَبَ عِنْدَ الْعَُكْوَةِ وَعَقَدْتَهُ. وَيُقَالُ: عَكَتِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا: ضَفَّرَتْهُ. وَرُبَّمَا قَالُوا: عَكَا عَلَى قِرْنِهِ، مِثْلُ عَكَرَ وَعَطَفَ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجَمْعُ عَُكْوَةِ الذَّنَبِ عُكًى قَالَ:
حَتَّى تُوَلِّيَكَ عُكَى أَذْنَابِهَا وَيُقَالُ لِلشَّاةِ الَّتِي ابْيَضَّ مُؤَخَّرُهَا وَسَائِرُهَا أَسْوَدُ: عَكْوَاءُ. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْهَا عِنْدَ الْعَُكْوَةِ. فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
لَا يَعِكُونَ بِالْأُزُرِ
فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَشْرَافٌ وَثِيَابُهُمْ نَاعِمَةٌ، فَلَا يَظْهَرُ لِمَعَاقِدِ أُزُرِهِمْ عُكًى. وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إِذَا عَقَدَ ثَوْبَهُ فَقَدْ عَكَاهُ وَجَمَعَهُ. وَيُقَالُ: عَكَتِ النَّاقَةُ: غَلُظَتْ. وَنَاقَةٌ مِعْكَاءٌ، أَيْ غَلِيظَةٌ شَدِيدَةٌ.

(عَكَبَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ

(4/103)


مِنَ الْبَابِ
الَّذِي قَبْلَهُ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ أَيْضًا. يُقَالُ: لِلْإِبِلِ عُكُوبٌ عَلَى الْحَوْضِ، أَيِ ازْدِحَامٌ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَكَبُ: غِلَظٌ فِي لَحْيِ الْإِنْسَانِ. وَأَمَةٌ عَكْبَاءُ: عِلْجَةٌ جَافِيَةُ الْخُلُقِ، مِنْ آمٍ عُكْبٍ. وَيُقَالُ عَكَبَتْ حَوْلَهُمُ الطَّيْرُ، أَيْ تَجَمَّعَتْ، فَهِيَ عُكُوبٌ. قَالَ:
تَظَلُّ نُسُورٌ مِنْ شَمَامِ عَلَيْهِمَا ... عُكُوبًا مَعَ الْعِقْبَانِ عَقِبَانِ يَذْبُلِ
وَيُقَالُ الْعَكَبُ: عِوَجُ إِبْهَامِ الْقَدَمِ، وَذَلِكَ كَالْوَكَعِ. وَهُوَ مِنَ التَّضَامِّ أَيْضًا. وَقَالَ قَوْمٌ: رَجُلٌ أَعْكَبُ، وَهُوَ الَّذِي تَدَانَتْ أَصَابِعُ رِجْلِهِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَكُوبُ: الْغُبَارُ الَّذِي تُثِيرُ الْخَيْلُ. وَبِهِ سُمِّي عُكَابَةُ ابْنُ صَعْبٍ. قَالَ بِشْرٌ:
نَقَلْنَاهُمْ نَقْلَ الْكِلَابِ جِرَاءَهَا ... عَلَى كُلِّ مَعْلُوبٍ يَثُورُ عَكُوبُهَا
وَالْغُبَارُ عَكُوبٌ لِتَجَمُّعِهِ أَيْضًا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْعُكَابُ: الدُّخَانُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: رَجُلٌ عِكَبٌّ، أَيْ قَصِيرٌ. وَكُلُّ قَصِيرٍ مُجْتَمَعُ الْخُلُقِ.
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْبَانِيِّ: يُقَالُ: قَدْ ثَارَ عَكُوبُهُ، وَهُوَ الصَّخَبُ وَالْقِتَالُ، فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى تَشْبِيهِ مَا ثَارَ: الْغُبَارُ الثَّائِرُ وَالدُّخَانُ. وَأَنْشَدَ:
لَبَيْنَمَا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ نُصَبِّحَكُمْ ... إِذْ ثَارَ مِنْكُمْ بِنِصْفِ اللَّيْلِ عَكُّوبُ
وَالتَّشْدِيدُ الَّذِي تَرَاهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ.

(4/104)


(عَكَدَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَالْعُكْدَةُ: أَصْلُ اللِّسَانِ. وَيُقَالُ اعْتَكَدَ الشَّيْءَ، إِذَا لَزِمَهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ عَكَدَةِ اللِّسَانِ. فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
سَيَصْلَى بِهِ الْقَوْمُ الَّذِينَ عُنُوا بِهَا ... وَإِلَّا فَمَعْكُودٌ لَنَا أُمُّ جُنْدُبِ
فَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ لَنَا مُعَدٌّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَأُمُّ جُنْدُبٍ: الْغَشْمُ وَالظُّلْمُ. وَيُقَالُ لِأَصْلِ الْقَلْبِ عَكَدَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ عَكَدَ الضَّبُّ عَكَدًا، إِذَا سَمِنَ وَغَلُظَ لَحْمُهُ. قَالَ: وَالْعَكْدُ بِمَنْزِلَةِ الْكِدْنَةِ، وَهِيَ السِّمَنُ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَكَدَ فِي النَّبَاتِ غِلَظُهُ وَكَثْرَتُهُ. وَشَجَرٌ عَكِدٌ، أَيْ يَابِسٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَنَاقَةٌ عَكِدَةٌ: مُتَلَاحِمَةٌ سِمَنًا. وَيُقَالُ: اسْتَعْكَدَ الضَّبُّ، إِذَا لَاذَ بِحَجَرٍ أَوْ جُحْرٍ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
إِذَا اسْتَعْكَدَتْ مِنْهُ بِكُلِّ كُدَايَةٍ ... مِنَ الصَّخْرِ وَافَاهَا لَدَى كُلِّ مَسْرَحِ
وَعُكِدَ مِثْلَ حُبِسَ. وَالشَّيْءُ الْمُعَدُّ مَعْكُودٌ.

(عَكَرَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ التَّجَمُّعِ وَالتَّرَاكُمِ. يُقَالُ اعْتَكَرَ اللَّيْلُ، إِذَا اخْتَلَطَ سَوَادُهُ. قَالَ:

(4/105)


تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْنَا وَاعْتَكَرْ
وَيُقَالُ اعْتَكَرَ الْمَطَرُ بِالْمَكَانِ، إِذَا اشْتَدَّ وَكَثُرَ. وَاعْتَكَرَتِ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ، إِذَا جَاءَتْ بِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَكِرُ. دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. يُقَالُ عَكِرَ الشَّرَابُ يَعْكِرُ عَكَرًا. وَعَكَّرْتُهُ أَنَا جَعَلْتُ فِيهِ عَكَرًا.
وَمِنَ الْبَابِ عَكَرَ عَلَى قِرْنِهِ، أَيْ عَطَفَ; لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ فَهُوَ كَالْمُتَضَامِّ إِلَيْهِ. قَالَ:
يَازِمْلُ إِنِّي إِنْ تَكُنْ لِي حَادِيًا ... أَعْكِرْ عَلَيْكَ وَإِنْ تَرُغْ لَا نَسْبِقِ
وَيُقَالُ: لَيْسَ لَهُ مَعْكِرٌ، أَيْ مَرْجِعٌ وَمَعْطِفٌ. وَيُقَالُ: الْمَعْكِرُ: أَصْلُ الشَّيْءِ. وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَضَامُّ إِلَى أَصْلِهِ. وَرَجَعَ فُلَانٌ إِلَى عِكْرِهِ، أَيْ أَصْلِهِ. وَيَقُولُونَ: " عَادَتْ لِعِكْرِهَا لَمِيسُ ". وَمِنَ الْبَابِ. الْعَكَرُ: الْقَطِيعُ الضَّخْمُ مِنَ الْإِبِلِ فَوْقَ الْخَمْسِمِائَةِ. قَالَ:
فِيهِ الصَّوَاهِلُ وَالرَّايَاتُ وَالْعَكَرُ
وَيُقَالُ لِلْقِطْعَةِ عَكَرَةٌ، وَالْجَمْعُ عَكَرٌ، وَرُبَّمَا زَادُوا فِي أَعْدَادِ الْحُرُوفِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، يُقَالُ: الْعَكَرْكَرُ: اللَّبَنُ الْغَلِيظُ. قَالَ:
فَجَاءَهُمْ بِاللَّبَنِ الْعَكَرْكَرِ ... عِضٌّ لَئِيمُ الْمُنْتَمَى وَالْمَفْخَرِ

(4/106)


وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَعَاكَرَ الْقَوْمُ: اخْتَلَطُوا فِي خُصُومَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.

(عَكِزَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَقْرُبُ مِنَ الْبَابِ قَبْلَهُ. قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: الْعَكْزُ: التَّقَبُّضُ. يُقَالُ عَكِزَ يَعْكَزُ عَكْزًا. فَأَمَّا الْعُكَّازَةُ فَأَظُنُّهَا عَرَبِيَّةٌ، وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ تَتَجَمَّعُ عَلَيْهَا إِذَا قَبَضَتْ. وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ.

(عَكِسَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّجَمُّعِ وَالْجَمْعِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَكِيسُ مِنَ اللَّبَنِ: الْحَلِيبُ تُصَبُّ عَلَيْهِ الْإِهَالَةُ. قَالَ:
فَلَمَّا سَقَيْنَاهَا الْعَكِيسَ تَمَلَّأَتْ ... مَذَاخِرُهَا وَارْفَضَّ رَشْحًا وَرِيدُهَا
الْمَذَاخِرُ: الْأَمْعَاءُ الَّتِي تَذْخَرُ الطَّعَامَ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَكْسُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ رَدُّكَ آخِرَ الشَّيْءِ، عَلَى أَوَّلِهِ، وَهُوَ كَالْعَطْفِ. وَيُقَالُ تَعَكَّسَ فِي مِشْيَتِهِ. وَيُقَالُ الْعَكْسُ: عَقْلُ يَدِ الْبَعِيرِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عُنُقِهِ، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ. وَيُقَالُ: " مِنْ دُونِ ذَلِكَ الْأَمْرِ عِكَاسٌ "، أَيْ تَرَادٌّ وَتَرَاجُعٌ.

(عَكِشَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنَ التَّجَمُّعِ. يُقَالُ عَكِشَ شَعْرُهُ إِذَا تَلَبَّدَ. وَشَعْرٌ مُتَعَكِّشٌ

(4/107)


وَقَدْ تَعَكَّشَ. قَالَ دُرَيْدٌ:
تَمَنَّيْتَنِي قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ سَفَاهَةً ... وَأَنْتَ امْرُؤٌ لَا تَحْتَوِيكَ الْمَقَانِبُ
وَأَنْتَ امْرُؤٌ جَعْدُ الْقَفَا مُتَعَكِّشٌ ... مِنَ الْأَقِطِ الْحَوْلِيِّ شَبْعَانُ كَانِبُ
وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
إِذْ تَسْتَبِيكَ بِفَاحِمٍ مُتَعَكِّشٍ ... فُلَّتْ مَدَارِيهِ أَحَمُّ رَفَالُ
وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي النَّبَاتِ. يُقَالُ: نَبَاتٌ عَكِشٌ، إِذَا الْتَفَّ. وَقَدْ عَكِشَ عَكَشًا. وَالَّذِي ذُكِرَ فِي الْبَابِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا كُلِّهِ.
وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ أَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ مُهْمَلٌ. وَقَدْ يَشِذُّ عَنِ الْعَالِمِ الْبَابُ مِنَ الْأَبْوَابِ. وَالْكَلَامُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

(عَكِصَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالصَّادُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مَعْنًى، هِيَ الشِّدَّةُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: رَجُلٌ عَكِصٌ، أَيْ شَدِيدُ الْخُلُقِ سَيِّئُهُ. وَعَكَصُ الرَّمْلِ: شِدَّةُ وُعُوثَتِهِ. يُقَالُ رَمَلَةٌ عَكِصَةٌ.

(عَكَفَ) الْعَيْنُ وَالْكَافُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَحَبْسٍ، يُقَالُ: عَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ عُكُوفًا، وَذَلِكَ إِقْبَالُكَ عَلَى الشَّيْءِ لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ. قَالَ:
فَهُنَّ يَعْكُفْنَ بِهِ إِذَا حَجَا ... عَكَفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الْفَنْزَجَا

(4/108)


وَيُقَالُ عَكَفَتِ الطَّيْرُ بِالْقَتِيلِ. قَالَ عَمْرٌو:
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ ... مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونًا
وَالْعَاكِفُ: الْمُعْتَكِفُ. وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِلنَّظْمِ إِذَا نُظِمَ فِيهِ الْجَوْهَرُ: عُكِّفَ تَعْكِيفًا. قَالَ:
وَكَأَنَّ السُّمُوطَ عَكَّفَهَا السِّلْ ... كُ بِعِطْفَيْ جَيْدَاءَ أُمِّ غَزَالِ
وَالْمَعْكُوفُ: الْمَحْبُوسُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: مَا عَكَفَكَ مِنْ كَذَا، أَيْ مَا حَبَسَكَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] .

[بَابُ الْعَيْنِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَلَمَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى أَثَرٍ بِالشَّيْءِ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ.
مِنْ ذَلِكَ الْعَلَامَةُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. يُقَالُ: عَلَّمْتُ عَلَى الشَّيْءِ عَلَامَةً. وَيُقَالُ: أَعْلَمَ الْفَارِسُ، إِذَا كَانَتْ لَهُ عَلَامَةٌ فِي الْحَرْبِ. وَخَرَجَ فُلَانٌ مُعْلِمًا بِكَذَا. وَالْعَلَمُ: الرَّايَةُ، وَالْجَمْعُ أَعْلَامٌ. وَالْعَلَمُ: الْجَبَلُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ مَعْلَمًا: خِلَافُ الْمَجْهَلِ. وَجَمْعُ الْعَلَمِ أَعْلَامٌ أَيْضًا. قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
وَالْعَلَمُ: الشَّقُّ فِي الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَالرَّجُلُ أَعْلَمُ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ كَالْعَلَامَةِ

(4/109)


بِالْإِنْسَانِ. وَالْعُلَّامُ فِيمَا يُقَالُ: الْحِنَّاءُ; وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا خُضِّبَ بِهِ فَذَلِكَ كَالْعَلَامَةِ. وَالْعِلْمُ: نَقِيضُ الْجَهْلِ، وَقِيَاسُهُ قِيَاسُ الْعَلَمِ وَالْعَلَامَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ قِيَاسٍ وَاحِدٍ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ: " وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ "، قَالُوا: يُرَادُ بِهِ نُزُولُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّ بِذَلِكَ يُعْلَمُ قُرْبُ السَّاعَةِ. وَتَعَلَّمْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَخَذْتُ عِلْمَهُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَعَلَّمْ أَنَّهُ كَانَ كَذَا، بِمَعْنَى اعْلَمْ. قَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ:
تَعَلَّمْ أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيَّا ... عَلَى جَفْرِ الْهَبَاءَةِ لَا يَرِيمُ
وَالْبَابُ كُلُّهُ قِيَاسٌ وَاحِدٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَالَمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنَ الْخَلْقِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَعْلَمٌ وَعَلَمٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْعَالَمُ سُمِّيَ لِاجْتِمَاعِهِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] ، قَالُوا: الْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ. وَأَنْشَدُوا:
مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْ ... تُ بِمَثَلِهِمْ فِي الْعَالَمِينَا
وَقَالَ فِي الْعَالَمِ:
فَخِنْدِفٌ هَامَّةُ هَذَا الْعَالَمِ

(4/110)


وَالَّذِي قَالَهُ الْقَائِلُ فِي أَنَّ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ وَالِاجْتِمَاعِ فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْعَيْلَمَ، فَيُقَالُ إِنَّهُ الْبَحْرُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ الْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ.

(عَلَنَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِظْهَارِ الشَّيْءِ وَالْإِشَارَةِ [إِلَيْهِ] وَظُهُورِهِ. يُقَالُ عَلَنَ الْأَمْرُ يَعْلُنُ. وَأَعْلَنْتُهُ أَنَا. وَالْعِلَانُ: الْمُعَالَنَةُ.

(عَلِهَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ عَيْنًا; لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْأَلَهِ [وَالْوَلَهِ] . وَهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، يَشْتَمِلُ عَلَى حَيْرَةٍ وَتَلَدُّدٍ وَتَسَرُّعٍ وَمَجِيءٍ وَذَهَابٍ، لَا تَخْلُو مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي.
قَالَ الْخَلِيلُ: عَلِهَ الرَّجُلُ يَعْلَهُ عَلَهًا فَهُوَ عَلْهَانُ، إِذَا نَازَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى شَيْءٍ، وَهُوَ دَائِمُ الْعَلَهَانِ. قَالَ:
أَجَدَّتْ قَرُونِي وَانْجَلَتْ بَعْدَ حِقْبَةٍ ... عَمَايَةُ قَلْبٍ دَائِمِ الْعَلَهَانِ
وَمِنَ الْبَابِ: عَلِهَ، إِذَا اشْتَدَّ جُوعُهُ، وَالْجَائِعُ عَلْهَانُ، وَالْمَرْأَةُ عَلْهَى، وَالْجَمْعُ عِلَاهٌ وَعَلَاهَى. يُقَالُ عَلِهْتَ إِلَى الشَّيْءِ، إِذَا تَاقَتْ نَفْسُكَ إِلَيْهِ. وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
عَلِهْنَ فَمَا نَرْجُو حَنِينًا لِحُرَّةٍ ... هِجَانٍ وَلَا نَبْنِي خِبَاءً لِأَيِّمِ
كَأَنَّهُ يُرِيدُ: تَحَيَّرْنَ فَلَا اسْتِقْرَارَ لَهُنَّ. قَالُوا: وَالْعَلْهَانُ وَالْعَالِهُ: الظَّلِيمُ.

(4/111)


وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ مِنَ الْقِيَاسِ. وَمِنَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَلَهَ: التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ كَالْحَيْرَةِ، قَوْلُ لَبِيدٍ يَصِفُ بَقَرَةً:
عَلِهَتْ تَبَلَّدَ فِي نِهَاءِ صُعَائِدٍ ... سَبْعًا تُؤَامًا كَامِلًا أَيَّامُهَا
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ يَصِفُ الْفَرَسَ بِنَشَاطٍ وَطَرَبٍ:
مِنْ كُلِّ عَلْهَى فِي اللِّجَامِ جَائِلُ
وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُشْتَقَّةً مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْعَلْهَانِ: اسْمُ فَرَسٍ لِبَعْضِ الْعَرَبِ. قَالَ جَرِيرٌ:
شَبَثٌ فَخَرْتُ بِهِ عَلَيْكَ وَمَعْقِلٌ ... وَبِمَالِكٍ وَبِفَارِسِ الْعَلْهَانِ

(عَلَوَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَاءً كَانَ أَوْ وَاوًا أَوْ أَلِفًا، أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى السُّمُوِّ وَالِارْتِفَاعِ، لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ. وَمِنْ ذَلِكَ الْعَلَاءُ وَالْعُلُوُّ. وَيَقُولُونَ: تَعَالَى النَّهَارُ، أَيِ ارْتَفَعَ. وَيُدْعَى لِلْعَاثِرِ: لَعًا لَكَ عَالِيًا! أَيِ ارْتَفِعْ فِي عَلَاءٍ وَثَبَاتٍ. وَعَالَيْتُ الرَّجُلَ فَوْقَ الْبَعِيرِ: عَالَيْتُهُ. قَالَ:
وَإِلَّا تَجَلَّلْهَا يُعَالُوكَ فَوْقَهَا ... وَكَيْفَ تَوَقَّى ظَهْرَ مَا أَنْتَ رَاكِبُهْ

(4/112)


قَالَ الْخَلِيلُ: أَصْلُ هَذَا الْبِنَاءِ الْعُلُوُّ. فَأَمَّا الْعَلَاءُ فَالرِّفْعَةُ. وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَالْعَظَمَةُ وَالتَّجَبُّرُ. يَقُولُونَ: عَلَا الْمَلِكُ فِي الْأَرْضِ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4] ، وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ عَالِي الْكَعْبِ، أَيْ شَرِيفٌ. قَالَ:
لَمَّا عَلَا كَعْبُكَ لِي عَلِيتُ
وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ يَعْلُو: عَلَا يَعْلُو. فَإِنْ كَانَ فِي الرِّفْعَةِ وَالشَّرَفِ قِيلَ عَلِيَ يَعْلَى. وَمَنْ قَهَرَ أَمْرًا فَقَدِ اعْتَلَاهُ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ وَبِهِ، كَقَوْلِكَ اسْتَوْلَى. وَالْفَرَسُ إِذَا جَرَى فِي الرِّهَانِ فَبَلَغَ الْغَايَةَ قِيلَ: اسْتَعْلَى عَلَى الْغَايَةِ وَاسْتَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إِنَّهُ لَمُعْتَلٍ بِحَمْلِهِ، أَيْ مُضْطَلِعٌ بِهِ. وَقَدِ اعْتَلَى بِهِ. وَأَنْشَدَ:
إِنِّي إِذَا مَا لَمْ تَصِلْنِي خُلَّتِي ... وَتَبَاعَدَتْ مِنِّي اعْتَلَيْتُ بِعَادَهَا
يُرِيدُ عَلَوْتُ بِعَادَهَا. وَقَدْ عَلَوْتُ حَاجَتِي أَعْلُوهَا عُلُوًّا، إِذَا كُنْتُ ظَاهِرًا عَلَيْهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِ أَوْسٍ:
جَلَّ الرُّزْءُ وَالْعَالِي
أَيِ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَقْهَرُ الصَّبْرَ وَيَغْلِبُهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:

(4/113)


إِلَى اللَّهِ أَشْكُو الَّذِي قَدْ أَرَى ... مِنَ النَّائِبَاتِ بِعَافٍ وِعَالِ
أَيْ بِعَفْوِي وَجَهْدِي، مِنْ قَوْلِكَ عَلَاهُ كَذَا، أَيْ غَلَبَهُ. وَالْعَافِي: السَّهْلُ. وَالْعَالِي: الشَّدِيدُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْمَعْلَاةُ: كَسْبُ الشَّرَفِ، وَالْجَمْعُ الْمَعَالِي. وَفُلَانٌ مِنْ عِلْيَةِ النَّاسِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ. وَهَؤُلَاءِ عِلْيَةُ قَوْمِهِمْ، مَكْسُورَةُ الْعَيْنِ عَلَى فِعْلَةٍ مُخَفَّفَةٍ. وَالسِّفْلُ وَالْعِلُوُّ: أَسْفَلُ الشَّيْءِ وَأَعْلَاهُ. وَيَقُولُونَ: عَالِ عَنْ ثَوْبِي، وَاعْلُ عَنْ ثَوْبِي، إِذَا أَرَدْتَ قُمْ عَنْ ثَوْبِي وَارْتَفِعْ عَنْ ثَوْبِي; وَعَالِ عَنْهَا، أَيْ تَنَحَّ; وَاعْلُ عَنِ الْوِسَادَةِ.
قَالَ أَبُو مَهْدِيٍّ: أَعْلِ عَلَيَّ وِعَالِ عَلَيَّ، أَيِ احْمِلْ عَلَيَّ.
وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ تَعْلُوهُ الْعَيْنُ وَتَعْلُو عَنْهُ الْعَيْنُ، أَيْ لَا تَقْبَلُهُ تَنْبُو عَنْهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَيُقَالُ عَلَا الْفَرَسَ يَعْلُوهُ عُلُوًّا، إِذَا رَكِبَهُ; وَأَعْلَى عَنْهُ، إِذَا نَزَلَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ بَعِيدًا مِنَ الْقِيَاسِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى صَحِيحٌ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَزَلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ بَايَنَهُ وَعَلَا عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّ الْعَرَبَ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَلْيَاءُ: رَأَسُ كُلِّ جَبَلٍ أَوْ شَرَفٍ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ ... تَحَمَّلْنَ بِالْعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ

(4/114)


وَيُسَمَّى أَعْلَى الْقَنَاةِ: الْعَالِيَةُ، وَأَسْفَلُهَا: السَّافِلَةُ، وَالْجَمْعُ الْعَوَالِي. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَالِيَةُ مِنْ مَحَالِّ الْعَرَبِ مِنَ الْحِجَازِ وَمَا يَلِيهَا، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا عَلَى الْأَصْلِ عَالِيٌّ، وَالْمُسْتَعْمَلُ عُلْوِيٌّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَالَى الرَّجُلُ، إِذَا أَتَى الْعَالِيَةَ. وَزَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْعَالِيَةِ عُلُوٌّ: اسْمٌ لَهَا، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَدِمَ فُلَانٌ مِنْ عُلُوٍّ. وَزَعَمَ أَنَّ النَّسَبَ إِلَيْهِ عُلْوِيٌّ.
قَالُوا: وَالْعُلِّيَّةُ: غُرْفَةٌ، عَلَى بِنَاءِ حُرِّيَّةٍ. وَهِيَ فِي التَّصْرِيفِ فُعْلِيَّةٌ، وَيُقَالُ فُعْلُولَةٌ.
قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ ارْتِفَاعٌ بَعْدَ ارْتِفَاعٍ إِلَى مَا لَا حَدَّ لَهُ. وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا جَمَعَتْ جَمْعًا لَا يَذْهَبُونَ فِيهِ إِلَى أَنَّ لَهُ بِنَاءً مِنْ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ، قَالُوهُ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ نَحْوَ عِلِّيِّينَ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ، لَا يُقْصَدُ بِهِ وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: " أَطْعِمْنَا مَرَقَةَ مَرَقِينَ ". وَقَالَ:
قُلَيِّصَاتٍ وَأَبَيْكَرِينَا
فَجَمَعَ بِالنُّونِ لَمَّا أَرَادَ الْعَدَدَ الَّذِي لَا يَحُدُّهُ. وَقَالَ آخَرُ فِي هَذَا الْوَزْنِ:

(4/115)


فَأَصْبَحَتِ الْمَذَاهِبُ قَدْ أَذَاعَتْ ... بِهَا الْإِعْصَارُ بَعْدَ الْوَابِلِينَا
أَرَادَ الْمَطَرَ بَعْدَ الْمَطَرِ، شَيْئًا غَيْرَ مَحْدُودٍ. وَقَالَ أَيْضًا:
يُقَالُ عُلْيَا مُضَرَ وَسُفْلَاهَا، ... وَإِذَا قُلْتَ سُفْلٌ قُلْتَ عُلْيٌ
وَالسَّمَاوَاتُ الْعُلَى الْوَاحِدَةُ عُلْيَا.
فَأَمَّا الَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي زَيْدٍ: جِئْتُ مِنْ عَلَيْكَ، أَيْ مِنْ عِنْدِكَ، وَاحْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظِمْؤُهَا ... تَصِلُّ وَعَنْ قَيْضٍ بِزَيْزَاءَ مَجْهَلِ
وَالْمُسْتَعْلِي مِنَ الْحَالِبَيْنِ: الَّذِي فِي يَدِهِ الْإِنَاءُ وَيَحْلُبُ بِالْأُخْرَى. وَيُقَالُ الْمُسْتَعْلِي: الَّذِي يَحْلُبُ النَّاقَةَ مِنْ شِقِّهَا الْأَيْسَرِ. وَالْبَائِنُ: الَّذِي يَحْلِبُهَا مِنْ شِقِّهَا الْأَيْمَنِ. وَأَنْشَدَ:
يُبَشِّرُ مُسْتَعْلِيًا بَائِنٌ ... مِنَ الْحَالِبَيْنِ بِأَنْ لَا غِرَارَا
وَيُقَالُ: جِئْتُكَ مِنْ أَعْلَى، وَمِنْ عَلَا، وَمِنْ عَالٍ، وَمِنْ عَلِ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
أَقَبُّ مِنْ تَحْتُ عَرِيضٌ مِنْ عَلِ
وَقَدْ رَفَعَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ عَلَى الْغَايَةِ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ:
شَهِدْتُ فَلَمْ أَكْذِبْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مَنْ عَلُ

(4/116)


وَقَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ فَرَسٍ:
ظَمْأَى النَّسَا مِنْ تَحْتُ رَيَّا مِنْ عَالْ ... فَهْيَ تُفَدَّى بِالْأَبْيَنَ وَالْخَالْ
فَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى:
إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لَا أُسَرُّ لَهَا ... مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ فِيهَا وَلَا سَخَرُ
فَإِنَّهُ يَنْشُدُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مَضْمُومًا، وَمَفْتُوحًا، وَمَكْسُورًا.
وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ:
فَهِيَ تَنُوشُ الْحَوْضَ نَوْشًا مِنْ عَلَا ... نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أَجْوَازَ الْفَلَا
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَتَيْتُهُ مِنْ مُعَالٍ. وَأَنْشَدَ:
فَرَّجَ عَنْهُ حَلَقَ الْأَغْلَالِ ... جَذْبُ الْبُرَى وَجِرْيَةُ الْجِبَالِ
وَنَغَضَانُ الرَّحْلِ مِنْ مُعَالِ
وَيُقَالُ: عُولِيَتِ الْفَرَسُ، إِذَا كَانَ خَلْقُهَا مُعَالًى. وَيُقَالُ نَاقَةٌ عِلْيَانٌ، أَيْ طَوِيلَةٌ جَسِيمَةٌ. وَرَجُلٌ عِلْيَانٌ: طَوِيلٌ. وَأَنْشَدَ:
أَنْشَدَ مِنْ خَوَّارَةِ عِلْيَانِ ... أَلْقَتْ طَلًّا بِمُلْتَقَى الْحَوْمَانِ

(4/117)


قَالَ الْفَرَّاءُ: جَمَلٌ عِلْيَانٌ، وَنَاقَةٌ عِلْيَانٌ. وَلَمْ نَجِدِ الْمَكْسُورَ أَوَّلُهُ جَاءَ نَعْتًا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ غَيْرَهُمَا. وَأَنْشَدَ:
حَمْرَاءُ مِنْ مُعَرِّضَاتِ الْغِرْبَانْ ... تَقْدُمُهَا كُلُّ عَلَاةٍ عِلْيَانْ
وَيُقَالُ لِمُعَالِي الصَّوْتِ عِلْيَانٌ أَيْضًا. فَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ عِلْيَانٌ، إِنَّمَا يَقُولُونَ جَمَلٌ نَبِيلٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: تَعَالَ، فَهُوَ مِنَ الْعُلُوِّ، كَأَنَّهُ قَالَ اصْعَدْ إِلَيَّ; ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قَالَهُ الَّذِي بِالْحَضِيضِ لِمَنْ هُوَ فِي عُلُوِّهِ. وَيُقَالُ تَعَالَيَا، وَتَعَالَوْا، لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إِلَّا فِي الْأَمْرِ خَاصَّةً، وَأُمِيتَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَيُقَالُ لِرَأْسِ الرَّجُلِ وَعُنُقِهِ عِلَاوَةٌ. وَالْعِلَاوَةُ: مَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَعِيرِ بَعْدَ تَمَامِ الْوِقْرِ. وَقَوْلُهُ:
أَلَا أَيُّهَا الْغَادِي تَحَمَّلْ رِسَالَةً ... خَفِيفًا مُعَلَّاهَا جَزِيلًا ثَوَابُهَا
مُعَلَّاهَا: مَحْمِلُهَا. وَيُقَالُ: قَعَدَ فِي عُلَاوَةِ الرِّيحِ وَسُفَالَتِهَا. وَأَنْشَدَ:
تُهْدِي لَنَا كُلَّمَا كَانَتْ عُلَاوَتَنَا ... رِيحَ الْخُزَامَى فِيهَا النَّدَى وَالْخَضْلُ
قَالَ: الْخَلِيلُ الْمُعَلَّى: السَّابِعُ مِنَ الْقِدَاحِ، وَهُوَ أَفْضَلُهَا، وَإِذَا فَازَ حَازَ سَبْعَةَ أَنْصِبَاءَ مِنَ الْجَزُورِ، وَفِيهِ سَبْعُ فُرَضٍ: عَلَامَاتٌ. وَالْمُعَلِّي: الَّذِي يَمُدُّ الدَّلْوَ إِذَا مَتَحَ. قَالَ:

(4/118)


هَوِيُّ الدَّلْوِ نَزَّاهَا الْمُعَلُّ
وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ نِفَاسِهَا: قَدْ تَعَلَّتْ، وَهِيَ تَتَعَلَّى. وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا لِلنُّفَسَاءِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهَا. قَالَ جَرِيرٌ:
فَلَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْفَرَزْدَقِ حَامِلٌ ... وَلَا ذَاتَ حِمْلٍ مِنْ نِفَاسٍ تَعَلَّتِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: عَلِّ رِشَاءَكَ، أَيْ أَلْقِهِ فَوْقَ الْأَرْشِيَةِ كُلِّهَا. وَيُقَالُ إِنَّ الْمُعَلَّى: الَّذِي إِذَا زَاغَ الرِّشَاءُ عَنِ الْبَكَرَةِ عَلَاهُ فَأَعَادَهُ إِلَيْهَا. قَالَ الْعُجَيْرُ:
وَلِي مَائِحٌ لَمْ يُورِدِ الْمَاءَ قَبْلَهُ ... مُعَلٍّ وَأَشْطَانُ الطَّوِيِّ كَثِيرُ
وَيَقُولُونَ فِي رَجُلٍ خَاصَمَهُ [آخَرُ] : إِنَّ لَهُ مَنْ يُعَلِّيهِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا عُلْوَانُ الْكِتَابِ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ غَلَطٌ، إِنَّمَا هُوَ عُنْوَانٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ غَلَطًا، وَاللُّغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا مُوَلَّدَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا عُنْوَانٌ فَمِنْ عَنَّ. وَأَمَّا عُلْوَانٌ فَمِنَ الْعُلُوِّ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْكِتَابِ وَأَعْلَاهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَلَاةُ، وَهِيَ السَّنْدَانُ، وَيُشَبِّهُ بِهِ النَّاقَةَ الصُّلْبَةَ. قَالَ:

(4/119)


وَمُبْلِدٍ بَيْنَ مَوْمَاةٍ بِمَهْلَكَةٍ ... جَاوَزْتُهُ بِعَلَاةِ الْخَلْقِ عِلْيَانِ
قَالَ الْخَلِيلُ: عَلِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ عَلَوِيٌّ. وَبَنُو عَلِيٍّ: بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ، يُقَالُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ سُودٍ الْغَسَّانِيُّ، تَزَوَّجَ بِأُمِّهِمْ بَعْدَ أَبِيهِمْ وَرَبَّاهُمْ فَنُسِبُوا إِلَيْهِ. قَالَ:
وَقَالَتْ رَبَايَانَا أَلَا يَالَ عَامِرٍ ... عَلَى الْمَاءِ رَأْسٌ مِنْ عَلِيٍّ مُلَفَّفُ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يُقَالُ مَا أَنْتَ إِلَّا عَلَى أَعْلَى وَأَرْوَحَ، أَيْ فِي سَعَةٍ وَارْتِفَاعٍ. وَيُقَالُ " أَعْلَى ": السَّمَاوَاتُ. وَأَمَّا " أَرَوْحَ " فَمَهَبُّ الرِّيَاحِ مِنْ آفَاقِ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
غَدَا الْجُودُ يَبْغِي مَنْ يُؤَدِّي حُقُوقَهُ ... فَرَاحَ وَأَسْرَى بَيْنَ أَعْلَى وَأَرْوَحَا
أَيْ رَاحَ وَأَسْرَى بَيْنَ أَعْلَى مَالِهِ وَأَدْوَنِهِ، فَاحْتَكَمَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

(عَلِبَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى غِلَظٍ فِي الشَّيْءِ وَجُسْأَةٍ، وَالْآخُرُ عَلَى أَثَرٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: عَلِبَ النَّبَاتُ: جَسَأَ. وَيُقَالُ: لَحْمٌ عَلِبٌ: غَلِيظٌ. وَيُقَالُ: الْعَلِبُ: الْمَكَانُ الْغَلِيظُ. وَمِنَ الْبَابِ. الْعَلِبُ: الضَّبُّ الْمُسِنُّ. وَالْعِلْبَاءُ: عَصَبُ الْعُنُقِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَلَابَتِهِ. وَيُقَالُ عَلِبَ الْبَعِيرُ، إِذَا أَخَذَ دَاءٌ فِي أَحَدِ

(4/120)


جَانِبَيْ عُنُقِهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَسَنَّ: قَدْ تَشَنَّجَ عِلْبَاؤُهُ. وَتَيْسٌ عَلِبٌ: غَلِيظُ الْعِلْبَاءِ، وَعَلَّبْتُ السِّكِّينَ بِالْعِلْبَاءِ: جَلَزْتُهُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَلْبُ، وَهُوَ الْخَدْشُ وَالْأَثَرُ. وَطَرِيقٌ مَعْلُوبٌ: لَاحِبٌ.
قَالَ بِشْرٌ:
نَقَلْنَاهُمُ نَقْلَ الْكِلَابِ جِرَاءَهَا ... عَلَى كُلِّ مَعْلُوبٍ يَثُورُ عَكُوبُهَا
وَعَلَّبَتِ الشَّيْءَ، إِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْعِلَابُ: وَسْمٌ فِي طُولِ الْعُنُقِ، نَاقَةٌ مُعَلَّبَةٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: الْعُِلْبَةُ. وَعُلَيْبٌ: وَادٍ.

(عَلِثَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ: الْعَلِيثُ، وَهِيَ الْحِنْطَةُ يُخْلَطُ بِهَا الشَّعِيرُ. وَكُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ خَالِصٍ فَهَذَا قِيَاسُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ أَعْلَاثُ الزَّادِ، وَهُوَ مَا أُكِلَ غَيْرَ مُتَخَيَّرٍ مِنْ شَيْءٍ. وَيُقَالُ قَضِيبٌ مُعْتَلَثٌ، إِذَا لَمْ يُتَخَيَّرْ شَجَرُهُ. وَ " إِنَّهُ لِيَعْتَلِثُ الزِّنَادَ ". مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَنْ لَا يَتَخَيَّرُ مَنْكِحَهُ.

(عَلَجَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَرُّسٍ وَمُزَاوَلَةٍ، فِي جَفَاءٍ وَغِلَظٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعِلْجُ، وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ، وَبِهِ يُشَبَّهُ الرَّجُلُ الْأَعْجَمِيُّ.

(4/121)


وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ مِنَ الْمُعَالَجَةِ، وَهِيَ مُزَاوَلَةُ الشَّيْءِ. هَذَا عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: سُمِّي عِلْجًا لِاسْتِعْلَاجِ خَلْقِهِ، وَهُوَ غِلْظُهُ. قَالَ: وَالرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ وَجْهُهُ وَغَلُظَ فَقَدِ اسْتَعْلَجَ. وَالْعِلَاجُ: مُزَاوَلَةُ الشَّيْءِ وَمُعَالَجَتُهُ. تَقُولُ: عَالَجْتُهُ عِلَاجًا وَمُعَالَجَةً. وَاعْتَلَجَ الْقَوْمُ فِي صِرَاعِهِمْ وَقِتَالِهِمْ. وَيُقَالُ لِلْأَمْوَاجِ إِذَا الْتَطَمَتْ: اعْتَلَجَتْ. قَالَ:
يَعْتَلِجُ الْآذِيُّ مِنْ حُبَابِهَا
أَيْ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَعَالَجْتُ فُلَانًا فَعَلَجْتُهُ عَلْجًا، إِذَا غَلَبْتُهُ. وَفُلَانٌ عِلْجُ مَالٍ، أَيْ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسُوسُهُ. وَالْعُلَّجُ: الشَّدِيدُ مِنَ الرِّجَالِ قِتَالًا وَصِرَاعًا. قَالَ:
مِنَّا خَرَاطِيمَ وَرَأْسًا عُلَّجًا
وَيَقُولُونَ: نَاقَةٌ عَلِجَةٌ: غَلِيظَةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ:
وَلَمْ يُقَاسِ الْعَلِجَاتِ الْحُنُفَا
وَقَالَ آخَرُ:
هَنَاكَ مِنْهَا عَلِجَاتُ نِيَبُ ... أَكَلْنَ حَمْضًا فَالْوُجُوهُ شِيَبُ
وَحَكَوْا: أَرْضٌ مُعْتَلِجَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَرَاكَبَ نَبْتُهَا وَطَالَ، وَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ النَّبَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ: الْعَلَجَانُ: شَجَرٌ أَخْضَرُ، يَقُولُونَ إِنَّ الْإِبِلَ لَا تَأْكُلُهُ إِلَّا مُضْطَرَّةً. قَالَ:

(4/122)


يُسَلِّيكَ عَنْ لُبْنَى إِذَا مَا ذَكَرْتَهَا ... أَجَارِعُ لَمْ يَنْبُتْ بِهَا الْعَلَجَانُ
وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَلَجَ: أَشَاءُ النَّخْلِ. قَالَ:
إِذَا اصْطَبَحْتَ فَاصْطَبِحْ مِسْوَاكًا ... مِنْ عَلَجٍ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَرَاكًا
وَقَالَ عَبْدُ بَنِي الْحَسْحَاسِ:
وَبِتْنَا وِسَادَانَا إِلَى عَلَجَانَةٍ ... وَحِقْفٍ تَهَادَاهُ الرِّيَاحُ تَهَادِيَا

(عَلَدَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَلْدُ، وَهُوَ الصُّلْبُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ لِعَصَبِ الْعُنُقِ عَلْدٌ. وَرَجُلٌ عَلْوَدٌّ: رَزِينٌ. وَيُقَالُ مِنْهُ اعْلَوَّدَ. وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْهُ فَهُوَ هَذَا الْقِيَاسُ.

(عَلِزَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ مِنْ مَرَضٍ. مِنْ ذَلِكَ: الْعَلَزُ: كَالرَّعْدَةِ تَأْخُذُ الْمَرِيضَ. وَرُبَّمَا قَالُوا: عَلِزَ مِنَ الشَّيْءِ: غَرِضَ. وَعَالِزٌ: مَوْضِعٌ. قَالَ:
عَفَا بَطْنُ قَوٍّ مِنْ سُلَيْمَى فَعَالِزُ ... فَذَاتُ الْغَضَا. . . . . . . . . . . .

(عَلِسَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ جَمَلٌ عَلَسِيٌّ: شَدِيدٌ. قَالَ:
إِذَا رَآهَا الْعَلَسِيُّ أَبْلَسَا

(4/123)


وَيَقُولُونَ: الْمُعَلَّسُ: الرَّجُلُ الْمُجَرِّبُ. وَالْعَلَسُ: الْقُرَادُ الضَّخْمُ.

(عَلِشَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالشِّينُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْعِلَّوْشَ: الذِّئْبُ. وَلَيْسَ قِيَاسُهُ [صَحِيحًا] لِأَنَّ الشِّينَ لَا تَكُونُ بَعْدَ اللَّامِ.

(عَلِصَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالصَّادُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِلَّوْصَ: التُّخَمَةُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا لَهُ قِيَاسٌ. وَيَقُولُونَ إِنَّ الْعِلَاصَ: الْمُضَارَبَةُ بِالسَّيْفِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبِنَاءِ فَمَجْرَاهُ هَذَا الْمَجْرَى.

(عَلِطَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالطَّاءُ مُعْظَمُهُ عَلَى صِحَّتِهِ إِلْصَاقُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ تَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ. تَقُولُ: عَلَطْتُهُ بِسَهْمٍ: أَصَبْتُهُ. وَإِذَا أَصَبْتَهُ بِهِ فَقَدْ أَلْصَقْتَهُ بِهِ. وَالْعُلْطَةُ: سَوَادٌ تَخُطُّهُ الْمَرْأَةُ فِي وَجْهِهَا تَزَّيَّنُ بِهِ. وَالْعُلْطَةُ: الْقِلَادَةُ مِنَ الْحَنْظَلِ. وَيُقَالُ: اعْلَوَّطَنِي فُلَانٌ: لَزِمَنِي.
وَمِنَ الْبَابِ الْعِلَاطُ، وَهِيَ كَيٌّ أَوْ سِمَةٌ تَكُونُ فِي مُقَدَّمِ الْعُنُقِ عَرْضًا. وَعَلَطْتُ الْبَعِيرَ أَعْلِطُهُ عَلْطًا. وَيُقَالُ: إِنَّ عِلَاطَ الْإِبْرَةِ: خَيْطُهَا. وَعِلَاطُ الشَّمْسِ: الَّذِي كَأَنَّهُ خَيْطٌ. وَالْإِعْلِيطُ: وِعَاءُ ثَمَرِ الْمَرْخِ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ فِي شَجَرِهِ. قَالَ:
[لَهَا] أُذُنٌ حَشْرَةٌ مَشْرَةٌ ... كَإِعْلِيطِ مَرْخٍ إِذَا مَا صَفِرْ
وَالْعِلَاطَانِ: صَفْقَا الْعُنُقِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. فَأَمَّا الْبَعِيرُ الْعُلُطُ وَالنَّاقَةُ الْعُلُطُ، وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ فِي رَأْسِهَا رَسَنٌ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَقْلُوبٌ، وَالْأَصْلُ عُطُلٌ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا حَلْيَ لَهَا. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

(4/124)


وَمَنَحْتُهَا قَوْلِي عَلَى عُرْضِيَّةٍ عُلُطٍ أُدَارِي ضِغْنَهَا بِتَوَدُّدِ

(عَلَفَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَثِيرٍ، إِنَّمَا هُوَ الْعَلَفُ. تَقُولُ: عَلَفْتُ الدَّابَّةَ. وَيُقَالُ لِلْغَنَمِ الَّتِي تُعْلَفُ: عَلُوفَةٌ. وَالْعُلَّفُ: ثَمَرُ الطَّلْحِ.

(عَلَقَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ أَصْلٌ كَبِيرٌ صَحِيحٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يُنَاطَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ الْعَالِي. ثُمَّ يَتَّسِعُ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْمَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
تَقُولُ: عَلَّقْتُ الشَّيْءَ أُعَلِّقُهُ تَعْلِيقًا. وَقَدْ عَلِقَ بِهِ، إِذَا لَزِمَهُ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. وَالْعَلَقُ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْبَكْرَةُ مِنَ الْقَامَةِ. وَيُقَالُ الْعَلَقُ: آلَةُ الْبَكْرَةِ. وَيَقُولُونَ: الْبِئْرُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْعَلَقِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَلَقُ هِيَ الْبَكْرَةُ بِكُلِّ آلَتِهَا دُونَ الرِّشَاءِ وَالدَّلْوِ. وَالْعَلَقُ: الدَّمُ الْجَامِدُ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ يَعْلَقُ بِالشَّيْءِ; وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ عَلَقَةٌ. قَالَ:
يَنْزُو عَلَى أَهْدَامِهِ مِنَ الْعَلَقِ
وَيَقُولُ الْقَائِلُ فِي الْوَعِيدِ: " لَتَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَتَشْرَقَنَّ بِعَلَقَةٍ " يَعْنِي الدَّمَ، كَأَنَّهُ يَتَوَعَّدُهُ بِالْقَتْلِ. وَالْعَلَقُ: أَنْ يُلَزَّ بَعِيرَانِ بِحَبْلٍ وَيُسْنَى عَلَيْهِمَا إِذَا عَظُمَ الْغَرْبُ. وَأَعْلَقْتُ بِالْغَرْبِ بَعِيرَيْنِ، إِذَا قَرَنْتُهُمَا بِطَرَفِ رِشَائِهِ.
قَالَ اللِّحْيَانَيُّ: بِئْرُ فُلَانٍ تَدُومُ عَلَى عَلَقٍ، أَيْ لَا تَنْزَحُ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا دَلْوَانِ وَقَامَةٌ وَرِشَاءٌ. وَهَذِهِ قَامَةٌ لَيْسَ لَهَا عَلَقٌ، أَيْ لَيْسَ لَهَا حَبْلٌ يُعَلَّقُ بِهَا.

(4/125)


قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَلَقُ أَنْ يَنَشِبَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ. قَالَ جَرِيرٌ:
إِذَا عَلِقَتْ مَخَالِبُهُ بِقَرْنٍ ... أَصَابَ الْقَلْبَ أَوْ هَتَكَ الْحِجَابَا
وَعَلِقَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ: خَاصَمَهُ. وَالْعَلَقُ: الْهَوَى. وَفِي الْمَثَلِ: " نَظْرَةٌ مِنْ ذِي عَلَقٍ "، أَيْ ذِي هَوًى قَدْ عَلِقَ قَلْبُهُ بِمَنْ يَهْوَاهُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَعُلِّقَتْ رَجُلًا ... غَيْرِي وَعُلِّقَ أُخْرَى غَيْرَهَا الرَّجُلُ
وَمِنَ الْبَابِ الْعَلَاقُ، وَهُوَ الَّذِي يَجْتَزِئُ [بِهِ] الْمَاشِيَةَ مِنَ الْكَلَأِ إِلَى أَوَانِ الرَّبِيعِ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَفَلَاةٍ كَأَنَّهَا ظَهْرُ تُرْسٍ ... لَيْسَ إِلَّا الرَّجِيعُ فِيهَا عَلَاقُ
يَقُولُ: لَا تَجِدُ الْإِبِلُ فِيهَا عَلَاقًا إِلَّا مَا تُرَدِّدُهُ مِنْ جِرَّتِهَا فِي أَفْوَاهِهَا. وَالظَّبْيَةُ تَعْلُقُ عُلُوقًا، إِذَا تَنَاوَلَتِ الشَّجَرَةَ بِفِيهَا. وَفِي حَدِيثِ الشُّهَدَاءِ: «إِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ فِي الْجَنَّةِ» . وَالْعُلْقَةُ: شَجَرٌ يَبْقَى فِي الشِّتَاءِ تَعْلُقُ بِهِ الْإِبِلُ فَتَسْتَغْنِي بِهِ، مِثْلُ الْعَلَاقِ. وَيُقَالُ: مَا يَأْكُلُ فُلَانٌ إِلَّا عُلْقَةٌ، أَيْ مَا يُمْسِكُ نَفْسَهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُلْقَةُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مَا كَانَ، وَالْجَمْعُ عُلَقٌ. وَمِنَ الْبَابِ: الْعَلَقَةُ: دُوَيْبَّةُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ، وَالْجَمْعُ عَلَقٌ، تَعْلَقُ بِحَلْقِ الشَّارِبِ. وَرَجُلٌ

(4/126)


مَعْلُوقٌ، إِذَا أَخَذَتِ الْعَلَقُ بِحَلْقِهِ. وَقَدْ عَلِقَتِ الدَّابَّةُ عَلَقًا، إِذَا عَلِقَتْهَا الْعَلَقَةُ عِنْدَ الشُّرْبِ.
وَمِنَ الْبَابِ عَلَى نَحْوِ الِاسْتِعَارَةِ، قَوْلُهُمْ: عَلِقَ دَمُ فُلَانٍ ثِيَابَ فُلَانٍ، إِذَا كَانَ قَاتِلَهُ. وَيَقُولُونَ: دَمُ فُلَانٍ فِي ثَوْبِ فُلَانٍ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
تَبَرَّأُ مِنْ دَمِ الْقَتِيلِ وَبَزِّهِ ... وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَّ الْقَتِيلِ إِزَارُهَا
قَالُوا: الْإِزَارُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ وَبَزُّهُ: سِلَاحُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: " عَلِقَتْ دَمَّ الْقَتِيلِ إِزَارُهَا " مَثَلَ، يُقَالُ: حَمَلْتَ دَمَ فُلَانٍ فِي ثَوْبِكَ، أَيْ قَتَلْتَهُ. وَهَذَا عَلَى كَلَامَيْنِ، أَرَادَ عَلَّقَتِ الْمَرْأَةُ دَمَ الْقَتِيلِ ثُمَّ قَالَ: عَلِقَهُ إِزَارُهَا.
قَالُوا: وَالْعَلَاقَةُ: الْخُصُومَةُ. قَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ مِعْلَاقٌ، إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْخُصُومَةِ. قَالَ مُهَلْهَلٌ:
إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا ... وَجُودًا وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقِ
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ بَالْغَيْنِ، وَهُوَ الْخَصْمُ الَّذِي يَغْلَقُ عِنْدَهُ رَهْنُ خَصْمِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى افْتِكَاكِهِ مِنْهُ، لِلَدَدِهِ.
وَتَعْلِيقُ الْبَابِ: نَصْبُهُ. وَالْمَعَالِيقُ وَالْأَعَالِيقُ لِلْعِنَبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا وَاحِدَ لِلْأَعَالِيقِ. وَالْعِلَاقَةُ: [عِلَاقَةُ] السَّوْطِ وَنَحْوِهِ. وَالْعَلَاقَةُ لِلْحَبِّ. وَالْعَلَاقَةُ:

(4/127)


مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَلَاقِ الَّذِي يُتَعَلَّقُ بِهِ فِي مَعِيشَةٍ وَغَيْرِهَا. وَالْعَلِيقُ: الْقَضِيمُ، مِنْ قَوْلِكَ أَعْلَقْتُهُ فَهُوَ عَلِيقٌ، كَمَا يُقَالُ أَعْقَدْتُ الْعَسَلَ فَهُوَ عَقِيدٌ.
وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: يُسَمَّى الشَّرَابُ عَلِيقًا. وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا لَعَلَّ الْخَلِيلَ لَا يَذْكُرُهُ، وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْبَيْتَ شَاهِدُهُ.
وَاسْقِ هَذَا وَذَا وَذَاكَ وَعَلِّقْ ... لَا نُسَمِّي الشَّرَابَ إِلَّا الْعَلِيقَا
وَيَقُولُونَ لِمَنْ رَضِيَ بِالْأَمْرِ بِدُونِ تَمَامِهِ: مُتَعَلِّقٌ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ:
عَلِقَتْ مَعَالِقَهَا وَصَرَّ الْجُنْدَبُ
وَأَصْلُهُ أَنَّ رَجُلًا انْتَهَى إِلَى بِئْرٍ فَأَعْلَقَ رِشَاءَهُ بِرِشَائِهَا، ثُمَّ صَارَ إِلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ فَادَّعَى جِوَارَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: عَلَّقْتُ رِشَائِي بِرِشَائِكَ. فَأَمَرَهُ بِالِارْتِحَالِ عَنْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: " عَلِقَتْ مَعَالِقَهَا وَصَرَّ الْجُنْدَبُ "، أَيْ عَلِقَتِ الدَّلْوُ مَعَالِقَهَا وَجَاءَ الْحُرُّ وَلَا يُمْكِنُ الذَّهَابُ.
وَقَدْ عَلِقَتِ الْفَسِيلَةُ إِذَا ثَبَتَتْ فِي الْغِرَاسِ. وَيَقُولُونَ: أَعْلَقَتِ الْأُمُّ مِنْ عُذْرَةِ الصَّبِيِّ بِيَدِهَا تُعْلِقُ إِعْلَاقًا، وَالْعُذْرَةُ قَرِيبَةٌ مِنَ اللَّهَاةِ وَهِيَ وَجَعٌ، فَكَأَنَّهَا لَمَّا رَفَعَتْهُ أَعْلَقَتْهُ. وَيُقَالُ هَذَا عِلْقٌ مِنَ الْأَعْلَاقِ، لِلشَّيْءِ النَّفِيسِ، كَأَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ يَعْلَقُهُ. ثُمَّ يُشَبِّهُونَ ذَلِكَ فَيُسَمُّونَ الْخَمْرَ الْعِلْقَ. وَأَنْشَدُوا:
إِذَا مَا ذُقْتَ فَاهَا قُلْتَ عِلْقٌ مُدَمَّسٌ ... أُرِيدَ بِهِ قَيْلٌ فَغُودِرَ فِي سَابِ

(4/128)


وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ النَّفِيسِ: عِلْقُ مَضِنَّةٍ وَمَضَنَّةٍ. وَيُقَالُ فُلَانٌ ذُو مَعْلَقَةٍ، إِذَا كَانَ مُغِيرًا يَعْلَقُ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَأَعْلَقْتُ، أَيْ صَادَفْتُ عِلْقًا نَفِيسًا، وَجَمْعُ الْعِلْقِ عُلُوقٌ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
إِنْ يَبِعْ بِالشَّبَابِ شَيْئًا فَقَدْ بَا عَ ... رَخِيصًا مِنَ الْعُلُوقِ بِغَالِ
وَالْعَلَاقَةُ: الْحُبُّ اللَّازِمُ لِلْقَلْبِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَلُوقَ مِنَ النِّسَاءِ: الْمُحِبَّةُ لِزَوْجِهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] ، هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، كَأَنَّ أَمْرَهَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: «إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعْلَّقْ» . وَقَوْلُهُمْ: " لَيْسَ الْمُتَعَلِّقُ كَالْمُتَأَنِّقِ " أَيْ لَيْسَ مَنْ عَيْشُهُ قَلِيلٌ كَمَنْ يَتَأَنَّقُ فَيَخْتَارُ مَا شَاءَ. وَالْعَلَائِقُ: الْبَضَائِعُ. وَيَقُولُونَ: جَاءَ فُلَانٌ بِعُلَقَ فُلَقَ، أَيْ بِدَاهِيَةٍ. وَقَدْ أَعْلَقَ وَأَفْلَقَ. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهَا دَاهِيَةٌ تَعْلَقُ كُلًّا. وَيُقَالُ إِنَّ الْعَلُوقَ: مَا تَعْلُقُهُ السَّائِمَةُ مِنَ الشَّجَرِ بِأَفْوَاهِهَا مِنْ وَرَقٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَمَا عَلَقَتْ مِنْهُ السَّائِمَةُ عَلُوقٌ. قَالَ:
هُوَ الْوَاهِبُ الْمِائَةَ الْمُصْطَفَا ... ةَ لَاطَ الْعَلُوقُ بِهِنَّ احْمِرَارَا

(4/129)


يُرِيدُ أَنَّهُنَّ رَعَيْنَ فِي الشَّجَرِ وَعَلِقْنَهُ حَتَّى سَمِنَّ وَاحْمَرَرْنَ وَلَاطَ بِهِنَّ. وَالْإِبِلُ إِذَا رَعَتْ فِي الطَّلْحِ وَنَحْوِهِ فَأَكَلَتْ وَرَقَهُ أَخْصَبَتْ عَلَيْهِ وَسَمِنَتْ وَاحْمَرَّتْ. وَالْعُلَّيْقُ: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الشَّوْكِ لَا يَعْظُمُ، فَإِذَا نَشِبَ فِيهِ الشَّيْءُ لَمْ يَكَدْ يَتَخَلَّصُ مِنْ كَثْرَةِ شَوْكِهِ، وَشَوْكُهُ حُجْنٌ حِدَادٌ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ عُلَّيْقًا. وَيَقُولُونَ: هَذَا حَدِيثٌ طَوِيلُ الْعَوْلَقِ، أَيْ طَوِيلُ الذَّنَبِ.
وَأَمَّا الْعَلُوقُ مِنَ النُّوقِ، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَلُوقُ: النَّاقَةُ الَّتِي تَأْبَى أَنْ تَرْأَمَ وَلَدَهَا. وَالْمَعَالِقُ مِثْلُهَا. وَأَنْشَدَ:
أَمْ كَيْفَ يَنْفَعُ مَا تُعْطِي الْعَلُوقُ بِهِ ... رِئْمَانَ أَنْفٍ إِذَا مَاضُنَّ بِاللَّبَنِ
فَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، كَأَنَّهَا عَلِقَتْ لَبَنَهَا فَلَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعَلُوقُ مَا يَعْلَقُ الْإِنْسَانَ. وَيُقَالُ لِلْمَنِيَّةِ: عَلُوقٌ. قَالَ:
وَسَائِلَةٍ بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَيْرٍ ... وَقَدْ عَلِقَتْ بِثَعْلَبَةَ الْعَلُوقُ
وَعَلِقَ الظَّبْيُ فِي الْحِبَالَةِ يَعْلَقُ، إِذَا نَشِقَ فِيهَا. وَقَدْ أَعْلَقَتْهُ الْحِبَالَةُ. وَأَعْلَقَ الْحَابِلُ إِعْلَاقًا، إِذَا وَقَعَ فِي حِبَالَتِهِ الصَّيْدُ. وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: " فَجَاءَ ظَبْيٌ يَسْتَطِيفُ

(4/130)


الْكِفَّةَ فَأَعْلَقْتُهُ ". وَيُقَالُ لِلْحَابِلِ: أَعَلَقْتَ فَأَدْرِكْ. وَكَذَلِكَ الظَّبْيُ إِذَا وَقَعَ فِي الشَّرَكِ، أُعْلِقُ بِهِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَيَوْمٍ يُزَيِّرُ الظَّبْيَ أَقْصَى كِنَاسِهِ ... وَتَنْزُو كَنَزْوِ الْمُعْلَّقَاتِ جَنَادِبُهُ
وَيَقُولُونَ: مَا تَرَكَ الْحَالِبُ لِلنَّاقَةِ عُلْقَةً، أَيْ لَمْ يَدَعْ فِي ضَرْعِهَا شَيْئًا إِلَّا حَلَبَهُ. وَقَلَائِدُ النُّحُورِ، وَهِيَ الْعَلَائِقُ. فَأَمَّا الْعَلِيقَةُ فَالدَّابَّةُ تُدْفَعُ إِلَى الرَّجُلِ لِيَمْتَارَ عَلَيْهَا لِصَاحِبِهَا، وَالْجَمْعُ عَلَائِقُ. قَالَ:
وَقَائِلَةٍ لَا تَرْكَبُنَّ عَلِيقَةً ... وَمِنْ لَذَّةِ الدُّنْيَا رُكُوبُ الْعَلَائِقِ
وَقَالَ آخَرُ:
أَرْسَلَهَا عَلِيقَةً وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ... الْعَلِيقَاتِ يُلَاقِينَ الرَّقِمْ
وَيَقُولُونَ: عَلِقَ يَفْعَلُ كَذَا، كَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ. وَقَدْ عَلِقَ الْكِبَرُ مِنْهُ مَعَالِقَهُ. وَمَعَالِيقُ الْعِقْدِ وَالشُّنُوفِ: مَا يُعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّا يُحَسِّنُهُمَا. وَيَقُولُونَ: عَلِقَتِ الْمَرْأَةُ: حَبِلَتْ. وَرَجُلٌ ذُو مَعْلَقَةٍ، إِذَا كَانَ مُغِيرًا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ. قَالَ:
أَخَافَ أَنْ يَعْلَقَهَا ذُو مَعْلَقَهْ

(4/131)


وَالْعَلَاقِيَةُ: الرَّجُلُ الَّذِي إِذَا عَلِقَ شَيْئًا لَمْ يَكَدْ يَدَعُهُ. وَأَمَّا الْعِلْقَةُ، فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هِيَ قَمِيصٌ يَكُونُ إِلَى السُّرَّةِ وَإِلَى أَنْصَافِ السُّرَّةَ، وَهِيَ الْبَقِيرَةُ. وَأَنْشَدَ:
وَمَا هِيَ إِلَّا فِي إِزَارٍ وَعِلْقَةٍ ... مُغَارَ ابْنِ هَمَّامٍ عَلَى حَيٍ خَثْعَمَا
وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبًا وَاسِعًا فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ ثَوْبٌ يُجَابُ وَلَا يُخَاطُ جَانِبَاهُ، تَلْبَسُهُ الْجَارِيَةُ إِلَى الْحُجْزَةِ، وَهُوَ الشَّوْذَرُ.

(عَلَكَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ شِبْهِ الْمَضْغِ وَالْقَبْضِ عَلَى الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْخَلِيلِ: الْعَلْكُ: الْمَضْغُ. وَيُقَالُ: عَلَكَتِ الدَّابَّةُ اللِّجَامَ، وَهِيَ تَعْلُكُهُ عَلْكًا. قَالَ: وَسُمِّيَ الْعِلْكُ عِلْكًا لِأَنَّهُ يُمْضَغُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَأُخْرَى غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُمَا
قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: طَعَامٌ عَلِكٌ: مَتِينُ الْمَمْضَغَةِ. وَيَقُولُونَ فِي لِسَانِهِ عَوْلَكٌ، إِذَا كَانَ يَمْضَغُهُ وَيَعْلُكُهُ.

(4/132)


قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَرْضٌ عَلِكَةٌ: قَرِيبَةُ الْمَاءِ. وَطِينَةٌ عِلْكَةٌ: طَيِّبَةٌ خَضْرَاءُ لَيِّنَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَمَنَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، وَفِيهِ عُمَانُ: بَلَدٌ. وَيَقُولُونَ أَعْمَنَ، إِذَا أَتَى عُمَانَ. قَالَ:
فَإِنْ تُتْهِمُوا أُنْجِدْ خِلَافًا عَلَيْكُمْ ... وَإِنْ تُعْمِنُوا مُسْتَحْقِبِي الشَّرِّ أُعْرِقِ

(عَمِهَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى حَيْرَةٍ وَقِلَّةِ اهْتِدَاءٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَمِهَ الرَّجُلُ يَعْمَهُ عَمَهًا، وَذَلِكَ إِذَا تَرَدَّدَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ. قَالَ اللَّهُ: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186] . قَالَ يَعْقُوبُ: ذَهَبَتْ إِبِلُهُ الْعُمَّيْهَى، مُشَدَّدَةُ الْمِيمِ، إِذَا لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ.

(عَمِيَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى سَتْرٍ وَتَغْطِيَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَمَى: ذَهَابُ الْبَصَرِ مِنَ الْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. وَالْفِعْلُ مِنْهُ عَمِيَ يَعْمَى عَمًى. وَرُبَّمَا قَالُوا اعْمَايَّ يَعْمَايُّ اعْمِيَاءً، مِثْلَ ادْهَامًّ. أَخْرَجُوهُ عَلَى لَفْظِ الصَّحِيحِ. رَجُلٌ أَعْمَى وَامْرَأَةٌ عَمْيَاءُ. وَلَا يَقَعُ هَذَا النَّعْتُ عَلَى الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ. يُقَالُ:

(4/133)


عَمِيَتْ عَيْنَاهُ. فِي النِّسَاءِ عَمْيَاءُ وَعَمْيَاوَانِ وَعَمْيَاوَاتٌ. وَرَجُلٌ عَمٍ، إِذَا كَانَ أَعْمَى الْقَلْبِ; وَقَوْمٌ عَمُونَ. وَيَقُولُونَ فِي هَذَا الْمَعْنَى: مَا أَعْمَاهُ، وَلَا يَقُولُونَ فِي عَمَى الْبَصَرِ مَا أَعْمَاهُ; لِأَنَّ ذَلِكَ نَعْتٌ ظَاهِرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ، وَيَقُولُونَ فِيمَا خَفِيَ مِنَ النُّعُوتِ مَا أَفْعَلَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: لِأَنَّهُ قَبِيحٌ أَنْ تَقُولَ لِلْمُشَارِ إِلَيْهِ: مَا أَعْمَاهُ، وَالْمُخَاطَبُ قَدْ شَارَكَكَ فِي مَعْرِفَةِ عَمَاهُ.
قَالَ: وَالتَّعْمِيَةُ: أَنْ تُعَمِّيَ عَلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا فَتَلْبِسَهُ عَلَيْهِ لَبْسًا. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
وَبَلَدٍ عَامِيَةٍ أَعْمَاؤُهُ
فَإِنَّهُ جَعَلَ عَمَى اسْمًا ثُمَّ جَمَعَهُ عَلَى الْأَعْمَاءِ. وَيَقُولُونَ: " حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ ". وَيَقُولُونَ: " الْحُبُّ أَعْمَى ". وَرُبَّمَا قَالُوا: أَعْمَيْتَ الرَّجُلَ إِذَا وَجَدْتَهُ أَعْمَى. قَالَ:
فَأَصْمَمْتُ عَمْرًا وَأَعْمَيْتُهُ ... عَنِ الْجُودِ وَالْفَخْرِ يَوْمَ الْفَخَارِ
وَرُبَّمَا قَالُوا: الْعُمْيَانُ لِلْعَمَى، أَخْرَجُوهُ عَلَى مِثَالِ طُغْيَانٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْعُمِّيَّةُ: الضَّلَالَةُ، وَكَذَلِكَ الْعِمِّيَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عِمِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: أَرَادَ الْكِبْرَ. وَقِيلَ: فُلَانٌ فِي عَمْيَاءٍ، إِذَا لَمْ يَدْرِ وَجْهَ الْحَقِّ

(4/134)


وَقَتِيلٌ عِمِّيًّا، أَيْ لَمْ يُدْرَ مَنْ قَتَلَهُ. وَالْعَمَايَةُ: الْغَوَايَةُ، وَهِيَ اللَّجَاجَةُ. وَمِنَ الْبَابِ الْعَمَاءُ: السَّحَابُ الْكَثِيفُ الْمُطْبِقُ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ عَمَاءَةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ فِي عِمَايَةٍ شَدِيدَةٍ وَعَمَاءٍ، أَيْ مُظْلِمٍ.
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَعَامِي مِنَ الْأَرَضِينَ: الْأَغْفَالُ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَثَرٌ مِنْ عِمَارَةٍ.
وَمِنْهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، لِأُكَيْدِرَ: «إِنَّ لَنَا الْمَعَامِيَ وَأَغْفَالَ الْأَرْضِ» .
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَمْيُ، عَلَى وَزْنِ رَمْيٍ، وَذَلِكَ دَفْعُ الْأَمْوَاجِ الْقَذَى وَالزَّبَدِ فِي أَعَالِيهَا. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُغَطِّي وَجْهَ الْمَاءِ. قَالَ:
لَهَا زَبَدٌ يَعْمِي بِهِ الْمَوْجُ طَامِيًا
وَالْبَعِيرُ إِذَا هَدَرَ عَمَى بِلُغَامِهِ عَلَى هَامَتِهِ عَمْيًا. قَالَ:
يَعْمِي بِمِثْلِ الْكُرْسُفِ الْمُسَبَّخِ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ. أَتَيْتُهُ ظُهْرًا صَكَّةً عُمَيَّ، إِذَا أَتَيْتَهُ فِي الظَّهِيرَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُرَادُ حِينَ يَكَادُ الْحَرُّ يُعْمِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ: حِينَ يَأْتِي الظَّبْيُ كِنَاسَهُ فَلَا يُبْصِرُ مِنَ الْحَرِّ. وَيُقَالُ: الْعَمَاءُ: الْغُبَارُ. وَيُنْشَدُ لِلْمُرَّارِ:
تَرَاهَا تَدُورُ بِغِيرَانِهَا ... وَيَهْجُمُهَا بَارِحٌ ذُو عَمَاءِ

(4/135)


(عَمَتَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالتَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِبَاسِ الشَّيْءِ وَالْتِوَائِهِ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ مَا أَشْبَهَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَمْتُ: أَنْ يَعْمِتَ الصُّوفُ فَيَلُفَّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مُسْتَطِيلًا وَمُسْتَدِيرًا، كَمَا يَفْعَلُ الَّذِي يَغْزِلُ الصُّوفَ. يُقَالُ عَمَتَ يَعْمِتُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعِمِّيتُ: الرَّجُلُ الْأَعْمَى الْجَاهِلُ بِالْأُمُورِ. وَقَالَ:
كَالْخُرْسِ الْعَمَامِيتِ
وَيَقُولُونَ: الْعِمِّيتُ: السَّكْرَانُ. وَالْعَمْتُ: أَنْ يَضْرِبَ وَلَا يُبَالِيَ مَنْ أَصَابَهُ ضَرْبُهُ.

(عَمَجَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ وَاعْوِجَاجٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: التَّعَمُّجُ: الِاعْوِجَاجُ فِي السَّيْرِ، لَا اعْوِجَاجَ الطَّرِيقِ، كَمَا يَتَعَمَّجُ السَّيْلُ، إِذَا انْقَلَبَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَيُقَالُ: سَهْمٌ عَمُوجٌ: يَلْتَوِي فِي ذَهَابِهِ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
كَمَتْنِ الذِّئْبِ لَا نِكْسٌ قَصِيرٌ ... فَأُغْرِقَهُ وَلَا جَلْسٌ عَمُوجُ
وَيُقَالُ: تَعَمَّجَتِ الْحَيَّةُ، إِذَا تَلَوَّتْ فِي سَيْرِهَا. قَالَ:

(4/136)


تُلَاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ كَأَنَّهُ ... تَعَمُّجُ شَيْطَانٍ بِذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
وَيُقَالُ لِلْحَيَّةِ نَفْسِهِ: الْعَمَجُ، لِأَنَّهُ يَتَعَمَّجُ. قَالَ:
يَتْبَعْنَ مِثَلَ الْعَمَجِ

(عَمَدَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ كَبِيرٌ، فُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى، وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ فِي الشَّيْءِ، مُنْتَصِبًا أَوْ مُمْتَدًّا، وَكَذَلِكَ فِي الرَّأْيِ وَإِرَادَةِ الشَّيْءِ.
مِنْ ذَلِكَ عَمَدْتُ فُلَانًا وَأَنَا أَعْمِدُهُ عَمْدًا، إِذَا قَصَدْتَ إِلَيْهِ. وَالْعَمْدُ: نَقِيضُ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ عَمْدًا لِاسْتِوَاءِ إِرَادَتِكَ إِيَّاهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَمْدُ: أَنْ تَعْمِدَ الشَّيْءَ بِعِمَادٍ يُمْسِكُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: عَمَدْتُ الشَّيْءَ: أَسْنَدْتُهُ. وَالشَّيْءُ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ عِمَادٌ، وَجَمْعُ الْعِمَادِ عُمُدٌ. وَيُقَالُ عَمُودٌ وَعَمَدٌ. وَالْعَمُودُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ، وَالْجَمْعُ أَعْمِدَةٌ; وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي عَمْدِ الْخِبَاءِ. وَيُقَالُ لِأَصْحَابِ الْأَخْبِيَةِ الَّذِينَ لَا يَنْزِلُونَ غَيْرَهَا: هُمْ أَهْلُ عَمُودٍ، وَأَهْلُ عِمَادٍ.

(4/137)


قَالَ الْخَلِيلُ: وَعَمُودُ السِّنَانِ: مُتَوَسِّطٌ مِنْ شَفْرَتَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ خَطُّ الْعَيْرِ. وَيُقَالُ لِرِجْلَيِ الظَّلِيمِ: عَمُودَانِ. وَعَمُودُ الْأَمْرِ: قِوَامُهُ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِهِ. وَعَمِيدُ الْقَوْمِ: سَيِّدُهُمْ وَمُعْتَمَدُهُمُ الَّذِي يَعْتَمِدُونَهُ إِذَا حَزَبَهُمْ [أَمْرٌ] فَزِعُوا إِلَيْهِ. وَعَمُودُ الْأُذُنِ: مُعْظَمُهَا وَقِوَامُهَا الَّذِي ثَبَتَتْ إِلَيْهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْمَرِيضِ عَمِيدٌ، فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَمِيدُ: الرَّجُلُ الْمَعْمُودُ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ مِنْ مَرَضِهِ حَتَّى يُعْمَدَ مِنْ جَوَانِبِهِ بِالْوَسَائِدِ. قَالُوا: وَمِنْهُ اشْتُقَّ الْقَلْبُ الْعَمِيدُ، وَهُوَ الْمَعْمُودُ الْمَشْعُوفُ الَّذِي هَدَّهُ الْعِشْقُ وَكَسَرَهُ، وَصَارَ كَالشَّيْءِ عُمِدَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْأَخْطَلُ:
بَانَتْ سُعَادُ فَنَوْمُ الْعَيْنِ تَسْهِيدُ ... 206 وَالْقَلْبُ مُكْتَئِبٌ حَرَّانُ مَعْمُودُ
وَيُقَالُ: عَمِيدٌ، وَمَعْمُودٌ، وَمُعَمَّدٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَمْدُ: أَنْ تُكَابِدَ أَمْرًا بِجِدٍّ وَيَقِينٍ. تَقُولُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ عَمْدًا وَعَمْدَ عَيْنٍ، وَتَعَمَّدْتُ لَهُ وَفَعَلْتُهُ مُعْتَمِدًا، أَيْ مُتَعَمِّدًا.
وَمِنَ الْبَابِ: السَّنَامُ الْعَمِدُ [عَمِدَ] يَعْمَدُ عَمْدًا. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَلْبٌ عَمِيدٌ وَمَعْمُودٌ، وَذَلِكَ السَّنَامُ إِذَا كَانَ ضَخْمًا وَارِيًا فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَكُسِرَ وَمَاتَ فِيهِ شَحْمُهُ فَلَا يَسْتَوِي أَبَدًا - وَالَوَارِي: السَّمِينُ - كَمَا يَعْمَدُ الْجُرْحُ إِذَا عُصِرَ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ بَيْضَتُهُ فَيَرِمَ، وَبَعِيرٌ عَمِدٌ، وَنَاقَةٌ عَمِدَةٌ، وَسَنَامُهَا عَمِدٌ.

(4/138)


فَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9] ، أَيْ فِي شِبْهِ أَخْبِيَةٍ مِنْ نَارٍ مَمْدُودَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {فِي عَمَدٍ} [الهمزة: 9] وَقُرِئَتْ " فِي عُمُدٍ " وَهُوَ جَمْعُ عِمَادٍ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: رَجُلٌ مُعْمَدٌ، أَيْ طَوِيلٌ. وَالْعِمَادُ: الطُّولُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] ، أَيْ ذَاتِ الطُّولِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «هُوَ رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَمَدْتُ الشَّيْءَ: أَقَمْتُهُ، فَهُوَ مَعْمُودٌ. وَأَعْمَدْتُهُ بِالْأَلْفِ إِعْمَادًا، أَيْ جَعَلْتُ تَحْتَهُ عَمَدًا. وَمِنَ الْبَابِ: الْعُمُدُّ، الدَّالُّ شَدِيدَةٌ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ مَضْمُومَتَانِ: الشَّابُّ الْمُمْتَلِئُ شَبَابًا. وَهُوَ الْعُمُدَّانِيُّ، وَالْجَمْعُ الْعُمُدَّانِيُّونَ. وَامْرَأَةٌ عُمُدَّانِيَّةٌ، أَيْ ذَاتُ جِسْمٍ وَعَبَالَةٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْعَمُودُ: عِرْقُ الْكَبِدِ الَّذِي يَسْقِيهَا. وَيُقَالُ لِلْوَتِينِ: عَمُودُ السَّحْرِ. قَالَ: وَعَمُودُ الْبَطْنِ: شِبْهُ عِرْقٍ مَمْدُودٍ مِنْ لَدُنِ الرُّهَابَةِ إِلَى دُوَيْنِ السُّرَّةِ فِي وَسَطِهِ يُشَقُّ عَنْ بَطْنِ الشَّاةِ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ عَمُودَا الْبَطْنِ: الظَّهْرُ وَالصُّلْبُ; وَإِنَّمَا قِيلَ عَمُودَا الْبَطْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَمِدٌ عَلَى الْآخَرِ.
وَمِنَ الْبَابِ: ثَرًى عَمِدٌ، وَذَلِكَ إِذَا بَلَّتْهُ الْأَمْطَارُ. قَالَ:
وَهَلْ أَحْطِبَنَّ الْقَوْمَ وَهِيَ عَرِيَّةٌ ... أُصُولَ أَلَاءٍ فِي ثَرًى عَمِدٍ جَعْدِ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَمِدَتِ الْأَرْضُ عَمْدًا، أَيْ رَسَخَ فِيهَا الْمَطَرُ إِلَى الثَّرَى حَتَّى إِذَا قَبَضْتَ عَلَيْهِ تَعَقَّدَ فِي كَفِّكَ وَجَعُدَ. وَيَقُولُونَ: الْزَمْ عُمْدَتَكَ، أَيْ قَصْدَكَ.
قَدْ مَضَى هَذَا الْبَابُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَبَقِيَتْ كَلِمَةٌ، أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَدْرِي مَا مَعْنَاهَا، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ مَأْخَذُهَا، وَفِيمَا أَحْسَبُ إِنَّهَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي

(4/139)


دَرَجَ بِذَهَابِ مَنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمَّا صُرِعَ قَالَ: " أَعْمَدُ مِنْ سَيِّدٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ "، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ. فَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَالُوا: أَرَادَ: هَلْ زَادَ عَلَى سَيِّدٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّفْسِيرِ وَلَا تُقَارِبُهُ، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ هِيَ. وَأَنْشَدُوا لِابْنِ مَيَّادَةَ:
وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمُ ... صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فُلَّتْ نُيُوبُهَا
قَالُوا: مَعْنَاهُ هَلْ زِدْنَا عَلَى أَنْ كَفَيْنَا إِخْوَتَنَا. فَهَذَا مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ. وَحُكِيَ عَنِ النَّضْرِ أَنَّ مَعْنَاهَا أَعْجَبُ مِنْ سَيِّدٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَنَا أَعْمَدُ مِنْ كَذَا، أَيْ أَعْجَبَ مِنْهُ. وَهَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ.

(عَمَرَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءٍ وَامْتِدَادِ زَمَانٍ، وَالْآخَرُ عَلَى شَيْءٍ يَعْلُو، مِنْ صَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ.
فَالْأَوَّلُ الْعُمْرُ وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَهُوَ الْعَمْرُ أَيْضًا. وَقَوْلُ الْعَرَبِ: لَعَمْرُكَ، يَحْلِفُ بِعَمْرِهِ أَيْ حَيَاتِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: عَمْرَكَ اللَّهَ، فَمَعْنَاهُ أُعَمِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، أَيْ أُذَكِّرُكَ اللَّهَ، تُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ وَتَسْأَلُهُ طُولَ عُمْرِهِ. وَيُقَالُ: عَمِرَ النَّاسُ: طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ. وَعَمَّرَهُمُ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - تَعْمِيرًا.

(4/140)


وَمِنَ الْبَابِ عِمَارَةُ الْأَرْضِ، يُقَالُ عَمَّرَ النَّاسُ الْأَرْضَ عِمَارَةً، وَهُمْ يَعْمُرُونَهَا، وَهِيَ عَامِرَةٌ مَعْمُورَةٌ. وَقَوْلُهُمْ: عَامِرَةٌ، مَحْمُولٌ عَلَى عَمَرَتِ الْأَرْضُ، وَالْمَعْمُورَةُ مَنْ عُمِرَتْ. وَالِاسْمُ وَالْمَصْدَرُ الْعُمْرَانُ: وَاسْتَعْمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - النَّاسَ فِي الْأَرْضِ لِيُعَمِّرُوهَا. وَالْبَابُ كُلُّهُ يُؤَوَّلُ إِلَى هَذَا.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَالْعَوْمَرَةُ: الصِّيَاحُ وَالْجَلَبَةُ. وَيُقَالُ: اعْتَمَرَ الرَّجُلُ، إِذَا أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ، وَذَلِكَ رَفْعُهُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ لِلْعُمْرَةِ. فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا ... كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ
فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ بِالْعُمْرَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُعْتَمِرُ: الْمُعْتَمُّ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنَ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَالْعَمَارُ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ عَلَى رَأْسِكَ، مِنْ عِمَامَةٍ، أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ إِكْلِيلٍ أَوْ تَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّهُ عَمَارٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الْكَرَى ... سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا
وَقَالَ قَوْمٌ: الْعَمَارُ يَكُونُ مِنْ رَيْحَانٍ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَمَارُ: التَّحِيَّةُ. يُقَالُ عَمَّرَكَ اللَّهُ، أَيْ حَيَّاكَ. وَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا لِرَفْعِ الصَّوْتِ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ الْعَظِيمُ يُسَمَّى عِمَارَةً لِمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جَلَبَةٍ وَصِيَاحٍ. قَالَ:

(4/141)


لِكُلِّ أُنَاسٍ مِنْ مَعَدٍّ عِمَارَةٌٍ ... عُرُوضٌ إِلَيْهَا يَلْجَؤُونَ وَجَانِبُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: الْعَمْرُ: ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ. وَكَانَ فُلَانٌ يَسْتَاكُ بِعَرَاجِينَ الْعَمْرِ. وَرُبَّمَا قَالُوا الْعُمْرِ.
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا الْعَمْرُ: مَا بَدَا مِنَ اللِّثَةِ، وَهِيَ الْعُمُورُ. وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسْمُ عَمْرٍو.

(عَمَسَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي اشْتِبَاهٍ وَالْتِوَاءٍ فِي الْأَمْرِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَمَاسُ: الْحَرْبُ الشَّدِيدَةُ. وَكُلُّ أَمْرٍ لَا يُقَامُ لَهُ وَلَا يُهْتَدَى لِوَجْهِهِ فَهُوَ عَمَاسٌ. وَيَوْمٌ عَمَاسٌ مِنْ أَيَّامِ عُمُسٍ. قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَنَزَلُوا بِالسَّهْلِ بَعْدَ الشَّأْسِ ... فِي مَرِّ أَيَّامٍ مَضَيْنَ عُمْسٍ
وَلَقَدْ عُمِسَ يَوْمُنَا عَمَاسَةً وَعُمُوسَةً. قَالَ الْعَجَّاجُ:
إِذْ لَقِحَ الْيَوْمُ الْعَمَاسُ وَاقْمَطَرَّ
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَتَانَا بِأُمُورٍ مُعَمَّسَاتٍ وَمُعَمِّسَاتٍ، أَيْ مُلْتَوِيَاتٍ. وَرَجُلٌ عَمُوسٌ:

(4/142)


يَتَعَسَّفُ الْأَشْيَاءَ كَالْجَاهِلِ بِهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: تَعَامَسْتُ عَنِ الشَّيْءِ، إِذَا أَرَيْتَ كَأَنَّكَ لَا تَعْرِفُهُ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِهِ وَبِمَكَانِهِ. وَتَقُولُ: اعْمِسْهُ، أَيْ لَا تُبَيِّنْهُ حَتَّى يُشْتَبَهَ. وَيُقَالُ: اعْمِسِ الْأَمْرَ، أَيْ أَخْفِهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْعَمَاسُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: التَّعَامُسُ: أَنْ تَرْكَبَ رَأْسَكَ فَتَغْشِمَ وَتَغَطْرَسَ. قَالَ الْمُخْبِلُ:
تَعَامَسَ حَتَّى تَحْسَبَ النَّاسُ أَنَّهَا
قَالَ الْفَرَّاءُ: عَمَسَ الْخَبَرُ: أَظْلَمَ. وَأَعْمَسَ الطَّرِيقُ: الْتَبَسَ. وَعَمِسَ الْكِتَابُ: دَرَسَ. قَالَ الْمُرَّارُ:
فَوَقَفْتَ تَعْتَرِفُ الصَّحِيفَةَ بَعْدَمَا ... عَمِسَ الْكِتَابُ وَقَدْ يُرَى لَمْ يَعْمَسِ

(عَمَشَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالشِّينُ كَلِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا. فَالْأُولَى ضَعْفٌ فِي الْبَصَرِ، وَالْأُخْرَى صَلَاحٌ لِلْجِسْمِ. فَالْأَوَّلُ الْعَمَشُ: أَلَّا تَزَالَ الْعَيْنُ تَسِيلُ دَمْعًا، وَلَا يَكَادُ الْأَعْمَشُ يُبْصِرُ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ عَمْشَاءُ، وَالْفِعْلُ عَمِشَ يَعْمَشُ عَمَشًا.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْعَمْشُ، بِسُكُونِ الْمِيمِ: مَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ. وَيَقُولُونَ: الْخِتَانُ عَمْشُ الْغُلَامِ; لِأَنَّكَ تَرَى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةً. وَهَذَا طَعَامٌ عَمْشٌ لَكَ، أَيْ صَالِحٌ مُوَافِقٌ.
وَأَمَّا الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالصَّادُ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُذْكَرَ.

(4/143)


(عَمِقَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ أَصْلٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: الْعُمْقُ إِذَا كَانَ صِفَةً لِلطَّرِيقِ فَهُوَ الْبُعْدُ، وَإِذَا كَانَ صِفَةً لِلْبِئْرِ فَهُوَ طُولُ جِرَابِهَا.
قَالَ الْخَلِيلُ: بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، إِذَا بَعُدَ قَعْرُهَا وَأَعْمَقَهَا حَافِرُهَا. وَيَقُولُونَ مَا أَبْعَدَ عَمَاقَةَ هَذِهِ الرَّكِيَّةِ، أَيْ مَا أَبْعَدَ قَعْرَهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: تَعَمَّقَ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ، إِذَا تَنَطَّعَ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ بَعْضِ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ: رَأَيْتُ خَلِيقَةً فَمَا رَأَيْتُ أَعْمَقَ مِنْهَا. قَالَ: وَالْخَلِيقَةُ: الْبِئْرُ الْحَدِيثَةُ الْحَفْرِ.
وَالَّذِي بَقِيَ فِي الْبَابِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَاهُ أَسْمَاءُ الْأَمَاكِنِ، أَوْ نَبَاتٌ. وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يَجِيءُ عَلَى قِيَاسٍ، إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُهُ. فَعَمْقٌ: أَرْضٌ لِمُزَيْنَةَ. قَالَ سَاعِدَةُ:
لَمَّا رَأَى عَمْقًا وَرَجَّعَ عُرْضَهُ ... هَدْرًا كَمَا هَدَرَ الْفَنِيقُ الْمُعْصَبُ
وَالْعِمْقَى: مَوْضِعٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
لَمَّا ذَكَرْتُ أَخَا الْعِمْقَى تَأَوَّبَنِي ... هَمٌّ وَأَفْرَدَ ظَهْرِي الْأَغْلَبُ الشِّيحُ
وَالْعِمْقَى مِنَ النَّبَاتِ مَقْصُورٌ. قَالَ يُونُسُ: جَمَلٌ عَامِقٌ، إِذَا كَانَ يَرْعَى الْعِمْقَى. وَيُقَالُ: أُعَامِقُ: اسْمُ مَوْضِعٍ. قَالَ الْأَخْطَلُ:

(4/144)


وَقَدْ كَانَ مِنْهَا مَنْزِلًا نَسْتَلِذُّهُ ... أُعَامِقُ بَرْقَاوَاتِهِ فَأُجَاوِلُهُ

(عَمِلَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ فِعْلٍ يُفْعَلُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: عَمِلَ يَعْمَلُ عَمَلًا، فَهُوَ عَامِلٌ; وَاعْتَمَلَ الرَّجُلُ، إِذَا عَمِلَ بِنَفْسِهِ. قَالَ:
إِنَّ الْكَرِيمَ وَأَبِيكَ يَعْتَمِلْ ... إِنْ لَمْ يَجِدْ يَوْمًا عَلَى مَنْ يَتَّكِلْ
وَالْعِمَالَةُ: أَجْرُ مَا عُمِلَ. وَالْمُعَامَلَةُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ عَامَلْتُهُ، وَأَنَا أُعَامِلُهُ مُعَامَلَةً. وَالْعَمَلَةُ: الْقَوْمُ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ ضُرُوبًا مِنَ الْعَمَلِ، حَفْرًا، أَوْ طَيًّا أَوْ نَحْوَهُ. وَمِنَ الْبَابِ: عَامِلُ الرُّمْحِ وَعَامِلَتُهُ، وَهُوَ مَا دُونَ الثَّعْلَبِ قَلِيلًا مِمَّا يَلِي السِّنَانَ، وَهُوَ صَدْرُهُ. قَالَ:
أَطْعَنُ النَّجْلَاءَ يَعْوِي كَلْمُهَا ... عَامِلُ الثَّعْلَبِ فِيهَا مَرْجَحِنْ
قَالَ: وَالرَّجُلُ يَعْتَمِلُ لِنَفْسِهِ، وَيَعْمَلُ لِقَوْمٍ، وَيَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ، وَيُعْمِلُ رَأْيَهُ أَوْ كَلَامَهُ أَوْ رُمْحَهُ. وَالْبَنَّاءُ يُسْتَعْمَلُ اللَّبِنَ، إِذَا بَنَى بِهِ. قَالَ: وَالْيَعْمَلَةُ مِنَ الْإِبِلِ: اسْمٌ لَهَا اشْتُقَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْجَمْعُ يَعْمَلَاتٌ. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْأُنْثَى، وَقَدْ يَجُوزُ الْيَعَامِلُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ أَوْ غَيْرُهُ:

(4/145)


وَالْيَعْمَلَاتُ عَلَى الْوَجَى ... يَقْطَعْنَ بَيْدًا بَعْدَ بِيَدِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَنَى) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الْقَصْدُ لِلشَّيْءِ بِانْكِمَاشٍ فِيهِ وَحِرْصٍ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي دَالٌّ عَلَى خُضُوعٍ وَذُلٍّ، وَالثَّالِثُ ظُهُورُ شَيْءٍ وَبُرُوزُهُ.
فَالْأَوَّلُ مِنْهُ عُنِيتُ بِالْأَمْرِ وَبِالْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَنِيَ بِحَاجَتِي وَعُنِيَ - وَغَيْرُهُ قَالَ أَيْضًا ذَلِكَ. وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ: تَعَنَّيْتُ أَيْضًا، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ - عِنَايَةً وَعُنِيًّا فَأَنَا مَعْنِيٌّ بِهِ وَعَنٍ بِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا يُقَالُ عَنِيَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: رَجُلٌ عَانٍ بِأَمْرِي، أَيْ مَعْنِيٌّ بِهِ. وَأَنْشَدَ:
عَانٍ بِقَصْوَاهَا طَوِيلُ الشُّغْلِ ... لَهُ جَفِيرَانِ وَأَيُّ نَبْلِ
وَمِنَ الْبَابِ: عَنَانِي هَذَا الْأَمْرُ يَعْنِينِي عِنَايَةً، وَأَنَا مَعْنِيٌّ [بِهِ] وَاعْتَنَيْتُ بِهِ وَبِأَمْرِهِ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ: عَنَا يَعْنُو، إِذَا خَضَعَ. وَالْأَسِيرُ عَانٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَعْنِ هَذَا الْأَسِيرَ، أَيْ دَعْهُ حَتَّى يَيْبَسَ الْقِدُّ عَلَيْهِ. قَالَ زُهَيْرٌ:

(4/146)


وَلَوْلَا أَنْ يَنَالَ أَبَا طَرِيفٍ ... إِسَارٌ مِنْ مَلِيكٍ أَوْ عَنَاءُ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُنُوُّ وَالْعَنَاءُ: مَصْدَرٌ لِلْعَانِي. يُقَالُ عَانٍ أَقَرَّ بِالْعُنُوِّ، وَهُوَ الْأَسِيرُ. وَالْعَانِي: الْخَاضِعُ الْمُتَذَلِّلُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] . وَهِيَ تَعْنُو عُنُوًّا. وَيُقَالُ لِلْأَسِيرِ: عَنَّا يَعْنُو. قَالَ:
وَلَا يُقَالُ طَوَالَ الدَّهْرِ عَانِيهَا
وَرُبَّمَا قَالُوا: أَعْنُوهُ، أَيْ أَلْقُوهُ فِي الْإِسَارِ. وَكَانَتْ تَلْبِيَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَذَا:
جَاءَتْ إِلَيْكَ عَانِيَهْ ... عِبَادُكَ الْيَمَانِيَهْ كَيْمَا تَحُجَّ الثَّانِيَهْ
عَلَى قِلَاصٍ نَاجِيَهْ
وَيَقُولُونَ: الْعَانِي: الْعَبْدُ. وَالْعَانِيَةُ: الْأَمَةُ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَأَعْنَيْتُهُ إِذَا جَعَلْتَهُ مَمْلُوكًا. وَهُوَ عَانٍ بَيِّنُ الْعَنَاءِ. وَالْعَنْوَةُ: الْقَهْرُ. يُقَالُ أَخَذْنَاهَا عَنْوَةً، أَيْ قَهْرًا بِالسَّيْفِ. وَيُقَالُ: جِئْتُ إِلَيْكَ عَانِيًا، أَيْ خَاضِعًا. وَيَقُولُونَ: الْعَنْوَةُ: الطَّاعَةُ. قَالَ:
هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي أَيُّهَا الْقَلْبُ عَنْوَةً
وَالْعَنَاءُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مِنْ هَذَا. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: رُبَّتْ عَنْوَةٍ لَكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ: عَنَاءٍ. قَالَ الْقَطَامِيُّ:
وَنَأَتْ بِحَاجَتِنَا وَرُبَّتَ عَنْوَةٍ ... لَكَ مِنْ مُوَاعِدِهَا الَّتِي لَمْ تَصْدُقِ

(4/147)


قَالُوا: وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَنَوْتُ عِنْدَ فُلَانٍ عُنُوًّا، إِذَا كُنْتَ أَسِيرًا عِنْدَهُ. وَيَقُولُونَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْأَسِيرِ: لَا فَكَّ اللَّهُ عُنْوَتَهُ! بِالضَّمِّ، أَيْ إِسَارَهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ عِنْدَنَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ: الْعَنِيَّةُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُعَنِّي كَأَنَّهَا تُذِلُّ وَتَقْهَرُ وَتَشْتَدُّ عَلَى مَنْ طُلِيَ بِهَا. وَالْعَنِيَّةُ: أَبْوَالُ الْإِبِلِ تَخْثُرُ، وَذَلِكَ إِذَا وُضِعَتْ فِي الشَّمْسِ. وَيَقُولُونَ: بَلِ الْعَنِيَّةُ بَوْلٌ يُعْقَدُ بِالْبَعْرِ. قَالَ أَوْسٌ:
كَأَنَّ كُحَيْلًا مُعْقَدًا أَوْ عَنِيَّةً عَلَى ... رَجْعِ ذِفْرَاهَا مِنَ اللِّيثِ وَاكِفُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: " عَنِيَّةٌ تَشْفِي الْجَرَبَ "، يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يُتَدَاوَى بِعَقْلِهِ وَرَأْيِهِ، كَمَا تُدَاوَى الْإِبِلُ الْجَرْبَى بِالْعَنِيَّةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَّيْتُ الْبَعِيرَ، أَيْ طَلَيْتُهُ بِالْعَنِيَّةِ. وَأَنْشَدَ:
عَلَى كُلِّ حَرْبَاءَ رَعِيلٌ كَأَنَّهُ ... حَمُولَةُ طَالٍ بِالْعَنِيَّةِ مُمْهِلِ
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: عُنْيَانُ الْكِتَابِ، وَعُنْوَانُهُ، وَعُنْيَانُهُ. وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ الْبَارِزُ مِنْهُ إِذَا خُتِمَ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَعْنَى الشَّيْءِ. وَلَمْ يَزِدِ الْخَلِيلُ عَلَى أَنْ قَالَ: مَعْنَى كُلِّ شَيْءٍ: مِحْنَتُهُ وَحَالُهُ الَّتِي يَصِيرُ إِلَيْهَا أَمْرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ مَا أَعْرِفُ مَعْنَاهُ وَمَعْنَاتَهُ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قِيَاسُ اللُّغَةِ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْقَصْدُ الَّذِي يَبْرُزُ وَيَظْهَرُ فِي الشَّيْءِ إِذَا بُحِثَ عَنْهُ. يُقَالُ: هَذَا

(4/148)


مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَعْنَى الشِّعْرِ، أَيِ الَّذِي يَبْرُزُ مِنْ مَكْنُونِ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقِيَاسِ قَوْلُ الْعَرَبِ: لَمْ تَعْنِ هَذِهِ الْأَرْضُ شَيْئًا وَلَمْ تَعْنُ أَيْضًا، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تُنْبِتْ، فَكَأَنَّهَا إِذْ كَانَتْ كَذَا فَإِنَّهَا لَمْ تُفِدْ شَيْئًا وَلَمْ تُبْرِزْ خَيْرًا. وَمِمَّا يُصَحِّحُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَلَمْ يَبْقَ بِالْخُلَصَاءِ مِمَّا عَنَتْ بِهِ ... مِنَ الْبَقْلِ إِلَّا يُبْسُهَا وَهَجِيرُهَا
وَمِمَّا يُصَحِّحُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: عَنَتِ الْقِرْبَةُ تَعْنُو، وَذَلِكَ إِذَا سَالَ مَاؤُهَا. قَالَ الْمُتَنَخِّلُ:
تَعْنُو بِمَخْرُوتٍ
قَالَ الْخَلِيلُ: عُنْوَانُ الْكِتَابِ يُقَالُ مِنْهُ: عَنَّيْتُ الْكِتَابَ، وَعَنَّنْتُهُ، وَعَنْوَنْتُهُ. قَالَ: وَهُوَ فِيمَا ذَكَرُوا مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَعْنَى. قَالَ غَيْرُهُ: مَنْ جَعَلَ الْعُنْوَانَ مِنَ الْمَعْنَى قَالَ: عَنَّيْتُ بِالْيَاءِ فِي الْأَصْلِ. وَعُنْوَانٌ تَقْدِيرُهُ فُعْوَالٌ. وَقَوْلُكَ عَنْوَنْتُ فَهُوَ فَعْوَلْتُ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: يُقَالُ مَا عَنَا مِنْ فُلَانٍ خَيْرٌ، وَمَا يَعْنُو مِنْ عَمَلِكَ هَذَا خَيْرٌ عَنْوًا.

(عِنَبٌ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْبَابُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى ثَمَرٍ مَعْرُوفٍ، وَكَلِمَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَالثَّمَرُ الْعِنَبُ، وَاحِدَتُهُ عِنَبَةٌ. وَيَقُولُونَ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فِعَلَةٌ إِلَّا عِنَبَةٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْعِنَبِ الْعِنَبَاءُ. قَالَ:

(4/149)


الْعِنَبَاءَ الْمُتَنَقَّى وَالتِّينْ
وَرُبَّمَا جَمَعُوا الْعِنَبَ عَلَى الْأَعْنَابِ. وَيُقَالُ رَجُلٌ عَانِبٌ، أَيْ كَثِيرُ الْعِنَبِ، كَمَا يُقَالُ تَامِرٌ وَلَابِنٌ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْعَنَبَانُ، عَلَى وَزْنِ فَعَلَانِ: الْوَعِلُ الطَّوِيلُ الْقُرُونِ. قَالَ:
يَشُدُّ شَدَّ الْعَنَبَانِ الْبَارِحِ
وَيُقَالُ لِلظَّبْيِ النَّشِيطِ: الْعَنَبَانُ، وَلَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ.

(عَنِتَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَشَقَّةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةٍ وَلَا سُهُولَةٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَنَتُ: الْمَشَقَّةُ تَدْخُلُ عَلَى اللِّسَانِ. تَقُولُ عَنِتَ فُلَانٌ، أَيْ لَقِيَ عَنَتًا، يَعْنِي مَشَقَّةً. وَأَعْنَتَهُ فُلَانٌ إِعْنَاتًا، إِذَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَنَتًا. وَتَعَنَّتَهُ تَعَنُّتًا، إِذَا سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ أَرَادَ بِهِ اللَّبْسَ عَلَيْهِ وَالْمَشَقَّةَ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَنَتُ: الْعَسْفُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَكْرُوهِ. أَعْنَتَهُ يُعْنِتُهُ إِعْنَاتًا.
وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا وَيُقَاسُ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لِلْآثِمِ: عَنِتَ عَنَتًا، إِذَا اكْتَسَبَ مَأْثَمًا. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] ، أَيْ يُرَخَّصُ

(4/150)


لَكُمْ فِي تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ إِذَا خَافَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَفْجُرَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَنَتُ فِي اللُّغَةِ: الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ. يُقَالُ أَكَمَةٌ عَنُوتٌ، أَيْ شَاقَّةٌ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْعَنَتُ هَاهُنَا: الْهَلَاكُ: وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ أَنْ تَحْمِلَهُ الشَّهْوَةُ عَلَى الزِّنَى، فَيَلْقَى الْإِثْمَ الْعَظِيمَ فِي الْآخِرَةِ.

(عَنَجَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَذْبِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ يَمْتَدُّ، كَحَبْلٍ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِنَاجُ: سَيْرٌ أَوْ خَيْطٌ يُشَدُّ فِي أَسْفَلِ الدَّلْوِ، ثُمَّ يُشَدُّ فِي عُرْوَتِهَا. وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ عِنَاجٌ. فَإِذَا انْقَطَعَ الْحَبْلُ أَمْسَكَ الْعِنَاجُ الدَّلْوَ أَنْ تَقَعَ فِي الْبِئْرِ. قَالَ: [وَكُلُّ] شَيْءٍ تَجْذِبُهُ إِلَيْكَ فَقَدَ عَنَجْتَهُ. قَالَ:
قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمْ ... شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
وَقَالَ آخَرُ:
وَبَعْضُ الْقَوْلِ لَيْسَ لَهُ عِنَاجٌ ... كَسَيْلِ الْمَاءِ لَيْسَ لَهُ إِتَاءُ
الْإِتَاءُ: الْمَادَّةُ. وَجَمْعُ الْعِنَاجِ عُنُجٌ، وَثَلَاثَةُ أَعْنِجَةٍ. وَالرَّجُلُ يَعْنُِجُ إِلَيْهِ رَأْسَ بَعِيرِهِ، أَيْ يَجْذِبُهُ بِخِطَامِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْعِنَاجَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي عُرَى الدَّلْوِ، وَلَا يَكُونُ فِي أَسْفَلِهَا. وَأَنْشَدَ:
لَهَا عِنَاجَانِ وَسِتُّ آذَانْ ... وَاسِعَةُ الْفَرْغِ أَدِيمَانِ اثْنَانْ

(4/151)


قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَنَجْتُ الدَّلْوَ وَأَعْنَجْتُهَا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْعَنْجُ: جَذْبُكَ رَأْسَهَا وَأَنْتَ رَاكِبُهَا. يَعْنِي النَّاقَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمْثَالِهِمْ فِي الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرِّيَاضَةَ: " عَوْدٌ يُعَلِّمُ الْعَنْجَ ". وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَبَعْضُ الْقَوْلِ لَيْسَ لَهُ عِنَاجُ
فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْعِنَاجُ فِي الْقَوْلِ: أَنْ يَكُونَ [لَهُ] حَصَاةٌ فَيَتَكَلَّمُ بِعِلْمٍ وَنَظَرٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنَاجٌ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَلَّا يَكُونَ لِكَلَامِهِ خِطَامٌ وَلَا زِمَامٌ، فَهُوَ يَذْهَبُ بِحَيْثُ لَا مَعْنَى لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عِنَاجُ أَمْرِ فُلَانٍ، أَيْ مَقَادُهُ وَمِلَاكُ أَمْرِهِ. وَأَمَّا الْعُنْجُوجُ فَالرَّائِعُ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْجَمْعُ عَنَاجِيجُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
نَحْنُ صَبَّحْنَا عَامِرًا وَعَبْسًا جُرْدًا ... عَنَاجِيجَ سَبَقْنَ الشَّمْسَا
فَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مَوْضُوعًا مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ كَسَائِرِ مَا يَشِذُّ عَنِ الْأُصُولِ، وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ سُمِّي بِذَلِكَ لِطُولِهِ أَوْ طُولِ عُنُقِهِ، فَقِيَاسٌ بِالْحَبْلِ الطَّوِيلِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعُنْجُوجُ مِنَ الْخَيْلِ: الطَّوِيلُ الْعُنُقُ، وَالْأُنْثَى عُنْجُوجَةٌ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُمْ: اسْتَقَامَ عُنْجُوجُ الْقَوْمِ، أَيْ سَنَنُهُمْ. فَهَذَا يُصَحِّحُ ذَاكَ; لِأَنَّ السَّنَنَ يَمْتَدُّ أَيْضًا.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا تَشْبِيهًا قَوْلُهُمْ: عَنَاجِيجُ الشَّبَابِ، وَهِيَ أَسْبَابُهُ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
وَمَضَتْ عَنَاجِيجُ الشَّبَابِ الْأَغْيَدِ
وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ مِعْنَجٌ، إِذَا تَعَرَّضَ فِي الْأُمُورِ، كَأَنَّهُ أَبَدًا يُمَدُّ بِسَبَبٍ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ.

(4/152)


(عَنَدَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى مُجَاوَزَةٍ وَتَرْكِ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَنَدَ الرَّجُلُ، وَهُوَ عَانِدٌ، يَعْنُدُ عُنُودًا، إِذَا عَتَا وَطَغَى وَجَاوَزَ قَدْرَهُ. وَمِنْهُ الْمُعَانَدَةُ، وَهِيَ أَنْ يَعْرِفَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ، وَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ. يُقَالُ: عَنَدَ فُلَانٌ عَنِ الْأَمْرِ، إِذَا حَادَ عَنْهُ. وَالْعَنُودُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّذِي لَا يُخَالِطُ الْإِبِلَ، إِنَّمَا هُوَ فِي نَاحِيَةٍ. قَالَ:
وَصَاحِبٍ ذِي رِيبَةٍ عَنُودٍ ... بَلَّدَ عَنِّي أَسْوَأَ التَّبْلِيدِ
وَيُقَالُ: رَجُلٌ عَنُودٌ، إِذَا كَانَ وَحْدَهُ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ. وَأَنْشَدَ:
وَمَوْلَى عَنُودٍ أَلْحَقَتْهُ جَرِيرَةٌ ... وَقَدْ تُلْحِقُ الْمَوْلَى الْعَنُودَ الْجَرَائِرُ
قَالَ: وَأَمَّا الْعَنِيدُ، فَهُوَ مِنَ التَّجَبُّرِ، لِذَلِكَ خَالَفُوا بَيْنَ الْعَنِيدِ، وَالْعَنُودِ، وَالْعَانِدِ. وَيُقَالُ لِلْجَبَّارِ الْعَنِيدُ: لَقَدْ عَنَدَ عَنْدًا وَعُنُودًا.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِرْقُ الْعَانِدُ: الَّذِي يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الدَّمُ فَلَا يَكَادُ يَرْقَأُ. تَقُولُ: عَنَدَ عِرْقُهُ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: طَرِيقٌ عَانِدٌ، أَيْ مَائِلٌ. وَنَاقَةٌ عَنُودٌ، إِذَا تَنَكَّبَتِ الطَّرِيقَ مِنْ نَشَاطِهَا وَقُوَّتِهَا. قَالَ الرَّاجِزُ:
إِذَا رَكِبْتُمْ فَاجْعَلُونِي وَسَطًا ... إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعُنَّدَا

(4/153)


مَا عَنْهُ عُنْدَدٌ: أَيْ مَا مِنْهُ بُدٌّ، فَهَذَا مِنَ الْبَابِ. تَفْسِيرُ مَا عَنْهُ عَنْدَدٌ، أَيْ مَا عَنْهُ مَيْلٌ وَلَا حَيْدُودَةٌ. قَالَ جُنْدَلٌ:
مَا الْمَوْتُ إِلَّا مَنْهَلٌ مُسْتَوْرَدٌ ... لَا تَأْمَنَنْهُ لَيْسَ عَنْهُ عُنْدَدُ
وَيُقَالُ: أَعْنَدَ فِي قَيْئِهِ، إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ. قَالَ يَعْقُوبُ: عِرْقٌ عَانَدَ قَدْ عَنَدَ يَعْنُدُ دَمُهُ، أَيْ يَأْخُذٍ فِي شِقٍّ. قَالَ:
وَأَيُّ شَيْءٍ لَا يُحِبُّ وَلَدَهْ ... حَتَّى الْحُبَارَى وَيَدُفُّ عَنَدَهْ
أَيْ نَاحِيَةٌ مِنْهُ يُرَاعِيهِ. وَيُقَالُ: اسْتَعْنَدَ الْبَعِيرُ، إِذَا غَلَبَ قَائِدَهُ عَلَى الزِّمَامِ فَجَرَّهُ. وَمِنَ الْبَابِ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِهِمْ: " إِنَّ تَحْتَ طِرِّيقَتِهِ لْعِنْدَأْوَةً ". الطِّرِّيقَةُ: اللِّينُ. يُقَالُ: إِنَّ تَحْتَ ذَلِكَ اللِّينِ لَعَظَمَةً وَتَجَاوُزًا وَتَعَدِّيًا.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: زَيْدٌ عِنْدَ عَمْرٍو، فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، كَأَنَّهُ قَدْ مَالَ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ إِلَيْهِ حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ وَلَزِقَ بِهِ.

(عَنَزَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالزَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَنَحٍّ وَتَعَزُّلٍ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الْحَيَوَانِ.
فَالْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: اعْتَنَزَ فُلَانٌ، أَيْ تَنَحَّى وَتَرَكَ النَّاحِيَةَ اعْتِنَازًا. وَيُقَالُ: مَالِي عَنْهُ مُعْتَنَزٌ، أَيْ مُعْتَزَلٌ، وَأَنْشَدُوا:
كَأَنِّي سُهَيْلٌ وَاعْتِنَازُ مَحَلِّهِ ... تَعَرُّضُهُ فِي الْأُفُقِ ثُمَّ يَجُورُ

(4/154)


وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَنْزُ: الْأُنْثَى مِنَ الْمِعْزَى وَمِنَ الْأَوْعَالِ وَالظِّبَاءِ. وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الظِّبَاءِ عَنْزٌ، وَثَلَاثُ أَعْنُزٍ، وَالْجَمْعُ عِنَازٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ أَسْمَعْ فِي الْغَنَمِ إِلَّا ثَلَاثَ أَعْنُزٍ، وَلَمْ أَسْمَعِ الْعِنَازَ إِلَّا فِي الظِّبَاءِ. وَيَقُولُونَ: الْعَنْزُ: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى مِنَ الْعِقْبَانِ عَنْزٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَنْزُ: الْعُقَابُ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا حُمِلَ عَلَى الْعَنْزِ مِنَ الْغَنَمِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ وَعَنِ الْأَوَّلِ: الْعَنَزَةُ، كَهَيْئَةِ الْعَصَا. وَبِهِ سُمِّيَ عَنَزَةٌ مِنَ الْعَرَبِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ مُعَنَّزُ الْوَجْهِ، إِذَا كَانَ خَفِيفَ لَحْمِ الْوَجْهِ. وَهَذَا كَأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْعَنْزِ مِنَ الْغَنَمِ. وَمِنَ الْأَمَاكِنِ عُنَيْزَةُ، وَهِيَ أَرْضٌ. قَالَ مُهَلْهَلٌ:
كَأَنَّا غُدْوَةً وَبَنِي أَبِينَا ... بِجَنْبِ عُنَيْزَةٍ رَحَيَا مُدِيرِ

(عَنَسَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ وَقُوَّةٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَنْسُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّاقَةِ، يُقَالُ إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَنْسًا إِذَا تَمَّتْ سِنُّهَا، وَاشْتَدَّتْ قُوَّتُهَا وَوَفُرَتْ عِظَامُهَا وَأَعْضَاؤُهَا; وَاعْنَوْنَسَ ذَنَبُهَا; وَاعْنِينَاسُهُ: وُفُورُ هُلْبِهِ وَطُولُهُ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ الثَّوْرَ:
يَمْسَحُ الْأَرْضَ بِمُعْنَوْنِسٍ ... مِثْلِ مِئْلَاةِ النِّيَاحِ الْقِيَامْ
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

(4/155)


كَمْ قَدْ حَسَرْنَا مِنْ عَلَاةٍ عَنْسِ كَبْدَاءَ كَالْقَوْسِ
وَأُخْرَى جَلْسِ وَمِنَ الْبَابِ: عَنَسَتِ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ تَعْنُسُ عُنُوسًا، إِذَا صَارَتْ نَصَفًا وَهِيَ بَعْدُ بِكْرٌ لَمْ تَزَوَّجْ. وَعَنَّسَهَا أَهْلُهَا تَعْنِيسًا، إِذَا حَبَسُوهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ حَتَّى جَازَتْ فَتَاءَ السِّنِّ، وَلَمْ تُعَجِّزْ بَعْدُ. وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَ اشْتِدَادِهَا وَقُوَّتِهَا. وَيُقَالُ امْرَأَةٌ مُعَنَّسَةٌ، وَالْجَمْعُ مَعَانِسُ وَمُعَنَّسَاتٌ، وَهِيَ عَانِسٌ وَالْجَمْعُ عَوَانِسُ. وَأَنْشَدَ:
وَعِيطٍ كَأَسْرَابِ الْقِطَا قَدْ تَشَوَّفَتْ ... مَعَاصِيرُهَا وَالْعَاتِقَاتُ الْعَوَانِسُ
وَجَمْعُ عَانِسٍ عُنَّسٌ. قَالَ:
فِي خَلْقِ غَرَّاءَ تَبُذُّ الْعُنَّسَا
وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الرِّجَالِ أَيْضًا: عَانِسٌ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَزَوَّجْ. وَأَنْشَدَ:
مِنَّا الَّذِي هُوَ مَا إِنْ طَرَّ شَارِبُهُ ... وَالْعَانِسُونَ وَمِنَّا الْمُرْدُ وَالشِّيَبُ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَنْسَ: الصَّخْرَةُ. وَبِهَا تُشَبَّهُ النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ فَتُسَمَّى عَنْسًا. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ.

(عَنَشَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالشِّينُ أُصَيْلٌ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. وَإِنْ

(4/156)


صَحَّ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَمَرُّسٍ بِشَيْءٍ. يَقُولُونَ: فُلَانٌ يُعَانِشُ النَّاسَ، أَيْ يُقَاتِلُهُمْ وَيَتَمَرَّسُ بِهِمْ. وَيُعَانِشُ: يُظَالِمُ. وَيُنْشِدُونَ:
إِذًا لَأَتَاهُ كُلُّ شَاكٍ سِلَاحَهُ يُعَانِشُ يَوْمَ الْبَأْسِ سَاعِدُهُ جَزْلُ
وَيَقُولُونَ: عَانَشْتُ الرَّجُلَ: عَانَقْتُهُ. وَيُنْشِدُونَ لِسَاعِدَةَ:
عِنَاشُ عَدُوٍّ لَا يَنَالُ مُشَمِّرًا ... بِرَجُلٍ إِذَا مَا الْحَرْبُ شُبَّ سَعِيرُهَا
وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ وَأَنْ يَكُونَ الشِّينُ بَدَلًا مِنَ الْقَافِ فَمَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ. وَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: عَنَشْتُ الشَّيْءَ أَعْنِشُهُ عَنْشًا، إِذَا عَطَفْتُهُ. وَهَذَا أَيْضًا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(عَنَصَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّعَرِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَنْصُوةُ: الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ عَيَّرَتْنِي الشَّيْبَ عِرْسِي وَمَسَّحَتْ ... عَنَاصِيَ رَأْسِي فَهِيَ مِنْ ذَاكَ تَعْجَبُ
وَمِمَّا يُقَاسُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: بِأَرْضِ بَنِيَ فُلَانٍ عَنَاصٍ مِنَ النَّبْتِ; وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ إِذَا كَانَ قَلِيلًا مُتَفَرِّقًا، الْوَاحِدُ عُنْصُوَةٌ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
إِنْ يُمْسِ رَأْسِي أَشْمَطَ الْعَنَاصِيَ ... كَأَنَّمَا فَرَّقَهُ مُنَاصِي
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ إِلَّا عَنَاصٍ، وَذَلِكَ إِذَا بَقِيَ مِنْهُ الْيَسِيرُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُنْصُوةُ: قُنْزُعَةٌ فِي جَانِبِ الرَّأْسِ.

(4/157)


(عَنَطَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طُولِ جِسْمٍ وَحُسْنِ قَوَامٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَنَطْنَطُ، اشْتِقَاقُهُ مِنْ عَنَطَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أُرْدِفَ بِحَرْفَيْنِ فِي عَجُزِهِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
يَمْطُو السُّرَى بُعْنُقُ عَنَطْنَطِ
وَامْرَأَةٌ عَنَطْنَطَةٌ: طَوِيلَةُ الْعُنُقِ مَعَ حُسْنِ قَوَامٍ. قَالَ يَصِفُ رَجُلًا وَفَرَسًا:
عَنَطْنَطٌ تَعْدُو بِهِ عَنَطْنَطَهْ ... لِلْمَاءِ تَحْتَ الْبَطْنِ مِنْهُ غَطْمَطَهْ

(عَنُفَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الرِّفْقِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُنْفُ: ضِدُّ الرِّفْقِ. تَقُولُ عَنُفَ يَعْنُفُ عُنْفًا فَهُوَ عَنِيفٌ، إِذَا لَمْ يَرْفُقُ فِي أَمْرِهِ. وَأَعْنَفْتُهُ أَنَا. وَيُقَالُ: اعْتَنَفْتَ الشَّيْءَ، إِذَا كَرِهْتَهُ وَوَجَدْتَ لَهُ عُنْفًا عَلَيْكَ وَمَشَقَّةً. وَمِنَ الْبَابِ: التَّعْنِيفُ، وَهُوَ التَّشْدِيدُ فِي اللَّوْمِ. فَأَمَّا الْعُنْفُوَانُ فَأَوَّلُ الشَّيْءِ، يُقَالُ عُنْفُوَانُ الشَّبَابِ، وَهُوَ أَوَّلُهُ، فَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ، إِنَّمَا هَذَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَيْنَ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ، وَالْأَصْلُ الْأَنْفُ; وَأَنْفُ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّلُهُ. قَالَ:
مَاذَا تَقُولُ بِنْتَهَا تَلَمَّسُ ... وَقَدْ دَعَاهَا الْعُنْفُوَانُ الْمُخْلِسُ
وَقَالَ آخَرُ:
تَلُومُ امْرَأً فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ ... وَتَتْرُكُ أَشْيَاعَ الضَّلَالِ تَحَيَّنُ

(4/158)


(عَنُقَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ فِي شَيْءٍ، إِمَّا فِي ارْتِفَاعٍ وَإِمَّا فِي انْسِيَاحٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعُنُقُ، وَهُوَ وُصْلَةُ مَا بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ، مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ، وَجَمْعُهُ أَعْنَاقٌ. وَرَجُلٌ أَعْنَقُ، أَيْ طَوِيلُ الْعُنُقِ. وَجَبَلٌ أَعْنَقُ: مُشْرِفٌ. وَنَجْدٌ أَعْنَقُ، وَهَضْبَةٌ عَنْقَاءُ. وَامْرَأَةٌ عَنْقَاءُ: طَوِيلَةُ الْعُنُقِ. وَهَضْبَةٌ مُعْنِقَةٌ أَيْضًا. قَالَ:
عَيْطَاءَ مُعْنِقَةٍ يَكُونُ أَنِيسُهَا ... وُرْقَ الْحَمَامِ جَمِيمُهَا لَمْ يُؤْكَلِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْمُعَنِّقَاتُ مِثْلُ الْمُعْنِقَاتِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ لَجَأٍ:
وَمِنْ هَضْبِ الْأَرُومِ مُعَنِّقَاتٌ
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْمُعَنِّقُ: الطَّوِيلُ. وَأَنْشَدَ:
فِي تَامِكٍ مَثَلِ النَّقَا الْمُعَنِّقِ
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعَنْقَاءُ فِيمَا يُقَالُ: طَائِرٌ لَمْ يَبْقَ إِلَّا اسْمُهُ. وَسُمِّيَتْ عَنْقَاءَ لِبَيَاضٍ كَانَ فِي عُنُقِهَا وَفِي الْمَثَلِ لِمَا لَا يُوجَدُ: " طَارَتْ بِهِ الْعَنْقَاءُ ". فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْجَمَاعَةِ عُنُقٌ، فَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ، أَيْ جَمَاعَتُهُمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: {خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ، وَلَوْ كَانَتِ الْأَعْنَاقُ أَنْفُسُهَا لَقَالَ خَاضِعَةً أَوْ خَاضِعَاتٍ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو زَيْدٍ. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: لَمَّا كَانَتِ الْأَعْنَاقُ مُضَافَةً إِلَيْهِمْ رَدَّ الْفِعْلَ إِلَيْهِمْ دُونَهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: لَمَّا كَانَ خُضُوعُ أَهْلِهَا بِخُضُوعِ أَعْنَاقِهِمْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ، لِأَنَّ

(4/159)


الْمَعْنَى رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ذَلَّتْ عُنُقِي لِفُلَانٍ، وَخَضَعَتْ رَقَبَتِي لَهُ، أَيْ خَضَعَتْ لَهُ، وَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي ضِدِّهِ: لَوَى عُنُقَهُ عَنِّي وَلَمْ تَلِنْ لِي أَخَادِعُهُ، أَيْ لَمْ يَخْضَعْ لِي وَلَمْ يَنْقَدْ.
قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: أَعْنَقْتُ الْكَلْبَ أُعْنِقُهُ إِعْنَاقًا، إِذَا جَعَلْتُ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةً أَوْ وَتَرًا
وَالْمِعْنَقَةُ: مِعْنَقَةُ الْكَلْبِ، وَهِيَ قِلَادَتُهُ. وَيُقَالُ لِمَا سَطَعَ مِنَ الرِّيَاحِ: أَعْنَاقُ الرِّيَاحِ. وَيَقُولُونَ: أَعْنَقَتِ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ. قَالَ الْخَلِيلُ: اعْتُنِقَتِ الدَّابَّةُ فِي الْوَحْلِ، إِذَا أَخْرَجَتْ عُنُقَهَا. قَالَ رُؤْبَةُ:
خَارِجَةً أَعْنَاقُهَا مِنْ مُعْتَنَقْ
الْمُعْتَنَقُ: مَخْرَجُ أَعْنَاقِ الْجِبَالِ مِنَ السَّرَابِ، أَيِ اعْتُنِقَتْ فَأَخْرَجَتْ أَعْنَاقَهَا.
وَالِاعْتِنَاقُ مِنَ الْمُعَانَقَةِ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ فِي الْمَوَدَّةِ، وَالِاعْتِنَاقُ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا. تَقُولُ اعْتَنَقُوا فِي الْحَرْبِ، وَلَا تَقُولُ تَعَانَقُوا. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَارُوا الِاعْتِنَاقَ فِي الْحَرْبِ، وَالْمُعَانَقَةَ فِي الْمَوَدَّةِ وَنَحْوِهَا. فَإِذَا خَصَّصْتَ بِالْفِعْلِ وَاحِدًا دُونَ الْآخَرِ لَمْ تَقُلْ إِلَّا عَانَقَ فُلَانٌ فُلَانًا. وَقَدْ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ اعْتَنَقَ. قَالَ زُهَيْرٌ:
يَطْعُنُهُمْ مَا ارْتَمَوْا حَتَّى إِذَا اطَّعَنُوا ... ضَارَبَ حَتَّى إِذَا مَا ضَارَبُوا اعْتَنَقَا

(4/160)


قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: عَنَقْتُ الْبَعِيرَ، إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ، كَمَا يُقَالُ رَأَسْتُهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ تَعَنَّقَ الْأَرْنَبُ فِي الْعَانِقَاءِ، وَهُوَ جُحْرٌ مَمْلُوءٌ تُرَابًا رَخْوًا يَكُونُ لِلْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ إِذَا خَافَا. وَرُبَّمَا دَخَلَ ذَلِكَ التُّرَابَ، فَيُقَالُ: تَعَنَّقَ; لِأَنَّهُ يَدُسُّ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ فِيهِ وَيَمْضِي حَتَّى يَصِيرَ تَحْتَهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَانِقَاءُ: تُرَابٌ لُغَّيْزَى الْيَرْبُوعِ وَتُرَابُ مَجْرَاهُ. وَلُغَّيْزَاهُ: حَفْرَاهُ فِي جَانِبَيِ الْجُحْرِ. قَالَ قُطْرُبٌ: عُنُقُ الرَّحِمِ: مَا اسْتَدَقَّ مِنْهَا مِمَّا يَلِي الْحَيَاءَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُنُقُ الْكَرِشِ: أَسْفَلُهَا. قَالَ: وَالْعُنُقُ وَالْقِبَّةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَيُقَالُ: عَنَّقَتْ كَوَافِيرُ النَّخْلِ، إِذَا طَالَتْ وَلَمْ تُفَلِّقْ، وَهُوَ التَّعْنِيقُ. يُقَالُ بُسْرَةٌ مُعَنِّقَةٌ، إِذَا بَقِيَ مِنْهَا حَوْلَ الْقِمَعِ مِثْلُ الْخَاتَمِ، وَذَلِكَ إِذَا بَلَغَ التَّرْطِيبُ قَرِيبًا مِنْ قِمَعِهَا. وَالْأَعْنَقُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُوَ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ، وَسُمِّيَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ. وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَعْنَقِ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ وَائِلِ بْنِ قَاسِطٍ. وَقَوْمٌ آخَرُونَ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْعَنْقَاءِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَنْقَاءُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، مِنْ خُزَاعَةَ، قَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، وَذَهَبَ بِلَفْظِهِ إِلَى تَأْنِيثِ الْعُنُقِ. كَقَوْلِهِمْ:
وَعَنْتَرَةُ الْفَلْحَاءُ

(4/161)


أَنَّثَهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الشَّفَةِ. وَقَالَ:
أَوِ الْعَنْقَاءِ ثَعْلَبَةَ بْنَ عَمْرٍو ... دِمَاءُ الْقَوْمِ لِلْكَلْبَى شِفَاءُ
قَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الشَّيْءِ لَا يُفَارِقُ: هُوَ مِنْكَ عُنُقَ الْحَمَامَةِ، يُرِيدُ طَوْقَهَا لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ أَبَدًا.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَنَقُ مِنْ سَيْرِ الدَّوَابِّ، وَالنَّعْتُ مِعْنَاقٌ وَعَنِيقٌ. يُقَالُ بِرْذَوْنٌ عَنِيقٌ، وَسَيْرٌ عَنِيقٌ. قَالَ:
لَمَّا رَأَتْنِي عَنَقَى دَبِيبُ ... وَقَدْ أُرَى وَعَنَقَى سُرْحُوبُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَنَقُ: الْمُسْبَطِرُّ مِنَ السَّيْرِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَصْلِ الْبَابِ: أَنَّ الْبَابَ مَوْضُوعٌ عَلَى الِامْتِدَادِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَعْنَقَ الْفَرَسُ يُعْنِقُ إِعْنَاقًا، وَهُوَ الْمَشْيُ الْخَفِيفُ. وَبِرْذَوْنٌ مِعْنَاقٌ. وَفِي الْمَثَلِ: " لَأُلْحِقَنَّ قَطُوفَهَا بِالْمِعْنَاقِ ". قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْمِعْنَاقُ مِنَ الْإِبِلِ: الْخَفِيفَةُ تُرِيدُ الْمَرْتَعَ وَلَا تَرْتَعُ. وَيُقَالُ الْمَعَانِيقُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي لَا تَقْنَعُ بِالْمَرْتَعِ نَكَدًا مِنْهَا وَقِلَّةَ خَيْرٍ، لَا يَزَالُ رَاعِيهَا فِي تَعَبٍ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا تَمُدُّ أَبَدًا أَعْنَاقَهَا لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهَا. وَأَنْشَدَ:
وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَكْفِينِي الْعَمَلْ ... السَّقْيَ وَالرِّعْيَةَ وَالْمَشْيَ الْمِئَلْ
وَطَلَبَ الذَّوْدِ الْمَعَانِيقِ الْأُوَلْ
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَعْنَقَتْ: مَاجَتْ فِي مَرَاعِيهَا فَلَمْ تَرْتَعْ لِطَلَبِ كَلَأٍ آخَرَ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِ ابْنِ أَحْمَرَ:

(4/162)


تَظَلُّ بَنَاتُ أَعْنَقَ مُسْرَجَاتٍ ... لِرُؤْيَتِهَا يَرُحْنَ وَيَغْتَدِينَا
قَالَ يُرِيدُ بِبَنَاتِ أَعْنَقَ: كُلَّ دَابَّةٍ أَعْنَقَتْ، مِنْ فَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ، وَإِنَّمَا يَصِفُ دُرَّةً. يَقُولُ: تَظَلُّ الدَّوَابُّ مُسْرَجَةً فِي طَلَبِهَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا. فَأَمَّا الْعَنْقَاءُ، فَيُقَالُ هِيَ الدَّاهِيَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَقْبِيحًا وَتَهْوِيلًا، كَأَنَّهَا شَيْءٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ. قَالَ:
يَحْمِلْنَ عَنْقَاءَ وَعَنْقَفِيرًا ... وَالدَّلْوَ وَالدَّيْلَمَ وَالزَّفِيرَا
وَيُقَالُ إِنَّ الْمُعْنِقَ مُضْنُ جَلَدِ الْأَرْضِ: مَا صَلُبَ وَارْتَفَعَ وَمَا حَوَالَيْهِ سَهْلٌ، وَهُوَ مُنْقَادٌ طُولًا نَحْوَ مِيلٍ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ مَعَانِقُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَنَاقُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ، وَالْجَمْعُ عُنُوقٌ. قَالَ جَمِيلٌ:
إِذَا مَرِضَتْ مِنْهَا عَنَاقٌ رَأَيْتَهُ ... بِسِكِّينِهِ مِنْ حَوْلِهَا يَتَلَهَّفُ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا تَحَوَّلَ مِنَ الرِّفْعَةِ إِلَى الدَّنَاءَةِ: " الْعُنُوقُ بَعْدَ النُّوقِ "، أَيْ صِرْتَ رَاعِيًا لِلْعُنُوقِ بَعْدَمَا كُنْتَ رَاعِيًا لِلنُّوقِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَنَاقُ مِنْ حِينِ تُلْقِيهَا أُمُّهَا حَتَّى تُجْذِعَ بَعْدَ فِطَامِهَا بِشَهْرَيْنِ، وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَنَاقُ يَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ، مَا بَيْنَ أَنْ تُولَدَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَتَصِيرَ عَنْزًا. وَشَاةٌ مِعْنَاقٌ، إِذَا كَانَتْ تَلِدُ الْعُنُوقَ. وَأَنْشَدَ:
عَتِيقَةٍ مِنْ غَنَمٍ عِتَاقِ ... مَرْغُوسَةٍ مَأْمُورَةٍ مِعْنَاقِ

(4/163)


وَعَنَاقُ الْأَرْضِ: شَيْءٌ أَصْغَرُ مِنَ الْفَهْدِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْخَيْبَةِ عَنَاقٌ، فَلَيْسَ بِأَصْلٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا لَقَّبَتْ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ بِلَقَبٍ يُكَنُّونَ بِهِ عَنِ الشَّيْءِ، كَمَا يُلَقِّبُونَ الْغَدْرَ كَيْسَانَ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. فَلِذَلِكَ كَنَّوْا عَنِ الْخَيْبَةِ بِالْعَنَاقِ. وَرُبَّمَا قَالُوا الْعَنَاقَةُ بِالْهَاءِ. قَالَ:
لَمْ يَنَالُوا إِلَّا الْعَنَاقَةَ مِنَّا بِئْسَ أَوْسِ الْمَطَالِبِ الْجَوَّابِ
الْأَوْسُ: الْعَطِيَّةُ وَالْعِوَضُ. يُقَالُ: أُسْتُهُ أَوْسًا. وَقَالَ آخَرُ فِي الْعَنَاقِ:
أَمِنَ تَرْجِيعِ قَارِيَةٍ قَتَلْتُمْ ... أُسَارَاكُمْ وَأُبْتُمْ بِالْعَنَاقِ
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْمَلُ مَا حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، أَنَّ الْعَنَاقَ الدَّاهِيَةُ. وَأَنْشَدَ:
إِذَا تَمَطَّيْنَ عَلَى الْقَيَاقِي ... لَاقَيْنَ مِنْهُ أُذُنَيْ عَنَاقِ
فَأَمَّا الَّذِي يَرْوُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَاؤُكُمْ هَذَا عَنَاقُ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ مَاءُ الْكَذِبِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ، فَمِمَّا تُكَثَّرُ بِهِ الْحِكَايَاتُ، وَتُحْشَى بِهِ الْكُتُبُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ.

(عَنَكَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْكَافُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ. وَالْآخَرُ ارْتِبَاكٌ فِي الْأَمْرِ وَاسْتِغْلَاقٌ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ: الْعَانِكُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ لَوْنٌ مِنَ الْحُمْرَةِ; يُقَالُ دَمٌ عَانِكٌ. قَالَ:
أَوْ عَانِكٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ

(4/164)


وَغَيْرُهُ بِرِوَايَةِ: " أَوْ عَاتِقٍ ". وَقَالَ: عَرَقٌ عَانِكٌ، إِذَا كَانَ فِي لَوْنِهِ حُمْرَةٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى أُقْحُوَانٍ فِي حَنَادِيجِ حُرَّةٍ ... يُنَاصِي حَشَاهَا عَانِكٌ مُتَكَاوِسُ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْمُعْتَنِكُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّذِي إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الرَّمْلُ بَرَكَ وَحَبَا عَلَيْهِ. قَالَ:
أَوْدَيْتَ إِنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ الْمُعْتَنِكْ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ اعْتَنَكَ الْبَعِيرُ، إِذَا مَشَى فِي رَمْلٍ عَانِكٍ، أَيْ كَثِيرٍ، فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَحْبُوَ. وَأَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ. وَمَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَحْمِلْ لِي عَلَى نَفْسِكَ حَمْلَ هَذَا الْبَعِيرِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرَّمْلِ فَقَدْ هَلَكْتُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعِنْكُ، قَالَ الْخَلِيلُ: وَهُوَ الْبَابُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: عَنَكْتُ الْبَابَ وَأَعْنَكْتُهُ، أَيْ أَغْلَقْتُهُ، لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ. وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْعَنْكُ مِنَ اللَّيْلِ، وَهِيَ سُدْفَةٌ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الظُّلْمَةَ كَأَنَّهَا تَسُدُّ بَابَ الضَّوْءِ. وَالْكَلِمَةُ صَحِيحَةٌ، أَعْنِي أَنَّ الْعِنْكَ الظُّلْمَةُ. وَأَنْشَدَ:
وَفَتَيَانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بَجُهْمَةٍ ... مِنَ اللَّيْلِ لَوْلَا حُبُّ ظَمْيَاءَ عَرَّسُوا
فَقَامُوا كُسَالَى يَلْمِسُونَ وَخَلْفَهُمْ ... مِنَ اللَّيْلِ عِنْكٌ كَالنَّعَامَةِ أَقْعَسُ

(4/165)


وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا إِنْ صَحَّ شَيْءٌ ذَكَرَهُ يُونُسُ، قَالَ: عَنَكَ اللَّبَنُ، إِذَا خَثُرَ.

(عَنَمَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ لَيْسَ بِأَصْلٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَبْتٌ أَوْ شَيْءٌ يُشَبَّهُ بِهِ. قَالُوا: الْعَنَمُ: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ السِّوَاكِ، لَيِّنُ الْأَغْصَانِ لَطِيفُهَا، كَأَنَّهُ بَنَانُ جَارِيَةٍ، الْوَاحِدَةُ عَنَمَةٌ. وَمِمَّا شُبِّهَ بِذَلِكَ الْعَنَمَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ الْعَظَايَةُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ:
يُبْدِينَ أَطْرَافًا لِطَافًا عَنَمُهُ ... إِذْ حُبُّ أَرْوَى هَمُّهُ وَسَدَمُهُ
السَّدَمُ: الْكَلَفُ بِالشَّيْءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَهَبَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ صَحَّتْ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْهَبُ: الضَّعِيفُ مِنَ الرِّجَالِ عَنْ طَلَبِ الْوِتْرِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي ... إِذَا
مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلُّ عَيْهَبِ

فَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عِهِبَّى فُلَانٍ، أَيْ فِي زَمَانِهِ. وَأَنْشَدَ:
عَهْدِي بِسَلْمَى وَهِيَ لَمْ تَزَوَّجِ ... عَلَى عِهِبَّى عَيْشِهَا الْمُخَرْفَجِ
فَقَدْ قِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.

(4/166)


(عَهَجَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ لَا قِيَاسَ لَهَا وَلَا عَلَيْهَا. قَالُوا: الْعَوْهَجُ: ظَبْيَةٌ حَسَنَةُ اللَّوْنِ طَوِيلَةُ الْعُنُقِ. وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ " عَوْهَجَ " تَشْبِيهًا لَهَا بِهَا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَوْهَجُ: الْمُخَطَّطَةُ الْعُنُقِ. وَيُقَالُ لِلنَّعَامَةِ أَيْضًا عَوْهَجُ، لِطُولِ عُنُقِهَا. قَالَ الْعَجَّاجُ:
كَالْحَبَشِيِّ الْتَفَّ أَوْ تَسَبَّجَا فِي ... شَمْلَةٍ أَوْ ذَاتِ زِفٍّ عَوْهَجَا
وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الْفَتِيَّةِ: عَوْهَجُ. وَيَقُولُونَ لِلْحَيَّةِ: عَوْهَجُ. قَالَ:
حَصْبَ الْغُوَاةِ الْعَوْهَجَ الْمَنْسُوسَا
الْمَنْسُوسُ: الْمَطْرُودُ.

(عَهِدَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا دَالٌّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، قَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْخَلِيلُ. قَالَ: أَصْلُهُ الِاحْتِفَاظُ بِالشَّيْءِ وَإِحْدَاثُ الْعَهْدِ بِهِ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الِاحْتِفَاظِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ فُرُوعُ الْبَابِ. فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ عَهِدَ الرَّجُلُ يَعْهَدُ عَهْدًا، وَهُوَ مِنَ الْوَصِيَّةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَهْدَ مِمَّا يَنْبَغِي الِاحْتِفَاظُ بِهِ. وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْعَهْدِ الَّذِي يُكْتَبُ لِلْوُلَاةِ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَجَمْعُهُ عُهُودٌ. وَالْعَهْدُ: الْمَوْثِقُ، وَجَمْعُهُ عُهُودٌ. وَمِنَ الْبَابِ الْعَهْدُ الَّذِي مَعْنَاهُ الِالْتِقَاءُ وَالْإِلْمَامُ، يُقَالُ: هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِلْمَامَهُ بِهِ احْتِفَاظٌ بِهِ وَإِقْبَالٌ.

(4/167)


[وَ] الْعَهِيدُ: الشَّيْءُ الَّذِي قَدُمَ عَهْدُهُ. وَالْعَهْدُ: الْمَنْزِلُ الَّذِي لَا يَزَالُ الْقَوْمُ إِذَا انْتَوَوْا عَنْهُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
هَلْ تَعْرِفُ الْعَهْدَ الْمُحِيلَ أَرْسُمُهُ ... عَفَتْ عَوَافِيهِ وَطَالَ قِدَمُهُ
وَالْمَعْهَدُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَجَمْعُهُ مَعَاهِدُ. وَأَهْلُ الْعَهْدِ هُمُ الْمُعَاهَدُونَ، وَالْمَصْدَرُ الْمُعَاهَدَةُ، أَيْ إِنَّهُمْ يُعَاهَدُونَ عَلَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةٍ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، كَأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَفَظُ بِهِ لَهُمْ، فَإِذَا أَسْلَمُوا ذَهَبَ عَنْهُمُ اسْمُ الْمُعَاهَدَةِ. وَذَكَرَ الْخَلِيلُ أَنَّ الِاعْتِهَادَ مِثْلُ التَّعَاهُدِ وَالتَّعَهُّدِ، وَأَنْشَدَ لِلطِّرِمَّاحِ:
وَيُضِيعُ الَّذِي قَدْ أَوْجَبَهْ ... اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَتَعَهَّدُهْ
وَقَالَ أَيْضًا: عَهِيدُكَ: الَّذِي يُعَاهِدُكَ وَتُعَاهِدْهُ. وَأَنْشَدَ:
فَلَلتُّرْكُ أَوْفَى مِنْ نَزَارٍ بِعَهْدِهَا ... فَلَا يَأْمَنَنَّ الْغَدْرَ يَوْمًا عَهِيدُهَا
وَمِنَ الْبَابِ: الْعُهْدَةُ: الْكِتَابُ الَّذِي يُسْتَوْثَقُ بِهِ فِي الْبَيْعَاتِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ لَعُهْدَةً مَا أُحْكِمَتْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي التَّوَثُّقُ لَهُ. وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: " الْمَلَسَى لَا عُهْدَةَ "، يَقُولُهُ الْمُتَبَايِعَانِ، أَيْ تَمَلَّسْنَا عَنْ إِحْكَامٍ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَمْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعَهُّدٍ بِإِحْكَامٍ. وَيَقُولُونَ: " فِي أَمْرِهِ عُهْدَةٌ "، يُومِئُونَ إِلَى الضَّعْفِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مَا قَدْ فَسَّرْنَاهُ.

(4/168)


قَالَ الْخَلِيلُ: تَعَهَّدَ فُلَانٌ الشَّيْءَ وَتَعَاهَدَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَعَهَّدْتُ ضَيْعَتِي، وَلَا يُقَالُ تَعَاهَدْتُ; لِأَنَّ التَّعَاهُدَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ. قُلْنَا: وَالْخَلِيلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَعْرَفُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ النَّضْرِ. عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ قَدْ تَغَافَلَ عَنْ كَذَا، وَتَجَاوَزَ عَنْ كَذَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ اثْنَيْنِ. وَرُبَّمَا سَمَّوْا الِاشْتِرَاطَ اسْتِعْهَادًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مِمَّا يَنْبَغِي الِاحْتِفَاظُ بِهِ إِذَا شُرِطَ. قَالَ:
وَمَا اسْتَعْهَدَ الْأَقْوَامُ مِنْ زَوْجِ حُرَّةٍ ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا مِنْكَ أَوْ مِنْ مُحَارِبِ
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} [يس: 60] ، وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَلَمْ أُقَدِّمْ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ الِاحْتِفَاظَ بِهِ.
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إِلَى حَيْثُ انْتَهَيْنَا مُطَّرِدٌ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ. وَبَقِيَ فِي الْبَابِ: الْعَهْدُ مِنَ الْمَطَرِ، وَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَهْدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ، هُوَ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْوَسْمِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّاسُ الْوَلِيُّ. وَإِذَا كَانَ كَذَا كَانَ قِيَاسُهُ قِيَاسَ قَوْلِنَا: هُوَ يَتَعَهَّدُ أَمْرَهُ وَضَيْعَتَهُ، كَأَنَّ الْمَطَرَ وَسَمَ الْأَرْضَ أَوَّلًا وَتَعَهَّدُهَا ثَانِيًا، أَيِ احْتَفَظَ بِهَا فَأَتَاهَا

(4/169)


وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَذَلِكَ أَنْ يَمْضِيَ الْوَسْمِيُّ ثُمَّ يَرْدُفَهُ الرَّبِيعُ بِمَطَرٍ بَعْدَ مَطَرٍ، يُدْرِكُ آخِرُهُ بَلَلَ أَوَّلِهِ وَدُمُوثَتَهُ. قَالَ: وَهُوَ الْعَهْدُ، وَالْجَمْعُ عِهَادٌ. وَقَالَ: وَيُقَالُ: كُلُّ مَطَرٍ يَكُونُ بَعْدَ مَطَرٍ فَهُوَ عِهَادٌ. وَعُهِدَتِ الرَّوْضَةُ، وَهَذِهِ رَوْضَةٌ مَعْهُودَةٌ: أَصَابَهَا عِهَادٌ مِنْ مَطَرٍ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
عَقَائِلُ رَمْلَةٍ نَازَعْنَ مِنْهَا ... دُفُوفَ أَقَاحِ مَعْهُودٍ وَدَيْنِ
الْمَعْهُودُ: الْمَمْطُورُ. وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
تَرَى السَّحَابَ الْعَهْدَ وَالْفُتُوحَا
الْفُتُوحُ: جَمْعُ فَتْحٍ، وَهُوَ الْمَطَرُ الْوَاسِعُ. وَقَالَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ: الْعِهَادُ: أَوَّلُ الرَّبِيعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الْقُرُّ، الْوَاحِدَةُ عَهْدَةٌ. وَكَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْعِهَادُ مِنَ الْوَسْمِيِّ، وَأَوَائِلُ الْأَمْطَارِ يَكُونُ ذُخْرًا فِي الْأَرْضِ، تُضْرَبُ لَهَا الْعُرُوقُ، وَتُسْبَطُ الْأَرْضُ بِالْخُضْرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَوَلِيَةٌ وَتَبِعَاتٌ فَهِيَ الْحَيَاءُ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ.
وَيَقُولُونَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ فُلَانٍ وَعِهْدَانِهِ. وَأَنْشَدُوا:
لَسْتَ سُلَيْمَانُ كَعِهْدَانِكَ

(عَهَرَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ، وَهِيَ الْفُجُورُ. قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: الْعَهْرُ: الْفُجُورُ. وَالْعَاهِرُ: الْفَاجِرُ. يُقَالُ عَهِرَ وَعَهَرَ عُهْرًا

(4/170)


وَعُهُورًا، إِذَا كَانَ إِتْيَانُهُ إِيَّاهَا [لَيْلًا] . وَفِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، لَا حَظَّ لَهُ فِي النَّسَبِ. قَالَ:
لَا تُلْجِئَنْ سِرًّا إِلَى خَائِنٍ ... يَوْمًا وَلَا تَدْنُ إِلَى الْعَاهِرِ
قَالَ يَعْقُوبُ: الْعُهُورُ يَكُونُ بِالْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَالْمُسَاعَاةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْإِمَاءِ.
وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ نَادِرًا شَيْءٌ حُكِيَ عَنِ الْمُنْتَجِعِ، قَالَ: كُلُّ مَنْ طَلَبَ الشَّرَّ لَيْلًا مِنْ سَرِقٍ أَوْ زِنًى فَهُوَ عَاهِرٌ. وَيَقُولُونَ - وَهُوَ مِنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ - إِنَّ الْعَاهِرَ: الْمُسْتَرْخِي الْكَسْلَانُ.

(عَهِقَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ لَيْسَ لَهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِيهِ كَلِمَاتٍ لَعَلَّهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً. وَلَوْلَا ذِكْرُهُمْ لَهَا لَكَانَ إِلْغَاؤُهَا عِنْدَنَا أَوْلَى. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَوْهَقُ، عَلَى تَقْدِيرِ فَوْعَلَ، هُوَ الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ الْجَسِيمُ. وَيُقَالُ هُوَ الْبَعِيرُ الْأَسْوَدُ. وَهُوَ أَيْضًا لَوْنُ اللَّازَوَرْدِ. وَيَقُولُونَ: الْعَوْهَقُ: فَحْلٌ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، تُنْسَبُ إِلَيْهِ كِرَامُ النَّجَائِبِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
قَرْوَاءُ فِيهَا مِنْ بَنَاتِ الْعَوْهَقِ
قَالَ: وَالْعَوْهَقُ: الثُّورُ الَّذِي لَوْنُهُ إِلَى سَوَادٍ. وَالْعَوْهَقُ: الْخُطَّافُ الْجَبَلِيُّ. قَالَ:
فَهِيَ وَرْقَاءُ كَلَوْنِ الْعَوْهَقِ

(4/171)


وَيُقَالُ: بَعِيرٌ عَوْهَقٌ، أَيْ طَوِيلٌ. قَالَ:
تَرَاخَى بِهِ حُبُّ الضِّحَاءِ وَقَدْ رَأَى ... سَمَاوَةَ قَشْرَاءَ الْوَظِيفَيْنِ عَوْهَقِ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَوْهَقَانِ: كَوْكَبَانِ إِلَى جَنْبِ الْفَرْقَدَيْنِ عَلَى نَسَقٍ، وَطَرِيقُهُمَا مِمَّا يَلِي الْقُطْبَ وَأَنْشَدَ:
بِحَيْثُ بَارَى الْفَرْقَدَانِ الْعَوْهَقَا ... عِنْدَ مَسَدِّ الْقُطْبِ حِينَ اسْتَوْسَقَا
وَقَالَ أَيْضًا: الْعَيْهَقَةُ: عَيْهَقَةُ النَّشَاطِ وَالِاسْتِنَانِ. قَالَ:
إِنَّ لِرَيَعَانِ الشَّبَابِ عَيْهَقَا
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَوْهَقُ: خِيَارُ النَّبْعِ وَلُبَابُهُ، يُتَّخَذُ مِنْهُ الْقِسِيُّ. قَالَ:
وَكُلُّ صَفْرَاءَ طَرُوحٍ عَوْهَقِ
وَعَوْهَقُ: اسْمُ رَوْضَةٍ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
فَكَأَنَّمَا طُرِقَتْ بِرِيَّا رَوْضَةٍ ... مِنْ رَوْضِ عَوْهَقَ طَلَّةٍ مِعْشَابِ

(4/172)


(عَهِلَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْطِلَاقٍ وَذَهَابٍ وَقِلَّةِ اسْتِقْرَارٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْهَلُ: النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ. قَالَ:
206 - زَجَرْتُ فِيهَا عَيْهَلًا رَسُومًا ... مُخْلَصَةَ الْأَنْقَاءِ وَالزَّعُومَا
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَتَكُونُ مُسِنَّةً شَدِيدَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُقَالُ نَاقَةٌ عَيْهَلَةٌ وَعَيْهَلٌ، وَلَا يُقَالُ جَمَلٌ عَيْهَلٌ. وَأَنْشَدُوا:
بِبَازِلٍ وَجْنَاءٍ أَوْ عَيْهَلِّ
قَالُوا: شَدَّدَ اللَّامَ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ. وَيُقَالُ امْرَأَةٌ عَيْهَلٌ وَعَيْهَلَةٌ جَمِيعًا، إِذَا كَانَتْ لَا تَسْتَقِرُّ نَزَقًا. وَرُبَّمَا وَصَفُوا الرِّيحَ فَقَالُوا: عَهِيلٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا: عَاهِلٌ، وَجَمْعُهَا عَوَاهِلُ، فَصَحِيحٌ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا زَوْجَ لَهَا يَقْصُرُهَا. وَأَنْشَدَ:
مَشْيُ النِّسَاءِ إِلَى النِّسَاءِ عَوَاهِلًا ... مِنْ بَيْنَ عَارِفَةِ السِّبَاءِ
وَأَيِّمِ ذَهَبَ الرِّمَاحُ بِبَعْلِهَا فَتَرَكْنَهُ ... فِي صَدْرِ مُعْتَدِلِ الْكُعُوبِ مُقَوَّمِ
وَقَالَ فِي الْعَيْهَلِ أَيْضًا:

(4/173)


فَنِعْمَ مُنَاخُ ضَيْفَانِ وَتَجْرٍ ... وَمُلْقَى رَحْلِ عَيْهَلَةٍ بَجَالِ
وَبَقَى فِي الْبَابِ كَلِمَةٌ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَيْسَتْ بِبَعِيدٍ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. حُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: الْعَاهِلُ: الْمَلِكُ لَيْسَ الَّذِي فَوْقَهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ - تَعَالَى -. يُقَالُ لِلْخَلِيفَةِ: عَاهِلٌ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْخَلْقِ فَوْقَ يَدِهِ تَمْنَعُهُ.

(عَهِمَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِبْدَالِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْهَامَةُ: النَّاقَةُ الْمَاضِيَةُ. وَأَنْشَدَ:
وَرَدْتُ بِعَيْهَامَةٍ حُرَّةٍ فَعَبَّتْ ... يَمِينًا وَعَبَّتْ شِمَالًا
وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا كَامِلَةُ الْخَلْقِ أَيْضًا. قَالَ:
مُسْتَرْعَفَاتٌ بِخِدَبٍّ عَيْهَامُ ... مُدَامَجِ الْخَلْقِ دِرَفْسٍ مِسْعَامْ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: نَاقَةٌ عَيْهَمَةٌ: نَجِيبَةٌ سَرِيعَةٌ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا تَعْطَشُ سَرِيعًا، وَالْجَمْعُ عَيَاهِيمُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَيْهَاتَ خَرْقَاءُ إِلَّا أَنْ يُقَرِّبَهَا ... ذُو الْعَرْشِ وَالشَّعْشَعَانَاتُ الْعَيَاهِيمُ
وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو:
عَيْهَمَةٌ يَنْتَحِي فِي الْأَرْضِ مَنْسِمُهَا ... كَمَا انْتَحَى فِي أَدِيمِ الصِّرْفِ إِزْمِيلُ

(4/174)


قَالَ أَبُو عَمْرٍو: عَيْهَمَتُهَا: سُرْعَتُهَا. وَرُبَّمَا قَالُوا: عُيَاهِمَةٌ عَلَى وَزْنِ عُذَافِرَةٌ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: عَيْهَمٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ. قَالَ:
وَلِلْعِرَاقِيِّ ثَنَايَا عَيْهَمِ
وَيَقُولُونَ: الْعَيْهُومُ: أَصْلُ شَجَرَةٍ. وَيَقُولُونَ هُوَ الْأَدِيمُ الْأَحْمَرُ. قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
فَتَعَفَّتْ بَعْدَ الرَّبَابِ زَمَانًا ... فَهِيَ قَفْرٌ كَأَنَّهَا عَيْهُومُ
فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَقَدْ أُثِيرُ الْعَيْهَمَانَ الرَّاقِدَا
فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ الَّذِي لَا يُدْلِجُ، يُقَامُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ.

(عَهِنَ) الْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ وَسُهُولَةٍ وَقِلَّةِ غِذَاءٍ فِي الشَّيْءِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَاهِنُ: الْمَالُ الَّذِي يَتَرَوَّحُ عَلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ الْعَتِيدُ الْحَاضِرُ. يُقَالُ: أَعْطَاهُ مِنْ عَاهِنِ مَالِهِ. وَأَنْشَدَ:

(4/175)


فَقَتْلٌ بِقَتْلَانَا وَسَبْيٌ بِسَبْيِنَا ... وَمَالٌ بِمَالٍ عَاهِنٍ لَمْ يُفَرَّقِ
قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْعَاهِنُ: الْعَاجِلُ: يُقَالُ: مَا أَعْهَنَ مَا أَتَاكَ. قَالَ: وَيَقُولُونَ: أَبِعَاهِنٍ بِعْتَ أَمْ بِدَيْنٍ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ عَاهِنٌ، إِذَا كَانَ فِي يَدِكَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَهِنَ يَعْهَنُ عُهُونًا، وَأَنْشَدَ لِلشَّاعِرِ:
دِيَارُ ابْنَةِ الضَّمْرِيِّ إِذْ وَصَلَ ... حَبْلُهَا مَتِينٌ وَإِذْ مَعْرُوفُهَا لَكَ عَاهِنٌ
أَيْ حَاضِرٌ مُقِيمٌ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَهَنَ مِنْ فُلَانٍ خَيْرٌ أَوْ خَبَرٌ - أَنَا أَشُكُّ فِي ذَلِكَ - يَعْهَنُ عُهُونًا، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ. قَالَ النَّضْرُ: يُقَالُ: اعْهِنْ لَهُ أَيْ عَجِّلْ لَهُ. وَقَدْ عَهَنَ لَهُ مَا أَرَادَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُقَالُ هُوَ يُلْقِي الْكَلَامَ عَلَى عَوَاهِنِهِ، إِذَا لَمْ يُبَالِ كَيْفَ تَكَلَّمَ. وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقُولُهُ بِتَحَفُّظٍ وَتَثَبُّتٍ. وَرُبَّمَا قَالُوا: يَرْمِي الْكَلَامَ عَلَى عَوَاهِنِهِ، إِذَا قَالَهُ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ ظَنُّهُ مِنْ دُونِ يَقِينٍ. وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: قَضِيبٌ عَاهِنٌ، أَيْ مُتَكَسِّرٌ مُنْهَصِرٌ. وَيُقَالُ: فِي الْقَضِيبِ عُهْنَةٌ، وَذَلِكَ انْكِسَارٌ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ حَسِبْتَهُ صَحِيحًا، وَإِذَا هَزَزْتَهُ انْثَنَى. وَيُقَالُ لِلْفَقِيرِ: عَاهِنٌ مِنْ ذَلِكَ. وَرُبَّمَا قَالُوا عَهَنْتُ الْقَضِيبَ أَعْهِنُهُ عَهْنًا. فَأَمَّا الَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ: عَهَنَتْ عَوَاهِنُ النَّخْلِ، إِذَا يَبِسَتْ تَعْهِنُ عُهُونًا، فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَوَاهِنُ النَّخْلِ: مَا يَلِي قُلْبَ النَّخْلَةِ مِنَ الْجَرِيدِ. وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -[أَنَّهُ] قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «ائْتِنِي بِسَعَفٍ وَاجْتَنِبِ الْعَوَاهِنَ»

(4/176)


; لِأَنَّهَا رَطْبَةٌ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ السَّعَفَاتِ الَّتِي تَلِي الْقِلَبَةَ: الْعَوَاهِنُ; لِأَنَّهَا رَطْبَةٌ لَمْ تَشْتَدَّ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَاهِنَ: الْحَابِسُ، وَإِنْشَادُهُمْ لِلنَّابِغَةِ:
أَقُولُ لَهَا لَمَّا وَنَتْ وَتَخَاذَلَتْ ... أَجِدِّي فَمَا دُونَ الْجَبَا لَكِ عَاهِنُ
فَهُوَ عِنْدَنَا غَلَطٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلَى مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ، أَنَّ مَا دُونَ الْجَبَا مُمْكِنٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، أَيِ السَّبِيلُ إِلَيْهِ سَهْلٌ. وَيَكُونُ " مَا " فِي مَعْنَى اسْمٍ.
وَمِنَ الْبَابِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا مَا رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، أَنَّ الْعَوَاهِنَ: عُرُوقٌ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ. وَأَنْشَدَ لِابْنِ الرِّقَاعِ:
أَوْكَتْ عَلَيْهَا مَضِيقًا مِنْ عَوَاهِنِهَا ... كَمَا تَضَمَّنَ كَشْحُ الْحُرَّةِ الْحَبَلَا
كَأَنَّهُ شَبَّهَ تِلْكَ الْعُرُوقَ بِعَوَاهِنِ النَّخْلِ. وَأَمَّا الْعِهْنُ، وَهُوَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ، فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِيَاسِ; لِأَنَّ الصَّبْغَ يُلَيِّنُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(4/177)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَوَيَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لَيٍّ فِي الشَّيْءِ وَعَطْفٍ لَهُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: عَوَيْتَ الْحَبْلَ عَيًّا، إِذَا لَوَيْتَهُ. وَعَوَيْتَ رَأْسَ النَّاقَةِ، إِذَا عُجْتَهُ فَانْعَوَى. وَالنَّاقَةُ تَعْوِي بُرَتَهَا فِي سَيْرِهَا، إِذَا لَوَتْهَا بِخَطْمِهَا. قَالَ رُؤْبَةُ:
تَعْوِي الْبُرَى مُسْتَوْفِضَاتٍ وَفْضًا
أَيْ سَرِيعَاتٍ، يَصِفُ النُّوقَ فِي سَيْرِهَا. قَالَ: وَتَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا دَعَا النَّاسَ إِلَى الْفِتْنَةِ: عَوَى قَوْمًا، وَاسْتَعْوَى. فَأَمَّا عُوَاءُ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ السِّبَاعِ فَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَلْوِيهِ عَنْ طَرِيقِ النَّبْحِ. يُقَالُ عَوَتِ السِّبَاعُ تَعْوِي عُوَاءً. وَأَمَّا الْكَلْبَةُ الْمُسْتَحْرِمَةُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى الْمُعَاوِيَةَ، وَذَلِكَ مِنَ الْعُوَاءِ أَيْضًا، كَأَنَّهَا مُفَاعَلِةٌ مِنْهُ. وَالْعَوَّاءُ: نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ، يُؤَنَّثُ، يُقَالُ لَهَا: " عَوَّاءُ الْبَرْدِ "، إِذَا طَلَعَتْ جَاءَتْ بِالْبَرْدِ. وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ تَكُونَ مُشْتَقَّةً مِنَ الْعُوَاءِ أَيْضًا، لِأَنَّهَا تَأْتِي بِبَرْدٍ تَعْوِي لَهُ الْكِلَابُ. وَيَقُولُونَ فِي أَسْجَاعِهِمْ: " إِذَا طَلَعَتِ الْعَوَّاءُ، جَثَمَ الشِّتَاءُ، وَطَابَ الصِّلَاءُ ". وَهِيَ فِي هَذَا السَّجْعِ مَمْدُودَةٌ، وَهِيَ تُمَدُّ وَتُقْصَرُ. وَيَقُولُونَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ لِسَافِلَةِ الْإِنْسَانِ: الْعَوَّاءُ. وَأَنْشَدَ الْخَلِيلُ:

(4/178)


قِيَامًا يُوَارُونَ عَوَّاتِهِمْ ... بِشَتْمِي وَعَوَّاتُهُمْ أَظْهَرُ
وَيُرْوَى: " عَوْرَاتُهُمْ ". وَقَالَ أَيْضًا، أَنْشَدَهُ الْخَلِيلُ:
فَهَلَّا شَدَدْتَ الْعَقْدَ أَوْ بِتَّ طَاوِيًا ... وَلَمْ تَفْرِجِ الْعَوَّا كَمَا تُفْرَجُ الْقُلْبُ
جَمْعُ قَلِيبٍ.
وَمِنْ بَابِ الْعُوَاءِ قَوْلُهُمْ لِلرَّاعِي: قَدْ عَاعَى يُعَاعِي عَاعَاةً. [قَالَ] :
وَلَمْ أَسْتَعِرْهَا مِنْ مُعَاعٍ وَنَاعِقٍ

(عَوَجَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَيَلٍ فِي الشَّيْءِ أَوْ مَيْلٍ، وَفُرُوعُهُ تَرْجِعُ إِلَيْهِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَوْجُ: عَطْفُ رَأْسِ الْبَعِيرِ بِالزِّمَامِ أَوِ الْخِطَامِ. وَالْمَرْأَةُ تَعُوجُ رَأْسَهَا إِلَى ضَجِيعِهَا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
خَلِيلَيَّ عُوجَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ... عَلَى دَارِ مَيٍّ مِنْ صُدُورِ الرَّكَائِبِ
وَقَالَ:

(4/179)


حَتَّى إِذَا عُجْنَ مِنْ أَجِيَادِهِنَّ ... لَنَا عَوْجَ الْأَخِشَّةِ أَعْنَاقَ الْعَنَاجِيجِ
يَعْنِي عَطَفَ الْجَوَارِي أَعْنَاقَهُنَّ كَمَا يَعْطِفُ الْخِشَاشُ عُنُقَ النَّاقَةِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَعْطِفُهُ تَقُولُ: عُجْتُهُ فَانْعَاجَ. قَالَ رُؤْبَةُ:
وَانْعَاجَ عُودِي كَالشَّظِيفِ الْأَخْشَنِ
قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَوَجُ: اسْمٌ لَازِمٌ لِمَا تَرَاهُ الْعُيُونُ فِي قَضِيبٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَقُولُ: فِيهِ عَوَجٌ بَيِّنٌ. وَالْعَوَجُ: مَصْدَرُ عَوِجَ يَعْوَجُّ عِوَجًا. وَيُقَالُ اعْوَجَّ يَعْوَجُّ اعْوِجَاجًا وَعَوَجًا. فَالْعَوَجُ مَفْتُوحٌ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُنْتَصِبًا كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ، وَالْعِوَجُ مَا كَانَ فِي بِسَاطٍ أَوْ أَمْرٍ نَحْوَ دِينٍ وَمَعَاشٍ. يُقَالُ مِنْهُ عُودٌ أَعْوَجُ بَيِّنُ الْعَوَجِ. وَالنَّعْتُ أَعْوَجُ وَعَوْجَاءُ، وَالْجَمْعُ عُوَجٌ. وَالْعُوَجُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّتِي فِي أَرْجُلِهَا تَحْنِيبٌ. وَأَمَّا الْخَيْلُ الْأَعْوَجِيَّةُ فَإِنَّهَا تُنْسَبُ إِلَى فَرَسٍ سَابِقٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ أَعْوَجِيُّ. وَيُقَالُ: هُوَ مِنْ بَنَاتِ أَعْوَجَ. وَقَالَ طُفَيْلٌ:
بَنَاتُ الْوَجِيهِ وَالْغُرَابِ وَلَاحِقٍ ... وَأَعْوَجَ تَنْمِي نِسْبَةَ الْمُتَنَسِّبِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْنِيبٍ كَانَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: نَاقَةٌ عَاجٌ، وَهِيَ الْمِذْعَانُ فِي السَّيْرِ اللَّيِّنَةُ الِانْعِطَافِ، فَمِنَ الْبَابِ أَيْضًا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(4/180)


تَقَدَّى بِيَ الْمَوْمَاةَ عَاجٌ كَأَنَّهَا ... أَمَامَ الْمَطَايَا نِقْنِقٌ حِينَ تُذْعَرُ
وَإِذَا عَطَفُوهَا قَالُوا: عَاجِ عَاجِ.

(عَوَدَ) الْعَيْن ُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَثْنِيَةٍ فِي الْأَمْرِ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الْخَشَبِ.
فَالْأَوَّلُ: الْعَوْدُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ تَثْنِيَةُ الْأَمْرِ عَوْدًا بَعْدَ بَدْءٍ. تَقُولُ: بَدَأَ ثُمَّ عَادَ. وَالْعَوْدَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَقَوْلُهُمْ عَادَ فُلَانٌ بِمَعْرُوفِهِ، وَذَلِكَ إِذَا أَحْسَنَ ثُمَّ زَادَ. وَمِنَ الْبَابِ الْعِيَادَةُ: أَنْ تَعُودَ مَرِيضًا. وَلِآلِ فُلَانٍ مَعَادَةٌ، أَيْ أَمْرٌ يَغْشَاهُمُ النَّاسُ لَهُ. وَالْمَعَادُ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وَالْآخِرَةُ مَعَادٌ لِلنَّاسِ. وَاللَّهُ - تَعَالَى - الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَبْدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُمْ. وَتَقُولُ: رَأَيْتُ فُلَانًا مَا يُبْدِئُ وَمَا يُعِيدُ، أَيْ مَا يَتَكَلَّمُ بِبَادِئَةٍ وَلَا عَائِدَةٍ. قَالَ عُبَيْدٌ:
أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ عَبِيدُ ... فَالْيَوْمَ لَا يُبْدِي وَلَا يُعِيدُ
وَالْعِيدُ: مَا يُعْتَادُ مِنْ خَيَالٍ أَوْ هَمٍّ. وَمِنْهُ الْمُعَاوَدَةُ، وَاعْتِيَادُ الرَّجُلِ، وَالتَّعَوُّدُ. وَقَالَ عَنْتَرَةُ يَصِفُ ظَلِيمًا يَعْتَادُ بَيْضَهُ كُلَّ سَاعَةٍ:
صَعْلٍ يَعُودُ بِذِي الْعُشَيْرَةِ بَيْضَهُ ... كَالْعَبْدِ ذِي الْفَرْوِ الطَّوِيلِ الْأَصْلَمِ

(4/181)


وَيَقُولُونَ: أَعَادَ الصَّلَاةَ وَالْحَدِيثَ. وَالْعَادَةُ: الدُّرْبَةُ. وَالتَّمَادِي فِي شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةً. وَيُقَالُ لِلْمُوَاظِبِ عَلَى الشَّيْءِ: الْمُعَاوِدُ. وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ: " الْزَمُوا تُقَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَاسْتَعِيدُوهَا "، أَيْ تَعَوَّدُوهَا. وَيُقَالُ فِي مَعْنَى تَعَوَّدَ: أَعَادَ. قَالَ:
الْغَرْبُ غَرْبٌ بَقَرِيٌّ فَارِضُ ... لَا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الْغَوَامِضُ
إِلَّا الْمُعِيدَاتُ بِهِ النَّوَاهِضُ
يَعْنِي النُّوقَ الَّتِي اسْتَعَادَتِ النَّهْضَ بِالدَّلْوِ. وَيُقَالُ لِلشُّجَاعِ: بَطَلٌ مُعَاوِدٌ، أَيْ لَا يَمْنَعُهُ مَا رَآهُ شِدَّةُ الْحَرْبِ أَنْ يُعَاوِدَهَا. وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّ هَذَا صَحِيحٌ. فَأَمَّا الْجَمَلُ الْمُسِنُّ فَهُوَ يُسَمَّى عَوْدًا. وَمُمْكِنٌ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ عَاوَدَ الْأَسْفَارَ وَالرِّحَلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
وَقَدْ أَوْمَأَ الْخَلِيلُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي [فِيهِ] بَقِيَّةٌ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَلِأَنَّ لِأَصْحَابِهِ فِي إِعْمَالِهِ عَوْدَةً. وَالْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا جَيِّدَانِ.
وَجَمْعُ الْجَمَلِ الْعَوْدِ: عِوَدَةٌ. وَيُقَالُ مِنْهُ: عَوَّدَ يُعَوِّدُ تَعْوِيدًا، إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَقْتَ. وَقَالَ:
هَلِ الْمَجْدُ إِلَّا السُّودَدُ الْعَوْدُ وَالنَّدَى ... وَرَأْبُ الثَّأَيِ وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْمَوَاطِنِ

(4/182)


وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ السُّودُدَ الْقَدِيمَ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا لِلطَّرِيقِ الْقَدِيمِ: عَوْدٌ. قَالَ:
عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ لِأَقْوَامٍ أُوَلْ ... يَمُوتُ بِالتَّرْكِ وَيَحْيَا بِالْعَمَلْ
يَعْنِي بِالْعَوْدِ الْجَمَلَ. عَلَى عَوْدٍ، أَيْ طَرِيقٍ قَدِيمٍ. وَكَذَلِكَ الطَّرِيقُ يَمُوتُ أَوْ يَدْرُسُ إِذَا تُرِكَ، وَيَحْيَا إِذَا سُلِكَ. وَمِنَ الْبَابِ: الْعَائِدَةُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَالصِّلَةُ. تَقُولُ: مَا أَكْثَرَ عَائِدَةَ فُلَانٍ عَلَيْنَا. وَهَذَا الْأَمْرُ أَعْوَدُ مِنْ هَذَا، أَيْ أَرْفَقُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعِيدُ: كُلُّ يَوْمِ مَجْمَعٍ. وَاشْتِقَاقُهُ قَدْ ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ مِنْ عَادَ يَعُودُ، كَأَنَّهُمْ عَادُوا إِلَيْهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَعُودُ كُلَّ عَامٍ. وَهَذَا عِنْدَنَا أَصَحُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ: إِنَّهُ سُمِّيَ عِيدًا لِأَنَّهُمْ قَدِ اعْتَادُوهُ. وَالْيَاءُ فِي الْعِيدِ أَصْلُهَا الْوَاوُ، وَلَكِنَّهَا قُلِبَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ الْعَيْنِ. وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
يَعْتَادُ أَرْبَاضًا لَهَا آرِيُّ ... كَمَا يَعُودُ الْعِيدَ نَصْرَانِيُّ
وَيَجْمَعُونَ الْعِيدَ أَعْيَادًا، وَيُصَغِّرُونَهُ عَلَى التَّغْيِيرِ عُيَيْدٌ. وَيَقُولُونَ فَحْلٌ مُعِيدٌ: مُعْتَادٌ لِلضِّرَابِ. وَالْعِيدِيَّةُ: نَجَائِبُ مَنْسُوبَةٌ، قَالُوا: نُسِبَتْ إِلَى عَادٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْعُودُ وَهُوَ كُلُّ خَشَبَةٍ دُقُّتْ. وَيُقَالُ بَلْ كُلُّ خَشَبَةٍ عُودٌ. وَالْعُودُ: الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ، مَعْرُوفٌ.

(عَوَذَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالذَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الِالْتِجَاءُ إِلَى الشَّيْءِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ لَصِقَ بِشَيْءٍ أَوْ لَازَمَهُ.

(4/183)


قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَيْ أَلْجَأُ إِلَيْهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، عَوْذًا أَوْ عِيَاذًا. ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: فُلَانٌ عِيَاذٌ لَكَ، أَيْ مَلْجَأٌ. وَقَوْلُهُمْ: مَعَاذَ اللَّهِ، مَعْنَاهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ. وَكَذَا أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ. وَقَالَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ: لَقَدْ عُذْتُ بِمَعَاذٍ» . قَالَ: وَالْعُوذَةُ وَالْمَعَاذَةُ: الَّتِي يُعَوَّذُ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ فَزَعٍ أَوْ جُنُونٌ. وَيَقُولُونَ لِكُلِّ أُنْثَى إِذَا وَضَعَتْ: عَائِذٌ. وَتَكُونُ كَذَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَالْجَمْعُ عُوذٌ. قَالَ لَبِيدٌ:
وَالَعِينُ سَاكِنَةٌ عَلَى أَطْلَائِهَا ... عُوذٌ تَأَجَّلَ بِالْفَضَاءِ بِهَامُهَا
تَأَجَّلَ: تَصِيرُ آجَالًا، أَيْ قُطُعًا. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُلَازَمَةِ وَلَدِهَا إِيَّاهَا، أَوْ مُلَازَمَتِهَا إِيَّاهُ.

(عَوَرَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَدَاوُلِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مَرَضٍ فِي إِحْدَى عَيْنَيِ الْإِنْسَانِ وَكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ. وَمَعْنَاهُ الْخُلُوُّ مِنَ النَّظَرِ. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُشْتَقُّ مِنْهُ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: تَعَاوَرَ الْقَوْمُ فُلَانًا وَاعْتَوَرُوهُ ضَرْبًا، إِذَا تَعَاوَنُوا، فَكُلَّمَا كَفَّ وَاحِدٌ ضَرْبَ آخَرُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالتَّعَاوُرُ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَيُقَالُ تَعَاوَرَتِ الرِّيَاحُ رَسْمًا حَتَّى عَفَتْهُ، أَيْ تَوَاظَبَتْ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
دِمْنَةٌ قَفْرَةٌ تَعَاوَرَهَا الصَّيْ ... فُ بَرِيحَيْنِ مِنْ صَبَا وَشَمَالِ

(4/184)


وَحَكَى الْأَصْمَعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: تَعَوَّرْنَا الْعَوَارِيَّ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَوَرُ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ انْظُرُوا إِلَى عَيْنِهِ الْعَوْرَاءِ. وَلَا يُقَالُ لِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ عَمْيَاءُ. لِأَنَّ الْعَوَرَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ. وَتَقُولُ: عُرْتُ عَيْنَهُ، وَعَوَّرَتْ، وَأَعَرْتُ، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ. وَيَقُولُونَ فِي مَعْنَى التَّشْبِيهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْكَلِمَةُ الَّتِي تَهْوِي فِي غَيْرِ عَقْلٍ وَلَا رُشْدٍ. قَالَ:
وَلَا تَنْطِقِ الْعَوْرَاءَ فِي الْقَوْمِ سَادَرًا ... فَإِنَّ لَهَا فَاعْلَمْ مِنَ الْقَوْمِ وَاعِيًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَوْرَاءُ: الْكَلِمَةُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي يَمْتَعِضُ مِنْهَا الرَّجُلُ وَيَغْضَبُ. وَأَنْشَدَ:
وَعَوْرَاءُ قَدْ قِيلَتْ فَلَمْ أَلْتَفِتْ لَهَا ... وَمَا الْكَلِمُ الْعَوْرَاءُ لِي بِقَبُولِ
وَمِنَ الْبَابِ الْعَوَاءُ، وَهُوَ خَرْقٌ أَوْ شَقٌّ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَوْرَةُ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا حُمِلَ عَلَى الْأَصْلِ، كَأَنَّ الْعَوْرَةَ شَيْءٌ يَنْبَغِي مُرَاقَبَتُهُ لِخُلُوِّهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13] ، قَالُوا: كَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرِيزَةٍ. وَجَمْعُ الْعَوْرَةِ عَوْرَاتٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

(4/185)


فِي جَمِيعٍ حَافِظِي عَوْرَاتِهِمْ ... لَا يَهُمُّونَ بِإِدِّعَاقِ الشَّلَلْ
الْإِدْعَاقُ: الْإِسْرَاعُ. وَالشَّلَلُ: الطَّرْدُ. وَيُقَالُ فِي الْمَكَانِ يَكُونُ عَوْرَةً: قَدْ أَعْوَرَ يُعْوِرُ إِعْوَارًا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَوْ قُلْتُ أَعَارَ يُعِيرُ إِعَارَةً جَازَ فِي الْقِيَاسِ، أَيْ صَارَ ذَا عَوْرَةٍ. وَيُقَالُ أَعْوَرَ الْبَيْتُ: صَارَتْ فِيهِ عَوْرَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ: عَوِرَ يَعْوَرُ عَوَرًا. فَعَوْرَةٌ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] ، قَالَ الْخَلِيلُ: نَعْتٌ يَخْرُجُ عَلَى الْعِدَّةِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، وَعَوْرَةٌ مَجْزُومَةٌ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ فِي الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ، وَالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ، كَقَوْلِكَ رَجُلٌ صَوْمٌ وَامْرَأَةٌ صَوْمٌ، وَرِجَالٌ صَوْمٌ وَنِسَاءٌ صَوْمٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَوَرَ تَرْكُ الْحَقِّ، وَإِنْشَادُهُمْ قَوْلَ الْعَجَّاجِ:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ ... وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَرْ
فَالْقِيَاسُ غَيْرُ مُقْتَضٍ لِلَّفْظِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ تَرْكِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَجَّاجُ الْعَوَرَ الَّذِي هُوَ عَوَرُ الْعَيْنِ، يَضْرِبُهُ مَثَلًا لِمَنْ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ فَلَمْ يَهْتَدِ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ: إِنَّ لِفُلَانٍ مِنَ الْمَالِ عَائِرَةَ عَيْنٍ، يُرِيدُونَ الْكَثْرَةَ، فَمَعْنَاهُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، كَأَنَّ الْعَيْنَ تَتَحَيَّرُ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ فَكَأَنَّهَا عَوْرَةٌ. وَيَقُولُونَ عَوَّرْتَ عَيْنَ الرَّكِيَّةِ، إِذَا كَبَسْتَهَا حَتَّى نَضَبَ الْمَاءُ. وَالْمَكَانُ الْمُعْوِرُ: الَّذِي يُخَافُ فِيهِ الْقَطْعُ.

(عَوَزَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُوءِ حَالٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَوَزِ: أَنْ يُعْوِزَ الْإِنْسَانَ الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، يَرُومُهُ وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ.

(4/186)


يُقَالُ: عَازَنِي. وَأَعْوَزَ الرَّجُلُ: سَاءَتْ حَالُهُ. وَمِنَ الْبَابِ الْمِعْوَزُ، وَالْجَمْعُ مَعَاوِزُ، وَهِيَ الثِّيَابُ الْخُلْقَانُ وَالْخِرَقُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى إِعْوَازِ صَاحِبِهَا. قَالَ الشَّمَّاخُ:
إِذَا سَقَطَ الْأَنْدَاءُ صِينَتْ وَأُشْعِرَتْ ... حَبِيرًا وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا الْمَعَاوِزُ
فَأَمَّا الْعِزَّةُ. . .

(عَوَسَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ قَدْ ذَكَرَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقِيَاسُهَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ بَعِيدٌ. قَالُوا: الْعَوَاسَاءُ: الْحَامِلُ مِنَ الْخَنَافِسِ، وَأَنْشَدُوا:
بِكْرًا عَوَاسَاءَ تَفَاسَى مُقْرِبًا
أَيْ دَنَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا. وَيَقُولُونَ: الْعَوَسَانُ وَالْعَوْسُ: الطَّوَفَانُ بِاللَّيْلِ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا: الْأَعْوَسُ: الصَّيْقَلُ. وَالْأَعْوَسُ: الْوَصَّافُ لِلشَّيْءِ. وَكُلُّ هَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ الْقَلْبُ يَسْكُنُ إِلَى صِحَّتِهِ.

(عَوَصَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْإِمْكَانِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ اعْتَاصَ الشَّيْءُ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْ. وَالْعَوَصُ مَصْدَرُ الْأَعْوَصِ وَالْعَوِيصِ. وَمِنْهُ كَلَامٌ عَوِيصٌ، وَكَلِمَةٌ عَوْصَاءُ. وَقَالَ:
أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ عَوْصَائِهَا

(4/187)


وَيُقَالُ أَعْوَصَ فِي الْمَنْطِقِ وَأَعْوَصَ بِالْخَصْمِ، إِذَا كَلَّمَهُ بِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَلَقَدْ أُعْوِصُ بِالْخَصْمِ وَقَدْ ... أَمْلَا الْجَفْنَةَ مِنْ شَحْمِ الْقُلَلْ
وَمِنَ الْبَابِ: اعْتَاصَتِ النَّاقَةُ، إِذَا ضَرَبَهَا الْفَحْلُ فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ.

(عَوَضَ) الْعَيْنُ وَالْوَاوُ وَالضَّادُ كَلِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، إِحْدَاهُمَا تَدُلُّ عَلَى بَدَلٍ لِلشَّيْءِ، وَالْأُخْرَى عَلَى زَمَانٍ.
فَالْأُولَى: الْعِوَضُ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ الْعَوْضُ، قَالَ الْخَلِيلُ: عَاضَ يَعُوضُ عَوْضًا وَعِيَاضًا، وَالِاسْمُ الْعِوَضُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ التَّعْوِيضُ، تَقُولُ: عَوَّضْتُهُ مِنْ هِبَتِهِ خَيْرًا. وَاعْتَاضَنِي فُلَانٌ، إِذَا جَاءَ طَالِبًا لِلْعِوَضِ وَالصِّلَةِ. وَاسْتَعَاضَنِي، إِذَا سَأَلَكَ الْعِوَضَ. وَقَالَ رُؤْبَةُ:
نِعْمَ الْفَتَى وَمَرْغَبُ الْمُعْتَاضِ ... وَاللَّهُ يَجْزِي الْقَرْضَ بِالْإِقْرَاضِ
وَتَقُولُ: اعْتَضْتُ مِمَّا أَعْطَيْتُ فُلَانًا وَعُضْتُ، أَصَبْتُ عِوَضًا. وَقَالَ:
يَا لَيْلَ أَسْقَاكِ الْبُرَيْقُ الْوَامِضُ ... هَلْ لَكِ وَالْعَارِضُ مِنْكِ عَائِضُ
فِي مِائَةٍ يُسْئِرُ مِنْهَا الْقَابِضُ

(4/188)


وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ خَطَبَهَا عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: وَأَنَا آخُذُكِ فَأَنَا عَائِضٌ، قَدْ عُضْتُ، أَيْ صَارَ الْفَضْلُ لِي وَالْعِوَضُ بِأَخْذِيكِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: قَوْلُهُمْ عَوْضُ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا، فَقَالَ قَوْمٌ هِيَ كَلِمَةُ قَسَمٍ. وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الدَّهْرُ وَالزَّمَانُ. يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: عَوْضُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، أَيْ أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ الْخَلِيلُ: لَوْ كَانَ عَوْضُ اسْمًا لِلزَّمَانِ لَجَرَى بِالتَّنْوِينِ، وَلَكِنَّهُ حَرْفٌ يُرَادُ بِهَا الْقَسَمُ، كَمَا أَنَّ أَجَلْ وَنَعَمْ وَنَحْوَهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ الْإِعْرَابِ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
رَضِيعَيْ لِبَانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لَا نَتَفَرَّقُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَيَبَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، فِيهِ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْعَيْبُ وَالْأُخْرَى الْعَيْبَةُ، وَهُمَا مُتَبَاعِدَتَانِ.
فَالْعَيْبُ فِي الشَّيْءِ مَعْرُوفٌ. تَقُولُ: عَابَ فُلَانٌ فُلَانًا يَعِيبُهُ. وَرِجْلٌ عَيَّابَةٌ: وَقَّاعٌ فِي النَّاسِ. وَعَابَ الْحَائِطُ وَغَيْرُهُ، إِذَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ. وَالْعَابُ: الْعَيْبُ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْعَيْبَةُ: عَيْبَةُ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ.

(4/189)


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي» ، ضَرَبَهَا لَهُمْ مَثَلًا، كَأَنَّهُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَالَّذِينَ يَأْمَنُهُمْ عَلَى أَمْرِهِ.

(عَيَثَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ مُتَقَارِبَانِ، أَحَدُهُمَا: الْإِسْرَاعُ فِي الْفَسَادِ، وَالْآخَرُ تَطَلُّبُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: عَاثَ يَعِيثُ، إِذَا أَسْرَعَ فِي الْفَسَادِ. وَيَقُولُونَ: هُوَ أَعْيَثُ النَّاسِ فِي مَالِهِ. وَالذِّئْبُ يَعِيثُ فِي الْغَنَمِ، لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا قَتَلَهُ. قَالَ:
قَدْ قُلْتُ لِلذِّئْبِ أَيَا خَبِيثُ ... وَالذِّئْبُ وَسْطَ غَنَمِي يَعِيثُ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: التَّعْيِيثُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ طَلَبُ الْأَعْمَى لِلشَّيْءِ وَالرَّجُلِ فِي الظُّلْمَةِ. وَمِنْهُ التَّعْيِيثُ: إِدْخَالُ الْيَدِ فِي الْكِنَانَةِ تَطْلُبُ سَهْمًا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
وَبَدَا لَهُ أَقْرَابُ هَادٍ رَائِغٍ ... عَجِلٍ فَعَيَّثَ فِي الْكِنَانَةِ يُرْجِعُ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَائِذٍ:
فَعَيَّثَ سَاعَةَ أَقْفَرْنَهُ ... بِالْايفَاقِ وَالرَّمْيِ أَوْ بِاسْتِلَالِ

(4/190)


(عَيَجَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْجِيمُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِقْبَالٍ وَاكْتِرَاثٍ لِلشَّيْءِ. يَقُولُونَ: مَا عِجْتُ بِقَوْلِ فُلَانٍ، أَيْ لَمْ أُصَدِّقْهُ وَلَمْ أُقْبِلْ عَلَيْهِ. وَمَا أَعِيجُ بِشَيْءٍ يَأْتِينِي مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
فَمَا رَأَيْتُ لَهَا شَيْئًا أَعِيجُ بِهِ ... إِلَّا الثُّمَامَ وَإِلَّا مَوْقِدَ النَّارِ

(عَيَدَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي مَحَلِّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ.

(عَيَرَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى نُتُوِّ الشَّيْءِ وَارْتِفَاعِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَيْرُ، وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ وَسْطَ الْكَتِفِ، وَالْجَمْعُ عُيُورَةٌ. وَعَيَّرَ النَّصْلَ: حَرَّفَ فِي وَسَطِهِ كَأَنَّهُ شَظِيَّةٌ. وَقَالَ:
فَصَادَفَ سَهْمُهُ أَحْجَارَ قُفٍّ ... كَسَرْنَ الْعَيْرَ مِنْهُ وَالْغِرَارَا
وَالْغِرَارُ: الْحَدُّ. وَالْعَيْرُ فِي الْقَدَمِ: الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ. وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ: الْعِيرُ: سَيِّدُ الْقَوْمِ. وَهَذَا إِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ الْقِيَاسُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرْفَعُهُمْ مَنْزِلَةً وَأَنْتَأُ. قَالَ: وَلَوْ رَأَيْتَ فِي صَخْرَةٍ نُتُوءًا، أَيْ حَرْفًا نَاتِئًا خِلْقَةً، كَانَ ذَلِكَ عَيْرًا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَيْرُ: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَالْأَهْلِيُّ، وَالْجَمْعُ الْأَعْيَارُ وَالْمَعْيُوَرَاءُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَيْرًا لِتَرَدُّدِهِ وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَكَلِمَاتٌ جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ عَنِ الْعَرَبِ

(4/191)


فِي مَفْعُولَاءِ: الْمَعْيُورَاءُ، وَالْمَعْلُوجَاءُ، وَالْمَشْيُوخَاءُ. قَالَ: وَيَقُولُونَ مَشْيَخَةٌ عَلَى مَفْعَلَةٍ. وَلَمْ يَقُولُوا مِثْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجَمْعِ. وَمِمَّا جَاءَ مِنَ الْأَمْثَالِ فِي الْعَيْرِ: " إِذَا ذَهَبَ عَيْرٌ فَعَيْرٌ فِي الرِّبَاطِ ". وَإِنْسَانُ الْعَيْنِ عَيْرٌ، يُسَمَّى لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ مَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ وَاضْطِرَابِهِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: فِي أَمْثَالِهِمْ: " جَاءَ فُلَانٌ قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرَى " يُرِيدُونَ بِهِ السُّرْعَةَ، أَيْ قَبْلَ لَحْظِ الْعَيْنِ. وَأَنْشَدَ لِتَأَبَّطَ شَرًّا:
وَنَارٌ قَدْ حَضَأْتُ بُعَيْدَ هُدْءٍ ... بِدَارٍ مَا أُرِيدُ بِهَا مُقَامًا
سِوَى تَحْلِيلِ رَاحِلَةٍ وَعَيْرٍ ... أُغَالِبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَامَا
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْ ... رَ مُوَالٍ لَنَا وَأَنَّى الْوَلَاءُ
أَيْ أَنَّ كُلَّ مَنْ طُرِفَ جَفْنٌ [لَهُ] عَلَى عَيْرٍ، وَهُوَ إِنْسَانُ الْعَيْنِ. وَالْعِيَارُ: فِعْلُ الْفَرَسِ الْعَائِرِ. يُقَالُ: عَارٍ يَعِيرُ، وَهُوَ ذَهَابُهُ كَأَنَّهُ مُتَفَلِّتٌ مِنْ صَاحِبِهِ يَتَرَدَّدُ. وَقَصِيدَةٌ عَائِرَةٌ: سَائِرَةٌ. وَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ بَيْتًا أَعْيَرَ مِنْ قَوْلِهِ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ ... وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَمُ عَلَى الْغَيِّ لَائِمًا
يَعْنِي بَيْتًا أَسْيَرَ.

(عَيَسَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَوْنٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، وَالْأُخْرَى عَسْبُ الْفَحْلِ.

(4/192)


قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيَسُ وَالْعِيسَةُ: لَوْنٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ صَفَاءً فِي ظُلْمَةٍ خَفِيَّةٍ. جَمَلٌ أَعْيَسُ وَنَاقَةٌ عَيْسَاءُ; وَالْجَمْعُ عِيسٌ. قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
وَعِيسٌ قَدْ بَرَاهَا لَذَّ ... ةُ الْمَوْكِبِ وَالشَّرْبِ
وَقَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ الثَّوْرِ:
وَعَانَقَ الظِّلَّ الشَّبُوبُ الْأَعْيَسُ
قَالَ: وَالْعَرَبُ قَدْ خَصَّتْ بِالْعَيَسِ الْإِبِلَ الْعِرَابَ الْبِيضَ خَاصَّةً. وَالْعِيسَةُ فِي أَصْلِ الْبِنَاءِ الْفُعْلَةُ، عَلَى قِيَاسِ الصُّهْبَةِ وَالْكُمْتَةِ، وَلَكِنْ كُسِرَتِ الْعَيْنُ لِأَجْلِ الْيَاءِ بَعْدَهَا. وَيَقُولُونَ: ظَبْيٌ أَعْيَسُ. وَفِي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الظَّبْيِ وَالشَّبُوبِ الْأَعْيَسِ، خِلَافٌ لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَرَبَ خَصَّتْ بِالْعِيسِ الْإِبِلَ الْعِرَابَ الْبِيضَ خَاصَّةً.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْعَيْسُ: مَاءُ الْفَحْلِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْسُ: عَسْبُ الْفَحْلِ، وَهُوَ ضِرَابُهُ. يُقَالُ: لَا تَأْخُذْ عَلَى عَيْسِ جَمَلِكَ أَجْرًا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ أَصَحُّ.

(4/193)


(عَيَشَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ وَبَقَاءٍ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْشُ: الْحَيَاةُ. وَالْمَعِيشَةُ: الَّذِي يَعِيشُ بِهَا الْإِنْسَانُ: مِنْ مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَا تَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ. وَالْمَعِيشَةُ: اسْمٌ لِمَا يُعَاشُ بِهِ. وَهُوَ فِي عِيشَةٍ وَمَعِيشَةٍ صَالِحَةٍ. وَالْعِيشَةُ مِثْلُ الْجِلْسَةِ وَالْمِشْيَةِ. وَالْعَيْشُ: الْمَصْدَرُ الْجَامِعُ. وَالْمَعَاشُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَيْشِ. تَقُولُ عَاشَ يَعِيشُ عَيْشًا وَمَعَاشًا. وَكُلُّ شَيْءٍ يُعَاشُ بِهِ أَوْ فِيهِ فَهُوَ مُعَاشٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] ، وَالْأَرْضُ مَعَاشٌ لِلْخَلْقِ، فِيهَا يَلْتَمِسُونَ مَعَايِشَهُمْ. وَذَكَرَ الْخَلِيلُ أَنَّ الْمَعِيشَ بِطَرْحِ الْهَاءِ يَقُومُ فِي الشِّعْرِ مَقَامَ الْمَعِيشَةِ، وَأَنْشَدَ لِحُمَيْدٍ:
إِزَاءُ مَعِيشٍ مَا تَحِلُّ إِزَارَهَا ... مِنَ الْكَيْسِ فِيهَا سَوْرَةٌ وَهِيَ قَاعِدُ
وَالنَّاسُ يَرْوُونَهُ: " إِزَاءُ مَعَاشٍ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَاشَ فُلَانٌ عَيْشُوشَةً صَالِحَةً، وَإِنَّهُمْ لَمُتَعَيِّشُونَ، إِذَا كَانَتْ لَهُمْ بُلْغَةٌ مِنْ عَيْشٍ. وَرَجُلٌ عَائِشٌ، إِذَا كَانَتْ حَالُهُ حَسَنَةً.

(عَيَصَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَنْبِتُ. قَالَ الْخَلِيلُ. الْعِيصُ: مَنْبِتُ خِيَارِ الشَّجَرِ. قَالَ: وَأَعْيَاصُ قُرَيْشٍ: كِرَامُهُمْ يَتَنَاسَبُونَ إِلَى عِيصٍ. وَأَعْيَاصٌ وَعِيصٌ فِي آبَائِهِمْ. وَذَكَرَ أَيْضًا الْمَعِيصَ، وَقَالَ: كَالْمَنْبِتِ. وَقَالَ الْعَجَّاجُ فِي الْعِيصِ:

(4/194)


مِنْ عِيصِ مَرْوَانَ إِلَى عِيصٍ غِطَمْ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
فَمَا شَجَرَاتُ عِيصِكَ فِي قُرَيْشٍ ... بِعَشَّاتِ الْفُرُوعِ وَلَا ضَوَاحِ

(عَيَطَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالطَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى ارْتِفَاعٍ، وَالْآخَرُ [عَلَى] تَتَبُّعِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَيَطُ، وَهُوَ مَصْدَرُ الْأَعْيَطِ، وَهُوَ الطَّوِيلُ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ. وَيُقَالُ نَاقَةٌ عَيْطَاءُ وَجَمَلٌ أَعْيَطُ، وَالْجَمْعُ الْعِيَطُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَتُوصَفُ بِهِ حُمُرُ الْوَحْشِ. قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الْفَرَسَ بِأَنَّهُ يَعْقِرُ عِيَطًا:
فَهُوَ يَكُبُّ الْعِيَطَ مِنْهَا لِلذَّقَنِ ... بِأَرَنٍ أَوْ بِشَبِيهٍ بِالْأَرَنِ
وَالْأَرَنُّ: النَّشَاطُ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَجْنُونِ. وَيُقَالُ لِلْقَارَةِ الْمُسْتَطِيلَةِ فِي السَّمَاءِ جِدًّا: إِنَّهَا لَعَيْطَاءُ. وَكَذَلِكَ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ أَعْيَطُ. قَالَ أُمَيَّةُ:
نَحْنُ ثَقِيفٌ عِزُّنَا مَنِيعُ ... أَعْيَطُ صَعْبُ الْمُرْتَقَى رَفِيعُ
وَمِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى هَذَا النَّاقَةُ الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ سَنَوَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ، يُقَالُ قَدِ اعْتَاطَتْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَرَفَّعُ وَتَتَعَالَى عَنِ الْحَمْلِ. قَالُوا: وَرُبَّمَا كَانَ اعْتِيَاطُهَا مِنْ

(4/195)


كَثْرَةِ شَحْمِهَا. وَتَعْتَاطُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عَائِطٌ، وَقَدْ عَاطَتْ تَعِيطُ عِيَاطًا فِي مَعْنَى حَائِلٍ، فِي نُوقِ عِيطٍ وَعَوَائِطَ. وَقَالَ:
وَبِالْبُزْلِ قَدْ دَمَّهَا نِيُّهَا ... وَذَاتِ الْمُدَارَأَةِ الْعَائِطِ
وَالْمَصْدَرُ أَيْضًا عُوطَطٌ وَعُوطَةٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ التَّعَيُّطُ. نَتْعُ الشَّيْءِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ عُودٍ، يَخْرُجُ مِنْهُ شِبْهُ مَاءٍ فَيُصَمِّغُ أَوْ يَسِيلُ. وَذِفْرَى الْجَمَلِ يَتَعَيَّطُ بِالْعَرَقِ. قَالَ:
تَعَيَّطُ ذِفْرَاهَا بِجَوْنٍ كَأَنَّهُ ... كُحَيْلٌ جَرَى مِنْهَا عَلَى اللِّيتِ وَاكِفُ

(عَيَفَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عَافَ الشَّيْءَ يَعَافُهُ عِيَافًا، إِذَا كَرِهَ، مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ.

(4/196)


وَالْعَيُوفُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّذِي يَشُمُّ الْمَاءَ وَهُوَ عَطْشَانُ فَيَدَعُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّهُهُ. وَرُبَّمَا جُهِدَ فَشَرِبَهُ. قَالَ ابْنُ [أَبِي] رَبِيعَةَ:
فَسَافَتْ وَمَا عَافَتْ وَمَا صَدَّ شُرْبَهَا ... عَنِ الرِّيِّ مَطْرُوقٌ مِنَ الْمَاءِ أَكْدَرُ
وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ عِيَافَةُ الطَّيْرِ، وَهُوَ زَجْرُهَا. وَهُوَ مِنَ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنْ يَرَى غُرَابًا أَوْ طَائِرًا غَيْرَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَتَطَيَّرَ بِهِ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْمُتَكَهِّنِ عَائِفٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
مَا تَعِيفُ الْيَوْمَ فِي الطَّيْرِ الرَّوَحْ ... مِنْ غُرَابِ الطَّيْرِ أَوْ تَيْسٍ بَرَحْ
وَقَالَ:
لَقَدْ عَيْثَرْتَ طَيْرَكَ لَوْ تَعِيفُ

(عَيَقَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْقَافُ لَمْ يَذْكُرِ الْخَلِيلُ فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ صَحِيحٌ. يَقُولُونَ: الْعَيْقَةُ: سَاحِلُ الْبَحْرِ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
سَادٍ تَجَرَّمَ فِي الْبَضِيعِ ثَمَانِيًا ... يُلْوِي بِعَيْقَاتِ الْبِحَارِ وَيُجْنَبُ
وَقَدْ أَوْمَأَ الْخَلِيلُ إِلَى أَنَّ هَذَا مُسْتَعْمَلٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُهْمَلِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ:

(4/197)


عَيُّوقٌ فَيْعُولٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهُ مِنْ " عَوَقَ " وَمِنْ " عَيَقَ "، لِأَنَّ الْيَاءَ وَالْوَاوَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. فَقَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْبَنَّاءَ مُسْتَعْمَلٌ، أَعْنِي الْعَيْنَ وَالْيَاءَ وَالْقَافَ.

(عَيَكَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْكَافُ. لَمْ يَذْكُرِ الْخَلِيلُ فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ بِنَاءٌ جَيِّدٌ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ فِيهِ كَلَامٌ، لَكِنَّ الْعَيْكَتَيْنِ: مَوْضِعٌ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ.

(عَيَلَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا هُوَ مُنْقَلِبٌ عَنْ وَاوٍ. الْعَيْلَةُ: الْفَاقَةُ وَالْحَاجَةُ، يُقَالُ عَالَ يَعِيلُ عَيْلَةً، إِذَا احْتَاجَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا عَالَ مُقْتَصِدٌ» . وَقَالَ:
مَنْ عَالَ مِنَّا بَعْدَهَا فَلَا انْجَبَرَ
وَعَيْلَانُ: اسْمٌ.

(عَيَمَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ شَهْوَةُ اللَّبَنِ: يُقَالُ لِلَّذِي اشْتَهَى اللَّبَنَ عَيْمَانُ، وَالْمَرْأَةُ عَيْمَى. تَقُولُ: عِمْتُ إِلَى اللَّبَنِ عَيْمَةً وَعَيَمًا شَدِيدًا قَالَ الْخَلِيلُ: وَكُلُّ مَصْدَرٍ مِثْلُ هَذَا مِمَّا يَكُونُ لِفَعْلَانَ وَفَعْلَى، فَإِذَا أَنَّثْتَ الْمَصْدَرَ قُلْتَهُ عَلَى فَعْلَةٍ خَفِيفَةٍ، وَإِذَا ثَقَّلْتَ فَعَلَى فَعَلٍ، نَحْوَ الْحَيَرِ وَالْحَيْرَةِ. وَجَمْعُ الْعَيْمَانِ عَيَامَى وَعِيَامٌ.

(4/198)


(عَيَنَ) الْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عُضْوٍ بِهِ يُبْصَرُ وَيُنْظَرُ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ فِي جَمِيعِهِ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْنُ النَّاظِرَةُ لِكُلِّ ذِي بَصَرٍ. وَالْعَيْنُ تُجْمَعُ عَلَى أَعْيُنٍ وَعُيُونٍ وَأَعْيَانٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقَدَ أَرُوعُ قُلُوبَ الْغَانِيَاتِ بِهِ ... حَتَّى يَمِلْنَ بِأَجْيَادٍ وَأَعْيَانِ
وَقَالَ:
فَقَدْ قَرَّ أَعْيَانَ الشَّوَامِتِ أَنَّهُمْ
وَرُبَّمَا جَمَعُوا أَعْيُنًا عَلَى أَعْيُنَاتٍ. قَالَ:
بِأَعْيُنَاتٍ لَمْ يُخَالِطْهَا قَذَى
وَعَيْنُ الْقَلْبِ مَثَلٌ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ فِي الْعَيْنِ، قَوْلُهُمْ: " وَلَا أَفْعَلُهُ مَا حَمَلَتْ عَيْنِيَ الْمَاءَ "، أَيْ لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا. وَيَقُولُونَ: " عَيْنٌ بِهَا كُلُّ دَاءٍ " لِلْكَثِيرِ الْعُيُوبِ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ شَدِيدُ جَفْنِ الْعَيْنِ، إِذَا كَانَ صَبُورًا عَلَى السَّهَرِ. وَيُقَالُ: عِنْتَ الرَّجُلَ، إِذَا أَصَبْتَهُ بِعَيْنِكَ، فَأَنَا أَعِينُهُ عَيْنًا، وَهُوَ مَعْيُونٌ. قَالَ:
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسُبُونَكَ [سَيِّدًا ... وَإِخَالُ أَنَّكَ] سَيِّدٌ مَعْيُونُ
وَرَجُلٌ عَيُونٌ وَمِعْيَانٌ: خَبِيثُ الْعَيْنِ. وَالْعَائِنُ: الَّذِي يَعِينُ، وَرَأَيْتُ

(4/199)


الشَّيْءَ عَيَانًا، أَيْ مُعَايَنَةً. وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ عَيْنَ عُنَّةٍ، أَيْ عَيَانًا. وَصَنَعْتَ ذَاكَ عَمْدَ عَيْنٍ، إِذَا تَعَمَّدْتَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَيْنُ النَّاظِرَةُ، أَيْ إِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ بِعَيْنِ كُلِّ مَنْ رَآهُ. وَهُوَ عَبْدُ عَيْنٍ، أَيْ يَخْدُمُ مَا دَامَ مَوْلَاهُ يَرَاهُ. وَيُقَالُ لِلْأَمْرِ يَضِحُ: " بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ ".
وَمِنَ الْبَابِ الْعَيْنُ: الَّذِي تَبْعَثُهُ يَتَجَسَّسُ الْخَبَرَ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ تَرَى بِهِ مَا يَغِيبُ عَنْكَ. وَيُقَالُ: رَأَيْتُهُمْ أَدْنَى عَائِنَةٍ، أَيْ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَبْلَ كُلِّ نَفْسٍ نَاظِرَةٍ. وَيُقَالُ: اذْهَبْ فَاعْتَنْ لَنَا، أَيِ انْظُرْ. وَيُقَالُ: مَا بِهَا عَيَنٌ، مُتَحَرِّكَةُ الْيَاءِ، تُرِيدُ أَحَدًا لَهُ عَيْنٌ، فَحُرِّكَتِ الْيَاءُ فَرْقًا. قَالَ:
وَلَا عَيَنًا إِلَّا نَعَامًا مُشَمِّرًا
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: اعْتَانَ لَنَا مَنْزِلًا، أَيِ ارْتَادَهُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَسِّرُوهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الْمَنَازِلِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَارَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ النَّابِعَةُ مِنْ عُيُونِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَيْنًا تَشْبِيهًا لَهَا بِالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ لِصَفَائِهَا وَمَائِهَا. وَيُقَالُ: قَدْ عَانَتِ الصَّخْرَةُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ بِهَا صَدْعٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ. وَيُقَالُ: حَفَرَ فَأَعْيَنَ وَأَعَانَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَيْنُ: السَّحَابُ مَا جَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا مُشَبَّهٌ بِمُشَبَّهٍ، لِأَنَّهُ شُبِّهَ بِعَيْنِ الْمَاءِ الَّتِي شُبِّهَتْ بِعَيْنِ الْإِنْسَانِ. يَقُولُونَ: إِذَا نَشَأَ السَّحَابُ مِنْ قِبَلِ الْعَيْنِ فَلَا يَكَادُ يُخْلِفُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ هَذَا مَطَرُ الْعَيْنِ، وَلَا يُقَالُ مُطِرْنَا بِالْعَيْنِ. وَعَيْنُ الشَّمْسِ مُشَبَّهٌ بِعَيْنِ الْإِنْسَانِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَيْنُ الشَّمْسِ: صَيْخَدُهَا الْمُسْتَدِيرُ.

(4/200)


وَمِنَ الْبَابِ مَاءٌ عَائِنٌ، أَيْ سَائِلٌ. وَمِنَ الْبَابِ عَيْنُ السِّقَاءِ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ لِلسِّقَاءِ إِذَا بَلِيَ وَرَقَّ مَوْضِعٌ مِنْهُ: قَدْ تَعَيَّنَ. وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْعَيْنِ، لِأَنَّهُ إِذَا رَقَّ قَرُبَ مِنَ التَّخَرُّقِ فَصَارَ السِّقَاءُ كَأَنَّهُ يُنْظَرُ بِهِ. وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
قَالَتْ سُلَيْمَى قَوْلَةً لِرِيدِهَا ... مَا لِابْنِ عَمِّي صَادِرًا مِنْ شِيدِهَا
بِذَاتِ لَوْثٍ عَيْنُهَا فِي جِيدِهَا
أَرَادَ قِرْبَةً قَدْ تَعَيَّنَتْ فِي جِيدِهَا. وَيُقَالُ سِقَاءٌ عَيَّنٌ، إِذَا كَانَتْ فِيهِ كَالْعُيُونِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَنْشَدَ:
مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ
وَقَالُوا فِي قَوْلِ الطِّرِمَّاحِ:
فَأَخْضَلَ مِنْهَا كُلَّ بَالٍ وَعَيِّنٍ ... وَجَفَّ الرَّوَايَا بِالْمَلَا الْمُتَبَاطِنِ
إِنَّ الْعَيِّنَ الْجَدِيدَ بِلُغَةِ طَيٍّ. وَهَذَا عِنْدَنَا مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ، إِنَّمَا الْعَيِّنُ الَّذِي بِهِ عُيُونٌ، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ عُيُونِ السِّقَاءِ. وَإِنَّمَا غَلِطَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا بَالِيًا وَعَيِّنًا، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الشَّاعِرَ أَرَادَ كُلَّ جَدِيدٍ وَبَالٍ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْبَالِيَ الَّذِي بَلِيَ، وَالْعَيِّنَ: الَّذِي يَكُونُ بِهِ عُيُونٌ. وَقَدْ تَكُونُ الْقِرْبَةُ الْجَدِيدُ ذَاتَ عُيُونٍ لِعَيْبٍ فِي الْجِلْدِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْقَطَامِيِّ:

(4/201)


وَلَكِنَّ الْأَدِيمَ إِذَا تَفَرَّى ... بِلًى وَتَعَيُّنًا غَلَبَ الصَّنَاعَا
وَمِنْ بَاقِي كَلَامِهِمْ فِي الْعَيْنِ الْعِينُ: الْبَقَرُ، وَتُوصَفُ الْبَقَرَةُ بِسَعَةِ الْعَيْنِ فَيُقَالُ: بَقَرَةٌ عَيْنَاءُ. وَالرَّجُلُ أَعْيَنُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَا يُقَالُ ثَوْرٌ أَعْيَنُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ ثَوْرٌ أَعْيَنُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَفِيقُ أَعْيَنَ ذَيَّالٍ تُشَبِّهُهُ ... فَحْلَ الْهِجَانِ تَنَحَّى غَيْرَ مَخْلُوجِ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَعْيَنُ: اسْمُ الثَّوْرِ، [وَيُقَالُ] مُعَيَّنٌ أَيْضًا. قَالَ:
وَمُعَيَّنًا يَحْوِي الصِّوَارَ كَأَنَّهُ ... مُتَخَمِّطٌ قَطِمٌ إِذَا مَا بَرْبَرًا
وَيُقَالُ قَوَافٍ عِينٌ. وَسُئِلَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِهَا فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَهَذَا مِنَ الْوَرَعِ الَّذِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي تَرْكِهِ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرِ الْعِينَ كَمَا لَمْ يُفَسِّرِ الْحُورَ لِأَنَّهُمَا لَفْظَتَانِ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22] ، إِنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْقَوَافِي الْعِينِ أَنَّهَا نَافِذَةٌ كَالشَّيْءِ النَّافِذِ الْبَصَرِ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
بِكَلَامِ خَصْمٍ أَوْ جِدَالِ مُجَادِلٍ ... غَلِقٍ يُعَالِجُ أَوْ قَوَافٍ عِينِ
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: أَعْيَانُ الْقَوْمِ، أَيْ أَشْرَافُهُمْ، وَهُمْ قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ،

(4/202)


كَأَنَّهُمْ عُيُونُهُمُ الَّتِي بِهَا يَنْظُرُونَ، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ لِكُلِّ إِخْوَةٍ يَكُونُونَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَهُمْ إِخْوَةٌ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى: هَؤُلَاءِ أَعْيَانُ إِخْوَتِهِمْ. وَهَذَا أَيْضًا مَقِيسٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَعِينَةُ كُلِّ شَيْءٍ: خِيَارُهُ، يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، كَمَا يُقَالُ عَيْنُ الشَّيْءِ وَعِينَتُهُ، أَيْ أَجْوَدُهُ; لِأَنَّ أَصْفَى مَا فِي وَجْهِ الْإِنْسَانِ عَيْنُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: ابْنًا عِيَانٍ: خَطَّانِ يَخُطُّهُمَا الزَّاجِرُ وَيَقُولُ: ابْنَيْ عِيَانٍ، أَسْرِعَا الْبَيَانَ! كَأَنَّهُ بِهِمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَهُ. وَقَالَ الرَّاعِي يَصِفُ قِدْحًا:
جَرَى ابْنَا عِيَانٍ بِالشِّوَاءِ الْمُضَهَّبِ
وَيُقَالُ: نَظَرَتِ الْبِلَادُ بِعَيْنٍ أَوْ بِعَيْنَيْنِ، إِذَا طَلَعَ النَّبْتُ. وَكُلُّ هَذَا مَحْمُولٌ وَاسْتِعَارَةٌ وَتَشْبِيهٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا نَظَرَتْ بِلَادُ بَنِيَ نُمَيْرٍ ... بِعَيْنٍ أَوْ بِلَادُ بَنِيَ صُبَاحِ
رَمَيْنَاهُمْ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ ... وَفَتَيَانِ الْعَشِيَّةِ وَالصَّبَاحِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَيْنُ، وَهُوَ الْمَالُ الْعَتِيدُ الْحَاضِرُ; يُقَالُ هُوَ عَيْنٌ غَيْرُ دَيْنٍ، أَيْ هُوَ مَالٌ حَاضِرٌ تَرَاهُ الْعُيُونُ. وَعَيْنُ الشَّيْءِ: نَفْسُهُ. تَقُولُ: خُذْ دِرْهَمَكَ بِعَيْنِهِ،

(4/203)


فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْمَيْلِ فِي الْمِيزَانِ عَيَّنَ فَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا; لِأَنَّ الْعَيْنَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمِيزَانِ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعِينَةُ: السَّلَفُ، يُقَالُ تَعَيَّنَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ عِينَةً، وَعَيَّنَهُ تَعْيِينًا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَاشْتُقَّتْ مِنْ عَيْنِ الْمِيزَانِ، وَهِيَ زِيَادَتُهُ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ [صَحِيحٌ] ; لِأَنَّ الْعِينَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَجُرَّ زِيَادَةً.
وَيُقَالُ مِنَ الْعِينَةِ: اعْتَانَ. وَأَنْشَدَ:
فَكَيْفَ لَنَا بِالشُّرْبِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَنَا ... دَرَاهِمُ عِنْدَ الْحَانَوِيِّ وَلَا نَقْدُ
أَنَدَّانُ أَمْ نَعْتَانُ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ أَبْرَزَهُ الْغِمْدُ
وَمِنَ الْبَابِ عَيْنُ الرَّكِيَّةِ، وَهُمَا عَيْنَانِ كَأَنَّهُمَا نُقْرَتَانِ فِي مُقَدَّمِهَا.
فَهَذَا بَابُ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ وَمَا مَعَهُمَا فِي الثُّلَاثِيِّ. فَأَمَّا الْعَيْنُ وَالْأَلِفُ فَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَلِفَ فِيهِ لَا بُدَّ [أَنْ] تَكُونَ مُنْقَلِبَةً عَنْ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(4/204)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَبَثَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى الْخَلْطِ يُقَالُ: عَبَثَ الْأَقِطُ، وَأَنَا أَعْبِثُهُ عَبْثًا، وَهُوَ عِبِّيثٌ، وَهُوَ يُخْلَطُ وَيُجَفَّفُ فِي الشَّمْسِ. وَالْعَبِيثُ: كُلُّ خِلْطٍ. وَيُقَالُ: فِي هَذَا الْوَادِي عَبِيثَةٌ، أَيْ خِلْطٌ مِنْ حَيَّيْنِ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا: الْعَبَثُ، هُوَ الْفِعْلُ لَا يُفَعَلُ عَلَى اسْتِوَاءٍ وَخُلُوصِ صَوَابٍ. تَقُولُ: عَبِثَ يَعْبَثُ عَبَثًا، وَهُوَ عَابِثٌ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَلَيْسَ مِنْ بَالِهِ، وَفِي الْقُرْآنِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] ، أَيْ لَعِبًا. وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ.

(عَبَجَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ لَيْسَ عِنْدَ الْخَلِيلِ [فِيهِ] شَيْءٌ. وَقَدْ قِيلَ الْعَبَجَةُ: الْأَحْمَقُ.

(عَبَدَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، كَأَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ، وَ [الْأَوَّلُ] مِنْ ذَيْنِكَ الْأَصْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ وَذُلٍّ، وَالْآخَرُ عَلَى شِدَّةٍ وَغِلَظٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَبْدُ، وَهُوَ الْمَمْلُوكُ، وَالْجَمَاعَةُ الْعَبِيدُ، وَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَهُمُ الْعِبَادُ. قَالَ الْخَلِيلُ: إِلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ اجْتَمَعُوا عَلَى تَفْرِقَةِ مَا بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ وَالْعَبِيدِ الْمَمْلُوكِينَ. يُقَالُ هَذَا عَبْدٌ بَيِّنُ الْعُبُودَةِ. وَلَمْ نَسْمَعْهُمْ يَشْتَقُّونَ مِنْهُ فِعْلًا، وَلَوِ اشْتُقَّ لَقِيلَ عَبُدَ، أَيْ صَارَ عَبْدًا وَأَقَرَّ بِالْعُبُودَةِ، وَلَكِنَّهُ أُمِيتُ الْفِعْلُ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ. قَالَ: وَأَمَّا عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً فَلَا يُقَالُ إِلَّا لِمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ - تَعَالَى. يُقَالُ مِنْهُ عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً، وَتَعَبَّدَ يَتَعَبَّدُ

(4/205)


تَعَبُّدًا. فَالْمُتَعَبِّدُ: الْمُتَفَرِّدُ بِالْعِبَادَةِ. وَاسْتَعْبَدْتُ فُلَانًا: اتَّخَذْتُهُ عَبْدًا. وَأَمَّا عَبْدٌ فِي مَعْنَى خَدَمَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقَالُ عَبَدَهُ، وَلَا يُقَالُ يَعْبُدُ مَوْلَاهُ. وَتَعَبَّدَ فُلَانٌ فُلَانًا، إِذَا صَيَّرَهُ كَالْعَبْدِ لَهُ وَإِنْ كَانَ حُرًّا. قَالَ:
تَعَبَّدَنِي نِمْرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ أُرَى ... وَنِمْرُ بْنُ سَعْدٍ لِي مُطِيعٌ وَمُهْطِعُ
وَيُقَالُ: أَعْبَدَ فُلَانٌ فُلَانًا، أَيْ جَعَلَهُ عَبْدًا. وَيُقَالُ لِلْمُشْرِكِينَ: عَبْدَةُ الطَّاغُوتِ وَالْأَوْثَانِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ: عُبَّادٌ يَعْبُدُونَ اللَّهَ - تَعَالَى -. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: عَابِدٌ وَعَبَدَ، كَخَادِمٍ وَخَدَمَ. وَتَأْنِيثُ الْعَبْدِ عَبْدَةٌ، كَمَا يُقَالُ مَمْلُوكٌ وَمَمْلُوكَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعِبِدَّاءُ: جَمَاعَةُ الْعَبِيدِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْعُبُودَةِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْبَعِيرُ الْمُعَبَّدُ، أَيِ الْمَهْنُوءُ بِالْقَطْرَانِ. وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُذِلُّهُ وَيَخْفِضُ مِنْهُ. قَالَ طَرَفَةُ:
إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي الْعَشِيرَةُ كُلُّهَا ... وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الْمُعَبَّدِ
وَالْمُعَبَّدُ: الذَّلُولُ، يُوصَفُ بِهِ الْبَعِيرُ أَيْضًا.
وَمِنَ الْبَابِ: الطَّرِيقُ الْمُعَبَّدُ، وَهُوَ الْمَسْلُوكُ الْمُذَلَّلُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَبَدَةُ، وَهِيَ الْقُوَّةُ وَالصَّلَابَةُ; يُقَالُ هَذَا ثَوْبٌ لَهُ عَبْدَةٌ، إِذَا كَانَ صَفِيقًا قَوِيًّا. وَمِنْهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ، بِفَتْحِ الْبَاءِ.

(4/206)


وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْعَبَدُ، مِثْلُ الْأَنَفِ وَالْحَمِيَّةِ. يُقَالُ: هُوَ يَعْبَدُ لِهَذَا الْأَمْرِ. وَفُسِّرَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81] ، أَيْ أَوَّلُ مَنْ غَضِبَ عَنْ هَذَا وَأَنِفَ مِنْ قَوْلِهِ. وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: " «عَبِدْتُ فَصَمَتُّ» "، أَيْ أَنِفْتُ فَسَكَتُّ. وَقَالَ:
وَيَعْبَدُ الْجَاهِلُ الْجَافِي بِحَقِّهِمْ ... بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ حِينَ لَا عَبَدُ
وَقَالَ آخَرُ:
وَأَعْبَدُ أَنْ تُهْجَى كَلِيبٌ بِدَارِمِ
أَيْ آنَفُ مِنْ ذَلِكَ وَأَغْضَبُ مِنْهُ:

(عَبَرَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: عَبَرْتُ النَّهْرَ عُبُورًا. وَعَبْرُ النَّهْرِ: شَطُّهُ. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عُبْرُ أَسْفَارٍ: لَا يَزَالُ يُسَافَرُ عَلَيْهَا. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وَقَدْ تَبَطَّنْتُ بِهِلْوَاعَةٍ ... عُبْرِ أَسْفَارٍ كَتُومِ الْبُغَامْ

(4/207)


وَالْمَعْبَرُ: شَطُّ نَهْرٍ هُيِّئَ لِلْعُبُورِ. وَالْمِعْبَرُ: سَفِينَةٌ يُعْبَرُ عَلَيْهَا النَّهْرُ. وَرَجُلٌ عَابِرُ سَبِيلٍ، أَيْ مَارٌّ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] ، وَمِنَ الْبَابِ الْعَبْرَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: عَبْرَةُ الدَّمْعِ: جَرْيُهُ. قَالَ: وَالدَّمْعُ أَيْضًا نَفْسُهُ عَبْرَةٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُهَا ... فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ; لِأَنَّ الدَّمْعَ يَعْبُرُ، أَيْ يَنْفُذُ وَيَجْرِي. وَالَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَقَوْلُهُمْ: عَبِرَ فُلَانٌ يَعْبَرُ عَبَرًا مِنَ الْحُزْنِ، وَهُوَ عَبْرَانُ، وَالْمَرْأَةُ عَبْرَى وَعَبِرَةٌ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا وَثَمَّ بُكَاءٌ. وَيُقَالُ: اسْتَعْبَرَ، إِذَا جَرَتْ عَبْرَتُهُ. وَيُقَالُ مِنْ هَذَا: امْرَأَةٌ عَابِرٌ، أَيْ بِهَا الْعَبَرُ. وَقَالَ:
يَقُولُ لِي الْجَرْمِيُّ هَلْ أَنْتَ مُرْدِفِي ... وَكَيْفَ رِدَافُ الْفَلِّ أُمُّكَ عَابِرُ
فَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. ثُمَّ يُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ السِّدْرِ عُبْرِيٌّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا نَبَتَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ. وَالشَّطُّ يُعْبَرُ وَيُعَبَرُ إِلَيْهِ. قَالَ الْعَجَّاجُ:

(4/208)


لَاثٍ بِهَا الْأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ
الْأَشَاءُ: الْفَسِيلُ، الْوَاحِدَةُ أَشَاءَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَيُقَالُ إِنَّ الْعُبْرَيَّ لَا يَكُونُ إِلَّا طَوِيلًا، وَمَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ فَهُوَ الضَّالُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَطَعْتُ إِذَا تَجَوَّفَتِ الْعَوَاطِي ... ضَرُوبَ السِّدْرِ عُبْرِيًّا وَضَالَا
وَيُقَالُ: بَلِ الضَّالُ مَا كَانَ فِي الْبَرِّ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَبَرَ الرُّؤْيَا يَعْبُرُهَا عَبْرًا وَعِبَارَةً، وَيُعَبِّرُهَا تَعْبِيرًا، إِذَا فَسَّرَهَا. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا عُبُورُ النَّهْرِ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ عِبْرٍ إِلَى عَبْرٍ. كَذَلِكَ مُفَسِّرُ الرُّؤْيَا يَأْخُذُ بِهَا مِنْ وَجْهٍ إِلَى وَجْهٍ، كَأَنْ يُسْأَلَ عَنِ الْمَاءِ، فَيَقُولُ: حَيَاةٌ. أَلَا تَرَاهُ قَدْ عَبَرَ فِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذِهِ: الْعِبَارَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ: عَبَّرْتَ عَنْ فُلَانٍ تَعْبِيرًا، إِذَا عَيَّ بِحُجَّتِهِ فَتَكَلَّمْتَ بِهَا عَنْهُ. وَهَذَا قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ فِي كَلَامِهِ فَنَفَذَ الْآخَرُ بِهَا عَنْهُ.
فَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَالْعِبْرَةُ فَعِنْدَنَا مِقْيَسَانِ مِنْ عَبْرِيِّ النَّهْرِ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(4/209)


عِبْرٌ مُسَاوٍ لِصَاحِبِهِ فَذَاكَ عِبْرٌ لِهَذَا، وَهَذَا عِبْرٌ لِذَاكَ. فَإِذَا قُلْتَ اعْتَبَرْتُ الشَّيْءَ، فَكَأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى الشَّيْءِ فَجَعَلْتَ مَا يَعْنِيكَ عِبْرًا لِذَاكَ: فَتَسَاوَيَا عِنْدَكَ. هَذَا عِنْدَنَا اشْتِقَاقُ الِاعْتِبَارِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، كَأَنَّهُ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَعُوقِبَ بِمَا عُوقِبَ بِهِ، فَتَجَنَّبُوا مِثْلَ صَنِيعِهِمْ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلٌ الْخَلِيلِ: عَبَّرْتَ الدَّنَانِيرَ تَعْبِيرًا، إِذَا وَزَنْتَهَا دِينَارًا [دِينَارًا] . قَالَ: وَالْعِبْرَةُ: الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْأَصْلِ: الْمُعْبَرُ مِنَ الْجِمَالِ: الْكَثِيرُ الْوَبَرِ. وَالْمُعْبَرُ مِنَ الْغِلْمَانِ: الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ. وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا. وَقَالَ فِي الْمُعْبَرِ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ بِشْرُ بْنُ [أَبِي] خَازِمٍ:
وَارِمُ الْعَفْلِ مُعْبَرُ
وَمِنْ هَذَا الشَّاذِّ: الْعَبِيرُ، قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ أَخْلَاطُ طِيبٍ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَتَبْرُدُ بَرْدَ رِدَاءِ الْعَرُوسِ ... بِالصَّيْفِ رَقْرَقَتْ فِيهِ الْعَبِيرَا

(عَبَسَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّهٍ

(4/210)


فِي شَيْءٍ. وَأَصْلُهُ الْعَبَسُ. مَا يَبِسَ عَلَى هُلْبِ الذَّنَبِ مِنْ بَعْرٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ كَالْوَذَحِ مِنَ الشَّاءِ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
كَأَنَّ فِي أَذْنَابِهِنَّ الشُّوَّلِ ... مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الْأُيَّلِ
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ مَرَّ بِإِبِلٍ قَدْ عَبَسَتْ فِي أَبْوَالِهَا. وَقَالَ جَرِيرٌ يَذْكُرُ رَاعِيَةً:
تَرَى الْعَبَسَ الْحَوْلِيَّ جَوْنًا بِكُوعِهَا ... لَهَا مَسَكًا مِنْ غَيْرِ عَاجٍ وَلَا ذَيْلِ
ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْ هَذَا: الْيَوْمُ الْعَبُوسُ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْكَرِيهُ. وَاشْتُقَّ مِنْهُ عَبَسَ الرَّجُلُ يَعْبِسُ عُبُوسًا، وَهُوَ عَابِسُ الْوَجْهِ: غَضْبَانُ. وَعَبَّاسٌ، إِذَا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ.

(عَبَطَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ تُصِيبُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ. وَهَذِهِ عِبَارَةٌ ذَكَرَهَا الْخَلِيلُ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ مُنْقَاسَةٌ. فَالْعَبْطُ: أَنْ تُعْبَطَ النَّاقَةُ صَحِيحَةً مِنْ غَيْرِ دَاءٍ وَلَا كَسْرٍ. قَالُوا: وَالْعَبِيطُ: الطَّرِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الطَّرِيِّ تَوَسُّعٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ مَا ذُكِرَ. يُقَالُ مِنَ الْأَوَّلِ: عُبِطَتِ النَّاقَةُ وَاعْتُبِطَتِ اعْتِبَاطًا، إِذَا نُحِرَتْ سَمِينَةً فَتِيَّةً مِنْ غَيْرِ دَاءٍ. قَالُوا: وَالرَّجُلُ يَعْبِطُ بِنَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ عَبْطًا، إِذَا أَلْقَاهَا فِيهَا غَيْرَ مُكْرَهٍ. وَالرَّجُلُ يَعْبِطُ الْأَرْضَ عَبْطًا، إِذَا حَفَرَ فِيهَا مَوْضِعًا لَمْ يُحْفَرْ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ مَرَّارٌ:

(4/211)


ظَلَّ فِي أَعْلَى يَفَاعٍ جَاذِلًا ... يَعْبِطُ الْأَرْضَ اعْتِبَاطَ الْمُحْتَفِرْ
وَيُقَالُ: مَاتَ فُلَانٌ عَبْطَةً، أَيْ شَابًّا سَلِيمًا. وَاعْتَبَطَهُ الْمَوْتُ. قَالَ أُمَيَّةُ:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا ... لِلْمَوْتِ كَأْسٌ فَالْمَرْءُ ذَائِقُهَا
وَمِنْ ذَلِكَ الدَّمُ الْعَبِيطُ: الطَّرِيُّ. قَالَ الْخَلِيلُ - وَهِيَ الْعِبَارَةُ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا -: يُقَالُ عَبَطَتْهُ الدَّوَاهِي، إِذَا نَالَتْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لِذَلِكَ. قَالَ حُمَيْدٌ:
بِمَنْزِلٍ عَفٍّ وَلَمْ يُخَالِطِ ... مُدَنَّسَاتِ الرِّيَبِ الْعَوَابِطِ
وَالْعَبِيطَةُ: الشَّاةُ أَوِ النَّاقَةُ الْمُعْتَبَطَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَهُ لَا يَنِي عَبَائِطُ مِنْ كُو ... مٍ إِذَا كَانَ مِنْ رِقَاقٍ وَبُزْلِ
الرِّقَاقُ: الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ.

(عَبَقَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لُزُومُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ عَبِقَ الطِّيبُ بِهِ، إِذَا لَصِقَ وَلَازَمَ. قَالَ:
عَبِقَ الْعَنْبَرُ وَالْمِسْكُ بِهَا فَهِيَ ... صَفْرَاءُ كَعُرْجُونِ الْعُمُرْ

(4/212)


وَقَالَ طَرَفَةُ:
ثُمَّ رَاحُوا عَبِقَ الْمِسْكُ بِهِمْ ... يَلْحَفُونَ الْأَرْضَ هُدَّابَ الْأُزُرْ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: مَا بَقِيَ لَهُمْ عَبَقَةٌ، أَيْ [مَا] بَقِيَتْ لَهُمْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَالِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْبَقِيَّةُ مِنَ السَّمْنِ تَبْقَى فِي النِّحْيِ قَدْ عَبِقَتْ بِهِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبَاقِيَةَ: شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ. وَهَذَا إِنْ حُمِلَ عَلَى الْقِيَاسِ صَحَّ; لِأَنَّهُ يَعْلَقُ بِالشَّيْءِ وَيُعْلَقُ بِهِ. وَيُنْشَدُ:
غَدَاةَ شُواحِطٍ فَنَجَوْتَ شَدًّا ... وَثَوْبُكَ فِي عَبَاقِيَةٍ هَرِيدُ
الْعَبَاقِيَةُ: بَقِيَّةُ الطِّيبِ وَالدَّيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ قِيَاسِهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْعَبَاقِيَةُ مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَبَاقِيَةُ: الدَّاهِي الْمُنْكَرُ، عَلَى وَزْنِ عَلَانِيَةٍ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَالَ:
أُتِيحَ لَهَا عَبَاقِيَةٌ سَرَنْدَى ... جَرِيُّ الصَّدْرِ مُنْبَسِطُ الْيَمِينِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: شَانَهُ شَيْنًا عَبَاقِيَةً، أَيْ شَيْنًا شَدِيدًا، وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ شَيْنًا لَازِمًا لَا يُفَارِقُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيُقَالُ إِنَّ الْعَبَاقِيَةَ جُرْحٌ يُصِيبُ الرَّجُلَ فِي حُرِّ وَجْهِهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ; لِأَنَّهُ شَيْنٌ بَاقٍ يُلَازِمُ.

(عَبَكَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْكَافُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ. قَالَ الْخَلِيلُ: مَا ذُقْتُ عَبَكَةً وَلَا لَبَكَةً. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: مَا أَغْنَيْتَ عَنِّي عَبَكَةً وَلَا لَبَكَةً

(4/213)


أَيْ شَيْئًا. وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمُ الَّذِي يَبْقَى فِي النِّحْيِ مِنَ السَّمْنِ: عَبَكَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِلطِّينَةِ مِنَ الْوَحْلِ.
وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ كَلِمَاتٌ عَنْ أَعْرَابٍ مَجْهُولِينَ لَا أَصْلَ لَهَا فَلِذَلِكَ تَرَكْنَاهَا.

(عَبَلَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضِخَمٍ وَامْتِدَادٍ وَشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَبْلُ مِنَ الْأَجْسَامِ، وَهُوَ الضَّخْمُ. تَقُولُ: عَبُلَ يَعْبُلُ عَبَالَةً. قَالَ:
خَبَطْنَاهُمْ بِكُلِّ أَرَحَّ لَأْمٍ ... كَمِرْضَاحِ النَّوَى عَبْلٍ وَقَاحِ
الْأَرَحُّ: الْحَافِرُ الْوَاسِعُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَعْبَلِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الصُّلْبُ ذُو الْبَيَاضِ. وَيُقَالُ جَبَلٌ أَعْبَلُ وَصَخْرَةٌ عَبْلَاءُ. وَقَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهَذَلِيُّ يَصِفُ نَابَ الذِّئْبَةِ:
أَخْرَجْتُ مِنْهَا سِلْقَةً مَهْزُولَةً ... عَجْفَاءَ يَبْرُقُ نَابُهَا كَالْأَعْبَلِ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ، أَيْ غَلِيظُهُمَا مَدِيدُهُمَا. وَمِنْهُ: أَلْقَى عَلَيْهِ عَبَالَّتَهُ) ، أَيْ ثِقْلَهُ. وَمُحْتَمَلٌ أَنَّ يَكُونَ الْعَبَلُ، وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرْطَى، مِنْ هَذَا، وَلَعَلَّ فِيهِ امْتِدَادًا وَطُولًا.

(4/214)


(عَبَمَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى غِلَظٍ وَجَفَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَبَامُ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْغَلِيظُ الْخِلْقَةِ فِي حُمْقٍ. تَقُولُ: عَبَمَ يَعْبُمُ عَبَامَةً. قَالَ:
فَأَنْكَرْتُ إِنْكَارَ الْكَرِيمِ وَلَمْ أَكُنْ ... كَفَدْمٍ عَبَامٍ سِيلَ شَيْئًا فَجَمْجَمَا
وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَبَامَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ.

(عَبَنَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالنُّونُ صَحِيحٌ، فِيهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبَنَّ: الْجَمَلُ الضَّخْمُ الْجَسِيمُ. وَيُقَالُ الْعَبَنُّ وَيُقَالُ الْعَبَنَّى، وَالْأُنْثَى عَبَنَّاةٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَرُبَّمَا وَصَفُوا بِهِ الرَّجُلَ. وَقَالَ حُمَيْدٌ فِي صِفَةِ بَعِيرٍ:
أَمِينٌ عَبَنُّ الْخَلْقِ مُخْتَلِفُ الشِّبَا ... يَقُولُ الْمُمَارِي طَالَ مَا كَانَ مُقْرَمَا

(عَبَأَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْهَمْزَةُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ غَيْرُ الْمَهْمُوزِ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعٍ فِي ثِقَلٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعِبْءُ، وَهُوَ كُلُّ حِمْلٍ، مِنْ غُرْمٍ أَوْ حَمَالَةٍ، وَالْجَمْعُ الْأَعْبَاءُ. قَالَ:
وَحَمْلُ الْعِبْءِ عَنْ أَعْنَاقِ قَوْمِي ... وَفِعْلِي فِي الْخُطُوبِ بِمَا عَنَانِي
وَمِنَ الْبَابِ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا، إِذَا لَمْ تُبَالِهِ، كَأَنَّكَ لَمْ تَجِدْ لَهُ ثِقْلًا. وَمِنَ

(4/215)


الْبَابِ: عَبَأْتُ الطِّيبَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْجَيْشِ، فَقَالُوا: عَبَّيْتُ الْكَتِيبَةَ أُعَبِّيهَا تَعْبِيَةً، إِذَا هَيَّأْتُهَا. وَقَدْ قَالُوا: عَبَّأْتُ الْجَيْشَ أَيْضًا، ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ فِي عَبَأَتُ الطِّيبَ:
كَأَنَّ بِصَدْرِهِ وَبِمَنْكِبَيْهِ ... عَبِيرًا بَاتَ تَعْبَؤُهُ عَرُوسُ
وَالْعَبَاءَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الْأَكْسِيَةِ. وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ; لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى لَابِسِهِ وَيَجْمَعُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَتَدَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى حُضُورٍ وَقُرْبٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ عَتُدَ الشَّيْءُ، وَهُوَ يَعْتُدُ عَتَادًا، فَهُوَ عَتِيدٌ حَاضِرٌ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتِ الْعَتِيدَةُ: الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُعْتَدِّ: إِنَّهُ لَعَتِيدٌ، وَقَدْ أَعْتَدْنَاهُ، وَهَيَّأْنَاهُ لِأَمْرٍ إِنْ حَزَبَ. وَجَمْعُ الْعَتَادِ عُتُدٌ وَأَعْتِدَةٌ. قَالَ النَّابِغَةُ:
عَتَادَ امْرِئٍ لَا يَنْقُضُ الْبُعْدُ هَمَّهُ ... طَلُوبُ الْأَعَادِي وَاضِحٍ غَيْرِ خَامِلِ

(4/216)


قَالَ الْخَلِيلُ: يَقُولُونَ هَذَا الْفَرَسُ عَتَدٌ، أَيْ مُعَدٌّ مَتَى شَاءَ صَاحِبُهُ رَكِبَهُ، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ:
بِكُلِّ مُحَنَّبٍ كَالسِّيدِ نَهْدٍ ... وَكُلِّ طُوَالَةٍ عَتَدٍ مِزَاقِ
فَأَمَّا الْعَتُودُ فَذَكَرَ الْخَلِيلُ فِيهِ قِيَاسًا صَحِيحًا، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ السِّفَادَ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ أُعِدَّ لِلسِّفَادِ، وَالْجَمْعُ عِدَّانُ عَلَى وَزْنِ فِعْلَانِ، وَكَانَ الْأَصْلُ " عِتْدَانَ " فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ. قَالَ الْأَخْطَلُ:
وَاذْكُرْ غَدَانَةَ عِدَّانًا مُزَنَّمَةً ... مِنَ الْحَبَلَّقِ تُبْنَى حَوْلَهَا الصِّيَرُ

(عَتَرَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْأَصْلُ وَالنِّصَابُ، وَالْآخَرُ التَّفَرُّقُ.
فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ أَنَّ عِتْرَ كُلِّ شَيْءٍ: نِصَابُهُ. قَالَ: وَعِتْرَةُ الْمِسْحَاةِ: خَشَبَتُهَا الَّتِي تُسَمَّى يَدَ الْمِسْحَاةِ. قَالَ: وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: عِتْرَةُ فُلَانٍ، أَيْ مَنْصِبُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: هُمْ أَقْرِبَاؤُهُ، مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ فِي اشْتِقَاقِ الْعِتْرَةِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْعِتْرَةِ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْعِتْرُ، قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمَرْزَنْجُوشُ. قَالَ: وَهُوَ لَا يَنْبُتُ إِلَّا مُتَفَرِّقًا. قَالَ: وَقِيَاسُ عِتْرَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُمْ أَقْرِبَاؤُهُ مُتَفَرِّقِي الْأَنْسَابِ، هَذَا مِنْ أَبِيهِ وَهَذَا مِنْ نَسْلِهِ كَوَلَدِهِ. وَأَنْشَدَ فِي الْعِتْرِ:

(4/217)


فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أُقِيمَ خِلَافَهُمْ ... لِسِتَّةِ أَبْيَاتٍ كَمَا يَنْبُتُ الْعِتْرُ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَرُّقِ، وَهُوَ وَجْهٌ جَمِيلٌ فِي قِيَاسِ الْعِتْرَةِ.
وَمِمَّا يُشْبِهُهُ عِتْرُ الْمِسْكِ، وَهِيَ حَصَاةٌ تَكُونُ مُتَفَرِّقَةً فِيهِ. وَلَعَلَّ عِتْرَ الْمِسْكِ أَنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً صَحِيحَةً فَإِنَّهَا غَيْرُ بَعِيدَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْ عَالِمٍ.
وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ: عَتَرَ الرُّمْحُ فَهُوَ يَعْتِرُ عَتْرًا وَعَتَرَانًا، إِذَا اضْطَرَبَ وَتَرَأَّدَ فِي اهْتِزَازٍ. قَالَ:
وَكُلُّ خَطِّيٍّ إِذَا هُزَّ عَتَرْ
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ مِنَ الْبَابِ لِأَنَّهُ إِذَا هُزَّ خُيِّلَ أَنَّهُ تَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ. وَهَذَا مُشَاهَدٌ، فَإِنْ صَحَّ مَا تَأَوَّلْنَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ يَكُونُ مِنْ عَسَلٍ، وَتَكُونُ التَّاءُ بَدَلًا مِنَ السِّينِ وَالرَّاءُ بَدَلًا مِنَ اللَّامِ.
وَمِمَّا يَصْلُحُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا: الْعَتِيرَةُ; لِأَنَّ دَمَهَا يُعْتَرُ، أَيْ يُسَالُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَاتِرُ: الَّذِي يَعْتِرُ شَاةً فَيَذْبَحُهَا، كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَذْبَحُهَا ثُمَّ يَصُبُّ دَمَهَا عَلَى رَأْسِ الصَّنَمِ، فَتِلْكَ الشَّاةُ هِيَ الْعَتِيرَةُ وَالْمَعْتُورَةُ، وَالْجَمْعُ عَتَائِرُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعَتِيرُ هُوَ الصَّنَمُ الَّذِي تُعْتَرُ لَهُ الْعَتَائِرُ فِي رَجَبٍ. وَأَنْشَدَ لِزُهَيْرٍ:

(4/218)


فَزَلَّ عَنْهَا وَأَوْفَى رَأْسَ مَرْقَبَةٍ ... كَمَنْصَبِ الْعِتْرِ دَمَّى رَأْسَهُ النُّسُكُ
فَإِنْ كَانَ صَحِيِحًا هَذَا فَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ أَفْصَحَ الشَّاعِرُ بِقِيَاسِهِ حَيْثُ قَالَ:
كَمَنْصِبِ الْعِتْرِ دَمَّى رَأْسَهُ النُّسُكُ

(عَتَقَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَجْمَعُ مَعْنَى الْكَرَمِ خِلْقَةً وَخُلُقًا، وَمَعْنَى الْقِدَمِ. وَمَا شَذَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ عَلَى حِدَةٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عَتَاقًا وَعَتَاقَةً وَعُتُوقًا، وَأَعْتَقَهُ صَاحِبُهُ إِعْتَاقًا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَتَقَ فُلَانٌ بَعْدَ اسْتِعْلَاجٍ، إِذَا صَارَ رَقِيقَ الْخِلْقَةِ بَعْدَ مَا كَانَ جَافِيًا. وَيُقَالُ: حَلَفَ بِالْعَتَاقِ، وَهُوَ مَوْلَى عَتَاقَةٍ. وَصَارَ الْعَبْدُ عَتِيقًا. وَلَا يُقَالُ عَاتِقٌ فِي مَوْضِعِ عَتِيقٍ إِلَّا أَنْ تَنْوِيَ فِعْلَهُ فِي قَابِلٍ، فَتَقُولَ عَاتِقٌ غَدًا. وَامْرَأَةٌ عَتِيقَةٌ حُرَّةٌ مِنَ الْأُمُوَّةِ. وَامْرَأَةٌ عَتِيقَةٌ أَيْضًا، أَيْ جَمِيلَةٌ كَرِيمَةٌ. وَفَرَسٌ عَتِيقٌ: رَائِعٌ بَيِّنُ الْعِتْقِ، وَثَوْبٌ نَاعِمٌ عَتِيقٌ. وَالْعَتِيقُ أَيْضًا: الْكَرِيمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ عَتَقَ وَعَتُقَ، إِذَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَنٌ.
قَالَ الْخَلِيلُ: جَارِيَةٌ عَاتِقٌ، أَيْ شَابَّةٌ أَوَّلَ مَا أَدْرَكَتْ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنَ الصِّبَا وَبَلَغَتْ أَنْ تَدَرَّعَ. قَالُوا: وَالْجَوَارِحُ مِنَ

(4/219)


الطَّيْرِ عِتَاقٌ لِأَنَّهَا تَصِيدُ وَلَا تُصَادُ، فَهِيَ أَكْرَمُ الطَّيْرِ، وَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ أَنْ تُصَادَ، وَذَلِكَ كَالْبَازِي وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَانْتَضَلْنَا وَابْنُ سَلْمَى قَاعِدٌ ... كَعَتِيقِ الطَّيْرِ يُغْضِي وَيُجَلُّ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَعْتَقْتُ الْمَالَ فَعَتَقَ، أَيْ أَصْلَحْتُهُ فَصَلُحَ. وَيُقَالُ: عَتَقَتِ الْفُرْسُ، إِذَا سَبَقَتْ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَكُنْتُ بِالْمِرْبَدِ فَأُجْرِيَ فَرَسَانِ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: هَذَا أَوَانُ عَتَقَتِ الشَّقْرَاءُ، أَيْ سَبَقَتْ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مِعْتَاقُ الْوَسِيقَةِ، إِذَا طَرَدَ طَرِيدَةً أَنْجَاهَا وَسَلِمَ بِهَا. وَيُقَالُ: مَا أَبْيَنَ الْعِتْقَ فِي وَجْهِ فُلَانٍ، أَيِ الْكَرَمَ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْبَيْتُ الْعَتِيقُ: الْكَعْبَةُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] . وَيُقَالُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْغَرَقِ أَيَّامَ الطُّوفَانِ فَرُفِعَ. وَيُقَالُ أُعْتِقُ مِنَ الْحَبَشَةِ عَامَ الْفِيلِ وَيُقَالُ: أُعْتِقَ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَحَدٌ فَهُوَ بَيْتُ اللَّهِ - تَعَالَى.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمْثَالِهِمْ: " لَوْلَا عِتْقُهُ لَقَدْ بَلَى "، يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إِذَا ثَبَتَ وَدَامَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَاتِقُ مِنَ الطَّيْرِ فَوْقَ النَّاهِضِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ أَخَذَ فَرْخَ قَطَاةٍ عَاتِقًا، إِذَا اسْتَقَلَّ وَطَارَ. وَنَرَى أَنَّهُ مَنْ عَتَقَتِ الْفُرْسُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: طَيْرٌ عَاتِقٌ، إِذَا كَانَ فَوْقَ النَّاهِضِ، لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ حَدٍّ

(4/220)


الزَّقِّ. فَأَمَّا الْعَاتِقُ مِنَ الزِّقَاقِ فَهُوَ الْوَاسِعُ الْجَيِّدُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالشَّيْءِ الْكَرِيمِ. قَالَ لَبِيدٌ:
أُغْلِيَ السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقٍ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا
وَقَالَ الْخَلِيلُ: شَرَابٌ عَاتِقٌ، أَيْ عَتِيقٌ. قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ:
لَا تَبْعُدَنَّ إِدَاوَةٌ مَطْرُوحَةٌ ... كَانَتْ زَمَانًا لِلشَّرَابِ الْعَاتِقِ
وَيُقَالُ لِلْبِئْرِ الْقَدِيمَةِ عَاتِقَةٌ. وَالْخَمْرُ الْعَتِيقَةُ: الَّتِي عُتِّقَتْ زَمَانًا حَتَّى عَتَقَتْ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَسَبِيئَةٍ مِمَّا تُعَتِّقُ بَابِلٌ ... كَدَمِ الذَّبِيحِ سَلَبْتُهَا جِرْيَالَهَا
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَاتِقُ فِي وَصْفِ الْخَمْرِ الَّتِي لَمْ تُفَضَّ وَلَمْ تُبْزَلْ، ذَهَبَ إِلَى الْجَارِيَةِ الْعَاتِقِ الَّتِي لَمْ تَبِنْ عَنْ أَبَوَيْهَا. وَيُقَالُ: بَلِ الْخَمْرُ الْعَاتِقُ مِنَ الْقِدَمِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَادَمَ فَهُوَ عَاتِقٌ وَعَتِيقٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: كُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ إِنَاهُ فَقَدْ عَتَقَ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَتِيقًا لِأَنَّهُ بَلَغَ غَايَتَهُ. فَأَمَّا قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
كَذَبَ الْعَتِيقُ وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٌ ... إِنْ كُنْتِ سَائِلَتِي غَبُوقًا فَاذْهَبِي

(4/221)


فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ الْعَتِيقِ. وَمَعْنَى كَذَبَ، أَيْ عَلَيْكَ بِهَذَا النَّوْعِ. وَيُقَالُ بَلِ الْعَتِيقُ: الْمَاءُ; وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَجَلُّ الْأَشْرِبَةِ، وَفِيهِ الْحَيَاةُ.
وَمِنَ الْقِدَمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُمْ: عَتُقَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ، أَيْ قَدُمَتْ وَوَجَبَتْ. قَالَ:
عَلَيَّ أَلِيَّةٌ عَتَقَتْ قَدِيمًا ... فَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ طُلِبَتْ مَرَامُ
وَيُقَالُ لِكُلِّ كَرِيمٍ عَتِيقٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: عَاتِقَا الْإِنْسَانِ، وَهُمَا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْعُنُقِ، وَالْجَمْعُ الْعَوَاتِقُ. وَيُقَالُ الْعَاتِقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ أَمْيَلُ الْعَاتِقِ إِذَا كَانَ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْهُ مُعْوَجًّا. وَقَالَ فِي تَأْنِيثِ الْعَاتِقِ:
لَا صُلْحَ بَيْنِي فَاعْلَمُوهُ وَلَا ... بَيْنَكُمْ مَا حَمَلَتْ عَاتِقِي
سَيَفِي وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ وَمَا ... قَرْقَرَ قُمْرُ الْوَادِ بِالشَّاهِقِ
قَالَ
ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ
: الْعَاتِقُ: الْقَوْسُ الَّتِي تَغَيَّرَ لَوْنُهَا وَاسْوَدَّتْ، وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْقِدَمِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ.

(عَتَكَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَرِيبٍ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَهُوَ مِنَ الْإِقْدَامِ وَالْقِدَمِ.

(4/222)


قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: عَتَكَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ، إِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ ضَرْبًا لَا يُنَهْنِهُهُ شَيْءٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ حَمْلَةَ أَخْذٍ وَبَطْشٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَتَكَ الرَّجُلُ يَعْتِكُ عَتْكًا وَعُتُوكًا، إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ. وَالْقَوْسُ الْعَاتِكَةُ طَالَ عَلَيْهَا الْعَهْدُ حَتَّى احْمَرَّتْ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَصَفْرَاءُ الْبُرَايَةِ عُودِ نَبْعٍ ... كَوَقْفِ الْعَاجِ عَاتِكَةُ اللِّيَاطِ
[وَامْرَأَةٌ عَاتِكَةٌ] ، إِذَا كَانَتْ مُتَضَمِّخَةً بِالْخَلُوقِ. وَمِنْهُ عَتَكَتِ الْقَوْسُ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ لِكُلِّ كَرِيمٍ عَاتِكٍ، أَيْ قَدِيمٍ. وَأَصْلُهُ مِنْ عَتَكَتِ الْقَوْسُ.

(عَتَلَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَقُوَّةٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْعُتُلُّ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْقَوِيَّ الْمُصَحَّحُ الْجِسْمِ; وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَتَلَةِ الَّتِي يُحْفَرُ بِهَا. وَالْعَتَلَةُ أَيْضًا: الْهِرَاوَةُ الْغَلِيظَةُ مِنَ الْخَشَبِ، وَالْجَمْعُ عَتَلٌ. وَقَالَ:
وَأَيْنَمَا كُنْتَ مِنَ الْبِلَادِ ... فَاجْتَنِبَنَّ عُرَّمَ الذُّوَّادِ
وَضَرَبَهُمْ بِالْعَتَلِ الشِّدَادِ
وَمِنَ الْبَابِ الْعَتْلُ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ بِتَلْبِيبِ الرَّجُلِ فَتَعْتِلَهُ، أَيْ تَجُرُّهُ إِلَيْكَ

(4/223)


بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان: 47] . وَلَا يَكُونُ عَتْلًا إِلَّا بِجَفَاءٍ وَشِدَّةٍ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا أَنْعَتِلُ مَعَكَ: أَيْ لَا أَنْقَادُ مَعَكَ.

(عَتَمَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْطَاءٍ فِي الشَّيْءِ أَوْ كَفٍّ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَتَّمَ الرَّجُلُ يُعَتِّمُ، إِذَا كَفَّ عَنِ الشَّيْءِ بَعْدَ الْمُضِيِّ فِيهِ، وَعَتَمَ يَعْتِمُ. وَحَمَلْتُ عَلَى فُلَانٍ فَمَا عَتَّمْتُ أَنْ ضَرَبْتُهُ، أَيْ مَا نَهْنَهْتُ وَمَا نَكَلْتُ وَمَا أَبْطَأْتُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «غَرَسَ كَذَا وَدِيَّةً فَمَا عَتَّمَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ،» أَيْ مَا أَبْطَأَتْ، حَتَّى عَلِقَتْ. وَقَالَ:
مَجَامِعُ الْهَامِ وَلَا يُعْتَمُ
أَيْ لَا يُمْهَلُ وَلَا يُكَفُّ. وَقَالَ:
وَلَسْتُ بِوَقَّافٍ إِذَا الْخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... وَلَسْتُ عَنِ الْقِرْنِ الْكَمِّيِّ بِعَاتِمِ
قَالَ: وَالْعَتَمَةُ هُوَ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَالشَّفَقِ. يُقَالُ: أَعْتَمَ الْقَوْمُ، إِذَا صَارُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَجَاءَ الضَّيْفُ عَاتِمًا، أَيْ مُعْتِمًا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْعَتْمُ: الزَّيْتُونُ الْبَرِّيُّ. قَالَ النَّابِغَةُ:

(4/224)


تَسْتَنُّ بِالضَّرْوِ مِنْ بَرَاقِشَ ... أَوْ هَيْلَانَ أَوْ نَاضِرٍ مِنَ الْعَتْمِ

(عَتَوَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِكْبَارٍ. قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا: اسْتَكْبَرَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] . وَكَذَلِكَ يَعْتُو عِتِيًّا، فَهُوَ عَاتٍ، وَالْمَلِكُ الْجَبَّارُ عَاتٍ، وَجَبَابِرَةٌ عُتَاةٌ. قَالَ:
وَالنَّاسُ يَعْتُونَ عَلَى الْمُسَلَّطِ
وَيُقَالُ: تَعَتَّى فُلَانٌ وَتَعَتَّتَ فُلَانَةٌ، إِذَا لَمْ تُطِعْ. قَالَ الْعَجَّاجُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَقَلَّتِ ... بِأَمْرِهِ السَّمَاءُ وَاطْمَأَنَّتِ
بِأَمْرِهِ الْأَرْضُ فَمَا تَعَتَّتِ
أَيْ مَا عَصَتْ.

(عَتَبَ) الْعَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى الْأَمْرِ فِيهِ بَعْضُ الصُّعُوبَةِ مِنْ كَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَتَبَةُ، وَهِيَ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا عَنِ الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ السَّهْلِ. وَعَتَبَاتُ الدُّرْجَةِ: [مَرَاقِيهَا] ، كُلُّ مِرْقَاةٍ مِنَ الدُّرْجَةِ عَتَبَةٌ. وَيُشَبَّهُ بِذَلِكَ الْعَتَبَاتُ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ، وَالْوَاحِدَةُ عَتَبَةٌ، وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى عَتَبٍ. وَكُلُّ شَيْءٍ جَسَا وَجَفَا فَهُوَ يُشْتَقُّ لَهُ هَذَا اللَّفْظُ، يُقَالُ فِيهِ عَتَبٌ، إِذَا اعْتَرَاهُ مَا يُغَيِّرُهُ عَنِ الْخُلُوصِ. قَالَ:

(4/225)


فَمَا فِي حُسْنِ طَاعَتِنَا ... وَلَا فِي سَمْعِنَا عَتَبُ
وَقَالَ فِي وَصْفِ سَيْفٍ:
مُجَرَّبَ الْوَقْعِ غَيْرَ ذِي عَتَبِ
أَيْ غَيْرَ مُلْتَوٍ عَنِ الضَّرِيبَةِ وَلَا نَابٍ عَنْهَا.
وَيَقُولُونَ: حُمِلَ فُلَانٌ عَلَى عَتَبَةٍ كَرِيهَةٍ وَعَتَبٍ كَرِيهٍ مِنْ بَلَاءٍ وَشَرٍّ.
قَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
يُعْلَى عَلَى الْعَتَبِ الْكَرِيهِ وَيُوبَسُ
وَيُقَالُ لِلْفَحْلِ الْمَعْقُولِ أَوِ الظَّالِعِ إِذَا مَشَى عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ كَأَنَّهُ يَقْفِزُ: عَتَبَ عَتَبَانًا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَهَذَا تَشْبِيهٌ، كَأَنَّهُ يَمْشِي عَلَى عَتَبَاتِ الدُّرْجَةِ فَيَنْزُو مِنْ عَتَبَةٍ إِلَى عَتَبَةٍ. وَيُقَالُ عَتِّبْ لَنَا عَتَبَةً، أَيِ اتَّخِذْهَا.
وَمِنَ الْبَابِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ: الْعَتْبُ: الْمَوْجِدَةُ. تَقُولُ: عَتَبْتُ عَلَى فُلَانٍ عَتْبًا وَمَعْتَبَةً، أَيْ وَجَدْتُ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهَا فَيُقَالُ: أَعْتَبَنِي، أَيْ تَرَكَ مَا كُنْتُ أَجِدُ عَلَيْهِ وَرَجَعَ إِلَى مَسَرَّتِي ; وَهُوَ مُعْتِبٌ رَاجِعٌ عَنِ الْإِسَاءَةِ. وَأَنْشَدَ:

(4/226)


عَتَبْتُ عَلَى جُمْلٍ وَلَسْتُ بِشَامِتٍ ... بِجُمْلٍ وَإِنْ كَانَتْ بِهَا النَّعْلُ زَلَّتِ
وَيَقُولُونَ: أَعْطَانِي الْعُتْبَى، أَيْ أَعْتَبَنِي. وَلَكَ الْعُتْبَى، أَيْ أَعْطَيْتُكَ الْعُتْبَى. وَالتَّعَتُّبُ، إِذَا قَالَ هَذَا وَهَذَا يَصِفَانِ الْمَوْجِدَةَ. وَكَذَلِكَ الْمُعَاتَبَةُ، إِذَا لَامَكَ وَاسْتَزَادَكَ قُلْتَ عَاتَبَنِي. قَالَ:
إِذَا ذَهَبَ الْعِتَابُ فَلَيْسَ حُبٌّ ... وَيَبْقَى الْحُبُّ مَا بَقِيَ الْعِتَابُ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا طَلَبَ أَنْ يُعْتَبَ: قَدِ اسْتَعْتَبَ. قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:
فَعَاتَبْتُهُ ثُمَّ رَاجَعْتُهُ ... عِتَابًا رَقِيقًا وَقَوْلًا أَصِيلًا
فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتَبٍ ... وَلَا ذَاكِرَ اللَّهِ إِلَّا قَلِيلًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا رَأَيْتُ عِنْدَ فُلَانٍ عُتْبَانًا، إِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ أَعْتَبَكَ وَلَمْ تَرَ لِذَلِكَ بَيَانًا.

(4/227)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَثَرَ) الْعَيْنُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ [عَلَى] الْإِثَارَةِ لِلْغُبَارِ.
فَالْأَوَّلُ عَثَرَ عُثُورًا، وَعَثَرَ الْفُرْسُ يَعْثُرُ عِثَارًا، وَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ لِوَجْهِهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا قِيلَ عَثَرَ مِنَ الِاطِّلَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ عَاثِرٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَوْضِعِ عَثْرَتِهِ. وَيُقَالُ: عَثَرَ الرَّجُلُ يَعْثُرُ عُثُورًا وَعَثَرًا، إِذَا اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. كَذَا قَالَ الْخَلِيلُ. وَأَعْثَرْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا، إِذَا أَطْلَعْتَهُ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107] ، أَيْ إِنِ اطُّلِعَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الكهف: 21] . وَالْعَاثُورُ: الْمَكَانُ يُعْثَرُ بِهِ. قَالَ:
وَبَلْدَةٍ كَثِيرَةِ الْعَاثُورِ
أَرَادَ كَثِيرَةَ الْمَتَالِفِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعِثْيَرُ [وَالْعِثْيَرَةُ] ، وَهُوَ الْغُبَارُ السَّاطِعُ. قَالَ:
تَرَى لَهُمْ حَوْلَ الصِّقَعْلِ عِثْيَرَهْ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَا رَأَيْتُ لَهُ أَثَرًا وَلَا عَثْيَرًا، فَقَالُوا: الْعَثْيَرُ: مَا قُلِبَ مِنْ تُرَابٍ أَوْ مَدَرٍ. وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ:

(4/228)


لَقَدْ عَيْثَرْتَ طَيْرَكَ لَوْ تَعِيفُ
أَيْ رَأَيْتَهَا جَرَتْ، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْأَثَرَ.

(عَثَلَ) ذَكَرُوا فِيهِ كَلِمَةً إِنْ صَحَّتْ. يُقَالُ: إِنَّ الْعِثْوَلَّ مِنَ الرِّجَالِ: الْجَافِي. قَالُوا: وَالْعَثُولُ: النَّخْلَةُ الْجَافِيَةُ الْغَلِيظَةُ. قَالَ:
هَزَزْتُ عَثُولًا مَصَّتِ الْمَاءَ وَالثَّرَى ... زَمَانًا فَلَمْ تَهْمُمْ بِأَنْ تَتَبَرَّعَا

(عَثَمَ) الْعَيْنُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غِلَظٍ وَنُتُوٍّ فِي الشَّيْءِ. قَالُوا: الْعَيْثُومُ: الضَّخْمُ الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالُوا: وَتُسَمَّى الْفِيَلَةُ الْعَيْثُومَ. قَالَ يَصِفُ نَاقَةً:
وَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْحَيِّ تَحْمِلُنِي ... وَالْفَصْلَتَيْنِ كِنَازُ اللَّحْمِ عَيْثُومُ
أَيْ ضَخْمَةٌ شَدِيدَةٌ. وَيُقَالُ لِلْجَمَلِ الضَّخْمِ عَيْثُومُ. وَالْعَثَمْثَمُ مِنَ الْإِبِلِ: الطَّوِيلُ فِي ضِخَمٍ، وَ [يُقَالُ] فِي الْجَمِيعِ عَثْمَثَمَاتٌ. وَرُبَّمَا وُصِفَ الْأَسَدُ بِالْعَثَمْثَمِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَثْمُ، وَهُوَ أَنْ يُسَاءَ جَبْرُ الْعَظْمِ فَيَبْقَى فِيهِ عِوَجٌ وَنُتُوٌّ كَالْوَرَمِ. وَيُقَالُ هُوَ عَثِمٌ وَبِهِ عَثْمٌ، كَأَنَّهُ مَشَشٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَبِهِ سُمِّي عُثْمَانُ; لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَبْرِ. وَيُقَالُ بَلِ الْعُثْمَانُ. . .

(4/229)


(عَثَنَ) الْعَيْنُ وَالثَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِشَارٍ فِي شَيْءٍ وَانْتِفَاشٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعُثَانُ، وَهُوَ الدُّخَانُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْتِشَارِهِ فِي الْهَوَاءِ. تَقُولُ عَثَّنَ يُعَثِّنُ، إِذَا دَخَّنَ. وَالنَّارُ تَعْثُنُ وَتُعَثِّنُ. وَتَقُولُ: عَثَّنَتِ الْبَيْتَ بِرِيحِ الدُّخْنَةِ تَعْثِينًا. وَعَثَنَ الْبَيْتُ يَعْثُنُ عَثْنًا، إِذَا عَبِقَ بِهِ رِيحُ الدُّخْنَةِ. تَقُولُ: عَثَّنْتُ الثَّوْبَ بِالطِّيبِ تَعْثِينًا، كَقَوْلِكَ دَخَّنْتُهُ تَدْخِينًا.
وَمِنَ الْبَابِ الْعُثْنُونُ: عُثْنُونُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ طُولُهَا وَمَا تَحْتَهَا مِنْ شَعْرِهَا. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِانْتِشَارِ وَالِانْتِفَاشِ.
وَمِنَ الْبَابِ: عُثْنُونُ الرِّيحِ: هَيْدَبُهَا فِي أَوَائِلِهَا، إِذَا أَقْبَلَتْ تَجُرُّ الْغُبَارَ جَرًّا; وَالْجَمْعُ الْعَثَانِينُ. وَهَيْدَبُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
هَيْفٌ هَدُوجُ الضُّحَى سَهْوٌ مَنَاكِبُهَا ... يَكْسُونَهَا بِالْعَشِيَّاتِ الْعَثَانِينَا
وَعُثْنُونُ الْبَعِيرِ: شُعَيْرَاتٌ عِنْدَ مَذْبَحِهِ. وَالْجَمْعُ عَثَانِينُ.

(عُثَى) الْعَيْنُ وَالثَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ. يُقَالُ عَثَا يَعْثُو، وَيُقَالُ عَثِيَ يَعْثِي، مِثْلُ عَاثَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] .

(4/230)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَجَدَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْعُجْدُ: الزَّبِيبُ. وَيُقَالُ هُوَ الْعُنْجُدُ.

(عَجَرَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَعَقُّدٍ فِي الشَّيْءِ وَنُتُوٍّ مَعَ الْتِوَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَجَرُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ عَجِرَ يَعْجَرُ عَجَرًا. وَالْأَعْجَرُ النَّعْتُ. وَالْعُجْرَةُ: مَوْضِعُ الْعَجَرِ. وَيُقَالُ: حَافِرٌ عَجُِرٌ: صُلْبٌ شَدِيدٌ. قَالَ مَرَّارُ بْنُ مُنْقِذٍ:
سَائِلٍ شِمْرَاخُهُ ذِي جُبَبٍ ... سَلِطَ السُّنْبُكُ فِي رُسْغٍ عَجُِرْ
وَالْأَعْجَرُ: كُلُّ شَيْءٍ تَرَى فِيهِ عُقَدًا; كَبْشٌ أَعْجَرُ، وَبَطْنٌ أَعْجَرُ، إِذَا امْتَلَأَ جِدًّا. قَالَ عَنْتَرَةُ:
ابْنَيْ زَبِيبَةَ مَا لِمُهْرِكُمُ ... مُتَخَدِّدًا وَبُطُونُكُمْ عُجْرُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأُرَاهِ مَصْنُوعًا، إِلَّا أَنَّ الْخَلِيلَ أَنْشَدَهُ:
حَسَنُ الثِّيَابِ يَبِيتُ أَعْجَرَ طَاعِمًا ... وَالضَّيْفُ مِنْ حُبِّ الطَّعَامِ قَدِ الْتَوَى
وَالْعُجْرَةُ: كُلُّ عُقْدَةٍ فِي خَشَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ عُرُوقِ الْبَدَنِ، وَالْجَمْعُ عُجَرٌ. وَمِنَ الْبَابِ الِاعْتِجَارُ، وَهُوَ لَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ إِدَارَةٍ تَحْتَ الْحَنَكِ. قَالَ:
جَاءَتْ بِهِ مُعْتَجِرًا بِبُرْدِهْ ... سَفْوَاءُ تَرْدِي بِنَسِيجِ وَحْدِهْ

(4/231)


وَإِنَّمَا سُمِّيَ اعْتِجَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ لَيٍّ وَنُتُوٍّ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْعَجِيرُ، وَهُوَ مِنَ الْخَيْلِ كَالْعِنِّينِ مِنَ الرِّجَالِ.

(عَجَزَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالزَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الضَّعْفِ، وَالْآخَرُ عَلَى مُؤَخَّرِ الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ عَجِزَ عَنِ الشَّيْءِ يَعْجِزُ عَجْزًا، فَهُوَ عَاجِزٌ، أَيْ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَجْزَ نَقِيضُ الْحَزْمِ فَمِنْ هَذَا; لِأَنَّهُ يَضْعُفُ رَأْيُهُ. وَيَقُولُونَ: " الْمَرْءُ يَعْجِزُ لَا مَحَالَةَ ". وَيُقَالُ: أَعْجَزَنِي فُلَانٌ، إِذَا عَجِزْتُ عَنْ طَلَبِهِ وَإِدْرَاكِهِ. وَلَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ - تَعَالَى - شَيْءٌ، أَيْ لَا يَعْجِزُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ مَتَى شَاءَ. وَفِي الْقُرْآنِ: {لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا} [الجن: 12] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [العنكبوت: 22] . وَيَقُولُونَ: عَجَزَ بِفَتْحِ الْجِيمِ. وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: لَا يُقَالُ عَجِزَ إِلَّا إِذَا عَظُمَتْ عَجِيزَتُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَجُوزُ: الْمَرْأَةُ الشَّيْخَةُ، وَالْجَمْعُ عَجَائِزُ. وَالْفِعْلُ عَجَّزَتْ تَعْجِيزًا. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَاجَزَ فُلَانًا، إِذَا ذَهَبَ فَلَمْ يُوصَلْ إِلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 38] . وَيُجْمَعُ الْعَجُوزُ عَلَى الْعُجُزِ أَيْضًا، وَرُبَّمَا حَمَلُوا عَلَى هَذَا فَسَمَّوُا الْخَمْرَ عَجُوزًا، وَإِنَّمَا سَمَّوْهَا لِقَدَمِهَا، كَأَنَّهَا امْرَأَةٌ عَجُوزٌ. وَالْعِجْزَةُ وَابْنُ الْعِجْزَةِ: آخِرُ وَلَدِ الشَّيْخِ. وَأَنْشَدَ:

(4/232)


عِجْزَةَ شَيْخَيْنِ يُسَمَّى مَعْبَدًا
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْعَجُزُ: مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، وَالْجَمْعُ أَعْجَازٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: عَجُزُ الْأَمْرِ، وَأَعْجَازُ الْأُمُورِ. وَيَقُولُونَ: " لَا تَدَبَّرُوا أَعْجَازَ أُمُورٍ وَلَّتْ صُدُورُهَا ". قَالَ: وَالْعَجِيزَةُ: عَجِيزَةُ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً إِذَا كَانَتْ ضَخْمَةً، يُقَالُ امْرَأَةٌ عَجْزَاءُ. وَالْجَمْعُ عَجِيزَاتٌ كَذَلِكَ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَا يُقَالُ عَجَائِزُ، كَرَاهَةَ الِالْتِبَاسِ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَجْزَاءُ مَمْكُورَةٌ خُمْصَانَةٌ قَلِقٌ ... عَنْهَا الْوِشَاحُ وَتَمَّ الْجِسْمُ وَالْقَصَبُ
وَقَالَ أَبُو النَّجْمِ:
مِنْ كُلِّ عَجْزَاءَ
،
سَقُوطُ الْبُرْقُعِ بَلْهَاءَ ... لَمْ تَحْفَظْ وَلَمْ تُضَيِّعْ
وَالْعَجَزُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الدَّابَّةَ فِي عَجُزِهَا، يُقَالُ هِيَ عَجْزَاءُ، وَالذَّكَرُ أَعْجَزُ. وَمِمَّا شُبِّهَ [فِي] هَذَا الْبَابِ: الْعَجْزَاءُ مِنَ الرَّمْلِ: رَمْلَةٌ مُرْتَفِعَةٌ كَأَنَّهَا جَبَلٌ، وَالْجَمْعُ الْعُجْزُ. وَهَذَا عَلَى أَنَّهَا شُبِّهَتْ بِعَجِيزَةِ ذَاتِ الْعَجِيزَةِ، كَمَا قَدْ يُشَبِّهُونَ الْعَجِيزَاتِ بِالرَّمْلِ وَالْكَثِيبِ. وَالْعَجْزَاءُ مِنَ الْعِقْبَانُ: الْخَفِيفَةُ الْعَجِيزَةُ. قَالَ الْأَعْشَى:
عَجْزَاءُ تَرْزُقُ بِالسُّلَيِّ عِيَالَهَا

(4/233)


وَمَا تَرَكْنَا فِي هَذَا كَرَاهَةَ التَّكْرَارِ رَاجِعٌ إِلَى الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا. وَسَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَجُوزَ: نَصْلُ السَّيْفِ. وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَهُوَ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِقَدَمِهِ كَالْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ، وَإِتْيَانِ الْأَزْمِنَةِ عَلَيْهِ.

(عَجَسَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الشَّيْءِ كَالْعَجُزِ، فِي عِظَمٍ وَغِلَظٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعُجْسُ وَالْمَعْجِسُ: مَقْبِضُ [الْقَوْسِ] ، وَعُجْسُهَا وَعُجْزُهَا سَوَاءٌ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُشَبَّهٌ بِعَجُزِ الْإِنْسَانِ وَعَجِيزَتِهِ. قَالَ أَوْسٌ فِي الْعَجْسِ:
كَتُومٌ طِلَاعُ الْكَفِّ لَا دُونَ مِلْئِهَا وَلَا ... عَجْسُهَا عَنْ مَوْضِعِ الْكَفِّ أَفْضَلَا
يَقُولُ: عَجْسُهَا عَلَى قَدْرِ الْقَبْضَةِ، سَوَاءٌ. وَقَالَ فِي الْمَعْجِسِ مُهَلْهِلٌ:
أَنْبَضُوا مَعْجِسَ الْقِسِيِّ وَأَبْرَقْ ... نَا كَمَا تُوعِدُ الْفُحُولُ الْفُحُولَا
وَمِنَ الْبَابِ: عَجَاسَاءُ اللَّيْلِ: ظُلْمَتُهُ، وَذَلِكَ فِي مَآخِيرِهِ; وَشُبِّهَتْ بِعَجَاسَاءِ الْإِبِلِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَجَاسَاءُ مِنَ الْإِبِلِ: الْعِظَامُ الْمَسَانُّ. قَالَ الرَّاعِي:
إِذَا بَرَكَتْ مِنْهَا عَجَاسَاءُ جِلَّةٌ ... بِمَحْنِيَةٍ أَجْلَى الْعِفَاسَ وَبَرْوَعَا

(4/234)


الْعِفَاسُ وَبَرْوَعُ: نَاقَتَانِ. وَهَذَا مُنْقَاسٌ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَآخِيرِ الشَّيْءِ وَمُعْظَمِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: التَّعَجُّسُ: التَّأَخُّرُ. قَالُوا: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُ الْعَجَاسَاءِ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَأْخِرُ عَنِ الْإِبِلِ فِي الْمَرْتَعِ. قَالُوا: وَالْعَجَاسَاءُ مِنَ السَّحَابِ: عِظَامُهَا. وَتَقُولُ: تَعَجَّسَنِي عَنْكَ كَذَا، أَيْ أَخَّرَنِي عَنْكَ. وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ.
وَقَالَ الدُّرَيْدِيُّ: تَعَجَّسْتَ الرَّجُلَ، إِذَا أَمَرَ أَمْرًا فَغَيَّرْتَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَقُّبِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَوَّلِ وَإِتْيَانِ الْآخَرِ عَلَى سَاقَتِهِ وَعِنْدَ عَجُزِهِ. وَذَكَرُوا أَنَّ الْعَجِيسَاءَ: مِشْيَةٌ بَطِيئَةٌ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قِيَاسِنَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَعَجَاسَائِهِ قَوْلُ الْخَلِيلِ: الْعَجَسْ: آخِرُ اللَّيْلِ. وَأَنْشَدَ:
وَأَصْحَابِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِجَوْشَنٍ ... مِنَ اللَّيْلِ لَوْلَا حُبُّ ظَمْيَاءَ عَرَّسُوا
فَقَامُوا يَجُرُّونَ الثِّيَابَ وَخَلْفَهُمْ ... مِنَ اللَّيْلِ عَجْسٌ كَالنَّعَامَةِ أَقْعَسُ
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: أَنَّ الْعُجْسَةَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي اللَّيْلِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " وَلَا آتِيكَ سَجِيسَ عُجَيْسٍ " فَمِنْ هَذَا أَيْضًا، أَيْ لَا آتِيكَ آخِرَ الدَّهْرِ. وَحُجَّةُ هَذَا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
سَقَى أُمَّ عَمْرٍو كُلَّ آخِرِ ... لَيْلَةٍ حَنَاتِمُ مُزْنٍ مَاؤُهُنَّ ثَجِيجُ
لَمْ يُرِدْ أَوَاخِرَ اللَّيَالِي دُونَ أَوَائِلِهَا، لَكِنَّهُ أَرَادَ أَبَدًا.

(4/235)


(عَجِفَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى هُزَالٍ، وَالْآخَرُ عَلَى حَبْسِ النَّفْسِ وَصَبْرِهَا عَلَى الشَّيْءِ أَوْ عَنْهُ.
فَالْأَوَّلُ الْعَجَفُ، وَهُوَ الْهُزَالُ وَذَهَابُ السِّمَنِ، وَالذَّكَرُ أَعْجَفُ وَالْأُنْثَى عَجْفَاءُ، وَالْجَمْعُ عِجَافٌ، مِنَ الذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثِ. وَالْفِعْلُ عَجِفَ يَعْجَفُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَفْعَلُ مَجْمُوعًا عَلَى فِعَالٍ غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، حَمَلُوهَا عَلَى لَفْظِ سِمَانٍ. وَعِجَافٌ عَلَى فِعَالٍ. وَيُقَالُ أَعْجَفَ الْقَوْمُ، إِذَا عَجِفَتْ مَوَاشِيهِمْ وَهُمْ مُعْجِفُونَ.
وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: شَفَتَانِ عَجْفَاوَانِ، أَيْ لَطِيفَتَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ عَجُفَ إِذَا هَزُلَ، وَالْقِيَاسُ عَجِفَ; لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى أَفْعَلَ وَفَعْلَاءَ فَمَاضِيهِ فَعِلَ، نَحْوَ عَرِجَ يَعْرَجُ، إِلَّا سِتَّةَ حُرُوفٍ جَاءَتْ عَلَى فَعُلَ، وَهِيَ سَمُرَ، وَحَمُقَ، وَرَعُنَ، وَعَجُفَ، وَخَرُقَ.
وَحَكَى الْأَصْمَعِيُّ فِي الْأَعْجَمِ: عَجُمَ. وَرُبَّمَا اتَّسَعُوا فِي الْكَلَامِ فَقَالُوا: أَرْضٌ عَجْفَاءُ، أَيْ مَهْزُولَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَا نَبَاتٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّائِدِ: " وَجَدْتُ أَرْضًا عَجْفَاءَ ". وَيَقُولُونَ: نَصْلٌ أَعْجَفُ، أَيْ دَقِيقٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَائِذٍ:
تُرَاحُ يَدَاهُ بِمَحْشُورَةٍ خَوَاظِي ... الْقِدَاحِ عِجَافِ النِّصَالِ

(4/236)


وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي فَقَوْلُهُمْ: عَجَفْتُ نَفْسِي عَنِ الطَّعَامِ أَعْجِفُهَا عَجْفًا، إِذَا حَبَسْتَ نَفْسَكَ عَنْهُ وَهِيَ تَشْتَهِيهِ. وَعَجَفْتُ غَيْرِي قَلِيلٌ. [قَالَ] :
لَمْ يَغْذُهَا مُدٌّ وَلَا نَصِيفُ ... وَلَا تُمَيْرَاتٌ وَلَا تَعْجِيفُ
وَيُقَالُ: عَجَفْتُ نَفْسِي عَلَى الْمَرِيضِ أَعْجِفُهَا، إِذَا صَبَرْتَ عَلَيْهِ وَمَرَّضْتَهُ. [قَالَ] :
إِنِّي وَإِنْ عَيَّرْتِنِي نُحُولِي ... لَأَعْجِفُ النَّفْسَ عَلَى خَلِيلِي
أَعْرِضُ بِالْوُدِّ وَبِالتَّنْوِيلِ

(عَجَلَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْإِسْرَاعِ، وَالْآخَرُ عَلَى بَعْضِ الْحَيَوَانِ.
فَالْأَوَّلُ: الْعَجَلَةُ فِي الْأَمْرِ، يُقَالُ: هُوَ عَجِلٌ وَعَجُلٌ، لُغَتَانِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كَأَنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلَا مُقْطِفٍ عَجُِلٍ ... إِذَا تَجَاوَبَ مِنْ بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ
وَاسْتَعْجَلْتُ فُلَانًا: حَثَثْتُهُ. وَعَجِلْتُهُ: سَبَقْتُهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 150] . وَالْعُجَالَةُ: مَا تُعُجِّلُ مِنْ شَيْءٍ. وَيُقَالُ: " عُجَالَةُ الرَّاكِبِ تَمْرٌ وَسَوِيقٌ ". وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ الْعَجَلَ: مَا اسْتُعْجِلَ بِهِ طَعَامٌ فَقُدِّمَ قَبْلَ إِدْرَاكِ الْغِذَاءِ. وَأَنْشَدَ:

(4/237)


إِنْ لَمْ تُغِثْنِي أَكُنْ يَاذَا النَّدَى عَجَلًا ... كَلُقْمَةٍ وَقَعَتْ فِي شِدْقِ غَرْثَانَ
وَنَحْنُ نَقُولُ: أَمَّا قِيَاسُ الْكَلِمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَحِيحٌ، لِأَنَّ الْكَلِمَةَ لَا أَصْلَ لَهَا، وَالْبَيْتُ مَصْنُوعٌ.
وَيُقَالُ: مِنَ الْعُجَالَةِ: عَجَلْتُ الْقَوْمَ، كَمَا يُقَالُ لَهَّنْتُهُمْ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَاجِلُ: ضِدَّ الْآجِلِ. وَيُقَالُ لِلدُّنْيَا: الْعَاجِلَةُ، وَلِلْآخِرَةِ: الْآجِلَةُ. وَالْعَجْلَانُ هُوَ كَعْبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالُوا: سُمِّي الْعَجْلَانَ بِاسْتِعْجَالِهِ عَبْدَهُ. وَأَنْشَدُوا:
وَمَا سُمِّيَ الْعَجْلَانَ إِلَّا لِقَوْلِهِ خُذِ ... الصَّحْنَ وَاحْلُبْ أَيُّهَا الْعَبْدُ وَاعْجَلِ
وَقَالُوا: إِنَّ الْمُعَجِّلَ وَالْمُعْجِلَ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي تُنْتَجُ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْوَقْتَ فَيَعِيشَ وَلَدُهَا.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْعَجَلَةُ: عَجَلَةُ الثِّيرَانِ. وَالْعَجَلَةُ: الْمَنْجَنُونُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ عَجَلٌ وَعَجَلَاتٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَجَلَةُ: خَشَبَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى نَعَامَتِي الْبِئْرِ وَالْغَرْبُ مُعَلَّقٌ بِهَا، وَالْجَمْعُ عَجَلٌ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْعَجَلَةُ: الْمَحَالَةُ. وَأَنْشَدَ:
وَقَدْ أَعَدَّ رَبُّهَا وَمَا عَقَلْ ... حَمْرَاءَ مِنْ سَاجٍ تَتَقَّاهَا الْعَجَلْ
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِجْلَةُ: الْإِدَاوَةُ الصَّغِيرَةُ، وَالْجَمْعُ عِجَلٌ. وَقَالَ الْأَعْشَى:

(4/238)


وَالسَّاحِبَاتِ ذُيُولَ الْخَزِّ آوِنَةً ... وَالرَّافِلَاتِ عَلَى أَعِجَازِهَا الْعِجَلُ
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا خَفِيفَةٌ يَعْجَلُ بِهَا حَامِلُهَا. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَجُولُ مِنَ الْإِبِلِ، الْوَالِهُ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا، وَالْجَمْعُ عُجُلٌ. وَأَنْشَدَ:
أَحِنُّ إِلَيْكَ حَنِينَ الْعَجُولِ ... إِذَا مَا الْحَمَامَةُ نَاحَتْ هَدِيلًا
وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
فَمَا عَجُولٌ عَلَى بَوٍّ تُطِيفُ بِهِ ... قَدْ سَاعَدَتْهَا عَلَى التَّحْنَانِ أَظْآرُ
قَالُوا: وَرُبَّمَا قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الثَّكْلَى عَجُولٌ، وَالْجَمْعُ عُجُلٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
حَتَّى يَظَلَّ عَمِيدُ الْقَوْمِ مُرْتَفِقًا ... يَدْفَعُ بِالرَّاحِ عَنْهُ نِسْوَةٌ عُجُلُ
وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. قُلْنَا: وَتَفْسِيرُهُ مَا يَلْحَقُ الْوَالِهَ عِنْدَ وَلَهِهِ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالْعَجَلَةِ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعَجُولَ لَمْ يُبْنَ مِنْهَا فِعْلٌ فَيُقَالُ: عَجِلَتْ، كَمَا بُنِيَ مِنَ الثُّكْلِ ثَكِلَتْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنَ الْعَرَبِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعِجْلُ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ; وَفِي لُغَةٍ عِجَّوْلُ، وَالْجُمَعُ عَجَاجِيلُ، وَالْأُنْثَى عِجْلَةٌ وَعِجْوَلَةٌ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الرَّجُلُ عِجْلًا.

(عَجَمَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: أَحَدُهَا يَدُلُّ عَلَى سُكُوتٍ وَصَمْتٍ، وَالْآخَرُ عَلَى صَلَابَةٍ وَشِدَّةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى عَضٍّ وَمَذَاقَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يُفْصِحُ، هُوَ أَعْجَمُ، وَالْمَرْأَةُ عَجْمَاءُ بَيِّنَةُ الْعُجْمَةِ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:

(4/239)


أَعْجَمَ فِي آذَانِهَا فَصِيحًا
وَيُقَالُ عَجُمَ الرَّجُلُ، إِذْ صَارَ أَعْجَمَ، مِثْلُ سَمُرَ وَأَدُمَ. وَيُقَالُ لِلصَّبِيِّ مَا دَامَ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يُفْصِحُ: صَبِيٌّ أَعْجَمُ. وَيُقَالُ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ. وَقَوْلُهُمْ: الْعَجَمُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْعَرَبِ، فَهَذَا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ كَأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَفْهَمُوا عَنْهُمْ سَمَّوْهُمْ عَجَمًا، وَيُقَالُ لَهُمْ عُجْمٌ أَيْضًا. قَالَ:
دِيَارُ مَيَّةَ إِذْ مَيٌّ تُسَاعِفُنَا ... وَلَا يَرَى مِثْلَهَا عُجْمٌ وَلَا عَرَبُ
وَيَقُولُونَ: اسْتَعْجَمَتِ الدَّارُ عَنْ جَوَابِ السَّائِلِ. قَالَ:
صَمَّ صَدَاهَا وَعَفَا رَسْمُهَا ... وَاسْتَعْجَمَتْ عَنْ مَنْطِقِ السَّائِلِ
وَيُقَالُ: الْأَعْجَمِيُّ: الَّذِي لَا يُفْصِحُ وَإِنْ كَانَ نَازِلًا بِالْبَادِيَةِ. وَهَذَا عِنْدَنَا غَلَطٌ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى أَحَدًا مِنْ سُكَّانِ الْبَادِيَةِ أَعْجَمِيًّا، كَمَا لَا يُسَمُّونَهُ عَجَمِيًّا، وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ الْأَعْجَمَ فَقَالَ الْأَعْجَمِيَّ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: بَعِيرٌ أَعْجَمُ، إِذَا كَانَ لَا يَهْدِرُ. وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، وَسُمِّيَتْ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ فَهُوَ أَعْجَمُ وَمُسْتَعْجِمٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» ، تُرَادُ الْبَهِيمَةُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: حُرُوفُ الْمُعْجَمِ مُخَفَّفٌ، هِيَ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ، لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ. وَكِتَابٌ مُعَجَّمٌ، وَتَعْجِيمُهُ: تَنْقِيطُهُ كَيْ تَسْتَبِينَ عُجْمَتُهُ وَيَضِحَ. وَأَظُنُّ أَنَّ الْخَلِيلَ أَرَادَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَنَّهَا مَا دَامَتْ مُقَطَّعَةً غَيْرَ مُؤَلَّفَةٍ تَأْلِيفَ الْكَلَامِ الْمَفْهُومِ، فَهِيَ

(4/240)


أَعْجَمِيَّةٌ; لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ هَذَا أَرَادَ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِلَّا فَمَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ. وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ حُرُوفُ الْخَطِّ الْمُعْجَمِ، وَهُوَ الْخَطُّ الْعَرَبِيُّ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ خَطًّا مِنَ الْخُطُوطِ يُعْجَمُ هَذَا الْإِعْجَامَ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ. فَأَمَّا إِعْجَامُ الْخَطِّ بِالْأَشْكَالِ فَهُوَ عِنْدُنَا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْعَضِّ عَلَى الشَّيْءِ لِأَنَّهُ فِيهِ، فَسُمِّيَ إِعْجَامًا لِأَنَّهُ تَأْثِيرٌ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى.
فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهُ
فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَمَعْنَاهُ: يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ عَنْهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْتِي بِهِ غَيْرَ فَصِيحٍ دَالٍّ عَلَى الْمَعْنَى. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ إِعْجَامِ الْخَطِّ فِي شَيْءٍ.

(عَجَنَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اكْتِنَازِ شَيْءٍ لَيِّنٍ غَيْرِ صُلْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَجَنُ، وَهُوَ اكْتِنَازُ لَحْمِ ضَرْعِ النَّاقَةِ، وَكَذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ وَالشَّاءِ. تَقُولُ: إِنَّهَا عَجْنَاءُ بَيِّنَةُ الْعَجَنِ. وَلَقَدْ عَجِنَتْ تَعْجَنُ عَجَنًا. وَالْمُتَعَجِّنُ مِنَ الْإِبِلِ: الْمُكْتَنِزُ سِمَنًا، كَأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَا عَظْمٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَجَنَ الْخَبَّازُ الْعَجِينَ يَعْجِنُهُ عَجْنًا. وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ

(4/241)


لِلْأَحْمَقِ، عَجَّانٌ، وَعَجِينَةٌ. قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: " فُلَانٌ يَعْجِنُ بِمِرْفَقَيْهِ حُمْقًا "، ثُمَّ اقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: عَجِينَةٌ وَعَجَّانٌ، أَيْ بِمِرْفَقَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْمَثَلِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِجَانُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَبْرِئُهُ الْبَائِلُ، وَهُوَ لَيِّنٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
يَمُدُّ الْحَبْلَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ ... كَأَنَّ عِجَانَهُ وَتَرٌ جَدِيدُ

(عَجَى) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى وَهْنٍ فِي شَيْءٍ، إِمَّا حَادِثًا وَإِمَّا خِلْقَةً.
مِنْ ذَلِكَ الْعُجَايَةُ، وَهُوَ عَصَبٌ مُرَكَّبٌ فِيهِ فُصُوصٌ مِنْ عِظَامٍ، يَكُونُ عِنْدَ رُسْغِ الدَّابَّةِ، وَيَكُونُ رِخْوًا، وَزَعَمُوا أَنَّ أَحَدَهُمْ يَجُوعُ فَيَدُقُّ تِلْكَ الْعُجَايَةَ بَيْنَ فِهْرَيْنِ فَيَأْكُلُهَا. وَالْجَمْعُ الْعُجَايَاتُ وَالْعُجَى. قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
سُمْرُ الْعُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا ... لَمْ يَقِهِنَّ رُؤُوسَ الْأُكْمِ تَنْعِيلُ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمْ لِلْأُمِّ: هِيَ تَعْجُو وَلَدَهَا، وَذَلِكَ أَنْ يُؤَخَّرَ رَضَاعُهُ عَنْ مَوَاقِيتِهِ، وَيُورِثُ ذَلِكَ وَهْنًا فِي جِسْمِهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
مُشْفِقًا قَلْبُهَا عَلَيْهِ فَمَا تَعْ ... جُوهُ إِلَّا عُفَافَةٌ أَوْ فُوَاقُ
الْعُفَافَةُ: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ. وَالْفُوَاقُ: مَا يَجْتَمِعُ فِي الضَّرْعِ قَبْلَ الدِّرَّةِ.

(4/242)


وَتَعْجُوهُ، أَيْ تُدَاوِيهِ بِالْغِذَاءِ حَتَّى يَنْهَضَ. وَاسْمُ ذَلِكَ الْوَلَدِ الْعَجِيُّ، وَالْأُنْثَى عَجِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ عَجَايَا. قَالَ:
عَدَانِي أَنْ أَزُورَكَ أَنَّ بَهْمِي ... عَجَايَا كُلُّهَا إِلَّا قَلِيلًا
وَإِذَا مُنِعَ الْوَلَدُ اللَّبَنَ وَغُذِّيَ بِالطَّعَامِ، قِيلَ: قَدْ عُوجِيَ. قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ:
إِذَا شِئْتَ أَبْصَرْتَ مِنْ عَقْبِهِمْ ... يَتَامَى يُعَاجُونَ كَالْأَذْؤُبِ
وَقَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ جَرَادٍ:
إِذَا ارْتَحَلَتْ مِنْ مَنْزِلٍ خَلَّفَتْ بِهِ ... عَجَايَا يُحَاثِي بِالتُّرَابِ صَغِيرُهَا
وَيُرْوَى: " رَذَايَا يُعَاجَى ".

(عَجَبَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى كِبْرٍ وَاسْتِكْبَارٍ لِلشَّيْءِ، وَالْآخَرُ خِلْقَةٌ مِنْ خِلَقِ الْحَيَوَانِ.
فَالْأَوَّلُ الْعُجْبُ، وَهُوَ أَنْ يَتَكَبَّرَ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ. تَقُولُ: هُوَ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ. وَتَقُولُ مِنْ بَابِ الْعَجَبِ: عَجِبَ يَعْجَبُ عَجَبًا، وَأَمْرٌ عَجِيبٌ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتُكْبِرَ وَاسْتُعْظِمَ. قَالُوا: وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّ بَيْنَ الْعَجِيبِ وَالْعُجَابِ فَرْقًا. فَأَمَّا الْعَجِيبُ وَالْعَجَبُ مِثْلُهُ فَالْأَمْرُ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْعُجَابُ فَالَّذِي يُجَاوِزُ

(4/243)


حَدَّ الْعَجِيبِ. قَالَ: وَذَلِكَ مِثْلُ الطَّوِيلِ وَالطُّوَالِ، فَالطَّوِيلُ فِي النَّاسِ كَثِيرٌ، وَالطُّوَالُ: الْأَهْوَجُ الطُّولِ. وَيَقُولُونَ: عَجَبٌ عَاجِبٌ. وَالِاسْتِعْجَابُ: شِدَّةُ التَّعَجُّبِ; يُقَالُ مُسْتَعْجِبٌ وَمُتَعَجِّبٌ مِمَّا يَرَى. قَالَ أَوْسٌ:
وَمُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى مِنْ أَنَّاتِنَا ... وَلَوْ زَبَنَتْهُ الْحَرْبُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ
وَقِصَّةٌ عَجَبٌ. وَأَعْجَبَنِي هَذَا الشَّيْءُ، وَقَدْ أُعْجِبْتُ بِهِ. وَشَيْءٌ مُعْجِبٌ، إِذَا كَانَ حَسَنًا جِدًّا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْعَجْبُ، وَهُوَ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ الْوَرِكَانِ مِنْ أَصْلِ الذَّنَبِ الْمَغْرُوزِ فِي مُؤَخَّرِ الْعَجُزِ. وَعُجُوبُ الْكُثْبَانِ سُمِّيَتْ عُجُوبًا تَشْبِيهًا بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوَاخِرُ الْكُثْبَانِ الْمُسْتَدِقَّةِ. قَالَ لَبِيدٌ:
بِعُجُوبِ أَنْقَاءَ يَمِيلُ هَيَامُهَا
وَنَاقَةٌ عَجْبَاءُ: بَيِّنَةُ الْعَجَبِ وَالْعُجْبَةِ، وَشَدَّ مَا عَجِبَتْ، وَذَلِكَ إِذَا دَقَّ أَعْلَى مُؤَخِّرِهَا وَأَشْرَفَتْ جَاعِرَتَاهَا; وَهِيَ خِلْقَةٌ قَبِيحَةٌ.

(4/244)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَدَرَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ كَلِمَةٌ. قَالُوا: الْعَدْرُ: الْمَطَرُ الْكَثِيرُ.

(عَدَسَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ لَيْسَ فِيهِ مِنَ اللُّغَةِ شَيْءٌ، لَكِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْحَبَّ الْمَعْرُوفَ عَدَسًا. وَيَقُولُونَ: عَدَسْ، زَجْرٌ لِلْبِغَالِ. قَالَ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ ... نَجَوْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
وَقَوْلُهُ:
إِذَا حَمَلْتُ بِزَّتِي عَلَى عَدَسْ
فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْبَغْلَةَ، سَمَّاهَا " عَدَسْ " بِزَجْرِهَا.

(عَدَفَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةٍ أَوْ يَسِيرٍ مِنْ كَثِيرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَدْفُ وَالْعَدُوفُ، وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنَ الْعَلَفِ. يُقَالُ: مَا ذَاقَتِ الْخَيْلُ عَدُوفًا. قَالَ:
وَمُجَنَّبَاتٍ مَا يَذُقْنَ عَدُوفًا ... يَقْذِفْنَ بِالْمُهَرَاتِ وَالْأَمْهَارِ
وَالْعَدْفُ: النَّوَالُ الْقَلِيلُ. يُقَالُ: أَصَبْنَا مَالَهُ عَدْفًا.

(4/245)


وَمِنَ الْبَابِ الْعِدْفَةُ، وَهِيَ كَالصَّنِفَةِ مِنَ الثَّوْبِ. وَأَمَّا قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
حَمَّالُ أَثْقَالِ دِيَاتِ الثَّأَى ... عَنْ عِدَفِ الْأَصْلِ وَكُرَّامِهَا
قَالُوا: الْعِدَفُ: الْقَلِيلُ.

(عَدَقَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْقَافُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَذَكَرُوا أَنَّ حَدِيدَةً ذَاتَ شُعَبٍ يُسْتَخْرَجُ بِهَا الدَّلْوُ مِنَ الْبِئْرِ يُقَالُ لَهَا: عَوْدَقَةٌ. وَحَكَوْا: عَدَقَ بِظَنِّهِ، مِثْلُ رَجَمَ. وَمَا أَحْسَبُ لِذَلِكَ شَاهِدًا مِنْ شِعْرٍ صَحِيحٍ.

(عَدَكَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْكَافُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا كَلِمَةً مِنْ هَنَوَاتِ ابْنِ دُرَيْدٍ، قَالَ: الْعَدْكُ: ضَرْبُ الصُّوفِ بِالْمِطْرَقَةِ.

(عَدَلَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، لَكِنَّهُمَا مُتَقَابِلَانِ كَالْمُتَضَادَّيْنِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى اعْوِجَاجٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَدْلُ مِنَ النَّاسِ: الْمَرَضِيُّ الْمُسْتَوِي الطَّرِيقَةِ. يُقَالُ: هَذَا عَدْلٌ، وَهُمَا عَدْلٌ. قَالَ زُهَيْرٌ:
مَتَّى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ ... هُمُ بَيْنَنَا فَهُمْ رِضًا وَهُمُ عَدْلُ
وَتَقُولُ: هُمَا عَدْلَانِ أَيْضًا، وَهُمْ عُدُولٌ، وَإِنَّ فُلَانًا لَعَدْلٌ بَيِّنُ الْعَدْلِ وَالْعُدُولَةِ. وَالْعَدْلُ: الْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ يُسَاوِي الشَّيْءَ: هُوَ

(4/246)


عِدْلُهُ. وَعَدَلْتُ بِفُلَانٍ فُلَانًا، وَهُوَ يُعَادِلُهُ. وَالْمُشْرِكُ يَعْدِلُ بِرَبِّهِ - تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا - كَأَنَّهُ يُسَوِّي بِهِ غَيْرَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِدْلَانُ: حِمْلَا الدَّابَّةِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِتَسَاوِيهِمَا. وَالْعَدِيلُ: الَّذِي يُعَادِلُكَ فِي الْمَحْمَلِ. وَالْعَدْلُ: قِيمَةُ الشَّيْءِ وَفِدَاؤُهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 123] ، أَيْ فِدْيَةٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُعَادَلَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ.
وَالْعَدْلُ: نَقِيضُ الْجَوْرِ، تَقُولُ: عَدَلَ فِي رَعِيَّتِهِ. وَيَوْمٌ مُعْتَدِلٌ، إِذَا تَسَاوَى حَالَا حَرِّهِ وَبَرْدِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الْمَأْكُولِ. وَيُقَالُ: عَدَلْتُهُ حَتَّى اعْتَدَلَ، أَيْ أَقَمْتُهُ حَتَّى اسْتَقَامَ وَاسْتَوَى. قَالَ:
صَبَحْتَ بِهَا الْقَوْمَ حَتَّى امْتَسَكْ ... تَ بِالْأَرْضِ تَعْدِلُهَا أَنْ تَمِيلَا
وَمِنَ الْبَابِ: الْمُعْتَدِلَةُ مِنَ النُّوقِ، وَهَلِ الْحَسَنَةُ الْمُتَّفِقَةُ الْأَعْضَاءِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِضَرْبٍ مِنَ السُّفُنِ: عَدَوْلِيَّةٌ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً. عَلَى أَنَّ الْخَلِيلَ زَعَمَ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ عَدَوْلَى. قَالَ طَرَفَةُ:
عَدَوْلِيَّةٍ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ ... يَجُورُ بِهَا الْمَلَّاحُ طَوْرًا وَيَهْتَدِي
فَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَيُقَالُ فِي الِاعْوِجَاجِ: عَدَلَ. وَانْعَدَلَ، أَيِ انْعَرَجَ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَإِنِّي لَأُنْحِي الطَّرْفَ مِنْ نَحْوِ غَيْرِهَا ... حَيَاءً وَلَوْ طَاوَعْتُهُ لَمْ يُعَادِلِ

(4/247)


(عَدَمَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى فُقْدَانِ الشَّيْءِ وَذَهَابِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَدَمُ. وَعَدِمَ فُلَانٌ الشَّيْءَ، إِذَا فَقَدَهُ. وَأَعْدَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَذَا، أَيْ أَفَاتَهُ. وَالْعَدِيمُ: الَّذِي لَا مَالَ لَهُ; وَيَجُوزُ جَمْعُهُ عَلَى الْعُدَمَاءِ، كَمَا يُقَالُ فَقِيرُ وَفُقَرَاءُ. وَأَعْدَمَ الرَّجُلُ: صَارَ ذَا عَدَمٍ. وَقَالَ فِي الْعَدِيمِ:
وَعَدِيمُنَا مُتَعَفِّفٌ مُتَكَرِّمٌ ... وَعَلَى الْغَنِيِّ ضَمَانُ حَقِّ الْمُعْدِمِ
وَقَالَ فِي الْعَدَمِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
رُبَّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا ... لِ وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ

(عَدَنَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِقَامَةِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَدْنُ: إِقَامَةُ الْإِبِلِ فِي الْحَمْضِ خَاصَّةً. تَقُولُ: عَدَنَتِ الْإِبِلُ تَعْدِنُ عَدْنًا. وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ هُوَ أَصْلُ الْبَابِ، ثُمَّ قِيسَ بِهِ كُلُّ مُقَامٍ، فَقِيلَ جَنَّةُ عَدْنٍ، أَيْ إِقَامَةٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْمَعْدِنُ: مَعْدِنُ الْجَوَاهِرِ. وَيَقِيسُونَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: هُوَ مَعْدِنُ الْخَيْرِ وَالْكَرَمِ. وَأَمَّا الْعِدَانُ وَالْعَدَانُ فَسَاحِلُ الْبَحْرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَقَالَ لَبِيدٌ:
لَقَدْ يَعْلَمُ صَحْبِي كُلُّهُمْ ... بِعَدَانِ السَّيْفِ صَبْرِي وَنَقَلْ
وَعَدَنُ: بَلَدٌ.

(4/248)


(عَدَوَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَجَاوُزٍ فِي الشَّيْءِ وَتَقَدُّمٍ لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَيْهِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَدْوُ، وَهُوَ الْحُضْرُ. تَقُولُ: عَدَا يَعْدُو عَدْوًا، وَهُوَ عَادٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعُدُوُّ مَضْمُومٌ مُثَقَّلٌ، وَهُمَا لُغَتَانِ: إِحْدَاهُمَا عَدْوٌ كَقَوْلِكَ غَزْوٌ، وَالْأُخْرَى عُدُوٌّ كَقَوْلِكَ حُضُورٌ وَقُعُودٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: التَّعَدِّي: تَجَاوُزُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَتَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وَ " عُدُوًّا ". وَالْعَادِيُّ: الَّذِي يَعْدُو عَلَى النَّاسِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. وَفُلَانٌ يَعْدُو أَمْرَكَ، وَمَا عَدَا أَنْ صَنَعَ كَذَا. وَيُقَالُ مِنْ عَدْوِ الْفَرَسِ: عَدَوَانٌ، أَيْ جَيِّدُ الْعَدْوِ وَكَثِيرُهُ. وَذِئْبٌ عَدَوَانٌ: يَعْدُو عَلَى النَّاسِ. قَالَ:
تَذْكُرُ إِذْ أَنْتَ شَدِيدُ الْقَفْزِ ... نَهْدُ الْقُصَيْرَى عَدَوَانُ الْجَمْزِ
وَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مَا عَدَا زَيْدًا. قَالَ الْخَلِيلُ: أَيْ مَا جَاوَزَ زَيْدًا. وَيُقَالُ: عَدَا فُلَانٌ طَوْرَهُ. وَمِنْهُ الْعُدْوَانُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْعَدَاءُ، وَالِاعْتِدَاءُ، وَالتَّعَدِّي. وَقَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ:
مَا زَالَ يَعْدُو طَوْرَهُ الْعَبْدُ الرَّدِي ... وَيَعْتَدِي وَيَعْتَدِي وَيَعْتَدِي
قَالَ: وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ الصُّرَاحُ. وَالِاعْتِدَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُدْوَانِ. فَأَمَّا

(4/249)


الْعَدْوَى فَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ طَلَبُكَ إِلَى وَالٍ أَوْ قَاضٍ أَنْ يُعْدِيَكَ عَلَى مَنْ ظَلَمَكَ أَيْ يَنْقِمُ مِنْهُ بِاعْتِدَائِهِ عَلَيْكَ. وَالْعَدْوَى مَا يُقَالُ إِنَّهُ يُعْدِي مِنْ جَرَبٍ أَوْ دَاءٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا عَدْوَى وَلَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا» . وَالْعُدَاءُ كَذَلِكَ. وَهَذَا قِيَاسٌ، أَيْ إِذَا كَانَ بِهِ دَاءٌ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ إِلَيْكَ. وَالْعَدْوَةُ: عَدْوَةُ اللِّصِّ وَعَدْوَةُ الْمُغِيرِ. يُقَالُ عَدَا عَلَيْهِ فَأَخَذَ مَالَهُ، وَعَدَا عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ: ضَرَبَهُ لَا يُرِيدُ بِهِ عَدْوًا عَلَى رِجْلَيْهِ، لَكِنْ هُوَ مِنَ الظُّلْمِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَعَادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنَا وَخُطُوبُ
فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهَا تَجَاوَزَتْ حَتَّى شَغَلَتْ. وَيُقَالُ: كُفَّ عَنَّا عَادِيَتَكَ. وَالْعَادِيَةُ: شُغْلٌ مِنْ أَشْغَالِ الدَّهْرِ يَعْدُوكَ عَنْ أَمْرِكَ، أَيْ يَشْغَلُكَ. وَالْعَدَاءُ: الشُّغْلُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
فَصَرِّمْ حَبْلَهَا إِذْ صَرَّمَتْهُ ... وَعَادَكَ أَنْ تُلَاقِيَهَا عَدَاءُ
فَأَمَّا الْعِدَاءُ فَهُوَ أَنْ يُعَادِيَ الْفَرَسُ أَوِ الْكَلْبُ [أَوِ] الصَّيَّادُ بَيْنَ صَيْدَيْنِ، يَصْرَعُ أَحَدَهُمَا عَلَى إِثْرِ الْآخَرِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(4/250)


فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... وَبَيْنَ شَبُوبٍ كَالْقَضِيمَةِ قَرْهَبِ
فَإِنَّ ذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَدْوِ أَيْضًا، كَأَنَّهُ عَدَا عَلَى هَذَا وَعَدَا عَلَى الْآخَرِ. وَرُبَّمَا قَالُوا: عَدَاءٌ، بِنَصْبِ الْعَيْنِ. وَهُوَ الطَّلَقُ الْوَاحِدُ. قَالَ:
يَصْرَعُ الْخَمْسَ عَدَاءً فِي طَلَقْ
وَالْعَدَاءُ: طَوَارُ كُلِّ شَيْءٍ، انْقَادَ مَعَهُ عَرْضُهُ أَوْ طُولُهُ. يَقُولُونَ: لَزِمْتُ عَدَاءَ النَّهْرِ، وَهَذَا طَرِيقٌ يَأْخُذُ عَدَاءَ الْجَبَلِ. وَقَدْ يُقَالُ الْعِدْوَةُ فِي مَعْنَى الْعَدَاءِ، وَرُبَّمَا طُرِحَتِ الْهَاءُ فَيُقَالُ عِدْوٌ، وَيُجْمَعُ فَيُقَالُ: أَعْدَاءُ النَّهْرِ، وَأَعْدَاءُ الطَّرِيقِ. قَالَ: وَالتَّعْدَاءُ: التَّفْعَالُ. وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْمَنْقَلَةَ الْعُدَوَاءَ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَامَ الْفُؤَادُ بِذِكْرَاهَا وَخَامَرَهُ ... مِنْهَا عَلَى عُدَوَاءِ الدَّارِ تَسْقِيمُ
قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعِنْدَأْوَةُ: الْتِوَاءٌ وَعَسَرٌ قَالَ الْخَلِيلُ: وَهُوَ مِنَ الْعَدَاءِ. وَنَقُولُ: عَدَّى عَنِ الْأَمْرِ يُعَدِّي تَعْدِيَةً، أَيْ جَاوَزَهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَعَدَّيْتَ عَنِّي الْهَمَّ، أَيْ نَحَّيَّتَهُ عَنِّي. وَعَدِّ عَنِّي إِلَى غَيْرِي. وَعَدِّ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ تَجَاوَزْهُ وَخُذْ فِي غَيْرِهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
فَعَدِّ عَمَّا تَرَى إِذْ لَا ارْتِجَاعَ لَهُ ... وَانِمِ الْقُتُودَ عَلَى عَيْرَانَةٍ أُجُدِ

(4/251)


وَتَقُولُ: تَعَدَّيْتُ الْمَفَازَةَ، أَيْ تَجَاوَزْتُهَا إِلَى غَيْرِهَا. وَعَدَّيْتُ النَّاقَةَ أُعَدِّيهَا. قَالَ:
وَلَقَدْ عَدَّيْتُ دَوْسَرَةً ... كَعَلَاةِ الْقَيْنِ مِذْكَارًا
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَدُوُّ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ: عَدُوٌّ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] . وَالْعِدَى وَالْعُدَى وَالْعَادِي وَالْعُدَاةُ. وَأَمَّا الْعُدَوَاءُ فَالْأَرْضُ الْيَابِسَةُ الصُّلْبَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ سَكَنَهَا تَعَدَّاهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَرُبَّمَا جَاءَتْ فِي جَوْفِ الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَتْ، وَرُبَّمَا كَانَتْ حَجَرًا حَتَّى يَحِيدُوا عَنْهَا بَعْضَ الْحَيْدِ. وَقَالَ الْعَجَّاجُ فِي وَصْفِ الثَّوْرِ وَحَفْرِهِ الْكِنَاسَ، يَصِفُ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى عُدَوَاءَ صُلْبَةٍ فَلَمْ يُطِقْ حَفْرَهَا فَاحْرَوْرَفَ عَنْهَا:
وَإِنْ أَصَابَ عُدَوَاءَ احْرَوْرَفَا ... عَنْهَا وَوَلَّاهَا الظُّلُوفَ الظُّلَّفَا
وَالْعُِدْوَةُ: صَلَابَةٌ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ. وَيُقَالُ عُدْوَةٌ، لِأَنَّهَا تُعَادِي النَّهْرَ مَثَلًا، أَيْ كَأَنَّهُمَا اثْنَانِ يَتَعَادَيَانِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَدَوِيَّةُ مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ بَعْدَ ذَهَابِ الرَّبِيعِ، يَخْضَرُّ فَتَرْعَاهُ الْإِبِلُ. تَقُولُ: أَصَابَتِ الْإِبِلُ عَدَوِيَّةً، وَزْنُهُ فَعَلِيَّةٌ.

(عَدَبَ) الْعَيْنُ وَالدَّالُ وَالْبَاءُ زَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّهُ مُهْمَلٌ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ شَيْءٌ. فَأَمَّا الْبِنَاءُ فَصَحِيحٌ. وَالْعَدَابُ: مُسْتَرِقٌّ مِنَ الرَّمْلِ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

(4/252)


كَثَوْرِ الْعَدَابِ الْفَرْدِ يَضْرِبُهُ النَّدَى ... تَعَلَّى النَّدَى فِي مَتْنِهِ وَتَحَدَّرَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(عَذَرَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ بِنَاءٌ صَحِيحٌ لَهُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَا جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِ وَجْهَ قِيَاسٍ بَتَّةَ، بَلْ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهَا عَلَى نَحْوِهَا وَجِهَتِهَا مُفْرَدَةٌ. فَالْعُذْرُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ رَوْمُ الْإِنْسَانِ إِصْلَاحَ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ. يُقَالُ مِنْهُ: عَذَرْتُهُ فَأَنَا أَعْذِرُهُ عَذْرًا، وَالِاسْمُ الْعُذْرُ. وَتَقُولُ: عَذَرْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ لُمْتُهُ وَلَمْ أَلُمْ هَذَا. يُقَالُ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ فُلَانٍ، وَمَنْ يَعْذِرُنِي مِنْهُ. قَالَ:
أُرِيدُ حِبَاءَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي ... عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
وَيُقَالُ إِنَّ عَذِيرَ الرَّجُلِ: مَا يَرُومُ وَيُحَاوِلُ مِمَّا يُعْذَرُ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلَهُ. قَالَ

(4/253)


الْخَلِيلُ: وَكَانَ الْعَجَّاجُ يَرُمُّ رَحْلَهُ لِسَفَرٍ أَرَادَهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا هَذَا الَّذِي تَرُمُّ؟ فَقَالَ:
جَارِيَ لَا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي
يُرِيدُ: لَا تُنْكِرِي مَا أُحَاوِلُ. ثُمَّ فَسَّرَ فِي بَيْتٍ آخَرَ فَقَالَ:
سَيْرِي وَإِشْفَاقِي عَلَى بَعِيرِي
وَتَقُولُ: اعْتَذَرَ يَعْتَذِرُ اعْتِذَارًا وَعِذْرَةً مِنْ ذَنْبِهِ فَعَذَرْتُهُ. وَالْمَعْذِرَةُ الِاسْمُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] . وَأَعْذَرَ فُلَانٌ إِذَا أَبْلَى عُذْرًا فَلَمْ يُلَمْ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عَذَّرَ الرَّجُلُ تَعْذِيرًا، إِذَا لَمْ يُبَالِغُ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ يُرِيكَ أَنَّهُ مُبَالِغٌ فِيهِ. وَفِي الْقُرْآنِ: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [التوبة: 90] ، وَيُقْرَأُ: " الْمُعْذِرُونَ ". قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: الْمُعْذِرُونَ بِالتَّخْفِيفِ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الْعُذْرُ، وَالْمُعَذِّرُونَ: الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ عُذْرًا. وَقَوْلُهُمْ لِلْمُقَصِّرِ فِي الْأَمْرِ: مُعَذِّرٌ، وَهُوَ عِنْدُنَا مِنَ الْعُذْرِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يُقَصِّرُ فِي الْأَمْرِ مُعَوِّلًا عَلَى الْعُذْرِ الَّذِي لَا يُرِيدُ يَتَكَلَّفُ.

(4/254)


وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ، يَقُولُونَ: تَعَذَّرَ الْأَمْرُ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرٍ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ ... عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلِ
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعِذَارُ: عِذَارُ اللِّجَامِ. قَالَ: وَمَا كَانَ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ كَيٍّ أَوْ كَدْحٍ طُولًا فَهُوَ عِذَارٌ. تَقُولُ مِنَ الْعِذَارِ: عَذَرْتُ الْفَرَسَ فَأَنَا أَعْذِرُهُ عَذْرًا بِالْعِذَارِ، فِي مَعْنَى أَلْجَمْتُهُ. وَأَعْذَرْتُ اللِّجَامَ، أَيْ جَعَلْتُ لَهُ عِذَارًا. ثُمَّ يَسْتَعِيرُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ لِلْمُنْهَمِكِ فِي غَيِّهِ: " خَلَعَ الْعِذَارَ ". وَيُقَالُ مِنَ الْعِذَارِ: عَذَّرْتُ الْفَرَسَ تَعْذِيرًا أَيْضًا.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ. الْعِذَارُ، وَهُوَ طَعَامٌ يُدْعَى إِلَيْهِ لِحَادِثِ سُرُورٍ. يُقَالُ مِنْهُ: أَعْذَرُوا إِعْذَارًا. قَالَ:
كُلَّ الطَّعَامِ تَشْتَهِي رَبِيعَهْ ... الْخُرْسَ وَالْإِعْذَارَ وَالنَّقِيعَهْ
وَيُقَالُ بَلْ هُوَ طَعَامُ الْخِتَانِ خَاصَّةً. يُقَالُ عُذِرَ الْغُلَامُ، إِذَا خُتِنَ. وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ عِذَارُ عَامٍ وَاحِدٍ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذَوَّرُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الْوَاسِعُ الْجَوْفِ الشَّدِيدُ الْعِضَاضِ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الْمُلْكَ أَنَّهُ وَاسِعٌ عَرِيضٌ:

(4/255)


وَحَازَ لَنَا اللَّهُ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... فَأَعْطَى بِهِ عِزًّا وَمُلْكًا عَذَوَّرَا
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ يَمْدَحُ:
إِذَا نَزَلَ الْأَضْيَافُ كَانَ عَذَوَّرًا ... عَلَى الْحَيِّ حَتَّى تَسْتَقِلَّ مَرَاجِلُهُ
قَالُوا: أَرَادَ سَيِّءَ الْخُلُقِ حَتَّى تُنْصَبَ الْقُدُورُ. وَهُوَ شَبِيهٌ بِالَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ فِي وَصْفِ الْحِمَارِ الشَّدِيدِ الْعَضَّاضِ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: عُذْرَةُ الْجَارِيَةِ الْعَذْرَاءِ، جَارِيَةٌ عَذْرَاءُ: لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِمَا مَضَى ذِكْرُهُ فِي عُذْرَةِ الْغُلَامِ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: وَجَعٌ يَأْخُذُ فِي الْحَلْقِ. يُقَالُ مِنْهُ: عُذِرَ فَهُوَ مَعْذُورٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابْنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَهَا ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغَانِغَ الْمَعْذُورِ
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: نَجْمٌ إِذَا طَلَعَ اشْتَدَّ الْحَرُّ، يَقُولُونَ: " إِذَا طَلَعَتِ الْعُذْرَةُ، لَمْ يَبْقَ بِعُمَانَ بُسْرَةٌ ".
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعُذْرَةُ: خُصْلَةٌ مِنْ شَعْرٍ، وَالْخُصْلَةُ مِنْ عُرْفِ الْفَرَسِ. وَنَاصِيَتُهُ عُذْرَةٌ. وَقَالَ:
سَبِطُ الْعُذْرَةِ مَيَّاحُ الْحُضُرْ

(4/256)


وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْيَهُودُ أَنْتَنُ خَلْقِ اللَّهِ عَذِرَةً» ، أَيْ فِنَاءً. ثُمَّ سُمِّيَ الْحَدَثُ عَذِرَةً لِأَنَّهُ كَانَ يُلْقَى بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ.

(عَذَقَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ فِي شَيْءٍ وَتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعِذْقُ عِذْقُ النَّخْلَةِ، وَهُوَ شِمْرَاخٌ مِنْ شَمَارِيخِهَا. وَالْعَذْقُ: النَّخْلَةُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. قَالَ:
وَيُلْوِي بِرَيَّانِ الْعَسِيبِ كَأَنَّهُ ... عَثَاكِيلُ عَذْقٍ مِنْ سُمَيْحَةَ مُرْطِبِ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِذْقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الْغُصْنُ ذُو الشُّعَبِ.
وَمِنَ الْبَابِ: عُذِقَ الرَّجُلُ، إِذَا وُسِمَ بِعَلَامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا. وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: عَذَقَ شَاتَهُ يَعْذُقُهَا عَذْقَا، إِذَا عَلَّقَ عَلَيْهَا صُوفَةً تُخَالِفُ لَوْنَهَا.
وَمِمَّا جَرَى مَجْرَى الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّمْثِيلِ قَوْلُهُمْ: " فِي بَنِي فُلَانٍ عِذْقٌ كَهْلٌ " إِذَا كَانَ فِيهِمْ عِزٌّ وَمَنَعَةٌ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وَفِي غَطَفَانَ عِذْقُ صِدْقٍ مُمَنَّعٌ ... عَلَى رَغْمِ أَقْوَامٍ مِنَ النَّاسِ يَانِعُ

(عَذَلَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَرٍّ وَشِدَّةٍ فِيهِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُقَارِبُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ اعْتَذَلَ الْحَرُّ: اشْتَدَّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيَّامٌ مُعْتَذِلَاتٌ: شَدِيدَاتُ الْحَرَارَةِ.

(4/257)


وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: عَذَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَذْلًا، وَالْعَذَلُ الِاسْمُ. وَرَجُلٌ عَذَّالٌ وَامْرَأَةٌ عَذَّالَةٌ، إِذَا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمَا. وَالْعُذَّالُ الرِّجَالُ، وَالْعُذَّلُ النِّسَاءُ. وَسُمِّيَ هَذَا عَذْلًا لِمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةٍ وَمَسِّ لَذْعٍ. قَالَ:
غَدَتْ عَذَّالَتَايَ فَقُلْتُ مَهْلًا ... أَفِي وَجْدٍ بِسَلْمَى تَعْذُلَانِي

(عَذَمَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عَضٍّ وَشِبْهِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: أَصْلُ الْعَذْمِ الْعَضُّ، ثُمَّ يُقَالُ: عَذَمَهُ بِلِسَانِهِ يَعْذِمُهُ عَذْمًا، إِذَا أَخَذَهُ بِلِسَانِهِ. وَالْعَذِيمَةُ: الْمَلَامَةُ. قَالَ الرَّاجِزُ:
يَظَلُّ مَنْ جَارَاهُ فِي عَذَائِمِ ... مِنْ عُنْفُوَانِ جَرْيِهِ الْعُفَاهِمِ
أَيْ مَلَامَاتٍ. وَفَرَسٌ عَذُومٌ. فَأَمَّا الْعَذَمْذَمُ فَإِنَّ الْخَلِيلَ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هُوَ غَذَمْذَمٌ بِالْغَيْنِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَهُوَ الْجُرَافُ. يُقَالُ: مَوْتٌ غَذَمْذَمٌ: جُرَافٌ لَا يُبْقِي شَيْئًا. قَالَ:
ثِقَالُ الْجِفَانِ وَالْحُلُومِ رَحَاهُمْ ... رَحَى الْمَاءِ يَكْتَالُونَ كَيْلَا عَذَمْذَمَا

(عَذَيَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طِيبِ تُرْبَةٍ قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: الْعَذَاةُ: الْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ، الْكَرِيمَةُ الْمَنْبِتِ. قَالَ:
بِأَرْضٍ هِجَانِ التُّرْبِ وَسْمِيَّةُ الثَّرَى ... عَذَاةٍ نَأَتْ عَنْهَا الْمُئُوجَةُ وَالْبَحْرُ

(4/258)


قَالَ: وَالْعِذْيُ، الْمَوْضِعُ يُنْبِتُ شِتَاءً وَصَيْفًا مِنْ غَيْرِ نَبْعٍ. وَيُقَالُ: هُوَ الزَّرْعُ لَا يُسْقَى إِلَّا مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، لِبُعْدِهِ مِنَ الْمِيَاهِ. قَالُوا: وَيُقَالُ لِهَذَا الْعَذَا، الْوَاحِدَةُ عَذَاةٌ. وَأَنْشَدُوا:
بِأَرْضٍ عَذَاةٍ حَبَّذَا ضَحَوَاتُهَا ... وَأَطْيَبُ مِنْهَا لَيْلُهُ وَأَصَائِلُهْ

(عَذَبَ) الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ كَلِمَاتِهِ لَا تَكَادُ تَنْقَاسُ، وَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ كَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي بَابِ الْعَيْنِ وَالذَّالِ وَالرَّاءِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ كُلَّهَا لَيْسَتْ قِيَاسًا، لَكِنْ جُلُّهَا وَمُعْظَمُهَا.
فَمِنَ الْبَابِ: عَذُبَ الْمَاءُ يَعْذُبُ عُذُوبَةً، فَهُوَ عَذْبٌ: طَيِّبٌ. وَأَعْذَبَ الْقَوْمُ، إِذَا عَذُبَ مَاؤُهُمْ. وَاسْتَعْذَبُوا، إِذَا اسْتَقَوْا وَشَرِبُوا عَذْبًا.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ، يُقَالُ: عَذَبَ الْحِمَارُ يَعْذِبُ عَذْبًا وَعُذُوبًا فَهُوَ عَاذِبٌ [وَ] عَذُوبٌ: لَا يَأْكُلُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَيُقَالُ: أَعْذَبَ عَنِ الشَّيْءِ، إِذَا لَهَا عَنْهُ وَتَرَكَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَعْذِبُوا عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ» . قَالَ:
وَتَبَدَّلُوا الْيَعْبُوبَ بَعْدَ إِلَهِهِمْ ... صَنَمًا فَفِرُّوا يَا جَدِيلَ وَأَعْذِبُوا
وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ وَغَيْرِهِ عَذُوبٌ، إِذَا بَاتَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبُ، لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذُوبُ: الَّذِي لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سِتْرٌ، وَكَذَلِكَ الْعَاذِبُ. قَالَ نَابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

(4/259)


فَبَاتَ عَذُوبًا لِلسَّمَاءِ كَأَنَّهُ ... سُهَيْلٌ إِذَا مَا أَفْرَدَتْهُ الْكَوَاكِبُ
فَأَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ:
بِتْنَا عُذُوبًا وَبَاتَ الْبَقُّ يَلْسِبُنَا ... عِنْدَ النُّزُولِ قِرَانَا نَبْحُ دِرْوَاسِ
فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ سِتْرٌ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوَّلِ إِذَا بَاتُوا لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ.
وَحَكَى الْخَلِيلُ: عَذَّبْتُهُ تَعْذِيبًا، أَيْ فَطَمْتُهُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الِامْتِنَاعِ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ: الْعَذَابُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَذَّبَ تَعْذِيبًا. وَنَاسٌ يَقُولُونَ: أَصْلُ الْعَذَابِ الضَّرْبُ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ زُهَيْرٍ:
وَخَلْفَهَا سَائِقٌ يَحْدُو إِذَا خَشِيَتْ ... مِنْهُ الْعَذَابَ تَمُدُّ الصُّلْبَ وَالْعُنُقَا
قَالَ: ثُمَّ اسْتُعِيرَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شِدَّةٍ.
وَبَابٌ آخَرُ لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ، يُقَالُ لِطَرَفِ السَّوْطِ عَذَبَةٌ، وَالْجَمْعُ عَذَبٌ. قَالَ:
غُضْفٌ مُهَرَّتَةُ الْأَشْدَاقِ ضَارِيَةٌ ... مَثَلُ السَّرَاحِينِ فِي أَعْنَاقِهَا الْعَذَبُ
وَالْعَذَبَةُ فِي قَضِيبِ الْبَعِيرِ: أَسَلَتُهُ. وَالْعُذَيْبُ: مَوْضِعٌ.

(4/260)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَرَزَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِصْعَابٍ وَانْقِبَاضٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: اسْتَعْرَزَ عَلَيَّ مِثْلُ اسْتَصْعَبَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ، وَحُجَّتُهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
وَكُلُّ خَلِيلٍ غَيْرِ هَاضِمِ نَفْسِهِ ... لِوَصْلِ خَلِيلٍ صَارِمٌ أَوْ مُعَارِزُ
أَرَادَ الْمُنْقَبِضَ عَنْهُ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: " الِاعْتِرَازُ الِاحْتِرَازُ "، أَيِ الِانْقِبَاضُ دَاعِيَةُ الِاحْتِرَازِ. يَنْهَوْنَ عَنِ التَّبَسُّطِ وَالتَّذَرُّعِ، فَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى مَكْرُوهٍ. وَيُقَالُ الْعَرْزُ: اللَّوْمُ وَالْعَتْبُ فِي بَيْتِ الشَّمَّاخِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى ذَاكَ الَّذِي ذَكَرْنَا.

(عَرِسَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ تَعُودُ فُرُوعُهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَرِسَ بِهِ، إِذَا لَزِمَهُ. فَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ الْعِرْسُ: امْرَأَةُ الرَّجُلِ، وَلَبُؤَةُ الْأَسَدِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِي عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ ... وَأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِهَا الْخَالِي
وَيُقَالَ إِنَّهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ عِرْسَانِ ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عَلْقَمَةَ:

(4/261)


أُدْحِيَّ عِرْسَيْنِ فِيهِ الْبَيْضُ مَرْكُومُ
وَرَجُلٌ عَرُوسٌ فِي رِجَالٍ عُرُسٍ، وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ فِي نِسْوَةٍ عَرَائِسَ وَعُرُسٍ. وَأَنْشَدَ:
جَرَّتْ بِهَا الْهُوجُ أَذْيَالًا مُظَاهَرَةً ... كَمَا تَجُرُّ ثِيَابَ الْفُوَّةِ الْعُرُسُ
وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّ الْعَرُوسَ نَعْتٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى فَعُولٍ وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، مَا دَامَا فِي تَعْرِيسِهِمَا أَيَّامًا إِذَا عَرَّسَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. وَأَحْسَنُ [مِنْ] ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ مُعْرِسٌ، أَيِ اتَّخَذَ عَرُوسًا. وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُ الْعُرْسَ. قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ ... مَذْمُومَةً لَئِيمَةَ الْحُوَّاطِ
وَقَالَ فِي الْمُعْرِسِ:
يَمْشِي إِذَا أَخَذَ الْوَلِيدُ بِرَأْسِهِ ... مَشْيًا كَمَا يَمْشِي الْهَجِينُ الْمُعْرِسُ
قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ. يُقَالُ: أَعْرَسَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ، إِذَا بَنَى بِهَا، يُعْرِسُ إِعْرَاسًا، وَعَرَّسَ يُعَرِّسُ تَعْرِيسًا. وَرُبَّمَا اتَّسَعُوا فَقَالُوا لِلْغِشْيَانِ: تَعْرِيسٌ وَإِعْرَاسٌ. وَيُقَالُ: تَعَرَّسَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ، أَيْ تَحَبَّبَ إِلَيْهَا. قَالَ يُونُسُ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ. [وَ] عَرِسَ الصَّبِيُّ بِأُمِّهِ يَعْرَسُ، تَقْدِيرُهُ عَلِمَ يَعْلَمُ، وَذَلِكَ إِذَا أُولِعَ بِهَا وَلَزِمَهَا. وَكَذَلِكَ عَرِسَ الرَّجُلُ بِصَاحِبِهِ. قَالَ الْمُعَقِّرُ:

(4/262)


وَقَدْ عَرِسَ الْإِنَاخَةَ وَالنُّزُولَا
وَذَكَرَ الْخَلِيلُ: عَرِسَ يَعْرَسُ عَرَسًا، إِذَا بَطِرَ، وَيُقَالُ: بَلْ أَعْيَا وَنَكَلَ. وَهَذَا إِنِّمَا يَصِحُّ إِذَا حُمِلَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَعْرَسَ عَنِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَرِسَتِ الْكِلَابُ عَنِ الثَّوْرِ، أَيْ بَطِرَتْ عَنْهُ. وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَأَنَّهَا شُغِلَتْ بِغَيْرِهِ وَعَرِسَتْ.
قَالَ يَعْقُوبُ: الْعِرْسُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا يَبْرَحُ الْقِتَالَ، مِثْلُ الْحِلْسِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: رَجُلٌ عَرِسٌ مَرِسٌ. وَمِنَ الْبَابِ الْعِرِّيسُ: مَأْوَى الْأَسَدِ فِي خِيسٍ مِنَ الشَّجَرِ وَالْغِيَاضِ، فِي أَشَدِّهَا الْتِفَافًا. فَأَمَّا قَوْلُ جَرِيرٍ:
مُسْتَحْصِدٌ أَجَمِي فِيهِمْ وَعِرِّيسِي
فَإِنَّهُ يَعْنِي مَنْبِتَ أَصْلِهِ فِي قَوْمِهِ. وَيُقَالُ عِرِّيسٌ وَعِرِّيسَةٌ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا:
كَمُبْتَغِي الصَّيْدِ فِي عِرِّيسَةِ الْأَسَدِ
وَمِنَ الْبَابِ التَّعْرِيسُ: نُزُولُ الْقَوْمِ فِي سَفَرٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، يَقَعُونَ وَقْعَةً ثُمَّ

(4/263)


يَرْتَحِلُونَ. قُلْنَا فِي هَذَا: وَإِنْ خَفَّ نُزُولُهُمْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ [لَهُمْ] مِنَ الْمُقَامِ. قَالَ زُهَيْرٌ:
وَعَرَّسُوا سَاعَةً فِي كُثْبِ أَسْنُمَةٍ ... وَمِنْهُمُ بِالْقَسُومِيَّاتِ مُعْتَرَكُ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مُعَرِّسًا فِي بَيَاضِ الصُّبْحِ وَقْعَتُهُ ... وَسَائِرُ السَّيْرِ إِلَّا ذَاكَ مُنْجَذِبُ
وَمِنَ الْبَابِ: عَرَسْتُ الْبَعِيرَ أَعْرِسُهُ عَرْسًا، وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عُنُقَهُ مَعَ يَدَيْهِ وَهُوَ بَارِكٌ. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمُعَرَّسُ: الَّذِي عُمِلَ لَهُ عَرْسٌ، وَهُوَ الْحَائِطُ يُجْعَلُ بَيْنَ حَائِطَيِ الْبَيْتِ، لَا يُبْلَغُ بِهِ أَقْصَاهُ، ثُمَّ يُوضَعُ الْجَائِزُ مِنْ طَرَفِ الْعَرْسِ الدَّاخِلِ إِلَى أَقْصَى الْبَيْتِ، وَيُسَقَّفُ الْبَيْتُ كُلُّهُ.
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " لَا مَخْبَأَ لِعِطْرٍ بَعْدَ عَرُوسٍ "، وَأَصْلُهُ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا بَنَى بِهَا وَجَدَهَا تَفِلَةً، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ الطِّيبُ؟ فَقَالَتْ: خَبَّأْتُهُ! فَقَالَ: لَا مَخْبَأَ لِعِطْرٍ بَعْدَ عَرُوسٍ.

(عَرَشَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ مَبْنِيٍّ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ الْعَرْشُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَرْشُ: سَرِيرُ الْمَلِكِ. وَهَذَا صَحِيحٌ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] ،

(4/264)


ثُمَّ اسْتُعِيرَ ذَلِكَ فَقِيلَ لِأَمْرِ الرَّجُلِ وَقِوَامِهِ: عَرْشٌ. وَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَنْهُ قِيلَ: ثُلَّ عَرْشُهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَدَارَكْتُمَا الْأَحْلَافَ قَدْ ثُلَّ عَرْشُهَا ... وَذُبْيَانَ إِذْ زَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْلُ
وَمِنَ الْبَابِ: تَعْرِيشُ الْكَرْمِ، لِأَنَّهُ رَفْعُهُ وَالتَّوَثُّقُ مِنْهُ. وَالْعَرِيشُ: بِنَاءٌ مِنْ قُضْبَانٍ يُرْفَعُ وَيُوَثَّقُ حَتَّى يُظَلِّلَ. وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: " أَلَا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا ". وَكُلُّ بِنَاءٍ يُسْتَظَلُّ بِهِ عَرْشٌ وَعَرِيشٌ. وَيُقَالُ لِسَقْفِ الْبَيْتِ عَرْشٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الحج: 45] ، وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّقْفَ يَسْقُطُ ثُمَّ يَتَهَافَتُ عَلَيْهِ الْجُدْرَانُ سَاقِطَةً. وَمِنَ الْبَابِ الْعَرِيشُ، وَهُوَ شِبْهُ الْهَوْدَجِ يُتَّخَذُ لِلْمَرْأَةِ تَقْعُدُ فِيهِ عَلَى بَعِيرِهَا. قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ الْكِبَرَ:
إِمَّا تَرَيْ دَهْرًا حَنَانِي حَفْضًا ... أَطْرَ الصَّنَاعَيْنِ الْعَرِيشَ الْقَعْضَا
وَمِمَّا جَاءَ فِي الْعَرِيشِ أَيْضًا قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
كَانَ أَبُو حَسَّانَ عَرْشًا خَوَى ... مِمَّا بَنَاهُ الدَّهْرُ دَانٍ ظَلِيلْ
فَأَمَّا قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
قَلِيلًا تُتَلِّي حَاجَةً ثُمَّ عُولِيَتْ ... عَلَى كُلِّ مَعْرُوشِ الْحَصِيرَيْنِ بَادِنِ
فَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ الْعَرِيشَ، وَهُوَ الْهَوْدَجُ. وَحِصِيرَاهُ: جَنْبَاهُ.

(4/265)


وَيُقَالُ: الْمَعْرُوشُ: الْجَمَلُ الشَّدِيدُ الْجَنْبَيْنِ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَرَشْتُ الْكَرَمَ وَعَرَّشْتُهُ. يُقَالُ: اعْتَرَشَ الْعِنَبُ، إِذَا عَلَا عَلَى الْعَرْشِ. وَيُقَالُ: الْعُرُوشُ: الْخِيَامُ مِنْ خَشَبٍ، وَاحِدُهَا عَرِيشٌ. وَقَالَ:
كَوَانِسًا فِي الْعُرُشِ الدَّوَامِجِ
الدَّوَامِجُ: الدَّوَاخِلُ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَرْشُ الْبِئْرِ: طَيُّهَا بِالْخَشَبِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ الْبِئْرُ رِخْوَةَ الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى فَلَا تُمْسِكُ الطَّيَّ لِأَنَّهَا رَمِلَةٌ، فَيُعَرَّشُ أَعْلَاهَا بِالْخَشَبِ، يُوضَعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يَقُومُ السُّقَاةُ عَلَيْهِ فَيَسْتَقُونَ. وَأَنْشَدَ:
وَمَا لِمَثَابَاتِ الْعُرُوشِ بَقِيَّةٌ ... إِذَا اسْتُلَّ مِنْ تَحْتِ الْعُرُوشِ الدَّعَائِمُ
الْمَثَابَةُ: أَعْلَى الْبِئْرِ حَيْثُ يَقُومُ السَّاقِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَرْشُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ يَقُومُ عَلَيْهِ السَّاقِي. قَالَ الشَّمَّاخُ:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ عَرْشَ هُوِيَّةٍ ... تَسَلَّيْتُ حَاجَاتِ الْفُؤَادِ بِشَمَّرَا
الْهُوِيَّةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَهْوِي مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ، أَيْ يَسْقُطُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَإِذَا حَمَلَ الْحِمَارُ عَلَى الْعَانَةِ رَافِعًا رَأْسَهُ شَاحِيًا فَاهُ قِيلَ: عَرَّشَ بِعَانَتِهِ تَعْرِيشًا. وَهَذَا مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ، لِرَفْعِهِ رَأْسَهُ.

(4/266)


وَمِنَ الْبَابِ الْعُرْشُ: عُرْشُ الْعُنُقِ، عُرْشَانِ بَيْنَهُمَا الْفَقَارُ، وَفِيهِمَا الْأَخْدَعَانِ، وَهُمَا لَحْمَتَانِ مُسْتَطِيلَتَانِ عَدَاءَ الْعُنُقِ، أَيْ نَاحِيَةَ الْعُنُقِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَعَبْدُ يَغُوثَ تَحْجُلُ الطَّيْرُ حَوْلَهُ ... قَدِ احْتَزَّ عُرْشَيْهِ الْحُسَامُ الْمُذَكَّرُ
وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّهُمَا عَرْشَانِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ. وَالْعَرْشُ فِي الْقَدَمِ. مَا بَيْنَ الْعَيْرِ وَالْأَصَابِعِ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَالْجَمْعُ عِرَشَةٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْعُرْشَيْنِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ كَرِهْنَا الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهَا. وَيُقَالُ إِنَّ عَرْشَ السِّمَاكِ: أَرْبَعَةُ كَوَاكِبَ أَسْفَلَ مِنَ الْعَوَّاءِ، عَلَى صُورَةِ النَّعْشِ. وَيُقَالُ هِيَ عَجُزُ الْأَسَدِ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
بَاتَتْ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ عَرْشِيَّةٌ ... شَرِيَتْ وَبَاتَ إِلَى نِقًا مُتَهَدِّدِ
يَصِفُ ثَوْرًا. وَقَوْلُهُ: " شَرِيَتْ " أَيْ أَلَحَّتْ بِالْمَطَرِ.

(عَرَصَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى إِظْلَالِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى الِاضْطِرَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْخَلِيلُ الْقِيَاسَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَرْصُ: خَشَبَةٌ تُوضَعُ عَلَى الْبَيْتِ عَرْضًا إِذَا أُرِيدَ تَسْقِيفُهُ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا أَطْرَافُ الْخَشَبِ. تَقُولُ عَرَّصْتُ السَّقْفَ تَعْرِيصًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ

(4/267)


الْخَلِيلُ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ الْعَرْصَ إِنَّمَا هُوَ السَّقْفُ بِتِلْكَ الْخَشَبَةِ وَسَائِرِ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّسْقِيفُ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ أَيْضًا: الْعَرَّاصُ مِنَ السَّحَابِ: مَا أَظَلَّ مِنْ فَوْقٍ فَقَرُبَ حَتَّى صَارَ كَالسَّقْفِ، لَا يَكُونُ إِلَّا ذَا رَعْدٍ وَبَرْقٍ. فَقَدْ قَاسَ الْخَلِيلُ قِيَاسَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِظْلَالِ فِي السَّقْفِ وَالسَّحَابِ. وَأَنْشَدَ:
يَرْقَدُّ فِي ظِلِّ عَرَّاصٍ وَيَطْرُدُهُ ... حَفِيفُ نَافِجَةٍ عُثْنُونُهَا حَصِبُ
أَلَا تَرَاهُ جَعَلَ لَهُ ظِلًّا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الدَّالُّ عَلَى الِاضْطِرَابِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَرَّاصُ أَيْضًا مِنَ السَّحَابِ: مَا ذَهَبَتْ بِهِ الرِّيحُ وَجَاءَتْ. قَالَ: وَأَصْلُ التَّعْرِيصِ الِاضْطِرَابُ، وَمِنْهُ قِيلَ: رُمْحٌ عَرَّاصٌ، لِاضْطِرَابِهِ إِذَا هُزَّ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِبَرِيقِهِ وَلَمَعَانِهِ. وَرُمْحٌ عَرَّاصُ الْمِهَزَّةِ، وَبَرْقٌ عَرَّاصٌ. قَالَ:
وَكُلُّ غَادٍ عَرِصِ التَّبَوُّجِ
وَمِنَ الْبَابِ: عَرْصَةُ الدَّارِ، وَهِيَ وَسْطُهَا، وَالْجَمْعُ عَرَصَاتٌ وَعِرَاصٌ. قَالَ جَمِيلٌ:
وَمَا يُبْكِيكَ مِنْ عَرَصَاتِ دَارٍ ... تَقَادَمَ عَهْدُهَا وَدَنَا بِلَاهَا
وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ عَرْصَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ مَلْعَبًا لِلصِّبْيَانِ وَمُخْتَلَفًا لَهُمْ يَضْطَرِبُونَ فِيهِ كَيْفَ شَاءُوا. وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: كُلُّ جَوْبَةٍ مُنْفَتِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ فَهِيَ عَرْصَةٌ.

(4/268)


وَمِنَ الْبَابِ: الْعَرَصُ، وَهُوَ النَّشَاطُ، يُقَالُ: عَرِصَ، إِذَا أَشِرَ. قَالَ: وَتَقُولُ: حَلَبْتُهَا حَلَبًا كَعَرَصِ الْهِرَّةِ، وَهُوَ أَشَرُهَا وَنَشَاطُهَا وَلَعِبُهَا بِيَدَيْهَا. وَاعْتَرَصَ مِثْلُ عَرَصَ. قَالَ:
إِذَا اعْتَرَصْتَ كَاعْتِرَاصِ الْهِرَّهْ ... أَوْشَكْتَ أَنْ تَسْقُطَ فِي أُفُرَّهْ
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَرَصَتِ السَّمَاءُ تَعْرِصُ عَرْصًا، إِذَا دَامَ بَرْقُهَا. وَبَاتَتِ السَّمَاءُ عَرَّاصَةً. وَيُقَالُ: غَيْثٌ عَرَّاصٌ، أَيْ لَا يَسْكُنُ بَرْقُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَرِصَ الْبَيْتُ. قَالَ: هُوَ مِنْ خُبْثِ الرِّيحِ. وَهَذَا مَعَ خُبْثِ رِيحِهِ فَإِنَّ الرَّائِحَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَكَانٍ، بَلْ هِيَ تَضْطَرِبُ. وَمِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ مُعَرَّصٌ، قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي فِيهِ نُهُوءَةٌ لَمْ يَنْضَجْ. وَأَنْشَدَ:
سَيَكْفِيكَ صَرْبَ الْقَوْمِ لَحْمٌ مُعَرَّصٌ ... وَمَاءُ قُدُورٍ فِي الْقِصَاعِ مَشُوبُ

(عَرَضَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ بِنَاءٌ تَكْثُرُ فُرُوعُهُ، وَهِيَ مَعَ كَثْرَتِهَا تَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْعَرْضُ الَّذِي يُخَالِفُ الطُّولَ. وَمَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ وَدَقَّقَهُ عَلِمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ شَرْحًا شَافِيًا.
فَالْعَرْضُ: خِلَافُ الطُّولِ. تَقُولُ مِنْهُ: عَرُضَ الشَّيْءُ يَعْرُضُ عِرَضًا، فَهُوَ عَرِيضٌ.

(4/269)


وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: عَرُضَ عَرَاضَةً. وَأَنْشَدَ:
إِذَا ابْتَدَرَ الْقَوْمُ الْمَكَارِمَ عَزَّهُمْ ... عَرَاضَةُ أَخْلَاقِ ابْنِ لَيْلَى وَطُولُهَا
وَقَوْسٌ عُرَاضَةٌ: عَرِيضَةٌ. وَأَعْرَضَتِ الْمَرْأَةُ أَوْلَادَهَا: وَلَدَتْهُمْ عِرَاضًا، كَمَا يُقَالُ أَطَالَتْ فِي الطُّولِ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَرَضَ الْمَتَاعَ يَعْرِضُهُ عَرْضًا. وَهُوَ كَأَنَّهُ فِي ذَاكَ قَدْ أَرَاهُ عَرْضَهُ. وَعَرَّضَ الشَّيْءَ تَعْرِيضًا: جَعَلَهُ عَرِيضًا.
وَمِنْ ذَلِكَ عَرْضُ الْجُنْدِ: أَنْ تُمِرَّهُمْ عَلَيْكَ، وَذَلِكَ كَأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى الْعَارِضِ مِنْ حَالِهِمْ. وَيُقَالُ لِلْمَعْرُوضِ مِنْ ذَلِكَ: عَرَضٌ مُتَحَرِّكَةٌ، كَمَا يُقَالُ قَبَضَ قَبَضًا، وَقَدْ أَلْقَاهُ فِي الْقَبَضِ. وَعَرَضُوهُمْ عَلَى السَّيْفِ عَرْضًا، كَأَنَّ السَّيْفَ أَخَذَ عَرْضَ الْقَوْمِ فَلَمْ يَفُتْهُ أَحَدٌ. وَعَرَضْتُ الْعُودَ عَلَى الْإِنَاءِ أَعْرُضُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ، إِذَا وَضَعْتَهُ عَلَيْهِ عَرْضًا. وَفِي الْحَدِيثِ: «هَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ» . وَيُقَالُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ: عَرَضَ يَعْرِضُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَمَا عَرَضْتُ لِفُلَانٍ وَلَا تَعْرِضْ لَهُ، وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ عَرْضَكَ بِإِزَاءِ عَرْضِهِ. وَيُقَالُ: عَرَضَ الرُّمْحَ يَعَرِضُهُ عَرْضًا. قَالَ النَّابِغَةُ:
لَهُنَّ عَلَيْهِمْ عَادَةٌ قَدْ عَرَفْنَهَا ... إِذَا عَرَضُوا الْخَطِّيَّ فَوْقَ الْكَوَاثِبِ
وَعَرَضَ الْفَرَسُ فِي عَدْوِهِ عَرْضًا، كَأَنَّهُ يُرِي النَّاظِرَ عَرْضَهُ. قَالَ:
يَعْرِضُ حَتَّى يَنْصِبَ الْخَيْشُومَا

(4/270)


قَالُوا: إِذَا عَدَا عَارِضًا صَدْرَهُ، أَوْ مَائِلًا بِرَأْسِهِ. وَيُقَالُ: عَرَضَ فُلَانٌ مِنْ سِلْعَتِهِ، إِذَا عَارَضَ بِهَا، أَعْطَى وَاحِدَةً وَأَخَذَ أُخْرَى. وَمِنْهُ:
هَلْ لَكَ وَالْعَارِضُ مِنْكَ عَائِضُ
أَيْ يُعَارِضُكِ فَيَأْخُذُ مِنْكِ شَيْئًا، وَيُعْطِيكَ شَيْئًا. وَيُقَالُ: عَرَضْتُ أَعْوَادًا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَاعْتَرَضَتْ هِيَ. قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
تَرَى الرِّيشَ فِي جَوْفِهِ طَامِيًا ... كَعَرْضِكَ فَوْقَ نِصَالٍ نِصَالَا
يَصِفُ الْمَاءَ أَنَّ الرِّيشَ بَعْضُهُ مُعْتَرِضٌ فَوْقَ بَعْضٍ، كَمَا يَعْتَرِضُ النَّصْلُ عَلَى النَّصْلِ كَالصَّلِيبِ. وَيُقَالُ: عَرَضْتُ لَهُ مِنْ حَقِّهِ ثَوْبًا فَأَنَا أَعْرِضُهُ، إِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا، كَأَنَّهُ جَعَلَ عَرْضَ هَذَا بِإِزَاءِ عَرْضِ حَقِّهِ الَّذِي كَانَ لَهُ. وَيُقَالُ: أَعْيَا فَاعْتَرَضَ عَلَى الْبَعِيرِ.
وَذَكَرَ الْخَلِيلُ: أَعْرَضْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ عَرِيضًا. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: " أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ ". وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: " أَعْرَضْتَ الْفُرْقَةَ " وَلَعَلَّهُ أَجْوَدُ، وَذَلِكَ لِلرَّجُلِ يُقَالُ لَهُ: مَنْ تَتَّهِمُ؟ فَيَقُولُ: أَتَّهِمُ بَنِي فُلَانٍ، لِلْقَبِيلَةِ بِأَسْرِهَا. فَيُقَالُ لَهُ: أَعْرَضْتَ الْقِرْفَةَ، أَيْ جِئْتَ بِتُهْمَةٍ عَرِيضَةٍ تَعْتَرِضُ الْقَبِيلَ بِأَسْرِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: أَعْرَضْتُ عَنْ فُلَانٍ، وَأَعْرَضْتُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَعْرَضَ

(4/271)


بِوَجْهِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَا وَلَّاهُ عَرْضَهُ. وَالْعَارِضُ إِنَّمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ. وَيُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الشَّيْءُ مِنْ بَعِيدٍ، فَهُوَ مُعْرِضٌ، وَذَلِكَ إِذَا ظَهَرَ لَكَ وَبَدَا. وَالْمَعْنَى أَنَّكَ رَأَيْتَ عَرْضَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
وَأَعْرَضَتِ الْيَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ ... كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا
[وَ] تَقُولُ: عَارَضْتُ فُلَانًا فِي السَّيْرِ، إِذَا سِرْتَ حِيَالَهُ. وَعَارَضْتُهُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، إِذَا أَتَيْتَ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَتَى إِلَيْكَ. وَمِنْهُ اشْتُقَّتِ الْمُعَارَضَةُ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَأَنَّ عَرْضَ الشَّيْءِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مِثْلُ عَرْضِ الشَّيْءِ الَّذِي أَتَاهُ. وَقَالَ طُفَيْلٌ:
وَعَارَضْتُهَا رَهْوًا عَلَى مُتَتَابِعٍ ... نَبِيلِ الْقُصَيْرَى خَارِجِيٍّ مُحَنَّبِ
وَيُقَالُ: اعْتَرَضَ فِي الْأَمْرِ فُلَانٌ، إِذَا أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ. وَعَارَضْتُ فُلَانًا فِي الطَّرِيقِ، وَعَارَضْتُهُ بِالْكِتَابِ، وَاعْتَرَضْتُ أُعْطِي مَنْ أَقَبَلَ وَأَدْبَرَ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. وَاعْتَرَضَ فُلَانٌ عِرْضَ فُلَانٍ يَقَعُ فِيهِ، أَيْ يَفْعَلُ فِعْلًا يَأْخُذُ عَرْضَ عِرْضِهِ. وَاعْتَرَضَ الْفَرَسُ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ لِقَائِدِهِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وَأَرَانِي الْمَلِيكُ رُشْدِي وَقَدْ كُنْ ... تُ أَخَا عُنْجُهِيَّةٍ وَاعْتِرَاضِ
وَتَعَرَّضَ لِي فُلَانٌ بِمَا أَكْرَهُ. وَرَجُلٌ عِرِّيضٌ، أَيْ مُتَعَرِّضٌ.

(4/272)


وَمِنَ الْبَابِ: اسْتَعْرَضَ الْخَوَارِجُ النَّاسَ، إِذَا لَمْ يُبَالُوا مَنْ قَتَلُوا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «كُلِ الْجُبْنَ عُرْضًا» "، أَيِ اعْتَرِضْهُ كَيْفَ كَانَ وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ. وَهَذَا كَمَا قُلْنَاهُ فِي إِعْرَاضِ الْقِرْفَةِ. وَالْمُعْرِضُ: الَّذِي يَعْتَرِضُ النَّاسَ يَسْتَدِينُ مِمَّنْ أَمْكَنَهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ: " أَلَا إِنَّ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ ادَّانَ مُعْرِضًا ".
وَمِنَ الْبَابِ الْعِرْضُ: عِرْضُ الْإِنْسَانِ. قَالَ قَوْمٌ: هُوَ حَسَبُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَفْسُهُ. وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنَ الْعَرْضِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِرْضَ: رِيحُ الْإِنْسَانِ طَيِّبَةً كَانَتْ أَمْ غَيْرَ طَيِّبَةٍ، فَهَذَا طَرِيقُ الْمُجَاوَزَةِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ عِرْضِهِ سُمِّيَتْ عِرْضًا. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ يَجْرِي مِنْ أَعْرَاضِهِمْ» أَيْ أَبْدَانِهِمْ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْعِرْضَ: النَّفْسُ بِقَوْلِ حَسَّانَ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وَتَقُولُ: هُوَ نَقِيُ الْعِرْضِ، أَيْ بَعِيدٌ مِنْ أَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُعَابَ.

(4/273)


وَمِنَ الْبَابِ: مَعَارِيضُ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي مِعْرَضٍ غَيْرِ لَفْظِهِ الظَّاهِرِ، فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِعْرَضِ لَهُ كَمِعْرَضِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ لِبَاسُهَا الَّذِي تُعْرَضُ فِيهِ، وَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرْضِ. وَقَدْ قُلْنَا فِي قِيَاسِ الْعَرْضِ مَا كَفَى.
وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: عَرَفْتُ ذَاكَ فِي عَرُوضِ كَلَامِهِ، أَيْ فِي مَعَارِيضِ كَلَامِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَرْضُ: الْجَيْشُ الْعَظِيمُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْعَرْضِ مِنَ السَّحَابِ، وَهُوَ مَا سَدَّ بِعَرْضِهِ الْأُفُقَ. قَالَ:
كُنَّا إِذَا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا
أَيْ جَيْشًا كَأَنَّهُ جَبَلٌ أَوْ سَحَابٌ يَسُدُّ الْأُفُقَ، وَقَالَ دُرَيْدٌ:
نَعِيَّةُ مِنْسَرٍ أَوْ عَرْضُ جَيْشٍ ... تَضِيقُ بِهِ خُرُوقُ الْأَرْضِ مَجْرِ
وَكَانَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: الْأَعْرَاضُ: الْجِبَالُ وَالْأَوْدِيَةُ وَالسَّحَابُ، الْوَاحِدُ عِرْضٌ. كَذَا قَالَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا بِالْفَتْحِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرْضُ: سَنَدُ الْجَبَلِ. وَأَنْشَدَ:
أَلَا تَرَى بِكُلِّ عَرْضٍ مُعْرِضِ

(4/274)


وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ:
كَمَا تَدَهْدَى مِنَ الْعَرْضِ الْجَلَامِيدُ
وَالْعَرِيضُ: الْجَدْيُ إِذَا نَزَا [أَوْ] يَكَادُ يَنْزُوَ، وَذَلِكَ إِذَا بَلَغَ. وَهَذَا قِيَاسُهُ أَيْضًا قِيَاسُ الْبَابِ، وَهُوَ مِنَ الْعَرْضِ، وَجَمْعُهُ عُرْضَانٌ.
فَأَمَّا عَرُوضُ الشِّعْرِ فَقَالَ قَوْمٌ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَرُوضِ، وَهِيَ النَّاحِيَةُ، كَأَنَّهُ نَاحِيَةٌ مِنَ الْعِلْمِ. وَأَنْشَدَ فِي الْعَرُوضِ:
لِكُلِّ أُنَاسٍ مِنْ مَعَدٍّ عِمَارَةٌ ... عَرُوضٌ إِلَيْهَا يَلْجَئُونَ وَجَانِبُ
وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَرِيضُ: الطَّرِيقُ الصَّعْبُ، ذَلِكَ يَكُونُ فِي عَرْضِ جَبَلٍ، فَقَدْ صَارَ بَابُهُ قِيَاسَ سَائِرِ الْبَابِ. قَالُوا: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ عُرْضِيَّةٌ، إِذَا كَانَتْ صَعْبَةً. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا لَا تَسْتَقِيمُ فِي السَّيْرِ، بَلْ تَعْتَرِضُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَنَحْتُهَا قَوْلِي عَلَى عُرْضِيَّةٍ ... عُلُطٍ أُدَارِي ضِغْنَهَا بِتَوَدُّدِ
وَمِنَ الْبَابِ: عُرْضُ الْحَائِطِ، وَعُرْضُ الْمَالِ، وَعُرْضُ النَّهْرِ، وَيُرَادُ بِهِ وَسَطُهُ. وَذَلِكَ مِنَ الْعَرْضِ أَيْضًا. وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا ... مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا

(4/275)


وَعُرْضُ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّهُ الْوَسَطُ. وَكَانَ اللِّحْيَانِيُّ يَقُولُ: فُلَانٌ شَدِيدُ الْعَارِضَةِ، أَيِ النَّاحِيَةِ. وَالْعَرَضُ مِنْ أَحْدَاثِ الدَّهْرِ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، سُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْتَرِضُ، أَيْ يَأْخُذُهُ فِيمَا عَرَضَ مِنْ جَسَدِهِ. وَالْعَرَضُ: طَمَعُ الدُّنْيَا، قَلِيلًا [كَانَ] أَوْ كَثِيرًا. وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُعْرِضُ، أَيْ يُرِيكَ عُرْضَهُ. وَقَالَ:
مَنْ كَانَ يَرْجُو بَقَاءً لَا نَفَادَ لَهُ ... فَلَا يَكُنْ عَرَضُ الدُّنْيَا لَهُ شَجَنَا
وَيُقَالُ: " الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْخُذُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ". فَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرْضِ» . فَإِنِّمَا سَمِعْنَاهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَالِ غَيْرَ نَقْدٍ ; وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ. فَأَمَّا الْعَرَضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، فَمَا يُصِيبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ حَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف: 169] .
وَقَالَ الْخَلِيلُ: فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ: لَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِيهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ عُرْضَهُ. وَالْمِعْرَاضُ: سَهْمٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ دِقَاقٍ، وَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ. قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ السَّهْمُ الَّذِي يُرْمَى بِهِ لَا رِيشَ لَهُ يَمْضِي عَرْضًا.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: شَدِيدُ الْعَارِضَةِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَالَهُ اللِّحْيَانِيُّ فِيهِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ شَدِيدُ الْعَارِضَةِ، أَيْ ذُو جَلَدٍ وَصَرَامَةٍ. وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، أَيْ شَدِيدٌ

(4/276)


مَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْهُ. وَعَارِضَةُ الْوَجْهِ: مَا يَبْدُو مِنْهُ عِنْدَ الضَّحِكِ. وَزَعَمَ أَنَّ أَسْنَانَ الْمَرْأَةِ تُسَمَّى الْعَوَارِضَ وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. قَالَ عَنْتَرَةُ:
وَكَأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيمَةٍ ... سَبَقَتْ عَوَارِضُهَا إِلَيْكَ مِنَ الْفَمِ
وَرَجُلٌ خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ، يَعْنِي عَارِضَيِ اللِّحْيَةِ. وَقَالَ أَبُو لَيْلَى: الْعَوَارِضُ الضَّوَاحِكُ، لِمَكَانِهَا فِي عَرْضِ الْوَجْهِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَارِضَا الرَّجُلِ: شَعْرُ خَدَّيْهِ، لَا يُقَالُ لِلْأَمْرَدِ: امْسَحْ عَارِضَيْكَ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: يَمْشِي الْعِرَضْنَى، فَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَهُوَ الَّذِي يَشْتَقُّ فِي عَدْوِهِ مُعْتَرِضًا. قَالَ الْعَجَّاجُ:
تَعْدُو الْعِرَضْنَى خَيْلُهُمْ حَرَاجِلًا
وَامْرَأَةٌ عُرْضَةٌ: ضَخْمَةٌ قَدْ ذَهَبَتْ مِنْ سِمَنِهَا عَرْضًا.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَوَارِضُ: سَقَائِفُ الْمَحْمَلِ الْعِرَاضُ الَّتِي أَطْرَافُهَا فِي الْعَارِضَيْنِ، وَذَلِكَ أَجْمَعُ هُوَ سَقْفُ الْمِحْمَلِ. وَكَذَلِكَ عَوَارِضُ سَقْفِ الْبَيْتِ إِذَا وُضِعَتْ عَرْضًا. وَقَالَ أَيْضًا: عَارِضَةُ الْبَابِ هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي هِيَ مِسَاكُ الْعِضَادَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ. وَالْعَرْضِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَعَلَّ لَهُ عَرْضًا. قَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ:

(4/277)


هَزَّتْ قَوَامًا يَجْهَدُ الْعَرْضِيَّا ... هَزَّ الْجَنُوبِ النَّخْلَةَ الصَّفِيَّا
وَكُلُّ شَيْءٍ أَمْكَنَكَ مِنْ عَرْضِهِ فَهُوَ مُعْرِضٌ لَكَ، بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَيُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الظَّبْيُ فَارْمِهِ، إِذَا أَمْكَنَكَ مِنْ عَرْضِهِ ; مِثْلُ أَفْقَرَ وَأَعْوَرَ.
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " فُلَانٌ عَرِيضُ الْبِطَانِ "، إِذَا أَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. وَيُقَالُ: ضَرَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ عِرَاضًا، إِذَا ضَرَبَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَادَ إِلَيْهَا. وَهَذَا مِنْ قَوْلِنَا: اعْتَرَضَ الشَّيْءَ: أَتَاهُ مِنْ عُرْضٍ، كَأَنَّهُ اعْتَرَضَهَا مِنْ سَائِرِ النُّوقِ: قَالَ الرَّاعِي:
نَجَائِبُ لَا يُلْقَحْنَ إِلَّا يَعَارَةً ... عِرَاضًا وَلَا يُبْتَعْنَ إِلَّا غَوَالِيَا
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَقِحَتِ النَّاقَةُ عِرَاضًا، أَيْ ذَهَبَتْ إِلَى فَحْلٍ لَمْ تُقَدْ إِلَيْهِ. وَالْعَارِضُ: السَّحَابُ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ قِيَاسِهِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] . وَالْعَارِضُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مَا يَسْتَقْبِلُكَ، كَالْعَارِضِ مِنَ السَّحَابِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَارِضُ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْرِضُ فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَشِيِّ ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ حَبَا وَاسْتَوَى. وَيُقَالُ لَهُ: الْعَانُّ بِالتَّشْدِيدِ.
وَمِنَ الْمُشْتَقِّ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: مَرَّ بِي عَارِضٌ مِنْ جَرَادٍ، إِذَا مَلَأَ الْأُفُقَ. وَلِفُلَانٍ عَلَى أَعْدَائِهِ عُرْضِيَّةٌ، أَيْ صُعُوبَةٌ. وَهَذَا مِنْ قَوْلِنَا نَاقَةٌ عُرْضِيَّةٌ، وَقَدْ ذُكِرَ قِيَاسُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ التَّعْرِيضَ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْإِبِلِ مِنْ مِيرَةٍ أَوْ زَادٍ. وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنْ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى مَنْ لَعَلَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: عَرِّضُوا مِنْ مِيرَتِكُمْ، أَيْ أَطْعِمُونَا مِنْهَا. قَالَ:

(4/278)


حَمْرَاءَ مِنْ مُعَرِّضَاتِ الْغِرْبَانِ
يَصِفُ نَاقَةً لَهُ عَلَيْهَا الْمِيرَةُ فَهِيَ تَتَقَدَّمُ الْإِبِلَ وَيَنْفَتِحُ مَا عَلَيْهَا لِسُرْعَتِهَا فَتَسْقُطُ الْغِرْبَانُ عَلَى أَحْمَالِهَا، فَكَأَنَّهَا عَرَّضَتْ لِلْغِرْبَانِ مِيرَتَهُمْ. وَيُقَالُ لِلْإِبِلِ الَّتِي تَبْعُدُ آثَارُهَا فِي الْأَرْضِ: الْعُرَاضَاتُ، أَيْ إِنَّهَا تَأْخُذُ فِي الْأَرْضِ عَرْضًا فَتَبِينُ آثَارُهَا. وَيَقُولُونَ: " إِذَا طَلَعَتِ الشِّعْرَى سَفَرًا، وَلَمْ تَرَ فِيهَا مَطَرًا، فَأَرْسِلِ الْعُرَاضَاتِ أَثَرًا، يَبْغِينَكَ فِي الْأَرْضِ مَعْمَرًا ".
وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عُرْضَةٌ لِلسَّفَرِ، أَيْ قَوِيَّةٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا لِقُوَّتِهَا تُعْرَضُ أَبَدًا لِلسَّفَرِ. فَأَمَّا الْعَارِضَةُ مِنَ النُّوقِ أَوِ الشَّاءِ، فَإِنَّهَا الَّتِي تُذْبَحُ لِشَيْءٍ يَعْتَرِيهَا. وَقَالَ:
مِنْ شِوَاءٍ لَيْسَ مِنْ عَارِضَةٍ ... بِيَدَيْ كُلِّ هَضُومٍ ذِي نَفَلْ
وَهَذَا عِنْدَنَا مِمَّا جُعِلَ فِيهِ الْفَاعِلُ مَكَانَ الْمَفْعُولِ ; لِأَنَّ الْعَارِضَةَ هِيَ الَّتِي عُرِضَ لَهَا بِمَرَضٍ، كَمَا يَقُولُونَ: سِرٌّ كَاتِمٌ. وَمَعْنَى عُرِضَ لَهَا أَنَّ الْمَرَضَ أَعْرَضَهَا، وَتَوَسَّعُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى بَنَوُا الْفِعْلَ مَنْسُوبًا إِلَيْهَا، فَقَالُوا: عَرَضَتْ. قَالَ الشَّاعِرُ:

(4/279)


إِذَا عَرَضَتْ مِنْهَا كَهَاةٌ سَمِينَةٌ ... فَلَا تُهْدِ مِنْهَا وَاتَّشِقْ وَتَجَبْجَبِ
وَالْعِرْضُ: الْوَادِي، وَالْعِرْضُ: وَادٍ بِالْيَمَامَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعِرْضَ أَصْبَحَ بَطْنُهُ ... نَخِيلًا وَزَرْعًا نَابِتًا وَفَصَافِصَا
وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
فَهَذَا أَوَانُ الْعِرْضِ حَيَّ ذُبَابُهُ ... زَنَابِيرُهُ وَالْأَزْرَقُ الْمُتَلَمِّسُ
وَمِنَ الْبَابِ: نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَرْضَ عَيْنٍ، أَيِ اعْتَرَضْتُهُ عَلَى عَيْنِي. وَرَأَيْتُ فُلَانًا عَرْضَ عَيْنٍ، أَيْ لَمْحَةً. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَرَضَ لِعَيْنِي، فَرَأَيْتُهُ. وَيُقَالُ: عَلِقْتُ فُلَانًا عَرَضًا، أَيِ اعْتِرَاضًا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ مِنِّي لِذَلِكَ وَلَا إِرَادَةٍ. وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عِرَاضِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ. وَأَنْشَدَ:
عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا ... زَعْمًا لَعَمْرُ أَبِيكِ لَيْسَ بِمَزْعَمِ
وَيُقَالُ: أَصَابَهُ سَهْمُ عَرَضٍ، إِذَا جَاءَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي مَنْ رَمَاهُ. وَهَذَا مِنَ الْبَابِ أَيْضًا كَأَنَّهُ جَاءَهُ عَرَضًا مِنْ حَيْثُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِعْرَاضِ مِنَ السِّهَامِ.
وَالْمَعَارِضُ: جَمْعُ مَعْرَضٍ وَهِيَ بِلَادٌ تُعْرَضُ فِيهَا الْمَاشِيَةُ لِلرَّعْيِ. قَالَ:

(4/280)


أَقُولُ لِصَاحِبَيَّ وَقَدْ هَبَطْنَا ... وَخَلَّفْنَا الْمَعَارِضَ وَالْهِضَابَا

(عَرَفَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَتَابُعِ الشَّيْءِ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَالْآخَرُ عَلَى السُّكُونِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
فَالْأَوَّلُ الْعُرْفُ: عُرْفُ الْفَرَسِ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَتَابُعِ الشَّعْرِ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: جَاءَتِ الْقَطَا عُرْفًا عُرْفًا، أَيْ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعُرْفَةُ وَجَمْعُهَا عُرَفٌ، وَهِيَ أَرْضٌ مُنْقَادَةٌ مُرْتَفِعَةٌ بَيْنَ سَهْلَتَيْنِ تُنْبِتُ، كَأَنَّهَا عُرْفُ فَرَسٍ. وَمِنَ الشِّعْرِ فِي ذَلِكَ. . .
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمَعْرِفَةُ وَالْعِرْفَانُ. تَقُولُ: عَرَفَ فُلَانٌ فُلَانًا عِرْفَانًا وَمَعْرِفَةً. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ سُكُونِهِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا تَوَحَّشَ مِنْهُ وَنَبَا عَنْهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَرْفُ، وَهِيَ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ. وَهِيَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ النَّفْسَ تَسْكُنُ إِلَيْهَا. يُقَالُ: مَا أَطْيَبَ عَرْفَهُ. قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] ، أَيْ طَيَّبَهَا. قَالَ:
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ قَدْ لَهَوْتُ وَلَيْلَةٍ ... بِوَاضِحَةِ الْخَدَّيْنِ طَيِّبَةِ الْعَرْفِ
وَالْعُرْفُ: الْمَعْرُوفُ، وَسَمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَسْكُنُ إِلَيْهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
أَبَى اللَّهُ إِلَّا عَدْلَهُ وَوَفَاءَهُ ... فَلَا النُّكْرُ مَعْرُوفٌ وَلَا الْعُرْفُ ضَائِعُ

(4/281)


فَأَمَّا الْعَرِيفُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ قَوْمٍ قَدْ عَرَفَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَرِيفًا لِأَنَّهُ عُرِفَ بِذَلِكَ. وَيُقَالُ بَلِ الْعِرَافَةُ كَالْوِلَايَةِ، وَكَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَهُمْ.
وَأَمَّا عَرَفَاتُ فَقَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - تَعَارَفَا بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ. بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنَاسِكَ الْحَجِّ قَالَ لَهُ: أَعَرَفْتَ؟ وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَكَانٌ مُقَدَّسٌ مُعَظَّمٌ، كَأَنَّهُ قَدْ عُرِّفَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] . وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتَ تَعْرِيفٌ. وَالتَّعْرِيفُ: تَعْرِيفُ الضَّالَّةِ وَاللُّقَطَةِ، أَنْ يَقُولَ: مَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟ وَيُقَالُ: اعْتَرَفَ بِالشَّيْءِ، إِذَا أَقَرَّ، كَأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَأَقَرَّ بِهِ. وَيُقَالُ: النَّفْسُ عَرُوفٌ، إِذَا حُمِلَتْ عَلَى أَمْرٍ فَبَاءَتْ بِهِ أَيِ اطْمَأَنَّتْ. وَقَالَ:
فَآبُوا بِالنِّسَاءِ مُرَدَّفَاتٍ ... عَوَارِفَ بَعْدَ كِنٍّ وَاتِّجَاحِ
مِنَ الْوِجَاحِ، وَهُوَ السِّتْرُ.
وَالْعَارِفُ: الصَّابِرُ، يُقَالُ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَوُجِدَ عَرُوفًا، أَيْ صَابِرًا. قَالَ النَّابِغَةُ:
عَلَى عَارِفَاتٍ لِلطِّعَانِ عَوَابِسٍ ... بِهِنَّ كُلُومٌ بَيْنَ دَامٍ وَجَالِبِ

(4/282)


(عَرَقَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ صَحِيحَةٌ: أَحَدُهَا الشَّيْءُ يَتَوَلَّدُ مِنْ شَيْءٍ كَالنَّدَى وَالرَّشْحِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَالْآخَرُ الشَّيْءُ ذُو السِّنْخِ، فَسِنْخُهُ مُنْقَاسٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَالثَّالِثُ كَشْطُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا فِي اللَّحْمِ. وَالرَّابِعُ اصْطِفَافٌ وَتَتَابُعٌ فِي أَشْيَاءَ. ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُصُولِ وَمَا يُقَارِبُهَا.
فَالْأَوَّلُ الْعَرَقُ، وَهُوَ مَا جَرَى فِي أُصُولِ الشَّعْرِ مِنْ مَاءِ الْجِلْدِ. تَقُولُ: عَرِقَ يَعْرَقَ عَرَقًا. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ لِلْعَرَقِ جَمْعًا، فَإِنْ جُمِعَ فَقِيَاسُهُ أَعْرَاقٌ، كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٌ. وَرَجُلٌ عُرَقَةٌ: كَثِيرُ الْعَرَقِ. وَيُقَالُ: اسْتَعْرَقَ، إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَرِّ كَيْ يَعْرَقَ.
وَمِنَ الْبَابِ: جَرَى الْفَرَسُ عَرَقًا أَوْ عَرَقَيْنِ، أَيْ طَلَقًا أَوْ طَلَقَيْنِ. وَذَلِكَ مِنَ الْعَرَقِ. وَيُقَالُ: عَرِّقْ فَرَسَكَ، أَيِ أَجْرِهِ حَتَّى يَتَعَرَّقَ. قَالَ الْأَعْشَى:
يُعَالَى عَلَيْهِ الْجِلُّ كُلَّ عَشِيَّةٍ ... وَيَرْفَعُ نَقْلًا بِالضُّحَى وَيُعَرَّقُ
وَيُقَالُ: اللَّبَنُ عَرَقٌ يَتَحَلَّبُ فِي الْعُرُوقِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الضَّرْعِ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
تُضْحِ وَقَدْ ضَمِنَتْ ضَرَّاتُهَا عَرَقًا ... مِنْ طَيِّبِ الطَّعْمِ حُلْوٍ غَيْرِ مَجْهُودِ
وَلَبَنٌ عَرِقٌ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي سِقَاءٍ فَيُشَدُّ بِجَنْبِ الْبَعِيرِ فَيُصِيبَهُ الْعَرَقُ

(4/283)


فَيَفْسُدُ. وَأَمَّا عَرَقُ الْقِرْبَةِ فِي قَوْلِهِ: " جَشِمْتُ إِلَيْكَ عَرَقَ الْقِرْبَةِ " فَمَعْنَاهُ فِيمَا زَعَمَ يُونُسُ: عَطِيَّةُ الْقِرْبَةِ، وَهُوَ مَاؤُهَا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: جَشِمْتُ إِلَيْكَ حَتَّى سَافَرْتُ وَاحْتَجْتُ إِلَى عَرَقِ الْقِرْبَةِ فِي الْأَسْفَارِ، وَهُوَ مَاؤُهَا. وَيُقَالُ: عَرِقَ لَهُ بِكَذَا، كَأَنَّهُ تَنَدَّى لَهُ وَسَمَحَ. قَالَ:
سَأَجْعَلُهُ مَكَانَ النُّونِ مِنِّي ... وَمَا أُعْطِيتُهُ عَرَقَ الْخِلَالِ
يَقُولُ: لَمْ أُعْطَهُ عَطِيَّةَ مَوَدَّةٍ، لَكِنَّهُ أَخَذْتُهُ قَسْرًا. وَالنُّونُ: السَّيْفُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَشِمْتُ إِلَيْكَ حَتَّى عَرِقْتُ كَعَرَقِ الْقِرْبَةِ، وَهُوَ سَيَلَانُ مَائِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: عَرَقُ الْقِرْبَةِ أَنْ يَقُولَ: تَكَلَّفْتُ لَكَ مَا لَا يَبْلُغُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَجَشَّمْتُ مَا لَا يَكُونُ ; لِأَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَعْرَقُ، يَذْهَبُ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِمْ: " حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ ". وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: عَرَقُ الْقِرْبَةِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الشِّدَّةِ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْلُهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي طَرَفَةَ: يُقَالُ لَقِيتُ مِنْ فُلَانٍ عَرَقَ الْقِرْبَةِ، أَيِ الشِّدَّةَ. قَالَ: وَأَنْشَدَ الْأَحْمَرُ:
لَيْسَتْ بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وَعَفْوُهَا ... عَرَقُ السِّقَاءِ عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ
يَمْدَحُ رَجُلًا يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ الشَّدِيدَةَ فَلَا يَأْخُذُ صَاحِبَهَا بِهَا.

(4/284)


وَمِنَ الْبَابِ: عَرَّقْتُ فِي الدَّلْوِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ دُونَ الْمِلْءِ، كَأَنَّ هَذَا لِقِلَّتِهِ شُبِّهَ بِالْعَرَقِ. وَيُقَالُ لِلْمُعْطِي الْيَسِيرِ: عَرَّقَ. قَالَ:
لَا تَمْلَأِ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فِيهَا ... أَمَا تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسْقِيهَا
وَيُقَالُ: كَأْسٌ مُعْرَقَةٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوءَةً، قَدْ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ. وَخَمْرٌ مُعْرَقَةٌ، أَيْ مَمْزُوجَةٌ مَزْجًا خَفِيفًا، شُبِّهَ ذَلِكَ الْمَزْجُ الْيَسِيرُ بِالْعَرَقِ. وَقَالَ فِي الْمُعْرَقِ الْقَلِيلِ الْمَزْجِ:
أَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَدَفَعْتُ عَنْهُ ... بِمُعْرَقَةٍ مَلَامَةَ مَنْ يَلُومُ
وَالْأَصْلُ الثَّانِي السِّنْخُ الْمُتَشَعِّبُ. مِنْ ذَلِكَ الْعِرْقُ عِرْقُ الشَّجَرَةِ. وَعُرُوقُ كُلِّ شَيْءٍ: أَطْنَابٌ تَنْشَعِبُ مِنْ أُصُولِهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: " اسْتَأْصَلَ اللَّهُ عِرْقَاتَهُمْ " زَعَمُوا أَنَّ التَّاءَ مَفْتُوحَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادُوا وَاحِدَةً وَأَخْرَجَهَا مُخْرَجَ سِعْلَاةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ تَاءُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ لَكِنَّهُمْ خَفَّفُوهُ بِالْفَتْحَةِ وَيُقَالُ: أَعْرَقَتِ الشَّجَرَةُ، إِذَا ضَرَبَتْ عُرُوقُهَا فَامْتَدَّتْ فِي الْأَرْضِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: عَرَقُ الرَّجُلِ يَعْرُقُ عُرُوقًا، إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا تَشْبِيهٌ، شُبِّهَ ذَهَابُهُ بِامْتِدَادِ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ وَذَهَابِهَا فِي الْأَرْضِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»

(4/285)


فَهُوَ مَثَلٌ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ: عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ، وَعِرْقَانُ بَاطِنَانِ. فَالظَّاهِرَانِ: الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ، وَالْبَاطِنَانِ الْبِئْرُ وَالْمَعْدِنُ. وَمَعْنَى الْعِرْقِ الظَّالِمِ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلَ إِلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ فَيَغْرِسَ فِيهَا غَرْسًا أَوْ يُحْدِثَ شَيْئًا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْأَرْضَ.
وَالْعِرْقُ: نَبَاتٌ أَصْفَرُ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " فُلَانٌ مُعْرِقٌ [لَهُ] فِي الْكَرَمِ "، أَيْ لَهُ فِيهِ أَصْلٌ وَسِنْخٌ. وَقَدْ عَرَّقَ فِيهِ أَعْمَامُهُ وَأَخْوَالُهُ تَعْرِيقًا، وَأَعْرَقُوا فِيهِ أَعْرَاقًا. وَقَدْ أَعْرَقَ فِيهِ أَعْرَاقُ الْعَبِيدِ، إِذَا خَالَطَهُ ذَلِكَ وَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِمْ. وَيُقَالُ: تَدَارَكَهُ أَعْرَاقُ خَيْرٍ وَأَعْرَاقُ شَرٍّ. قَالَ الشَّاعِرُ:
جَرَى طَلَقًا حَتَّى إِذَا قِيلَ ... سَابِقٌ تَدَارَكَهُ إِعْرَاقُ سَوْءٍ فَبَلَّدَا
وَالْعَرِيقُ مِنَ الْخَيْلِ وَالنَّاسِ: الَّذِي لَهُ عِرْقٌ فِي الْكَرَمِ. وَفُلَانٌ يُعَارِقُ
فُلَانًا، أَيْ يُفَاخِرُهُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّنَا أَكْرَمُ عِرْقًا. وَيُقَالُ: " عِرْقٌ فِي بَنَاتِ صَعْدَةَ " وَهِيَ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ. وَقَوْلُ عِكْرَاشَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: " أَتَيْتُهُ بِإِبِلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الْأَرْطَى " أَرَادَ أَنَّهَا حُمْرٌ، لِأَنَّ عُرُوقَ الْأَرْطَى حُمْرٌ، وَحُمْرُ الْإِبِلِ كَرَائِمُهَا. قَالَ:
يُثِيرُ وَيُبْدِي عَنْ عُرُوقٍ كَأَنَّهَا ... أَعِنَّةُ جَرَّازٍ تُحَطُّ وَتُبْشَرُ
وَصَفَ ثَوْرًا يَحْفِرُ كِنَاسًا تَحْتَ أَرْطَى.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ كَشْطُ اللَّحْمِ عَنِ الْعَظْمِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعُرَاقُ: الْعَظْمُ الَّذِي قَدْ أُخِذَ عَنْهُ اللَّحْمُ. قَالَ:
فَأَلْقِ لِكَلْبِكَ مِنْهُ عُرَاقًا

(4/286)


فَإِذَا كَانَ الْعَظْمُ بِلَحْمِهِ فَهُوَ عَرْقٌ. وَيُقَالُ: الْعُرَاقُ جَمْعُ عَرَقٍ، كَمَا يُقَالُ ظِئْرٌ وَظُؤَارٌ. وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: " هُوَ أَلْأَمُ مِنْ كَلْبٍ عَلَى عَرْقٍ ". قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: جَمْعُ عَرْقٍ عِرَاقٌ. وَأَنْشَدَ:
يَبِيتُ ضَيْفِي فِي عِرَاقٍ مُلْسِ ... وَفِي شَمُولٍ عُرِّضَتْ لِلنَّحْسِ
مُلْسٌ، يَعْنِي الْوَدَكَ وَالشَّحْمَ. وَالنَّحْسُ: الرِّيحُ. يُقَالُ: عَرَقْتُ الْعَظْمَ وَأَنَا أَعْرُقُهُ، وَاعْتَرَقْتُهُ وَتَعَرَّقْتُهُ، إِذَا أَكَلْتَ مَا عَلَيْهِ [مِنْ] اللَّحْمِ. وَيُقَالُ: أَعْطِنِي عَرْقًا أَتَعَرَّقَهُ، أَيْ عَظْمًا عَلَيْهِ اللَّحْمُ. وَفُلَانٌ مُعْتَرَقٌ، أَيْ مَهْزُولٌ، كَأَنَّ لَحْمَهُ قَدِ اعْتُرِقَ. قَالَ:
غُولٌ تَصَدَّى لِسَبَنْتًى مُعْتَرِقْ
وَقَالَ:
قَدْ أَشْهَدُ الْغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي ... جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللِّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ
يَصِفُ الْفَرَسَ بِقِلَّةِ اللَّحْمِ عَلَى وَجْهِهِ، وَذَلِكَ أَكْرَمُ لَهُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: فَمٌ مُعْرَقٌ: قَلِيلُ الرِّيقِ. وَوَجْهٌ مَعْرُوقٌ: قَلِيلُ اللَّحْمِ.
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: الِامْتِدَادُ وَالتَّتَابُعُ فِي أَشْيَاءَ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. مِنْ ذَلِكَ

(4/287)


الْعَرَقَةُ، وَالْجَمْعُ عَرَقَاتٌ، وَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مَضْفُورٌ أَوْ مُصْطَفٌّ. وَإِذَا اصْطَفَّتِ الطَيْرُ فِي الْهَوَاءِ فَهِيَ عَرَقَةُ، وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ. قَالَ طُفَيْلٌ:
كَأَنَّهُ بَعْدَ مَا صَدَّرْنَ مِنْ عَرَقٍ ... سِيدٌ تَمَطَّرَ جُنْحَ اللَّيْلِ مَبْلُولُ
وَالْعَرَقَةِ: السَّفِيفَةُ الْمَنْسُوجَةُ مِنَ الْخُوصِ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا زَبِيلٌ. وَسُمِّيَ الزَّبِيلُ عَرَقًا لِذَلِكَ. وَيُقَالُ عَرَقَةُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو كَبِيرٍ:
نَغْدُو فَنَتْرُكُ فِي الْمَزَاحِفِ مَنْ ثَوَى ... وَنُمِرُّ فِي الْعَرَقَاتِ مَنْ لَمْ يُقْتَلِ
يَعْنِي نَأْسِرُهُمْ فَنَشُدُّهُمْ فِي الْعَرَقَاتِ، وَهِيَ النُّسُوعُ.
وَيُقَالُ لِآثَارِ الْخَيْلِ الْمُصْطَفَّةِ عَرَقَةٌ. وَالْعَرَقَةُ: طُرَّةٌ تُنْسَجُ ثُمَّ تُخَاطُ عَلَى شَقَّةٍ، الشُّقَّةُ الَّتِي لِلْبَيْتِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرَقَةُ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْقَائِمَةِ عَلَى سَطْرٍ. فَأَمَّا عِرَاقُ الْمَزَادَةِ وَالرَّاوِيَةِ فَهُوَ الْخَرْزُ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا، وَالْجَمْعُ عُرُقٌ. وَذَلِكَ عِنْدَنَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِامْتِدَادِ وَالتَّتَابُعِ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
مِنْ ذِي عِرَاقٍ نِيطَ فِي جَوْزِهَا ... فَهُوَ لَطِيفٌ طَيُّهُ مُضْطَمِرْ
وَقَالَ آخَرُ:
تَضْحَكُ عَنْ مِثْلِ عِرَاقِ الشَّنَّهْ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْعِرَاقُ، وَهُوَ عِنْدَ الْخَلِيلِ شَاطِئُ الْبَحْرِ. وَسُمِّيَتِ الْعِرَاقُ

(4/288)


عِرَاقًا لِأَنَّهُ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عِدَاءً حَتَّى يَتَّصِلَ بِالْبَحْرِ. وَالْعِرَاقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: شَاطِئُ الْبَحْرِ عَلَى طُولِهِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْعِرَاقُ، وَهُوَ مَا أَحَاطَ بِالظُّفُرِ مِنَ اللَّحْمِ. قَالَ الدُّرَيْدِيُّ: " سُمِّيَتِ الْعِرَاقُ لِأَنَّهَا اسْتَكَفَّتْ أَرْضَ الْعَرَبِ "، أَيْ صَارَتْ كَالْكِفَافِ لَهَا. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّ الْعِرَاقَ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرُوقِ الشَّجَرِ، وَهِيَ مَنَابِتُ الشَّجَرِ. وَالْعِرَاقَانِ: الْكُوفَةُ وَالْبَصْرَةُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعِرَاقُ كُلُّ مَوْضِعِ رِيفٍ. قَالَ جَرِيرٌ:
نَهْوَى ثَرَى الْعِرْقِ إِذْ لَمْ نَلْقَ بَعْدَكُمُ ... كَالْعِرْقِ عِرْقًا وَلَا السُّلَانِ سُلَّانَا
وَيُقَالُ: أَعْرَقَ الرَّجُلُ وَأَشْأَمَ، أَيْ أَتَى الْعِرَاقَ وَالشَّامَ. قَالَ الْمُمَزَّقُ:
فَإِنْ تُنْجِدُوا أُتْهِمْ خِلَافًا عَلَيْكُمُ ... وَإِنْ تُعْمِنُوا مُسْتَحْقِبِي الشَّرِّ أُعْرِقِ
وَأَمَّا عُرْقُوَةُ الدَّلْوِ فَالْخَشَبَةُ الْمَعْرُوضَةُ عَلَيْهَا.

(عَرَكَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ تَمْرِيسِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ أَوْ تَمَرُّسِهِ بِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: عَرَكْتُ الْأَدِيمَ عَرْكًا، إِذَا دَلَكْتُهُ دَلْكًا. وَعَرَكْتُ الْقَوْمَ فِي الْحَرْبِ عَرْكًا. قَالَ زُهَيْرٌ:

(4/289)


فَتَعْرُكْكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا ... وَتَلْقَحْ كِشَافًا ثُمَّ تَحْمِلْ فَتُتْئِمِ
وَمِنَ الْبَابِ: اعْتَرَكَ الْقَوْمُ فِي الْقِتَالِ، وَذَلِكَ تَمَرُّسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَعَرْكُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَذَلِكَ الْمَكَانُ مُعْتَرَكٌ وَمُعْتَرَكَةٌ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ عَرِكٌ وَقَوْمٌ عَرِكُونَ، وَهُمُ الْأَشِدَّاءُ فِي الصِّرَاعِ.
وَمِنَ الْبَابِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِي حُرُوفِهِ ابْتِغَاءَ زِيَادَةٍ فِي مَعْنَاهُ - قَوْلُهُمْ: عَرَكْرَكٌ، أَيْ غَلِيظٌ شَدِيدٌ صَبُورٌ. قَالَ:
لَا تَشْهَدِ الْوِرْدَ بِكُلِّ حَائِرِ ... إِلَّا بِفَعْمِ الْمَنْكِبَيْنِ حَادِرِ
عَرَكْرَكٍ يَمْلَأُ عَيْنَ النَّاظِرِ
وَيُقَالُ: رَجُلٌ عَرِكٌ: حِلْسٌ لَا يَبْرَحُ الْقِتَالَ. وَعَرِيكَةُ الْبَعِيرِ: سَنَامُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِمْلَ يَعْرُكُهُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
خِفَافُ الْخُطَى مُطْلَنْفِئَاتُ الْعَرَائِكِ
مُطْلَنْفِئَةٌ: لَاصِقَةٌ بِالْأَرْضِ. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عَرُوكٌ، مِثْلُ اللَّمُوسِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا وَبَرٌ فَلَا يُرَى طَرْقُهَا تَحْتَ الْوَبَرِ حَتَّى يُلْمَسَ. وَعَرَكْتُ الشَّاةَ أَيْضًا، إِذَا جَسَسْتُهَا. قَالَ: وَلَا تَكُونُ الْمَرَّةُ وَالْمَرَّتَانِ عَرَكًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا

(4/290)


بُولِغَ فِي الْجَسِّ. وَتَقُولُ: لَقِيتُهُ عَرَكَاتٍ، أَيْ مَرَّاتٍ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّمْثِيلِ بِعَرَكَاتِ الْجَسِّ.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَرْكُ: عَرَكُ الْمِرْفَقِ الْجَنْبَ، مِنَ الضَّاغِطِ يَكُونُ بِالْبَعِيرِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
قَلِيلُ الْعَرْكِ يَهْجُو مَرْفِقَاهَا
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: هُوَ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: فُلَانٌ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا إِبَاءٍ، وَكَانَ سَلِسًا. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرِيكَةُ: شِدَّةُ النَّفْسِ. قَالَ:
خَرَّجَهَا صَوَارِمُ كُلِّ يَوْمٍ ... فَقَدْ جَعَلَتْ عَرَائِكُهَا تَلِينُ
خَرَّجَهَا: هَذَّبَهَا وَأَدَّبَهَا كَمَا يَتَخَرَّجُ الْإِنْسَانُ، وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ عَرِيكَةِ السَّنَامِ.
فَأَمَّا الْمَلَّاحُونَ فَهُمُ الْعَرَكُ، يُقَالُ عَرَكِيٌّ لِلْوَاحِدِ وَعَرَكٌ لِلْجَمْعِ، مَثَلُ عَرَبِيٍّ وَعَرَبٌ. قَالَ زُهَيْرٌ:
يَغْشَى الْحُدَاةُ بِهِمْ وَعْثَ الْكَثِيبِ كَمَا ... يُغْشِي السَّفَائِنَ مَوْجَ اللَّجَّةِ الْعَرَكُ
وَإِنَّمَا سُمُّوا عَرَكًا لِمُعَارَكَتِهِمُ الْمَاءَ وَالسُّفُنَ.

(4/291)


وَيُقَالُ: أَرْضٌ مَعْرُوكَةٌ، إِذَا عَرَكَتْهَا السَّائِمَةُ وَأَكَلَتْ نَبَاتَهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِرَاكُ فِي الْوِرْدِ. وَيُقَالُ مَاءٌ مَعْرُوكٌ، أَيْ مُزْدَحَمٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْمُورِدَ إِذَا أَوْرَدَ إِبِلَهُ أَجْمَعَ تَزَاحَمَتْ وَتَعَارَكَتْ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَأَوْرَدَهَا الْعِرَاكَ وَلَمْ يَذُدْهَا ... وَلَمْ يُشْفِقُ عَلَى نَغَصِ الدِّخَالِ
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " عَارِكْ بِجَذَعٍ أَوْ دَعْ ".
فَأَمَّا الْعَارِكُ فَإِنَّهَا الْحَائِضُ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيَاسِهِ أَنْ تَكُونَ مُعَانِيَةً، لِمَا تُعَانِيهِ مِنْ نِفَاسِهَا وَدَمِهَا، وَكَأَنَّهَا تُعَارِكُ شَيْئًا. يُقَالُ امْرَأَةٌ عَارِكٌ وَنِسَاءٌ عُوَارِكٌ. قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
لَنْ تَغْسِلُوا أَبَدًا عَارًا أَظَلَّكُمُ ... غَسْلَ الْعَوَارِكِ حَيْضًا بَعْدَ إِطْهَارِ
يُقَالُ مِنْهُ: عَرَكَتْ تَعْرُكُ عَرْكًا وَعِرَاكًا فَهِيَ عَارِكٌ.

(عَرَمَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَحِدَّةٍ. يُقَالُ: عَرُمَ الْإِنْسَانُ يَعْرُمُ عَرَامَةً، وَهُوَ عَارِمٌ. قَالَ:
إِنِّي امْرُؤٌ يَذُبُّ عَنْ مَحَارِمِي ... بَسْطَةُ كَفٍّ وَلِسَانٍ عَارِمِ
وَفِيهِ عُرَامٌ، إِذَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ. وَعُرَامُ الْجَيْشِ: شِرَّتُهُ وَحَدُّهُ وَكَثْرَتُهُ. قَالَ:

(4/292)


وَلَيْلَةِ هَوْلٍ قَدْ سَرَيْتُ وَفِتْيَةٍ ... هَدَيْتُ وَجَمْعٍ ذِي عُرَامٍ مُلَادِسِ
وَلِذَلِكَ يُقَالُ جَيْشٌ عَرَمْرَمٌ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا تَفْخِيمَ أَمْرٍ زَادُوا فِي حُرُوفِهِ. وَالْعَرَمْرَمُ مِنْ عَرَمَ وَعَرَرَ. قَالَ:
أَدَارَا بِأَجْمَادِ النَّعَامِ عَهِدْتُهَا بِهَا ... نَعَمًا حَوْمًا وَعِزًّا عَرَمْرَمًا
وَأَمَّا سَيْلُ الْعَرِمِ فَيُقَالُ: الْعَرِمَةُ: السِّكْرُ، وَجَمْعُهَا عَرِمٌ. وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ إِذَا سُكِرَ كَانَ لَهُ عُرَامٌ مِنْ كَثْرَتِهِ. وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ الْعَرِمَةُ الْكُدْسُ الْمَدُوسُ الَّذِي لَمْ يُذَرَّ، يُجْعَلُ كَهَيْئَةِ الْأَزَجِ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَلِأَنَّهُ مُتَكَاثِفٌ كَثِيرٌ، كَالْمَاءِ ذِي الْعُرَامِ. فَأَمَّا الْعُرْمَةُ فَالْبَيَاضُ يَكُونُ بِمَرَمَّةِ الشَّاةِ، يُقَالُ شَاةٌ عَرْمَاءُ - وَهَذَا شَاذٌّ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ - وَأَفْعَى عَرْمَاءُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّ الرَّاءَ بَدَلٌ مِنْ لَامٍ، كَأَنَّهَا عَلْمَاءُ. وَذَلِكَ يَكُونُ الْبَيَاضُ كَعَلَامَةٍ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ. قَالَ:
أَبَا مَعْقِلٍ لَا تُوَاطِئَنْكَ بَغَاضَتِي ... رُءُوسَ الْأَفَاعِي فِي مَرَاصِدِهَا الْعُرْمِ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَرِمَ: الْجُرَذُ الذَّكَرُ فَمِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ.

(4/293)


(عَرَنَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى ثَبَاتٍ وَإِثْبَاتِ شَيْءٍ، كَالشَّيْءِ الْمُرَكَّبِ. مِنْ ذَلِكَ الْعِرْنِينُ، وَهُوَ الْأَنْفُ، وَالْجَمْعُ عَرَانِينُ سُمِّيَ بِذَلِكَ كَأَنَّهُ عُرِنَ عَلَى الْأَنْفِ، أَيْ رُكِّبَ. وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ عَرِينٌ، لِأَنَّهُ مُثَبَّتٌ مُرَكَّبٌ عَلَى الْجِسْمِ. قَالَ:
مُوَشَّمَةُ الْأَطْرَافِ رَخْصٌ عَرِينُهَا
وَقَالَ فِي الْعِرْنِينِ:
تَثْنِي الْخِمَارَ عَلَى عِرْنِينِ أَرْنَبَةٍ ... شَمَّاءَ مَارِنُهَا بِالْمِسْكِ مَرْثُومُ
وَمِنَ الْبَابِ الْعِرَانُ، وَهِيَ خَشَبَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. وَقَالَ:
وَإِنْ تُظْهِرْ حَدِيثَكَ يُؤْتَ غَدْوًا ... بِرَأْسِكَ فِي زِنَاقٍ أَوْ عِرَانِ
وَمِنَ الْبَابِ الْعَرِينُ: مَأْوَى الْأَسَدِ ; لِأَنَّهُ مَكَانُهُ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ. وَقَالَ:
أَحَمُّ سَرَاةِ أَعْلَى اللَّوْنِ مِنْهُ ... كَلَوْنِ سَرَاةِ ثُعْبَانِ الْعَرِينِ
وَرُمْحٌ مُعَرَّنٌ: قَدْ سُمِّرَ سِنَانُهُ فِيهِ. وَقَالَ:
مَصَانِعُ فَخْرٍ لَيْسَ بِالطِّينِ شُيِّدَتْ ... وَلَكِنْ بِطَعْنِ السَّمْهَرِيِّ الْمُعَرَّنِ
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِلشَّدِيدِ الصِّرِّيعِ: هُوَ عِرْنَةٌ لَا يُطَاقُ، أَيِ إِنَّهُ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ.

(4/294)


(عَرَوَى) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ مُتَبَايِنَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى ثَبَاتٍ وَمُلَازِمَةٍ وَغِشْيَانٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ وَمُفَارَقَةٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: عَرَاهُ أَمْرٌ، إِذَا غَشِيَهُ وَأَصَابَهُ ; وَعَرَاهُ الْبَرْدُ. وَيَقُولُونَ: " إِذَا طَلَعَ السِّمَاكُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْرُوكَ مَا عَنَاكَ، مِنَ الْبَرْدِ الَّذِي يَغْشَاكَ ". وَعَرَاهُ الْهَمُّ وَاعْتَرَاهُ. وَالْعُرَوَاءُ: قِرَّةٌ تَأْخُذُ الْمَحْمُومَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْكُوزِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ عُرًى. وَعَرَّيْتُ الشَّيْءَ: اتَّخَذْتُ لَهُ عُرْوَةً. قَالَ لَبِيدٌ:
فَخْمَةٌ ذَفْرَاءُ تُرْتَى بِالْعُرَى قُرْدُمَانِيًّا وَتَرْكًا كَالْبَصَلْ
وَقَالَ آخَرُ: " وَاللَّهِ لَوْ عَرَّيْتَ فِي عِلْبَاوَيَّ مَا خَضَعْتُ لَكَ "، أَيْ لَوْ جَعَلْتَ فِيهِمَا عُرْوَتَيْنِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُرْوَةً لِأَنَّهَا تُمْسَكُ وَتَلْزَمُهَا الْإِصْبَعُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعُرْوَةُ، وَهُوَ مِنَ النَّبَاتِ شَجَرٌ تَبْقَى لَهُ خُضْرَةٌ فِي الشِّتَاءِ، تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبِلُ حَتَّى يُدْرِكَ الرَّبِيعُ، فَهِيَ الْعُرْوَةُ وَالْعُلْقَةُ، وَقَالَ مُهَلْهَلٌ:
قَتَلَ الْمُلُوكَ وَسَارَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... شَجَرُ الْعُرَى وَعَرَاعِرُ الْأَقْوَامِ

(4/295)


وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعُرْوَةُ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعُرْوَةُ مِنَ الشَّجَرِ: مَا لَا يَسْقُطُ وَرَقُهُ. وَكُلُّ هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قِيَاسِ الْبَابِ، لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَكُونُ كَالْعُرْوَةِ وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَرُبَّمَا سَمُّوا الْعِلْقَ النَّفِيسَ عُرْوَةً، كَمَا يُسَمَّى عِلْقًا، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ عُرْوَةَ الْإِسْلَامِ: بَقِيَّتُهُ، كَقَوْلِهِمْ: بِأَرْضِ بَنِي فُلَانٍ عُرْوَةٌ، أَيْ بَقِيَّةٌ مِنْ كَلَأٍ. وَهَذَا عِنْدِي كَلَامٌ فِيهِ جَفَاءٌ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - بَاقٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا عُرَى الْإِسْلَامِ شَرَائِعُهُ الَّتِي يُتَمَسَّكُ بِهَا، كُلُّ شَرِيعَةٍ عُرْوَةٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - عِنْدَ ذِكْرِ الْإِيمَانِ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] .
فَأَمَّا الْعَرِيُّ فَهِيَ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ، وَهِيَ عَرِيَّةٌ أَيْضًا. وَسُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَعْرُو وَتَعْتَرِي، أَيْ تَغْشَى. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَهَلْ أَحْطِبَنَّ الْقَوْمَ وَهِيَ عَرِيَّةٌ ... أُصُولَ أَلَاءٍ فِي ثَرًى عَمِدٍ جَعْدِ
وَيَقُولُونَ: " أَهْلَكَ فَقَدْ أَعْرَيْتَ "، أَيْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَهَبَّتْ عَرِيًّا.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَخُلُوُّ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْعُرْيَانُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ عَرِيَ مِنَ الشَّيْءِ يَعْرَى، وَجَمْعُ عَارٍ عُرَاةٌ. قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
فَبِتْنَا عُرَاةً لَدَى مُهْرِنَا ... تُنَزِّعُ مِنْ شَفَتَيْهِ الصَّفَارَا
أَيْ مُتَجَرِّدِينَ، كَمَا [يُقَالُ] تَجَرَّدَ لِلْأَمْرِ، إِذَا جَدَّ فِيهِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ مِنَ الْعُرَوَاءِ، أَيْ كَأَنَّهُمْ يَنْتَفِضُونَ مِنَ الْبَرْدِ. وَيُقَالُ مِنَ الْأَوَّلِ: مَا أَحْسَنَ عُرْيَةَ هَذِهِ

(4/296)


الْجَارِيَةُ، أَيْ مُعَرَّاهَا وَمَا تَجَرَّدَ مِنْهَا. وَعُرْيَتُهَا: جُرْدَتُهَا. وَيُقَالُ: الْمَعَارِي: الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْوَجْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ بَادٍ أَبَدًا. قَالَ أَبُو كَبِيرٍ:
مُتَكَوِّرِينَ عَلَى الْمَعَارِي بَيْنَهُمْ ... ضَرْبٌ كَتَعْطَاطِ الْمَزَادِ الْأَثْجَلِ
وَيُقَالُ: اعْرَوْرَيْتُ الْفَرَسَ، إِذَا رَكِبْتُهُ عُرْيًا [لَيْسَ] بَيْنَ ظَهْرِهِ وَبَيْنَكَ شَيْءٌ. وَأَنْشَدَ:
وَاعْرَوْرَتِ الْعُلُطَ الْعُرْضَيَّ تَرْكُضُهُ ... أُمُّ الْفَوَارِسِ بِالدِّئْدَادِ وَالرَّبَعَهْ
وَيُقَالُ: فَرَسٌ عُرْيٌ وَرَجُلٌ عُرْيَانٌ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَرَاءُ: كُلُّ شَيْءٍ أَعْرَيْتَهُ مِنْ سُتْرَتِهِ. وَيُقَالُ: اسْتُرْ عَنِ الْعَرَاءِ. أَمَّا الْعَرَى مَقْصُورٌ فَمَا سَتَرَ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ. تَقُولُ: تَرَكْنَاهُ فِي عَرَى الْحَائِطِ. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ.
وَمِنَ الْبَابِ الثَّانِي: أَعْرَى الْقَوْمُ صَاحِبَهُمْ، إِذَا تَرَكُوهُ وَذَهَبُوا عَنْهُ.

(4/297)


وَمِنَ الْبَابِ الْعَرَاءُ: الْفَضَاءُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ مُذَكَّرٌ. تَقُولُ: انْتَهَيْنَا إِلَى عَرَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ وَاسِعٌ. وَأَعْرَاءُ الْأَرْضِ: مَا ظَهَرَ مِنْ مُتُونِهَا وَظُهُورِهَا. وَيَقُولُونَ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ: النَّجِيُّ الْعُرْيَانُ، أَيِ أَنَّهُ يُنَاجِيهَا فِي الْفِرَاشِ عُرْيَانَةً. قَالَ:
لَيْسَ النَّجِيُّ الَّذِي يَأْتِيكَ مُؤْتَزِرًا ... مِثْلَ النَّجِيِّ الَّذِي يَأْتِيكَ عُرْيَانًا
وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ الطَّوِيلِ الْقَوَائِمِ عُرْيَانٌ، وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، يُرَادُ أَنَّ قَوَائِمَهُ مُتَجَرِّدَةٌ طَوِيلَةٌ.
وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ مِنَ النَّخْلِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» فَإِنَّ قِيَاسَهُ قِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ خُلُوُّ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صُورَتِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ هِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا، وَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامِهَا، فَرَخَّصَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنَ الْمُعْرَى بِتَمْرٍ، لِمَوْضِعِ حَاجَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ نَخْلَةٌ وَسْطَ نَخْلٍ كَثِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَيُدْخِلُ رَبُّ النَّخْلَةِ إِلَى نَخْلَتِهِ فَرُبَّمَا كَانَ صَاحِبُ النَّخْلِ الْكَثِيرِ يُؤَدِّيهِ دُخُولُهُ إِلَى نَخْلِهِ، فَرُخِّصَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ صَاحِبِهَا قَبْلَ أَنْ يَجُدَّهُ بِتَمْرٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إِعْرَاءٌ، إِنَّمَا هِيَ نَخْلَةٌ

(4/298)


يَمْلِكُهَا رَبُّهَا فَكَيْفَ تُسَمَّى عَرِيَّةً. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ:
لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رُجْبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ
وَمِنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ لَهُمْ: «خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ» .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتَعْرَى النَّاسُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، إِذَا أَكَلُوا الرُّطَبَ. قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرَايَا.
فَأَمَّا الْخَلِيلُ فَرُوِيَ عَنْهُ كَلَامٌ بَعْضُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ مِنَ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ قِيَاسُ سَائِرِ الْبَابِ، وَأَنَّهُ خُلُوُّ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: النَّخْلَةُ الْعَرِيَّةُ: الَّتِي إِذَا عَرَضْتَ عَلَى الْبَيْعِ ثَمَرَهَا عَرَّيْتَ مِنْهَا نَخْلَةً، أَيْ عَزَلْتَ عَنِ الْمُسَاوَمَةِ. وَالْجَمْعُ الْعَرَايَا، وَالْفِعْلُ مِنْهُ إِعْرَاءٌ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ثَمَرُهَا لِمُحْتَاجٍ عَامَهَا ذَلِكَ.

(عَرَبَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا الْإِنَابَةُ وَالْإِفْصَاحُ، وَالْآخَرُ النَّشَاطُ وَطِيبُ النَّفْسِ، وَالثَّالِثُ فَسَادٌ فِي جِسْمٍ أَوْ عُضْوٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: أَعْرَبَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ، إِذَا بَيَّنَ وَأَوْضَحَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ 0 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «الثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا»

(4/299)


وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «يُسْتَحَبُّ حِينَ يُعْرِبُ الصَّبِيُّ أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. سَبْعَ مَرَّاتٍ» "، أَيْ حِينِ يُبِينُ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ إِعْرَابِ الْكَلَامِ. وَإِعْرَابُ الْكَلَامِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّ بِالْإِعْرَابِ يُفْرَقُ بَيْنَ الْمَعَانِي فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ، وَسَائِرِ أَبْوَابِ هَذَا النَّحْوِ مِنَ الْعِلْمِ.
فَأَمَّا الْأُمَّةُ الَّتِي تُسَمَّى الْعَرَبُ فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَتْ عَرَبًا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ لِأَنَّ لِسَانَهَا أَعْرَبُ الْأَلْسِنَةِ، وَبَيَانُهَا أَجْوَدُ الْبَيَانِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ: " «إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بَابًا وَاحِدًا، لَكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ» ". وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْعَرَبِ: مَا بِهَا عَرِيبٌ، أَيْ مَا بِهَا أَحَدٌ، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ، مَا بِهَا أَنِيسٌ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ هُمُ الصَّرِيحُ. وَالْأَعَارِيبُ: جَمَاعَةُ الْأَعْرَابِ. وَرَجُلٌ عَرَبِيٌّ. قَالَ: وَأَعْرَبَ الرَّجُلُ، إِذَا أَفَصَحَ الْقَوْلَ، وَهُوَ عَرَبَانِيُّ اللِّسَانِ: فَصِيحٌ. وَأَعْرَبَ الْفَرَسُ: خَلَصَتْ عَرَبِيَّتُهُ وَفَاتَتْهُ الْقِرْفَةُ. وَالْإِبِلُ الْعِرَابُ، هِيَ الْعَرَبِيَّةُ. وَالْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ هُمُ الَّذِينَ دَخَلُوا بَعْدُ فَاسْتَعْرَبُوا وَتَعَرَّبُوا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْمَرْأَةُ الْعَرُوبُ: الضَّحَّاكَةُ الطَّيِّبَةُ النَّفْسِ، وَهُنَّ الْعُرُبُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 36] ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هُنَّ الْمُتَحَبِّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ.

(4/300)


وَالْعَرْبُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: النَّشَاطُ. قَالَ:
وَالْخَيْلُ تَنْزِعُ عَرْبًا فِي أَعِنَّتِهَا
وَالْعَرَبُ: الْأَثَرُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ. يُقَالُ مِنْهُ: عَرِبَ يَعْرَبُ عَرَبًا.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ قَوْلُهُمْ: [عَرِبَتْ] مِعْدَتُهُ، إِذَا فَسَدَتْ، تَعْرَبُ عَرَبًا. وَيُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: امْرَأَةٌ عَرُوبٌ، أَيْ فَاسِدَةٌ. أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَنْشَدَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:
وَمَا خَلَفٌ مِنْ أُمِّ عِمْرَانَ سَلْفَعٌ ... مِنَ السُّودِ وَرْهَاءُ الْعِنَانِ عَرُوبُ
فَأَمَّا يَوْمُ الْجُمْعَةِ فَإِنَّهُ يُدْعَى الْعَرُوبَةَ، وَهُوَ اسْمٌ عِنْدَنَا مَوْضُوعٌ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقِيَاسِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ يُسَمَّى فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ الْعَرُوبَةَ. وَكِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجِئْ إِلَّا بِذِكْرِ الْجُمْعَةِ. عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أَنْشَدُوا:
يَوْمُ الْعَرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ
وَأَنْشَدُوا أَيْضًا:
يَا حُسْنَهُ عِنْدَ الْعَزِيزِ إِذَا بَدَا ... يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَاسْتَقَرَّ الْمِنْبَرُ
وَكُلُّ هَذَا عِنْدَنَا مِمَّا لَا يُعَوَّلُ عَلَى صِحَّتِهِ.

(4/301)


(عَرَتَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ. الْعَرْتُ: الدَّلْكُ. وَالرُّمْحُ الْعَرَّاتُ، مِثْلُ الْعَرَّاصِ، وَهُوَ الْمُضْطَرِبُ.

(عَرَثَ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَرْثُ: الِانْتِزَاعُ. عَرَثَهُ عَرْثًا، إِذَا انْتَزَعَهُ. وَهُوَ مِنَ الْمُجْمَلِ.

(عَرَجَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى مَيْلٍ وَمَيَلٍ، وَالْآخَرُ عَلَى عَدَدٍ، وَالْآخَرُ عَلَى سُمُوٍّ وَارْتِقَاءٍ.
فَالْأَوَّلُ: الْعَرَجُ مَصْدَرُ الْأَعْرَجِ، وَيُقَالُ مِنْهُ: عَرِجَ يَعْرَجُ عَرَجًا، إِذَا صَارَ أَعْرَجَ. وَقَالُوا: عَرِجَ يَعْرَجُ خِلْقَةً، وَعَرَجَ يَعْرُجُ إِذَا مَشَى مِشْيَةَ الْعُرْجَانُ. وَالْعَرْجَاءُ: الضَّبُعُ، وَذَلِكَ خِلْقَةٌ فِيهَا، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْعَرْجَاءُ، وَالْجَمْعُ عُرْجٌ. وَجَمْعُ الْأَعْرَجِ مِنَ النَّاسِ الْعُرْجَانُ. وَيُقَالُ لِلْغُرَابِ أَعْرَجٌ، لِأَنَّهُ إِذَا مَشَى حَجَلَ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ التَّعَرُّجُ، وَهُوَ حَبْسُ الْمَطَايَا فِي مُنَاخٍ أَوْ مَوْقِفٍ يُمِيلُهَا إِلَيْهِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يَا جَارَتَيْ بِنْتِ فَضَّاضٍ أَمَا ... لَكُمَا حَتَّى نُكَلِّمَهَا هَمٌّ بِتَعْرِيجِ
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَرَّجْتُ عَلَيْهِ، أَيْ حَبَسْتُ مَطِيَّتِي عَلَيْهِ. وَمَالِي عَلَيْهِ

(4/302)


عُرْجَةٌ وَلَا مَعْرَجَةٌ. وَيُقَالُ لِلطَّرِيقِ إِذَا مَالَ: انْعَرَجَ. وَانْعَرَجَ الْوَادِي. وَمُنْعَرَجُهُ: حَيْثُ يَمِيلُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً. وَانْعَرَجَ الْقَوْمُ عَنِ الطَّرِيقِ، إِذَا مَالُوا عَنْهُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعُرَيْجَاءَ: الْهَاجِرَةُ. وَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَنْعَرِجُ إِلَى مَكَانٍ يَقِيهِ الْحَرَّ. قَالَ:
لَكِنْ سُهَيَّةَ تَدْرِي أَنَّنِي ذَكَرٌ ... عَلَى عُرَيْجَاءَ لَمَّا ابْتَلَّتِ الْأُزُرُ
وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: أَنْ تَرِدَ الْإِبِلُ يَوْمًا غُدْوَةً وَيَوْمًا عَشِيَّةً. وَقَدْ عَرَّجْنَا مِنَ الْعُرَيْجَاءِ. وَالْعَرْجَاءُ: هَضْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
فَكَأَنَّهَا بِالْجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ ... وَأُولَاتِ ذِي الْعَرْجَاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ
وَيُقَالُ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْعَرْجَاءُ لِأَنَّ الطَّرِيقَ يَتَعَرَّجُ بِهَا. وَيُقَالُ: أَمْرٌ عَرِيجٌ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ، هُوَ مُعْوَجٌّ بَعْدُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ مِنَ الْإِبِلِ، قَالَ قَوْمٌ: ثَمَانُونَ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتِ الْمِائَةَ فَهِيَ هُنَيْدَةٌ، وَالْجَمْعُ عُرُوجٌ وَأَعْرَاجٌ. قَالَ طَرَفَةُ:
يَوْمَ تُبْدِي الْبِيضُ عَنْ أَسْوُقِهَا ... وَتَلُفُّ الْخَيْلُ أَعْرَاجَ النَّعَمْ

(4/303)


وَيُقَالُ: الْعَرْجُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ. وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ صَاحِبَ ذَلِكَ يُعَرِّجُ عَلَيْهِ وَيَكْتَفِي بِهِ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْعُرُوجُ: الِارْتِقَاءُ. يُقَالُ عَرَجَ يَعْرُجُ عُرُوجًا وَمَعْرَجًا. وَالْمَعْرَجُ: الْمَصْعَدُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] . فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
حَتَّى إِذَا مَا الشَّمْسُ هَمَّتْ بِعَرَجْ
فَقَالُوا: أَرَادَ غَيْبُوبَةَ الشَّمْسِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ غَيْرُ مُلَخَّصٍ فِي التَّفْسِيرِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا لَمَّا غَابَتْ فَكَأَنَّهَا عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ، أَيْ صَعِدَتْ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ الْآخَرِ:
وَعَرَّجَ اللَّيْلَ بُرُوجُ الشَّمْسِ
فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ.

(عَرَدَ) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى قُوَّةٍ وَاشْتِدَادٍ، وَالْآخَرُ عَلَى مَيْلٍ وَحِيَادٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَرْدُ: الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الصُّلْبُ. قَالَ:
عَرْدَ التَّرَاقِي حَشْوَرًا مُعَقْرَبَا

(4/304)


وَيُقَالُ: عَرَدَ نَابُ الْبَعِيرِ يَعْرُدُ عُرُودًا، إِذَا خَرَجَ وَاشْتَدَّ وَانْتَصَبَ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يُصَعِّدْنَ رُقْشًا بَيْنَ عُوجٍ كَأَنَّهَا ... زِجَاجُ الْقَنَا مِنْهَا نَجِيمٌ وَعَارِدُ
النَّجِيمُ: الطَّالِعُ.
وَ [أَمَّا] الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالتَّعْرِيدُ: تَرْكُ الْقَصْدِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُمْ: عَرَدَتِ الشَّجَرَةُ تَعْرُدُ عُرُودًا. قَالَ لَبِيدٌ فِي التَّعْرِيدِ:
فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادَةً ... مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا
وَقَالَ آخَرُ:
وَهَمَّتِ الْجَوْزَاءُ بِالتَّعْرِيدِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْعَرَادُ: شَجَرٌ. وَيُقَالُ الْعَرَادَةُ: الْجَرَادَةُ الْأُنْثَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(4/305)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَزَفَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الِانْصِرَافِ عَنِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْعَرَبِ: عَزَفْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا انْصَرَفْتَ عَنْهُ. وَالْعَزُوفُ: الَّذِي لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى خُلَّةِ خَلِيلٍ قَالَ:
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي عَزُوفٌ عَنِ الْهَوَى ... إِذَا صَاحِبِي فِي غَيْرِ شَيْءٍ تَغَضَّبَا
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
عَزَفْتَ بِأَعْشَاشٍ وَمَا كِدْتَ تَعْزِفُ
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْعَزِيفُ: أَصْوَاتُ الْجِنِّ. وَيُقَالُ إِنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ عَزْفُ الرِّيَاحِ، وَهُوَ صَوْتُهَا وَدَوِيُّهَا. وَقَالَ فِي عَزِيفِ الْجِنِّ:
وَإِنِّي لَأَجْتَازُ الْفَلَاةَ وَبَيْنَهَا ... عَوَازِفُ جِنَّانٍ وَهَامٌ صَوَاخِدُ
وَيُقَالُ: إِنْ أَبْرَقَ الْعَزَّافِ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِمَا يُقَالُ أَنَّ بِهِ جِنًّا. وَاشْتُقَّ مِنْ هَذَا الْعَزْفُ فِي اللَّعِبِ وَالْمَلَاهِي.

(عَزَقَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْقَافُ لَيْسَ فِيهِ كَلَامٌ أَصِيلٌ، لَكِنَّ الْخَلِيلَ

(4/306)


ذَكَرَ أَنَّ الْعَزْقَ: عِلَاجُ الشَّيْءِ فِي عَسَرٍ. وَرَجُلٌ مُتَعَزِّقٌ: فِيهِ شِدَّةُ خُلُقٍ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمِعْزَقَةَ: آلَةٌ مِنْ آلَاتِ الْحَرْثِ. وَيُنْشِدُونَ:
نُثِيرُ بِهَا نَقْعَ الْكُلَابِ وَأَنْتُمْ ... تُثِيرُونَ قِيعَانَ الْقُرَى بِالْمَعَازِقِ
وَكُلُّ هَذَا فِي الضَّعْفِ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَأَعْجَبُ مِنْهُ اللُّغَةُ الْيَمَانِيَّةُ الَّتِي يُدَلِّسُهَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الدُّرَيْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْعَزِيقَ مُطْمَئِنٌّ مِنَ الْأَرْضِ، لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ. وَلَا نَقُولُ لِأَئِمَّتِنَا إِلَّا جَمِيلًا.

(عَزَلَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَنْحِيَةٍ وَإِمَالَةٍ تَقُولُ: عَزَلَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ يَعْزِلُهُ، إِذَا نَحَّاهُ فِي جَانِبٍ. وَهُوَ بِمَعْزِلٍ وَفِي مَعْزِلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَيْ فِي نَاحِيَةٍ عَنْهُمْ. وَالْعُزْلَةُ: الِاعْتِزَالُ. وَالرَّجُلُ يَعْزِلُ عَنِ الْمَرْأَةِ، إِذَا لَمْ يُرِدْ وَلَدَهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: الْأَعْزَلُ: الَّذِي لَا رُمْحَ مَعَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَعْزَلُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ السِّلَاحِ يُقَاتِلُ بِهِ، فَهُوَ يَعْتَزِلُ الْحَرْبَ، ذَكَرَ [هُ] الْخَلِيلُ، وَأَنْشَدَ:
لَا مَعَازِيلَ فِي الْحُرُوبِ وَلَكِنْ ... كُشُفًا لَا يُرَامُونَ يَوْمَ اهْتِضَامِ
وَشُبِّهَ بِهَذَا الْكَوْكَبُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ السِّمَاكُ الْأَعْزَلُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ أَعْزَلَ لِأَنَّ ثَمَّ سِمَاكًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ الرَّامِحُ، بِكَوْكَبٍ يَقْدُمُهُ يَقُولُونَ هُوَ رُمْحُهُ. فَهَذَا سُمِّيَ

(4/307)


لِذَلِكَ أَعْزَلُ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمِعْزَالَ مِنَ النَّاسِ: [الَّذِي] لَا يَنْزِلُ مَعَ الْقَوْمِ فِي السَّفَرِ وَلَكِنْ يَنْزِلُ نَاحِيَةً. قَالَ الْأَعْشَى:
تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُلْوِي ... بِلَبُونِ الْمِعْزَابَةِ الْمِعْزَالِ
وَالْأَعْزَلُ مِنَ الدَّوَابِّ: الَّذِي يَمِيلُ ذَنَبُهُ إِلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ. فَأَمَّا الْعَزْلَاءُ فَفَمُ الْمَزَادَةِ. وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى بُعْدٍ، وَهُوَ إِلَى الشُّذُوذِ أَقْرَبُ. وَيُقَالُ: أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، إِذَا جَاءَتْ بِمُنْهَمِرٍ مِنَ الْمَطَرِ. وَأَنْشَدَ:
تَهْمِرُهَا الْكَفُّ عَلَى انْطِوَائِهَا ... هَمْرَ شَعِيبِ الْغَرْفِ مِنْ عَزْلَائِهَا

(عَزَمَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الصَّرِيمَةِ وَالْقَطْعِ. يُقَالُ: عَزَمْتُ أَعْزِمُ عَزْمًا. وَيَقُولُونَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا فَعَلْتَ كَذَا، أَيْ جَعَلْتَهُ أَمْرًا عَزْمًا، أَيْ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ. وَيُقَالُ: كَانُوا يَرَوْنَ لِعَزْمَةِ الْخُلَفَاءِ طَاعَةً. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَزْمُ: مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ مِنْ أَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ، أَيْ مُتَيَقِّنُهُ. وَيُقَالُ: مَا لِفُلَانٍ عَزِيمَةٌ، أَيْ مَا يَعْزِمُ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْرِمَ الْأَمْرَ، بَلْ يَخْتَلِطُ فِيهِ وَيَتَرَدَّدُ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: عَزَمْتُ عَلَى الْجِنِّيِّ، وَذَلِكَ أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ مِنْ عَزَائِمِ الْقُرْآنِ،

(4/308)


وَهِيَ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْجَى بِهَا قَطْعُ الْآفَةِ عَنِ الْمَؤُوفِ. وَاعْتَزَمَ السَّائِرُ، إِذَا سَلَكَ الْقَصْدَ قَاطِعًا لَهُ. وَالرَّجُلُ يَعْزِمُ الطَّرِيقَ: يَمْضِي فِيهِ لَا يَنْثَنِي. قَالَ حُمَيْدٌ:
مُعْتَزِمًا لِلطُّرُقِ النَّوَاشِطِ
وَأُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -: الَّذِينَ قَطَعُوا الْعَلَائِقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الَّذِينَ بُعِثُوا إِلَيْهِمْ، كَنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إِذْ قَالَ: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] ، وَكَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - إِذْ تَبَرَّأَ مِنَ الْكُفَّارِ وَبَرَّأَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُمْ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .

(عَزَوَى) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الِانْتِمَاءِ وَالِاتِّصَالِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الِاعْتِزَاءُ: الِاتِّصَالُ فِي الدَّعْوَى إِذَا كَانَتْ حَرْبٌ، فَكُلُّ مَنِ ادَّعَى فِي شِعَارِهِ فَقَدِ اعْتَزَى، إِذْ قَالَ أَنَا فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ فَقَدِ اعْتَزَى إِلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ» ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ يَا لَفُلَانٍ. قَالَ:
فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسَانُنَا وَرِجَالُهُمْ ... دَعَوْا يَا لَكَعْبٍ وَاعْتَزَيْنَا لِعَامِرِ

(4/309)


وَقَالَ آخَرُ:
فَكَيْفَ وَأَصْلِي مِنْ تَمِيمٍ وَفَرْعُهَا ... إِلَى أَصْلِ فَرْعِي وَاعْتِزَائِي اعْتِزَاؤُهَا
فَهَذَا الْأَصْلُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: عَزِيَ الرَّجُلُ يَعْزَى عَزَاءً، وَإِنَّهُ لَعَزِيٌّ أَيْ صَبُورٌ، إِذَا كَانَ حَسَنَ الْعَزَاءِ عَلَى الْمَصَائِبِ، فَهَذَا مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ مَعْنَى التَّعَزِّي هُوَ أَنْ يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ فَيَقُولُ: " حَالِي مِثْلُ حَالِ فُلَانٍ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: تَأَسَّى، أَيْ جَعَلَ أَمْرَهُ أُسْوَةَ أَمْرِ غَيْرِهِ. فَكَذَلِكَ التَّعَزِّي. وَقَوْلُكَ عَزَّيْتُهُ، أَيْ قُلْتُ لَهُ انْظُرْ إِلَى غَيْرِكَ وَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَكَ. وَالْأَصْلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(عَزَبَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَبَاعُدٍ وَتَنَحٍّ. يُقَالُ: عَزَبَ يَعْزُبُ عُزُوبًا. وَالْعَزَبُ: الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ. وَقَدْ عَزَبَ يَعْزُبُ عُزُوبَةً. قَالَ الْعَجَّاجُ فِي وَصْفِ حِمَارِ الْوَحْشِ:
شَهْرًا وَشَهْرَيْنِ يَسُنُّ عَزَبَا
وَقَالُوا: وَالْمِعْزَابَةُ: الَّذِي طَالَتْ عُزْبَتُهُ حَتَّى مَا لَهُ فِي الْأَهْلِ مِنْ حَاجَةٍ. يُقَالُ: عَزَبَ حِلْمُ فُلَانٍ، أَيْ ذَهَبَ، وَأَعْزَبَ اللَّهُ حِلْمَهُ، أَيْ أَذْهَبَهُ. قَالَ الْأَعْشَى:
فَأَعْزَبْتُ حِلْمِي بَلْ هُوَ الْيَوْمَ أَعْزَبَا
وَالْعَازِبُ مِنَ الْكَلَأِ: الْبَعِيدُ الْمَطْلَبِ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
وَعَازِبٍ نَوَّرَ فِي خِلَائِهِ

(4/310)


وَكُلُّ شَيْءٍ يَفُوتُكَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَدْ عَزَبَ عَنْكَ. وَأَعْزَبَ الْقَوْمُ: أَصَابُوا عَازِبًا مِنَ الْكَلَأِ.

(عَزَرَ) الْعَيْنُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا التَّعْظِيمُ وَالنَّصْرُ، وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى جِنْسٌ مِنَ الضَّرْبِ.
فَالْأُولَى النَّصْرُ وَالتَّوْقِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] .
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ التَّعْزِيرُ، وَهُوَ الضَّرْبُ دُونَ الْحَدِّ. قَالَ:
وَلَيْسَ بِتَعْزِيرِ الْأَمِيرِ خَزَايَةٌ ... عَلَيَّ إِذَا مَا كُنْتُ غَيْرَ مُرِيبِ

[بَابُ الْعَيْنِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَسَفَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْفَاءُ كَلِمَاتٌ تَتَقَارَبُ لَيْسَتْ تَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ إِنَّمَا هِيَ كَالْحَيْرَةِ وَقِلَّةِ الْبَصِيرَةِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَسْفُ: رُكُوبُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ، وَرُكُوبُ مَفَازَةٍ بِغَيْرِ قَصْدٍ. وَمِنْهُ التَّعَسُّفُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَدْ أَعْسِفُ النَّازِحَ الْمَجْهُولَ مَعْسِفُهُ ... فِي ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هَامَهُ الْبُومُ
وَالْعَسِيفُ: الْأَجِيرُ ; وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ رُكُوبَهُ فِي الْأُمُورِ فِيمَا يُعَانِيهِ مُخَالِفٌ لِصَاحِبِ الْأُمُورِ. وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ:

(4/311)


كَالْعَسِيفِ الْمَرْبُوعِ شَلَّ جِمَالًا ... مَا لَهُ دُونَ مَنْزِلٍ مِنْ مَبِيتِ
وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى الْمَعْنَى، وَأَرَى أَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ بِالصَّحِيحِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ قَتْلِ الْعُسَفَاءِ» ، وَهُمُ الْأُجَرَاءُ. وَحَدِيثٌ آخَرُ: " «إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا» ". وَيُقَالُ: إِنَّ الْبَعِيرَ الْعَاسِفَ هُوَ الَّذِي بِالْمَوْتِ، وَهُوَ كَالنَّزْعِ فِي الْإِنْسَانِ. وَمِمَّا دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي أَمْرِ الْعَسِيفِ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ: الْعَسِيفُ: الْمَمْلُوكُ الْمُسْتَهَانُ بِهِ الَّذِي اعْتُسِفَ لِيَخْدِمَ، أَيْ قُهِرَ. وَأَنْشَدَ:
أَطَعْتُ النَّفْسَ فِي الشَّهَوَاتِ ... حَتَّى أَعَادَتْنِي عَسِيفًا عَبْدَ عَبْدٍ
وَعُسْفَانُ: مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ يَقُولُ فِيهِ عَنْتَرَةُ:
كَأَنَّهَا حِينَ صَدَّتْ مَا تُكَلِّمُنَا ... ظَبِيٌ بِعُسْفَانَ سَاجِي الطَّرْفِ مَطْرُوفُ

(عَسَقَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لُصُوقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَسَقُ: لُصُوقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ. يُقَالُ: عَسَقَ بِهِ عَسَقًا. وَعَسِقَتِ النَّاقَةُ بِالْفَحْلِ، أَيْ أَرَبَّتْ بِهِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
فَعَفَّ عَنْ أَسْرَارِهَا بَعْدَ الْعَسَقْ ... وَلَمْ يُضِعْهَا بَيْنَ فِرْكٍ وَعَشَقْ
وَمِنَ الْبَابِ: فِي خُلُقِهِ عَسَقٌ، أَيِ الْتِوَاءٌ وَضِيقُ خُلُقٍ. وَيُقَالُ: " عَسِقَ بِامْرِئٍ جُعَلُهُ ".

(4/312)


(عَسَكَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْكَافُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ عَسِكَ بِهِ، إِذَا لَزِمَهُ، مِثْلُ سَدِكَ بِهِ. وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ:
إِذَا شَرَكُ الطَّرِيقِ تَجَشَّمَتْهُ ... عَسِكْنَ بِجَنْبِهِ حَذَرَ الْإِكَامِ

(عَسَلَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ، الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلَانِ، وَبَعْدَهُمَا كَلِمَاتٌ إِنْ صَحَّتْ. فَالْأَوَّلُ [مِنَ] الْأَصْلَيْنِ دَالٌّ عَلَى الِاضْطِرَابِ، وَالثَّانِي طَعَامٌ حُلْوٌ، وَيُشْتَقُّ مِنْهُ. فَالطَّعَامُ الْعَسَلُ، مَعْرُوفٌ. وَالْعَسَّالَةُ: الَّتِي يَتَّخِذُ فِيهَا النَّحْلُ الْعَسَلَ. وَالْعَاسِلُ: صَاحِبُ الْعَسَلِ الَّذِي يَشْتَارَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ يَسْتَخْرِجُهُ. وَقَالَ:
وَأَرْيِ دُبُورٍ شَارَهُ النَّحْلَ عَاسِلُ
وَعَسَّلَ النَّحْلُ تَعْسِيلًا. وَفِي تَأْنِيثِ الْعَسَلِ قَالَ:
بِهَا عَسَلٌ طَابَتْ يَدَا مَنْ يَشُورُهَا
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْعُسَيْلَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا وَتَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ» إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ. وَيُقَالُ خَلِيَّةٌ عَاسِلَةٌ، وَجِنْحٌ عَاسِلٌ، أَيْ كَثِيرُ الْعَسَلِ. وَالْجِنْحُ: شِقٌّ فِي الْجَبَلِ. وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:

(4/313)


تَنَمَّى بِهَا الْيَعْسُوبُ حَتَّى أَقَرَّهَا ... إِلَى مَأْلَفٍ رَحْبِ الْمَبَاءَةِ عَاسِلِ
وَيُقَالُ لِلَّذِي يَشْتَارُهُ: عَاسِلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» ، وَهُوَ مِنْ هَذَا، وَمَعْنَاهُ طَيَّبَ ذِكْرَهُ وَحَلَّاهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بِالصَّالِحِ مِنَ الْعَمَلِ. مِنْ قَوْلِكَ عَسَلْتُ الطَّعَامَ، أَيْ جَعَلْتُ فِيهِ عَسَلًا. وَفُلَانٌ مَعْسُولُ الْخُلُقِ، أَيْ طَيِّبُهُ. وَعَسَلْتُ فُلَانًا: جَعَلْتُ زَادَهُ الْعَسَلَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: " فُلَانٌ مَا يُعْرَفُ لَهُ مَضْرِبُ عَسَلَةٍ "، أَيْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ. وَمِثْلُهُ " لَا يُعْرَفُ لَهُ مَنْبِضُ عَسَلَةٍ ".
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْعَسَلَانُ، وَهُوَ شِدَّةُ اهْتِزَازِ الرُّمْحِ إِذَا هَزَزْتَهُ. يُقَالُ: عَسَلَ يَعْسِلُ عَسَلَانًا، كَمَا يَعْسِلُ الذِّئْبُ، إِذَا مَضَى مُسْرِعًا. وَالذِّئْبُ عَاسِلٌ، وَالْجَمْعُ عُسَّلٌ وَعَوَاسِلُ. وَيُقَالُ رُمْحٌ عَسَّالٌ. وَقَالَ:
كُلُّ عَسَّالٍ إِذَا هُزَّ عَسَلْ
وَقَالَ فِي الذِّئْبِ:
عَسَلَانَ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِبًا ... بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
وَعَسَلَ الْمَاءُ، إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ فَاضْطَرَبَ. وَأَنْشَدَ:
حَوْضًا كَأَنَّ مَاءَهُ إِذَا عَسَلْ
وَالدَّلِيلُ يَعْسِلُ فِي الْمَفَازَةِ، إِذَا أَسْرَعَ. وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
عَسَلْتُ بُعَيْدَ النَّوْمِ حَتَّى تَقَطَّعَتْ ... نَفَانِفُهَا وَاللَّيْلُ بِالْقَوْمِ مُسْدِفُ

(4/314)


وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ فَرَسٌ عَاسِلٌ، إِذَا اضْطَرَبَتْ مَعْرَفَتُهُ فِي سَيْرِهِ، وَخَفَقَ رَأْسُهُ وَاطَّرَدَ مَتْنُهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ غَيْرُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَمِمَّا قَالَهُ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ، بَلْ إِلَى الْبُطْلَانِ أَقْرَبُ: الْعَسِيلُ: قَضِيبُ الْفِيلِ. وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَسِيلَ مِكْنَسَةُ الْعَطَّارِ يَكْسَحُ بِهَا الطِّيبَ. وَيُنْشِدُونَ:
كَنَاحِتٍ يَوْمًا صَخْرَةً بِعَسِيلِ

(عَسَمَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ وَيُبْسٍ فِي عُضْوٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: الْعَسَمُ: يُبْسٌ فِي الْمِرْفَقِ تَعْوَجُّ مِنْهُ الْيَدُ. يُقَالُ: عَسِمَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَعْسَمُ، وَالْمَرْأَةُ عَسْمَاءُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فِي الْكَفِّ وَالْقَدَمِ الْعَسَمُ، وَهُوَ أَنْ يَيْبَسَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ حَتَّى تَعْوَجَّ الْكَفُّ أَوِ الْقَدَمُ. قَالَ:
فِي
مَنْكِبَيْهِ وَفِي الْأَصْلَابِ وَاهِنَةٌ ... وَفِي مَفَاصِلِهِ غَمْزٌ مِنَ الْعَسَمِ
قَالَ الْكِلَابِيُّ: الْعَسْمَاءُ الَّتِي فِيهَا انْقِلَابٌ وَيُبْسٌ. وَيَقُولُونَ: الْعُسُومُ: كِسَرُ: الْخُبْزُ. وَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ، وَنُرَاهِ غَلَطًا. وَهَذَا فِي بَابِ الشِّينِ أَصَحُّ، وَقَدْ ذُكِرَ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَسَمَ، إِذَا طَمِعَ فِي الشَّيْءِ. وَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الطَّامِعَ فِي الشَّيْءِ يَمِيلُ إِلَيْهِ وَيَشْتَدُّ طَلَبُهُ لَهُ. وَيُقَالُ عَسَمَ يَعْسِمُ، وَهُوَ مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَكْسِبُهُ إِلَّا بَعْدَ الْمَيْلِ إِلَيْهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالرَّجُلُ يَعْسِمُ فِي جَمَاعَةٍ

(4/315)


النَّاسُ فِي الْحَرْبِ: يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَيَرْمِي بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ. تَقُولُ: عَسَمَ بِنَفْسِهِ، أَيِ اقْتَحَمَ.

(عَسَنَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سِمَنٍ وَمَا قَارَبَهُ وَأَشْبَهَهُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَسْنُ: نُجُوعُ الْعَلَفِ وَالرَّعْيِ فِي الدَّوَابِّ: يُقَالُ: عَسَنَتِ الْإِبِلُ عَسْنًا. وَنَاسٌ يَقُولُونَ: عَسِنَتْ عَسَنًا. وَيُقَالُ إِنَّ الْعُسُنَ: الشَّحْمُ الْقَدِيمُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا بَقِيَتْ مِنْ شَحْمِ الدَّابَّةِ بَقِيَّةٌ فَذَلِكَ الْعُسُنُ. وَيُقَالُ: بَعِيرٌ حَسَنُ الْإِعْسَانِ. وَأَعْسَنَتِ الْإِبِلُ عَلَى شَحْمٍ مُتَقَدِّمٍ كَانَ بِهَا. قَالَ النَّمِرُ:
وَمُدَفَّعٍ ذِي فَرْوَتَيْنِ هَنَأْتُهُ ... إِذْ لَا تَرَى فِي الْمُعْسِنَاتِ صِرَارًا
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: تَعَسَّنَ أَبَاهُ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْهَمْزُ، وَقَدْ ذُكِرَ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عِسْنُ مَالٍ، إِذَا كَانَ حَسَنَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّ الْأَصْلَ عَسَلَ، وَقَدْ ذُكِرَ.

(عَسَوَيَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ وَاشْتِدَادٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: عَسَا الشَّيْءُ يَعْسُو، إِذَا اشْتَدَّ. قَالَ:
عَنْ صَامِلٍ عَاسٍ إِذَا مَا اصْلَخْمَمَا
فَالْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْبَيْتِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى فِي الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ.
وَمِنَ الْبَابِ: شَيْخٌ عَاسٍ، [عَسَا] يَعْسُو وَعَسِيَ يَعْسَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ

(4/316)


يَكْثُفُ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ بَشَرَتِهِ لَطِيفًا. وَرُبَّمَا اتَّسَعُوا فِي هَذَا حَتَّى يَقُولُوا: عَسَا اللَّيْلُ، إِذَا اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ، وَهُوَ بِالْغَيْنِ أَشْهَرُ، أَعْنِي فِي اللَّيْلِ. وَيُقَالُ: عَسَا النَّبَاتُ، إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ. وَقَالَ فِي صِفَةِ الشَّيْخِ:
أَشْعَثُ ضَرْبٌ قَدْ عَسَا أَوْ قَوَّسَا
فَأَمَّا عَسَى فَكَلِمَةُ تَرَجٍّ، تَقُولُ: عَسَى يَكُونُ كَذَا. وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى قُرْبٍ وَإِمْكَانٍ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: عَسَى مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاجِبٌ، فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] .

(عَسَبَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ كَلِمَاتٌ ثَلَاثٌ مُتَفَرِّدَةٌ بِمَعْنَاهَا، لَا يَكَادُ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَالْأُولَى: طَرْقُ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ عَسِيبُ الذَّنَبِ، وَالثَّالِثَةُ نَوْعٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَطِيرُ.
فَالْأَوَّلُ الْعَسْبُ، قَالُوا: هُوَ طَرْقُ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سُمِّيَ الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى الْعَسْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» . فَالْعَسْبُ: الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى الْعَسْبِ، سَمِّي بِاسْمِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَلَوْلَا عَسْبُهُ لَرَدَدْتُمُوهُ ... وَشَرُّ مَنِيحَةٍ فَحْلٌ مُعَارُ
وَمِنْهُ قَوْلُ كَثِيرٍ:
يُغَادِرْنَ عَسْبَ الْوَالِقِيِّ وَنَاصِحٍ ... تَخُصُّ بِهِ أُمُّ الطَّرِيقِ عِيَالَهَا
يَصِفُ خَيْلًا وَأَنَّهَا أَزْلَقَتْ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا تَعَبًا.

(4/317)


وَالْآخَرُ عَسِيبُ الذَّنَبِ، وَهُوَ الْعَظْمُ فِيهِ مَنْبِتُ الشَّعَرِ. وَشُبِّهَ [بِهِ] عَسِيبُ النَّخْلَةِ. وَهِيَ الْجَرِيدَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ. تَشَابَهَا مِنْ طَرِيقَةِ الِامْتِدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ. يُقَالُ عَسِيبٌ وَأَعْسِبَةٌ وَعُسُبٌ. قَالَ:
يَسْتَلُّهَا جَدْوَلٌ كَالسَّيْفِ مُنْصَلِتٌ ... بَيْنَ الْأَشَاءِ تَسَامَى حَوْلَهُ الْعُسُبُ
وَعَسِيبُ الرِّيشَةِ مُشَبَّهٌ بِعَسِيبِ النَّخْلَةِ.
وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ: الْيَعْسُوبُ، يَعْسُوبُ النَّحْلِ مَلِكُهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
تَنَمَّى بِهَا الْيَعْسُوبُ حَتَّى أَقَرَّهَا ... إِلَى مَأْلَفٍ رَحْبِ الْمَبَاءَةِ عَاسِلِ
وَالْجَمْعُ يَعَاسِيبُ. قَالَ:
زُرْقًا أَسِنَّتُهَا حُمْرًا مُثَقَّفَةً ... أَطْرَافُهُنَّ مَقِيلٌ لِلْيَعَاسِيبِ
وَزَعَمُوا أَنَّ الْيَعْسُوبَ: ضَرْبٌ مِنَ الْحَجَلِ أَيْضًا، وَضَرْبٌ مِنَ الْجَرَادِ. وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَسِيبٌ: اسْمُ جَبَلٍ، يَقُولُ فِيهِ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَجَارَتَنَا إِنَّ الْمَزَارَ قَرِيبُ ... وَإِنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبُ

(4/318)


(عَسَجَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْجِيمُ. كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ يُقَالُ إِنَّ الْعَسْجَ مَدُّ الْعُنُقِ فِي الْمَشْيِ. قَالَ جَمِيلٌ:
عَسَجْنَ بِأَعْنَاقِ الظِّبَاءِ وَأَعْيُنِ الْ ... جَآذِرِ وَارْتَجَّتْ لَهُنَّ الرَّوَادِفُ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَالْعِيسُ مِنْ عَاسِجٍ أَوْ وَاسِجٍ خَبَبًا ... يُنْحَزْنَ فِي جَانِبَيْهَا وَهِيَ تَنْسَلِبُ

(عَسَدَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُعَوَّلُ عَلَى صِحَّتِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: عَسَدَ، إِذَا جَامَعَ. وَيَقُولُونَ الْعِسْوَدَّةُ: دُوَيْبَّةٌ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

(عَسَرَ) الْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى صُعُوبَةٍ وَشِدَّةٍ. فَالْعُسْرُ: نَقِيضُ الْيُسْرِ. وَالْإِقْلَالُ أَيْضًا عُسْرَةٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ ضَيِّقٌ عَلَيْهِ شَدِيدٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وَالْعَسَرُ: الْخِلَافُ وَالِالْتِوَاءُ. وَيُقَالُ: أَمْرٌ عَسِرٌ وَعَسِيرٌ. وَيَوْمٌ عَسِيرٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: رَجُلٌ عَسِرٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
بِشْرٌ أَبُو مَرْوَانَ إِنْ عَاسَرْتَهُ ... عَسِرٌ وَعِنْدَ يَسَارِهِ مَيْسُورُ
وَيَقُولُونَ: عَسُرَ الْأَمْرُ عُسْرًا وَعَسَرًا أَيْضًا. وَقَالُوا: " عَلَيْكَ بِالْمَيْسُورِ وَاتْرُكْ مَا عَسِرَ ". وَأَعْسَرَ الرَّجُلُ، إِذَا صَارَ مِنْ مَيْسَرَةٍ إِلَى عُسْرَةٍ. وَعَسَرْتُهُ أَنَا أَعْسِرُهُ، إِذَا طَالَبْتَهُ بِدَيْنِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَلَمْ تُنْظِرْهُ إِلَى مَيْسَرَتِهِ. وَيُقَالُ: عَسَّرْتُ

(4/319)


عَلَيْهِ تَعْسِيرًا، إِذَا خَالَفْتَهُ. وَالْعُسْرَى: خِلَافُ الْيُسْرَى، وَتَعَسَّرَ الْأَمْرُ: الْتَوَى. وَيُقَالُ لِلْغَزْلِ إِذَا الْتَبَسَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ: قَدْ تَعَسَّرَ. وَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي خَالِدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: تَعَسَّرَ الْأَمْرُ بِالْعَيْنِ، وَتَغَسَّرَ الْغَزْلُ بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةٍ. وَيُقَالُ: أَعْسَرَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادُهَا. وَيُدْعَى عَلَيْهَا فَيُقَالُ: أَعْسَرْتِ وَآنَثْتِ. وَيُدْعَى لَهَا: أَيْسَرْتِ وَأَذْكَرْتِ. وَيُقَالُ: الْعَسِيرُ: النَّاقَةُ إِلَى اعْتَاطَتْ وَاعْتَاصَتْ فَلَمْ تَحْمِلْ عَامَهَا. قَالَ الْأَعْشَى:
وَعَسِيرٍ أَدْمَاءَ حَادِرَةِ الْعَيْ ... نِ خَنُوفٍ عَيْرَانَةٍ شِمْلَالِ
وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي تُرْكَبُ قَبْلَ أَنْ تُرَاضَ: عَوْسَرَانِيَّةٌ. وَهَذَا مِمَّا قُلْنَا إِنَّ زِيَادَةَ حُرُوفِهِ يَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.
وَيُقَالُ لِلَّذِي يَعْمَلُ بِشِمَالِهِ: أَعْسَرُ. وَالْعُسْرَى، هِيَ الشِّمَالُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُسْرَى لِأَنَّهُ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهَا مَا يَتَيَسَّرُ عَلَى الْيُمْنَى. فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ إِيَّاهَا يُسْرَى فَيُرَى أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّفَاؤُلِ، كَمَا يُقَالُ لِلْبَيْدَاءِ مَفَازَةٌ، وَكَمَا يُقَالُ لِلَّدِيغِ سَلِيمٌ. وَالْعَاسِرُ مِنَ النُّوقِ إِذَا عَدَتْ رَفَعَتْ ذَنَبَهَا. وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ يَكُونُ إِلَّا مِنْ عَسَرٍ فِي خُلُقِهَا ; وَالْجَمْعُ عَوَاسِرٌ. قَالَ:
تُكَسِّرُ أَذْنَابَ الْقِلَاصِ الْعَوَاسِرِ

(4/320)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَشَقَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَاوُزِ حَدِّ الْمَحَبَّةِ. تَقُولُ: عَشِقَ يَعْشَقُ عِشْقًا وَعَشَقًا. قَالَ رُؤْبَةُ:
وَلَمْ يُضِعْهَا بَيْنَ فِرْكٍ وَعَشَقْ
وَيُقَالُ: امْرَأَةٌ عَاشِقٌ أَيْضًا، حَمَلُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ بَادِنٌ وَامْرَاةٌ بَادِنٌ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْعَشَقَةَ اللَّبْلَابَةُ، قَالُوا: وَمِنْهَا اشْتُقَّ اسْمُ الْعَاشِقِ لِذُيُولِهِ وَهُوَ كَلَامٌ.

(عَشَكَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالْكَافُ. لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يَصِحُّ، وَرُبَّمَا قَالُوا يَعْشِكُ وَيَحْشِكُ، أَيْ يُفَرِّقُ وَيَجْمَعُ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

(عَشَمَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى يُبْسٍ فِي شَيْءٍ وَقُحُولٍ. مِنْ ذَلِكَ الْخُبْزُ الْعَاشِمُ: الَّذِي يَبِسَ. وَيَقُولُونَ لِلشَّيْخِ: عَشَمَةٌ. وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ الْعَيْشُومُ، وَهُوَ نَبْتٌ. قَالَ:
كَمَا تَنَاوَحَ يَوْمَ الرِّيحِ عَيْشُومُ

(4/321)


(عَشَوَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ظَلَامٍ وَقِلَّةِ وُضُوحٍ فِي الشَّيْءِ، ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ مَا يُقَارِبُهُ. مِنْ ذَلِكَ الْعِشَاءُ، وَهُوَ أَوَّلُ ظَلَامِ اللَّيْلِ. وَعَشْوَاءُ اللَّيْلِ: ظُلْمَتُهُ. وَمِنْهُ عَشَوْتُ إِلَى نَارِهِ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَخْبِطَ إِلَيْهِ الظَّلَامَ. قَالَ الْحَطِيئَةُ:
مَتَّى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ ... خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
وَالْعَاشِيَةُ: كُلُّ شَيْءٍ يَعْشُو بِاللَّيْلِ إِلَى ضَوْءِ نَارٍ. وَالتَّعَاشِي: التَّجَاهُلُ فِي الْأَمْرِ. قَالَ:
تَعُدُّ التَّعَاشِيَ فِي دِينِهَا ... هُدًى، لَا تُقُبِّلَ قُرْبَانُهَا
وَالْعَشِيُّ: آخِرُ النَّهَارِ. فَإِذَا قُلْتَ عَشِيَّةٌ فَهُوَ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ. تَقُولُ: لَقِيتُهُ عِشِيَّةَ يَوْمِ كَذَا، وَلَقِيتُهُ عَشِيَّةً مِنَ الْعَشِيَّاتِ. وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ فَهُوَ مَذْهَبٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ فِي الْعَشِيِّ مِثْلُ مَا يُقَالُ فِي الْعَشِيَّةِ. يُقَالُ: لَقِيتُهُ عَشِيَّ يَوْمِ كَذَا، كَمَا يُقَالُ عَشِيَّةَ يَوْمِ كَذَا، إِذِ الْعَشِيُّ إِنَّمَا هُوَ آخِرُ النَّهَارِ. وَقَدْ قِيلَ: كُلُّ مَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ عَشِيٌّ. وَتُصَغَّرُ الْعَشِيَّةُ عُشَيْشِيَةٌ. وَالْعَشَاءُ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ بِفَتْحِ الْعَيْنُ، هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَشَا، مَقْصُورٌ: مَصْدَرُ الْأَعْشَى، وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ، وَرِجَالٌ عُشْوٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ وَهُوَ بِالنَّهَارِ بَصِيرٌ. يُقَالُ عَشَى يَعْشِي عَشًى. قَالَ الْأَعْشَى:

(4/322)


أَأَنْ رَأَتْ رَجُلًا أَضَرَّ بِهِ ... رَيْبُ الزَّمَانِ وَدَهْرٌ خَائِنٌ خَبِلُ
وَالْعَشْوَاءُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي كَأَنَّهَا لَا تُبْصِرُ مَا أَمَامَهَا فَتَخْبِطُ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدَيْهَا.
قَالُوا: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حِدَّةِ قَلْبِهَا. قَالَ زُهَيْرٌ:
رَأَيْتُ الْمَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ ... تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَتَقُولُ: إِنَّهُمْ لَفِي عَشْوَاءَ مِنْ أَمْرِهِمْ. شَبَّهَ زُهَيْرٌ الْمَنَايَا بِنَاقَةٍ تَخْبِطُ مَا يَسْتَقْبِلُهَا فَتَقْتُلُ.

(عَشَبَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى يُبْسٍ فِي شَيْءٍ وَقُحُولٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ الْعُشْبُ، قَالُوا: هُوَ سَرَعَانُ الْكَلَأِ فِي الرَّبِيعِ، ثُمَّ يَهِيجُ وَلَا بَقَاءَ لَهُ. وَأَرْضٌ عَشِبَةٌ: مُعْشِبَةٌ، وَأَعْشَبَتْ إِذَا كَثُرَ عُشْبُهَا. وَأَعْشَبَ الرَّجُلُ: أَصَابَ الْعُشْبَ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
يَقُلْنَ لِلرَّائِدِ أَعْشَبْتَ انْزِلِ
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا أَنْ يُشَبَّهَ الشَّيْخُ الْقَاحِلُ بِهِ، فَيُقَالُ رَجُلٌ عَشَبٌ وَامْرَأَةٌ عَشَبَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي النُّوقِ. [وَ] يُقَالُ: أَعْشَبَ فُلَانٌ فُلَانًا، إِذَا وَهَبَ لَهُ نَاقَةً عَشَبَةً.

(4/323)


(عَشَرَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا فِي عَدَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مُدَاخَلَةٍ وَمُخَالَطَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْعَشَرَةُ، وَالْعَشْرُ فِي الْمُؤَنَّثِ. وَتَقُولُ: عَشَرْتُ الْقَوْمَ أَعْشِرُهُمْ، إِذَا صِرْتَ عَاشِرَهُمْ. وَكُنْتُ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، أَيْ كَانُوا تِسْعَةً فَتُمُّوا بِي عَشَرَةَ رِجَالٍ. وَعَشَرْتُ الْقَوْمَ، إِذَا أَخَذْتَ عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ. وَيُقَالُ أَيْضًا: عَشَرْتُهُمْ أُعَشِّرُهُمْ تَعْشِيرًا. وَبِهِ سُمِّي الْعَشَّارُ عَشَّارًا. وَالْعُشْرُ: جُزْءٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْعَشْرَةِ، وَهُوَ الْعُشَيْرُ وَالْمِعْشَارُ. فَأَمَّا الْعِشْرُ فَيُقَالُ: هُوَ وِرْدُ الْإِبِلِ يَوْمَ الْعَاشِرِ. وَإِبِلٌ عَوَاشِرُ: وَرَدَتِ الْمَاءُ عِشْرًا. وَيُجْمَعُ وَيُثَنَّى فَيُقَالُ عِشْرَانِ وَعِشْرُونَ، فَكُلُّ عِشْرٍ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَقَمْتُ لَهَا أَعْنَاقَ هِيمٍ كَأَنَّهَا ... قَطَا نَشَّ عَنْهَا ذُو جَلَامِيدِ خَامِسُ
يَعْنِي بِالْخَامِسِ: الْقَطَا الَّتِي وَرَدَتِ الْمَاءَ خِمْسًا.
قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ عُشَارَ عُشَارَ، وَمَعْشَرَ مَعْشَرَ، أَيْ عَشَرَةً عَشَرَةً، كَمَا تَقُولُ: جَاءُوا أُحَادَ أُحَادَ، وَمَثْنَى مَثْنَى. وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَلِيلُ مَوْحَدَ مَوْحَدَ، وَهُوَ صَحِيحٌ. فَأَمَّا تَعْشِيرُ الْحِمَارِ فَلَسْنَا نَقُولُ فِيهِ إِلَّا الَّذِي قَالُوهُ، وَهُوَ فِي قِيَاسِنَا صَحِيحٌ إِنْ كَانَ حَقًّا مَا يُقَالُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْمُعَشِّرُ: الْحِمَارُ الشَّدِيدُ

(4/324)


النَّهِيقِ. قَالَ: وَيُقَالُ نُعِتَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَكُفُّ حَتَّى تَبْلُغَ [عَشْرَ] نَهَقَاتٍ وَتَرْجِيعَاتٍ. قَالَ:
لَعَمْرِي لَئِنْ عَشَّرْتُ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى ... نُهَاقُ الْحِمَارِ إِنَّنِي لَجَزُوعُ
قَالَ: وَنَاقَةٌ عُشَرَاءُ، وَهِيَ الَّتِي أَقْرَبَتْ، سُمِّيَتْ عُشَرَاءُ لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ لِحَمْلِهَا. يُقَالُ: عَشَّرْتُ النَّاقَةَ تُعَشَّرُ تَعْشِيرًا، وَهِيَ عُشَرَاءُ حَتَّى تَلِدَ، وَالْعَدَدُ الْعُشَرَاوَاتُ، وَالْجَمْعُ عِشَارٌ. وَيُقَالُ: بَلْ يَقَعُ اسْمُ الْعِشَارِ عَلَى النُّوقِ الَّتِي نَتَجَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا قَدْ أَقْرَبَ يُنْتَظَرُ نِتَاجُهَا. وَقَالَ:
يَا عَامُ إِنَّ لَقَاحَهَا وَعِشَارَهَا ... أَوْدَى بِهَا شَخْتُ الْجُزَارَةِ مُعْلِمُ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالَةٍ ... فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي
وَقَالَ: وَلَيْسَ لِلْعِشَارِ لَبَنٌ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا عِشَارًا لِأَنَّهَا حَدِيثَةُ الْعَهْدِ، وَهِيَ مَطَافِيلُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْلَادَهَا. وَالْعُشْرُ: الْقِطْعَةُ تَنْكَسِرُ مِنَ الْقَدَحِ أَوِ الْبُرْمَةِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ:
كَمَا يَضُمُّ الْمِشْعَبُ الْأَعْشَارَا

(4/325)


هَذَا قَدْ حُكِيَ. فَأَمَّا الْخَلِيلُ فَقَدْ حَكَى وَقَالَ: لَا يَكَادُونَ يُفْرِدُونَ الْعِشْرَ. وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ قُدُورٌ أَعْشَارٌ وَأَعَاشِيرُ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُكَسَّرَةٌ عَلَى عَشْرِ قِطَعٍ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إِلَّا لِتَضْرِبِي ... بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلٍ
وَذَكَرَ الْخَلِيلُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقَالُ لِجَفْنِ السَّيْفِ إِذَا كَانَ مُكَسَّرًا أَعْشَارٌ. وَأَنْشَدَ:
وَقَدْ يَقْطَعُ السَّيْفُ الْيَمَانِي وَجَفْنُهُ ... شَبَارِيقُ أَعْشَارٌ عُثِمْنَ عَلَى كَسْرِ
قَالَ: وَالْعُشَارِيُّ: مَا بَلَغَ طُولُهُ عَشْرَ أَذْرُعٍ. وَعَاشُورَاءُ: الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ.
فَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ الدَّالُّ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ فَالْعِشْرَةُ وَالْمُعَاشَرَةُ. وَعَشِيرُكُ: الَّذِي يُعَاشِرُكَ. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ لِلْعَشِيرِ جَمْعًا، لَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ هُمْ عُشَرَاؤُكُ، وَإِذَا جَمَعُوا قَالُوا: هُمْ مُعَاشِرُوكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ لِمُعَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، حَتَّى الزَّوْجُ عَشِيرُ امْرَأَتِهِ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ النِّسَاءِ: «إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» . وَيُقَالُ عَاشَرَهُ مُعَاشَرَةً جَمِيلَةً. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
لَعَمْرُكَ وَالْخُطُوبُ مُغَيِّرَاتٌ ... وَفِي طُولِ الْمُعَاشَرَةِ التَّقَالِي

(4/326)


قَالَ: وَالْمَعْشَرُ: كُلُّ جَمَاعَةٌ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ، نَحْوَ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِنْسُ مَعْشَرٌ وَالْجِنُّ مَعْشَرٌ، وَالْجَمْعُ مَعَاشِرُ. وَالْعُشَرُ: نَبْتٌ.

(عَشَزَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالزَّاءُ كَلِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، إِحْدَاهُمَا عِنْدَ الْخَلِيلِ وَلَيْسَتِ الْأُخْرَى عِنْدَهُ.
فَالْأُولَى الْعَشَوْزَنُ مِنَ الْمَوَاضِعِ: مَا صَلُبَ مَسْلَكُهُ وَخَشُنَ، وَالْجَمْعُ الْعَشَاوِزُ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
حَوَامِي الْكُرَاعِ الْمُؤْيَدَاتُ الْعَشَاوِزُ
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْعَشْوَزُ أَوِ الْعَشَوَّزُ، أَنَا أَشُكُّ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْقَنَاةُ عَشَوْزَنَةً لِصَلَابَتِهَا، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: عَشَزَ عَشَزَانًا، وَهِيَ مِشْيَةُ الْأَقْزَلِ، ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ.

(عَشَطَ) الْعَيْنُ وَالشِّينُ وَالطَّاءُ

(4/327)


[بَابُ الْعَيْنِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَصَفَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ. فَالْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الْعَصْفُ: مَا عَلَى الْحَبِّ مِنْ قُشُورِ التِّبْنِ. وَالْعَصْفُ: مَا عَلَى سَاقِ الزَّرْعِ مِنَ الْوَرَقِ الَّذِي يَبِسَ فَتَفَتَّتَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْعَصْفِ. قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْعَصْفُ: كُلُّ زَرْعٍ أُكِلَ حَبُّهُ وَبَقِيَ تِبْنُهُ. وَكَانَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: الْعَصْفُ: وَرَقُ كُلِّ نَابِتٍ.
وَيُقَالُ: عَصَفْتُ الزَّرْعَ، إِذَا جَزَزْتَ أَطْرَافَهُ وَأَكَلْتَهُ، كَالْبَقْلِ. وَيُقَالُ: مَكَانٌ مُعْصِفٌ، أَيْ كَثِيرُ الْعَصْفِ. قَالَ:
إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا ... زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفٌ
وَيُقَالُ لِلْعَصْفِ: الْعَصِيفَةُ وَالْعُصَافَةُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا أَخَذْتَ الْعَصِيفَةَ عَنِ الزَّرْعِ فَقَدِ اعْتُصِفَ. وَالرِّيحُ الْعَاصِفُ: الشَّدِيدَةُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22] . هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهَا تَسْتَخِفُّ الْأَشْيَاءَ فَتَذْهَبُ بِهَا تَعْصِفُ بِهَا. وَيُقَالُ أَيْضًا: مُعْصِفٌ وَمُعْصِفَةٌ. قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَالْمُعْصِفَاتِ لَا يَزَلْنَ هُدَّجَا

(4/328)


وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: رِيحٌ عَاصِفَةٌ نَعْتٌ مَبْنِيٌّ عَلَى فَعَلَتْ عَصَفَتْ. وَرِيحٌ عَاصِفٌ: ذَاتُ عُصُوفٍ، لَا يُرَادُ بِهِ فَعَلَتْ، وَخَرَجَتْ مَخْرَجَ لِابْنٍ وَتَامِرٍ.
وَمِنْ قِيَاسِ الْبَابِ: النَّاقَةُ الْعَصُوفُ: الَّتِي تَعْصِفُ بِرَاكِبِهَا فَتَمْضِي كَأَنَّهَا رِيحٌ فِي السُّرْعَةِ. وَيُقَالُ أَعَصَفَتْ أَيْضًا. وَالْحَرْبُ تَعْصِفُ بِالْقَوْمِ: تَذْهَبُ بِهِمْ. قَالَ الْأَعْشَى:
فِي فَيْلَقٍ جَأْوَاءَ مَلْمُومَةٍ ... تَعْصِفُ بِالدَّارِعِ وَالْحَاسِرِ
وَنَعَامَةٌ عَصُوفٌ: سَرِيعَةٌ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الْعَصْفَ: الْخِفَّةُ وَالسُّرْعَةُ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَصَفَ وَاعْتَصَفَ، إِذَا كَسَبَ. وَذَاكَ أَنَّهُ يَخِفُّ فِي اكْتِدَاحِهِ. قَالَ:
مِنْ غَيْرِ [مَا] عَصْفٍ وَلَا اصْطِرَافِ
وَهُوَ ذُو عَصْفٍ، أَيْ حِيلَةٍ.

(عَصَلَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اعْوِجَاجٍ فِي الشَّيْءِ، مَعَ شِدَّةٍ وَكَزَازَةٍ.

(4/329)


قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَصْلُ: اعْوِجَاجُ النَّابِ مَعَ شِدَّتِهِ. قَالَ:
عَلَى شَنَاحٍ نَابُهُ لَمْ يَعْصَلِ
وَالْأَعْصَلُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي عَصِلَتْ سَاقُهُ وَذِرَاعُهُ، أَيِ اعْوَجَّتَا اعْوِجَاجًا شَدِيدًا. وَالشَّجَرَةُ الْعَصِلَةُ: الْعَوْجَاءُ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى إِقَامَتِهَا. وَسَهْمٌ أَعْصَلُ: مُعْوَجٌّ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَرَمَيْتُ الْقَوْمَ رِشْقًا صَائِبًا ... لَيْسَ بِالْعُصْلِ وَلَا بِالْمُفْتَعَلْ
وَقَالَ فِي الشَّجَرِ:
وَقَبِيلٌ مِنْ عُقَيْلٍ صَادِقٌ ... كَلُيُوثٍ بَيْنَ غَابٍ وَعَصَلْ
أَرَادَ بِالْعُصْلِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ السِّهَامَ الْمُعْوَجَّةَ. يَقُولُ: لَمْ تُفْتَعَلْ تِلْكَ السَّاعَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَلَكِنَّهَا عُمِلَتْ مِنْ قَبْلُ. وَيُقَالُ: عَصَلَ السَّهْمُ وَعَصِلَ، إِذَا اضْطَرَبَ حِينَ يُرْسَلُ، لِعِوَجِ فِيهِ أَوْ سُوءِ نَزْعٍ. وَعَصِلَ الْكَلْبُ، إِذَا طَرَدَ الطَّرِيدَةَ ثُمَّ اضْطَرَبَ وَالْتَوَى يَأْسًا مِنْهَا. وَشَجَرَةٌ عَصْلَاءُ: طَالَتْ وَاعْوَجَّتْ. وَتُشَبَّهُ بِهَا الْمَهْزُولَةُ. [قَالَ] :
لَيْسَتْ بِعَصْلَاءَ تَذْمِي الْكَلْبَ نَكْهَتُهَا ... وَلَا بِعَنْدَلَةٍ يَصْطَكُّ ثَدْيَاهَا
وَالْعَصَلُ: الْتِوَاءٌ فِي عَسِيبِ الذَّنَبِ حَتَّى يَبْرُزَ بَعْضُ بَاطِنِهِ الَّذِي لَا شَعَرَ عَلَيْهِ.

(4/330)


وَهُوَ فَرَسٌ أَعْصَلُ. وَالْأَعْصَالُ: الْأَمْعَاءُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَذَلِكَ لِالْتِوَائِهَا فِي طُولٍ. قَالَ:
يَرْمِي بِهِ الْجَرْعُ إِلَى أَعْصَالِهَا
وَالْعَصَلُ: صَلَابَةٌ فِي اللَّحْمِ، وَمِنْهُ أَيْضًا عَصَّلَ يُعَصِّلُ تَعْصِيلًا، إِذَا أَبْطَأَ قَالَ:
فَعَصَّلَ الْعَمْرِيُّ عَصْلَ الْكَلْبِ

(عَصَمَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِمْسَاكٍ وَمَنْعٍ وَمُلَازَمَةٍ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعْنًى وَاحِدٌ. مِنْ ذَلِكَ الْعِصْمَةُ: أَنْ يَعْصِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَبْدَهُ مِنْ سُوءٍ يَقَعُ فِيهِ. وَاعْتَصَمَ الْعَبْدُ بِاللَّهِ - تَعَالَى -، إِذَا امْتَنَعَ. وَاسْتَعْصَمَ: الْتَجَأَ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: أَعْصَمْتُ فُلَانًا، أَيْ هَيَّأْتُ لَهُ شَيْئًا يَعْتَصِمُ بِمَا نَالَتْهُ يَدُهُ أَيْ يَلْتَجِئُ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ الْمَلَّاحُ مُعْتَصِمًا ... بِالْخَيْزُرَانَةِ مِنْ خَوْفٍ وَمِنْ رَعَدِ
وَالْمُعْصِمُ مِنَ الْفُرْسَانِ: السَّيِّئُ الْحَالِ فِي فُرُوسَتِهِ، تَرَاهُ يَمْتَسِكُ بِعُرْفِ فَرَسِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ:

(4/331)


إِذَا مَا غَدَا لَمْ يُسْقِطِ الرَّوْعُ رُمْحَهُ ... وَلَمْ يَشْهَدِ الْهَيْجَا بِأَلْوَثَ مُعْصِمِ
وَالْعِصْمَةُ: كُلُّ شَيْءٍ اعْتَصَمْتَ بِهِ. وَعَصَمَهُ الطَّعَامُ: مَنَعَهُ مِنَ الْجُوعِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَصِيمُ، وَهُوَ الصَّدَأُ مِنَ الْهِنَاءِ وَالْبَوْلِ يَيْبَسُ عَلَى فَخِذِ النَّاقَةِ. قَالَ:
وَأَضْحَى عَنْ مِرَاسِهِمُ قَتِيلًا ... بِلَبَّتِهِ سَرَائِحُ كَالْعَصِيمِ
وَأَثَرُ الْخِضَابِ عَصِيمٌ، وَالْمُعْصَمُ: الْجِلْدُ لَمْ يُنَحَّ وَبَرُهُ عَنْهُ، بَلْ أُلْزِمَ شَعْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. يُقَالُ: أَعْصَمْنَا الْإِهَابَ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعُصْمُ: أَثَرُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ تَقُولُ لِأُخْرَى: " أَعْطِينِي عُصْمَ حِنَّائِكِ " أَيْ مَا سَلَتِّ مِنْهُ. وَيُقَالُ: بِيَدِهِ عُصْمَةُ خَلُوقٍ، أَيِ أَثَرُهُ. قُلْنَا: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمَرْأَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ إِنَّ الْعُصْمَ: الْأَثَرُ، لِأَنَّهَا لَمْ تَسْأَلِ الْأَثَرَ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ الْعُصْمُ: الْحِنَّاءُ ; مَا لَزِمَ يَدَ الْمُخْتَضِبَةِ، وَأَثَرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عُصْمٌ، لِأَنَّهُ بَاقٍ مُلَازِمٌ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى عُصْمِ الْحِنَّاءِ: الْعُصْمَةُ: الْبَيَاضُ يَكُونُ بِرُسْغِ ذِي الْقَوَائِمِ. مِنْ ذَلِكَ الْوَعِلُ الْأَعْصَمُ، وَعُصْمَتُهُ: بَيَاضٌ فِي رُسْغِهِ، وَالْجَمْعُ مِنَ الْأَعْصَمِ عُصْمٌ وَقَالَ:
مَقَادِيرُ النُّفُوسِ مُؤَقَّتَاتٌ ... تَحُطُّ الْعُصْمَ مِنْ رَأْسِ الْيَفَاعِ

(4/332)


وَقَالَ الْأَعْشَى:
قَدْ يَتْرُكُ الدَّهْرُ فِي خَلْقَاءَ رَاسِيَةٍ ... وَهْيًا وَيُنْزِلُ مِنْهَا الْأَعْصَمَ الصَّدَعَا
وَيُقَالُ: غُرَابٌ أَعْصَمُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ أَبْيَضُ، وَقَلَّمَا يُوجَدُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعُصْمَةُ فِي الْخَيْلِ بَيَاضٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، بِالْيَدَيْنِ دُونَ الرِجْلَيْنِ فَيَقُولُونَ: هُوَ أَعْصَمُ الْيَدَيْنِ. وَكُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ، كَأَنَّ ذَلِكَ الْوَضَحَ أَثَرٌ مُلَازِمٌ لِلْيَدِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي عَصَمِ الْحِنَّاءِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعِصْمَةُ: الْقِلَادَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلُزُومِهَا الْعُنُقَ. قَالَ لَبِيدٌ فَجَمَعَهَا عَلَى أَعْصَامٍ، كَأَنَّهُ أَرَادَ جَمْعَ عُصْمٍ:
حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا ... غُضْفًا دَوَاجِنَ قَافِلًا أَعْصَامُهَا
وَمِنَ الْبَابِ: عِصَامُ الْمَحْمِلِ: شِكَالُهُ وَقَيْدُهُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ عَارِضَاهُ. وَعِصَامُ الْقِرْبَةِ: عِقَالٌ نَحْوَ ذِرَاعَيْنِ، يُجْعَلُ فِي خُرْبَتَيِ الْمَزَدَتَيْنِ لِتَلْتَقِيَا. وَقَدْ أَعْصَمْتُهُمَا: جَعَلْتُ لَهُمَا عِصَامًا. قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:
وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا ... عَلَى كَاهِلٍ مِنِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
قَالَ: وَلَا يَكُونُ لِلدَّلْوِ عِصَامٌ.
وَمِنَ الْبَابِ مِعْصَمُ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ السِّوَارَيْنِ مِنْ سَاعِدَيْهَا. وَقَالَ:
فَالْيَوْمَ عِنْدَكَ دَلُّهَا وَحَدِيثُهَا ... وَغَدًا لِغَيْرِكَ كَفُّهَا وَالْمِعْصَمُ

(4/333)


وَإِنَّمَا سُمِّيَ مِعْصَمًا لِإِمْسَاكِهِ السِّوَارَ، ثُمَّ يَكُونُ مِعْصَمًا وَلَا سِوَارَ. وَيُقَالُ: أَعَصَمَ بِهِ وَأَخْلَدَ، إِذَا لَزِمَهُ.
وَعِصَامٌ: رَجُلٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ الِاسْتِخْبَارِ: " مَا وَرَاءَكَ يَا عِصَامُ؟ "، وَالْأَصْلُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَلَكِنْ مَا وَرَاءَكَ يَا عِصَامُ
وَيَقُولُونَ لِلسَّائِدِ بِنَفْسِهِ لَا بِآبَائِهِ:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامًا

(عَصَوَىْ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، إِلَّا أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّجَمُّعِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى الْفُرْقَةِ.
فَالْأَوَّلُ الْعَصَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِ يَدِ مُمْسِكِهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ قِيسَ ذَلِكَ فَقِيلَ لِلْجَمَاعَةِ عَصًا. يُقَالُ: الْعَصَا: جَمَاعَةُ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَقَدْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقُتِلَ قِيلَ لَهُ: هُوَ قَتِيلُ الْعَصَا، وَلَا عَقْلَ لَهُ وَلَا قَوَدَ فِيهِ. وَيَقُولُونَ: هَذِهِ عَصًا، وَعَصَوَانِ، وَثَلَاثُ أَعْصٍ. وَالْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ عِصِيٌّ وعُصِيٌّ. وَيَقِيسُونَ عَلَى الْعَصَا فَيَقُولُونَ: عَصَيْتُ بِالسَّيْفِ. وَقَالَ جَرِيرٌ:

(4/334)


تَصِفُ السُّيُوفَ وَغَيْرُكُمْ يَعْصَى بِهَا ... يَا ابْنَ الْقُيُونِ وَذَاكَ فِعْلُ الصَّيْقَلِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَإِنَّ الْمَشْرَفِيَّةَ قَدْ عَلِمْتُمْ ... إِذَا يَعْصَى بِهَا النَّفَرُ الْكِرَامُ
وَقَالَ فِي تَثْنِيَةِ الْعَصَا:
فَجَاءَتْ بِنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ ... عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ
وَمِنَ الْبَابِ: عَصَوْتُ الْجُرْحَ أَعْصُوهُ، أَيْ دَاوَيْتُهُ. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ يَتَلَأَّمُ أَيْ يَتَجَمَّعُ. وَفِي أَمْثَالِهِمْ: " أَلْقَى فُلَانٌ عَصَاهُ ". وَذَلِكَ إِذَا انْتَهَى الْمُسَافِرُ إِلَى عُشْبٍ وَأَزْمَعَ الْمُقَامَ أَلْقَى عَصَاهُ. قَالَ:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ» ، لَمْ يُرِدِ الْعَصَا الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا، وَلَا أَمَرَ أَحَدًا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْأَدَبَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَصْلُ الْعَصَا الِاجْتِمَاعُ وَالِائْتِلَافُ. وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا قُلْنَاهُ فِي قِيَاسِ هَذَا الْبِنَاءِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْعِصْيَانُ وَالْمَعْصِيَةُ. يُقَالُ: عَصَى، وَهُوَ عَاصٍ، وَالْجَمْعُ عُصَاةُ وَعَاصُونَ. وَالْعَاصِي: الْفَصِيلُ إِذَا عَصَى أُمَّهُ فِي اتِّبَاعِهَا.

(4/335)


(عَصَبَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، مُسْتَطِيلًا أَوْ مُسْتَدِيرًا. ثُمَّ يُفَرِّعُ ذَلِكَ فُرُوعًا، وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ.
مِنْ ذَلِكَ الْعَصَبُ. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ أَطْنَابُ الْمَفَاصِلِ الَّتِي تُلَائِمُ بَيْنَهَا، وَلَيْسَ بِالْعَقَبِ. وَيُقَالُ: لَحْمٌ عَصِبَ، أَيْ صُلْبٌ مُكْتَنِزٌ كَثِيرُ الْعَصَبِ. وَفُلَانٌ مَعْصُوبُ الْخَلْقِ، أَيْ شَدِيدُ اكْتِنَازِ اللَّحْمِ. وَهُوَ حَسَنُ الْعَصْبِ، وَامْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْعَصْبِ. وَالْعَصْبُ: الطَّيُّ الشَّدِيدُ. وَرَجُلٌ مَعْصُوبُ الْخَلْقِ كَأَنَّمَا لُوِيَ لَيًّا. قَالَ حَسَّانُ:
ذَرُوا التَّخَاجِئَ وَامْشُوا مِشْيَةً سُجُحًا ... إِنَّ الرِّجَالَ ذَوُو عَصْبٍ وَتَذْكِيرِ
وَإِنَّمَا سُمِّي الْعَصِيبُ مِنْ أَمْعَاءِ الشَّاءِ لِأَنَّهُ مَعْصُوبٌ مَطْوِيٌّ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْجَائِعِ مَعْصُوبٌ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي تَكَادُ أَمْعَاؤُهُ تَعْصَبُ، أَيْ تَيْبَسُ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إِنَّمَا الْمَعْصُوبُ الَّذِي عَصَبَ بَطْنَهُ مِنَ الْجُوعِ. وَيُقَالُ: عَصَبَهُمُ، إِذَا جَوَّعَهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمُعَصَّبُ: الْمُحْتَاجُ، مِنْ قَوْلِهِمْ عَصَّبَهُ الْجُوعُ، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي رَبَطَ حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُعَصَّبُ الَّذِي يَتَعَصَّبُ مِنَ الْجُوعِ

(4/336)


بِالْخِرَقِ. وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِلْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمُعَصَّبُ: الَّذِي عَصَّبَتْهُ السِّنُونَ، أَيْ أَكَلَتْ مَالَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ بِمَالِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْجَائِعِ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَى التَّعَصُّبِ بِالْخِرَقِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَصْبُ مِنَ الْبُرُودِ: يُعْصَبُ، أَيْ يُدْرَجُ غَزْلُهُ، ثُمَّ يُصْبَغُ ثُمَّ يُحَاكُ. قَالَ: وَلَا يُجْمَعُ، إِنَّمَا يُقَالُ بُرْدُ عَصْبٍ وَبُرُودُ عَصْبٍ ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى الْفِعْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعِصَابَةُ: الشَّيْءُ يُعْصَبُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ صُدَاعٍ. لَا يُقَالُ إِلَّا عِصَابَةٌ بِالْهَاءِ، وَمَا شَدَدْتَ بِهِ غَيْرَ الرَّأْسِ فَهُوَ عِصَابٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا لِيُعْرَفَا. وَيُقَالُ: اعْتَصَبَ بِالتَّاجِ وَبِالْعِمَامَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
يَعْتَصِبُ التَّاجُ بَيْنَ مَفْرِقِهِ ... عَلَى جَبِينٍ كَأَنَّهُ الذَّهَبُ
وَفُلَانٌ حَسَنُ الْعِصْبَةِ، أَيِ الِاعْتِصَابِ. وَعَصَّبْتُ رَأْسَهُ بِالْعَصَا وَالسَّيْفِ تَعْصِيبًا، وَكَأَنَّهُ مِنَ الْعِصَابَةِ. وَكَانَ يُقَالُ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ: " ذُو الْعِصَابَةِ "، لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا اعْتَمَّ لَمْ يَعْتَمَّ قُرَشِيٌّ إِعْظَامًا لَهُ. وَيُنْشِدُونَ:

(4/337)


أَبُو أُحَيْحَةَ مَنْ يَعْتَمَّ عِمَّتَهُ ... يُضْرَبْ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَذَا عَدَدِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَصَّابُ: الْغَزَّالُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْخَيْطَ يُعْصَبُ بِهِ. قَالَ:
طَيَّ الْقَسَامِيِّ بُرُودَ الْعَصَّابْ
وَالشَّجَرَةُ تُعْصَبُ أَغْصَانُهَا لِيَنْتَثِرَ وَرَقُهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَجَّاجِ: " لَأَعْصِبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلَمَةِ ". وَالْعِصَابُ: الْعَصَائِبُ الَّتِي تَعْصِبُ الشَّجَرَةَ، عَنْ دَوْجِهَا فِيهِ. قَالَ:
مَطَاعِيمُ تَغْدُو بِالْعَبِيطِ جِفَانُهُمْ ... إِذَا الْقُرُّ أَلْوَتْ بِالْعِضَاهِ عَصَائِبُهُ
وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
يَا قَوْمُ مَا قُومِي عَلَى نَأْيِهِمْ ... إِذْ عَصَبَ النَّاسَ جَهَامٌ وَقُرّْ
أَيْ جَمَعَهُمْ وَضَمَّهُمْ. وَيُعْصَبُ فَخِذُ النَّاقَةِ لِتَدُرَّ. قَالَ:

(4/338)


وَأَخْلَاقُنَا إِعْطَاؤُنَا وَإِبَاؤُنَا ... إِذَا مَا أَبَيْنَا لَا نَدُرُّ لِعَاصِبِ
أَيْ لَا نُعْطِي عَلَى الْقَسْرِ. وَالْعَصُوبُ مِنَ الْإِبِلِ هَذِهِ ; وَهِيَ لَا تَدُرُّ حَتَّى تُعْصَبَ. وَالْعَصْبُ: أَنْ يُشَدَ أُنْثَيَا الدَّابَّةِ حَتَّى تَسْقُطَا، وَهُوَ مَعْصُوبٌ. وَيُقَالُ: عَصِبَ الْفَمُ، وَهُوَ رِيقٌ يَجْتَمِعُ عَلَى الْأَسْنَانِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ شِدَّةِ عَطَشٍ. قَالَ:
يَعْصِبُ فَاهُ الرِّيقُ أَيَّ عَصْبِ ... عَصْبَ الْجُبَابِ بِشِفَاهِ الْوَطْبِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْعُصْبَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُمْ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ، وَلَا يُقَالُ لِمَا دُونَ ذَلِكَ عُصْبَةٌ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُصْبَةً لِأَنَّهَا قَدْ عُصِبَتْ، أَيْ كَأَنَّهَا رُبِطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَالْعُصْبَةُ وَالْعِصَابَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيْرِ، وَالْخَيْلِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
إِذَا مَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ حَلَّقَ فَوْقَهُمْ ... عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ
وَاعْصَوْصَبَ الْقَوْمُ: صَارُوا عِصَابَةً. وَالْيَوْمُ الْعَصِيبُ: الشَّدِيدُ. وَاعْصَوْصَبَ الْيَوْمُ: اشْتَدَّ. وَيَوْمٌ عَصَبْصَبٌ وَاعْصَوْصَبَتْ: تَجَمَّعَتْ. قَالَ:
وَاعْصَوْصَبَتْ بَكَرًا مِنْ حَرْجَفٍ وَلَهَا ... وَسْطَ الدِّيَارِ رَذِيَّاتٌ مَرَازِيحُ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: كُلُّ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَصَبَ بِهِ. يُقَالُ: عَصَبَ الْقَوْمُ بِفُلَانٍ.

(4/339)


قَالَ: وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْعَصَبَةُ، وَهُمْ قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ وَبَنِي عَمِّهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ اسْتَدَارَ حَوْلَ شَيْءٍ وَاسْتَكَفَّ فَقَدْ عَصِبَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَصَبَ بِهِ وَعَصَّبَ، إِذَا طَافَ بِهِ وَلَزِمَهُ. وَأَنْشَدَ:
أَلَا تَرَى أَنْ قَدْ تَدَاكَّأَ وِرْدُ ... وَعَصَّبَ الْمَاءَ طِوَالٌ كُبْدُ
تَدَاكَأَ: تَدَافَعَ. وَعَصَبَ الْمَاءَ: لَزِمَهُ. قَالَ أَبُو مَهْدِيٍّ: عَصِبَتِ الْإِبِلُ بِالْمَاءِ تَعْصَبُ عُصُوبًا، إِذَا دَارَتْ حَوْلَهُ وَحَامَتْ عَلَيْهِ. قَالَ:
قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي إِذَا الْوِرْدُ عَصَبْ
وَمَا عَصَبْتُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ وَلَا قَرَبْتُهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَصَبَةُ هُمُ الَّذِينَ يَرِثُونَ الرَّجُلَ عَنْ كَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ. فَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَكُلُّ مَنْ لَمْ تَكُنْ فَرِيضَتُهُ مُسَمَّاةً فَهُوَ عَصَبَةٌ، إِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ أَخَذُوهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَمِنْهُ اشْتُقَّ الْعَصَبِيَّةُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ذَاكَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبِ الْقَوْمِ، أَيْ مِنْ خِيَارِهِمْ. وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ لِأَنَّهُ تُعْصَبُ بِهِمُ الْأُمُورُ.

(عَصَرَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ:
فَالْأَوَّلُ دَهْرٌ وَحِينٌ، وَالثَّانِي ضَغْطُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَلَّبَ، وَالثَّالِثُ تَعَلُّقٌ بِشَيْءٍ وَامْتِسَاكٌ بِهِ.
فَالْأَوَّلُ الْعَصْرُ، وَهُوَ الدَّهْرُ. قَالَ اللَّهُ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1] . وَرُبَّمَا قَالُوا عُصُرٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(4/340)


أَلَا انْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَلْ يَنْعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي
قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَصْرَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. قَالَ:
وَلَنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إِذَا اخْتَلَفَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا
قَالُوا: وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، لِأَنَّهَا تُعْصَرُ، أَيْ تُؤَخَّرُ عَنِ الظُّهْرِ. وَالْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ يُسَمَّيَانِ الْعَصْرَيْنِ. قَالَ:
الْمُطْعِمُو النَّاسِ اخْتِلَافَ الْعَصْرَيْنِ
ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَعْصَرَ الْقَوْمُ وَأَقْصَرُوا، مِنَ الْعَصْرِ وَالْقَصْرِ. وَيُقَالُ: عَصَّرُوا وَاحْتَبَسُوا إِلَى الْعَصْرِ. وَرُوِيَ حَدِيثٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: «حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ» . قَالَ الرَّجُلُ: وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا، فَقُلْتُ: وَمَا الْعَصْرَانِ؟ قَالَ: «صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا» ، يُرِيدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ.
فَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْمُعْصِرُ فَقَدْ قَاسَهُ نَاسٌ هَذَا الْقِيَاسَ، وَلَيْسَ الَّذِي قَالُوهُ فِيهِ بِبَعِيدٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: الْجَارِيَةُ إِذَا رَأَتْ فِي نَفْسِهَا زِيَادَةَ الشَّبَابِ فَقَدْ أَعْصَرَتْ، وَهِيَ مُعْصِرٌ بَلَغَتْ عَصْرَ شَبَابِهَا وَإِدْرَاكَهَا. قَالَ أَبُو لَيْلَى: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ وَقَرُبَتْ مِنْ حَيْضِهَا فَهِيَ مُعْصِرٌ. وَأَنْشَدَ:

(4/341)


جَارِيَةٌ بِسَفَوَانَ دَارُهَا ... قَدْ أَعَصَرَتْ أَوْ قَدْ دَنَا إِعْصَارُهَا
قَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَتْ مُعْصِرًا لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عَنْ عَصْرِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْعُصَارَةُ: مَا تَحَلَّبَ مِنْ شَيْءٍ تَعْصِرُهُ. قَالَ:
عُصَارَةُ الْخُبْزِ الَّذِي تَحَلَّبَا
وَهُوَ الْعَصِيرُ. وَقَالَ فِي الْعُصَارَةِ:
الْعُودُ يُعْصَرُ مَاؤُهُ ... وَلِكُلِّ عِيدَانٍ عُصَارَهْ
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ الْعَرَبُ: " لَا أَفْعَلُهُ مَادَامَ الزَّيْتُ يُعْصَرُ ". قَالَ أَوْسٌ:
فَلَا بُرْءَ مِنْ ضَبَّاءَ وَالزَّيْتُ يُعْصَرُ
وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْعُصَارَةَ وَالْمُعْتَصَرَ مَثَلًا لِلْخَيْرِ وَالْعَطَاءِ، إِنَّهُ لِكَرِيمُ الْعُصَارَةِ وَكَرِيمُ الْمُعْتَصِرِ. وَعَصَرْتَ الْعِنَبَ، إِذَا وَلِيتَهُ بِنَفْسِكَ. وَاعْتَصَرْتَهُ، إِذَا عُصِرَ لَكَ خَاصَّةً. وَالْمِعْصَارُ: شَيْءٌ كَالْمِخْلَاةِ يُجْعَلُ فِيهِ الْعِنَبُ وَيُعْصَرُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْمُعْصِرَاتُ: سَحَائِبٌ تَجِيءُ بِمَطَرٍ. قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -:

(4/342)


{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] . وَأُعْصِرَ الْقَوْمُ، إِذَا أَتَاهُمُ الْمَطَرُ. وَقُرِئَتْ: " فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يُعْصَرُونَ "، أَيْ يَأْتِيهِمُ الْمَطَرُ. وَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنْ عَصْرِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ. فَأَمَّا الرِّيَاحُ وَتَسْمِيَتُهُمْ إِيَّاهَا الْمُعْصِرَاتِ فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْمُجَاوَرَةِ، لِأَنَّهَا لَمَّا أَثَارَتِ السَّحَابَ الْمُعْصِرَاتِ سُمِّيَتْ مُعْصِرَاتٍ وَإِعْصَارًا. قَالَ فِي الْمُعْصِرَاتِ:
وَكَأَنَّ سُهْكَ الْمُعْصِرَاتِ كَسَوْنَهَا ... تُرْبَ الْفَدَافِدِ وَالْبِقَاعِ بِمُنْخُلِ
وَالْإِعْصَارِ: الْغُبَارُ الَّذِي يَسْطَعُ مُسْتَدِيرًا ; وَالْجَمْعُ الْأَعَاصِيرُ. قَالَ:
وَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الْأَحْيَاءِ مُغْتَبِطًا ... إِذْ صَارَ فِي الرَّمْسِ تَعْفُوهُ الْأَعَاصِيرُ
وَيُقَالُ فِي غُبَارِ الْعَجَاجَةِ أَيْضًا: إِعْصَارٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: 266] . وَيُقَالُ: مَرَّ فُلَانٌ وَلِثِيَابِهِ عَصَرَةٌ، أَيْ فَوْحُ طِيبٍ وَهَيْجُهُ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِعْصَارِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَرَّتِ امْرَأَةٌ مُتَطَيِّبَةٌ لِذَيْلِهَا عَصَرَةٌ» ".

(4/343)


وَمِنَ الْبَابِ الْعَصْرُ وَالِاعْتِصَارُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الِاعْتِصَارُ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إِنْسَانٍ مَالٌ بِغُرْمٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ يَعْتَصِرُونَ الْعَطَاءَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْمُعْتَصِرُ: الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ الشَّيْءِ يُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
وَإِنَّمَا الْعَيْشُ بِرُبَّانِهِ ... وَأَنْتَ مِنْ أَفْنَانِهِ مُعْتَصِرْ
وَيُقَالُ لِلْغَلَّةِ عُصَارَةٌ. وَفُسِّرَ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] ، قَالَ: يَسْتَغِلُّونَ بِأَرْضِيهِمْ. وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ كَأَنَّهُ اعْتُصِرَ كَمَا يُعْتَصَرُ الْعِنَبُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَصْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ طَرَفَةُ:
لَوْ كَانَ فِي أَمْلَاكِنَا أَحَدٌ ... يَعْصِرُ فِينَا كَالَّذِي تَعْصِرْ
أَيْ تُعْطِي.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْعَصَرُ: الْمَلْجَأُ، يُقَالُ اعْتَصَرَ بِالْمَكَانِ، إِذَا الْتَجَأَ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
مِسَحٍّ لَا يُوَارِي الْعَيْ ... رَ مِنْهُ عَصَرُ اللَّهْبِ
وَيُقَالُ: لَيْسَ لَكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عُصْرَةٌ، عَلَى فُعْلَةٍ، وَعَصَرٌ عَلَى تَقْدِيرِ فَعَلٍ، أَيْ مَلْجَأٌ. وَقَالَ فِي الْعُصْرَةِ:

(4/344)


وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ الْمَنْجُودِ
وَيُقَالُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:
أَعْشَى رَأَيْتَ الرُّمْحَ أَوْ هُوَ مُبْصِرٌ ... لِأَسْتَاهُكُمْ إِذْ تَطْرَحُونَ الْمَعَاصِرَا
إِنَّ الْمَعَاصِرَ: الْعَمَائِمُ. وَقَالُوا: هِيَ ثِيَابٌ سُودٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِرَ الدُّرُوعُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَصْرِ، لِأَنَّهُ يُعْصَرُ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَيْنِ وَالضَّادُ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَضَلَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَالْتِوَاءٍ فِي الْأَمْرِ. مِنْ ذَلِكَ الْعَضَلُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُلُّ لَحْمَةٍ صُلْبَةٍ فِي عَصَبَةٍ فَهِيَ عَضَلَةٌ. يُقَالُ: عَضِلَ الرَّجُلُ يَعْضَلُ عَضَلًا. وَمِنَ الْبَابِ: هُوَ عُضْلَةٌ مِنَ الْعُضَلِ، أَيْ مُنْكَرٌ دَاهِيَةٌ. وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ، كَأَنَّهُ وُصِفَ بِالشِّدَّةِ. وَالْعَضَلُ مِنَ الرِّجَالِ: الْقَوِيُّ. وَمِنَ الْبَابِ: الدَّاءُ الْعُضَالُ، الْأَمْرُ الْمُعْضِلُ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يُعْيِي إِصْلَاحُهُ وَتَدَارُكُهُ. وَيُقَالُ مِنْهُ أَعْضَلَ. وَيُقَالُ إِنَّ ذَا الْإِصْبَعِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَأَتَى قَوْمَهُ يَسْأَلُهُمْ مَهْرَهَا فَلَمْ يُعْطُوهُ فَقَالَ:
وَاحِدَةٌ أَعْضَلَكُمْ أَمْرُهَا ... فَكَيْفَ لَوْ دُرْتَ عَلَى أَرْبَعِ

(4/345)


يَقُولُ: عَجَزْتُمْ عَنْ مَهْرِ وَاحِدَةٍ فَكَيْفَ لَوْ تَزَوَّجْتُ بِأَرْبَعٍ. يُقَالُ: أَعْضَلَهُ الْأَمْرُ وَأَعْضَلَ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ: " أَعْضَلَ بِي أَهْلُ الْكُوفَةِ مَا يَرْضَوْنَ بِأَمِيرٍ، وَلَا يَرْضَاهُمْ أَمِيرٌ "، أَيْ أَعْيَانِي أَمْرُهُمْ. وَالْمُعْضِلَاتُ: الشَّدَائِدُ. وَيُقَالُ: عَضَّلْتُ عَلَيْهِ، أَيْ ضَيَّقْتُ فِي أَمْرِهِ. وَعَضَلْتُ الْمَرْأَةَ عَضْلًا، وَعَضَّلْتُهَا تَعْضِيلًا، إِذَا مَنَعْتَهَا مِنَ التَّزَوُّجِ ظُلْمًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] ، أَيْ تَحْبِسُوهُنَّ. وَيُقَالُ عَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا نَشِبَ الْوَلَدُ فِي رَحِمِهَا فَلَمْ يَسْهُلْ مَخْرَجُهُ. وَشَاةٌ مُعَضِّلَةٌ وَغَنَمٌ مَعَاضِيلُ. [وَ] عَضَّلَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا، أَيْ غَصَّتْ بِهِمْ وَضَاقَتْ لِكَثْرَتِهِمْ. قَالَ أَوْسٌ:
تَرَى الْأَرْضَ مِنَّا بِالْفَضَاءِ مَرِيضَةً ... مُعَضِّلَةً مِنَّا بِجَمْعٍ عَرَمْرَمِ
وَيُقَالُ سَنَةٌ عِضْلٌ: عَسِيرَةٌ. قَالَ:
فَيَا لَلنَّاسِ لِلسَّنَةِ الْعِضْلِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا يَأْتِينَا خَيْرُ فُلَانٍ إِلَّا مُعْضِلًا، أَيْ فِي الْتِوَاءٍ وَنَكَدٍ. وَعَضَلٌ: قَبِيلَةٌ، وَهُوَ مِنْ هَذَا.

(عَضَمَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَالْمِيمُ قَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ كَلِمَاتٌ عَنِ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ وَأَرَاهَا غَلَطًا مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ. فَأَمَّا الْخَلِيلُ فَأَعْلَى رُتْبَةً مِنْ أَنْ يُصَحِّحَ مِثْلَ هَذَا. قَالَ: الْعَضْمُ: مَقْبِضُ الْقَوْسِ. وَأَنْشَدُوا:
رُبَّ عَضْمٍ رَأَيْتُ فِي جَوْفِ ضَهْرٍ

(4/346)


قَالُوا: وَالضَّهْرُ: مَوْضِعٌ فِي الْجَبَلِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ. وَالْعِضَامُ: عَسِيبُ الْبَعِيرِ. وَالْعَضْمُ: خَشَبَةٌ ذَاتُ أَصَابِعَ يُذْرَى بِهَا الطَّعَامُ. وَعَضْمُ الْفَدَّانِ: لَوْحُهُ الْعَرِيضُ. وَالْعَيْضُومُ، قَالُوا: الْأَكُولُ.
وَذَكَرْنَا هَذَا كُلَّهُ تَعْرِيفًا أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَوْلَا ذَاكَ مَا كَانَ لِذِكْرِهِ وَجْهٌ.

(عَضَوَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَجْزِئَةِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْعِضْوُ وَالْعُضْوُ. وَالتَّعْضِيَةُ: أَنْ يُعَضِيَ الذَّبِيحَةَ أَعْضَاءً. وَالْعِضَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، تَقُولُ: عَضَّيْتُ الشَّيْءَ أَيْ وَزَّعْتُهُ. قَالَ رُؤْبَةُ:
وَلَيْسَ دِينُ اللَّهِ بِالْمُعَضَّى
أَيْ بِالْمُفَرَّقِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَقَوْلُهُ - تَعَالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] ، أَيْ عِضَةً عِضَةً، فَفَرَّقُوهُ، آمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. وَالِاسْمُ مِنْهُ التَّعْضِيَةُ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَا تَعْضِيَةَ فِي مِيرَاثٍ» أَيْ لَا تَقْسِمُوا مَا [لَا] يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ كَالسَّيْفِ وَالدُّرَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

(عَضَبَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ أَوْ كَسْرٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَضْبُ: السَّيْفُ الْقَاطِعُ. وَالْعَضْبُ: الْقَطْعُ نَفْسُهُ. تَقُولُ عَضَبَهُ يَعْضِبُهُ، أَيْ قَطَعَهُ. وَمِنْهُ رَجُلٌ عَضْبُ اللِّسَانِ، وَقَدْ عَضُبَ لِسَانُهُ عُضُوبَا وَعَضُوبَةً. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ تَشْبِيهٌ بِالسَّيْفِ الْعَضْبِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " عَضَبْتُ الرَّجُلَ

(4/347)


بِلِسَانِي، إِذَا تَنَاوَلْتُهُ بِهِ، شَتَمْتُهُ، وَرَجُلٌ عَضَّابٌ، إِذَا كَانَ شَتَّامًا ". وَعَضَبَنِي الْوَعْكُ أَيْ نَهَكَنِي.
وَمِنَ الْبَابِ: الشَّاةُ الْعَضْبَاءُ: الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْعَضَبَ يَكُونُ فِي أَحَدِ الْقَرْنَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعَضَبَ فِي الْأُذُنِ: أَنْ يَذْهَبَ نِصْفُهَا أَوْ ثُلْثُهَا، وَفِي الْقَرْنِ، إِذَا ذَهَبَ مِنْ مُشَاشِهِ شَيْءٌ.
وَحُكِيَ: رَجُلٌ أَعْضَبُ، أَيْ قَصِيرِ الْيَدِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْأَعْضَبَ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا إِخْوَةَ لَهُ وَلَا نَاصِرَ وَلَا أَحَدَ لَهُ.

(عَضَرَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ شَيْءٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ.

(عَضَدَ) الْعَيْنُ وَالضَّادُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ ; يُسْتَعَارُ فِي مَوْضِعِ الْقُوَّةِ وَالْمُعِينِ. فَالْعَضُدُ: مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إِلَى الْكَتِفِ، يُقَالُ عَضُدَ وَعَضْدَ، وَهَمًّا عَضُدَانِ، وَالْجَمْعُ أَعْضَادُ. وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَضُدِيٌّ، لِمَكَانِ الْقُوَّةِ الَّتِي فِي الْعَضُدِ. وَرَجُلٌ عَضُدِيٌّ وَعِضَادِيٌّ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْعَضْدُ: الْمَعُونَةُ، يُقَالُ: عَضَدْتُ فُلَانًا، أَيْ أَعَنْتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] . قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عَضُدُ الرَّجُلِ: قَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ،

(4/348)


وَلِذَلِكَ يُقَالُ: يَفُتُّ فِي عَضُدِهِ. وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِرَجُلٍ اسْتَعَانَهُ فَلَمْ يُعِنْهُ: " أَنْتَ وَاللَّهِ الْعَضُدُ الثَّلْمَاءُ "، نَسَبَهُ إِلَى الضَّعْفِ، وَإِذَا قَصُرَتِ الْعَضُدُ أَوْ دَقَّتْ فَهِيَ عَضِدَةٌ. وَأَمَّا الْعَضَدُ بِفْتَحِ الضَّادِ [فَهُوَ] دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الْعَضُدِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
شَكَّ الْفَرِيصَةَ بِالْمِدْرَى فَأَنْفَذَهَا ... شَكَّ الْمُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي مِنَ الْعَضَدِ
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ الْعَضَدُ إِلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً. وَنَاقَةٌ عَضِدَةٌ، اشْتَكَتْ عَضُدَهَا. وَإِبِلٌ مُعَضَّدَةٌ: مَوْسُومَةٌ فِي أَعَضَادِهَا. وَيُقَالُ لِلدُّمْلُجِ: الْمِعْضَدُ وَالْمِعْضَادُ، لِأَنَّهُ فِي الْعَضُدِ يُمْسَكُ. وَيُقَالُ لَهُ الْعِضَادُ أَيْضًا. وَيُقَالُ ذَلِكَ لِلَّذِي يَشُدُّ عَلَى الَعَضُدِ لِلنَّفَقَةِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَأَعْضَادُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا يُشَدُّ حَوَالَيْهِ مِنَ الْبِنَاءِ، وَذَلِكَ كَأَعْضَادِ الْحَوْضِ، وَهِيَ صَفَائِحُ مِنْ حِجَارَةٍ يُنْصَبْنَ حَوْلَ شَفِيرِهِ، الْوَاحِدُ عَضُدٌ. قَالَ لَبِيدٌ:
رَاسِخُ الدِّمْنِ عَلَى أَعَضَادِهِ ... ثَلَمَتْهُ كُلُّ رِيحٍ وَسَبَلْ
وَعَضُدُ الرَّحْلِ: خَشَبَتَانِ لَزِيقَتَانِ بِالْوَاسِطَةِ. وَعِضَادَةُ الْبَابِ: مِسَاكَاهُ اللَّذَانِ يُطْبَقُ الْبَابُ عَلَيْهِمَا. وَالْعَضِيدُ: النَّخْلَةُ تَنَاوَلُ ثَمَرَهَا بِيَدِكَ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّ الْعَضُدَ تُطَاوِلُهَا فَتَنَالُهَا. وَالرَّجُلُ الْعُضَادِيُّ: الْمُمْتَلِئُ الْعَضُدَيْنِ لَحْمًا. قَالَ:
وَأَعْجَبَهَا ذُو شَمْلَةٍ وَهِرَاوَةٍ ... غُلَامٌ عُضَادِيٌّ سَمِينُ الْبَآدِلِ

(4/349)


قَالَ: وَالْعَاضِدُ: الَّذِي يَلْزَمُ جَانِبَ الْإِبِلِ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ عَاضِدَيْنِ ; لِأَنَّ السَّوَّاقَ خَلْفَهَا وَالْعَاضِدَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا. وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
يَا لَيْتَ لِي بِصَاحِبَيَّ صَاحِبًا ... إِذَا مَشَى لَمْ يَعْضُدِ الرَّكَائِبَا
أَيْ لَمْ يَأْتِهَا مِنْ قِبَلِ أَعَضَادِهَا. وَالْعَاضِدُ: السَّهْمُ يَأْخُذُ نَاحِيَةً مِنَ الْغَرَضِ لَا يُصِيبُهُ. وَعَضَدَ الرَّجُلُ عَنِ الطَّرِيقِ: مَالَ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَاضِدُ مِنَ الْجِمَالِ الَّذِي يَعْضُدُ النَّاقَةَ فَيَتَنَوَّخُهَا. قَالَ:
صَوَّى لَهَا ذَا كُدْنَةٍ جُلَاعِدَا ... طَوْعَ السِّنَانِ ذِرَاعًا وَعَاضِدَا
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَطْعُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَضْدُ: قَطْعُ الشَّجَرَةِ بِالْمِعْضَدِ، وَهُوَ سَيْفٌ مُمْتَهَنٌ فِي قَطْعِ الشَّجَرِ. وَالْعَاضِدُ: الْقَاطِعُ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ: «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» . وَقَالَ فِي الْمِعْضَدِ:
حُسَامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِرًا بِهِ ... كَفَى الْعَوْدَ مِنْهُ الْبَدْءُ لَيْسَ بِمِعْضَدِ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سَيْفٌ مِعْضَدٌ وَمِعْضَادٌ وَعَضَّادٌ، أَيْ قَاطِعٌ. يُقَالُ عَضَّدَتِ الشَّجَرَةُ، وَاسْمُ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا الْعَضِيدُ وَالْعَضَدُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
الطَّعْنُ شَغْشَغَةٌ وَالضَّرْبُ هَيْقَعَةٌ ... ضَرْبَ الْمُعَوِّلِ تَحْتَ الدِّيمَةِ الْعَضَدَا

(4/350)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: الثَّوْبُ الْمُعَضَّدُ، وَهُوَ الْمُخَطَّطُ قَالَ:
وَلَا ذَوَاتِ الرَّيْطِ وَالْمُعَضَّدِ

[بَابُ الْعَيْنِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَطَفَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْثِنَاءٍ وَعِيَاجٍ. يُقَالُ: عَطَفْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَمَلْتَهُ. وَانْعَطَفَ، إِذَا انْعَاجَ. وَمَصْدَرُ عَطَفَ الْعُطُوفُ. وَتَعَطَّفَ بِالرَّحْمَةِ تَعَطُّفًا. وَعَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ عَطْفًا. وَالرَّجُلُ يَعْطِفُ الْوِسَادَةَ: يَثْنِيهَا، عَطْفًا، إِذَا ارْتَفَقَ بِهَا. قَالَ لَبِيدٌ:
وَمَجُودٍ مِنْ صُبَابَاتِ الْكَرَى ... عَاطِفِ النُّمْرُقِ صَدْقِ الْمُبْتَذَلْ
وَيُقَالُ لِلْجَانِبَيْنِ الْعِطْفَانِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ عَلَيْهِمَا. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ثَنَى عِطْفَهُ، إِذَا أَعْرَضَ عَنْكَ وَجَفَاكَ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ عَطُوفٌ فِي الْحَرْبِ وَالْخَيْرِ، وَعَطَّافٌ. وَظَبْيَةٌ عَاطِفٌ، إِذَا رَبَضَتْ وَعَطَفَتْ عُنُقَهَا. وَفُلَانٌ يَتَعَاطَفُ فِي مِشْيَتِهِ، إِذَا تَمَايَلَ. وَالْإِنْسَانُ يَتَعَطَّفُ بِثَوْبِهِ، وَهُوَ شِبْهُ التَّوَشُّحِ. وَالرِّدَاءُ نَفْسُهُ عِطَافٌ، لِأَنَّهُ يُعْطَفُ. ثُمَّ يَتَّسِعُونَ فِي ذَلِكَ فَيُسَمُّونَ السَّيْفَ عِطَافًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مَوْضِعَ الرِّدَاءِ.

(عَطَلَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ وَفَرَاغٍ. نَقُولُ: عُطِّلَتِ الدَّارُ، وَدَارٌ مُعَطَّلَةٌ وَمَتَى تُرِكَتِ الْإِبِلُ بِلَا رَاعٍ فَقَدْ عُطِّلَتْ،

(4/351)


وَكَذَلِكَ الْبِئْرُ إِذَا لَمْ تُورَدْ وَلَمْ يُسْتَقَ [مِنْهَا] . قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] . وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَا مِنْ حَافِظٍ فَقَدْ عُطِّلَ. مِنْ ذَلِكَ تَعْطِيلُ الثُّغُورِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْعَطَلُ وَهُوَ الْعُطُولُ، يُقَالُ امْرَأَةٌ عَاطِلٌ، إِذَا كَانَتْ لَا حَلْيَ لَهَا، وَالْجَمْعُ عَوَاطِلُ. قَالَ:
يَرُضْنَ صِعَابَ الدُّرِّ فِي كُلِّ حِجَّةٍ ... وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَعْنَاقُهُنَّ عَوَاطِلَا
وَقَوْسٌ عُطُلٌ: لَا وَتَرَ عَلَيْهَا. وَخَيْلٌ أَعْطَالٌ: لَا قَلَائِدَ لَهَا.
وَشَذَّتْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ كَلِمَةٌ، وَهِيَ النَّاقَةُ الْعَيْطَلُ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ فِي حُسْنٍ. وَرُبَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي النَّاقَةِ:
نَصَبْتُ لَهُ ظَهْرِي عَلَى مَتْنِ عِرْمِسٍ ... رُوَاعِ الْفُؤَادِ حُرَّةِ الْوَجْهِ عَيْطَلِ

(عَطَنَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى إِقَامَةٍ وَثَبَاتٍ. مِنْ ذَلِكَ الْعَطَنُ وَالْمَعْطِنُ، وَهُوَ مَبْرَكُ الْإِبِلِ. وَيُقَالُ إِنَّ إِعْطَانَهَا أَنْ تُحْبَسَ عِنْدَ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ. قَالَ لَبِيدٌ:
عَافَتَا الْمَاءَ فَلَمْ نُعْطِنْهُمَا ... إِنَّمَا يُعْطِنُ مَنْ يَرْجُو الْعَلَلْ
وَيُقَالُ: كُلُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ مَأْلَفًا لِلْإِبِلِ فَهُوَ عَطَنٌ، وَالْمَعْطِنِ: ذَلِكَ الْمَوْضِعُ. قَالَ:

(4/352)


وَلَا تُكَلِّفُنِي نَفْسِي وَلَا هَلَعِي ... حِرْصًا أُقِيمُ بِهِ فِي مَعْطِنِ الْهُونِ
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَكُونُ أَعْطَانُ الْإِبِلِ إِلَّا عَلَى الْمَاءِ، فَأَمَّا مَبَارِكُهَا فِي الْبَرِّيَّةِ وَعِنْدَ الْحَيِّ فَهُوَ الْمَأْوَى، وَهُوَ الْمُرَاحُ أَيْضًا. وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ " فِي مَعْطِنِ الْهُونِ "، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْطِنَ يَكُونُ حَيْثُ تُحْبَسُ الْإِبِلُ فِي مَبَارِكِهَا أَيْنَ كَانَتْ. وَبَيْتُ لَبِيدٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ.
وَمِنَ الْبَابِ عَطْنُ الْجِلْدِ، وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ فِي الدِّبَاغِ.

(عَطَوَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى أَخْذٍ وَمُنَاوَلَةٍ، لَا يُخْرِجُ الْبَابُ عَنْهُمَا. فَالْعَطْوُ: التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّهُ ... أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاوِيكُ إِسْحِلِ
يَصِفُ الْمَرْأَةَ أَنَّهَا تَسُوكُ. وَالظَّبْيُ يَعْطُو، وَذَلِكَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ مُتَطَاوِلًا إِلَى الشَّجَرَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْوَرَقَ. وَقَالَ:
تَخُلُّ بِقَرْنَيْهَا بَرِيرَ أَرَاكَةٍ ... وَتَعْطُو بِظِلْفَيْهَا إِذَا الْغُصْنُ طَالَهَا
قَالَ الْخَلِيلُ: وَمِنْهُ اشْتُقَّ الْإِعْطَاءُ. وَالْمُعَاطَاةُ: الْمُنَاوَلَةُ. وَيُقَالُ: عَاطَى الصَّبِيُّ أَهْلَهُ، إِذَا عَمِلَ وَنَاوَلَ مَا أَرَادُوا. وَالْعَطَاءُ: اسْمٌ لِمَا يُعْطَى، وَهِيَ الْعَطِيَّةُ، وَالْجَمْعُ عَطَايَا، وَجَمْعُ الْعَطَايَا أَعْطِيَةٌ. قَالَ:
تُعَاطِيهِ أَحْيَانًا إِذَا جِيدُ جَوْدَةً ... رُضَابًا كَطَعْمِ الزَّنْجَبِيلِ الْمُعَسَّلِ

(4/353)


وَيَقُولُونَ: إِنَّ التَّعَاطِيَ: تَنَاوُلٌ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ، يُقَالُ فُلَانٌ يَتَعَاطَى ظُلْمَ فُلَانٍ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر: 29] . وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: " عَاطٍ بِغَيْرِ أَنْوَاطٍ "، أَيْ إِنَّهُ يَسْمُو إِلَى [الْأَمْرِ] وَلَا آلَةَ لَهُ عِنْدَهُ، كَالَّذِي يَتَعَلَّقُ وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُ.

(عَطَبَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَتَانِ لَا تَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى.
فَالْأُولَى: الْعَطَبُ، وَهُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ عَطِبَ، وَأَعْطَبَهُ غَيْرُهُ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْعُطْبُ، وَهُوَ الْقُطْنُ.

(عَطَدَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالدَّالُ ذُكِرَتْ فِيهِ كَلِمَةٌ وَالْقِيَاسُ لَا يُسَوِّغُهَا، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْعَطَوَّدُ: السيَّرُ السَّرِيعُ الشَّاقُّ. وَيُنْشِدُونَ:
إِلَيْكَ أَشْكُو عَنَقًا عَطَوَّدَا

(عَطَرَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَهُوَ الْعِطْرُ لِلْأَشْيَاءِ الْمُعَالَجَةِ بِالطِّيبِ، وَفَاعِلُهُ الْعَطَّارُ. وَامْرَأَةٌ عَطِرَةٌ وَمِعْطِيرٌ. وَقَالَ:
يَتْبَعْنَ جَأْبًا كَمُدُقِّ الْمِعْطِيرْ

(عَطَسَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ تُسْتَعَارُ، وَهِيَ الْعُطَاسُ، يُقَالُ: عَطَسَ يَعْطِسُ. وَيُقَالُ لِلْأَنْفِ مَعْطَسٌ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فِي الطَّاءِ

(4/354)


وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: عَطَسَ الصُّبْحُ، إِذَا انْفَلَقَ. وَقَدْ قَالُوا إِنَّ الْعُطَاسَ: الصُّبْحُ فِي قَوْلِهِ:
وَقَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ الْعُطَاسِ بِهَيْكَلٍ

(عَطِشَ) الْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْعَطَشُ، يُقَالُ لَهُ: عَطِشَ يَعْطَشُ عَطَشًا. وَيُقَالُ إِنَّ الْمَعَاطِشَ: مَوَاقِيتُ الظَّمَأِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَا تَشْتَكِي سَقْطَةً مِنْهَا وَقَدْ رَقَصَتْ ... بِهَا الْمَعَاطِشُ حَتَّى ظَهْرُهَا حَدِبُ

[بَابُ الْعَيْنِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(عَظَمَ) الْعَيْنُ وَالظَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كِبَرٍ وَقُوَّةٍ. فَالْعِظَمُ: مَصْدَرُ الشَّيْءِ الْعَظِيمِ. تَقُولُ: عَظُمَ يَعْظُمُ عِظَمًا، وَعَظَّمْتُهُ أَنَا. فَإِذَا عَظُمَ فِي عَيْنَيْكَ قُلْتَ: أَعْظَمْتُهُ وَاسْتَعْظَمْتُهُ. وَمُعْظَمُ الشَّيْءِ: أَكْثَرُهُ. وَعَظْمَةُ الذِّرَاعِ: مُسْتَغْلَظُهَا. وَهِيَ الْعَظِيمَةُ: النَّازِلَةُ الْمُلِمَّةُ الشَّدِيدَةُ. قَالَ:
إِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ ... وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إِخَالُكَ نَاجِيًا
وَمِنَ الْبَابِ الْعَظْمُ، مَعْرُوفٌ، وَهُوَ سُمِّي بِذَلِكَ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ.

(4/355)


(عَظَبَ) الْعَيْنُ وَالظَّاءُ وَالْبَاءُ. يَقُولُونَ: عَظَبَ الطَّائِرُ، إِذَا حَرَّكَ زِمِكَّاهُ. وَهُوَ كَلَامٌ. وَالْعُنْظُبُ: الْجَرَادُ الضَّخْمُ، النُّونُ زَائِدَةٌ.

(عَظَلَ) الْعَيْنُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ. يُقَالُ: تَعَاظَلَ الْكِلَابُ، إِذَا تَسَافَدَتْ، وَهِيَ تَعَاظَلُ. وَجَرَادٌ عَظْلَى مِنْ ذَلِكَ وَفُلَانٌ لَا يُعَاظِلُ فِي شِعْرِهِ بَيْنَ الْقَوَافِي، أَيْ لَا يَجْعَلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. وَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُسَمَّى الْإِيطَاءُ ; أَيْ لَا يُكَرِّرُ الْقَوَافِي، أَوْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُسَمَّى التَّضْمِينُ، وَهُوَ أَنَّ [يَكُونُ] تَمَامُ الْبَيْتِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ.

(4/356)


[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ عَيْنٌ]
قَالَ الْخَلِيلُ: (الْمُعَلْهَجُ) : الرَّجُلُ اللَّئِيمُ. وَأَنْشَدَ:
فَكَيْفَ تُسَامِينِي وَأَنْتَ مُعَلْهَجٌ ... هُذَارِمَةٌ جَعْدُ الْأَنَامِلِ حَنْكَلُ
وَهَذَا إِنْ كَانَ صَحِيحًا فَالْهَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، لِمَا قُلْنَاهُ، إِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِي الْحُرُوفِ مِنَ الْكَلِمَةِ تَعْظِيمًا لِلشَّيْءِ أَوْ تَهْوِيلًا وَتَقْبِيحًا. وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعِلْجِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

(الْعَزَاهِيلُ) ، قَالُوا: هِيَ الْإِبِلُ الْمُهْمَلَةُ، وَاحِدُهَا عُزْهُولُ. يُنْشِدُونَ: لِلشَّمَّاخِ:
حَتَّى اسْتَغَاثَ بِأَحْوَى فَوْقَهُ حُبُكٌ ... يَدْعُو هَدِيلًا بِهِ الْعُزْفُ الْعَزَاهِيلُ
وَهَذَا أَيْضًا إِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَالْهَاءُ زَائِدَةٌ، كَأَنَّهَا أُهْمِلَتْ فَاعْتَزَلَتْ وَمَرَّتْ حَيْثُ شَاءَتْ.

(الْعَيْهَرَةُ) : الْمَرْأَةُ الْفَاجِرَةُ، وَالزَّائِدَةُ فِي ذَلِكَ الْيَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَهْرِ.

(الْعَبَاهِلُ) : جَمْعُ الْعَبْهَلِ، وَهُوَ الْإِبِلُ الَّتِي أُهْمِلَتْ تَرِدُ كَيْفَ شَاءَتْ، وَمَتَّى شَاءَتْ. قَالَ:

(4/357)


عَبَاهِلٌ عَبْهَلَهَا الْوُرَّادُ
وَبِهِ شُبِّهَتِ الْمُلُوكُ الَّذِينَ لَا فَوْقَ يَدِهِمْ يَدٌ. هَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْبَاءُ. وَالْأَصْلُ الْعَيْهَلُ وَالْعَيْهَلَةُ: الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ. وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

(الْعُرَاهِمُ) : النَّاعِمُ التَّارُّ. وَقَصَبٌ

(عُرْهُومٌ) ، وَبَعِيرٌ عُرَاهِمٌ: طَوِيلٌ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْعَيْهَامَةُ وَالْعَيْهَمَةُ، وَهِيَ مِنْ [النُّوقِ] : الطَّوِيلَةُ وَقَدْ مَرَّ.

(وَالْعُفَاهِمُ) : الْجَلْدُ الْقَوِيُّ. وَكُلُّ قَوِيٍّ عُفَاهِمٌ. قَالَ:
مِنْ عُنْفُوَانِ جَرْيِهِ الْعُفَاهِمِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْفَاءُ، وَهُوَ مِنَ الْعَيْهَمَةِ أَيْضًا.

(الْعَبْهَرَ) : الضَّخْمُ الْخَلْقِ وَكُلُّ عَظِيمٍ عَبْهَرٌ. وَامْرَأَةٌ عَبْهَرَةٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
عَبْهَرَةُ الْخَلْقِ لُبَاخِيَّةٌ ... تَزِينُهُ بِالْخُلُقِ الظَّاهِرِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتِ الْعَيْنُ فِي أَوَّلِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَهْرِ، أَيِ أَنَّهَا تَبْهَرُ بِخَلْقِهَا. وَقَدْ فَسَّرْنَا الْبَهْرَ.

(الْعَلْهَبُ) : التَّيْسُ الطَّوِيلُ الْقَرْنَيْنِ، وَيُوصَفُ بِهِ الثَّوْرُ. قَالَ جَرِيرٌ:
إِذَا قَعِسَتْ ظُهُورُ بَنِي تَمِيمٍ ... تَكَشَّفَ عَنْ عَلَاهِبَةِ الْوُعُولِ

(4/358)


وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعُلَبِ. وَالْعُلَبُ: النَخْلُ الطُّوَالُ. وَقَدْ مَرَّ.

(الْعَشَنَّقُ) : الطَّوِيلُ الْجِسْمِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الشِّينُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَنَقِ. وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ الْعَيْنُ زَائِدَةٌ أَيْضًا. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْكَلِمَةُ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، مِنَ الْعَنَقِ، وَالشَّنَقِ. وَقَدْ فَسَّرْنَاهُمَا. وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ: امْرَأَةٌ عَشَنَّقَةٌ: طَوِيلَةُ الْعُنُقِ، وَنَعَامَةٌ عَشَنَّقَةٌ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ.

(الْعَسْلَقُ) : كُلُّ سُبُعٍ جَرُؤَ عَلَى الصَّيْدِ، وَالْجَمْعُ عَسَالِقُ. وَهَذِهِ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ: مِنْ عَسِقَ بِهِ إِذَا لَازَمَهُ، وَمِنْ عَلِقَ، وَمَنْ سَلِقَ. وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ فُسِّرَ.

(الْعُسْقُولُ) : قِطْعَةُ السَّرَابِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ. وَالْأَصْلُ الْعَسَقُ، يُقَالُ إِنَّهُ الْإِطَاقَةُ بِالشَّيْءِ، مِنَ اللُّزُومِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(الْعَسَلَّقُ) : الظَّلِيمُ. مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ السُّرْعَةِ وَيَكُونُ الْقَافُ زَائِدَةٌ، وَيَكُونُ مِنَ الْعَسَلَانِ ; وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْنُ زَائِدَةٌ، وَيَكُونُ مِنَ السَّلْقِ وَالتَّسَلُّقِ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَيِّدٌ.

(الْعُنْقُودُ) : مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مِنَ الْعَقْدِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ عُقِدَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.

(الْعُرْقُوبُ) : عَقَبٌ مُوَتَّرٌ خَلْفَ الْكَعْبَيْنِ. وَعَرْقَبْتُ الدَّابَّةَ: قَطَعْتُ عُرْقُوبَهَا. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْعَقِبُ لِلْإِنْسَانِ وَحْدَهُ،

(4/359)


ثُمَّ جُعِلَ الْعُرْقُوبُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. وَيُسْتَعَارُ الْعُرْقُوبُ فَيُقَالُ لِمُنْحَنًى مِنَ الْوَادِي فِيهِ الْتِوَاءٌ شَدِيدٌ: عُرْقُوبٌ. وَقَالَ:
وَمَخُوفٍ مِنَ الْمَنَاهِلِ وَحْشٍ ... ذِي عَرَاقِيبَ آجِنٍ مِدْفَانِ
قَالَ الْخَلِيلُ: وَعَرَاقِيبُ الْأُمُورِ: عَصَاوِيدُهَا، وَذَلِكَ إِدْخَالُ اللَّبْسِ فِيهَا. وَيَتَمَثَّلُ النَّاسُ فَيَقُولُونَ: " يَوْمٌ أَقْصَرُ مِنْ عُرْقُوبِ الْقَطَاةِ ".

(الْعَقْرَبُ) : مَعْرُوفَةٌ، وَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَقْرِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيُقَالُ لِلَّذِي يَقْرُصُ النَّاسَ: إِنَّهُ لَتَدِبُّ عَقَارِبُهُ. وَدَابَّةٌ مُعَقْرَبُ الْخَلْقِ، أَيْ مُلَزَّزٌ مُجْتَمِعٌ شَدِيدٌ.

(الْعَفْلَقُ) : الْفَرْجُ رِخْوًا وَاسِعًا. وَهَذَا مَنْحُوتٌ مَنْ عَفَقَ وَالْعُفَاقَةُ [وَ] مِنْ فَلَقَ.

(الْعُقْبُولُ) : قَالُوا: بَقِيَّةُ الْمَرَضِ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ، إِنَّمَا هُوَ مَرَضٌ يَعْقُبُ الْمَرَضَ الْعَظِيمَ.

(الْعَضَنَّكَةُ) : الْمَرْأَةُ اللَّفَّاءُ الْعَجُزِ الَّتِي ضَاقَ مُلْتَقَى فَخِذَيْهَا لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الضَّنْكِ وَهُوَ الضِّيقُ. وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الضِّنَاكِ.

(4/360)


(عَرْكَسَ) ، قَالَ الْخَلِيلُ: عَرْكَسُ أَصْلُ بِنَاءِ اعْرَنْكَسَ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَاكَمَ الشَّيْءُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، يُقَالُ اعْرَنْكَسَ. قَالَ الْعَجَّاجُ فِي وَصْفِ اللَّيْلِ:
وَاعْرَنْكَسَتْ أَهْوَالُهُ وَاعْرَنْكَسَا
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَنْحُوتٌ مِنْ عَكَسَ وَعَرَكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَيْءٌ يَتَرَادُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَيَتَرَاجَعُ وَيُعَارِكُ بَعْضُهُ كَأَنَّهُ يَلْتَفُّ بِهِ.

(اعْلَنْكَسَ) : الشَّعْرُ، إِذَا اشْتَدَّ سَوَادُهُ، وَكَثُرَ. وَهَذَا هُوَ مِنَ الْأَوَّلِ، وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ. عَرْكَسْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهَذَا مِنْ عَكَسَ وَرَكَسَ، وَقَدْ فُسِّرَا.

(عَكْمَسَ) : اللَّيْلُ، إِذَا أَظْلَمَ. قَالَ:
وَاللَّيْلُ لَيْلٌ مُظْلِمٌ عُكَامِسُ
وَهَذَا مِنْ عَكَسَ وَعَمَسَ، لِأَنَّ فِي عَمَسَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْإِخْفَاءِ، وَالظُّلْمَةُ تُخْفِي، يُقَالُ عَمَّسَ عَلَيْهِ الْخَبَرَ، وَقَدْ فُسِّرَ.

(الْعِلْكَدُّ) : الشَّدِيدُ. وَهَذَا مِنْ عَكَدَ، وَمِنَ الْعِلْوَدُّ، وَهُوَ الشَّدِيدُ، وَمِنَ اللَّكَدِ، وَهُوَ تَدَاخُلُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ:
أَعْيَسَ مَضْبُورَ الْقَرَا عِلْكَدَّا

(4/361)


(الْعُكْبُرَةُ) : مِنَ النِّسَاءِ: الْجَافِيَةُ الْعِلْجَةُ. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ الْعَكْبَاءُ فِي خَلْقِهَا. قَالَ:
عَكْبَاءُ عُكْبُرَةٌ فِي بَطْنِهَا ثَجَلٌ ... وَفِي الْمَفَاصِلِ مِنْ أَوْصَالِهَا فَدَعُ
وَهَذَا الْأَمْرُ ظَاهِرٌ أَنَّ الرَّاءَ فِيهِ زَائِدَةٌ. وَالْأَصْلُ الْعَكَبُ وَالْعِكَبُّ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.

(الْعَكَرْكَرُ) : اللَّبَنُ الْغَلِيظُ. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا كُرِّرَتْ حُرُوفُهُ. وَالْأَصْلُ الْعَكَرُ.

(الْعُلْكُومُ) : النَّاقَةُ الْجَسِيمَةُ السَّمِينَةُ. قَالَ لَبِيدٌ:
تُرْوِي الْحَدَائِقَ بَازِلٌ عُلْكُومُ
وَهَذَا مِنْ عَكَمَ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ، كَأَنَّهَا عُكِمَتْ بِاللَّحْمِ عَكْمًا.

(الْعِفْضَاجُ) : السَّمِينُ الرِّخْوُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الضَّادُ، وَهُوَ مِنَ الْعَيْنِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ، كَأَنَّهُ مُمْتَلِئُ الْأَعْفَاجِ، وَهِيَ الْأَمْعَاءُ.

(الْعُجَلِدُ) : اللَّبَنُ الْخَاثِرُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالْجِلْدِ فِي كَثَافَتِهِ.

(4/362)


(وَالْعُجَلِطُ) : مِثْلُهُ، وَالطَّاءُ بَدَلُ الدَّالِ.

(الْعَشَنَّطُ) : الطَّوِيلُ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْجَمْعُ عَشَنَّطُونَ وَعَشَانِطُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الشِّينُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَنَطَ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَنَطْنَطُ. وَ (الْعَنْشَطُ) مِثْلُ هَذَا. قَالَ:
أَتَاكَ مِنَ الْفِتْيَانِ أَرْوَعُ مَاجِدٌ ... صَبُورٌ عَلَى مَا نَابَهُ غَيْرُ عَنْشَطِ

(الْعَشَوْزَنُ) : الْمُلْتَوِي الْعَسِرُ الْخُلُقِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ:
إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ ... وَوُلِّيتُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونًا
وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ عَشَزَ وَشَزَنَ. الْعَشَزَانُ: مَشْيُ الْأَقْزَلِ. وَالشَّزَنُ: الْمَكَانُ الصُّلْبُ.

(الْعَشَنْزَرُ) : الشَّدِيدُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ وَالنُّونُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الشَّزْرِ، وَقَدْ مَرَّ. قَالَ:
ضَرْبًا وَطَعْنًا بَاقِرًا عَشَنْزَرَا

(الْعَيْسَجُورُ) : النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ وَالْيَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَسَجَتْ فِي سَيْرِهَا. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْعَاسِجِ.

(الْعَجَنَّسُ) : الْجَمَلُ الضَّخْمُ، وَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَةٌ. وَهُوَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْعَجَسِ وَالْعَجَاسَاءُ. قَالَ:

(4/363)


يَتْبَعْنَ ذَا هَدَاهِدٍِ عَجَنَّسَا ... إِذَا الْغُرَابَانِ بِهِ تَمَرَّسَا

(الْعِجْلِزَةُ) : الْفَرَسُ الشَّدِيدُ الْخَلْقِ. وَقَدْ نَصَّ الْخَلِيلُ فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ: اشْتِقَاقٌ هَذَا النَّعْتِ مِنْ جَلْزِ الْخَلْقِ. وَهُوَ يُصَحِّحُ مَا نَذْكُرُهُ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ. فَقَدْ أَعْلَمَكَ أَنَّ الْعَيْنُ فِيهِ زَائِدَةٌ. وَقَالَ:
وَعِجْلِزَةٍ يَزِلُّ اللِّبَدُ فِيهَا

(الْعَجْرَدُ) : الْعُرْيَانُ. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَرَدَ وَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ.

وَمِنْهُ (الْعَنْجَرِدُ) ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ السَّلِيطَةُ الْجَرِيئَةُ، وَالْعَيْنُ فِي ذَلِكَ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَجَرُّدِهَا لِلْخُصُومَةِ وَقِلَّةِ حَيَائِهَا. قَالَ:
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفْ ... شَيْطَانَةٌ مِثْلَ الْحِمَارِ الْأَعْرَفِ

(الْعَجَنْجَرُ) : الْغَلِيظُ، يُقَالُ زُبْدٌ عَجَنْجَرٌ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ حُرُوفُهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَهُوَ مَنْ تَعَجَّرَ، إِذَا تَعَقَّدَ. قَالَ:
مَخَضْتُ وَطْبِي فَرَغَا وَجَرْجَرَا ... أَخْرَجَ مِنْهُ زَبَدًا عَجَنْجَرَا

(الْعَثْجَلُ) : الْوَاسِعُ الضَّخْمُ مِنَ الْأَسْقِيَةِ وَالْأَوْعِيَةِ. قَالَ:
يَسْقِي بِهِ ذَاتَ فُرُوغٍ عَثْجَلَا
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الثُّجْلَةِ. وَالْأَثْجَلُ: الْبَطْنُ الْوَاسِعُ.

(4/364)


(الْعَجْرَفِيَّةُ) : جَفْوَةٌ فِي الْكَلَامِ وَخَرْقٌ فِي الْعَمَلِ، وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ شَيْئَيْنِ: مِنْ جَرَفَ وَعَجَرَ، كَأَنَّهُ يَجْرُفُ الْكَلَامَ جَرْفًا فِي تَعَقُّدٍ. وَالْعَجَرُ، التَّعَقُّدُ. يُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ لِحَوَادِثِ الدَّهْرِ: عَجَارِيفُ. قَالَ قَيْسٌ:
لَمْ تُنْسِنِي أُمُّ عَمَّارٍ نَوًى قَذَفٌ ... وَلَا عَجَارِيفُ دَهْرٍ لَا تُعَرِّينِي
أَيْ لَا تُخَلِّينِي، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَجِيءُ جَارِفَةً فِي شِدَّةٍ.

(الْعُجْرُمُ) : الْغَلِيظُ، وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ. الْأَصْلُ الْأَعْجَرُ.

(الْعُلْجُومُ) : الظُّلْمَةُ الْمُتَرَاكِمَةُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَوْ مُزْنَةٌ فَارِقٌ يَجْلُو غَوَارِبَهَا ... تَبَوُّجُ الْبَرْقِ وَالظَّلْمَاءُ عُلْجُومُ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اعْتِلَاجِ الظُّلَمِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.

(الْعُطْبُولُ) : الْوَطِيئَةُ مِنَ النِّسَاءِ الْمُمْتَلِئَةِ. قَالَ:
فَسِرْنَا وَخَلَّفْنَا هُبَيْرَةَ بَعْدَنَا ... وَقُدَّامُهُ الْبَيْضُ الْحِسَانُ الْعَطَابِلُ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الطَّاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَبَالَةِ الْجِسْمِ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مَنْحُوتًا مِنْ عَطَلَ، فَالْعُطُلُ: الْجِسْمُ الْمُجَرَّدُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: عُطُلُهَا عَبْلٌ. وَهَذَا أَجْوَدُ.

(الْعَمَرَّسُ) : الشَّرِسُ الْخُلُقِ الْقَوِيُّ. وَهَذَا مَا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْءِ الْمَرِسِ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ.

(4/365)


(الْعَتْرَسَةُ) : الْغَلَبَةُ [وَ] الْأَخْذُ مِنْ فَوْقَ. وَجَاءَ رَجُلٌ بِغَرِيمٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: " أَتُعَتْرِسُهُ "، أَيْ تُغْضِبُهُ وَتَقْهَرُهُ. وَ (الْعِتْرِيسُ) مِنَ الْغِيلَانِ: الذَّكَرُ. وَمِنْهُ (الْعَنْتَرِيسُ) النَّاقَةُ الْوَثِيقَةُ، وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ الْفَرَسُ. وَقَالَ:
كُلُّ طِرْفٍ مُوَثَّقٍ عَنْتَرِيسٍ ... مُسْتَطِيلُ الْأَقْرَابِ وَالْبُلْعُومُ
الْعَنْتَرِيسُ: الدَّاهِيَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ التَّاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَرِسَ بِالشَّيْءِ، إِذَا لَازَمَهُ. وَالنُّونُ أَيْضًا زَائِدَةٌ فِي الْعَنْتَرِيسِ.

(الْعَنْتَرُ) : الشُّجَاعُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَالْأَصْلُ الْعِتْرُ، مِنْ عَتَرَ الرُّمْحُ. وَسُمِّي الشُّجَاعُ بِذَلِكَ لِسُرْعَتِهِ إِلَى اللِّقَاءِ وَكَثْرَةِ حَرَكَاتِهِ فِيهِ.

(الْعَنْبَسُ) : مِنْ أَسْمَاءِ الْأَسَدِ. قَالَ الْخَلِيلُ: إِذَا نَعَتَّهُ قُلْتَ عَنْبَسٌ وَعُنَابِسٌ، وَإِذَا خَصَصْتَهُ بِاسْمٍ قُلْتَ عَنْبَسَةُ، لَمْ تَذْكُرِ الْأَسَدَ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَهُوَ فَنْعَلٌ مِنَ الْعُبُوسِ.

(الْعَمَلَّسُ) : الذِّئْبُ الْخَبِيثُ. يُقَالُ عَمَلَّسُ دَلَجَاتٍ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
يُوَدِّعُ فِي الْأَمْرَاسِ كُلَّ عَمَلَّسٍ مِنَ ... الْمُطْعِمَاتِ الصَّيْدِ ذَاتِ الشَّوَاحِنِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ عَمِلَ، وَعَمَسَ.

(4/366)


تَقُولُ: هُوَ عَمُولٌ عَمُوسٌ: يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَيَمْضِي فِيمَا يَعْمَلُهُ.

(عِرْمِسٌ) : اسْمٌ لِلصَّخْرَةِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ. قَالَ:
وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسٌ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَالْأَصْلُ عَرْسٌ، وَقَدْ شُبِّهَتْ بِعَرْسِ الْبِنَاءِ.

(الْعَنْسَلُ) : النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ الْوَثِيقَةُ الْخَلْقِ. وَهَذَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ عَنَسَ وَنَسَلَ، فَعَنَسَ مِنْ قُوَّةِ خَلْقِهَا، سُمِّيَتْ بِالْعَنْسِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ. وَنَسَلُ فِي السُّرْعَةِ وَالذَّهَابِ.

(عِرْبِسٌ) وَ (عَرْبَسِيسٌ) : مَتْنٌ مُسْتَوٍ مِنَ الْأَرْضِ. قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَعِرْبِسٌ مِنْهَا بِسَيْرٍ وَهْسِ
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
تُوَاكِلُ عَرْبَسِيسَ الْأَرْضَ مَرْتًا ... كَظَهْرِ السَّيْحِ مُطَّرِدَ الْمُتُونِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْبَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمُعَرَّسِ، أَيِ إِنَّهُ مُسْتَوٍ سَهْلٌ لِلتَّعْرِيسِ فِيهِ.

(الْعُبْسُورَةُ) وَ (الْعُبْسُرَةُ) : النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ. قَالَ:

(4/367)


لَقَدْ أُرَانِيَ وَالْأَيَّامُ تُعْجِبُنِي ... وَالْمُفْقِرَاتُ بِهَا الْخُورُ الْعَبَاسِيرُ
وَالسِّينُ فِي ذَلِكَ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ نَاقَةٍ عُبْرَ أَسْفَارٍ. وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ. يَوْمٌ (عَمَرَّسٌ) : شَدِيدٌ ذُو شَرٍّ، قَالَ الْأُرَيْقِطُ:
عَمَرَّسٌ يَكْلَحُ عَنْ أَنْيَابِهْ
وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ يَوْمٍ عَمَاسٍ: شَدِيدٍ. وَمِنَ الْمَرْسِ: الشَّيْءُ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ، وَقَدْ فُسِّرَا.

(عُمْرُوسُ) : الْحَمَلُ إِذَا بَلَغَ النَّزْوَ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَهُوَ مَنْ عَرِسَ بِالشَّيْءِ: لَازَمَهُ وَأُولِعُ بِهِ. وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ مَنْحُوتَةً مَنْ عَرِسَ وَمَرِسَ، لِأَنَّهُ يَتَمَرَّسُ بِالْإِنَاثِ وَيَعْرَسُ بِهَا.

(اعْرَنْزَمَتْ) الْأَرْنَبَةُ وَاللِّهْزِمَةُ، إِذَا ضَخُمَتْ وَاشْتَدَّتْ. قَالَ:
لَقَدْ أُوقِدَتْ نَارُ الشَّرَوْرَى بِأَرْؤُسٍ ... عِظَامِ اللِّحَى مُعْرَنْزِمَاتِ اللَّهَازِمِ
وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ عَرَزَ، وَرَزَمَ. أَمَّا رَزَمَ فَاجْتَمَعَ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ رِزْمَةُ الثِّيَابِ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَأَمَّا عَرَزَ فَمِنْ عَرَزَ، إِذَا تَقَبَّضَ وَتَجَمَّعَ.

(الْعَمَلَّطُ) : الشَّدِيدُ مِنَ الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ. وَقَالَ:
أَمَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ الْعَمَلَّطَا

(4/368)


وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمِلْطِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِهِ.

(الْعِرْزَالُ) : مَا يَجْمَعُهُ الْأَسَدُ فِي مَأْوَاهُ مِنْ شَيْءٍ يُمَهِّدُ لِأَشْبَالِهِ، كَالْعُشِّ. وَعِرْزَالُ الصَّيَّادِ: أَهْدَامُهُ وَخِرَقُهَا الَّتِي يَمْتَهِدُهَا وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا فِي الْقُتْرَةِ. قَالَ:
مَا إِنْ يَنِي يَفْتَرِشُ الْعَرَازِلَا
وَيُقَالُ الْعِرْزَالُ: مَا يُجْمَعُ مِنَ الْقَدِيدِ فِي قُتْرَتِهِ. وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ عَزَلَ وَعَرَزَ، يَعْزِلُهُ وَيَعْرِزُهُ أَيْ يَجْمَعُهُ، كَمَا قُلْتُ أَعْرَزَ، إِذَا تَقَبَّضَ وَتَجَمَّعَ.

(الْعُصْفُرُ) : نَبَاتٌ. وَهَذَا إِنْ كَانَ مُعَرَّبًا فَلَا قِيَاسَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَمَنْحُوتٌ مَنْ عَصَرَ وَصَفَرَ، يُرَادُ بِهِ عُصَارَتُهُ وَصُفْرَتُهُ.

(الْعُصْفُورُ) : طَائِرٌ ذَكَرٌ، الْعَيْنُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا [هُوَ] مِنَ الصَّفِيرِ الَّذِي يَصْفِرُهُ فِي صَوْتِهِ. وَمَا كَانَ بَعْدَ هَذَا فَكُلُّهُ اسْتِعَارَةٌ وَتَشْبِيهٌ. فَالْعُصْفُورُ: الشِّمْرَاخُ السَّائِلُ مِنْ غُرَّةِ الْفَرَسِ. وَالْعُصْفُورُ: قِطْعَةٌ مِنَ الدِّمَاغِ. قَالَ:
عَنْ أُمِّ فَرْخِ الرَّأْسِ أَوْ عُصْفُورِهِ
وَالْعُصْفُورُ فِي الْهَوْدَجِ: خَشَبَةٌ تَجْمَعُ أَطْرَافَ خَشَبَاتٍ فِيهِ، وَالْجَمْعُ عَصَافِيرُ.
قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كُلُّ مَشْكُوكٍ عَصَافِيرُهُ

(4/369)


(الْعِرْصَافُ) : الْعَقِبُ الْمُسْتَطِيلُ. وَالْعَرَاصِيفُ: أَوْتَادٌ تَجْمَعُ رُءُوسَ أَحْنَاءِ الرَّحْلِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَصَفْتُ، وَمِنَ الرِّصَافِ، وَهُوَ الْعَقِبُ، وَقَدْ مَرَّ.

(الْعَرْصَمُ) : الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الْبَضْعَةِ. وَهَذَا مِنَ الْعَرَصِ، وَهُوَ النَّشَاطُ. وَيُقَالُ الْعِرْصَمُّ. وَقِيَاسُهُ وَاحِدٌ.

(الْعُنْصُرُ) : أَصْلُ الْحَسَبِ، وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْعَصَرُ، وَهُوَ الْمَلْجَأُ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ، لِأَنَّ كُلًّا يَئِلُ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ.

(الْعِنْفِصُ) : الْمَرْأَةُ الْقَلِيلَةُ، وَيُقَالُ هِيَ الْخَبِيثَةُ الدَّاعِرَةُ. قَالَ الْأَعْشَى:
لَيْسَتْ بِسَوْدَاءَ وَلَا عِنْفِصٍ ... تُسَارِقُ الطَرْفَ إِلَى دَاعِرِ
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَقْيَسُ، وَهُوَ مِنْ عَفَصْتُ الشَّيْءَ، إِذَا لَوَيْتُهُ، كَأَنَّهَا عَوْجَاءُ الْخُلُقِ وَتَمِيلُ إِلَى ذَوِي الدَّعَارَةِ.

(الْعَصْلَبِيُّ) : الشَّدِيدُ الْبَاقِي. قَالَ:
قَدْ ضَمَّهَا اللَّيْلُ بِعَصْلَبِيِّ
وَهُوَ مَنْحُوتٌ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ: مِنْ عَصَبَ، وَمِنْ صَلَبَ، وَمِنْ عَصَلَ وَكُلُّ

(4/370)


ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ الشَّيْءِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ. وَقَدْ أَوْمَأَ الْخَلِيلُ إِلَى بَعْضِ مَا قُلْنَاهُ. فَقَالَ: عَصْلَبَتُهُ: شِدَّةُ عَصَبِهِ.

(الْعَمَيْثَلُ) : الضَّخْمُ الثَّقِيلُ. وَالْعَمَيْثَلُ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ إِبْطَاءٌ. وَامْرَأَةٌ عَمَيْثَلَةٌ: ضَخْمَةٌ ثَقِيلَةٌ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
لَيْسَ بِمُلْتَاثٍ وَلَا عَمَيْثَلِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ. وَالْأَصْلُ عَثَلُ. وَالْعِثْوَلُ: الْبَطِيءُ الثَّقِيلُ. وَقَدْ مَرَّ.

(الْعَرَنْدَدُ) : الصُّلْبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ:
تَدَارَكْتُهَا رَكْضًا بِسَيْرٍ عَرَنْدَدِ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَضُوعِفَتِ الدَّالُ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى. وَالْأَصْلُ الْعُرُدُّ، وَهُوَ الْقَوِيُّ، وَقَدْ مَرَّ.

(الْعُنَابِلُ) : الْوَتَرُ الْغَلِيظُ. قَالَ:
وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ
وَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ عَنَبَ وَعَبَلَ، وَكِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ وَشِدَّةٌ.

(الْيَعْفُورُ) : الْخِشْفُ. قَالَ الْخَلِيلُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُزُوقِهِ بِالْأَرْضِ. قَالَ:

(4/371)


تَقْطَعُ الْقَوْمَ إِلَى أَرْحُلِنَا ... آخِرَ اللَّيْلِ بِيَعْفُورٍ خَدِرْ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتِ الْيَاءُ فِي أَوَّلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْعَفَرِ، وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ وَالتُّرَابِ.

(الْعَمَرَّطُ) : الْجَسُورُ الشَّدِيدُ. [وَ] يُقَالُ

(عَمَرَّدٌ) ، وَهَذَا مِنَ الْعُرُدِّ، وَهُوَ الشَّدِيدُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَالطَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الدَّالِ.

(الْعَقَنْبَاةُ) : الدَّاهِيَةُ مِنَ الْعِقْبَانِ، وَالْجَمْعُ عَقَنْبَيَاتُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الزَّوَائِدُ تَهْوِيلًا وَتَفْخِيمًا. وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ الَّذِي سَلَكْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمُقَايَسَاتِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَشُكُّ فِي أَنَّ عَقَنْبَاةَ إِنَّمَا أَصْلُهَا عُقَابُ، لَكِنَّ زِيدَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَافْهَمْ ذَلِكَ.

(عَنْقَفِيرٌ) : الدَّاهِيَةُ. وَهَذَا مِمَّا هُوِّلَ أَيْضًا بِالزِّيَادَةِ. يَقُولُونَ لِلدَّاهِيَةِ عَنْقَاءُ، ثُمَّ يَزِيدُونَ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ كَمَا قَدْ كَرَّرْنَا الْقَوْلَ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.

(عَلْطَمِيسٌ) : جَارِيَةٌ تَارَّةٌ حَسَنَةُ الْقَوَامِ. وَنَاقَةٌ عَلْطَمِيسٌ: شَدِيدَةٌ ضَخْمَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا عَيْطَمُوسٌ وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ. وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى الْعَيْنِ وَالطَّاءِ فِي هَذَا فَهُوَ زَائِدٌ، وَأَصْلُهُ الْعَيْطَاءُ: الطَّوِيلَةُ، وَالطَّوِيلَةُ الْعُنُقِ.

(4/372)


(عَرَنْدَسٌ) : شَدِيدٌ. كُلُّ مَا زَادَ فِيهِ عَلَى الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَالدَّالِ فَهُوَ زَائِدٌ، وَأَصْلُهُ عُرُدٌّ، وَهُوَ الشَّدِيدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(عَرَمْرَمٌ) : الْجَيْشُ الْكَثِيرُ. وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَا زَادَ فِيهِ عَلَى الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَالْمِيمِ فَهُوَ زَائِدٌ. وَإِنَّمَا زِيدَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْخِيمًا، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ فِيهِ الْعُرَامُ وَالْعَرِمُ.

(عَنْجَرِدٌ) : الْمَرْأَةُ الْجَرِيئَةُ السَّلِيطَةُ. وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَجَرَّدُ لِلشَّرِّ. الْعَيْنُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ.

(4/373)


[كِتَابُ الْغَيْنِ] [بَابِ الْغَيْنِ وَمَا مَعَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابِ الْغَيْنِ وَمَا مَعَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
(غَفَّ) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَفَرَّعُ، وَهِيَ الْبُلْغَةُ، وَيُقَالُ لَهُ غُفَّةٌ مِنَ الْعَيْشِ. قَالَ:
وَغُفَّةٌ مِنْ قِوَامِ الْعَيْشِ تَكْفِينِي
وَاغْتَفَّتِ الْخَيْلُ غُفَّةً مِنَ الرَّبِيعِ، إِذَا أَصَابَتْ مِنْهُ شِبَعًا وَلَمْ تَسْتَكْثِرْ. قَالَ:
وَكُنَّا إِذَا مَا اغْتَفَّتِ الْخَيْلُ غُفَّةً ... تَجَرَّدَ طَلَّابُ التِّرَاتِ مُطَلَّبُ

(غَقَّ) الْغَيْنُ وَالْقَافُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا يُحْكَى بِهِ الصَّوْتُ يَغْلِي، يُقَالُ غَقَّ.

(غَلَّ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَخَلُّلِ شَيْءٍ، وَثَبَاتِ

(4/375)


شَيْءٍ، كَالشَّيْءِ يُغْرَزُ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: غَلَلْتُ الشَّيْءَ فِي الشَّيْءِ، إِذَا أَثْبَتَّهُ فِيهِ، كَأَنَّهُ غَرَزْتَهُ. قَالَ:
وَعَيْنٌ لَهَا حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ... إِلَى حَاجِبٍ غُلَّ فِيهِ الشُّفُرْ
وَالْغُلَّةُ وَالْغَلِيلُ: الْعَطَشُ. وَقِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ يَنْغَلُّ فِي الْجَوْفِ بِحَرَارَةٍ. يُقَالُ بَعِيرٌ غَلَّانُ، أَيْ ظَمْآنُ. وَالْغَلَلُ: الْمَاءُ الْجَارِي بَيْنَ الشَّجَرِ.
وَمِنْهُ الْغُلُولُ فِي الْغُنْمِ، وَهُوَ أَنْ يُخْفَى الشَّيْءُ فَلَا يُرَدُّ إِلَى الْقَسْمِ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ غَلَّهُ بَيْنَ ثِيَابِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْغِلُّ، وَهُوَ الضِّغْنُ يَنْغَلُّ فِي الصَّدْرِ.
فَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا إِغْلَالَ وَلَا إِسْلَالَ» فَالْإِغْلَالُ: الْخِيَانَةُ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ وَاضِحٌ. قَالَ النَّمِرُ:
جَزَى اللَّهُ عَنَّا جَمْرَةَ ابْنَةَ نَوْفَلٍ ... جَزَاءَ مُغِلٍّ بِالْأَمَانَةِ كَاذِبِ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ» فَمَنْ قَالَ لَا يُغِلُّ فَهُوَ مِنَ الْإِغْلَالِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ. وَمَنْ قَالَ لَا يَغِلُّ فَهُوَ مِنَ الْغِلِّ وَالضِّغْنِ.

(4/376)


وَمِنَ الْبَابِ الْغُلَّانُ: الْأَوْدِيَةُ الْغَامِضَةُ، وَاحِدُهَا غَالٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ سَالِكَهَا يَنْغَلُّ فِيهَا. وَالْغِلَالَةُ: شِعَارٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الثَّوْبِ، وَبِطَانَةٌ تُلْبَسُ تَحْتَ الدِّرْعِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْغُلَّةُ، وَهُوَ الْفِدَامُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْإِبْرِيقِ، وَالْجَمْعُ غُلَلٌ. قَالَ لَبِيِدٌ:
لَهَا غُلَلٌ مِنْ رَازِقِيٍّ وَكُرْسُفٌ ... بِأَيْمَانِ عُجْمٍ يَنْصُفُونَ الْمَقَاوِلَا
وَالْغَلْغَلَةُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ. وَرِسَالَةٌ مُغَلْغَلَةٌ: مَحْمُولَةٌ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهَا تَتَخَلَّلُ الْبِلَادَ وَتَنْغَلُّ فِيهَا. قَالَ:
أَبْلِغْ أَبَا مَالِكٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... وَفِي الْعِتَابِ حَيَاةٌ بَيْنَ أَقْوَامِ
وَمِنَ الْبَابِ الْغَلِيلُ: النَّوَى يُغَلِّ فِي الْقَتِّ يُخْلَطُ بِهِ، تُعْلَفُهُ الْإِبِلُ. قَالَ:
سُلَّاءَةٌ كَعَصَا النَّهْدِيِّ غُلَّ لَهَا ... ذُو فَيْئَةٍ مِنْ نَوَى قُرَّانَ مَعْجُومُ

(غَمَّ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَإِطْبَاقٍ. تَقُولُ: غَمَمْتُ الشَّيْءَ أَغُمُّهُ، أَيْ غَطَّيْتُهُ. وَالْغَمَمُ: أَنْ يُغَطِّيَ الشَّعْرُ الْقَفَا وَالْجَبْهَةَ فِي بِنَائِهِ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَغَمُّ وَجَبْهَةٌ غَمَّاءُ. قَالَ:

(4/377)


فَلَا تَنْكِحِي إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا ... أَغَمُّ الْقَفَا وَالْوَجْهُ لَيْسَ بِأَنْزَعَا
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَمَامُ: جَمْعُ غَمَامَةٍ. وَقِيَاسُهُ وَاضِحٌ. وَمِنْهُ الْغِمَامَةُ، وَهِيَ الْخِرْقَةُ تُشَدُّ عَلَى أَنْفِ النَّاقَةِ شَدًّا كَيْ لَا تَجِدَ الرِّيحَ. قَالَ قَوْمٌ: كُلُّ مَا سَدَّ الْأَنْفَ فَهُوَ غِمَامَةٌ. وَغُمَّ الْهِلَالُ، إِذَا لَمْ يُرَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . أَيْ غُطِّيَ الْهِلَالُ. وَيُقَالُ: يَوْمٌ غَمٌّ وَلَيْلَةٌ غَمَّةٌ، إِذَا كَانَا مُظْلِمَيْنِ. وَغَمَّهُ الْأَمْرُ يَغَمُّهُ غَمَّا، وَهُوَ شَيْءٌ يَغْشَى الْقَلْبَ، مَعْرُوفٌ. وَأَمَّا الْغَمْغَمَةُ فَهِيَ أَصْوَاتُ الثِّيرَانِ عِنْدَ الذُّعْرِ، وَالْأَبْطَالِ عِنْدَ الْوَغَى. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ لَا تَكَادُ يَكُونُ لَهَا قِيَاسٌ.

(غَنَّ) الْغَيْنُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ، إِمَّا لِاخْتِلَاطِهِ، وَإِمَّا لِعِلَّةٍ تُصَاحِبُهُ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: قَرْيَةٌ غَنَّاءُ، يُرَادُ بِذَلِكَ تَجَمُّعُ أَصْوَاتِهِمْ وَاخْتِلَاطُ جَلَبَتِهِمْ. وَوَادٍ أَغَنُّ: مُلْتَفُّ النَّبَاتِ، فَتَرَى الرِّيحَ تَجْرِي فِيهِ وَلَهَا غُنَّةٌ ; وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ذُبَابِهِ. وَمِنْهُ الْغُنَّةُ فِي الرَّجُلِ الْأَغَنِّ، وَهُوَ خُرُوجُ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ بِأَنْفِهِ.

(غَيَّ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ أَوِ الْمُضَاعَفَةُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِظْلَالِ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «تَجِيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ - أَوْ - غَيَايَتَانِ» . وَالْجَمْعُ غَيَايَاتٍ. قَالَ لَبِيدٌ:

(4/378)


فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ قَافِلًا ... وَعَلَى الْأَرْضِ غَيَايَاتُ الطَّفَلْ

(غَبَّ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ وَفَتْرَةٍ فِيهِ. مِنْ ذَلِكَ الْغِبُّ، هُوَ أَنْ تَرِدَ الْإِبِلُ يَوْمًا وَتَدَعَ يَوْمًا. وَالْمُغَبَّبَةُ: الشَّاةُ تُحْلَبُ يَوْمًا وَتُتْرَكُ يَوْمًا. وَأَغْبَبْتُ الزِّيَارَةَ مِنَ الْغِبِّ أَيْضًا. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: غَبَّبَ فِي الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، كَأَنَّهُ زِيدَتْ فَتْرَةٌ أَوْقَعَهَا فِيهِ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: " رُوَيْدَ الشِّعْرِ يَغُبُّ "، وَذَلِكَ أَنْ يُتْرَكَ إِنْشَادُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ وَقْتٌ. وَيَقُولُونَ: غَبَّ الْأَمْرُ، إِذَا بَلَغَ آخِرَهُ. وَلَحْمٌ غَابٌّ، إِذَا لَمْ يُؤْكَلْ لِوَقْتِهِ، بَلْ تُرِكَ وَقْتًا وَفَتْرَةً.

(غَتَّ) الْغَيْنُ وَالتَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ إِبْدَالُ تَاءٍ مِنْ طَاءٍ. تَقُولُ: غَطَطْتُهُ وَغَتَتُّهُ. وَمِنْهُ شَيْءٌ يَجْرِي مَجْرَى الْحِكَايَةِ. يُقَالُ غَتَّ فِي الضَّحِكِ، إِذَا ضَحِكَ فِي خَفَاءٍ. وَغَتَّ: أَتْبَعَ الْقَوْلَ الْقَوْلَ، أَوِ الشُّرْبَ الشُّرْبَ.

(غَثَّ) الْغَيْنُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَبِسْتُ فُلَانًا عَلَى غَثِيثَةٍ فِيهِ، أَيْ فَسَادِ عَقْلٍ وَرَأْيٍ. وَالْغَثِيثَةُ: الْمِدَّةُ فِي الْجُرْحِ. وَمِنْ ذَلِكَ اللَّحْمُ الْغَثُّ: لَيْسَ بِالسَّمِينِ. وَيَقُولُونَ: أَغَثَّ الْحَدِيثُ، أَيْ صَارَ غَثَّا فَاسِدًا. قَالَ:
خَوْدٌ يُغِثُّ الْحَدِيثُ مَا صَمَتَتْ ... وَهُوَ بِفِيهَا ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ

(4/379)


وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَغِثُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَيْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ شَيْءٍ، حَتَّى الْغَثُّ عِنْدَهُ سَمِينٌ.
وَأَمَّا الْغَثْغَثَةُ فَتَجْرِي مَجْرَى الْحِكَايَةِ، يُقَالُ: غَثْغَثْتُ الثُّوَّبَ، إِذَا غَسَلْتَهُ وَرَدَّدْتَهُ فِي يَدَيْكَ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْغَثْغَثَةَ: الْقِتَالُ الضَّعِيفُ بِلَا سِلَاحٍ، شُبِّهَ بِغَثْغَثَةِ الثَّوْبِ حِينَ يُغْسَلُ.

(غَدَّ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ الْغُدَّةُ فِي اللَّحْمِ، مَعْرُوفَةٌ.
قَالَ الرَّاجِزُ:
فَهَبْ لَهُ حَلِيلَةً مِغْدَادَا
قَالُوا: هِيَ الدَّائِمَةُ الْغَضَبِ، كَأَنَّ فِي حَلْقِهَا غُدَّةٌ.

(غَذِّ) الْغَيْنُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ إِغْذَاذُ السَّيْرِ. وَذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ فِيهِ وَنْيَةٌ وَلَا فَتْرَةَ. وَمِنْهُ: غَذَّ الْجُرْحُ وَأَغَذَّ، إِذَا بَرَأَ وَلَمْ يَسْكُنْ نَدَاهُ، فَهُوَ يَنْدَى أَبَدًا.

(غَرَّ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ: الْأَوَّلُ الْمِثَالُ، وَالثَّانِي النُّقْصَانُ، وَالثَّالِثُ الْعِتْقُ وَالْبَيَاضُ وَالْكَرَمُ.
فَالْأَوَّلُ: الْغِرَارُ: الْمِثَالُ الَّذِي يُطْبَعُ عَلَيْهِ السِّهَامُ. وَيُقَالُ: وَلَدَتْ فُلَانَةٌ أَوْلَادَهَا عَلَى غِرَارٍ وَاحِدٍ، أَيْ جَاءَتْ بِهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ. وَأَصْلُ
هَذَا الْغَرُّ، وَهُوَ الْكَسْرُ فِي الثَّوْبِ. يُقَالُ: اطْوِ الثَّوْبَ عَلَى غَرِّهِ، أَيْ كَسْرِهِ وَمِثَالِهِ الْأَوَّلِ. وَالْغُرَّةُ: سُنَّةُ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ وَجْهُهُ، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنِ الْجِسْمِ كُلِّهِ بِهِ.

(4/380)


مِنْ ذَلِكَ: " «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» "، أَيْ عَلَيْهِ فِي دِيَتِهِ نَسَمَةٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ. قَالَ:
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ غُرَّهْ ... حَتَّى يَنَالَ الْقَتْلَ آلُ مُرَّهْ
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَرِيرُ، وَهُوَ الضَّمِينُ، يُقَالُ: أَنَا غَرِيرُكَ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ كَفِيلُكَ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ غَرِيرًا لِأَنَّهُ مِثَالُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، يُؤْخَذُ بِالْمَالِ مِثْلَ مَا يُؤْخَذُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ. وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ غِرَارُ السَّيْفِ، وَهُوَ حَدُّهُ، مِنْ هَذَا. وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ حَدٌّ فَحَدُّهُ غِرَارٌ ; لِأَنَّهُ شَيْءٌ إِلَيْهِ انْتَهَى طَبْعُ السَّيْفِ وَمِثَالُهُ.
وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَيُقَالُ: غَارَّتِ النَّاقَةُ تُغَارُّ غِرَارًا، إِذَا نَقَصَ لَبَنُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ» . فَالْغِرَارُ فِي الصَّلَاةِ: أَلَّا يُتِمَّ رُكُوعَهَا أَوْ سُجُودَهَا. وَالْغِرَارُ فِي السَّلَامِ: أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَوْ يَرُدَّ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكَ. وَمِنْهُ الْغِرَارُ، وَهُوَ النَّوْمُ الْقَلِيلُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الرَّزِيَّةَ مِنْ ثَقِيفٍ هَالِكٌ ... تَرَكَ الْعُيُونَ فَنَوْمُهُنَّ غِرَارُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
مَا بَالُ نَوْمِكَ فِي الْفِرَاشِ غِرَارًا ... لَوْ كَانَ قَلْبُكَ يَسْتَطِيعُ لَطَارَا
وَمِنَ الْبَابِ: بَيْعُ الْغَرَرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ الَّذِي لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لَا، كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالطَّائِرِ فِي الْهَوَاءِ. فَهَذَا نَاقِصٌ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ فِيهِ أَبَدًا. وَغَرَّ الطَّائِرُ فَرْخَهُ، إِذَا زَقَّهُ، وَذَلِكَ لِقِلَّتِهِ وَنُقْصَانِ مَا مَعَهُ.

(4/381)


وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْغُرَّةُ. وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَكْرَمُهُ. وَالْغُرَّةُ: الْبَيَاضُ. وَكُّلُّ أَبْيَضَ أَغَرُّ. وَيُقَالُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ غُرَّةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَرِيرُ، وَهُوَ الْخُلُقُ الْحَسَنُ. يَقُولُونَ لِلشَّيْخِ: أَدْبَرَ غَرِيرُهُ وَأَقْبَلَ هَرِيرُهُ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا: الْغَرَارَةُ، وَهِيَ كَالْغَفْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ كَرَمِ الْخُلُقِ، قَدْ تَكُونُ فِي كُلِّ كَرِيمٍ. فَأَمَّا الْمَذْمُومُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ; لِأَنَّهُ مِنْ نُقْصَانِ الْفِطْنَةِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذِهِ الْأُصُولِ إِنْ صَحَّ، شَيْءٌ ذَكَرَهُ الشَّيْبَانِيُّ: أَنَّ الْغِرْغِرَ: دَجَاجُ الْحَبَشِ، وَاحِدَتُهَا غِرْغِرَةٌ. وَأَنْشَدَ:
أَلُفُّهُمُ بِالسَّيْفِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ ... كَمَا لَفَّتِ الْعِقْبَانُ حِجْلَى وَغِرْغِرَا

(غَزَّ) الْغَيْنُ وَالزَّاءُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. وَغَزَّةُ: بَلَدٌ.

(غَسَّ) الْغَيْنُ وَالسِّينُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ غُسٌّ، إِذَا كَانَ ضَعِيفًا. وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسٍ:
مُخَلَّفُونَ وَيَقْضِي النَّاسُ أَمْرَهُمْ ... غُسُّو الْأَمَانَةِ صُنْبُورٌ فَصُنْبُورُ

(4/382)


(غَشَّ) الْغَيْنُ وَالشِّينُ أُصُولٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ فِي الشَّيْءِ وَاسْتِعْجَالٍ فِيهِ. مِنْ ذَلِكَ الْغِشُّ. وَيَقُولُونَ: الْغِشُّ: أَلَّا تَمْحَضَ النَّصِيحَةُ. وَشُرْبٌ غِشَاشٌ: قَلِيلٌ. وَمَا نَامَ إِلَّا غِشَاشًا، أَيْ قَلِيلًا، وَلَقِيتُهُ غِشَاشًا، وَذَلِكَ عِنْدَ مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ.

(غَصَّ) الْغَيْنُ وَالصَّادُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْغَصَصُ بِالطَّعَامِ، وَيُقَالُ رَجُلٌ غَصَّانُ. قَالَ:
لَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي

(غَضَّ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى كَفٍّ وَنَقْصٍ، وَالْآخِرُ عَلَى طَرَاوَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْغَضُّ: غَضُّ الْبَصَرِ. وَكُلُّ شَيْءٍ كَفَفْتَهُ فَقَدْ غَضَضْتَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ غَضَاضَةٌ، أَيْ أَمْرٌ يَغُضُّ لَهُ بَصَرَهُ. وَالْغَضْغَضَةُ: النُّقْصَانُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَقَدْ مَرَّ مِنَ الدُّنْيَا بِبِطْنَتِهِ لَمْ يُغَضْغَضْ» . وَيَقُولُونَ: هُوَ بَحْرٌ لَا يُغَضْغَضُ. وَغَضْغَضْتُ السِّقَاءَ: نَقَصْتُهُ. وَكَذَلِكَ الْحَقُّ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْغَضُّ: الطَّرِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَيُقَالُ لِلطَّلْعِ حِينَ يَطْلُعُ: غَضِيضٌ.

(4/383)


(غَطَّ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا صَوْتٌ، وَالْآخَرُ وَقْتٌ مِنَ الْأَوْقَاتِ.
فَالْأَوَّلُ: غَطِيطُ الْإِنْسَانِ فِي نَوْمِهِ. وَمِنْهُ الْغَطَاطُ، وَهِيَ الْقَطَا، سُمِّيَتْ لِصَوْتِهَا غَطَاطًا. قَالَ:
فَأَثَارَ فَارِطُهُمُ غَطَاطًا جُثَّمَا ... أَصْوَاتُهُ كَتَرَاطُنِ الْفُرْسِ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْغُطَاطُ، قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الصُّبْحُ. وَأَنْشَدُوا:
قَامَ إِلَى حَمْرَاءَ فِي الْغُطَاطِ
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ سَدَفُ الظَّلَامِ. وَقَالُوا فِي بَيْتِ ابْنِ أَحْمَرَ ( [30] ) :
أُولَى الْوَعَاوِعِ كَالْغُطَاطِ الْمُقْبِلِ
مَنْ فَتَحَ شَبَّهَهُمْ بِالْقَطَا، وَمَنْ ضَمَّ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُمْ بِسَوَادِ السَّدَفِ كَثْرَةً. وَأَمَّا غَطَطْتُهُ فِي الْمَاءِ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّوْتُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَهَا، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ سَدَفِ الظَّلَامِ، كَأَنَّهُ سَتَرْتَهُ بِالْمَاءِ وَغَطَّيْتَهُ.

(4/384)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَفَقَ) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ وَتَكْرِيرٍ فِي الشَّيْءِ، مَعَ فَتَرَاتٍ تَكُونُ بَيْنَ ذَلِكَ.
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: غَفَقَ إِبِلَهُ، وَذَلِكَ إِذَا أَسْرَعَ إِيرَادَهَا ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ. وَيَقُولُونَ: ظَلَّ يَتَغَفَّقُ الشَّرَابَ، إِذَا جَعَلَ يَشْرَبُهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. وَيُقَالُ: غَفَقَ غَفْقَةً مِنَ اللَّيْلِ، إِذَا نَامَ نَوْمَةً خَفِيفَةً. وَالْغَفْقُ: الْمَطَرُ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ. وَيُقَالُ غَفَقَهُ بِالسَّوْطِ غَفَقَاتٍ. وَالْغَفْقُ: الْهُجُومُ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَيُقَالُ لِلْآيِبِ مِنْ غَيْبَتِهِ فُجَاءَةً. وَغَفَقَ الْحِمَارُ الْأَتَانَ: أَتَاهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

(غَفَرَ) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ عُظْمُ بَابِهِ السَّتْرُ، ثُمَّ يَشِذُّ عَنْهُ مَا يُذْكَرُ. فَالْغَفْرُ: السَّتْرُ. وَالْغُفْرَانُ وَالْغَفْرُ بِمَعْنًى. يُقَالُ: غَفَرَ اللَّهُ ذَنْبَهُ غَفْرًا وَمَغْفِرَةً وَغُفْرَانًا. قَالَ فِي الْغَفْرِ:
فِي ظِلِّ مَنْ عَنَتِ الْوُجُوهُ لَهُ ... مَلِكِ الْمُلُوكِ وَمَالِكِ الْغَفْرِ
وَيُقَالُ: غَفِرَ الثَّوْبُ، إِذَا ثَارَ زِئْبِرُهُ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّ الزِّئْبِرُ يُغَطِّي وَجْهَ الثَّوْبِ. وَالْمِغْفَرُ مَعْرُوفٌ. وَالْغِفَارَةُ: خِرْقَةٌ يَضَعُهَا الْمُدَّهِنُ عَلَى هَامَتِهِ. وَيُقَالُ

(4/385)


الْغَفِيرُ: الشَّعْرُ السَّائِلُ فِي الْقَفَا. وَذُكِرَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّهَا قَالَتْ لِابْنَتِهَا: " اغْفِرِي غَفِيرَكِ "، تُرِيدُ: غَطِّيهِ. وَالْغَفِيرَةُ: الْغُفْرَانُ أَيْضًا. قَالَ:
يَا قَوْمُ لَيْسَتْ فِيهِمُ غَفِيرَهْ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا: الْغُفْرِ: وَلَدُ الْأُرْوِيَّةِ، وَأُمُّهُ مُغْفِرٌ. وَالْغَفْرُ: النُّكْسُ فِي الْمَرَضِ. قَالَ:
خَلِيلَيَّ إِنَّ الدَّارَ غَفْرٌ لِذِي الْهَوَى ... كَمَا يَغْفِرُ الْمَحْمُومُ أَوْ صَاحِبُ الْكَلْمِ
فَأَمَّا الْمَغْفُورُ فَشَيْءٌ يُشَبَّهُ بِالصَّمْغِ يَخْرُجُ مِنَ الْعُرْفُطِ.

(غَفَلَ) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الشَّيْءِ سَهْوًا، وَرُبَّمَا كَانَ عَنْ عَمْدٍ. مِنْ ذَلِكَ: غَفَلْتُ عَنِ الشَّيْءِ غَفْلَةً وَغُفُولًا، وَذَلِكَ إِذَا تَرَكْتَهُ سَاهِيًا. وَأَغْفَلْتُهُ، إِذَا تَرَكْتَهُ عَلَى ذِكْرٍ مِنْكَ لَهُ. وَيَقُولُونَ لِكُلِّ مَا لَا مَعْلَمَ لَهُ: غُفْلٌ، كَأَنَّهُ غُفِلَ عَنْهُ. فَيَقُولُونَ: أَرْضٌ غُفْلٌ: لَا عَلَمَ بِهَا. وَنَاقَةٌ غُفْلٌ: لَا سِمَةَ عَلَيْهَا. وَرَجُلٌ غُفْلٌ: لَمْ يُجَرِّبِ الْأُمُورَ.

(غَفَوَي) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أُصَيْلٌ كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ مِنَ التَّرْكِ لِلشَّيْءِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا يُخْتَصُّ بِأَنَّهُ جِنْسٌ مِنَ النَّوْمِ. مِنْ ذَلِكَ: أَغْفَى الرَّجُلُ مِنَ النَّوْمِ يُغْفِي إِغْفَاءً. وَالْإِغْفَاءَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. قَالَ:

(4/386)


فَلَوْ كُنْتَ مَاءً كُنْتَ مَاءَ غَمَامَةٍ ... وَلَوْ كُنْتَ نَوْمًا كُنْتَ إِغْفَاءَةَ الْفَجْرِ
مِنْ ذَلِكَ الْغَفْوُ، وَهِيَ الزُّبْيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّاقِطَ فِيهَا كَأَنَّهُ غَفَلَ وَأَغْفَى حَتَّى سَقَطَ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا: الْغَفَى، وَهُوَ الرُّذَالُ مِنَ الشَّيْءِ. يُقَالُ: أَغْفَى الطَّعَامُ: كَثُرَ غَفَاهُ، أَيِ الرَّدِيُّ مِنْهُ.

(غَفَصَ) الْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. غَافَصْتُ الرَّجُلَ: أَخَذْتُهُ عَلَى غِرَّةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَلَمَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَدَاثَةٍ وَهَيْجِ شَهْوَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغُلَامُ، هُوَ الطَّارُّ الشَّارِبِ. وَهُوَ بَيِّنُ الْغُلُومِيَّةِ وَالْغُلُومَةِ، وَالْجَمْعُ غِلْمَةٌ وَغِلْمَانُ. وَمِنْ بَابِهِ: اغْتَلَمَ الْفَحْلُ غُلْمَةً: هَاجَ مِنْ شَهْوَةِ الضِّرَابِ. وَالْغَيْلَمُ: الْجَارِيَةُ الْحَدَثَةُ. وَالْغَيْلَمُ: الشَّابُّ. وَالْغَيْلَمُ: ذَكَرُ السَّلَاحِفِ. وَلَيْسَ بَعِيدًا أَنْ يَكُونَ قِيَاسُهُ قِيَاسَ الْبَابِ.

(غَلَوَيَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِي الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَمُجَاوَزَةِ قَدْرٍ. يُقَالُ: غَلَا السِّعْرُ يَغْلُو غَلَاءً، وَذَلِكَ ارْتِفَاعُهُ. وَغَلَا

(4/387)


الرَّجُلُ فِي الْأَمْرِ غُلُوًّا، إِذَا جَاوَزَ حَدَّهُ. وَغَلَا بِسَهْمِهِ غَلْوًا، إِذَا رَمَى بِهِ سَهْمًا أَقْصَى غَايَتِهِ. قَالَ:
كَالسَّهْمِ أَرْسَلَهُ مِنْ كَفِّهِ الْغَالِي
وَتَغَالَى الرَّجُلَانِ: تَفَاعَلَا مِنْ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَرْمَاةٍ عِنْدَ ذَلِكَ غَلْوَةٌ. وَغَلَتِ الدَّابَّةُ فِي سَيْرِهَا غَلْوًا، وَاغْتَلْتِ اغْتِلَاءً، وَغَالَتْ غِلَاءً. وَفِي أَمْثَالِهِمْ: " جَرْيُ الْمُذَكِّيَاتِ غِلَاءٌ ". وَتَغَالَى النَّبْتُ: ارْتَفَعَ وَطَالَ. وَتَغَالَى لَحْمُ الدَّابَّةِ، إِذَا انْحَسَرَ عَنْهُ وَبَرُهُ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ قُوَّةٍ وَسِمَنٍ وَعُلُوٍّ. وَغَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلَيَانًا. وَالْغُلَوَاءُ: أَنْ يَمُرَّ عَلَى وَجْهِهِ جَامِحًا. قَالَ:
لَمْ تَلْتَفِتْ لِلِدَاتِهَا ... وَمَضَتْ عَلَى غُلَوَائِهَا
وَأَمَّا الْغَالِيَةُ مِنَ الطِّيبِ فَمُمْكِنٌ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هَذَا، أَيْ هِيَ غَالِيَةُ الْقِيمَةِ. يَقُولُونَ: تَغَلَّلْتُ وَتَغَلَّيْتُ مِنَ الْغَالِيَةِ.

(غَلَبَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ وَقَهْرٍ وَشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ: غَلَبَ الرَّجُلُ غَلْبًا وَغَلَبًا وَغَلَبَةً. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] . وَالْغِلَابُ: الْمُغَالَبَةُ. وَالْأَغْلَبُ: الْغَلِيظُ الرَّقَبَةِ. يُقَالُ: غَلِبَ يَغْلَبُ غَلَبًا. وَهَضْبَةٌ غَلْبَاءُ، وَعِزَّةٌ غَلْبَاءُ. وَكَانَتْ تَغْلِبُ تُسَمَّى الْغَلْبَاءُ. قَالَ:

(4/388)


وَأَوْرَثَنِي بَنُو الْغَلْبَاءِ مَجْدًا ... حَدِيثًا بَعْدَ مَجْدِهِمُ الْقَدِيمِ
وَاغْلَوْلَبَ الْعُشْبُ: بَلَغَ كُلَّ مَبْلَغٍ. وَالْمُغَلَّبُ مِنَ الشُّعَرَاءِ: الْمَغْلُوبُ مِرَارًا. وَالْمُغَلَّبُ أَيْضًا: الَّذِي غَلَبَ خَصْمَهُ أَوْ قِرْنَهُ، كَأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى خَصْمِهِ، أَيْ جُعِلَتْ لَهُ الْغَلَبَةُ.

(غَلَتْ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالتَّاءُ فِيهِ كَلِمَةٌ، يَقُولُونَ: الْغَلَتُ فِي الْحِسَابِ: مِثْلُ الْغَلَطِ فِي غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: " «لَا غَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ» ".

(غَلَثَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى الْخَلْطِ وَالْمُخَالَطَةِ. مِنْ ذَلِكَ: غَلَثْتُ الطَّعَامَ: خَلَطْتُ حِنْطَةً وَشَعِيرًا. وَهُوَ الْغَلِيثُ. وَرَجُلٌ غَلِثٌ، إِذَا خَالَطَ الْأَقْرَانَ فِي الْقِتَالِ لُزُومًا لِمَا طَلَبَ. وَيُقَالُ: غَلِثَ بِهِ، إِذَا لَزِمَهُ. وَغَلِثَ الذِّئْبُ بِالْغَنَمِ: لَازَمَهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: غَلِثَ الزَّنْدُ، إِذَا لَمْ يَرِ، فَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُلَخَّصٍ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ زَنْدٌ مُنْتَخَبٌ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلْطٌ مِنَ الزُّنُودِ، قَدْ أُخِذَ مِنَ الْعُرْضِ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ. يُرَادُ بِالْغَلَثِ خَشَبُهُ، وَإِذَا كَانَ [كَذَلِكَ] لَمْ يَرِ.

(غَلَجَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْبَغْيِ وَالسَّطْوَةِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يَتَغَلَّجُ عَلَيْنَا، أَيْ يَبْغِي. وَعَيْرٌ مِغْلَجٌ: شَلَّالٌ لِلْعَانَةِ. وَيَكُونُ تَغَلُّجُهُ أَيْضًا أَنْ يَشْرَبَ وَيَتَلَمَّظَ بِلِسَانِهِ.

(4/389)


(غَلَسٌ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْغَلَسُ، وَذَلِكَ ظَلَامُ آخَرِ اللَّيْلِ. يُقَالُ: غَلَّسْنَا، أَيْ سِرْنَا غَلَسًا. قَالَ الْأَخْطَلُ:
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالًا
وَقَوْلُهُمْ: وَقَعَ فِي تُغُلِّسَ، أَيْ دَاهِيَةٍ، هُوَ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَمْرٍ مُظْلِمٍ لَا يَعْرِفُ الْمَخْرَجَ مِنْهُ.

(غَلَطَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغَلَطُ: خِلَافُ الْإِصَابَةِ. يُقَالُ: غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطًا. وَبَيْنَهُمْ أُغْلُوطَةٌ، أَيْ شَيْءٌ يُغَالِطُ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

(غَلَفَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ صَحِيحَةٌ، تَدُلُّ عَلَى غِشَاوَةٍ وَغِشْيَانِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ. يُقَالُ: غِلَافُ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ. وَقَلْبٌ أَغْلَفُ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَ غِلَافًا فَهُوَ لَا يَعِي شَيْئًا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] ، أَيْ أُغْشِيَتْ شَيْئًا فَهِيَ لَا تَعِي. وَقُرِئَتْ: " غُلُفٌ "، أَيْ أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ. وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ. وَيَقُولُونَ: تُغَلَّفُ بِالْغَالِيَةِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.

(غَلَقَ) الْغَيْنُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نُشُوبِ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَلَقُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَغْلَقْتُ الْبَابَ فَهُوَ مُغْلَقٌ. وَغَلِقَ

(4/390)


الرَّهْنُ فِي يَدِ مُرْتَهِنِهِ، إِذَا لَمْ يَفْتَكَّهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . قَالَ الْفُقَهَاءُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الرَّهْنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: آنَيْتُكَ بِحَقِّكَ إِلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ. فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - عَنْ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ. وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يُتَخَلَّصْ فَقَدْ غَلِقَ. قَالَ زُهَيْرٌ:
وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا
وَيُقَالُ الْمِغْلَقُ: السَّهْمُ السَّابِعُ فِي الْمَيْسِرِ، لِأَنَّهُ يَسْتَغْلِقُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ. قَالَ لَبِيدٌ:
وَجَزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا ... بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أَجْسَامُهَا
وَيُقَالُ: غَلِقَ ظَهْرُ الْبَعِيرِ فَلَا يَبْرَأُ مِنَ الدَّبَرِ. وَمِنْهُ غَلِقَتِ النَّخْلَةُ: ذَوَتْ أُصُولُ سَعَفِهَا فَانْقَطَعَ حَمْلُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(4/391)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَمَنَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. يَقُولُونَ: غَمَنْتُ الْجِلْدَ، إِذَا لَيَّنْتُهُ، فَهُوَ غَمِينٌ.

(غَمَيَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَتَغْشِيَةٍ. مِنْ ذَلِكَ: غَمَيْتُ الْبَيْتَ، إِذَا سَقَفْتَهُ، وَالسَّقْفُ غِمَاءٌ. وَمِنْهُ أُغْمِيَ [عَلَى] الْمَرِيضِ فَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ إِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ.

(غَمَجَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ وَمَجِيءٍ وَذَهَابٍ. يُقَالُ لِلْفَصِيلِ: غَمِجٌ، وَهُوَ يَتَغَامَجُ بَيْنَ أَرْفَاغِ أُمِّهِ، إِذَا جَاءَ وَذَهَبَ. وَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ لَا يَسْتَقِيمُ خُلُقُهُ: غَمَجَ. وَالْغَمَجُ: شُرْبُ الْمَاءِ، وَهُوَ قَرِيبُ الْقِيَاسِ مِنَ الْأَوَّلِ.

(غَمَدَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَسَتْرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغِمْدُ لِلسَّيْفِ: غِلَافُهُ. يُقَالُ: غَمَدْتُهُ أَغْمِدُهُ غَمْدًا. وَيُقَالُ: تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، كَأَنَّهُ يَغْمُرُهُ بِهَا. وَتَغَمَّدْتُ فُلَانًا: جَعَلْتَهُ تَحْتَكَ حَتَّى تُغَطِّيَهُ. وَالنِّسْبَةُ إِلَى غَامِدٍ غَامِدِيٌّ، وَهُوَ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.

(غَمَرَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَسَتْرٍ فِي بَعْضِ الشِّدَّةِ. مِنْ ذَلِكَ الْغَمْرُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَغْمُرُ مَا تَحْتَهُ. ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ فَرَسٌ غَمْرٌ: كَثِيرُ الْجَرْيِ، شُبِّهَ جَرْيُهُ فِي كَثْرَتِهِ بِالْمَاءِ الْغَمْرِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمِعْطَاءِ: غَمْرٌ، وَهُوَ غَمْرُ الرِّدَاءِ. قَالَ كُثَيِّرٌ:

(4/392)


غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَمْرَةُ: الِانْهِمَاكُ فِي الْبَاطِلِ وَاللَّهْوِ. وَسُمِّيَتْ غَمْرَةً لِأَنَّهَا شَيْءٌ يَسْتُرُ الْحَقَّ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهَا. وَغَمَرَاتُ الْمَوْتِ: شَدَائِدُهُ الَّتِي تَغْشَى. وَكُلُّ شِدَّةٍ غَمْرَةٌ، سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَغْشَى. قَالَ:
الْغَمَرَاتُ ثُمَّ يَنْجَلِينَا
وَمِمَّا يُصَحِّحُ هَذَا الْقِيَاسَ الْغَمِيرَ، وَهُوَ نَبَاتٌ أَخْضَرُ يَغْمُرُهُ الْيَبِيسُ. وَيُقَالُ: دَخَلَ فِي غِمَارِ النَّاسِ، وَهِيَ زَحْمَتُهُمْ، وَسُمِّيَتْ لِأَنَّ بَعْضًا يَسْتُرُ بَعْضًا. وَفُلَانٌ مُغَامِرٌ: يَرْمِي بِنَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ، كَأَنَّهُ يَقَعُ فِي أُمُورٍ تَسْتُرُهُ، فَلَا يَهْتَدِي لِوَجْهِ الْمَخْلَصِ مِنْهَا. وَمِنْهُ الْغُمْرُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُجَرِّبِ الْأُمُورَ كَأَنَّهَا سُتِرَتْ عَنْهُ. قَالَ:
أَنَاةً وَحِلْمًا وَانْتِظَارًا غَدًا بِهِمْ ... فَمَا أَنَا بِالْوَانِي وَلَا الضَّرَعِ الْغُمْرِ
وَالْغِمْرُ: الْحِقْدُ فِي الصَّدْرِ، وَسَمِّي لِأَنَّ الصَّدْرَ يَنْطَوِي عَلَيْهِ. يُقَالُ: غَمِرَ

(4/393)


عَلَيْهِ صَدْرُهُ. وَالْغِمْرُ: الْعَطَشُ، وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالْغِمْرِ الَّذِي هُوَ الْحِقْدُ، وَالْجَمْعُ الْأَغْمَارُ. قَالَ:
حَتَّى إِذَا مَا بَلَّتِ الْأَغْمَارَا
وَمِنَ الْبَابِ غَمَرُ اللَّحْمِ، وَهُوَ رَائِحَتُهُ تَبْقَى فِي الْيَدِ، كَأَنَّهَا تُغَطِّي الْيَدَ. فَأَمَّا الْغُمَرُ فَهُوَ الْقَدَحُ الصَّغِيرُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ، كَأَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَغْمُرُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. قَالَ:
تَكْفِيهِ حُزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلَمَّ بِهَا ... مِنَ الشِّوَاءِ وَيُرْوِي شُرْبَهُ الْغُمَرُ

(غَمَزَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَالنَّخْسِ فِي الشَّيْءِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. مِنْ ذَلِكَ: غَمَزْتُ الشَّيْءَ بِيَدِي غَمْزًا. ثُمَّ يُقَالُ: غَمَزَ، إِذَا عَابَ وَذَكَرَ بِغَيْرِ الْجَمِيلِ. وَالْمَغَامِزُ: الْمَعَايِبُ. وَفِي عَقْلِ فُلَانٍ غَمِيزَةٌ، كَأَنَّهُ يُسْتَضْعَفُ. وَمِمَّا يُسْتَعَارُ: غَمَزَ بِجَفْنِهِ: أَشَارَ. وَمِنْهُ: غَمَزَ الدَّابَّةُ مِنْ رِجْلِهِ، كَأَنَّهُ يَغْمِزُ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ.

(غَمَسَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَطِّ الشَّيْءِ. يُقَالُ: غَمَسْتُ الثَّوْبَ وَالْيَدَ فِي الْمَاءِ، إِذَا غَطَطْتَهُ فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ» . وَالْغَمِيرُ تَحْتَ الْيَبِيسِ يُقَالُ لَهُ الْغَمِيسُ.

(4/394)


وَمِنَ الْبَابِ الْغَمِيسُ، وَهُوَ مَسِيلٌ صَغِيرٌ بَيْنَ مَجَامِعِ الشَّجَرِ. وَالْمُغَامَسَةُ: رَمْيُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِي سِطَةِ الْحَرْبِ. وَيَمِينٌ غَمُوسٌ قَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْغَمُوسُ: النَّافِذَةُ. وَالْمَعْنَيَانِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهَا إِذَا نَفَذَتْ فَقَدِ انْغَمَسَتْ. قَالَ:
ثُمَّ نَفَّذْتُهُ وَنَفَّسْتُ عَنْهُ ... بِغَمُوسٍ أَوْ ضَرْبَةٍ أُخْدُودِ
وَيُقَالُ لِلْأَمْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَغُطُّ الْإِنْسَانَ بِشِدَّتِهِ: غَمُوسٌ. قَالَ:
مَتَّى تَأْتِنَا أَوْ تَلْقَنَا فِي دِيَارِنَا ... تَجِدْ أَمْرَنَا أَمْرًا أَحَذَّ غَمُوسَا

(غَمَصَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَقَارَةٍ. يُقَالُ غَمَصْتُ الشَّيْءَ، إِذَا احْتَقَرْتَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْ غَمَصَ النَّاسَ» ، أَيْ حَقَرَهُمْ. وَالْغَمَصُ فِي الْعَيْنِ كَالرَّمَصِ. وَمِنْهُ: الشِّعْرَى الْغُمَيْصَاءُ، كَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ضَوْءُ الْعَبُورِ، فَهِيَ الْغُمَيْصَاءُ كَالْعَيْنُ الَّتِي بِهَا غَمَصٌ.

(غَمَضَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَطَامُنٍ فِي الشَّيْءِ وَتَدَاخُلٍ. فَالْغَمْضُ: مَا تَطَامَنَ مِنَ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهُ غُمُوضٌ. ثُمَّ يُقَالُ: غَمَضَ الشَّيْءُ مِنَ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ غَامِضٌ، وَدَارٌ غَامِضَةٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ شَارِعَةً بَارِزَةً.

(4/395)


وَنَسَبٌ غَامِضٌ: لَا يُعْرَفُ. وَغَمَّضَ عَيْنَهُ وَأَغْمَضَهَا بِمَعْنًى. وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ. وَيُقَالُ: مَا ذُقْتُ غُمْضًا مِنَ النَّوْمِ وَلَا غِمَاضًا، أَيْ كَقَدْرٍ مَا تُغْمَضُ فِيهِ الْعَيْنُ. وَيُقَالُ: أَغْمِضْ لِي فِيمَا بِعْتِنِي، كَأَنَّكَ تُرِيدُ الزِّيَادَةَ مِنْهُ لِرَدَاءَتِهِ وَالْحَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ إِغْمَاضِ الْعَيْنِ، أَيِ اتْرُكْهُ كَأَنَّكَ لَا تَرَاهُ. وَالْمُغَمِّضَاتُ: الذُّنُوبُ يَرْكَبُهَا الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْرِفُهَا لَكِنَّهُ يُغَمِّضُ عَنْهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا. وَيُقَالُ: غُمِّضَتِ النَّاقَةُ، إِذَا رُدَّتْ عَنِ الْحَوْضِ فَحَمَلَتْ عَلَى الذَّائِدِ مُغَمِّضَةً عَيْنَيْهَا فَوَرَدَتْ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
يُرْسِلُهَا التَّغْمِيضُ إِنْ لَمْ تُرْسَلِ
وَأَغْمَضَتْ حَدَّ السَّيْفِ، إِذَا رَقَّقَتْهُ، أَيْ كَأَنَّكَ لِرِقَّتِهِ أَخْفَيْتَهُ عَنِ الْعُيُونِ.

(غَمَطَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ غَمَطَ النِّعْمَةَ: احْتَقَرَهَا. وَغَمَطَ النَّاسَ: احْتَقَرَهُمْ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَغْمَطَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى، إِذَا لَزِمَتْهُ وَدَامَتْ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ الْمِيمَ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ بَاءٍ، الْأَصْلُ أَغْبَطَتْ. وَقَدْ ذُكِرَ.

(غَمَقَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغَمَقُ: كَثْرَةُ النَّدَى. يُقَالُ أَرْضٌ غَمِقَةٌ، وَنَبَاتٌ غَمَقٌ. وَلَيْلَةٌ غَمِقَةٌ: لَثِقَةٌ.

(غَمَلَ) الْغَيْنُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى ضِيقٍ فِي الشَّيْءِ وَغُمُوضٍ. يُقَالُ لِمَا ضَاقَ مِنَ الْأَوْدِيَةِ: غُمْلُولٌ. وَاشْتُقَّ مِنْ هَذَا: غَمَلْتُ الْأَدِيمَ،

(4/396)


إِذَا غَمَمْتَهُ لِيَتَفَسَّخَ عَنْهُ صُوفُهُ. وَهُوَ غَمِيلٌ. وَيُقَالُ: الْغُمْلُولُ: كُلُّ مَا اجْتَمَعَ مِنْ شَجَرٍ، أَوْ غَمَامٍ، أَوْ ظُلْمَةٍ، حَتَّى تُسَمَّى الزَّاوِيَةُ غُمْلُولًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَنَمٌ) الْغَيْنُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى إِفَادَةِ شَيْءٍ لَمْ يُمْلَكْ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ يَخْتَصُّ بِهِ مَا أُخِذَ مَنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] . وَيَقُولُونَ: غُنَامَاكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، أَيْ غَايَتُكَ وَالْأَمْرُ الَّذِي تَتَغَنَّمُهُ. وَغَنْمٌ: قَبِيلَةٌ. وَلَعَلَّ اشْتِقَاقَ الْغَنَمِ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.

(غَنِيَ) الْغَيْنُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَالْآخَرُ صَوْتٌ.
فَالْأَوَّلُ الْغِنَى فِي الْمَالِ. يُقَالُ: غَنِيَ يَغْنَى غِنًى. وَالْغَنَاءُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعَ الْمَدِّ: الْكِفَايَةُ. يُقَالُ: لَا يُغْنِي فُلَانٌ غَنَاءَ فُلَانٍ، أَيْ لَا يَكْفِي كِفَايَتَهُ. وَغَنِيَ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ. وَغَنِيَ الْقَوْمُ فِي دَارِهِمْ: أَقَامُوا، كَأَنَّهُمُ اسْتَغْنُوا بِهَا. وَمَغَانِيهُمْ: مَنَازِلُهُمْ. وَالْغَانِيَةُ: الْمَرْأَةُ. قَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا اسْتَغْنَتْ بِمَنْزِلِ أَبَوَيْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: اسْتَغْنَتْ بِبَعْلِهَا. وَيُقَالُ اسْتَغْنَتْ بِجَمَالِهَا عَنْ لُبْسِ الْحَلْيِ. قَالَ الْأَعْشَى:

(4/397)


وَلَكِنْ لَا يَصِيدُ إِذَا رَمَاهَا ... وَلَا تُصْطَادُ غَانِيَةٌ كَنُودُ
وَالْغُنْيَانُ: الْغِنَى. قَالَ قَيْسٌ:
أَجَدَّ بِعَمْرَةَ غُنْيَانُهَا ... فَتَهْجُرَ أَمْ شَانُنَا شَانُهَا
وَيُقَالُ: تَغَنَّيْتُ بِكَذَا، وَتَغَانَيْتُ بِهِ، إِذَا أَنْتَ اسْتَغْنَيْتَ بِهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَكُنْتُ امْرَأً زَمَنًا بِالْعِرَاقِ ... عَفِيفَ الْمُنَاخِ طَوِيلَ التَّغَنّْ
وَقَالَ فِي التَّغَانِي:
كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... وَنَحْنُ إِذَا مُتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيًا
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْغِنَاءُ مِنَ الصَّوَابِ. وَالْأُغْنِيَةُ: اللَّوْنُ مِنَ الْغِنَاءِ.

(غَنَجَ) الْغَيْنُ وَالنُّونُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، الْغُنْجُ، وَهُوَ الشِّكْلُ وَالدَّلُّ.

(غَنَظَ) الْغَيْنُ وَالنُّونُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: إِنَّ الْغَنْظَ: الْهَمُّ اللَّازِمُ. غَنَظَهُ الْأَمْرُ يَغْنِظُهُ. قَالَ:
وَلَقَدْ رَأَيْتُ فَوَارِسًا مِنْ قَوْمِنَا ... غَنَظُوكَ غَنْظَ جَرَادَةِ الْعَيَّارِ

(4/398)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَهَبَ) الْغَيْنُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ظَلَامٍ وَقِلَّةِ ضِيَاءٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالْغَيْهَبُ: الظُّلْمَةُ. يُقَالُ لِلْأَدْهَمِ مِنَ الْخَيْلِ الشَّدِيدِ الدُّهْمَةِ: غَيْهَبٌ. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ لِلْغَفْلَةِ عَنِ الشَّيْءِ: غَهَبٌ. يُقَالُ: غَهِبَ عَنْهُ، إِذَا غَفَلَ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَوِيَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ بَعْدَهُمَا أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الرُّشْدِ وَإِظْلَامِ الْأَمْرِ، وَالْآخَرُ عَلَى فَسَادٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْغَيُّ، وَهُوَ خِلَافُ الرُّشْدِ، وَالْجَهْلُ بِالْأَمْرِ، وَالِانْهِمَاكُ فِي الْبَاطِلِ. يُقَالُ غَوَى يَغْوِي غَيًّا. قَالَ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدُ النَّاسُ أَمْرَهُ ... وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
وَذَلِكَ عِنْدَنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْغَيَايَةِ، وَهِيَ الْغُبْرَةُ وَالظُّلْمَةُ تَغْشَيَانِ، كَأَنَّ ذَا الْغَيِّ قَدْ غَشِيَهُ مَا لَا يَرَى مَعَهُ سَبِيلَ حَقٍّ. وَيُقَالُ: تَغَايَا الْقَوْمُ فَوْقَ رَأْسِ فُلَانٍ بِالسُّيُوفِ، كَأَنَّهُمْ أَظَلُّوهُ بِهَا. وَيُقَالُ: وَقَعَ الْقَوْمُ فِي أَغْوِيَّةٍ، أَيْ دَاهِيَةٍ

(4/399)


وَأَمْرٍ مُظْلِمٍ. وَالتَّغَاوِي: التَّجَمُّعُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ رُشْدٍ. وَالْمُغَوَّاةُ: حُفْرَةُ الصَّائِدِ، وَالْجَمْعُ مُغَوَّيَاتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونُوا مُغَوَّيَاتٍ» "، يُرَادُ أَنَّهُمْ يَحْتَجِنُونَ الْأَمْوَالَ، كَالصَّائِدِ الَّذِي يَصِيدُ.
فَأَمَّا الْغَايَةُ فَهِيَ الرَّايَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُظِلُّ مَنْ تَحْتَهَا. قَالَ:
قَدْ بِتُّ سَامِرَهَا وَغَايَةِ تَاجِرٍ ... وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُهَا
ثُمَّ سُمِّيَتْ نِهَايَةُ الشَّيْءِ غَايَةً. وَهَذَا مِنَ الْمَحْمُولِ عَلَى غَيْرِهِ، إِنِّمَا سُمِّيَتْ غَايَةً بِغَايَةِ الْحَرْبِ، وَهِيَ الرَّايَةُ، لِأَنَّهُ يُنْتَهَى إِلَيْهَا كَمَا يَرْجِعُ الْقَوْمُ إِلَى رَايَتِهِمْ فِي الْحَرْبِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: قَوْلُهُمْ: غَوِيَ الْفَصِيلُ، إِذَا أَكْثَرَ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ فَفَسَدَ جَوْفُهُ. وَالْمَصْدَرُ الْغَوَى. قَالَ:
مُعَطَّفَةُ الْأَثْنَاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَا ... بِرَازِئِهَا دَرًّا وَلَا مَيِّتٍ غَوَى

(غَوَثَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغَوْثُ مِنَ الْإِغَاثَةِ، وَهِيَ الْإِغَاثَةُ وَالنُّصْرَةُ عِنْدَ الشِّدَّةِ. وَغَوْثٌ: قَبِيلَةٌ.

(4/400)


(غَوَجَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَرَسُ الْغَوْجُ. إِذَا كَانَ عَرِيضَ الصَّدْرِ. وَرُبَّمَا سَمَّوْا كُلَّ لَيِّنٍ غَوْجًا.

(غَوَرَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا خُفُوضٌ فِي الشَّيْءِ وَانْحِطَاطٌ وَتَطَامُنٌ، وَالْأَصْلُ الْآخَرُ إِقْدَامٌ عَلَى أَخْذِ مَالٍ قَهْرًا أَوْ حَرَبًا.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ لِقَعْرِ الشَّيْءِ: غَوْرُهُ. وَيُقَالُ: غَارَ الْمَاءُ غَوْرًا، وَغَارَتْ عَيْنُهُ غُئُورًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] . وَيُقَالُ: غَارَتِ الشَّمْسُ غِيَارًا: غَابَتْ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلَةٌ وَنَهَارُهَا ... وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا
وَالْغَوْرُ: تِهَامَةُ وَمَا يَلِي الْيَمَنَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا خِلَافُ النَّجْدِ. وَالنَّجْدُ: مُرْتَفَعٌ مِنَ الْأَرْضِ. يُقَالُ: غَارَ الرَّجُلُ، إِذَا أَتَى الْغَوْرَ، وَأَغَارَ. قَالَ:
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا
وَغَوَّرَ الرَّجُلُ، إِذَا نَزَلَ لِلْقَائِلَةِ، كَأَنَّهُ [نَزَلَ] مَكَانًا هَابِطًا. وَلَا يَكَادُونَ يَفْعَلُونَ إِلَّا كَذَا. وَغَوْرُ الْقُرْحَةِ مِنْ هَذَا أَيْضًا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْإِغَارَةُ. يُقَالُ: أَغَارَ بَنُو فُلَانٍ عَلَى بَنِي فُلَانٍ إِغَارَةً وَغَارَةً. وَإِغَارَةُ الثَّعْلَبِ: عَدْوُهُ. وَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا.

(4/401)


(غَوَصَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى هُجُومٍ عَلَى أَمْرٍ مُتَسَفِّلٍ مِنْ ذَلِكَ الْغَوْصُ: الدُّخُولُ تَحْتَ الْمَاءِ. وَالْهَاجِمُ عَلَى الشَّيْءِ غَائِصٌ. وَغَاصَ عَلَى الْعِلْمِ الْغَامِضِ حَتَّى اسْتَنْبَطَهُ.

(غَوَطَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اطْمِئْنَانٍ وَغَوْرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَائِطُ: الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ غِيطَانٌ وَأَغْوَاطٌ. وَغُوطَةُ دِمَشْقَ يُقَالُ إِنَّهَا مِنْ هَذَا، كَأَنَّهَا أَرْضٌ مُنْخَفِضَةٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: انْغَاطَ الْعُودُ، إِذَا تَثَنَّى، وَإِذَا تَثَنَّى فَقَدِ انْخَفَضَ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ.

(غَوَلَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَتْلٍ وَأَخْذٍ مِنْ حَيْثُ لَا يُدْرَى. يُقَالُ: غَالَهُ يَغُولُهُ: أَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ. قَالُوا: وَالْغَوْلُ: بُعْدُ الْمَفَازَةِ، لِأَنَّهُ يَغْتَالُ مَنْ مَرَّ بِهِ. قَالَ:
بِهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كُلِّ مِيلَهِ
وَالْغُولُ مِنَ السَّعَالِي سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَغْتَالُ. وَالْغِيلَةُ: الِاغْتِيَالُ، وَالْيَاءُ وَاوٌ فِي الْأَصْلِ. وَالْمِغْوَلُ: سَيْفٌ دَقِيقٌ لَهُ قَفًا ; وَأَظُنُّهُ سُمِّي مِغْوَلًا لِأَنَّهُ يُسْتَرُ بِقِرَابٍ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(غَوَدَ) الْغَيْنُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى لِينِ شَيْءٍ وَتَثَنٍّ. فَالْأَغْيَدُ: الْوَسْنَانُ الْمَائِلُ الْعُنُقِ، وَالْجَمْعُ غِيدٌ. وَالْغَيْدَاءُ: الْفَتَاةُ النَّاعِمَةُ، كَأَنَّهَا تَتَثَنَّى. وَالْمَصْدَرُ الْغَيَدُ.

(4/402)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَيَبَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَسَتُّرِ الشَّيْءِ عَنِ الْعُيُونِ، ثُمَّ يُقَاسُ. مِنْ ذَلِكَ الْغَيْبُ: مَا غَابَ، مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. وَيُقَالُ: غَابَتِ الشَّمْسُ تَغِيبُ غَيْبَةً وَغُيُوبًا وَغَيْبًا. وَغَابَ الرَّجُلُ عَنْ بَلَدِهِ. وَأَغَابَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُغِيبَةٌ، إِذَا غَابَ بَعْلُهَا. وَوَقَعْنَا فِي غَيْبَةٍ وَغَيَابَةٍ، أَيْ هَبْطَةٍ مِنَ الْأَرْضِ يُغَابُ فِيهَا. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} [يوسف: 10] . وَالْغَابَةُ: الْأَجَمَةُ، وَالْجَمْعُ غَابَاتٌ وَغَابٌ. وَسُمِّيَتْ لِأَنَّهُ يُغَابُ فِيهَا. وَالْغِيبَةُ: الْوَقِيعَةُ فِي النَّاسِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا لَا تُقَالُ إِلَّا فِي غَيْبَةٍ.

(غَيَثَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْحَيَا النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ. يُقَالُ: جَادَنَا غَيْثٌ، وَهَذِهِ أَرْضٌ مَغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ. وَغِثْنَا، أَيْ أَصَابَنَا الْغَيْثُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْ أَمَةِ آلِ فُلَانٍ، قُلْتُ لَهَا: كَيْفَ كَانَ الْمَطَرُ عِنْدَكُمْ؟ قَالَتْ: غِثْنَا مَا شِينَا ".

(غَيَرَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى صَلَاحٍ وَإِصْلَاحٍ وَمَنْفَعَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى اخْتِلَافِ شَيْئَيْنِ.

(4/403)


فَالْأَوَّلُ الْغِيرَةُ، وَهِيَ الْمِيرَةُ بِهَا صَلَاحُ الْعِيَالِ. يُقَالُ: غِرْتُ أَهْلِي غِيرَةً وَغِيَارًا، أَيْ مِرْتُهُمُ. وَغَارَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْغَيْثِ يَغِيرُهُمْ وَيَغُورُهُمْ، أَيْ أَصْلَحَ شَأْنَهُمْ وَنَفَعَهُمْ. وَيُقَالُ: مَا يَغِيرُكَ كَذَا، أَيْ مَا يَنْفَعُكَ. قَالَ:
مَاذَا يَغِيرُ ابْنَتَيْ رِبْعٍ عَوِيلُهُمَا ... لَا تَرْقُدَانِ وَلَا بُؤُسَى لِمَنْ رَقَدَا
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْغَيْرَةُ: غَيْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ. تَقُولُ: غِرْتُ عَلَى أَهْلِي غَيْرَةً. وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْبَابِ ; لِأَنَّهَا صَلَاحٌ وَمَنْفَعَةٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: قَوْلُنَا: هَذَا الشَّيْءُ غَيْرُ ذَاكَ، أَيْ هُوَ سِوَاهُ وَخِلَافُهُ. وَمِنَ الْبَابِ: الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرٍ، تَقُولُ: عَشَرَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ، لَيْسَ هُوَ مِنَ الْعَشَرَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .
فَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى الْغِيرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ طَلَبَ الْقَوَدَ بِوَلِيٍّ لَهُ قُتِلَ: «أَلَا الْغِيرَ» يُرِيدُ: أَلَا تَقْبَلُ الْغِيرَ. فَهَذَا مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ فِي الدِّيَةِ صَلَاحًا لِلْقَاتِلِ وَبَقَاءً لَهُ وَلِدَمِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَصْلِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ قَوَدٌ فَغُيِّرَ إِلَى الدِّيَةِ، أَيْ أُخِذَ غَيْرُ الْقَوَدِ، أَيْ سِوَاهُ. قَالَ فِي الْغِيَرِ:

(4/404)


لَنَجْدَعَنَّ بِأَيْدِينَا أُنُوفَكُمُ ... بَنِي أُمَيْمَةَ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا الْغِيَرَا

(غَيَسَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالسِّينُ، يَقُولُونَ: إِنَّ غَيْسَانَ الشَّبَابِ: حِدَّتُهُ وَعُنْفُوَانُهُ.

(غَيَضَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالضَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ فِي شَيْءٍ، وَغُمُوضٍ وَقِلَّةٍ. يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ: خِلَافُ فَاضَ. وَغِيضَ، إِذَا نَقَصَهُ غَيْرُهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: 44] .
وَأَمَّا الْغُمُوضُ فَالْغَيْضَةُ: الْأَجَمَةُ، سُمِّيَتْ لِغُمُوضِهَا، وَلِأَنَّ السَّائِرَ فِيهَا لَا يَكَادُ يُرَى.

(غَيَظَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالظَّاءُ أُصَيْلٌ فِيهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، يَدُلُّ عَلَى كَرْبٍ يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ غَيْرِهِ. يُقَالُ: غَاظَنِي يَغِيظُنِي. وَقَدْ غِظْتَنِي يَا هَذَا. وَرَجُلٌ غَائِظٌ وَغَيَّاظٌ. قَالَ:
سُمِّيتَ غَيَّاظًا وَلَسْتَ بِغَائِظٍ ... عَدُوًّا وَلَكِنَّ الصَّدِيقَ تَغِيظُ

(غَيَفَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَيْلٍ وَمَيَلٍ وَعُدُولٍ عَنِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ تَغَيَّفَ، إِذَا تَمَيَّلَ. وَتَغَيَّفَتِ الشَّجَرَةُ بِأَغْصَانِهَا يَمِينًا وَشِمَالًا. وَمِنَ الْبَابِ: غَيَّفَ الرَّجُلُ، إِذَا جَبُنَ فَمَالَ عَنْ نَهْجِ الْقِتَالِ. قَالَ الْقُطَامِيُّ:

(4/405)


فَيُغَيِّفُونَ وَنَرْجِعُ السَّرَعَانَا

(غَيَقَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: غَيَّقَ فِي رَأْيِهِ تَغْيِيقًا: اخْتَلَطَ فِيهِ.

(غَيَلَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعٍ، وَالْآخَرُ نَوْعٌ مِنَ الْإِرْضَاعِ.
فَالْأَوَّلُ الْغِيلُ: الشَّجَرُ الْمُجْتَمِعُ الْمُلْتَفُّ. وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذَا الْوَاوُ وَيَعُودَ إِلَى غَالَهُ يَغُولُهُ، وَالْغَيْلُ: السَّاعِدُ الرَّيَّانُ الْمُمْتَلِئُ. قَالَ:
بَيْضَاءُ ذَاتُ سَاعِدَيْنِ غَيْلَيْنِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَيْلُ: الْمَاءُ الْجَارِي.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: أَنْ يُجَامِعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مُرْضِعٌ، وَهِيَ الْغِيلَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ» . قَالَ:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمِ مُغْيِلِ

(غَيَمَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَتْرِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ:

(4/406)


الْغَيْمُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. يُقَالُ: غَامَتِ السَّمَاءُ، وَتَغَيَّمَتْ، وَأَغَامَتْ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَيْمُ، وَهُوَ الْعَطَشُ وَحَرَارَةُ الْجَوْفِ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَغْشَى الْقَلْبَ.

(غَيَنَ) الْغَيْنُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. فَالْغَيْنُ: الْغَيْمُ. قَالَ:
كَأَنِّي بَيْنَ خَافِيَتَيْ عُقَابٍ ... أَصَابَ حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ
وَالْغَيْنُ: الْعَطَشُ. وَيُقَالُ: غِينَ عَلَى قَلْبِهِ، كَأَنَّ شَيْئًا غَشِيَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» ". وَمِنَ الْبَابِ: شَجَرَةٌ غَيْنَاءُ، وَهِيَ الْكَثِيرَةُ الْوَرَقِ الْمُلْتَفَّةُ الْأَغْصَانِ، وَالْجَمْعُ غِينٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْغَيْنَةَ: الرَّوْضَةُ. وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَارَ) الْغَيْنُ وَالْأَلِفُ وَالرَّاءُ. وَالْأَلْفُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَكُونُ إِلَّا مُبْدَلَةً. فَالْغَارُ: نَبَاتٌ طَيِّبٌ. قَالَ:
رُبَّ نَارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا ... تَقْضَمُ الْهِنْدِيَّ وَالْغَارَا

(4/407)


وَالْغَارُ: لُغَةٌ فِي الْغَيْرَةِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهَا. قَالَ:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بِالنَّشِيلِ كَأَنَّهَا ... ضَرَائِرُ حِرْمِيٍّ تَفَاحَشَ غَارُهَا
وَالْغَارُ: الْجَيْشُ الْعَظِيمُ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " مَا ظَنُّكَ بِامْرِئٍ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ ". وَالْغَارُ: غَارُ الْفَمِ. وَالْغَارُ: أَصْلُ الرَّجُلِ وَقَبِيلَتُهُ. وَالْغَارُ: الْكَهْفُ. وَقَدْ مَضَى قِيَاسُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَبَرَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَالْآخَرُ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ.
فَالْأَوَّلُ غَبَرَ، إِذَا بَقِيَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى {إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 33] ، وَيُقَالُ بِالنَّاقَةِ غُبْرٌ، أَيْ بَقِيَّةٌ. وَبِهِ غُبَّرٌ مِنْ مَرَضٍ، أَيْ بَقِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ أَوْ غَيْرُهُ:
فَإِنْ سَأَلَتْ عَنِّي سُلَيْمَى فَقُلْ لَهَا ... بِهِ غُبَّرٌ مِنْ دَائِهِ وَهُوَ صَالِحُ
وَمِنَ الْبَابِ: عِرْقٌ غَبِرَ، أَيْ لَا يَزَالُ يَنْتَقِضُ، كَأَنَّ بِهِ أَبَدًا غُبَّرًا. وَتَغَبَّرَتِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ: أَخَذَتْ بَقِيَّةَ مَائِهِ.

(4/408)


وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْغُبَارُ سُمِّيَ لِغُبْرَتِهِ. وَهِيَ لَوْنُهُ. وَالْأَغْبَرُ: كُلُّ لَوْنٍ لَوْنُ غُبَارٍ. وَقَوْلُ طَرَفَةَ:
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لَا يُنْكِرُونَنِي ... وَلَا أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ
فَبَنِي غَبْرَاءَ هُمُ الْمَحَاوِيجُ الْفُقَرَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُغَبَّرَةٌ أَلْوَانُهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَتْرَبَةِ. وَالْغَبْرَاءُ: الْأَرْضُ. وَالْغُبَيْرَاءُ: نَبِيذُ الذُّرَةِ، وَلَعَلَّ فِي لَوْنِهِ غُبْرَةٌ.
فَأَمَّا دَاهِيَةُ الْغَبَرِ، فَهُوَ عِنْدِي مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَيُرَادُ أَنَّهَا غَبْرَاءُ، أَيْ مُظْلِمَةٌ مُشَبِّهَةٍ لَا يُرَى وَجْهُ الْمَأْتَى لَهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مَا حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَغْبَرْتُ فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ: جَدَدْتُ.

(غَبَسَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ. قَالُوا: الْغُبْسَةُ: لَوْنٌ كَلَوْنِ الرَّمَادِ. وَيُقَالُ فَرَسٌ أَغْبَسُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: " سَمَنْدُ ". فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " لَا أَفْعَلُهُ مَا غَبَا غُبَيْسٌ " فَهُوَ الدَّهْرُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: مَا أَدْرِي مَا أَصْلُهُ.

(غَبَشَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ظُلْمَةٍ وَإِظْلَامٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَبَشُ: شِدَّةُ الظُّلْمَةِ. وَأَغْبَاشُ اللَّيْلِ ظُلَمُهُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(4/409)


أَغْبَاشَ لَيْلٍ تَمَامٍ كَانَ طَارَقَهُ ... تَطَخْطُخُ الْغَيْمِ حَتَّى مَا لَهُ جُوَبُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغَبَشُ: الْبَقِيَّةُ مِنَ اللَّيْلِ، وَجَمْعُهُ أَغْبَاشُ.

(غَبَطَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا دَوَامُ الشَّيْءِ وَلُزُومُهُ، [وَالْآخَرُ الْجَسُّ] ، وَالْآخَرُ نَوْعٌ مِنَ الْحَسَدِ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: أَغْبَطَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى، أَيْ دَامَتْ. وَأَغْبَطْتُ الرَّحْلَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، إِذَا أَدَمْتَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَحُطَّهُ عَنْهُ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرَّحْلُ غَبِيطًا، وَالْجَمْعُ غُبُطٌ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ:
أَمْ هَلْ تَرَكْتَ نِسَاءَ الْحَيِّ ضَاحِيَةً ... فِي قَاعَةِ الدَّارِ يَسْتَوْقِدْنَ بِالْغُبُطِ
وَمِنْ هَذَا الْغِبْطَةُ: حُسْنُ الْحَالِ وَدَوَامُ الْمَسَرَّةِ وَالْخَيْرِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْغَبْطُ، يُقَالُ: غَبَطْتُ الشَّاةَ، إِذَا جَسَسْتَهَا بِيَدِكَ تَنْظُرُ بِهَا سِمَنٌ. قَالَ:
إِنِّي وَأَتْيِي بُجَيْرًا حِينَ أَسْأَلُهُ ... كَالْغَابِطِ الْكَلْبَ يَرْجُو الطِّرْقَ فِي الذَّنَبِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْغَبِيطُ: أَرْضٌ مُطْمَئِنَّةٌ، كَأَنَّهَا غُبِطَتْ حَتَّى اطْمَأَنَّتْ.

(4/410)


وَالثَّالِثُ الْغَبْطُ، وَهُوَ حَسَدٌ يُقَالُ إِنَّهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ، لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى وَلَا يُرِيدُ زَوَالَ النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْحَسَدُ بِخِلَافِ هَذَا. وَفِي الدُّعَاءِ. " اللَّهُمَّ غَبْطًا لَا هَبْطًا "، وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ [نَسْأَلُكَ أَنْ] نُغْبَطَ وَلَا نُهْبَطَ، أَيْ لَا نُحَطُّ.

(غَبَقَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغَبُوقُ: شُرْبُ الْعَشِيِّ. يُقَالُ: غَبَقْتُ الْقَوْمَ غَبْقًا، وَاغْتَبَقَ اغْتِبَاقًا.

(غَبَنَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَاهْتِضَامٍ. يُقَالُ غُبِنَ الرَّجُلُ فِي بَيْعِهِ، فَهُوَ يُغْبَنُ غَبْنًا، وَذَلِكَ إِذَا اهْتُضِمَ فِيهِ. وَغَبَنَ فِي رَأْيِهِ، وَذَلِكَ إِذَا ضَعُفَ رَأْيُهُ. وَالْقِيَاسُ فِي الْكَلِمَتَيْنِ وَاحِدٌ. وَالْغَبِينَةُ مِنَ الْغَبْنِ كَالشَّتِيمَةِ مِنَ الشَّتْمِ. وَالْمَغَابِنُ: الْأَرْفَاغُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلِينِهَا وَضَعْفِهَا عَنْ قُوَّةِ غَيْرِهَا.

(غَبَيَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَسَتُّرِ شَيْءٍ حَتَّى لَا يُهْتَدَى لَهُ. مِنْ ذَلِكَ الْغَبْيَةُ) وَهِيَ الزُّبْيَةُ، وَسُمِّيَتْ لِأَنَّ الْمَصِيدَ جَهِلَهَا حَتَّى وَقَعَ فِيهَا. وَمِنْهُ: غَبِيَ فُلَانٌ غَبَاوَةً، إِذَا كَانَ قَلِيلَ الْفِطْنَةِ، وَهُوَ غَبِيٌّ. وَغَبِيتُ عَنِ الْخَبَرِ، إِذَا جَهِلْتَهُ. وَيُقَالُ: جَاءَتْ غَبْيَةٌ مِنْ مَطَرٍ، وَذَلِكَ إِذَا جَاءَتْ بِظُلْمَةٍ وَاشْتِدَادٍ وَتَكَاثُفٍ.

(غَبَثَ) الْغَيْنُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَذَكَرُوا عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ: غَبَثْتُ الْإِقَطَ مِثْلُ عَبَثْتُهُ.

(4/411)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَتَمَ) الْغَيْنُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِلَاقٍ فِي الشَّيْءِ وَانْسِدَادٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغُتْمَةُ، وَهِيَ الْعُجْمَةُ فِي الْمَنْطِقِ. وَيُقَالُ لِلْأَخْذِ بِالنَّفْسِ: الْغَتْمُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا مَاتَ: " وَرَدَ حِيَاضَ غُتَيْمٍ "، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يَأْتِي بَيْتًا مَسْدُودًا.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَثَرَ) الْغَيْنُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ مِنْ نَاسٍ غَيْرِ كِرَامٍ. يَقُولُونَ: الْغَثْرَاءُ: سَفِلَةُ النَّاسِ، وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْثَرَةٌ ; وَأَصْلُهُ مِنَ الْأَغْثَرِ، وَهُوَ الطُّحْلُبُ الْمُجْتَمَعُ. وَالْأَغْثَرُ مِنَ الْأَكْسِيَةِ: مَا كَثُرَ صُوفُهُ.

(غَثَمَ) الْغَيْنُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ. فَالْأَغْثَمُ مِنَ الشَّعَرِ: مَا غَلَبَ بَيَاضُهُ سَوَادَهُ. قَالَ:
إِمَّا تَرَيْ دَهْرًا عَلَانِي أَغْثَمُهْ
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: غَثَمْتُ لَهُ مِنْ مَالِي: أَعْطَيْتُهُ.

(غَثَيَ) الْغَيْنُ وَالثَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِ شَيْءٍ دَنِيٍّ

(4/412)


فَوْقَ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغُثَاءُ: غُثَاءُ السَّيْلِ. يُقَالُ: غَثَا الْوَادِي يَغْثُو، وَأَغْثَى يُغْثِي أَيْضًا. قَالَ:
كَأَنَّ طَمِيَّةَ الْمُجَيْمِرِ غُدْوَةً مِنَ السَّيْلِ وَالْإِغْثَاءِ فِلْكَةُ مِغْزَلِ
وَيُرْوَى: " وَالْغُثَّاءِ ". وَيُقَالُ لِسَفِلَةِ النَّاسِ: الْغُثَاءُ، تَشْبِيهًا بِالَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَمِنَ الْبَابِ: غَثَتْ نَفْسُهُ تَغْثِي، كَأَنَّهَا جَاشَتْ بِشَيْءٍ مُؤْذٍ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَدَرَ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْغَدْرُ: نَقْضُ الْعَهْدِ وَتَرْكُ الْوَفَاءِ بِهِ. يُقَالُ غَدَرَ يَغْدِرُ غَدْرًا. وَيَقُولُونَ فِي الذَّمِّ: يَا غُدَرُ، وَفِي الْجَمْعِ: يَالَ غُدَرَ. وَيُقَالُ: لَيْلَةٌ غَدِرَةٌ: بَيِّنَةُ الْغَدَرِ، أَيْ مُظْلِمَةٌ. وَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُغَادِرُ النَّاسَ فِي بُيُوتِهِمْ فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ شِدَّةِ ظُلْمَتِهَا. وَالْغَدِيرُ: مُسْتَنْقَعُ مَاءِ الْمَطَرِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ غَادَرَهُ، أَيْ تَرَكَهُ. وَمِنَ الْبَابِ: غَدِرَتِ الشَّاةُ، إِذَا تَخَلَّفَتْ عَنِ الْغَنَمِ. فَإِنْ تَرَكَهَا الرَّاعِي فَهِيَ غَدِيرَةٌ. وَالْغَدَرُ: الْمَوْضِعُ الظَّلِفُ الْكَثِيرُ الْحِجَارَةِ. وَسُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُسْلَكُ، فَهُوَ قَدْ غُودِرَ، أَيْ تُرِكَ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ ثَبْتُ الْغَدَرِ، أَيْ ثَابِتٌ فِي كَلَامٍ وَقِتَالٍ. هَذَا مُشْتَقٌ مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، أَيِ إِنَّهُ لَا يُبَالِي أَنْ يَسْلُكَ الْمَوْضِعَ الصَّعْبَ الَّذِي

(4/413)


غَادَرَهُ النَّاسُ مِنْ صُعُوبَتِهِ. وَالْغَدَائِرُ: عَقَائِصُ الشَّعْرِ، لِأَنَّهَا تُعْقَصُ وَتُغْدَرُ، أَيْ تُتْرَكُ كَذَلِكَ زَمَانًا. قَالَ:
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى الْعُلَى ... تَضِلُّ الْعِقَاصُ فِي مُثَنًّى وَمُرْسَلِ

(غَدَنَ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ وَاسْتِرْسَالٍ وَفَتْرَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْمُغْدَوْدِنُ: الشَّعَرُ الطَّوِيلُ النَّاعِمُ الْمُسْتَرْسِلُ. قَالَ حَسَّانُ:
وَقَامَتْ تُرَائِيكَ مُغْدَوْدِنًا ... إِذَا مَا تَنُوءُ بِهِ آدَهَا
وَالشَّبَابُ الْغُدَانِيُّ: الْغَضُّ. قَالَ:
بَعْدَ غُدَانِيِّ الشَّبَابِ الْأَبْلَهِ
وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ الْغَدَنِ، وَهُوَ الِاسْتِرْخَاءُ وَالْفَتْرَةُ.

(غَدَفَ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَتْرٍ وَتَغْطِيَةٍ. يُقَالُ: أَغْدَفَتِ الْمَرْأَةُ قِنَاعَهَا: أَرْسَلَتْهُ. قَالَ:
إِنْ تُغْدِفِي دُونِي الْقِنَاعَ فَإِنَّنِي ... طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ
وَأَغْدَفَ اللَّيْلُ: أَرْخَى سُدُولَهُ. وَأَمَّا الْغُرَابُ الضَّخْمُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى غُدَافًا، وَهَذَا تَشْبِيهٌ بِإِغْدَافِ اللَّيْلِ: إِظْلَامِهِ.

(4/414)


(غَدَقَ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غُزْرٍ وَكَثْرَةٍ وَنَعْمَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَدَقِ، وَهُوَ الْغَزِيرُ الْكَثِيرُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] . وَالْغَدَقُ وَالْغَيْدَاقُ: النَّاعِمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَيُقَالُ غَدِقَتْ عَيْنُ الْمَاءِ تَغْدَقُ غَدَقًا. وَالْغَيْدَاقُ: الرَّجُلُ الْكَرِيمُ الْخُلُقِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الضَّبَّ يُسَمَّى غَيْدَاقًا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِسِمَنٍ وَنَعْمَةٍ فِيهِ.

(غَدَوَ) الْغَيْنُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغُدُوُّ، يُقَالُ غَدَا يَغْدُو. وَالْغُدْوَةُ وَالْغَدَاةُ، وَجَمْعُ الْغُدْوَةِ غُدًى، وَجَمْعُ الْغَدَاةِ غَدَوَاتٌ. وَالْغَادِيَةُ: سَحَابَةٌ تَنْشَأُ صَبَاحًا. وَأَفْعَلُ ذَلِكَ غَدًا. وَالْأَصْلُ غَدْوًا. قَالَ:
بِهَا حَيْثُ حَلُّوهَا وَغَدْوًا بَلَاقِعُ
وَالْغَدَاءُ: الطَّعَامُ بِعَيْنِهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَذَمَ) الْغَيْنُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. مِنْ ذَلِكَ: الْغَذْمُ: الْأَكْلُ بِجَفَاءٍ وَشِدَّةٍ. وَيُقَالُ: اغْتَذَمَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ، إِذَا شَرِبَهُ كُلَّهُ.

(4/415)


(غَذَى) الْغَيْنُ وَالذَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَأْكَلِ، وَعَلَى جِنْسٍ مِنَ الْحَرَكَةِ.
فَأَمَّا الْمَأْكَلُ فَالْغِذَاءُ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ. وَغَذِيُّ الْمَالِ وَغَذَوِيُّهُ: صِغَارُهُ، كَالسِّخَالِ وَنَحْوِهَا. وَسُمِّيَ غَذَوِيَّا لِأَنَّهُ يُغْذَى.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَالْغَذَوَانُ: النَّشِيطُ مِنَ الْخَيْلِ، سُمِّيَ لِشَبَابِهِ وَحَرَكَتِهِ. وَيُقَالُ غَذَّى الْبَعِيرُ بِبَوْلِهِ يُغَذِّي، إِذَا رَمَى بِهِ مُتَقَطِّعًا. وَغَذَا الْعِرْقُ يَغْذُو، أَيْ يَسِيلُ دَمًا. قَالَ:
وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ ... غَذَا وَالزِّقُّ مَلْآنُ

[بَابُ الْغَيْنِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَرَزَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَزِّ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ غَرَزْتُ الشَّيْءَ أَغْرِزُهُ غَرْزًا. وَغَرَزْتُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ. وَغَرَزَتِ الْجَرَادَةُ بِذَنَبِهَا فِي الْأَرْضِ، مِثْلُ رَزَّتْ. وَالطَّبِيعَةُ غَرِيزَةٌ، كَأَنَّهَا شَيْءٌ غُرِزَ فِي الْإِنْسَانِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: اغْتَرَزْتُ الشَّيْءَ، وَاغْتَرَزْتُ السَّيْرَ اغْتِرَازًا، إِذَا دَنَا سَيْرُكَ فَمَعْنَاهُ تَقْرِيبُ السَّيْرِ، أَيْ كَأَنِّي الْآنَ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي غَرْزِ الرَّحْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: غَرَزَتِ النَّاقَةُ، إِذَا قَلَّ لَبَنُهَا فَمَعْنَاهُ مِنْ هَذَا أَيْضًا، كَأَنَّ لَبَنَهَا غُرِزَ فِي جِسْمِهَا فَلَمْ يَخْرُجْ.

(4/416)


(غَرَسَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. يُقَالُ: غَرَسْتُ الشَّجَرَ غَرْسًا، وَهَذَا زَمَنُ الْغِرَاسِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْغَرِيسَةَ: النَّخْلَةُ أَوَّلَ مَا تَنْبُتُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْغِرْسِ: جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ. قَالَ:
كُلَّ جَنِينٍ مُشْعَرٍ فِي غِرْسِ

(غَرَضَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ، وَكَلِمُهُ مُتَبَايِنَةُ الْأُصُولِ، وَسَتَرَى بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا.
فَالْغَرْضُ وَالْغُرْضَةُ: الْبِطَانُ، وَهُوَ حِزَامُ الرَّحْلِ. وَالْمَغْرِضُ مِنَ الْبَعِيرِ كَالْمَحْزِمِ مِنَ الدَّابَّةِ. وَالْإِغْرِيضُ: الْبَرَدُ، وَيُقَالُ بَلْ هُوَ الطَّلْعُ. وَلَحْمٌ غَرِيضٌ: طَرِيٌّ. وَمَاءٌ مَغْرُوضٌ مِثْلُهُ. وَالْغَرَضُ: الْمَلَالَةُ، يُقَالُ غَرِضْتُ بِهِ وَمِنْهُ. وَالْغَرَضُ: الشَّوْقُ. قَالَ:
مَنْ ذَا رَسُولٌ نَاصِحٌ فَمُبَلِّغٌ ... عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قِيلِ الْكَاذِبِ
أَنِّي غَرِضْتُ إِلَى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا ... غَرَضَ الْمُحِبِّ إِلَى الْحَبِيبِ الْغَائِبِ

(4/417)


وَيُقَالُ: غَرَضَتِ الْمَرْأَةُ سِقَاءَهَا: مَخَضَتْهُ. وَغَرَضْنَا السَّخْلَ نَغْرِضُهُ، إِذَا فَطَمْنَاهُ قَبْلَ إِنَاهُ. وَالْغَرْضُ: النُّقْصَانُ عَنِ الْمِلْءِ. يُقَالُ: غَرِّضْ فِي سِقَائِكَ، أَيْ لَا تَمْلَأْهُ. وَيُقَالُ: وَرَدَ الْمَاءَ غَارِضًا، أَيْ مُبَكِّرًا. وَالْمَغَارِضُ: جَوَانِبُ الْبَطْنِ أَسْفَلَ الْأَضْلَاعِ، الْوَاحِدُ مَغْرِضٌ.

(غَرَفَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ كَلِمَهُ لَا تَنْقَاسُ، بَلْ تَتَبَايَنُ، فَالْغَرْفُ: مَصْدَرُ غَرَفْتُ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ أَغْرِفُهُ غَرْفًا. وَالْغُرْفَةُ: اسْمُ مَا يُغْرَفُ. وَالْغَرِيفُ: الْأَجَمَةُ، وَالْجَمْعُ غُرُفٌ. قَالَ:
كَمَا رَزَمَ الْعَيَّارُ فِي الْغُرُفِ
وَالْغُرْفَةُ: الْعِلِّيَّةُ. وَيُقَالُ: غَرَفَ نَاصِيَةَ فَرَسِهِ، إِذَا اسْتَأْصَلَهَا جَزًّا.

(غَرِقَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِهَاءٍ فِي شَيْءٍ يَبْلُغُ أَقْصَاهُ. مِنْ ذَلِكَ الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ. وَالْغَرِقَةُ: أَرْضٌ تَكُونُ فِي غَايَةِ الرِّيِّ. وَاغْرَوْرَقَتِ الْعَيْنُ وَالْأَرْضُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، كَأَنَّهَا قَدْ غَرِقَتْ فِي دَمْعِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: أَغْرَقْتُ فِي الْقَوْسِ: [مَدَدْتُهَا] غَايَةَ الْمَدِّ. وَاغْتَرَقَ الْفَرَسُ فِي الْخَيْلِ، إِذَا خَالَطَهَا ثُمَّ سَبَقَهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْغُرْقَةُ مِنَ اللَّبَنِ: قَدْرَ ثُلْثِ الْإِنَاءِ، وَالْجَمْعُ غُرَقٌ. قَالَ:

(4/418)


تُضْحِي وَقَدْ ضَمِنَتْ ضَرَّاتُهَا غُرَقًا ... مِنْ طَيِّبِ الطَّعْمِ حُلْوٍ غَيْرِ مَجْهُودِ

(غَرَلَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْغُرْلَةُ، وَهِيَ الْقُلْفَةُ. وَالْأَغْرَلُ: الْأَقْلَفُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْغَرِلَ: الْمُسْتَرْخِي الْخَلْقِ.

(غَرَمَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةٍ وَمُلَازَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَرِيمُ، سُمِّيَ غَرِيمًا لِلُزُومِهِ وَإِلْحَاحِهِ. وَالْغَرَامُ: الْعَذَابُ اللَّازِمُ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] . قَالَ الْأَعْشَى:
إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنَّ يُعْ ... طِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي
وَغُرْمُ الْمَالِ مِنْ هَذَا أَيْضًا، سُمِّيَ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَرِيمِ.

(غَرَنَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، يَقُولُونَ إِنَّ الْغَرِينَ: مَا يَبْقَى فِي الْحَوْضِ مِنْ مَائِهِ وَطِينِهِ.

(غَرَوَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْجَابِ وَالْعَجَبِ لِحُسْنِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْغَرِيُّ، وَهُوَ الْحَسَنُ. يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ غَرٍ. ثُمَّ سُمِّيَ الْعَجَبُ غَرْوًا. وَمِنْهُ: أَغْرَيْتُهُ بِالشَّيْءِ الَّذِي تُلْصَقُ بِهِ الْأَشْيَاءُ. وَيُقَالُ: غَارَتِ الْعَيْنُ بِالدَّمْعِ غِرَاءً، إِذَا لَجَّتْ فِي الْبُكَاءِ. وَغَرِيَتْ بِالدَّمْعِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

(4/419)


إِذَا قُلْتُ أَسْلُو غَارَتِ الْعَيْنُ بِالْبُكَا ... غِرَاءً وَمَدَّتْهَا مَدَامِعُ حُفَّلُ

(غَرَبَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَكَلِمُهُ غَيْرُ مُنْقَاسَةٍ لَكِنَّهَا مُتَجَانِسَةٌ، فَلِذَلِكَ كَتَبْنَاهُ عَلَى جِهَتِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لِقِيَاسِهِ.
فَالْغَرْبُ: حَدُّ الشَّيْءِ. يُقَالُ: هَذَا غَرْبُ السَّيْفِ. وَيَقُولُونَ: كَفَفْتُ مِنْ غَرْبِهِ، أَيْ أَكْلَلْتُ حَدَّهُ وَقَوْلُهُمْ: اسْتَغْرَبَ الرَّجُلُ، إِذَا بَالَغَ فِي الضَّحِكِ، مُمْكِنٌ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ بَلَغَ آخِرَ حَدِّ الضَّحِكِ. وَالْغَرْبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ. وَالْغَرْبَانِ مِنَ الْعَيْنِ: مُقْدِمُهَا وَمُؤْخِرُهَا. وَغُرُوبُ الْأَسْنَانِ: مَاؤُهَا. فَأَمَّا الْغُرُوبُ فَمَجَارِيَ الْعَيْنِ. قَالَ:
مَالَكَ لَا تَذْكُرُ أُمَّ عَمْرِو ... إِلَّا لِعَيْنَيْكَ غُرُوبٌ تَجْرِي
وَالْغَرْبُ أَيْضًا بِسُكُونِ الرَّاءِ، فِي قَوْلِهِمْ: أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، إِذَا لَمْ يُدْرَ مَنْ رَمَاهُ بِهِ.
وَأَمَّا الْغَرَبُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، فَيُقَالُ إِنَّ الْغَرَبَ: الرَّاوِيَةُ. وَالْغَرَبُ: مَا انْصَبَّ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ الْبِئْرِ فَتَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَاسْتُنْشِئَ الْغَرَبُ

(4/420)


وَالْغَرْبُ: شَجَرٌ. وَيَقُولُونَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ -: إِنَّ الْغَرَبَ: إِنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَيُنْشِدُونَ:
فَدَعْدَعَا سُرَّةَ الرَّكِيِّ كَمَا ... دَعْدَعَ سَاقِي الْأَعَاجِمِ الْغَرَبَا
وَالْغَرْبُ: الْوَرَمُ فِي الْمَأْقِ، يُقَالُ مِنْهُ غَرِبَتِ الْعَيْنُ غَرَبًا. وَالْغَرْبُ: عِرْقٌ يَسْقِي وَلَا يَنْقَطِعُ. وَالْغُرْبَةُ: الْبُعْدُ عَنِ الْوَطَنِ، يُقَالُ: غَرَبَتِ الدَّارُ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: غُرُوبُ الشَّمْسِ، كَأَنَّهُ بُعْدُهَا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. وَشَأْوٌ مُغَرَّبٌ، أَيْ بَعِيدٌ. قَالَ:
أَعْهَدَكَ مِنْ أُولَى الشَّبِيبَةِ تَطْلُبُ ... عَلَى دُبُرٍ هَيْهَاتَ شَأْوٌ مُغَرَّبُ
وَيَقُولُونَ: " هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ "، يُرِيدُونَ خَبَرًا أَتَى مِنْ بُعْدٍ.
وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ: " إِذَا أَمْعَنَتِ الْكِلَابُ فِي طَلَبِ الصَّيْدِ قِيلَ: غَرَّبَتْ ". وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَالْغَارِبُ: أَعْلَى الظَّهْرِ وَالسَّنَامِ. يُقَالُ: أَلْقَى حَبْلَهُ عَلَى غَارِبِهِ، إِذَا خَلَّاهُ. وَالْغُرَابُ مَعْرُوفٌ. وَالْغُرَابَانِ: نُقْرَتَانِ عِنْدَ صَلَوَيِ الْعَجُزِ مِنَ الْفَرَسِ. وَالْغُرَابُ: رَأْسُ الْفَأْسِ. وَرِجْلُ الْغُرَابِ: نَوْعٌ مِنَ الصَّرِّ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
صُرَّ رِجْلَ الْغُرَابِ

(4/421)


وَالْغِرْبِيبُ: الْأَسْوَدُ، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ لَوْنِ الْغُرَابِ. وَالْمُغْرَبُ: الْأَبْيَضُ الْأَشْفَارِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَالْغَرْبِيُّ: الْفَضِيخُ مِنَ الْبُسْرِ يُنْبَذُ. وَالْغَرْبِيُّ: صِبْغٌ أَحْمَرُ.

(غَرَثَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْجُوعِ. وَالْغَرَثُ: الْجُوعُ. وَرَجُلٌ غَرْثَانُ. وَيَسْتَعِيرُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ: جَارِيَةٌ غَرْثَى الْوِشَاحِ، لِأَنَّهَا دَقِيقَةُ الْخَصْرِ لَا يُمْلَأُ وِشَاحُهَا، وَكَأَنَّ وِشَاحَهَا غَرْثَانُ.

(غَرَدَ) الْغَيْنُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا صَوْتٌ، وَالْأُخْرَى نَبْتٌ. فَالْأُولَى: غَرَّدَ الطَّائِرُ فِي صَوْتِهِ يُغَرِّدُ تَغْرِيدًا. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْغَرَدُ: الْكَمْأَةُ، الْوَاحِدَةُ غَرَدَةٌ. وَالْمَغَارِيدُ: نَبْتٌ، الْوَاحِدَةُ مُغْرُودٌ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا هِيَ الْكَمْأَةُ أَيْضًا.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَزَلَ) الْغَيْنُ وَالزَّاءُ وَاللَّامُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ مُتَبَايِنَاتٍ، لَا تُقَاسِ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِأُخْرَى.
فَالْأُولَى: الْغَزْلُ، يُقَالُ غَزَلَتِ الْمَرْأَةُ غَزْلَهَا، وَالْخَشَبَةُ مِغْزَلٌ، وَالْجَمْعُ مَغَازِلٌ.
وَالثَّانِيَةُ: الْغَزَلُ، وَهُوَ حَدِيثُ الْفِتْيَانِ وَالْفَتَيَاتِ. وَيُقَالُ: غَزِلَ الْكَلْبُ غَزَلًا، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ الْغَزَالَ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ تَرَكَهُ وَلَهَا عَنْهُ.
وَالثَّانِيَةُ: الْغَزَالُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَالْأُنْثَى غَزَالَةٌ، وَلَعَلَّ اسْمَ الشَّمْسِ مُسْتَعَارٌ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ الشَّمْسَ تُسَمَّى الْغَزَالَةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى.

(4/422)


(غَزَوَ) الْغَيْنُ وَالزَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا طَلَبُ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ فِي بَابِ اللِّقَاحِ.
فَالْأَوَّلُ الْغَزْوُ. وَيُقَالُ: غَزَوْتُ أَغْزُو. وَالْغَازِي: الطَّالِبُ لِذَلِكَ، وَالْجَمْعُ غُزَاةٌ وَغَزِيٌّ أَيْضًا، كَمَا يُقَالُ لِجَمَاعَةِ الْحَاجِّ حَجِيجٌ. وَالْمُغْزِيَةُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي غَزَا زَوْجُهَا. وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْغَزْوِ: غَزَوِيٌّ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُمْ: أَغْزَتِ النَّاقَةُ، إِذَا عَسُرَ لِقَاحُهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَتَانُ الْمُغْزِيَةُ: الَّتِي يَتَأَخَّرُ نِتَاجُهَا ثُمَّ تُنْتَجُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
يُرِنُّ عَلَى مُغْزِيَاتِ الْعِقَا ... قِ يَقْرُو بِهَا قَفَرَاتِ الصِّلَالِ

(غَزَدَ) الْغَيْنُ وَالزَّاءُ وَالدَّالُ لَيْسَ يُشْبِهُ صَحِيحَ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْغِزْيَدَ الشَّدِيدُ الصَّوْتِ، وَأَنَّ الْغِزْيَدَ: النَّبَاتُ النَّاعِمُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(غَزَرَ) الْغَيْنُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: غَزُرَتِ النَّاقَةُ: كَثُرَ لَبَنُهَا غُزْرًا وَغَزَارَةً. وَعَيْنٌ غَزِيرَةٌ، وَمَعْرُوفٌ غَزِيرٌ.

(4/423)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَسَلَ) الْغَيْنُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَطْهِيرِ الشَّيْءِ وَتَنْقِيَتِهِ. يُقَالُ: غَسَلْتُ الشَّيْءَ غَسْلًا. وَالْغُسْلُ الِاسْمُ. وَالْغَسُولُ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ:
فَيَا لَيْلُ إِنَّ الْغِسْلَ مَا دُمْتِ أَيِّمًا ... عَلِيَّ حَرَامٌ لَا يَمَسُّنِيَ الْغِسْلُ
وَيُقَالُ: فَحْلٌ غُسَلَةً، إِذَا كَثُرَ ضِرَابُهُ وَلَمْ يُلْقِحْ. وَالْغِسْلِينُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى، يُقَالُ إِنَّهُ مَا يَنْغَسِلُ مِنْ أَبْدَانِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ.

(غَسَا) الْغَيْنُ وَالسِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ حَرْفٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَنَاهٍ فِي كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. يُقَالُ غَسَا اللَّيْلُ وَأَغْسَى. وَشَيْخٌ غَاسٍ: طَالَ عُمْرُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ قَارِئًا قَرَأَ: " وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ غُسِيًّا ".

(غَسَرَ) الْغَيْنُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ. يَقُولُونَ: تَغَسَّرَ الْغَزْلُ، إِذَا الْتَبَسَ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " الْغَسَرُ: مَا طَرَحَتْهُ الرِّيحُ فِي الْغَدِيرِ. ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قَالُوا: تَغَسَّرَ الْأَمْرُ: اخْتَلَطَ ".

(4/424)


(غَسَمَ) الْغَيْمُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَرُبَّمَا قَالُوا الْغَسَمُ، الظُّلْمَةُ.

(غَسَنَ) الْغَيْنُ وَالسِّينُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ إِنَّ الْغُسَنَ: خُصَلُ الشَّعْرِ. وَيُقَالُ لِلنَّاصِيَةِ: غُسْنَةٌ.

(غَسَقَ) الْغَيْنُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ظُلْمَةٍ. فَالْغَسَقُ: الظُّلْمَةُ. وَالْغَاسِقُ: اللَّيْلُ. وَيُقَالُ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ: أَظْلَمَتْ. وَأَغْسَقَ الْمُؤَذِّنُ، إِذَا أَخَّرَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ. وَأَمَّا الْغَسَّاقُ الَّذِي جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَا تَقَطَّرَ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَشَمَ) الْغَيْنُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ وَظُلْمٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَشْمُ، وَهُوَ الظُّلْمُ. وَالْحَرْبُ غَشُومٌ لِأَنَّهَا تَنَالُ غَيْرَ الْجَانِي. وَالْغَشَمْشَمُ: [الَّذِي] لَا يَثْنِيهِ [شَيْءٌ] مِنْ شَجَاعَتِهِ. وَزِيدَ فِي حُرُوفِهِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.

(غَشَى) الْغَيْنُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. يُقَالُ غَشَّيْتُ الشَّيْءَ أُغَشِّيهِ. وَالْغِشَاءُ: الْغِطَاءُ. وَالْغَاشِيَةُ: الْقِيَامَةُ، لِأَنَّهَا تَغْشَى الْخَلْقَ بِإِفْزَاعِهَا. وَيُقَالُ: رَمَاهُ اللَّهُ بِغَاشِيَةٍ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ كَأَنَّهُ يَغْشَاهُ. وَالْغِشْيَانُ: غِشْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ.

(4/425)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَصَنَ) الْغَيْنُ وَالصَّادُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ غُصْنُ الشَّجَرَةِ، وَالْجَمْعُ غُصُونٌ وَأَغْصَانٌ. وَيُقَالُ: غَصَنْتُ الْغُصْنَ: قَطَعْتُهُ.

[بَابُ الْغَيْنِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَضَفَ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ وَتَهَدُّمٍ وَتَغَشٍّ. مِنْ ذَلِكَ الْأَغْضَفُ مِنَ السِّبَاعِ: مَا اسْتَرْخَتْ أُذُنُهُ. وَمِنَ الْبَابِ: لَيْلٌ أَغْضَفُ، أَيْ أَسْوَدُ يَغْشَى بِظَلَامِهِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَدْ أَعْسِفُ النَّازِحَ الْمَجْهُولَ مَعْسِفُهُ ... فِي ظِلِّ أَغْضَفَ يَدْعُو هَامَهُ الْبُومُ
وَيَقُولُونَ: عَيْشٌ غَاضِفٌ، أَيْ نَاعِمٌ، كَأَنَّهُ قَدْ غَشِيَ بِخَيْرِهِ وَغَضَارَتِهِ. وَالْغُضْفُ: الْقَطَا الْجُونُ، وَهَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ بِاللَّيْلِ وَسَوَادِهِ. وَيُقَالُ: تَغَضَّفَتِ الْبِئْرُ، إِذَا تَهَدَّمَتْ أَجْوَالُهَا فَغَشِيَتْ مَا تَحْتَهَا. وَيُقَالُ: غَضَفَتِ الْأُتُنُ تَغْضِفُ، إِذَا أَخَذَتِ الْجَرْيَ أَخْذًا. وَهَذَا لِأَنَّهَا تَغْشَى الْأَرْضَ بِجَرْيِهَا. قَالَ:

(4/426)


يَغُضُّ وَيَغْضِفْنَ مِنْ رَيِّقٍ ... كَشُؤْبُوبِ ذِي بَرَدٍ وَانْسِجَالِ

(غَضَنَ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَثَنٍّ وَتَكَسُّرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغُضُونُ: مَكَاسِرُ الْجِلْدِ، وَمَكَاسِرُ كُلِّ شَيْءٍ غُضُونٌ. وَتَغَضَّنَ جِلْدُهُ. وَالْمُغَاضَنَةُ: مُكَاسَرَةُ الْعَيْنُيْنِ. وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: مَا غَضَنَكَ عَنْ كَذَا، أَيْ مَا عَاقَكَ عَنْهُ. وَغَضَنُ الْعَيْنِ: جِلْدُهَا الظَّاهِرُ، سُمِّيَ لِتَكَسُّرٍ فِيهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: " غَضَنَتِ النَّاقَةُ بِوَلَدِهَا، إِذَا أَلْقَتْهُ قَبْلَ أَنْ يُنْبِتَ.

(غَضَرَ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حُسْنٍ وَنَعْمَةٍ وَنَضْرَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْغَضَارَةُ: طِيبُ الْعَيْشِ: وَيَقُولُونَ فِي الدُّعَاءِ: أَبَادَ اللَّهُ تَعَالَى غَضْرَاءَهُمْ، أَيْ خَيْرَهُمْ وَغَضَارَتَهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ: أَصْلُ الْغَضْرَاءِ طِينَةٌ خَضْرَاءُ عَلِكَةٌ. يُقَالُ: أَنْبَطَ بِئْرَهُ فِي غَضْرَاءَ، وَيُقَالُ: دَابَّةٌ غَضِرَةُ النَّاصِيَةِ. إِذَا كَانَتْ مُبَارَكَةً.
وَمِنَ الْبَابِ: الْغَاضِرُ: الْجِلْدُ الَّذِي أُجِيدَ دَبْغُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: لَمْ يَغْضِرْ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
وَلَمْ يَغْضِرْنَ عَنْ ذَاكَ مَغْضَرَا

(4/427)


وَالْغَضْوَرُ: نَبْتٌ.

(غَضَبَ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَقُوَّةٍ. يُقَالُ: إِنَّ الْغَضْبَةَ: الصَّخْرَةُ الصُّلْبَةُ. قَالُوا: وَمِنْهُ اشْتُقَّ الْغَضَبُ، لِأَنَّهُ اشْتِدَادُ السُّخْطِ. يُقَالُ: غَضِبَ يَغْضَبُ غَضَبًا، وَهُوَ غَضْبَانُ وَغَضُوبٌ. وَيُقَالُ: غَضِبْتُ لِفُلَانٍ، إِذَا كَانَ حَيًّا ; وَغَضِبْتُ بِهِ، إِذَا كَانَ مَيِّتًا. قَالَ دُرَيْدٌ:
أَنَّا غِضَابٌ بِمَعْبَدِ
وَيُقَالُ: إِنَّ الْغَضُوبَ: الْحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ.

(غَضَلَ) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: أَغْضَلَتِ الشَّجَرَةُ وَاغْضَالَّتْ، إِذَا كَثُرَتْ أَغْصَانُهَا.

(غَضَا) الْغَيْنُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَتَانِ: فَالْأُولَى: الْإِغْضَاءُ: إِدْنَاءُ الْجُفُونِ. وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّيْلَةِ الْغَاضِيَةِ، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ الظُّلْمَةِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْغَضَا، وَهُوَ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ. يُقَالُ: أَرْضٌ غَضْيَاءُ: كَثِيرَةُ الْغَضَا. وَيُقَالُ: إِبِلٌ غَضِيَةٌ: اشْتَكَتْ عَنْ أَكْلِ الْغَضَا.

(4/428)


[بَابُ الْغَيْنِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(غَطَفَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ وَسُبُوغٍ فِي شَيْءٍ، وَأَصْلُهُ الْغَطَفُ فِي الْأَشْفَارِ، وَهُوَ كَثْرَتُهَا وَطُولُهَا وَانْثِنَاؤُهَا. ثُمَّ يُقَالُ: عَيْشٌ أَغْطَفُ، إِذَا كَانَ نَاعِمًا مُنْثَنِيًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخَيْرِ. وَالْمَصْدَرُ الْغَطَفُ.

(غَطَلَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: الْغَيْطَلَةُ: الشَّجَرَةُ، وَالْجَمْعُ الْغَيْطَلُ. قَالَ:
فَظَلَّ يُرَنِّحُ فِي غَيْطَلٍ ... كَمَا يَسْتَدِيرُ الْحِمَارُ النَّعِرْ
وَالْغَيْطَلَةُ: الْبَقَرَةُ. وَالْغَيْطَلَةُ: الْتِجَاجُ اللَّيْلِ وَسَوَادُهُ.

(غَطَمَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةٍ وَاجْتِمَاعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرُ الْغِطَمُّ. وَيُقَالُ لِمُعْظَمِ الْبَحْرِ. غُطَامِطٌ. وَرَجُلٌ غِطَمٌّ: وَاسِعُ الْخُلُقُ.

(غَطَوَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى الْغِشَاءِ وَالسَّتْرِ. يُقَالُ: غَطَيْتُ الشَّيْءَ وَغَطَّيْتُهُ. وَالْغِطَاءُ: مَا تَغَطَّى بِهِ. وَغَطَا اللَّيْلُ يَغْطُو، إِذَا غَشَّى بِظَلَامِهِ.

(غَطَشَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى ظُلْمَةٍ

(4/429)


وَمَا أَشْبَهَهَا. مِنْ ذَلِكَ الْأَغْطَشُ، وَهُوَ الَّذِي فِي عَيْنِهِ شِبْهُ الْعَمَشِ، وَالْمَرْأَةُ غَطْشَاءُ. وَفَلَاةٌ غَطْشَى: لَا يُهْتَدَى لَهَا. قَالَ:
وَيَهْمَاءَ بِاللَّيْلِ غَطْشَى الْفَلَا ... ةِ يُؤْنِسُنِي صَوْتُ فَيَّادِهَا
وَغَطَشَ اللَّيْلُ: أَظْلَمَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَغْطَشَهُ. وَالْمُتَغَاطِشُ: الْمُتَعَامِي عَنِ الشَّيْءِ. وَيُقَالُ: هُوَ يَتَغَاطَشُ.

(غَطَسَ) الْغَيْنُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْغَطِّ. يُقَالُ: غَطَطْتُهُ فِي الْمَاءِ وَغَطَسْتُهُ. وَتَغَاطَسَ الْقَوْمُ: تَغَاطُّوا.

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ غَيْنٌ]
مِنْ ذَلِكَ (الْغَطَمَّشُ) : الْكَلِيلُ الْبَصَرِ. وَالْغَطَمَّشُ: الظَّلُومُ الْجَائِرُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَالْأَصْلُ الْغَطْشُ وَهُوَ الظُّلْمَةُ. وَالْجَائِرُ يَتَغَاطَشُ عَنِ الْعَدْلِ، أَيْ يَتَعَامَى.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَشْمَرَةُ) : إِتْيَانُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنَ الْغَشْمِ وَالتَّشَمُّرِ، لِأَنَّهُ يَتَشَمَّرُ فِي الْأَمْرِ غَاشِمًا.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَمَلَّجُ) ، وَهُوَ مِمَّا نُحِتَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ غَمَجَ وَغَلَجَ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الطَّوِيلُ الْعُنُقِ. فَأَمَّا غَمَجُهُ فَاضْطِرَابُهُ. يُقَالُ: غَمَجَ، إِذَا جَاءَ وَذَهَبَ. وَالْغَلَجُ كَالْبَغْيِ فِي الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ.

(4/430)


وَمِنْ ذَلِكَ (الْغُضْرُوفُ) : نَغْضُ الْكَتِفِ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ غَضَرَ وَغَضَفَ. فَأَمَّا غَضَرُهُ فَلِينُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شِدَّةُ الْعَظْمِ وَصَلَابَتُهُ. وَأَمَّا غَضَفُهُ فَتَثَنِّيهِ، لِأَنَّهُ يَتَثَنَّى إِذَا ثُنِيَ لِلِينِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَطْرَسَةُ) : التَّكَبُّرُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ ; وَهُوَ مِنَ الْغَطْسِ كَأَنَّهُ يَغْلِبُ الْإِنْسَانَ وَيَقْهَرُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ غَطَسَهُ، أَيْ غَطَّسَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَطْرَفَةُ) ، وَهِيَ الْكِبْرُ وَالْعَظَمَةُ. قَالَ فِي التَّغَطْرُفِ:
فَإِنَّكَ إِنْ أَغْضَبْتَنِي غَضِبَ الْحَصَى ... عَلَيْكَ وَذُو الْجَبُّورَةِ الْمُتَغَطْرِفُ
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَهُوَ مِنَ الْغَطَفِ، وَهُوَ أَنْ يَنْثَنِيَ الشَّيْءُ عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَغْشَاهُ. فَالْجَبَّارُ يَقْهَرُ الْأَشْيَاءَ وَيُغَشِّيهَا بِعَظَمَتِهِ. وَ (الْغِطْرِيفُ) : السَّيِّدُ يَغْشَى بِكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَذْمَرَةُ) ، يُقَالُ إِنَّهُ رُكُوبُ الْأَمْرِ عَلَى غَيْرِ تَثَبُّتٍ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْمُخْتَلِطِ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ غَذَمَ وَذَمَرَ. أَمَّا الْغَذْمُ فَقَدْ قُلْنَا إِنَّهُ الْأَكْلُ بِجَفَاءٍ وَشِدَّةٍ. وَيَقُولُونَ: كَيْلٌ غُذَامِرٌ، إِذَا كَانَ هَيْلًا كَثِيرًا. وَأَمَّا الذَّمْرُ فَمِنْ ذَمَرَتُهُ، إِذَا أَغْضَبْتَهُ. كَأَنَّهُ غَذُومُ ذَمَرٍ. ثُمَّ نُحِتَتْ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ كَلِمَةٌ.

(4/431)


وَمِنْ ذَلِكَ (الْغَضَنْفَرُ) ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْغَلِيظُ، وَالْأَسَدُ الْغَشُومُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ وَالنُّونُ، وَهُوَ مِنَ الْغَضَفِ. وَقَدْ مَضَى أَنَّ اللَّيْلَ الْأَغْضَفَ الَّذِي يُغَشِّي بِظَلَامِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْمُغَثْمَرُ) ، وَهُوَ الثَّوْبُ الْخَشِنُ الرَّدِيءُ النَّسْجِ. قَالَ:
عَمْدًا كَسَوْتُ مُرْهِبًا مُغَثْمَرَا ... وَلَوْ أَشَاءُ حِكْتُهُ مُحَبَّرَا
يَقُولُ: أَلْبَسْتُهُ الْمُغَثْمَرَ لِأَدْفَعَ بِهِ عَنْهُ الْعَيْنَ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ غَثَمَ وَغَثَرَ. أَمَّا غَثَرَ فَمِنَ الْغُثْرِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ دُونٍ. وَأَمَّا غَثَمَ فَمِنَ الْأَغْثَمِ: الْمُخْتَلِطُ السَّوَادِ بِالْبَيَاضِ.
وَمِمَّا وُضِعَ وَضْعًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيَاسٌ (غَرْدَقْتُ) السِّتْرَ: أَرْسَلْتُهُ. وَ (الْغُرْنُوقُ) : الشَّابُّ الْجَمِيلُ. وَ (الْغِرْنِيقُ) طَائِرٌ.
وَيَقُولُونَ: (الْغَلْفَقُ) : الطُّحُلَبُ.
وَيَقُولُونَ: (اغْرَنْدَاهُ) ، إِذَا عَلَاهُ وَغَلَبَهُ. قَالَ:
قَدْ جَعَلَ النُّعَاسُ يَغْرَنْدِينِي ... أَدْفَعُهُ عَنِّي وَيَسْرَنْدِينِي

(تَمَّ كِتَابُ الْغَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ)

(4/432)


[كِتَابُ الْفَاءِ] [بَابُ الْفَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابَقِ]

بَابُ الْفَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابَقِ
(فَقَّ) الْفَاءُ وَالْقَافُ فِي الْمُضَاعَفِ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحٍ وَاخْتِلَاطٍ فِي الْأَمْرِ. يُقَالُ: انْفَقَّ الشَّيْءُ، إِذَا انْفَرَجَ. وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ فَقْفَاقٌ، أَيِ أَحْمَقُ مُخَلِّطٌ فِي كَلَامِهِ. وَيُقَالُ فَقَاقٌ أَيْضًا.

(فَكٌّ) الْفَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحٍ وَانْفِرَاجٍ. مِنْ ذَلِكَ فَكَاكُ الرَّهْنِ، وَهُوَ فَتْحُهُ مِنَ الِانْغِلَاقِ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: الْفِكَاكُ بِالْكَسْرِ. وَيُقَالُ: فَكَكْتُ الشَّيْءَ أَفُكُّهُ فَكًّا. وَسَقَطَ فُلَانٌ وَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، أَيِ انْفَرَجَتْ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَنْفَكُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ، بِمَعْنَى لَا يَزَالُ. وَالْمَعْنَى هُوَ وَذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يَفْتَرِقَانِ. فَالْقِيَاسُ فِيهِ صَحِيحٌ. وَالْفَكُّ: انْفِرَاجُ الْمَنْكِبِ عَنْ مَفْصِلِهِ ضَعْفًا.
وَمِمَّا هُوَ مِنَ الْبَابِ: الْفَكَّانِ: مُلْتَقَى الشِّدْقَيْنِ. وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِلِانْفِرَاجِ.

(4/433)


(فَلَّ) الْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْكِسَارٍ وَانْثِلَامٍ. أَوْ مَا يُقَارِبُ ذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ الْفَلُّ: الْقَوْمُ الْمُنْهَزِمُونَ. وَالْفُلُولُ: الْكُسُورُ فِي حَدِّ السَّيْفِ، الْوَاحِدُ فَلٌّ. قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَالْفَلِيلُ: نَابُ الْبَعِيرِ إِذَا انْثَلَمَ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا الْفِلُّ: الْأَرْضُ لَا نَبَاتَ فِيهَا. وَالْقِيَاسُ فِيهِ صَحِيحٌ. وَقَالَ:
فَلٌّ عَنِ الْخَيْرِ مَعْزِلُ
يُقَالُ: أَفْلَلْنَا: صِرْنَا فِي الْفَلِّ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْفَلِيلَةُ: الشَّعْرُ الْمُجْتَمِعُ، وَالْجَمْعُ الْفَلِيلُ. قَالَ:
وَمُطَّرِدِ الدِّمَاءِ وَحَيْثُ يُهْدَى ... مِنَ الشَّعَرِ الْمُضَفَّرِ كَالْفَلِيلِ

(فَمَّ) الْفَاءُ وَالْمِيمُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْفَمِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، لَكِنْ حُكِيَ فُمٌّ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ. قَالَ:
يَا لَيْتَهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ فُمِّهْ

(4/434)


(فَنَّ) الْفَاءُ وَالنُّونُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَعْنِيَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الضُّرُوبِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.
فَالْأَوَّلُ: الْفَنُّ، وَهُوَ التَّعْنِيَةُ وَالْإِطْرَادُ الشَّدِيدُ. يُقَالُ: فَنَنْتُهُ فَنًّا، إِذَا أَطْرَدْتُهُ وَعَنَّيْتُهُ.
وَالْآخَرُ الْأَفَانِينُ: أَجْنَاسُ الشَّيْءِ وَطُرُقُهُ. وَمِنْهُ الْفَنَنُ، وَهُوَ الْغُصْنُ، وَجَمْعُهُ أَفْنَانٌ، وَيُقَالُ: شَجَرَةٌ فَنْوَاءُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنَّ تَقْدِيرَهُ فَنَّاءُ.

(فَهَّ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدَلٍّ عَلَى الْعِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ، مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْفَهُّ، وَهُوَ الْعَيِيُّ، وَالْمَرْأَةُ فَهَّةٌ، وَمَصْدَرُهُ الْفَهَاهَةُ. قَالَ:
فَلَمْ تَلْقَنِي فَهًّا وَلَمْ تَلْقَ حُجَّتِي ... مُلَجْلَجَةً أَبْغِي لَهَا مَنْ يُقِيمُهَا
وَيُقَالُ: خَرَجْتُ لِحَاجَةٍ فَأَفَهَّنِي فُلَانٌ حَتَّى فَهِهْتُ، أَيْ أَنْسَانِيهَا.

(فَأَّ) الْفَاءُ وَالْهَمْزَةُ مَعَ مُعْتَلٍّ بَيْنَهُمَا، كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ. يُقَالُ: فَاءَ الْفَيْءُ، إِذَا رَجَعَ الظِّلُّ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ إِلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ. وَكُلُّ رُجُوعٍ فَيْءٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، أَيْ تَرْجِعَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنُ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ ... يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عِرْمِضُهَا طَامِ
يُقَالُ مِنْهُ: فَيَّأَتِ الشَّجَرَةُ، وَتَفَيَّأْتُ أَنَا فِي فَيْئِهَا. وَالْمَرْأَةُ تُفَيِّئُ شَعْرَهَا، إِذَا

(4/435)


حَرَّكَتْ رَأْسَهَا مِنْ قِبَلِ الْخُيَلَاءِ. وَيُقَالُ تَفَيُّؤُهَا: تَكَسُّرُهَا لِزَوْجِهَا. وَالْقِيَاسُ فِيهِ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَالْفَيْءُ: غَنَائِمُ تُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَفَاءَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ. قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] . وَيُقَالُ: اسْتَفَأْتُ هَذَا الْمَالَ، أَيْ أَخَذْتُهُ فَيْئًا. وَفُلَانٌ سَرِيعُ الْفَيْءِ مِنْ غَضَبِهِ وَالْفِيئَةِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: يَا فَيْءَ مَالِي، فَيَقُولُونَ: إِنَّهَا كَلِمَةُ أَسَفٍ. وَهَذَا عِنْدِي مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَهَبَ مَنْ كَانَ يُحْسِنُ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ. وَأَنْشَدَ:
يَا فَيْءَ مَالِي مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِهِ ... مَرُّ الزَّمَانِ عَلَيْهِ وَالتَّقْلِيبُ

(فَتَّ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَكْسِيرِ شَيْءٍ وَرَفْتِهِ. يُقَالُ: فَتَتُّ الشَّيْءَ أَفُتُّ فَتًّا، فَهُوَ مَفْتُوتٌ وَفَتِيتٌ. وَالْفُتَّةُ: مَا يُفَتُّ وَيُوضَعُ تَحْتَ الزَّنْدِ. وَفَتَّ فِي عَضُدِهِ، وَذَلِكَ إِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَدْ فَتَّ مِنْ عَضُدِهِ شَيْئًا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْفَتْفَتَةِ: أَنْ تَشْرَبَ الْإِبِلُ دُونَ الرِّيِّ.

(فَثَّ) الْفَاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى كَسْرِ شَيْءٍ، أَوْ نَثْرِهِ، أَوْ قَلْعِهِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فَثَّ جُلَّتَهُ: نَثَرَهَا. وَانْفَثَّ الرَّجُلُ مِنْ هَمٍّ أَصَابَهُ، أَيِ انْكَسَرَ.

(4/436)


وَيُقَالُ إِنَّ الْفَثَّ: الْفَسِيلُ يُقْتَلَعُ مِنْ أَصْلِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْفَثُّ، وَهُوَ هَبِيدُ الْحَنْظَلِ، لِأَنَّهُ يُنْثَرُ.

(فَجَّ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحٍ وَانْفِرَاجٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَجُّ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ. وَيُقَالُ: قَوْسٌ فَجَّاءُ، إِذَا بَانَ وَتَرُهَا عَنْ كَبِدِهَا. وَالْفَجَجُ أَقْبَحُ مِنَ الْفَحَجِ. وَمِنْهُ حَافِرٌ مُفِجٌّ، أَيْ مُقَبَّبٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَا كَانَ فِي بَاطِنِهِ شِبْهُ الْفَجْوَةِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْفِجُّ: الشَّيْءُ لَمْ يَنْضَجْ مِمَّا يَنْبَغِي نُضْجُهُ.
وَشَذَّتْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ أُخْرَى حَكَاهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: أَفَجَّ يُفِجُّ، إِذَا أَسْرَعَ. وَمِنْهُ رَجُلٌ فَجْفَاجٌ: كَثِيرُ الْكَلَامِ.

(فَحَّ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْفَحِيحُ: صَوْتُ الْأَفْعَى. قَالَ:
كَأَنَّ نَقِيقَ الْحَبِّ فِي حَاوِيَائِهِ ... فَحِيحُ الْأَفَاعِي أَوْ نَقِيقُ الْعَقَارِبِ

(فَخَّ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ. مِنْ [ذَلِكَ] الْفَخِيخُ كَالْغَطِيطِ فِي النَّوْمِ. وَالْفَخَّةُ: اسْتِرْخَاءٌ فِي الرِجْلَيْنِ. وَيُقَالُ الْفَخَّةُ: الْمَرْأَةُ الضَّخْمَةُ. وَالْفَخُّ لِلصَّيْدِ مَعْرُوفٌ.

(4/437)


(فَدَّ) الْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ وَجَلَبَةٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الْجَفَاءَ وَالْقَسْوَةَ فِي الْفَدَّادِينَ» ، وَهِيَ أَصْوَاتُهُمْ فِي حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ. قَالَ الشَّاعِرُ:
نُبِّئْتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزِيدَ ... ظُلْمًا عَلَيْنَا لَهُمُ فَدِيدُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا: الْفَدْفَدُ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ.

(فَذَّ) الْفَاءُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْفِرَادٍ وَتَفَرُّقٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَذُّ، وَهُوَ الْفَرْدُ. وَيُقَالُ: شَاةٌ مُفِذٌّ، إِذَا وَلَدَتْ وَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَتَهَا فَهِيَ مِفْذَاذٌ. وَلَا يُقَالُ: نَاقَةٌ مُفِذٌّ، لِأَنَّ النَّاقَةَ لَا تَلِدُ إِلَّا وَاحِدًا. وَيُقَالُ تَمْرٌ فَذٌّ: مُتَفَرِّقٌ. وَالْفَذُّ: الْأَوَّلُ مِنْ سِهَامِ الْقِدَاحِ.

(فَرَّ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: فَالْأَوَّلُ الِانْكِشَافُ وَمَا يُقَارِبُهُ مِنَ الْكَشْفِ عَنِ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي جِنْسٌ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالثَّالِثُ دَالٌّ عَلَى خِفَّةٍ وَطَيْشٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: فَرَّ عَنْ أَسْنَانِهِ. وَافْتَرَّ الْإِنْسَانُ، إِذَا تَبَسَّمَ. قَالَ:
يَفْتَرُّ مِنْكَ عَنِ الْوَاضِحَا ... تِ إِذْ غَيْرُكَ الْقَلِحُ الْأَثْعَلُ

(4/438)


وَيَقُولُونَ فِي الْأَمْثَالِ:
هُوَ الْجَوَادُ عَيْنُهُ فِرَارُهُ
أَيْ يُغْنِيكَ مَنْظَرُهُ مِنْ مَخْبَرِهِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا إِنَّ نَظَرَكَ إِلَيْهِ يُغْنِيكَ عَنْ أَنْ تَفُرَّهُ، أَيْ تَكْشِفَهُ وَتَبْحَثَ عَنْ أَسْنَانِهِ وَيَقُولُونَ: أَفَرَّ الْمُهْرُ، إِذَا دَنَا أَنْ يُفَرَّ جَذَعًا. وَأَفَرَّتِ الْإِبِلُ لِلْإِثْنَاءِ إِفْرَارًا، إِذَا ذَهَبَتْ رَوَاضِعُهَا وَأَثْنَتْ. وَيَقُولُونَ: فُرَّ فُلَانًا عَمَّا فِي نَفْسِهِ، أَيْ فَتِّشْهُ. وَفُرَّ عَنِ الْأَمْرِ: ابْحَثْ.
وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي الْمَعْنَى: الْفِرَارُ، وَهُوَ الِانْكِشَافُ، يُقَالُ فَرَّ يَفِرُّ، وَالْمَفَرُّ الْمَصْدَرُ. وَالْمَفَرُّ: الْمَوْضِعُ يُفَرُّ إِلَيْهِ. وَالْفَرُّ: الْقَوْمُ الْفَارُّونَ. يُقَالُ فَرٌّ جَمْعُ فَارٍّ، كَمَا يُقَالُ صَحْبٌ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَشَرْبٌ جَمْعُ شَارِبٍ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْفَرِيرُ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَيُقَالُ الْفُرَارُ مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ: مَا صَغُرَ جِسْمُهُ، وَاحِدَهُ فَرِيرٌ، كَرَخْلٍ وَرُخَالٍ، وَظِئْرٍ وَظُؤَارٍ.
وَالثَّالِثُ: الْفَرْفَرَةُ: الطَّيْشُ وَالْخِفَّةُ. يُقَالُ: رَجُلٌ فَرْفَارٌ وَامْرَأَةٌ فَرْفَارَةٌ. وَالْفَرْفَارَةُ: شَجَرَةٌ.

(فَزَّ) الْفَاءُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَمَا قَارَبَهَا. تَقُولُ: فَزَّهُ وَاسْتَفَزَّهُ، إِذَا اسْتَخَفَّهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} [الإسراء: 76] ، أَيْ يَحْمِلُونَكَ عَلَى أَنْ تَخِفَّ عَنْهَا. وَأَفَزَّهُ الْخَوْفُ وَأَفْزَعَهُ بِمَعْنًى. وَقَدِ اسْتَفَزَّ فُلَانًا جَهْلُهُ. وَرَجُلٌ فَزٌّ: خَفِيفٌ. وَيَقُولُونَ: فَزَّ عَنِ الشَّيْءِ: عَدَلَ. وَالْفَزُّ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِخِفَّةِ جِسْمِهِ. قَالَ:

(4/439)


كَمَا اسْتَغَاثَ بِسَيْءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ ... خَافَ الْعُيُونَ وَلَمْ يُنْظَرْ بِهِ الْحَشَكُ

(فَسَّ) الْفَاءُ وَالسِّينُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ. يَقُولُونَ الْفِسْفِسَةُ: الرَّطْبَةُ.

(فَشَّ) الْفَاءُ وَالشِّينُ يَدُلُّ عَلَى انْتِشَارٍ وَقِلَّةِ تَمَاسُكٍ. يُقَالُ: نَاقَةٌ فَشُوشٌ، إِذَا كَانَتْ مُنْتَشِرَةُ الشَّخْبِ. وَانْفَشَّ عَنِ الْأَمْرِ: كَسِلَ. وَالْفَشُّ: تَتَبُّعُ السَّرَقِ الدُّونِ ; وَهُوَ فَشَّاشٌ.

(فَصَّ) الْفَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَصْلٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. مِنْ ذَلِكَ الْفُصُوصُ، هِيَ مَفَاصِلُ الْعِظَامِ كُلِّهَا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِلَّا الْأَصَابِعَ - وَاحِدُهَا فَصٌّ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: أَفْصَصْتُ إِلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا، كَأَنَّكَ فَصَلْتَهُ عَنْكَ إِلَيْكَ. وَفَصَّ الْجُرْحُ: سَالَ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا: الْفَصُّ: فَصُّ الْخَاتَمِ. وَسُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْخَاتَمِ، بَلْ هُوَ مُلْصَقٌ بِهِ. فَأَمَّا فَصُّ الْعَيْنِ فَحَدَقَتُهَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ.

(فَضَّ) الْفَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفْرِيقٍ وَتَجْزِئَةٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَضَضْتُ الشَّيْءَ، إِذَا فَرَّقْتَهُ ; وَانْفَضَّ هُوَ. وَانْفَضَّ الْقَوْمُ: تَفَرَّقُوا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: فَضَضْتُ عَنِ الْكِتَابِ خَتْمَهُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْفِضَّةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَأَنَّهَا تَفُضُّ، لِمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ حَلْيٌ. وَالْفِضَاضُ: مَا تَفَضَّضَ

(4/440)


مِنَ الشَّيْءِ إِذَا انْفَضَّ. وَالْفَاضَّةُ: الدَّاهِيَةُ، وَالْجَمْعُ فَوَاضُّ، كَأَنَّهَا تَفُضُّ، أَيْ تُفَرَّقُ. وَمِنَ الَّذِي يَجُوزُ أَنَّ يُقَاسَ عَلَى هَذَا: الْفَضْفَضَةُ: سَعَةُ الثَّوْبِ. وَثَوْبٌ فَضْفَاضٌ وَدِرْعٌ فَضْفَاضَةٌ، لِأَنَّهَا إِذَا اتَّسَعَتْ تَبَاعَدَتْ أَطْرَافُهَا. وَأَمَّا الْفَضِيضُ فَالْمَاءُ الْعَذْبُ، سُمِّيَ لِفَضَاضَتِهِ وَسُهُولَةِ مَرِّهِ فِي الْحَلْقِ.

(فَظَّ) الْفَاءُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ وَتَكَرُّهٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَظُّ: مَاءُ الْكَرِشِ. وَافْتُظَّ الْكَرِشُ، إِذَا اعْتُصِرَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَكَانُوا كَأَنْفِ اللَّيْثِ لَا شَمَّ مَرْغَمًا ... وَمَا نَالَ فَظَّ الصَّيْدِ حَتَّى يُعَفِّرَا
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الْفَظَاظَةَ مِنْ هَذَا. يُقَالُ رَجُلٌ فَظٌّ: كَرِيهُ الْخُلُقِ. وَهُوَ مِنْ فَظِّ الْكَرِشِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَنَاوَلُ إِلَّا ضَرُورَةً عَلَى كَرَاهَةٍ. وَيَقُولُونَ: الْفَظِيظُ: مَاءُ الْفَحْلِ.

(فَغَّ) الْفَاءُ وَالْغَيْنُ لَيْسَ فِيهِ كَلَامٌ أَصِيلٌ، وَهُوَ شِبْهُ حِكَايَةٍ لِصَوْتٍ. يَقُولُونَ: الْفَغْفَغَةُ: الصَّوْتُ بِالْغَنَمِ. وَيَقُولُونَ: الْفَغْفَغَانِيُّ: الْقَصَّابُ أَوِ الرَّاعِي ; وَكَذَلِكَ الْفَغْفَغِيُّ. وَيَقُولُ: الْفَغْفَغَانُ: الرَّجُلُ الْخَفِيفُ. وَتَفَغْفَغَ فِي أَمْرِهِ: أَسْرَعَ. وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(4/441)


[بَابُ الْفَاءِ وَالْقَافُ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَقَمَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اعْوِجَاجٍ وَقِلَّةِ اسْتِقَامَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَفْقَمُ، هُوَ الْأَعْوَجُ. وَالْفَقَمُ: أَنْ تَتَقَدَّمَ الثَّنَايَا السُّفْلَى فَلَا تَقَعَ عَلَيْهَا الْعُلْيَا. وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْبَابِ: وَزَعَمَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الْفَقَمَ الِامْتِلَاءُ. يُقَالُ: أَصَابَ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى فَقِمَ، هُوَ أَصْلُ الْبَابِ. فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِهِ.

(فَقَهَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى إِدْرَاكِ الشَّيْءِ وَالْعِلْمِ بِهِ. تَقُولُ: فَقِهْتُ الْحَدِيثَ أَفْقَهُهُ. وَكُلُّ عِلْمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فِقْهٌ. يَقُولُونَ: لَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ. ثُمَّ اخْتُصَّ بِذَلِكَ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ، فَقِيلَ لِكُلِّ عَالِمٍ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: فَقِيهٌ. وَأَفْقَهْتُكَ الشَّيْءَ، إِذَا بَيَّنْتُهُ لَكَ.

(فَقَأَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْهَمْزَةُ يَدُلُّ عَلَى فَتْحِ الشَّيْءِ، وَتَفَتُّحِهِ. يُقَالُ: تَفَقَّأَتِ السَّحَابَةُ عَنْ مَائِهَا، إِذَا أَرْسَلَتْهُ، كَأَنَّهَا تَفَتَّحَتْ عَنْهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الْفَقْءُ، وَهِيَ السَّابِيَاءُ الَّذِي يَنْفَرِجُ عَنْ رَأْسِ الْمَوْلُودِ. وَمِنْهُ فَقَأْتُ عَيْنَهُ أَفْقَؤُهَا. فَأَمَّا الْفُقَى مُلَيَّنٌ فَجَمْعُ فُوقٍ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. قَالَ:

(4/442)


وَنَبْلِي وَفُقَاهَا كَ ... عَرَاقِيبِ قَطًا طُحْلِ

(فَقَحَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْحَاءُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ مِنَ التَّفَتُّحِ. مِنْ ذَلِكَ الْفُقَّاحُ: نَوْرُ الْإِذْخِرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَفَتُّحِهِ، وَيُقَالُ بَلْ نُورُ الشَّجَرِ كُلِّهِ فُقَّاحٌ. وَيُقَالُ: فَقَّحَ الْجَرْوُ: فَتَّحَ عَيْنَيْهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَكْحُلْكَ بِالصَّابِ أَوْ بِالْجَلَا ... فَفَقِّحْ لِذَلِكَ أَوْ غَمِّضِ

(فَقَدَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالدَّالُّ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ شَيْءٍ وَضَيَاعِهِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ. فَقَدْتُ الشَّيْءَ فَقْدًا. وَالْفَاقِدُ: الْمَرْأَةُ تَفْقِدُ وَلَدَهَا أَوْ بَعْلَهَا، وَالْجَمْعُ فَوَاقِدُ. فَأَمَّا قَوْلُكَ: تَفَقَّدْتُ الشَّيْءَ، إِذَا تَطَلَّبْتَهُ، فَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، لِأَنَّكَ تَطْلُبُهُ عِنْدَ فَقْدِكَ إِيَّاهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: 20] .

(فَقَرَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِرَاجٍ فِي شَيْءٍ، مِنْ عُضْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ: الْفَقَارُ لِلظَّهْرِ، الْوَاحِدَةُ فَقَارَّةٌ، سُمِّيَتْ لِلْحُزُوزِ وَالْفُصُولُ الَّتِي بَيْنَهَا. وَالْفَقِيرُ: الْمَكْسُورُ فَقَارِ الظَّهْرِ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: مِنْهُ اشْتُقَّ اسْمُ الْفَقِيرِ، وَكَأَنَّهُ مَكْسُورُ فَقَارِ الظَّهْرِ، مِنْ ذِلَّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ:

(4/443)


فَقَرَتْهُمُ الْفَاقِرَةُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ، كَأَنَّهَا كَاسِرَةٌ لِفَقَارِ الظَّهْرِ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: الْفَقِيرُ: الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ مِنْ عَيْشٍ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ حَلُوبَةً، وَجَعَلَهَا وَفْقًا لِعِيَالِهِ، أَيْ قُوتًا لَا فَضْلَ فِيهِ. وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنَّهُ مَخْرَجُ الْمَاءِ مِنَ الْقَنَاةِ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ هُزِمَ فِي الْأَرْضِ وَكُسِرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَفْقَرَكَ الصَّيْدُ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمْكَنَكَ مِنْ فَقَارِهِ حَتَّى تَرْمِيَهُ. وَيُقَالُ: فَقَرْتُ الْبَعِيرَ، إِذَا حَزَزْتَ خَطْمَهُ ثُمَّ جَعَلْتَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَزِّ الْجَرِيرَ لِتُذِلَّهُ وَتَرُوضَهُ. وَأَفْقَرْتُكَ نَاقَتِي: أَعَرْتُكَ فَقَارَهَا لِتَرْكَبَهَا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ:
مَا لَيْلَةُ الْفَقِيرِ إِلَّا شَيْطَانْ
فَالْفَقِيرُ هَا هُنَا: رَكِيٌّ مَعْرُوفٌ. وَيُقَالُ: فَقَرَتُ لِلْفَسِيلِ، إِذَا حَفَرْتَ لَهُ حِينَ تَغْرِسُهُ، وَفَقَرْتُ الْخَرَزَ، إِذَا ثَقَبْتَهُ. وَسَدَّ اللَّهُ مَفَاقِرَهُ، أَيْ أَغْنَاهُ وَسَدَّ وُجُوهَ فَقْرِهِ. قَالَ:
وَإِنَّ الَّذِي سَاقَ الْغِنَى لِابْنِ عَامِرٍ ... لَرَبِّي الَّذِي أَرْجُو لِسَدِّ مَفَاقِرِي

(فَقَسَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالسِّينُ. يَقُولُونَ: فَقَسَ: مَاتَ.

(4/444)


(فَقَصَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالصَّادُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: فُقِصَتِ الْبَيْضَةُ عَنِ الْفَرْخِ.

(فَقَعَ) الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ وَكَلِمَهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ عَلَى قِيَاسٍ، وَهِيَ كَلِمَاتٌ مُتَبَايِنَةٌ.
مِنْ ذَلِكَ الْفَقْعُ: ضَرْبٌ مِنَ الْكَمْأَةِ، وَبِهِ يُشَبَّهُ الرَّجُلُ الذَّلِيلُ فَيُقَالُ: " هُوَ أَذَلُّ مِنْ فَقْعٍ بِقَاعٍ ". وَالْفَقْعُ: الْحُصَاصُ. وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: فَقَّعَ بِأَصَابِعِهِ: صَوَّتَ.
وَمِمَّا لَا يُشْبِهُ الَّذِي قَبْلَهُ صِفَةُ الْأَصْفَرِ، يُقَالُ أَصْفَرُ فَاقِعٌ. وَيَقُولُونَ: الْإِفْقَاعُ. سُوءُ الْحَالِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَفْقَعَ. وَفَوَاقِعُ الدَّهْرِ: بَوَائِقُهُ فَأَمَّا الْفُقَّاعُ فَيُقَالُ إِنَّهُ عَرَبِيٌّ. قَالَ الْخَلِيلُ: سُمِّيَ فُقَّاعًا لِمَا يَرْتَفِعُ فِي رَأْسِهِ مِنَ الزَّبَدِ. قَالَ: وَالْفَقَاقِيعُ كَالْقَوَارِيرِ فَوْقَ الْمَاءِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَكَلَ) الْفَاءُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْأَفْكَلُ: الرِّعْدَةُ. وَيَقُولُونَ: لَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ.

(4/445)


(فَكَنَ) الْفَاءُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ التَّنَدُّمُ، يُقَالُ تَنَدَّمَ وَتَفَكَّنَ بِمَعْنًى.

(فَكَهَ) الْفَاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طِيبٍ وَاسْتِطَابَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْفَاكِهَةُ، لِأَنَّهَا تُسْتَطَابُ وَتُسْتَطْرَفُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْمُفَاكَهَةُ، وَهِيَ الْمُزَاحَةُ وَمَا يُسْتَحْلَى مِنْ كَلَامٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: أَفْكَهَتِ النَّاقَةُ وَالشَّاةُ، إِذَا دَرَّتَا عِنْدَ أَكْلِ الرَّبِيعِ وَكَانَ فِي اللَّبَنِ أَدْنَى خُثُورَةٍ ; وَهُوَ أَطْيَبُ اللَّبَنِ.
فَأَمَّا التَّفَكُّهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ تَفَكَّنُونَ، وَهُوَ مِنَ التَّنَدُّمِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.

(فَكَرَ) الْفَاءُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ تَرَدُّدُ الْقَلْبِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ تَفَكُّرَ إِذَا رَدَّدَ قَلْبَهُ مُعْتَبِرًا. وَرَجُلٌ فِكِّيرٌ: كَثِيرُ الْفِكْرِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَلَمَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ الْفَيْلَمُ: الْعَظِيمُ مِنَ الرِّجَالِ. وَفِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ: " رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيَّا ". وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَيَحْمِي الْمُضَافَ إِذَا مَا دَعَا ... إِذَا فَرَّ ذُو اللِّمَّةِ الْفَيْلَمُ

(4/446)


وَيَقُولُونَ: الْفَيْلَمُ: الْمُشْطُ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

(فَلَنَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ. وَرَخَّمَهُ أَبُو النَّجْمِ فَقَالَ:
فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ
هَذَا فِي النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ قِيلَ: رَكِبْتُ الْفُلَانَةَ وَالْفَرَسَ الْفُلَانَ.

(فَلَوَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: التَّرْبِيَةُ، وَالتَّفْتِيشُ، وَالْأَرْضُ الْخَالِيَةُ.
فَالتَّرْبِيَةُ: فَلَوْتُ الْمُهْرَ، إِذَا رَبَّيْتَهُ. يُقَالُ: فَلَاهُ يَفْلُوهُ. وَيُسَمَّى فَلُوًّا: قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
سَعِيدٌ وَمَا يَفْعَلْ سَعِيدٌ فَإِنَّهُ ... نَجِيبٌ فَلَاهُ فِي الرِّبَاطِ نَجِيبُ
وَقَوْلُهُمْ: فَلَوْتُهُ عَنْ أُمِّهِ، أَيْ قَطَعْتُهُ عَنِ الْفِطَامِ، فَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَفَلَوْتُ الْمُهْرَ وَافْتَلَيْتُهُ. قَالَ:

(4/447)


وَلَيْسَ يَهْلَكُ مِنَّا سَيِّدٌ أَبَدًا ... إِلَّا افْتَلَيْنَا غُلَامًا سَيِّدًا فِينَا
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: فَلَيْتُ الرَّأْسَ أَفْلِيهِ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيُقَالُ: فَلَيْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ أَفْلِيهِ.
وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ: الْفَلَاةُ، وَهِيَ الْمَفَازَةُ، وَالْجَمْعُ فَلَوَاتٌ وَفَلًا.

(فَلَتَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَخَلُّصٍ فِي سُرْعَةٍ.
يُقَالُ: أَفْلَتَ يُفْلِتُ. وَكَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ فَلْتَةً، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَدَبُّرٍ وَلَا رَأْيٍ وَلَا تَرَدُّدٍ. وَيُقَالُ: تَفَلَّتَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، كَأَنَّهُ نَازَعَ إِلَيْهِ. وَفَرَسٌ فَلَتَانٌ: نَشِيطٌ حَدِيدُ الْفُؤَادِ. وَثَوْبٌ فَلُوتٌ: لَا يَنْضَمُّ طَرَفَاهُ عَلَى لَابِسِهِ مِنْ صِغَرِهِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُفْلِتُ مِنَ الْيَدِ.
وَمِنَ الْبَابِ: افْتُلِتَ الْإِنْسَانُ، إِذَا مَاتَ فَجْأَةً. وَفِي الْحَدِيثِ: «أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا» ". وَالْفَلْتَةُ: آخِرُ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ.

(فَلَجَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى فَوْزٍ وَغَلَبَةٍ، وَالْآخِرُ عَلَى فُرْجَةٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ.
فَالْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: فُلِجَ الرَّجُلُ عَلَى خَصْمِهِ، إِذَا فَازَ: وَالسَّهْمُ الْفَالِجُ: الْفَائِزُ. وَالرَّجُلُ [الْفَالِجُ] : الْفَائِزُ. وَالِاسْمُ الْفُلْجُ. وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: " أَنَا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَالِجُ بْنُ خَلَاوَةَ " قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ. وَتَفْسِيرُ هَذَا أَنَّهُ إِذَا خَلَا مِنْهُ

(4/448)


فَقَدْ فَازَ، أَيْ نَجَا مِنْهُ. وَخَلَاوَةُ، مِنْ خَلَا يَخْلُو. وَقَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً يَخْشَعُ إِذَا ذُكِرَتْ لَهُ، وَتُغْرِي بِهِ لِئَامَ النَّاسِ، كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ، يَنْتَظِرُ فَوْزَةً مِنْ قِدَاحِهِ ".
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْفَلَجُ فِي الْأَسْنَانِ: تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " رَجُلٌ أَفْلَجُ الْأَسْنَانِ، وَامْرَأَةٌ فَلْجَاءُ الْأَسْنَانِ، لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَسْنَانِ ". فَأَمَّا الْفَلَجُ فِي الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَفْلَجُ: الَّذِي اعْوِجَاجُهُ فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي رِجْلَيْهِ فَهُوَ فَحَجٌ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ الْيَدَ إِذَا اعْوَجَّتْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَتَجَافَى وَتَتَبَاعَدَ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْفَالِجُ: الْجَمَلُ ذُو السَّنَامَيْنِ، وَسُمِّيَ لِلْفُرْجَةِ بَيْنَهُمَا. وَفَرَسٌ أَفْلَجُ: مُتَبَاعِدُ مَا بَيْنَ الْحَرْقَفَتَيْنِ. وَكُلُّ شَيْءٍ شَقَقْتَهُ فَقَدَ فَلَجْتَهُ فَلْجَيْنِ، أَيْ نِصْفَيْنِ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " وَإِنِّمَا قِيلَ فُلِجَ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ ذَهَبَ نِصْفُهُ ". وَيُقَالُ لِشُقَّةِ الثَّوْبِ: فُلَيْجَةٌ: وَالْفَلَجُ: النَّهْرُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فُلِجَ، أَيْ كَأَنَّ الْمَاءَ شَقَّهُ شَقًّا فَصَارَ فُرْجَةً. فَأَمَّا الْفَلُّوجَةُ فَالْأَرْضُ الْمُصْلَحَةُ لِلزَّرْعِ، وَالْجَمْعُ فَلَالِيجُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ: " أَنَّهُمَا فَلَجَا الْجِزْيَةَ "، فَإِنَّهُ يُرِيدُ قَسَمَاهَا، وَسُمِّيَ ذَلِكَ فَلْجًا لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ.

(4/449)


(فَلَحَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى شَقٍّ، وَالْآخَرُ عَلَى فَوْزٍ وَبَقَاءٍ.
فَالْأَوَّلُ: فَلَحْتُ الْأَرْضَ: شَقَقْتُهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: " الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ ". وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّارُ فَلَّاحًا. وَيُقَالُ لِلْمَشْقُوقِ الشَّفَةِ السُّفْلَى: أَفْلَحُ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَلَحَةِ. وَكَانَ عَنْتَرَةُ الْعَبْسِيُّ يُلَقَّبُ " الْفَلْحَاءَ " لِفَلَحَةٍ كَانَتْ بِهِ. قَالَ:
وَعَنْتَرَةُ الْفَلْحَاءُ جَاءَ مُلَأَّمًا ... كَأَنَّكَ فِنْدٌ مِنْ عَمَايَةِ أَسْوَدُ
وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْفَلَاحُ: الْبَقَاءُ وَالْفَوْزُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: " اسْتَفْلِحِي بِأَمْرِكِ "، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِكِ. وَالْفَلَاحُ: السَّحُورُ. قَالُوا: سُمِّيَ فَلَاحًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ تَبْقَى مَعَهُ قُوَّتُهُ عَلَى الصَّوْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - حَتَّى خِفْنَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ» ". قَالَ الشَّاعِرُ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ

(فَلَذَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالذَّالُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفِلْذَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْكَبِدِ، وَالْجَمْعُ فِلْذٌ. قَالَ:
تَكْفِيهِ حُزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلَمَّ بِهَا ... مِنَ الشِّوَاءِ وَيُرْوَى شُرْبَهُ الْغُمَرُ

(4/450)


فَالْقِطْعَةُ مِنَ الْمَالِ فِلْذَةٌ أَيْضًا. يُقَالُ فَلَذْتُ لَهُ مِنْ مَالِي، أَيْ قَطَعْتُ لَهُ فِلْذَةً مِنْهُ.

(فَلَزَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالزَّاءُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْفِلِزُّ: خَبَثُ الْحَدِيدِ يَنْفِيهِ الْكِيرُ.

(فَلَسَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَلْسُ، مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ فُلُوسٌ. وَيَقُولُونَ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ، قَالُوا: مَعْنَاهُ صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ.

(فَلَصَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالصَّادُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الِانْفِلَاصُ: التَّفَلُّتُ. وَفَلَّصْتُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ خَلَّصْتَهُ. وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الْمِيمُ، يُقَالُ مَلَّصَ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْخَاءُ: خَلَّصَ.

(فَلَطَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالطَّاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الرَّاءُ. وَيَقُولُونَ: أَفْلَطَهُ الْأَمْرُ: فَاجَأَهُ. وَتَكَلَّمَ فُلَانٌ فِلَاطًا، إِذَا فَاجَأَ بِقَوْلِهِ. وَالْأَصْلُ الرَّاءُ فَرَّطَ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِهِ.

(فَلَعَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَقِّ الشَّيْءِ. تَقُولُ: فَلَعْتُ الشَّيْءَ: شَقَقْتُهُ. وَتَفَلَّعَتِ الْبَيْضَةُ وَانْفَلَعَتْ.

(4/451)


(فَلَقَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فُرْجَةٍ وَبَيْنُونَةٍ فِي الشَّيْءِ، وَعَلَى تَعْظِيمِ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَلَقْتُ الشَّيْءَ أَفْلِقُهُ فَلْقًا. وَالْفَلَقُ: الصُّبْحُ ; لِأَنَّ الظَّلَامَ يَنْفَلِقُ عَنْهُ. وَالْفَلَقُ: مُطْمَئِنٌّ مِنَ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ انْفَلَقَ، وَجَمْعُهُ فِلْقَانٌ. وَالْفَلَقُ: الْخَلْقُ كُلُّهُ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ فُلِقَ عَنْهُ شَيْءٌ حَتَّى أُبْرِزَ وَأُظْهِرَ. وَيُقَالُ: انْفَلَقَ الْحَجَرُ وَغَيْرُهُ وَكَلَّمَنِي فُلَانٌ مِنْ فِلْقٍ فِيهِ. وَهُوَ ذَاكَ الْقِيَاسُ. وَالْفَالِقُ: فَضَاءٌ بَيْنَ شَقِيقَتَيْ رَمْلٍ. وَقَوْسٌ فِلْقٌ، إِذَا كَانَتْ مَشْقُوقَةً وَلَمْ تَكُ قَضِيبًا. وَالْفَلِيقُ كَالْهَزْمَةِ فِي جِرَانِ الْبَعِيرِ. قَالَ:
فَلِيقُهَا أَجْرَدُ كَالرُّمْحِ الضَّلِعْ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْفُلَيْقَةُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ الْعَظِيمَةُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَا لَلْفُلَيْقَةُ. وَالْأَمْرُ الْعَجَبُ الْعَظِيمُ. وَأَفْلَقَ فُلَانٌ: أَتَى بِالْفِلْقِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ شَاعِرٌ مُفْلِقٌ. وَقَالَ سُوَيْدٌ:
إِذَا عَرَضَتْ دَاوِيَّةٌ مُدْلَهِمَّةٌ ... وَغَرَّدَ حَادِيهَا عَمِلْنَ بِهَا فِلْقًا
وَالْفَيْلَقُ: الْعَجَبُ أَيْضًا.

(فَلَكَ) الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَارَةٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ فَلْكَةُ الْمِغْزَلِ بِفَتْحِ الْفَاءِ، سُمِّيَتْ لِاسْتِدَارَتِهَا ; وَلِذَلِكَ قِيلَ: فَلَكَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ، إِذَا اسْتَدَارَ.

(4/452)


وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ فَلَكُ السَّمَاءِ. وَفَلَكْتُ الْجَدْيَ بِقَضِيبٍ أَوْ هُلْبٍ: أَدَرْتُهُ عَلَى لِسَانِهِ لِئَلَّا يَرْتَضِعُ. وَالْفَلَكُ: قِطَعٌ مِنَ الْأَرْضِ مُسْتَدِيرَةٌ مُرْتَفِعَةٌ عَمَّا حَوْلَهَا. وَيُقَالُ إِنَّ فَلْكَةَ اللِّسَانِ: مَا صَلُبَ مِنْ أَصْلِهِ. وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَتُسَمَّى فُلْكًا. وَيُقَالُ إِنَّ الْوَاحِدَ وَالْجَمْعَ فِي هَذَا الِاسْمِ سَوَاءٌ، وَلَعَلَّهَا تُسَمَّى فُلْكًا لِأَنَّهَا تُدَارُ فِي الْمَاءِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالنُّونُ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَنَيَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. هَذَا بَابٌ لَا تَنْقَاسُ كَلِمُهُ، وَلَمْ يُبْنَ عَلَى قِيَاسٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ فِيهِ. قَالُوا: فَنِيَ يَفْنَى فَنَاءً، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَفْنَاهُ، وَذَلِكَ إِذَا انْقَطَعَ. وَاللَّهُ - تَعَالَى - قَطَعَهُ، أَيْ ذَهَبَ بِهِ. وَالْفَنَا مَقْصُورٌ: عِنَبُ الثَّعْلَبِ. وَالْفِنَاءُ: مَا امْتَدَّ مَعَ الدَّارِ مِنْ جَوَانِبِهَا، وَالْجَمْعُ أَفَنِيَةٌ. وَيَقُولُونَ: هُوَ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ، إِذَا لَمْ يُدْرَ مِمَّنْ هُوَ. وَالْمُفَانَاةُ: الْمُدَارَاةُ. قَالَ:
أُقِيمُهُ تَارَةً وَأُقْعِدُهُ كَمَا ... يُفَانِي الشَّمُوسَ قَائِدُهَا
وَالْأَفَانِي: نَبْتٌ، الْوَاحِدَةُ أَفَانِيَةٌ. وَالْفَنَاةُ: الْبَقَرَةُ، وَالْجَمْعُ فَنَوَاتٌ. وَشَجَرَةٌ فَنْوَاءُ، إِذَا ذَهَبَتْ أَفْنَانُهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقِيَاسُ فَنَّاءُ، لِأَنَّهُ مِنَ الْفَنَنِ.

(فَنَدَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ثِقَلٍ وَشِدَّةٍ،

(4/453)


وَيُقَالُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفِنْدُ: الشِّمْرَاخُ مِنَ الْجَبَلِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْجَبَلُ الْعَظِيمُ، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ فِنْدًا.
وَمِمَّا يُقَاسُ عَلَيْهِ التَّفْنِيدُ، وَ [هُوَ] اللَّوْمُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَثْقُلُ عَلَى سَامِعِهِ وَيَشْتَدُّ. وَالْفَنَدُ: الْهَرَمُ، وَهُوَ ذَاكَ الْقِيَاسُ، وَلَا يَكُونُ هَرَمًا إِلَّا وَمَعَهُ إِنْكَارُ عَقْلٍ. يُقَالُ أَفْنَدَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُفْنِدٌ، إِذْ أُهْتِرَ. وَلَا يُقَالُ عَجُوزٌ مُفْنِدَةٌ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُ فِي شَبِيبَتِهَا ذَاتَ رَأْيٍ.
وَيَقُولُونَ: الْفَنَدُ: الْكَذِبُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ سُمِّي كَذَا لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُفَنَّدُ، أَيْ يُلَامُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يُسَمَّى كَذَا لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْإِثْمِ ; شَدِيدٌ وِزْرُهُ.

(فَنَعَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طِيبٍ وَكَثْرَةٍ وَكَرَمٍ. فَالْفَنَعُ: الْكَرَمُ. وَيُقَالُ إِنَّ نَشْرَ الْمِسْكِ فَنَعٌ. وَيُقَالُ نَشْرُ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ. وَيُقَالُ مَالٌ ذُو فَنَعٍ، أَيْ كَثْرَةٍ. قَالَ:
وَقَدْ أَجُودُ وَمَا مَالِي بِذِي فَنَعٍ ... عَلَى الصِّدِّيقِ وَمَا خَيْرِي بِمَمْنُونِ

(فَنَقَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى كَرَمٍ وَنَعْمَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَنِيقُ: الْفَحْلُ الْمُكْرَمُ لَا يُؤْذَى لِكَرَامَتِهِ. وَيُقَالُ الْفُنُقُ: الْجَارِيَةُ الْمُنَعَّمَةُ. وَالْمُفَنَّقُ: الْمُنَعَّمُ.

(4/454)


(فَنَكَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالْكَافُ كَلِمَتَانِ. قَالُوا: الْفَنْكُ: اللَّجَاجُ: وَيُقَالُ اللُّزُومُ. يُقَالُ: فَنَكَ: أَقَامَ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْفَنِيكُ: طَرَفُ اللَّحْيَيْنِ عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ عَنِ الْفَنِيكِ فَقَالَ: أَمَّا الْأَعْلَى فَمُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ عِنْدَ الذَّقَنِ، وَأَمَّا الْأَسْفَلُ فَمُجْتَمَعُ الْوَرِكَيْنِ حَيْثُ يَلْتَقِيَانِ.

(فَنَحَ) الْفَاءُ وَالنُّونُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: فَنَحَ الْفَرَسُ مِنَ الْمَاءِ، إِذَا شَرِبَ دُونَ الرِّيِّ. قَالَ:
وَالْأَخْذُ بِالْغَبُوقِ وَالصَّبُوحِ ... مُبَرِّدًا لِمِقْأَبٍ فَنُوحٍ
الْمِقْأَبُ: الْكَثِيرُ الشُّرْبِ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ. وَرَوَاهَا آخَرُونَ: " لِمِصْأَبٍ "، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ دُونَ الرَّيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَهَجَ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ إِنَّ الْفَيْهَجَ: الْخَمْرُ. وَأَنْشَدُوا:
أَلَا يَا اصْبَحِينَا فَيْهَجًا جَدْرِيَّةً ... بِمَاءِ سَحَابٍ يَسْبِقُ الْحَقَّ بَاطِلِي

(فَهَدَ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ يَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالْفَهْدُ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ فُهُودٌ. وَيُقَالُ فَهِدَ الرَّجُلُ: غَفَلَ عَنِ الْأُمُورِ، شُبِّهَ بِالْفَهْدِ.

(4/455)


وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: «إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ» . وَيَقُولُونَ هَذَا لِأَنَّ الْفَهِدَ نَئُومٌ.
وَالْمُسْتَعَارُ الْفَهْدَتَانِ: لَحَمَتَا زَوْرِ الْفَرَسِ. وَيَقُولُونَ: الْفَهْدُ: مِسْمَارٌ فِي وَاسِطَةِ الرَّحْلِ.

(فَهَرَ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ لَيْسَ فِيهِ مِنَ اللُّغَةِ الْأَصْلِيَّةِ شَيْءٌ [إِلَّا] كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفِهْرُ، مُؤَنَّثَةً، وَهِيَ الْحَجَرُ مِنَ الْحِجَارَةِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَهْرَ: أَنْ يُجَامِعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَيُفْرِغَ فِي غَيْرِهَا. وَقَدْ جَاءَ فِيهِ. وَيُقَالُ تَفَهَّرَ فِي الْمَالِ: اتَّسَعَ فِيهِ. يَقُولُونَ: نَاقَةٌ فَيْهَرَةٌ: شَدِيدَةٌ. وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ بَعْضُهُ فِي الضَّعْفِ مِنْ بَعْضٍ.

(فَهَقَ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَعَةٍ وَامْتِلَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَهْقُ: الِامْتِلَاءُ. يُقَالُ: أَفْهَقْتَ الْكَأْسَ، إِذَا مَلَأْتَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ» وَاحِدُهُمْ مُتَفَيْهِقٌ. وَفِي الَّذِي يَفْهَقُ كَلَامَهُ وَيَمْلَأُ بِهِ فَمَهُ قَالَ الْأَعْشَى:
تَرُوحُ عَلَى آلِ الْمُحَلِّقِ جَفْنَةٌ ... كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ

(4/456)


قَالَ الْخَلِيلُ: الْفَيْهَقُ: الْوَاسِعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يُقَالُ مَفَازَةٌ فَيَهَقٌ. قَالَ: وَمُنْفَهِقُ الْوَادِي: مُتَّسَعُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْفَهْقَةُ: عَظْمٌ عِنْدَ فَائِقِ الرَّأْسِ مُشْرِفٌ عَلَى اللَّهَاةِ.

(فَهَمَ) الْفَاءُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عِلْمُ الشَّيْءِ، كَذَا يَقُولُونَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَفَهْمٌ: قَبِيلَةٌ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْوَاوُ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَوَتَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ إِدْرَاكِ الشَّيْءِ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ. يُقَالُ: فَاتَهُ الشَّيْءُ فَوْتًا. وَتَفَاوَتَ الشَّيْئَانِ: تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا، أَيْ لَمْ يُدْرِكْ هَذَا ذَاكَ. وَالِافْتِيَاتُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْفَوْتِ، وَهُوَ السَّبْقُ إِلَى الشَّيْءِ دُونَ الِائْتِمَارِ. يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُعْمَلُ شَيْءٌ دُونَ أَمْرِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْفَوْتُ: الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، كَالْفُرْجَةِ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ. وَالْجَمْعُ أَفْوَاتٌ. يُقَالُ: مَاتَ مَوْتَ الْفَوَاتِ، إِذَا فُوجِئَ، كَأَنَّهُ فَاتَهُ مَا أَرَادَ مِنْ وَصِيَّةٍ وَشِبْهِهَا. وَيُقَالُ: هُوَ مِنِّي فَوْتَ الرُّمْحِ. وَشَتَمَ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: " جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - رِزْقَهُ فَوْتَ فِيهِ "، أَيْ حَيْثُ يَرَاهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ.

(4/457)


(فَوَجَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَوْجُ، الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أَفْوَاجٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَفَاوِجُ وَأَفَاوِيجُ. وَأَمَّا أَفَاجَ الرَّجُلُ، إِذَا أَسْرَعَ، فَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، وَالْفَيْجُ مِنْهُ.

(فَوَحَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ثَوْرٍ وَغَلَيَانٍ. يُقَالُ: فَاحَتِ الرِّيحُ تَفُوحُ فَوْحًا. وَحَكَى نَاسٌ: فَاحَتِ الْقِدْرُ: غَلَتْ. وَأَفَحْتُهَا أَنَا.

(فَوَدَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ تُسْتَعَارُ. فَالْفَوْدُ: مُعْظَمُ شَعْرِ اللِّمَّةِ مِمَّا يَلِي الْأُذُنَيْنِ ثُمَّ يَقُولُونَ اسْتِعَارَةً لِجَنَاحَيِ الْعُقَابِ: فَوْدَانِ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: فَادَ يَفُودُ، إِذَا مَاتَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْيَاءُ، وَقَدْ ذُكِرَ.

(فَوَرَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَلَيَانٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهَا. فَالْفَوْرُ: الْغَلَيَانُ. يُقَالُ: فَارَتِ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا. قَالَ:
تَفُورُ عَلَيْنَا قِدْرُهُمْ فَنُدِيمُهَا ... وَنَفْثَؤُهَا عَنَّا إِذَا حَمْيُهَا غَلَا
وَفَارَ غَضَبُهُ، إِذَا جَاشَ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: فَعَلَهُ مِنْ فَوْرِهِ، أَيْ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ.

(4/458)


(فَوَزَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالزَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَضَادَّتَانِ. فَالْأُولَى النَّجَاةُ وَالْأُخْرَى الْهَلَكَةُ.
فَالْأُولَى قَوْلُهُمْ: فَازَ يَفُوزُ، إِذَا نَجَا، وَهُوَ فَائِزٌ. وَفَازَ بِالْأَمْرِ، إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَخَلَصَ. وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَلَّقَهَا: فُوزِي بِأَمْرِكِ، كَمَا يُقَالُ: أَمْرُكَ بِيَدِكَ. وَيُقَالُ لِمَنْ ظَفِرَ بِخَيْرٍ وَذَهَبَ بِهِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] .
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: فَوَّزَ الرَّجُلُ، إِذَا مَاتَ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
فَمَا ضَرَّهَا أَنَّ كَعْبًا ثَوَى ... وَفَوَّزَ مِنْ بَعْدِهِ جَرْوَلُ
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمَفَازَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا لِرَاكِبِهَا بِالسَّلَامَةِ وَالنَّجَاةِ. وَالْمَفَازَةُ: الْمَنْجَاةُ. قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَعَلَا -: {بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188] . وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مِنَ الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ، فَوَّزَ، إِذَا هَلَكَ. ثُمَّ يُقَالُ: فَوَّزَ الرَّجُلُ، إِذَا رَكِبَ الْمَفَازَةَ. قَالَ:
فَوَّزَ مِنْ قُرَاقِرٍ إِلَى سُوَى

(4/459)


(فَوَصَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خُلُوصٍ أَوْ خَلَاصٍ مِنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: قَبَضْتُ عَلَى ذَنَبِ الضَّبِّ فَأَفَاصَ مِنْ يَدِي، أَيْ خَلَّصَ ذَنْبَهُ. وَالْمُفَاوَصَةُ فِي الْحَدِيثِ: الْإِبَانَةُ. وَمَا يُفِيصُ بِهَا لِسَانُهُ، أَيْ يُبَيِّنُ.

(فَوَضَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اتِّكَالٍ فِي الْأَمْرِ عَلَى آخَرَ وَرَدِّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُفَرَّعُ فَيَرُدُّ إِلَيْهِ مَا يُشْبِهُهُ. مِنْ ذَلِكَ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ، إِذَا رَدَّهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ مَنْ قَالَ: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر: 44] .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: بَاتُوا فَوْضَى، أَيْ مُخْتَلِطِينَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى الْآخَرِ. قَالَ:
طَعَامُهُمْ فَوْضَى فَضًا فِي رِحَالِهِمْ ... وَلَا يُحْسِنُونَ السِّرَّ إِلَّا تَنَادِيَا
وَيُقَالُ: مَالُهُمْ فَوْضَى بَيْنَهُمْ، إِذَا لَمْ يُخَالِفْ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ. وَتَفَاوَضَ الشَّرِيكَانِ فِي الْمَالِ، إِذَا اشْتَرَكَا فَفَوَّضَ كُلٌّ أَمْرَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، هَذَا رَاضٍ بِمَا صَنَعَ ذَاكَ وَذَاكَ رَاضٍ بِمَا صَنَعَ هَذَا، مِمَّا أَجَازَتْهُ الشَّرِيعَةُ.

(فَوَعَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ يَدُلُّ عَلَى ثَوْرٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ لِخَمْرَةِ الطِّيبِ وَمَا ثَارَ مِنْ رِيحِهِ: فَوْعَةٌ. وَيُقَالُ لِارْتِفَاعِ النَّهَارِ: فَوْعَةٌ.

(فَوَغَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَوْغَ: الضَّخْمُ. يُقَالُ: امْرَأَةٌ فَوْغَاءُ.

(4/460)


(فَوَفَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْفُوفُ: الْقُطْنُ. ثُمَّ يُقَالُ لِلْبَيَاضِ يُرَى فِي أَظْفَارِ الْأَحْدَاثِ: الْفُوفُ. وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ: بُرْدٌ مُفَوَّفٌ.

(فَوَقَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْقَافُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى عُلُوٍّ، وَالْآخَرُ عَلَى أَوْبَةٍ وَرُجُوعٍ.
فَالْأَوَّلُ الْفَوْقُ، وَهُوَ الْعُلُوُّ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فَاقَ أَصْحَابَهُ يَفُوقُهُمْ، إِذَا عَلَاهُمْ وَأَمْرٌ فَائِقٌ، أَيْ مُرْتَفِعٌ عَالٍ.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَفُوَاقُ النَّاقَةِ، وَهُوَ رُجُوعُ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا بَعْدَ الْحَلَبِ. تَقُولُ: مَا أَقَامَ عِنْدَهُ إِلَّا فُوَاقَ نَاقَةٍ. وَاسْمُ الْمُجْتَمِعِ مِنَ الدِّرِّ: فِيقَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْوَاوُ. قَالَ الْأَعْشَى:
حَتَّى إِذَا فِيقَةٌ فِي ضَرْعِهَا اجْتَمَعَتْ ... جَاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لَوْ رَضَعَا
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ: «أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقَ اللَّقُوحِ» مَعْنَاهُ لَا أَقْرَأُ جُزْئِي مَرَّةً وَاحِدَةً لَكِنَّ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. شَبَّهَهُ بِفُوَاقِ الدِّرَّةِ. يُقَالُ فُوَاقُ وَفَوَاقُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] ، أَيْ مَا لَهَا مِنْ رُجُوعٍ وَلَا مَثْنَوِيَّةٍ وَلَا ارْتِدَادٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا لَهَا مِنْ نَظِرَةٍ. وَالْمَعْنَيَانِ قَرِيبَانِ. وَيَقُولُونَ: أَفَاقَ

(4/461)


السَّكْرَانُ يُفِيقُ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْبَةِ عَقْلِهِ إِلَيْهِ. وَالْأَفَاوِيقُ: مَا اجْتَمَعَ مِنَ الْمَاءِ فِي السَّحَابِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْفُوقُ: فُوقُ السَّهْمِ وَسُمِّيَ لِأَنَّ الْوَتَرَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَدْ رُدَّ فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَفْوَاقٌ. وَيَقُولُونَ: فُقًى، وَهُوَ مَقْلُوبٌ. وَيُقَالُ سَهْمٌ أَفْوَقُ، إِذَا انْكَسَرَ فُوقُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ قَوْلُهُمْ: هُوَ يَفُوقُ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ وَإِنَّمَا أَصْلُهُ يَسُوقُ، وَالْفَاءُ بَدَلٌ مِنَ السِّينِ، وَذَلِكَ إِذَا جَادَ بِنَفْسِهِ.

(فَوَلَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: الْفُولُ: الْبَاقِلَّى.

(فَوَمَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ، الْفُومُ. قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الثُّومُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْحِنْطَةُ. وَيَقُولُونَ: فَوِّمُوا لَنَا، أَيِ اخْبِزُوا.

(فَوَهَ) الْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَوَهُ: سَعَةُ الْفَمِ. رَجُلٌ أَفْوَهُ وَامْرَأَةٌ فَوَهَاءُ. وَيَقُولُونَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ أَصْلَ الْفَمِ فَوَهٌ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: رَجُلٌ أَفْوَهُ. وَفَاهَ الرَّجُلُ بِالْكَلَامِ يَفُوهُ بِهِ، إِذَا لَفَظَ بِهِ. وَالْمُفَوَّهُ: الْقَادِرُ عَلَى الْكَلَامِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْفَوَهَ أَيْضًا: خُرُوجُ الثَّنَايَا الْعُلْيَا وَطُولُهَا.

(4/462)


وَمِنَ الْبَابِ الْفُوَّهَةُ: فَمُ النَّهْرِ، وَإِنَّمَا بَنَوْهُ هَذَا الْبِنَاءَ فَرْقًا بَيْنَ الَّذِي لِلنَّهْرِ وَالَّذِي لِلْإِنْسَانِ. وَالْفُوهُ: وَاحِدُ أَفْوَاهِ الطِّيبِ، مِثْلَ سُوقٍ وَأَسْوَاقٍ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، كَأَنَّهُ لَمَّا فَاحَتْ رَائِحَتُهُ فَاهَ بِهَا، أَيْ نَطَقَ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَيَجَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالْجِيمُ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْرَاعِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْفَيْجُ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ، وَيُقَالُ أَصْلُهُ الْوَاوُ. وَالْفَائِجَةُ فِي الْأَرْضِ: مُتَّسَعُ مَا بَيْنَ كُلِّ مُرْتَفَعَيْنِ مِنْ غِلَظٍ أَوْ رَمْلٍ.

(فَيَحَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. فَاحَ يَفِيحُ، إِذَا ثَارَ. يُقَالُ ذَلِكَ فِي الرِّيحِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . وَيُقَالُ أَصْلُهُ الْوَاوُ، وَقَدْ مَضَى.

(فَيَخَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: أَفَاخَ يُفِيخُ بِرِيحِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «كُلُّ بَائِلَةٍ تُفِيخُ ".» وَيَقُولُونَ - وَمَا أُرَاهَا صَحِيحَةً - إِنَّ الْفَيْخَةَ: السُّكُرُّجَةُ.

(فَيَدَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ كَلِمَهُ لَمْ تَجِئْ قِيَاسًا، وَهُوَ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي لَا تَنْقَاسُ. مِنْ ذَلِكَ الْفَيْدُ، يَقُولُونَ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ. وَبِهِ سُمِّي الشَّعَرُ الَّذِي عَلَى جَحْفَلَةِ الْفَرَسِ. وَالْفَيْدُ: التَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ. يُقَالُ: رَجُلٌ فَيَّادٌ. فَأَمَّا الْفَيَّادُ فِي قَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:

(4/463)


وَلَسْتُ بِالْفَيَّادَةِ الْمُقَصْمِلِ
فَيُقَالُ: هُوَ الْمُعْجَبُ بِنَفْسِهِ الْمُتَبَخْتِرُ فِي مَشْيِهِ. وَقَالُوا: الْفَيَّادَةُ: الْأَكُولُ. وَالْفَيْدُ: الْمَوْتُ. [فَادَ] يَفِيدُ. وَالْفَيَّادُ: ذَكَرُ الْبُومِ. قَالَ:
وَيَهْمَاءَ بِاللَّيْلِ غَطْشَى الْفَلَا ... يُؤْنِسُنِي صَوْتُ فَيَّادِهَا
وَالْفَائِدَةُ: اسْتِحْدَاثُ مَالٍ وَخَيْرٍ. وَقَدْ فَادَتْ لَهُ فَائِدَةٌ. وَيُقَالُ: أَفَدْتُ غَيْرِي، وَأَفَدْتُ مِنْ غَيْرِي.

(فَيَشَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَقُولُونَ: الْفِيَاشُ: الْمُفَاخَرَةُ. يُقَالُ: فَايَشَ، إِذَا فَاخَرَ. قَالَ:
أَيُفَايِشُونَ وَقَدْ رَأَوْا حُفَّاثَهُمْ ... قَدْ عَضَّهُ فَقَضَى عَلَيْهِ الْأَشْجَعُ

(فَيَصَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَاءٍ وَمَا أَشْبَهَهُ. يُقَالُ: فَاصَ الْمَاءُ وَالدَّمُ، إِذَا قَطَرَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَهُوَ عَذْبٌ يَفِيصُ

(4/464)


مَا أَدْرِي مَا يَفِيصُ، وَلَكِنْ يُقَالُ: مَا فَاصَ بِكَلِمَةٍ، أَيْ لَمْ يُجْرِهَا لِسَانُهُ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. وَمِنَ الْبَابِ: مَا لَهُ مَحِيصٌ وَلَا مَفِيصٌ، أَيْ مَخْلَصٌ يَجْرِي فِيهِ وَيَمُرُّ.

(فَيَضَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ الشَّيْءِ بِسُهُولَةٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. مِنْ ذَلِكَ فَاضَ الْمَاءُ يَفِيضُ. وَيُقَالُ: أَفَاضَ إِنَاءَهُ، إِذَا مَلَأَهُ حَتَّى فَاضَ. وَأَفَاضَ دُمُوعَهُ. وَمِنْهُ: أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَةَ، إِذَا دَفَعُوا، وَذَلِكَ كَجَرَيَانِ السَّيْلِ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] . وَأَفَاضَ الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ، إِذَا انْدَفَعُوا فِيهِ. قَالَ - سُبْحَانَهُ: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] . وَمِنْهُ: أَفَاضَ بِالْقِدَاحِ، إِذَا ضَرَبَ بِهَا، كَأَنَّهُ أَجْرَاهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ:
وَكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وَكَأَنَّهُ ... يُفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَيُقَالُ: أَفَاضَ الْبَعِيرُ بِجَرَّتِهِ، إِذَا دَفَعَ بِهَا مِنْ صَدْرِهِ. قَالَ:
وَأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بِجَرَّةٍ ... مِنْ ذِي الْأَبَاطِحِ إِذْ رَعَيْنَ حَقِيلَا

(4/465)


وَأَرْضٌ ذَاتُ فُيُوضٍ، إِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ يَفِيضُ. وَأَعْطَى فُلَانٌ فُلَانًا غَيْضًا مِنْ فَيْضٍ، أَيْ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَنَهْرُ الْبَصْرَةِ وَحْدَهُ يُسَمَّى الْفَيْضُ.
وَمِنَ الْبَابِ: فَاضَ الرَّجُلُ، إِذَا مَاتَ. قَالَ:
فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وَفَاضَتْ نَفْسٌ
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَشْيَخَةً فُصَحَاءَ مِنْ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُونَ: فَاضَتْ نَفْسُهُ، بِالضَّادِ، وَسَمِعْتُ شَيْخًا مِنْهُمْ يُنْشِدُ:
وَكِدْتُ لَوْلَا أَجَلٌ تَأَخَّرَا ... تَفِيضُ نَفْسِي إِذَا زَهَاهُمْ زُمَرًا

(فَيَظَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: فَاظَ الْمَيِّتُ فَيْظًا، وَلَا يُقَالُ فَاظَتْ نَفْسُهُ. قَالَ:
لَا يَدْفِنُونَ مِنْهُمُ مَنْ فَاظَا

(فَيَفَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ. الْفَيْفُ وَالْفَيْفَاءُ: الْمَفَازَةُ.

(فَيَقَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالْقَافُ، [الْفَيْقَةُ] قَدْ مَضَى ذِكْرُهَا، وَالْأَصْلُ الْوَاوُ، وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنَ الدِّرَّةِ فِي الضَّرْعِ.

(4/466)


(فَيَلَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ وَضَعْفٍ. يُقَالُ: رَجُلٌ فِيلُ الرَّأْيِ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
بَنِي رَبِّ الْجَوَادِ فَلَا تَفِيلُوا ... فَمَا أَنْتُمْ فَنَعْذِرَكُمْ لِفِيلِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ اللَّحْمُ الَّذِي عَلَى خُرْبَةِ الْوَرِكِ. وَيُسَمَّى لِلِينِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْفَائِلَ عِرْقًا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْمُفَايَلَةُ: لُعْبَةٌ. وَيُخَبِّئُونَ الشَّيْءَ فِي التُّرَابِ وَيَقْسِمُونَهُ قِسْمَيْنِ، وَيَسْأَلُونَ فِي أَيِّهِمَا هُوَ. قَالَ طَرَفَةُ:
يَشُقُّ حَبَابَ الْمَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا ... كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ الْمُفَايِلُ بِالْيَدِ

(فَيَنَ) الْفَاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: يَأْتِيهِ الْفَيْنَةَ [بَعْدَ الْفَيْنَةِ] ، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَأَرَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَالرَّاءُ، وَيُسَمُّونَ الْأَلْفَ فِيهِ هَمْزَةً. الْفَأْرُ مَعْرُوفٌ، يُقَالُ مِنْهُ: مَكَانٌ فَئِرٌ، أَيْ كَثِيرُ الْفَأْرِ. وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَكَذَلِكَ فَأْرَةُ الْبَعِيرِ، وَهِيَ رِيحٌ تَجْتَمِعُ فِي رُسْغِ الْبَعِيرِ، وَإِذَا مَشَى انْفَشَّتْ.

(4/467)


(فَأَسَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتُسْتَعَارُ. الْفَأْسُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْعَدَدُ أَفْؤُسٌ، وَالْجَمْعُ فُؤُوسٌ. وَيُسْتَعَارُ فَيُقَالُ لِمُؤَخَّرِ الْقَمَحْدُوَةِ: فَأْسٌ. [وَفَأْسُ] اللِّجَامِ: الْحَدِيدَةُ الْقَائِمَةُ فِي الْحَنَكِ.

(فَأَلَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ. الْفَأْلُ: مَا يُتَفَاءَلُ بِهِ.

(فَأَمَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اتِّسَاعٍ فِي الشَّيْءِ، وَعَلَى كَثْرَةٍ. فَأَمَّا الْكَثْرَةُ فَالْفِئَامُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَأَمَّا السَّعَةُ فَالْفِئَامُ: وِطَاءٌ يَكُونُ فِي الْهَوْدَجِ، وَجَمْعُهُ فُؤُمٌ عَلَى فُعُلٍ. وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذَا امْتَلَأَ حَارِكُهُ شَحْمًا: قَدْ فُئِمَ حَارِكُهُ، وَهُوَ مُفْأَمٌ. وَالْمُفْأَمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْوَاسِعُ الْجَوْفِ. قَالَ:
أَخَذْنَ خُصُورَ الرَّمْلِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ ... عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ

(فَأَوَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْوَاوُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِرَاجٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ فَأْوًا، أَيْ فَلَقْتُهُ. وَالْفَأْوُ: فُرْجَةُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. قَالَ:
حَتَّى انْفَأَى الْفَأْوُ عَنْ أَعْنَاقِهَا سَحَرًا ... نَشَحْنَ فَلَا رِيٌّ وَلَا هِيمُ

(4/468)


(فَأَدَ) الْفَاءُ وَالْأَلِفُ وَالدَّالُ هَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حُمَّى وَشِدَّةِ حَرَارَةٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَأَدْتُ اللَّحْمَ: شَوَيْتُهُ. وَهَذَا فَئِيدٌ، أَيْ مَشْوِيٌّ. وَالْمِفْأَدُ: السَّفُودُ. وَالْمُفْتَأَدُ: الْمَوْضِعُ يُشْوَى فِيهِ. قَالَ:
كَأَنَّهُ خَارِجًا مِنْ جَنْبِ صَفْحَتِهِ ... سَفُودُ شَرْبٌ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ
وَمِمَّا هُوَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ عِنْدَنَا: الْفُؤَادُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَرَارَتِهِ. وَالْفَأْدُ: مَصْدَرُ فَأَدْتُهُ، إِذَا أَصَبْتَ فُؤَادَهُ. وَيَقُولُونَ: فَأَدْتُ الْمَلَّةَ، إِذَا مَلَلْتُهَا.

[بَابُ الْفَاءِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَتَحَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْإِغْلَاقِ.
يُقَالُ: فَتَحْتُ الْبَابَ وَغَيْرَهُ فَتْحًا. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا سَائِرُ مَا فِي هَذَا الْبِنَاءِ. فَالْفَتْحُ وَالْفِتَاحَةُ: الْحُكْمُ. وَاللَّهُ تَعَالَى الْفَاتِحُ، أَيِ الْحَاكِمُ. قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْفِتَاحَةِ:
أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عَوْفٍ رَسُولًا ... بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
وَالْفَتْحُ: الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَالْفَتْحُ. النَّصْرُ وَالْإِظْفَارُ. وَاسْتَفْتَحْتُ: اسْتَنْصَرْتُ. وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَفْتِحُ

(4/469)


بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ» . وَفَوَاتِحُ الْقُرْآنِ: أَوَائِلُ السُّوَرِ. وَبَابٌ فُتُحٌ، أَيْ وَاسِعٌ مَفْتُوحٌ.

(فَتَخَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ فِي الشَّيْءِ.
فَالْفَتَخُ: لِينٌ فِي جَنَاحِ الطَّائِرِ. وَعُقَابٌ فَتْخَاءُ، إِذَا انْكَسَرَ جَنَاحُهَا فِي طَيَرَانِهَا. وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلِهِ فِي جُلُوسِهِ، إِذَا لَيَّنَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ» . وَيُقَالُ إِنَّ الْفَتَخَ: عِرَضُ الْكَتِفِ وَالْقَدَمِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْفَتَخُ، جَمْعُ فَتَخَةٍ، وَهِيَ كَالْحَلْقَةِ تُلْبَسُ لُبْسَ الْخَاتَمِ. قَالَ:
تَسْقُطُ مِنْهُ فَتَخِي فِي كُمِّي

(فَتَرَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ: فَتَرَ الشَّيْءُ يَفْتُرُ فُتُورًا. وَالطَّرْفُ الْفَاتِرُ: الَّذِي لَيْسَ بِحَدِيدٍ شَزْرٍ. وَفَتَّرْتُ الشَّيْءَ وَأَفْتَرْتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} [الزخرف: 75] ، أَيْ لَا يُضْعَفُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: الْفِتْرُ: مَا بَيْنَ طَرَفِ الْإِبْهَامِ وَطَرَفِ السَّبَّابَةِ إِذَا فَتَحْتَهُمَا. وَفَتْرُ: اسْمُ امْرَأَةٍ، فِي قَوْلِهِ:
أَصَرَمْتَ حَبْلَ الْوُدِّ مِنْ فِتْرَ

(4/470)


(فَتَشَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى بَحْثٍ عَنْ شَيْءٍ. تَقُولُ: فَتَشْتُ فَتْشًا، وَفَتَّشْتُ تَفْتِيشًا.

(فَتَقَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَتْحٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَتَقْتُ الشَّيْءَ فَتْقًا. وَالْفَتْقُ: شَقُّ عَصَا الْجَمَاعَةِ. وَالْفَتْقُ: الصُّبْحُ. وَأَعْوَامُ الْفَتَقِ: أَعْوَامُ الْخِصْبِ. قَالَ:
لَمْ تَرْجُ رِسْلًا بَعْدَ أَعْوَامِ الْفَتَقِ
وَيُقَالُ: أَفْتَقَ الْقَمَرُ، إِذَا صَادَفَ فَتْقًا مِنْ سَحَابٍ وَطَلَعَ مِنْهُ. وَأَفْتَقَ الْقَوْمُ، إِذَا انْفَتَقَ عَنْهُمُ الْغَيْمُ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: جَمَلٌ فَتِيقٌ، إِذَا تَفَتَّقَ سِمَنًا. وَيُقَالُ: فَتِقَ يَفْتَقُ فَتَقًا. وَالْفَيْتَقُ: النَّجَّارُ، فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
فِي الْبَابِ فَيْتَقُ

(فَتَكَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ النُّسُكِ وَالصَّلَاحِ. مِنْ ذَلِكَ الْفَتْكُ، وَهُوَ الْغَدْرُ، وَهُوَ الْفِتْكُ أَيْضًا. يُقَالُ: فَتَكَ بِهِ: اغْتَالَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ ".» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

(4/471)


لَا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا ... وَلَا فَتْكَ إِلَّا دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجِمِ

(فَتَلَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لَيِّ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَتَلْتُ الْحَبْلَ وَغَيْرَهُ. وَالْفَتِيلُ: مَا يَكُونُ فِي شِقِّ النَّوَاةِ كَأَنَّهُ قَدْ فُتِلَ. قَالَ:

يَجْمَعُ الْجَيْشَ ذَا الْأُلُوفِ وَيَغْزُو ... ثُمَّ يَرْزَأُ الْعَدُوَّ فَتِيلًا
وَيُقَالُ: بَلِ الْفَتِيلُ مَا يُفْتَلُ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ. وَالْفَتَلُ: تَبَاعُدُ الذِّرَاعَيْنِ عَنْ جَنْبَيِ الْبَعِيرِ، كَأَنَّهُمَا لُوِيَا لَيًّا وَفُتِلَا حَتَّى لُوِيَا. قَالَ طَرَفَةُ:

لَهَا عَضُدَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنَّهَا ... تَمُرُّ بِسَلْمَى دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " فُلَانٌ يَفْتِلُ فِي ذِرْوَةِ فُلَانٍ "، أَيْ يَدُورُ مِنْ وَرَاءِ خَدِيعَتِهِ.

(فَتَنَ) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ. يُقَالُ: فَتَنْتُ أَفْتِنُ فَتْنًا. وَفَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنَّارِ، إِذَا امْتَحَنْتُهُ. وَهُوَ مَفْتُونٌ وَفَتِينٌ. وَالْفَتَّانُ: الشَّيْطَانُ. وَيُقَالُ: فَتَنَهُ وَأَفْتَنَهُ. وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَفْتِنَ. وَأَنْشَدُوا فِي أَفْتَنَ:

(4/472)


لَئِنْ أَفْتَنَتْنِي لَهْيَ بِالْأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيدًا فَأَضْحَى قَدْ قَلَى كُلَّ مُسْلِمِ
وَيُقَالُ: قَلْبٌ فَاتِنٌ، أَيْ مَفْتُونٌ. قَالَ:

رَخِيمُ الْكَلَامِ قَطِيعُ الْقِيَامِ ... أَضْحَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنًا
قَالَ الْخَلِيلُ: الْفَتْنُ: الْإِحْرَاقُ. وَشَيْءٌ فَتِينٌ: أَيْ مُحْرَقٌ. وَيُقَالُ لِلْحَرَّةِ: فَتِينٌ، كَأَنَّ حِجَارَتَهَا مُحْرَقَةٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْفِتَانُ: جِلْدَةُ الرَّحْلِ. وَقَوْلُهُمُ الْعَيْشُ فِتْنَانِ، أَيْ لَوْنَانِ. وَهَذِهِ يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ:
وَالْعَيْشُ فِتْنَانِ فَحُلْوٌ وَمُرٌّ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَبَرَ ابْنُ آدَمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

(فَتَى) الْفَاءُ وَالتَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى طَرَاوَةٍ وَجِدَّةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى تَبْيِينِ حُكْمٍ.

(4/473)


الْفَتِيُّ: الطَّرِيُّ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَتَى مِنَ النَّاسِ: وَاحِدُ الْفِتْيَانِ. وَالْفَتَاءُ: الشَّبَابُ، يُقَالُ فَتًى بَيِّنُ الْفَتَاءِ. قَالَ:

إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْنِ عَامًا ... فَقَدْ ذَهَبَ الْبَشَاشَةُ وَالْفَتَاءُ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْفُتْيَا. يُقَالُ: أَفْتَى الْفَقِيهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، إِذَا بَيَّنَ حُكْمَهَا. وَاسْتَفْتَيْتُ، إِذَا سَأَلْتَ عَنِ الْحُكْمِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] . وَيُقَالُ مِنْهُ فَتْوَى وَفُتْيَا.
وَإِذَا هُمِزَ خَرَجَ عَنِ الْبَابَيْنِ جَمِيعًا. يُقَالُ مَا فَتِئْتُ وَفَتَأْتُ أَذْكُرُهُ، أَيْ مَازِلْتُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] ، أَيْ لَا تَزَالُ تَذْكُرُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَثَجَ) الْفَاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعٍ فِي شَيْءٍ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. عَدَا الرَّجُلُ حَتَّى أَفْثَجَ، أَيْ أَعْيَا. وَيُقَالُ: بِئْرٌ لَا تُفْثَجُ، أَيْ لَا تُنْزَحْ وَقِيلَ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا، فَلَا تُفْثَجُ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا. وَيُقَالُ: فَثَجَتِ النَّاقَةُ، إِذَا حَالَتْ فَلَمْ تَحْمِلْ.

(4/474)


(فَثَرَ) الْفَاءُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَاثُورُ، وَهُوَ الْخُوَانُ يُتَّخَذُ مِنْ رُخَامٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَيَقُولُونَ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ: هِيَ عَلَى فَاثُورٍ وَاحِدٍ. كَأَنَّهُ أَرَادَ بِسَاطًا وَاحِدًا.

(فَثَأَ) الْفَاءُ وَالثَّاءُ وَالْهَمْزَةُ يَدُلُّ عَلَى تَسْكِينِ شَيْءٍ يَغْلِي وَيَفُورُ. يُقَالُ: فَثَأْتُ الْقِدْرَ: سَكَّنْتُ مِنْ غَلَيَانِهَا. قَالَ:
وَنَفْثَؤُهَا عَنَّا إِذَا حَمْيُهَا غَلَا
وَيُقَالُ: عَدَا حَتَّى أَفْثَأَ، أَيْ أَعْيَا.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَجَرَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّفَتُّحُ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْفَجْرُ: انْفِجَارُ الظُّلْمَةِ عَنِ الصُّبْحِ. وَمِنْهُ: انْفَجَرَ الْمَاءُ انْفِجَارًا: تَفَتَّحَ. وَالْفُجْرَةُ: مَوْضِعُ تَفَتُّحِ الْمَاءِ. ثُمَّ كَثُرَ هَذَا حَتَّى صَارَ الِانْبِعَاثُ وَالتَّفَتُّحُ فِي الْمَعَاصِي فُجُورًا. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْكَذِبُ فُجُورًا. ثُمَّ كَثُرَ هَذَا حَتَّى سُمِّيَ كُلُّ مَائِلٍ عَنِ الْحَقِّ فَاجِرًا. وَكُلُّ مَائِلٍ عِنْدَهُمْ فَاجْرٌ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَإِنْ تَتَقَدَّمْ تَغْشَ مِنْهَا مُقَدَّمًا غَلِيظًا ... وَإِنْ أَخَّرْتَ فَالْكِفْلُ فَاجِرُ

(4/475)


وَمِنَ الْبَابِ الْفَجَرُ، وَهُوَ الْكَرَمُ وَالتَّفَجُّرُ بِالْخَيْرِ. وَمَفَاجِرُ الْوَادِي: مَرَافِضُهُ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ مَفَاجِرَ لِانْفِجَارِ الْمَاءِ فِيهَا. قَالَ:
بِجَنْبِ الْعَلَنْدَى حَيْثُ نَامَ الْمَفَاجِرُ
وَمُنْفَجَرُ الرَّمْلِ: طَرِيقٌ يَكُونُ فِيهِ. وَيَوْمُ الْفِجَارِ: يَوْمٌ لِلْعَرَبِ اسْتُحِلَّتْ فِيهِ الْحُرْمَةُ.

(فَجَسَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: الْفَجْسُ: التَّكَبُّرُ وَالتَّعَظُّمُ. يُقَالُ مِنْهُ: تَفَجَّسَ.

(فَجَعَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَجِيعَةُ، وَهِيَ الرَّزِيَّةُ. وَنَزَلَتْ بِفُلَانٍ فَاجِعَةٌ، وَتَفَجَّعَ، إِذَا تَوَجَّعَ لَهَا.

(فَجَلَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ هِيَ نَبْتٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: فَجِلَ الشَّيْءُ: غَلُظَ وَاسْتَرْخَى. وَكُلُّ شَيْءٍ عَرَّضْتَهُ فَقَدْ فَجَّلْتَهُ.

(4/476)


(فَجَوَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى اتِّسَاعٍ فِي شَيْءٍ. فَالْفَجْوَةُ: الْمُتَّسَعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَقَوْسٌ فَجْوَاءُ: بَانَ وَتَرُهَا عَنْ كَبِدِهَا. وَفَجْوَةُ الدَّارِ: سَاحَتُهَا. وَالْفَجَا: تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ عُرْقُوبَيِ الْبَعِيرِ.
وَإِذَا هُمِزَ قُلْتُ: فَجِئَنِي الْأَمْرُ يَفْجَؤُنِي.

(فَجَمَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ. زَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَفَجَّمَ الْوَادِي وَانْفَجَمَ، إِذَا اتَّسَعَ. وَهَذِهِ فُجْمَةُ الْوَادِي، أَيْ مُتَّسَعُهُ.

(فَجَنَ) الْفَاءُ وَالْجِيمُ وَالنُّونُ. يَقُولُونَ: إِنَّ السَّذَابَ يُقَالُ لَهُ الْفَيْجَنُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْحَاءُ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَحَصَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَالْبَحْثِ عَنِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: فَحَصْتُ عَنِ الْأَمْرِ فَحْصًا. وَأُفْحُوصُ الْقَطَا: مَوْضِعُهَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهَا تَفْحَصُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «فَحَصُوا عَنْ رُءُوسِهِمْ» ، كَأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا مِثْلَ أَفَاحِيصِ الْقَطَا فَلَمْ يَحْلِقُوا عَنْهَا. وَفَحَصَ الْمَطَرُ التُّرَابَ، إِذَا قَلَبَهُ.

(4/477)


(فَحَسَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالسِّينُ. يَقُولُونَ: الْفَحْسُ: لَحْسُكَ الشَّيْءَ بِلِسَانِكَ عَنْ يَدِكَ.

(فَحَشَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قُبْحٍ فِي شَيْءٍ وَشَنَاعَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفُحْشُ وَالْفَحْشَاءُ وَالْفَاحِشَةُ. يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ جَاوَزَ قَدْرَهُ فَهُوَ فَاحِشٌ ; وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا يُتَكَرَّهُ. وَأَفْحَشَ الرَّجُلُ: قَالَ الْفُحْشَ: وَفَحَشَ، وَهُوَ فَحَّاشٌ. وَيَقُولُونَ: الْفَاحِشُ: الْبَخِيلُ، وَهَذَا عَلَى الِاتِّسَاعِ، وَالْبُخْلُ أَقْبَحُ خِصَالِ الْمَرْءِ. قَالَ طَرَفَةُ:
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي ... مَالَ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ

(فَحَلَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَكَارَةٍ وَقُوَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَحْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الذَّكَرُ الْبَاسِلُ. يُقَالُ: أَفْحَلْتُهُ فَحْلًا، إِذَا أَعْطَيْتَهُ فَحْلًا يَضْرِبُ فِي إِبِلِهِ. وَفَحَلْتُ إِبِلِي، إِذَا أَرْسَلْتَ فِيهَا فَحْلَهَا. قَالَ:
نَفْحَلُهَا الْبِيضَ الْقَلِيلَاتِ الطَّبَعْ
وَهَذَا مَثَلٌ، أَيْ نُعَرْقِبُهَا بِالْبِيضِ. يَصِفُ إِبِلًا عُرْقِبَتْ بِالسُّيُوفِ.
وَأَمَّا الْحَصِيرُ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْفُحَّالِ فَهُوَ يُسَمَّى فَحْلًا لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ يُتَّخَذُ. وَالْفُحَّالُ

(4/478)


فُحَّالُ النَّخْلِ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ ذُكُورِهِ فَحْلًا لِإِنَاثِهِ، وَالْجَمْعُ فَحَاحِيلُ. وَفَحْلٌ فَحِيَلٌ: كَرِيمٌ. قَالَ:
كَانَتْ نَجَائِبُ مُنْذِرٍ وَمُحَرِّقٍ ... أُمَّاتِهِنَّ وَطَرْقُهُنَّ فَحِيَلًا
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي سُهَيْلًا: الْفَحْلُ، تَشْبِيهًا لَهُ بِفَحْلِ الْإِبِلِ، لِاعْتِزَالِهِ النُّجُومَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَحْلَ إِذَا قَرَعَ الْإِبِلَ اعْتَزَلَهَا. وَيَقُولُونَ عَلَى التَّشْبِيهِ: امْرَأَةٌ فَحْلَةٌ، أَيْ سَلِيطَةٌ.

(فَحَمَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى سَوَادٍ وَالْآخِرُ عَلَى انْقِطَاعٍ.
فَالْأَوَّلُ الْفَحْمُ وَيُقَالُ الْفَحَمُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. قَالَ:
كَالْهَبْرَقِيِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحَمَا
وَيُقَالُ: فَحَّمَ وَجْهُهُ، إِذَا سَوَّدَهُ. وَشَعْرٌ فَاحِمٌ: أَسْوَدُ. وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ: سَوَادُ الظَّلَامِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: بَكَى الصَّبِيُّ حَتَّى فَحُمَ، أَيِ انْقَطَعَ صَوْتُهُ مِنَ الْبُكَاءِ. وَيُقَالُ: كَلَّمْتُهُ حَتَّى أَفْحَمْتُهُ. وَشَاعِرٌ مُفْحَمٌ: أَيِ انْقَطَعَ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ.

(4/479)


(فَحَوَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. مِنْهَا الْفَحَا: أَبْزَارُ الْقِدْرِ. يُقَالُ: فَحِّ قِدْرَكَ. فَأَمَّا فَحْوَى الْكَلَامِ فَهُوَ مَا ظَهَرَ لِلْفَهْمِ مِنْ مَطَاوِي الْكَلَامِ ظُهُورَ رَائِحَةِ الْفِحَاءِ مِنَ الْقِدْرِ، كَفَهْمِ الضَّرْبِ مِنَ الْأُفِّ.

(فَحَثَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. فَالْفَحْثُ: الْجَوْفُ. يُقَالُ: مَلَأَ أَفَحَاثَهُ، أَيْ جَوْفَهُ.

(فَحَجَ) الْفَاءُ وَالْحَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَحَجُ، وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ أَوْسَاطِ السَّاقَيْنِ فِي الْإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ. وَالنَّعْتُ أَفْحَجُ وَفَحْجَاءُ، وَالْجَمْعُ فُحْجٌ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْخَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَخَرَ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عِظَمٍ وَقِدَمٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَخْرُ. وَيَقُولُونَ فِي الْعِبَارَةِ عَنِ الْفَخْرِ: هُوَ عَدُّ الْقَدِيمِ، وَهُوَ الْفَخَرُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: فَخَرْتُ الرَّجُلَ عَلَى صَاحِبِهِ أَفْخَرُهُ فَخْرًا: أَيْ فَضَّلْتُهُ عَلَيْهِ. وَالْفَخِيرُ: الَّذِي يُفَاخِرُكَ، بِوَزْنِ الْخَصِيمِ. وَالْفِخِّيرُ: الْكَثِيرُ الْفَخْرِ. وَالْفَاخِرُ: الشَّيْءُ الْجَيِّدُ. وَالتَّفَخُّرُ: التَّعَظُّمُ. وَنَخْلَةٌ فَخُورٌ: عَظِيمَةُ الْجِذْعِ غَلِيظَةُ السَّعَفِ. وَالنَّاقَةُ الْفَخُورُ: الْعَظِيمَةُ الضَّرْعِ الْقَلِيلَةُ الدَّرِّ. كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَالْفَاخِرُ مِنَ الْبُسْرِ: الَّذِي يَعْظُمُ وَلَا نَوَى فِيهِ. وَيَقُولُونَ: فَرَسٌ فَخُورٌ، إِذَا عَظُمَ جُرْدَانُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْفَخَّارُ مِنَ الْجِرَارِ، مَعْرُوفٌ.

(4/480)


(فَخَلَ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ وَاللَّامُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ زَعَمَ أَنَّهُ يُقَالُ: تَفَخَّلَ الرَّجُلُ، إِذَا أَظْهَرَ الْوَقَارَ وَالْحِلْمَ. وَتَفَخَّلَ أَيْضًا. إِذَا تَهَيَّأَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ.

(فَخَمَ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَزَالَةٍ وَعِظَمٍ. يُقَالُ: مَنْطِقٌ فَخْمٌ: جَزْلٌ. وَيَقُولُونَ: الْفَخْمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْكَثِيرُ لَحْمِ الْوَجْنَتَيْنِ.

(فَخَتَ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ الْفَخْتُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ ضَوْءُ الْقَمَرِ أَوَّلَ مَا يَبْدُو مِنْهُ. وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْفَاخِتَةِ، لِلَوْنِهَا.

(فَخَذَ) الْفَاءُ وَالْخَاءُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَخِذُ مِنَ الْإِنْسَانِ، مَعْرُوفَةٌ، وَاسْتُعِيرَ فَقِيلَ الْفَخِذُ بِسُكُونِ الْخَاءِ، دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ، وَالْجَمْعُ أَفْخَاذٌ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَدَرَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ وَانْقِطَاعٍ، مِنْ ذَلِكَ الْفِدْرَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ ; وَلَسْتُ أَدْرِي أُبُنِيَ مِنْهَا فِعْلٌ أَمْ لَا. وَيَقُولُونَ: فَدَرَ الْفَحْلُ، إِذَا عَجَزَ عَنِ الضِّرَابِ، وَهُوَ فَادِرٌ. وَسُمِّيَ لِأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ فَقَدْ قَطَعَهُ. وَجَمْعُ فَادِرٍ فَوَادِرُ.

(4/481)


وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَذَا مِمَّا نَدَرَ فَجَاءَ مِنْهُ فَاعِلٌ عَلَى فَوَاعِلَ. وَالْمَفْدَرَةُ: مَكَانُ الْوُعُولِ الْفُدْرِ.

(فَدَشَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالشِّينُ لَيْسَ قَبْلَهُ إِلَّا [طَرِيفَةٌ] مِنْ طَرَائِفِ ابْنِ دُرَيْدٍ، قَالَ: فَدَشْتُ الشَّيْءَ، إِذَا شَدْخَتُهُ. وَفَدَشْتُ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ.

(فَدَعَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ فِيهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَدَعُ: عِوَجٌ فِي الْمَفَاصِلِ، كَأَنَّهَا قَدْ زَالَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا. وَيَقُولُونَ: كُلُّ ظَلِيمٍ أَفْدَعُ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي مَفَاصِلِهِ انْحِرَافًا. وَيُقَالُ بَلِ الْفَدَعُ: انْقِلَابُ الْكَفِّ إِلَى إِنْسِيِّهَا، يُقَالُ مِنْهُ: فَدِعَ يَفْدَعُ فَدَعًا.

(فَدَغَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْغَيْنُ. زَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّ الْفَدْغَ: الشَّدْخُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: «إِذًا تَفْدَغَ قُرَيْشٌ رَأْسِي ".» وَهَذَا صَحِيحٌ.

(فَدَمَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُثُورَةٍ وَثِقَلٍ وَقِلَّةِ كَلَامٍ فِي عِيٍّ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: صِبْغٌ مُفَدَّمٌ، أَيْ خَاثِرٌ مُشَبَّعٌ. قَالُوا: وَمِنْ قِيَاسِهِ الرَّجُلُ الْفَدْمُ، وَهُوَ الْقَلِيلُ الْكَلَامِ مِنْ عِيٍّ. وَهُوَ بَيِّنُ الْفُدُومَةِ وَالْفَدَامَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسُهُ الْفِدَامُ: الَّذِي تُفَدَّمُ بِهِ الْأَبَارِيقُ لِتَصْفِيَةِ مَا فِيهَا مِنْ شَرَابٍ.

(4/482)


(فَدَكَ) الْفَاءُ وَالدَّاءُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ فَدَكُ: بَلَدٌ. وَمِنْ طَرَائِفِ ابْنِ دُرَيْدٍ: فَدَكْتُ الْقُطْنَ: نَفَشْتُهُ. قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ أَزْدِيَّةٌ.

(فَدَنَ) الْفَاءُ وَالدَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفَدَنُ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْقَصْرُ.

(فَدَيَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا. فَالْأُولَى: أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مَكَانَ شَيْءٍ حِمًى لَهُ، وَالْأُخْرَى شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ.
فَالْأُولَى قَوْلُكَ: فَدَيْتُهُ أَفْدِيهِ، كَأَنَّكَ تَحْمِيهِ بِنَفْسِكَ أَوْ بِشَيْءٍ يُعَوِّضُ عَنْهُ. يَقُولُونَ: هُوَ فِدَاؤُكَ، إِذَا كَسَرْتَ مَدَدْتَ، وَإِذَا فَتَحْتَ قَصَرْتَ، يُقَالُ هُوَ فَدَاكَ. قَالَ:
فَدًى لَكُمَا رَجُلَيَّ أُمِّي وَخَالَتِي غَدَاةَ الْكُلَابِ إِذْ تُحَزُّ الدَّوَابِرُ
وَقَالَ فِي الْمَمْدُودِ:
مَهْلًا فِدَاءً لَكَ الْأَقْوَامُ كُلُّهُمْ ... وَمَا أُثَمِّرُ مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ

(4/483)


وَيُقَالُ: تَفَادَى مِنَ الشَّيْءِ، إِذَا تَحَامَاهُ وَانْزَوَى عَنْهُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ التَّفَادِي: أَنْ يَتَّقِيَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَأَنَّهُ يَجْعَلُ صَاحِبَهُ فِدَاءَ نَفْسِهِ. قَالَ:
تَفَادَى الْأُسُودُ الْغُلْبُ مِنْهُ تَفَادِيًا
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْفَدَاءُ مَمْدُودٌ، وَهُوَ مِسْطَحُ التَّمْرِ بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْفَدَاءُ: جَمَاعَةُ الطَّعَامِ مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهَا. قَالَ:
كَأَنَّ فَدَاءَهَا إِذْ جَرَّدُوهُ ... وَطَافُوا حَوْلَهُ سُلَكٌ يَتِيمٌ

(فَدَجَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْجِيمُ. يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَوْدَجَ: الْهَوْدَجُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْفَوْدَجُ: النَّاقَةُ الْوَاسِعَةُ الْأَرْفَاغِ. وَشَاةٌ مُفَوْدَجَةٌ: يَنْتَصِبُ قَرْنَاهَا وَيَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا.

(فَدَحَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ. فَدَحَهَ الْأَمْرُ. إِذَا عَالَهُ وَأَثْقَلَهُ، فَدْحًا. وَهُوَ أَمْرٌ فَادِحٌ.

(4/484)


(فَدَخَ) الْفَاءُ وَالدَّالُ وَالْخَاءُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا طَرِيفَةُ ابْنِ دُرَيْدٍ: فَدَخْتُ الشَّيْءَ، مِثْلُ شَدَخْتُهُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَذَحَ) الْفَاءُ وَالذَّالُ وَالْحَاءُ. ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَفَذَّحَتِ النَّاقَةُ وَانْفَذَحَتْ، إِذَا تَفَاجَّتْ لِتَبُولَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَرَزَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى عَزْلِ الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِهِ. يُقَالُ: فَرَزْتُ الشَّيْءَ فَرْزًا، وَهُوَ مَفْرُوزٌ، وَالْقِطْعَةُ فِرْزَةٌ.

(فَرَسَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى وَطْءِ الشَّيْءِ وَدَقِّهِ. يَقُولُونَ: فَرَسَ عُنُقَهُ، إِذَا دَقَّهَا. وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ دَقِّ الْعُنُقِ مِنَ الذَّبِيحَةِ. ثُمَّ صُيِّرَ كُلُّ قَتْلٍ فَرْسًا، يُقَالُ: فَرَسَ الْأَسَدُ فَرِيسَتَهُ. وَأَبُو فِرَاسٍ: الْأَسَدُ. وَمُمْكِنٌ أَنَّ يَكُونَ الْفَرَسُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، لِرَكْلِهِ الْأَرْضَ بِقَوَائِمِهِ وَوَطْئِهِ إِيَّاهَا،

(4/485)


ثُمَّ سُمِّيَ رَاكِبُهُ فَارِسًا. يَقُولُونَ: هُوَ حَسَنُ الْفُرُوسِيَّةِ وَالْفَرَاسَةِ. وَمِنَ الْبَابِ: التَّفَرُّسُ فِي الشَّيْءِ، كَإِصَابَةِ النَّظَرِ فِيهِ. وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ.

(فَرَشَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَمْهِيدِ الشَّيْءِ وَبَسْطِهِ. يُقَالُ: فَرَشْتُ الْفِرَاشَ أَفْرِشُهُ. وَالْفَرْشُ مَصْدَرٌ. وَالْفَرْشُ: الْمَفْرُوشُ أَيْضًا. وَسَائِرُ كَلِمِ الْبَابِ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. يُقَالُ تَفَرَّشَ الطَّائِرُ، إِذَا قَرُبَ مِنَ الْأَرْضِ وَرَفْرَفَ بِجَنَاحِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ: " أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَخَذُوا فَرْخَيْ حُمَّرَةٍ ; فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَفَرَّشُ ". وَقَالَ أَبُو دُوَادَ فِي رَبِيئَةَ:
فَأَتَانَا يَسْعَى تُفَرُّشَ أُمِّ الْ ... بَيْضِ شَدًّا وَقَدْ تَعَالَى النَّهَارُ
وَمِنْ ذَلِكَ: الْفَرْشُ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلذَّبْحِ وَالْأَكْلِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» قَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهِ الزَّوْجَ. قَالُوا: وَالْفِرَاشُ فِي الْحَقِيقَةِ: الْمَرْأَةُ، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُوطَأُ، وَلَكِنَّ الزَّوْجَ أُعِيرَ اسْمَ الْمَرْأَةِ، كَمَا اشْتَرَكَا فِي الزَّوْجِيَّةِ وَاللِّبَاسِ. قَالَ جَرِيرٌ:
بَاتَتْ تُعَارِضُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا ... خَلَقُ الْعَبَاءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلُ

(4/486)


وَيَقُولُونَ: أَفْرَشَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، إِذَا اغْتَابَهُ وَأَسَاءَ الْقَوْلَ. حَكَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا. وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَكَأَنَّهُ تَوَطَّأَهُ بِكَلَامٍ غَيْرِ حَسَنٍ. وَيَقُولُونَ: الْفَرَاشَةُ: الرَّجُلُ الْخَفِيفُ. وَهَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ شُبِّهَ بِفَرَاشَةِ الْمَاءِ. قَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قُبَيْلَ نُضُوبِهِ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ فُرِشَ ; وَكُلُّ خَفِيفٍ فَرَاشَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْفَرَاشَةُ مِنَ الْأَرْضِ: الَّذِي نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَيَبِسَ وَتَقَشَّرَ.
وَمِنَ الْبَابِ: افْتَرَشَ السَّبُعُ ذِرَاعَيْهِ. وَيَقُولُونَ: افْتَرَشَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ كَيْفَ شَاءَ. وَفَرَاشُ الرَّأْسِ: طَرَائِقُ دِقَاقٌ تَلِي الْقِحْفَ. وَالْفَرْشُ: دِقُّ الْحَطَبِ. وَالْفَرْشُ: الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " فُلَانٌ كَرِيمُ الْمَفَارِشِ، إِذَا تَزَوَّجَ كَرِيمَ النِّسَاءِ ". وَجَمَلٌ مُفَرَّشٌ: لَا سَنَامَ لَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: أَكَمَةٌ مُفْتَرِشَةُ الظَّهْرِ، إِذَا كَانَتْ دَكَّاءَ. وَيَقُولُونَ: مَا أَفْرَشَ عَنْهُ، أَيْ مَا أَقْلَعَ عَنْهُ. قَالَ:
لَمْ تَعْدُ أَنْ أَفْرَشَ عَنْهَا الصَّقَلَهْ
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَبْعُدُ عَنْ قِيَاسِ الْبَابِ، وَأَظُنُّهَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّهُ أَفْرَجَ. وَالْفَرَاشَةُ: فَرَاشَةُ الْقُفْلِ. وَالْفَرَاشُ هَذَا الَّذِي يَطِيرُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِخِفَّتِهِ.

(4/487)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْفَرِيشُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّتِي أَتَى لِوَضْعِهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ.

(فَرَصَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اقْتِطَاعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفُرْصَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الصُّوفِ أَوِ الْقُطْنِ. وَهُوَ مِنْ فَرَصْتُ الشَّيْءَ، أَيْ قَطَعْتُهُ. وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْحَدِيدَةِ الَّتِي تُقْطَعُ بِهَا الْفِضَّةُ: مِفْرَاصٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَأَدْفَعُ عَنْ أَعْرَاضِكُمْ وَأُعِيرُكُمْ ... لِسَانًا كَمِفْرَاصِ الْخَفَاجِيِّ مِلْحَبَا
ثُمَّ يُقَالُ لِلنُّهْزَةِ فُرْصَةٌ، لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ، كَأَنَّهَا اقْتِطَاعُ شَيْءٍ بِعَجَلَةٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْفَرِيصَةُ: اللَّحِمَةُ عِنْدَ نَاغِضِ الْكَتِفِ مِنْ وَسَطِ الْجَنْبِ. وَيُقَالُ: إِنَّ فَرِيصَ الْعُنُقِ: عُرُوقُهَا. وَهَذَا مِنَ الْبَابِ، كَأَنَّهُ فُرِصَ، أَيْ مُيِّزَ عَنِ الشَّيْءِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْفُرَافِصُ مِنَ النَّاسِ: الشَّدِيدُ الْبَطْشِ. وَهُوَ مِنَ الْفُرَافِصَةِ، وَهُوَ الْأَسَدُ، كَأَنَّهُ يَفْتَرِصُ الْأَشْيَاءَ، أَيْ يَقْتَطِعُهَا. وَالْقَوْمُ يَتَفَارَصُونَ الْمَاءَ، وَذَلِكَ إِذَا شَرِبُوهُ نَوْبَةً نَوْبَةً، كَأَنَّ كُلَّ شَرْبَةٍ مِنْ ذَلِكَ مُفْتَرَصَةٌ، أَيْ مُقْتَطَعَةٌ. وَالْفُرْصَةُ: الشِّرْبُ، وَالنَّوْبَةُ. وَالْفَرِيصُ: الَّذِي يُفَارِصُكَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ.

(فَرَضَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ فِي شَيْءٍ مِنْ حَزٍّ أَوْ غَيْرِهِ. فَالْفَرْضُ: الْحَزُّ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: فَرَضْتُ الْخَشَبَةَ. وَالْحَزُّ فِي

(4/488)


سِيَةِ الْقَوْسِ فَرْضٌ، حَيْثُ يَقَعُ الْوَتَرُ. وَالْفَرْضُ: الثُّقْبُ فِي الزَّنْدِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقْدَحُ مِنْهُ. وَالْمِفْرَضُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُحَزُّ بِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ اشْتِقَاقُ الْفَرْضِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مَعَالِمَ وَحُدُودًا.
وَمِنَ الْبَابِ الْفُرْضَةُ، وَهِيَ الْمَشْرَعَةُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالْحَزِّ فِي الشَّيْءِ، لِأَنَّهَا كَالْحَزِّ فِي طَرَفِ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ. وَالْفَرْضُ: التُّرْسُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْرَضُ مِنْ جَوَانِبِهِ. وَقَالَ:
أَرِقْتُ لَهُ مِثْلَ لَمْعِ الْبَشِيرِ ... يَقَلِّبُ بِالْكَفِّ فَرْضًا خَفِيفًا
وَمِنَ الْبَابِ مَا يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ مِنْ نَفَقَةٍ لِزَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مَعْلُومٌ يَبِينُ كَالْأَثَرِ فِي الشَّيْءِ. وَيَقُولُونَ: الْفَرْضُ مَا جُدْتَ بِهِ عَلَى غَيْرِ ثَوَابٍ، وَالْقَرْضُ: مَا كَانَ لِلْمُكَافَأَةِ. قَالَ:
وَمَا نَالَهَا حَتَّى تَجَلَّتْ وَأَسْفَرَتْ ... أَخُو ثِقَةٍ مِنِّي بِقَرْضٍ وَلَا فَرْضِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68] . وَالْفَرْضُ: جِنْسٌ مِنَ التَّمْرِ. قَالَ:
إِذَا أَكَلْتُ سَمَكًا وَفَرْضَا ... ذَهَبْتُ طُولًا وَذَهَبْتُ عَرْضًا
وَالْفِرْيَاضُ، الْوَاسِعُ.

(4/489)


(فَرَطَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِزَالَةِ شَيْءٍ مِنْ مَكَانِهِ وَتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ. يُقَالُ فَرَّطْتُ عَنْهُ مَا كَرِهَهُ، أَيْ نَحَّيْتُهُ. قَالَ:
فَلَعَلَّ بُطْأَكُمَا يُفَرِّطُ سَيِّئًا ... أَوْ يَسْبِقُ الْإِسْرَاعُ خَيْرًا مُقْبِلًا
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ يُقَالُ أَفْرَطَ، إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْأَمْرِ. يَقُولُونَ: إِيَّاكَ وَالْفَرَطُ، أَيْ لَا تُجَاوِزِ الْقَدْرَ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ [إِذَا] جَاوَزَ الْقَدْرَ فَقَدْ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ جِهَتِهِ. وَكَذَلِكَ التَّفْرِيطُ، وَهُوَ التَّقْصِيرُ، لِأَنَّهُ إِذَا قَصَّرَ فِيهِ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ عَنْ رُتْبَتِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْفَرَطُ وَالْفَارِطُ: الْمُتَقَدِّمُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ. وَمِنْهُ يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ لِلصَّبِيِّ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ "، أَيْ أَجْرًا مُتَقَدِّمًا. وَتَكَلَّمَ فُلَانٌ فِرَاطًا، إِذَا سَبَقَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ الْكَلَامِ. وَمِنْ هَذَا الْكَلِمِ: أَفْرَطَ فِي الْأَمْرِ: عَجَّلَ. وَأَفْرَطَتِ السَّحَابَةُ بِالْوَسْمِيِّ: عَجَّلَتْ بِهِ. وَفَرَّطْتُ عَنْهُ الشَّيْءَ: نَحَّيْتُهُ عَنْهُ. وَفَرَسٌ فُرُطٌ: تَسْبِقُ الْخَيْلَ. وَالْمَاءُ الْفِرَاطُ. الَّذِي يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ. وَقَالَ فِي الْفَرَسِ الْفُرُطِ:
فُرُطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَا
وَفُرَّاطُ الْقَطَا: مُتَقَدِّمَاتُهَا إِلَى الْوَادِي. وَفُرَّاطُ الْقَوْمِ: مُتَقَدِّمُوهُمْ. قَالَ:
فَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا ... كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ

(4/490)


وَيَقُولُونَ: أَفْرَطْتُ الْقِرْبَةَ: مَلَأْتُهَا. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا مَلَأَهَا فَقَدْ أَفْرَطَ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْبِقُ مِنْهَا فَيَسِيلُ. وَغَدِيرٌ مُفْرَطٌ: مَلْآنُ. وَأَفْرَطْتُ الْقَوْمَ، إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ وَتَرَكْتَهُمْ وَرَاءَكَ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: 62] : أَيْ مُؤَخَّرُونَ.
وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ فِي الْفَرْطِ بَعْدَ الْفَرْطِ، أَيِ الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ. يُقَالُ: مَعْنَاهُ مَا فَرَطَ مِنَ الزَّمَانِ. وَالْفَارِطَانِ: كَوْكَبَانِ أَمَامَ بَنَاتِ نَعْشٍ، كَأَنَّهَا سُمِّيَا بِذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِمَا. وَأَفْرَاطُ الصَّبَاحِ: أَوَائِلُ تَبَاشِيرِهِ. وَمِنْهُ الْفَرَطُ، أَيِ الْعَلَمُ مِنْ أَعْلَامِ الْأَرْضِ يُهْتَدَى بِهَا، وَالْجَمْعُ أَفْرَاطٌ. وَإِيَّاهُ أَرَادَ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ:
أَمْ هَلْ سَمَوْتُ بِجَرَّارٍ لَهُ لَجَبٌ ... جَمِّ الصَّوَاهِلِ بَيْنَ الْجَمِّ وَالْفُرُطِ
وَيُقَالُ إِنَّمَا هُوَ الْفَرَطُ، وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ.

(فَرَعَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ وَسُمُوٍّ وَسُبُوغٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَرْعُ، وَهُوَ أَعْلَى الشَّيْءِ. وَالْفَرْعُ: مَصْدَرُ فَرَّعْتُ الشَّيْءَ فَرْعًا، إِذَا عَلَوْتَهُ. وَيُقَالُ: أَفْرَعَ بَنُو فُلَانٍ، إِذَا انْتَجَعُوا فِي أَوَّلِ النَّاسِ. وَالْفَرَعُ: الْمَالُ الطَّائِلُ الْمُعَدُّ. وَالْأَفْرَعُ: الرَّجُلُ التَّامُّ الشَّعَرِ، وَقَدْ فَرِعَ.

(4/491)


قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: امْرَأَةٌ فَرْعَاءُ: كَثِيرَةُ الشَّعْرِ. وَلَا يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْجُمَّةِ: أَفْرَعُ، إِنَّمَا يَقُولُونَ رَجُلٌ أَفْرَعُ ضِدُّ الْأَصْلَعِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَعُ.
وَرَجُلٌ مُفْرَعُ الْكَتِفِ، أَيْ نَاشِزُهَا، وَيُقَالُ عَرِيضُهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: افْتَرَعْتُ الْبِكْرَ: افْتَضَضْتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقْهَرُهَا وَيَعْلُوهَا. وَأَفْرَعْتُ الْأَرْضَ: جَوَّلْتُهَا فَعَرَفْتُ خَبَرَهَا. وَفَرْعَةُ الطَّرِيقِ وَفَارِعَتُهُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْهُ. وَتَفَرَّعْتُ بَنِي فُلَانٍ: تَزَوَّجْتُ سَيِّدَةَ نِسَائِهِمْ. وَفَرَعْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ: عَلَوْتُهُ. وَفَرَعْتُ الْجَبَلَ: صِرْتُ فِي ذِرْوَتِهِ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا الْقِيَاسَ وَلَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ: الْفَرَعُ: أَوَّلُ نِتَاجِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ الْفَرَعَةُ: دُوَيْبَّةٌ، وَتَصْغِيرُهَا فُرَيْعَةٌ، وَبِهَا سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ.
وَمِمَّا شَذَّ أَيْضًا الْفَرَعُ، كَانَ شَيْئًا يُعْمَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُعْمَدُ إِلَى جِلْدِ سَقْبٍ فَيُلْبَسُهُ سَقْبٌ آخَرُ لِتَرْأَمَهُ أُمُّ الْمَنْحُورِ أَوِ الْمَيِّتِ، فِي شِعْرِ أَوْسٍ:
وَشُبِّهَ الْهَيْدَبُ الْعَبَامُ مِنَ الْ ... أَقْوَامِ سَقْبًا مُجَلَّلًا فَرَعًا
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَفْرَعْتُ فِي الْوَادِي: انْحَدَرْتُ، فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ فَرَعْتُ وَأَفْرَعْتُ. قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ: " لَقِيتُ فُلَانًا فَارِعًا مُفْرِعًا ". يَقُولُ: أَحَدُنَا مُنْحَدِرٌ وَالْآخَرُ مُصْعِدٌ.

(4/492)


(فَرَغَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ [وَسَعَةِ] ذَرْعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَرَاغُ: خِلَافُ الشُّغْلِ. يُقَالُ: فَرَغَ فَرَاغًا وَفُرُوغًا، وَفَرِغَ أَيْضًا. وَمِنَ الْبَابِ الْفَرْغُ: مَفْرَغُ الدَّلْوِ الَّذِي يَنْصَبُّ مِنْهُ الْمَاءُ. وَأَفْرَغْتَ الْمَاءَ: صَبَبْتُهُ. وَافْتَرَغْتُ، إِذَا صَبَبْتَ الْمَاءَ عَلَى نَفْسِكَ. وَذَهَبَ دَمُهُ فَرْغًا، أَيْ بَاطِلًا لَمْ يُطْلَبْ بِهِ. وَفَرَسٌ فَرِيغٌ، أَيْ وَاسِعُ الْمَشْيِ، وَسُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ خَالٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَخَفَّ عَدْوُهُ وَمَشْيُهُ. وَضَرْبَةٌ فَرِيغٌ: وَاسِعَةٌ، وَطَعْنَةٌ أَيْضًا. وَحَلْقَةٌ مُفْرَغَةٌ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ يُصَبُّ صَبًّا. وَطَرِيقٌ فَرِيغٌ: وَاسْعٌ. قَالَ:
فَأَجَزْتَهُ بِأَفَلَّ تَحْسِبُ إِثْرَهُ ... نَهْجًا أَبَانَ بِذِي فَرِيغٍ مَخْرَفِ
فَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31] ، فَهُوَ مَجَازٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: سَنَفْرَغُ، أَيْ نَعْمِدُ، يُقَالُ: فَرَغْتُ إِلَى أَمْرِ كَذَا، أَيْ عَمَدْتُ لَهُ.

(فَرَقَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَمْيِيزٍ وَتَزْيِيلٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقُ: فَرْقُ الشَّعْرِ. يُقَالُ: فَرَقْتُهُ فَرْقًا. وَالْفِرْقُ: الْقَطِيعُ

(4/493)


مِنَ الْغَنَمِ. وَالْفِرَقُ: الْفِلْقُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا انْفَلَقَ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] .
وَمِنَ الْبَابِ: الْفَرِيقَةُ، وَهُوَ الْقَطِيعُ مِنَ الْغَنَمِ، كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ فَارَقَتْ مُعْظَمَ الْغَنَمِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَذِفْرَى كَكَاهِلِ ذِيخِ الْخَلِيفِ ... أَصَابَ فَرِيقَةَ لَيْلٍ فَعَاثَا
وَمِنَ الْبَابِ: إِفْرَاقُ الْمَحْمُومِ مِنْ حُمَّاهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَا لِأَنَّهَا فَارَقَتْهُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ الْإِفْرَاقُ إِلَّا مِنْ مَرَضٍ لَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَنَاقَةٌ مُفْرِقٌ: فَارَقَهَا وَلَدُهَا بِمَوْتٍ.
وَالْفُرْقَانُ: كِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَالْفُرْقَانُ: الصُّبْحُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِهِ يُفْرَقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيُقَالُ لِأَنَّ الظُّلْمَةَ تَتَفَرَّقُ عَنْهُ. وَالْأَفْرَقُ: الدِّيكُ الَّذِي عُرْفُهُ مَفْرُوقٌ. وَالْفَرَقُ فِي الْخَيْلِ، أَنْ يَكُونَ أَحَدُ وِرْكَيْهِ أَرْفَعَ مِنَ الْآخَرِ. وَالْفَرَقُ فِي فُحُولَةِ الضَّأْنِ: بُعْدُ مَا بَيْنَ الْخُصْيَيْنِ، وَفِي الشَّاةِ: بُعْدُ مَا بَيْنَ الطُّبْيَيْنِ. وَالْفَارِقُ: الْخَلِفَةُ تَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ نَادَّةً مِنْ وَجَعِ الْمَخَاضِ فَتُنْتَجُ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ مَكَانُهَا ; وَالْجَمْعُ فَوَارِقُ وَفُرَّقٌ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ سَائِرَ النُّوقِ. وَتَشَبَّهَ السَّحَابَةُ تَنْفَرِدُ عَنِ السَّحَابِ بِهَذِهِ النَّاقَةِ، فَيُقَالُ: فَارِقٌ.

(4/494)


وَالْفَارِقُ مِنَ النَّاسِ: الَّذِي يَفْرِقُ بَيْنَ الْأُمُورِ، يَفْصِلُهَا. وَفَرَقُ الصُّبْحِ وَفَلَقُهُ وَاحِدٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْفَرَقُ: مِكْيَالٌ مِنَ الْمَكَايِيلِ، تُفْتَحُ فَاؤُهُ وَتُسَكَّنُ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هُوَ الْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» "، وَيُقَالُ إِنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا. وَأَنْشَدَ لِخِدَاشِ بْنِ زُهَيْرٍ:
يَأْخُذُونَ الْأَرْشَ فِي إِخْوَتِهِمْ ... فَرَقَ السَّمْنِ وَشَاةً فِي الْغَنَمِ
وَالْفَرِيقَةُ: تَمْرٌ يُطْبَخُ بِحُلْبَةٍ يُتَدَاوَى بِهِ. وَالْفَرُوقَةُ: شَحْمُ الْكُلْيَتَيْنِ. قَالَ:
يُضِيءُ لَنَا شَحْمُ الْفَرُوقَةِ وَالْكُلَى
وَالْفَرُوقُ: مَوْضِعٌ، كُلُّ ذَلِكَ شَاذٌّ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(فَرَكَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ فِي الشَّيْءِ وَتَفْتِيلٍ لَهُ. مِنْ ذَلِكَ: فَرَكْتُ الشَّيْءَ بِيَدِي أَفْرُكُهُ فَرْكًا، وَذَلِكَ تَفْتِيلُكَ لِلشَّيْءِ حَتَّى يَنْفَرِكَ. وَثَوْبٌ مَفْرُوكٌ بِالزَّعْفَرَانِ: مَصْبُوغٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: فَرِكَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا تَفْرَكُهُ، إِذَا أَبْغَضَتْهُ. قَالَ:
وَلَمْ يُضِعْهَا بَيْنَ فِرْكٍ وَعَشَقْ
وَرَجُلٌ مُفَرَّكٌ: يُبْغِضُهُ النِّسَاءُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ فِرْكًا لِأَنَّهَا تَلْتَوِي وَتَنْفَتِلُ عَنْهُ.

(4/495)


وَالِانْفِرَاكُ: اسْتِرْخَاءُ الْمَنْكِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَارَكْتُ صَاحِبِي، مِثْلَ تَارَكْتُهُ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ.

(فَرَمَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، أَظُنُّهَا لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً، وَهُوَ الِاسْتِفْرَامُ. يَقُولُونَ: هُوَ أَنْ تَحْتَشِيَ الْمَرْأَةُ شَيْئًا تَضِيقُ بِهِ مَا تَحْتَ إِزَارِهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: يُقَالُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ: فَرْمَةٌ. فَأَمَّا قَوْلُ الرَّاجِزِ:
مُسْتَفْرِمَاتٍ بِالْحَصَى جَوَافِلَا
فَإِنَّهُ يُرِيدُ خَيْلًا. يَعْنِي أَنَّ مِنْ شِدَّةِ جَرْيِهَا يَدْخُلُ الْحَصَى فِي فُرُوجِهَا، فَشَبَّهَ الْحَصَى بِالْفَرْمَةِ. وَالْفَرَمَاءُ: مَوْضِعٌ.

(فَرِهَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَشَرٍ وَحِذْقٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَارِهُ الْحَاذِقُ بِالشَّيْءِ. وَالْفَرِهُ: الْأَشِرُ. وَالْفَارِهَةُ: الْقَيْنَةُ. وَنَاقَةٌ مُفْرِهٌ وَمُفْرِهَةٌ، إِذَا كَانَتْ تُنْتِجُ الْفُرْهَ.

(فَرَى) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ عُظْمُ الْبَابِ قَطْعُ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ مَا يُقَارِبُهُ: مِنْ ذَلِكَ: فَرَيْتُ الشَّيْءَ أَفْرِيهِ فَرْيًا، وَذَلِكَ قَطْعُكَهُ

(4/496)


لِإِصْلَاحِهِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فَرَى، إِذَا خَرَزَ. وَأَفْرَيْتُهُ، إِذَا أَنْتَ قَطَعْتَهُ لِلْإِفْسَادِ. قَالَ فِي الْفَرْيِ:
وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْ ... ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
وَمِنَ الْبَابِ: فُلَانٌ يَفْرِي الْفَرِيَّ، إِذَا كَانَ يَأْتِي بِالْعَجَبِ، كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّيْءَ قَطْعًا عَجَبًا. قَالَ:
قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الْفَرِيَّا
أَيْ كُنْتِ تُكْثِرِينَ فِيهِ الْقَوْلَ وَتُعَظِّمِينَهُ. وَيُقَالُ: فَرَى فُلَانٌ كَذِبًا يَفْرِيهِ، إِذَا خَلَقَهُ. وَتَفَرَّتِ الْأَرْضُ بِالْعُيُونِ: انْبَجَسَتْ. وَالْفَرَى: الْجَبَانُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فُرِيَ عَنِ الْإِقْدَامِ، أَيْ قُطِعَ. وَالْفَرَى أَيْضًا: مِثْلُ الْفَرِيِّ، وَهُوَ الْعَجَبُ. وَالْفَرَى: الْبَهْتُ وَالدَّهَشُ، يُقَالُ فَرِيَ يَفْرَى فَرًى. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَفَرِيتُ مِنْ فَزَعٍ فَلَا ... أَرْمِي وَقَدْ وَدَّعْتُ صَاحِبْ
وَمِنَ الْبَابِ الْفَرْوَةُ الَّتِي تُلْبَسُ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَرْوَةً مِنْ قِيَاسٍ آخَرَ، وَهُوَ التَّغْطِيَةُ، لِذَلِكَ سُمِّيَتْ فَرْوَةُ الرَّأْسِ، وَهِيَ جِلْدَتُهُ. وَمِنْهُ الْفَرْوَةُ، وَهِيَ الْغِنَى

(4/497)


وَالثَّرْوَةُ. وَالْفَرْوَةُ: كُلُّ نَبَاتٍ مُجْتَمِعٍ إِذَا يَبِسَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْخَضِرَ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَاخْضَرَّتْ» . فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَالْبَابُ عَلَى قِيَاسَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ، وَالْآخَرُ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ بِشَيْءٍ ثَخِينٍ.
وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ الْفَرَأُ: حِمَارُ الْوَحْشِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي سُفْيَانَ: «كُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَأِ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بِضَرْبٍ كَآذَانِ الْفِرَاءِ

(فَرَتَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْمَاءُ الْفُرَاتُ، وَهُوَ الْعَذْبُ. يُقَالُ: مَاءٌ فُرَاتٌ، وَمِيَاهٌ فُرَاتٌ.

(فَرَثَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالثَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُتَفَتَّتٍ. يُقَالُ فَرَثَ كَبِدَهُ: فَتَّهَا. وَالْفَرْثُ: مَا فِي الْكَرِشِ. وَيُقَالُ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ: أَفْرَثَ فُلَانٌ أَصْحَابَهُ، إِذَا سَعَى بِهِمْ وَأَلْقَاهُمْ فِي بَلِيَّةٍ.

(فَرَجَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْفُرْجَةُ فِي الْحَائِطِ وَغَيْرِهِ. الشَّقُّ. يُقَالُ: فَرَجْتُهُ وَفَرَّجْتُهُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَرْجَةَ: التَّفَصِّي مِنْ هَمٍّ أَوْ غَمٍّ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا بِالْفَتْحِ. قَالَ:

(4/498)


رُبَّمَا تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنَ الْأَمْ ... رِ لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ
وَالْفَرْجُ: مَا بَيْنَ رِجْلَيِ الْفَرَسِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَهَا ذَنَبٌ مِثْلُ ذَيْلِ الْعَرُوسِ ... تَسُدُّ بِهِ فَرْجَهَا مِنْ دُبُرْ
وَالْفُرُوجُ: الثُّغُورُ الَّتِي بَيْنَ مَوَاضِعِ الْمَخَافَةِ، وَسُمِّيَتْ فُرُوجًا لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَى تَفَقُّدٍ وَحِفْظٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْفَرْجَيْنِ اللَّذَيْنِ يُخَافُ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا: التُّرْكُ وَالسُّودَانُ. وَكُلُّ مَوْضِعِ مَخَافَةٍ فَرْجٌ. وَقَوْسٌ فُرُجٌ، إِذَا انْفَجَّتْ سِيَتُهَا. قَالُوا: وَالرَّجُلُ الْأَفْرَجُ: الَّذِي لَا يَلْتَقِي أَلْيَتَاهُ. وَامْرَأَةٌ فَرْجَاءُ. وَمِنْهُ الْفُرُجُ: الَّذِي لَا يَكْتُمُ السِّرَّ، وَالْفِرْجُ مِثْلُهُ. وَالْفَرِجُ: الَّذِي لَا يَزَالُ يَنْكَشِفُ فَرْجُهُ. وَالْفَرُّوجُ: الْقَبَاءُ ; وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْفُرْجَةِ الَّتِي فِيهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ: الْمُفْرَجُ، قَالُوا: هُوَ الْقَتِيلُ لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ، وَيُقَالُ هُوَ الْحَمِيلُ لَا وَلَاءَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ وَلَا نَسَبٍ. وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «لَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَامِ مُفْرَجٌ» ، بِالْجِيمِ.

(فَرَحَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْحُزْنِ، وَالْآخَرُ الْإِثْقَالُ.
فَالْأَوَّلُ الْفَرَحُ، يُقَالُ فَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا، فَهُوَ فَرِحٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى:

(4/499)


{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75] . وَالْمِفْرَاحُ: نَقِيضُ الْمِحْزَانِ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْإِفْرَاحُ، وَهُوَ الْإِثْقَالُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَامِ مُفْرَحٌ» قَالُوا: هَذَا الَّذِي أَثْقَلَهُ الدَّيْنُ. قَالَ:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمَانَةً ... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الْوَدَائِعُ

(فَرَخَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا. فَالْفَرْخُ: وَلَدُ الطَّائِرِ. يُقَالُ: أَفْرَخَ الطَّائِرُ. وَيُقَاسُ فَيُقَالُ: أَفْرَخَ الرُّوعُ: سَكَنَ. وَلْيُفْرِخْ رُوعُكَ، قَالُوا: مَعْنَاهُ لِيَخْرُجْ عَنْكَ رَوْعُكَ وَلْيُفَارِقْكَ، كَمَا يَخْرُجُ الْفَرْخُ عَنِ الْبَيْضَةِ. وَيَقُولُونَ: أَفْرَخَ الْأَمْرُ: اسْتَبَانَ بَعْدَ اشْتِبَاهٍ. وَالْفُرَيْخُ: قَيْنٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُنْسَبُ إِلَيْهِ النِّصَالُ أَوِ السِّهَامُ. قَالَ:
وَمَقْذُوذَيْنِ مِنْ بُرْيِ الْفُرَيْخِ

(فَرَدَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى وُحْدَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَرْدُ وَهُوَ الْوَتْرُ. وَالْفَارِدُ وَالْفَرْدُ: الثَّوْرُ الْمُنْفَرِدُ. وَظَبْيَةٌ فَارِدٌ: انْقَطَعَتْ عَنِ الْقَطِيعِ، وَكَذَلِكَ السِّدْرَةُ الْفَارِدَةُ، انْفَرَدَتْ عَنْ سَائِرِ السِّدَرِ. وَأَفْرَادُ النُّجُومِ: الدَّرَارِيُّ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ. وَالْفَرِيدُ: الدُّرُّ إِذَا نُظِمَ وَفُصِلَ بَيْنَهُ بِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(4/500)


[بَابُ الْفَاءِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَزَعَ) الْفَاءُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا الذُّعْرُ، وَالْآخَرُ الْإِغَاثَةُ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَزَعُ، يُقَالُ فَزِعَ يَفْزَعُ فَزَعًا، إِذَا ذُعِرَ. وَأَفْزَعْتُهُ أَنَا. وَهَذَا مَفْزَعُ الْقَوْمِ، إِذَا فَزِعُوا إِلَيْهِ فِيمَا يَدْهَمُهُمْ. فَأَمَّا فَزَّعْتُ [عَنْهُ] فَمَعْنَاهُ كَشَّفْتُ عَنْهُ الْفَزَعَ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] . وَالْمَفْزَعَةُ: الْمَكَانُ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ الْفَزِعُ. قَالَ:
طَوِيلٌٍ طَامِحُ الطَّرْفِ ... إِلَى مَفْزَعَةِ الْكَلْبِ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْفَزَعُ: الْإِغَاثَةُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ، وَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ» . يَقُولُونَ: أَفْزَعْتُهُ إِذْ رَعَبْتَهُ، وَأَفْزَعْتَهُ، إِذَا أَغَثْتَهُ. وَفَزِعْتُ إِلَيْهِ فَأَفْزَعَنِي، أَيْ لَجَأْتُ إِلَيْهِ فَزَعًا فَأَغَاثَنِي. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي الْإِغَاثَةِ:
فَقُلْتُ لِكَاسٍ أَلْجِمِيهَا فَإِنَّمَا ... نَزَلْنَا الْكَثِيبَ مِنْ زَرُودَ لِنَفْزَعَا

(4/501)


وَقَالَ آخَرُ:
كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ ... كَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعُ الظَّنَابِيبِ

(فَزَرَ) الْفَاءُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِرَاجٍ وَانْصِدَاعٍ. مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقُ الْفَازِرُ: وَهُوَ الْمُنْفَرِجُ الْوَاسِعُ. وَالْفِزْرُ: الْقَطِيعُ مِنَ الْغَنَمِ. يُقَالُ فَزَرْتُ الشَّيْءَ: صَدَعْتُهُ. وَالْأَفْرَزُ: الَّذِي يَتَطَامَنُ ظَهْرُهُ ; وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، كَأَنَّهُ يَنْفَرِقُ لُحْمَتَا ظَهْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَسَطَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالطَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ. فَالْفَسِيطُ: ثُفْرُوقُ التَّمْرَةِ، وَيُقَالُ قُلَامَةُ الظُّفْرِ. وَالْفُسْطَاطُ: الْجَمَاعَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ يَدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفُسْطَاطِ» ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْفُسْطَاطُ فُسْطَاطًا.

(فَسَقَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفِسْقُ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ عَنْ قِشْرِهَا: إِذَا خَرَجَتْ، حَكَاهُ الْفَرَّاءُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَأْرَةَ فُوَيْسِقَةٌ، وَجَاءَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي شِعْرٍ وَلَا كَلَامٍ: فَاسْقٌ. قَالَ: وَهَذَا عَجَبٌ، هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَلَمْ يَأْتِ فِي شِعْرٍ جَاهِلِيٍّ.

(4/502)


(فَسَلَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَقِلَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ: الرَّجُلُ الْفَسْلُ، وَهُوَ الرَّدِيُّ مِنَ الرِّجَالِ. وَمِنْهُ الْفَسِيلُ: صِغَارُ النَّخْلِ. وَفَسَالَةُ الْحَدِيدِ: سُحَالَتُهُ.

(فَسَأَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْهَمْزَةُ. يُقَالُ فِيهِ: تَفَسَّأَ الثَّوْبُ، إِذَا بَلِيَ. وَفَسَأْتُهُ أَنَا: مَدَدْتُهُ حَتَّى تَفَزَّرَ. وَيَقُولُونَ: فَسَأَهُ بِالْعَصَا: ضَرَبَهُ. وَيَقُولُونَ فِي غَيْرِ الْمَهْمُوزِ: تَفَاسَى الرَّجُلُ تَفَاسِيًا، إِذَا أَخْرَجَ عَجِيزَتَهُ.

(فَسَجَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْجِيمُ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: قَلُوصٌ فَاسِجَةٌ، إِذَا أَعْجَلَهَا الْفَحْلُ فَضَرَبَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْمَضْرِبِ. وَيُقَالُ بَلْ هِيَ الْحَائِلُ السَّمِينَةُ.

(فَسَحَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَعَةٍ وَاتِّسَاعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَسِيحُ: الْوَاسِعُ. وَتَفَسَّحْتُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفَسَّحْتُ الْمَجْلِسَ.

(فَسَخَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَقْضِ شَيْءٍ. يُقَالُ: تَفَسَّخَ الشَّيْءُ: انْتَقَضَ. وَيَقُولُونَ: أَفْسَخْتُ الشَّيْءَ: نَسِيتُهُ. وَيَقُولُونَ: الْفَسِيخُ: الرَّجُلُ لَا يَظْفَرُ بِحَاجَتِهِ.

(فَسَدَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَسَدَ الشَّيْءُ يَفْسُدُ فَسَادًا وَفُسُودًا، وَهُوَ فَاسِدٌ وَفَسِيدٌ.

(4/503)


(فَسِرَ) الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى بَيَانِ شَيْءٍ وَإِيضَاحِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْفَسْرُ، يُقَالُ: فَسَرْتُ الشَّيْءَ وَفَسَّرْتُهُ. وَالْفَسْرُ وَالتَّفْسِرَةُ: نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ وَحُكْمُهُ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَشَجَ) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَالْجِيمُ. يَقُولُونَ: فَشَجَتِ النَّاقَةُ: تَفَاجَّتْ لِتَبُولَ. كَذَلِكَ فِي كِتَابِ الْخَلِيلِ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: فَشَحْتُ، بِالْحَاءِ، وَأَنْشَدَ:
إِنَّكِ لَوْ صَاحَبْتِنَا مَذِحْتِ ... وَحَكَّكِ الْحِنْوَانُ فَانْفَشَحْتِ

(فَشَخَ) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَالْخَاءُ، فِيهِ طَرِيفَةُ بْنُ دُرَيْدٍ. قَالَ: الْفَشْخُ: ضَرْبُ الرَّأْسِ بِالْيَدِ.

(فَشَلَ) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: تَفَشَّلَ الْمَاءُ: سَالَ. وَالْفَشْلُ: شَيْءٌ مِنْ أَدَاةِ الْهَوْدَجِ.

(فَشَا) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ ظُهُورُ الشَّيْءِ، يُقَالُ: فَشَا الشَّيْءُ: ظَهَرَ.
وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ: فَشَأَ الْمَرَضُ فِيهِمْ فُشُوءًا، وَتَفَشَّأَ تَفَشُّؤًا.

(4/504)


(فَشَغَ) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الِانْتِشَارِ. يُقَالُ انْفَشَغَ الشَّيْءُ وَتَفَشَّغَ، إِذَا انْتَشَرَ. وَيَقُولُونَ: الْفَشْغَةُ: الْقُطْنَةُ فِي جَوْفِ الْقَصَبَةِ. وَالْفُشَاغُ: نَبَاتٌ يَتَفَشَّغُ عَلَى الشَّجَرِ وَيَلْتَوِي. وَالنَّاصِيَةُ الْفَشْغَاءُ: الْمُنْتَشِرَةُ. وَتَفَشَّغَ فِيهِ الشَّيْبُ: ظَهَرَ. وَتَفَشَّغَ بِهِ الدَّمُ. وَيَقُولُونَ: أَفْشَغَهُ سَوْطًا: ضَرَبَهُ.

(فَشَقَ) الْفَاءُ وَالشِّينُ وَالْقَافُ، لَيْسَ هُوَ عِنْدِي أَصْلٌا، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْفَشَقُ: الْمُبَاغَتَةُ. فَاشَقَ: بَاغَتَ. وَفَشَقَ بَنُو فُلَانٍ الدُّنْيَا، إِذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِمْ فَلَعِبُوا بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَصَلَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَمْيِيزِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ وَإِبَانَتِهِ عَنْهُ. يُقَالُ: فَصَلْتُ الشَّيْءَ فَصْلًا. وَالْفَيْصَلُ: الْحَاكِمُ. وَالْفَصِيلُ: وَلَدُ النَّاقَةِ إِذَا افْتُصِلَ عَنْ أُمِّهِ. وَالْمِفْصَلُ: اللِّسَانُ، لِأَنَّ بِهِ تُفْصَلُ الْأُمُورُ وَتُمَيَّزُ. قَالَ الْأَخْطَلُ:
وَقَدْ مَاتَتْ عِظَامٌ وَمِفْصَلُ
وَالْمَفَاصِلُ: مَفَاصِلُ الْعِظَامِ. وَالْمَفْصِلُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَالْجَمْعُ مَفَاصِلُ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

(4/505)


مَطَافِيلَ أَبْكَارٍ حَدِيثٍ نِتَاجُهَا ... يُشَابُ بِمَاءٍ مِثْلِ مَاءِ الْمَفَاصِلِ
وَالْفَصِيلُ: حَائِطٌ دُونَ سُورِ الْمَدِينَةِ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاصِلَةً فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَذَا» ، وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا الَّتِي فَصَلَتْ بَيْنَ إِيمَانِهِ وَكُفْرِهِ.

(فَصَمَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْصِدَاعِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَصْمُ، وَهُوَ أَنْ يَنْصَدِعَ الشَّيْءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِينَ. وَكُلُّ مُنْحَنٍ مِنْ خَشَبَةٍ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَفْصُومٌ. قَالَ:
كَأَنَّهُ دُمْلُجٌ مِنْ فِضَّةٍ نَبَهٌ ... فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذَارَى الْحَيِّ مَفْصُومُ

(فَصَيَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَنَحِّي الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. يُقَالُ تَفَصَّى اللَّحْمُ عَنِ الْعَظْمِ، وَتَفَصَّى الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَلِيَّةِ: تَخَلَّصَ. وَالِاسْمُ الْفَصْيَةُ. وَفِي حَدِيثِ: قَيْلَةَ: " الْفَصْيَةَ وَاللَّهِ، لَا يَزَالُ كَعْبُكِ عَالِيًا ". وَأَفْصَى: رَجُلٌ.

(فَصَحَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوصٍ فِي شَيْءٍ وَنَقَاءٍ مِنَ الشَّوْبِ. مِنْ ذَلِكَ: اللِّسَانُ الْفَصِيحُ: الطَّلِيقُ. وَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ: الْعَرَبِيُّ. وَالْأَصْلُ أَفْصَحَ اللَّبَنُ: سَكَنَتْ رِغْوَتُهُ. وَأَفْصَحَ الرَّجُلُ: تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَفَصُحَ

(4/506)


جَادَتْ لُغَتُهُ حَتَّى لَا يَلْحَنُ. فِي كِتَابِ ابْنِ دُرَيْدٍ: " أَفْصَحَ الْعَرَبِيُّ إِفْصَاحًا، وَفَصُحَ الْعَجَمِيُّ فَصَاحَةً، إِذَا تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ ". وَأُرَاهُ غَلَطًا، وَالْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَحَكَى: فَصُحَ اللَّبَنُ فَهُوَ فَصِيحٌ، إِذَا أُخِذَتْ عَنْهُ الرِّغْوَةُ. قَالَ:
وَتَحْتَ الرِّغَوَةِ اللَّبَنُ الْفَصِيحُ
وَيَقُولُونَ: أَفْصَحَ الصُّبْحُ، إِذَا بَدَا ضَوْءُهُ. قَالُوا: وَكُلُّ وَاضِحٍ مُفْصِحٌ. وَيُقَالُ إِنَّ الْأَعْجَمَ: مَا لَا يَنْطِقُ، وَالْفَصِيحُ: مَا يَنْطِقُ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْفِصْحُ: عِيدُ النَّصَارَى، يُقَالُ: أَفْصَحُوا: جَاءَ فِصْحُهُمْ.

(فَصَدَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ الْفَصْدُ، وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ حَتَّى يَسِيلَ. وَالْفَصِيدُ: دَمٌ كَانَ يُجْعَلُ فِي مِعًى مِنْ فَصْدِ عُرُوقِ الْإِبِلِ، وَيُشْوَى وَيُؤْكَلُ، وَذَلِكَ فِي الشِّدَّةِ تُصِيبُ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَا تَأْخُذُ السَّهْمَ الْحَدِيدَ لِتَفْصِدَا
وَيَقُولُونَ: تَفَصَّدَ الشَّيْءُ: سَالَ.

(فَصَعَ) الْفَاءُ وَالصَّادُ وَالْعَيْنُ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: فَصَعَ الرُّطَبَةَ، إِذَا قَشَرَهَا. وَيَقُولُونَ: الْفُصْعَةُ: غُلْفَةُ الصَّبِيِّ إِذَا اتَّسَعَتْ حَتَّى تَبْدُوَ حَشَفَتُهُ.

(4/507)


[بَابُ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَضَلَ) الْفَاءُ وَالضَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ: الزِّيَادَةُ وَالْخَيْرُ. وَالْإِفْضَالُ: الْإِحْسَانُ. وَرَجُلٌ مُفْضِلٌ. وَيُقَالُ: فَضَلَ الشَّيْءُ يَفْضُلُ، وَرُبَّمَا قَالُوا فَضِلَ يَفْضُلُ، وَهِيَ نَادِرَةٌ. وَأَمَّا الْمُتَفَضِّلُ فَالْمُدَّعِي لِلْفَضْلِ عَلَى أَضْرَابِهِ وَأَقْرَانِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ مَنْ قَالَ: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24] . وَيُقَالُ الْمُتَفَضِّلُ: الْمُتَوَشِّحُ بِثَوْبِهِ. وَيَقُولُونَ: الْفُضُلُ: الَّذِي عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَا سَرَاوِيلُ. وَ [مِنْهُ] قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَتُضْحِي فَتِيتُ الْمِسْكِ فَوْقَ فِرَاشُهَا ... نَئُومُ الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

(فَضَى) الْفَاءُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاحٍ فِي شَيْءٍ وَاتِّسَاعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَضَاءُ: الْمَكَانُ الْوَاسِعُ. وَيَقُولُونَ: أَفْضَى الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ: بَاشَرَهَا. وَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ شُبِّهَ مُقَدَّمُ جِسْمِهِ بِفَضَاءٍ، وَمُقَدَّمُ جِسْمِهَا بِفَضَاءٍ، فَكَأَنَّهُ لَاقَى فَضَاءَهَا بِفَضَائِهِ. وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ: أَفْضَى إِلَى فُلَانٍ بِسِرِّهِ إِفْضَاءً، وَأَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ، إِذَا مَسَّهَا بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ فِي سُجُودِهِ. وَهُوَ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي قِيَاسِ

(4/508)


الْفَضَاءِ. وَيَقُولُونَ: الْفَضَا، مَقْصُورٌ: تَمْرٌ وَزَبِيبٌ يُخْلَطَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَضَا مَقْصُورٌ: الشَّيْئَانِ يَكُونَانِ فِي وِعَاءٍ مُخْتَلِطَيْنِ لَا يُصَرُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ:
فَقُلْتُ لَهَا يَا عَمَّتَا لَكِ نَاقَتِي ... وَتَمْرٌ فَضًا فِي عَيْبَتَيْ وَزَبِيبُ
وَقَالَ:
طَعَامُهُمُ فَوْضَى فَضًا فِي رِحَالِهِمْ

(فَضَحَ) الْفَاءُ وَالضَّادُ وَالْحَاءُ كَلِمَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى انْكِشَافِ شَيْءٍ، وَلَا يَكَادُ يُقَالُ إِلَّا فِي قَبِيحٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى لَوْنٍ غَيْرِ حَسَنٍ أَيْضًا.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: أَفْضَحَ الصُّبْحُ وَفَضَّحَ، إِذَا بَدَا. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي التَّهَتُّكِ: الْفُضُوحُ. قَالُوا: وَافْتَضَحَ الرَّجُلُ، إِذَا انْكَشَفَتْ مَسَاوِيهِ.
وَأَمَّا اللَّوْنُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَضَحَ: غُبْرَةٌ فِي طُحْلَةٍ ; وَهُوَ لَوْنٌ قَبِيحٌ. وَأَفْضَحَ الْبُسْرُ، إِذَا بَدَتْ مِنْهُ حُمْرَةٌ. وَيَقُولُونَ: الْأَفْضَحُ: الْأَسَدُ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ، وَذَلِكَ مِنْ فَضَحِ اللَّوْنِ.

(فَضَخَ) الْفَاءُ وَالضَّادُ وَالْخَاءُ فِيهِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الشَّدْخِ. يُقَالُ: فَضَخْتُ الرُّطَبَةَ: شَدَخْتُهَا. وَالْفَضِيخُ: رُطَبٌ يُشْدَخُ وَيُنْبَذُ.

(4/509)


[بَابُ الْفَاءِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَطَمَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: فَطَمَتِ الْأُمُّ وَلَدَهَا، وَفَطَمْتُ الرَّجُلَ عَنْ عَادَتِهِ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ صَاحِبُ الْأَصْمَعِيِّ: يُقَالُ فَطَمْتُ الْحَبْلَ، إِذَا قَطَعْتُهُ. قَالَ: وَمِنْهُ فِطَامُ الْأُمِّ وَلَدَهَا.

(فَطَنَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدَلٍّ عَلَى ذَكَاءٍ وَعِلْمٍ بِشَيْءٍ. يُقَالُ: رَجُلٌ فَطِنٌ وَفَطُنٌ، وَهِيَ الْفِطْنَةُ وَالْفَطَانَةُ.

(فَطَأَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَطَامُنٍ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْأَفْطَسِ: الْأَفْطَأُ. وَيَقُولُونَ: فَطِئَ الْبَعِيرُ، إِذَا تَطَامَنَ ظَهْرُهُ خِلْقَةً.

(فَطَحَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: فَطَّحْتُ الْعُودَ وَغَيْرَهُ، إِذَا عَرَّضْتَهُ. وَهُوَ مُفَطَّحٌ. وَرَأْسٌ مُفَطَّحٌ: عَرِيضٌ.

(فَطَرَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَتْحِ شَيْءٍ وَإِبْرَازِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْفِطْرُ مِنَ الصَّوْمِ. يُقَالُ: أَفْطَرَ إِفْطَارًا. وَقَوْمٌ فِطْرٌ أَيْ مُفْطِرُونَ. وَمِنْهُ الْفَطْرُ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ مَصْدَرُ فَطَرْتُ الشَّاةَ فَطْرًا، إِذَا حَلَبْتَهَا. وَيَقُولُونَ: الْفَطْرُ يَكُونُ الْحَلْبَ بِإِصْبَعَيْنِ. وَالْفِطْرَةُ: الْخِلْقَةُ.

(4/510)


(فَطَسَ) الْفَاءُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ. فِيهِ الْفَطَسُ فِي الْأَنْفِ: انْفِرَاشُهُ. وَفِطِّيسَةُ الْخِنْزِيرِ: أَنْفُهُ. وَالْفِطِّيسُ: الْمِطْرَقَةُ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا يُكْسَرُ بِهَا الشَّيْءُ، وَيَتَطَامَنُ. وَيَقُولُونَ: فَطَسَ: مَاتَ. وَيَقُولُونَ: الْفَطْسَةُ: خَرَزَةٌ يُؤَخَّذُ بِهَا.

[بَابُ الْفَاءِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَظَعَ) الْفَاءُ وَالظَّاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. أَفْظَعَ الْأَمْرُ وَفَظُعَ: اشْتَدَّ. وَهُوَ مُفْظِعٌ وَفَظِيعٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَعَلَ) الْفَاءُ الْعَيْنُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنْ عَمَلٍ وَغَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ: فَعَلْتُ كَذَا أَفْعَلُهُ فَعْلًا. وَكَانَتْ مِنْ فُلَانٍ فَعْلَةٌ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ. وَالْفِعَالُ جَمْعُ فِعْلٍ. وَالْفَعَالُ، بِفَتْحِ الْفَاءِ: الْكَرَمُ وَمَا يُفْعَلُ مِنْ حَسَنٍ.
وَبَقِيَتْ كَلِمَةٌ مَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهَا. يَقُولُونَ: الْفِعَالُ: خَشَبَةُ الْفَأْسِ.

(فَعَمَ) الْفَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اتِّسَاعٍ وَامْتِلَاءٍ. فَالْفَعْمُ: الْمَلْآنُ. فَعُمَ يَفْعُمُ فَعَامَةً وَفُعُومَةً. وَامْرَأَةٌ فَعْمَةُ السَّاقَيْنِ، إِذَا امْتَلَأَتْ سَاقُهَا لَحْمًا وَأَفْعَمْتُ الشَّيْءَ: مَلَأْتُهُ.

(4/511)


(فَعَيَ) الْفَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْأَفْعَى: حَيَّةٌ وَحَكَى نَاسٌ: تَفَعَّى الرَّجُلُ، إِذَا سَاءَ خُلُقُهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَفْعَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْفَاءِ وَالْغَيْنِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(فَغَمَ) الْفَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ، إِحْدَاهُمَا تَدُلُّ عَلَى فَتْحِ شَيْءٍ أَوْ تَفَتُّحِهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا طَيِّبًا. وَالْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى الْوَلُوعِ بِالشَّيْءِ. فَالْأُولَى: فَغَمَ الْوَرْدُ: تَفَتَّحَ. وَالرِّيحُ الطَّيِّبَةُ تَفْغَمُ، أَيْ تَصِيرُ فِي الْأَنْفِ تَفْتَحُ السُّدَّةَ. وَأَفْغَمَ الْمِسْكُ الْمَكَانَ: مَلَأَهُ بِرَائِحَتِهِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: فَغِمَ بِكَذَا: أُولِعَ بِهِ وَحَرَصَ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
تَؤُمُّ دِيَارَ بَنِي عَامِرٍ ... وَأَنْتَ بِآلِ عَقِيلٍ فَغِمْ

(فَغَيَ) الْفَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْفَاغِيَةُ: نَوْرُ الْحِنَّاءِ. يُقَالُ: أَفْغَى، إِذَا أَخْرَجَ فَاغِيَتَهُ. وَيَقُولُونَ: الْفَغَا: فَسَادٌ فِي الْبُرِّ.

(فَغَرَ) الْفَاءُ وَالْغَيْنُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَتْحٍ وَانْفِتَاحٍ. مِنْ ذَلِكَ: فَغَرَ الرَّجُلُ فَاهُ: فَتَحَهُ. وَفَغَرَ فُوهُ، إِذَا انْفَتَحَ. وَانْفَغَرَ النَّوْرُ: تَفَتَّحَ. وَالْفَاغِرَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَفْغَرَةَ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ.

(4/512)


[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ فَاءٌ]
مِنْ ذَلِكَ (الْفَرَزْدَقَةُ) : الْقِطْعَةُ مِنَ الْعَجِينِ. هَذِهِ كَلِمَةٌ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، مَنْ فَرَزَ وَمِنْ دَقَّ، لِأَنَّهُ دَقِيقٌ عُجِنَ ثُمَّ أُفْرِزَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ، فَهِيَ مِنَ الْفَرْزِ وَالدَّقِّ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْفَرْقَعَةُ) : تَنْقِيضُ الْأَصَابِعِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَأَصْلُهُ فَقَعَ، وَقَدْ ذُكِرَ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ (افْرَنْقَعُوا) ، إِذَا تَنَحَّوْا. وَهِيَ كَلِمَةٌ مَنْحُوتَةٌ مَنْ فَرَقَ وَفَقَعَ، لِأَنَّهُمْ يَتَفَرَّقُونَ فَيَكُونُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ فَقْعَةٌ وَحَرَكَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ (الْفِرْشِطُ) وَ (الْفِرْشَاطُ) : الْوَاسِعُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الطَّاءُ، وَالْأَصْلُ فَرَشَ ; وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فَرَشْتُ الشَّيْءَ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ (فَرْشَطَ) الْبَعِيرُ، لِأَنَّهُ يَنْفَرِشُ وَيَنْبَسِطُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْفَلْقَمُ) : الْوَاسِعُ. وَهَذَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ فَلَقَ وَلَقِمَ، كَأَنَّهُ مِنْ سَعَتِهِ يَلْقَمُ الْأَشْيَاءَ. وَالْفَلْقُ: الْفَتْحُ.

(4/513)


وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ (الْفَلْحَسُ) الرَّجُلُ الْحَرِيصُ وَالْكَلْبُ الْفَلْحَسُ وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْفَاءُ، وَالْأَصْلُ لَحِسَ كَأَنَّهُ مِنْ حِرْصِهِ يَلْحَسُ الْأَشْيَاءَ لَحْسًا. وَالْفَلْحَسُ: الْمَرْأَةُ الرَّسْحَاءُ، كَأَنَّ اللَّحْمَ مِنْهَا قَدْ لُحِسَ حَتَّى ذَهَبَ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْفُرْهُدُ) : الْحَادِرُ الْغَلِيظُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ فَرِهَ وَرَهَدَ. فَالْفَرَهُ: كَثْرَةُ اللَّحْمِ، وَالرَّهَدُ: اسْتِرْخَاؤُهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْفَرْشَحَةُ) ، وَهُوَ أَنْ يُفَرِّجَ الْإِنْسَانُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَيُبَاعِدَ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ فَرَشَ وَفَسَحَ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُمَا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَقِيتُ مِنْهُ (الْفَتَكْرِينَ) ، وَهِيَ الشَّدَائِدُ. وَهَذَا مِنَ الْفَتْكِ، وَسَائِرُهُ زَائِدٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْفَدْغَمُ) : الرَّجُلُ الْعَظِيمُ الْخَلْقِ، وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَكَأَنَّهُ يَفْدَغُ بِخَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ فَدْغًا.
وَمِمَّا وُضِعَ وَضْعًا وَلَعَلَّ لَهُ قِيَاسًا لَا نَعْلَمُهُ (الْفَرْقَدُ) : وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَ (الْفَرْقَدَانِ) : نَجْمَانِ. وَ (فَقْعَسٌ) : حَيٌّ مِنَ الْأَسَدِ. وَ (الْفِطَحْلُ) : زَمَنٌ لَمْ يُخْلَقِ النَّاسُ فِيهِ بَعْدُ. وَ (الْفَلَنْقَسُ) : الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ عَجَمِيٌّ. وَ (الْفِرْصَادُ) :

(4/514)


التُّوتُ. وَ (الْفِرْنِبُ) الْفَأْرَةُ. وَيَقُولُونَ: (الْفُرْطُومُ) : مِنْقَارُ الْخُفِّ. يُقَالُ خُفٌّ مُفَرْطَمٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الْفَنْزَجَا
فَيُقَالُ إِنَّهُ فَارِسِيٌّ وَإِنَّهُ الدَّسْتَبَنْدُ. وَ (الْفُرْعُلُ) : وَلَدُ الضَّبُعِ عَلَى مَا قَالُوا، مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(4/515)


[كِتَابُ الْقَافِ] [بَابُ الْقَافِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الثُّلَاثِيِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُضَاعَفُ وَالْمُطَابِقُ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كِتَابُ الْقَافِ
بَابُ الْقَافِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الثُّلَاثِيِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُضَاعَفُ وَالْمُطَابِقُ
(قَلَّ) الْقَافُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى نَزَارَةِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِ الِاسْتِقْرَارِ، وَهُوَ الِانْزِعَاجُ فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: قَلَّ الشَّيْءُ يَقِلُّ قِلَّةً فَهُوَ قَلِيلٌ، وَالْقُلُّ: الْقِلَّةُ، وَذَلِكَ كَالذُّلِّ وَالذِّلَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي الرِّبَا: " إِنْ كَثُرَ فَإِنَّهُ إِلَى قُلٍّ ". وَأَمَّا الْقُلَّةُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقُلَّةَ مَا أَقَلَّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ جَرَّةٍ أَوْ حُبٍّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ حَدٌّ مَحْدُودٌ قَالَ:
فَظَلِلْنَا بِنَعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا ... وَشَرِبْنَا الْحَلَالَ مِنْ قُلَلِهْ
وَيُقَالُ: اسْتَقَلَّ الْقَوْمُ، إِذَا مَضَوْا لِمَسِيرِهِمْ، وَذَلِكَ مِنَ الْإِقْلَالِ أَيْضًا، كَأَنَّهُمُ اسْتَخَفُّوا السَّيْرَ وَاسْتَقَلُّوهُ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَقَوْلُنَا فِي الْقُلَّةِ مَا أَقَلَّهُ الْإِنْسَانُ فَهُوَ مِنَ الْقِلَّةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَقِلُّ عِنْدَهُ.

(5/3)


وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَيُقَالُ: تَقَلْقَلَ الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ، إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي مَكَانٍ. وَتَقَلْقَلَ الْمِسْمَارُ: قَلِقَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْهُ فَرَسٌ قُلْقُلٌ: سَرِيعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَخَذَهُ قِلٌّ مِنَ الْغَضَبِ، وَهُوَ شِبْهُ الرِّعْدَةِ.

(قَمَّ) الْقَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ: قَمْقَمَ اللَّهُ عَصَبَهُ، أَيْ جَمَعَهُ، وَالْقَمْقَامُ: الْبَحْرُ، لِأَنَّهُ مُجْتَمَعٌ لِلْمَاءِ. وَالْقَمْقَامُ: الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهِ السَّيِّدُ الْجَامِعُ لِلسِّيَادَةِ الْوَاسِعُ الْخَيْرِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قُمَّ الْبَيْتُ، أَيْ كُنِسَ. وَالْقُمَامَةُ: مَا يُكْنَسُ; وَهُوَ يُجْمَعُ. وَيُقَالُ مِنْ هَذَا: أَقَمَّ الْفَحْلُ الْإِبِلَ، إِذَا أَلْقَحَهَا كُلَّهَا. وَمِقَمَّةُ الشَّاةِ: مِرَمَّتُهُا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقُمُّ بِهَا النَّبَاتَ فِي فِيهَا. وَيُقَالُ لِأَعْلَى كُلِّ شَيْءٍ: الْقِمَّةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَمَعُهُ الَّذِي بِهِ قِوَامُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَمْقَامُ: صِغَارُ الْقِرْدَانِ.

(قَنَّ) الْقَافُ وَالنُّونُ بَابٌ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قِيَاسٍ، وَكَلِمَاتُهُ مُتَبَايِنَةٌ. فَمِنْ كَلِمَاتِهِ الْقِنُّ، وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبُوهُ. وَالْقُنَّةُ: أَعْلَى الْجَبَلِ. وَالْقُنَانُ: رِيحُ الْإِبِطِ أَشَدَّ مَا يَكُونُ. وَالْقُنَاقِنُ: الدَّلِيلُ الْهَادِي، الْبَصِيرُ بِالْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ قَنَاقِنُ.

(5/4)


(قَهَّ) الْقَافُ وَالْهَاءُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا حِكَايَةُ الْقَهْقَهَةِ: الْإِغْرَابُ فِي الضَّحِكِ. يُقَالُ: قَهٌّ وَقَهْقَهَةٌ، وَقَدْ يُخَفَّفُ. قَالَ:
فَهُنَّ فِي تَهَانُفٍ وَفِي قَهِ
وَيَقُولُونَ: الْقَهْقَهَةُ: قُرْبُ الْوِرْدِ.

(قَبَّ) الْقَافُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقُبَّةُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَسُمِّيَتْ لِتَجَمُّعِهَا. وَالْقَبْقَبُ: الْبَطْنُ، لِأَنَّهُ مُجْتَمَعُ الطَّعَامِ. وَالْقَبُّ فِي الْبَكَرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقَبَبَ: دِقَّةُ الْخَصْرِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَجَمُّعُهُ حَتَّى يُرَى أَنَّهُ دَقِيقٌ. وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ الْقُبُّ: هِيَ الضَّوَامِرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ [إِلَّا] لِذَهَابِ لُحُومِهَا وَالصَّلَابَةِ الَّتِي فِيهَا. وَأَمَّا الْقَابَّةُ فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْقَابَّةُ: الْقَطْرَةُ مِنَ الْمَطَرِ. قَالَ: وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يُصَحِّفُ وَيَقُولُ: هِيَ الرَّعْدُ. وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ أَصَحُّ وَأَقْيَسُ; لِأَنَّهَا تَقُبُّ التُّرْبَ أَيْ تَجْمَعُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ تَسْمِيَتُهُمُ الْعَامَ الثَّالِثَ الْقُبَاقِبَ، فَيَقُولُونَ عَامٌ، وَقَابِلٌ، وَقُبَاقِبٌ.
وَمِمَّا شَذَّ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: اقْتَبَّ يَدَهُ، إِذَا قَطَعَهَا.

(5/5)


(قَتَّ) الْقَافُ وَالتَّاءُ فِيهِ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ، إِحْدَاهُمَا الْقَتُّ، وَهُوَ نَمُّ الْحَدِيثِ. وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ: " «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» "، وَهُوَ النَّمَّامُ. وَالْقَتُّ: نَبَاتٌ. وَالْقَتُّ وَالتَّقْتِيتُ: تَطْيِيبُ الدُّهْنِ بِالرَّيَاحِينِ.

(قَثَّ) الْقَافُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ. يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يَقُثُّ مَالًا وَدُنْيَا عَرِيضَةً.

(قَحَّ) الْقَافُ وَالْحَاءُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا أَصْلًا، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْقُحُّ: الْجَافِي مِنَ النَّاسِ وَالْأَشْيَاءِ، حَتَّى يَقُولُونَ لِلْبِطِّيخَةِ الَّتِي لَمْ تَنْضَجُ: إِنَّهَا لَقُحٌّ.

(قَدَّ) الْقَافُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ طُولًا، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. يَقُولُونَ: قَدَدْتُ الشَّيْءَ قَدًّا، إِذَا قَطَعْتَهُ طُولًا أَقُدُّهُ، وَيَقُولُونَ: هُوَ حَسَنُ الْقَدِّ، أَيِ التَّقْطِيعِ، فِي امْتِدَادِ قَامَتِهِ. وَالْقِدُّ: سَيْرٌ يُقَدُّ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ. وَاشْتِقَاقُ الْقَدِيدِ مِنْهُ. وَالْقِدَّةُ: الطَّرِيقَةُ وَالْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، إِذَا كَانَ هَوَى كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرَ هَوَى صَاحِبِهِ. ثُمَّ يَسْتَعِيرُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ: اقْتَدَّ فُلَانٌ الْأُمُورَ، إِذَا دَبَّرَهَا وَمَيَّزَهَا. وَقَدَّ الْمُسَافِرُ الْمَفَازَةَ. وَالْقَيْدُودُ: النَّاقَةُ الطَّوِيلَةُ الظَّهْرِ عَلَى الْأَرْضِ. وَالْقَدُّ: جِلْدُ السَّخْلَةِ، الْمَاعِزَةِ. وَيَقُولُونَ فِي الْمَثَلِ: " مَا يَجْعَلُ قَدَّكَ إِلَى أَدِيمِكَ ". وَيَقُولُونَ الْقُدَادَ: وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ.

(قَذَّ) الْقَافُ وَالذَّالُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ وَتَسْوِيَةٍ طُولًا وَغَيْرَ طُولٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقُذَذُ: رِيشُ السَّهْمِ، الْوَاحِدَةُ قُذَّةٌ. قَالُوا: وَالْقَذُّ:

(5/6)


قَطْعُهَا. يُقَالُ: أُذُنٌ مَقْذُوذَةٌ، كَأَنَّهَا بُرِيَتْ بَرْيًا. قَالَ:
مَقْذُوذَةُ الْآذَانِ صَدْقَاتُ الْحَدَقْ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقُذَاذَاتِ: قِطَعُ الذَّهَبِ، وَالْجُذَاذَاتُ: قِطَعُ الْفِضَّةِ. وَأَمَّا السَّهْمُ الْأَقَذُّ فَهُوَ الَّذِي لَا قُذَذَ عَلَيْهِ. وَالْمَقَذُّ: مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ مِنْ خَلْفُ. وَسُمِّيَ لِأَنَّ شَعْرَهُ يُقَذُّ قَذًّا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقِذَّانَ: الْبَرَاغِيثُ.

(قَرَّ) الْقَافُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى بَرْدٍ، وَالْآخَرُ عَلَى تَمَكُّنٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقُرُّ، وَهُوَ الْبَرْدُ، وَيَوْمٌ قَارٌّ وَقَرٌّ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
إِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ وَاسْتَلْأَمُوا ... تَحَرَّقَتِ الْأَرْضُ وَالْيَوْمُ قَرُّ
وَلَيْلَةٌ قَرَّةٌ وَقَارَّةٌ. وَقَدْ قَرَّ يَوْمُنَا يَقَرُّ. وَالْقِرَّةُ: قِرَّةُ الْحُمَّى حِينَ يَجِدُ لَهَا فَتْرَةً وَتَكْسِيرًا. يَقُولُونَ: " حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ "، فَالْحِرَّةُ: الْعَطَشُ، وَالْقِرَّةُ: قِرَّةُ الْحُمَّى. وَقَوْلُهُمْ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ لِلسُّرُورِ دَمْعَةً بَارِدَةً، وَلِلْغَمِّ دَمْعَةً حَارَّةً، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ يُدْعَى عَلَيْهِ: أَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ. وَالْقَرُورُ: الْمَاءُ الْبَارِدُ يُغْتَسَلُ بِهِ; يُقَالُ مِنْهُ اقْتَرَرْتُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ التَّمَكُّنُ، يُقَالُ قَرَّ وَاسْتَقَرَّ. وَالْقَرُّ: مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ. وَقَالَ:

(5/7)


عَلَى حَرَجٍ كَالْقَرِّ تَخْفُقُ أَكْفَانِي
وَمِنَ الْبَابِ [الْقَرُّ] : صَبُّ الْمَاءِ فِي الشَّيْءِ، يُقَالُ قَرَرْتُ الْمَاءَ. وَالْقَرُّ: صَبُّ الْكَلَامِ فِي الْأُذُنِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْقَرْقَرُ: الْقَاعُ الْأَمْلَسُ. وَمِنْهُ الْقُرَارَةُ: مَا يَلْتَزِقُ بِأَسْفَلِ الْقِدْرِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ اسْتَقَرَّ فِي الْقِدْرِ.
وَمِنَ الْبَابِ عِنْدَنَا - وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ - الْإِقْرَارُ: ضِدُّ الْجُحُودِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِحَقٍّ فَقَدْ أَقَرَّهُ قَرَارَهُ. وَقَالَ قَوْمٌ فِي الدُّعَاءِ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ: أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقِرَّ عَيْنُهُ فَلَا تَطْمَحَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ. وَيَوْمُ الْقَرِّ: يَوْمَ يَسْتَقِرُّ النَّاسُ بِمِنًى، وَذَلِكَ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ.
قُلْنَا: وَهَذِهِ مَقَايِيسُ صَحِيحَةٌ كَمَا تَرَى فِي الْبَابَيْنِ مَعًا، فَأَمَّا أَنْ نَتَعَدَّى وَنَتَحَمَّلَ الْكَلَامَ كَمَا بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: سُمِّيَتِ الْقَارُورَةُ لِاسْتِقْرَارِ الْمَاءِ فِيهَا وَغَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِنَا. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ ضَرْبَانِ: مِنْهُ مَا هُوَ قِيَاسٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهَا مَا وُضِعَ وَضْعًا، وَقَدْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا الْأَصْوَاتُ فَقَدْ تَكُونُ قِيَاسًا، وَأَكْثَرُهَا حِكَايَاتٌ. فَيَقُولُونَ: قَرْقَرَتِ الْحَمَامَةُ قَرْقَرَةً وَقَرْقَرِيرًا.

(5/8)


(قَزَّ) الْقَافُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ سُكُونٍ إِلَى الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْقَزُّ، وَهُوَ الْوَثْبُ. وَمِنْهُ التَّقَزُّزُ، وَهُوَ التَّنَطُّسُ. وَرَجُلٌ قَزٌّ، وَهُوَ لَا يَسْكُنُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ.

(قَسَّ) الْقَافُ وَالسِّينُ مُعْظَمُ بَابِهِ تَتَبُّعُ الشَّيْءِ، وَقَدْ يَشِذُّ عَنْهُ مَا يُقَارِبُهُ فِي اللَّفْظِ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْقَسُّ: تَتَبُّعُ الشَّيْءِ وَطَلَبُهُ، قَالُوا: وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْقَسَّ النَّمِيمَةُ، هُوَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْكَلَامَ ثُمَّ يَنُمُّهُ. وَيُقَالُ لِلدَّلِيلِ الْهَادِي: الْقَسْقَاسُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالطَّرِيقِ وَحُسْنِ طَلَبِهِ وَاتِّبَاعِهِ لَهُ. يُقَالُ قَسَّ يَقُسُّ. وَتَقَسَّسْتُ أَصْوَاتَ الْقَوْمِ بِاللَّيْلِ، إِذَا تَتَبَّعْتُهَا. وَقَوْلُهُمْ: قَسَسْتُ الْقَوْمَ: آذَيْتُهُمْ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ، كَلَامٌ غَيْرُ مُلَخَّصٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَسِّ أَيِ النَّمِيمَةِ. وَيَقُولُونَ: قُرْبٌ قَسْقَاسٌ، وَسَيْرٌ قَسِيسٌ: دَائِبٌ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ يَقُسُّ الْأَرْضَ وَيَتَتَبَّعُهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: [لَيْلَةٌ] قَسْقَاسَةٌ: مُظْلِمَةٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا لِلَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ: قَسِيَّةٌ. وَقُسَاسٌ: بَلَدٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِ السُّيُوفُ القُسَاسِيَّةُ.

(5/9)


وَذَكَرَ نَاسٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، أَنَّ الْقَسْقَاسَ: الْجُوعُ. وَأَنْشَدُوا عَنْهُ:
أَتَانَا بِهِ الْقَسْقَاسُ لَيْلًا وَدُونَهُ ... جَرَاثِيمُ رَمْلٍ بَيْنَهُنَّ نَفَانِفُ
وَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ شَاذٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْقِيَاسِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الشَّاعِرُ الْقَسْقَاسَ، وَمَا أَدْرِي مَا الْجُوعُ هَاهُنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: دِرْهَمٌ قَسِيٌّ، أَيْ رَدِيءٌ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ إِعْرَابُ قَاسٍّ، وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ. وَالثِّيَابُ الْقَسِّيَّةُ يُقَالُ إِنَّهَا ثِيَابٌ يُؤْتَى [بِهَا] مِنَ الْيَمَنِ. وَيَقُولُونَ: قَسْقَسْتُ بِالْكَلْبِ: صِحْتُ بِهِ.

(قَشَّ) الْقَافُ وَالشِّينُ كَلِمَاتٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. فَالْقَشُّ: الْقِشْرُ. يُقَالُ تَقَشْقَشَ الشَّيْءُ، إِذَا تَقَشَّرَ. وَكَانَ يُقَالُ لِسُورَتَيْ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] : الْمُقَشْقِشَتَانِ، لِأَنَّهُمَا يُخْرِجَانِ قَارِئَهُمَا مُؤْمِنًا بِهِمَا مِنَ الْكُفْرٍ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ: الْقِشَّةُ: الْقِرْدَةُ، وَالصَّبِيَّةُ الصَّغِيرَةُ. وَيَقُولُونَ: التَّقَشْقُشُ: تَطَلُّبُ الْأَكْلِ مِنْ هَاهُنَا وَهُنَا، وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ وَالْأَصْلُ فِيهِ السِّينُ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ. وَيُقَالُ: قَشَّ الْقَوْمُ: إِذَا أُحْيَوْا بَعْدَ هُزَالٍ.

(5/10)


(قَصَّ) الْقَافُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَتَبُّعِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمُ: اقْتَصَصْتُ الْأَثَرَ، إِذَا تَتَبَّعْتُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِقَاقُ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ بِالْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ اقْتَصَّ أَثَرَهُ. وَمِنَ الْبَابِ الْقِصَّةُ وَالْقَصَصُ، كُلُّ ذَلِكَ يُتَتَبَّعُ فَيُذْكَرُ. وَأَمَّا الصَّدْرُ فَهُوَ الْقَصُّ، وَهُوَ عِنْدَنَا قِيَاسُ الْبَابِ، لِأَنَّهُ مُتَسَاوِي الْعِظَامِ، كَأَنَّ كُلَّ عَظْمٍ مِنْهَا يُتْبَعُ لِلْآخَرِ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَصَصْتُ الشَّعْرَ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قَصَصْتَهُ فَقَدْ سَوَّيْتَ بَيْنَ كُلِّ شَعْرَةٍ وَأُخْتِهَا، فَصَارَتِ الْوَاحِدَةُ كَأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأُخْرَى مُسَاوِيَةٌ لَهَا فِي طَرِيقِهَا. وَقُصَاصُ الشَّعْرِ: نِهَايَةُ مَنْبِتِهِ مِنْ قُدُمٍ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ. وَالْقُصَّةُ: النَّاصِيَةُ.
[وَ] الْقَصِيصِيَّةُ مِنَ الْإِبِلِ: الْبَعِيرُ يَقُصُّ أَثَرَ الرِّكَابِ. وَقَوْلُهُمْ: ضَرَبَ فُلَانٌ فُلَانًا فَأَقَصَّهُ، أَيْ أَدْنَاهُ مِنَ الْمَوْتِ. وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقُصُّ أَثَرَ الْمَنِيَّةِ. وَأَقَصَّ فُلَانًا السُّلْطَانُ [مِنْ فُلَانٍ] ، إِذَا قَتَلَهُ قَوَدًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَقَصَّتِ الشَّاةُ: اسْتَبَانَ حَمْلُهَا، فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْقَصْقَاصُ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْأَسَدُ، وَالْقُصْقُصَةُ: الرَّجُلُ الْقَصِيرُ، وَالْقَصِيصُ: نَبْتٌ. كُلُّ هَذِهِ شَاذَّةٌ عَنِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ.

(5/11)


(قَضَّ) الْقَافُ وَالضَّادُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا هُوِيُّ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ خُشُونَةٌ فِي الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ ثُقْبٌ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمُ: انْقَضَّ الْحَائِطُ: وَقَعَ، وَمِنْهُ انْقِضَاضُ الطَّائِرِ: هُوِيُّهُ فِي طَيَرَانِهِ.
وَالثَّانِي قَوْلُهُمْ: دِرْعٌ قَضَّاءُ: خَشِنَةُ الْمَسِّ لَمْ تَنْسَحِقْ بَعْدُ. وَأَصْلُهُ الْقِضَّةُ، وَهِيَ أَرْضٌ مُنْخَفِضَةٌ تُرَابُهَا رَمْلٌ، وَإِلَى جَانِبِهَا مَتْنٌ. وَالْقَضَضُ: كِسَرُ الْحِجَارَةِ. وَمِنْهُ الْقَضْقَضَةُ: كَسْرُ الْعِظَامِ. يُقَالُ أَسَدٌ قَضْقَاضٌ. وَالْقَضُّ: تُرَابٌ يَعْلُو الْفِرَاشَ. يُقَالُ أَقَضَّ عَلَيْهِ مَضْجَعُهُ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
أَمْ مَا لِجِسْمِكَ لَا يُلَائِمُ مَضْجَعًا ... إِلَّا أَقَضَّ عَلَيْكَ ذَاكَ الْمَضْجَعُ
وَيُقَالُ لَحْمٌ قَضٌّ، إِذَا تَرِبَ عِنْدَ الشَّيِّ. وَمِنَ الْبَابِ عِنْدِي قَوْلُهُمْ: جَاءُوا بِقَضِّهِمْ وَقَضِيضِهِمْ، أَيْ بِالْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ الْخَشِنَةِ، قَالَ أَوْسٌ:
وَجَاءَتْ جِحَاشٌ قَضَّهَا بِقَضِيضِهَا ... كَأَكْثَرِ مَا كَانُوا عَدِيدًا وَأَوْكَعُوا
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ قَوْلُهُمْ: قَضَضْتُ اللُّؤْلُؤَةَ أَقُضُّهَا قَضًّا، إِذَا ثَقَبْتُهَا. وَمِنْهُ اقْتِضَاضُ الْبِكْرِ. قَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ.

(قَطَّ) الْقَافُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ عَرْضًا.

(5/12)


يُقَالُ: قَطَطْتُ الشَّيْءَ أَقُطُّهُ قَطًّا. وَالْقَطَّاطُ: الْخَرَّاطُ الَّذِي يَعْمَلُ الْحُقَقَ، كَأَنَّهُ يَقْطَعُهَا. قَالَ:
مِثْلَ تَقْطِيطِ الْحُقَقِ
وَالْقِطْقِطُ: الرَّذَاذُ مِنَ الْمَطَرِ، لِأَنَّهُ مِنْ قِلَّتِهِ كَأَنَّهُ مُتَقَطِّعٌ. وَمِنَ الْبَابِ الشَّعْرُ الْقَطَطُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْزَوِي، خِلَافُ السَّبْطِ، كَأَنَّهُ قُطَّ قَطًّا. يُقَالُ: قَطِطٌ شَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَلِمَاتِ النَّادِرَةِ فِي إِظْهَارِ تَضْعِيفِهَا. وَأَمَّا الْقِطُّ فَيُقَالُ إِنَّهُ الصَّكُّ بِالْجَائِزَةِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ فَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ التَّقْطِيعِ الَّذِي فِي الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... بِغِبْطَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ
وَعَلَى هَذَا يُفَسَّرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: 16] كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا كُتُبَهُمُ الَّتِي يُعْطَوْنَهَا مِنَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقِطَّةُ: السِّنَّوْرَةُ: يُقَالُ [هُوَ] نَعْتٌ لَهَا دُونَ الذَّكَرِ.
فَأَمَّا قَطْ بِمَعْنَى حَسْبُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إِنَّمَا ذَاكَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ قَدْ، قَالَ طَرَفَةُ:
أَخِي ثِقَةٍ لَا يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ ... إِذَا قِيلَ مَهْلًا قَالَ صَاحِبُهُ قَدِ

(5/13)


لَكِنَّهُمْ أَبْدَلُوا الدَّالَ طَاءً فَيُقَالُ: قَطِي وَقَطْكَ وَقَطْنِي. وَأَنْشَدُوا:
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... حَسْبِي رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي
وَيَقُولُونَ: قَطَاطِ، بِمَعْنَى حَسْبِي. وَقَوْلُهُمْ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، أَيْ أَقْطَعُ الْكَلَامَ فِي هَذَا، بِقَوْلِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِمْكَانِ. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْمَاضِي.

(قَعَّ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حِكَايَاتِ صَوْتٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَعْقَعَةُ: حِكَايَةُ أَصْوَاتِ التِّرَسَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْمُقَعْقِعُ: الَّذِي يُجِيلُ الْقِدَاحَ، وَيَكُونُ لِلْقِدَاحِ عِنْدَ ذَلِكَ أَدْنَى صَوْتٍ. وَيُقَالُ رَجُلٌ قَعْقَعَانِيٌّ، إِذَا مَشَى سَمِعْتَ لِمَفَاصِلِهِ قَعْقَعَةً. قَالَ:
قَعْقَعَةَ الْمِحْوَرِ خُطَّافَ الْعَلَقْ
وَحِمَارٌ قَعْقَعَانِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا حَمَلَ عَلَى الْعَانَةِ صَكَّ لَحْيَيْهِ. وَيُقَالُ: قَرَبٌ قَعْقَاعٌ: حَثِيثٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ حَرَكَاتِ السَّيْرِ وَقَعْقَعَتِهِ. وَطَرِيقٌ قَعْقَاعٌ: لَا يُسْلَكُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ. فَأَمَّا الْقُعَاعُ فَالْمَاءُ الْمُرُّ الْغَلِيظُ. قَالَ: أَقَعُّوا، إِذَا أَنْبَطُوا قُعَاعًا. فَهَذَا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ عَقَّ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ، وَيَقُولُونَ: قَعْقَعَ فِي الْأَرْضِ: ذَهَبَ. وَهَذَا مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ، لِمَا يَكُونُ لَهُ عِنْدَ سَيْرِهِ مِنْ حَرَكَةٍ وَقَعْقَعَةٍ.

(5/14)


(قَفَّ) الْقَافُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ وَتَقَبُّضٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقُفَّةُ: شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الْيِقْطِينَةِ تُتَّخَذُ مِنْ خُوطٍ أَوْ خُوصٍ. يُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا تَقَبَّضَ مِنْ هَرَمِهِ: كَأَنَّهُ قُفَّةٌ. وَقَدِ اسْتَقَفَّ، إِذَا تَشَنَّجَ. وَمِنْهُ أَقَفَّتِ الدَّجَاجَةُ، إِذَا كَفَّتْ عَنِ الْبَيْضِ. وَالْقَفُّ: جِنْسٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ لِلسَّرَقِ، وَقِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقِفُّ الشَّيْءَ إِلَى نَفْسِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَفْقَفَ الصَّرِدُ، إِذَا ارْتَعَدَ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا مِنَ التَّقَبُّضِ الَّذِي يَأْخُذُهُ عِنْدَ الْبَرْدِ. قَالَ:
نِعْمَ شِعَارُ الْفَتَى إِذَا بَرَدَ ال ... لَّيْلُ سُحَيْرًا وَقَفْقَفَ الصَّرِدُ
وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الِارْتِعَادِ وَحْدَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْقُفُّ، وَهُوَ شَيْءٌ يَرْتَفِعُ مِنْ مَتْنِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ مُتَجَمِّعٌ، وَالْجَمْعُ قِفَافٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْقَافِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَلَمَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيَةِ شَيْءٍ عِنْدَ بَرْيِهِ وَإِصْلَاحِهِ. مِنْ ذَلِكَ: قَلَمْتُ الظُّفُرَ وَقَلَّمْتُهُ. وَيُقَالُ لِلضَّعِيفِ: هُوَ مَقْلُومُ الْأَظْفَارِ. وَالْقُلَامَةُ: مَا يَسْقُطُ مِنَ الظُّفُرِ إِذَا قُلِمَ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ سُمِّيَ الْقَلَمُ قَلَمًا

(5/15)


قَالُوا: سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُقْلَمُ مِنْهُ كَمَا يُقْلَمُ مِنَ الظُّفُرِ، ثُمَّ شُبِّهَ الْقِدْحُ بِهِ فَقِيلَ: قَلَمٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقِدْحُ سُمِّي قَلَمًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسْوِيَتِهِ وَبَرْيِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} [آل عمران: 44] . وَمِنَ الْبَابِ الْمِقْلَمُ: طَرَفُ قُنْبِ الْبَعِيرِ، كَأَنَّهُ قَدْ قُلِمَ، وَيُقَالُ إِنَّ مَقَالِمَ الرُّمْحِ: كُعُوبُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْقُلَامُ، وَهُوَ نَبْتٌ. قَالَ:
أَتَوْنِي بِقُلَامٍ فَقَالُوا تَعَشَّهُ ... وَهَلْ يَأْكُلُ الْقُلَامَ إِلَّا الْأَبَاعِرُ.

(قَلَهَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ لَا أَحْفَظُ فِيهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ غَدِيرَ قَلَهَى: مَوْضِعٌ.

(قَلَوَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقِلْوُ: الْحِمَارُ الْخَفِيفُ. [وَ] يُقَالُ: قَلَتِ النَّاقَةُ بِرَاكِبِهَا قَلْوًا، إِذَا تَقَدَّمَتْ بِهِ. وَاقْلَوْلَتِ الْحُمْرُ فِي سُرْعَتِهَا. وَالْمُقْلَوْلِي: الْمُتَجَافِي عَنْ فِرَاشِهِ. وَكُلُّ نَابٍ عَنْ شَيْءٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ: مُقْلَوْلٌ. قَالَ:
أَقُولُ إِذَا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقْرَدَتْ ... أَلَا هَلْ أَخُو عَيْشٍ لَذِيذٍ بِدَائِمِ
وَالْمُنْكَمِشُ مُقْلَوْلٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَوْ رَأَيْتَ ابْنَ عُمَرَ لَرَأَيْتَهُ مُقْلُولِيًا» "، أَيْ مُتْجَافِيًا عَنِ الْأَرْضِ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ كَثْرَةَ الصَّلَاةِ. وَمِنَ الْبَابِ قَلَا الْعَيْرُ آتُنَهُ قَلْوًا. وَمِنَ الْبَابِ الْقِلَى، وَهُوَ الْبُغْضُ. يُقَالُ مِنْهُ: قَلَيْتُهُ أَقْلِيهِ قِلًى. وَقَدْ قَالُوا: قَلَيْتُهُ أَقَْلَاهُ. وَالْقِلَى تَجَافٍ عَنِ الشَّيْءِ وَذَهَابٌ عَنْهُ وَالْقَلْيُ: قَلْيُ الشَيءِ عَلَى الْمِقْلَى

(5/16)


يُقَالُ: قَلَيْتُ وَقَلَوْتُ. [وَ] الْقَلَّاءُ: الَّذِي يَقْلِي. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْحَبَّةَ تُسْتَخَفُّ بِالْقَلْيِ وَتَخِفُّ أَيْضًا.

(قَلَبَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى خَالِصِ شَيْءٍ وَشَرِيفِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ. فَالْأَوَّلُ الْقَلْبُ: قَلْبُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ أَخْلَصُ شَيْءٍ فِيهِ وَأَرْفَعُهُ. وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَشْرَفُهُ قَلْبُهُ. وَيَقُولُونَ: عَرَبِيٌّ قَُلْبٌ. قَالَ:
[فَلَا] تُكْثِرُوا فِيهَا الضَّجَاجَ فَإِنَّنِي ... تَخَيَّرْتُهَا مِنْهُمْ زُبَيْرِيَّةً قَُلْبَا
وَالْقُلَابُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْبَعِيرَ فَيَشْتَكِي قَلْبَهُ. وَالْقُلْبُ مِنَ الْأَسْوِرَةِ: مَا كَانَ قَلْبًا وَاحِدًا لَا يُلْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَهُوَ تَشْبِيهٌ بِقَلْبِ النَّخْلَةِ. ثُمَّ شُبِّهَ الْحَيَّةُ بِالْقُلْبِ مِنَ الْحَلْيِ فَسُمِّيَ قُلْبًا. وَالْقَلْبُ: نَجْمٌ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَلْبُ الْعَقْرَبِ. [وَ] قَلَبْتُ النَّخْلَةَ: نَزَعْتُ قَلْبَهَا. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ قَلَبْتُ الثَّوْبَ قَلْبًا. وَالْقَلَبُ: انْقِلَابُ الشَّفَةِ، وَهِيَ قَلْبَاءُ وَصَاحِبُهَا أَقْلَبُ. وَقَلَبْتُ الشَّيْءَ: كَبَبْتُهُ، وَقَلَّبْتُهُ بِيَدِي تَقْلِيبًا. وَيُقَالُ: أَقْلَبَتِ الْخُبْزَةُ، إِذَا حَانَ لَهَا أَنْ تُقْلَبَ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بِهِ قَلْبَةٌ، قَالُوا: مَعْنَاهُ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ يُقْلَبُ لَهَا فَيُنْظَرُ إِلَيْهِ. وَأَنْشَدُوا:
وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَهَا بَيْطَارُ ... وَلَا لِحَبَلَيْهِ بِهَا حُبَارُ
أَيْ لَمْ يُقَلِّبْ قَوَائِمَهَا مِنْ عِلَّةٍ بِهَا. وَالْقَلِيبُ: الْبِئْرُ قَبْلَ أَنْ تُطْوَى; وَإِنَّمَا

(5/17)


سُمِّيَتْ قَلِيبًا لِأَنَّهَا كَالشَّيْءِ يُقْلَبُ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، وَكَانَتْ أَرْضًا فَلَمَّا حُفِرَتْ صَارَ تُرَابُهَا كَأَنَّهُ قَلْبٌ. فَإِذَا طُوِيَتْ فَهِيَ الطَّوِيُّ. وَلَفْظُ الْقَلِيبِ مُذَكَّرٌ. وَالْحُوَّلُ الْقَلْبِ: الَّذِي يُقَلِّبُ الْأُمُورَ وَيَحْتَالُ لَهَا. وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاحِدٌ. فَأَمَّا الْقِلِّيبُ وَالْقِلَّوْبُ فَيُقَالُ إِنَّهُ الذِّئْبُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَيُقَالُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَقَلُّبِهِ فِي طَلَبِ مَأْكَلِهِ. قَالَ:
أَيَا جَحْمَتَا بَكِّي عَلَى أُمِّ عَامِرٍ ... أَكِيلَةِ قِلَّوْبٍ بِإِحْدَى الْمَذَانِبِ.

(قَلَتَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالتَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى هَزْمَةٍ فِي شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ذَهَابِ شَيْءٍ وَهَلَاكِهِ. فَالْأَوَّلُ الْقَلْتُ، وَهُوَ النُّقْرَةُ فِي الصَّخْرَةِ، وَالْجَمْعُ قِلَاتٌ. وَقَالَ:
وَعَيْنَانِ كَالْمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا ... بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
وَقَلْتُ الْعَيْنِ: نُقْرَتُهَا. وَقَلْتُ الْإِبْهَامِ: النُّقْرَةُ تَحْتَهَا. وَقَلْتُ الثَّرِيدَةِ: الْهَزْمَةُ وَسَطُهَا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَلَتُ، وَهُوَ الْهَلَاكُ. يُقَالُ: قَلِتَ قَلَتًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " إِنَّ الْمُسَافِرَ وَمَتَاعَهُ عَلَى قَلَتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللَّهُ تَعَالَى ". وَالْمِقْلَاتُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَكَذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ، وَالْجَمْعُ مَقَالِيتُ. قَالَ:

(5/18)


يَظَلُّ مَقَالِيتُ النِّسَاءِ يَطَأْنَهُ ... يَقُلْنَ أَلَا يُلْقَى عَلَى الْمَرْءِ مِئْزَرُ
وَقَالَ:
لَا تَلُمْهَا إِنَّهَا مِنْ نِسْوَةٍ ... رُقُدِ الصَّيْفِ مَقَالِيتٍَ نُزُرْ.

(قَلَحَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَلَحُ: صُفْرَةٌ فِي الْأَسْنَانِ. رَجُلٌ أَقْلَحُ. قَالَ:
قَدْ بَنَى اللُّومُ عَلَيْهِمْ بَيْتَهُ ... وَفَشَا فِيهِمْ مَعَ اللُّومِ الْقَلَحْ
وَيُقَالُ إِنَّ الْأَقْلَحَ: الْجُعَلُ.

(قَلَخَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَلْخَ: هَدِيرُ الْجَمَلِ.

(قَلَدَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى تَعْلِيقِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ وَلِيَهُ بِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى حَظٍّ وَنَصِيبٍ. فَالْأَوَّلُ التَّقْلِيدُ: تَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ، وَذَلِكَ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهَا شَيْءٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ.
وَأَصْلُ الْقَلْدِ: الْفَتْلُ، يُقَالُ قَلَدْتُ الْحَبْلَ أَقْلِدُهُ قَلْدًا، إِذَا فَتَلْتُهُ. وَحَبْلٌ قَلِيدٌ وَمَقْلُودٌ. وَتَقَلَّدْتُ السَّيْفَ. وَمُقَلَّدُ الرَّجُلِ: مَوْضِعُ نِجَادِ السَّيْفِ عَلَى مَنْكِبِهِ. وَيُقَالُ: قَلَّدَ فُلَانٌ فُلَانًا قِلَادَةَ سَوْءٍ، إِذَا هَجَاهُ بِمَا يَبْقَى عَلَيْهِ وَسْمُهُ. فَإِذَا أَكَّدُوهُ قَالُوا: قَلَّدَهُ طَوْقَ الْحَمَامَةِ، أَيْ لَا يُفَارِقُهُ كَمَا لَا يُفَارِقُ الْحَمَامَةَ طَوْقُهَا. قَالَ بِشْرٌ:

(5/19)


حَبَاكَ بِهَا مَوْلَاكَ عَنْ ظَهْرِ بِغْضَةٍ ... وَقُلِّدَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ جَعْفَرُ
وَالْمِقْلَدُ: عَصًا فِي رَأْسِهَا عِوَجٌ يُقْلَدُ بِهَا الْكَلَأُ، كَمَا يُقْلَدُ الْقَتُّ إِذَا جُعِلَ حِبَالًا. وَمِنَ الْبَابِ الْقِلْدُ: السِّوَارُ. وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْيَدَ كَأَنَّهَا تَتَقَلَّدُهُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِقْلِيدَ: [الْبُرَةَ] الَّتِي يُشَدُّ بِهَا زِمَامُ النَّاقَةِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْقِلْدُ: الْحَظُّ مِنَ الْمَاءِ. يُقَالُ: سَقَيْنَا أَرْضَنَا قِلْدَهَا، أَيْ حَظَّهَا. وَسَقَتْنَا السَّمَاءُ قِلْدًا كَذَلِكَ، أَرَادَ حَظًّا. وَفِي الْحَدِيثِ " «فَقَلَدَتْنَا السَّمَاءُ قِلْدًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ» ".
فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ، فَيُقَالُ: هِيَ الْخَزَائِنُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 63] . وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْصِنُ الْأَشْيَاءَ، أَيْ تَحْفَظُهَا وَتَحُوزُهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَقْلَدَ الْبَحْرَ عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ، إِذَا أَحْصَنَهُمْ فِي جَوْفِهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْقِلْدَةُ وَالْقِشْدَةُ: تَمْرٌ وَسَوِيقٌ يُخْلَطُ بِهِمَا سَمْنٌ.

(قَلَزَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالزَّاءُ. يَقُولُونَ: إِنَّ التَّقَلُّزَ: النَّشَاطُ.

(قَلَسَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ كَلِمَتَانِ: أَحَدُهُمَا رَمْيُ السَّحَابَةِ النَّدَى مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ، وَمِنْهُ قَلَسَ الْإِنْسَانُ، إِذَا قَاءَ، فَهُوَ قَالِسٌ. وَأَمَّا التَّقْلِيسُ فَيُقَالُ: هُوَ الضَّرْبُ بِبَعْضِ الْمَلَاهِي. وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْأُخْرَى.

(5/20)


وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: الْقَلْسُ مِنَ الْحِبَالِ، مَا أَدْرِي مَا صِحَّتُهُ.

(قَلَصَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ شَيْءٍ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ. يُقَالُ: تَقَلَّصَ الشَّيْءُ، إِذَا انْضَمَّ. وَشَفَةٌ قَالِصَةٌ. وَظِلٌّ قَالِصٌ، إِذَا نَقَصَ، وَكَأَنَّهُ تَضَامَّ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] . وَأَمَّا قَلَصَةُ الْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي يَجِمُّ فِي الْبِئْرِ مِنْهُ حَتَّى يَرْتَفِعَ، كَأَنَّهُ تَقَلَّصَ مِنْ جَوَانِبِهِ. وَهُوَ مَاءٌ قَلِيصٌ. وَجَمْعُ الْقَلَصَةِ قَلَصَاتٌ. وَيَقُولُونَ: قَلَصَتْ نَفْسُهُ: غَثَتْ. وَقِيَاسُهُ قَرِيبٌ. فَأَمَّا الْقَلُوصُ، فَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ رِئَالِ النَّعَامِ. وَعِنْدِي أَنَّهَا سُمِّيَتْ قَلُوصًا لِتَجَمُّعِ خَلْقِهَا، كَأَنَّهَا تَقَلَّصَتْ مِنْ أَطْرَافِهَا حَتَّى تَجَمَّعَتْ. وَكَذَلِكَ أُنْثَى الْحُبَارَى. وَبِهَا سُمِّيَتِ الْقَلُوصُ مِنَ الْإِبِلِ، وَهِيَ الْفَتِيَّةُ الْمُجْتَمِعَةُ الْخَلْقِ. وَيُقَالُ: قَلَصَ الْغَدِيرُ، إِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ مَائِهِ.

(قَلَطَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالطَّاءُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَصِحُّ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ قَالَ: رَجُلٌ قُلَاطٌ: قَصِيرٌ. وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ قَلَطِيٌّ.

(قَلَعَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِزَاعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ مَا يُقَارِبُهُ. تَقُولُ: قَلَعْتُ الشَّيْءَ قَلْعًا، فَأَنَا قَالِعٌ وَهُوَ

(5/21)


مَقْلُوعٌ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَقَلَّعُ عَنْ سَرْجِهِ لِسُوءِ فُرُوسَتِهِ: قُلْعَةٌ. وَيُقَالُ هَذَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ اسْتِيطَانٍ. وَالْقَوْمُ عَلَى قُلْعَةٍ، أَيْ رِحْلَةٍ.
وَالْمَقْلُوعُ: الْأَمِيرُ الْمَعْزُولُ. وَالْقِلَعَةُ: صَخْرَةٌ تَتَقَلَّعُ عَنْ جَبَلٍ مُنْفَرِدَةً يَصْعُبُ مَرَامُهَا. وَبِهِ تُشَبَّهُ السَّحَابَةُ الْعَظِيمَةُ، فَيُقَالُ قِلَعَةٌ، وَالْجَمْعُ قَلَعٌ. قَالَ:
تَفَقَّأَ فَوْقَهُ الْقَلَعُ السَّوَارِي ... وَجُنَّ الْخَازِبَازِ بِهِ جُنُونًا
وَالْقُلَاعُ: الطِّينُ يَتَشَقَّقُ إِذَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ. وَسُمِّيَ قُلَاعًا لِأَنَّهُ يَتَقَلَّعُ. [وَأَقْلَعَ] عَنِ الْأَمْرِ، إِذَا كَفَّ. وَرَمَاهُ بِقُلَاعَةٍ، إِذَا اقْتَلَعَ قِطْعَةً مِنَ الْأَرْضِ فَرَمَاهُ بِهَا. وَالْمِقْلَاعُ مَعْرُوفٌ. وَالْقَلَاعُ: الشُّرْطِيُّ فِيمَا يُقَالُ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ: " «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيْبُوبٌ وَلَا قَلَاعٌ» ". قَالُوا: الدَّيْبُوبُ: الَّذِي يَدِبُّ بِالنَّمَائِمِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَالْقَلَاعُ: الرَّجُلُ يَرَى الرَّجُلَ [قَدِ ارْتَفَعَ] مَكَانُهُ عِنْدَ آخَرَ فَلَا يَزَالُ يَشِي بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْلَعَهُ. وَأَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى. وَيُقَالُ: تَرَكْتُ فُلَانًا فِي قَلَعٍ مِنْ حُمًّى; أَيْ فِي إِقْلَاعٍ. وَيُقَالُ قَلِعَ قَلَعًا. وَالْقِلْعُ: شِرَاعُ السَّفِينَةِ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا رُفِعَ قَلَعَ السَّفِينَةَ مِنْ مَكَانِهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَلْعُ وَالْقِلْعُ. فَأَمَّا الْقَلْعُ فَالْكِنْفُ، يَقُولُونَ فِي أَمْثَالِهِمْ

(5/22)


" شَحْمَتِي فِي قَلْعِي ". وَأَمَّا الْقِلْعُ فَيُقَالُ: إِنَّهَا صُدَيِّرٌ يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ عَلَى صَدْرِهِ. قَالَ:
مُسْتَأْبِطًا فِي قِلْعِهِ سَكِينَا.

(قَلَفَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَشْطِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: قَلَفْتُ الشَّجَرَةَ، إِذَا نَحَّيْتُ عَنْهَا لِحَاءَهَا. وَقَلَفْتُ الدَّنَّ: فَضَضْتُ عَنْهُ طِينَهُ. وَقَلَفَ الْخَاتِنُ غُرْلَةَ الصَّبِيِّ، وَهِيَ الْقُلْفَةُ، إِذَا قَطَعَهَا.

(قَلَقَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِانْزِعَاجِ. يُقَالُ: قَلِقَ يَقْلَقُ قَلَقًا.

[بَابُ الْقَافِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَمَنَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: هُوَ قَمَنٌ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إِذَا فُتِحَتْ مِيمُهُ، فَإِنْ كُسِرَتْ أَوْ قُلْتَ قَمِينٌ ثَنَّيْتَ وَجَمَعْتَ. وَمَعْنَى قَمِينٍ: خَلِيقٌ.

(قَمَهَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالْهَاءُ فِيهِ كَلِمَاتٌ لَيْسَتْ بِأَصْلِيَّةٍ. يَقُولُونَ: قَمَهَ الشَّيْءُ، إِذَا انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ فَارْتَفَعَ حِينًا وَغَابَ حِينًا. وَقِفَافٌ قُمَّهُ. تَغِيبُ فِي السَّرَابِ وَتَظْهَرُ. وَهَذَا فِي الْإِبْدَالِ، وَأَصْلُهُ قَمَسَ. وَيَقُولُونَ: قَمَهَ الْبَعِيرُ مِثْلُ قَمَحَ، إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَشْرَبِ الْمَاءَ، هُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ.

(5/23)


وَكَلِمَةٌ أُخْرَى مِنَ الْمَقْلُوبِ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَمَهُ مِثْلُ الْقَهَمِ، وَهُوَ قِلَّةُ الشَّهْوَةِ لِلطَّعَامِ، قَهِمَ وَقَمِهَ.

(قَمَا) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حَقَارَةٍ وَذُلٍّ. يُقَالُ: هُوَ قَمِيٌّ بَيَّنُ الْقَمَاءَةِ، أَيِ الْحَقَارَةِ. وَأَقْمَيْتُهُ أَنَا: أَذْلَلْتُهُ.
وَإِذَا هُمِزَ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تَقَمَّأْتُ الشَّيْءَ، إِذَا طَلَبْتَهُ، تَقَمُّؤًا. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعْجَابِ، يُقَالُ أَقْمَأَنِي الشَّيْءُ: أَعْجَبَنِي. وَأَقْمَأَتِ الْإِبِلُ: سَمِنَتْ. وَتَقَمَّأْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ:
لَقَدْ قَضَيْتُ فَلَا تَسْتَهْزِئَا سَفَهًا ... مِمَّا تَقَمَّأْتُهُ مِنْ لَذَّةٍ وَطَرِي.

(قَمَحَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالْحَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ تَكُونُ عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ مِنَ الشَّارِبِ، وَهُوَ رَفْعُهُ رَأْسَهُ. مِنْ ذَلِكَ الْقَامِحُ، وَهُوَ الرَّافِعُ رَأْسَهُ مِنَ الْإِبِلِ عِنْدَ الشُّرْبِ امْتِنَاعًا مِنْهُ. وَإِبِلٌ قِمَاحٌ. قَالَ:
وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ ... نَغُضُّ الطَّرْفَ كَالْإِبِلِ الْقِمَاحِ
وَيَقُولُونَ: رَوِيَتْ حَتَّى انْقَمَحَتْ، أَيْ تَرَكَتِ الشُّرْبَ رِيًّا. وَشَهْرًا قُِمَاحٍ: أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَرْدِ، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ إِذَا وَرَدَتْ آذَاهَا بَرْدُ الْمَاءِ فَقَامَحَتْ، أَيْ رَفَعَتْ رُؤُوسَهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْقَمْحُ، وَهُوَ الْبُرُّ. وَيَقُولُونَ - وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ

(5/24)


صَحِيحًا: اقْتَمَحْتُ السَّوِيقَ وَقَمَحْتُهُ، إِذَا أَلْقَيْتَهُ فِي فَمِكَ بِرَاحَتِكَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقُمْحَةُ مِنَ الْمَاءِ: مَا مَلَأَ فَاكَ مِنْهُ. وَالْقُمَّحَاتُ: الْوَرْسُ، أَوِ الزَّعْفَرَانُ، أَوِ الذَّرِيرَةُ، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ.

(قَمَدَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى طُولٍ وَقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقُمُدُّ: الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " الْقَمْدُ أَصْلُ بِنَاءِ الْقُمُدِّ. [وَ] الْأَقْمَدُ: الطَّوِيلُ، رَجُلٌ أَقْمَدُ وَامْرَأَةٌ قَمْدَاءُ، وَقُمُدٌّ وَقُمُدَّةٌ ".

(قَمَرَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى بَيَاضٍ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ. مِنْ ذَلِكَ الْقَمَرُ: قَمَرُ السَّمَاءِ، سُمِّيَ قَمَرًا لِبَيَاضِهِ. وَحِمَارٌ أَقْمَرُ، أَيْ أَبْيَضُ. وَتَصْغِيرُ الْقَمَرِ قُمَيْرٌ: قَالَ:
وَقُمَيْرٍ بَدَا ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِي ... نَ فَقَالَتْ لَهُ الْفَتَاتَانِ قُومَا
وَيُقَالُ: تَقَمَّرْتُهُ: أَتَيْتُهُ فِي الْقَمَرَاءِ. وَيَقُولُونَ: قَمِرَ التَّمْرُ: وَأَقْمَرَ، إِذَا ضَرَبَهُ الْبَرْدُ فَذَهَبَتْ حَلَاوَتُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْضِجَ. وَيُقَالُ: تَقَمَّرَ الْأَسَدُ، إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ الصَّيْدَ فِي الْقَمْرَاءِ، قَالَ:
سَقَطَ الْعِشَاءُ بِهِ عَلَى مُتَقَمِّرٍ ... ثَبْتِ الْجَنَانِ مُعَاوِدِ التَّطْعَانِ

(5/25)


وَقَمَرَ الْقَوْمُ الطَّيْرَ، إِذَا عَشَّوْهَا لَيْلًا فَصَادُوهَا. فَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى:
تَقَمَّرَهَا شَيْخٌ عِشَاءً فَأَصْبَحَتْ ... قُضَاعِيَّةً تَأْتِي الْكَوَاهِنَ نَاشِصًا
فَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا يَتَقَمَّرُ الْأَسَدُ الصَّيْدَ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَقَمَّرَهَا: خَدَعَهَا كَمَا يُعَشَّى الطَّائِرُ لَيْلًا فَيُصَادُ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَمِرَ الرَّجُلُ، إِذَا لَمْ يُبْصِرْ فِي الثَّلْجِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمْ: قَمِرَتِ الْقِرْبَةُ: وَهُوَ شَيْءٌ يُصِيبُهَا كَالِاحْتِرَاقِ مِنَ الْقَمَرِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَمَرَ يَقْمِرُ قَمْرًا، وَالْقِمَارُ مِنَ الْمُقَامَرَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ شَاذٌّ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقَامِرَ يَزِيدُ مَالُهُ وَلَا يَبْقَى عَلَى حَالٍ. وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ سَمِعْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَقَمَّرَ الرَّجُلُ: إِذَا طَلَبَ مَنْ يُقَامِرُهُ. وَيُقَالُ: قَمَرْتُ الرَّجُلَ أَقْمُرُهُ وَأَقْمِرُهُ.

(قَمَسَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَمْسِ شَيْءٍ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ نَفْسُهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ. مِنْ ذَلِكَ قَمَسْتُ الشَّيْءَ فِي الْمَاءِ: غَمَسْتُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَامُوسَ الْبَحْرِ: مُعْظَمُهُ. وَقَالُوا فِي ذِكْرِ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ: إِنَّ مَلَكًا قَدْ وُكِّلَ بِقَامُوسِ الْبَحْرِ، كُلَّمَا وَضَعَ رِجْلَهُ فَاضَ، فَإِذَا رَفَعَهَا غَاضَ. وَيَقُولُونَ: قَمَسَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ: اضْطَرَبَ. وَالْقَمَّاسُ: الْغَوَّاصُ. وَانْقَمَسَ النَّجْمُ: انْحَطَّ فِي الْمَغْرِبِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْإِنْسَانِ إِذَا خَاصَمَ مَنْ هُوَ أَجْرَأُ مِنْهُ: " إِنَّمَا يُقَامِسُ حُوتًا ".

(5/26)


(قَمَشَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالشِّينُ. يَقُولُونَ: الْقَمْشُ: جَمْعُ الشَّيْءِ مِنْ هَاهُنَا [وَهُنَا] .

(قَمَصَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالصَّادُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى لُبْسِ شَيْءٍ وَالِانْشِيامِ فِيهِ، وَالْآخَرُ عَلَى نَزْوِ شَيْءٍ وَحَرَكَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقَمِيصُ لِلْإِنْسَانِ مَعْرُوفٌ. يُقَالُ: تَقَمَّصَهُ، إِذَا لَبِسَهُ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَخَلَ فِيهِ الْإِنْسَانُ، فَيُقَالُ: تَقَمَّصَ الْإِمَارَةَ، وَتَقَمَّصَ الْوِلَايَةَ. وَجَمْعُ الْقَمِيصِ أَقْمِصَةٌ، وَقُمُصٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَمْصُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَمَصَ الْبَعِيرَ وَيَقْمُصُ قَمْصًا وَقِمَاصًا، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَطْرَحَهُمَا مَعًا وَيَعْجِنَ بِرِجْلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْقَامِصَةِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا. يُقَالُ قَمَصَ الْبَحْرَ بِالسَّفِينَةِ، إِذَا حَرَّكَهَا بِالْمَوْجِ، فَكَأَنَّهَا بَعِيرٌ يَقْمِصُ.

(قَمَطَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَمْطُ: شَدُّ أَعْصَابِ الصَّبِيِّ بِقِمَاطِهِ. وَمِنْهُ قَمْطُ الْأَسِيرِ، إِذَا جُمِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِحَبْلٍ. وَوَقَعَتْ عَلَى قِمَاطِهِ، مَعْنَاهُ، عَلَى عَقْدِ أَمْرِهِ كَيْفَ عَقَدَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَطِنْتَ لَهُ. وَمَرَّ بِنَا حَوْلٌ قَمِيطٌ، أَيْ تَامٌّ جَمِيعٌ. وَسِفَادُ الطَّائِرِ قَمْطٌ أَيْضًا، لِجَمْعِهِ مَاءَهُ فِي أُنْثَاهُ.

(قَمَعَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ: أَحَدُهَا نُزُولُ شَيْءٍ مَائِعٍ فِي أَدَاةٍ تُعْمَلُ لَهُ، وَالْآخَرُ إِذْلَالٌ وَقَهْرٌ، وَالثَّالِثُ جِنْسٌ مِنَ الْحَيَوَانِ.

(5/27)


فَالْأَوَّلُ الْقِمَعُ مَعْرُوفٌ، يُقَالُ قِمَعٌ وَقِمْعٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ» "، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَلَا يَعُونَ، فَكَأَنَّ آذَانَهُمْ كَالْأَقْمَاعِ الَّتِي لَا يَبْقَى فِيهَا شَيْءٌ. وَيَقُولُونَ: اقْتَمَعْتُ مَا فِي السِّقَاءِ، إِذَا شَرِبْتُهُ كُلَّهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ صِرْتَ لَهُ كَالْقِمَعِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِمَعْنًى لَطِيفٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: قَمَعْتُهُ: أَذْلَلْتُهُ. وَمِنْهُ قَمَعْتُهُ، إِذَا ضَرَبْتُهُ بِالْمِقْمَعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] . وَسُمِّيَ قَمَعَةُ بْنُ إِلْيِاسَ لِأَنَّ أَبَاهُ أَمَرَهُ بِأَمْرٍ فَانْقَمَعَ فِي بَيْتِهِ، فَسُمِّيَ قَمَعَةَ. وَالْقِيَاسُ فِي هَذَا وَالْأَوَّلِ مُتَقَارِبٌ; لِأَنَّ فِيهِ الْوُلُوجَ فِي بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ يَنْقَمِعُ فِي الْقِمَعِ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَمَعُ: الذُّبَابُ الْأَزْرَقُ الْعَظِيمُ. يُقَالُ: تَرَكْنَاهُ يَتَقَمَّعُ الذِّبَّانُ مِنَ الْفَرَاغِ، أَيْ يَذُبُّهَا كَمَا يَتَقَمَّعُ الْحِمَارُ. وَتُسَمَّى تِلْكَ الذِّبَّانُ: الْقَمَعُ. قَالَ أَوْسٌ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَصْرَهُ ... وَعُفْرُ الظِّبَاءِ فِي الْكِنَاسِ تَقَمَّعُ
وَيُقَالُ: أَقْمَعْتُ الرَّجُلَ عَنِّي، إِذَا رَدَدْتَهُ عَنْكَ. وَهُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ طَرَدَهُ. وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِهَذَا، الْقَمَعُ: مَا فَوْقَ السَّنَاسِنِ مِنْ سَنَامِ الْبَعِيرِ مِنْ أَعْلَاهُ. وَمِنْهُ الْقَمَعُ: غِلَظٌ فِي إِحْدَى رُكْبَتَيِ الْفَرَسِ. وَالْقَمَعُ: بَثْرَةٌ تَكُونُ فِي الْمُوقِ مِنْ زِيَادَةِ اللَّحْمِ.

(5/28)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذِهِ الْأُصُولِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ قَمْعَةَ مَالِ الْقَوْمِ: خِيَارُهُ.

(قَمَلَ) الْقَافُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى حَقَارَةٍ وَقَمَاءَةٍ. رَجُلٌ قَمَلِيٌّ، أَيْ حَقِيرٌ، وَالْقُمَّلُ: صِغَارُ الدَّبَا. وَأَقْمَلَ الرِّمْثُ، إِذَا بَدَا وَرَقُهُ صِغَارًا، كَأَنَّ ذَلِكَ شُبِّهَ بِالْقُمَّلِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَنَا) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى مُلَازَمَةٍ وَمُخَالَطَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ. فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: قَانَاهُ، إِذَا خَالَطَهُ، كَاللَّوْنِ يُقَانِي لَوْنًا آخَرَ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَانَيْتُ الشَّيْءَ: خَلَطْتُهُ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
كَبِكْرِ الْمُقَانَاةِ الْبَيَاضَُِ بِصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرَ الْمُحَلَّلِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا يُعَانِينِي هَذَا، أَيْ مَا يُوَافِقُنِي. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ فَلَا يُخَالِطُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَنَى الشَّيْءَ وَاقْتَنَاهُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُعَدًّا لَهُ لَا لِلتِّجَارَةِ. وَمَالٌ قُنْيَانٌ: يُتَّخَذُ قُِنْيَةً. وَمِنْهُ: قَنَيْتُ حَيَائِي: لَزِمْتُهُ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْقُِنْيَةِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
فَاقْنَيْ حَيَاءَكِ لَا أَبًا لَكِ وَاعْلَمِي ... أَنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ

(5/29)


وَالْقِنْوُ: الْعِذْقُ بِمَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِشَجَرَتِهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْمَقْنَاةُ مِنَ الظِّلِّ فِيمَنْ لَا يَهْمِزُهَا، وَهُوَ مَكَانٌ لَا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الظِّلَّ مُلَازِمُهُ لَا يَكَادُ يُفَارِقُهُ.
وَيَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ: إِنَّ كَهْفَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي مَقْنَاةٍ مِنْ جَبَلٍ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْقَنَا: احْدِيدَابٌ فِي الْأَنْفِ. وَالْفِعْلُ قَنِيَ قَنًى. وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْقَنَاةُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تُنْصَبُ وَتُرْفَعُ; وَأَلِفُهَا وَاوٌ لِأَنَّهَا تُجْمَعُ قَنًا وَقَنَوَاتٌ. وَقَنَاةُ الْمَاءِ عِنْدَنَا مُشَبَّهَةٌ بِهَذِهِ الْقَنَاةِ إِنْ كَانَتْ قَنَاةُ الْمَاءِ عَرَبِيَّةً.
وَالتَّشْبِيهُ بِهَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ ارْتِفَاعٍ، وَلَكِنْ هِيَ كَظَائِمُ وَآبَارٌ فَكَأَنَّهَا هَذِهِ الْقَنَاةُ، لِأَنَّهَا كُعُوبٌ وَأَنَابِيبُ.
وَإِذَا هُمِزَ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ، فَيُقَالُ: قَنَأَ، إِذَا اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَهُوَ قَانِئٌ. وَرُبَّمَا هَمَزُوا مَقْنَأَةَ الظِّلِّ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(قَنَبَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْمِقْنَبُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْخَيْلِ، يُقَالُ هِيَ نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ. وَالْقَنِيبُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَنَّبَ الزَّرْعُ تَقْنِيبًا، إِذَا أَعْصَفَ. قَالَ: وَتُسَمَّى الْعَصِيفَةُ: الْقُنَّابَةَ. وَالْعَصِيفَةُ: الْوَرَقُ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّنْبُلُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْقُنْبُ، وَهُوَ وِعَاءُ ثِيلِ الْفَرَسِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَا فِيهِ. وَأَمَّا الْقُنَّبُ فَزَعَمَ [قَوْمٌ] أَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَهُوَ مِنْ قَنَبَ الزَّرْعُ، إِذَا أَعْصَفَ. وَهُوَ شَيْءٌ لَا يُتَّخَذُ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ.

(5/30)


(قَنَتَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طَاعَةٍ وَخَيْرٍ فِي دِينٍ، لَا يَعْدُو هَذَا الْبَابَ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ الطَّاعَةُ، يُقَالُ: قَنَتَ يَقْنُتُ قُنُوتًا. ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ اسْتِقَامَةٍ فِي طَرِيقِ الدِّينِ قُنُوتًا، وَقِيلَ لِطُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قُنُوتٌ، وَسُمِّيَ السُّكُوتُ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهَا قُنُوتًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] .

(قَنَحَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْحَاءُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا أَصْلًا. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَنَحَ الشَّارِبُ، إِذَا رُوِيَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ رِيًّا. وَهَذَا مِنْ قَمَحَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ.
وَمِنْ طَرَائِفِ ابْنِ دُرَيْدٍ: قَنَحْتُ الْعُودَ قَنْحًا: عَطَفْتُهُ. قَالَ: وَالْقُنَّاحُ: الْمِحْجَنُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ.

(قَنَدَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالدَّالُ كَلِمَتَانِ زَعَمُوا أَنَّهُمَا صَحِيحَتَانِ. قَالُوا: الْقَنْدُ عَرَبِيٌّ. يَقُولُونَ: سَوِيقٌ مَقْنُودٌ وَمُقَنَّدٌ. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْقِنْدَأْوَةُ، قَالُوا: هُوَ السَّيِّئُ الْخُلُقِ.

(قَنَرَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ: الْقَنَوَّرُ: الضَّخْمُ الرَّأْسِ.

(قَنَسَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ثَبَاتِ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ: الْقَِنْسُ: مَنْبِتُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَصْلُهُ. قَالَ:
فِي قِنْسِ مَجْدٍ فَاتَ كُلَّ قَِنْسِ

(5/31)


قَالُوا: وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ فِي شَيْءٍ فَذَلِكَ الشَّيْءُ قِنْسٌ لَهُ. قَالُوا: وَالْقَوْنَسُ فِي الْبَيْضَةِ: أَعْلَاهَا، وَقَوْنَسُ نَاصِيَةِ الْفَرَسِ: مَا فَوْقَهَا; وَهِيَ ثَابِتَةٌ. قَالَ:
اطْرُدْ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِقَهَا ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ.

(قَنَصَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصَّيْدِ قَطْ. فَالْقَانِصُ: الصَّائِدُ. وَالْقَنَصُ: الصَّيْدُ. وَالْقَنْصُ: فِعْلُ الْقَانِصِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَنِيصُ: الصَّائِدُ. وَبَنُو قَنَصِ بْنِ مَعَدٍّ: قَوْمٌ دَرَجُوا.

(قَنَطَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْيَأْسِ مِنَ الشَّيْءِ. يُقَالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ، وَقَنِطَ يَقْنَطُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ {يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]

(قَنَعَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الشَّيْءِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْقِيَاسِ; وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَارَةٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْإِقْنَاعُ: الْإِقْبَالُ بِالْوَجْهِ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: أَقْنَعَ لَهُ يُقْنِعُ إِقْنَاعًا.

(5/32)


وَالْإِقْنَاعُ: مَدُّ الْيَدِ عِنْدَ الدُّعَاءِ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ عِنْدَ إِقْبَالِهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَمُدُّ يَدَهُ إِلَيْهَا. وَالْإِقْنَاعُ: إِمَالَةُ الْإِنَاءِ لِلْمَاءِ الْمُنْحَدِرِ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَنَعَ الرَّجُلُ يَقْنَعُ قُنُوعًا، إِذَا سَأَلَ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . فَالْقَانِعُ: السَّائِلُ; وَسُمِّيَ قَانِعًا لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُهُ، قَالَ:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ
وَيَقُولُونَ: قَنِعَ قَنَاعَةً، إِذَا رَضِيَ. وَسُمِّيَتْ قَنَاعَةً لِأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ رَاضِيًا. وَالْإِقْنَاعُ: مَدُّ الْبَعِيرِ رَأْسَهُ إِلَى الْمَاءِ لِلشُّرْبِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَنَعَتِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ لِلْمَرْتَعِ، إِذَا مَالَتْ لَهُ. وَفُلَانٌ شَاهِدٌ مَقْنَعٌ; وَهَذَا مِنْ قَنِعْتُ بِالشَّيْءِ، إِذَا رَضِيتَ بِهِ; وَجَمْعُهُ مَقَانِعُ. تَقُولُ: إِنَّهُ رِضًى يُقْنَعُ بِهِ. قَالَ:
وَعَاقَدْتُ لَيْلَى فِي الْخَلَاءِ وَلَمْ تَكُنْ ... شُهُودِي عَلَى لَيْلَى شُهُودٌ مَقَانِعُ
وَأَمَّا الْآخَرُ فَالْقِنْعُ، وَهُوَ مُسْتَدِيرٌ مِنَ الرَّمْلِ. وَالْقِنْعُ وَالْقِنَاعُ: شِبْهُ طَبَقٍ تُهْدَى عَلَيْهِ الْهَدِيَّةُ. وَقِنَاعُ الْمَرْأَةِ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهَا تُدِيرُهُ بِرَأْسِهَا. وَمِمَّا اشْتُقَّ مِنْ هَذَا الْقِنَاعِ قَوْلُهُمْ: قَنَّعَ رَأْسَهُ بِالسَّوْطِ ضَرْبًا، كَأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْقِنَاعِ لَهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْإِقْنَاعُ: ارْتِفَاعُ الشَّيْءِ لَيْسَ فِيهِ تَصَوُّبٌ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا أَصْلًا ثَالِثًا، وَيُحْتَجُّ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: رَافِعِي رُؤُوسِهِمْ.

(5/33)


(قَنَفَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَنِيفُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَالْقَنِيفُ، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّيْلِ. يُقَالُ: مَرَّ قَنِيفٌ مِنَ اللَّيْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْقَنَفُ: صِغَرُ الْأُذُنَيْنِ وَغِلَظُهُمَا. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، وَكَذَلِكَ الْقُِنَافُ، وَهُوَ الْغَلِيظُ الْأَنْفِ.

(قَنَمَ) الْقَافُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: قَنِمَ الشَّيْءُ قَنَمًا، إِذَا نَدِيَ ثُمَّ رَكِبَهُ غُبَارٌ فَتَوَسَّخَ. وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي شُعُورِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَهَوَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خِصَبٍ وَكَثْرَةٍ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمُخْصِبِ الرَّحْلِ: قَاهٍ. يُقَالُ: إِنَّهُ لَفِي عَيْشٍ قَاهٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَقْهَى الرَّجُلُ مِنْ طَعَامٍ، إِذَا اجْتَوَاهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اجْتِوَائِهِ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرَتِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَمَلَّأَ عِنْدَهُ فَيَجْتَوِيَهُ. وَأَمَّا الْقَهْوَةُ فَالْخَمْرُ، قَالُوا: وَسُمِّيَتْ قَهْوَةً أَنَّهَا تُقْهِي عَنِ الطَّعَامِ; وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ.

(قَهَبَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ. يَقُولُونَ: الْقُهْبَةُ: بَيَاضٌ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ. وَالْقَهْبُ مِنْ وَلَدِ الْبَقَرَةِ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَذَا. وَالْقَهْبُ: الْجَبَلُ الْعَظِيمُ. وَالْأَقْهَبَانِ: الْفِيلُ وَالْجَامُوسُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ.

(5/34)


(قَهَدَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَهْدُ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْبَيَاضِ.

(قَهَرَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَلَبَةٍ وَعُلُوٍّ. يُقَالُ: قَهَرَهُ يَقْهَرُهُ قَهْرًا. وَالْقَاهِرُ: الْغَالِبُ. وَأُقْهِرَ الرَّجُلُ، إِذَا صُيِّرَ فِي حَالٍ يُذَلُّ فِيهَا. قَالَ:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يَسُودَ جَذَاعَهُ ... فَأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أَذَلَّ وَأَقْهَرَا
وَقُهِرَ، إِذَا غُلِبَ. وَمِنَ الْبَابِ: قُهِرَ اللَّحْمُ: طُبِخَ حَتَّى يَسِيلَ مَاؤُهُ. وَالْقَهْقَرُ: فِيمَا يُقَالُ: التَّيْسُ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَعَلَّهُ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَالْقَهْقَرُ: الْحَجَرُ الصُّلْبُ. وَلَيْسَ يَبْعُدُ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْبَابُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ: [رَجَعَ] الْقَهْقَرَى، إِذَا رَجَعَ إِلَى خَلْفِهِ.

(قَهَزَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَِهْزُ: ثِيَابٌ مِرْعِزَّى يُخَالِطُهَا حَرِيرٌ، وَبِهَا يُشَبَّهُ الشَّعْرُ اللَّيِّنُ. قَالَ:
مِنَ الْقَِهْزِ وَالْقُوهِيِّ.

(5/35)


(قَهَسَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَاتٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: جَاءَ يَتَقَهْوَسُ، إِذَا جَاءَ مُنْحَنِيًا يَضْطَرِبُ. وَهَذَا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ هَاؤُهُ زَائِدَةً، كَأَنَّهُ يَتَقَوَّسُ. وَيَقُولُونَ: الْقَهْوَسَةُ: السُّرْعَةُ. وَالْقَهْوَسُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ.

(قَهَلَ) الْقَافُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَشَفٍ وَسُوءِ حَالٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَهَلُ، وَهُوَ التَّقَشُّفُ. وَرَجُلٌ مُتَقَهِّلٌ: لَا يَتَعَهَّدُ جَسَدَهُ بِنَظَافَةٍ. وَمِنَ الْبَابِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ: الْقَهْلُ: كُفْرَانُ الْإِحْسَانِ وَاسْتِقْلَالُ النِّعْمَةِ. وَأَقْهَلَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ: دَنَّسَهَا بِمَا لَا يَعْنِيهِ. وَالتَّقَهُّلُ: شَكْوَى الْحَاجَةِ. قَالَ:
لَعْوًا مَتَّى لَاقَيْتَهُ تَقَهَّلَا
وَيَقُولُونَ: انْقَهَلَ، إِذَا سَقَطَ وَضَعُفَ. وَيَقُولُونَ: قَهَلْتُ الرَّجُلَ قَهْلًا، إِذَا أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ ثَنَاءً قَبِيحًا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا وَمَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ، يَقُولُونَ: الْقَيْهَلَةُ: الطَّلْعَةُ. يُقَالُ: حَيَّا اللَّهُ قَيْهَلَتَهُ. وَلَيْسَتْ بِكَلِمَةٍ عَذْبَةٍ.

[بَابُ الْقَافِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَوِيَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ مُتَبَايِنَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى شِدَّةٍ وَخِلَافِ ضَعْفٍ، وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَعَلَى قِلَّةِ خَيْرٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقُوَّةُ، وَالْقَوِيُّ: خِلَافُ الضَّعِيفِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنَ الْقُوَى،

(5/36)


وَهِيَ جَمْعُ قُوَّةٍ مِنْ قُوَى الْحَبْلِ. وَالْمُقْوِي: الَّذِي أَصْحَابُهُ وَإِبِلُهُ أَقْوِيَاءُ. وَالْمُقْوِي: الَّذِي يُقْوِي وَتَرَهُ، إِذَا لَمْ يُجِدْ إِغَارَتَهُ فَتَرَاكَبَتْ قُوَاهُ. وَرَجُلٌ شَدِيدُ الْقُوَى، أَيْ شَدِيدُ أَسْرِ الْخَلْقِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَقْوَى الرَّجُلُ فِي شِعْرِهِ، فَهُوَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عُرُوضِهِ قُوَّةً. كَقَوْلِهِ:
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... يَرْجُو النِّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْقَوَاءُ: الْأَرْضُ لَا أَهْلَ بِهَا. وَيُقَالُ: أَقْوَتِ الدَّارُ: خَلَتْ. وَأَقْوَى الْقَوْمُ: صَارُوا بِالْقَوَاءِ وَالْقِيِّ. وَيَقُولُونَ: بَاتَ فُلَانٌ الْقَوَاءَ وَبَاتَ الْقَفْرَ، إِذَا بَاتَ عَلَى غَيْرِ طُعْمٍ. وَالْمُقْوِي: الرَّجُلُ الَّذِي لَا زَادَ مَعَهُ. وَهُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِأَرْضٍ قِيٍّ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ كَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا: يَقُولُونَ: اشْتَرَى الشُّرَكَاءُ الشَّيْءَ ثُمَّ اقْتَوَوْهُ، إِذَا تَزَايَدُوهُ حَتَّى بَلَغَ غَايَةَ ثَمَنِهِ.

(قَوَبَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ شِبْهُ حَفْرٍ مُقَوَّرٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: قُبْتُ الْأَرْضَ أَقُوبُهَا قَوْبًا، وَكَذَلِكَ إِذَا حَفَرْتَ فِيهَا حُفْرَةً مُقَوَّرَةً. تَقُولُ: قُبْتُهَا فَانْقَابَتْ. وَقَوَّبْتُ الْأَرْضَ، إِذَا أَثَّرْتَ فِيهَا. وَتَقَوَّبَ الشَّيْءُ: انْقَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ. وَكَأَنَّ الْقُوَبَاءَ مِنْ هَذَا، وَهِيَ عَرَبِيَّةٌ، قَالَ:
يَا عَجَبًا لِهَذِهِ الْفَلِيقَهْ ... هَلْ تُذْهِبَنَّ الْقُوَبَاءَ الرِّيقَهْ

(5/37)


وَقَدْ تُسَكَّنُ وَاوُهَا فَيُقَالُ قُوبَاءُ. وَيَقُولُونَ: " تَخَلَّصَتْ قَائِبَةٌ مِنْ قُوَبٍ " أَيْ بَيْضَةٍ مِنْ فَرْخٍ; يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُفَارِقُ صَاحِبَهُ.

(قَوَتَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِمْسَاكٍ وَحِفْظٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85] ، أَيْ حَافِظًا لَهُ شَاهِدًا عَلَيْهِ، وَقَادِرًا عَلَى مَا أَرَادَ. وَقَالَ:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتَا
وَمِنَ الْبَابِ: الْقُوتُ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ; وَإِنَّمَا سُمِّيَ قُوتًا لِأَنَّهُ مِسَاكُ الْبَدَنِ وَقُوَّتُهُ. وَالْقَوْتُ: الْعَوْلُ. يُقَالُ: قُتُّهُ قَوْتًا، وَالِاسْمُ الْقُوتُ. وَيُقَالُ: اقْتَتْ لِنَارِكَ قِيتَةً، أَيْ أَطْعِمْهَا الْحَطَبَ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ وَأَحْيِهَا ... بِرُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرًا.

(قَوَدَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ فِي الشَّيْءِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ امْتِدَادًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَفِي الْهَوَاءِ. مِنْ ذَلِكَ الْقُودُ: جَمْعُ قَوْدَاءَ، وَهِيَ النَّاقَةُ الطَّوِيلَةُ الْعُنُقِ. وَالْقَوْدَاءُ: الثَّنِيَّةُ الطَّوِيلَةُ فِي السَّمَاءِ. وَأَفْرَاسٌ قُودٌ: طِوَالُ الْأَعْنَاقِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
قُودٌ بَرَاهَا [قِيَادُ الشُّعْبِ فَانْهَدَمَتْ ... تَدْمَى دَوَابِرُهَا مَحْذُوَّةً خَدَمَا]

(5/38)


وَيُفَرَّعُ مِنْ هَذَا فَيُقَالُ: قُدْتُ الْفَرَسَ قَوْدًا، وَذَلِكَ أَنْ تَمُدَّهُ إِلَيْكَ; وَهُوَ الْقِيَاسُ، ثُمَّ يُسَمُّونَ الْخَيْلَ قَوْدًا، فَيُقَالُ: مَرَّ بِنَا قَوْدٌ. وَفَرَسٌ قَؤُودٌ: سَلَسٌ مُنْقَادٌ. وَالْقَائِدُ مِنَ الْجَبَلِ: أَنْفُهُ. وَالْأَقْوَدُ مِنَ النَّاسِ: الَّذِي إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْءِ بِوَجْهِهِ لَمْ يَكَدْ يَنْصَرِفُ. وَالْقَوَدُ: قَتْلُ الْقَاتِلِ بِالْقَتِيلِ، وَسُمِّيَ قَوَدًا لِأَنَّهُ يُقَادُ إِلَيْهِ.

(قَوَرَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَارَةٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُقَوَّرُ. وَقُوَّارَةُ الْقَمِيصِ مَعْرُوفَةٌ. وَالْقُورُ: جَمْعُ قَارَةٍ، وَهِيَ الْأَكَمَةُ; وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُسْتَدِيرَةٌ. فَأَمَّا الدَّبَّةُ فَيَقُولُ نَاسٌ: إِنَّهَا تُسَمَّى الْقَارَةَ، وَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِقَارَةِ الْأَكَمِ. وَيَقُولُونَ: دَارٌ قَوْرَاءُ، وَهُوَ هَذَا الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا هَذَا مَوْضُوعٌ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مَسَاكِنُ الْعَرَبِ مِنْ خِيَمِهِمْ وَقُبَابِهِمْ. وَاقْوَرَّ الْجِلْدُ: تَشَانَّ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّهُ يَتَجَمَّعُ وَيَدُورُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: لَقِيتُ مِنْهُ الْأَقْوَرِينَ وَالْأَقْوَرِيَّاتِ، وَهِيَ الشَّدَائِدُ.

(قَوَزَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَوْزُ: الْكَثِيبُ، وَجَمْعُهُ أَقْوَازٌ وَقِيزَانٌ. قَالَ:

(5/39)


وَأُشْرِفُ بِالْقَوْزِ الْيَفَاعِ لَعَلَّنِي ... أَرَى نَارَ لَيْلَى أَوْ يَرَانِي بَصِيرُهَا.

(قَوَسَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُصْرَفُ فَتُقْلَبُ وَاوُهُ يَاءً، وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِهِ وَاحِدٌ. فَالْقَوْسُ: الذِّرَاعُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهَا الْمَذْرُوعُ. [وَبِهَا سُمِّيَتِ الْقَوْسُ] الَّتِي يُرْمَى عَنْهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَرَادَ: ذِرَاعَيْنِ. وَالْأَقْوَسُ: الْمُنْحَنِي الظَّهْرِ. وَقَدْ قَوَّسَ الشَّيْخُ، أَيِ انْحَنَى كَأَنَّهُ قَوْسٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَرَاهُنَّ لَا يُحْبِبْنَ مَنْ قَلَّ مَالُهُ ... وَلَا مَنْ رَأَيْنَ الشَّيْبَ مِنْهُ وَقَوَّسَا
وَتُقْلَبُ الْوَاوُ لِبَعْضِ الْعِلَلِ يَاءً فَيُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ قِيسُ رُمْحٍ، أَيْ قَدْرُهُ. وَمِنْهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَالْمِقْدَارُ مِقْيَاسٌ. تَقُولُ: قَايَسْتُ الْأَمْرَيْنِ مُقَايَسَةً وَقِيَاسًا. قَالَ:
يَخْزَى الْوَشِيظُ إِذَا قَالَ الصَّرِيحُ لَهُمْ ... عُدُّوا الْحَصَى ثُمَّ قِيسُوا بِالْمَقَايِيسِ
وَجَمْعُ الْقَوْسِ قِسِيٌّ، وَأَقْوَاسٌ، [وَقِيَاسٌ] . قَالَ:

(5/40)


وَوَتَّرَ الْأَسَاوِرُ الْقِيَاسَا
وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَوْسَ: السَّبْقُ، وَأَنَّ أَصْلَ الْقِيَاسِ مِنْهُ; يُقَالُ: قَاسَ بَنُو فُلَانٍ بَنِي فُلَانٍ، إِذَا سَبَقُوهُمْ، وَأَنْشَدَ:
لَعَمْرِي لَقَدْ قَاسَ الْجَمِيعَ أَبُوكُمُ ... فَهَلَّا تَقِيسُونَ الَّذِي كَانَ قَائِسًا
وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْوَاوُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَوْسُ: مَا يَبْقَى فِي الْجُلَّةِ مِنَ التَّمْرِ. وَالْقَوْسُ: نَجْمٌ. وَالْمِقْوَسُ: الْمَكَانُ تُجْرَى مِنْهُ الْخَيْلُ، يُمَدُّ فِي صُدُورِهَا بِذَلِكَ الْحَبْلِ لِتَتَسَاوَى، ثُمَّ تُرْسَلُ. فَأَمَّا الْقُوسُ فَصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ، وَمَا أَرَاهَا عَرَبِيَّةً، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الشِّعْرِ. قَالَ:
. . . . . . . . . . . . كَأَنَّهَا ... عَصَا قَسِّ قُوسٍ لِينُهَا وَاعْتِدَالُهَا
وَقَالَ جَرِيرٌ:
. . . . . . . . . وَلَوْ وَقَفَتْ ... لَاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوسِ.

(قَوَضَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَقْضِ بِنَاءٍ. يُقَالُ: قَوَّضْتُ الْبِنَاءَ: نَقَضْتُهُ مِنْ غَيْرِ هَدْمٍ. وَتَقَوَّضَتِ الصُّفُوفُ: انْتَقَضَتْ.

(قَوَطَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَوْطُ: الْيَسِيرُ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْجَمْعُ أَقْوَاطٌ.

(5/41)


(قَوَعَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَبَسُّطٍ فِي مَكَانٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَاعُ: الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ. وَالْأَلِفُ فِي الْأَصْلِ وَاوٌ، يُقَالُ فِي التَّصْغِيرِ قُوَيْعٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَوْعُ: الْمِسْطَحُ الَّذِي يُبْسَطُ فِيهِ التَّمْرُ، وَالْجَمْعُ أَقْوَاعٌ. فَأَمَّا الْقَوْعُ، وَهُوَ ضِرَابُ الْفَحْلِ النَّاقَةَ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْمَقْلُوبِ. وَأَصْلُهُ قَعْوٌ; وَقَدْ ذُكِرَ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقُوَاعَ: الذَّكَرُ مِنَ الْأَرَانِبِ.

(قَوَفَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ وَلَيْسَتْ أَصْلًا. يَقُولُونَ: هُوَ يَقُوفُ الْأَثَرَ وَيَقْتَافُهُ بِمَعْنَى يَقْفُو. وَيَقُولُونَ: أَخَذَ بِقُوفَةِ قَفَاهُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُتَدَلِّي فِي نُقْرَةِ الْقَفَا.

(قَوَقَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ، يَقُولُونَ: الْقُوقُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ.

(قَوَلَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَقِلُّ كَلِمُهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ مِنَ النُّطْقِ. يُقَالُ: قَالَ يَقُولُ قَوْلًا. وَالْمِقْوَلُ: اللِّسَانُ. وَرَجُلٌ قُوَلَةٌ وَقَوَّالٌ: كَثِيرُ الْقَوْلِ. وَأَمَّا أَقْوَالُ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/42)


(قَوَمَ) الْقَافُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى جَمَاعَةِ نَاسٍ، وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ فِي غَيْرِهِمْ. وَالْآخَرُ عَلَى انْتِصَابٍ أَوْ عَزْمٍ.
فَالْأَوَّلُ: الْقَوْمُ، يَقُولُونَ: جَمْعُ امْرِئٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلرِّجَالِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [الْحُجُرَاتِ 11] ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
وَيَقُولُونَ: قَوْمٌ وَأَقْوَامٌ، وَأَقَاوِمُ جَمْعُ جَمْعٍ. وَأَمَّا الِاسْتِعَارَةُ فَقَوْلُ الْقَائِلِ:
إِذَا أَقْبَلَ الدِّيْكُ يَدْعُو بَعْضَ أُسْرَتِهِ ... عِنْدَ الصَّبَاحِ وَهُوَ قَوْمٌ مَعَازِيلُ
فَجَمَعَ وَسَمَّاهَا قَوْمًا.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ: قَامَ قِيَامًا، وَالْقَوْمَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، إِذَا انْتَصَبَ. وَيَكُونُ قَامَ بِمَعْنَى الْعَزِيمَةِ، كَمَا يُقَالُ: قَامَ بِهَذَا الْأَمْرِ، إِذَا اعْتَنَقَهُ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِي الْأَوَّلِ: قِيَامُ حَتْمٍ، وَفِي الْآخِرِ: قِيَامُ عَزْمٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَوَّمْتُ الشَّيْءَ تَقْوِيمًا. وَأَصْلُ الْقِيمَةِ الْوَاوُ، وَأَصْلُهُ أَنَّكَ تُقِيمُ هَذَا مَكَانَ ذَاكَ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: اسْتَقَمْتُ الْمَتَاعَ، أَيْ قَوَّمْتُهُ. وَمِنَ الْبَابِ: هَذَا قِوَامُ الدِّينِ وَالْحَقِّ، أَيْ بِهِ يَقُومُ. وَأَمَّا الْقَوَامُ فَالطُّولُ الْحَسَنُ. وَالْقُومِيَّةُ: الْقَوَامُ وَالْقَامَةُ. قَالَ:

(5/43)


أَيَّامَ كُنْتُ حَسَنَ الْقُومِيَّهْ.

[بَابُ الْقَافِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَيَأَ) الْقَافُ وَالْيَاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. قَاءَ يَقِيءُ قَيْئًا، وَاسْتَقَاءَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْقَيْءِ. وَيَقُولُونَ لِلثَّوْبِ الْمُشْبَعِ الصِّبْغِ: هُوَ يَقِيءُ الصِّبْغَ.

(قَيَحَ) الْقَافُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ. قَاحَ [الْجُرْحُ] يَقِيحُ، وَهُوَ مِدَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ.

(قَيَدَ) الْقَافُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَيْدُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُحْبَسُ. يُقَالُ: قَيَّدْتُهُ أُقَيِّدُهُ تَقْيِيدًا. وَيُقَالُ: فَرَسٌ قَيْدُ الْأَوَابِدِ، أَيْ فَكَأَنَّ الْوَحْشَ مِنْ سُرْعَةِ إِدْرَاكِهِ لَهَا مُقَيَّدَةٌ. قَالَ:
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكْنَاتِهَا ... بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ
وَالْمُقَيَّدُ: مَوْضِعُ الْقَيْدِ مِنَ الْفَرَسِ.

(قَيَلَ) الْقَافُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ أَصْلُ كَلِمِهِ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا كُتِبَ هَاهُنَا لِلَّفْظِ. فَالْقَيْلُ: الْمَلِكُ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرٍ، وَجَمْعُهُ أَقْيَالٌ. وَمَنْ جَمَعَهُ عَلَى الْأَقْوَالِ فَوَاحِدُهُمْ قَيَّلٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وَالْقِيلُ وَالْقَالُ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُمَا اسْمَانِ لَا مَصْدَرَانِ. وَاقْتَالَ عَلَى فُلَانٍ ; إِذَا تَحَكَّمَ. وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالْمَلِكِ الَّذِي هُوَ قَيْلٌ. قَالَ:

(5/44)


وَمَاءُ سَمَاءٍ كَانَ غَيْرَ مَحَمَّةٍ ... وَمَا اقْتَالَ فِي حُكْمٍ عَلَيَّ طَبِيبُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْقَيْلُ: شُرْبُ نِصْفِ النَّهَارِ. وَالْقَائِلَةُ: نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ. وَقَوْلُهُمْ: تَقَيَّلَ فُلَانٌ أَبَاهُ: أَشْبَهَهُ، إِنَّمَا الْأَصْلُ تَقَيَّضَ، وَاللَّامُ مُبْدَلَةٌ مِنْ ضَادٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا كَانَا فِي الشَّبَهِ قَيْضَيْنِ.

(قَيَنَ) الْقَافُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِصْلَاحٍ وَتَزْيِينٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَيْنُ: الْحَدَّادُ، لِأَنَّهُ يُصْلِحُ الْأَشْيَاءَ وَيَلُمُّهَا; وَجَمْعُهُ قُيُونٌ. وَقِنْتُ الشَّيْءَ أَقِينُهُ قَيْنًا: لَمَمْتُهُ. قَالَ:
وَلِي كَبِدٌ مَقْرُوحَةٌ قَدْ بَدَا بِهَا ... صُدُوعُ الْهَوَى لَوْ كَانَ قَيْنٌ يَقِينُهَا
وَيَقُولُونَ: التَّقْيينُ: التَّزْيِينُ. وَاقْتَانَتِ الرَّوْضَةُ: أَخَذَتْ زُخْرُفَهَا. وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مُقَيِّنَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُزَيِّنُ النِّسَاءَ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَيْنَةَ: الْأَمَةُ، مُغَنِّيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَدُّ لِلْغِنَاءِ. وَهَذَا جَيِّدٌ. وَالْقَيْنُ: الْعَبْدُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَيْنُ: عَظْمُ السَّاقِ، وَهُمَا قَيْنَانِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَيْنَيْهِ وَانْحَسَرَتْ عَنْهُ الْأَنَاعِيمُ.

(5/45)


[بَابُ الْقَافِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
وَالْأَلِفُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ، وَرُبَّمَا كَانَتْ هَمْزَةً.

(قَابَ) الْقَافُ وَالْأَلِفُ وَالْبَاءُ. الْقَابُ: الْقَدْرُ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الْكَلِمَةَ فِيهَا مَعْنَيَانِ: إِبْدَالٌ، وَقَلْبٌ. فَأَمَّا الْإِبْدَالُ فَالْبَاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ دَالٍ، وَالْأَلِفُ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ يَاءٍ، وَالْأَصْلُ الْقِيدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] . وَيُقَالُ: الْقَابُ: مَا بَيْنَ الْمَقْبِضِ وَالسِّيَةِ. وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابَانِ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَكِنَّهُ مَهْمُوزٌ، قَوْلُهُمْ: قَئِبَ مِنَ الشَّرَابِ، إِذَا امْتَلَأَ.

(قَاقَ) الْقَافُ وَالْأَلِفُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَاقُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ.

(قَامَ) الْقَافُ وَالْأَلِفُ وَالْمِيمُ قَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي جَمِيعِهِ الْوَاوُ. وَالْقَامَةُ: الْبَكَرَةُ بِأَدَاتِهَا. قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهَا لَاقَامَهْ ... وَأَنَّنِي مُوفٍ عَلَى السَّآمَهْ
نَزَعْتُ نَزْعًا زَعْزَعَ الدِّعَامَهُ.

(قَاهَ) الْقَافُ وَالْأَلِفُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَاهُ: الطَّاعَةُ وَالْجَاهُ. وَيُنْشِدُونَ:
لَمَا رَأَيْنَا لِأَمِيرٍ قَاهَا.

(5/46)


[بَابُ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا) ]
(قَبَحَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحُسْنِ، وَهُوَ الْقُبْحُ. يُقَالُ قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَهَذَا مَقْبُوحٌ وَقَبِيحٌ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَبَّحَهُ: نَحَّاهُ وَأَبْعَدَهُ. [وَمِنْهُ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ. وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْأَصْلِ وَأَحْسَبُهُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَهَبَ مَنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، قَوْلُهُمْ كِسْرُ قَبِيحٍ، وَهُوَ عَظْمُ السَّاعِدِ، النِّصْفُ الَّذِي يَلِي الْمِرْفَقَ. قَالَ:
لَوْ كُنْتَ عَيْرًا كُنْتَ عَيْرَ مَذَلَّةٍ ... وَلَوْ كُنْتَ كِسْرًا كُنْتَ كِسْرَ قَبِيحِ.

(قَبَرَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غُمُوضٍ فِي شَيْءٍ وَتَطَامُنٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَبْرُ: قَبْرُ الْمَيِّتِ. يُقَالُ قَبَرْتُهُ أَقْبُرُهُ. قَالَ الْأَعْشَى:
لَوْ أَسْنَدَتْ مَيِّتًا إِلَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ
فَإِنْ جَعَلْتَ لَهُ مَكَانًا يُقْبَرُ فِيهِ قُلْتَ: أَقْبَرْتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثُمَّ {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] . قُلْنَا: وَلَوْلَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ تَجَوَّزُوا فِي هَذَا لَمَا رَأَيْنَا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ وَبَيْنَ الشِّعْرِ فِي كِتَابٍ، فَكَيْفَ فِي وَرَقَةٍ أَوْ صَفْحَةٍ. وَلَكُنَّا اقْتَدَيْنَا بِهِمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَنَا، وَيَعْفُو عَنَّا وَعَنْهُمْ.
وَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] . أُلْهِمَ كَيْفَ

(5/47)


يُدْفَنُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَرْضٌ قَبُورٌ: غَامِضَةٌ. وَنَخْلَةٌ قَبُورٌ [وَكَبُوسٌ] : يَكُونُ حَمْلُهَا فِي سَعَفِهَا. وَمَكَانُ الْقُبُورِ مَقْبَرَةٌ وَمَقْبُرَةٌ.

(قَبَسَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ النَّارِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. مِنْ ذَلِكَ الْقَبَسُ: شُعْلَةُ النَّارِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: 10] . وَيَقُولُونَ: أَقْبَسْتُ الرَّجُلَ عِلْمًا، وَقَبَسْتُهُ نَارًا. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَبَسْتُ مِنْ فُلَانٍ نَارًا، وَاقْتَبَسْتُ مِنْهُ عِلْمًا، وَأَقْبَسَنِي قَبَسًا.
وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمْ: فَحْلٌ قَبِيسٌ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ سَرِيعَ الْإِلْقَاحِ، كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِشُعْلَةِ النَّارِ. قَالَ:
فَأُمٌّ لَِقْوَةٌ وَأَبٌ قَبِيسُ
فَأَمَّا الْقِبْسُ فَيُقَالُ إِنَّهُ الْأَصْلُ.

(قَبَصَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالصَّادُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى تَجَمُّعٍ.

(5/48)


فَالْأَوَّلُ الْقَبَصُ، وَهُوَ الْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ. وَالْقَبُوصُ: الَّذِي إِذَا جَرَى لَمْ يُصِبِ الْأَرْضَ مِنْهُ إِلَّا أَطْرَافُ سَنَابِكِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْقَبْصُ، وَهُوَ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ خِفَّةٍ وَعَجَلَةٍ. وَقُرِئَتْ: فَقَبَصْتُ قَبْصَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، بِالصَّادِ. وَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ قَبْصَةٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقِبْصُ، وَهُوَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ. قَالَ:
لَكُمْ مَسْجِدَا اللَّهِ الْمَزُورَانِ وَالْحَصَى ... لَكُمْ
قِبْصُهُ مِنْ بَيْنِ أَثْرَى وَأَقْتَرَا
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْقَبَصُ فِي الرَّأْسِ: الضَّخْمُ، وَيُقَالُ مِنْهُ هَامَةٌ قَبْصَاءُ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ: [
قَبْصَاءَ لَمْ تُفْطَحْ وَلَمْ تُكَتَّلِ
] وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: الْقَبْصُ، وَهُوَ وَجَعٌ عَنْ أَكْلِ الزَّبِيبِ. قَالَ:
أَرْفِقَةٌ تَشْكُو الْجُحَافَ وَالْقَبَصْ.

(5/49)


(قَبَضَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مَأْخُوذٍ، وَتَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ.
تَقُولُ: قَبَضْتُ الشَّيْءَ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ قَبْضًا. وَمَقْبِضُ السَّيْفِ وَمَقْبَضُهُ: حَيْثُ تَقْبِضُ عَلَيْهِ. وَالْقَبَضُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ: مَا جُمِعَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَحُصِّلَ. يُقَالُ: اطْرَحْ هَذَا فِي الْقَبَضِ، أَيْ فِي سَائِرِ مَا قُبِضَ مِنَ الْمَغْنَمِ. وَأَمَّا الْقَبْضُ الَّذِي هُوَ الْإِسْرَاعُ، فَمِنْ هَذَا أَيْضًا، لِأَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ جَمَعَ نَفْسَهُ وَأَطْرَافَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ} [الملك: 19] ، قَالُوا: يُسْرِعْنَ فِي الطَّيَرَانِ. وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَاعٍ قُبَضَةٌ، إِذَا كَانَ لَا يَتَفَسَّحُ فِي مَرْعَى غَنَمِهِ. يُقَالُ: هُوَ قُبَضَةٌ رُفَضَةٌ، أَيْ يَقْبِضُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَكَانَ يَؤُمُّهُ رَفَضَهَا. وَيَقُولُونَ لِلسَّائِقِ الْعَنِيفِ: قَبَّاضَةٌ وَقَابِضٌ. قَالَ رُؤْبَةُ:
قَبَّاضَةٌ بَيْنَ الْعَنِيفِ وَاللَّبِقْ
وَمِنَ الْبَابِ: انْقَبَضَ عَنِ الْأَمْرِ وَتَقَبَّضَ، إِذَا اشْمَأَزَّ.

(قَبَطَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَبْطُ: جَمْعُكَ الشَّيْءَ بِيَدِكَ. يُقَالُ: قَبَطْتُهُ أَقْبِطُهُ قَبْطًا. قَالَ: وَبِهِ سُمِّيَ الْقُبَّاطُ، هَذَا النَّاطِفُ، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ.

(5/50)


وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْقِبْطُ: أَهْلُ مِصْرَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمْ قِبْطِيٌّ، وَالثِّيَابُ الْقُبْطِيَّةُ لَعَلَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّ الْقَافَ ضُمَّتْ لِلْفَرْقِ. قَالَ زُهَيْرٌ:
لَيَأْتِيَنَّكَ مِنِّي مَنْطِقٌ قَذَعٌ ... بَاقٍ كَمَا دَنَّسَ الْقُبْطِيَّةَ الْوَدَكُ
وَتُجْمَعُ قَبَاطِيٌّ.

(قَبَعَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شُبَهِ أَنْ يَخْتَبِئَ الْإِنْسَانُ أَوْ غَيْرُهُ. يُقَالُ: [قَبَعَ] الْخِنْزِيرُ وَالْقُنْفُذُ، إِذَا أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي عُنُقِهِ، قَبْعًا. وَجَارِيَةٌ قُبَعَةٌ طُلَعَةٌ، إِذَا تَخَبَّأَتْ تَارَةً وَتَطَلَّعَتْ تَارَةً. وَالْقُبَعَةُ: خِرْقَةٌ كَالْبُرْنُسِ، تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ: الْقُنْبُعَةُ. وَالْقُبَاعُ: مِكْيَالٌ وَاسِعٌ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ قُبَاعًا لِمَا يَقْبَعُ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ. وَقَبَعَ الرَّجُلُ: أَعْيَا وَانْبَهَرَ. وَسُمِّيَ قَابِعًا لِأَنَّهُ يَتَقَبَّضُ عِنْدَ إِعْيَائِهِ عَنِ الْحَرَكَةِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ، وَهِيَ الَّتِي عَلَى طَرَفِ قَائِمِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ فِضَّةٍ.

(قَبَلَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ تَدُلُّ كَلِمُهُ كُلُّهَا عَلَى مُوَاجَهَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ، وَيَتَفَرَّعُ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَالْقُبُلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: خِلَافُ دُبُرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُقَدَّمَهُ يُقْبِلُ عَلَى الشَّيْءِ. وَالْقَبِيلُ: مَا أَقْبَلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ غَزْلِهَا حِينَ تَفْتِلُهُ. وَالدَّبِيرُ: مَا أَدْبَرَتْ بِهِ. وَذَلِكَ

(5/51)


مَعْنَى قَوْلِهِمْ: " مَا يَعْرِفُ قَبِيلًا مِنْ دَبِيرٍ ". وَالْقِبْلَةُ سُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا فِي صَلَاتِهِمْ، وَهِيَ مُقْبِلَةٌ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. وَيُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ قِبَلًا، أَيْ مُوَاجَهَةً. وَهَذَا مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ، أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَقْبَلَ بِهِ عَلَيْكَ. وَالْقِبَالُ: زِمَامُ الْبَعِيرِ وَالنَّعْلِ. وَقَابَلْتُهَا: جَعَلْتُ لَهَا قِبَالَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ.
وَشَاةٌ مُقَابَلَةٌ: قُطِعَتْ مِنْ أُذُنِهَا قِطْعَةٌ لَمْ تَبِنْ وَتُرِكَتْ مُعَلَّقَةً مِنْ قُدُمٍ. [فَإِنْ كَانَتْ] مِنْ أُخُرٍ فَهِيَ مُدَابَرَةٌ. وَالْقَابِلَةُ: اللَّيْلَةُ الْمُقْبِلَةُ. وَالْعَامُ الْقَابِلُ: الْمُقْبِلُ. وَلَا يُقَالُ مِنْهُ فَعَلَ. وَالْقَابِلَةُ: الَّتِي تُقَبِّلُ الْوَلَدَ عِنْدَ الْوِلَادِ. وَالْقَبُولُ مِنَ الرِّيَاحِ: الصَّبَا، لِأَنَّهَا تُقَابِلُ الدَّبُّورَ أَوِ الْبَيْتَ. وَقَبِلْتُ الشَّيْءَ قَبُولًا. وَالْقَبَلُ فِي الْعَيْنِ: إِقْبَالُ السَّوَادِ عَلَى الْمَحْجِرِ، وَيُقَالُ بَلْ هُوَ إِقْبَالُهُ عَلَى الْأَنْفِ. وَالْقَبَلُ: النَّشَْزُ مِنَ الْأَرْضِ يَسْتَقْبِلُكَ. تَقُولُ: رَأَيْتُ بِذَلِكَ الْقَبَلِ شَخْصًا. وَالْقَبِيلُ: الْكَفِيلُ; يُقَالُ قَبِلَ بِهِ قَبَالَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَى الشَّيْءِ يَضْمَنُهُ. وَافْعَلْ ذَلِكَ إِلَى عَشْرٍ مِنْ ذِي قَبَلٍ، أَيْ فِيمَا يُسْتَأْنَفُ مِنَ الزَّمَانِ. وَيُقَالُ: أَقْبَلْنَا عَلَى الْإِبِلِ، إِذَا اسْتَقَيْنَا عَلَى رُؤُوسِهَا وَهِيَ تَشْرَبُ. [وَ] ذَلِكَ هُوَ الْقَبَلُ. وَفُلَانٌ مُقْتَبَلُ الشَّبَابِ: لَمْ يَبِنْ فِيهِ أَثَرُ كِبَرٍ وَلَمْ يُوَلَّ شَبَابُهُ. وَقَالَ:

(5/52)


لَيْسَ بِعَلٍّ كَبِيرٍ لَا شَبَابَ بِهِ ... لَكِنْ أُثَيْلَةُ صَافِي اللَّوْنِ مُقْتَبَلُ
وَالْقَابِلُ: الَّذِي يَقْبَلُ دَلْوَ السَّانِيَةِ. قَالَ:
وَقَابِلٌ يَتَغَنَّى كُلَّمَا قَبَّضَتْ ... عَلَى الْعِرَاقِيِّ يَدَاهُ قَائِمًا دَفَقَا
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَبَلَةُ: [خَرَزَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْفَلْكَةِ تُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِ الْخَيْلِ] ، وَيُقَالُ الْقَبَلَةُ: شَيْءٌ تَتَّخِذُهُ السَّاحِرَةُ تُقْبِلُ بِوَجْهِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْآخَرِ. وَقَبَائِلُ الرَّأْسِ: شُعَبُهُ الَّتِي تَصِلُ بَيْنَهَا الشُّؤُونَ; وَسُمِّيَتْ ذَلِكَ لِإِقْبَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى الْأُخْرَى; وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ. وَقَبِيلُ الْقَوْمِ: عَرِيفُهُمْ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِمْ يَتَعَرَّفُ أُمُورَهُمْ. قَالَ:
أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ ... بَعَثُوا إِلَيَّ قَبِيلَهُمْ يَتَوَسَّمُ
وَنَحْنُ فِي قَبَالَةِ فُلَانٍ، أَيْ عِرَافَتِهِ، وَمَا لِفُلَانٍ قِبْلَةٌ، أَيْ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا وَيُقْبِلُ عَلَيْهَا. وَيَقُولُونَ: الْقَبِيلُ: جَمَاعَةٌ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَالْقَبِيلَةُ: بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا عِنْدَنَا قَدْ قِيلَ، وَقَدْ يُقَالُ لِبَنِي أَبٍ وَاحِدٍ قُبَيْلٌ. قَالَ لَبِيَدٌ:

(5/53)


وَقَبِيلٌ مِنْ عُقَيْلٍ صَادِقٌ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا قِبَلَ لِي بِهِ، أَيْ لَا طَاقَةَ، فَهُوَ مِنَ الْبَابِ، أَيْ لَيْسَ هُوَ كَمَا يُمْكِنُنِي الْإِقْبَالُ. فَأَمَّا قَبْلُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ بَعْدَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ يُتَمَحَّلُ لَهُ بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُقْبِلٌ عَلَى الزَّمَانِ. وَهُوَ عِنْدَنَا إِلَى الشُّذُوذِ أَقْرَبُ.

(قَبَنَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالنُّونُ. يَقُولُونَ: قَبَنَ فِي الْأَرْضِ: ذَهَبَ. وَحِمَارٌ قَبَّانٌ: دُوَيْبَّةٌ.

(قَبَوَ) الْقَافُ وَالْبَاءُ وَالْوَاوُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ، تَدُلُّ عَلَى ضَمٍّ وَجَمْعٍ. يُقَالُ: قَبَوْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ وَضَمَمْتُهُ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الرَّفْعَ فِي الْحَرَكَاتِ قَبْوًا. وَهَذَا حَرْفٌ مَقْبُوٌّ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَبَاءَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى نَفْسِهِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَتَدَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَلِمَتَانِ: الْقَتَدُ: خَشَبُ الرَّحْلِ، وَجَمْعُهُ أَقْتَادٌ وَقُتُودٌ. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْقَتَادُ: ضَرْبٌ مِنَ الْعِضَاهِ

(5/54)


لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا. وَيَقُولُونَ: قَتَائِدُ: مَكَانٌ.

(قَتَرَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجْمِيعٍ وَتَضْيِيقٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقُتْرَةُ: بَيْتُ الصَّائِدِ; وَسُمِّيَ قُتْرَةً لِضِيقِهِ وَتَجَمُّعِ الصَّائِدِ فِيهِ; وَالْجَمْعُ قُتَرٌ. وَالْإِقْتَارُ: التَّضْيِيقُ. يُقَالُ: قَتَرَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَقْتُرُ، وَأَقْتَرَ وَقَتَّرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالذَّينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا. وَمِنَ الْبَابِ: الْقَتَرُ: مَا يَغْشَى الْوَجْهَ مِنْ كَرْبٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يونس: 26] [يُونُسَ 26] . وَالْقَتَرُ: الْغُبَارُ. وَالْقَاتِرُ مِنَ الرِّحَالِ: الْحَسَنُ الْوُقُوعِ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ وُقُوعًا حَسَنًا ضُمَّ السَّنَامُ. فَأَمَّا الْقُتَارُ فَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ صَيَّادَ الْأَسَدِ كَانَ يُقَتِّرُ فِي قُتْرَتِهِ بِلَحْمٍ يَجِدُ الْأَسَدُ رِيحَهُ فَيُقْبِلُ إِلَى الزُّبْيَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ رِيحُ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ كَيْفَ كَانَ قُتَارًا. قَالَ طَرَفَةُ:
وَتَنَادَى الْقَوْمُ فِي نَادِيهِمُ ... أَقُتَارٌ ذَاكَ أَمْ رِيحُ قُطُرْ
وَقَتَّرَتْ لِلْأَسَدِ، إِذَا وَضَعْتَ لَهُ لَحْمًا يَجِدُ قُتَارَهُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَتَرَ اللَّحْمُ. يَقْتُرُ: ارْتَفَعَ دُخَانُهُ، وَهُوَ قَاتِرٌ. وَمِنَ الْبَابِ الْقَتِيرُ، وَهُوَ رُؤُوسُ الْحَلَقِ فِي السَّرْدِ. وَالشَّيْبُ يُسَمَّى قَتِيرًا تَشْبِيهًا بِرُؤُوسِ الْمَسَامِيرِ فِي الْبَيَاضِ وَالْإِضَاءَةِ. وَأَمَّا الْقُتْرُ فَالْجَانِبُ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَهُوَ الْقُطْرُ، وَقَدْ ذُكِرَ.

(5/55)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: ابْنُ قِتْرَةَ: حَيَّةٌ خَبِيثَةٌ، إِلَى الصِّغَرِ مَا هُوَ. كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. قَالَ: كَأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ بِالسَّهْمِ الَّذِي لَا حَدِيدَةَ فِيهِ، يُقَالُ لَهُ قِتْرَةُ، وَالْجَمْعُ قِتْرٌ.

(قَتَعَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: إِنَّ الْقَتَعَ. دُودٌ حُمْرٌ يَأْكُلُ الْخَشَبَ، وَاحِدَتُهَا قَتَعَةٌ قَالَ: خُشْبٌ تَقَصَّعُ فِي أَجْوَافِهَا الْقَتَعُ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ: قَتَعَ الرَّجُلُ قُتُوعًا، إِذَا انْقَمَعَ مِنْ ذُلٍّ.

(قَتَلَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِذْلَالٍ وَإِمَاتَةٍ. يُقَالُ: قَتَلَهُ قَتْلًا. وَالْقِتْلَةُ: الْحَالُ يُقْتَلُ عَلَيْهَا. يُقَالُ قَتَلَهُ قِتْلَةَ سُوءٍ. وَالْقَتْلَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَمَقَاتِلُ الْإِنْسَانِ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي إِذَا أُصِيبَتْ قَتَلَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ: قَتَلْتُ الشَّيْءَ خُبْرًا وَعِلْمًا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157] . [وَيُقَالُ: تَقَتَّلَتِ الْجَارِيَةُ لِلرَّجُلِ حَتَّى عَشِقَهَا، كَأَنَّهَا خَضَعَتْ لَهُ. قَالَ] :
تَقَتَّلَتْ لِي حَتَّى إِذَا مَا قَتَلْتِنِي ... تَنَسَّكْتِ، مَا هَذَا بِفِعْلِ النَّوَّاسِكِ

(5/56)


وَأَقْتَلْتُ فُلَانًا: عَرَّضْتُهُ لِلْقَتْلِ. وَقَلْبٌ مُقَتَّلٌ، إِذَا قَتَلَهُ الْعِشْقُ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكَ إِلَّا لِتَضْرِبِي ... بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قُتِلَ الرَّجُلُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عِشْقٍ قِيلَ: اقْتُتِلَ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَتَلَهُ الْجِنُّ: قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا مَا امْرُؤٌ حَاوَلْنَ أَنْ يَقْتَتِلْنَهُ ... بِلَا إِحْنَةٍ بَيْنَ النُّفُوسِ وَلَا ذَحْلِ
وَقُتِلَتِ الْخَمْرُ بِالْمَاءِ، إِذَا مُزِجَتْ; وَهَذِهِ مِنْ حُسْنِ الِاسْتِعَارَةِ. قَالَ:
إِنَّ الَّتِي عَاطَيْتِنِي فَرَدَدْتُهَا ... قُتِلَتْ قُتِلْتَ فَهَاتِهَا لَمْ تُقْتَلِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ بِلُطْفِ نَظَرٍ: الْقِتْلُ: الْعَدُوُّ، وَجَمْعُهُ أَقْتَالٌ. قَالَ:
وَاغْتِرَابِي عَنْ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ... فِي بِلَادٍ كَثِيرَةِ الْأَقْتَالِ
وَوَجْهُ قِيَاسِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْقِتْلَ هُوَ الَّذِي يُقَاتِلُ كَالسِّبِّ الَّذِي [يُسَابُّ] . وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ. وَقَوْلُهُمْ: هُمَا قِتْلَانِ، أَيْ مَثَلَانِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا. فَأَمَّا الْقَتَالُ فَيُقَالُ هِيَ النَّفْسُ، يُقَالُ: نَاقَةٌ ذَاتُ قَتَالٍ، إِذَا كَانَتْ وَثِيقَةً. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا إِبْدَالٌ، وَالْأَصْلُ الْكَتَالُ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعِ الْجِسْمِ، يُقَالُ: تَكَتَّلَ الشَّيْءُ، إِذَا تَجَمَّعَ. وَهَذَا وَجْهٌ جَيِّدٌ.

(5/57)


(قَتَمَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غُبْرَةٍ وَسَوَادٍ. وَكُلُّ لَوْنٍ يَعْلُوهُ سَوَادٌ فَهُوَ أَقْتَمُ. وَيُقَالُ: الْقَتَامُ: الْغُبَارُ الْأَسْوَدُ، وَمِنْهُ بَازٌ أَقْتَمُ الرِّيشِ. وَمَكَانٌ قَاتِمٌ، مُغْبَرٌّ مُظْلِمُ النَّوَاحِي. قَالَ رُؤْبَةُ:
وَقَاتِمُ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْ.

(قَتَنَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ. يَقُولُونَ. الْقَتِينُ: الْمَرْأَةُ الْقَلِيلَةُ الطُّعْمِ، وَقَدْ قَتُنَتْ قَتَانَةً. قَالَ الشَّمَّاخُ:
وَقَدْ عَرِقَتْ مَغَابِنُهَا فَجَادَتْ ... بِدِرَّتِهَا قِرَى جَحِنٍ قَتِينِ
أَرَادَ بِهِ الْقُرَادَ الْقَلِيلَ الدَّمِ.

(قَتَوَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالْوَاوُ. يَقُولُونَ: الْقَتْوُ: حُسْنُ الْخِدْمَةِ. وَفُلَانٌ يَقْتُو الْمُلُوكَ: يَخْدِمُهُمْ. قَالَ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لَا ... أُحْسِنُ قَتْوَ الْمُلُوكِ وَالْخَبَبَا
فَأَمَّا الْمُقْتَوِيُّ وَالْمَقْتَوِينُ. . . . .

(5/58)


(قَتَبَ) الْقَافُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى آلَةٍ مِنْ آلَاتِ الرِّحَالِ أَوْ غَيْرِهَا. فَالْقَتَبُ لِلْجَمَلِ مَعْرُوفٌ. وَيُقَالُ لِلْإِبِلِ تُوضَعُ عَلَيْهَا أَحْمَالُهَا: قَتُوبَةٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: [الْقَتَبُ] : قَتَبَ الْبَعِيرُ، إِذَا كَانَ مِمَّا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ آلَةِ السَّانِيَةِ فَهُوَ قِتْبٌ بِكَسْرِ الْقَافِ. وَأَمَّا الْأَقْتَابُ فَهِيَ الْأَمْعَاءُ، وَاحِدُهَا قَتْبٌ، وَتَصْغِيرُهَا قُتَيْبَةٌ، وَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِأَقْتَابِ الرِّحَالِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَثَدَ) الْقَافُ وَالثَّاءُ وَالدَّالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ يُقَالُ: الْقَثَدُ: نَبْتٌ.

(قَثَمَ) الْقَافُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَإِعْطَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: قَثَمَ مِنْ مَالِهِ، إِذَا أَعْطَاهُ. وَرَجُلٌ قُثَمٌ: مِعْطَاءٌ. وَالْقَثُومُ: الرَّجُلُ الْجَمُوعُ لِلْخَيْرِ. قَالَ:
فَلِلْكُبَرَاءِ أَكْلٌ كَيْفَ شَاؤُوا ... وَلِلصُّغَرَاءِ أَكْلٌ وَاقْتِثَامُ.

(قَثَا) الْقَافُ وَالثَّاءُ وَالْأَلِفُ الْمَمْدُودَةُ. الْقِثَّاءُ مَعْرُوفٌ.

(5/59)


[بَابُ الْقَافِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَحَدَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الْقَحَدَةُ: أَصْلُ السَّنَامِ، وَالْجَمْعُ قِحَادٌ. وَنَاقَةٌ مِقْحَادٌ: ضَخْمَةُ السَّنَامِ.

(قَحَرَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَحْرُ، يُقَالُ إِنَّهُ الْفَحْلُ الْمُسِنُّ عَلَى بَقِيَّةٍ فِيهِ وَجَلَدٍ. وَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ. وَالْقُحَارِيَةُ مِثْلُ الْقَحْرِ. وَامْرَأَةٌ قَحْرَةٌ: مُسِنَّةٌ.

(قَحَزَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَلَقٍ أَوْ إِقْلَاقٍ وَإِزْعَاجٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَحْزُ، وَهُوَ الْوَثَبَانُ وَالْقَلَقُ. وَالْقَاحِزَاتُ: الشَّدَائِدُ الْمُزْعِجَاتُ مِنَ الْأُمُورِ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقَحْزُ: أَنْ يَرْمِيَ الرَّامِي السَّهْمَ فَيَسْقُطَ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَحَزَ السَّهْمُ قَحْزًا. قَالَ:
إِذَا تَنَزَّى قَاحِزَاتُ الْقَحْزِ
وَالْقُحَازُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْغَنَمَ.

(قَحَطَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى احْتِبَاسِ الْخَيْرِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالْقَحْطُ: احْتِبَاسُ الْمَطَرِ; أَقَحَطَ النَّاسُ، إِذَا وَقَعُوا فِي الْقَحْطِ. وَأَقْحَطَ الرَّجُلُ، إِذَا خَالَطَ أَهْلَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ. وَقَحْطَانُ: أَبُو الْيَمْنِ.

(5/60)


(قَحَفَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ وَصَلَابَةٍ. يُقَالُ: الْقَحْفُ. شِدَّةُ الشُّرْبِ. وَيَقُولُونَ: " الْيَوْمَ قِحَافٌ وَغَدًا نِقَافٌ ". وَالْقَاحِفُ مِنَ الْمَطَرِ: الشَّدِيدُ يَقْحَفُ كُلَّ شَيْءٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْقِحْفُ: الْعَظْمُ فَوْقَ الدِّمَاغِ، وَالْجَمْعُ أَقْحَافٌ. وَقَحَفْتُهُ: ضَرَبْتُ قِحْفَهُ.

(قَحَلَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى يُبْسٍ فِي الشَّيْءِ وَجَفَافٍ. فَالْقَحَلُ: الْيُبْسُ. وَالْقَاحِلُ: الْيَابِسُ، قَحَلَ يَقْحَلُ، وَقَحِلَ يَقْحَلُ. وَقَحَِلَ الشَّيْخُ: يَبِسَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ. وَرَجُلٌ قَحْلٌ وَإِنْقَحْلٌ. وَالْقُحَالُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْغَنَمَ فَتَجِفُّ جُلُودُهَا.

(قَحَمَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَوَرُّدِ الشَّيْءِ بِأَدْنَى جَفَاءٍ وَإِقْدَامٍ. يُقَالُ: قَحَمَ فِي الْأُمُورِ قُحُومًا: رَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ دُرْبَةٍ. وَقُحَمُ [الطَّرِيقِ] : مَصَاعِبُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَقَاحِيمَ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي تَقْتَحِمُ الشَّوْلَ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ. وَالْقَحْمُ: الْبَعِيرُ يُثْنِي وَيُرْبِعُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُقْحِمُ سِنًّا عَلَى سِنٍّ. وَقَحَّمَ الْفَرَسُ فَارِسَهُ عَلَى وَجْهِهِ، إِذَا رَمَاهُ. وَيَقُولُونَ: " إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا " أَيْ إِنَّهَا تُقَحِّمُ بِصَاحِبِهَا عَلَى مَا لَا يَهْوَاهُ. وَالْقُحْمَةُ: السَّنَةُ تُقْحِمُ الْأَعْرَابَ بِلَادَ الرِّيفِ.

(قَحَوَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالْوَاوُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَحْوُ تَأْسِيسُ

(5/61)


الْأُقْحُوَانِ، وَتَقْدِيرُهُ أُفْعُلَانُ، وَلَوْ جُعِلَ فِي دَوَاءٍ لَقِيلَ مَقْحُوٌّ، وَجَمْعُهُ الْأَقَاحِي. وَالْأُقْحُوَانَةُ: مَوْضِعٌ.

(قَحَبَ) الْقَافُ وَالْحَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُعَالِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، وَرُبَّمَا جُعِلَ لِلنَّاسِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَدَرَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَبْلَغِ الشَّيْءِ وَكُنْهِهِ وَنِهَايَتِهِ. فَالْقَدْرُ: مَبْلَغُ كُلِّ شَيْءٍ. يُقَالُ: قَدْرُهُ كَذَا، أَيْ مَبْلَغُهُ. وَكَذَلِكَ الْقَدَرُ. وَقَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ وَأَقْدُرُهُ مِنَ التَّقْدِيرِ، وَقَدَّرْتُهُ أُقَدِّرُهُ. وَالْقَدْرُ: قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَشْيَاءَ عَلَى مَبَالِغِهَا وَنِهَايَاتِهَا الَّتِي أَرَادَهَا لَهَا، وَهُوَ الْقَدَرُ أَيْضًا. قَالَ فِي الْقَدَرِ:
خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي الْمَنَارَ بِهِ ... وَابْرُزْ بِبَرْزَةٍ حَيْثُ اضْطَرَّكَ الْقَدَرُ
وَقَالَ فِي الْقَدْرِ بِسُكُونِ الدَّالِ:
[وَمَا صَبَّ رِجْلِي فِي حَدِيدِ مُجَاشِعٍ ... مَعَ الْقَدْرِ إِلَّا حَاجَةٌ لِي أُرِيدُهَا]

(5/62)


وَمِنَ الْبَابِ الْأَقْدَرُ مِنَ الْخَيْلِ، وَهُوَ الَّذِي تَقَعُ رِجْلَاهُ مَوَاقِعَ يَدَيْهِ، كَأَنَّ ذَلِكَ قَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. قَالَ:
وَأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهَوَاتِ سَاطٍ ... كُمَيْتٌ لَا أَحَقُّ وَلَا شَئِيتُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَا عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِفُوهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي تَنْبَغِي لَهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] فَمَعْنَاهُ قُتِرَ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ أُعْطِيَ ذَلِكَ بِقَدْرٍ يَسِيرٍ. وَقُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلِيقَتِهِ: إِيتَاؤُهُمْ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي يَشَاؤُهُ وَيُرِيدُهُ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ. وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ ذُو قُدْرَةٍ وَذُو مَقْدِرَةٍ، أَيْ يَسَارٍ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِيَسَارِهِ وَغِنَائِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَبْلَغَ الَّذِي يُوَافِقُ إِرَادَتَهُ. وَيَقُولُونَ: الْأَقْدَرُ مِنَ الرِّجَالِ: الْقَصِيرُ الْعُنُقِ; وَهُوَ الْقِيَاسُ كَأَنَّ عُنُقَهُ قَدْ قُدِرَتْ.
وَمِمَّا شَذَّ أَيْضًا عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْقِدْرُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَالْقَدِيرُ: اللَّحْمُ يُطْبَخُ فِي الْقِدْرِ. وَالْقُدَارُ فِيمَا يَقُولُونَ: الْجَزَّارُ، وَيُقَالُ الطَّبَّاخُ، وَهُوَ أَشْبَهُ.
وَمِمَّا شَذَّ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: الْقُدَارُ: الثُّعْبَانُ الْعَظِيمُ وَفِيهِ نَظَرٌ.

(قَدَسَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَلَامِ الشَّرْعِيِّ الْإِسْلَامِيِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الطُّهْرِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ هِيَ الْمُطَهَّرَةُ. وَتُسَمَّى الْجَنَّةُ حَظِيرَةَ الْقُدْسِ، أَيِ الطُّهْرِ. وَجَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحُ الْقُدُسِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ. وَفِي صِفَةِ

(5/63)


اللَّهِ تَعَالَى: الْقُدُّوسُ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ، وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَادِسِيَّةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لَهَا بِالْقُدْسِ، وَأَنْ تَكُونَ مَحَلَّةَ الْحَاجِّ. وَقُدْسٌ: جَبَلٌ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدَاسَ: شَيْءٌ كَالْجُمَانِ يُعْمَلُ مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ:
كَنَظْمِ قُدَاسٍ سِلْكُهُ مُتَقَطِّعُ.

(قَدَعَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ مُتَبَايِنَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَفِّ عَنِ الشَّيْءِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى التَّهَافُتِ فِي الشَّيْءِ. فَالْأَوَّلُ الْقَدْعُ، مِنْ قَدَعْتُهُ عَنِ الشَّيْءِ: كَفَفْتُهُ. وَقَدَعْتُ الذُّبَابَ: طَرَدْتُهُ عَنِّي. قَالَ:
قِيَامًا تَقَدُّعُ الذِّبَّانَ عَنْهَا ... بِأَذْنَابٍ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ
وَامْرَأَةٌ قَدِعَةٌ: قَلِيلَةُ الْكَلَامِ حَيِيَّةٌ، كَأَنَّهَا كَفَّتْ نَفْسَهَا عَنِ الْكَلَامِ. وَقَدَعْتُ الْفَرَسَ بِاللِّجَامِ: كَبَحْتُهُ. وَالْمِقْدَعَةُ: الْعَصَا تَقْدَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِكَ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَقَادَعَ الْقَوْمُ بِالرِّمَاحِ: تَطَاعَنُوا. وَقِيَاسُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: التَّهَافُتُ. قَالُوا: الْقَدُوعُ: الْمُنْصَبُّ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: تَقَادَعَ الْفِرَاشُ فِي النَّارِ، إِذَا تَهَافَتَ. وَتَقَادَعَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ: تَسَاقَطُوا. وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الصِّرَاطِ: " «فَيَتَقَادَعُونَ تَقَادُعَ الْفِرَاشِ فِي النَّارِ» ".

(5/64)


(قَدَفَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ. يَقُولُونَ: الْقَدْفُ: غَرْفُ الْمَاءِ مِنَ الْحَوْضِ. وَقِيلَ الْقُدَافُ: جَرَّةٌ مِنْ فَخَّارٍ.

(قَدَمَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَبْقٍ وَرَعْفٍ ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ مَا يُقَارِبُهُ: يَقُولُونَ: الْقِدَمُ: خِلَافُ الْحُدُوثِ. وَيُقَالُ: شَيْءٌ قَدِيمٌ، إِذَا كَانَ زَمَانُهُ سَالِفًا. وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: مَضَى فُلَانٌ قُدُمًا: لَمْ يُعَرِّجْ وَلَمْ يَنْثَنِ. وَرُبَّمَا صَغَّرُوا الْقُدَّامَ قُدَيْدِيمًا وَقُدَيْدِيمَةٌ. قَالَ الْقُطَامِيُّ:
قُدَيْدِيمَةُ التَّحْرِيبِ وَالْحِلْمِ إِنَّنِي ... أَرَى غَفَلَاتِ الْعَيْشِ قَبْلَ التَّجَارِبِ
وَيُقَالُ: ضُرِبَ فَرَكِبَ مَقَادِيمَهُ، إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَادِمَةُ الرَّحْلِ: خِلَافُ آخِرَتِهِ. وَالْقَادِمَةُ مِنْ أَطْبَاءِ النَّاقَةِ: مَا وَلِيَ السُّرَّةَ. وَلِفُلَانٍ قَدَمُ صِدْقٍ، أَيْ شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ مِنْ أَثَرٍ حَسَنٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ قُدُومًا، وَأَقْدَمَ عَلَى الشَّيْءِ إِقْدَامًا. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَقَادِمُ الْإِنْسَانِ: رَأْسُهُ، وَالْجَمْعُ قَوَادِمُ. قَالَ: وَلَا يَكَادُونَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْوَاحِدِ. وَقَوَادِمُ الطَّيْرِ: مَقَادِيمُ الرِّيشِ، عَشْرٌ فِي كُلِّ جَنَاحٍ، الْوَاحِدَةُ

(5/65)


قَادِمَةٌ، وَهِيَ الْقُدَامَى. وَمُقَدِّمَةُ الْجَيْشِ: أَوَّلُهُ: وَأَقْدِمْ: زَجْرٌ لِلْفَرَسِ، كَأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِقْدَامِ. وَمَضَى الْقَوْمُ فِي الْحَرْبِ الْيَقْدُمِيَّةِ، إِذَا تَقَدَّمُوا. قَالَ:
الضَّارِبِينَ الْيَقْدُمِيَّةَ بِالْمُهَنَّدَةِ الصَّفَائِحْ
وَقَيْدُومُ الْجَبَلِ: أَنْفٌ يَتَقَدَّمُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ:
إِنَّا لَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ رُؤُوسَهُمْ ... ضَرْبَ الْقُدَارِ نَقِيعَةَ الْقُدَّامِ
فَقَالَ قَوْمٌ: الْقُدَّامُ: الْمَلِكُ. وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمَلِكَ هُوَ الْمُقَدَّمُ. وَيُقَالُ: الْقُدَّامُ: الْقَادِمُونَ مِنْ سَفَرٍ. وَقَدَمُ الْإِنْسَانِ مَعْرُوفَةٌ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا آلَةٌ لِلتَّقَدُّمِ وَالسَّبْقِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْقَدُومُ: الْحَدِيدَةُ يُنْحَتُ بِهَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَالْقَدُومُ: مَكَانٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَدُومِ» ".

(قَدَوَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اقْتِبَاسٍ بِالشَّيْءِ وَاهْتِدَاءٍ، وَمُقَادَرَةٍ فِي الشَّيْءِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هَذَا قِدَى رُمْحٍ، أَيْ قَيْسُهُ. وَفُلَانٌ قُِدْوَةٌ: يُقْتَدَى بِهِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَدْوَ: الْأَصْلُ الَّذِي يَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْفُرُوعُ.

(5/66)


وَمِنَ الْبَابِ: فُلَانٌ يَقْدُو بِهِ فَرَسُهُ، إِذَا لَزِمَ سُنَنَ السِّيرَةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ قَدْوًا لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ فِي السَّيْرِ. وَتَقَدَّى فُلَانٌ عَلَى دَابَّتِهِ، إِذَا سَارَ سَيْرَةً عَلَى اسْتِقَامَةٍ.
وَيُقَالُ: أَتَتْنَا قَادِيَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْكَ. وَقَدْ قَدَتْ تَقْدِي. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ السَّيْرِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَدْوُ: مَصْدَرُ قَدَا اللَّحْمُ يَقْدُو [قَدْوًا] وَيَقْدِي قَدْيًا، إِذَا شَمَمْتَ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً. وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ قِنْدَأْوٌ: شَدِيدُ الظَّهْرِ قَصِيرُ الْعُنُقِ.

(قَدَحَ) الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى شَيْءٍ كَالْهَزْمِ فِي الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى غَرْفِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقَدْحُ: فِعْلُكَ إِذَا قَدَحْتَ الشَّيْءَ. وَالْقَدْحُ: تَأَكُّلٌ يَقَعُ فِي الشَّجَرِ وَالْأَسْنَانِ. وَالْقَادِحَةُ: الدُّودَةُ تَأْكُلُ الشَّجَرَةَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَدَحَ فِي نَسَبِهِ: طَعَنَ. وَقَالَ فِي تَأَكُّلِ الْأَسْنَانِ:
رَمَى اللَّهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بِالْقَذَى ... وَفِي الْغُرِّ مِنْ أَنْيَابِهَا بِالْقَوَادِحِ
وَمِنَ الْبَابِ الْقِدْحُ، وَهُوَ السَّهْمُ بِلَا نَصْلٍ وَلَا قُذَذٍ; وَكَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ يُقْدَحُ بِهِ أَوْ يُمْكِنُ الْقَدْحُ بِهِ. وَالْقِدْحُ: الْوَاحِدُ مِنْ قِدَاحِ الْمَيْسِرِ، وَهَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَمِنَ الْبَابِ: قُدِّحَ الْفَرَسُ تَقْدِيحًا، إِذَا ضُمِّرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْقَدْحِ. وَمِنَ الْبَابِ:

(5/67)


قَدَّحَتِ الْعَيْنُ: غَارَتْ. وَيُقَالُ قَدَحَتْ. وَقَدَحْتُ النَّارَ، وَقَدَحْتُ الْعَيْنَ: أَخْرَجْتُ مَاءَهَا الْفَاسِدَ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَدِيحُ: مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْقِدْرِ فَيُغْرَفُ بِجُهْدٍ. قَالَ:
فَظَلَّ الْإِمَاءُ يَبْتَدِرْنَ قَدِيحَهَا ... كَمَا ابْتَدَرَتْ كَلْبٌ مِيَاهَ قُرَاقِرِ
وَقَدَحْتُ الْقِدْرَ: غَرَفْتُ مَا فِيهَا. وَرَكِيٌّ قَدُوحٌ: تُغْرَفُ بِالْيَدِ. وَالْقَدَحُ مِنَ الْآنِيَةِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ بِهِ يُغْرَفُ الشَّيْءُ.

[بَابُ الْقَافِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَذَعَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْفُحْشِ. مِنْ ذَلِكَ الْقَذَعُ: الْخَنَا وَالرَّفَثُ. وَقَدْ أَقْذَعَ فُلَانٌ: أَتَى بِالْقَذَعِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ شِعْرًا مُقْذِعًا فَلِسَانُهُ هَدَرٌ» ". وَقَذَعْتُ فُلَانًا وَأَقْذَعْتُهُ: رَمَيْتُهُ بِالْفُحْشِ. وَقَدْ أَقْذَعْتُ: أَتَيْتُ بِفُحْشٍ.

(قَذَفَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرَّمْيِ وَالطَّرْحِ. يُقَالُ: قَذَفَ الشَّيْءَ يَقْذِفُهُ قَذْفًا، إِذَا رَمَى بِهِ. وَبَلْدَةٌ قَذُوفٌ، أَيْ طَرُوحٌ لِبُعْدِهَا تَتَرَامَى بِالسَّفْرِ. وَمَنْزِلٌ قَذَفٌ وَقَذِيفٌ، أَيْ بَعِيدٌ. وَنَاقَةٌ مَقْذُوفَةٌ بِاللَّحْمِ، كَأَنَّهَا رُمِيَتْ بِهِ.

(5/68)


وَالْقِذَافُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ. وَفَرَسٌ [مُتَقَاذِفٌ] سَرِيعُ الْعَدْوِ، كَأَنَّهُ يَتَرَامَى فِي عَدْوِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ أَقْذَافُ الْجَبَلِ: نَوَاحِيهِ، الْوَاحِدُ قَذَفٌ. وَالْقَذِيفَةُ: الشَّيْءُ يُرْمَى بِهِ. قَالَ:
قَذِيفَةُ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ رَمَى بِهَا ... فَصَارَتْ ضَوَاةً فِي لِهَازِمِ ضِرْزِمِ
الضَّوَاةُ: السِّلْعَةُ. وَالضِّرْزِمُ. النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ. وَقَذَفَ: قَاءَ، كَأَنَّهُ رَمَى بِهِ.

(قَذَلَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَذَلُ: جِمَاعُ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ. وَيُقَالُ: قَذَلْتُهُ: ضَرَبْتُ قَذَالَهُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَذْلَ: الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ.

(قَذَمَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَعَةٍ وَكَثْرَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَذْمُ: الْعَطَاءُ الْكَثِيرُ، يُقَالُ قَذَمَ لَهُ. وَمِنَ الْبَابِ الْقِذَمُّ: الْفَرَسُ السَّرِيعُ. وَرَجُلٌ قُذَمٌ: كَثِيرُ الْأَخْذِ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ.

(قَذِيَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الصَّفَاءِ وَالْخُلُوصِ. مِنْ ذَلِكَ الْقَذَى فِي الشَّرَابِ: مَا وَقَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ. وَالْقَذَى فِي الْعَيْنِ، يُقَالُ: قَذَتْ عَيْنُهُ تَقْذِي، إِذَا أَلْقَتِ الْقَذَى، وَقَذِيَتْ تَقْذَى، إِذَا صَارَ فِيهَا الْقَذَى. وَقَذَّيْتُهَا: أَخْرَجْتُ مِنْهَا الْقَذَى.

(5/69)


(قَذَرَ) الْقَافُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ النَّظَافَةِ. يُقَالُ: شَيْءٌ قَذِرٌ، بَيِّنُ الْقَذَرِ. وَقَذِرْتُ الشَّيْءَ، وَاسْتَقْذَرْتُهُ، فَإِذَا وَجَدْتَهُ كَذَلِكَ قُلْتَ: أَقْذَرْتُهُ. وَقَذِرْتُ الشَّيْءَ: كَرِهْتُهُ قَذَرًا قَالَ:
وَقَذَرِي مَا لَيْسَ بِالْمَقْذُورِ
وَرَجُلٌ قَاذُورَةٌ: لَا يُخَالُّ وَلَا يُنَازِلُ النَّاسَ. وَنَاقَةٌ قَذُورٌ: عَزِيزَةُ النَّفْسِ لَا تَرْعَى مَعَ الْإِبِلِ. وَرَجُلٌ مَقْذُورٌ، كَالْمُقْذَرِ. قَالَ الْكِلَابِيُّ: رَجُلٌ قُذَرَةٌ: يَتَنَزَّهُ عَنِ الْمَلَائِمِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَرَسَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى بَرْدٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَرْسُ: الْبَرْدُ. وَقَرِسَ الْإِنْسَانُ قَرَسًا، إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَعْمَلَ بِيَدَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ:
وَقَدْ تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهِمُ ... كَمَا تَصَلَّى الْمَقْرُورُ مِنْ قَرْسِ
يُقَالُ أَقَرَسَهُ الْبَرْدُ. وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْقُرَاسِيَةُ: الْجَمَلُ الضَّخْمُ.

(قَرَشَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ وَالتَّجَمُّعِ. فَالْقَرْشُ: الْجَمْعُ، يُقَالُ تَقَرَّشُوا، إِذَا تَجَمَّعُوا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ قُرَيْشًا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ. وَالْمُقَرِّشَةُ: السَّنَةُ الْمَحْلُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَضُمُّونَ مَوَاشِيَهُمْ. وَيُقَالُ: تَقَارَشَتِ الرِّمَاحُ

(5/70)


فِي الْحَرْبِ، إِذَا تَدَاخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ قُرَيْشًا: دَابَّةٌ تَسْكُنُ الْبَحْرَ تَغْلِبُ سَائِرَ الدَّوَابِّ. قَالَ:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْ ... رَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا.

(قَرَصَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مَعَ نَبْرٍ يَكُونُ. مِنْ ذَلِكَ: قَرَصْتُهُ أَقْرُصُهُ قَرْصًا. وَالْقُرْصُ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهُ عَجِينٌ يُقْرَصُ قَرْصًا. وَقَرَّصَتِ الْمَرْأَةُ الْعَجِينَ: قَطَّعَتْهُ قُرْصَةً قُرْصَةً. وَلَبَنٌ قَارِصٌ: يَحْذِي اللِّسَانَ، كَأَنَّهُ يَقْرُصُهُ قَرْصًا. وَمِنَ الْبَابِ: الْقَوَارِصُ، وَهِيَ الشَّتَائِمُ، كَأَنَّ الْعِرْضَ يُقْرَصُ قَرْصًا إِذَا قِيلَ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ. قَالَ:
قَوَارِصُ تَأْتِينِي وَتَحْتَقِرُونَهَا ... وَقَدْ يُمْلَأُ الْقُطْرُ الْإِنَاءَ فَيُفْعِمُ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " حُلِيٌّ مُقَرَّصٌ، أَيْ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ "، وَكَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَدِيرًا عَلَى صُورَةِ الْقُرْصِ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْقُرَّاصُ: نَبَاتٌ.

(قَرَضَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ. يُقَالُ: قَرَضْتُ الشَّيْءَ بِالْمِقْرَاضِ. وَالْقَرْضُ: مَا تُعْطِيهِ الْإِنْسَانَ مِنْ مَالِكَ لِتُقْضَاهُ

(5/71)


وَكَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ قَطَعْتَهُ مِنْ مَالِكَ. وَالْقِرَاضُ فِي التِّجَارَةِ، هُوَ مِنْ هَذَا، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ قَطَعَ مِنْ مَالِهِ طَائِفَةً وَأَعْطَاهَا مُقَارِضَهُ لِيَتَّجِرَ فِيهَا. وَيَقُولُونَ: [الْقَرِيضُ] : الْجَرَّةُ، فِي قَوْلِهِمْ: " حَالَ الْجَرِيضُ دُونَ الْقَرِيضِ " ; [وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ] الشِّعْرُ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَيُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَتَقَارَضَانِ الثَّنَاءَ، إِذَا أَثْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقْرَضَ صَاحِبَهُ ثَنَاءً كَقَرْضِ الْمَالِ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(قَرَطَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ عَنْ غَيْرِ قِيَاسٍ. فَالْأُولَى الْقُرْطُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَقَرَّطَ فُلَانٌ فَرَسَهُ الْعِنَانَ، إِذَا طَرَحَ اللِّجَامَ فِي رَأْسِهِ.
وَالثَّانِيَةُ الْقُِرْطَانُ وَالقُِرْطَاطُ لِلسَّرْجِ، بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيَّةِ لِلرَّحْلِ. وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ لِلرَّحْلِ.
وَيُقَالُ: مَا جَادَ فُلَانٌ بِقَرْطِيطَةٍ، أَيْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ.

(قَرَعَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ مُعْظَمُ الْبَابِ ضَرْبُ الشَّيْءِ. يُقَالُ قَرَعْتُ الشَّيْءَ أَقْرَعُهُ: ضَرَبْتُهُ. وَمُقَارَعَةُ الْأَبْطَالِ: قَرْعُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَالْقَرِيعُ: الْفَحْلُ، لِأَنَّهُ يَقْرَعُ النَّاقَةَ. وَالْإِقْرَاعُ وَالْمُقَارَعَةُ: هِيَ الْمُسَاهَمَةُ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا شَيْءٌ كَأَنَّهُ يُضْرَبُ. وَقَارَعْتُ فُلَانًا فَقَرَعْتُهُ، أَيْ أَصَابَتْنِي الْقُرْعَةُ دُونَهُ. وَالْقَارِعَةُ: الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ; وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُقْرِعُ النَّاسَ، أَيْ تَضْرِبُهُمْ بِشِدَّتِهَا. وَالْقَارِعَةُ: الْقِيَامَةُ، لِأَنَّهَا تَضْرِبُ وَتُصِيبُ النَّاسَ بِإِقْرَاعِهَا. وَقَوَارِعُ الْقُرْآنِ

(5/72)


الْآيَاتُ الَّتِي مَنْ قَرَأَهَا لَمْ يُصِبْهُ فَزَعٌ. وَكَأَنَّهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْجِنَّ: وَالشَّارِبُ يَقْرَعُ بِالْإِنَاءِ جَبْهَتَهُ، إِذَا اشْتَفَّ مَا فِيهِ. وَيُقَالُ أَقْرَعَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهِ، إِذَا كَبَحَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ قَرِعٌ، إِذَا كَانَ يَقْبَلُ مَشُورَةَ الْمُشِيرِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ قُرِعَ بِكَلَامٍ فِي ذَلِكَ فَقَبِلَهُ. فَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُهَا قِيلَ: فُلَانٌ لَا يُقْرَعُ. وَيَقُولُونَ: أَقْرَعْتُ إِلَى الْحَقِّ إِقْرَاعًا: رَجَعْتُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْقَرِيعُ، وَهُوَ السَّيِّدُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، فَكَأَنَّهُ يَقْرَعُ بِكَثْرَةِ مَا يُسْأَلُ وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِيهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ مَقْرُوعًا أَيْضًا.
ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا وَيُسْتَعَارُ، فَقَالُوا: أَقْرَعَ فُلَانٌ فُلَانًا: أَعْطَاهُ خَيْرَ مَالِهِ.
وَخِيَارُ الْمَالِ: قُرْعَتُهُ، وَسُمِّيَ لِأَنَّهُ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي النَّوَائِبِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي الْقَرِيعِ.
وَمِمَّا اتَّسَعُوا فِيهِ وَالْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ: الْقَرِيعَةُ، وَهُوَ خَيْرُ بَيْتٍ فِي الرَّبْعِ، إِنْ كَانَ بَرْدٌ فَخِيَارُ كِنِّهِ، وَإِنْ كَانَ حَرٌّ فَخِيَارُ ظِلِّهِ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْقَرَعُ، وَفَصِيلٌ مُقَرَّعٌ. قَالَ أَوْسٌ:
لَدَى كُلِّ أُخْدُودٍ يُغَادِرْنَ دَارِعًا ... يُجَرُّ كَمَا جُرَّ الْفَصِيلُ الْمُقَرَّعُ
وَالْقَرَعُ أَيْضًا: ذَهَابُ الشَّعَْرِ مِنَ الرَّأْسِ.

(قَرَفَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَطَةِ الشَّيْءِ

(5/73)


وَالِالْتِبَاسِ بِهِ وَادِّرَاعِهِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ الْقَرْفُ، وَهُوَ كُلُّ قَشْرٍ. وَمِنْهُ قِرْفُ الْخُبْزِ، وَسُمِّىَ قِرْفًا وَقَرْفًا لِأَنَّهُ لِبَاسُ مَا عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْفُ: شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ جُلُودٍ يَعْمَلُ فِيهِ الْخَلْعَ. وَالْخَلْعُ: أَنَّ يُؤْخَذَ اللَّحْمُ فَيُطْبَخَ وَيُجْعَلَ فِيهِ تَوَابِلُ، ثُمَّ يُفْرَغُ فِي هَذَا الْخَلْعِ. قَالَ:
وَذُبْيَانِيَّةٍ وَصَّتْ بَنِيهَا ... بِأَنْ كَذَبَ الْقَرَاطِفُ وَالْقُرُوفُ
وَمِنَ الْبَابِ: اقْتَرَفْتُ الشَّيْءَ: اكْتَسَبْتُهُ، وَكَأَنَّهُ لَابَسَهُ وَادَّرَعَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ يُقْرَفُ بِكَذَا، أَيْ يُرْمَى بِهِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي يُتَّهَمُ بِالْأَمْرِ: الْقِرْفَةُ، يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ: فُلَانٌ قِرْفَتِي، أَيِ الَّذِي أَتَّهِمُهُ، كَأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَهُ الظِّنَّةَ. وَ [بَنُو] فُلَانٍ قِرْفَتِي، أَيِ الَّذِي عِنْدَهُمْ أَظُنُّ طِلْبَتِي وَبُغْيَتِي.
وَيَقُولُونَ: سَلْ بَنِي فُلَانٍ عَنْ نَاقَتِكَ فَإِنَّهُمْ قِرْفَةٌ، أَيْ تَجِدُ خَبَرَهَا عِنْدَهُمْ. وَقِيَاسُهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَالْفَرَسُ الْمُقْرِفُ: الْمُدَانِي الْهُجْنَةُ. يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُقْرِفَ: الَّذِي أَبَوْهُ هَجِينٌ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنْ نُتِجَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فَبِالْحَرَى ... وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمِنْ قَبْلِ الْفَحْلِ

(5/74)


وَقَارَفَ فُلَانٌ الْخَطِيئَةَ: خَالَطَهَا. وَقَارَفَ امْرَأَتَهُ: جَامَعَهَا; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسُ صَاحِبِهِ. وَالْقَرَفُ: الْوَبَاءُ يَكُونُ بِالْبَلَدِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مَرَضًا لِأَهْلِهِ كَاللِّبَاسِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْمًا [شَكَوْا إِلَيْهِ] وَبَأَ أَرْضِهِمْ فَقَالَ: " «تَحَوَّلُوا فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ التَّلَفَ» ".

(قَرَقَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْقَرِقُ: الْقَاعُ الْأَمْلَسُ. قَالَ:
كَأَنَّ أَيْدِيَهُنَّ بِالْقَاعِ الْقَرِقْ ... أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الْوَرِقْ.

(قَرَمَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَزٍّ أَوْ قَطْعٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَرْمُ: قَرْمُ أَنْفِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ قَطْعُ جُلَيْدَةٍ مِنْهُ لِلسِّمَةِ وَالْعَلَامَةِ، وَتِلْكَ الْقُطَيْعَةُ الْقُرَامَةُ. وَقَوْلُهُمُ: الْقَرْمُ: السَّيِّدُ، وَكَذَلِكَ الْمُقْرَمُ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، إِنَّمَا يُقْرَمُ لِكَرَمِهِ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَصِيرَ فَحْلًا، ثُمَّ يُسَمَّى بِالْقَرْمِ الَّذِي يُقْرَمُ بِهِ. وَقَالَ أَوْسٌ:
إِذَا مُقْرَمٌ مِنَّا ذَرَا حَدُّ نَابِهِ ... تَخَمَّطَ فِينَا نَابُ آخَرَ مُقْرَمُ
وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرَامَةَ شَيْءٌ يُقْطَعُ مِنْ كِرْكِرَةِ الْبَعِيرِ، يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَ الْقَحْطِ وَيُؤْكَلُ. وَمِنْهُ الْقُرَامَةُ، وَهُوَ مَا لَزِقَ بِالتَنُّورِ مِنَ الْخُبْزِ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقْرَمُ مِنَ التَّنُّورِ، أَيْ يُنَحَّى عَنْهُ. وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْمُ، وَهُوَ تَنَاوُلُ الْحَمَلِ الْحَشِيشَ أَوَّلَ مَا يَقْرِمُ أَطْرَافَ الشَّجَرِ.

(5/75)


وَالْقِرَامُ: السِّتْرُ: الرَّقِيقُ، وَهُوَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ غُشِّيَ بِهِ الْبَابُ، فَهُوَ كَالْقُرْمَةِ الَّتِي تُقْرَمُ مِنْ أَنْفِ الْبَعِيرِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَرَمُ: شِدَّةُ شَهْوَةِ اللَّحْمِ.

(قَرَنَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى جَمْعِ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، وَالْآخَرُ شَيْءٌ يَنْتَأُ بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ.
فَالْأَوَّلُ: قَارَنْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَالْقِرَانُ: الْحَبَلُ يُقْرَنُ بِهِ شَيْئَانِ. وَالْقَرَنُ: الْحَبْلُ أَيْضًا. قَالَ جَرِيرٌ:
بَلِّغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لَاقِيَهُ ... أَنِّي لَدَى الْبَابِ كَالْمَشْدُودِ فِي قَرَنِ
وَالْقَرَنُ: جُعَيْبَةٌ صَغِيرَةٌ تُضَمُّ إِلَى الْجَعْبَةِ الْكَبِيرَةِ. قَالَ:
فَكُلُّهُمْ يَمْشِي بِقَوْسٍ وَقَرَنْ
وَالْقَرَنُ فِي الْحَاجِبَيْنِ، إِذَا الْتَقَيَا. وَهُوَ مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ بَيِّنُ الْقَرَنِ. وَالْقِرْنُ: قِرْنُكَ فِي الشَّجَاعَةِ. وَالْقَرْنُ: مَثَلُكَ فِي السِّنِّ. وَقِيَاسُهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَهُمَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ لِاخْتِلَافِ الصِّفَتَيْنِ.
وَالْقِرَانُ: أَنْ تَقْرِنَ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ تَأْكُلُهُمَا. وَالْقِرَانُ: أَنْ تَقْرِنَ حَجَّةً بِعُمْرَةٍ. وَالْقَرُونُ مِنَ النُّوقِ: الْمُقَرَّنَةُ الْقَادِمَيْنِ وَالْآخِرَيْنِ مِنْ أَخْلَافِهَا. وَالْقَرُونُ: الَّتِي إِذَا جَرَتْ وَضَعَتْ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا مَعًا. وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مُقْرِنٌ لِكَذَا، أَيْ مُطِيقٌ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] ;

(5/76)


وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِرْنًا لَهُ. وَالْقَرِينَةُ: نَفْسُ الْإِنْسَانِ، كَأَنَّهُمَا قَدْ تَقَارَنَا. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: فُلَانٌ إِذَا جَاذَبَتْهُ قَرِينَةٌ بَهَرَهَا، أَيْ إِذَا قُرِنَتْ بِهِ الشَّدِيدَةُ أَطَاقَهَا. وَقَرِينَةُ الرَّجُلِ: امْرَأَتُهُ. وَيَقُولُونَ: سَامَحَتْهُ قَرِينَتُهُ وَقَرُونَتُهُ وَقَرُونُهُ، أَيْ نَفْسُهُ. وَالْقَارِنُ: الَّذِي مَعَهُ سَيْفٌ وَنَبْلٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْقَرْنُ لِلشَّاةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ نَاتِئٌ قَوِيٌّ، وَبِهِ يُسَمَّى عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الذَّوَائِبُ قُرُونًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرُّومِ: " ذَاتُ الْقُرُونِ ". كَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: أَرَادَ قُرُونَ شُعُورِهِمْ، وَكَانُوا يُطَوِّلُونَ ذَلِكَ يُعْرَفُونَ بِهِ. قَالَ مُرَقِّشٌ:
لَاتَ هَنَّا وَلَيْتَنِي طَرَفَ الزُّ ... جِّ وَأَهْلِي بِالشَّامِ ذَاتِ الْقُرُونِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: الْقَرْنُ: عَفَلَةُ الشَّاةِ تَخْرُجُ مِنْ ثَفْرِهَا. وَالْقَرْنُ: جُبَيْلٌ صَغِيرٌ مُنْفَرِدٌ. وَيَقُولُونَ: قَدْ أَقَرَنَ رُمْحَهُ، إِذَا رَفَعَهُ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ: الْقَرْنُ: الْأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ قُرُونٌ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] . وَالْقَرْنُ: الدُّفْعَةُ مِنَ الْعَرَقِ، وَالْجَمْعُ قُرُونٌ. قَالَ زُهَيْرٌ:
نُعَوِّدُهَا الطِّرَادَ فَكُلُّ يَوْمٍ ... يُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِهَا قُرُونُ
وَمِنَ النَّبَاتِ: الْقَرْنُوَةُ، وَالْجِلْدُ الْمُقَرْنَى: الْمَدْبُوغُ بِهَا.

(5/77)


(قَرَهَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: الْقَرَهُ فِي الْجِلْدِ كَالْقَلَحِ فِي الْأَسْنَانِ، وَهُوَ الْوَسَخُ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَقْرَهُ وَامْرَأَةٌ قَرْهَاءُ.

(قَرِيَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جُمَعٍ وَاجْتِمَاعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَرْيَةُ، سُمِّيَتْ قَرْيَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا.
وَيَقُولُونَ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْمِقْرَاةِ: جَمَعْتُهُ، وَذَلِكَ الْمَاءُ الْمَجْمُوعُ قَرِيٌّ. وَجَمْعُ الْقَرْيَةِ قُرًى، جَاءَتْ عَلَى كُسْوَةٍ وَكُسًى. وَالْمِقْرَاةُ: الْجَفْنَةُ، سُمِّيَتْ لِاجْتِمَاعِ الضَّيْفِ عَلَيْهَا، أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ طَعَامٍ.
وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كَالْمِعْصَرَةِ. قَالَ:
أَرْمِي بِهَا الْبَيْدَاءَ إِذْ أَعْرَضَتْ ... وَأَنْتَ بَيْنُ الْقَرْوِ وَالْعَاصِرِ
وَالْقَرْوُ: حَوْضٌ مَعْرُوفٌ مَمْدُودٌ عِنْدَ الْحَوْضِ الْعَظِيمِ، تَرِدُهُ الْإِبِلُ. وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. تَقُولُ: رَأَيْتُ الْقَوْمَ عَلَى قَرْوٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْقَرْوَ: الْقَصْدُ; تَقُولُ: قَرَوْتُ وَقَرَيْتُ، إِذَا سَلَكْتَ. وَقَالَ النَّابِغَةُ:
يَقْرُوا الدَّكَادِكَ مِنْ ذَنَبَانِ وَالْأَكَمَا
وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ يَتْبَعُهَا قَرْيَةً قَرْيَةً. وَمِنَ الْبَابِ الْقَرَى: الظَّهْرُ، وَسُمِّيَ قَرًى لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الْعِظَامِ. وَنَاقَةٌ قَرْوَاءُ: شَدِيدَةُ الظَّهْرِ. قَالَ:

(5/78)


مَضْبُورَةٍ قَرْوَاءَ هِرْجَابٍ فُنُقْ
وَلَا يُقَالُ لِلْبَعِيرِ أَقْرَى.
وَإِذَا هُمِزَ هَذَا الْبَابُ كَانَ هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءً. يَقُولُونَ: مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ سَلًى، كَأَنَّهُ يُرَادُ أَنَّهَا مَا حَمَلَتْ قَطُّ. قَالَ:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ ... هَجَّانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا
قَالُوا: وَمِنْهُ الْقُرْآنُ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَمْعِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْقِصَصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَأَمَّا أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ إِنَّهَا مِنْ هَذَا أَيْضًا. وَذَكَرُوا أَنَّهَا تَكُونُ كَذَا فِي حَالِ طُهْرِهَا، كَأَنَّهَا قَدْ جَمَعَتْ دَمَهَا فِي جَوْفِهَا فَلَمْ تُرْخِهِ. وَنَاسٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا إِقْرَاؤُهَا: خُرُوجُهَا مِنْ طُهْرٍ إِلَى حَيْضٍ، أَوْ حَيْضٍ إِلَى طُهْرٍ. قَالُوا: وَالْقُرْءُ: وَقْتٌ، يَكُونُ لِلطُّهْرِ مَرَّةً وَلِلْحَيْضِ مَرَّةً. وَيَقُولُونَ: هَبَّتِ الرِّيَاحُ لِقَارِئِهَا: لِوَقْتِهَا. وَيُنْشِدُونَ:
شَنِئَتِ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ
وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا مُشْكِلَةٌ. وَزَعَمَ نَاسٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الطُّهْرِ فَقَالُوا:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/79)


وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ: الْقَارِئَةُ، وَهُوَ الشَّاهِدُ. وَيَقُولُونَ: النَّاسُ قَوَارِي اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، هُمُ الشُّهُودُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ، أَيْ إِنَّهُمْ يَقْرُونَ الْأَشْيَاءَ حَتَّى يَجْمَعُوهَا عِلْمًا ثُمَّ يَشْهَدُونَ بِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ الْقِرَةُ: الْمَالُ، مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ. وَالْقِرَةُ: الْعِيَالُ. وَأَنْشَدَ فِي الْقُرَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَالُ:
مَا إِنْ رَأَيْنَا مَلِكًا أَغَارَا ... أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وَقَارَا
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَارِّيَّةُ، طَرَفُ السِّنَانِ. وَحَدُّ كُلِّ شَيْءٍ: قَارِيَتُهُ.

(قَرَبَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْبُعْدِ. يُقَالُ قَرُبَ يَقْرُبُ قُرْبًا. وَفُلَانٌ ذُو قَرَابَتِي، وَهُوَ مَنْ يَقْرُبُ مِنْكَ رَحِمًا. وَفُلَانٌ قَرِيبِي، وَذُو قَرَابَتِي. وَالْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَى: الْقَرَابَةُ. وَالْقِرَابُ: مُقَارَبَةُ الْأَمْرِ. وَتَقُولُ: مَا قَرُبْتُ هَذَا الْأَمْرَ وَلَا أَقْرَبُهُ، إِذَا لَمْ تُشَامَّهُ وَلَمْ تَلْتَبِسْ بِهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْقَرَبُ، وَهِيَ لَيْلَةُ وُرُودِ الْإِبِلِ الْمَاءَ; وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ يُسِيمُونَ الْإِبِلَ وَهُمْ فِي ذَلِكَ

(5/80)


يَسِيرُونَ نَحْوَ الْمَاءِ، فَإِذَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَشِيَّةٌ عَجَّلُوا نَحْوَهُ، فَتِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ الْقَرَبِ. وَالْقَارِبُ: الطَّالِبُ الْمَاءَ لَيْلًا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِطَالِبِهِ نَهَارًا.
وَقَدْ صَرَّفُوا الْفِعْلَ مِنَ الْقَرَبِ فَقَالُوا: قَرَبْتُ الْمَاءَ أَقْرُبُهُ قَرَبًا. وَذَلِكَ عَلَى مِثَالِ طَلَبْتُ أَطْلُبُ طَلَبًا، وَحَلَبْتُ أَحْلُبُ حَلَبًا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَارِبَ: سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ تَكُونُ مَعَ أَصْحَابِ السُّفُنِ الْبَحْرِيَّةِ، تُسْتَخَفُّ لِحَوَائِجِهِمْ; وَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقُرْبِهَا مِنْهُمْ. وَالْقُرْبَانُ: مَا قُرِّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَسِيكَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: قُرْبَانُ الْمَلِكِ وَقَرَابِينُهُ: وُزَرَاؤُهُ وَجُلَسَاؤُهُ. وَفَرَسٌ مُقْرَبَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرْتَادُ وَتُقَرَّبُ وَلَا تُتْرَكُ أَنْ تَرُودَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: إِنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالْإِنَاثِ لِئَلَّا يَقْرَعَهَا فَحْلٌ لَئِيمٌ.
وَيُقَالُ: قَرَّبَ الْفُرْسُ تَقْرِيبًا، وَهُوَ دُونَ الْحُضْرِ، وَقِيلَ تَقْرِيبٌ لِأَنَّهُ إِذَا أَحْضَرَ كَانَ أَبْعَدَ لِمَدَاهُ. وَلَهُ فِيمَا يُقَالُ تَقْرِيبَانِ: أَدْنَى وَأَعْلَى. وَيُقَالُ: أَقْرَبَتِ الشَّاةُ، دَنَا نِتَاجُهَا. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ثَوْبٌ مُقَارِبٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ جَيِّدًا. وَهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُقَارِبٌ فِي ثَمَنِهِ غَيْرُ بَعِيدٍ وَلَا غَالٍ. وَحَكَى غَيْرُهُ: ثَوْبٌ مُقَارِبٌ: غَيْرُ جَيِّدٍ، وَثَوْبٌ مُقَارِبٌ: رَخِيصٌ، وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الْخَاصِرَةُ فَهِيَ الْقُرْبُ، سُمِّيَتْ لِقُرْبِهَا مِنَ الْجَنْبِ. وَقَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَتْ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْقِرْبَةِ. قَالُوا: وَهَذَا قِيَاسٌ آخَرُ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَنْ يَضُمَّ الشَّيْءَ وَيَحْوِيَهُ. قَالُوا: وَمِنْهُ الْقِرَابُ: قِرَابُ السَّيْفِ، وَالْجَمْعُ قُرُبٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

(5/81)


يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ... ضُمِّي إِلَيْكِ رِحَالَ الْقَوْمِ وَالْقُرُبَا
وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي الْقُرْبِ، وَهِيَ الْخَاصِرَةُ:
وَكُنْتُ إِذَا مَا قُرِّبَ الزَّادُ مُولَعًا ... بِكُلِّ كُمَيْتٍ جَلْدَةٍ لَمْ تُوَسَّفِ
مُدَاخَلَةِ الْأَقْرَابِ غَيْرِ ضَئِيلَةٍ ... كُمَيْتٍ كَأَنَّهَا مَزَادَةُ مُخْلِفِ.

(قَرَتَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قُبْحٍ فِي سَحْنَةٍ. يَقُولُونَ: قَرِتَ وَجْهُ الرَّجُلِ: تَغَيَّرَ مِنْ حُزْنٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ قَرَِتَ الدَّمُ، إِذَا يَبِسَ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ. وَهُوَ دَمٌ قَارِتٌ. وَقَرِتَ الْجِلْدُ، إِذَا ضُرِبَ فَاسْوَدَّ.

(قَرَحَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْحَاءُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ صَحِيحَةٍ: أَحَدُهَا يَدُلُّ عَلَى أَلَمٍ بِجِرَاحٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ شَوْبٍ، وَالْآخَرُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقَرْحُ: قَرْحُ الْجِلْدِ يُجْرَحُ. وَالْقَرْحُ: مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ قُرُوحٍ تُؤْلِمُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140] . يُقَالُ قَرَحَهُ، إِذَا جَرَحَهُ، وَالْقَرِيحُ: الْجَرِيحُ. وَالْقَرِحُ: الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ الْقُرُوحُ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْمَاءُ الْقَرَاحُ: الَّذِي لَا يَشُوبُهُ غَيْرُهُ. قَالَ:
بِتْنَا عُذُوبًا وَبَاتَ الْبَقُّ يَلْسَِبُنَا ... نَشْوِي الْقَرَاحَ كَأَنْ لَا حَيَّ بِالْوَادِي

(5/82)


وَالْأَرْضُ الْقَرَاحُ: الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ: الَّتِي لَا يَخْلِطُ تُرَابَهَا شَيْءٌ. وَمِنَ الْبَابِ: رَجُلٌ قُرْحَانٌ وَقَوْمٌ قُرْحَانُونَ، إِذَا لَمْ يُصِبْهُمْ جُدَرِيٌّ وَلَا مَرَضٌ. وَهَذَا مِنَ الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْأَرْضِ الْقَرَاحِ. وَالْقِرْوَاحُ مِثْلُ الْقَرَاحِ. وَيُقَالُ: الْقِرْوَاحُ: الْوَاسِعَةُ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ تَشُوبُهَا حُزُونَةٌ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ الْقَرِيحَةُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنَ الْبِئْرِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: فُلَانٌ جَيِّدُ الْقَرِيحَةِ; يُرَادُ بِهِ اسْتِنْبَاطُ الْعِلْمِ. وَمِنْهُ اقْتَرَحَتِ الْجَمَلُ: رَكِبْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُرْكَبَ. وَاقْتَرَحْتُ الشَّيْءَ: اسْتَنْبَطْتُهُ عَنْ غَيْرِ سَمَاعٍ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ: الْقَارِحُ مِنَ الدَّوَابِّ: مَا انْتَهَى سَنُّهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: قَرَحَ يَقْرُحُ قُرُوحًا، مِنْ خَيْلٍ قُرْحٍ. وَكُلُّ الْأَسْنَانِ بِالْأَلِفِ، مِثْلَ أَثْنَى وَأَرْبَعَ، إِلَّا قَرَحَ.
وَمِنَ الشَّاذِّ الْقُرْحَةُ: مَا دُونَ الْغُرَّةِ مِنَ الْبَيَاضِ بِوَجْهِ الْفَرَسِ. قَالَ: وَرَوْضَةٌ قَرْحَاءُ: فِي وَسَطِهَا نَوْرٌ أَبْيَضُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

حَوَّاءُ قَرْحَاءُ أَشْرَاطِيَّةٌ وَكَفَتْ ... بِهَا الذِّهَابُ وَحَفَّتْهَا الْبَرَاعِيمُ
وَيَقُولُونَ: قَرَحَ فُلَانٌ فُلَانًا بِالْحَقِّ، إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِهِ. وَهَذَا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ قَرَعَهُ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ كَأَنَّهُ جَرَحَهُ بِذَلِكَ.

(قَرَدَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ مَعَ تَقَطُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ السَّحَابُ الْقَرِدُ: الْمُتَقَطِّعُ فِي أَقْطَارِ السَّمَاءِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

(5/83)


وَالصُّوفُ الْقَرِدُ: الْمُتَدَاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَ [الْأَرْضُ] الْقَرْدَدُ إِذَا ارْتَفَعَتْ إِلَى جَنْبِ وَهْدَةٍ. وَقُرْدُودَةُ الظَّهْرِ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ ثَبَجِهِ. وَكُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْقُرَادُ مِنْ هَذَا، لِتَجَمُّعِ خَلْقِهِ.
وَمِمَّا يَشْتَقُّونَهُ مِنْ لَفْظِ الْقُرَادِ: أَقْرَدَ الرَّجُلُ: لَصِقَ بِالْأَرْضِ مِنْ فَزَعٍ أَوْ ذُلٍّ. وَقَرِدَ: سَكَتَ. وَمِنْهُ قَرَّدْتُ الرَّجُلَ تَقْرِيدًا، إِذَا خَدَعْتَهُ لِتُوقِعَهُ فِي مَكْرُوهٍ.

[بَابُ الْقَافِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَزَعَ) الْقَافُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ فِي شَيْءٍ وَتَفَرُّقٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَزَعُ: قِطَعُ السَّحَابِ الْمُتَفَرِّقَةِ، الْوَاحِدَةُ قَزَعَةٌ. قَالَ:
تَرَى عُصَبَ الْقَطَا هَمَلًا ... عَلَيْهِ كَأَنَّ رِعَالَهُ قَزَعُ الْجَهَامِ
وَمِنَ الْبَابِ الْقَزَعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ شَعْرٌ مُتَفَرِّقٌ. وَرَجُلٌ مُقَزَّعٌ: لَا يُرَى عَلَى رَأْسِهِ إِلَّا شُعَيْرَاتٌ. وَفَرَسٌ مُقَزَّعٌ: رَقَّتْ نَاصِيَتُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ فِي الْخِفَّةِ: تَقَزَّعَ الْفَرَسُ: تَهَيَّأَ لِلرَّكْضِ. وَالظَّبْيُ يَقْزَعُ، إِذَا أَسْرَعَ. وَالْقَزَعُ: صِغَارُ الْإِبِلِ.

(5/84)


(قَزَلَ) الْقَافُ وَالزَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَزَلُ، وَهُوَ أَسْوَأُ الْعَرَجِ. يُقَالُ مِنْهُ قَزِلَ يَقْزَلُ.

(قَزَمَ) الْقَافُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَنَاءَةٍ وَلُؤْمٍ. فَالْقَزَمُ: الدَّنَاءَةُ وَاللُّؤْمُ. وَالرَّجُلُ قَزَمٌ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ، وَالْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ.

(قَزَبَ) الْقَافُ وَالزَّاءُ وَالْبَاءُ، فِيهِ مِنْ طَرَائِفِ ابْنِ دُرَيْدٍ: الْقَزَبُ الصَّلَابَةُ وَالشِّدَّةُ. قَزِبَ الشَّيْءُ: صَلُبَ.

(قَزَحَ) الْقَافُ وَالزَّاءُ وَالْحَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطِ أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَشَعُّبٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْقَزْحُ: التَّابَلُ مِنْ تَوَابِلِ الْقِدْرِ. يُقَالُ: قَزِّحْ قِدْرَكَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَلِيحٌ قَزِيحٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقُزَحَ: الطَّرَائِقُ، فِي الَّتِي يُقَالُ لَهَا: قَوْسُ قُزَحٍ، الْوَاحِدَةُ قُزْحَةٌ. وَيُقَالُ: تَقَزَّحَ النَّبْتُ، إِذَا انْشَعَبَ شُعَبًا. وَشَجَرَةٌ مُتَقَزِّحَةٌ. وَقَزَحَ الْكَلْبُ بِبَوْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: يُقَالُ إِنَّ الْقَزْحَ: بَوْلُ الْكَلْبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْقَافِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَسَطَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ وَالْبِنَاءُ وَاحِدٌ. فَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ. وَيُقَالُ مِنْهُ أَقْسَطَ يُقْسِطُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]

(5/85)


[الْمَائِدَةِ 42، الْحُجُرَاتِ 9، الْمُمْتَحِنَةِ 8] . وَالْقَسْطُ بِفَتْحِ الْقَافِ: الْجَوْرُ. وَالْقُسُوطُ: الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ. يُقَالُ قَسَطَ، إِذَا جَارَ، يَقْسِطُ قَسْطًا. وَالْقَسَطُ: اعْوِجَاجٌ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ الْفَحَجِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ الْقِسْطُ: النَّصِيبُ، وَتَقَسَّطْنَا الشَّيْءَ بَيْنَنَا. وَالْقِسْطَاسُ: الْمِيزَانُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقُسْطِ: شَيْءٌ يُتَبَخَّرُ بِهِ، عَرَبِيٌّ.

(قَسَمَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى جَمَالٍ وَحُسْنٍ وَالْآخَرُ عَلَى تَجْزِئَةِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقَسَامُ، وَهُوَ الْحُسْنُ وَالْجَمَالُ، وَفُلَانٌ مُقَسَّمُ الْوَجْهِ، أَيْ ذُو جَمَالٍ. وَالْقَسِمَةُ: الْوَجْهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا فِي الْإِنْسَانِ. قَالَ:
كَأَنَّ دَنَانِيرًا عَلَى قَسِمَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَفَّ الْوُجُوهَ لِقَاءُ وَالْقَسَامُ، فِي شِعْرِ النَّابِغَةِ: [شِدَّةُ الْحَرِّ] . وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْقَسْمُ: مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ قَسْمًا. وَالنَّصِيبُ قِسْمٌ بِكَسْرِ الْقَافِ. فَأَمَّا الْيَمِينُ فَالْقَسَمُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُ ذَلِكَ مِنَ الْقَسَامَةِ، وَهِيَ الْأَيْمَانُ تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إِذَا ادَّعَوْا دَمَ مَقْتُولِهِمْ عَلَى نَاسٍ اتَّهَمُوهُمْ بِهِ. وَأَمْسَى فُلَانٌ مُتَقَسِّمًا، أَيْ كَأَنَّ خَوَاطِرَ الْهُمُومِ تَقَسَّمَتْهُ.

(5/86)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: الْقَسَامِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَطْوِي الثِّيَابَ أَوَّلَ طَيِّهَا، ثُمَّ تُطْوَى عَلَى طَيِّهِ. قَالَ:
طَيَّ الْقَسَامِيُّ بُرُودَ الْعَصَّابْ
يُقَالُ إِنَّ الْعَصَّابَ: الْغَزَّالُ.

(قَسَنَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ. يُقَالُ: اقْسَأَنَّ اللَّيْلُ: اشْتَدَّ ظَلَامُهُ. وَالْمُقْسَئِنُّ: الصُّلْبُ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَكُونُ كَبِيرَ السِّنِّ. قَالَ:
إِنْ تَكُ لَدْنًا لَيِّنًا فَإِنِّي ... مَا شِئْتَ مِنْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ.

(قَسِيَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْحَجَرِ الْقَاسِي. وَالْقَسْوَةُ: غِلَظُ الْقَلْبِ، وَهِيَ مِنْ قَسْوَةِ الْحَجَرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] . [وَ] الْقَاسِيَةُ: اللَّيْلَةُ الْبَارِدَةُ. وَمِنَ الْبَابِ الْمُقَاسَاةُ: مُعَالَجَةُ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ. وَهَذَا مِنَ الْقَسْوَةِ، لِأَنَّهُ يُظْهِرُ أَنَّهُ أَقْسَى مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي يُعَالِجُهُ. وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُفَاعَلَةِ.

(قَسَبَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ. يَقُولُونَ: [الْقَسْبُ] : التَّمْرُ الْيَابِسُ. قَالَ:
وَأَسْمَرَ خَطِّيًّا كَأَنَّ كُعُوبَهُ ... نَوَى الْقَسْبِ عَرَّاصًا مُزَجًّا مُنَصَّلًا

(5/87)


وَالْقَسْبُ: الصُّلْبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَالْقَسِيبُ: الطَّوِيلُ الشَّدِيدُ. وَمِنَ الْبَابِ الْقَسِيبُ، وَهُوَ صَوْتُ الْمَاءِ فِي جَرَيَانِهِ، وَلَا يَكُونُ صَوْتٌ إِلَّا كَانَ بِقُوَّةٍ. قَالَ عُبَيْدٌ:
لِلْمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ قَسِيبُ.

(قَسَرَ) الْقَافُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ يَدُلُّ عَلَى قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ بِشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَسْرُ: الْغَلَبَةُ وَالْقَهْرُ. يُقَالُ: قَسَرْتُهُ قَسْرًا، وَاقْتَسَرْتُهُ اقْتِسَارًا. وَبَعِيرٌ قَيْسَرِيٌّ: صُلْبٌ. وَالْقَسْوَرَةُ: الْأَسَدُ، لِقُوَّتِهِ وَغَلَبَتِهِ.

[بَابُ الْقَافِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَشَعَ) الْقَافُ وَالشِّينُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، أَوْمَأَ إِلَى قِيَاسِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: " كُلُّ شَيْءٍ خَفَّ فَقَدَ قَشِعَ وَقَشَعَ يَقْشَعُ قَشَعًا، مِثْلُ اللَّحْمِ يُجَفَّفُ ". وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ. وَمِنْهُ انْقَشَعَ الْغَيْمُ وَأَقْشَعَ وَتَقَشَّعَ، وَالْقِشْعَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ تَبْقَى بَعْدَ انْكِشَافِ الْغَيْمِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكُنَاسَةَ قَُِشْعٌ.

(5/88)


قَالَ الْكِسَائِيُّ، قَشَعَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ وَانْقَشَعَ هُوَ. وَأَقْشَعَ الْقَوْمُ عَنِ الْمَاءِ، إِذَا أَقْلَعُوا. وَيُقَالُ إِنَّ الْقِشَعَ: مَا يُرْمَى بِهِ عَنِ الصَّدْرِ مِنْ نُخَاعَةٍ. وَالْقَشْعُ: مَا قُشِعَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. وَكَلَأٌ قَشِيعٌ: مُتَفَرِّقٌ. وَشَاةٌ قَشِعَةٌ: غَثَّةٌ، كَأَنَّ السِّمَنَ قَدِ انْقَشَعَ عَنْهَا. وَرَجُلٌ قَشِعٌ: لَا يَثْبُتُ عَلَى أَمْرٍ. فَأَمَّا الْقَشْعُ فَيُقَالُ: بَيْتٌ مِنْ أَدَمٍ، وَالْجَمْعُ قُشُوعٌ. قَالَ:
إِذَا الْقَشْعُ مِنْ رِيحِ الشِّتَاءِ تَقَعْقَعَا
وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُمْ إِذَا سَارُوا قَشَعُوهُ. وَيُقَالُ: الْقَشْعُ: النِّطْعُ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ.

(قَشَفَ) الْقَافُ وَالشِّينُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: قَشِفَ يَقْشَفُ، إِذَا لَوَّحَتْهُ الشَّمْسُ فَتَغَيَّرَ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مَنْ لَا يَتَصَنَّعُ لِلتَّجَمُّلِ قَشِفَ، وَهُوَ يَتَقَشَّفُ.

(قَشَبَ) الْقَافُ وَالشِّينُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى جِدَّةٍ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ: الْقَشْبُ، وَهُوَ خَلْطُ الشَّيْءِ بِالطَّعَامِ، وَلَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا مَكْرُوهًا.

(5/89)


مِنْ ذَلِكَ الْقِشْبُ، هُوَ السُّمُّ الْقَاتِلُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
فَعَمَّا قَلِيلٍ سَقَاهَا مَعًا ... بِذِيفَانٍ مُذْعِفِ قِشْبٍ ثُمَالِ
وَيُقَالُ: قَشَبَ فُلَانٌ فُلَانًا بِسُوءٍ، ذَكَرَهُ بِهِ أَوْ نَسَبَهُ إِلَيْهِ. وَقَشَبَهُ بِقَبِيحٍ: لَطَخَهُ بِهِ. وَرَجُلٌ مُقَشَّبُ الْحَسَبِ، إِذَا مُزِجَ حَسَبُهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْقِشْبَةُ: الْخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ، لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْقَشِيبُ: الْجَدِيدُ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. وَالْقَشِيبُ: السَّيْفُ الْحَدِيثُ الْعَهْدِ بِالْجِلَاءِ.

(قَشَرَ) الْقَافُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَنْحِيَةِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ الشَّيْءُ كَاللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ: قَشَرْتُ الشَّيْءَ أَقْشِرُهُ. وَالْقِشْرَةُ: الْجِلْدَةُ الْمَقْشُورَةُ. [وَالْقِشْرُ] : لِبَاسُ الْإِنْسَانِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[مُنِعَتْ حَنِيفَةُ وَاللَّهَازِمُ مِنْكُمُ ... قِشْرَ الْعِرَاقِ وَمَا يَلَذُّ الْحَنْجَرُ
] وَفِي [حَدِيثِ] قَيْلَةَ: " «كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ رَجُلًا ذَا رُوَاءٍ وَذَا قِشْرٍ طَمَحَ

(5/90)


بَصَرِي إِلَيْهِ» ". وَالْمَطْرَةُ الْقَاشِرَةُ: الَّتِي تَقْشِرُ وَجْهَ الْأَرْضِ. وَسَنَةٌ قَاشُورَةٌ: مُجْدِبَةٌ تَقْشِرُ أَمْوَالَ الْقَوْمِ. قَالَ:

فَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سَنَةً قَاشُورَهْ ... تَحْتَلِقُ الْمَالَ احْتِلَاقَ النُّورَهْ
ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ شَيْءٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَاشُورًا، فَيَقُولُونَ لِلشُّؤْمِ: قَاشُورٌ. وَيَقُولُونَ فِي الْمَثَلِ: " أَشْأَمُ مِنْ قَاشِرٍ "، وَهُوَ فَحْلٌ لَهُ حَدِيثٌ. وَلِهَذَا سُمِّيَ الْفِسْكِلُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي يَجِيءُ فِي الْحَلْبَةِ آخِرَهَا قَاشُورًا. وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْأَقْشَرَ: الشَّدِيدُ الْحُمْرَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلشَّدِيدِ حُمْرَةِ الْوَجْهِ، الَّذِي يُرَى وَجْهُهُ كَأَنَّهُ يَتَقَشَّرُ. وَقُشَيْرٌ: [أَبُو قَبِيلَةٍ] مِنَ الْعَرَبِ.

(قَشَمَ) الْقَافُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ إِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنَ الْأَكْلِ وَمَا ضَاهَاهُ مِنَ الْمَأْكُولِ. قَالُوا: الْقَشْمُ: الْأَكْلُ. وَالْقُشَامُ: مَا يُؤْكَلُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " قُشَامُ الْمَائِدَةِ: مَا نُفِضَ مِنْهَا مِنْ بَاقِي خُبْزٍ وَغَيْرِهِ ". وَيُقَالُ: مَا أَصَابَتِ الْإِبِلُ مَقْشَمًا، أَيْ لَمْ تُصِبْ مَا تَرْعَاهُ. وَمِمَّا شَذَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِنْ صَحَّ قَوْلُهُمْ: قَشَمْتُ الْخُوصَ، إِذَا شَقَقْتَهُ، لتَسَفَّهُ. وَكُلُّ مَا شُقَّ مِنْهُ فَهُوَ قُشَامٌ.

(5/91)


[بَابُ الْقَافِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَصَعَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَطَامُنٍ فِي شَيْءٍ أَوْ مُطَامَنَةٍ لَهُ. مِنْ ذَلِكَ الْقَصْعَةُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْهَزْمَةِ. وَالْقَاصِعَاءُ: أَوَّلُ جِحَرَةِ الْيَرْبُوعِ، وَقِيَاسُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ تَقَصَّعَ، إِذَا دَخَلَ قَاصِعَاءَهُ. قَالَ:
فَوَدَّ أَبُو لَيْلَى طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ ... بِمُنْعَرَجٍ السُّوبَانِ لَوْ يَتَقَصَّعُ
فَأَمَّا قَصْعُ النَّاقَةِ بِجِرَّتِهَا فَقَالُوا: هُوَ أَنْ تَرُدَّهَا فِي جَوْفِهَا. وَالْمَاءُ يَقْصَعُ الْعَطَشَ: يَقْتُلُهُ وَيَذْهَبُ بِهِ. قَالَ:
فَانْصَاعَتِ الْحُقْبُ لَمْ تُقْصَعْ صَرَائِرُهُا
وَقَصَعْتُ بِبُسْطِ كَفِّي هَامَتَهُ: ضَرَبْتُهَا. وَقَصَعَ اللَّهُ بِهِ، إِذَا بَقِيَ قَمِيًّا لَا يَشِبُّ وَلَا يَزْدَادُ، وَهُوَ مَقْصُوعٌ وَقَصِيعٌ.

(قَصَفَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ لِشَيْءٍ. وَلَا يُخْلَفُ هَذَا الْقِيَاسُ. يُقَالُ: قَصَفَتِ الرِّيحُ السَّفِينَةَ فِي الْبَحْرِ. وَرِيحٌ قَاصِفٌ. وَالْقَصِفُ: السَّرِيعُ الِانْكِسَارِ. وَالْقَصِيفُ: هُشَيْمُ الشَّجَرِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: انْقَصَفُوا

(5/92)


عَنْهُ، إِذَا تَرَكُوهُ. وَهُوَ مُسْتَعَارٌ. وَالْأَقْصَفُ: الَّذِي انْكَسَرَتْ ثَنِيَّتُهُ مِنَ النِّصْفِ. وَرَعْدٌ قَاصِفٌ، أَيْ شَدِيدٌ. وَقِيَاسُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ يَكَادُ يَقْصِفُ الْأَشْيَاءَ بِشِدَّتِهِ. يَقُولُونَ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَاصِفَ، وَالرَّعْدَ الْقَاصِفَ. وَمِنْهُ الْقَصْفُ: صَرِيفُ الْبَعِيرِ بِأَسْنَانِهِ. فَأَمَّا الْقَصْفُ فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحْسَبُهُ عَرَبِيًّا. وَلَيْسَ الْقَصْفُ الَّذِي أَنْكَرَهُ بِبَعِيدٍ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَالْجَلَبَةِ. وَقِيَاسُهُ فِي الرَّعْدِ الْقَاصِفِ، وَفِي صَرِيفِ الْبَعِيرِ بِأَسْنَانِهِ.

(قَصَلَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ. فَالْقَصْلُ: الْقَطْعُ. يُقَالُ قَصَلَهُ، إِذَا قَطَعَهُ. وَالْقَصِيلُ مَعْرُوفٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِسُرْعَةِ اقْتِصَالِهِ، لِأَنَّهُ رَخْصٌ. وَسَيْفٌ مِقْصَلٌ: قَطَّاعٌ، وَكَذَلِكَ الْقَصَّالُ. وَلِسَانٌ مِقْصَلٌ عَلَى التَّشْبِيهِ. وَالْقِصْلُ: الرَّجْلُ الضَّعِيفُ، لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ. فَأَمَّا الْقُصَالَةُ فَمَا يُعْزَلُ مِنَ الْبُرِّ لِيُدَاسَ ثَانِيَةً، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقِيَاسُهُ قَرِيبٌ.

(قَصَمَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ. يُقَالُ: قَصَمْتُ الشَّيْءَ قَصْمًا. وَالْقُصَمُ: الرَّجُلُ يَحْطِمُ مَا لَقِيَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11] [الْأَنْبِيَاءِ 11] أَرَادَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِهْلَاكَهُ إِيَّاهُمْ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْكَسْرِ. وَالْقَصِيمَةُ وَالْقَيْصُومُ: نَبْتَانِ.

(5/93)


(قَصَوَى) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى بُعْدٍ وَإِبْعَادٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَصَا: الْبُعْدُ. وَهُوَ بِالْمَكَانِ الْأَقْصَى وَالنَّاحِيَةِ الْقُصْوَى. وَذَهَبْتُ قَصَا فُلَانٍ، أَيْ نَاحِيَتَهُ. وَيُقَالُ: أَحَاطُونَا الْقَصَا. أَيْ وَقَفُوا مِنَّا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ غَيْرَ أَنَّهُمْ مُحِيطُونَ بِنَا كَالشَّيْءِ يَحُوطُ الشَّيْءَ يَحْفَظُهُ. قَالَ:
فَحَاطُونَا الْقَصَا وَلَقَدْ رَأَوْنَا ... قَرِيبًا حَيْثُ يُسْتَمَعُ السِّرَارُ
وَأَقْصَيْتُهُ: أَبْعَدْتُهُ. وَالْقَصِيَّةُ مِنَ الْإِبِلِ: الْمَوْدُوعَةُ الْكَرِيمَةُ لَا تُجْهَدُ وَلَا تُرْكَبُ، أَيْ تُقْصَى إِكْرَامًا لَهَا. فَأَمَّا النَّاقَةُ الْقَصْوَاءُ فَالْمَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ.
وَقَدْ يُمْكِنُ هَذَا عَلَى أَنَّ أُذُنَهَا أُبْعِدَتْ عَنْهَا حِينَ قُطِعَتْ. وَيَقُولُونَ: قَصَوْتُ الْبَعِيرَ فَهُوَ مَقْصُوٌّ: قَطَعْتُ أُذُنَهُ. وَنَاقَةٌ قَصْوَاءُ، وَلَا يُقَالُ بَعِيرٌ أَقْصَى.

(قَصَبَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى امْتِدَادٍ فِي أَشْيَاءَ مُجَوَّفَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقَصْبُ: الْقَطْعُ; يُقَالُ قَصَبْتُهُ قَصْبًا. وَسُمِّيَ الْقَصَّابُ قَصَّابًا لِذَلِكَ. وَسَيْفٌ قَصَّابٌ، أَيْ قَاطِعٌ. وَيُقَالُ: قَصَبْتُ الدَّابَّةَ، إِذَا قَطَعْتَ عَلَيْهِ شُرْبَهُ قَبْلَ أَنْ يُرْوَى. وَمِنَ الْبَابِ: قَصَبْتُ الرَّجُلَ: إِذَا عِبْتَهُ، وَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْأَقْصَابُ: الْأَمْعَاءُ، وَاحِدُهَا قُصْبٌ. وَالْقَصَبُ مَعْرُوفٌ، الْوَاحِدَةُ قَصَبَةٌ. وَالْقَصْبَاءُ: جَمْعُ قَصَبَةٍ أَيْضًا. وَالْقَصَبُ: أَنَابِيبُ مِنْ جَوْهَرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «بَشِّرْ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» ".

(5/94)


وَالْقَصَبُ: عُرُوقُ الرِّئَةِ. وَالْقَصَبُ. مَخَارِجُ الْمَاءِ مِنَ الْعُيُونِ; وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَالْقُصَّابُ: الْمَزَامِيرُ. قَالَ:
وَشَاهِدُنَا الْجُلُّ وَالْيَاسَمِينُ وَالْمُسْمِعَاتُ بِقُصَّابِهَا وَمِنَ الْبَابِ الْقَصَائِبُ: الذَّوَائِبُ، وَاحِدَتُهَا قَصِيبَةٌ. وَيُقَالُ الْقُصَّابَةُ: الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ.

(قَصَدَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالدَّالُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ، يَدُلُّ أَحَدُهَا عَلَى إِتْيَانِ شَيْءٍ وَأَمِّهِ، وَالْآخَرُ عَلَى اكْتِنَازٍ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَصْلُ: قَصَدْتُهُ قَصْدًا وَمَقْصَدًا. وَمِنَ الْبَابِ: أَقْصَدَهُ السَّهْمُ، إِذَا أَصَابَهُ فَقُتِلَ مَكَانَهُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِدْ عَنْهُ. قَالَ الْأَعْشَى:
فَأَقْصَدَهَا [سَهْمِي] وَقَدْ كَانَ قَبْلَهَا ... لِأَمْثَالِهَا مِنْ نِسْوَةِ الْحَيِّ قَانِصَا
وَمِنْهُ: أَقْصَدَتْهُ حَيَّةٌ، إِذَا قَتَلَتْهُ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: قَصَدْتُ الشَّيْءَ كَسَرْتُهُ. وَالْقِصْدَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا تَكَسَّرَ، وَالْجَمْعُ قِصَدٌ. [وَمِنْهُ قِصَدُ] الرِّمَاحِ. وَرُمْحٌ قَصِدٌ، وَقَدِ انْقَصَدَ. قَالَ:
تَرَى قِصَدَ الْمُرَّانِ تُلْقَى كَأَنَّهَا ... تَذَرُّعٌ خُِرْصَانٍ بِأَيْدِي الشَّوَاطِبِ
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: النَّاقَةُ الْقَصِيدُ: الْمُكْتَنِزَةُ الْمُمْتَلِئَةُ لَحْمًا. قَالَ الْأَعْشَى:

(5/95)


قَطَعْتُ وَصَاحِبِي سُرُحٌ كِنَازٌ ... كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبَةٌ قَصِيدُ
وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْقَصِيدَةُ مِنَ الشِّعْرِ قَصِيدَةً لِتَقْصِيدِ أَبْيَاتِهَا، وَلَا تَكُونُ أَبْيَاتُهَا إِلَّا تَامَّةَ الْأَبْنِيَةِ.

(قَصَرَ) الْقَافُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْءُ مَدَاهُ وَنِهَايَتَهُ، وَالْآخَرُ عَلَى الْحَبْسِ. وَالْأَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ.
فَالْأَوَّلُ الْقِصَرُ: خِلَافُ الطُّولِ. يَقُولُ: هُوَ قَصِيرٌ بَيِّنُ الْقِصَرِ. وَيُقَالُ: قَصَّرْتُ الثَّوْبَ وَالْحَبْلَ تَقْصِيرًا. وَالْقَصْرُ: قَصْرُ الصَّلَاةِ: وَهُوَ أَلَّا يُتِمَّ لِأَجْلِ السَّفَرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ. وَالْقُصَيْرَى: أَسْفَلُ الْأَضْلَاعِ، وَهِيَ الْوَاهِنَةُ. وَالْقُصَيْرَى: أَفْعَى، سُمِّيَتْ لِقِصَرِهَا. وَيُقَالُ أَقْصَرَتِ الشَّاةُ، إِذَا أَسَنَّتْ حَتَّى تَقْصُرَ أَطْرَافُ أَسْنَانِهَا. وَأَقْصَرَتِ الْمَرْأَةُ: وَلَدَتْ أَوْلَادًا قِصَارًا. وَيُقَالُ: قَصَّرْتُ فِي الْأَمْرِ تَقْصِيرًا، إِذَا تَوَانَيْتُ، وَقَصَرْتُ عَنْهُ قُصُورًا: عَجَزْتُ. وَأَقْصَرْتُ عَنْهُ إِذَا نُزِعْتَ عَنْهُ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ. قَالَ:
لَوْلَا عَلَائِقُ مِنْ نَعَمٍ عَلِقْتُ بِهَا ... لَأَقْصَرَ الْقَلْبُ مِنِّي أَيَّ إِقْصَارِ
وَكُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَلَّا يَبْلُغَ مَدَى الشَّيْءِ وَنِهَايَتَهُ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ، وَقَدْ قُلْنَا إِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ: الْقَصْرُ: الْحَبْسُ، يُقَالُ: قَصَرْتُهُ

(5/96)


إِذَا حَبَسْتُهُ، وَهُوَ مَقْصُورٌ، أَيْ مَحْبُوسٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72] . وَامْرَأَةٌ قَاصِرَةُ الطَّرْفِ: لَا تَمُدُّهُ إِلَى غَيْرِ بَعْلِهَا، كَأَنَّهَا تَحْبِسُ طَرْفَهَا حَبْسًا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ. وَمِنَ الْبَابِ: قُصَارَاكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَقَصْرُكَ، كَأَنَّهُ يُرَادُ مَا اقْتَصَرْتَ عَلَيْهِ وَحَبَسْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ. وَالْمَقَاصِرُ: جُمَعُ مَقْصُورَةٍ، وَكُلُّ نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ إِذَا أُحِيطَ عَلَيْهَا فَهِيَ مَقْصُورَةٌ. وَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ. وَيَقُولُونَ: فَرَسٌ قَصِيرٌ: مُقَرَّبَةٌ مُدْنَاةٌ لَا تُتْرَكُ تَرُودُ، لِنَفَاسَتِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا. قَالَ:
تَرَاهَا عِنْدَ قُبَّتِنَا قَصِيرًا ... وَنَبْذُلُهَا إِذَا بَاقَتْ بَؤُوقُ
وَجَارِيَةٌ قَصِيرَةٌ وَقَصُورَةٌ مِنْ هَذَا. وَالتِّقْصَارُ: قِلَادَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْمِخْنَقَةِ، وَكَأَنَّهَا حُبِسَتْ فِي الْعُنُقِ. قَالَ:
وَلَهَا ظَبْيٌ يُؤَرِّثُهَا ... جَاعِلٌ فِي الْجِيدِ تِقْصَارَا
وَمِنَ الْبَابِ: قَصْرُ الظَّلَامِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُهُ. وَقَدْ أَقْبَلَتْ مَقَاصِرُ الظَّلَامِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَشِيِّ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى الْقِيَاسِ فَيُقَالُ: إِنَّ الظَّلَامَ يَحْبِسُ عَنِ التَّصَرُّفِ. وَيُقَالُ: أَقَصَرْنَا، إِذَا دَخَلْنَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَقْصَرَةُ، وَالْجَمْعُ مَقَاصِرُ. قَالَ:

(5/97)


فَبَعَثْتُهَا تَقِصُ الْمَقَاصِرَ ... بَعْدَمَا كَرَبَتْ حَيَاةُ النَّارِ لِلْمُتَنَوِّرِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَصَرُ: جَمْعُ قَصَرَةٍ، وَهِيَ أَصْلُ الْعُنُقِ، وَأَصْلُ الشَّجَرَةِ، وَمُسْتَغْلَظُهَا. وَقُرِئَتْ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات: 32] . وَالْقَصَرُ: دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الْقِصَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْقَافِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَضَعَ) الْقَافُ وَالضَّادُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَقِيَاسُهُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ. قَالُوا: الْقَضْعُ: الْقَهْرُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ قُضَاعَةُ. وَذَكَرَ نَاسٌ أَنَّ قُضَاعَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ انْقَضَعَ عَنْ قَوْمِهِ، أَيِ انْقَطَعَ. فَإِنَّ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، تَكُونُ الضَّادُ مُبْدَلَةً مِنْ طَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " تَقَضَّعَ الْقَوْمُ: تَفَرَّقُوا ". وَهَذَا مِنَ الْإِبْدَالِ أَيْضًا.

(قَضَفَ) الْقَافُ وَالضَّادُ وَالْفَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى دِقَّةٍ وَلَطَافَةٍ. فَالْقَضَفُ: الدِّقَّةُ; يُقَالُ عُودٌ قَضِفٌ وَقَضِيفٌ. وَجَمْعُ قَضِيفٍ قِضَافٌ. وَمِنْهُ الْقَضَفَةُ، وَالْجَمْعُ قُِضْفَانٌ: قِطْعَةٌ مِنْ رَمْلٍ تَنْقَضِفُ مِنْ مُعْظَمِهِ، أَيْ تَنْكَسِرُ.

(5/98)


(قَضَمَ) الْقَافُ وَالضَّادُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا: إِحْدَاهُمَا الْقَضْمُ: قَضْمُ الدَّابَّةِ شَعِيرَهَا; يُقَالُ قَضِمَتْ تَقْضَمُ. وَيَقُولُونَ: مَا ذُقْتُ قَضَامًا. وَيُقَالُ: الْقَضْمُ: الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ، وَالْخَضْمُ بِالْفَمِ كُلِّهِ. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْقَضِيمُ، يُقَالُ إِنَّهُ الْجِلْدُ الْأَبْيَضُ، أَوِ الصَّحِيفَةُ الْبَيْضَاءُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا ... عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوَانِعُ.

(قَضِيَ) الْقَافُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِحْكَامِ أَمْرٍ وَإِتْقَانِهِ وَإِنْفَاذِهِ لِجِهَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] أَيْ أَحْكَمَ خَلْقَهُنَّ. ثُمَّ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ
وَالْقَضَاءُ: الْحُكْمُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذِكْرِ مَنْ قَالَ: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ أَيِ اصْنَعْ وَاحْكُمْ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْقَاضِي قَاضِيًا، لِأَنَّهُ يُحْكِمُ الْأَحْكَامَ وَيُنْفِذُهَا. وَسُمِّيَتِ الْمَنِيَّةُ قَضَاءً لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُنْفَذُ فِي ابْنِ آدَمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ. قَالَ الْحَارِثُ ابْنُ حِلِّزَةَ:
وَثَمَانُونَ مِنْ تَمِيمٍ بِأَيْدِي ... هِمْ رِمَاحٌ صُدُورُهُنَّ الْقَضَاءُ أَيِ الْمَنِيَّةُ
. وَكُلُّ كَلِمَةٍ فِي الْبَابِ فَإِنَّهَا تَجْرِي عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا

(5/99)


هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. يَقُولُونَ: الْقَُضْأَةُ: الْعَيْبُ، يُقَالُ مَا عَلَيْكَ مِنْهُ قُضْأَةٌ وَفِي عَيْنِهِ قَُضْأَةٌ، أَيْ فَسَادٌ.

(قَضَبَ) الْقَافُ وَالضَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: قَضَبْتُ الشَّيْءَ قَضْبًا. «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، إِذَا رَأَى التَّصْلِيبَ فِي ثَوْبٍ قَضَبَهُ» ، أَيْ قَطَعَهُ. وَانْقَضَبَ النَّجْمُ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ ... مُسَوَّمٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مُنْقَضِبُ
وَالْقَضِيبُ: الْغُصْنُ. وَالْقَضْبُ: الرَّطْبَةُ، سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تُقْضَبُ. وَالْمَقَاضِبُ: الْأَرَضُونُ تُنْبِتُ الْقَضْبَ. وَقَضَبْتُ الْكَرْمَ: قَطَعْتُ أَغْصَانَهُ أَيَّامَ الرَّبِيعِ. وَسَيْفٌ قَاضِبٌ وَقَضِيبٌ: قَطَّاعٌ. وَرَجُلٌ قَضَّابَةٌ: قَطَّاعٌ لِلْأُمُورِ مُقْتَدِرٌ عَلَيْهَا. وَقُضَابَةُ الْكَرْمِ: مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ أَطْرَافِهِ إِذَا قُضِبَ.
وَمِنَ الْبَابِ: اقْتَضَبَ فُلَانٌ الْحَدِيثَ، إِذَا ارْتَجَلَهُ، وَكَأَنَّهُ كَلَامٌ اقْتَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَلَا فِكْرٍ. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: نَاقَةٌ قَضِيبٌ، إِذَا رُكِبَتْ قَبْلَ أَنْ تُرَاضَ. وَقَدِ اقْتَضَبْتُهَا. وَقَضِيبٌ: وَادٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/100)


(قَطَعَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى صَرْمٍ وَإِبَانَةِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: قَطَعْتُ الشَّيْءَ أَقْطَعُهُ قَطْعًا. وَالْقَطِيعَةُ: الْهِجْرَانُ. يُقَالُ: تَقَاطَعَ الرَّجُلَانِ، إِذَا تَصَارَمَا. وَبَعَثَتْ فُلَانَةُ إِلَى فُلَانَةَ بِأُقْطُوعَةٍ، وَهِيَ شَيْءٌ تَبْعَثُهُ إِلَيْهَا عَلَامَةً لِلصَّرِيمَةِ. وَالْقِطْعُ، بِكَسْرِ الْقَافِ، الطَّائِفَةُ مِنَ اللَّيْلِ، كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ. وَيُقَالُ: قَطَعْتُ قَطْعًا. وَقَطَعَتِ الطَّيْرُ قُطُوعًا، إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بِلَادِ [الْبَرْدِ إِلَى بِلَادِ] الْحَرِّ، أَوْ مِنْ تِلْكَ إِلَى هَذِهِ. وَالْقَطِيعُ: السَّوْطُ. قَالَ الْأَعْشَى:
تُرَاقِبُ كَفِّي وَالْقَطِيعَ الْمُحَرَّمَا
وَأَقْطَعْتُ الرَّجُلَ إِقْطَاعًا، كَأَنَّهُ طَائِفَةٌ قَدْ قُطِعَتْ مِنْ بَلَدٍ. وَيَقُولُونَ لِلْيَائِسِ مِنَ الشَّيْءِ: قَدْ قُطِعَ بِهِ، كَأَنَّهُ أَمَلٌ أَمَّلَهُ فَانْقَطَعَ. وَقَطَعْتُ النَّهْرَ قُطُوعًا، إِذَا عَبَرْتَهُ. وَأَقْطَعْتُ فُلَانًا قُضْبَانًا مِنَ الْكَرْمِ، إِذَا أَذِنْتَ لَهُ فِي قَطْعِهَا. وَالْقَضِيبُ: الْقَطِيعُ مِنَ الشَّجَرَةِ تُبْرَى مِنْهُ السِّهَامُ، وَالْجَمْعُ أَقْطُعٌ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَنَمِيمَةً مِنْ قَانِصٍ مُتَلَبِّبٍ ... فِي كَفِّهِ جَشْءٌ أَجَشُّ وَأَقْطُعُ
وَهَذَا الثَّوْبُ يُقْطِعُكَ قَمِيصًا. وَيُقَالُ: إِنَّ مُقَطِّعَةَ النِّيَاطِ: الْأَرْنَبُ، فَيُقَالُ

(5/101)


إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ نِيَاطَ مَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْجَوَارِحِ فِي طَلَبِهَا. وَيُقَالُ: النِّيَاطُ: بُعْدُ الْمَفَازَةِ. وَمِنَ الْبَابِ: قَطَّعَ الْفُرْسُ الْخَيْلَ تَقْطِيعًا: خَلَّفَهَا وَمَضَى، وَهُوَ تَفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مُقَطِّعَةِ النِّيَاطِ، إِذَا أُرِيدَ نِيَاطُ الْجَارِحِ.
وَيُزَادُ فِي بِنَائِهِ فَيُقَالُ: جَاءَتِ الْخَيْلُ مُقْطَوْطِعَاتٍ، أَيْ سِرَاعًا. وَيَقُولُونَ: جَارِيَةٌ قَطِيعُ الْقِيَامِ. كَأَنَّهَا مِنْ سِمَنِهَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ. وَفُلَانٌ مُنْقَطِعُ الْقَرِينِ فِي سَخَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ} [الحج: 15] . إِنَّهُ الِاخْتِنَاقُ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ صَحِيحٌ. وَمُنْقَطَعُ الرَّمْلِ وَمَقْطَعُهُ: حَيْثُ يَنْقَطِعُ. وَالْقَطِيعُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ. وَالْمُقَطَّعَاتُ: الثِّيَابُ الْقِصَارُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ لَهُ» "، وَكَذَلِكَ مُقَطَّعَاتُ أَبْيَاتِ الشِّعْرِ. وَالْقُطْعُ: الْبُهْرُ. وَمَقَاطِعُ الْأَوْدِيَةِ: مَآخِيرُهَا. وَأَصَابَ بِئْرَ فُلَانٍ قُطْعٌ، إِذَا نَقَصَ مَاؤُهَا. وَالْقِطَعُ بِكَسْرِ الْقَافِ: الطِّنْفِسَةُ تُلْقَى عَلَى الرَّحْلِ; وَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ نَاسِجَهَا يَقْطَعُهَا مِنْ غَيْرِهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ، كَمَا يُسَمَّى الثَّوْبُ جَدِيدًا كَأَنَّ نَاسِجَهُ جَدَّهُ الْآنَ. وَالْجَمْعُ قُطُوعٌ. قَالَ:
أَتَتْكَ الْعِيسُ تَنْفُخُ فِي بُرَاهَا ... تَكَشَّفُ عَنْ مَنَاكِبِهَا الْقَطُوعُ
وَالْقِطْعُ: النَّصْلُ مِنَ السِّهَامِ الْعَرِيضِ، كَأَنَّهُ لَمَّا بُرِيَ قُطِعَ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقُطَيْعَاءُ: [ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ. قَالَ] :

(5/102)


[بَاتُوا يُعَشُّونَ الْقُطَيْعَاءَ] ضَيْفَهُمْ ... وَعِنْدَهُمُ الْبَرْنِيُّ فِي جُلَلٍ ثُجْلِ.

(قَطَفَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ ثَمَرَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ، فَتَقُولُ: قَطَفْتُ الثَّمَرَةَ أَقْطِفُهَا قَطْفًا. وَالْقِطْفُ: الْعُنْقُودُ. وَيُقَالُ: أَقَطَفَ الْكَرْمُ: دَنَا قِطَافُهُ. وَالْقُطَافَةُ: مَا يَسْقُطُ مِنَ الْقُطُوفِ. وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: قَطَفَ الدَّابَّةُ يَقْطِفُ قَطْفًا، وَهُوَ قَطُوفٌ، كَأَنَّهُ مِنْ سُرْعَةِ نَقْلِهِ قَوَائِمَهُ يَقْطِفُ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا. وَقَدْ يُقَالُ لِلْخَدْشِ: قَطْفٌ; وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ. [قَالَ] :
وَلَكِنْ وَجْهَ مَوْلَاكَ تَقْطِفُ.

(قَطَلَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: قَطَلَهُ قَطْلًا، وَهُوَ قَطِيلٌ وَمَقْطُولٌ. وَنَخْلَةٌ قَطِيلٌ، إِذَا قُطِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَسَقَطَتْ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَطِيلَةَ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْكِسَاءِ وَالثَّوْبِ يُنْشَفُ بِهَا الْمَاءُ. وَالْمِقْطَلَةُ: حَدِيدَةٌ يُقْطَعُ بِهَا، وَالْجَمْعُ مَقَاطِلُ، وَيُقَالُ إِنَّ أَبَا ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيَّ كَانَ يُلَقَّبُ " الْقَطِيلَ ".

(قَطَمَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ، وَعَلَى شَهْوَةٍ. فَالْقَطْعُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقَطْمِ. يَقُولُونَ: قَطَمَ الْفَصِيلُ الْحَشِيشَ بِأَدْنَى فَمِهِ يَقْطِمُهُ. وَقَطَامِ: اسْمٌ مَعْدُولٌ، يَقُولُونَ إِنَّهُ مِنَ الْقَطْمِ. وَهُوَ الْقَطْعُ.

(5/103)


وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَالْقَطَمُ. وَالرَّجُلُ الشَّهْوَانُ اللَّحْمِ قَطِمٌ. وَالْقُطَامِيُّ: الصَّقْرُ، وَلَعَلَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى اللَّحْمِ. وَفَحْلٌ قَطِمٌ: مُشْتَهٍ لِلضِّرَابِ.

(قَطَنَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارٍ بِمَكَانٍ وَسُكُونٍ. يُقَالُ: قَطَنَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ. وَسَكَنُ الدَّارِ: قَطِينُهُ. وَمِنَ الْبَابِ قَطِينُ الْمَلِكِ، يُقَالُ هُمْ تُبَّاعُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ حَيْثُ يَسْكُنُ. وَحَشَمُ الرَّجُلِ: قَطِينُهُ أَيْضًا.
وَالْقُطْنُ عِنْدَنَا مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ لِأَهْلِ الْمَدَرِ وَالْقَاطِنِينَ بِالْقُرَى. وَكَذَلِكَ الْقِطْنِيَّةُ وَاحِدَةُ الْقَطَانِيِّ كَالْعَدَسِ وَشِبْهِهِ، لَا تَكُونُ إِلَّا لِقُطَّانِ الدُّورِ. وَيُقَالُ لِلْكَرْمِ إِذَا بَدَتْ زَمَعَاتُهُ: قَدْ قَطَّنَ; كَأَنَّ زَمَعَاتِهِ شُبِّهَتْ بِالْقُطْنِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْقَطِنَةَ، وَالْجَمْعُ الْقَطِنُ: لُحْمَةٌ بَيْنَ الْوَرِكَيْنِ. قَالَ:
حَتَّى أَتَى عَارِيَ الْجَآجِي وَالْقَطِنْ
وَسُمِّيَتْ قَطِنَةً لِلُزُومِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَكَذَلِكَ الْقَطِنَةُ، وَهِيَ شِبْهُ الرُّمَّانَةِ فِي جَوْفِ الْبَقَرَةِ.

(قَطَوَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَارَبَةٍ فِي الْمَشْيِ. يُقَالُ: الْقَطْوُ: مُقَارَبَةُ الْخَطْوِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْقَطَاةُ، وَجَمْعُهَا قَطًا.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: " لَيْسَ قَطًا مِثْلَ قُطَيٍّ "، أَيْ لَيْسَ الْأَكَابِرُ مِثْلَ الْأَصَاغِرِ. قَالَ:
لَيْسَ قَطًا مِثْلَ قُطَيٍّ وَلَا الْ ... مَرْعِيُّ فِي الْأَقْوَامِ كَالرَّاعِي

(5/104)


وَسُمِّيَتْ قَطَاةً لِأَنَّهَا تَقْطُو فِي الْمِشْيَةِ. وَيَقُولُونَ: اقْطَوْطَى الرَّجُلُ فِي مِشْيَتِهِ; اسْتَدَارَ. وَمِمَّا اسْتُعِيرَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْقَطَاةُ: مَقْعَدُ الرَّدِيفِ مِنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ.

(قَطَبَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ. يُقَالُ: جَاءَتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً، إِذَا جَاءَتْ بِأَجْمَعِهَا. وَيُقَالُ قَطَبْتُ الْكَأْسَ أَقْطِبُهَا قَطْبًا، إِذَا مَزَجْتُهَا. وَالْقِطَابُ: الْمِزَاجُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَطَبَ الرَّجُلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَالْقَطِيبَةُ: أَلْوَانُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ يُخْلَطَانِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْقُطْبُ: قُطْبُ الرَّحَى، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَمْرَهَا إِذْ كَانَ دَوْرُهُ عَلَيْهَا. وَمِنْهُ قُطْبُ السَّمَاءِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ نَجْمٌ يَدُورُ عَلَيْهِ الْفَلَكُ. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: فُلَانٌ قُطْبُ بَنِي فُلَانٍ، أَيْ سَيِّدُهُمُ الَّذِي يَلُوذُونَ بِهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقُطْبَةُ: نَصْلٌ صَغِيرٌ تُرْمَى بِهِ الْأَغْرَاضُ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَطَبْتُ الشَّيْءَ، إِذَا قَطَعْتُهُ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الضَّادُ قَضَبْتُ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

(قَطَرَ) الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ هَذَا بَابٌ غَيْرُ مَوْضُوعٍ عَلَى قِيَاسٍ، وَكَلِمُهُ مُتَبَايِنَةُ الْأُصُولِ، وَقَدْ كَتَبْنَاهَا. فَالْقُطْرُ: النَّاحِيَةُ. وَالْأَقْطَارُ: الْجَوَانِبُ، وَيُقَالُ: طَعَنَهُ فَقَطَّرَهُ، أَيْ أَلْقَاهُ عَلَى أَحَدِ قُطْرَيْهِ، وَهُمَا جَانِبَاهُ. قَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتُهَا ... مَا قَطَّرَ الْفَارِسَ إِلَّا أَنَا
وَالْقُطُرُ: الْعُودُ. قَالَ طَرَفَةُ:

(5/105)


وَتَنَادَى الْقَوْمُ فِي نَادِيهِمُ ... أَقُتَارٌ ذَاكَ أَمْ رِيحُ قُطُرْ
وَالْقَطْرُ: قَطْرُ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا بَابٌ يَنْقَاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّتَابُعُ. وَمِنْ ذَلِكَ قِطَارُ الْإِبِلِ. وَتَقَاطَرَ الْقَوْمُ، إِذَا جَاؤُوا أَرْسَالًا، مَأْخُوذٌ مِنْ قِطَارِ الْإِبِلِ. وَالْبَعِيرُ الْقَاطِرُ: الَّذِي لَا يَزَالُ بَوْلُهُ يَقْطُرُ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " الْإِنْفَاضُ يُقَطِّرُ الْجَلَبَ "، يَقُولُ: إِذَا أَنْفَضَ الْقَوْمُ أَيْ قَلَّتْ أَزْوَادُهُمْ وَمَا عِنْدَهُمْ قَطَّرُوا الْإِبِلَ فَجَلَبُوهَا لِلْبَيْعِ. وَالْقَطِرَانُ، مُمْكِنٌ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْطُرُ، وَهُوَ فَعِلَانٌ. وَيُقَالُ: قَطَرْتُ الْبَعِيرَ بِالْهِنَاءِ أَقْطُرُهُ. قَالَ:
كَمَا قَطَرَ الْمَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطَّالِي
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، الْقِطْرُ: النُّحَاسُ. وَقَوْلُهُمْ: قَطَرَ فِي الْأَرْضِ، أَيْ ذَهَبَ. وَاقْطَارَّ النَّبَاتُ، إِذَا قَارَبَ الْيُبْسَ.

[بَابُ الْقَافِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(قَعَلَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَاللَّامُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ غَيْرُ مُتَجَانِسَةٍ وَلَا قِيَاسَ لَهَا.
فَالْأُولَى الْقُعَالُ: مَا تَنَاثَرَ مِنْ نَوْرِ الْعِنَبِ. وَالثَّانِيَةُ: الْقَوَاعِلُ: رُؤُوسُ

(5/106)


الْجِبَالِ، وَاحِدَتُهَا قَاعِلَةٌ. وَالثَّالِثَةُ الْقَعْوَلَى: مِشْيَةٌ يَسْفِي مَاشِيهَا التُّرَابَ بِصُدُورِ قَدَمَيْهِ.

(قَعَمَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ كَلِمَاتٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ. يَقُولُونَ: أُقْعِمَ الرَّجُلُ، إِذَا أَصَابَهُ دَاءٌ فَقَتَلَهُ. وَأَقْعَمَتْهُ الْحَيَّةُ. وَالْقَعَمُ: مَيَلٌ فِي الْأَنْفِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْقَعَمَ فِي الْأَلْيَتَيْنِ: ارْتِفَاعُهُمَا، لَا تَكُونَانِ مُسْتَرْخِيَتَيْنِ. وَيَقُولُونَ: الْقَيْعَمُ: السِّنَّوْرُ.

(قَعَنَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالنُّونُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قُعَيْنٌ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ.

(قَعَوَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ فِيهِ كَلِمَاتٌ لَا قِيَاسَ لَهَا.
يَقُولُونَ: قَعَا الْفَحْلُ النَّاقَةَ قُعُوًّا. وَالْقَعْوُ: خَشَبَتَانِ فِي الْبَكْرَةِ فِيهِمَا الْمِحْوَرُ. قَالَ:
مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ اللَّحْمِ بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَُ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ
وَأَقْعَى الرَّجُلُ فِي مَجْلِسِهِ، إِذَا تَسَانَدَ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ. وَنُهِيَ عَنِ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: امْرَأَةٌ قَعْوَاءُ: دَقِيقَةُ السَّاقَيْنِ.

(5/107)


(قَعَثَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالثَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةٍ. يَقُولُونَ: الْقَعِيثُ: الْمَطَرُ الْكَثِيرُ، وَالسَّيْبُ الْكَثِيرُ، وَأَقْعَثَ لَهُ الْعَطِيَّةَ: أَجْزَلَهَا.

(قَعَدَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالدَّالُ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ مُنْقَاسٌ لَا يُخْلَفُ، وَهُوَ يُضَاهِي الْجُلُوسَ وَإِنْ كَانَ يُتَكَلَّمُ فِي مَوَاضِعَ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا بِالْجُلُوسِ. يُقَالُ: قَعَدَ الرَّجُلُ يَقْعُدُ قُعُودًا. وَالْقَعْدَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَالْقِعْدَةُ: الْحَالُ حَسَنَةً أَوْ قَبِيحَةً فِي الْقُعُودِ. وَرَجُلٌ ضُجَعَةٌ قُعَدَةٌ: كَثِيرُ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ. وَالْقَعِيدَةُ: قَعِيدَةُ الرَّجُلِ: امْرَأَتُهُ. قَالَ:
لَكِنْ قَعِيدَةُ بَيْتِهَا مَجْفُوَّةٌ ... بَادٍ جَنَاجِنُ صَدْرِهَا وَبِهَا جَنَا
وَامْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ، إِنْ أَرَدْتَ الْقُعُودَ، وَقَاعِدٌ عَنِ الْحَيْضِ وَالْأَزْوَاجِ، وَالْجَمْعُ قَوَاعِدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] . وَالْمُقْعَدَاتُ: الضَّفَادِعُ. وَالْقُعْدُدُ: اللَّئِيمُ، وَزِيدَ فِي بِنَائِهِ لِقُعُودِهِ عَنِ الْمَكَارِمِ. وَأَمَّا الْقُعْدَدُ وَالْقُعْدُدُ فَهُوَ أَقْرَبُ الْقَوْمِ إِلَى الْأَبِ الْأَكْبَرِ. وَفُلَانٌ أَقْعَدُ نَسَبًا، إِذَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْأَبِ الْأَكْبَرِ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَاعِدٌ مَعَ الْأَبِ الْأَكْبَرِ. وَالْقَعِيدُ مِنَ الْوَحْشِ: مَا يَأْتِيكَ مِنْ وَرَائِكَ، وَهُوَ خِلَافُ النَّطِيحِ مُسْتَقْبِلُكَ.
وَالْقَعَدُ: الْقَوْمُ لَا دِيوَانَ لَهُمْ، فَكَأَنَّهُمْ أُقْعِدُوا عَنِ الْغَزْوِ. وَالثَّدْيُ الْمُقْعَدُ عَلَى النَّهْدِ:

(5/108)


النَّاهِدُ، كَأَنَّهُ أُقْعِدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. وَذُو الْقَعْدَةِ: شَهْرٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَقْعُدُ فِيهِ عَنِ الْأَسْفَارِ. وَالْقُعْدَةُ: الدَّابَّةُ تُقْتَعَدُ لِلرُّكُوبِ خَاصَّةً. وَالْقَعُودُ مِنَ الْإِبِلِ كَذَلِكَ. وَيُقَالُ الْقَعِيدَةُ: الْغِرَارَةُ، لِأَنَّهَا تُمْلَأُ وَتُقْعَدُ. وَالْقَعِيدُ: الْجَرَادُ الَّذِي لَمْ يَسْتَوِ جَنَاحُهُ. وَقَوَاعِدُ الْبَيْتِ: أَسَاسُهُ. وَقَوَاعِدُ الْهَوْدَجِ: خَشَبَاتٌ أَرْبَعٌ مُعْتَرِضَاتٌ فِي أَسْفَلِهِ. وَالْإِقْعَادُ وَالْقُعَادُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَوْرَاكِهَا فَيُمِيلُهَا إِلَى الْأَرْضِ. وَالْمُقْعَدَةُ مِنَ الْآبَارِ: الَّتِي أُقْعِدَتْ فَلَمْ يُنْتَهَ بِهَا إِلَى الْمَاءِ وَتُرِكَتْ. وَالْمُقْعَدُ: فَرْخُ النَّسْرِ. وَقَعَدَتِ الرَّخَمَةُ، إِذَا جَثَمَتْ. وَالْمَقَاعِدُ: مَوْضِعُ قُعُودِ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ. وَالْقُعُدَاتُ: السُّرُوجُ وَالرِّحَالُ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَعِيدَكَ اللَّهُ، وَقَعْدَكَ اللَّهُ، فِي مَعْنَى الْقَسَمِ. . . . . . . . . . . .

(قَعَرَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى هَزْمٍ فِي الشَّيْءِ ذَاهِبٍ سُفْلًا. يُقَالُ: هَذَا قَعْرُ الْبِئْرِ، وَقَعْرُ الْإِنَاءِ، وَهَذِهِ قَصْعَةٌ قَعِيرَةٌ. وَقَعَّرَ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ: شَدَّقَ. وَامْرَأَةٌ قَعِرَةٌ: نَعْتُ سَوْءٍ فِي الْجِمَاعِ. وَانْقَعَرَتِ الشَّجَرَةُ مِنْ أَرُومَتِهَا: انْقَلَعَتْ.

(قَعَزَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالزَّاءُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا طَرِيفَةُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: قَعَزْتُ الْإِنَاءَ: مَلَأْتُهُ. وَقَعَزْتُ فِي الْمَاءِ: عَبَبْتُ.

(قَعَسَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ثَبَاتٍ وَقُوَّةٍ، وَيَتَوَسَّعُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمَنِيعِ الْعَزِيزِ: أَقْعَسُ

(5/109)


وَلِلْغَلِيظِ الْعُنُقِ قَوْعَسُ. [وَ] الْأَقْعَسَانِ: جَبَلَانِ طَوِيلَانِ. وَلَيْلٌ أَقْعَسُ، أَيْ طَوِيلٌ ثَابِتٌ، كَأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَبْرَحُ. وَالْإِقْعَاسُ: الْغِنَى وَالْإِكْثَارُ. وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ: ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ أَبَدًا. [قَالَ] :
وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ لَنْ تُنَاصَى
وَالْعِزُّ الْأَقْعَسُ فِي الْمُذَكَّرِ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا: الْقَعَسُ: دُخُولُ الْعُنُقِ فِي الصَّدْرِ حَتَّى يَصِيرَ خِلَافَ الْحَدَبِ، لِأَنَّ صَدْرَهُ كَأَنَّهُ يَرْتَفِعُ. يُقَالُ: تَقَاعَسَ تَقَاعُسًا، وَاقْعَنْسَسَ اقْعِنْسَاسًا. قَالَ:
بِئْسَ مُقَامُ الشَّيْخِ أَمْرِسْ أَمْرِسِ ... إِمَّا عَلَى قَعْوٍ وَإِمَّا اقْعَنْسِسِ.

(قَعَشَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالشِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْحِنَاءٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ قَعَشْتُ رَأْسَ الْخَشَبَةِ كَيْمَا تُعْطَفُ إِلَيْكَ. وَقَعَشْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّكَ تَعْطِفُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَتَقَعْوَشَ الرَّجُلُ، إِذَا انْحَنَى. وَكَذَلِكَ الْجِذْعُ. وَالْقُعُوشُ: مَرَاكِبُ النِّسَاءِ، الْوَاحِدُ قَعْشٌ.

(قَعَصَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَاءٍ يَدْعُو إِلَى الْمَوْتِ. يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَقْعَصَهُ: أَيْ قَتَلَهُ مَكَانَهُ. وَالْقَعَصُ: الْمَوْتُ الْوَحِيُّ. وَمَاتَ فُلَانٌ قَعَْصًا. وَالْقُعَاصُ: دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الصَّدْرِ كَأَنَّهُ يَكْسِرُ الْعُنُقَ، يُقَالُ قُعِصَتْ فَهِيَ مَقْعُوصَةٌ.

(5/110)


(قَعَضَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَطْفِ شَيْءٍ وَحَنْيِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْقَعْضُ: عَطْفُكَ رَأْسَ الْخَشَبَةِ، كَمَا تُعْطَفُ عُرُوشُ الْكَرْمِ. وَهُوَ قَوْلُهُ:
أُطُرَ الصَّنَاعَيْنِ [الْعَرِيشَ] الْقَعْضَا.

(قَعَطَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شَدِّ شَيْءٍ، وَعَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْاقْتِعَاطُ، وَهُوَ شَدُّ الْعِصَابَةِ وَالْعِمَامَةِ. يُقَالُ: اقْتَعَطْتُ الْعِمَامَةَ، وَذَلِكَ أَنْ يَشُدَّهَا بِرَأْسِهِ وَلَا يَجْعَلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَمَرَ بِالتَّلَحِّي وَنَهَى عَنِ الِاقْتِعَاطِ» ". وَيَقُولُونَ: الْقَعَطُ: الْغَضَبُ وَشِدَّةُ الصِّيَاحِ. وَالْقَعْطُ: الضِّيقُ. يُقَالُ: قَعَّطَ عَلَى غَرِيمِهِ: ضَيَّقَ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْقَعْطُ: الشَّاءُ الْكَثِيرُ.

(قَعَفَ) الْقَافُ وَالْعَيْنُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اجْتِرَافِ شَيْءٍ وَأَخْذِهِ أَجْمَعَ. مِنْ ذَلِكَ الْقَعْفُ، وَهُوَ شِدَّةُ الْوَطْءِ وَاجْتِرَافُ التُّرَابِ بِالْقَوَائِمِ. وَالْقَاعِفُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ يَجْرُفُ وَجْهَ الْأَرْضِ. وَسَيْلٌ قُعَافٌ، مِثْلُ الْجُرَافِ. وَقَعَفْتُ النَّخْلَةَ، إِذَا قَلَعْتُهَا مِنْ أَصْلِهَا. وَالْقَعْفُ: اشْتِفَافُكَ مَا فِي الْإِنَاءِ أَجْمَعَ.

[بَابُ الْقَافِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/111)


(قَفَلَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى أَوْبَةٍ مِنْ سَفَرٍ، وَالْآخَرُ عَلَى صَلَابَةٍ وَشِدَّةٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْقُفُولُ، وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنَ السَّفَرِ، وَلَا يُقَالُ لِلذَّاهِبِينَ قَافِلَةٌ حَتَّى يَرْجِعُوا.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالْقَفِيلُ، وَهُوَ الْخَشَبُ الْيَابِسُ. وَمِنْهُ الْقُفْلُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ شَدًّا وَشِدَّةً. يُقَالُ أَقْفَلْتُ الْبَابَ فَهُوَ مُقْفَلٌ. وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: هُوَ مُقْفَلُ الْيَدَيْنِ. وَقَفَِلَ الشَّيْءُ: يَبِسَ. وَخَيْلٌ قَوَافِلُ: ضَوَامِرُ. وَيُقَالُ: أَقْفَلَهُ الصَّوْمُ: أَيْبَسَهُ.

(قَفَنَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالنُّونُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْقَفَنُ: لُغَةٌ فِي الْقَفَا. وَالْقَفِينَةُ: الشَّاةُ تُذْبَحُ مِنْ قَفَاهَا. وَيُقَالُ: إِنَّ الْقَفَّانَ: طَرِيقَةُ الشَّيْءِ وَمُنْتَهَى عَمَلِهِ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: " ثُمَّ أَكُونُ عَلَى قَفَّانِهِ ".

(قَفِيَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِتْبَاعِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَفْوُ، يُقَالُ قَفَوْتُ أَثَرَهُ. وَقَفَّيْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ، إِذَا أَتْبَعْتُهُ إِيَّاهُ. وَسُمِّيَتْ قَافِيَةُ الْبَيْتِ قَافِيَةً لِأَنَّهَا تَقْفُو سَائِرَ الْكَلَامِ، أَيْ تَتْلُوهُ وَتَتْبَعُهُ. وَالْقَفَا: مُؤْخِرُ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَقْفُو الْوَجْهَ. وَالْقَافِيَةُ: الْقَفَا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «يَقْعُدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِهِمْ» ".
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: يُقَالُ فُلَانٌ قِفْوَتِي: أَيْ تُهْمَتِي، وَقِفْوَتِي، أَيْ خِيَرَتِي.

(5/112)


قَالَ: فَكَأَنَّهُ مِنَ الْأَضْدَادِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ إِذَا اتَّهَمَهُ: قَفَاهُ أَيْ تَبِعَهُ يَطْلُبُ سَيِّئَةً عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ خِيَرَتَهُ قَفَاهُ أَيْضًا أَيْ تَبِعَهُ يَرْجُو خَيْرَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ طَرِيقَةِ الْأَضْدَادِ فِي شَيْءٍ. وَالْقَفِيُّ وَالْقَفَاوَةُ: مَا يُدَّخَرُ مِنْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَنْ يُرَادُ تَكْرِمَتُهُ بِهِ. وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ، كَأَنَّهُ يُرَادَ [وَ] يُتْبَعُ بِهِ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ. قَالَ سَلَامَةُ:
لَيْسَ بِأَسَفَى وَلَا أَقْنَى وَلَا سَغِلٍ ... يُسْقَى دَوَاءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ
وَقَوْلُهُمْ: قَفَوْتُ الرَّجُلَ، إِذَا قَذَفْتُهُ بِفُجُورٍ هُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ أَتْبَعَهُ كَلَامًا قَبِيحًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا نَقْفُو أُمَّنَا» ".

(قَفَحَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالْحَاءُ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَفَحَتْ نَفْسُهُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا كَرِهَتْهُ. قَالَ: وَهُوَ فِي شِعْرِ الطِّرِمَّاحِ.

(قَفَخَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ ضَرْبُ الشَّيْءِ الْيَابِسِ عَلَى مِثْلِهِ. يُقَالُ قَفَخَ هَامَتَهُ. قَالَ:
قَفْخًا عَلَى الْهَامِ وَبَجًّا وَخْضَا.

(5/113)


(قَفَدَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَفَدُ: الْتِوَاءُ رُسْغِ الْيَدِ الْوَحْشِيِّ; رَجُلٌ أَقْفَدُ وَامْرَأَةٌ قَفْدَاءُ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ. وَيَقُولُونَ: الْقَفْدَاءُ: جِنْسٌ مِنَ الِاعْتِمَامِ.

(قَفَرَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ مِنْ خَيْرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَفْرُ: الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ. وَمِنْهُ الْقَفَارُ: الطَّعَامُ وَلَا أُدْمَ مَعَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ» ". وَامْرَأَةٌ قَفْرَةٌ: قَلِيلَةُ اللَّحْمِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، يَقُولُونَ: اقْتَفَرْتُ الْأَثَرَ وَاقْتَفَيْتُهُ، وَتَفَقَّرَ مِثْلُهُ. قَالَ صَخْرٌ:
فَإِنِّي عَنْ تَفَقُّرِكُمْ مَكِيثُ
وَأَمَّا الْقَفُّورُ فَنَبْتٌ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
تَرْعَى الْقَطَاةُ الْخِمْسَ قَفُّورَهَا ... ثُمَّ تَعُرُّ الْمَاءَ فِيمَنْ يَعُرْ
وَمِنَ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: نَزَلْنَا بِبَنِي فُلَانٍ فَبِتْنَا الْقَفْرَ، إِذَا لَمْ يَقْرُونَا وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ - وَلَيْسَ مِنَ الْبَابَيْنِ -: الْقَفَرُ: الشَّعْرُ. وَأَنْشَدَ:

(5/114)


قَدْ عَلِمَتْ خَوْدٌ بِسَاقَيْهَا الْقَفَرُ ... لَتُرْوَيَنَّ أَوْ لَتُبِيدَنَّ الشُّجُرْ
جَمْعُ شِجَارٍ وَهُوَ خَشَبُ الْبِئْرِ.

(قَفَزَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلَانِ يَدُلُّ [أَحَدُهُمَا] عَلَى شُبَهِ الْوَثْبِ، وَالْآخَرُ عَلَى شَيْءٍ يُلْبَسُ.
فَالْأَوَّلُ الْقَفَزَانُ: مَصْدَرُ قَفَزَ. وَيُقَالُ لِلضَّفَادِعِ: الْقَوَافِزُ. وَالْآخَرُ الْقُفَّازُ: وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْحُلِيِّ تَتَّخِذُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا. وَيَقُولُونَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِهَذَا: فَرَسٌ مُقَفَّزٌ، إِذَا اسْتَدَارَ تَحْجِيلُهُ بِقَوَائِمِهِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الْأَشَاعِرَ نَحْوَ الْمُنَعَّلِ. فَأَمَّا الْقَفِيزُ فَمُعَرَّبٌ.

(قَفَسَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالسِّينُ. يَقُولُونَ: الْقَفَسُ: الْغَضَبُ.

(قَفَشَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالشِّينُ. فِيهِ طَرِيفَةُ ابْنِ دُرَيْدٍ: قَفَشَ: جَمَعَ.

(قَفَصَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى جُمَعٍ وَاجْتِمَاعٍ. يَقُولُونَ: تَقَفَّصَ، إِذَا تَجَمَّعَ، وَقَفَّصْتُ الظَّبْيَ، إِذَا شَدَدْتُ قَوَائِمَهُ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقَفْصَ: الْوَثْبُ، مِنْ هَذَا، وَذَلِكَ تَجَمُّعٌ.

(قَفَطَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: قَفَطَ الطَّائِرُ، إِذَا سَفِدَ.

(5/115)


(قَفَعَ) الْقَافُ وَالْفَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: أُذُنٌ قَفْعَاءُ، كَأَنَّهَا أَصَابَتْهَا نَارٌ فَانْزَوَتْ. وَالرِّجْلُ الْقَفْعَاءُ: الَّتِي ارْتَدَّتْ أَصَابِعُهَا إِلَى الْقَدَمِ مِنَ الْبَرْدِ. وَالْقَفْعَةُ: شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ خُوصٍ يُجْتَنَى فِيهِ الرُّطَبُ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْجَرَادِ: " «لَيْتَ عِنْدَنَا مِنْهُ قَفْعَةً أَوْ قَفْعَتَيْنِ» ". وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ قَافٌ]
ٌ وَمِنْهُ مَا لَهُ أَدْنَى قِيَاسٍ، وَمِنْهُ مَا وُضِعَ وَضْعًا.
مِنْ ذَلِكَ (الْقَفَنْدَرُ) : الشَّيْخُ. وَالْقَفَنْدَرُ: اللَّئِيمُ الْفَاحِشُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، ثُمَّ يَكُونُ مَنْحُوتًا مِنَ الْقَفْدِ وَالْقَفْرُ: الْخَلَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْقَفْدُ مِنْ قَفَدْتُهُ، كَأَنَّهُ ذَلِيلٌ مَهِينٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَلَمَّسُ) : السَّيِّدُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ، وَهُوَ مِنَ الْقَمْسِ وَالْقَامُوسِ، وَهُوَ مُعْظَمُ الْمَاءِ، شُبِّهَ بِقَامُوسِ الْبَحْرِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَلَهْذَمُ) ، يُقَالُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ وَالْهَاءُ، وَهُوَ مِنَ الْقَذْمِ وَهُوَ الْكَثْرَةُ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَصَنْصَعُ) ، وَهُوَ الْقَصِيرُ، وَهُوَ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ وَكُرِّرَتْ صَادُهُ، وَهُوَ مِنَ الْقَصْعِ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الْقَصْعَ يَدُلُّ عَلَى مُطَامَنَةٍ فِي شَيْءٍ وَهَزْمٍ فِيهِ، كَأَنَّهُ قُصِعَ.

(5/116)


وَمِنْ ذَلِكَ (الْقُرْشُومُ) وَهُوَ الْقُرَادُ، وَقَدْ زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَأَصْلُهُ الْقِرْشُ، وَهُوَ الْجَمْعُ، سُمِّيَ قَرْشُومًا لِتَجَمُّعِ خَلْقِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْحَسَبُ (الْقُدْمُوسُ) : الْقَدِيمُ، وَهُوَ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ السِّينُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْقِدَمِ. وَرَجُلٌ قُدْمُوسٌ: سَيِّدٌ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقُرْضُوبُ) هُوَ اللِّصُّ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَأَصْلُهُ قَطْعُ الشَّيْءِ. يُقَالُ: قَرْضَبْتُهُ: قَطَعْتُهُ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ صَحِيحٌ، وَالْكَلِمَةُ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مَنْ قَرَضَ وَقَضَبَ، وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا: الْقَطْعُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقِنْعَاسُ) وَهُوَ الشَّدِيدُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأَقْعَسِ وَالْقَعْسَاءِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

وَمِنْهُ رَجُلٌ (قُنَاعِسٌ) : مُجْتَمِعُ الْخَلْقِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَمْطَرِيرُ) : الشَّدِيدُ، وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ وَكُرِّرَتْ تَأْكِيدًا لِلْمَعْنَى، وَالْأَصْلُ قَمَطَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ بَعِيرٌ قِمَطْرٌ: مُجْتَمِعُ الْخَلْقِ. وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ وَاحِدٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ (اقْفَعَلَّتْ) يَدُهُ: تَقَبَّضَتْ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ، وَهُوَ مَنْ تَقَفَّعَ الشَّيْءُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَلْفَعُ) ، وَهُوَ مَا يَبِسَ مِنَ الطِّينِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَتَقَلَّفُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ: مِنْ قَفَعَ، وَقَلَعَ، وَقَلَفَ، وَقَدْ فُسِّرَ.

(5/117)


وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَرَقُوسُ) ، وَهُوَ الْقَاعُ الْأَمْلَسُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَرَقِ، وَالسِّينُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقَنَازِعُ) مِنَ الشَّعْرِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ وَطَالَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَزْعِ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقُرْفُصَاءُ) ، وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ قِعْدَةَ الْمُحْتَبِي ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى سَاقَيْهِ كَأَنَّهُ مُحْتَبٍ بِهِمَا. وَيُقَالُ: قَرْفَصْتُ الرَّجُلَ: شَدَدْتُهُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَفْصِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (أُمُّ قَشْعَمٍ) : الْمَنِيَّةُ وَالدَّاهِيَةُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَالْأَصْلُ الْقَشْعُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (قُرْمُوصُ) الصَّائِدُ: بَيْتُهُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَأَصْلُهُ الْقُمُصُ وَقَدْ مَرَّ.

وَمِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ: بَعِيرٌ (قُرَامِلُ) : عَظِيمُ الْخَلْقِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ لَامُهُ، وَأَصْلُهُ الْقَرْمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْقُطْرُبُ) ، وَهُوَ دُوَيْبَةٌ تَسْعَى نَهَارَهَا دَائِبًا. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْقَافُ، وَالْأَصْلُ الطَّرَبُ: خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ; فَسُمِّيَ قُطْرُبًا لِخِفَّتِهِ فِي سَعْيِهِ. وَيَقُولُونَ: الْقُطْرُبُ: الْجُنُونُ. وَالْقُطْرُبُ: الْكَلْبُ الصَّغِيرُ، وَقِيَاسُهُ وَاحِدٌ.

(5/118)


وَمِمَّا وُضِعَ وَضْعًا (الْقَلَهْبَسَةُ) : الْهَامَةُ الْمُدَوَّرَةُ.

وَ (الْقِطْمِيرُ) : الْحَبَّةُ فِي بَطْنِ النَّوَاةِ.

وَ (الْقِرْمِيدُ) : الْآجُرُّ.

وَيَقُولُونَ: (الْقُرْقُوفُ) : الْجَوَّالُ.

وَيَقُولُونَ (اقْرَنْبَعَ) فِي جِلْسَتِهِ: تَقَبَّضَ.

وَ (اقْمَعَدَّ) : عَسُرَ.

وَ (اقْذَعَلَّ) : عَسُرَ.

وَ (الْقَبَعْثَرُ) الْعَظِيمُ الْخَلْقِ.

وَ (الْقَرَبُوسُ) لِلسَّرْجِ.

وَ (الْقِنْدَأْوَةُ) : الْعَظِيمُ.

وَيَقُولُونَ: مَا عَلَيْهِ (قِرْطَعْبَةٌ) ، أَيْ خِرْقَةٌ.

وَمَا عَلَيْهِ (قُذَعْمِلَةٌ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(تَمَّ كِتَابُ الْقَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) .

(5/119)


[كِتَابُ الْكَافِ] [بَابُ الْكَافِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الثُّنَائِيِّ أَوِ الْمُطَابِقِ]

بَابُ الْكَافِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الثُّنَائِيِّ أَوِ الْمُطَابِقِ
(كَلَّ) الْكَافُ وَاللَّامُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صِحَاحٌ. فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحِدَّةِ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى إِطَافَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَالثَّالِثُ عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ.
فَالْأَوَّلُ كَلَّ السَّيْفُ يَكِلُّ كُلُولًا وَكَلَّةً. وَالْكَلِيلُ: السَّيْفُ يَكِلُّ حَدُّهُ. وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْمَصْدَرِ كَلَالَةً أَيْضًا. وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ وَالطَّرَفُ الْكَلِيلَانِ. وَيُقَالُ: أَكَلَّ الْقَوْمُ، إِذَا كَلَّتْ إِبِلُهُمْ. وَكَلَّلَ فُلَانٌ مِثْلُ نَكَلَ، وَقَالَ قَوْمٌ: كَلَّلَ: حَمَلَ; وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَضَادَّاتِ. وَمِنَ الْبَابِ الْكَلُّ: الْعِيَالُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: 76] . وَيُقَالُ: الْكَلُّ: الْيَتِيمُ; وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِدَارَتِهِ. وَالْإِكْلِيلُ: مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ. وَالْإِكْلِيلُ: السَّحَابُ يَدُورُ بِالْمَكَانِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: سُمِّيَ الْإِكْلِيلَ لِإِطَافَتِهِ بِالرَّأْسِ. فَأَمَّا الْكَلَالَةُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْكَلَالَةُ هُمُ الرِّجَالُ الْوَرَثَةُ، كَمَا قَالَ أَعْرَابِيٌّ: " مَالِي كَثِيرٌ، وَيَرِثُنِي كَلَالَةٌ مُتَرَاخٍ نَسَبُهُمْ ". قَالَ: وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ، أَيْ تَعَطَّفَ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا بِالْمَصْدَرِ. وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ فِي الْكَلَالَةِ أَقْوَالًا مُتَقَارِبَةً. قَالُوا: الْكَلَالَةُ: بَنُو الْعَمِّ الْأَبَاعِدُ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: فَأَمَّا غَيْرُهُ

(5/121)


مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرَوَى زُهَيْرٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ " ضَجَّ عَلِيٌّ مِنْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: وَالْوَلَدُ خَارِجٌ مِنَ الْكَلَالَةِ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَمْ يَرِثْهُ كَلَالَةً، أَيْ لَمْ يَرِثْهُ عَنْ عُرُضٍ بَلْ عَنْ قُرْبٍ وَاسْتِحْقَاقٍ، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمُلْكِ غَيْرَ كَلَالَةٍ ... عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
وَأَمَّا الْآخَرُ فَالْكَلْكَلُ: الصَّدْرُ. وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَحْمُولًا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، كَأَنَّ الصَّدْرَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَحْتَهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْكُلْكُلُ: الْقَصِيرُ. وَانْكَلَّتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا ضَحِكَتْ تَنْكَلُّ. فَأَمَّا كُلٌّ فَهُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِحَاطَةِ مُضَافٌ أَبَدًا إِلَى مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُمُ الْكُلُّ وَقَامَ الْكُلُّ فَخَطَأٌ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُهُ.

(كَمْ) الْكَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى غِشَاءٍ وَغِطَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكُمَّةُ، وَهِيَ الْقَلَنْسُوَةُ، وَيُقَالُ مِنْهَا: تَكَمَّمَ الرَّجُلُ، وَتَكَمْكَمَ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ: " أَنَّ عُمَرَ رَأَى جَارِيَةً مُتَكَمْكِمَةً ". وَالْكُمُّ: كُمُّ الْقَمِيصِ، يُقَالُ مِنْهُ كَمَمْتُهُ، أَيْ جَعْلْتُ لَهُ كُمَّيْنِ. وَالْكِمُّ: وِعَاءُ الطَّلْعِ، وَالْجَمْعُ الْأَكْمَامُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَكِمَّةٌ وَأَكَامِيمُ. وَيُقَالُ: كَمَّ الْفَسِيلَ، إِذَا أَشْفَقَ عَلَيْهِ فَسُتِرَ حَتَّى يَقْوَى. وَالْأَكَامِيمُ: أَغْطِيَةُ النَّوْرِ. وَمِنَ الْبَابِ: الْكَمْكَامُ: الْمُجْتَمِعُ الْخَلْقِ.

(5/122)


(كَنَّ) الْكَافُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى سَتْرٍ أَوْ صَوْنٍ. يُقَالُ كَنَنْتُ الشَّيْءَ فِي كِنِّهِ، إِذَا جَعَلْتَهُ فِيهِ وَصُنْتَهُ. وَأَكْنَنْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ. وَالْكِنَانَةُ الْمَعْرُوفَةُ، وَهِيَ الْقِيَاسُ. وَمِنَ الْبَابِ الْكُنَّةُ، كَالْجَنَاحِ يُخْرِجُهُ الرَّجُلُ مِنْ حَائِطِهِ، وَهُوَ كَالسُّتْرَةِ. وَمِنَ الْبَابِ الْكَانُونُ، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ. وَرُبَّمَا سَمَّوُا الرَّجُلَ الثَّقِيلَ كَانُونًا. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
أَغِرْبَالًا إِذَا اسْتُودِعْتِ سِرًّا ... وَكَانُونًا عَلَى الْمُتَحَدِّثِينَا
فَأَمَّا الْكَنَّةُ فَشَاذَّةٌ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَيُقَالُ إِنَّهَا امْرَأَةُ الِابْنِ. قَالَ:
إِنَّ لَنَا لَكَنَّهْ ... سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّهْ.

(كَهَّ) الْكَافُ وَالْهَاءُ لَيْسَ فِيهِ مِنَ اللُّغَةِ شَيْءٌ إِلَّا مَا يُشْبِهُ الْحِكَايَةَ، يُقَالُ كَهَّ السَّكْرَانُ، إِذَا اسْتَنْكَهْتَهُ فَكَهَّ فِي وَجْهِكَ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. وَيَقُولُونَ: كَهْكَهَ الْأَسَدُ فِي زَئِيرِهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: الْكَهَكَاهُ مِنَ الرِّجَالِ: الضَّعِيفُ. وَيُنْشِدُونَ:
وَلَا كَهْكَاهَةٌ بَرَمٌ ... إِذَا مَا اشْتَدَّتِ الْحِقَبُ
وَلَا مَعْنَى عِنْدِي لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ الضَّعِيفُ. وَهَذَا كَالتَّجَوُّزِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ أَنَّهُ يَكُهُّ فِي وَجْهِ سَائِلِهِ. وَالْبَابُ كُلُّهُ وَاحِدٌ.

(كَوَّ) الْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ قَرِيبٌ مِنَ الْبَابِ قَبْلَهُ، [وَلَيْسَ

(5/123)


فِيهِ] إِلَّا قَوْلُهُمْ: كَوَاهُ بِالنَّارِ يَكْوِيهِ. وَيَسْتَعِيرُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ: كَوَاهُ بِعَيْنِهِ، إِذَا أَحَدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ. وَإِنِّي لَأَتَكَوَّى بِالْجَارِيَةِ، أَيْ أَتَدَفَّأُ بِهَا. وَالْكُوَّةُ مَعْرُوفَةٌ.
وَالْكَأْكَأَةُ: النُّكُوصُ، وَيُقَالُ التَّجَمُّعُ.

(كَبَّ) الْكَافُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ، لَا يَشِذُّ مِنْهُ [شَيْءٌ] . يُقَالُ لِمَا تَجَمَّعَ مِنَ الرَّمْلِ كُبَابٌ. قَالَ:
يُثِيرُ الْكُبَابَ الْجَعْدَ عَنْ مَتْنِ مَحْمِلِ
وَمِنْهُ: كَبَبْتُ الشَّيْءَ لِوَجْهِهِ أَكُبُّهُ كَبًّا. وَأَكَبَّ فُلَانٌ عَلَى الْأَمْرِ يَفْعَلُهُ.
وَتَكَبَّبَتِ الْإِبِلُ، إِذَا صُرِعَتْ مِنْ هُزَالٍ أَوْ دَاءٍ. وَالْكَبْكَبَةُ: أَنْ يَتَدَهْوَرَ الشَّيْءُ إِذَا أُلْقِيَ فِي هُوَّةٍ حَتَّى يَسْتَقِرَّ، فَكَأَنَّهُ [تَرَدَّدَ] فِي الْكَبِّ. وَيُقَالُ: جَاءَ مُتَكَبْكِبًا فِي ثِيَابِهِ، أَيْ مُتَزَمِّلًا. وَمِنْ ذَلِكَ الْكُبَّةُ مِنَ الْغَزْلِ. وَمِنَ الْبَابِ كَوْكَبُ الْمَاءِ، وَهُوَ مُعْظَمُهُ. وَالْكَبْكَبَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْخَيْلِ. وَالْكَوْكَبُ يُسَمَّى كَوْكَبًا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ذَهَبَ الْقَوْمُ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ، إِذَا تَفَرَّقُوا. وَيُقَالُ لِلصَّبِيِّ إِذَا قَارَبَ الْمُرَاهَقَةَ: كَوْكَبٌ، وَذَلِكَ لِتَجَمُّعِ خَلْقِهِ. وَالْكَبَّةُ: الزِّحَامُ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِنَوْرِ الرَّوْضَةِ كَوْكَبٌ، فَذَاكَ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ بَابِ الضِّيَاءِ. قَالَ الْأَعْشَى:

(5/124)


يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ ... مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهَلُ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِبَرِيقِ الْكَتِيبَةِ: كَوْكَبٌ.

(كَتَّ) الْكَافُ وَالتَّاءُ لَيْسَتْ فِيهِ لُغَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَيُجْرِي الْبَابُ مَجْرَى الْحِكَايَةِ. فَالْكَتِيتُ: صَوْتُ الْبَكْرِ، كَالْكَشِيشِ. يُقَالُ: كَتَّ يَكِتُّ، وَكَتَّ الرَّجُلُ مِنَ الْغَضَبِ. وَكَتِيتُ الْقِدْرِ: صَوْتُ غَلَيَانِهَا.
وَيَقُولُونَ: كَتَتُّ الْكَلَامَ فِي أُذُنِهِ. وَكَتْكَتَ فِي الضَّحِكِ: أَغْرَبَ. وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَمَا أَبْعَدَهَا مِنَ الصِّحَّةِ. فَأَمَّا الْكَتَّانُ فَلَعَلَّهُ مُعَرَّبٌ. وَخَفَّفَهُ الْأَعْشَى فَقَالَ:
بَيْنَ الْحَرِيرِ وَبَيْنَ الْكَتَنْ.

(كَثَّ) الْكَافُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ، وَفُرُوعُهُ تَقِلُّ. فَالْكَثَّةُ نَعْتٌ لِلِّحْيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، [وَهِيَ] بَيِّنَةُ الْكَثَثِ وَالْكَثَاثَةِ. وَمِنْهُ الْكَثْكَثُ: مُجْتَمَعٌ مِنْ دُقَاقِ التُّرْبِ. وَهُوَ الْكِثْكِثُ أَيْضًا.

(كَحَّ) الْكَافُ وَالْحَاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا الْكُِحْكُِحُ مِنَ الشَّاءِ: الْمُسِنُّ. وَيَقُولُونَ: أَعْرَابِيٌّ كُحٌّ، مِثْلُ قُحٍّ.

(كَدَّ) الْكَافُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ.
مِنْ ذَلِكَ الْكَدِيدُ: وَهُوَ التُّرَابُ الدَّقِيقُ الْمَكْدُودُ الْمُرَكَّلُ بِالْقَوَائِمِ; ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ

(5/125)


الْكَدُّ، وَهُوَ الشِّدَّةُ فِي الْعَمَلِ وَطَلَبُ الْكَسْبِ، وَالْإِلْحَاحُ فِي الطَّلَبِ. وَيُقَالُ: كَدَدْتُ فُلَانًا بِالْمَسْأَلَةِ، إِذَا أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِهَا وَبِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَالَ:
عَفَفْتُ وَلَمْ أَكْدُدْكُمُ بِالْأَصَابِعِ
وَمِنَ الْبَابِ: الْكَدْكَدَةُ: ضَرْبُ الصَّيْقَلِ الْمِدْوَسَ عَلَى السَّيْفِ إِذَا جَلَاهُ. وَالْكُدَادَةُ: مَا يُكَدُّ مِنْ أَسْفَلِ الْقِدْرِ مِنَ الْمَرَقِ. وَبِئْرٌ كَدُودٌ، إِذَا لَمْ يُنَلْ مَاؤُهَا إِلَّا بِجَهْدٍ. وَالْكَدْكَدَةُ: تَثَاقُلٌ فِي الْعَدْوِ. وَالْكَدُّ: شَيْءٌ تُدَقُّ فِيهِ الْأَشْيَاءُ كَالْهَاوُنِ. وَالْكُدَادُ: حِمَارٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْحُمُرُ فَيُقَالُ: بَنَاتُ كُدَادٍ.

(كَذَّ) الْكَافُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْكَذَّانُ: حِجَارَةٌ رِخْوَةٌ كَأَنَّهَا مَدَرٌ.

(كَرَّ) الْكَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَرْدِيدٍ. مِنْ ذَلِكَ كَرَرْتُ، وَذَلِكَ رُجُوعُكَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَهُوَ التَّرْدِيدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَالْكَرِيرُ: كَالْحَشْرَجَةِ فِي الْحَلْقِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَدِّدُهَا. قَالَ:
فَنَفْسِي فِدَاؤُكَ يَوْمَ النِّزَالِ ... إِذَا كَانَ دَعْوَى الرِّجَالِ الْكَرِيرَا
وَالْكَرُّ: حَبَلٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَجَمُّعٍ قَوَّاهُ. وَالْكُرُّ: الْحِسْيُ مِنَ الْمَاءِ، وَجَمْعُهُ كِرَارٌ. قَالَ:

(5/126)


عَلَى كَالْخَنِيفِ السَّحْقُ يَدْعُو بِهِ الصَّدَى ... لَهُ قُلُبٌ عَادِيَّةٌ وَكِرَارُ
وَمِنَ الْبَابِ الْكِرْكِرَةُ: رَحَى زَوْرِ الْبَعِيرِ. وَالْكِرْكِرَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَالْكَرْكَرَةُ: تَصْرِيفُ الرِّيَاحِ السَّحَابَ وَجَمْعُهَا إِيَّاهُ بَعْدَ تَفَرُّقٍ. فَأَمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:
عُلِينَ بِكِدْيَوْنٍ وَأُبْطِنَّ كُرَّةً ... فَهُنَّ إِضَاءٌ ضَافِيَاتُ الْغَلَائِلِ
فَأَظُنُّهُ فَارِسِيًّا قَدْ ضَمَّنَهُ شِعْرَهُ، وَقَدْ يَفْعَلُونَ هَذَا. وَيَقُولُونَ أَنَّ الْكُرَّةَ: رَمَادٌ تُجْلَى بِهِ الدُّرُوعُ، وَيُقَالُ هُوَ فُتَاتُ الْبَعْرِ. وَرُبَّمَا قَالُوا: كَرْكَرْتُهُ عَنِ الشَّيْءِ: حَبَسْتُهُ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّكَ رَدَدْتَهُ وَلَمْ تَقْضِ حَاجَتَهُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ. وَكَرْكَرْتُ بِالدَّجَاجَةِ: صِحْتُ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ تُرَدِّدُ الصِّيَاحَ بِهَا. وَيَقُولُونَ الْكَرِكُ: الْأَحْمَقُ أَوِ الْأَحْمَرُ. وَهُوَ كَلَامٌ.

(كَزَّ) الْكَافُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَبْضٍ وَتَقَبُّضٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَزَازَةُ: الِانْقِبَاضُ وَالْيُبْسُ. رَجُلٌ كَزٌّ، أَيْ بَخِيلٌ. وَيُقَالُ: كَزَزْتُ الشَّيْءَ، إِذَا ضَيَّقْتَهُ، فَهُوَ مَكْزُوزٌ. وَالْكُزَازُ: دَاءٌ يَأْخُذُهُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. وَأَحْسَبُهُ مِنْ تَقَبُّضِ الْأَطْرَافِ. وَبَكَرَةٌ كَزَّةٌ، أَيْ قَصِيرَةٌ.

(5/127)


(كَسَّ) الْكَافُ وَالسِّينُ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلُ الْأَلْفَاظِ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُ الْكَسَسُ: خُرُوجُ الْأَسْنَانِ السُّفْلَى مَعَ الْحَنَكِ الْأَسْفَلِ. رَجُلٌ أَكَسُّ. كَذَا فِي كِتَابِ الْخَلِيلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْكَسَسُ: قِصَرُ الْأَسْنَانِ. وَمَا بَعْدَ هَذَا فَكَلَامٌ. يَقُولُونَ الْكَسِيسُ: لَحْمٌ يُجَفَّفُ عَلَى الْحِجَارَةِ ثُمَّ يُدَقُّ وَيُتَزَوَّدُ. وَمِمَّا يَصِحُّ فِي هَذَا: الْكَسِيسُ، وَهُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ ذُرَةٍ. وَيُنْشِدُونَ:
فَإِنْ تُسْقَ مِنْ أَعْشَابِ وَجَّ فَإِنَّنَا ... لَنَا الْعَيْنُ تَجْرِي مِنْ كَسِيسٍ وَمِنْ سَكَرْ
وَالشِّعْرُ صَحِيحٌ، وَلَعَلَّ الْكَلِمَةَ مِنْ بَعْضِ اللُّغَاتِ الَّتِي اسْتَعَارَتْهَا الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا. وَأَمَّا الْكَسْكَسَةُ فَكَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ فِيمَنْ يُبْدِلُ فِي كَلَامِهِ الْكَافِ سِينًا.

(كَشَّ) الْكَافُ وَالشِّينُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَفِيهِ كَلِمَةٌ تَجْرِي مَجْرَىَ الْحِكَايَةِ، يُقَالُ لِهَدِيرِ الْبَكْرِ: الْكَشِيشُ. وَالْكَشْكَشَةُ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ فِيمَنْ يُبْدِلُ الْكَافَ فِي كَلَامِهِ شِينًا.

(كَصَّ) الْكَافُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ مِنَ الْجَهْدِ. وَيُقَالُ لِلرِّعْدَةِ: كَصَيْصٌ. وَالْكَصِيصَةُ: حِبَالَةُ الصَّائِدِ.

(كَضَّ) الْكَافُ وَالضَّادُ. يَقُولُونَ: إِنَّ الْكَضْكَضَةَ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ.

(كَظَّ) الْكَافُ وَالظَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى تَمَرُّسٍ وَشِدَّةٍ وَامْتِلَاءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْمُكَاظَّةُ فِي الْحَرْبِ: الْمُمَارَسَةُ الشَّدِيدَةُ. وَكَظَنَّى هَذَا الْأَمْرُ.

(5/128)


وَمِنَ الْبَابِ الْكَظْكَظَةُ امْتِلَاءُ السِّقَاءِ. وَمِنْهُ الْكِظَّةُ الَّتِي تَعْتَرِي عَنِ الطَّعَامِ. وَيُقَالُ: اكْتَظَّ الْوَادِي بِالْمَاءِ، إِذَا امْتَلَأَ بِسَيْلِهِ. وَتَكَاظَّ الْقَوْمُ كِظَاظًا: تَجَاوَزُوا الْقَدْرَ فِي التَّمَرُّسِ وَالتَّعَادِي. قَالَ:
إِذْ سَئِمَتْ رَبِيعَةُ الْكِظَاظَا.

(كَعَّ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَبْسٍ وَاحْتِبَاسٍ. يُقَالُ رَجُلٌ كَعٌّ، وَكَاعٌّ، أَيْ جَبَانٌ. وَقَدْ أَكَعَّهُ الْفَرَقُ عَنِ الْأَمْرِ. [قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا يُقَالُ كَاعَ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَامَّةُ تَقَوُّلُهُ] ، إِنَّمَا يُقَالُ كَعَّ. قَالَ:
كَعْكَعَهُ حَائِرُهُ عَنِ الدَّقَقْ.

(كَفَّ) الْكَافُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَبْضٍ وَانْقِبَاضٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَفُّ لِلْإِنْسَانِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْبِضُ الشَّيْءَ. ثُمَّ تَقُولُ: كَفَفْتُ فُلَانًا عَنِ الْأَمْرِ وَكَفْكَفْتُهُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَسْأَلُ النَّاسَ: هُوَ يَسْتَكِفُّ وَيَتَكَفَّفُ. الْأَصْلُ هَذَا، ثُمَّ يَفْرِقُونَ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ تَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ

(5/129)


كَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: كُلُّ مَا اسْتَطَالَ فَهُوَ كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ [نَحْوَ كُفَّةِ] الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ حَاشِيَتُهُ، وَإِنَّمَا [قِيلَ لَهَا] كِفَّةٌ لِأَنَّهَا مَكْفُوفَةٌ، وَكَذَلِكَ كُفَّةُ الرَّمْلِ. قَالَ: وَكُلُّ مَا اسْتَدَارَ فَهُوَ كِفَّةٌ، نَحْوَ كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَكِفَّةِ الصَّائِدِ، وَهِيَ حِبَالَتُهُ. وَالْكَلِمَتَانِ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا فِي الَّذِي قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ فَقِيَاسُهُمَا وَاحِدٌ. وَالْمَكْفُوفُ: الْأَعْمَى. فَأَمَّا الْكِفَفُ فِي الْوَشْمِ، فَهِيَ دَارَاتٌ تَكُونُ فِيهِ. وَيُقَالُ: اسْتَكَفَّ الْقَوْمُ حَوْلَ الشَّيْءِ، إِذَا دَارُوا بِهِ نَاظِرِينَ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
بَدَا وَالْعُيُونُ الْمُسْتَكِفَّةُ تَلْمَحُ
فَأَمَّا قَوْلُ حُمَيْدٍ:
إِلَى مُسْتَكِفَّاتٍ لَهُنَّ غُرُوبُ
فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْعُيُونُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ إِبِلٌ مُجْتَمِعَةٌ. وَالْغُرُوبُ: الظِّلَالُ. وَاسْتَكْفَفْتَ الشَّيْءَ، وَهُوَ أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى حَاجِبَيْكَ كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ هَلْ يَرَاهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اسْتِكْفَافًا لِوَضْعِهِ كَفَّهُ عَلَى حَاجِبِهِ. وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ كَفَّةً كَفَّةً، إِذَا فَاجَأْتَهُ، كَأَنَّ كَفَّكَ مَسَّتْ كَفَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْكَافِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/130)


(كَلَمَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى نُطْقٍ مُفْهِمٍ، وَالْآخَرُ عَلَى جِرَاحٍ.
فَالْأَوَّلُ الْكَلَامُ. تَقُولُ: كَلَّمْتُهُ أُكَلِّمُهُ تَكْلِيمًا; وَهُوَ كَلِيمِي إِذَا كَلَّمَكَ أَوْ كَلَّمْتَهُ. ثُمَّ يَتَّسِعُونَ فَيُسَمُّونَ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ الْمُفْهِمَةَ كَلِمَةً، وَالْقِصَّةَ كَلِمَةً، وَالْقَصِيدَةَ بِطُولِهَا كَلِمَةً. وَيَجْمَعُونَ الْكَلِمَةَ كَلِمَاتٍ وَكَلِمًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] . وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْكَلْمُ، وَهُوَ الْجُرْحُ; وَالْكَلَامُ: الْجِرَاحَاتُ، وَجَمْعُ الْكَلْمِ كُلُومٌ أَيْضًا. وَرَجُلٌ كَلِيمٌ وَقَوْمٌ كَلْمَى، أَيْ جَرْحَى، فَأَمَّا الْكَلَامُ، فَيُقَالُ: هِيَ أَرْضٌ غَلِيظَةٌ. وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ.

(كَلَأَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْهَمْزَةُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُرَاقَبَةٍ وَنَظَرٍ، وَأَصْلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى نَبَاتٍ، وَالثَّالِثُ عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ يُسْتَعَارُ.
فَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُرَاقَبَةُ فَالْكِلَاءَةُ، وَهِيَ الْحِفْظُ، تَقُولُ: كَلَأَهُ اللَّهُ، أَيْ حَفِظَهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] ، أَيْ

(5/131)


يَحْفَظُكُمْ مِنْهُ، بِمَعْنَى لَا يَحْمِيكُمْ أَحَدٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ الْمُرَاقَبَةُ، لِأَنَّهُ إِذَا حَفِظَهُ نَظَرَ إِلَيْهِ وَرَقَبَهُ. وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُ الْعَرَبِ: تَكَلَّأْتُ كُلْأَةً، أَيِ اسْتَنْسَأْتُ نَسِيئَةً; وَذَلِكَ مِنَ التَّأْخِيرِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " «نَهَى عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» " بِمَعْنَى النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ:
وَعَيْنُهُ كَالْكَالِئِ الضِّمَارِ
فَمَعْنَاهُ أَنَّ حَاضِرَهُ وَشَاهِدَهُ كَالضِّمَارِ، وَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا الْبَابَ مِنَ الْكُلْأَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّينِ يَرْقُبُ وَيَحْفَظُ مَتَى يَحُلُّ دَيْنُهُ. فَالْقِيَاسُ الَّذِي قِسْنَاهُ صَحِيحٌ. [وَ] يُقَالُ: اكْتَلَأْتُ مِنَ الْقَوْمِ، أَيِ احْتَرَسْتُ مِنْهُمْ. وَقَالَ:
أَنَخْتُ بَعِيرِي وَاكْتَلَأْتُ بِعَيْنِهِ ... وَآمَرْتُ نَفْسِي أَيَّ أَمْرَيَّ أَفْعَلُ
وَيُقَالُ: أَكَلَأْتُ بَصَرِي فِي الشَّيْءِ، إِذَا رَدَّدَتْهُ فِيهِ. وَالْمُكَلَّأُ: مَوْضِعٌ تُرَفَّأُ فِيهِ السُّفُنُ وَتُسْتَرُ مِنَ الرِّيحِ. وَيُقَالُ إِنَّ كَلَّاءَ الْبَصْرَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْكَلَأُ، وَهُوَ الْعُشْبُ; يُقَالُ أَرْضٌ مُكْلِئَةٌ: ذَاتُ كَلَأٍ، وَسَوَاءٌ يَابِسُهُ وَرُطَبُهُ. وَمَكَانٌ كَالِئٌ مِثْلُ مُكْلِئٍ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ الْكُلْيَةُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَتُسْتَعَارُ فَيُقَالُ الْكُلْيَةُ: كُلْيَةُ الْمَزَادَةِ

(5/132)


جُلَيْدَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ تَحْتَ الْعُرْوَةِ قَدْ خُرِزَتْ. وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي الْقَوْسِ فَالْكُلْيَتَانِ مِنَ الْقَوْسِ: مَعْقِدُ الْحِمَالَةِ مِنَ السَّهْمِ، مَا عَنْ يَمِينِ النَّصِلِ وَشِمَالِهِ. وَكُلْيَةُ السَّحَابِ: أَسْفَلُهُ، وَالْجَمْعُ كُلًى.

(كَلَبَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ فِي شِدَّةٍ وَشِدَّةِ جَذْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَلْبُ، وَهُوَ مَعْرُوفُ، وَالْجَمْعُ كِلَابٌ وَكَلِيبٌ. وَالْكَلَّابُ وَالْمُكَلِّبُ: الَّذِي يُعَلِّمُ الْكَلْبَ الصَّيْدَ. وَالْكَلْبُ الْكَلِبُ: الَّذِي يَكْلَبُ بِلُحُومِ النَّاسِ، يَأْخُذُهُ شِبْهُ جُنُونٍ فَإِذَا عَقَرَ إِنْسَانًا كَلِبَ، فَيُقَالُ رَجُلٌ كَلِبٌ وَرِجَالٌ كَلْبَى. قَالَ:
وَلَوْ تَشْرَبُ الْكَلْبَى الْمِرَاضُ دِمَاءَنَا ... شَفَتْهَا مِنَ الدَّاءِ الْمَجَنَّةِ وَالْخَبْلِ
وَمِنَ الْبَابِ كُلْبَةُ الزَّمَانِ وَكَلَبُهُ: شِدَّتُهُ. وَأَرْضٌ كَلِبَةٌ، إِذَا لَمْ يَحِدْ نَبَاتُهَا رِيًّا فَيَبِسَ، إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا يَبِسَ صَارَ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ وَبَرَاثِنِهَا. وَالْكَلْبُ: سَيْرٌ أَحْمَرُ يُجْعَلُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْأَدِيمِ إِذَا خُرِزَ. يُقَالُ كَلَبْتُهُ. قَالَ:
كَأَنَّ غَرَّ مَتْنِهِ إِذْ نَجْنُبُهُ ... سَيْرُ صَنَاعٍ فِي أَدِيمٍ تَكْلُبُهُ

(5/133)


وَالْكَلْبُ: حَدِيدَةٌ عَقْفَاءُ يُعَلِّقُ عَلَيْهَا الْمُسَافِرُ الزَّادَ مِنَ الرَّحْلِ. وَالْكُلَّابُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ الْكَلُّوبُ. فَأَمَّا قَوْلُ طُفَيْلٍ:
أَبَأْنَا بِقَتْلَانَا مِنَ الْقَوْمِ مِثْلَهُمْ ... وَمَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسِيرٍ مُكَلَّبٍ
[فَإِنَّ الْمُكَلَّبَ هُوَ الْمُكَبَّلُ] . وَالْكَلْبُ: الْمِسْمَارُ فِي قَائِمِ السَّيْفِ، وَفِيهِ الذُّؤَابَةُ. وَالْكُلَّابُ: مَوْضِعٌ. وَرَأْسُ كَلْبٍ: جَبَلٌ.

(كَلَتَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالتَّاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ أَصِيلٍ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْكَلْتُ: الْجَمْعُ، يُقَالُ امْرَأَةٌ كَلُّوتٌ. وَيَقُولُونَ: الْكِلِّيتُ حَجَرٌ يُسَدُّ بِهِ وِجَارُ الضَّبُعِ. وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.

(كَلَثَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالثَّاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ أَصِيلٍ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِلَى بِشَيْءٍ. وَرُبَّمَا قَالُوا: انْكَلَثَ فُلَانٌ: تَقَدَّمَ.

(كَلَحَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى عُبُوسٍ وَشَتَامَةٍ فِي الْوَجْهِ. مِنْ ذَلِكَ الْكُلُوحُ، وَهُوَ الْعُبُوسُ. يُقَالُ كَلَحَ الرَّجُلُ، [وَ] دَهْرٌ كَالِحٌ.

(5/134)


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ: كَلَاحِ. وَمَا أَقْبَحَ كَلَحَتَهُ، أَيْ إِذَا كَلَحَ فَقَبُحَ فَمُهُ وَمَا حَوَالَيْهِ.

(كَلَدَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصَّلَابَةِ فِي الشَّيْءِ. فَالْكَلَدَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْغَلِيظَةِ، وَمِنْهُ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَكَلَّدَ الْإِنْسَانُ: غَلُظَ لَحْمُهُ.

(كَلَزَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالزَّاءُ يَقُولُونَ إِنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّ الْكَلْزَ: الْجَمْعُ. يُقَالُ: كَلَزْتُ الشَّيْءَ وَكَلَّزْتُهُ، إِذَا جَمَعْتُهُ. وَقَدْ رُوِيَتْ كَلِمَةٌ فِيهِ صَحِيحَةٌ لَا يُرْتَابُ بِهَا، يَقُولُونَ: اكْلَازَّ الرَّجُلُ: تَقَبَّضَ.

(كَلَسَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ يَدُلُّ عَلَى امْتِلَاءٍ فِي الشَّيْءِ. يَقُولُونَ: تَكَلَّسَ تَكَلُّسًا، إِذَا رُوِيَ. قَالَ:
ذُو صَوْلَةٍ يُصْبِحُ قَدْ تَكَلَّسَا
وَيَقُولُونَ لِلْجَادِّ أَيْضًا: كَلَّسَ. قَالَ:
إِذَا الْفَتَى حَكَّمَ يَوْمًا كَلَّسَا.

(كَلَعَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى دَرَنٍ وَوَسَخٍ. يَقُولُونَ لِلشُّقَاقِ وَالْوَسَخِ بِالْقَدَمِ: كَلَعٌ، وَقَدْ كَلِعَتْ رِجْلُهُ تَكْلَعُ كَلَعًا. وَإِنَاءٌ كَلِعٌ، إِذَا

(5/135)


الْتَبَدَ عَلَيْهِ الْوَسَخُ. وَسِقَاءٌ كَلِعٌ، إِذَا تَرَاكَبَ عَلَيْهِ التُّرَابُ. وَ [يُقَالُ] إِنَّ الْكُلْعَةَ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي مُؤَخَّرِهِ.
وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ التَّرَاكُبُ دُونَ الْوَسَخِ: الْكَلَعَةُ مِنَ الْغَنَمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَجَمُّعِهَا.

(كَلَفَ) الْكَافُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِيلَاعٍ بِالشَّيْءِ وَتَعَلُّقٍ بِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْكَلَفُ، تَقُولُ: قَدْ كَلِفَ بِالْأَمْرِ يَكْلَفُ كَلَفًا. وَيَقُولُونَ: " لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا ". وَالْكُلْفَةُ: مَا يُتَكَلَّفُ مِنْ نَائِبَةٍ أَوْ حَقٍّ. وَالْمُتَكَلِّفُ: الْعِرِّيضُ لِمَا لَا يَعْنِيهِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] . وَمِنَ الْبَابِ الْكَلَفُ: شَيْءٌ يَعْلُو الْوَجْهَ فَيُغَيِّرُ بَشَرَتَهُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَمَنَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَاءٍ. يُقَالُ: كَمَنَ الشَّيْءُ كُمُونًا. وَاشْتِقَاقُ الْكَمِينِ فِي الْحَرْبِ مِنْ هَذَا. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ النَّاقَةَ الْكَمُونَ: الْكَتُومُ اللِّقَاحِ، وَهِيَ إِذَا لَقِحَتْ لَمْ تَشُلْ بِذَنَبِهَا. وَحُزْنٌ مُكْتَمِنٌ فِي الْقَلْبِ كَأَنَّهُ مُسْتَخْفٍ. وَالْكُمْنَةُ: دَاءٌ فِي الْعَيْنِ مِنْ بَقِيَّةِ رَمَدٍ.

(كَمَهَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْكَمَهُ، وَهُوَ الْعَمَى يُولَدُ بِهِ الْإِنْسَانُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ عَرَضٍ يَعْرِضُ. قَالَ سُوَيْدٌ:

(5/136)


كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى ابْيَضَّتَا ... وَهُوَ يَلْحَى نَفْسَهُ لَمَّا نَزَعْ.

(كَمِيَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى خَفَاءِ شَيْءٍ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِيهِ بَعْضُ الْمَهْمُوزِ. مِنْ ذَلِكَ كَمَى فُلَانٌ الشَّهَادَةَ، إِذَا كَتَمَهَا. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشُّجَاعُ الْكَمِّيَّ. قَالُوا: هُوَ الَّذِي يَتَكَمَّى فِي سِلَاحِهِ، أَيْ يَتَغَطَّى بِهِ. يُقَالُ تَكَمَّتِ الْفِتْنَةُ النَّاسَ، إِذَا غَشِيَتْهُمْ.
وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ فَذَكَرُوا أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَمِئْتُ عَنِ الْأَخْبَارِ أَكْمَأُ عَنْهَا، إِذَا جَهِلْتَهَا.
وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ نَبْتٌ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقَاسُ أَكْثَرُهُ. فَالْكَمْأَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْوَاحِدُ كَمْءٌ. وَهَذَا نَادِرٌ أَنْ تَكُونَ فِي الْجَمْعِ هَاءٌ وَلَا تَكُونَ فِي الْوَاحِدَةِ. وَيُقَالُ: كَمَأْتُ الْقَوْمَ: أَطْعَمَتْهُمُ الْكَمْأَةَ. وَمِمَّا يَجُوزُ أَنَّ يُقَاسَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: كَمِئَتْ رِجْلِي: تَشَقَّقَتْ. وَلَعَلَّ الْكَمْأَةَ تُسَمَّى لِانْشِقَاقِ الْأَرْضِ عَنْهَا. وَيَقُولُونَ: أَكْمَأَتْ فُلَانًا السِّنُّ: شَيَّخَتْهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ أَكْمَأَ عَلَى الْأَمْرِ، إِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ.

(كَمَتَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْكُمْتَةِ، وَهِيَ لَوْنٌ لَيْسَ بِأَشْقَرَ وَلَا أَدْهَمَ. يُقَالُ: فَرَسٌ كُمَيْتٌ. وَلَمْ يَجِئْ إِلَّا كَذَا عَلَى صُورَةِ الْمُصَغَّرِ. وَالْكُمَيْتُ: الْخَمْرُ فِيهَا سَوَادٌ وَحُمْرَةٌ.

(كَمَحَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالْحَاءُ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ، وَفِي بَعْضِهَا شَكٌّ، غَيْرَ أَنَّا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرُوهُ. قَالُوا: أَكْمَحَ الْكَرْمُ، إِذَا تَحَرَّكَ لِلْإِيرَاقِ. وَقَالُوا

(5/137)


رَجُلٌ كَوْمَحٌ: عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ. وَيَقُولُونَ: كَمَحَ الْفَرَسَ، إِذَا كَبَحَهُ.

(كَمَرَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَكْمُورٌ، وَهُوَ الَّذِي يُصِيبُ الْخَاتِنُ طَرَفَ كَمَرَتِهِ.

(كَمَزَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالزَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَيَقُولُونَ: الْكُمْزَةُ: الْكُتْلَةُ مِنَ التَّمْرِ.

(كَمَشَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لَطَافَةٍ وَصِغَرٍ. يَقُولُونَ لِلشَّاةِ الصَّغِيرَةِ الضَّرْعِ كَمْشَةٌ. وَفَرَسٌ كَمِيشٌ: صَغِيرُ الْجُرْدَانِ. ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْعَزُومِ الْمَاضِي: كَمْشٌ، يُنْسَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى لَطَافَةٍ وَخِفَّةٍ. يُقَالُ كَمُشَ كَمَاشَةً. وَرُبَّمَا قَالُوا: كَمَشَهُ بِالسَّيْفِ، إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ.

(كَمَعَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اطْمِئْنَانٍ وَسُكُونٍ. زَعَمُوا أَنَّ الْكِمْعَ: الْبَيْتُ; يُقَالُ هُوَ فِي كِمْعِهِ أَيْ بَيْتِهِ. وَسُمِّيَ كَمْعًا لِأَنَّهُ يُسْكَنُ. وَمِنَ الْبَابِ الْكَمِيعُ، وَهُوَ الضَّجِيعُ، يُقَالُ كَامَعَهَا، إِذَا ضَاجَعَهَا. وَالْمُكَامَعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا: أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَا سِتْرَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ فِي الْكَمِيعِ:
وَهَبَّتِ الشَّمْأَلُ الْبَلِيلُ ... وَإِذْ بَاتَ كَمِيعُ الْفَتَاةِ مُلْتَفِعَا

(5/138)


وَالْكِمْعُ: الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ.

(كَمَلَ) الْكَافُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: كَمَلَ الشَّيْءُ وَكَمُلَ فَهُوَ كَامِلٌ، أَيْ تَامٌّ. وَأَكْمَلْتُهُ أَنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] .

[بَابُ الْكَافِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَنَهَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الشَّيْءِ وَنِهَايَةِ وَقْتِهِ. يُقَالُ: بَلَغْتُ كُنْهَ هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ غَايَتَهُ وَحِينَهُ الَّذِي هُوَ لَهُ.

(كَنَوَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى تَوْرِيَةٍ عَنِ اسْمٍ بِغَيْرِهِ. يُقَالُ: كَنَّيْتُ عَنْ كَذَا. إِذَا تَكَلَّمْتُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ. وَكَنَوْتُ أَيْضًا. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَإِنِّي لَأَكْنُو عَنْ قَذُورَ بِغَيْرِهَا ... وَأُعْرِبُ أَحْيَانًا بِهَا فَأُصَارِحُ
أَلَا تَرَاهُ جَعْلَ الْكِنَايَةَ مُقَابِلَةً لِلْمُصَارَحَةِ. وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْكُنْيَةُ كُنْيَةً، كَأَنَّهَا تَوْرِيَةٌ عَنِ اسْمِهِ. وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ يُكْنَى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ يُكَنَّى بِعَبْدِ اللَّهِ. وَكُنَى الرُّؤْيَا هِيَ الْأَمْثَالُ الَّتِي يَضْرِبُهَا مَلَكُ الرُّؤْيَا، يَكْنِي بِهَا عَنْ أَعْيَانِ الْأُمُورِ.

(5/139)


(كَنَبَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُفَرَّعُ. قَالُوا: الْكَنَبُ: غِلَظٌ يَعْلُو الْيَدَيْنِ مِنَ الْعَمَلِ إِذَا مَجِلَتَا. قَالَ:
قَدْ أَكْنَبَتْ يَدَايَ بَعْدَ لِينِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَكَنَبَتْ يَدُهُ، وَلَا يُقَالُ كَنِبَتْ. وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا. الْكَنِبُ، وَهُوَ نَبْتٌ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
مُعَالَيَاتٌ عَنِ الْأَرْيَافِ مَسْكَنُهَا ... أَطْرَافُ نَجْدٍ بِأَرْضِ الطَّلْحِ وَالْكَنِبِ.

(كَنَتَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: كَنَتَ، وَاكْتَنَتَ، إِذَا لَزِمَ وَقَنِعَ. وَقَالَ عَدِيٌّ.

(كَنَدَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ. يُقَالُ كَنَدَ الْحَبْلَ يَكْنُدُهُ كَنْدًا. وَالْكَنُودُ: الْكَفُورُ لِلنِّعْمَةِ. وَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ يَكْنُدُ الشُّكْرَ، أَيْ يَقْطَعُهُ. وَمِنَ الْبَابِ: الْأَرْضُ الْكَنُودُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُنْبِتُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَمِيطِي تُمِيطِي بِصُلْبِ الْفُؤَادِ ... وَصُولِ حِبَالٍ وَكَنَّادِهَا

(5/140)


وَسُمِّيَ كِنْدَةَ فِيمَا زَعَمُوا لِأَنَّهُ كَنَدَ أَبَاهُ، أَيْ فَارَقَهُ وَلَحِقَ بِأَخْوَالِهِ وَرَأَسَهُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: كَنَدْتَ.

(كَنَرَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالرَّاءُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا أَصْلًا، وَفِيهِ كَلِمَتَانِ أَظُنُّهُمَا فَارِسِيَّتَيْنِ. يُقَالُ الْكِنَّارُ: الشُّقَّةُ مِنَ الثِّيَابِ الْكَتَّانِ. وَيَقُولُونَ: الْكِنَّارَاتُ: الْعِيدَانُ أَوِ الدُّفُوفُ، تُفْتَحُ كَافُهَا وَتُكْسَرُ.

(كَنَزَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ نَاقَةٌ كِنَازُ اللَّحْمِ، أَيْ مُجْتَمِعَةٌ. وَكَنَزْتُ التَّمْرَ فِي وِعَائِهِ أَكْنِزُهُ. وَكَنَزْتُ الْكَنْزَ أَكْنِزُهُ. وَيَقُولُونَ فِي كَنْزِ التَّمْرِ: هُوَ زَمَنُ الْكَنَازِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا إِلَّا بِالْفَتْحِ، أَيْ إِنَّهُ لَيْسَ هَذَا مِمَّا جَاءَ عَلَى فِعَالٍ وَفَعَالٍ كَجِدَادٍ وَجَدَادٍ.

(كَنَسَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالسِّينُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى سَفْرِ شَيْءٍ عَنْ وَجْهِ شَيْءٍ، وَهُوَ كَشْفُهُ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَاءٍ.
فَالْأَوَّلُ: كَنْسُ الْبَيْتِ، وَهُوَ سَفْرُ التُّرَابِ عَنْ وَجْهِ أَرْضِهِ. وَالْمِكْنَسَةُ: آلَةُ الْكَنْسِ. وَالْكُنَاسَةُ: مَا يُكْنَسُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْكِنَاسُ: بَيْتُ الظَّبْيِ. وَالْكَانِسُ: الظَّبْيُ يَدْخُلُ كِنَاسَهُ.
وَالْكُنَّسُ: الْكَوَاكِبُ تَكْنِسُ فِي بُرُوجِهَا كَمَا تَدْخُلُ الظِّبَاءُ فِي كِنَاسِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَكْنِسُ فِي الْمَغِيبِ.

(5/141)


(كَنَعَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَشَنُّجٍ وَتَقَبُّضٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَنَعُ فِي الْأَصَابِعِ، وَهُوَ تَشَنُّجٌ وَتَقَبُّضٌ. يُقَالُ: كَنِعَتْ أَصَابِعُهُ تَكْنَعُ كَنَعًا. وَمِنْهُ تَكَنَّعَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ، إِذَا ضَبِثَ بِهِ. وَكَنَعَتِ الْعُقَابُ إِذَا ضَمَّتْ جَنَاحَهَا لِلِانْقِضَاضِ. وَاكْتَنَعَ الْقَوْمُ، إِذَا مَالُوا. [وَ] كَنَعَ الْأَمْرُ: قَرُبَ. وَيَقُولُونَ: كَنَعَ الرَّجُلُ وَأَكْنَعَ، إِذَا لَانَ. وَهَذَا مِنَ الْبَابِ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّضُ وَيَتَجَمَّعُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُنُوعِ ". فَهَذَا مِنْ كَنَعَ.

(كَنَفَ) الْكَافُ وَالنُّونُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى سَتْرٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَنِيفُ، هُوَ السَّاتِرُ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ التُّرْسَ يُسَمَّى كَنِيفًا لِأَنَّهُ سَاتِرٌ. وَكُلُّ حَظِيرَةٍ سَاتِرَةٍ عِنْدَ الْعَرَبِ كَنِيفٌ. قَالَ عُرْوَةُ:
أَقُولُ لِقَوْمٍ فِي الْكَنِيفِ تَرَوَّحُوا ... عَشِيَّةَ بِتْنَا عِنْدَ مَاوَانَ، رُزَّحِ
وَمِنَ الْبَابِ كَنَفْتُ فُلَانًا وَأَكْنَفْتُهُ. وَكَنَفَا الطَّائِرِ: جَنَاحَاهُ، لِأَنَّهُمَا يَسْتُرَانِهِ. وَمِنْهُ الْكِنْفُ، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِيهِ. وَفِي قَوْلِ عُمَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا "، أَرَادَ بِهِ تَصْغِيرَ كِنْفٍ. وَنَاقَةٌ كَنُوفٌ: يُصِيبُهَا الْبَرْدُ، فَهِيَ تَسَتَّرُ بِسَائِرِ الْإِبِلِ. وَيُقَالُ: حَظَرْتُ لِلْإِبِلِ حَظِيرَةً، وَكَنَفْتُ لَهَا وَكَنَفْتُهَا أَكْنُفُهَا. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَنَفْتُ عَنِ الشَّيْءِ: عَدَلْتُ، وَإِنْشَادُهُمْ:

(5/142)


لِيُعْلَمَ مَا فِينَا عَنِ الْبَيْعِ كَانِفُ
فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُلَخَّصٍ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَدَلْتُ عَنْهُ مُتَوَارِيًا وَمُتَسَتِّرًا بِغَيْرِهِ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَهَا) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَنْقَاسُ وَلَا يُفَرَّعُ عَنْهَا. وَيَقُولُونَ لِلنَّاقَةِ الضَّخْمَةِ: كَهَاةٌ. قَالَ:
إِذَا عَرَِضَتْ مِنْهَا كَهَاةٌ سَمِينَةٌ ... فَلَا تُهْدِ مِنْهَا وَاتَّشِقْ وَتَجَبْجَبِ.

(كَهَبَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ لِلْغُبْرَةِ الْمَشُوبَةِ سَوَادًا فِي الْإِبِلِ كُهْبَةٌ.

(كَهَدَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ، يَقُولُونَ فِيهِ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى تَحَرُّكٍ إِلَى فَوْقُ. يَقُولُونَ: كَهَدَ الْحِمَارُ، إِذَا رَقَصَ فِي مِشْيَتِهِ. وَأَكْهَدْتُهُ: أَرْقَصْتُهُ، فِي شِعْرِ الْفَرَزْدَقِ:
يُكْهِدُونَ الْحُمُرْ
وَيَقُولُونَ: اكْوَهَدَّ الْفَرْخُ، إِذَا تَحَرَّكَ لِيَرْتَفِعَ.

(5/143)


(كَهَرَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَاعِدَتَانِ جِدًّا: الْأُولَى الِانْتِهَارُ، يُقَالُ كَهَرَهُ يَكْهَرُهُ كَهْرًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " بِأَبِي وَأُمِّي مَا كَهَرَنِي وَلَا شَتَمَنِي ". وَقَرَأَ نَاسٌ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَكْهَرْ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: كَهْرُ النَّهَارِ، وَهُوَ ارْتِفَاعُهُ، يُقَالُ كَهَرَ يَكْهَرُ. قَالَ:
وَإِذَا الْعَانَةُ فِي كَهْرِ الضُّحَى.

(كَهَفَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ غَارٌ فِي جَبَلٍ، وَجَمْعُهُ كُهُوفٌ.

(كَهَلَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ فِي الشَّيْءِ أَوِ اجْتِمَاعِ جِبِلَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَاهِلُ: مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُوَّتِهِ. وَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْمُجْتَمِعِ إِذَا وَخَطَهُ الشَّيْبُ: كَهْلٌ، وَامْرَأَةٌ كَهْلَةٌ. قَالَ:
وَلَا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيَّا ... أُمَارِسُ الْكَهْلَةَ وَالصَّبِيَّا
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلنَّبَاتِ: اكْتَهَلَ، فَإِنَّمَا [هُوَ] تَشْبِيهٌ بِالرَّجُلِ الْكَهْلِ. وَاكْتِهَالُ الرَّوْضَةِ: أَنْ يَعُمَّهَا النَّوْرُ. قَالَ الْأَعْشَى:
مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ.

(5/144)


(كَهَمَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى كَلَالٍ وَبُطْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْفَرَسُ الْكَهَامُ: الْبَطِيءُ. وَالسَّيْفُ الْكَهَامُ: الْكَلِيلُ. وَاللِّسَانُ الْكَهَامُ: الْعَيِيُّ. ثُمَّ يَقُولُونَ لِلْمُسِنِّ كَهْكَمٌ. وَيَقُولُونَ: أَكْهَمَ بَصَرُهُ، إِذَا رَقَّ.

(كَهَنَ) الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهِيَ الْكَاهِنُ، وَقَدْ تَكَهَّنَ يَتَكَهَّنُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَوَى) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَوَيْتُ بِالنَّارِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(كَوَبَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهِيَ الْكُوبُ: الْقَدَحُ لَا عُرْوَةَ لَهُ; وَالْجَمْعُ أَكْوَابٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} [الغاشية: 14] . وَيَقُولُونَ: الْكُوبَةُ: الطَّبْلُ لِلَّعِبِ.

(كَوَدَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ كَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْتِمَاسِ شَيْءٍ بِبَعْضِ الْعَنَاءِ. يَقُولُونَ: كَادَ يَكُودُ كَوْدًا وَمَكَادًا. وَيَقُولُونَ لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْكَ الشَّيْءَ فَلَا تُرِيدُ إِعْطَاءَهُ: لَا وَلَا مَكَادَةَ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْمُقَارَبَةِ: كَادَ، فَمَعْنَاهَا قَارَبَ. وَإِذَا وَقَعَتْ كَادَ مُجَرَّدَةً فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الشَّيْءُ تَقُولُ: كَادَ يَفْعَلُ، فَهَذَا لَمْ يُفْعَلْ، وَإِذَا قُرِنَتْ بِجَحْدٍ فَقَدْ وَقَعَ، إِذَا قُلْتَ مَا كَادَ يَفْعَلُهُ فَقَدْ فَعَلَهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] .

(5/145)


(كَوَرَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَوْرٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَوْرُ: الدَّوْرُ. يُقَالُ كَارَ يَكُورُ، إِذَا دَارَ. وَكَوْرُ الْعِمَامَةِ: دَوْرُهَا. وَالْكُورَةُ: الصُّقْعُ، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُرًى. وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] كَأَنَّهَا جُمِعَتْ جَمْعًا، وَالْكُورُ: الرَّحْلُ; لِأَنَّهُ يَدُورُ بِغَارِبِ الْبَعِيرِ; وَالْجَمْعُ أَكْوَارٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ "، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ "، وَمَعْنَاهُ حَارَ، أَيْ رَجَعَ وَنَقَصَ بَعْدَمَا كَانَ. وَمَنْ قَالَ بِالرَّاءِ فَلَيْسَ يَبْعُدُ، أَيْ كَانَ أَمْرُهُ مُتَجَمِّعًا، ثُمَّ حَارَ وَنَقَصَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] أَيْ يُدِيرُ هَذَا عَلَى ذَاكَ، وَيُدِيرُ ذَاكَ عَلَى هَذَا. كَمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: زِيدَ فِي هَذَا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَاكَ [مِنْ هَذَا] . وَالْكَوْرُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ كَأَنَّهَا خَمْسُونَ وَمِائَةٌ. وَلَيْسَ قِيَاسُهُ بَعِيدًا، لِأَنَّهَا إِذَا اجْتَمَعَتِ اسْتَدَارَتْ فِي مَبْرَكِهَا. وَكُوَّارَةُ النَّحْلِ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِمَّا يَشِذُّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: اكْتَارَ الْفَرَسُ، إِذَا رَفَعَ ذَنَبَهُ فِي حُضْرِهِ.

(كَوَزَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكَوَّزَ الْقَوْمُ: تَجَمَّعُوا. قَالَ: وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ بَنِي كُوزٍ مِنْ ضَبَّةَ. وَالْكُوزُ لِلْمَاءِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَاءَ. وَاكْتَازَ الْمَاءَ: اغْتَرَفَهُ.

(كَوَسَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَرْعٍ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ. يُقَالُ: كَاسَهُ يَكُوسُهُ، إِذَا صَرَعَهُ. وَمِنْهُ كَاسَتِ النَّاقَةُ تَكُوسُ، إِذَا

(5/146)


عُقِرَتْ فَقَامَتْ عَلَى ثَلَاثٍ. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ قَارَبَتْ أَنْ تُصْرَعَ. قَالَ:
وَلَوْ عِنْدَ غَسَّانَ السَّلِيطِيِّ عَرَّسَتْ ... رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وَكَاسٌ عَقِيرُ
وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْفَرَسِ الْقَصِيرِ الدَّوَارِجِ: كُوسِيٌّ. وَعُشْبٌ مُتَكَاوِسٌ، إِذَا كَثُرَ وَكَثُفَ، وَهُوَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. فَأَمَّا الْكَأْسُ، فَيُقَالُ هُوَ الْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ مِنْ خَمْرٍ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ.

(كَوَعَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْكُوعُ، وَهُوَ طَرَفُ الزَّنْدِ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ. وَالْكَوَعُ: خُرُوجُهُ وَنُتُوُّهُ وَعِظَمُهُ. رَجُلٌ أَكْوَعُ. وَيُقَالُ الْكَوَعُ: إِقْبَالُ الرُّسْغَيْنِ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ. وَكَوَّعَهُ بِالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ. وَلَعَلَّهُ بِمَعْنَى أَنْ يُصِيبَ كُوعَهُ.

(كَوَفَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ أُصَيْلٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَارَةٍ فِي شَيْءٍ. قَالُوا: تَكَوَّفَ الرَّمْلُ: اسْتَدَارَ. قَالُوا: وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْكُوفَةُ. وَيَقُولُونَ: وَقَعْنَا فِي كُوفَانٍ وَكَُوَّفَانٍ، أَيْ عَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ، كَأَنَّهُمُ اشْتَقُّوا ذَلِكَ مِنَ الرَّمْلِ الْمُتَكَوِّفِ، لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ يُعَنِّي.

(5/147)


(كَوَنَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ حُدُوثِ شَيْءٍ، إِمَّا فِي زَمَانٍ مَاضٍ أَوْ زَمَانٍ رَاهِنٍ. يَقُولُونَ: كَانَ الشَّيْءُ يَكُونُ كَوْنًا، إِذَا وَقَعَ وَحَضَرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] ، أَيْ حَضَرَ وَجَاءَ. وَيَقُولُونَ: قَدْ كَانَ الشِّتَاءُ، أَيْ جَاءَ وَحَضَرَ. وَأَمَّا الْمَاضِي فَقَوْلُنَا: كَانَ زَيْدٌ أَمِيرًا، يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَانٍ سَالِفٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَكَانُ اشْتِقَاقُهُ مِنْ كَانَ يَكُونُ، فَلَمَّا كَثُرَ تُوُهِّمَتِ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً فَقِيلَ تَمَكَّنَ، كَمَا قَالُوا مِنَ الْمِسْكِينِ تَمَسْكَنَ.
وَفِي الْبَابِ كَلِمَةٌ لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي دَرَجَ بِدُرُوجِ مَنْ عَلِمَهُ.
يَقُولُونَ: كُنْتُ عَلَى فُلَانٍ أَكُونُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَفَلْتُ بِهِ. وَاكْتَنْتُ أَيْضًا اكْتِيَانًا. وَهِيَ غَرِيبَةٌ.

(كَوَمَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ مَعَ ارْتِفَاعٍ فِيهِ. مِنْ ذَلِكَ الْكَوْمَاءُ، وَهِيَ النَّاقَةُ الطَّوِيلَةُ السَّنَامِ. وَالْكَوْمُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْكَوْمَةُ: الصُّبْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَرُبَّمَا قَالُوا: كَامَ الْفَرَسُ أُنْثَاهُ يَكُومُهَا، وَذَاكَ نَفْسُ التَّجَمُّعِ.

(كَوَلَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: تَكَوَّلَ الْقَوْمُ عَلَى فُلَانٍ، إِذَا تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/148)


(كَيَدَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُعَالَجَةٍ لِشَيْءٍ بِشِدَّةٍ، ثُمَّ يَتَّسِعُ الْبَابُ، وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْكَيْدُ: الْمُعَالَجَةُ. قَالُوا: وَكُلُّ شَيْءٍ تُعَالِجُهُ فَأَنْتَ تَكِيدُهُ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمَكْرَ كَيْدًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} [الطور: 42] . وَيَقُولُونَ: هُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ، أَيْ يَجُودُ بِهَا، كَأَنَّهُ يُعَالِجُهَا لِتَخْرُجَ. وَالْكَيْدُ: صِيَاحُ الْغُرَابِ بِجَهْدٍ. وَالْكَيْدُ: أَنْ يُخْرِجَ الزَّنْدُ النَّارَ بِبُطْءٍ وَشِدَّةٍ، وَالْكَيْدُ: الْقَيْءُ، وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْحَيْضَ كَيْدًا. وَالْكَيْدُ: الْحَرْبُ، يُقَالُ: خَرَجُوا وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا، أَيْ حَرْبًا.

(كَيَرَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ كِيرُ الْحَدَّادِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْكُوَرُ: الْمَبْنِيُّ مِنَ الطِّينِ، وَالْكِيرُ: الزِّقُّ. قَالَ بِشْرٌ:
كَأَنَّ حَفِيفَ مَنْخَرِهِ إِذَا مَا ... كَتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُسْتَعَارٌ.

(كَيَسَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمٍّ وَجَمْعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكِيسُ، سُمِّيَ لِمَا أَنَّهُ يَضُمُّ الشَّيْءَ وَيَجْمَعُهُ. وَمِنْ بَابِهِ الْكَيْسُ فِي الْإِنْسَانِ: خِلَافُ الْخُرْقِ، لِأَنَّهُ مُجْتَمَعُ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ، يُقَالُ رَجُلٌ كَيِّسٌ وَرِجَالٌ أَكْيَاسٌ. وَأَكْيَسَ الرَّجُلُ وَأَكَاسَ، إِذَا وُلِدَ لَهُ أَكْيَاسٌ مِنَ الْوَلَدِ. قَالَ:

(5/149)


فَلَوْ كُنْتُمْ لِكَيِّسَةٍ أَكَاسَتْ ... وَكَيْسُ الْأُمِّ أَكْيَسُ لِلْبَنِينَا
وَلَعَلَّ كَيْسَانَ فَعْلَانُ مِنْ أَكْيَسَ. وَكَانَتْ بَنُو فَهْمٍ تُسَمِّي الْغَدْرَ كَيْسَانَ. قَالَ:
إِذَا مَا دَعَوَا كَيْسَانَ كَانَتْ كُهُولُهُمْ ... إِلَى الْغَدْرِ أَدْنَى مِنْ شَبَابِهِمُ الْمُرْدِ.

(كَيَصَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالصَّادُ إِنْ صَحَّ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى انْقِبَاضٍ وَضِيقٍ. وَيَقُولُونَ: كَاصَ يَكِيصُ، مِثْلَ كَاعَ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْكِيصَ: الرَّجُلُ الضَّيِّقُ الْخُلُقِ. وَحُكِيَتْ كَلِمَةٌ أَنَا أَرْتَابُ بِهَا، يَقُولُونَ: كِصْنَا عِنْدَ فُلَانٍ مَا شِئْنَا، [أَيْ] أَكَلْنَا.

(كَيَفَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْكِيفَةُ: الْكِسْفَةُ مِنَ الثَّوْبِ. فَأَمَّا كَيْفَ فَكَلِمَةٌ مَوْضُوعَةٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الْإِنْسَانِ فَيُقَالُ: كَيْفَ هُوَ؟ فَيُقَالُ: صَالِحٌ.

(كَيَلَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَالْأُولَى: الْكَيْلُ: كَيَّلَ الطَّعَامَ. يُقَالُ: كِلْتُ فُلَانًا أَعْطَيْتُهُ. وَاكْتَلْتُ عَلَيْهِ: أَخَذْتُ مِنْهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] . {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] . {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]

(5/150)


وَالْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: كَالَ الزَّنْدُ يَكِيلُ; إِذَا لَمْ يُخْرِجْ نَارًا.
وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ: الْكَيُّولُ: مُؤَخَّرُ الصَّفِّ فِي الْحَرْبِ. قَالَ:
إِنِّي امْرُؤٌ عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... أَلَّا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ.

(كَيَنَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ شَيْءٌ يَقُولُونَ إِنَّهُ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَرْأَةِ يَضِيقُ بِهِ، وَالْجَمْعُ كُيُونٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابْنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَهَا ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغَانِغَ الْمَعْذُورِ
فَأَمَّا الْكِينَةُ، فِي قَوْلِهِمْ: بَاتَ فُلَانٌ بِكِينَةِ سَوْءٍ، أَيْ بِحَالٍ سُوءٍ، فَأَصْلُهُ الْكَوْنُ فِعْلَةٌ مِنَ الْكَوْنِ.

(كَيَتَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ، يَقُولُونَ: التَّكْيِيتُ تَيْسِيرُ الْجَهَازِ. قَالَ:
كَيِّتْ جِهَازَكَ إِمَّا كُنْتَ مُرْتَحِلًا ... إِنِّي أَخَافُ عَلَى أَذْوَادِكَ السَّبُعَا.

(كَيَحَ) الْكَافُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْكِيحُ: سَنَدُ الْجَبَلِ. قَالَ الشَّنْفَرَى:
وَيَرْكُضْنَ بِالْآصَالِ حَوْلِي كَأَنَّنِي ... مِنَ الْعُصْمِ أَدْفَى يَنْتَحِي الْكِيحَ أَعْقَلُ.

(5/151)


[بَابُ الْكَافِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
وَقَدْ تَكُونُ الْأَلِفُ مُنْقَلِبَةً وَتُكْتَبُ هَاهُنَا لِلَّفْظِ، وَقَدْ تَكُونُ مَهْمُوزَةً.

(كَاذَ) الْكَافُ وَالْأَلِفُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ الْكَاذَةُ: لَحْمُ أَعَالِي الْفَخِذَيْنِ.

(كَارَ) الْكَافُ وَالْأَلِفُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: الْكَأْرُ: أَنْ يَكْأَرَ الرَّجُلُ مِنَ الطَّعَامِ، أَيْ يُصِيبُ مِنْهُ أَخْذًا وَأَكْلًا.

(كَانَ) الْكَافُ وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ. يَقُولُونَ: كَأَنَ، أَيِ اشْتَدَّ، وَكَأَنْتُ: اشْتَدَدْتُ.

(كَأَبَ) الْكَافُ وَالْهَمْزَةُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْكِسَارٍ وَسُوءِ حَالٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَآبَةُ. يُقَالُ كَأْبَةٌ وَكَآبَةٌ، وَرَجُلٌ كَئِيبٌ.

(كَأَدَ) الْكَافُ وَالْأَلِفُ وَالدَّالُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَمَشَقَّةٍ. يَقُولُونَ: تَكَاءَدَهُ الْأَمْرُ، إِذَا صَعُبَ عَلَيْهِ. وَالْعَقَبَةُ الْكَؤُودُ: الصَّعْبَةُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَبَتَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْإِذْلَالِ وَالصَّرْفِ عَنِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: كَبَتَ اللَّهُ الْعَدُوَّ يَكْبِتُهُ، إِذَا صَرَفَهُ وَأَذَلَّهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة: 5] .

(5/152)


(كَبَثَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ الْكَبَاثُ، يُقَالُ: إِنَّهُ حَمْلُ الْأَرَاكِ. وَحَكَوْا عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: كَبِثَ اللَّحْمُ: تَغَيَّرَ وَأَرْوَحَ. قَالَ:
أَصْبَحَ عَمَّارٌ نَشِيطًا أَبِثَا ... يَأْكُلُ لَحْمًا بَائِتًا قَدْ كَبِثَا.

(كَبَحَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: كَبَحْتُ الْفَرَسَ بِلِجَامِهِ أَكْبَحُهُ.

(كَبَدَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ وَقُوَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَبَدُ، وَهِيَ الْمَشَقَّةُ. يُقَالُ: لَقِيَ فُلَانٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ كَبَدًا، أَيْ مَشَقَّةً. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] وَكَابَدْتُ الْأَمْرَ: قَاسَيْتُهُ فِي مَشَقَّةٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْكَبِدُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، سُمِّيَتْ كَبِدًا لِتَكَبُّدِهَا. وَالْأَكْبَدُ: الَّذِي نَهَدَ مَوْضِعُ كَبِدِهِ. وَكَبَدْتُ الرَّجُلَ: أَصَبْتُ كَبِدَهُ. وَكَبِدُ الْقَوْسِ: مُسْتَعَارٌ مِنْ كَبِدِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مَقْبِضُهَا. وَقَوْسٌ كَبْدَاءُ: إِذَا مَلَأَ مَقْبِضُهَا الْكَفَّ. وَمِنَ الِاسْتِعَارَةِ: كَبِدُ السَّمَاءِ: وَسَطُهَا. وَيَقُولُونَ: كُبَيْدَاءُ السَّمَاءِ، كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوهَا، وَجَمَعُوهَا عَلَى كُبَيْدَاتٍ. وَيُقَالُ: تَكَبَّدَتِ الشَّمْسُ، إِذَا صَارَتْ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ. وَالْكُبَادُ: وَجَعُ الْكَبِدِ. وَتَكَبَّدَ اللَّبَنُ: غَلُظَ وَخَثُرَ.

(كَبَرَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الصِّغَرِ. يُقَالُ: هُوَ كَبِيرٌ، وَكُبَارٌ، وَكُبَّارٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22] وَالْكِبْرُ: مُعْظَمُ الْأَمْرِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَعَلَا: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] ، أَيْ مُعْظَمَ أَمْرِهِ. وَيَقُولُونَ: كِبْرُ سِيَاسَةِ الْقَوْمِ فِي الْمَالِ. فَأَمَّا الْكُبْرُ بِضَمِّ الْكَافِ فَهُوَ الْقُعْدُدُ. يُقَالُ: الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ

(5/153)


يُرَادُ بِهِ أَقْعَدُ الْقَوْمِ فِي النَّسَبِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الْأَبِ الْأَكْبَرِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْكِبَرُ، وَهُوَ الْهَرَمُ. وَالْكِبْرُ: الْعَظَمَةُ، وَكَذَلِكَ الْكِبْرِيَاءُ. وَيُقَالُ: وَرِثُوا الْمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، أَيْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فِي الشَّرَفِ وَالْعِزِّ. وَعَلَتْ فُلَانًا كَبْرَةٌ، إِذَا كَبِرَ. وَيُقَالُ: أَكْبَرْتُ الشَّيْءَ: اسْتَعْظَمْتُهُ.

(كَبَسَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالسِّينِ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ مِنَ الشَّيْءِ يُعْلَى بِالشَّيْءِ الرَّزِينِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى هَذَا مَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ. مِنْ ذَلِكَ الْكَبْسُ: طَمُّكَ الْحُفَيْرَةَ بِالتُّرَابِ. وَالتُّرَابُ كِبْسٌ. ثُمَّ يَتَّسِعُونَ فَيَقُولُونَ: كَبَسَ فُلَانٌ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، إِذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ. وَالْأَرْنَبَةُ الْكَابِسَةُ، هِيَ الْمُقْبِلَةُ عَلَى الْجَبْهَةِ فِي غِلَظٍ وَارْتِفَاعٍ. يُقَالُ مِنْهُ كَبَسَتْ. وَمِنَ الْبَابِ الْكِبَاسَةُ: الْعِذْقُ التَّامُّ الْحَمْلِ. [وَ] الْكَبِيسُ: التَّمْرُ يُكْبَسُ. وَالْكَابُوسُ: مَا يَقَعُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِاللَّيْلِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحْسَبُهُ مُوَلَّدًا. وَالْكَبِيسُ: حَلْيٌ يُصَاغُ مُجَوَّفًا ثُمَّ يُحْشَى طِينًا. وَالْكُبَاسُ وَالْأَكْبَسُ: الْعَظِيمُ الرَّأْسِ.

(كَبَشَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْكَبْشُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ: عَظِيمُهَا وَرَئِيسُهَا. قَالَ:
ثُمَّ مَا هَابُوا وَلَكِنْ قَدَّمُوا ... كَبْشَ غَارَاتٍ إِذَا لَاقَى نَطَحْ.

(كَبَعَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالْعَيْنُ. قَالُوا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ - إِنَّ الْكَبْعَ: نَقْدُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ. قَالَ:

(5/154)


قَالُوا لِيَ اكْبَعْ قُلْتُ لَسْتُ كَابِعًا ... وَقُلْتُ لَا آتِي الْأَمِيرَ طَائِعَا.

(كَبَلَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَبْسٍ وَمَنْعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَبْلُ: الْقَيْدُ الضَّخْمُ. يُقَالُ: كَبَلْتُ الْأَسِيرَ وَكَبَّلْتُهُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْكَابُولَ: حِبَالَةُ الصَّائِدِ. فَأَمَّا الْمُكَابَلَةُ فَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَهُوَ التَّأْخِيرُ فِي الدَّيْنِ، يُقَالُ: كَبَلْتُكَ دَيْنَكَ، وَذَلِكَ مِنَ الْحَبْسِ أَيْضًا. وَمِنَ الْبَابِ أَيْضًا الْمُكَابَلَةُ: أَنْ تُبَاعَ الدَّارُ إِلَى جَنْبِ دَارِكَ وَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا فَتُؤَخِّرُ شِرَاءَهَا لِيَشْتَرِيَهَا غَيْرُكَ ثُمَّ تَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ. وَقَدْ كُرِهَ ذَلِكَ.

(كَبَنَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَبْضٍ وَتَقَبُّضٍ. يُقَالُ لِلْبَخِيلِ: الْكُبُنَّةُ: وَقَدِ اكْبَأَنَّ، إِذَا تَقَبَّضَ حِينَ سُئِلَ. وَيُقَالُ: كَبَنَ الدَّلْوَ، إِذَا ثَنَى فَمَهَا وَخَرَزَهُ وَيُقَالُ لَهُ الْكَبْنُ. وَمِنَ الْبَابِ كَبَنَ عَنِ الشَّيْءِ: عَدَلَ، وَكَنَبَ أَيْضًا. وَالْمَكْبُونُ مِنَ الْخَيْلِ: الْقَصِيرُ الْقَوَائِمِ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: تَكَبَّنَ، إِذَا سَمِنَ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي تَجَمُّعِ لَحْمٍ. وَيَقُولُونَ: كَبَنَ كُبُونًا، إِذَا عَدَا فِي لِينٍ وَاسْتِرْسَالٍ.

(كَبَوَ) الْكَافُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطٍ وَتَزَيُّلٍ. يُقَالُ: كَبَا لِوَجْهِهِ يَكْبُو، وَهُوَ كَابٍ، إِذَا سَقَطَ. قَالَ:
فَكَبَا كَمَا يَكْبُو فَنِيقٌ تَارِزٌ ... بِالْخَبْتِ إِلَّا أَنَّهُ هُوَ أَبْرَعُ

(5/155)


وَيُقَالُ: كَبَا الزَّنْدُ يَكْبُو، إِذَا لَمْ يُخْرِجْ نَارَهُ. وَيُقَالُ: كَبَوْتُ الْكُوزَ وَغَيْرَهُ، إِذَا صَبَبْتُ مَا فِيهِ. وَالتُّرَابُ الْكَابِي: الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَيُقَالُ: هُوَ كَابِي الرَّمَادِ، أَيْ عَظِيمُهُ، يَنْهَالُ. وَمِنَ الْبَابِ الْكِبَا: الْكُنَاسَةُ; وَالْجَمْعُ الْأَكْبَاءُ.
وَمِمَّا شَذَّ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْكِبَاءُ مَمْدُودٌ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعُودِ. يُقَالُ كَبُّوا ثِيَابَكُمْ، أَيْ بَخِّرُوهَا. قَالَ:
وَرَنْدًا وَلُبْنَى وَالْكِبَاءَ الْمُقَتَّرَا.

[بَابُ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَتَدَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالدَّالُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْكَتَدُ: مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ إِلَى الظَّهْرِ. وَالْكَتَدُ: نَجْمٌ.

(كَتَرَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: الْكَتْرُ. وَسَطُ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ: الْكَِتْرُ: السَّنَامُ نَفْسُهُ. قَالَ:
كِتْرٌ كَحَافَةِ كِيرِ الْقَيْنِ مَلْمُومُ

(5/156)


قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ بِالْكِتْرِ إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ. وَيَقُولُونَ: الْكَتْرُ: الْحَسَبُ وَالْقَدْرُ.

(كَتَعَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَاتٌ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ عَلَى قِيَاسٍ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْكَلَامِ الْأَصِيلِ. يَقُولُونَ الْكُتَعُ: الرَّجُلُ اللَّئِيمُ. وَيَقُولُونَ كَتَعَ بِالشَّيْءِ: ذَهَبَ بِهِ. وَمَا بِالدَّارِ كَتِيعٌ، أَيْ مَا فِيهَا أَحَدٌ. وَكَتَعَ فُلَانٌ فِي أَمْرِهِ: شَمَّرَ. وَجَاءَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ أَكْتَعُونَ عَلَى الْإِتْبَاعِ.

(كَتَلَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ. يُقَالُ: هَذِهِ كُتْلَةٌ مِنْ شَيْءٍ، أَيْ قِطْعَةٌ مُجْتَمِعَةٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ أَلْقَى فُلَانٌ عَلَيَّ كَتَالَهُ، أَيْ ثِقَلَهُ. وَذُكِرَ فِي شِعْرِ [ابْنِ] الطَّثْرِيَّةِ.

(كَتَمَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِخْفَاءِ وَسَتْرٍ. مِنْ ذَلِكَ كَتَمْتُ الْحَدِيثَ كَتْمًا وَكِتْمَانًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] وَيُقَالُ: نَاقَةٌ كَتُومٌ: لَا تَرْغُو إِذَا رُكِبَتْ، قُوَّةً وَصَبْرًا. قَالَ:
وَكَانَتْ بَقِيَّةَ ذَوْدٍ كُتُمْ
وَسَحَابٌ مُكْتَتِمٌ: لَا رَعْدَ فِيهِ. وَخَرْزٌ كَتِيمٌ: لَا يَنْضَحُ الْمَاءُ. وَقَوْسٌ كَتُومٌ: لَا تُرِنُّ. وَأَمَّا الْكَتَمُ، فَنَبَاتٌ يُخْتَضَبُ بِهِ.

(5/157)


(كَتَنَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَطْخٍ وَدَرَنٍ. يُقَالُ الْكَتَنُ: لَطْخُ الدُّخَانِ الْبَيْتَ. وَيُقَالُ: كَتِنَتْ جَحَافِلُ الدَّابَّةِ: اسْوَدَّتْ مِنْ أَكْلِ الدَّرِينِ. وَكَتِنَ السِّقَاءُ، إِذَا لَصِقَ بِهِ اللَّبَنُ مِنْ خَارِجٍ فَغَلُظَ. وَالْكَتَّانُ مَعْرُوفٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ نُونَهُ أَصْلِيَّةٌ. وَسَمَّاهُ الْأَعْشَى الْكَتَنُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْقَى بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْتِنَ.

(كَتَوَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْوَاوُ. الْكَتْوُ: مُقَارَبَةُ الْخَطْوِ. يُقَالُ: كَتَا يَكْتُو كَتْوًا. حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ.

(كَتَبَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعِ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالْكِتَابَةُ. يُقَالُ: كَتَبْتُ الْكِتَابَ أَكْتُبُهُ كَتْبًا. وَيَقُولُونَ: كَتَبْتُ الْبَغْلَةَ، إِذَا جَمَعْتُ شُفْرَيْ رَحِمِهَا بِحَلْقَةٍ. قَالَ:
لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا حَلَلْتَ بِهِ ... عَلَى قَلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارٍ
وَالْكُتْبَةُ: الْخُرْزَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَمْعِهَا الْمَخْرُوزِ. وَالْكُتَبُ: الْخُرَزُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَفْرَاءَ غَرْفِيَّةٍ أَثَأَى خَوَارِزَهَا ... مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْهُ بَيْنَهَا الْكُتَبُ

(5/158)


وَمِنَ الْبَابِ الْكِتَابُ وَهُوَ الْفَرْضُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] ، وَيُقَالُ لِلْحُكْمِ: الْكِتَابُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَمَّا لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» "، أَرَادَ بِحُكْمِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} [البينة: 2] . {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 3] ، أَيْ أَحْكَامٌ مُسْتَقِيمَةٌ. وَيُقَالُ لِلْقَدَرِ: الْكِتَابُ. قَالَ الْجَعْدِيُّ:
يَا ابْنَةَ عَمِّي كِتَابُ اللَّهِ أَخْرَجَنِي ... عَنْكُمْ وَهَلْ أَمْنَعَنَّ اللَّهَ مَا فَعَلَا
وَمِنَ الْبَابِ كَتَائِبُ الْخَيْلِ، يُقَالُ: تَكَتَّبُوا. قَالَ:
بِأَلِفٍ تَكَتَّبَ أَوْ مِقْنَبِ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْكَاتِبُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْعَالِمُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور: 41] . وَالْمُكَاتَبُ: الْعَبْدُ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالُوا: وَأَصْلُهُ مِنَ الْكِتَابِ، يُرَادُ بِذَلِكَ الشَّرْطُ الَّذِي يُكْتَبُ بَيْنَهُمَا.

(كَتَفَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عِرَضٍ فِي حَدِيدَةٍ أَوْ عَظْمٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَتِيفَةُ، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُضَبُّ بِهَا. وَمِنْهُ الْكَتِفُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَكْتَفُ: عَظِيمُ الْكَتِفِ. وَقَوْلُهُمْ: كَتَفَ الْبَعِيرُ فِي الْمَشْيِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا بَسَطَ يَدَيْهِ بَسْطًا شَدِيدًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِبَسْطِهِ مَوْضِعَيْ كَتِفَيْهِ. وَالْكَتْفُ: أَنْ يُشَدَّ حِنْوًا الرَّحْلِ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ بِالْكِتَافِ، وَذَلِكَ كَبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَتَفْتُ اللَّحْمَ، كَأَنَّكَ قَطَعْتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ.

(5/159)


الْكَتِفِ أَوِ الْكَتِيفَةِ. وَكَذَلِكَ كَتَفْتُ الثَّوْبَ إِذَا قَطَعْتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلضِّغْنِ وَالْحِقْدُ كَتِيفَةٌ، فَذَلِكَ مِنَ الْبَابِ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ عَجِيبِ كَلَامِهِمْ: أَنْ يَحْمِلُوا الشَّيْءَ عَلَى مَحْمُولِ غَيْرِهِ. وَالْمَعْنَى فِي هَذَا أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الضِّغْنَ ضَبًّا، لِأَنَّهُ يُضِبُّ عَلَى الْقَلْبِ. فَلَمَّا كَانَتِ الضَّبَّةُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُضَبُّ عَلَى الشَّيْءِ وَكَانَتْ تُسَمَّى كَتِيفَةً، سَمَّوُا الضِّغْنَ ضَبًّا وَكَتِيفَةً، وَالْجَمْعُ كَتَائِفُ. [قَالَ] :
أَخُوكَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ الْحِسَّ نَفْسُهُ ... وَتَرْفَضُّ عِنْدَ الْمُحْفِظَاتِ الْكَتَائِفُ
وَأَمَّا الْكُِتْفَانُ مِنَ الْجَرَادِ فَهُوَ أَوَّلُ مَا يَطِيرُ مِنْهُ. وَهُوَ شَاذٌّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ.

(كَتَوَ) الْكَافُ وَالتَّاءُ وَالْوَاوُ فِيهِ كَلِمَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا، وَلَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهَا. يَقُولُونَ: اكْتَوْتَى الرَّجُلُ، إِذَا بَالَغَ فِي صِفَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ. وَاكْتَوْتَى تَعْتَعَ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ.

[بَابُ الْكَافِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَثَرَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ خِلَافَ الْقِلَّةِ. مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ، وَقَدْ كَثُرَ. ثُمَّ يُزَادُ فِيهِ لِلزِّيَادَةِ فِي النَّعْتِ فَيُقَالُ: الْكَوْثَرُ: الرَّجُلُ الْمِعْطَاءُ. وَهُوَ فَوْعَلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ. قَالَ:

(5/160)


وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا ابْنَ مَرْوَانَ طَيِّبٌ ... وَكَانَ أَبُوكَ ابْنُ الْعَقَائِلِ كَوْثَرًا
وَالْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] قَالُوا هَذَا وَقَالُوا: أَرَادَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ. وَالْكَوْثَرُ: الْغُبَارُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ وَثَوَرَانِهِ. قَالَ:
حَمْحَمَ فِي كَوْثَرٍ كَالْجَلَالِ
وَيُقَالُ: كَاثَرَ بَنُو فُلَانٍ [بَنِي فُلَانٍ] فَكَثَرُوهُمْ، أَيْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ. وَعَدَدٌ كَاثِرٌ، أَيْ كَثِيرٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ.

(كَثَفَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرَاكُبِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ وَتَجَمُّعٍ. يُقَالُ: هَذَا شَيْءٌ كَثِيفٌ. وَسَحَابٌ كَثِيفٌ وَشَجَرٌ كَثِيفٌ.

(كَثَعَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْعَيْنُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. يُقَالُ شَفَةٌ كَاثِعَةٌ، إِذَا كَثُرَ دَمُهَا. وَكَثَعَ اللَّبَنُ: عَلَا دَسَمُهُ. وَكَثَّعَتْ لِحْيَتُهُ: طَالَتْ وَكَثُرَتْ.

(5/161)


(كَثَمَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِلَاءٍ وَسَعَةٍ. يُقَالُ لِلشَّبْعَانِ: الْأَكْثَمُ. وَيُقَالُ لِلْعَظِيمِ الْبَطْنِ: أَكْثَمُ. وَيَقُولُونَ: أَكْثَمَ قِرْبَتَهُ، إِذَا مَلَأَهَا. وَالْأَكْثَمُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ. وَيُقَالُ أَكْثَمَ فَمَهُ، إِذَا أَدْخَلَ فِيهِ الْقِثَّاءَ، وَنَحْوَهُ ثُمَّ كَسَرَهُ.

(كَثَوَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْوَاوُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْكَوْثَلُ لِلسَّفِينَةِ، وَرُبَّمَا شُدِّدَ.

(كَثَا) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْمَهْمُوزُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَصْفٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّبَنِ ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهِ. وَيَقُولُونَ: الْكُثْوَةُ: الْقَلِيلُ مِنَ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ. وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ كُثْوَةِ الشَّاعِرِ، وَقَالُوا أَيْضًا: لَبَنُ مُكْثٍ، إِذَا كَانَتْ لَهُ رِغْوَةٌ.
وَرُبَّمَا حَمَلُوا الْمَهْمُوزَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: كَثَأَتِ الْقِدْرُ، إِذَا أَزْبَدَتْ لِلْغَلْيِ. وَكَثَأَ النَّبْتُ: طَلَعَ. وَكَثَأَتِ اللِّحْيَةُ مِنْ هَذَا.

(كَثَبَ) الْكَافُ وَالثَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ وَعَلَى قُرْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكُثْبَةُ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّبَنِ وَمِنَ التَّمْرِ. قَالُوا: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهَا. وَمِنْهُ كَثِيبُ الرَّمْلِ. وَالْكَاثِبُ: الْجَامِعُ. وَالْكَاثِبَةُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ مِنْسَجِ الْفَرَسِ; وَالْجَمْعُ كَوَاثِبُ. قَالَ النَّابِغَةُ:

(5/162)


إِذَا عَرَضُوا الْخَطِّيَّ فَوْقَ الْكَوَاثِبِ
وَأَكْثَبَ الصَّيْدُ، إِذَا أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنَ الْكَثَبِ وَهُوَ الْقُرْبُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:
لَأَصْبَحَ رَتْمًا دُقَاقَ الْحَصَى ... مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الْكَاثِبِ
فَيُقَالُ إِنَّهُ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ: الْكُثَّابُ: سَهْمٌ صَغِيرٌ يُرْمَى بِهِ. وَأَنْشَدُوا:
رَمَتْ مِنْ كَثَبٍ قَلْبِي وَلَمْ تَرْمِ بِكُثَّابِ
وَهَذَا إِذَا صَحَّ فَلَعَلَّهُ سُمِّيَ لِقِصَرِهِ وَقُرْبِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَحَلَ) الْكَافُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ. وَالْكَحَلُ: سَوَادُ هُدْبِ الْعَيْنِ خِلْقَةً. يُقَالُ كَحِلَتْ عَيْنُهُ كَحَلًا، وَهِيَ كَحِيلٌ، وَالرَّجُلُ أَكْحَلُ. وَيُقَالُ لِلْمُلْمُولِ الَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ: الْمِكْحَالُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: الْكُحَيْلُ: الْخَضْخَاضُ الَّذِي يُهَنَّأُ بِهِ، بُنِيَ عَلَى التَّصْغِيرِ. وَالْمِكْحَالَانِ: عَظْمَا الْوَرِكَيْنِ مِنَ الْفَرَسِ، وَيُقَالُ بَلْ هُمَا عَظْمَا الذِّرَاعَيْنِ. وَالْأَكْحَلُ: عِرْقٌ. وَكَحْلُ: اسْمٌ لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: " بَاءَتْ عَرَارِ

(5/163)


بِكَحْلٍ "، إِذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِمَقْتُولِهِ. وَيُقَالُ: كَانَتَا بَقَرَتَيْنِ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقُتِلَتْ بِهَا.

[بَابُ الْكَافِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَدَرَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الصَّفْوِ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْكَدَرُ: خِلَافُ الصَّفْوِ، يُقَالُ كَدِرَ الْمَاءُ وَكَدُرَ. وَيَقُولُونَ: " خُذْ مَا صَفَا وَدَعْ مَا كَدَُرَ ". وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: كَدِرُ عَيْشِهِ. وَالْكُدْرِيُّ: الْقَطَا; لِأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى مُعْظَمِ الْقَطَا، وَهِيَ كُدْرٌ. وَهَذَا مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اللَّوْنِ كُدْرَةً. وَمِنْهُ الْكُدَيْرَاءُ: لَبَنٌ حَلِيبٌ يُنْقَعُ فِيهِ تَمْرٌ. وَبَنَاتُ أَكْدَرَ: حُمُرُ وَحْشٍ نُسِبَتْ إِلَى فَحْلٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ اللَّوْنَ أَكْدَرُ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَيُقَالُ: انْكَدَرَ، إِذَا أَسْرَعَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] .

(كَدَسَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَالْأُولَى: كُدْسُ الطَّعَامِ. وَالثَّانِيَةُ التَّكَدُّسُ، وَهُوَ مَشْيُ الْفَرَسِ كَأَنَّهُ مُثْقَلٌ. قَالَ:

(5/164)


وَخَيْلٍ تَكَدَّسُ بِالدَّارِعِينَ ... كَمَشْيِ الْوُعُولِ عَلَى الظَّاهِرِهْ
وَالثَّالِثَةُ: الْكَوَادِسُ: مَا تَطَّيَّرَ مِنْهُ، كَالْفَأْلِ وَالْعُطَاسِ وَنَحْوِهِ. قَالَ:
وَلَمْ تَحْبِسْكَ عَنِّي الْكَوَادِسُ.

(كَدَشَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالشِّينُ لَيْسَ بِنَاءً يُشْبِهُ كَلَامَ الْعَرَبِ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يُقَارِبُ الْإِبْدَالَ. يُقَالُ كَدَسَ وَخَدَشَ بِمَعْنًى. وَكَدَشَ وَكَدَحَ أَيْ كَسَبَ. وَكَدَشَ الشَّيْءَ بِأَسْنَانِهِ: قَطَعَهُ. وَكُلُّ هَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الضَّعْفِ.

(كَدَعَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ ذَكَرَ أَنَّ الْكَدْعَ: الدَّفْعُ الشَّدِيدُ.

(كَدَمَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ كَدَمَ، إِذَا عَضَّ بِأَدْنَى فِيهِ، كَمَا يَكْدِمُ الْحِمَارُ. وَيُقَالُ أَيْضًا إِنَّ الْكَدَمَةَ: الْحَرَكَةُ. قَالَ:
لِمَا تَمَشَّيْتُ بُعَيْدَ الْعَتَمَهْ ... سَمِعْتُ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ كَدَمَهْ.

(5/165)


(كَدَنَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَوْطِئَةٍ فِي شَيْءٍ مُتَجَمِّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكُدُونُ: شَيْءٌ تُوَطِّئُ بِهِ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا فِي الْهَوْدَجِ. ثُمَّ يُقَالُ امْرَأَةٌ كَدِنَةٌ: ذَاتُ لَحْمٍ كَثِيرٍ. وَبَعِيرٌ ذُو كُدْنَةٍ، إِذَا عَظُمَ سَنَامُهُ. وَاشْتِقَاقٌ الْكَوْدَنِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَا لَحْمٍ وَغِلَظِ جِسْمٍ. يَقُولُونَ: مَا أَبْيَنَ الْكَدَانَةَ فِيهِ، أَيِ الْهُجْنَةَ. وَالْكَدَنُ: مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْمَاءِ مِنَ الطِّينِ الْمُتَلَجِّنِ. وَهُوَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ. فَأَمَّا الْكِدْيَوْنُ فَيُقَالُ إِنَّهُ دُقَاقُ التُّرَابِ وَالسِّرْجِينِ يُجْمِعَانِ وَيُجْلَى بِهِ الدُّرُوعُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
عُلِينَ بِكِدْيَوْنٍ وَأُبْطِنَّ كُرَّةً ... فَهُنَّ إِضَاءٌ ضَافِيَاتُ الْغَلَائِلِ.

(كَدَهَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْهَاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْكَدْهُ: الصَّكُّ بِالْحَجَرِ. يُقَالُ: كَدَهَ يَكْدَهُ. وَسَقَطَ الشَّيْءُ فَتَكَدَّهَ، أَيِ انْكَسَرَ.

(كَدِيَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. فَالْكُدْيَةُ: صَلَابَةٌ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ، يُقَالُ: حَفَرَ فَأَكْدَى، إِذَا وَصَلَ إِلَى الْكُدْيَةِ. ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَعْطَى يَسِيرًا ثُمَّ قَطَعَ: أَكْدَى، شُبِّهَ بِالْحَافِرِ يَحْفِرُ فَيُكْدِي فَيُمْسِكُ عَنِ الْحَفْرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [النجم: 34] [النَّجْمِ 34] . وَالْكُدَايَةُ، هِيَ الْكُدْيَةُ. وَيُقَالُ: أَرْضٌ كَادِيَةٌ، أَيْ بَطِيئَةٌ،

(5/166)


وَهُوَ مِنْ هَذَا. وَرُبَّمَا هُمِزَ هَذَا فَيَكُونُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي يُهْمَزُ وَلَيْسَ أَصْلُهُ الْهَمْزَ. زَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّهُ يُقَالُ: أَصَابَتْ زُرُوعَهُمْ كَادِئَةٌ، وَهُوَ الْبَرْدُ. وَأَصَابَ الزَّرْعَ بَرْدٌ وَكَدَّأَهُ، أَيْ رَدَّهُ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَدِيَ الْكَلْبُ كَدًى، إِذَا شَرِبَ اللَّبَنَ فَفَسَدَ جَوْفُهُ.
وَيُقَالُ أَكْدَيْتُهُ أَكَدِيهِ إِكْدَاءً، إِذَا رَدَدْتُهُ عَنِ الشَّيْءِ، وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاحِدٌ. وَكَدَاءٌ: مَكَانٌ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكُدْيَةِ.

(كَدَبَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْبَاءُ، يُقَالُ فِيهِ كَلِمَةٌ. قَالُوا: إِنَّ الْكَدِبَ: الدَّمُ الطَّرِيُّ. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَرَأَ: وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَدِبٍ.

(كَدَحَ) الْكَافُ وَالدَّالُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ كَدَحَهُ وَكَدَّحَهُ، إِذَا خَدَشَهُ. وَحِمَارٌ مُكَدَّحٌ: قَدْ عَضَّضَتْهُ الْحُمُرُ. وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ كَدَحَ إِذَا كَسَبَ، يَكْدَحُ كَدْحًا فَهُوَ كَادِحٌ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا: {إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6] ، أَيْ كَاسِبٌ.

[بَابُ الْكَافِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَذَبَ) الْكَافُ وَالذَّالُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الصِّدْقِ. وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ نِهَايَةَ الْكَلَامِ فِي الصِّدْقِ. مِنْ ذَلِكَ الْكَذِبُ خِلَافُ الصِّدْقِ. كَذَبَ كَذِبًا. وَكَذَّبْتُ فُلَانًا: نَسَبْتُهُ إِلَى الْكَذِبِ، وَأَكْذَبْتُهُ:

(5/167)


وَجَدْتُهُ كَاذِبًا. وَرَجُلٌ كَذَّابٌ وَكُذَبَةٌ. ثُمَّ يُقَالُ: حَمَلَ فُلَانٌ ثُمَّ كَذَبَ وَكَذَّبَ، أَيْ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْحَمْلَةِ. وَقَالَ أَبُو دُوَادَ:
قُلْتُ لَمَّا نَصَلَا مِنْ قُنَّةٍ ... كَذَبَ الْعَيْرُ وَإِنْ كَانَ بَرَحْ
وَزَعَمُوا أَنَّهُ يُقَالُ كَذَبَ لَبَنُ النَّاقَةِ: ذَهَبَ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ. وَيَقُولُونَ مَا كَذَّبَ فُلَانٌ أَنْ فَعَلَ كَذَا، أَيْ مَا لَبِثَ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ. فَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ: كَذَبَ عَلَيْكَ كَذَا، وَكَذَّبَكَ كَذَا، بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ عَلَيْكَ بِهِ، أَوْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «كَذَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ» "، أَيْ وَجَبَ فَكَذَا جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ. وَيُنْشِدُونَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا كَثِيرًا مِنْهُ قَوْلُهُ:
وَذُبْيَانِيَّةٍ وَصَّتْ بَنِيهَا ... بِأَنْ كَذَبَ الْقَرَاطِفُ وَالْقُرُوفُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
كَذَبْتُ عَلَيْكُمْ أَوْعِدُونِي وَعَلِّلُوا ... بِي الْأَرْضَ وَالْأَقْوَامَ قِرْدَانَ مَوْظَبَا
وَمَا أَحْسِبُ مُلَخَّصَ هَذَا وَأَظُنُّهُ [إِلَّا] مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي دَرَجَ وَدَرَجَ أَهْلُهُ وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُهُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَرَزَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِبَاءٍ وَتَسَتُّرٍ وَلِوَاذٍ، يُقَالُ: كَارَزَ إِلَى الْمَكَانِ، إِذَا مَالَ إِلَيْهِ وَاخْتَبَأَ فِيهِ. وَأَنْشَدَ:

(5/168)


إِلَى جَنْبِ الشَّرِيعَةِ كَارِزُ
وَكَارَزَ [عَنْ] فُلَانٍ، إِذَا فَرَّ عَنْهُ وَاخْتَبَأَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْكُرْزُ فَهُوَ الْجُوَالِقُ; وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخْبَأُ فِيهِ الشَّيْءُ. وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
كَالْكُرَّزِ الْمَرْبُوطِ بَيْنَ الْأَوْتَادْ
فَهَذَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. يَقُولُونَ: الْكُرَّزُ: الْبَازِي فِي سَنَتِهِ الثَّانِيَةِ. وَالْكَرَّازُ: كَبْشٌ يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الرَّاعِي كُرْزَهُ، وَهُوَ شَيْءٌ لَهُ كَالْجُوَالِقِ. فَأَمَّا الْكَرِيزُ وَهُوَ الْأَقِطُ، فَلَيْسَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْإِبْدَالِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الصَّادُ.

(كَرَسَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَلَبُّدِ شَيْءٍ فَوْقَ شَيْءٍ وَتَجَمُّعِهِ. فَالْكِرْسُ: مَا تَلَبَّدَ مِنَ الْأَبْعَارِ وَالْأَبْوَالِ فِي الدِّيَارِ. وَاشْتُقَّتِ الْكُرَّاسَةُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا وَرَقٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. وَقَالَ:
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا ... قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَأَبْلَسَا
وَالْكَرَوَّسُ: الْعَظِيمُ الرَّأْسِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا كَأَنَّهُ شَيْءٌ كُرِّسَ، أَيْ جُمِعَ

(5/169)


جَمْعًا كَثِيفًا. وَمِنَ الْبَابِ الْكَرْكَسَةُ: تَرْدِيدُ الشَّيْءِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي وَلَدَتْهُ إِمَاءٌ: مُكَرْكَسٌ، أَيْ هُوَ مُرَدَّدٌ فِي وِلَادِهِنَّ لَهُ.

(كَرَشَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ وَجَمْعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَرِشُ. سُمِّيَتْ لِجَمْعِهَا مَا فِيهَا. ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ كَرِشٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي» ". وَكَرِشُ الرَّجُلِ: عِيَالُهُ وَصِغَارُ وَلَدِهِ. وَيُقَالُ لِلْأَتَانِ الضَّخْمَةِ الْخَاصِرَتَيْنِ: كَرْشَاءُ. وَتَكَرَّشَ وَجْهُهُ: تَقَبَّضَ فَصَارَ كَالْكِرْشِ. وَالْكَرْشَاءُ: الْقَدَمُ الَّتِي قَصُرَتْ وَاسْتَوَى أَخْمَصُهَا.

(كَرَصَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْكَرِيصُ: الْأَقِطُ.

(كَرَضَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ صَحِيحَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهَا، وَهِيَ الْكِرَاضُ. قَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَاءُ الْفَحْلِ تُلْقِيهِ النَّاقَةُ بَعْدَ مَا قَبِلَتْهُ. يُقَالُ: كَرَضَتِ النَّاقَةُ مَاءَ الْفَحْلِ تَكْرُضُهُ. وَيَقُولُونَ: الْكِرَاضُ: مَنِيُّ الرَّجُلِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
سَوْفَ تُدْنِيكَ مِنْ لَمِيسَ سَبَنْتَاةٌ ... أَمَارَتْ بِالْبَوْلِ مَاءَ الْكِرَضِ
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْكِرَاضُ: حَلَقُ الرَّحِمِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا.

(5/170)


وَقَالَ غَيْرُهُ: وَاحِدُهَا كَرْضٌ.

(كَرَعَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دِقَّةٍ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ. مِنْ ذَلِكَ الْكُرَاعُ، وَهُوَ مِنَ الْإِنْسَانِ مَا دُوَنَ الرُّكْبَةِ، وَمِنَ الدَّوَابِّ: مَا دُونَ الْكَعْبِ. قَالَ الْخَلِيلُ: تَكَرَّعَ الرَّجُلُ إِذَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَغْسِلُ أَكَارِعَهُ. قَالَ: وَكُرَاعُ كُلِّ شَيْءٍ: طَرَفُهُ. قَالَ: وَالْكُرَاعُ مِنَ الْحَرَّةِ: مَا اسْتَطَالَ مِنْهَا، قَالَ مُهَلْهَلٌ:
لَمَّا تَوَقَّلَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْتُ أَثْأَرُ جَابِرًا أَوْ صِنْبِلَا
فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمُ الْخَيْلَ كُرَاعًا فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُعَبِّرُ عَنِ الْجِسْمِ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ، كَمَا يُقَالُ: أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَوَجْهِي إِلَيْكَ. فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْلُ سُمِّيَتْ كُرَاعًا لِأَكَارِعِهَا، وَالْكَرَعُ: دِقَّةُ السَّاقَيْنِ. فَأَمَّا الْكَرَعُ فَهُوَ مَاءُ السَّمَاءِ، وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُكْرَعُ فِيهِ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِعُ فِيهِ أَكَارِعَهُ، أَوْ يَأْخُذُهُ بِيَدَيْهِ، وَهُمَا بِمَعْنَى الْكُرَاعَيْنِ، إِذَا كَانَا طَرَفَيْنِ.

(كَرَفَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا، فَالْأُولَى الْكَرْفُ، وَهُوَ تَشَمُّمُ الْحِمَارِ الْبَوْلَ وَرَفْعُهُ رَأْسَهُ. وَالثَّانِيَةُ الْكِرْفِئُ: السَّحَابُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي يُرَى بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ.

(كَرَمَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا شَرَفٌ

(5/171)


فِي الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ أَوْ شَرَفٌ فِي خُلُقٍ مِنَ الْأَخْلَاقِ. يُقَالُ رَجُلٌ كَرِيمٌ، وَفَرَسٌ كَرِيمٌ، وَنَبَاتٌ كَرِيمٌ. وَأَكْرَمَ الرَّجُلُ، إِذَا أَتَى بِأَوْلَادٍ كِرَامٍ. وَاسْتَكْرَمَ: اتَّخَذَ عِلْقًا كَرِيمًا. وَكَرُمَ السَّحَابُ: أَتَى بِالْغَيْثِ. وَأَرْضٌ مَكْرَُمَةٌ لِلنَّبَاتِ، إِذَا كَانَتْ جَيِّدَةَ النَّبَاتِ. وَالْكَرَمُ فِي الْخُلْقِ يُقَالُ هُوَ الصَّفْحُ عَنْ ذَنْبِ الْمُذْنِبِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ: الْكَرِيمُ: الصَّفُوحُ. وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْكَرِيمُ الصَّفُوحُ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْكَرْمُ، وَهِيَ الْقِلَادَةُ. قَالَ:
عَدُوسِ السُّرَى لَا يَعْرِفُ الْكَرْمَ جِيدُهَا
وَأَمَّا الْكَرْمُ فَالْعِنَبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُجْتَمِعُ الشُّعَبِ مَنْظُومُ الْحَبِّ.

(كَرَنَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْمَلَاهِي. يُقَالُ: إِنَّ الْكِرَانَ: الصَّنْجُ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
. . . . . . فَيَا رُبَّ قَيْنَةٍ ... مُنَعَّمَةٍ أَعْمَلْتُهَا بِكْرَانِ
وَالْقَيْنَةُ: كَرِينَةٌ.

(كَرِهَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ. يُقَالُ: كَرِهْتُ الشَّيْءَ أَكْرَهُهُ كَرْهًا. وَالْكُرْهُ الِاسْمُ. وَيُقَالُ: بَلِ الْكُرْهُ: الْمَشَقَّةُ، وَالْكَرْهُ: أَنْ تُكَلَّفَ الشَّيْءَ فَتَعْمَلَهُ كَارِهًا. وَيُقَالُ مِنَ الْكُرْهِ

(5/172)


الْكَرَاهِيَةُ وَالْكَرَاهِيَّةُ. وَالْكَرِيهَةُ: الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ. وَيُقَالُ لِلسَّيْفِ الْمَاضِي فِي الضَّرَائِبِ: ذُو الْكَرِيهَةِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْكَرْهَ: الْجَمَلُ الشَّدِيدُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ يَكْرَهُ الِانْقِيَادَ.

(كَرِيَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ فِي الشَّيْءِ وَسُهُولَةٍ، وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى تَأْخِيرٍ.
فَاللِّينُ وَالسُّهُولَةُ الْكَرَى، وَهُوَ النُّعَاسُ. وَمِنْ بَابِهِ السَّيْرُ الْمُكَرِّي: اللَّيِّنُ الرَّقِيقُ. وَمِنْهَا الْمُكَارِي وَهُوَ الظِّلُّ الَّذِي يُكَارِي الشَّيْءَ، أَيْ هُوَ مَعَهُ لَا يُفَارِقُهُ. وَهُوَ أَلْيَنُ مَا يَكُونُ وَأَلْطَفَهُ. قَالَ جَرِيرٌ:
لَحِقْتُ وَأَصْحَابِي عَلَى كُلِّ حُرَّةٍ ... مَرُوحُ تُبَارِي الْأَحْمَسِيَّ الْمُكَارِيَا
أَيْ إِنَّهَا تُبَارِي ظِلَّهَا كَأَنَّهَا تُسَايِرُ. وَمِنَ الْبَابِ الْكَرْوُ: أَنْ يَخْبِطَ الْفَرَسُ فِي عَدْوِهِ بِيَدَيْهِ فِي اسْتِقَامَةٍ لَا يُقْبِلُ بِهِمَا نَحْوَ بَطْنِهِ. وَكَرَتِ الْمَرْأَةُ فِي مَشْيِهَا تَكْرُو كَرْوًا. وَالْكُرَةُ نَاقِصَةٌ، نَقَصَتْ وَاوًا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكْرَى بِهَا إِذَا رُمِيَ بِهَا. يُقَالُ كَرَا الْكُرَةَ يَكْرُوهَا كَرْوًا وَأَمَّا الْمُكَارِي الَّذِي يُكْرِي الْجِمَالَ وَغَيْرَهَا، فَذَاكَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّيْرِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يُسَايِرُ الْمُكْتَرِيَ مِنْهُ. ثُمَّ اتْسَعُوا فِي ذَلِكَ فَسَمَّوُا الْأَجْرَ كِرَاءً، وَنَقَلُوهُ أَيْضًا إِلَى مَا لَا يُسَايَرُ بِهِ، كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا،

(5/173)


وَالْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْخِيرِ فَقَوْلُهُمْ: أَكَرَيْتُ الْحَدِيثَ: أَخَّرْتُهُ. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
وَأَكْرَيْتُ الْعِشَاءَ إِلَى سُهَيْلٍ ... أَوِ الشِّعْرَى فَطَالَ بِيَ الْأَنَاءُ
فَأَمَّا الْكَرَوَانُ فَطَائِرٌ يُقَالُ لِذَكَرِهِ الْكَرَى، يُقَالُ إِذَا صِيدَ:
أَطْرِقْ كَرَا أَطْرِقْ كَرَا ... إِنَّ النَّعَامَةَ فِي الْقُرَى
وَيُقَالُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِدِقَّةِ سَاقَيْهِ. وَيَقُولُونَ: امْرَأَةٌ كَرْوَاءُ: دَقِيقَةُ السَّاقَيْنِ. وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَهُوَ شَاذٌّ عَنِ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(كَرَبَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَقُوَّةٍ. يُقَالُ: مَفَاصِلُ مُكْرَبَةٌ، أَيْ شَدِيدَةٌ قَوِيَّةٌ. وَأَصْلُهُ الْكَرَبُ، وَهُوَ عَقْدٌ غَلِيظٌ فِي رِشَاءِ الدَّلْوِ يُجْعَلُ طَرَفُهُ فِي عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ ثُمَّ يَشُدُّ ثِنَايَتُهُ رِبَاطًا وَثِيقًا. يُقَالُ مِنْهُ أَكْرَبْتُ الدَّلْوَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ ... شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
وَمِنَ الْبَابِ الْكَرْبُ، وَهُوَ الْغَمُّ الشَّدِيدُ. وَالْكُرَيْبَةُ: الشَّدِيدَةُ مِنَ الشَّدَائِدِ. قَالَ:
إِلَى الْمَوْتِ خَوَّاضًا إِلَيْهِ كَرَائِبَا

(5/174)


وَالْإِكْرَابُ: الشِّدَّةُ فِي الْعَدْوِ; يُقَالُ أَكْرَبَ فَهُوَ مُكْرِبٌ. فَأَمَّا كَرَبَ الشَّيْءُ: دَنَا، فَلَيْسَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْإِبْدَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْقُرْبِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا بِالْقَافِ قَرُبَ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَقَالُوا فِي الْكَافِ كَرَبَ بِفَتْحِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَالْمَلَائِكَةُ الْكَرُوبِيُّونَ فَعُولِيُّونَ مِنَ الْكُرُوبِ، وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ. يُقَالُ كَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَنَتْ لِلْمَغِيبِ. وَإِنَاءٌ كَرْبَانُ: كَرَبَ أَنْ يَمْتَلِئَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ: كَرَبُ النَّخْلِ، مُمْكِنٌ أَنْ يُسَمَّى كَرَبًا لِقُوَّتِهِ. وَالْكُرَابَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ النَّخْلِ فِي أُصُولِ الْكَرَبِ. وَأَمَّا كِرَابُ الْأَرْضِ، وَهُوَ قَلْبُهَا لِلْحَرْثِ فَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي عَرَبِيًّا. وَقَوْلُهُمْ: " الْكِرَابُ عَلَى الْبَقَرِ "، مِنْ هَذَا، وَالْأَصَحُّ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: " الْكِلَابَ عَلَى الْبَقَرِ "، وَكَذَا سَمِعْنَاهُ. وَمَعْنَاهُ خَلِّ أَمْرًا وَصِنَاعَتَهُ. وَيَقُولُونَ: الْكِرَابُ: مَجَارِي الْمَاءِ، الْوَاحِدَةُ كَرَبَةٌ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مُشَبَّهٌ بِكُرَبِ النَّخْلِ. لِامْتِدَادِهِ وَقُوَّتِهِ.

(كَرَتَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَوْلُهُمْ: عَامٌ كَرِيتٌ.

(كَرَثَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالثَّاءُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا كَرَثَهُ الْأَمْرُ، إِذَا بَلَغَ مِنْهُ الْمَشَقَّةَ. وَالَكَُرَّاثُ وَالْكَرَاثُ نَبْتَانِ.

(5/175)


(كَرَجَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ الْكُرَّجُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْكُرَّةِ. وَذَكَرَهُ جَرِيرٌ فَقَالَ:
لَبِسْتُ سِلَاحِي وَالْفَرَزْدَقُ لُعْبَةٌ ... عَلَيْهِ وِشَاحًا كُرَّجٍ وَجَلَاجِلُهُ.

(كَرَدَ) الْكَافُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَافَعَةٍ وَإِطْرَادٍ. يُقَالُ: هُوَ يَكْرُدُهُمْ، أَيْ يَدْفَعُهُمْ وَيَطْرُدُهُمْ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْكُرْدَ، هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُكَارَدَةِ، وَهِيَ الْمُطَارَدَةُ. قَالَ:
أَلَا إِنَّ أَهْلَ الْغَدْرِ آبَاؤُكَ الْكُرْدُ
فَأَمَّا الْكَرْدُ فَالْعُنُقُ، قَالُوا: هُوَ مُعَرَّبٌ.
وَمِمَّا فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ، قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكِرْدِيدَةَ: الْقِطْعَةُ مِنَ التَّمْرِ. وَيُنْشِدُونَ:
طُوبَى لِمَنْ كَانَتْ لَهُ كِرْدِيدَهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ ثَانٍ جِيدَهْ
وَمَا أَبْعَدَ هَذَا وَشِبْهَهُ مِنَ الصِّحَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَزَمَ) الْكَافُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قِصَرٍ وَقَمَاءَةٍ. فَالْكَزَمُ: الْقِصَرُ فِي الْأَنْفِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَصَابِعِ. يُقَالُ أَنْفٌ أَكْزَمُ وَيَدٌ كَزْمَاءُ. وَالْكَزْمُ: الرَّجُلُ الْهَيَّبَانُ، وَسُمِّيَ لِانْقِبَاضِهِ عَنِ الْإِقْدَامِ، وَالْكَزُومُ:

(5/176)


الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا سِنٌّ مِنَ الْهَرَمِ. وَكُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ. وَذَكَرَ أَنَّ الْكَزْمَ كَالْكَدْمِ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَاللَّهُ بِصِحِتِّهَا أَعْلَمُ.

[بَابُ الْكَافِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَسَعَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الضَّرْبِ. يُقَالُ: كَسَعَهُ، إِذَا ضَرَبَ بِرِجْلِهِ عَلَى مُؤَخَّرِهِ أَوْ بِيَدِهِ. وَيُقَالُ: اتَّبَعَ أَدْبَارَهُمْ يَكْسَعُهُمْ بِسَيْفِهِ. وَكَسَعْتُ الرَّجُلَ بِمَا سَاءَهُ، إِذَا تَكَلَّمْتُ فِي أَثَرِهِ. وَكَسَعْتُ النَّاقَةَ بِغُبْرِهَا، إِذَا تَرَكْتَ بَقِيَّةً مِنَ اللَّبَنِ فِي خِلْفِهَا تُرِيدُ تَعْزِيرَهَا. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يُخَلِّيهَا بَعْدَ أَنْ يُحْلَبَ بَعْضُ لَبَنِهَا وَيُضْرَبُ بِيَدِهِ عَلَى مُؤَخَّرِهَا لِتَمْضِيَ. قَالَ:
لَا تَكْسَعُ الشَّوْلَ بِأَغْبَارِهَا ... إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَنِ النَّاتِجُ
وَمِنَ الْبَابِ رَجُلٌ مُكَسَّعٌ بِغُبْرِهِ، إِذَا لَمْ يَتَزَوَّجْ، كَأَنَّ مَاءَهُ قَدْ تَبَقَّى كَمَا تَبَقَّى لَبَنُ الشَّاةِ الْمُكَسَّعَةِ. قَالَ:
وَاللَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ قَعْرِهِ ... إِلَّا فَتًى مُكَسَّعٌ بِغُبْرِهِ
وَالْكُسْعَةُ: الْحَمِيرُ، سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ أَبَدًا عَلَى مُؤَخَّرِهَا فِي السَّوْقِ.

(كَسَفَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرٍ فِي حَالِ الشَّيْءِ إِلَى مَا لَا يُحَبُّ، وَعَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ كُسُوفُ الْقَمَرِ، وَهُوَ زَوَالُ

(5/177)


ضَوْئِهِ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ كَاسِفُ الْوَجْهِ، إِذَا كَانَ عَابِسًا. وَهُوَ كَاسِفُ الْبَالِ، أَيْ سَيِّئُ الْحَالِ.
وَأَمَّا الْقَطْعُ فَيُقَالُ: كَسَفَ الْعُرْقُوبُ بِالسَّيْفِ كَسْفًا يُكْسِفُهُ. وَالْكِسْفَةُ: الطَّائِفَةُ مِنَ الثَّوْبِ، يُقَالُ: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ ثَوْبِكَ. وَالْكِسْفَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَيْمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} [الطور: 44] .

(كَسَلَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ التَّثَاقُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَالْقُعُودُ عَنْ إِتْمَامِهِ أَوْ عَنْهُ. مِنْ ذَلِكَ الْكَسَلُ. وَالْإِكْسَالُ: أَنْ يُخَالِطَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَلَا يُنْزِلَ. وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي فَحْلِ الْإِبِلِ أَيْضًا. وَامْرَأَةٌ مِكْسَالٌ: لَا تَكَادُ تَبْرَحُ بَيْتَهَا.

(كَسَمَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَلَبُّدٍ فِي شَيْءٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَيْسُومُ: الْحَشِيشُ الْكَثِيرُ. وَيُقَالُ إِنَّ الْأَكَاسِمَ: الْخَيْلُ الْمُجْتَمِعَةُ يَكَادُ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ:
أَبَا مَالِكٍ لَطَّ الْحُضَيْنُ وَرَاءَنَا ... رِجَالًا عَدَانَاتٍ وَخَيْلًا أَكَاسِمَا.

(كَسَا) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. . . . . . أَمَّا مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ فَمِنْهُ الْكُسْوَةُ وَالْكِسَاءُ مَعْرُوفٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

(5/178)


فَبَاتَ لَهُ دُونَ الصَّبَا وَهِيَ قَرَّةٌ ... لِحَافٌ وَمَصْقُولُ الْكِسَاءِ رَقِيقُ
أَرَادَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَصْقُولِ الْكِسَاءِ لَبَنًا قَدْ عَلَتْهُ دُوَايَةٌ. وَمِثْلُهُ:
وَهُوَ إِذَا مَا اهْتَافَ أَوْ تَهَيَّفَا ... يَنْفِي الدُّوَايَاتِ إِذَا تَرَشَّفَا
عَنْ كُلِّ مَصْقُولِ الْكِسَاءِ قَدْ صَفَا
اهْتَافَ: عَطِشَ. وَعَنَى بِالْكِسَاءِ الدُّوَايَةَ.

(كَسَبَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ابْتِغَاءٍ وَطَلَبٍ وَإِصَابَةٍ. فَالْكَسْبُ مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ كَسَبَ أَهْلَهُ خَيْرًا، وَكَسَبْتُ الرَّجُلَ مَالًا فَكَسَبَهُ. وَهَذَا مِمَّا جَاءَ عَلَى فَعَلْتُهُ فَفَعَلَ. وَكَسَابِ: اسْمُ كَلْبَةٍ.

(كَسَحَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ لَهُ مَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا تَنْقِيَةُ الشَّيْءِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ عَيْبٌ فِي الْخِلْقَةِ.
فَالْأَوَّلُ الْكَسْحُ. يُقَالُ: كَسَحْتُ الْبَيْتَ، وَكَسَحَتِ الرِّيحُ الْأَرْضَ: قَشَرَتْ عَنْهَا التُّرَابَ. وَالْكُسَاحَةُ: مَا يُكْسَحُ. وَيُقَالُ: أَغَارُوا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَاكْتَسَحُوهُمْ، أَيْ أَخَذُوا مَالَهُمْ كُلَّهُ.
وَالثَّانِي الْكَسَحُ، وَهُوَ الْعَرَجُ. وَالْأَكْسَحُ: الْأَعْرَجُ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَخَذُولِ الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ كَسَحْ

(5/179)


وَجَمْعُ الْأَكْسَحِ كُسْحَانٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «الصَّدَقَةُ مَالُ الْكُسْحَانِ وَالْعُورَانِ» ".

(كَسَدَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الشَّيْءِ الدُّونِ لَا يُرْغَبُ فِيهِ. مِنْ ذَلِكَ: كَسَدَ الشَّيْءُ كَسَادًا فَهُوَ كَاسِدٌ وَكَسِيدٌ. وَكُلُّ دُونٍ كَسِيدٌ. قَالَ:
فَمَاجِدٌ وَكَسِيدُ.

(كَسَرَ) الْكَافُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى هَشْمِ الشَّيْءِ وَهَضْمِهِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ كَسَرْتُ الشَّيْءَ أَكْسِرُهُ كَسْرًا. وَالْكِسْرَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْمَكْسُورِ. وَيُقَالُ: عُودٌ صُلْبُ الْمَكْسِرِ، إِذَا عُرِفَتْ جَوْدَتُهُ بِكَسْرِهِ. وَكَسَرَ الطَّائِرُ جَنَاحَيْهِ كَسْرًا، إِذَا ضَمَّهُمَا وَهُوَ يُرِيدُ الْوُقُوعَ، وَمِنْهُ عُقَابٌ كَاسِرٌ. وَالْكِسْرُ: الْعَظْمُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَبِيرُ لَحْمٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَفِي يَدِهَا كِسَرٌ أَبَحُّ رَذُومُ
وَيُقَالُ لَا يَكُونُ كَذَا إِلَّا وَهُوَ مَكْسُورٌ. وَيُقَالُ لِعَظْمِ السَّاعِدِ الَّذِي يَلِي الْمِرْفَقَ،

(5/180)


وَهُوَ نِصْفُ الْعَظْمِ: كِسَرُ قَبِيحٍ. أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ:
فَلَوْ كُنْتَ عَيْرًا كُنْتَ عَيْرَ مَذَلَّةٍ ... وَلَوْ كُنْتَ كِسْرًا كُنْتَ كِسْرَ قَبِيحٍ
وَيُقَالُ: أَرْضٌ ذَاتُ كُسُورٍ، أَيْ ذَاتُ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ، وَكَأَنَّهَا قَدْ كُسِرَتْ كَسْرًا. وَالْكِسَرُ: الشُّقَّةُ السُّفْلَى مِنَ الْخِبَاءِ تُرْفَعُ أَحْيَانًا وَتُرْخَى أَحْيَانًا. وَهُوَ جَارِي مُكَاسِرِي، أَيْ كِسَرُ بَيْتِهِ إِلَى كِسْرِ بَيْتِي. فَأَمَّا كِسْرَى فَاسْمٌ عَجَمِيٌّ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مُعَرَّبٌ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يُنْسَبُ إِلَى كِسْرَى - وَكَانَ يَقُولُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ - كِسْرِيٌّ وَكِسْرَوِيٌّ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: كِسْرِيٌّ بِالْكَسْرِ أَيْضًا.

[بَابُ الْكَافِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَشَفَ) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَرْوِ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ، كَالثَّوْبِ يُسْرَى عَنِ الْبَدَنِ. وَيُقَالُ كَشَفْتُ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ أَكْشِفُهُ. وَالْكَشَفُ: دَائِرَةٌ فِي قُصَاصِ النَّاصِيَةِ، كَأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ الشَّعْرِ يَنْكَشِفُ عَنْ مَغْرِزِهِ وَمَنْبَتِهِ. وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْخَيْلِ الْتِوَاءً يَكُونُ فِي عَسِيبِ الذَّنَبِ. وَالْأَكْشَفُ:

(5/181)


الرَّجُلُ الَّذِي لَا تُرْسَ مَعَهُ فِي الْحَرْبِ. وَيُقَالُ: تَكَشَّفَ الْبَرْقُ، إِذَا مَلَأَ السَّمَاءَ. وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُتَكَشِّفَ بَارِزٌ. وَالْكِشَافُ: نِتَاجٌ فِي [إِثْرِ] نِتَاجٍ. [قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْكِشَافُ] : أَنْ تَبْقَى الْأُنْثَى سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا. قَالَ الشَّاعِرُ:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(كَشَمَ) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ أَوْ قِصَرِهِ، مِنْ ذَلِكَ الْأَكْشَمُ: النَّاقِصُ الْخَلْقِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحَسَبِ النَّاقِصِ أَيْضًا. قَالَ:
لَهُ جَانِبٌ وَافٍ وَآخَرُ أَكْشَمُ
وَالْكَشْمُ: قَطْعُ الْأَنْفِ بِاسْتِئْصَالٍ.

(كَشَى) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْمَهْمُوزُ. أَمَّا مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ شَحْمَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ فِي عُنُقِ الضَّبِّ إِلَى فَخِذِهِ، وَالْجَمْعُ الْكُشَى. قَالَ:

(5/182)


وَأَنْتَ لَوْ ذُقْتَ الْكُشَى بِالْأَكْبَادْ ... لَمَا تَرَكْتَ الضَّبَّ يَعْدُو بِالْوَادْ
وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ فَكَلِمَاتٌ لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً. يَقُولُونَ: يَتَكَشَّأُ اللَّحْمَ، أَيْ يَأْكُلُهُ وَهُوَ يَابِسٌ. وَكَشَأْتُ وَجْهَهُ بِالسَّيْفِ، أَيْ ضَرْبَتُهُ. وَكَشِئَ مِنَ الطَّعَامِ: امْتَلَأَ.

(كَشَحَ) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ بَعْضُ خَلْقِ الْحَيَوَانِ. فَالْكَشْحُ: الْخَصْرُ. وَالْكَشَحُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي كَشْحِهِ. قَالَ الْأَعْشَى:
كُلَّ مَا يَحْسِمْنَ مِنْ دَاءِ الْكَشَحْ
وَيُكْوَى. وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَكْشُوحٌ الْمُرَادِيُّ. وَأَمَّا الْكَاشِحُ فَالَّذِي يَطْوِي عَلَى الْعَدَاوَةِ كَشْحَهُ. وَيُقَالُ: طَوَيْتُ كَشْحِي عَلَى الْأَمْرِ، إِذَا أَضْمَرْتُهُ وَسَتَرْتُهُ. قَالَ:
أَخٌ قَدْ طَوَى كَشْحًا وَأَبَّ لِيَذْهَبَا

(5/183)


وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ الْكَاشِحُ: الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْكَ، مِنْ قَوْلِكَ: كَشَحَ الْقَوْمُ عَنِ الْمَاءِ، إِذَا تَفَرَّقُوا. قَالَ:
شِلْوَ حِمَارٍ كَشَحَتْ عَنْهُ الْحُمُرْ
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلذَّاهِبِ كَشَحَ لِأَنَّهُ يَمْضِي مُبْدِيًا كَشْحَهُ إِعْرَاضًا عَنِ الْمَذْهُوبِ عَنْهُ. أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: طَوَى كَشْحَهُ لِلْبَيْنِ وَالذَّهَابِ. وَهُوَ فِي شِعْرِهِمْ كَثِيرٌ.

(كَشَطَ) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَنْحِيَةِ الشَّيْءِ وَكَشْفِهِ. يُقَالُ: كَشَطَ الْجِلْدَ عَنِ الذَّبِيحَةِ. وَيَقُولُونَ: انْكَشَطَ رُوعُهُ، أَيْ ذَهَبَ.

(كَشَدَ) الْكَافُ وَالشِّينُ وَالدَّالُ. يُقَالُ الْكَشْدُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحَلَبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْكَافِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَظَرَ) الْكَافُ وَالظَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْكُظْرُ: مَحَزُّ الْفُرْضَةِ فِي سِيَةِ الْقَوْسِ.

(كَظَمَ) الْكَافُ وَالظَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَالْجُمَعُ لِلشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْكَظْمُ: اجْتِرَاعُ الْغَيْظِ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ إِبْدَائِهِ، وَكَأَنَّهُ يَجْمَعُهُ الْكَاظِمُ فِي جَوْفِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] وَالْكُظُومُ: السُّكُوتُ. [وَ] الْكُظُومُ: إِمْسَاكُ الْبَعِيرِ عَنِ الْجِرَّةِ. وَالْكَظَمُ:

(5/184)


مَخْرَجُ النَّفَسِ. يُقَالُ أَخَذَ بِكَظَمِهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ; لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَنَعَ نَفَسَهُ أَنْ يَخْرُجَ. وَالْكَظَائِمُ: خُرُوقٌ تُحْفَرُ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ بِئْرٍ إِلَى بِئْرٍ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ كِظَامَةً لِإِمْسَاكِهَا الْمَاءَ. وَالْكِظَامَةُ أَيْضًا: الْحَلْقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ خُيُوطَ حَدِيدَةِ الْمِيزَانِ; وَذَلِكَ مِنَ الْإِمْسَاكِ أَيْضًا. وَالْكِظَامَةُ: سَيْرٌ يُوصَلُ بِوَتَرِ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ يُدَارُ بِطَرَفِ السِّيَةِ الْعُلْيَا. وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ.

(كَظَا) الْكَافُ وَالظَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ مِنَ الْإِبْدَالِ. يَقُولُونَ كَظَا لَحْمُهُ، مِثْلٌ خَظَا، وَهُوَ يَكْظُو.

[بَابُ الْكَافِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(كَعَمَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَدِّ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَإِمْسَاكٍ. فَالْكِعَامُ: شَيْءٌ يُجْعَلُ فِي فَمِ الْبَعِيرِ فَلَا يَرْغُو. وَيُقَالُ: كَعَمَهُ فَهُوَ مَكْعُومٌ. وَتَقُولُ: كَعَمَهُ الْخَوْفُ فَلَا يَنْطِقُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يَهْمَاءَ خَابِطُهَا بِالْخَوْفِ مَكْعُومُ
وَمِنَ الْبَابِ: كَعَمَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، إِذَا قَبَّلَهَا مُلْتَقِمًا فَاهَا، كَأَنَّهُ سَدَّ فَاهَا بِفِيهِ. وَالْكِعْمُ: وِعَاءٌ مِنَ الْأَوْعِيَةِ.

(كَعَظَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالظَّاءُ. يَقُولُونَ: الْكَعِيظُ: الرَّجُلُ الْقَصِيرُ الضَّخْمُ.

(5/185)


(كَعَبَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نُتُوٍّ وَارْتِفَاعٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْكَعْبُ: كَعْبُ الرَّجُلِ، وَهُوَ عَظْمُ طَرَفَيِ السَّاقِ عِنْدَ مُلْتَقَى الْقَدَمِ وَالسَّاقِ. وَالْكَعْبَةُ: بَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى، يُقَالُ سُمِّيَ لِنُتَوِّهِ وَتَرْبِيعِهِ. وَذُو الْكَعَبَاتِ: بَيْتٌ لِرَبِيعَةَ، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِهِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْكَعْبَةَ: الْغُرْفَةُ. وَكَعَبَتِ الْمَرْأَةُ كَعَابَةً، وَهِيَ كَاعِبٌ، إِذَا نَتَأَ ثَدْيُهَا. وَثَوْبٌ مُكَعَّبٌ: مَطْوِيٌّ شَدِيدُ الْإِدْرَاجِ. وَبُرْدٌ مُكَعَّبٌ: فِيهِ وَشْيٌ مُرَبَّعٌ. وَالْكَعْبُ مِنَ الْقَصَبِ، أُنْبُوبٌ مَا بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ. وَكُعُوبُ الرُّمْحِ كَذَلِكَ. قَالَ عَنْتَرَةُ:
فَطَعَنْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ كُعُوبَهُ ... لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ
وَالْكَعْبُ مِنَ السَّمْنِ: قِطْعَةٌ مِنْهُ.

(كَعَتَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالتَّاءُ. يَقُولُونَ: الْكُعَيْتُ: طَائِرٌ. وَيَقُولُونَ: أَكْعَتَ الرَّجُلُ إِكْعَاتًا، إِذَا انْطَلَقَ مُسْرِعًا.

(كَعَدَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالدَّالُ. يَقُولُونَ: الْكَعْدُ. الْجُوَالِقُ.

(كَعَرَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: الْكَعَرُ: أَنْ يَمْتَلِئَ الْبَطْنُ مِنَ الْأَكْلِ. وَأَكْعَرَ الْبَعِيرُ: عَظُمَ سَنَامُهُ.

(كَعَسَ) الْكَافُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ. يَقُولُونَ: الْكَعْسُ: عَظْمٌ فِي السُّلَامَى. وَالْجَمْعُ كِعَاسٌ.

[بَابُ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/186)


(كَفَلَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَضَمُّنِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْكِفْلُ: كِسَاءٌ يُدَارُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ. وَيُقَالُ هُوَ كِسَاءٌ يُعْقَدُ طَرَفَاهُ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ لِيَرْكَبَهُ الرَّدِيفُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشْرَبُوا مِنْ ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ فَإِنَّهُ كِفْلُ الشَّيْطَانِ» ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَدُورُ عَلَى السَّنَامِ أَوِ الْعَجُزِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ ضُمِّنَهُ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ الْجَبَانِ كِفْلٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ الْحَرْبِ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الْإِحْجَامُ، فَهَذَا إِنَّمَا شَبَّهَ بِالْكِفْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَيْ إِنَّهُ مَحْمُولٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَشْيٍ وَلَا حَرَكَةٍ، شَبَّهُوهُ بِالْكِفْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَعْيَا فَنُطْنَاهُ مَنَاطَ الْجَرِّ ... ثُمَّ شَدَدْنَا فَوْقَهُ بِمَرِّ
وَلِلشُّعَرَاءِ فِي هَذَا كَثِيرٌ. وَجَمِيعُ هَذَا الْكِفْلِ أَكْفَالٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَا عُزَّلٍ وَلَا أَكْفَالِ
وَمِنَ الْبَابِ - وَهُوَ يُصَحِّحُ الْقِيَاسَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ - الْكَفِيلُ، وَهُوَ الضَّامِنُ، تَقُولُ: كَفَلَ بِهِ يَكْفُلُ كَفَالَةً. وَالْكَافِلُ: الَّذِي يَكْفُلُ إِنْسَانًا يَعُولُهُ. قَالَ اللَّهُ

(5/187)


جَلَّ جَلَالُهُ: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] ، وَأَكْفَلْتُهُ الْمَالَ: ضَمَّنْتُهُ إِيَّاهُ. وَالْكَفَلُ: الْعَجُزُ، سُمِّيَ لِمَا يَجْمَعُ مِنَ اللَّحْمِ. وَالْكِفْلُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ: الضِّعْفُ مِنَ الْأَجْرِ، وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ حَامِلُهُ عَلَى الْكِفْلِ الَّذِي يَحْمِلُهُ الْبَعِيرُ. وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي الْإِثْمِ. فَأَمَّا الْكَافِلُ فَهُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ الَّذِي يَصِلُ [الصِّيَامَ] ، فَهُوَ بَعِيدٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْلُهُ، لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي الْكَلَامِ. قَالَ الْقُطَامِيُّ:
يَلُذْنَ بِأَعْقَارِ الْحِيَاضِ كَأَنَّهَا ... نِسَاءُ نَصَارَى أَصْبَحَتْ وَهِيَ كُفَّلُ.

(كَفَا) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْحَسْبِ الَّذِي لَا مُسْتَزَادَ فِيهِ. يُقَالُ: كَفَاكَ الشَّيْءُ يَكْفِيكَ. وَقَدْ كَفَى كِفَايَةً، إِذَا قَامَ بِالْأَمْرِ. وَالْكُفْيَةُ: الْقُوتُ الْكَافِي، وَالْجَمْعُ كُفًى. وَيُقَالُ حَسْبُكَ زَيْدٌ مِنْ رَجُلٍ، وَكَافِيكَ.

(5/188)


(كَفَءَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالْهَمْزَةُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّسَاوِي فِي الشَّيْئَيْنِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى الْمَيْلِ وَالْإِمَالَةِ وَالِاعْوِجَاجِ، فَالْأَوَّلُ: كَافَأْتُ فُلَانًا، إِذَا قَابَلْتُهُ بِمِثْلِ صَنِيعِهِ. وَالْكُفْءُ: الْمِثْلُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] . وَالتَّكَافُؤُ: التَّسَاوِي. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» "، أَيْ تَتَسَاوَى. وَالْكِفَاءُ: شُقَّتَانِ تُنْصَحُ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، ثُمَّ يُرْدَحَانِ فِي مُؤَخَّرِ الْخِبَاءِ. وَبَيْتٌ مُكْفَأٌ، وَقَدْ أَكَفَأْتُهُ. قَالَ:
بَيْتَ حُتُوفٍ مُكْفَأً مَرْدُوحًا
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْعَقِيقَةِ: " «شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ» "، قَالُوا: مَعْنَاهُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْقَدْرِ وَالسِّنِّ.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ: أَكْفَأَتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَمَلْتُهُ. وَلِذَلِكَ يُقَالُ أَكَفَأْتُ الْقَوْسَ، إِذَا أَمَلْتَ رَأْسَهَا وَلَمْ تَنْصِبْهَا حِينَ تَرْمِي عَنْهَا. وَاكْتَفَأْتُ الصَّحْفَةَ، إِذَا أَمَلْتَهَا إِلَيْكَ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحِيفَتِهَا» ". وَيُقَالُ: أَكْفَأْتُ الشَّيْءَ: قَلَبْتُهُ، وَكَفَأْتُ أَيْضًا. وَيُقَالُ لِلسَّاهِمِ الْوَجْهِ: مُكَفَّأُ الْوَجْهِ، كَأَنَّ وَجْهَهُ قَدْ أُمِيلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَشَارَةِ. وَمِنَ الْبَابِ الْإِكْفَاءُ فِي الشِّعْرِ، وَهِيَ أَنْ تَرْفَعَ قَافِيَةً وَتُخَفِّضَ أُخْرَى. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ كَانَتْ تَعْرِفُ هَذَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَنِ الْأَنْبَازِ الْمُوَلِّدَةِ.

(5/189)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْكُفْأَةُ، وَهِيَ حَمْلُ النَّخْلَةِ سَنَتَهَا. وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي نِتَاجِ الْإِبِلِ أَيْضًا. وَيُقَالُ: اسْتَكْفَأْتُ فُلَانًا إِبِلَهُ، أَيْ سَأَلْتُهُ نِتَاجَ إِبِلِهِ سَنَةً. وَيُقَالُ: أَنَا أَكْفِيكَ هَذِهِ النَّاقَةَ سَنَةً، أَيْ تَحْلِبُهَا وَلَكَ وَلَدُهَا. وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
تَرَى كُفْأَتَيْهَا.

(كَفَنَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ، فِيهِ الْكَفَنُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَالْكَفْنُ: غَزْلُ الصُّوفِ. يُقَالُ كَفَنَ يَكْفُنُ. قَالَ الرَّاعِي:
وَيَكْفُنُ الدَّهْرَ إِلَّا رَيْثَ يَهْتَبِدُ.

(كَفَتَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَضَمٍّ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كَفَتُّ الشَّيْءَ، إِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي اللَّيْلِ: " «وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ» "، يَعْنِي ضُمُّوهُمْ إِلَيْكُمْ وَاحْبِسُوهُمْ فِي الْبُيُوتِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] . {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 26] . يَقُولُ: إِنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا مَا دَامُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا مَاتُوا ضَمَّتْهُمْ إِلَيْهَا فِي جَوْفِهَا. وَقَالَ رُؤْبَةُ:
مِنْ كَفْتِ [هَا شَدًّا كَإِضْرَامِ الْحَرَقْ]
وَيُقَالُ: جَرِابٌ كَفِيتٌ: لَا يُضَيِّعُ شَيْئًا يُجْعَلُ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْكَفْتَ: صَرْفُكَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ فَيَكْفِتُ أَيْ يَرْجِعُ، فَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ يَضُمُّهُ عَنْ جَانِبٍ.

(5/190)


وَالْكَفْتُ: السَّوْقُ الشَّدِيدُ، لِأَنَّهُ يَضُمُّ الْإِبِلَ ضَمًّا وَيَسُوقُهَا، كَمَا يُقَالُ يَقْبِضُهَا. وَسَيْرٌ كَفِيتٌ، أَيْ سَرِيعٌ، مِنْ هَذَا.

(كَفَرَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ. يُقَالُ لِمَنْ غَطَّى دِرْعَهُ بِثَوْبٍ: قَدْ كَفَرَ دِرْعَهُ. وَالْمُكَفِّرُ: الرَّجُلُ الْمُتَغَطِّي بِسِلَاحِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
فَيُقَالُ: إِنَّ الْكَافِرَ: مَغِيبُ الشَّمْسِ. وَيُقَالُ: بَلِ الْكَافِرُ: الْبَحْرُ. وَكَذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُ الْآخَرِ:
فَتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيدًا بَعْدَمَا ... أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ
وَالنَّهْرُ الْعَظِيمُ كَافِرٌ، تَشْبِيهٌ بِالْبَحْرِ. وَيُقَالُ لِلزَّارِعِ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَبَّ بِتُرَابِ الْأَرْضِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] . وَرَمَادٌ مَكْفُورٌ: سَفَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَيْهِ حَتَّى غَطَّتْهُ. قَالَ:
قَدْ دَرَسَتْ غَيْرَ رَمَادٍ مَكْفُورْ
وَالْكُفْرُ: ضِدُّ الْإِيمَانِ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ تَغْطِيَةُ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ: جُحُودُهَا وَسَتْرُهَا. وَالْكَافُورُ: كِمُّ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يُنَوِّرَ. وَسُمِّيَ كَافُورًا لِأَنَّهُ كَفَرَ الْوَلِيعَ، أَيْ غَطَّاهُ. قَالَ:

(5/191)


كَالْكَرْمِ إِذْ نَادَى مِنَ الْكَافُورِ
وَيُقَالُ لَهُ الْكُفُرَّى. فَأَمَّا الْكَفِرَاتُ وَالْكَفَرُ فَالثَّنَايَا مِنَ الْجِبَالِ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ كَفِرَاتٍ، لِأَنَّهَا مُتَطَامِنَةٌ، كَأَنَّ الْجِبَالَ الشَّوَامِخَ قَدْ سَتَرَتْهَا. قَالَ:
تَطَلَّعُ رَيَّاهُ مِنَ الْكَفِرَاتِ
وَالْكَفْرُ مِنَ الْأَرْضِ: مَا بَعُدَ مِنَ النَّاسِ، لَا يَكَادُ يَنْزِلُهُ وَلَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ. وَمَنْ حَلَّ بِهِ فَهُمْ أَهْلُ الْكُفُورِ. وَيُقَالُ: بَلِ الْكُفُورُ: الْقُرَى. جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " «لِتُخْرِجَنَّكُمُ الرُّومُ مِنْهَا كَفْرًا كَفْرًا» ".

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ كَافٌ]

(5/192)


مِنْ ذَلِكَ (الْكَنْفَلِيلَةُ) : اللِّحْيَةُ الضَّخْمَةُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ مَعَ الزِّيَادَةِ فِي حُرُوفِهِ، وَهُوَ مِنَ الْكَفْلِ، وَهُوَ جَمْعُ الشَّيْءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَرْبَلَةُ) : وَهِيَ رَخَاوَةٌ فِي الْقَدَمَيْنِ. وَجَاءَ يَمْشِي مُكَرْبِلًا، كَأَنَّهُ يَمْشِي فِي الطِّينِ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ رَبَلٍ وَكَبَلٍ. أَمَّا رَبْلٌ فَاسْتِرْخَاءُ اللَّحْمِ، وَقَدْ مَرَّ. وَأَمَّا الْكَِبْلُ فَالْقَيْدُ، فَكَأَنَّهُ إِذَا مَشَى بِبُطْءٍ مُقَيِّدٌ مُسْتَرْخِي الرِّجْلِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَلْثَمَةُ) : اجْتِمَاعُ لَحْمِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ جُهُومَةٍ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثَمَ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَمْثَرَةُ) : اجْتِمَاعُ الشَّيْءِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَهُوَ مِنَ الْكَثْرَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (تَكَنْبَثَ) الشَّيْءُ: تَقَبَّضَ. وَرَجُلٌ كُنَابِثٌ: جَهْمُ الْوَجْهِ. وَهَذَا مِنْ كَبِثَ، وَقَدْ مَرَّ، وَهُوَ اللَّحْمُ الْمُتَغَيِّرُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكُنْدُرُ) وَ (الْكُنَيْدِرُ) وَ (الْكُنَادِرُ) : الرَّجُلُ الْغَلِيظُ وَالْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَالْأَصْلُ الْكَدَرُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (كَرْدَمَ) الرَّجُلُ: أَسْرَعَ الْعَدْوَ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَهُوَ مِنْ كَرَدَ، وَقَدْ مَرَّ.

(5/193)


وَمِنْ ذَلِكَ (الْمُكْلَنْدِدُ) : الشَّدِيدُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (كَرْسَفْتُ) عُرْقُوبَ الدَّابَّةِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَالْأَصْلُ كَسَفْتُ، وَقَدْ مَرَّ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكُرْدُوسُ) ، وَهِيَ الْخَيْلُ الْعَظِيمَةُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمٍ ثَلَاثٍ: مِنْ كَرَدَ، وَكَرَسَ، وَكَدَسَ، وَكُلُّهَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَمُّعِ. وَالْكَرْدُ: الطَّرْدُ، ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِكُلِّ عَظْمٍ عَظُمَتْ نَحْضَتُهُ: كُرْدُوسٌ. وَمِنْهُ كُرْدِسَ الرَّجُلُ: جُمِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ.

وَمِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا وَضْعًا مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ (الْكِرْنَافَةُ) : أَصْلُ السَّعَفَةِ الْمُلْتَزِقُ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ. يَقُولُونَ: كَرْنَفَهُ، أَيْ ضَرَبَهُ، كَأَنَّهُ ضُرِبَ بِالْكِرْنَافَةِ.

وَيَقُولُونَ: (الْكِنْفِيرَةُ) : أَرْنَبَةُ الْأَنْفِ.
وَ (الْكُرْتُومُ) : الصَّفَاةُ.
وَ (الْكُمَّثْرَى) مَعْرُوفٌ.
وَ (الْكِبْرِيتُ) : لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.
وَ (الْكَمْتَرَةُ) : مِشْيَةٌ فِيهَا تَقَارُبٌ.
وَ (الْكَرْزَمُ) وَ (الْكَرْزَنُ) : فَأْسٌ. وَيَقُولُونَ إِنَّ (الْكَرَازِمَ) : شَدَائِدُ الدَّهْرِ. وَأَنْشَدَ فِيهِ الْخَلِيلُ:
إِنَّ الدُّهُورَ عَلَيْنَا ذَاتُ كِرْزِيمِ

(5/194)


وَأَظُنُّ هَذَا مِمَّا قَدْ تُجُوِّزَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِمَّا لَا يَصْلُحُ قَبُولُهُ بَتَّةً.

وَقَالُوا: (الْكُنْدُشُ) : الْعَقْعَقُ، يَقُولُونَ " أَخْبَثُ مِنْ كُنْدُشٍ ". وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يَقْبَلُ الْعُلَمَاءُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ (الْكِرْبَالَ) : مِنْدَفُ الْقُطْنِ. وَيُنْشِدُونَ:
كَالْبُِرْسِ طَيَّرَهُ [ضَرْبُ] الْكَرَابِيلِ.
وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ فِي الْبُطْلَانِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(تَمَّ كِتَابُ الْكَافِ) .

(5/195)


[كِتَابُ اللَّامِ] [بَابُ اللَّامِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابُ اللَّامِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
(لَمَّ) اللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلُهُ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعٍ وَمُقَارَبَةٍ وَمُضَامَّةٍ. يُقَالُ: لَمَمْتُ شَعَثَهُ، إِذَا ضَمَمْتَ مَا كَانَ مِنْ حَالِهِ مُتَشَعِّثًا مُنْتَشِرًا. وَيُقَالُ: صَخْرَةٌ مُلَمْلَمَةً، أَيْ صُلْبَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ، وَمَلْمُومَةٌ أَيْضًا. قَالَ:
مَلْمُومَةٌ لَمًّا كَظَهْرِ الْجُنْبُلِ
وَمِنَ الْبَابِ أَلْمَمْتُ بِالرَّجُلِ إِلْمَامًا، إِذَا نَزَلْتَ بِهِ وَضَامَمْتَهُ. فَأَمَّا اللَّمَمُ فَيُقَالُ: لَيْسَ بِمُوَاقَعَةِ الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَارَبَتُهُ ثُمَّ يَنْحَجِزُ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] ، وَيُقَالُ: أَصَابَتْ فُلَانًا مِنَ الْجِنِّ لَمَّةٌ، وَذَلِكَ كَالْمَسِّ. قَالَ:
أُعِيذُهُ مِنْ حَادِثَاتِ اللَّمَّهْ

(5/197)


وَمِنَ الْبَابِ اللِّمَّةُ، بِكَسْرِ اللَّامِ: الشَّعَْرُ إِذَا جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَامَّ الْمَنْكِبَيْنِ وَقَارَبَهُمَا. وَكَتِيبَةٌ مَلْمُومَةٌ: كَثُرَ عَدَدُهَا وَاجْتَمَعَ الْمِقْنَبُ فِيهَا إِلَى الْمِقْنَبِ. وَالْمُلِمَّةُ: النَّازِلَةُ مِنْ نَوَازِلِ الدُّنْيَا. فَأَمَّا الْعَيْنُ اللَّامَّةُ، فَيُقَالُ: الْأَصْلُ مُلِمَّةٌ، لَمَّا قُرِنَتْ بِالسَّامَّةِ قِيلَ لَامَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُصِيبُ بِالسُّوءِ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ.
فَأَمَّا " لَمَّ " فَهِيَ أَدَاةٌ يُقَالُ أَصْلُهَا لَا، وَهَذِهِ الْأَدَوَاتُ لَا قِيَاسَ لَهَا.

(لَنْ) اللَّامُ وَالنُّونُ. كَلِمَةُ أَدَاةٍ، وَهِيَ لَنْ، تَنْفِي الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ أَصْلَ لَنْ لَا أَنْ.

(لَهُ) اللَّامُ وَالْهَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةٍ فِي شَيْءٍ وَسَخَافَةٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّهْلَهُ: الثَّوْبُ الرَّدِيءُ النَّسْجِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالشِّعْرُ. وَمِنْ ذَلِكَ اللُّهْلُهُ: السَّرَابُ الْمُطَّرِدُ. قَالَ:
وَمُخْفِقٍ مِنْ لُهْلُهٍ وَلُهْلُهِ
وَالْجَمْعُ لَهَالِهُ.

(لَوْ) اللَّامُ وَالْوَاوُ كَلِمَةُ أَدَاةٍ، وَهِيَ لَوْ، يُتَمَنَّى بِهَا. وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ: لَوْ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، وَوُقُوعِهِ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ. نَحْوَ قَوْلِهِمْ لَوْ خَرَجَ زَيْدٌ لَخَرَجْتُ. فَإِذَا جَعَلْتَ لَوِ اسْمًا شَدَّدْتَ، يُقَالُ أَكْثَرْتَ مِنَ اللَّوِّ. أَنْشَدَ الْخَلِيلُ:

(5/198)


لَيْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّيَ لَيْتٌ
إِنَّ لَيْتًا وَإِنَّ لَوًّا عَنَاءُ.

( [لَأَّ] ) وَأَمَّا اللَّامُ وَالْهَمْزَةُ فَيَدُلُّ عَلَى صَفَاءٍ وَبَرِيقٍ. مِنْ ذَلِكَ تَلَأْلَأَتِ اللُّؤْلُؤَةُ، وَسُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَلَأْلَأُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: " لَا أَفْعَلُهُ مَا لَأْلَأَتِ الْفُورُ بِأَذْنَابِهَا " أَيْ مَا حَرَّكَتْهَا وَلَمَعَتْ بِهَا.

(لُبَّ) اللَّامُ وَالْبَاءُ. أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لُزُومٍ وَثَبَاتٍ، وَعَلَى خُلُوصٍ وَجَوْدَةٍ.
فَالْأَوَّلُ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، إِذَا أَقَامَ بِهِ، يُلِبُّ إِلْبَابًا. وَرَجُلٌ لَبٌّ بِهَذَا الْأَمْرِ، إِذَا لَازَمَهُ وَحَكَى الْفَرَّاءُ: امْرَأَةٌ لَبَّةٌ: مُحِبَّةٌ لِزَوْجِهَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَلَى وُدِّهِ أَبَدًا. وَمِنَ الْبَابِ التَّلْبِيَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَبَّيْكَ. قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ. وَنُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَثُنِّيَ عَلَى مَعْنَى إِجَابَةٍ بَعْدَ إِجَابَةٍ. وَاللَّبِيبُ: الْمُلَبِّي. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقُلْتُ لَهَا فِيئِي إِلَيْكِ فَإِنَّنِي ... حَرَامٌ وَإِنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ
أَيْ مُحْرِمٌ مُلَبٍّ، وَمِنَ الْبَابِ لَبْلَبَ مِنَ الشَّيْءِ: أَشْفَقَ، فَهُوَ مُلَبْلِبٌ. وَقَالَ:
مِنَّا الْمُلَبْلِبُ وَالْمُشْبِلُ
وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الثَّبَاتِ عَلَى الْوُدِّ.

(5/199)


وَالْمَعْنَى الْآخَرُ اللُّبُّ مَعْرُوفٌ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ خَالِصُهُ وَمَا يُنْتَقَى مِنْهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْعَقْلُ لُبًّا. وَرَجُلٌ لَبِيبٌ، أَيْ عَاقِلٌ. وَقَدْ لَبَّ يَلُبُّ. وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ لُبَابُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ اللَّبَّةُ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ خَالِصٌ. وَكَذَلِكَ اللَّبَبُ. يُقَالُ: لَبِبْتُ الرَّجُلَ: ضَرَبْتُ لَبَّتَهُ. وَيَقُولُونَ لِلْمُتَحَزِّمِ: مُتَلَبِّبٌ، كَأَنَّهُ شَدَّ ثَوْبَهُ إِلَى لَبَّتِهِ مُشَمِّرًا. وَلَبَبُ الْفَرَسِ مَعْرُوفٌ. وَعَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ اللَّبَبُ مِنَ الرَّمْلِ: مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلٍ مُتَّصِلًا بِسَهْلٍ. قَالَ:
بَرَّاقَةُ الْجِيدِ وَاللَّبَاتُِ وَاضِحَةٌ ... كَأَنَّهَا ظَبْيَةٌ أَفْضَى بِهَا لَبَبُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّبَابَ: الْكَلَأُ. وَاللَّبْلَابُ: نَبْتٌ.

(لَتَّ) اللَّامُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: لَتَّ السَّوِيقَ بِالسَّمْنِ يَلُتُّهُ لَتًّا، وَالْفَاعِلُ لَاتٌّ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: لُتَّ فُلَانٌ بِفُلَانٍ، إِذَا قُرِنَ بِهِ. فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّ التَّاءَ مُبْدَلَةٌ مِنْ زَاءٍ.

(لَثَّ) اللَّامُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى إِقَامَةٍ وَدَوَامٍ. يُقَالُ: أَلَثَّ الْمَطَرُ، إِذَا دَامَ، وَالْإِلْثَاثُ: الْإِقَامَةُ. وَلَثْلَثَ بِمَعْنَى أَلَثَّ. قَالَ:

(5/200)


لَا خَيْرَ فِي وُدِّ امْرِئٍ مُلَثْلِثِ
أَرَادَ الْمُتَرَدِّدَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. وَهُوَ الَّذِي يُلَثْلِثُ عَنْ إِقَامَةِ الْوُدِّ. وَيُقَالُ: لَثْلَثْتُهُ عَنْ حَاجَتِهِ: حَبَسْتُهُ. وَتَلَثْلَثَ الرَّجُلُ فِي الدَّقْعَاءِ: تَمَرَّغَ.

(لَجَّ) اللَّامُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرَدُّدِ الشَّيْءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَتَرْدِيدُ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ اللَّجَاجُ، يُقَالُ لَجَّ يَلَجُّ، وَقَدْ لَجِجْتُ عَلَى فَعِلْتُ لَجَجًا وَلَجَاجًا. وَمِنَ الْبَابِ لُجُّ الْبَحْرِ، وَهُوَ قَامُوسُهُ، وَكَذَلِكَ لُجَّتُهُ، لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. يُقَالُ الْتَجَّ الْبَحْرُ الْتِجَاجًا. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ".» وَالسَّيْفُ يُسَمَّى لُجًّا، وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ فُخِّمَ أَمْرُهُ فَشُبِّهَ بِلُجِّ الْبَحْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ طَلْحَةَ: «فَقَدَّمُوا فَوَضَعُوا اللُّجَّ عَلَى قَفَيَّ ".» وَيُقَالُ: لَجْلَجَ الرَّجُلُ الْمُضْغَةَ فِي فِيهِ، إِذَا رَدَّدَهَا وَلَمْ يُسِغْهَا. قَالَ زُهَيْرٌ:
يُلَجْلِجُ مُضْغَةً فِيهَا أَنِيضُ ... أَصَلَّتْ فَهِيَ تَحْتَ الْكَشْحِ دَاءُ
وَاللَّجْلَاجُ: الَّذِي يُلَجْلِجُ فِي كَلَامِهِ لَا يُعْرِبُ. وَاللَّجَّةُ: الْجَلَبَةُ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:

(5/201)


فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ
وَيَقُولُونَ: فِي فُؤَادِ فُلَانٍ لَجَاجَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَخْفُِقَ لَا يَسْكُنُ مِنَ الْجُوعِ. وَهُوَ مِنَ اللَّجَاجِ، وَاللَّجَاجُ الظَّلَامُ: اخْتِلَاطُهُ، وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالْتِجَاجِ الْبَحْرِ. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ عَيْنٌ مُلْتَجَّةٌ: شَدِيدَةُ السَّوَادِ.

(لَحَّ) اللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةٍ وَمُلَازَّةٍ. يُقَالُ: أَلَحَّ عَلَى الشَّيْءِ إِلْحَاحًا، إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْتُرْ. وَيُقَالُ: لَحِحَتْ عَيْنُهُ، إِذَا الْتَصَقَتْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ ابْنُ عَمِّهِ لَحًّا، أَيْ لَاصِقَ النَّسَبِ. وَالْمِلْحَاحُ: الْقَتَبُ يَعَضُّ عَلَى غَارِبِ الْبَعِيرِ. وَيُقَالُ أَلَحَّ السَّحَابُ، إِذَا دَامَ مَطَرُهُ. وَقَالَ فِي الْقَتَبِ:
أَلَحَّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ قَتَبٌ عُقَرْ
وَيُقَالُ: تَلَحْلَحَ الْقَوْمُ، إِذَا أَقَامُوا مَكَانَهُمْ لَمْ يَبْرَحُوا. قَالَ:
أَقَامُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَتَلَحْلَحُوا
وَيُقَالُ: مَكَانٌ لَاحٌّ: ضَيِّقٌ. وَرَحًى مِلْحَاحٌ عَلَى مَا تَطْحَنُهُ. وَيُقَالُ: أَلَحَّ الْجَمَلُ، كَمَا يُقَالُ خَلَأَتِ النَّاقَةُ، وَحَرَنَ الْفَرَسُ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكَدْ يَنْبَعِثُ.

(لَخَّ) اللَّامُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ. يُقَالُ سَكْرَانُ مُلْتَخٌّ، أَيْ مُخْتَلِطٌ. وَالْتَخَّ عَلَى الْقَوْمِ أَمْرُهُمْ: اخْتَلَطَ وَالْتَخَّ عُشْبُ الْأَرْضِ: اخْتَلَطَ.

(5/202)


وَمِنَ الْبَابِ: لَخَّتْ عَيْنُهُ، إِذَا دَامَ دَمْعُهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كِبَرٍ. قَالَ:
وَسَالَ غَرْبُ عَيْنِهِ وَلَخَّا
وَمِنَ الْبَابِ اللَّخْلْخَانِيَّةُ: الْعُجْمَةُ فِي الْمَنْطِقِ.

(لَدَّ) اللَّامُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى خِصَامٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى نَاحِيَةٍ وَجَانِبٍ.
فَالْأَوَّلُ اللَّدَدُ، وَهُوَ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ. يُقَالُ رَجُلٌ أَلَدُّ وَقَوْمٌ لُدٌّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97] . وَاللَّدِيدَانِ: جَانِبَا الْعُنُقِ وَصَفْحَتَاهُ. وَلَدِيدَا الْوَادِي: جَانِبَاهُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: تَلَدَّدَ، إِذَا الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا مُتَحَيِّرًا. وَاللَّدُودُ: مَا سُقِيَ الْإِنْسَانُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ مِنْ دَوَاءٍ. وَقَدْ لُدَّ، وَالْتَدَدْتُ أَنَا. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
شَرِبْتُ الشُّكَاعَى وَالْتَدَدْتُ أَلِدَّةً ... وَأَقْبَلْتُ أَفْوَاهَ الْعُرُوقِ الْمَكَاوِيَا
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: مَا أَجِدُ دُونَ هَذَا الْأَمْرِ مُحْتَدًّا وَلَا مُلْتَدًّا، أَيْ لَا أَجِدُ عَنْهُ مَعْدِلًا. وَإِذَا عَدَلَ عَنْهُ فَقَدْ صَارَ فِي جَانِبٍ مِنْهُ. وَمِنَ الْبَابِ: مَا زِلْتُ أُلَادُّ عَنْكَ، أَيْ أُدَافِعُ، كَأَنَّهُ يَعْدِلُ بِالشَّرِّ عَنْهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: اللَّدُّ: الْجُوَالِقُ، كَذَا قَالُوا، وَأَنْشَدُوا:
كَأَنَّ لَدَّيْهِ عَلَى صَفْحِ جَبَلْ

(5/203)


وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى جَنْبِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَا عِدْلَيْنِ.

(لَذَّ) اللَّامُ وَالذَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى طِيبِ طَعْمٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ اللَّذَّةُ وَاللَّذَاذَةُ: طَيِّبُ طَعْمِ الشَّيْءِ. قَالَ:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَاللَّذُّ: النَّوْمُ فِي قَوْلِهِ:
وَلَذٍّ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ
قَالَ الْفَرَّاءُ: رَجُلٌ لَذٌّ: حَسَنُ الْحَدِيثِ.

(لَزَّ) اللَّامُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةٍ وَمُلَاصَقَةٍ. يُقَالُ: لَزَّ بِهِ، إِذَا لَصِقَ بِهِ لَزًّا وَلَزَازًا. وَلَازَزْتُهُ: لَاصَقْتُهُ. وَرَجُلٌ لِزَازُ خَصْمٍ، إِذَا كَانَ يُلَازُّهُ وَلَا يَكُِعُّ عَنْهُ. وَالْمُلَزَّزُ: الْمُجْتَمِعُ الْخَلْقِ. وَاللَّزُّ: الطَّعْنُ. وَهُوَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ. وَاللَّزَائِزُ: مَا اجْتَمَعَ مِنَ اللَّحْمِ فِي الزَّوْرِ مِمَّا يَلِي الْمِلَاطَ. قَالَ:
ذِي مِرْفَقٍ بَانَ عَنِ اللَّزَائِزِ

(5/204)


وَمِنَ الْبَابِ كَزٌّ لَزٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَزٌّ إِتْبَاعًا.

(لَسَّ) اللَّامُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَحْسِ الشَّيْءِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: اللَّسُّ: اللَّحْسُ، وَيُقَالُ: أَلَسَّتِ الْأَرْضُ، إِذَا طَلَعَ أَوَّلُ نَبَاتِهَا. قَالَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ يَلُسُّهُ. وَلَسَّتِ الدَّابَّةُ الْخَلَا بِلِسَانِهَا تَلُسُّهُ لَسًّا. قَالَ:
قَدِ اخْضَرَّ مِنْ لَسِّ الْغَمِيرِ جَحَافُلُهُ
وَيُقَالُ لِذَلِكَ النَّبَاتِ اللُّسَاسُ أَيْضًا. قَالَ:
فِي بَاقِلِ الرِّمْثِ وَفِي اللُّسَاسِ.

(لَصَّ) اللَّامُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَّةٍ وَمُقَارَبَةٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّصَصُ، وَهُوَ تَقَارُبُ الْمَنْكِبَيْنِ، يَكَادَانِ يَمَسَّانِ الْأُذُنَيْنِ. وَالْأَلَصُّ: الْمُتَقَارِبُ الْأَضْرَاسِ أَيْضًا. وَيُقَالُ لُصِّصَ الْبُنْيَانُ مِثْلُ رُصِّصَ. وَيُقَالُ إِنَّ الْجَبْهَةَ الضَّيِّقَةَ اللَّصَّاءَ. وَاللَّصَّاءُ مِنَ الْغَنَمِ: الَّتِي أَقْبَلَ أَحَدُ قَرْنَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ. وَمِنَ الْبَابِ اللِّصُّ، لِأَنَّهُ يُلْصَقُ بِالشَّيْءِ يُرِيدُ أَخْذَهُ. وَفِعْلُهُ اللَّصُوصِيُّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَيُقَالُ أَرْضٌ مَلَصَّةٌ: كَثِيرَةُ اللُّصُوصِ.

(لَضَّ) اللَّامُ وَالضَّادُ، ذَكَرَ الْخَلِيلُ أَنَّ اللَّضْلَاضَ: الدَّلِيلُ. قَالَ: وَلَضْلَضَتُهُ: الْتِفَاتُهُ وَتَحَفُّظُهُ.

(5/205)


(لَطَّ) اللَّامُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى مُقَارَبَةٍ وَمُلَازَمَةٍ وَإِلْحَاحٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَلَطَّ الرَّجُلُ، إِذَا اشْتَدَّ فِي الْأَمْرِ. وَيُقَالُ لَطَّ بِهِ: لَزِمَهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ سُتِرَ بِشَيْءٍ فَقَدْ لُطَّ بِهِ. وَلَطَّتِ النَّاقَةُ بِذَنَبِهَا، إِذَا جَعَلَتْهُ بَيْنَ فَخِذَيْهَا فِي مَسِيرِهَا. وَاللَّطُّ: قِلَادَةٌ مِنْ حَنْظَلٍ، وَسُمِّيَتْ لَطًّا لِمُلَازَمَتِهَا النَّحْرَ. وَالْجَمْعُ لِطَاطٌ. وَاللِّطَاطُ: حَرَّفَ الْجَبَلَ. وَمِلْطَاطُ الْبَعِيرِ: حَرْفٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. وَالْمِلْطَاطُ: حَافَةُ الْوَادِي، وَسُمِّيَ كُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لَا يُفَارِقُ. وَاللِّطْلِطُ: الْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ، لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِمَكَانِهَا لَا تَكَادُ تَبْرَحُ.

(لَظَّ) اللَّامُ وَالظَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةٍ. يُقَالُ: أَلَظَّ الرَّجُلُ بِالشَّيْءِ، إِذَا لَازَمَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلِظُّوا بِيَاذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ، أَيِ الْزَمُوا هَذَا وَأَكْثِرُوا مِنْهُ فِي دُعَائِكُمْ. وَيُقَالُ: أَلَظَّ الْمَطَرُ: دَامَ. وَيَقُولُونَ: الْإِلْظَاظُ: الْإِشْفَاقُ عَلَى الشَّيْءِ; وَلَيْسَ بِبَعِيدِ الْقِيَاسِ مِنَ الْبَابِ.

(لَعَّ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ وَبَصْبَصَةٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّعْلَعُ: السَّرَابُ; وَلَعْلَعَتُهُ: بَصْبَصَتُهُ. وَتَلَعْلَعَ الشَّيْءُ: اضْطَرَبَ حَتَّى تَكَسَّرَ. وَلَعْلَعَ الْكَلْبُ: دَلَعَ لِسَانَهُ. وَامْرَأَةٌ لَعَّةٌ: خَفِيفَةٌ. وَتُلَعْلِعُ مِنَ الْجُوعِ: تَضَوَّرَ. وَاللَّعَاعَةُ: بَقْلَةٌ نَاعِمَةٌ. وَأَلَعَّتِ الْأَرْضُ: أَنْبَتَتً اللُّعَاعَ; وَتَلَعَّيْتُ: أَخَذْتُ اللُّعَاعَ. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْأَخِيرَةُ شَاذَّةٌ.

(لَغَّ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ. ذَكَرَ بَعْضُهُمْ: لَغْلَغَ طَعَامَهُ: رَوَّاهُ بِالدَّسَمِ.

(5/206)


(لَفَّ) اللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَلَوِّي شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ. يُقَالُ: لَفَفْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ لَفًّا. وَلَفَفْتُ عِمَامَتِي عَلَى رَأْسِي. وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ، أَيْ مَنْ تَأَشَّبَ إِلَيْهِمْ، كَأَنَّهُ الْتَفَّ بِهِمْ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَقَدْ مَلَأَتْ قَيْسٌ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهَا ... نُبَاكًا فَقَوًّا فَالرَّجَا فَالنَّوَاعِصَا
وَيُقَالُ لِلْعَيِيِّ: أَلَفٌّ، كَأَنَّ لِسَانَهُ قَدِ الْتَفَّ، [وَ] فِي لِسَانِهِ لَفَفٌ. وَالْأَلْفَافُ: الشَّجَرُ يَلْتَفُّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} [النبأ: 16] . وَالْأَلَفُّ: الَّذِي تَدَانَى فَخِذَاهُ مِنْ سِمَنِهِ، كَأَنَّهُمَا الْتَفَّتَا; وَهُوَ اللَّفَفُ. قَالَ:
عِرَاضُ الْقَطَا مُلْتَفَّةٌ رَبَلَاتُهَا ... وَمَا اللُّفُّ أَفْخَاذًا بِتَارِكَةٍ عَقْلًا
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الثَّقِيلِ الْبَطِيءِ: أَلَفٌّ. وَاللَّفِيفُ: مَا اجْتَمَعَ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى. وَأَلَفَّ الرَّجُلُ رَأْسَهُ فِي ثِيَابِهِ، وَأَلَفَّ الطَّائِرُ رَأْسَهُ تَحْتَ جَنَاحِهِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: فِي الْأَرْضِ تَلَافِيفُ مِنْ عُشْبٍ. وَلَفَفْتُهُ حَقَّهُ: مَنَعْتُهُ.

(لَقَّ) اللَّامُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صِيَاحٍ وَجَلَبَةٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّقْلَقَةُ: الصِّيَاحُ. وَكَذَلِكَ اللَّقْلَاقُ. وَاللَّقْلَقُ: اللِّسَانُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ وُقِيَ شَرَّ لَقْلَقِهِ وَقَبْقَبِهِ وَذَبْذَبِهِ فَقَدْ وُقِيَ شِرَّةَ الشَّبَابِ كُلَّهَا ".» وَلَقَّ عَيْنَهُ، إِذَا ضَرَبَهَا بِيَدِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِلْوَقْعِ يُسْمَعُ. وَأَمَّا اللَّقْلَقَةُ فَالِاضْطِرَابُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَقْلُوبِ، كَأَنَّهُ مُقَلْقَلٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَقَِرُّ مَكَانَهُ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بِطَرَفٍ مُلَقْلَقِ.

(5/207)


(لَكَ) اللَّامُ وَالْكَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَدَاخُلٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ اللَّكِيكُ: اللَّحْمُ الْمُتَدَاخِلُ فِي الْعِظَامِ. وَاللُّكَالِكُ: الْبَعِيرُ الْمُكْتَنِزُ اللَّحْمِ. وَيُقَالُ: الْتَكَّ الْقَوْمُ: ازْدَحَمُوا. وَاللُّكِّيُّ: الْحَادِرُ اللَّحِيمُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ اللَّكِيكُ: شَجَرَةٌ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي اللَّحْمِ اللَّكِيكِ:
فَظَلَّ صِحَابِي يَشْتَوُونَ بِنَعْمَةٍ ... يَصُفُّونَ غَارِا بِاللَّكِيكِ الْمُوَشَّقِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَمَا) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّمَى، وَهِيَ سُمْرَةٌ فِي بَاطِنِ الشَّفَةِ، وَهُوَ يُسْتَحْسَنُ. وَامْرَأَةٌ لَمْيَاءُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وَفِي اللِّثَاثِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ
يُقَالُ ظِلٌّ أَلْمَى: كَثِيفٌ أَسْوَدُ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا اللُّمَةُ: التِّرْبُ، وَيُقَالُ الْأَصْحَابُ.

(لَمَأَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى الِاشْتِمَالِ. يَقُولُونَ: أَلْمَأْتُ

(5/208)


بِالشَّيْءِ، إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَذَهَبَتْ بِهِ. وَيُقَالُ: تَلَمَّأَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، إِذَا اسْتَوَتْ عَلَيْهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْتُمِئَ لَوْنُهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّ الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْأَصْلُ الْتُمِعَ.

(لَمَجَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْجِيمُ. يُقَالُ: مَا ذَاقَ لَمَاجًا، أَيْ مَأْكَلًا. وَلَمَجَ الشَّيْءَ: طَعِمَهُ. قَالَ لَبِيدٌ:
يَلْمُجُ الْبَارِضَ.

(لَمَحَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَمْعِ شَيْءٍ. يُقَالُ: لَمَحَ الْبَرْقُ وَالنَّجْمُ لَمْحًا، إِذَا لَمَعَا. قَالَ:
أُرَاقِبُ لَمْحًا مِنْ سُهَيْلٍ كَأَنَّهُ ... إِذَا مَا بَدَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ يَطْرِفُ
وَرَأَيْتُ لَمْحَةَ الْبَرْقِ. وَيَقُولُونَ: " لَأُرِيَنَّكَ لَمْحًا بَاصِرًا "، أَيْ أَمْرًا وَاضِحًا.

(لَمَزَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّمْزُ، وَهُوَ الْعَيْبُ. يُقَالُ لَمَزَ يَلْمِزُ لَمْزًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] . وَرَجُلٌ لَمَّازٌ وَلُمَزَةٌ، أَيْ عَيَّابٌ.

(5/209)


(لَمَسَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَطَلُّبِ شَيْءٍ وَمَسِيسِهِ أَيْضًا. تَقُولُ: تَلَمَّسْتُ الشَّيْءَ، إِذَا تَطَلَّبْتَهُ بِيَدِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: اللَّمْسُ أَصْلُهُ بِالْيَدِ لِيُعْرَفَ مَسُّ الشَّيْءِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ كُلُّ طَالِبٍ مُلْتَمِسًا. وَلَمَسْتُ، إِذَا مَسِسْتَ. قَالُوا: وَكُلُّ مَاسٍّ لَامِسٌ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ، قَالَ قَوْمٌ: أُرِيدَ بِهِ الْجِمَاعُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ الْمَسِيسُ، وَأَنَّ اللَّمْسَ وَالْمُلَامَسَةَ يَكُونُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَأَنْشَدُوا:
لَمَسْتُ بِكَفِّي كَفَّهُ أَبْتَغِي الْغِنَى ... وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي
وَهَذَا شِعْرٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَاللَّمَاسَةُ: الطَّلِبَةُ وَالْحَاجَةُ. وَيُقَالُ: " لَا يَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ "، إِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا لَهُ دِفَاعٌ. قَالَ:
وَلَوْلَاهُمُ لَمْ تَدْفَعُوا كَفَّ لَامِسِ.

(لَمَظَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالظَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى نُكْتَةِ بَيَاضٍ. يُقَالُ: بِهِ

(5/210)


لُمْظَةٌ، أَيْ نُكْتَةُ بَيَاضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ، كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ ".» وَاللُّمْظَةُ بِالْفَرَسِ: بَيَاضٌ يَكُونُ بِإِحْدَى جَحْفَلَتَيْهِ. فَأَمَّا التَّلَمُّظُ فَإِخْرَاجُ بَعْضِ اللِّسَانِ. يُقَالُ: تَلَمَّظَ الْحَيَّةُ، إِذَا أَخْرَجَ لِسَانَهُ كَتَلَمُّظِ الْآكِلِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ تَلَمُّظًا لِأَنَّ الَّذِي يَبْدُو مِنَ اللِّسَانِ فِيهِ يَسِيرٌ، كَاللُّمْظَةِ. وَيَقُولُونَ: شَرِبَ الْمَاءَ لَمَاظًا، إِذَا ذَاقَهُ بِطَرَفِ لِسَانِهِ.

(لَمَعَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِضَاءَةِ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ. مِنْ ذَلِكَ: لَمَعَ الْبَرْقُ وَغَيْرُهُ، إِذَا أَضَاءَ، فَهُوَ لَامِعٌ. وَلَمَعَ السَّيْفُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَيُقَالُ لِلسَّرَابِ يَلْمَعُ. كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِحَرَكَتِهِ وَلَمَعَانِهِ. وَيُشَبَّهُ بِهِ الرَّجُلُ الْكَذَّابُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا شَكَوْتَ الْحُبَّ كَيْمَا تُثِيبَنِي ... بِوُدِّيَ قَالَتْ إِنَّمَا أَنْتَ يَلْمَعُ
وَيُقَالُ: أَلْمَعَتِ النَّاقَةُ، إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبَهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَاقِحٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
مُلْمِعٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ حَامِلٍ اسْوَدَّتْ حَلَمَةُ ثَدْيِهَا فَهِيَ مُلْمِعٌ. وَإِنَّمَا هَذَا أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى حَمْلِهَا، فَكَأَنَّهَا قَدْ أَبَانَتْ عَنْ حَالِهَا، كَالشَّيْءِ اللَّامِعِ. وَاللِّمَاعُ: جَمْعُ لُمْعَةٍ، وَهِيَ الْبُقْعَةُ مِنَ الْكَلَأِ. وَيَقُولُونَ - وَلَيْسَ بِذَلِكَ الصَّحِيحِ - إِنَّ اللُّمْعَةَ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَاللَّمَّاعَةُ: الْفَلَاةُ. قَالَ:

(5/211)


وَلَمَّاعَةٍ مَا بِهَا مِنْ عَلَامٍ ... وَلَا أَمَرَاتٍ وَلَا نِهْيِ مَاءِ
وَاللَّمَّاعَةُ: الْعُقَابُ، لِأَنَّهَا تُلْمِعُ بِأَجْنِحَتِهَا. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْتَمَعْتُ الشَّيْءَ، إِذَا اخْتَلَسْتَهُ، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنَ الْخِفَّةِ وَالسُّرْعَةِ. وَكَذَلِكَ أَلْمَعَتْ بِهِ الْمَنِيَّةُ: ذَهَبَتْ بِهِ. وَالْأَلْمَعِيُّ: الرَّجُلُ الَّذِي يَظُنُّ الظَّنَّ فَلَا يَكَادُ يَكْذِبُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْغَائِبَاتِ عَنْ عَيْنِهِ كَالَلامِعَةِ، فَهُوَ يَرَاهَا. قَالَ:
الْأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ لَكَ الظَّ ... نَّ كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا.

(لَمَقَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَا تَنْقَاسُ وَلَا تَتَقَارَبُ. فَالْأَوَّلُ اللَّمْقُ، يُقَالُ لَمَقَهُ بِيَدِهِ، إِذَا ضَرَبَهُ. وَالْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ اللَّمْقُ، وَهُوَ الْمَحْوُ، يُقَالُ لَمَقَهُ، إِذَا مَحَاهُ. قَالَ يُونُسُ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَذْكُرُ مُصَدِّقًا لَهُمْ قَالَ: " فَلَمَقَهُ بَعْدَ مَا نَمَقَهُ "، كَأَنَّهُ مَحَا كِتَابًا قَدْ كَانَ كَتَبَهُ. وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ: اللَّمَاقُ، يُقَالُ: مَا ذُقْتُ لَمَاقًا. قَالَ:
كَبَرْقٍ لَاحَ يُعْجِبُ مَنْ رَآهُ ... وَمَا يُغْنِي الْحَوَائِمَ مِنْ لَمَاقِ.

(لَمَكَ) اللَّامُ وَالْمِيمُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ تَلَمَّكَ الشَّيْءُ، مِثْلَ تَلَمَّجَ، كَأَنَّهُ يَتَذَوَّقُهُ. يُقَالُ: مَا ذُقْتُ لَمَاكًا، أَيْ شَيْئًا، كَقَوْلِهِمْ: مَا ذُقْتُ لَمَاجًا، وَأَصْلُهُ أَنْ يَلْوِيَ الْبَعِيرُ لَحْيَيْهِ. قَالَ:
فَلَمَّا رَآنِي قَدْ حَمَمْتُ ارْتِحَالَهُ ... تَلَمَّكَ لَوْ يُجْدِي عَلَيْهِ التَّلَمُّكُ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/212)


(لَهَوَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى شُغْلٍ عَنْ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى نَبْذِ شَيْءٍ مِنَ الْيَدِ.
فَالْأَوَّلُ اللَّهْوُ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ شَغَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَدْ أَلْهَاكَ. وَلَهَوْتُ مِنَ اللَّهْوِ. وَلَهِيتُ عَنِ الشَّيْءِ، إِذَا تَرَكْتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ اللَّفْظُ أَدْنَى تَغَيُّرٍ. وَيَقُولُونَ: إِذَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ فَالْهَ عَنْهُ، أَيِ اتْرُكْهُ وَلَا تَشْتَغِلْ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ «فِي الْبَلَلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ: " الْهَ عَنْهُ» ". وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ لَهَى عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَقُولُ: تَرَكَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ. وَقَدْ يُكْنَى بِاللَّهْوِ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} [الأنبياء: 17] . وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَرَادَ بِاللَّهْوِ الْمَرْأَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهِ الْوَلَدَ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَاللُّهْوَةُ، وَهُوَ مَا يَطْرَحُهُ الطَّاحِنُ فِي ثُقْبَةِ الرَّحَى بِيَدِهِ، وَالْجَمْعُ لُهًى، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْعَطَاءُ لُهْوَةً فَقِيلَ: هُوَ كَثِيرُ اللُّهَى. فَأَمَّا اللَّهَاةُ فَهِيَ أَقْصَى الْفَمِ، كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِثُقْبَةِ الرَّحَى، وَسُمِّيَتْ لَهَاةً لِمَا يُلْقَى فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ.

(لَهَبَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ ارْتِفَاعُ لِسَانِ النَّارِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُقَارِبُهُ. مِنْ ذَلِكَ اللَّهَبُ: لَهَبُ النَّارِ. تَقُولُ: الْتَهَبَتِ الْتِهَابًا. وَكُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ ضَوْءُهُ وَلَمَعَ لَمَعَانًا شَدِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ. قَالَ:
رَأَيْتُ مَهَابَةً وَلُيُوثَ غَابٍ ... وَتَاجَ الْمُلْكِ يَلْتَهِبُ الْتِهَابًا

(5/213)


وَيَقُولُونَ لِلْعَطْشَانِ: لَهْبَانُ، وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعَارَةِ، كَأَنَّ حَرَارَةَ جَوْفِهِ تَلْتَهِبُ. وَيَقُولُونَ: اللَّهَبُ: الْغُبَارُ السَّاطِعُ. فَإِنْ صَحَّ فَاسْتِعَارَةٌ أَيْضًا. وَيُقَالُ: فَرَسٌ مُلْهِبٌ، إِذَا أَثَارَ الْغُبَارَ. وَلِلْفُرْسِ أُلْهُوبٌ، اشْتُقَّ كُلُّ هَذَا مِنَ الْأَوَّلِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَلِلزَّجْرِ أُلْهُوبٌ وَلِلسَّاقِ دِرَّةٌ ... وَلِلسَّوْطِ مِنْهُ وَقْعُ أَخْرَجَ مُهْذِبِ
وَاللَّهَبُ وَاللُّهَابُ: اشْتِعَالُ النَّارِ، وَيُسْتَعْمَلُ اللُّهَابُ فِي الْعَطَشِ، فَأَمَّا اللِّهْبُ، وَهُوَ الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، وَأَصْلُهُ الصَّادُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِصْبٌ، فَأُبْدِلَتِ الصَّادُ هَاءً. وَبَنُو لِهْبٍ: بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ.

(لَهَثَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَدْلَعَ الْكَلْبُ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] ، وَاللُّهَاثُ: حَرُّ الْعَطَشِ. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مَقِيسٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شَأْنِ الْكَلْبِ.

(لَهَجَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُثَابَرَةِ عَلَى الشَّيْءِ وَمُلَازَمَتِهِ، وَأَصْلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ فِي أَمْرٍ.
يُقَالُ: لَهِجَ بِالشَّيْءِ، إِذَا أُغْرِيَ بِهِ وَثَابَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَهِجٌ. وَالْمُلْهِجُ: الَّذِي لَهِجَتْ فِصَالُهُ بِرَضَاعِ أُمَّهَاتِهَا فَيَصْنَعُ لِذَلِكَ أَخِلَّةً يَشُدُّهَا فِي خِلْفِ

(5/214)


أُمِّ الْفَصِيلِ، لِئَلَّا يَرْتَضِعَ الْفَصِيلُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْلِمُ أَنْفَهُ. وَإِيَّاهُ أَرَادَ الْقَائِلُ:
رَعَى بَارِضَ الْوَسْمِيِّ حَتَّى كَأَنَّمَا ... يَرَى بِسَفَى الْبُهْمَى أَخِّلَةَ مُلْهِجِ
وَقَوْلُهُمْ: هُوَ فَصِيحُ اللَّهْجَةِ وَاللَّهَجَةِ: اللِّسَانُ، بِمَا يَنْطِقُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ. وَسُمِّيَتْ لَهْجَةً لِأَنَّ كُلًّا يَلْهَجُ بِلُغَتِهِ وَكَلَامِهِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ قَوْلُهُمْ: لَهْوَجْتُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، إِذَا خَلَطْتُهُ. وَأَصْلُهُ مِنَ اللَّبَنِ الْمُلْهَاجِّ، وَهُوَ الْخَاثِرُ الَّذِي يَكَادُ يَرُوبُ. وَيَقُولُونَ: أَمْرُهُمْ مُلْهَاجٌّ. وَمِنَ الْبَابِ: لَهْوَجْتُ اللَّحْمَ، إِذَا لَمْ تُنْضِجْهُ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بَيْنَ النِّيِّ وَالنَّضِيجِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَهَّجْتُ الْقَوْمَ، مِثْلَ لَهَّنْتُهُمُ، فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِبْدَالِ، كَأَنَّ الْجِيمَ بَدَلٌ مِنَ النُّونِ.

(لَهَدَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى إِذْلَالٍ وَمُطَامَنَةٍ، مِنْ ذَلِكَ لَهَدْتُ الرَّجُلَ، إِذَا دَفَّعْتَهُ، فَهُوَ مُلَهَّدٌ ذَلِيلٌ. وَاللَّهِيدُ: الْبَعِيرُ يُصِيبُ جَنْبَهُ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ. وَأَلْهَدْتُ الرَّجُلَ، إِذَا أَمْسَكْتَهُ وَخَلَّيْتَ عَلَيْهِ آخَرَ يُقَاتِلُهُ. وَأَلْهَدْتُ بِالرَّجُلِ: أَزْرَيْتُ بِهِ.

(5/215)


(لَهَزَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَفْعٍ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ رَمْيٍ بِوَتَرٍ. قَالُوا: لَهَزْتُ فُلَانًا: دَفَعْتُهُ. وَيَقُولُونَ: اللَّهْزُ: الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْيَدِ فِي الصَّدْرِ. وَيَقُولُونَ: لَهَزَهُ الْقَتِيرُ: فَشَا فِيهِ. وَلَهَزْتُهُ بِالرُّمْحِ فِي صَدْرِهِ: طَعَنْتُهُ. وَلَهَزَ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ، إِذَا ضَرَبَهُ بِرَأْسِهِ عِنْدَ الرَّضَاعِ. وَيُقَالُ: بَعِيرٌ مَلْهُوزٌ، إِذَا كَانَ قَدْ وُسِمَ فِي لِهْزِمَتِهِ. قَالَ:
مَرَّتْ بِرَاكِبٍ مَلْهُوزٍ فَقَالَ لَهَا ... ضُرِّي الْجُمَيْحَ وَمَسِّيهِ بِتَعْذِيبِ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَرَسٌ مَلْهُوزٌ، أَيْ مُضَبَّرُ الْخَلْقِ، فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، كَأَنَّ لَحْمَهُ رُفِعَ مِنْ جَوَانِبِهِ حَتَّى تَدَاخَلَ. وَدَائِرَةُ اللَّاهِزِ: دَائِرَةٌ فِي اللِّهْزِمَةِ.

(لَهَسَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الْإِطْعَامِ. يَقُولُونَ: لَهَسَ عَلَى الطَّعَامِ: زَاحَمَ حِرْصًا. وَمَا لَكَ عِنْدِي لَهْسَةٌ مِنْ طَعَامٍ، أَيْ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَهَسَ الصَّبِيُّ ثَدْيَ أُمِّهِ: لَطَعَهُ وَلَمْ يَمْصُصْهُ.

(لَهَطَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: لَهَطَهُ بِسَهْمٍ: رَمَاهُ. وَلَهَطَتِ الْمَرْأَةَ فَرَجَهَا بِالْمَاءِ: ضَرَبَتْهُ.

(5/216)


(لَهَعَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَاتٌ إِنْ صَحَّتْ تَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ وَفَتْرَةٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّهِعُ مِنَ الرِّجَالِ: الْمُسْتَرْسِلُ إِلَى كُلٍّ. يُقَالُ: لَهِعَ لَهَاعَةً. وَبِهِ سُمِّيَ لَهِيعَةً. وَيُقَالُ: هُوَ الْفَاتِرُ الْمُسْتَرْخِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَلَهْيَعَ فِي كَلَامِهِ: أَفْرَطَ.

(لَهَفَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَحَسُّرٍ. يُقَالُ: تَلَهَّفَ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَهِفَ، إِذَا حَزِنَ وَتَحَسَّرَ. وَالْمَلْهُوفُ: الْمَظْلُومُ يَسْتَغِيثُ.

(لَهَقَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ.
فَالْأُولَى اللَّهَقُ: الْأَبْيَضُ; وَالثَّوْرُ الْأَبْيَضُ لِهَاقٌ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
لَِهَاقٌ تَلَأْلُؤُهُ كَالْهِلَالِ
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: تَلَهْوَقَ الرَّجُلُ: أَظْهَرَ سَخَاءً وَلَيْسَ بِسَخِيٍّ.

(لَهَمَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ابْتِلَاعِ شَيْءٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: الْتَهَمَ الشَّيْءَ: الْتَقَمَهُ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِلْهَامُ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي الرُّوعِ فَالْتَهَمَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَلْهَمَهَا} [الشمس: 8] فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. وَالْتَهَمَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ: اسْتَوْفَاهُ. وَفَرَسٌ لَهِمٌّ: سَبَّاقٌ، كَأَنَّهُ يَلْتَهِمُ الْأَرْضَ. وَاللُّهَيْمُ: الدَّاهِيَةُ، وَكَذَلِكَ أُمُّ اللُّهَيْمِ، وَسُمِّيَتْ لِعِظَمِهَا كَأَنَّهَا تَلْهَمُ مَا تَلْقَى. وَيَقُولُونَ لِلْعَظِيمِ الْكَافِي: اللِّهَمُّ وَمِنَ الْبَابِ اللُّهْمُومُ: الرَّجُلُ الْجَوَادُ. وَهَذَا عَلَى الْعِظَمِ وَالسَّعَةِ.

(لَهَنَ) اللَّامُ وَالْهَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، اللُّهْنَةُ: مَا يَتَعَجَّلُهُ الرَّجُلُ قَبْلَ غَدَائِهِ. وَقَدْ تَلَهَّنَ. وَيُقَالُ بَلِ اللُّهْنَةُ: مَا يُهْدِيهِ الرَّجُلُ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثَلِّثُهُمَا]

(5/217)


(لُوِيَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى إِمَالَةٍ لِلشَّيْءِ. يُقَالُ: لَوَى يَدَهُ يَلْوِيهَا. وَلَوَى بِرَأْسِهِ: أَمَالَهُ. وَاللَّوِيُّ: مَا ذَبَلَ مِنَ الْبَقْلِ، وَسُمِّيَ لَوِيًّا لِأَنَّهُ إِذَا ذَبَلَ الْتَوَى وَمَالَ. وَاللِّوَاءُ مَعْرُوفٌ، وَسُمِّيَ لِأَنَّهُ يُلْوَى عَلَى رُمْحِهِ. وَاللَّوِيَّةُ: مَا ذُخِرَ مِنْ طَعَامٍ لِغَيْرِ الْحَاضِرِينَ، كَأَنَّهُ أُمِيلَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. وَأَلْوَى بِالشَّيْءِ، إِذَا أَشَارَ بِهِ كَالْيَدِ وَنَحْوِهِ. وَأَلْوَى بِالشَّيْءِ: ذَهَبَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ أَمَالَهُ إِلَى نَفْسِهِ. وَالْأَلْوَى: الرَّجُلُ الْمُجْتَنِبُ الْمُنْفَرِدُ، لَا يَزَالُ كَذَلِكَ، كَأَنَّهُ مَالَ عَنِ الْجُلَسَاءِ إِلَى الْوُحْدَةِ. وَاللَّيَّاءُ، الْأَرْضُ الْبَعِيدَةُ مِنَ الْمَاءِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا مَالَتْ عَنْ نَهْجِ الْمَاءِ. وَلَوَاهُ دَيْنَهُ يَلْوِيهِ لَيًّا وَلَيَّانًا، وَهُوَ الْبَابُ. قَالَ:
تُطِيلِينَ لَيَّانِي وَأَنْتَ مَلِيَّةٌ ... وَأُحْسِنُ يَا ذَاتَ الْوِشَاحِ التَّقَاضِيَا
وَلِوَى الرَّمْلِ: مُنْقَطَعُهُ. وَأَلْوَى الْقَوْمُ، إِذَا بَلَغَوْا لِوَى الرَّمْلِ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيحَ تَلْوِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ. وَيَقُولُونَ: أَكْثَرْتُ مِنَ الْحَيِّ وَاللَّيِّ. قَالُوا: فَالْحَيُّ: الْوَاضِحُ مِنَ الْكَلَامِ، وَ [اللَّيُّ] : الَّذِي لَا يُهْتَدَى لَهُ.

(لَوَبَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْبَاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
فَالْكَلِمَةُ الْأُولَى: اللَّوْبُ وَاللُّوَابُ: الْعَطَشُ، وَالْفِعْلُ لَابَ يَلُوبُ، وَهُوَ لَائِبٌ.

(5/218)


وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى اللَّابَّةُ، وَهِيَ الْحَرَّةُ، وَالْجَمْعُ لُوبٌ. وَالَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ أَنَّ الْحَرَّةَ عَطْشَى، كَأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ.

(لَوَتَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ لَسْتُ أَحُقُّ صِحَّتَهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِهِمْ عِنْدِي، لَكِنَّ نَاسًا زَعَمُوا أَنَّهُ يُقَالُ: لَاتَ يَلُوتُ، إِذَا أَخْبَرَ بِغَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ. وَيَقُولُونَ: اللَّوْتُ: الْكِتْمَانُ. وَفِيهِمَا نَظَرٌ.

(لَوَثَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ وَاسْتِرْخَاءٍ وَلَيِّ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: لَاثَ الْعِمَامَةَ يَلُوثُهَا لَوْثًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللُّوثَةَ: الِاسْتِرْخَاءُ، وَيَقُولُونَ: مَسٌّ مِنَ الْجُنُونِ. قَالَ:

إِذًا لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عِنْدَ
الْحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لَانَا وَالْمَلَاثُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُلَاثُ عَلَيْهِ الثَّوْبُ. وَيَقُولُونَ: نَاقَةٌ ذَاتُ لَوْثَةٍ، أَيْ كَثِيرَةُ اللَّحْمِ ضَخْمَةُ الْجِسْمِ. وَدِيمَةٌ لَوْثَاءُ، تَلُوثُ النَّبَاتَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. وَقَوْلُهُمْ: الْتَاثَ فِي عَمَلِهِ: أَبْطَأَ، مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ الْتَوَى وَاعْوَجَّ. وَالْمَلَاثُ: الرَّجُلُ الْجَلِيلُ تُلَاثُ بِهِ الْأُمُورُ، وَالْجَمْعُ مَلَاوِثُ. قَالَ:
هَلَّا بَكَيْتَ مَلَاوِثًا مِنْ آلِ عَبْدً مَنَافٍ
وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّوِيثَةَ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مَنَّ قَبَائِلَ شَتَّى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمُ الْتَاثَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، أَيْ مَالَ.

(5/219)


(لَوَحَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، مُعْظَمُهُ مُقَارَبَةُ بَابِ اللَّمَعَانِ. يُقَالُ: لَاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ، إِذَا لَمَحَ وَلَمَعَ. وَالْمَصْدَرُ اللَّوْحُ. قَالَ:
أُرَاقِبُ لَوْحًا مِنْ سُهَيْلٍ كَأَنَّهُ ... إِذَا مَا بَدَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ يَطْرِفُ
وَيُقَالُ: أَلَاحَ بِسَيْفِهِ: لَمَعَ بِهِ. وَأَلَاحَ الْبَرْقُ: أَوْمَضَ. وَاللِّيَاحُ: الْأَبْيَضُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:
تُمْسِي كَأَلْوَاحِ السِّلَاحِ وَتُضْحِي كَالْمَهَاةِ صَبِيحَةَ الْقَطْرِ إِنَّ الْأَلْوَاحَ: مَا لَاحَ مِنَ السِّلَاحِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ السُّيُوفُ. وَمِنَ الْبَابِ لَوَّحَهُ الْحُرُّ، وَذَلِكَ إِذَا حَرَّقَهُ وَسَوَّدَهُ حَتَّى لَاحَ مِنْ بُعْدٍ لِمَنْ أَبْصَرَهُ. وَمِنَ الْبَابِ اللَّوْحُ: الْكَتِفُ. وَاللَّوْحُ: الْوَاحِدُ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ; وَهُوَ أَيْضًا كُلُّ عَظْمٍ عَرِيضٍ. وَسُمِّيَ لَوْحًا لِأَنَّهُ يَلُوحُ. وَمِنَ الْبَابِ اللُّوحُ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْهَوَاءُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَمِنَ الَّذِي شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ اللَّوْحُ: الْعَطَشُ: وَدَابَّةٌ مِلْوَاحٌ: سَرِيعُ الْعَطَشِ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: أَلَاحَ مِنَ الشَّيْءِ: حَاذَرَ.

(لَوَذَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالذَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِطَاقَةِ الْإِنْسَانِ بِالشَّيْءِ مُسْتَعِيذًا بِهِ وَمُتَسَتِّرًا. يُقَالُ: لَاذَ بِهِ يَلُوذُ لَوْذًا وَلَاذَ لِيَاذًا، وَذَلِكَ إِذَا عَاذَ بِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ وَلَاوَذَ لِوَاذًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: 63] وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا أَرَادَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مُفَارَقَةَ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ،

(5/220)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَاذَ بِغَيْرِهِ مُتَسَتِّرًا ثُمَّ نَهَضَ. وَإِنَّمَا قَالَ لِوَاذًا لِأَنَّهُ مَنْ لَاوَذَ وَجَعَلَ مَصْدَرُهُ صَحِيحًا، وَلَوْ كَانَ مِنْ لَاذَ لَقَالَ لِيَاذًا، وَاللَّوْذُ: مَا يُطِيفُ بِالْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ أَلْوَاذٌ.

(لَوَزَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ، وَهُوَ اللَّوْزُ.

(لَوَسَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَعُّمِ. قَالُوا: اللَّوْسُ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْإِنْسَانُ الْمَآكِلَ. يُقَالُ: لَاسَ يَلُوسُ لَوْسًا. وَيَقُولُونَ: اللُّوَاسَةُ: اللُّقْمَةُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لُسْتُ الشَّيْءَ فِي فَمِي، إِذَا أَدَرْتَهُ بِلِسَانِكَ.

(لَوَصَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: اللَّوْصُ: أَنْ تُطَالِعَ الشَّيْءَ مِنْ خَلَلِ سَتْرٍ أَوْ بَابٍ. يُقَالُ: لُصْتُهُ أَلُوصُهُ لَوْصًا.

(لَوَطَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اللُّصُوقِ. يُقَالُ: لَاطَ الشَّيْءُ بِقَلْبِي، إِذَا لَصِقَ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ أَلْوَطُ بِالْقَلْبِ» ، أَيْ أَلْصَقَ. وَيَقُولُونَ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَلْتَاطُ بِصَفَرِي، أَيْ لَا يَلْصَقُ بِقَلْبِي. وَلُطْتُ الْحَوْضَ لَوْطًا، إِذَا مَدَرْتَهُ بِالطِّينِ.

(لَوَعَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ: اللَّوْعَةُ: الْحُبُّ. [وَ] يُقَالُ: رَجُلٌ لَاعٌ هَاعٌ، إِذَا كَانَ جَبَانًا.

(5/221)


(لَوَغَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْغَيْنُ. ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّ اللَّوْغَ: أَنْ تُدِيرَ الشَّيْءَ فِي فَمِكَ. يُقَالُ: لَاغَهُ لَوْغًا.

(لَوَقَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَطْيِيبِ شَيْءٍ. يُقَالُ: لَوَّقَ الطَّعَامَ، إِذَا طَيَّبَهُ بِإِدَامِهِ. وَيَقُولُونَ: اللُّوَقَةُ: الزُّبْدَةُ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ، إِذَا لَمْ تَحْظَ عِنْدَ زَوْجِهَا: مَا لَاقَتْ، أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِبْ صُحْبَتَهَا. وَمِنَ الْبَابِ: لَاقَتِ الدَّوَاةُ وَأَلْقُتُهَا.

(لَوَكَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: لُكْتُ اللُّقْمَةَ أَلُوكُهَا لَوْكًا. وَفُلَانٌ يَلُوكُ أَعْرَاضَ النَّاسِ، إِذَا كَانَ يَغْتَابُهُمْ.

(لَوَمَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْعَتْبِ وَالْعَذْلِ، وَالْأُخْرَى عَلَى الْإِبْطَاءِ.
فَالْأَوَّلُ اللَّوْمُ، وَهُوَ الْعَذْلُ. تَقُولُ: لُمْتُهُ لَوْمًا، وَالرَّجُلُ مَلُومٌ. وَالْمُلِيمُ: الَّذِي يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ. وَاللَّوْمَاءُ: الْمَلَامَةُ، وَرَجُلٌ لُوَمَةٌ: يَلُومُ النَّاسَ. وَلُومَةٌ يُلَامُ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى التَّلَوُّمُ، وَهُوَ التَّمَكُّثُ. وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّامَةَ: الْأَمْرُ يُلَامُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ.

(5/222)


(لَوَنَ) اللَّامُ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ سَحْنَةُ الشَّيْءِ: مِنْ ذَلِكَ اللَّوْنُ: لَوْنُ الشَّيْءِ، كَالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ، وَيُقَالُ: تَلَوَّنَ فُلَانٌ: اخْتَلَفَتْ أَخْلَاقُهُ. وَاللَّوْنُ: جِنْسٌ مِنَ التَّمْرِ. وَاللِّينَةُ: النَّخْلَةُ، مِنْهُ، وَأَصْلُ الْيَاءِ فِيهَا وَاوٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَيَا) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالْأَلِفُ، يُقَالُ إِنَّهُ شَيْءٌ مِنَ النَّبْتِ. يَقُولُونَ: اللِّيَاءُ: شَيْءٌ كَالْحِمَّصِ شَدِيدُ الْبَيَاضِ. يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: كَأَنَّهَا لِيَاءَةٌ.

(لَيَتَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَتَانِ لَا تَنْقَاسَانِ: إِحْدَاهُمَا: اللِّيتُ: صَفْحَةُ الْعُنُقِ، وَهُمَا لِيَتَانِ. وَالْأُخْرَى اللَّيْتُ، وَهُوَ النَّقْصُ. يُقَالُ: لَاتَهُ يَلِيتُهُ: نَقَصَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا. وَاللَّيْتُ: الصَّرْفُ، يُقَالُ لَاتَهُ يَلِيتُهُ. قَالَ:
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ دُجًى سَرِيتُ ... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لِيتُ
وَلَيْتَ: كَلِمَةُ التَّمَنِّي.

(لَيَثَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ خَلْقٍ. مِنْ

(5/223)


ذَلِكَ اللَّيْثُ، قَالُوا: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّةِ أَخْذِهِ. وَمِنْهُ يُقَالُ: رَجُلٌ مُلَيِّثٌ. وَاللَّيْثُ: عَنْكَبُوتٌ يَصِيدُ الذُّبَابَ. فَأَمَّا اللِّيثُ بِكَسْرِ اللَّامِ، فَمَوْضِعٌ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
مُسْتَأْرِضًا بَيْنَ بَطْنِ اللِّيثِ أَيَمْنُهُ ... إِلَى شَمَنْصِيرَ غَيْثًا مُرْسَلَا مَعِجَا.

(لَيَغَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ، يَقُولُونَ: الْأَلْيَغُ: الَّذِي لَا يُبِينُ الْكَلَامَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: هُوَ سَيِّغٌ لَيِّغٌ، فَإِتْبَاعٌ، لِلشَّيْءِ السَّهْلِ الْمُنْسَاغِ.

(لَيَفَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ اللِّيفُ، عَرَبِيَّةٌ.

(لَيَقَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لَا يُلِيقُ دِرْهَمًا، أَيْ لَا يُبْقِي. قَالَ:
كَفَّاكَ كَفٌّ لَا تُلِيقُ دِرْهَمًا
وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: لَا يَلِيقُ بِهِ كَذَا، كَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَا يُلْصِقُ بِهِ، مَنْ لَاقَ الدَّوَاةَ يَلِيقُهَا.

(5/224)


(لَيَلَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ اللَّيْلُ: خِلَافُ النَّهَارِ. يُقَالُ لَيْلَةٌ وَلَيْلَاتٌ. وَأَمَّا اللَّيَالِي. . . . .

(لَيَمَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالْمِيمُ. يَقُولُونَ: اللِّيمُ. الصُّلْحُ. وَأَنْشَدْنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ قَالَ: أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
إِذَا دُعِيَتْ يَوْمًا نُمَيْرُ بْنُ عَامِرٍ ... رَأَيْتَ وُجُوهًا قَدْ تَبَيَّنَ لِيمُهَّا.

(لَيَنَ) اللَّامُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللِّينُ: ضِدُّ الْخُشُونَةِ. وَيُقَالُ: هُوَ فِي لَيَانٍ مِنْ عَيْشٍ، أَيْ نِعْمَةٍ، وَفُلَانٌ مَلْيَنَةٌ، أَيْ لَيِّنُ الْجَانِبِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
وَيَكُونُ الْأَلِفُ مُنْقَلِبَةً عَنْ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ، وَيَكُونُ أَيْضًا هَمْزَةً.

(لَابَ) اللَّامُ وَالْأَلِفُ وَالْبَاءُ. اللَّابَةُ: الْحَرَّةُ، وَالْجَمْعُ لُوبٌ. وَاللُّوَابُ: الْعَطَشُ; لَابَ يَلُوبُ.

(لَاعَ) اللَّامُ وَالْأَلِفُ وَالْعَيْنُ، اللَّاعُ: الرَّجُلُ الْجَبَانُ; يُقَالُ هَاعٌ لَاعٌ، وَهَائِعٌ لَائِعٌ، أَيْ جَبَانٌ.

(5/225)


(لَأَمَ) اللَّامُ وَالْأَلِفُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا الِاتِّفَاقُ وَالِاجْتِمَاعُ، وَالْآخَرُ خُلُقٌ رَدِيءٌ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: لَأَمْتُ الْجُرْحَ، وَلْأَمْتُ الصَّدْعَ، إِذَا سَدَدْتُ. وَإِذَا اتَّفَقَ الشَّيْئَانِ فَقَدِ الْتَأَمَا. وَقَالَ:
يَظُنُّ النَّاسُ بِالْمَلْكَيْ ... نِ أَنَّهُمَا قَدِ الْتَأَمَا
فَإِنْ تَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ فَقِمَا
وَأُرَى الَّذِي أَنْشَدُهُ ثَعْلَبٌ فِي اللِّيمِ هُوَ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا لَيَّنَ الْهَمْزَةَ الشَّاعِرُ. وَيُقَالُ: رِيشٌ لُؤَامٌ، إِذَا الْتَقَى بَطْنُ قُذَّةٍ وَظَهْرُ أُخْرَى. وَيُقَالُ إِنَّ اللُّؤَمَةَ: جَمَاعَةُ أَدَاةِ الْفَدَّانِ، وَإِذَا زُيِّنَ الرَّحْلُ فَجَمِيعُ جَهَازِهِ لُؤَمَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ اللَّأْمَةُ: الدِّرْعُ، وَجَمْعُهَا لُؤَمٌ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَسُمِّيَتْ لَأْمَةً لِالْتِئَامِهَا. وَاسْتَلْأَمَ الرَّجُلُ، إِذَا لَبِسَ لَأْمَةً. قَالَ:
وَاسْتَلْأَمُوا وَتَلَبَّبُوا ... إِنَّ التَّلَبُّبَ لِلْمُغَيَّرِ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ اللُّؤْمِ. يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّئِيمَ: الشَّحِيحُ الْمَهِينُ النَّفْسِ، الدَّنِيُّ السِّنْخِ. يُقَالُ: قَدْ لَؤُمَ. وَالْمِلْأَمُ: الَّذِي يَقُومُ بِعُذْرِ اللِّئَامِ. فَأَمَّا اللَّامُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، يُقَالُ إِنَّ اللَّامَ: شَخْصُ الْإِنْسَانِ. قَالَ:

(5/226)


مَهْرِيَّةٌ تَخْطِرُ فِي زِمَامِهَا ... لَمْ يُبْقِ مِنْهَا السَّيْرُ غَيْرَ لَامِهَا
وَيُقَالُ: اللَّامُ: السَّهْمُ، فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
نَطْعَنُهُمْ سُلْكَى وَمَخْلُوجَةً ... كَرَّكَ لَامَيْنِ عَلَى نَابِلِ.

(لَاهَ) اللَّامُ وَالْأَلِفُ وَالْهَاءُ. لَاهٌ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْظِيمِ. قَالَ:
لَاهِ ابْنُ عَمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي.

(لَأَوَ) اللَّامُ وَالْهَمْزَةُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الشِّدَّةُ، وَالْأُخْرَى حَيَوَانٌ.
فَالْأُولَى: اللَّأْوَاءُ: الشِّدَّةُ. [وَ] فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ» . وَيَقُولُونَ: فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ لَأْيٍ، أَيْ شِدَّةٍ. وَالْتَأَى الرَّجُلُ: سَاءَ عَيْشُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَيْسَ يُغَيِّرُ خِيَمَ الْكَرِيمِ ... خُلُوقَةُ أَثْوَابِهِ وَاللَّأَى
قَالُوا: أَرَادَ اللَّأْوَاءَ، وَهِيَ شِدَّةُ الْعَيْشِ. وَالْآخَرُ: اللَّأَى، يُقَالُ إِنَّهُ الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ، فِي قَوْلِ الطِّرِمَّاحِ:

(5/227)


كَظَهْرِ اللَّأَى لَوْ تُبْتَغَى رِيَّةٌ بِهَا ... نَهَارًا لَعَنَّتْ فِي بُطُونِ الشَّوَاجِنِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَبِثَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ. يُقَالُ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35] .

(لَبَجَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَتَانِ لَا تَنْقَاسَانِ. فَالْأُولَى قَوْلُهُمْ: لُبِجَ بِهِ، إِذَا صُرِعَ: وَحَيٌّ لَبِيجٌ، لِلْحَيِّ إِذَا نَزَلَ وَاسْتَقَرَّ مَكَانَهُ. قَالَ:
كَأَنَّ ثِقَالَ الْمُزْنِ بَيْنَ تَضَارُعٍ ... وَشَابَةَ بَرْكٌ مِنْ جُذَامَ لَبِيجُ
وَالْأُخْرَى اللُّبْجَةُ: حَدِيدَةٌ ذَاتُ شُعَبٍ، كَأَنَّهَا كَفٌّ بِأَصَابِعِهَا.

(لَبَخَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالْخَاءُ. يَقُولُونَ: اللُّبَاخِيَّةُ: الْمَرْأَةُ التَّامَّةُ الْخَلْقِ. قَالَ الْأَعْشَى:
عَبْهَرَةُ الْخَلْقِ لُبَاخِيَّةٌ ... تَزِينُهُ بِالْخُلُقِ الطَّاهِرِ.

(لَبَدَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَكَرُّسِ الشَّيْءِ بَعْضِهِ فَوْقَ بَعْضٍ. مِنْ ذَلِكَ اللِّبْدُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَتَلَبَّدَتِ الْأَرْضُ، وَلَبَّدَهَا الْمَطَرُ

(5/228)


وَصَارَ النَّاسُ عَلَيْهِ لُبَدًا، إِذَا تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] . وَ (لُبَدٌا) أَيْضًا عَلَى وَزْنٍ فُعَلٍ، مِنْ أَلَبَدَ بِالْمَكَانِ، إِذَا أَقَامَ، وَالْأَسَدُ ذُو لِبْدَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَطِيفَتَهُ تَتَلَبَّدُ عَلَيْهِ، لِكَثْرَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي يَلَغُ فِيهَا. قَالَ الْأَعْشَى:
كَسَتْهُ بَعُوضُ الْقَرْيَتَيْنِ قَطِيفَةً ... مَتَى مَا تَنَلْ مِنْ جِلْدِهِ يَتَلَبَّدِ
وَيَقُولُونَ فِي الْمَثَلِ: " هُوَ أَمْنَعُ مِنْ لِبْدَةِ الْأَسَدِ ". وَمِنَ الْبَابِ: أَلْبَدَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ. وَاللُّبَدُ: الرَّجُلُ لَا يُفَارِقُ مَنْزِلَهُ. كُلُّ ذَلِكَ مَقِيسٌ عَلَى الْكَلِمَةِ الْأُولَى.
وَيُقَالُ: لَبَدَ بِالْأَرْضِ لَبُودًا. وَأَلْبَدَ الْبَعِيرُ، إِذَا ضَرَبَ بِذَنَبِهِ عَلَى عَجُزِهِ وَقَدْ ثَلَطَ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ عَلَى عَجُزِهِ كَاللِّبْدَةِ. وَيَقُولُونَ: أَلْبَدَتِ الْإِبِلُ، إِذَا تَهَيَّأَتْ لِلسِّمَنِ، وَكَأَنَّهُ شُبِّهَ مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ بِاللِّبْدَةِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّبِيدَ: الْجُوَالِقُ. يُقَالُ: أَلَبَدْتُ الْقِرْبَةَ، إِذَا صَيَّرْتَهَا فِيهِ.

(لَبَزَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالزَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْقِيَاسِ. فَاللَّبْزُ: ضَرْبُ النَّاقَةِ بِجَمِيعِ خُفِّهَا. قَالَ:
خَبْطًا بِأَخْفَافٍ ثِقَالِ اللَّبْزِ
وَاللَّبْزُ: الْأَكْلُ الْجَيِّدُ.

(5/229)


(لَبِسَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى مُخَالَطَةٍ وَمُدَاخَلَةٍ. مِنْ ذَلِكَ لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَمِنْهُ تَتَفَرَّعُ الْفُرُوعُ. وَاللَّبْسُ: اخْتِلَاطُ الْأَمْرِ; يُقَالُ لَبَسْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ أُلْبِسُهُ بِكَسْرِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] . وَفِي الْأَمْرِ لَبْسَةٌ، أَيْ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَاللَّبْسُ: اخْتِلَاطُ الظَّلَامِ وَيُقَالُ: لَابَسْتُ الْأَمْرَ أُلَابِسُهُ. وَمِنَ الْبَابِ: اللِّبَاسُ، وَهِيَ امْرَأَةُ الرَّجُلِ; وَالزَّوْجُ لِبَاسُهَا. قَالَ الْجَعْدِيُّ:
إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا ... تَدَاعَتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسًا
وَاللَّبُوسَ: كُلُّ مَا يُلْبَسُ مِنْ ثِيَابٍ [وَ] دِرْعٍ. وَلَابَسْتُ الرَّجُلَ حَتَّى عَرَفْتُ بَاطِنَهُ. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: فِيهِ مَلْبَسٌ، أَيْ مُسْتَمْتَعٌ وَبَقِيَّةٌ. قَالَ:
أَلَا إِنَّ بَعْدَ الْعُدْمِ لِلْمَرْءِ قُِنْوَةً ... وَبَعْدَ الْمَشِيبِ طُولَ عُمْرٍ وَمَلْبَسًا
وَلِبْسُ الْهَوْدَجِ وَالْكَعْبَةِ: مَا عَلَيْهِمَا مِنْ لِبَاسٍ، بِكَسْرِ اللَّامِ.

(لَبَطَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطٍ وَصَرْعٍ. يُقَالُ: لَبَطَ بِهِ، إِذَا صُرِعَ، وَلَبَطَةُ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ هَذَا. وَالْتَبَطَ الْفَرَسُ، إِذَا جَمَعَ قَوَائِمَهُ. وَالْتَبَطَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِهِ وَتَلَبَّطَ، إِذَا تَحَيَّرَ. قَالَ:
ذُو مَنَادِيحَ وَذُو مُلْتَبَطٍ ... وَرِكَابِي حَيْثُ وَجَّهْتُ ذُلُلْ.

(5/230)


(لَبَقَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ لِتَطْيِيبِهِ. يُقَالُ لَبَقْتُ الطَّعَامَ وَلَبَّقْتُهُ، إِذَا لَيَّنْتَهُ وَطَيَّبْتَهُ. وَمِنَ الْبَابِ اللَّبِقُ: الْحَاذِقُ بِالشَّيْءِ يَعْمَلُهُ. وَرَجُلٌ لَبِقٌ وَلَبِيقٌ. وَالْمَصْدَرُ اللَّبَاقَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَبِيقًا بِتَصْرِيفِ الْقَنَاةِ بَنَانِيَا.

(لَبَكَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. يُقَالُ لَبَكْتُ عَلَى فُلَانٍ الْأَمْرَ أَلْبِكُهُ، إِذَا خَلَطْتَهُ عَلَيْهِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ: " لَبَّكْتَ عَلَيَّ ". وَيُقَالُ: [لَبَكْتُ] الطَّعَامَ بِعَسَلٍ وَغَيْرِهِ، إِذَا خَلَطْتُهُمَا. قَالَ:
إِلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى مِلَاءٍ ... لُبَابَ الْبُرِّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ
وَمِنَ الْبَابِ: مَا ذُقْتُ عَبَكَةً وَلَا لَبَكَةً. يَقُولُونَ: هِيَ اللُّقْمَةُ مِنَ الْحَيْسِ.

(لَبَنَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ كَلِمَاتٌ، وَهُوَ اللَّبَنُ الْمَشْرُوبُ. يُقَالُ: لَبِنْتُهُ أَلْبِنُهُ، إِذَا سَقَيْتَهُ اللَّبَنَ. وَفُلَانٌ لَابِنٌ، أَيْ عِنْدَهُ لَبَنٌ، كَمَا يُقَالُ تَامِرٌ. قَالَ:

(5/231)


وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ ... لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ
وَالْمُلْبِنُ: الْكَثِيرُ اللَّبَنِ. وَنَاقَةٌ لَبِنَةٌ: غَزِيرَةٌ. وَإِذَا نَزَلَ لَبَنُهَا فِي ضَرْعِهَا فَهِيَ مُلْبِنٌ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ لَبَنٍ فَهِيَ لَبُونٌ، غَزِيرَةً كَانَتْ أَوْ بَكِيئَةً. وَرَجُلٌ مَلْبُونٌ، إِذَا سَفِهَ عَنْ كَثْرَةِ شُرْبِ اللَّبَنِ. وَأَمَّا الْفَرَسُ الْمَلْبُونُ فَالَّذِي يُقْفَى بِاللَّبَنِ: يُؤْثَرُ بِهِ. وَيُقَالُ: كَمْ لُبْنُ غَنَمِكَ وَلِبْنُهَا، أَيْ كَمْ ذَوَاتُ الدَّرِّ مِنْهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ [اللَّبَنُ] : وَجَعُ الْعُنُقِ مِنَ الْوِسَادِ، يُقَالُ رَجُلٌ لَبِنٌ، إِذَا كَانَ بِهِ ذَلِكَ الْوَجَعُ. وَمِنْهُ اللَّبِنَةُ مِنَ الطِّينِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ أَخُوهُ بِلِبَانِ أُمِّهِ، وَلَا يُقَالُ بِلَبَنِ أُمِّهِ، إِنَّمَا اللَّبَنُ الَّذِي يُشْرَبُ. وَالَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّبَنِ الْمَشْرُوبِ، كَأَنَّهُمَا تَلَابَنَا لِبَانًا، كَمَا يُقَالُ تَقَاتَلَا قِتَالًا. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: هُوَ مِنَ اللَّبَنِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقَالُ بِلَبَنِ أُمِّهِ إِنَّمَا يُقَالُ بِلِبَانِ أُمِّهِ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا اللَّبَانُ: الصَّدْرُ، بِفَتْحِ اللَّامِ. وَاللُّبَانُ: الْكُنْدُرُ، كَأَنَّهُ لَبَنٌ يَتَحَلَّبُ مِنْ شَجَرَةٍ. وَالْقِيَاسُ فِيهِ وَاحِدٌ. وَمِنْهُ اللُّبَانَةُ، وَهِيَ الْحَاجَةُ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَابِ بِضَرْبٍ مِنَ الْقِيَاسِ، إِلَّا أَنَّهُ إِلَى الشُّذُوذِ أَقْرَبُ.

(لَبَأَ) اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا. فَاللَّبُؤَةُ: الْأُنْثَى مِنَ الْأُسْدِ. وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى اللِّبَأُ: الَّذِي يُؤْكَلُ، مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ. وَيُقَالُ: أَلْبَأَتِ الشَّاةُ وَلَدَهَا: أَرْضَعَتْهُ اللِّبَأَ، وَالْتَبَأَهَا وَلَدُهَا. وَلَبَأْتُ الْقَوْمَ: سَقَيْتُهُمْ لِبَأً. وَعِشَارٌ مَلَابِئٌ، إِذَا دَنَا نِتَاجُهَا.

(5/232)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا وَهُوَ قَلِيلٌ لَبَّأْتُ، مِثْلَ لَبَّيْتُ; وَلَيْسَ بِأَصْلٍ.

[بَابُ اللَّامِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَتَجَ) اللَّامُ وَالتَّاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: اللَّتْجَانُ: الْجَائِعُ. وَامْرَأَةٌ لَتْجَى.

(لَتَخَ) اللَّامُ وَالتَّاءُ وَالْخَاءُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: اللَّتْخُ مِثْلُ اللَّطْخِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(لَتَمَ) اللَّامُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: لَتَمَهَا، إِذَا طَعَنَهَا فِي مَنْحَرِهَا بِشَفْرَةٍ.

(لَتَأَ) اللَّامُ وَالتَّاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: لَتَأَهُ بِسَهْمٍ، إِذَا رَمَاهُ بِهِ. وَلَتَأَ الْمَرْأَةَ: نَكَحَهَا. فَأَمَّا الَّتِي فَمُؤَنَّثُ الَّذِي. يَقُولُونَ اللَّتَيَّا: الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، يُقَالُ وَقَعَ فِي اللَّتَيَّا وَالَّتِي. وَهَذَا مِمَّا يُقَالُ إِنَّ عِلْمَهُ دَرَجَ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ قِيَاسٌ.

(لَتَبَ) اللَّامُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةٍ وَمُخَالَطَةٍ. يَقُولُونَ: لَتَبَ ثَوْبَهُ: لَبِسَهُ. وَاللَّاتِبُ: الْمُلَازِمُ لِلشَّيْءِ لَا يُفَارِقُهُ. وَيَقُولُونَ: لَتَبَ فِي سَبَلَةِ النَّاقَةِ، إِذَا وَجَأَ.

[بَابُ اللَّامِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/233)


(لَثَغَ) اللَّامُ وَالثَّاءُ وَالْغَيْنُ. يَقُولُونَ: اللُّثْغَةُ فِي اللِّسَانِ أَنْ يَقْلِبَ الرَّاءَ غَيْنًا وَالسِّينَ ثَاءً.

(لَثَقَ) اللَّامُ وَالثَّاءُ وَالْقَافُ، كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَرْطِيبِ الْمَاءِ وَالْمَطَرِ الشَّيْءَ. مِنْ ذَلِكَ اللَّثَقُ، وَقَدْ أَلْثَقَهُ الْمَطَرُ، إِذَا بَلَّهُ.

(لَثَمَ) اللَّامُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى مُصَاكَّةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ أَوْ مُضَامَّتِهِ لَهُ. مِنْ ذَلِكَ: لَثَمَ الْبَعِيرُ الْحِجَارَةَ بِخُفِّهِ، إِذَا صَكَّهَا. وَخُفٌّ مِلْثَمٌ: يَصُكُّ الْحِجَارَةَ. وَمِنَ الْمُضَامَّةِ اللِّثَامُ: مَا تُغَطَّى بِهِ الشَّفَةُ مِنْ ثَوْبٍ. وَفُلَانٌ حَسَنُ اللِّثْمَةِ، أَيِ الِالْتِثَامِ. وَخُفٌّ مَلْثُومٌ مِثْلُ مَرْثُومٍ، إِذَا دَمِيَ. وَمِنَ الْبَابِ لَثِمَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، إِذَا قَبَّلَهَا.

(لَثِيَ) اللَّامُ وَالثَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَوَلُّدِ شَيْءٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّثَى، وَهِيَ صَمْغَةٌ. وَيُقَالُ لِلْوَسَخِ اللَّثَى. وَيَقُولُونَ: اللَّثَى: وَطْءُ الْأَخْفَافِ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ نَدًى مِنْ مَاءٍ أَوْ دَمٍ. قَالَ:
بِهِ مِنْ لَثَى أَخْفَافِهِنَّ نَجِيعُ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/234)


(لَجَحَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: اللُّجْحُ: مَكَانٌ مُنْخَفِضٌ فِي الْوَادِي.

(لَجَذَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالذَّالُ. يَقُولُونَ: لَجِذَ الْكَلْبُ الْإِنَاءَ: لَحِسَهُ.

(لَجَفَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَزْمٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: تَلَجَّفَتِ الْبِئْرُ، إِذَا انْخَسَفَ أَسْفَلُهَا. قَالَ: وَاللَّجَفُ: سُرَّةُ الْوَادِي، وَتُشَبَّهُ الشَّجَّةُ الْمُنْفَهِقَةُ بِذَلِكَ. قَالَ:
يَحُجُّ مَأْمُومَةً فِي قَعْرِهَا [لَجَفٌ] .

(لَجَمَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ اللِّجَامُ. يُقَالُ: أَلْجَمْتُ الْفَرَسَ.

(لَجَنَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالنُّونُ كَلِمَتَانِ: اللُّجَيْنُ: الْفِضَّةُ. وَاللَّجِينُ: حَشِيشٌ يُضْرَبُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَتَلَجَّنَ، كَأَنَّهُ تَغَضَّنَ. قَالَ:
وَمَاءٍ قَدْ وَرَدْتُ لِوَصْلِ أَرْوَى ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ كَالْوَرَقِ اللَّجِينِ.

(لَجَأَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّجَأُ وَالْمَلْجَأُ: الْمَكَانُ يُلْتَجَأُ إِلَيْهِ. يُقَالُ: لَجَأَتْ وَالْتَجَأَتْ. وَقَالَ فِي اللَّجَأِ:

(5/235)


جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَمَّا أَتَّخِذْ لَجَأَ ... يَا حَرَّ كَفَّيَّ مِنْ حَفْرِ الْقَرَامِيصِ.

(لَجَبَ) اللَّامُ وَالْجِيمُ وَالْبَاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا.
فَالْأُولَى اللَّجَبُ: الْجَلَبَةُ. يُقَالُ جَيْشٌ ذُو لَجَبٍ، وَبَحْرٌ ذُو لَجَبٍ، إِذَا سُمِعَ اضْطِرَابُ أَمْوَاجِهِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: عَنْزٌ لَجْبَةٌ، وَالْجُمَعُ لِجَابٌ، وَهِيَ الَّتِي ارْتَفَعَ لَبَنُهَا. قَالَ:
عَجِبَتْ أَبْنَاؤُنَا مِنْ فِعْلِنَا ... إِذْ [نَبِيعُ] الْخَيْلَ بِالْمِعْزَى اللِّجَابِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَحَدَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَيْلٍ عَنِ اسْتِقَامَةٍ. يُقَالُ: أَلْحَدَ الرَّجُلُ، إِذْ مَالَ عَنْ طَرِيقَةِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ. وَسُمِّيَ اللَّحْدُ لِأَنَّهُ مَائِلٌ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْجَدَثِ. يُقَالُ: لَحَدْتُ الْمَيِّتَ وَأَلْحَدْتُ. وَالْمُلْتَحَدُ: الْمَلْجَأُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّاجِئَ يَمِيلُ إِلَيْهِ.

(لَحَزَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضِيقٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ

(5/236)


الْمَلاحِزُ، وَهِيَ الْمَضَايِقُ وَيُقَالُ: تَلَاحَزَ الْقَوْمُ فِي الْقَوْلِ، إِذَا تَعَاوَصُوا. وَاللَّحِزُ: الرَّجُلُ الضَّيِّقُ الْخُلُقِ. قَالَ:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذَا أُمِرَّتْ ... عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيهَا مُهِينًا.

(لَحَسَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ بِاللِّسَانِ. يُقَالُ: لَحِسَ الشَّيْءَ بِلِسَانِهِ لَحْسًا. وَيَقُولُونَ: أَلْحَسَتِ الْأَرْضُ: أَنْبَتَتْ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّبَاتِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ السَّائِمَةَ جَزُّهُ، فَكَأَنَّهَا تَلْحَسُهُ. وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ مِلْحَسٌ: يَأْخُذُ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حِرْصِهِ. وَفِي كَلَامِهِمْ: " أَلَدُّ أَلْيَسُ مِلْحَسٌ ". وَيَقُولُونَ: " أَسْرَعُ مِنْ لَحْسِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ ". وَيَقُولُونَ: " تَرَكْتُ فُلَانًا بِمَلَاحِسِ الْبَقَرِ أَوْلَادَهَا ".

(لَحَصَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضِيقٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: لَحِصَ يَلْحَصُ لَحَصًا. قَالَ:
قَدْ كُنْتُ خَرَّاجًا وَلُوجًا صَيْرَفًا ... لَمْ تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ
أَيْ لَمْ أَنْشَبْ فِيهَا. وَلَحَاصِ فَعَالٍ مِنْهُ. وَيُقَالُ: الْتَحَصَتِ الْإِبْرَةُ، إِذَا انْسَدَّ سَمُّهَا.

(لَحَظَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالظَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ.

(5/237)


فَاللَّحْظُ: لَحْظُ الْعَيْنِ، وَلِحَاظُهَا: مُؤَخِّرُهَا عِنْدَ الصُّدْغِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى اللِّحَاظُ: مَا يَنْسَحِي مَعَ الرِّيشِ إِذَا سُحِيَ مَعَ الْجَنَاحِ.

(لَحَفَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اشْتِمَالٍ وَمُلَازَمَةٍ. يُقَالُ: الْتَحَفَ بِاللِّحَافِ يَلْتَحِفُ. وَلَاحَفَهُ: لَازَمَهُ. وَأَلْحَفَ السَّائِلَ: أَلَحَّ.

(لَحَقَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِدْرَاكِ شَيْءٍ وَبُلُوغِهِ إِلَى غَيْرِهِ. يُقَالُ: لَحِقَ فُلَانٌ فُلَانًا فَهُوَ لَاحِقٌ. وَأَلْحَقَ بِمَعْنَاهُ. وَفِي الدُّعَاءِ: " «إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ» "، قَالُوا: مَعْنَاهُ لَاحِقٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: لَحِقْتُهُ: اتَّبَعْتُهُ، وَأَلْحَقْتُهُ: وَصَلْتُ إِلَيْهِ. وَالْمُلْحَقُ: الدَّعِيُّ الْمُلْصَقُ. وَاللَّحَقُ فِي التَّمْرِ: [دَاءٌ يُصِيبُهُ] .

(لَحَكَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَاءَمَةٍ وَمُدَاخَلَةٍ. يُقَالُ: لُوحِكَ فَقَارُ النَّاقَةِ، فَهُوَ مُلَاحَكٌ، إِذَا دَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ أَيْضًا.

(لَحَمَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَدَاخُلٍ، كَاللَّحْمِ الَّذِي هُوَ مُتَدَاخِلٌ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمُ. وَسُمِّيَتِ الْحَرْبُ مَلْحَمَةً لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَلَاحُمُ النَّاسِ: تَدَاخُلُهُمْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَالْآخَرُ أَنَّ الْقَتْلَى كَاللَّحْمِ الْمُلْقَى.

(5/238)


وَاللَّحِيمُ: الْقَتِيلُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
فَقَالُوا تَرَكْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصِرُوا بِهِ ... فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
وَلَحْمَةُ الْبَازِي: مَا أُطْعِمَ إِذَا صَادَ، وَهُوَ لُحْمَتُهُ. وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ بِالضَّمِّ وَلَحْمَتُهُ أَيْضًا. وَرَجُلٌ لَحِيمٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ; وَلَاحِمٌ، إِذَا كَانَ عِنْدَهُ لَحْمٌ، كَمَا يُقَالُ تَامِرٌ. وَأَلْحَمْتُكَ عِرْضَ فُلَانٍ، إِذَا مَكَّنْتَهُ مِنْهُ بِشَتْمِهِ، كَأَنَّكَ جَعَلْتَ لَهُ لُحْمَةً يَأْكُلُهَا. وَيُقَالُ: حَمْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَلَاءَمْتُ بِمَعْنًى. وَرَجُلٌ لَحِمٌ: مُشْتَهِي اللَّحْمِ; وَمُلْحِمٌ، إِذَا كَانَ مُطْعِمَ اللَّحْمِ. وَالشَّجَّةُ الْمُتَلَاحِمَةُ: الَّتِي بَلَغَتِ اللَّحْمَ. وَيُقَالُ لِلزَّرْعِ إِذَا خُلِقَ فِيهِ الْقَمْحُ. مُلْحِمٌ. وَيُقَالُ لَحَمْتُ اللَّحْمَ عَنِ الْعَظْمِ: قَشَرْتُهُ. وَحَبْلٌ مُلَاحَمٌ: شَدِيدُ الْفَتْلِ.

(لَحَنَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالنُّونُ لَهُ بِنَاءَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى إِمَالَةِ شَيْءٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى الْفِطْنَةِ وَالذَّكَاءِ.
فَأَمَّا اللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ فَإِمَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ. يُقَالُ لَحَنَ لَحْنًا. وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَلَّدِ، لِأَنَّ اللَّحْنَ مُحْدَثٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِطِبَاعِهِمُ السَّلِيمَةِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هُوَ طَيِّبُ اللَّحْنِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِالْأَلْحَانِ; وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ كَذَلِكَ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي تَرَنُّمِهِ. وَمِنْهُ أَيْضًا: اللَّحْنُ: فَحْوَى الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] . وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمُوَرَّى بِهِ الْمُزَالُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَالظُّهُورِ.

(5/239)


وَالْأَصْلُ الْآخَرُ اللَّحَنُ، وَهِيَ الْفِطْنَةُ، يُقَالُ لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا، وَهُوَ لَحِنٌ وَلَاحِنٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» ".

(لَحِيَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَالْآخَرُ قَِشْرُ شَيْءٍ.
فَالْأُولَى اللَّحْيُ: الْعَظْمُ الَّذِي تَنْبُتُ عَلَيْهِ اللِّحْيَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ لَحَوِىٌّ. وَاللِّحْيَةُ: الشِّعْرُ، وَجَمْعُهَا لِحًى، وَجَمْعُ اللَّحْيِ أَلْحٍ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ اللِّحَاءُ، وَهُوَ قِشْرُ الشَّجَرَةِ، يُقَالُ لَحَيْتُ الْعَصَا، إِذَا قَشَرْتَ لِحَاءَهَا، وَلَحَوْتُهَا. فَأَمَّا فِي اللَّوْمِ فَلَحَّيْتُ. وَهُوَ قِيَاسُ ذَاكَ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ قِشْرَهُ. وَالْمُلَاحَمَةُ كَالْمُشَاتَمَةِ. قَالَ أَوْسٌ فِي لَحَيْتُ الْعَصَا:
لَحَيْنَهُمْ لَحْيَ الْعَصَا فَطَرَدْنَهُمْ ... إِلَى سَنَةٍ قِرْدَانُهَا لَمْ تَحَلَّمِ.

(لَحَجَ) اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَضَايُقٍ وَنُشُوبٍ. يُقَالُ لَحِجَ بِالْمَكَانِ، إِذَا نَشِبَ فِيهِ وَلَزِمَهُ. وَالْمَلَاحِجُ الْمَضَايِقُ. وَمِنْهُ لَحْوَجْتُ الْخَبَرَ عَلَيْهِ، إِذَا خَلَطْتَهُ وَلَحَّجْتَهُ مِثْلَ لَحْوَجَتِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ غَيْرَ مَا فِي نَفْسِهِ. وَمِنَ الْبَابِ الْمُلْتَحَجُ: الْمَلْجَأُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
[حُبَّ الضَّرِيكِ تِلَادَ الْمَالِ زَرَّمَهُ ... فَقْرٌ وَلَمْ يَتَّخِذْ فِي النَّاسِ مُلْتَحَجًا] .

(5/240)


[بَابُ اللَّامِ وَالْخَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَخَصَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّخَصُ، وَهُوَ لَحْمُ الْجَفْنِ. وَاللَّخَصُ: أَنْ يَكُونَ الْجَفْنُ الْأَعْلَى لَحِيمًا. وَرَجُلٌ أَلْخَصُ، وَضَرْعٌ لَخِصٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ. وَقَوْلُهُمْ لَخَّصْتُ الشَّيْءَ، إِذَا بَيَّنْتَهُ، فَهُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ اللَّحْمُ الْخَالِصُ إِذَا أُبْرِزَ.

(لَخَعَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: اللَّخَعُ: اسْتِرْخَاءٌ فِي الْجِسْمِ.

(لَخَفَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَتَانِ، إِحْدَاهُمَا اللِّخَافُ، وَهِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ رِقَاقٌ، وَاحِدَتُهَا لَخْفَةٌ، وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: لَخَفَهُ بِالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ.

(لَخَمَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ لَخْمٌ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ لَخُمَ وَجْهُ الرَّجُلِ، إِذَا كَثُرَ لَحْمُهُ وَغَلُظَ. قَالَ: وَهُوَ فِعْلٌ مُمَاتٌ لَا يَكَادُونَ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ. وَاللُّخْمُ: سَمَكَةٌ.

(لَخَنَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّخَنُ، وَهُوَ النَّتْنُ، يُقَالُ: لَخِنَ السِّقَاءُ، إِذَا أَنْتَنَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْأَمَةِ: لَخْنَاءُ.

(لَخِيَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اعْوِجَاجٍ

(5/241)


فِي شَيْءٍ وَمَيْلٍ. مِنْ ذَلِكَ الْأَلْخَى، هُوَ الْمُعْوَجُّ. وَمِنْهُ اللَّخَا: كَثْرَةُ الْكَلَامِ فِي الْبَاطِلِ ; يُقَالُ رَجُلٌ أَلْخَى وَامْرَأَةٌ لَخْوَاءُ. وَقَدْ لَخِيَ لَخَا، مَقْصُورٌ. وَيَقُولُونَ اللَّخْوُ نَعْتُ الْقُبُلِ الْمُضْطَرِبِ. وَعُقَابٌ لَخْوَاءُ، إِذَا طَالَ مِنْقَارُهَا الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ. وَبَعِيرٌ أَلْخَى وَنَاقَةٌ لَخْوَاءُ، إِذَا كَانَتْ إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ أَعْظَمَ مِنَ الْأُخْرَى، وَيَقُولُونَ اللِّخَاءُ: التَّحْرِيشُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَيْلًا عَنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. يُقَالُ: لَخَيْتَ بِي عِنْدَهُ، إِذَا حَرَّشَهُ بِكَ فَكَأَنَّهُ مَالَ عَلَيْكَ. وَالْمِلْخَى: الْمُسْعُطُ، يُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْأَنْفِ. [وَ] سُمِّيَ غِدَاءُ الصَّبِيِّ لِخَاءً، وَهُوَ الْخُبْزُ الْمَبْلُولُ.

(لَخَجَ) اللَّامُ وَالْخَاءُ وَالْجِيمُ. يَقُولُونَ: لَخِجَتْ عَيْنُهُ، إِذَا الْتَزَقَتْ. وَاللَّخَجُ: أَسْوَأُ الْغَمَصِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي مُشْبِهًا كَلَامَ الْعَرَبِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَدَسَ) اللَّامُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى لُصُوقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ. يُقَالُ: لَدَسَ الْمَالُ النَّبَاتَ، أَيْ لَحِسَهُ. وَيُقَالُ لِأَوَّلِ مَا يَطْلُعُ مِنَ النَّبَاتِ اللَّدِيسُ، لِأَنَّ الْمَالَ يَلْدُسُهُ. وَلُدِسَتِ النَّاقَةُ، أَيْ رُمِيَتْ بِاللَّحْمِ، كَأَنَّ السِّمَنَ لَمَّا لَزِمَهَا كَانَ كَالشَّيْءِ يَلْصَقُ بِالشَّيْءِ. وَلَدَسْتُ الْبَعِيرَ، إِذَا أَنْعَلْتَهُ. وَيُقَالُ

(5/242)


لِلْفُحُولِ الشِّدَادِ مَلَادِسُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُلْدَسُ بِالْآخَرِ: يُعْرَكُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(لَدَغَ) اللَّامُ وَالدَّالُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ لُدِغَ يُلْدَغُ، وَهُوَ مَلْدُوغٌ وَلَدِيغٌ. وَلَدَغْتُهُ بِكَلِمَةٍ، إِذَا نَزَغْتَهُ بِهَا.

(لَدَمَ) اللَّامُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِلْصَاقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ، فَاللَّدْمُ: ضَرْبُ الْحَجَرِ بِالْحَجَرِ. قَالَ:
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْغُلَامِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
وَالْتَدَمَ النِّسَاءُ: ضَرَبْنَ وُجُوهَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ فِي الْمَنَاحَةِ. وَاللَّدْمُ: ضَرْبُكَ خُبْزَ الْمَلَّةِ. وَالْمَلَادِيمُ: الْمَرَاضِيخُ يُرْضَخُ بِهَا النَّوَى. وَالْتَدَمَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى: لَازَمَتْهُ. وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْحُمَّى: أُمُّ مِلْدَمٍ. وَيَقُولُونَ: الْمُلَدَّمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْأَحْمَقُ. وَاللَّامُ فِي هَذَا مُبْدَلَةٌ مِنْ رَاءٍ، [كَأَنَّهُ] كَانَ مُتَخَرِّقًا فَرُدِّمَ، أَيْ رُقِّعَ.

(لَدَنَ) اللَّامُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ لِلَّيِّنِ مِنَ الْقُضْبَانِ لَدْنٌ. وَلَدُنْ بِمَعْنَى لَدَى، أَيْ عِنْدَ.

[بَابُ اللَّامِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/243)


(لَذَعَ) اللَّامُ وَالذَّالُ وَالْعَيْنُ يَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِحْرَاقُ وَالْحَرَارَةُ. مِنْ ذَلِكَ اللَّذْعِ: لَذْعُ النَّارِ، وَهُوَ إِحْرَاقُهَا الشَّيْءَ، وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: لَذَعْتُهُ بِلِسَانِي، إِذَا آذَيْتَهُ أَذًى يَسِيرًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَاءَ فُلَانٌ يَتَلَذَّعُ، أَيْ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، كَأَنَّ شَيْئًا يُقْلِقُهُ وَيُحْرِقُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ اللَّوْذَعِيُّ: الظَّرِيفُ، أَيْ كَأَنَّهُ مِنْ حَرَكَتِهِ وَكَيْسِهِ يُلْذَعُ. وَالْتَذَعَتِ الْقَرْحَةُ: فَاحَتْ، لِأَنَّهَا تَلْتَذِعُ وَتَلْذَعُ صَاحِبَهَا.

(لَذِمَ) اللَّامُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ. يُقَالُ لَذِمْتُ الرَّجُلَ لَذْمًا: لَزِمْتُهُ. وَالْمُلْذَمُ: الرَّجُلُ الْمُولَعُ بِالشَّيْءِ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:.

[بَابُ اللَّامِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَزِقَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْقَافُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ. يُقَالُ لَزِقَ الشَّيْءُ، بِالشَّيْءِ يَلْزَقُ، مِثْلُ لَصِقَ.

( [لَزِكَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْكَافُ] لَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِشَيْءٍ. عَلَى أَنَّهُمْ

(5/244)


يَقُولُونَ: لَزِكَ الْجُرْحُ، إِذَا اسْتَوَى نَبَاتُ لَحْمِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ. وَهَذَا لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْعَرَبِ.

(لَزِمَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى مُصَاحَبَةِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ دَائِمًا. يُقَالُ: لَزِمَهُ الشَّيْءُ يَلْزَمُهُ. وَاللِّزَامُ: الْعَذَابُ الْمُلَازِمُ لِلْكُفَّارِ.

(لَزَنَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ يَدُلُّ عَلَى ضِيقٍ فِي شَيْءٍ أَوْ تَضَايُقٍ. يُقَالُ: عَيْشٌ لَزْنٌ، أَيْ ضَيِّقٌ. وَاللَّزَنُ: اجْتِمَاعُ الْقَوْمِ عَلَى الْبِئْرِ مُزْدَحِمِينَ. يُقَالُ: مَشْرَبٌ لَزْنٌ، إِذَا ازْدُحِمَ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(لَزَأَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَتَانِ لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا صَحِيحَتَيْنِ. يَقُولُونَ: لَزَّأَ الْإِبِلَ تَلْزِئَةً، إِذَا أَحْسَنَ رِعْيَتَهَا. وَيَقُولُونَ: لَعَنَ اللَّهُ أُمًّا لَزَأَتْ بِهِ، أَيْ وَلَدَتْهُ.

(لَزَبَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْبَاءُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ شَيْءٍ وَلُزُومِهِ. يُقَالُ: لِلَّازِمِ لَازِبٌ. وَصَارَ هَذَا الشَّيْءُ ضَرْبَةَ لَازِبٍ، أَيْ لَا يَكَادُ يُفَارِقُ، قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا يَحْسِبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ ... وَلَا يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبٍ

(5/245)


وَاللَّزْبَةُ: السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ، وَالْجَمْعُ لَزْبَاتٌ كَأَنَّ الْقَحْطَ لَزَبَ، أَيْ ثَبَتَ فِيهَا.

(لَزِجَ) اللَّامُ وَالزَّاءُ وَالْجِيمُ قَرِيبٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. يُقَالُ: لَزِجَ بِهِ، إِذَا غَرِيَ بِهِ وَلَازَمَهُ. وَالتَّلَزُّجُ: تَتَبُّعُ الْبُقُولِ وَالرِّعْيِ الْقَلِيلِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَسَعَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: لَسَعَتْهُ الْحَيَّةُ تَلْسَعُهُ لَسْعًا. وَيُسْتَعَارُ فَيُقَالُ: لَسَعَهُ بِلِسَانِهِ.

(لَسَمَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ لَيْسَ بِأَصْلٍ. يَقُولُونَ فِي بَابِ الْإِبْدَالِ، أَلْسَمْتُ الرَّجُلَ الْحُجَّةَ: أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهَا. وَأَلْسَمْتُهُ الطَّرِيقَ: أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهُ.

(لَسَنَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى طُولٍ لَطِيفٍ غَيْرِ بَائِنٍ، فِي عُضْوٍ أَوْ غَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ اللِّسَانُ، مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْجَمْعُ أَلْسُنٌ، فَإِذَا كَثُرَ فَهِيَ الْأَلْسِنَةُ. وَيُقَالُ لَسَنْتُهُ، إِذَا أَخَذْتَهُ بِلِسَانِكَ. قَالَ طَرَفَةُ:
وَإِذَا تَلْسُنُنِي أَلْسُنُهَا ... إِنَّنِي لَسْتُ بِمَوْهُونِ غُمُرْ
وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالرِّسَالَةِ عَنِ اللِّسَانِ فَيُؤَنَّثُ حِينَئِذٍ. قَالَ:

(5/246)


إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا ... مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ فِيهَا وَلَا سَخَرُ
وَاللَّسَنُ: جَوْدَةُ اللِّسَانِ وَالْفَصَاحَةِ. وَاللِّسْنُ: اللُّغَةُ، يُقَالُ. لِكُلِّ قَوْمٍ لِسْنٌ أَيْ لُغَةٌ. وَقَرَأَ نَاسٌ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسْنِ قَوْمِهِ. وَنَعْلٌ مُلَسَّنَةٌ: عَلَى صُورَةِ اللِّسَانِ. قَالَ كُثَيِّرٌ:
لَهُمْ أُزُرٌ حُمْرُ الْحَوَاشِي يَطَوْنَهَا ... بِأَقْدَامِهِمْ فِي الْحَضْرَمِيِّ الْمُلَسَّنِ
وَيَقُولُونَ: الْمَلْسُونُ: الْكَذَّابُ. وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنَ اللِّسَانِ، لِأَنَّهُ إِذَا عُرِفَ بِذَلِكَ لُسِنَ، أَيْ تَكَلَّمَتْ فِيهِ الْأَلْسِنَةُ، كَمَا قَالَ:
وَإِذَا تَلْسُنُنِي أَلْسُنُهَا.
وَ (التَّلْسِينُ) : أَنْ يُعِيرَ الرَّجُلُ [الرَّجُلَ] فَصِيلًا لِتَدِرَّ عَلَيْهِ نَاقَتُهُ، فَإِذَا دَرَّتْ نُحِّيَ الْفَصِيلُ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَاقَ اللَّبَنَ بِلِسَانِهِ. وَقَدَمٌ مُلَسَّنَةٌ، إِذَا كَانَتْ فِيهَا لَطَافَةٌ وَطُولٌ يَسِيرٌ.

(لَسَبَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِصَابَةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ بِحِدَّةٍ. يُقَالُ: لَسَبَتْهُ الْعَقْرَبُ. وَلَسِبْتُ الْعَسَلَ، إِذَا لَعِقْتَهُ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْحَرَكَاتِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَسَبَهَ أَسْوَاطًا: ضَرَبَهُ. وَيَقُولُونَ، وَهُوَ مِنْ

(5/247)


غَيْرِ هَذَا. إِنَّ اللَّسْبَ: الْجَمْعُ. وَيُقَالُ لَسِبَ بِالشَّيْءِ، إِذَا لَزِقَ، وَهُوَ مِنَ الْكَلِمَةِ الْأُولَى.

(لَسَدَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ. يَقُولُونَ: لَسَدَ الْعَسَلَ: لَعِقَهُ.

(لَسِقَ) اللَّامُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ لَيْسَ أَصْلًا، وَأَصْلُهُ الصَّادُ. يُقَالُ اللَّسَقُ: اللَّوَى. وَإِذَا الْتَزَقَتِ الرِّئَةُ بِالْجَنْبِ قِيلَ لَسِقَ لَسَقًا. وَالْأَصْلُ لَصِقَ.
قَالَ رُؤْبَةُ:
وَبَلَّ بَرْدُ الْمَاءِ أَعْضَادَ اللَّسَقْ.

[بَابُ اللَّامِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَصَغَ) اللَّامُ وَالصَّادُ وَالْغَيْنُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَصَغَ الْجِلْدُ: يَبِسَ عَلَى الْعَظْمِ عَجَفًا.

(لَصِفَ) اللَّامُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى يُبْسٍ وَبَرِيقٍ. يُقَالُ: لَصِفَ جِلْدُهُ لَصَفًا، إِذَا لَزِقَ وَيَبِسَ. وَلَصَفَ يَلْصُفُ، إِذَا بَرَقَ.

(5/248)


وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا اللَّصَفُ: شَيْءٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الْكَبَرِ، كَأَنَّهُ خِيَارٌ، وَلَصَافِ: جَبَلٌ.

(لَصَقَ) اللَّامُ وَالصَّادُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ. يُقَالُ لَصِقَ بِهِ يَلْصَقُ لُصُوقًا. وَالْمُلْصَقُ: الدَّعِيُّ. وَفُلَانٌ بِلِصْقِ الْحَائِطِ وَبِلِزْقِهِ. وَاللَّصَقُ فِي الْبَعِيرِ كَاللَّسَقِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ.

(لَصَبَ) اللَّامُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضِيقٍ وَتَضَايُقٍ. فَاللِّصْبُ: مَضِيقُ الْوَادِي. وَيُقَالُ لَصِبَ الْجِلْدُ بِاللَّحْمِ يَلْصَبُ، إِذَا لَزِقَ بِهِ. وَفُلَانٌ لَحِزٌ لَصِبٌ: لَا يَكَادُ يُعْطِي شَيْئًا. وَلَصِبَ الْخَاتَمُ فِي الْإِصْبَعِ: ضِدُّ قَلِقَ. وَيُقَالُ إِنَّ اللَّوَاصِبَ: الْآبَارُ الضَّيِّقَةُ الْبَعِيدَةُ الْقَعْرِ. قَالَ كُثَيِّرٌ:
لَوَاصِبُ قَدْ أَصْبَحَتْ وَانْطَوَتْ ... وَقَدْ طَوَّلَ الْحَيُّ عَنْهَا لَبَاثَا.

(لَصَتَ) اللَّامُ وَالصَّادُ وَالتَّاءُ. يَقُولُونَ: اللَّصْتُ: اللِّصُّ.

[بَابُ اللَّامِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَطَعَ) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْكِشَافِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، وَعَلَى كَشْفِهِ عَنْهُ. يُقَالُ: لَطَعَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِلِسَانِهِ يَلْطَعُهُ، إِذَا لَحِسَهُ.
وَاللَّطَعُ: بَيَاضٌ فِي بَاطِنِ الشَّفَةِ، وَذَلِكَ انْكِشَافُ اللَّمَى عَنْهَا. وَأَكْثَرُ مَا يَعْتَرِي

(5/249)


ذَلِكَ السُّودَانَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ:
عَجُوزٌ لَطْعَاءُ تَحَاتَّتْ أَسْنَانُهَا
. قَالَ: وَاللَّطْعَاءُ: الْقَلِيلَةُ لَحْمِ الْفَرْجِ.

(لَطَفَ) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِفْقٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِغَرٍ فِي الشَّيْءِ. فَاللُّطْفُ: الرِّفْقُ فِي الْعَمَلِ ; يُقَالُ: هُوَ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، أَيْ رَءُوفٌ رَفِيقٌ. وَمِنَ الْبَابِ الْإِلْطَافُ لِلْبَعِيرِ، إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِمَوْضِعِ الضِّرَابِ فَأُلْطِفَ لَهُ.

(لَطَمَ) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَاصَقَةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ، بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. مِنْ ذَلِكَ اللَّطْمُ: الضَّرْبُ عَلَى الْوَجْهِ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ. وَيُقَالُ لَطَمَهُ يَلْطِمُهُ. وَالْتَطَمَتِ الْأَمْوَاجُ، إِذَا ضَرَبَ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَاللَّطِيمُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي يَأْخُذُ الْبَيَاضُ خَدَّيْهِ، وَيُقَالُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ، كَأَنَّهُ لُطِمَ بِذَلِكَ الْبَيَاضِ لَطْمًا. وَاللَّطِيمُ: الْفَصِيلُ، إِذَا طَلَعَ سُهَيْلٌ أَخَذَهُ الرَّاعِي وَقَالَ: أَتَرَى سُهَيْلًا، وَاللَّهِ لَا تَذُوقُ عِنْدِي قَطْرَةً. ثُمَّ لَطَمَهُ وَنَحَّاهُ. وَيُقَالُ اللَّطِيمُ: التَّاسِعُ مِنْ سَوَابِقِ الْخَيْلِ، كَأَنَّهُ لُطِمَ عَنِ السَّبَقِ. وَالْمُلَطَّمُ: الرَّجُلُ اللَّئِيمُ، كَأَنَّهُ لُطِمَ حَتَّى صُرِفَ عَنِ الْمَكَارِمِ. وَالْمِلْطَمُ: أَدِيمٌ يُفْرَشُ تَحْتَ الْعَيْبَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهَا التُّرَابُ. قَالَ:
شِقُّ الْمُعَيَّثِ فِي أَدِيمِ الْمِلْطَمِ
فَأَمَّا اللَّطِيمَةُ، فَيُقَالُ: السُّوقُ. قَالُوا: وَهِيَ كُلُّ سُوقٍ لَا تَكُونُ لِمِيرَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: اللَّطِيمَةُ لِلْعِطْرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اشْتِقَاقُهَا مِنَ اللَّطْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا الطِّيبُ الَّذِي يُسَمَّى الْغَالِيَةَ. قَالَ: وَهِيَ تُلْطَمُ، لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عِنْدَ الْخَلْطِ.

(5/250)


(لَطَا) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْمِلْطَاةُ، فِي الشِّجَاجِ، وَهِيَ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَلَغَتِ الْقِشْرَةَ الرَّقِيقَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَخْبَرَنِي الْوَاقِدِيُّ أَنَّ السِّمْحَاقَ عِنْدَهُمُ الْمِلْطَاءُ. قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: يُقَالُ هِيَ الْمِلْطَاةُ بِالْهَاءِ. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى هَذَا فَهِيَ فِي التَّقْدِيرِ مَقْصُورَةٌ. وَقَالَ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ " «إِنَّ الْمِلْطَاةَ بِدَمِهَا» ": مَعْنَاهُ حِينَ يُشَجُّ صَاحِبُهَا يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ يُقْضَى فِيهَا بِالْقِصَاصِ أَوِ الْأَرْشِ، لَا يُنْظَرُ إِلَى مَا يَحْدُثُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُهُمْ، وَلَيْسَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَاللَّطَاةُ: دَائِرَةٌ تَكُونُ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ.
وَإِذَا هُمِزَ قِيلَ لَطِئْتُ أَلْطَأُ.

(لَطَحَ) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. اللَّطْحُ: الضَّرْبُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ".

(لَطَخَ) اللَّامُ وَالطَّاءُ وَالْخَاءُ أُصَيْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى عَرِّ شَيْءٍ بِشَيْءٍ.

(5/251)


مِنْهُ يُقَالُ: لَطَخْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ. وَسَكْرَانُ مُلْطَخٌّ، أَيْ مُخْتَلِطٌ. وَفِي السَّمَاءِ لَطْخٌ مِنَ السَّحَابِ، أَيْ قَلِيلٌ. وَلُطِخَ فُلَانٌ بِشَيْءٍ: عِيبَ بِهِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَهُوَ مَلْطُوخٌ بِالشَّرِّ وَمَلْطُوخُ الْعِرْضِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَعِقَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَسْبِ شَيْءٍ بِإِصْبَعٍ أَوْ غَيْرِهَا. يُقَالُ: لَعِقْتُ الشَّيْءَ أَلْعَقُهُ. وَلَعَقَةُ الدَّمِ: قَوْمٌ تَحَالَفُوا عَلَى حَرْبٍ ثُمَّ نَحَرُوا جَزُورًا فَلَعِقُوا دَمَهَا. وَاللَّعُوقُ: اسْمُ مَا يُلْعَقُ. وَاللُّعْقَةُ: مَا تَأْخُذُهُ الْمِلْعَقَةُ. وَاللَّعْقَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَاللَّعْوَقَةُ: سُرْعَةُ الْإِنْسَانِ فِيمَا أَخَذَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ فِي خِفَّةٍ وَنَزَقٍ. وَرَجُلٌ لَعْوَقٌ: خَفِيفٌ، كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِلَعْقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي سُرْعَتِهَا وَخِفَّتِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ مَا بِالْأَرْضِ لَعْقَةٌ مِنْ رَبِيعٍ، لَيْسَ إِلَّا [فِي] الرُّطْبِ يَلْعَقُهَا الْمَالُ. قَالَ وَيُقَالُ: لَعِقَ فُلَانٌ إِصْبَعَهُ، إِذَا مَاتَ، وَاللَّعُوقُ: أَقَلُّ الزَّادِ. يُقَالُ: مَا مَعَنَا إِلَّا لَعُوقٌ. وَالْمِلْعَقَةُ: مَا يُلْعَقُ بِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَاللُّعَاقُ: مَا بَقِيَ فِي فِيهِ، بَقِيَّةً مِمَّا ابْتَلَعَ.

(لَعَنَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْعَادٍ وَإِطْرَادٍ. وَلَعَنَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ: أَبْعَدَهُ عَنِ الْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ. وَيُقَالُ لِلذِّئْبِ لَعِينٌ، وَالرَّجُلُ الطَّرِيدُ

(5/252)


لَعِينٌ. وَرَجُلٌ لُعْنَةٌ بِالسُّكُونِ: يَلْعَنُهُ النَّاسُ، [وَلُعَنَةٌ] : كَثِيرُ اللَّعْنِ. وَاللِّعَانُ: الْمُلَاعَنَةُ. وَقَالَ فِي الطَّرِيدِ:
ذَعَرْتُ بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ ... مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ.

(لَعَوَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَاتٌ غَيْرُ رَاجِعَةٍ إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ كُتِبَتِ الْكَلْبَةُ اللَّعْوَةُ: الْحَرِيصَةُ. وَالرَّجُلُ اللَّعْوُ: السَّيِّئُ الْخُلُقِ. وَاللُّعْوَةُ: السَّوَادُ حَوْلَ حَلَمَةِ الثَّدْيِ. وَيَقُولُونَ: تَلَعَّى الْعَسَلُ: تَعَقَّدَ. وَيَقُولُونَ لِلْعَاثِرِ: لَعَا لَكَ، دُعَاءٌ أَنْ يَنْتَعِشَ. قَالَ:
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةُ إِذَا عَثَرَتْ ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا
وَيُقَالُ: مَا بِهَا لَاعِي قَرْوٍ، أَيْ مَنْ يَلْحَسُ عُسًّا.

(لَعِبَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالْبَاءُ كَلِمَتَانِ مِنْهُمَا يَتَفَرَّعُ كَلِمَاتٌ. إِحْدَاهُمَا اللَّعِبُ مَعْرُوفٌ. وَالتِّلْعَابَةُ: الْكَثِيرُ اللَّعِبِ. وَالْمَلْعَبُ: مَكَانُ اللَّعِبِ. وَاللِّعْبَةُ: اللَّوْنُ مِنَ اللَّعِبِ. وَاللَّعْبَةُ: الْمَرَّةُ مِنْهَا، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لِمَنِ اللُّعْبَةُ. وَمُلَاعِبُ ظِلِّهِ: طَائِرٌ.

(5/253)


وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى اللُّعَابُ: مَا يَسِيلُ مِنْ فَمِ الصَّبِيِّ. وَلَعَبَ الْغُلَامُ يَلْعَبُ: سَالَ لُعَابُهُ. وَلُعَابُ النَّحْلِ: الْعَسَلُ. وَلُعَابُ الشَّمْسِ: السَّرَابُ، وَقِيلَ، هُوَ الَّذِي كَأَنَّهُ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَصْلَ الْبَابِ هُوَ الذَّهَابُ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ.

(لَعَجَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، هُوَ حَرَارَةٌ فِي الْقَلْبِ. [وَ] مِنْهُ اللَّعْجُ: حَرَارَةُ الْحُبِّ فِي الْفُؤَادِ. وَلَعَجَ يَلْعَجُ. قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: لَعَجَ الضَّرْبُ الْجِلْدَ: أَحْرَقَهُ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
إِذَا تَجَرَّدَ نَوْحٌ قَامَتَا مَعَهُ ... ضَرْبًا أَلِيمًا بِسِبْتٍ يَلْعَجُ الْجِلْدَا
وَلَعَجَهُ الْأَمْرُ: اشْتَدَّ عَلَيْهِ.

(لَعَسَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ: الْأُولَى اللَّعَسُ، سَوَادٌ فِي بَاطِنِ الشَّفَةِ. امْرَأَةٌ لَعْسَاءُ. وَنَبَاتٌ أَلْعَسُ: كَثِيرٌ، لِأَنَّهُ مِنْ رِيِّهِ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ.
وَالْأُخْرَى اللَّعْوَسُ: الْأَكُولُ الْحَرِيصُ، وَالذِّئْبُ لَعْوَسٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ مُتَلَعِّسٌ: شَدِيدُ الْأَكْلِ.

(لَعَصَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: اللَّعَصُ: الْعُسْرُ. وَفُلَانٌ تَلَعَّصَ عَلَيْنَا: تَعَسَّرَ. وَاللَّعَصُ. النَّهَمُ فِي الْأَكْلِ.

(لَعَطَ) اللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ. الصَّحِيحُ مِنْهُ لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " اللُّعْطَةُ: خَطٌّ بِسَوَادٍ. وَلَعْطَةُ الصَّقْرِ: السُّفْعَةُ فِي وَجْهِهِ ".

(5/254)


وَيُقَالُ اللُّعْطَةُ: سَوَادٌ فِي عُنُقِ الشَّاةِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: لَعَطَهُ بِحَقِّهِ: اتَّقَاهُ بِهِ، وَمَرَّ فُلَانٌ لَاعِطًا، أَيْ مَرَّ مُعَارِضًا إِلَى جَنْبِ حَائِطٍ.

[بَابُ اللَّامِ وَالْغَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَغَمَ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ الْمَلَاغِمُ: مَا حَوْلَ الْفَمِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَلَغَّمْتُ بِالطِّيبِ: جَعَلْتُهُ هُنَاكَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: تَلَغَّمَ بِالطِّيبِ: تَلَطَّخَ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَغَمْتُ أَلْغَمُ لَغْمًا، إِذَا أَخْبَرْتَ صَاحِبَكَ بِشَيْءٍ لَا يَسْتَيْقِنُهُ، فَهُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، إِنَّمَا هُوَ نَغَمْتُ بِالنُّونِ. قَالَ الْخَلِيلُ: لَغَمَ الْبَعِيرُ لُغَامَهُ: رَمَى بِهِ.

(لَغَوَ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الشَّيْءِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى اللَّهَجِ بِالشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ اللَّغْوُ: مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ. قَالَ الْعَبْدِيُّ:
أَوْ مِائَةٍ تُجْعَلُ أَوْلَادُهَا لَغْوًا ... وَعُرْضَ الْمِائَةِ الْجَلْمَدِ
يُقَالُ مِنْهُ لَغَا يَلْغُو لَغْوًا. وَذَلِكَ فِي لَغْوِ الْأَيْمَانِ. وَاللَّغَا هُوَ اللَّغْوُ بِعَيْنِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] ، أَيْ مَا لَمْ تَعْقِدُوهُ بِقُلُوبِكُمْ. وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: هُوَ قَوْلُ

(5/255)


الرَّجُلِ لِسَوَادٍ مُقْبِلًا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا فُلَانٌ، يَظُنُّهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ لَا يَكُونُ كَمَا ظَنَّ. قَالُوا: فَيَمِينُهُ لَغْوٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ.
وَالثَّانِي قَوْلُهُمْ: لَغِيَ بِالْأَمْرِ، إِذَا لَهِجَ بِهِ. وَيُقَالُ إِنَّ اشْتِقَاقَ اللُّغَةِ مِنْهُ، أَيْ يَلْهَجُ صَاحِبُهَا بِهَا.

(لَغَبَ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَتَعَبٍ. تَقُولُ: رَجُلٌ لَغْبٌ بَيِّنُ اللَّغَابَةِ وَاللُّغُوبَةِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: سَمِعْتُ أَعْرَابِيَّا يَقُولُ: " فُلَانٌ لَغُوبٌ جَاءَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا "، فَقُلْتُ: أَتَقُولُ جَاءَتْهُ كِتَابِي؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ صَحِيفَةً. قُلْتُ: مَا اللَّغُوبُ؟ قَالَ: الْأَحْمَقُ. وَقَالَ: تَأَبَّطَ شَرًّا فِي اللَّغْبِ:
مَا وَلَدَتْ أُمِّي مِنَ الْقَوْمِ عَاجِزًا ... وَلَا كَانَ رِيشِي مِنْ ذُنَابَى وَلَا لَغْبِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَسَهْمٌ لَغْبٌ، إِذَا كَانَ قُذَذُهُ بُطْنَانًا، وَهُوَ رَدِيٌّ. قَالَ شَاعِرٌ يَصِفُ رَجُلًا طَلَبَ أَمْرًا فَلَمْ يَنَلْهُ:
فَنَجَا وَرَاشُوهُ بِذِي لَغْبِ

(5/256)


وَاللُّغُوبُ: التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ وَالْمَشَقَّةُ. وَأَتَى سَاغِبًا لَاغِبًا، أَيْ جَائِعًا تَعِبًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] .

(لَغَدَ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. اللَّغَادِيدُ: لَحَمَاتٌ تَكُونُ فِي اللَّهَوَاتِ، وَاحِدُهَا لُغْدُودٌ ; وَيُقَالُ لُغْدٌ وَأَلْغَادٌ. وَجَاءَ فُلَانٌ مُتَلَغِّدًا، أَيْ مُتَغَيِّظًا ; وَهَذَا كَأَنَّهُ بَلَغَ الْغَيْظُ أَلْغَادَهُ.

(لَغَزَ) اللَّامُ وَالْغَيْنُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْتِوَاءٍ فِي شَيْءٍ وَمَيْلٍ. يَقُولُونَ: اللُّغْزُ: مَيْلُكَ بِالشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ. وَيَقُولُونَ اللُّغَيْزَاءُ، مَمْدُودٌ: أَنْ يَحْفِرَ الْيَرْبُوعُ ثُمَّ يُمِيلَ فِي حَفْرِهِ لِيُعَمِّيَ عَلَى طَالِبِهِ. وَالْأَلْغَازُ: طُرُقٌ تَلْتَوِي وَتُشْكِلُ عَلَى سَالِكِهَا، الْوَاحِدُ لَغَزٌ وَلُغْزٌ. وَأَلْغَزَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: " «نَهَى عَنِ اللُّغَيْزَى فِي الْيَمِينِ» ".

[بَابُ اللَّامِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَفَقَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَاءَمَةِ الْأَمْرِ. يُقَالُ: لَفَقْتُ الثَّوْبَ بِالثَّوْبِ لَفْقًا. وَهَذَا لِفْقُ هَذَا، أَيْ يُوَائِمُهُ. وَتَلَافَقَ أَمْرُهُمْ: تَلَاءَمَ.

(لَفَكَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْكَافُ. يَقُولُونَ: الْأَلْفَكُ: الْأَحْمَقُ.

(5/257)


(لَفَمَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: اللِّفَامُ: مَا بَلَغَ طَرَفَ الْأَنْفِ مِنَ اللِّثَامِ. وَتَلَفَّمَتِ الْمَرْأَةُ: رَدَّتَ قِنَاعَهَا عَلَى فَمِهَا.

(لَفَا) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى انْكِشَافِ شَيْءٍ وَكَشْفِهِ، وَيَكُونُ مَهْمُوزًا وَغَيْرَ مَهْمُوزٍ. يُقَالُ: لَفَأَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ عَنْ وَجْهِ السَّمَاءِ. وَلَفَأْتُ اللَّحْمَ عَنِ الْعَظْمِ: كَشَطْتُهُ، وَلَفَوْتُهُ، حَكَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ. وَاللَّفَّاءُ: التُّرَابُ وَالْقُمَاشُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. يُقَالُ مَثَلًا: " رَضِيَ مِنَ الْوَفَاءِ بِاللَّفَّاءِ "، أَيْ مِنْ وَافِرِ حَقِّهِ بِالْقَلِيلِ. وَأَلْفَيْتُهُ: لَقِيتُهُ وَوَجَدْتُهُ، إِلْفَاءً. وَتَلَافَيْتُهُ: تَدَارَكْتُهُ.

(لَفَتَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى اللَّيِّ وَصَرْفِ الشَّيْءِ عَنْ جِهَتِهِ الْمُسْتَقِيمَةِ. مِنْهُ لَفَتُّ الشَّيْءَ: لَوَيْتُهُ. وَلَفَتُّ فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ: صَرَفْتُهُ. وَالْأَلْفَتُ: الرَّجُلُ الْأَعْسَرُ. وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ: وَاللَّفِيتَةُ: الْغَلِيظَةُ مِنَ الْعَصَائِدِ، لِأَنَّهَا تُلْفَتُ، أَيْ تُلْوَى. وَامْرَأَةٌ لَفُوتٌ: لَهَا زَوْجٌ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ فَهِيَ تَلْفِتُ إِلَى وَلَدِهَا. وَمِنْهُ الِالْتِفَاتُ، وَهُوَ أَنْ تَعْدِلَ بِوَجْهِكَ، وَكَذَا التَّلَفُّتُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَفَتُّ اللِّحَاءَ مِنَ الشَّجَرَةِ: قَشَرْتُهُ.

(لَفَجَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْمُلْفَجُ بِفَتْحِ الْفَاءِ: الْفَقِيرُ، وَمَاضِي فِعْلِهِ أَلْفَجَ. وَهُوَ مِنْ نَادِرِ الْكَلَامِ. وَأَنْشَدَ:

(5/258)


جَارِيَةٌ شَبَّتْ شَبَابًا عُسْلُجَا ... فِي حَِجْرِ مَنْ لَمْ يَكُ عَنْهَا مُلْفَجَا
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا: «أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ مُلْفَجًا» ". وَالصَّحِيحُ عَنِ الْحَسَنِ.

(لَفَحَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: لَفَحَتْهُ النَّارُ بِحَرِّهَا، وَالسَّمُومُ إِذَا أَصَابَهُ حَرُّهَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ. [وَأَمَّا] قَوْلُهُمْ: لَفَحَهُ بِالسَّيْفِ لَفْحَةً: ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النُّونُ، هُوَ نَفَحَهُ.

(لَفَظَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى طَرْحِ الشَّيْءِ ; وَغَالِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْفَمِ. تَقُولُ: لَفَظَ بِالْكَلَامِ يَلْفِظُ لَفْظًا. وَلَفَظْتُ الشَّيْءَ مِنْ فَمِي. وَاللَّافِظَةُ: الدِّيكُ، وَيُقَالُ الرَّحَى، وَالْبَحْرُ. وَعَلَى ذَلِكَ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ:
فَأَمَّا الَّتِي سَيْبُهَا يُرْتَجَى ... فَأَجْوَدُ جُودًا مِنَ اللَّافِظَهْ
وَهُوَ شَيْءٌ مَلْفُوظٌ وَلَفِيظٌ.

(لَفَعَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالْعَيْنُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اشْتِمَالِ شَيْءٍ. وَتَلَفَّعَتِ الْمَرْأَةُ بِمِرْطِهَا: اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ. وَلَفَّعَ الشَّيْبُ رَأْسَهُ: شَمِلَهُ. وَتَلَفَّعَ الشَّجَرُ: تَجَلَّلَ بِالْخُضْرَةِ. وَالْتَفَعَتِ الْأَرْضُ بِالنَّبَاتِ: اخْضَارَّتْ، وَلَفَعْتُ الْمَزَادَةَ: قَلَبْتُهَا فَجَعَلْتُ أَطِبَّتَهَا فِي وَسَطِهَا.

(5/259)


[بَابُ اللَّامِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَقَمَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى تَنَاوُلِ طَعَامٍ بِالْيَدِ لِلْفَمِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَلَقِمْتُ الطَّعَامَ أَلْقَمُهُ، وَتَلَقَّمْتُهُ وَالْتَقَمْتُهُ. وَرَجُلٌ تِلْقَامَةٌ: كَثِيرُ اللَّقْمِ. وَمِنَ الْبَابِ اللَّقَمُ: مَنْهَجُ الطَّرِيقِ، عَلَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ لَقِمَ مَنْ مَرَّ فِيهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي السِّرَاطِ، وَقَدْ مَضَى.

(لَقِنَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَخْذِ عِلْمٍ وَفَهْمِهِ. وَلَقِنَ الشَّيْءَ لَقْنًا: أَخَذَهُ وَفَهِمَهُ. وَلَقَّنْتُهُ تَلْقِينًا: فَهَّمْتُهُ. وَغُلَامٌ لَقِنٌ: سَرِيعُ الْفَهْمِ وَاللَّقَانَةِ.

(لَقِيَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا يَدُلُّ عَلَى عِوَجٍ، وَالْآخَرُ عَلَى تَوَافِي شَيْئَيْنِ، وَالْآخَرُ عَلَى طَرْحِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ اللَّقْوَةُ: دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الْوَجْهِ يَعْوَجُّ مِنْهُ. وَرَجُلٌ مَلْقُوٌّ، وَلُقِيَ الْإِنْسَانُ. وَاللَّقْوَةُ: الدَّلْوُ الَّتِي إِذَا أَرْسَلْتَهَا فِي الْبِئْرِ وَارْتَفَعَتْ أُخْرَى شَالَتْ مَعَهَا. قَالَ:
شَرُّ الدِّلَاءِ اللَّقْوَةُ الْمُلَازِمَهْ

(5/260)


وَالِلَّقْوَةُ: الْعُقَابُ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاعْوِجَاجِهَا فِي مِنْقَارِهَا. وَاللَِّقْوَةُ: النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ اللِّقَاحِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ اللِّقَاءُ: الْمُلَاقَاةُ وَتَوَافِي الِاثْنَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ، وَلَقِيتُهُ لَقْوَةً، أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلِقَاءَةً. وَلَقِيتُهُ لُِقْيًا وَلُقْيَانًا. وَاللُّقْيَةُ فُعْلَةٌ مِنَ اللِّقَاءِ، وَالْجَمْعُ لُقًى قَالَ:
وَإِنِّي لِأَهْوَى النَّوْمَ مِنْ غَيْرِ نَعْسَةٍ ... لَعَلَّ لُقَاكُمْ فِي الْمَنَامِ تَكُونُ
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: أَلْقَيْتُهُ: نَبَذْتُهُ إِلْقَاءً. وَالشَّيْءُ الطَّرِيحُ لَقًى. وَالْأَصْلُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا أَتَوُا الْبَيْتَ لِلطَّوَافِ قَالُوا: لَا نَطُوفُ فِي ثِيَابٍ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيهَا، فَيُلْقُونَهَا، فَيُسَمَّى ذَلِكَ الْمُلْقَى لَقًى. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ يَصِفُ فَرْخَ الْقَطَاةِ:
تُؤْوِي لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ ... تَصْهَرُهُ الشَّمْسُ فَلَا يَنْصَهِرْ.

(لَقَبَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. اللَّقَبُ: النَّبَزُ، وَاحِدٌ. وَلَقَّبْتُهُ تَلْقِيبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] .

(لَقَحَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِحْبَالِ ذَكَرٍ لِأُنْثَى، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُشَبَّهُ. مِنْهُ لِقَاحُ النَّعَمِ وَالشَّجَرِ. أَمَّا النَّعَمُ فَتُلْقِحُهَا ذُكْرَانُهَا، وَأَمَّا الشَّجَرُ فَتُلْقِحُهُ الرِّيَاحُ. وَرِيَاحٌ لَوَاقِحُ: تُلْقِحُ السَّحَابَ بِالْمَاءِ، وَتُلْقِحُ الشَّجَرَ. وَالْأَصْلُ فِي لَوَاقِحَ مُلْقِحَةٌ لَكِنَّهَا لَا تُلْقِحُ إِلَّا وَهِيَ فِي نَفْسِهَا لَوَاقِحُ ; الْوَاحِدَةُ لَاقِحَةٌ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْمُفَسِّرُونَ. يُقَالُ: لَقِحَتِ النَّاقَةُ تَلْقَحُ لَقْحًا وَلِقَاحًا، وَالنَّاقَةُ

(5/261)


لَاقِحٌ وَلَقُوحٌ. وَاللَّقْحَةُ: النَّاقَةُ تُحْلَبُ، وَالْجَمْعُ لِقَاحٌ وَلُقُحٌ. وَالْمَلَاقِحُ: الْإِنَاثُ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْمَلَاقِيحُ أَيْضًا وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهَا بِوَاحِدٍ، وَالْمَلَاقِحُ الَّتِي هِيَ فِي الْبُطُونِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: قَوْمٌ لَقَاحٌ، بِفَتْحِ اللَّامِ، إِذَا لَمْ يَدِينُوا لِمَلِكٍ، وَلَمْ يَمْلِكْهُمْ سُلْطَانٌ.

(لَقَسَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَعْتٍ غَيْرِ مَرْضِيٍّ. وَلَقِسَتْ نَفْسُهُ مِنَ الشَّيْءِ: غَثَتْ. وَاللَّقِسُ: الرَّجُلُ السَّيِّئُ الْخُلُقِ، الشَّرِهُ الْحَرِيصُ. وَاللَّقَسُ الْمَصْدَرُ. وَاللَّاقِسُ: الْعَيَّابُ. وَلَقَسْتُ الرَّجُلَ أَلْقُسُهُ: عِبْتُهُ.

(لَقَصَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالصَّادُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى [مِنَ] الَّذِي قَبْلَهُ. وَلَقِصَ لَقَصًا، وَهُوَ لَقِصٌ، أَيْ ضَيِّقُ الْخُلُقِ. وَالْتَقَصَ الشَّيْءَ: أَخَذَهُ بِحِرْصٍ عَلَيْهِ. قَالَ:
وَمُلْتَقِصٍ مَا ضَاعَ مِنْ أَهَرَاتِنَا ... لَعَلَّ الَّذِي أَمْلَى لَهُ سَيُعَاقِبُهْ
وَرُبَّمَا قَالُوا: أَلْقَصَهُ الْحَرُّ: أَحْرَقَهُ.

(لَقَطَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ قَدْ رَأَيْتَهُ بَغْتَةً وَلَمْ تُرِدْهُ، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ إِرَادَةٍ وَقَصْدٍ أَيْضًا. مِنْهُ لَقْطُ الْحَصَى وَمَا أَشْبَهَهُ وَاللُّقْطَةُ: مَا الْتَقَطَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالٍ ضَائِعٍ. وَاللَّقِيطُ: الْمَنْبُوذُ يُلْقَطُ.

(5/262)


وَبَنُو اللَّقِيطَةِ: قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُمْ كَانَ الْتَقَطَهَا حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرٍ فِي جَوَارٍ قَدْ أَضَرَّتْ بِهِنَّ السَّنَةُ، فَضَمَّهَا، ثُمَّ أَعْجَبَتْهُ فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا وَتَزَوَّجَهَا. وَاللَّقَطُ، بِفَتْحِ الْقَافِ: مَا الْتَقَطْتَ مِنْ شَيْءٍ. وَالِالْتِقَاطُ: أَنْ تُوَافِقَ شَيْئًا بَغْتَةً مِنْ كَلَأٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ:
وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطًا
وَمِمَّا يُشَبَّهُ بِهَذَا اللَّقِيطَةِ: الرَّجُلُ الْمَهِينُ. وَيَقُولُونَ: " لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ "، أَيْ لِكُلِ نَادِرَةٍ مِنَ الْكَلَامِ مَنْ يَسْمَعُهَا وَيُذِيعُهَا. وَالْأَلْقَاطُ مِنَ النَّاسِ: الْقَلِيلُ الْمُتَفَرِّقُونَ. وَبِئْرٌ لَقِيطٌ: الْتُقِطَتِ الْتِقَاطًا، أَيْ وُقِعَ عَلَيْهَا بَغْتَةً. وَاللَّقَطُ: قِطَعٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تُوجَدُ فِي الْمَعْدِنِ.
وَتُسَمَّى الْقَطِنَةُ لَاقِطَةُ الْحَصَى. وَلُقَاطَةُ الزَّرْعِ: مَا لُقِطَ مِنْ حَبٍّ بَعْدَ حَصَادِهِ.

(لَقَعَ) اللَّامُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَمْيِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَإِصَابَتِهِ بِهِ. يُقَالُ: لَقَعْتُ الرَّجُلَ [بِالْحَصَاةِ، إِذَا رَمَيْتَهُ بِهَا، وَلَقَعَهُ بِبَعْرَةٍ رَمَاهُ بِهَا. وَلَقَعَهُ بِعَيْنِهِ، إِذَا عَانَهُ. وَاللُّقَّاعَةُ] : الدَّاهِيَةُ الَّتِي يَتَلَقَّعُ بِالْكَلَامِ، يَرْمِي بِهِ مِنْ أَقْصَى حَلْقِهِ، وَكَذَا التِّلِقَّاعَةُ. وَفِي كَلَامِهِ لُقَّاعَاتٌ، إِذَا تَكَلَّمَ بِأَقْصَى حَلْقِهِ.

(5/263)


[بَابُ اللَّامِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(لَكَمَ) اللَّامُ وَالْكَافُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ اللَّكْمُ: الضَّرْبُ بِالْيَدِ مَجْمُوعَةً. قَالُوا: وَقِيَاسُهُ مِنَ الْخُفِّ الْمُلَكَّمِ، وَهُوَ الصُّلْبُ الشَّدِيدُ.

(لَكَنَ) اللَّامُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ اللُّكْنَةُ، وَهِيَ الْعِيُّ فِي اللِّسَانِ. وَرَجُلٌ أَلْكَنُ وَامْرَأَةٌ لَكْنَاءُ، وَهُوَ اللَّكَنُ أَيْضًا.

(لَكِيَ) اللَّامُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْمَهْمُوزُ، يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ مَكَانٍ وَتَبَاطُؤٍ. وَلَكِيتُ بِفُلَانٍ لَكًى مَقْصُورٌ، إِذَا لَزِمْتَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَكِيَ بِالْمَكَانِ، إِذَا أَقَامَ بِهِ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. وَتَلَكَّأَ الرَّجُلُ تَلَكُّؤًا: تَبَاطَأَ عَنِ الشَّيْءِ وَيُقَالُ: لَكَأْتُ الرَّجُلَ لَكْأً: جَلَدْتُهُ بِالسَّوْطِ.

(لَكِدَ) اللَّامُ وَالْكَافُ وَالدَّالُ. يَقُولُونَ: لَكِدَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ: لَازَمَهُ وَلَزِقَ بِهِ. وَيَقُولُونَ: الْمِلْكَدُ: شَيْءٌ يُدَقُّ فِيهِ الْأَشْيَاءُ. وَاللَّكَدُ: الْتِزَاقُ الدَّمِ وَجُمُودُهُ وَأَكَلْتُ الصَّمْغَ فَلَكِدَ بِفَمِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: اللَّكَدُ: الضَّرْبُ بِالْيَدِ. وَمَشَى وَهُوَ يُلَاكِدُ قَيْدَهُ، إِذَا مَشَى فَنَازَعَهُ الْقَيْدُ خُطَاهُ.
(لَكُعَ) اللَّامُ وَالْكَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى لُؤْمٍ وَدَنَاءَةٍ. مِنْهُ

{مجلد 4.}}معجم مقاييس اللغة
المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ)

 لَكُعَ الرَّجُلُ، إِذَا لَؤُمَ، لَكَاعَةً، وَهُوَ أَلْكَعُ. يُقَالُ لَهُ: يَا لُكَعُ، وَلِلِاثْنَيْنِ يَا ذَوَيْ لُكَعٍ. وَيَقُولُونَ: بَنُو اللَّكِيعَةِ، قَالُوا: وَقِيَاسُ ذَلِكَ اللَّكَعُ، وَهُوَ الْوَسَخُ. وَاللُّكَعُ أَيْضًا: الْجَحْشُ الرَّاضِعُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ اللَّكْعُ، وَهُوَ اللَّسْعُ. قَالَ:
إِذَا مُسَّ دَبْرُهُ لَكَعَا.

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ لَامٌ]
وَهُوَ قَلِيلٌ. مِنْ ذَلِكَ (اللَّهْجَمُ) : الطَّرِيقُ الْمُدَيَّثُ، وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ لَهِجَ وَهَجَمَ، كَأَنَّهُ يُلْهَجُ بِهِ حَتَّى يَهْجُمَ سَالِكُهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ. وَلَعَلَّ الْمِيمَ فِيهِ زَائِدَةٌ. وَقَدْ يُلْهَجُ بِسُلُوكٍ مِثْلِهِ.

وَمِنْهُ (اللَّهْذَمُ) : الْحَادُّ، وَهُوَ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ مِنَ الْهَذْمِ. وَالْهُذَامُ: السَّيْفُ الْقَاطِعُ الْحَادُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِهَا.

(تَمَّ كِتَابُ اللَّامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) .

(5/265)


[كِتَابُ الْمِيمِ] [بَابُ الْمِيمِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابُ الْمِيمِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
(مَنَّ) الْمِيمُ وَالنُّونُ أَصْلَانِ. أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ وَانْقِطَاعٍ، وَالْآخَرُ عَلَى اصْطِنَاعِ خَيْرٍ.
الْأَوَّلُ [الْمَنُّ] : الْقَطْعُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: مَنَنْتُ الْحَبْلَ: قَطَعْتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6] . وَالْمَنُونُ: الْمَنِيَّةُ، لِأَنَّهَا تَنْقُصُ الْعَدَدَ وَتَقْطَعُ الْمَدَدَ. وَالْمَنُّ: الْإِعْيَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْيِيَ يَنْقَطِعُ عَنِ السَّيْرِ. قَالَ:
قَلَائِصًا لَا يَشْتَكِينَ الْمَنَّا
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمَنُّ، تَقُولُ: مَنَّ يَمُنُّ مَنًّا، إِذَا صَنَعَ صُنْعًا جَمِيلًا. وَمِنَ الْبَابِ الْمُنَّةُ، وَهِيَ الْقُوَّةُ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الْإِنْسَانِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: مَنَّ بِيَدٍ أَسْدَاهَا، إِذَا قَرَّعَ بِهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْإِحْسَانَ، فَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ.

(مَهْ) الْمِيمُ وَالْهَاءِ كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى زَجْرٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى مَنْظَرٍ وَلَذَّةٍ. فَالْأُولَى قَوْلُهُمْ: مَهْ. وَمَهْمَهَ بِهِ: زَجَرَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ ذَلِكَ. وَالْمَهْمَهُ: الْخَرْقُ الْأَمْلَسُ الْوَاسِعُ.

(5/267)


وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: لَيْسَ لَهُ مَهَهٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ جَمِيلًا. وَيَقُولُونَ: " كُلُّ شَيْءٍ مَهَهٌ وَمَهَاهٌ إِلَّا النِّسَاءَ وَذِكْرَهُنَّ ". وَالْمَهَاهُ: اللَّذَّةُ. أَنْشَدَنَا الْقَطَّانُ عَنْ ثَعْلَبٍ:
وَلَيْسَ لِعَيْشِنَا هَذَا مَهَاهٌ ... وَلَيْسَتْ دَارُنَا الدُّنْيَا بِدَارِ.

(مَتَّ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَدٍّ وَنَزْعٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ مَتَتُّ وَمَدَدْتُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يَمُتُّ بِكَذَا، إِذَا تَوَصَّلَ بِقَرَابَةٍ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَمِنْهُ الْمَتُّ: النَّزْعُ مِنَ الْبِئْرِ عَلَى غَيْرِ بَكَرَةٍ.

(مَثَّ) الْمِيمُ وَالثَّاءُ كَلِمَتَانِ. يَقُولُونَ: مَثَّ يَدَهُ: مَسَحَهَا وَمَثَّ الشَّيْءُ، إِذَا كَانَ يَرْشَحُ دَسَمًا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَثَّ شَارِبُهُ، إِذَا أَكَلَ دَسَمَاً فَبَقِيَ عَلَيْهِ.

(مَجَّ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ كَلِمَتَانِ إِحْدَاهُمَا تَخْلِيطٌ فِي شَيْءٍ، وَالثَّانِيَةُ رَمْيٌ لِلشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ.
فَالْأُولَى الْمَجْمَجَةُ: تَخْلِيطٌ فِيمَا يُكْتَبُ. وَمَجْمَجَ فِي أَخْبَارِهِ: لَمْ يَشْفِ وَلَمْ يُفْصِحْ.
وَالْأُخْرَى مَجَّ الشَّرَابَ مِنْ فِيهِ: رَمَى بِهِ. وَالشَّرَابُ مُجَاجُ الْعِنَبِ. وَالْمَطَرُ مُجَاجُ الْمُزْنِ. وَالْعَسَلُ مُجَاجُ النَّحْلِ. وَهُوَ هَرِمٌ مَاجٌّ: يَمُجُّ رِيقَهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ كِبَرِهِ. وَمِنْ بَابِ السُّرْعَةِ أَمَجَّ فِي الْبِلَادِ إِمِّجَاجًا: ذَهَبَ. وَأَمَجَّ الرَّجُلُ: أَسْرَعَ فِي عَدْوِهِ.

(5/268)


(مَحَّ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَا تَنْقَاسُ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ: الْأُولَى مَحَّ الشَّيْءُ وَأَمَحَّ، إِذَا دَرَسَ وَبَلِيَ. وَالْمَحُّ: الثَّوْبُ الْبَالِي.
وَالثَّانِيَةُ: الرَّجُلُ الْمَحَّاحُ: الْكَذَّابُ الَّذِي يُرِي بِكَلَامِهِ مَا لَا يَفْعَلُهُ. وَالثَّالِثَةُ الْمُحُّ: صُفْرَةُ الْبَيْضِ. وَيُقَالُ: الْمَاحُ بَيَاضُهَا.

(مَخَّ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَالِصِ كُلِّ شَيْءٍ. مِنْهُ مُخُّ الْعَظْمِ، مَعْرُوفٌ. وَأَمَخَّتِ الشَّاةُ: كَثُرَ مُخُّهَا. وَرُبَّمَا سَمَّوُا الدِّمَاغَ مُخَّا. قَالَ:
وَلَا يَأْكُلُ الْكَلْبُ السَّرُوقُ نِعَالَنَا ... وَلَا يُنْتَقَى الْمُخُّ الَّذِي فِي الْجَمَاجِمِ
وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ مُخُّهُ.

(مَدَّ) الْمِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَرِّ شَيْءٍ فِي طُولٍ، وَاتِّصَالِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فِي اسْتِطَالَةٍ. تَقُولُ: مَدَدْتُ الشَّيْءَ أَمُدُّهُ مَدًّا. وَمَدَّ النَّهْرُ، وَمَدَّهُ نَهْرٌ آخَرُ، أَيْ زَادَ فِيهِ وَوَاصَلَهُ فَأَطَالَ مُدَّتَهُ. وَأَمْدَدْتُ الْجَيْشَ بِمَدَدٍ. وَمِنْهُ أَمَدَّ الْجُرْحُ: صَارَتْ فِيهِ مِدَّةٌ، وَهِيَ مَا يَخْرُجُ. وَمِنْهُ مَدَّدْتُ الْإِبِلَ مَدًّا: أَسْقَيْتُهَا الْمَاءَ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِشَيْءٍ تَمُدُّهُ بِهِ. وَالِاسْمُ الْمَدِيدُ. وَمَدُّ النَّهَارِ: ارْتِفَاعُهُ إِذَا امْتَدَّ. وَالْمِدَادُ: مَا يُكْتَبُ بِهِ، لِأَنَّهُ يُمَدُّ بِالْمَاءِ. وَمَدَدْتُ الدَّوَاةَ وَأَمْدَدْتُهَا. وَالْمَدَّةُ: اسْتِمْدَادُكَ مِنَ الدَّوَاةِ مَدَّةً بِقَلَمِكَ. وَمِنَ الْبَابِ الْمُدُّ مِنَ الْمَكَايِيلِ، لِأَنَّهُ يَمُدُّ الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مِثْلِهِ.

(5/269)


وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ مَاءٌ إِمِدَّانٌ: شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ.

(مَرَّ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى مُضِيِّ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِ الْحَلَاوَةِ وَالطِّيبِ.
فَالْأَوَّلُ مَرَّ الشَّيْءُ يَمُرُّ، إِذَا مَضَى. وَمَرُّ السَّحَابِ: انْسِحَابُهُ وَمُضِيُّهُ. وَلَقِيتُهُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانٍ قَدْ مَرَّ. وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ مَرَّةً مِنَ الْمَرِّ، يَجْمَعُونَ الْمَرَّةَ عَلَى الْمَرِّ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَمَرَّ الشَّيْءُ يُمِرُّ وَمَرَّ، إِذَا صَارَ مُرًّا. وَلَقِيتُ مِنْهُ الْأَمَرَّيْنِ، أَيْ شَدَائِدَ غَيْرَ طَيِّبَةٍ. وَالْأَمَرَّانِ: الْهَمُّ وَالْمَرَضُ. وَالْأَمَرُّ: الْمَصَارِينُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْفَرْثُ. قَالَ:
وَلَا تُهْدِي الْأَمَرَّ وَمَا يَلِيهِ ... وَلَا تُهْدِنَّ مَعْرُوقَ الْعِظَامِ
وَسُمِّيَ الْأَمَرَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ طَيِّبٍ. ثُمَّ سُمِّيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ شِدَّةٍ وَشَدِيدَةٍ بِهَذَا الْبِنَاءِ. يَقُولُونَ: أَمْرَرْتُ الْحَبْلَ: فَتَلْتُهُ، وَهُوَ مُمَرٌّ. وَالْمَرُّ: شِدَّةُ الْفَتْلِ. وَالْمَرِيرُ: الْحَبْلُ الْمَفْتُولُ. وَكَذَلِكَ الْمَرِيرَةُ: الْقُوَّةُ مِنْهُ. وَالْمَرِيرَةُ: عِزَّةُ النَّفْسِ. وَكُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ. وَالْمُرَارُ: شَجَرٌ مُرٌّ.
أَمَّا الْمَرْمَرُ فَضَرْبٌ مِنَ الْحِجَارَةِ أَبْيَضُ صَافٍ. وَالْمَرْمَرَةُ أَيْضًا: نَعْمَةُ الْجِسْمِ وَتَرَجْرُجُهُ. وَامْرَأَةٌ مَرْمَارَةٌ، إِذَا كَانَتْ تَتَرَجْرَجُ مِنْ نَعْمَتِهَا.

(5/270)


(مَزَّ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا طَعْمٌ مِنَ الطَّعُومِ، وَالْآخُرُ [يَدُلُّ] عَلَى مَزِيَّةٍ وَفَضْلٍ.
فَالْأَوَّلُ: الْمُزُّ: الشَّيْءُ بَيْنَ الْحَامِضِ وَالْحُلْوِ. وَيَقُولُونَ: سُمِّيَتِ الْخَمْرُ مُزَّاءً مِنْ هَذَا، وَقِيلَ بَلْ هُوَ مِنَ الْقِيَاسِ الْآخَرِ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْفَضْلُ. وَلَهُ عَلَيْهِ مِزٌّ، أَيْ فَضْلٌ. وَالْمُزَّاءُ مِنْهُ ; يَقُولُونَ: هَذَا الشَّرَابُ أَمَزُّ مِنْ هَذَا، أَيْ أَفْضَلُ. قَالُوا: وَالْمُزَّاءُ اسْمٌ، وَلَوْ كَانَ نَعْتًا لَقِيلَ مَزَّاءُ. وَالتَّمَزُّزُ: تَمَصُّصُ الشَّرَابِ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ الْأَوَّلِ.

(مَسَّ) الْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَسِّ الشَّيْءِ بِالْيَدِ. وَمَسِسْتُهُ أَمَسُّهُ. وَرُبَّمَا قَالُوا: مَسَسْتُ أَمُسُّ. وَالْمَمْسُوسُ: الَّذِي بِهِ مَسٌّ، كَأَنَّ الْجِنَّ مَسَّتْهُ. وَالْمَسُوسُ مِنَ الْمَاءِ: مَا نَالَتْهُ الْأَيْدِي. قَالَ:
لَوْ كُنْتُ مَاءً كُنْتُ لَا ... عَذْبَ الْمَذَاقِ وَلَا مَسُوسًا.

(مَشَّ) الْمِيمُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ فِي الشَّيْءِ وَسُهُولَةٍ وَلُطْفٍ. مِنْهُ الْمُشَاشُ، وَهِيَ الْعِظَامُ اللَّيِّنَةُ، يُقَالُ مَشَشْتُهَا أَمُشُّهَا. قَالَ:
لَحَا اللَّهُ صُعْلُوكًا إِذَا جَنَّ لَيْلُهُ ... مَضَى فِي الْمُشَاشِ آلِفًا كُلَّ مَجْزِرِ

(5/271)


وَالْمُشَاشُ: الطِّينَةُ اللَّيِّنَةُ تُغْرَسُ فِيهَا النَّخْلَةُ. قَالَ:
رَاسِي الْعُرُوقِ فِي الْمُشَاشِ الْبَجْبَاجْ
وَهُوَ طَيِّبُ الْمُشَاشِ، إِذَا كَانَ بَرًّا طَيِّبًا. وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ يَمُشُّ مَالَ فُلَانٍ، إِذَا أَخَذَ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ. وَمِنْهُ مَشُّ الْيَدِ، إِذَا مُسِحَتْ بِمِنْدِيلٍ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِسُهُولَةٍ وَلِينٍ. وَالْمَشُوشُ، هُوَ الْمِنْدِيلُ. وَمَشَشْتُ النَّاقَةَ: حَلَبْتُهَا وَتَرَكْتُ فِي الضَّرْعِ بَعْضَ اللَّبَنِ. وَمَشَّ الشَّيْءَ: دَافَهُ فِي مَاءٍ حَتَّى يَلِينَ وَيَذُوبَ. وَيُقَالُ: مَاتَ ابْنٌ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ فَسَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ: " مَا زِلْتُ أَمُشُّ لَهُ الْأَشْفِيَةَ أَلُدُّهُ تَارَةً وَأُوجِرُهُ أُخْرَى، فَأَبَى قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى ". وَمِنَ الْبَابِ الْمَشَشُ: كُلُّ مَا شَخَصَ مِنْ عَظْمٍ وَكَانَ لَهُ حَجْمٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عَيْبٍ يُصِيبُ الْعَظْمَ.

(مَصَّ) الْمِيمُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِبْهِ التَّذَوُّقِ لِلشَّيْءِ، وَأَخْذِ خَالِصِهِ. مِنْ ذَلِكَ مَصِصْتُ الشَّيْءَ أَمَصُّهُ، وَامْتَصَصْتُهُ أَمْتَصُّهُ. وَالْمَصْمَصَةُ: خِلَافُ الْمَضْمَضَةِ، لِأَنَّ الْمَصْمَصَةَ بِالصَّادِ يَكُونُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ. وَمِنْهُ مُصَاصُ الشَّيْءِ: خَالِصُهُ، وَهُوَ مَقِيسٌ مِنَ امْتَصَصْتُ الشَّيْءَ، فَهُوَ الْخَالِصُ الَّذِي يُمْتَصُّ. وَفَرَسٌ مُصَامِصٌ: خَالِصُ الْعَرَبِيَّةِ.

(مَضَّ) الْمِيمُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَغْطِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ.

(5/272)


مِنْهُ مَضَّنِي الشَّيْءُ وَأَمَضَّنِي: بَلَغَ مِنِّي الْمَشَقَّةَ، كَأَنَّهُ قَدْ ضَغَطَكَ. وَالْمَضْمَضَةُ: تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَضَغْطُهُ. وَالْكُحْلُ يُمِضُّ الْعَيْنَ، إِذَا كَانَتْ لَهُ حُرْقَةٌ. وَمَضِيضُهُ: حُرْقَتُهُ. وَيَقُولُونَ: مِضِّ، وَهِيَ حِكَايَةٌ لِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِشَفَتِهِ إِذَا أَطْمَعَ فِي الشَّيْءِ. يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ: مِضِّ. وَمَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِهِمْ: " إِنَّ فِي مِضِّ لَطَمَعًا "، قَالُوا: وَذَلِكَ إِذَا سُئِلَ حَاجَةً فَكَسَرَ شَفَتَيْهِ.

(مَطَّ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَدِّ الشَّيْءِ. وَمَطَّهُ: مَدَّهُ. وَالْقِيَاسُ فِيهِ وَفِي الْمُطَيْطَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَشْيُ بِتَبَخْتُرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ مَطَّ أَطْرَافَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، قَالُوا: أَصْلُهُ يَتَمَطَّطُ، فَجُعِلَتِ الطَّاءُ الثَّالِثَةُ يَاءً لِلتَّخْفِيفِ، وَمَطَّ حَاجِبَيْهِ: تَكَبَّرَ، وَهُوَ مِنْهُ. وَمِنْهُ الْمَطِيطَةُ: الْمَاءُ الْمُخْتَلِطُ بِالطِّينِ ; وَهَذَا يَكُونُ إِذَا مَدَّ الْمَاءَ مِيَاهُ سَيْلٍ كَدِرَةٍ.

(مَظَّ) الْمِيمُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُشَارَّةٍ وَمُنَازَعَةٍ. وَمَاظَظْتُهُ مُمَاظَّةً وَمِظَاظًا: شَارَرْتُهُ وَنَازَعْتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُمَاظَّ جَارَكَ فَإِنَّهُ يَبْقَى وَيَذْهَبُ النَّاسُ» ". وَمِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَظِّ: رُمَّانُ الْبَرِّ.

(مَعَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ وَجَلَبَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. مِنْهُ الْمَعْمَعَةُ: صَوْتُ الْحَرِيقِ وَصَوْتُ الشُّجْعَانِ فِي الْحَرْبِ. وَالْمَعْمَعَانُ: شِدَّةُ الْحَرِّ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(5/273)


حَتَّى إِذَا مَعْمَعَانُ الصَّيْفِ هَبَّ لَهُ ... بِأَجَّةٍ نَشَّ عَنْهَا الْمَاءُ وَالرُّطُبُ
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ " مَعَ "، وَهِيَ كَلِمَةُ مُصَاحَبَةٍ، يُقَالُ: هَذَا مَعَ ذَاكَ. وَيَقُولُونَ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ: " مِنْهُنَّ مَعْمَعْ، لَهَا شَيْئَهَا أَجْمَعْ "، وَهِيَ الَّتِي لَا تُعْطِي أَحَدًا شَيْئًا يَكُونُ مَعَهَا أَبَدًا.

(مَغَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ يَدُلُّ عَلَى شِبْهِ مَا مَضَى ذِكْرُهُ. يَقُولُونَ: الْمَغْمَغَةُ: الِاخْتِلَاطُ. قَالَ رُؤْبَةُ:
الْخُلُقِ الْمُمَغْمَغِ
وَيَقُولُونَ: مَغْمَغَ طَعَامَهُ، إِذَا رَوَّاهُ دَسَمًا.

(مَقَّ) الْمِيمُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى طُولٍ وَتَجَاوُزِ حَدٍّ. وَالطَّوِيلُ الْبَائِنُ أَمَقُّ بَيِّنُ الْمَقَقِ. وَالْمُقَامِقُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِأَقْصَى حَلْقِهِ وَيَتَشَدَّقُ. وَيَقُولُونَ: مَقَقْتُ الطَّلْعَةَ: شَقَقْتُهَا.

(مَكَّ) الْمِيمُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِقَاءِ الْعَظْمِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ. يَقُولُونَ: تَمَكَّكَتِ الْعَظْمُ: أَخْرَجَتْ مُخَّهُ. وَامْتَكَّ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ: شَرِبَهُ. وَالتَّمَكُّكُ: الِاسْتِقْصَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا تُمَكِّكُوا عَلَى

(5/274)


غُرَمَائِكُمْ» ". وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ مَكَّةَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ بِهَا، كَأَنَّ مَاءَهَا قَدِ امْتُكَّ. وَقِيلَ سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَمُكُّ مَنْ ظَلَمَ فِيهَا، أَيْ تُهْلِكُهُ وَتَقْصِمُهُ كَمَا يُمَكُّ الْعَظْمُ. وَيُنْشِدُونَ:
يَا مَكَّةُ الْفَاجِرَ مُكِّي مَكَّا.

(مَلَّ) الْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَقْلِيبِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى غَرَضٍ مِنَ الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ مَلَلْتُ الْخُبْزَةَ فِي النَّارِ أَمُلُّهَا مَلًّا، وَذَلِكَ تَقْلِيبُكَ إِيَّاهَا فِيهَا. وَالْمَلَّةُ: الرَّمَادُ أَوِ التُّرَابُ الْحَارُّ. وَيُقَالُ: أَطْعَمَنَا خُبْزَ مَلَّةٍ وَخُبْزَةً مَلِيلًا. وَالْمُلْمُولُ: الْمِيلُ: لِأَنَّهُ يُقَلَّبُ فِي الْعَيْنِ عِنْدَ الْكَحْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ طَرِيقٌ مُمَلٌّ: سُلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْلَمًا. قَالَ:
رَفَعْنَاهَا ذَمِيلًا فِي ... مُمَلٍّ مُعْمَلٍ لَحْبِ
وَالْمَلِيلَةُ: حُمَّى فِي الْعِظَامِ: كَأَنَّهَا تُقَلِّبُ. وَبَاتَ يَتَمَلْمَلُ عَلَى فِرَاشِهِ، أَيْ يَقْلَقُ وَيَتَضَوَّرُ عَلَيْهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ عَلَى مَلَّةٍ ; وَالْأَصْلُ يَتَمَلَّلُ.
وَمِنَ الْبَابِ امْتَلَّ يَعْدُو، وَذَلِكَ إِذَا أَسْرَعَ بَعْضَ الْإِسْرَاعِ.

(5/275)


وَالْبَابُ الْآخَرُ مَلِلْتُهُ أَمَلُّهُ مَلَلًا وَمَلَالَةً: سَئِمْتُهُ. وَأَمْلَلْتُ الْقَوْمَ: شَقَقْتَ عَلَيْهِمْ حَتَّى مَلُّوا ; وَكَذَا أَمْلَلْتُ عَلَيْهِمْ.
فَأَمَّا إِمْلَالُ الْكِتَابِ وَتَفْسِيرُ الْمَلَّةِ فَقَدْ ذُكِرَتَا فِي الْمِيمِ وَاللَّامِ وَالْحَرْفِ الْمُعْتَلِّ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَنِيَ) الْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَنَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِ. مِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَنَى لَهُ الْمَانِي، أَيْ قَدَّرَ الْمُقَدِّرُ. قَالَ الْهُذَلِيِّ:
لَا تَأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ ... حَتَّى تُلَاقِيَ مَا يَمَنِي لَكَ الْمَانِي
وَالْمَنَا: الْقَدَرُ. قَالَ:
سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ حَتَّى يَكُفَّنِي ... غِنَى الْمَالِ يَوْمًا أَوْ مَنَا الْحَدَثَانِ
وَمَاءُ الْإِنْسَانِ مَنِيٌّ، أَيْ يُقَدَّرُ مِنْهُ خِلْقَتُهُ. وَالْمَنِيَّةُ: الْمَوْتُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ عَلَى كُلٍّ. وَتَمَنِّي الْإِنْسَانِ كَذَا قِيَاسُهُ، أَمَلٌ يُقَدِّرُهُ. قَالَ قَوْمٌ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي

(5/276)


يَرْجُو. وَالْأُمْنِيَّةُ: أُفْعُولَةٌ مِنْهُ. وَمِنَى: [مِنَى] مَكَّةَ، قَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَ بِهِ لِمَا قُدِّرَ أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ: مِنْ قَوْلِكَ مَنَاهُ اللَّهُ.
وَمِمَّا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى الْمَنَا: الَّذِي يُوزَنُ بِهِ، لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ يُعْمَلُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُنَا: تَمَنَّى الْكِتَابَ: قَرَأَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] ، أَيْ إِذَا قَرَأَ. وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَقْدِيرٌ وَوَضْعُ كُلِّ آيَةٍ مَوْضِعَهَا. قَالَ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
وَمِنَ الْبَابِ: مَانَى يُمَانِي مُمَانَاةً، إِذَا بَارَى غَيْرَهُ. وَهُوَ فِي شِعْرِ ابْنِ الطَّثْرِيَّةِ:
سَلِي عَنِّيَ النُّدْمَانَ حِينَ يَقُولُ لِي ... أَخُو الْكَأْسِ مَانِي الْقَوْمَ فِي الْخَيْرِ أَوْرِدِ
وَهَذَا مِنَ التَّقْدِيرِ، لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ فِعْلَهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يُسَاوِيَهُ. وَأَمَّا مُنْيَةُ النَّاقَةِ، فَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي يُتَعَرَّفُ فِيهَا أَلَاقِحٌ هِيَ أَمْ حَامِلٌ.

(5/277)


(مَنَحَ) الْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عَطِيَّةٍ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ امْتُنِحْتُ الْمَالَ، أَيْ رُزِقْتُهُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَبَتْ عَيْنَاكَ عَنْ طَلَلٍ بِحُزْوَى ... مَحَتْهُ الرِّيحُ وَامْتُنِحَ الْقِطَارَا
وَالْمَنِيحَةُ: مَنِيحَةُ اللَّبَنِ، كَالنَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ يُعْطِيهَا الرَّجُلُ آخَرَ يَحْتَلِبُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا. وَالنَّاقَةُ الْمُمَانِحُ: الَّتِي يَبْقَى لَبَنُهَا بَعْدَ ذَهَابِ أَلْبَانِ [الْإِبِلِ] ، وَهِيَ الْمَنُوحُ أَيْضًا. وَالْمَنِيحُ: الْقِدْحُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْقَسْمِ إِلَّا أَنْ يُمْنَحَ شَيْئًا، أَيْ يُعْطَاهُ. وَيُقَالُ الْمَنِيحُ أَيْضًا: الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ الثَّامِنُ مِنْ سِهَامِ الْمَيْسِرِ.

(مَنَعَ) الْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ هُوَ خِلَافُ الْإِعْطَاءِ. وَمَنَعْتُهُ الشَّيْءَ مَنْعًا، وَهُوَ مَانِعٌ وَمَنَّاعٌ. وَمَكَانٌ مَنِيعٌ. وَهُوَ فِي عِزٍّ وَمَنْعَةٍ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/278)


(مَهِيَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِمْهَالٍ وَإِرْخَاءٍ وَسُهُولَةٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ أَمْهَيْتُ الْحَبْلَ: أَرْخَيْتُهُ، وَنَاسٌ يَرْوُونَ بَيْتَ طَرَفَةَ:
لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الْفَتَى ... لَكَالطِّوَلِ الْمُمْهَى وَثِنْيَاهُ بِالْيَدِ
وَأَمْهَيْتُ الْفَرَسَ إِمْهَاءً: أَرْخَيْتُ مِنْ عِنَانِهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ جَرَى بِسُهُولَةٍ فَهُوَ مَهْوٌ. وَلَبَنٌ مَهْوٌ: رَقِيقٌ. وَنَاقَةٌ مِمْهَاءٌ: رَقِيقَةُ اللَّبَنِ. وَنُطْفَةٌ مَهْوَةٌ: رَقِيقَةٌ. وَسَيْفٌ مَهْوٌ: رَقِيقُ الْحَدِّ، كَأَنَّهُ يَمُرُّ فِي الضَّرِيبَةِ مَرَّ الْمَاءِ. قَالَ:
وَصَارِمٌ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ ... أَبْيَضُ مَهْوٌ فِي مَتْنِهِ رُبَدُ
وَمِنَ الْبَابِ أَمْهَيْتُ الْحَدِيدَةَ: سَقَيْتُهَا. يُرِيدُ بِهِ رِقَّةَ الْمَاءِ، وَالْمَهَا: جَمْعُ الْمَهَاةِ، وَهِيَ الْبِلَّوْرَةُ ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَفَائِهَا كَأَنَّهَا مَاءٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَتَبْسِمُ عَنْ مَهَا شَبِمٍ غَرِيٍّ ... إِذَا يُعْطَى الْمُقَبِّلَ يَسْتَزِيدُ
وَالْجَمْعُ مَهَوَاتٌ وَمَهَيَاتٌ. أَمَّا الْبَقَرَةُ فَتُسَمَّى مَهَاةً، وَأَظُنُّهَا تَشْبِيهًا بِالْبِلَّوْرَةِ.

(5/279)


وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ شَيْءٌ ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ، أَنَّ الْمَهَاءَ مَمْدُودٌ: عَيْبٌ وَأَوَدٌ يَكُونُ فِي الْقِدْحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ الْبَابِ أَيْضًا ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُ مِنَ الْإِرْخَاءِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّغْرُ إِذَا ابْيَضَّ وَكَثُرَ مَاؤُهُ مَهًا. قَالَ الْأَعْشَى:
وَمَهًا تَرِفُّ غُرُوبُهُ ... يَشْفِي الْمُتَيَّمَ ذَا الْحَرَارَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ: " «جَسَدَ رَجُلٍ مُمَهًّى» " أَيْ مُصَفًّى، يُشْبِهُ الْمَهَا الْبِلَّوْرَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ وَأَحْسَنَ: «أَمْهَيْتَ أَبَا الْوَلِيدِ» ، أَيْ بَالَغْتَ فِي الثَّنَاءِ وَاسْتَقْصَيْتَ. وَيُقَالُ: أَمْهَى الْحَافِرُ وَأَمَاهَ، أَيْ حَفَرَ وَأَنْبَطَ.
وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهَا مِنَ الْبَابِ وَرُبَّمَا سُمِّيَتِ النُّجُومُ مَهًا تَشْبِيهًا.

(مَهَجَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ سَائِلٍ. مِنْ ذَلِكَ الْأُمْهُجَانُ: اللَّبَنُ الرَّقِيقُ. وَلَبَنٌ مَاهِجٌ: إِذَا رَقَّ وَالْمُهْجَةُ فِيمَا يُقَالُ: دَمُ الْقَلْبِ.

(مَهَدَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَوْطِئَةٍ وَتَسْهِيلٍ لِلشَّيْءِ. وَمِنْهُ الْمَهْدُ. وَمَهَّدْتُ الْأَمْرَ: وَطَّأْتُهُ. وَتَمَهَّدَ: تَوَطَّأَ وَالْمِهَادُ: الْوِطَاءُ مِنْ كُلِ شَيْءٍ. وَامْتَهَدَ سَنَامُ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ: ارْتَفَعَ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
وَامْتَهَدَ الْغَارِبُ فِعْلَ الدُّمَّلِ

(5/280)


أَيِ ارْتَفَعَ وَتَسَوَّى وَصَارَ كَالْمِهَادِ. وَجَمْعُ الْمِهَادِ مُهُدٌ.

(مَهَرَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى أَجْرٍ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ، وَالْآخَرُ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ.
فَالْأَوَّلُ الْمَهْرُ: مَهْرُ الْمَرْأَةِ أَجْرُهَا، تَقُولُ: مَهَرْتُهَا بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَإِذَا زَوَّجْتَهَا مِنْ رَجُلٍ عَلَى مَهْرٍ قُلْتَ: أَمْهَرْتُهَا. قَالَ:
أُمُّكُمْ نَاكِحَةٌ ضُرَيْسَا ... قَدْ أَمْهَرُوهَا أَعْنُزًا وَتَيْسًا
وَامْرَأَةٌ مَهِيرَةٌ وَنِسَاءٌ مَهَائِرٌ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمُمْهِرُ: الْفَرَسُ ذَاتُ الْمَهْرِ. [وَالْمَهْرُ] : عَظْمٌ فِي زَوْرِ الْفَرَسِ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ. قَالَ:
جَافِي الْيَدَيْنِ عَنْ مُشَاشِ الْمُهْرِ.

(مَهَشَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالشِّينُ مَا أَحْسَبُهُ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَاقَةٌ مَهْشَاءُ، أَسْرَعَ هُزَالُهَا. وَيَقُولُونَ: امْتَهَشَتِ الْمَرْأَةُ: حَلَقَتْ وَجْهَهَا بِمُوسَى.

(مَهَقَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ. قَالُوا: الْأَمْهَقُ: الْأَبْيَضُ. وَيَقُولُونَ: عَيْنٌ مَهْقَاءُ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّدِيدَةَ بَيَاضِ بَيَاضِهَا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ بَيَاضٌ سَمِجٌ قَبِيحٌ لَا يُخَالِطُهُ صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ، إِلَّا

(5/281)


أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُحْمَرَّةُ الْمَآقِي. وَيَقُولُونَ: الْمَهَقُ فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ:
صَفَقْنَ أَيْدِيهِنَّ فِي الْحَوْمِ الْمَهَقْ
: شِدَّةُ خُضْرَةِ الْمَاءِ.

(مَهَكَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالْكَافُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْمُمَّهِكُ، وَهُوَ الطَّوِيلُ الْمُضْطَرِبُ. وَيَقُولُونَ لِلْقَوْسِ اللَّيِّنَةِ مَهُوكٌ. وَيَقُولُونَ لِلْفَرَسِ الذَّرِيعِ: مُمَّهِكٌ أَيْضًا، وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ.

(مَهَلَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى تُؤَدَةٍ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الذَّائِبَاتِ.
فَالْأَوَّلُ التُّؤَدَةُ. تَقُولُ: مَهْلًا يَا رَجُلُ، وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. وَإِذَا قَالَ مَهْلًا قَالُوا: لَا مَهْلَ وَاللَّهِ، وَمَا مَهْلٌ بِمُغْنِيَةٍ عَنْكَ شَيْئًا. قَالَ:
وَمَا مَهْلٌ بِوَاعِظَةِ الْجَهُولِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّمَهُّلُ: التَّقَدُّمُ. وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَضْدَادِ. وَأَمْهَلَهُ اللَّهُ: لَمْ يُعَاجِلْهُ. وَمَشَى عَلَى مُهْلَتِهِ، أَيْ عَلَى رِسْلِهِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمُهْلُ، وَقَالُوا: هُوَ خُثَارَةُ الزَّيْتِ، وَقَالُوا: هُوَ النُّحَاسُ الذَّائِبُ.

(5/282)


(مَهَنَ) الْمِيمُ وَالْهَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى احْتِقَارٍ وَحَقَارَةٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ قَوْلُهُمْ مَهِينٌ، أَيْ حَقِيرٌ. وَالْمَهَانَةُ: الْحَقَارَةُ، وَهُوَ مَهِينٌ بَيِّنُ الْمَهَانَةِ. وَمِنَ الْبَابِ الْمَهْنُ: الْخِدْمَةُ، وَالْمَِهْنَةُ. وَالْمَاهِنُ: الْخَادِمُ. وَمَهَنْتُ الثَّوْبَ: جَذَبْتُهُ وَثَوْبٌ مَمْهُونٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: مَهَنْتُ الْإِبِلَ: حَلْبَتُهَا.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَوَتَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الْقُوَّةِ مِنَ الشَّيْءِ.
مِنْهُ الْمَوْتُ: خِلَافُ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَصْلُهُ ذَهَابُ الْقُوَّةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ آكِلِيهَا فَأَمِيتُوهَا طَبْخًا» وَالْمَوَتَانُ: الْأَرْضُ لَمْ تُحْيَ بَعْدُ بِزَرْعٍ وَلَا إِصْلَاحٍ، وَكَذَلِكَ الْمَوَاتُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يَقُولُونَ اشْتَرِ مِنَ الْمَوَتَانِ، وَلَا تَشْتَرِ مِنَ الْحَيَوَانِ. فَأَمَّا الْمُوَتَانِ، بِالسُّكُونِ وَضَمِّ الْمِيمِ، فَالْمَوْتُ، يُقَالُ: وَقَعَ فِي النَّاسِ مُوتَانٌ، وَيُقَالُ: نَاقَةٌ مُمِيتٌ وَمُمِيتَةٌ لِلَّتِي يَمُوتُ وَلَدُهَا ; وَرَجُلٌ [مَوْتَانُ الْفُؤَادِ، وَامْرَأَةٌ] مَوْتَانَةٌ، وَأُمِيتَتِ الْخَمْرُ: طُبِخَتْ. وَالْمُسْتَمِيتُ لِلْأَمْرِ: الْمُسْتَرْسِلُ لَهُ. وَالْمُوتَةُ: شِبْهُ الْجُنُونِ يَعْتَرِى الْإِنْسَانَ، وَالْمَوْتَةُ: الْوَاحِدَةُ مِنَ الْمَوْتِ، وَالْمِيتَةُ حَالٌ مِنَ الْمَوْتِ، حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ ; وَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً: وَالْمَيْتَةُ: مَا مَاتَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا ذُكِّيَ.

(5/283)


(مَوَثَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ: يَقُولُونَ: مُثْتُ الشَّيْءَ فِي الْمَاءِ: مَرَسْتُهُ بِيَدِي: أَمُوثُهُ مَوْثًا، وَمِثْتُهُ أَمِيثُهُ مَيْثًا كَذَلِكَ.

(مَوَجَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي الشَّيْءِ، وَمَاجَ النَّاسُ يَمُوجُونَ، إِذَا اضْطَرَبُوا. وَمَاجَ أَمْرُهُمْ وَمَرِجَ: اضْطَرَبَ ; وَالْمَوْجُ: مَوْجُ الْبَحْرِ، سُمِّيَ لِاضْطِرَابِهِ، وَمَاجَ يَمُوجُ مَوْجًا وَمَوَجَانًا، وَكُلُّ شَيْءٍ اضْطَرَبَ فَقَدْ مَاجَ.

(مَوَرَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرَدُّدٍ. وَمَارَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَمُورُ: انْصَبَّ وَتَرَدَّدَ، وَأَمَرْتُ دَمَهُ فَمَارَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمِرِ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ» " وَيُرْوَى " «أَمْرِ الدَّمَ» " مِنْ مَرَى يَمْرِي، وَسَيَأْتِي ; وَالْمُورُ: تُرَابٌ تَمُورُ بِهِ الرِّيحُ، وَالنَّاقَةُ تَمُورُ فِي سَيْرِهَا، وَهِيَ مَوَّارَةٌ: سَرِيعَةٌ، قَالَ طَرَفَةُ:
صُهَابِيَّةِ الْعُثْنُونِ مُوجَدَةِ الْقَرَى ... بَعِيدَةِ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةِ الْيَدِ
وَفَرَسٌ مَوَّارَةُ الظَّهْرِ. وَيَقُولُونَ: " لَا أَدْرِي أَغَارَ أَمْ مَارَ "، أَيْ لَا أَدْرِي أَتَى غَوْرًا أَمْ دَارَ فَرَجَعَ إِلَى نَجْدٍ ; وَانْمَارَتْ عَقِيقَةُ الْحِمَارِ: سَقَطَتْ عَنْهُ أَيَّامَ الرَّبِيعِ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْهَا مُوَارَةٌ، قَالَ:
وَانْمَارَ عَنْهُنَّ مُوَارَاتُ الْعِقَقْ

(5/284)


وَسُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا إِذَا سَقَطَتْ مَارَتْ. وَالْمَوْرُ: الطَّرِيقُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَمُورُونَ فِيهِ، أَيْ يَتَرَدَّدُونَ، وَالْمَوْرُ: الْمَوْجُ ; وَقَوْلُهُمْ: " فُلَانٌ لَا يَدْرِي مَا سَائِرٌ مِنْ مَائِرٍ " فَالْمَائِرُ: السَّيْفُ الْقَاطِعُ الَّذِي يَمُورُ فِي الضَّرِيبَةِ، وَالسَّائِرُ: الشِّعْرُ الْمَرْوِيُّ.

(مَوَسَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ: يَقُولُونَ: الْمَوْسُ: حَلْقُ الرَّأْسِ. [وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى مُوسَى مُوسَوِيٌّ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُنْسَبُ إِلَى مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا فِيهِ الْيَاءُ زَائِدَةٌ مَوْسِيٌّ وَعِيسِيٌّ] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَاءَ فِيهِ زَائِدَةٌ، كَذَا قَالَ الْكِسَائِيُّ.

(مَوَصَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هُوَ الْمَوْصُ: غَسْلُ الثَّوْبِ، يُقَالُ مُصْتُهُ أَمُوصُهُ ; وَالْمُوَاصَةُ: الْغُسَالَةُ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بِأَسْوَدَ مُلْتَفِّ الْغَدَائِرِ وَارِدٍ ... وَذِي أُشَُرٍ تَشُوصُهُ وَتَمُوصُ.

(مَوَعَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ: مَاعَ الصُّفْرُ وَالْفِضَّةُ فِي النَّارِ يَمُوعُ وَيَمِيعُ: ذَابَ.

(مَوَقَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْقَافُ كَلِمَتَانِ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَالْمُوقُ: حُمْقٌ فِي غَبَاوَةٍ، وَيَقُولُونَ: مَاقَ الْبَيْعُ يَمُوقُ: رَخُصَ.

(مَوَلَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ تَمَوَّلَ الرَّجُلُ: اتَّخَذَ مَالًا، وَمَالَ يَمَالُ: كَثُرَ مَالُهُ ; وَيَقُولُونَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:

(5/285)


مَلْأَى مِنَ الْمَاءِ كَعَيْنِ الْمُولَهْ
إِنَّ الْمُولَةَ: الْعَنْكَبُوتُ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

(مَوَمَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا: الْمُومُ: الْبِرْسَامُ، وَمِيمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَمُومٌ، وَالْمَوْمَاةُ: الْمَفَازَةُ الْوَاسِعَةُ الْمَلْسَاءُ، جَمْعُهَا مَوَامٍ.

(مَوَنَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْمَوْنُ: أَنْ تَمُونَ عَيَالَكَ، أَيْ تَقُومَ بِكِفَايَتِهِمْ وَتَتَحَمَّلَ مَؤُونَتَهُمْ ; وَ [أَمَّا] الْمَؤُونَةُ فَمِنَ الْمَوْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَوُونَةٌ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ.

(مَوَهَ) الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهُ يَتَفَرَّعُ كَلِمُهُ، وَهِيَ الْمَوَهُ: أَصْلُ بِنَاءِ الْمَاءِ، وَتَصْغِيرُهُ مُوَيْهٌ ; قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي الْمَاءِ بَدَلٌ مِنْ هَاءٍ. وَيُقَالُ: مَوَّهْتُ الشَّيْءَ، كَأَنَّكَ سَقَيْتَهُ الْمَاءَ، وَمَوَّهْتُ الشَّيْءَ: طَلَيْتُهُ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، كَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُسْقَاهُ ; وَقَالُوا: مَا أَحْسَنَ مُوهَةَ وَجْهِهِ، أَيْ تَرَقْرُقَ مَاءِ الشَّبَابِ فِيهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْمَاوِيَّةُ: حَجَرُ الْبِلَّوْرِ، وَكَذَلِكَ الْمَاوِيَّةُ: [الْمِرْآةُ] . قَالَ طَرَفَةُ: 206
وَعَيْنَانِ كَالْمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا بِكَهْفَيْ ... حَجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ

(5/286)


يُقَالُ مَاهَتِ السَّفِينَةُ تَمُوهُ وَتَمَاهُ: دَخَلَ فِيهَا الْمَاءُ، وَأَمَاهَتِ الْأَرْضُ: ظَهَرَ فِيهَا نَزٌّ، وَأَمَاهَ الْفَحْلُ: أَلْقَى مَاءَهُ فِي رَحِمِ الْأُنْثَى ; وَرَجُلٌ مَاهُ الْقَلْبِ، أَيْ كَثِيرُ مَاءِ الْقَلْبِ، قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّكَ يَا جَهْضَمُ مَاهُ الْقَلْبِ
قَالُوا: وَيَكُونُ صَاحِبُ ذَلِكَ بَلِيدًا، أُخْرِجَ مَاهٌ مُخْرَجَ مَالٍ. وَأَمَهْتُ السِّكِّينَ وَأَمْهَيْتُهُ: سَقَيْتُهُ، وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى مَاهٍ مَاهِيٌّ وَمَائِيٌّ، وَإِلَى مَاءٍ مَائِيٌّ وَمَاوِيٌّ.

(مَيَثَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُهُولَةٍ فِي شَيْءٍ: يُقَالُ مِثْتُ الشَّيْءَ فِي الْمَاءِ مَيْثًا، إِذَا دُفْتُهُ، وَالْمَيْثَاءُ: الْأَرْضُ السَّهْلَةُ.

(مَيَحَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِعْطَاءٍ، وَأَصْلُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ; وَمَاحَ يَمِيحُ: انْحَدَرَ فِي الرَّكِيِّ فَمَلَأَ الدَّلْوَ، قَالَ:
يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا
وَمِحْتُهُ مَيْحًا: أَعْطَيْتُهُ.
وَقَوْلُهُمْ: تَمَايَحَ السَّكْرَانُ: تَمَايَلَ، وَالْعُودُ أَيْضًا وَكَذَا الْغُصْنُ لَيْسَ مِنَ الْبَابِ.

(5/287)


(مَيَدَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ فِي شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى نَفْعٍ وَعَطَاءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْمَيْدُ: التَّحَرُّكُ. وَمَادَ يَمِيدُ. وَمَادَتِ الْأَغْصَانُ تَمِيدُ: تَمَايَلَتْ. وَالْمَيْدَانُ عَلَى فَعْلَانَ: الْعَيْشُ النَّاعِمُ الرَّيَّانُ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
. . . . . . . . . . . .
وَصَادَفَتْ نَعِيمًا وَمَيْدَانًا مِنَ الْعَيْشِ أَخْضَرَا
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمَيْدُ. وَمَادَ يَمِيدُ: أَطْعَمَ [وَ] نَفَعَ. وَمَادَنِي يَمِيدُنِي: نَعَشَنِي. قَالُوا: وَسُمِّيَتِ الْمَائِدَةُ مِنْهُ، وَكَذَا الْمَائِدُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ: قَالَ:
وَكُنْتُ لِلْمُنْتَجِعِينَ مَائِدًا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَصَابَهُ مَيْدٌ، أَيْ دُوَارٌ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ. وَمِدْتُهُ: أَعْطَيْتُهُ وَأَمَدْتُهُ بِخَيْرٍ. وَامْتَدْتُهُ: طَلَبْتُ خَيْرَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ [أَنَّ] أَصْلَ مَيْدٍ الْحَرَكَةُ. وَالْمَائِدَةُ: الْخِوَانُ لِأَنَّهَا تَمِيدُ بِمَا عَلَيْهَا، أَيْ تُحَرِّكُهُ وَتُزْحِلُهُ عَنْ نَضَدِهِ. وَمَادَهُمْ: أَطْعَمَهُمْ عَلَى الْمَائِدَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " «مَيْدَ أَنَّا أُوتِينَا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ» "، أَيْ غَيْرَ أَنَّا، أَوْ عَلَى أَنَّا، فَهُوَ لُغَةٌ فِي بَيْدَ أَنَّا.

(5/288)


(مَيَرَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، هُوَ الْمَيْرُ، وَمِرْتُ مَيْرًا. وَالْمِيرَةُ: الطَّعَامُ لَهُ إِلَى بَلَدِهِ. وَقَالُوا: مَا عِنْدَهُ خَيْرٌ وَلَا مَيْرٌ.

(مَيَزَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَزَبُّلِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَزْيِيلِهِ. وَمَيَّزْتُهُ تَمْيِيزًا وَمِزْتُهُ مَيْزًا. وَامْتَازُوا: تَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَيَكَادُ يَتَمَيَّزُ غَيْظًا، أَيْ يَتَقَطَّعُ. وَانْمَازَ الشَّيْءُ: انْفَصَلَ عَنِ الشَّيْءِ. قَالَ يَصِفُ حَيَّةً:
قَرَى السُّمَّ حَتَّى انْمَازَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ ... عَنِ الْعَظْمِ صِلٌّ فَاتِكُ اللَّسْعِ مَارِدُ.

(مَيَسَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَيَلَانٍ. وَمَاسَ مَيَسَانًا: تَبَخْتَرَ. وَمَاسَ الْغُصْنُ أَيْضًا. وَالْمَيْسُ: شَجَرٌ يُقَالُ إِنَّهُ أَجْوَدُ خَشَبٍ.

(مَيَشَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَنَفْشِهِ. وَمَاشَتِ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ بِيَدِهَا بَعْدَ الْحَلْجِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَكَتَمَ بَعْضًا: قَدْ مَاشَ يَمِيشُ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَيْشِ النَّاقَةِ، أَنْ يَحْلُِبَ بَعْضَ مَا فِي الضَّرْعِ وَيَدَعَ بَعْضًا ; فَإِذَا جَاوَزَ الْحَلْبُ النِّصْفَ فَلَيْسَ بِمَيْشٍ.

(مَيَطَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْعٍ وَمُدَافَعَةٍ. وَمَاطَهُ عَنْهُ: دَفَعَهُ. وَمِطْتُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ. يُقَالُ أَمَاطَهُ إِمَاطَةً. وَلِذَلِكَ يُقَالُ: " هُمْ فِي هِيَاطٍ وَمِيَاطٍ ". الْهِيَاطُ: الصِّيَاحُ: وَالْمِيَاطُ: الدَّفْعُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:

(5/289)


تَمَايَطُوا: تَبَاعَدُوا وَفَسَدَ مَا بَيْنَهُمْ، تَمَايُطًا.

(مَيَعَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ شَيْءٍ وَاضْطِرَابِ شَيْءٍ وَحَرَكَتِهِ. وَمَاعَ الشَّيْءُ يَمِيعُ: جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْمَائِعُ كُلُّ شَيْءٍ ذَائِبٍ. وَمِنْهُ الْمَيْعَةُ وَالنَّشَاطُ، وَذَلِكَ لِلْحَرَكَةِ. وَالْمَيْعَةُ: أَوَّلُ الشَّبَابِ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَعْرَعَ وَتَحَرَّكَ.

(مَيَلَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْحِرَافٍ فِي الشَّيْءِ إِلَى جَانِبٍ مِنْهُ. مَالَ يَمِيلُ مَيْلًا. فَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فِي الشَّيْءِ فَمَيَلٌ. يُقَالُ مَالَ يَمِيلُ مَيَلًا. وَالْمَيْلَاءُ مِنَ الرَّمْلِ: عُقْدَةٌ ضَخْمَةٌ تَعْتَزِلُ وَتَمِيلُ نَاحِيَةً. وَالْمَيْلَاءُ: الشَّجَرَةُ الْكَثِيرَةُ الْفُرُوعِ، وَهِيَ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ. وَالْأَمْيَلُ مِنَ الرِّجَالِ، يُقَالُ إِنَّهُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى الْفَرَسِ. وَإِنْ كَانَ كَذَا فَلِأَنَّهُ يَمِيلُ عَنْ سَرْجِهِ. وَيُقَالُ الَّذِي لَا رُمْحَ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ كَذَا فَشَاذٌّ عَنِ الْبَابِ. وَجَمْعُ الْأَمْيَلِ مِيلٌ. قَالَ:
غَيْرُ مِيلٍ وَلَا عَوَاوِيرَ فِي الْهَيْ ... جَا وَلَا عُزَّلٍ وَلَا أَكْفَالِ.

(مَيَنَ) الْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْمَيْنُ: الْكَذِبُ. وَمَانَ يَمِينُ. قَالَ:
وَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ قَتَلْ ... تَ سَرَاتَنَا كَذِبًا وَمَيْنَا.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]

(5/290)


(مَأَدَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُسْنِ حَالٍ وَرِيٍّ فِي الشَّيْءِ. الْمَأْدُ فِي الْأَغْصَانِ: الرَّيَّانُ اللَّيِّنُ النَّاعِمُ الْمَيَّالُ. وَمَئِدَ الْعَرْفَجُ: اهْتَزَّ رِيًّا. وَمِنَ الْقِيَاسِ امْتَأَدَ خَيْرًا: كَسَبَهُ. وَيَمْؤُودُ: مَكَانٌ.

(مَأَرَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَاوَةٍ وَشِدَّةٍ. مِنْهُ الْمِئْرَةُ: الْعَدَاوَةُ. وَمَاءَرْتُهُ مُمَاءَرَةً عَلَى فَاعَلْتُهُ، مِنْ ذَلِكَ. وَأَمْرٌ مَئِرٌ: شَدِيدٌ.

(مَأَقَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ تَعْتَرِي بَعْدَ الْبُكَاءِ، [وَ] عَلَى أَنَفَةٍ.
فَالْأَوَّلُ الْمَأْقُ: مَا يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ بَعْدَ الْبُكَاءِ. تَقُولُ: مَئِقَ يَمْأَقُ، فَهُوَ مَئِقٌ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمَأْقَةَ: شِدَّةُ الْبُكَاءِ.
وَالْآخَرُ قَوْلُهُمْ: أَمْأَقَ: إِذَا دَخَلَ فِي الْمَأْقِةِ، وَهِيَ الْأَنَفَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَا لَمْ تُضْمِرُوا الْإِمَاقَ» "، أَيْ لَمْ تُضْمِرُوا أَنَفَةً مِمَّا يَلْزَمُكُمْ مِنْ صَدَقَةٍ.

(مَأَلَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَاللَّامُ. قَدْ ذَكَرُوا فِيهَا كَلِمَاتٍ مَا أَحْسَبُهَا صَحِيحَةً، لَكِنَّنِي كَتَبْتُهَا لِلْمَعْرِفَةِ. يَقُولُونَ: مَأَلْتُ لِلْأَمْرِ: اسْتَعْدَدْتُ. وَيَقُولُونَ: امْرَأَةٌ مَأْلَةٌ: سَمِينَةٌ. وَيَقُولُونَ: الْمَأْلَةُ: الرَّوْضَةُ، وَالْجَمْعُ مِئَالٌ. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ.

(5/291)


(مَأَنَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالنُّونُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا.
فَالْأُولَى الْمَأْنَةُ: الطِّفْطِفَةُ، وَالْجَمْعُ مَأَنَاتٌ. قَالَ:
إِذَا مَا كُنْتِ مُهْدِيَةً فَأَهْدِي ... مِنَ الْمَأَنَاتِ أَوْ قِطَعِ السَّنَامِ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَأَنْتُ الرَّجُلَ: أَصَبْتُ مَأْنَتَهُ. وَقَوْلُهُمْ: مَا مَأَنْتُ مَأْنَهُ، أَيْ لَمْ أَشْعُرْ بِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَاءَنْتُ فِي الْأَمْرِ، مِثْلُ مَاعَنْتُ، أَيْ رَوَّأْتُ. أَمَّا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ» " فَمِنْ بَابِ إِنَّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ.

(مَأَيَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: الْمَأْيُ: النَّمِيمَةُ وَالْإِفْسَادُ بَيْنَ الْقَوْمِ. يُقَالُ مَأَيْتُ بَيْنَهُمْ. قَالَ:
وَمَأْيٌ بَيْنَهُمْ أَخُو نُكُرَاتٍ
وَإِمَّا الْمِائَةُ فَيَقُولُونَ: أَمْأَيْتُ الدَّرَاهِمَ: جَعَلْتُهَا مِائَةً.

(مَأَجَ) الْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْمَأْجُ: الْمِلْحُ. يُقَالُ مَؤُجَ يَمْؤُجُ فَهُوَ مَأْجٌ بَيِّنُ الْمُؤُوجَةِ. قَالَ:
نَأَتْ عَنْهَا الْمُؤُوجَةُ وَالْبَحْرُ.

(5/292)


[بَابُ الْمِيمِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَتَحَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْحَاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَدِّ الشَّيْءِ وَإِطَالَتِهِ. وَمَتَحَ النَّهَارُ: امْتَدَّ. وَلَيْلٌ مَتَّاحٌ: طَوِيلٌ. وَمِنْهُ الْمَتْحُ وَهُوَ الِاسْتِقَاءُ ; مَتَحَ يَمْتَحُ مَتْحًا، وَهُوَ مَاتِحٌ وَمَتُوحٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِمَدِّ الرِّشَاءِ. وَبِئْرٌ مَتُوحٌ: قَرِيبَةُ الْمَنْزَعِ.

(مَتَرَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ، وَمَا أَدْرِي مَا هُوَ: مَتَرْتُ الشَّيْءَ: قَطَعْتُهُ ; وَلَعَلَّهُ مِنَ الْإِبْدَالِ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَتَرْتُهُ مَتْرًا. وَامْتَرَّ الْحَبْلُ: امْتَدَّ.

(مَتَسَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالسِّينُ فِيهِ كَلِمَةٌ حَكَاهَا ابْنُ دُرَيْدٍ، هِيَ مَتَسَهُ يَمْتِسُهُ مَتْسًا: أَرَاغَهُ لِيَنْتَزِعَهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(مَتَعَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَامْتِدَادِ مُدَّةٍ فِي خَيْرٍ. مِنْهُ اسْتَمْتَعْتُ بِالشَّيْءِ. وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ: الْمَنْفَعَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] . وَمُتِّعَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالشَّيْءِ، لِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِهِ. وَيُقَالُ أَمْتَعْتُ بِمَالِي، بِمَعْنَى تَمَتَّعْتُ. قَالَ:
خَلِيطَيْنِ مِنْ شَعْبَيْنِ شَتَّى تَجَاوَرَا ... قَدِيمًا وَكَانَا لِلتَّفَرُّقِ أَمْتَعَا
وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ: " بِالتَّفَرُّقِ ". يَقُولُ: لَمْ تَكُنْ مُتْعَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ إِلَّا الْفِرَاقَ. وَيَقُولُونَ: لَئِنِ اشْتَرَيْتَ هَذَا الْغُلَامَ لَتَمْتَعَنَّ مِنْهُ بِغُلَامٍ صَالِحٍ. وَيَقُولُونَ: حَبْلٌ

(5/293)


مَاتِعٌ: جَيِّدٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُدَّةَ تَمْتَدُّ بِهِ. وَيَقُولُونَ: مَتَعَ النَّهَارُ: طَالَ. وَمَتَعَ النَّبَاتُ مُتُوعًا. فَأَمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:
إِلَى خَيْرِ دِينٍ نُسُكُهُ قَدْ عَلِمْتُهُ ... وَمِيزَانُهُ فِي سُورَةِ الْبِرِّ [مَاتِعُ]
فَقَالُوا: مَعْنَاهُ رَاجِحٌ زَائِدٌ. وَمَتَعَ السَّرَابُ: طَالَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مُتُوعًا أَيْضًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْمُتْعَةُ: مَا تَمَتَّعْتَ [بِهِ] . وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّتِي كُرِهَتْ أَحْسَبُهَا مِنْ هَذَا. وَالْمَتَاعُ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ: مَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حَوَائِجِهِ. وَمَتَّعَ اللَّهُ بِهِ فُلَانًا تَمْتِيعًا، وَأَمْتَعَهُ بِهِ إِمْتَاعًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ أَبْقَاهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ فِيمَا أَحَبَّ مِنَ السُّرُورِ وَالْمَنَافِعِ.
وَذَهَبَ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ التَّلَذُّذُ. وَمَتَعَ النَّهَارُ لِأَنَّهُ يُتَمَتَّعُ بِضِيَائِهِ. وَمَتَّعَ السَّرَابُ مُشَبَّهٌ بِتَمَتُّعِ النَّهَارِ. وَالْمَتَاعُ: الِانْتِفَاعُ بِمَا فِيهِ لَذَّةٌ عَاجِلَةٌ.
وَذَهَبَ مِنْهُمْ آخَرُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِدَادُ وَالِارْتِفَاعُ، وَالْمَتَاعُ انْتِفَاعٌ مُمْتَدُ الْوَقْتِ. وَشَرَابٌ مَاتِعٌ: أَحْمَرُ، أَيْ بِهِ يُتَمَتَّعُ لِجَوْدَتِهِ.

(مَتَكَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْكَافُ. يَقُولُونَ: الْمُتْكُ: الْأُتْرُجُّ، وَيُقَالُ الزُّمَاوَرْدُ. وَيُقَالُ: الْمُتْكُ: مَا تُبْقِيهِ الْخَاتِنَةُ.

(مَتَلَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: مَتَلَهُ مَتْلًا: زَعْزَعَهُ.

(مَتَنَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ فِي الشَّيْءِ مَعَ امْتِدَادٍ وَطُولٍ. مِنْهُ الْمَتْنُ: مَا صَلُبَ مِنَ الْأَرْضِ وَارْتَفَعَ وَانْقَادَ، وَالْجَمْعُ

(5/294)


مِتَانٌ. وَرَأَيْتُهُ بِذَلِكَ الْمَتْنِ. وَمِنْهُ شُبِّهَ الْمَتْنَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ: مُكْتَنِفَا الصُّلْبِ مِنْ عَصَبٍ وَلَحْمٍ. وَمَتَنْتُهُ: ضَرَبْتُ مَتْنَهُ. وَيَقُولُونَ: مَتْنَةٌ، يَذْهَبُونَ إِلَى اللَّحْمَةِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَهَا مَتْنَتَانِ خَظَاتَا كَمَا أَكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ وَمَتَنَ قَوْسَهُ: وَتَّرَهَا بِعَقَبٍ مِنْ عَقَبِ الْمَتْنِ. وَمَتَنَ يَوْمَهُ: سَارَهُ أَجْمَعَ، وَهُوَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعَارَةِ. وَمَتَنْتُهُ بِالسَّوْطِ أَمْتِنُهُ: ضَرَبْتُهُ. وَعِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ ضَرْبًا عَلَى الْمَتْنِ. وَالْمُمَاتَنَةُ: الْمُبَاعَدَةُ فِي الْغَايَةِ. وَسَارَ سَيْرًا مُمَاتِنًا: شَدِيدًا بَعِيدًا. وَمَاتَنَهُ: مَاطَلَهُ. وَمِنَ الْبَابِ مُمَاتَنَةُ الشَّاعِرَيْنِ، إِذَا قَالَ هَذَا بَيْتًا وَذَلِكَ بَيْتًا، كَأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ إِلَى غَايَةٍ يُرِيدَانِهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ مَتَنْتُ الدَّابَّةَ: شَقَقْتُ صَفْنَهُ وَاسْتَخْرَجْتُ بَيْضَتَهُ.

(مَتَهَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْهَاءُ. يَقُولُونَ: التَّمَتُّهُ: الذَّهَابُ فِي الْبَطَالَةِ وَالْغَوَايَةِ. وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، الْهَاءُ مِنَ الْحَاءِ، كَأَنَّهُ التَّمَتُّحُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَمَتَهْتُ الدَّلْوَ: مَتَحْتُهَا.

(مَتِيَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْحَرْفُ فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: إِحْدَاهَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ زَمَانٍ. تَقُولُ: مَتَى يَخْرُجُ زَيْدٌ؟ وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ. يَقُولُونَ: تَمَتَّى فِي نَزْعِ الْقَوْسِ، وَهُوَ مَنْ تَمَطَّى وَتَمَطَّطَ، وَقَدْ ذُكِرَ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(5/295)


فَأَتَتْهُ الْوَحْشُ وَارِدَةً فَتَمَتَّى النَّزْعَ فِي يَسَرِهْ وَالثَّالِثَةُ كَلِمَةٌ هَذَلِيَّةٌ، يَقُولُونَ: جَعَلْتُهُ مَتَى كُمِّي، أَيْ فِي وَسَطِ كُمِّي. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَثَعَ) الْمِيمُ وَالثَّاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: الْمَثْعَاءُ: مِشْيَةٌ قَبِيحَةٌ. يُقَالُ: مَثَعَتِ الضَّبُعُ تَمْثَعُ. قَالَ الرَّاجِزُ:
كَالضَّبُعِ الْمَثْعَاءِ عَنَّاهَا السُّدُمْ.

(مَثَلَ) الْمِيمُ وَالثَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُنَاظَرَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ. وَهَذَا مِثْلُ هَذَا، أَيْ نَظِيرُهُ، وَالْمِثْلُ وَالْمِثَالُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَرُبَّمَا قَالُوا مَثِيلٌ كَشَبِيهٍ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَمْثَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا: قَتَلَهُ قَوَدًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا كَانَ فَعَلَهُ. وَالْمَثَلُ: الْمِثْلُ أَيْضًا، كَشَبَهٍ وَشِبْهٍ. وَالْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يُذْكَرُ مُوَرًّى بِهِ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُمْ: مَثَّلَ بِهِ، إِذَا نَكَّلَ، هُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إِذَا نُكِّلَ بِهِ جُعِلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِكُلِّ مَنْ صَنَعَ

(5/296)


ذَلِكَ الصَّنِيعَ أَوْ أَرَادَ صُنْعَهُ. وَيَقُولُونَ: مَثَّلَ بِالْقَتِيلِ: جَدَعَهُ. وَالْمَثُلَاتُ مِنْ هَذَا أَيْضًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} [الرعد: 6] ، أَيِ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي تَزْجُرُ عَنْ مِثْلِ مَا وَقَعَتْ لِأَجْلِهِ، وَوَاحِدُهَا مَثُلَةٌ كَسَمُرَةٍ وَصَدُقَةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الَّتِي تَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ فَتُجْعَلُ مِثَالًا يَنْزَجِرُ بِهِ وَيَرْتَدِعُ غَيْرُهُ. وَمَثَلَ الرَّجُلُ قَائِمًا: انْتَصَبَ، وَالْمَعْنَى ذَاكَ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مِثَالٌ نُصِبَ. وَجَمْعُ الْمِثَالِ أَمْثِلَةٌ. وَالْمِثَالُ: الْفِرَاشُ وَالْجَمْعُ مُثُلٌ، وَهُوَ شَيْءٌ يُمَاثِلُ مَا تَحْتَهُ أَوْ فَوْقَهُ. وَفُلَانٌ أَمْثَلُ بَنِي فُلَانٍ: أَدْنَاهُمْ لِلْخَيْرِ، أَيْ إِنَّهُ مُمَاثِلٌ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ. وَهَؤُلَاءِ أَمَاثِلُ الْقَوْمِ، أَيْ خِيَارُهُمْ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَجَدَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى بُلُوغِ النِّهَايَةِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَحْمُودٍ. مِنْهُ الْمَجْدُ: بُلُوغُ النِّهَايَةِ فِي الْكَرَمِ. وَاللَّهُ الْمَاجِدُ وَالْمَجِيدُ، لَا كَرَمَ فَوْقَ كَرَمِهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَاجَدَ فُلَانٌ فُلَانًا: فَاخَرَهُ. وَيَقُولُونَ مَثَلًا: " فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ "، أَيِ اسْتَكْثَرَا مِنَ النَّارِ وَأَخَذَا مِنْهَا مَا هُوَ حَسْبُهُمَا، فَهُمَا قَدْ تَنَاهَيَا فِي ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّهُ يُقْبَسُ مِنْهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَجَدَتِ الْإِبِلُ مُجُودًا، فَقَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّهَا نَالَتْ قَرِيبًا مِنْ شِبَعِهَا مِنَ الرُّطْبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَمْجَدْتُ الدَّابَّةَ: عَلَفْتُهَا مَا كَفَاهَا. وَهَذَا أَشْبَهُ بِقِيَاسِ الْبَابِ.

(مَجَرَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَا تَنْقَاسُ. فَالْأَوْلَى الْمَجْرُ، وَهُوَ الدَّهْمُ الْكَثِيرُ.

(5/297)


وَالثَّانِيَةُ الْمَجْرُ: أَنْ يُبَاعَ الشَّيْءُ بِمَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنِ الْمَجْرِ» . وَكَانَتْ [الْعَرَبُ] فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَفْعَلُهُ.
وَالثَّالِثَةُ الْمَجَرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ فِي بُطُونِ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ مِنْ دَاءٍ. وَشَاةٌ مُمْجِرٌ وَمِمْجَارٌ، إِذَا حَمَلَتْ فَهُزِلَتْ فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْقِيَامَ إِلَّا بِمَنْ يُقِيمُهَا، وَقَلَّمَا تَسْلَمُ مِنْهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ: " الضَّأْنُ مَالُ صِدْقٍ إِذَا أَفْلَتَتْ مِنَ الْمَجَرِ ".

(مَجَسَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ مَا نَعْرِفُ لَهَا قِيَاسًا، وَأَظُنُّهَا فَارِسِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُنَا هَؤُلَاءِ الْمَجُوسُ. يُقَالُ: تَمَجَّسَ الرَّجُلُ، إِذَا صَارَ مِنْهُمْ.

(مَجَعَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ. فَالْأُولَى الْمَجْعُ: أَكْلُ التَّمْرِ بِاللَّبَنِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَجِيعُ. وَالْمَجَّاعَةُ: الْمُكْثِرُ مِنْهُ. وَمَجَاعَةُ التَّمْرِ وَاللَّبَنِ: بَقِيَّتُهُ. وَشَرِبَ الْمَجَاعَةَ.
وَالْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى رَدَاءَةِ الشَّيْءِ وَقِلَّةِ خَيْرِهِ. يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ رَدِيءٍ مِجْعٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْمَاجِنِ مَجِعٌ. وَامْرَأَةٌ مَجِعَةٌ: تَكَلَّمُ بِالْفُحْشِ. وَفِي نِسَاءِ بَنِي فُلَانٍ مَجَاعَةٌ، وَهِيَ أَنْ يُصَرِّحْنَ بِمَا يُكْنَى عَنْهُ مِنَ الرَّفَثِ.

(مَجَلَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَجِلَتْ يَدُهُ تَمْجَلُ وَمَجَلَتْ تَمْجُلُ: تَنَفَّطَتْ. وَيَقُولُونَ: جَاءَتِ الْإِبِلُ كَأَنَّهَا الْمَجْلُ، أَيْ مُمْتَلِئَةٌ كَامْتِلَاءِ الْمَجْلِ، وَتَمَجَّلَ قَيْحًا: امْتَلَأَ.

(5/298)


وَغَلَطَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي هَذَا الْبِنَاءِ فِي مَوْضِعَيْنِ: ذَكَرَ أَنَّ الْمَاجِلَ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ (أَجَلْ) ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَجَلَّةَ: الصَّحِيفَةُ، هُوَ مِنْ (جَلَّ) .

(مَجَنَ) الْمِيمُ وَالْجِيمُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ مَجَنَ، يُقَالُ: إِنَّ الْمُجُونَ: أَلَّا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ مَا صَنَعَ. قَالُوا: وَقِيَاسُهُ مِنَ النَّاقَةِ الْمُمَاجِنُ، وَهِيَ الَّتِي يَنْزُو عَلَيْهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُحُولَةِ، فَلَا تَكَادُ تُلَقَّحُ. وَالْمَجَّانُ، هُوَ عَطِيَّةُ الرَّجُلِ شَيْئًا بِلَا ثَمَنٍ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَحَزَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالزَّاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمَحْزُ: النِّكَاحُ، وَمَحَزَهَا مَحْزًا.

(مَحَشَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِحْرَاقِ النَّارِ شَيْئًا حَتَّى يَنْسَحِجَ جِلْدُهُ. يُقَالُ: مَحَشَتِ النَّارُ الشَّيْءَ تَمْحَشُهُ. وَامْتَحَشَ الْخُبْزُ: احْتَرَقَ. وَرَوَى ابْنُ السِّكِّيتِ: أَمْحَشَهُ الْحَرُّ. وَيُقَالُ: امْتَحَشَ، إِذَا غَضِبَ ; وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْغَضَبَ لِحَرَارَتِهِ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، كَأَنَّهُ أَحْرَقَ. وَيُقَالُ لِلسَّنَةِ الْجَدْبِ: قَدْ أَمْحَشَتْ كُلَّ شَيْءٍ. فَأَمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:
جَمِّعْ مِحَاشَكَ يَا يَزِيدُ، فَإِنَّنِي ... أَعْدَدْتُ يَرْبُوعًا لَكُمْ وَتَمِيمَا

(5/299)


فَقَالُوا: مَعْنَاهُ جَمِّعْ هَذِهِ الْقَبَائِلَ، وَكَانُوا قَبَائِلَ تَحَالَفُوا بِالنَّارِ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا: مَحَشَ وَجْهَهُ بِالسَّيْفِ مَحْشَةً: ضَرَبَهُ فَقَشَرَ الْجِلْدَ. وَمَرَّتْ غِرَارَةٌ فَمَحَشَتْنِي، أَيْ سَحَجَتْنِي.

(مَحَصَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالصَّادُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَخْلِيصِ شَيْءٍ وَتَنْقِيَتِهِ. وَمَحَصَهُ مَحْصًا: خَلَّصَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ. [وَ] مَحَصَ اللَّهُ الْعَبْدَ مِنَ الذَّنْبِ: طَهَّرَهُ مِنْهُ وَنَقَّاهُ، وَمَحَّصَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 141] . وَمَحَّصْتُ الذَّهَبَ بِالنَّارِ: خَلَّصْتُهُ مِنَ الشَّوْبِ. وَقَوْلُهُمْ: فَرَسٌ مُمَحَّصٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ الشَّدِيدُ الْخَلْقِ وَقِيَاسُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ الْبَرِيءُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَكَذَلِكَ الْمَحِصُ مِنَ الْحِبَالِ وَالْأَوْتَارِ: مَا مُحِصَ حَتَّى ذَهَبَ زِئْبِرُهُ وَلَانَ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
لَهَا مَحِصٌ غَيْرُ جَافِي الْقُوَى ... إِذَا مُطْيَ حَنَّ بِوَرَكْ حُدَالِ.

(مَحَضَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خُلُوصِ الشَّيْءِ. مِنْهُ اللَّبَنُ الْمَحْضُ: الْخَالِصُ ; وَعَرَبِيٌّ مَحْضٌ. وَالْمَحْضُ يُشْتَقُّ مِنْهُ مَحَضْتُهُمْ: سَقَيْتُهُمْ

(5/300)


ذَلِكَ. وَامْتَحَضْتُ أَنَا: شَرِبْتُ الْمَحْضَ. وَأَمْحَضْتُكَ الْحَدِيثَ: صَدَقْتُكَهُ. وَكَذَا النَّصِيحَةُ [وَ] الْوُدُّ. قَالَ:
قُلْ لِلْغَوَانِي أَمَا فِيكُنَّ فَاتِكَةٌ ... تَعْلُو اللَّئِيمَ بِضَرْبٍ فِيهِ إِمْحَاضُ.

(مَحَقَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ. وَمَحَقَهُ: نَقَصَهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ نَقَصَ وُصِفَ بِهَذَا. وَالْمَُِحَاقُ: آخِرُ الشَّهْرِ إِذَا تَمَحَّقَ الْهِلَالُ. وَمَحَقَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ بِبَرَكَتِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَمْحَقَهُ ; وَهُوَ رَدِيءٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْإِمْحَاقُ أَنْ يَهْلِكَ كَمِحَاقِ الْهِلَالِ. وَقَوْلُهُمْ: مَاحِقُ الصَّيْفِ: شِدَّةُ حَرِّهِ، أَيْ إِنَّهُ بِشِدَّةِ الْحَرِّ يَمْحَقُ النَّبَاتَ، أَيْ يُوبِسُهُ، وَيَذْهَبُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ، فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:
يُقَلِّبُ صَعَدَةً جَرْدَاءَ فِيهَا ... نَقِيعُ السُّمِّ أَوْ قَرْنٌ مُحِيقٌ
إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَحْقِ، إِنَّمَا هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ حُقْتُ أَحُوقُ وَحِقْتُ أَحِيقُ، أَيْ دَلَّكْتُ وَمَلَّسْتُ.

(مَحَكَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْمَحْكُ: التَّمَادِي وَاللَّجَاجُ. وَتَمَاحَكَ الْخَصْمَانِ: تَلَاجَّا. وَهُوَ مَحِكٌ.

(5/301)


(مَحَلَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا قِلَّةُ الْخَيْرِ، وَالْآخَرُ الْوِشَايَةُ وَالسِّعَايَةُ.
فَالْمَحْلُ: انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَيُبْسُ الْأَرْضِ مِنَ الْكَلَأِ. يُقَالُ: أَرْضٌ مُحُولٌ، عَلَى فُعُولٍ بِالْجَمْعِ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوَاضِعِ. وَأَمْحَلَتْ فَهِيَ مُمْحِلٌ. وَأَمْحَلَ الْقَوْمُ. وَزَمَانٌ مَاحِلٌ.
وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مَحَلَ بِهِ، إِذَا سَعَى بِهِ. وَفِي الدُّعَاءِ: " «لَا تَجْعَلِ الْقُرْآنَ بِنَا مَاحِلًا» "، أَيْ لَا تَجْعَلْهُ يَشْهَدُ عِنْدَكَ عَلَيْنَا بِتَرْكِنَا اتِّبَاعَهُ، أَيِ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتْبَعُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ.
وَمَا يُبَايِنُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ: لَبَنٌ مُمَحَّلٌ، مَحَّلَهُ الْقَوْمُ، أَيْ حَقَنُوهُ.

(مَحَنَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالنُّونُ كَلِمَاتٌ ثَلَاثٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. الْأُولَى الْمَحْنُ: الِاخْتِبَارُ. وَمَحَنَهُ وَامْتَحَنَهُ. وَالثَّانِيَةُ: أَتَيْتُهُ فَمَا مَحَنَنِي شَيْئًا، أَيْ مَا أَعْطَانِيهِ. وَالثَّالِثَةُ مَحَنَهُ سَوْطًا: ضَرَبَهُ.

(مَحَوَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الذَّهَابِ بِالشَّيْءِ. وَمَحَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ: ذَهَبَتْ بِهِ. وَتُسَمَّى الشَّمَالُ مَحْوَةً، لِأَنَّهَا تَمْحُو السَّحَابَ. وَمَحَوْتُ الْكِتَابَ أَمْحُوهُ مَحْوًا. وَامَّحَى الشَّيْءُ: ذَهَبَ أَثَرُهُ، كَذَلِكَ امْتَحَى.

(5/302)


(مَحَتَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالتَّاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، إِنَّمَا هُوَ مَقْلُوبٌ. يَقُولُونَ: الْمَحْتُ: الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَيَوْمٌ مَحْتٌ: شَدِيدُ الْحَرِّ. وَالْأَصْلُ الْحَمْتُ.

(مَحَجَ) الْمِيمُ وَالْحَاءُ وَالْجِيمُ. يَقُولُونَ: مَحَجَتِ الْأَرْضَ الرِّيحُ: مَسَحَتِ التُّرَابَ عَنْهَا. وَمَحَجْتُ اللَّحْمَ: قَشَرْتُهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالْمَحْجُ: مَسْحُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَمَحَجْتُ الْأَدِيمَ وَالْحَبْلَ، إِذَا دَلَّكْتُهُ لِيَلِينَ. قَالَ: وَمَاحَجْتُهُ مُمَاحَجَةً وَمِحَاجًا، إِذَا مَاطَلْتُهُ. وَإِنْ صَحَّ الْبَابُ فَأَصْلُهُ الْمَسْحُ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَخَرَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَقٍّ وَفَتْحٍ. يُقَالُ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ الْمَاءَ مَخْرًا: شَقَّتْهُ. قَالَ الرَّاجِزُ فِي نِسَاءٍ يَخْتَصِمْنَ وَيَسْتَعِنَّ بِأَيْدِيهِنَّ، كَمَا يَفْعَلُ السَّابِحُ:
مُقَدِّمَاتٌ أَيْدِيَ الْمَوَاخِرِ
وَيُقَالُ: مَخَرْتُ الْأَرْضَ، إِذَا أَرْسَلْتَ فِيهَا الْمَاءَ. وَيُقَالُ اسْتَمْخَرْتُ الرِّيحَ، إِذَا اسْتَقْبَلْتَهَا بِأَنْفِكَ. وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، كَأَنَّكَ تَشُقُّ الرِّيحَ بِأَنْفِكَ. وَقَوْلُهُمْ: امْتَخَرْتُ الْقَوْمَ، إِذَا انْتَقَيْتَ خِيَارَهُمْ، كَأَنَّهُ شَقَّ النَّاسَ إِلَيْهِ حَتَّى انْتَخَبَهُ. قَالَ:
مِنْ نُخْبَةِ النَّاسِ الَّتِي كَانَ امْتَخَرْ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْيَمْخُورُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ. فَأَمَّا بَنَاتُ مَخْرٍ فَهِيَ

(5/303)


سَحَابٌ تَنْشَأُ فِي الصَّيْفِ، وَلَيْسَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْإِبْدَالِ وَالْأَصْلُ الْبَاءُ " بَخْرٌ "، وَقَدْ مَرَّ.

(مَخَضَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابِ شَيْءٍ فِي وِعَائِهِ مَائِعٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. وَمَخَضْتُ اللَّبَنَ أَمْخُضُهُ مَخْضًا. وَالْمَخْضُ: هَدْرُ الْبَعِيرِ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ يَمْخُضُ فِي شِقْشِقَتِهِ شَيْئًا. وَالْمَاخِضُ: الْحَامِلُ إِذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ. وَهَذَا أَيْضًا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّ الَّذِي فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مَائِعٌ يَتَمَخَّضُ. وَالْمَخَاضُ: النُّوقُ الْحَوَامِلُ، وَاحِدَتُهَا خَلِفَةٌ. وَيُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ إِذَا أُرْسِلَ الْفَحْلُ فِي الْإِبِلِ الَّتِي فِيهَا أُمُّهُ: ابْنُ مَخَاضٍ، لَقِحَتْ أُمُّهُ أَمْ لَا.

(مَخَطَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ، يَدُلُّ عَلَى بُرُوزِ شَيْءٍ مِنْ كِنِّهِ، صَحِيحٌ. وَامْتَخَطَ السَّيْفَ: انْتَضَاهُ. وَأَمْخَطَ السَّهْمَ: أَنْفَذَهُ إِمْخَاطًا. وَرُبَّمَا قَالُوا: امْتَخَطَ مَا فِي يَدِهِ: اخْتَلَسَهُ.

(مَخَنَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالنُّونُ يَقُولُونَ: الْمَخْنُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ.

(مَخَيَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. يَقُولُونَ: تَمَخَّى مِنَ الشَّيْءِ وَامَّخَى مِنْهُ: تَبَرَّأَ مِنْهُ وَتَحَرَّجَ. قَالَ:
وَلَمْ تُرَاقِبْ مَأْثَمًا فَتَمَّخِهْ ... مِنْ ظُلْمِ شَيْخٍ آضَ مِنْ تَشَيُّخِهْ.

(5/304)


(مَخَجَ) الْمِيمُ وَالْخَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: مَخَجَ الْبِئْرَ، إِذَا خَضْخَضَهَا. قَالَ:
يَزِيدُهَا مَخْجُ الدِّلَا جُمُومَا
وَيُكَنُّونَ بِهِ عَنِ الْبِضَاعِ، فَيُقَالُ: مَخَجَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَدَرَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طِينٍ مُتَحَبِّبٍ، ثُمَّ يُشَبَّهُ [بِهِ] . فَالْمَدَرُ مَعْرُوفٌ، وَالْوَاحِدَةُ مَدَرَةٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا: سُمِّيَتِ الْبَلْدَةُ مَدَرَةٌ. قَالَ:
لَيْلًا وَمَا نَادَى أَذِينَ الْمَدَرَهْ
وَالْمَدْرُ: تَطْيِينُكَ وَجْهَ الْحَوْضِ بِالطِّينِ، وَهُوَ الْمَدَرُ الْمَبْلُولُ بَلًّا بِالْمَاءِ. وَمَكَانُ ذَلِكَ الطِّينِ مَمْدَرَةٌ. وَالْأَمْدَرُ مِنَ الضِّبَاعِ، لَوْنُهُ لَوْنُ الْمَدَرِ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَمْدَرُ: عَظِيمُ الْجَنْبَيْنِ، وَأَظُنُّهُ مِنْ تَرَاكُمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ مَدَرٌ.

(5/305)


(مَدَسَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ. ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْمَدْسُ: الدَّلْكُ وَالْفَرْكُ. وَمَدَسْتُ الْأَدِيمَ مَدْسًا.

(مَدَشَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالشِّينُ. يَقُولُونَ مَدْشَاءُ: لَا لَحْمَ عَلَى يَدَيْهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَدِشَتْ عَيْنُهُ: أَظْلَمَتْ، وَالرَّجُلُ مَدِشٌ.

(مَدَقَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ: مَدَقْتُ الصَّخْرَ وَغَيْرَهُ: كَسَرْتُهُ.

(مَدَلَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ مِنْ كَلِمَاتِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا: الْمِدْلُ: اللَّبَنُ الْخَاثِرُ.

(مَدَنَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَدِينَةٌ، إِنْ كَانَتْ عَلَى فَعِيلَةٍ، وَيَجْمَعُونَهَا مُدُنًا. وَمَدَّنْتُ مَدِينَةً.

(مَدَهَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْهَاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، لِأَنَّ هَاءَهُ عَنْ حَاءٍ، التَّمَدُّحُ وَالتَّمَدُّهُ. وَمَدَهْتُهُ. قَالَ:

(5/306)


لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ
قَالَ الْخَلِيلُ: الْمَدْهُ يُضَارِعُ الْمَدْحَ، إِلَّا أَنَّ الْمَدْهَ فِي نَعْتِ الْجَمَالِ وَالْهَيْئَةِ، وَالْمَدْحَ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

(مَدَيَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ فِي شَيْءٍ وَإِمْدَادٍ. مِنْهُ الْمَدَى: الْغَايَةُ. وَالْمَدِيُّ فِيمَا يُقَالُ: الْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ، وَالْحَوْضُ الَّذِي يُمِدُّ مَاؤُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالْجَمْعُ أَمْدِيَةٌ. قَالَ:
إِذَا أُمِيلَ فِي الْمَدِيِّ فَاضَا
وَالْمُدْيُ: مِكْيَالٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْمُدْيَةُ: الشَّفْرَةُ، وَجَمْعُهَا مُدًى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنَ الْبَابِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إِذَا ذُبِحَتِ الذَّبِيحَةُ بِهَا كَانَ ذَلِكَ مَدَاهَا. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو عَلِيٍّ.

(5/307)


(مَدَحَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى وَصْفِ مَحَاسِنَ بِكَلَامٍ جَمِيلٍ. وَمَدَحَهُ يَمْدَحُهُ مَدْحًا: أَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ. وَالْأُمْدُوحَةُ: الْمَدْحُ. وَيُقَالُ الْمَنْقَبَةُ أُمْدُوحَةٌ أَيْضًا. قَالَ:
لَوْ كَانَ مِدْحَةُ حَيٍّ مُنْشِرًا أَحَدًا ... أَحْيَا أَبَاكُنَّ يَا لَيْلَى الْأَمَادِيحُ.

(مَدَخَ) الْمِيمُ وَالدَّالُ وَالْخَاءُ. يَقُولُونَ: الْمَدْخُ: الْعَظَمَةُ. وَالتَّمَادُخُ: الْبَغْيُ. قَالَ:
تَمَادَخُ بِالْحِمَى جَهْلًا عَلَيْنَا ... فَهَلَّا بِالْقَنَانِ تُمَادِخِينَا
وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ: تَمَدَّخَتِ النَّاقَةُ: تَلَوَّتْ فِي سَيْرِهَا. وَتَمَدَّخَتْ: امْتَلَأَتْ شَحْمًا.

[بَابُ الْمِيمِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَذِرَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ فِي شَيْءٍ. وَمَذِرَتِ الْبَيْضَةُ: فَسَدَتْ. وَأَمْذَرَتْهَا الدَّجَاجَةُ. وَالتَّمَذُّرُ: خُبْثُ النَّفْسِ. وَمَذِرَتْ لَهُ نَفْسِي. وَمَذِرَتْ مَعِدَتُهُ: فَسَدَتْ. وَالْأَمْذَرُ: الْكَثِيرُ الِاخْتِلَافِ إِلَى الْخَلَاءِ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

(5/308)


وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنَ الْبَابِ قَوْلَهُمْ تَفَرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ.

(مَذَعَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَالْعَيْنُ. يَقُولُونَ فِيهِ الْمَذَّاعُ: الْكَذَّابُ، وَالَّذِي لَا يَكْتُمُ السِّرَّ أَيْضًا. وَمَذَعَ بِبَوْلِهِ: رَمَى بِبَوْلِهِ.

(مَذَقَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ لَا عَلَى جِهَةِ النَّصَاحَةِ.
مِنْ ذَلِكَ مَذَقَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ تَكْثِيرُهُ. وَاشْتُقَّ مِنْهُ الْمَذَّاقُ: الَّذِي يَمْذُقُ الْوُدَّ بِمَلَلٍ يَكُونُ فِيهِ. وَالْمَذْقُ: اللَّبَنُ الْمَمْزُوجُ أَيْضًا، وَكَذَا الْمَذِيقُ.

(مَذَلَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ وَقِلَّةِ تَشَدُّدٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ الِامْذِلَالُ: الْفَتْرَةُ فِي النَّفَسِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[وَذِكْرُ الْبَيْنِ يَصْدَعُ فِي فُؤَادِي ... وَيُعْقِبُ فِي مَفَاصِلِيَ] امْذِلَالَا
وَالْمَذِيلُ: الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَتَقَارُّ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْمَذِلُ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ مَالٍ وَسِرٍّ، إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِ نَفْسِهِ. وَمَذِلَ مِنْ كَلَامِهِ: قَلِقَ.

(مَذِيَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى سُهُولَةٍ فِي جَرَيَانِ شَيْءٍ مَائِعٍ. مِنْهُ الْمَذْيُ، وَهُوَ أَرَقُّ مَا يَكُونُ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ مَذَيْتُ وَأَمْذَيْتُ، [وَ] فِيهِ الْوُضُوءُ.

(5/309)


وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْمِذَاءُ: أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ نِسَاءٍ وَرِجَالٍ يُخَلِّيهِمْ يُمَاذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " الْغَيْرَةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْمِذَاءُ مِنَ النِّفَاقِ ". وَيَقُولُونَ: إِنَّ مَاذِيَّ الْعَسَلِ أَبْيَضُهُ. وَقِيَاسُ الْبَابِ أَنَّ الْمَاذِيَّ السَّهْلُ الْجِرْيَةِ اللَّيِّنُ. وَكَذَا الدُّرُوعُ الْمَاذِيَّةُ: السَّلِسَةُ. وَالْخَمْرُ مَاذِيَّةٌ، إِذَا سُهِّلَتْ فِي حَلْقِ شَارِبِهَا.

(مَذَحَ) الْمِيمُ وَالذَّالُ وَالْحَاءُ. يَقُولُونَ: الْمَذَحُ: أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فَتَسْحَجَ إِحْدَى [رِجْلَيْهِ] الْأُخْرَى.

[بَابُ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَرَزَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَقْطِيعِ شَيْءٍ وَخَدْشِهِ. وَمَرَزَتِ الْمَرْأَةُ الْعَجِينَ: قَطَّعَتْهُ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ مَِرْزَةٌ. وَيَقُولُونَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا: امْتَرَزَ عِرْضَهُ، إِذَا نَالَ مِنْهُ. وَمَرَزَ جِلْدَهُ: خَدَشَهُ.

(مَرَسَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مُضَامَّةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ بِشِدَّةٍ وَقُوَّةٍ.
مِنْهُ الْمَرَسُ: الْحَبْلُ، سُمِّيَ لِتَمَرُّسِ قُوَاهُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَالْجَمْعُ أَمَرَاسٌ وَمَرِسَ الْحَبْلُ يَمْرَسُ مَرَسًا: وَقَعَ بَيْنَ الْخُطَّافِ وَالْبَكْرَةِ، فَأَنْتَ تُعَالِجُهُ أَنْ تُخْرِجَهُ. وَرَجُلٌ مَرِسٌ: ذُو جَلَدٍ. وَفَحْلٌ مَرَّاسٌ: ذُو مِرَاسٍ شَدِيدٍ. يُقَالُ: امْتَرَسَتِ الْأَلْسُنُ

(5/310)


فِي الْخُصُومَاتِ: أَخَذَ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَمِنْهُ الِامْتِرَاسُ: اللُّزُوقُ بِالشَّيْءِ وَمُلَازَمَتُهُ. قَالَ:
فَنَكِرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بِهِ ... هَوْجَاءُ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ
وَمِنْهُ تَمَرَّسَ فُلَانٌ بِالشَّيْءِ: احْتَكَّ بِهِ. وَالْمَرْمَرِيسُ: الدَّاهِيَةُ.

(مَرَشَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ. يَقُولُونَ: الْمَرْشُ: خَرْقُ الْجِلْدِ بِأَطْرَافِ الْأَظَافِيرِ. وَالْمَرْشُ أَيْضًا: الْخَدْشُ الْخَفِيفُ. وَالْمَرْشُ: الْأَرْضُ تَسِيلُ مِنْ أَدْنَى مَطَرٍ.

(مَرَصَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: الْمَرْصُ مِثْلُ الْمَرْشِ. وَتَمَرَّصَ عَنِ السُّلْتِ قِشْرُهُ: طَارَ. وَهَذَا عِنْدَنَا كَلَامٌ.

(مَرِضَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. مِنْهُ الْعِلَّةُ. مَرِضَ وَ. . . يَمْرَضُ. وَجَمْعُ الْمَرِيضِ مَرْضَى. وَأَمْرَضَهُ: أَعَلَّهُ. وَمَرَّضَهُ: أَحْسَنَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ. وَشَمْسٌ مَرِيضَةٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ مُشْرِقَةً، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِهَبْوَةٍ فِي وَجْهِهَا. وَالنِّفَاقُ مَرَضٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَقَالَ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، قَالُوا: أَرَادَ الْقَهْرَ. وَقَدْ قُلْنَا: الْمَرَضُ: كُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ. وَقِيَاسُهُ مُطَّرِدٌ.
وَقَالُوا: مَرَّضَ فِي الْحَاجَةِ: قَصَّرَ وَلَمْ يَصِحَّ عَزْمُهُ فِيهَا.

(5/311)


وَقَدْ شَذَّتْ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ كَلِمَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْمُشْكِلِ عِنْدَنَا، يَقُولُونَ: أَمْرَضَ إِذَا قَارَبَ إِصَابَةَ حَاجَتِهِ. قَالَ:
وَلَكِنْ تَحْتَ ذَاكَ الشَّيْبِ حَزْمٌ ... إِذَا مَا ظَنَّ أَمْرَضَ أَوْ أَصَابَا.

(مَرَطَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحَاتِّ الشَّيْءِ أَوْ حَتِّهِ. وَتَمَرَّطَ الشَّعْرُ: تَحَاتَّ، وَمَرَطْتُهُ. وَالْأَمْرَطُ مِنَ السِّهَامِ: السَّاقِطُ قُذَذُهُ. وَالْأَمْرَطُ: الْفَرَسُ لَا شَعْرَ عَلَى أَشَاعِرِهِ. وَالْمُرَيْطَاءُ: مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الْعَانَةِ مِنَ الْبَطْنِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ شَعْرًا. وَالْمَرَطَى: سُرْعَةُ الْعَدْوِ، كَأَنَّهُ مِنْ سُرْعَتِهِ يَتَمَرَّطُ عَنْهُ شَعْرُهُ. وَنَاقَةٌ مِمْرَطَةٌ: سَرِيعَةٌ.

(مَرَعَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِصْبٍ وَخَيْرٍ. وَمَرَعَ الْمَكَانُ. وَأَمْرَعَ الْقَوْمُ: أَصَابُوهُ مَرِيعًا. وَأَمْرَعَ الْوَادِي: أَكْلَأَ.

(مَرَغَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَيَلَانِ شَيْءٍ أَوْ إِسَالَةِ شَيْءٍ. وَالْمَرْغُ: اللُّعَابُ. وَأَمْرَغَ الْإِنْسَانُ: سَالَ لُعَابُهُ. وَمَرَّغْتُ الشَّيْءَ: أَشْبَعْتُهُ دُهْنًا. وَالْإِمْرَاغُ فِي الْعَجِينِ: أَنْ يُكَثَّرَ مَاؤُهُ. وَيَقُولُونَ: أَمْرَغَ: أَكْثَرَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ صَوَابٍ، كَأَنَّهُ يُسِيلُهُ إِسَالَةً. وَيُقَالُ أَمْرَغَ عِرْضَهُ وَمَرَّغَهُ، كَأَنَّهُ لَطَخَهُ وَأَسَالَ عَلَيْهِ قَيْحًا.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ مَرَّغْتُهُ فِي التُّرَابِ فَتَمَرَّغَ، أَيْ قَلَّبْتُهُ فَتَقَلَّبَ.

(5/312)


(مَرَقَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. مِنْهُ الْمَرَقُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْرُقُ مِنَ اللَّحْمِ. وَأَمْرَقْتُ الْقِدْرَ وَمَرَقْتُهَا. وَالْمُرُوقُ: الْخُرُوجُ مِنَ الشَّيْءِ. وَمَرَقَ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ: نَفَذَ. وَمَرَقْتَ الْإِهَابَ، إِذَا حَلَقْتَ عَنْهُ صُوفَهُ، وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ لِأَنَّكَ كَأَنَّكَ أَبْرَزْتَ الْجِلْدَ عَنْ شَعْرِهِ. وَإِذَا عُطِنَ الْإِهَابُ حَتَّى يُنْتِنَ فَهُوَ مَرْقٌ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمُرَاقَةَ: الْكَلَأُ الْيَسِيرُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ كَأَنَّهَا تَجَرَّدَتْ وَمَرِقَتْ.

(مَرَنَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينِ شَيْءٍ وَسُهُولَةٍ. وَمَرَنَ الشَّيْءُ يَمْرُنُ مُرُونًا: لَانَ. وَالْمَارِنُ: مَا لَانَ مِنَ الْأَنْفِ وَفَضَلَ عَنِ الْقَصَبَةِ. وَأَمْرَانُ الذِّرَاعِ: عَصَبٌ تَكُونُ فِيهَا، سُمِّيَتْ لِمُرُونِهَا، أَيْ لِينِهَا. وَالْمَرِنُ: الْحَالُ وَالْعَادَةُ. يُقَالُ: مَا زَالَ ذَاكَ مَرِنَهُ، أَيْ حَالَهُ. وَهُوَ فِي شِعْرِ الْكُمَيْتِ، وَهُوَ الْأَمْرُ يَمْرُنُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ، إِذَا اعْتَادَهُ. وَالْمَرْنُ. فِيمَا يُقَالُ: الْفِرَاءُ ; إِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَهِيَ لَيِّنَةٌ. قَالَ النَّمِرُ:
كَأَنَّ جُلُودَهُنَّ ثِيَابُ مَرْنِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَارَنَتِ النَّاقَةُ: انْقَطَعَ لَبَنُهَا. وَالْمَرَانَةُ: نَاقَةُ ابْنِ مُقْبِلٍ. قَالَ:

(5/313)


يَا دَارَ سَلْمَى خَلَاءً لَا أُكَلِّفُهَا ... إِلَّا الْمَرَانَةَ حَتَّى تَعْرِفَ الدِّينَا.

(مَرَهَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بَيَاضٍ فِي شَيْءٍ. سَرَابٌ أَوْ شَرَابٌ، أَمْرَهُ أَيْ أَبْيَضَ. وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَعَهَّدُ الْكُحْلَ مَرْهَاءُ.

(مَرِيَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ يَدُلُّ [أَحَدُهُمَا] عَلَى مَسْحِ شَيْءٍ وَاسْتِدْرَارٍ، وَالْآخَرُ عَلَى صَلَابَةٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ الْمَرْيُ: مَرْيُ النَّاقَةِ، وَذَلِكَ إِذَا مُسِحَتْ لِلْحَلْبِ، يُقَالُ مَرَيْتُهَا أَمْرِيهَا مَرْيًا. وَمِمَّا يُشَبَّهُ بِهَذَا: مَرَى الْفَرَسُ بِيَدِهِ، إِذَا حَرَّكَهَا عَلَى الْأَرْضِ كَالْعَابِثِ، وَكَأَنَّهُ يُشَبَّهُ بِمَنْ يَمْرِي الضَّرْعَ بِيَدِهِ. وَالْمَرَايَا: الْعُرُوقُ الَّتِي تَمْتَلِئُ وَتَدِرُّ بِاللَّبَنِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مُرْيَةُ النَّاقَةِ: أَنْ تُسْتَدَرَّ بِالْمَرْيِ، بِضَمِّ الْمِيمِ هِيَ الْفَصِيحَةُ، وَقَدْ يُقَالُ بِالْكَسْرِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْمَرْوُ: جَمْعُ مَرْوَةَ، وَهِيَ حِجَارَةٌ تَبْرُقُ. قَالَ:
حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوَادِثِ مَرْوَةٌ ... بِصَفَا الْمُشَرَّقِ كُلَّ حِينٍ تَقْرَعُ
وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمِرَاءَ مِمَّا يَتَمَارَى فِيهِ الرَّجُلَانِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِيهِ بَعْضُ الشِّدَّةِ. وَيُقَالُ: مَارَاهُ مِرَاءً وَمُمَارَاةً.

(5/314)


وَمِمَّا شَذَّ مِنْهُمَا الْمِرْيَةُ: الشَّكُّ.

(مَرَأَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْهَمْزَةُ. وَإِذَا هُمِزَ خَرَجَ عَنِ الْقِيَاسِ وَصَارَتْ فِيهِ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ. يُقَالُ امْرُؤٌ وَامْرَآنِ، وَقَوْمُ امْرِئٍ. وَامْرَأَةٌ تَأْنِيثُ امْرِئٍ. وَالْمُرُوَّةُ: كَمَالُ الرُّجُولِيَّةِ، وَهِيَ مَهْمُوزَةٌ مُشَدَّدَةٌ، وَلَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ. وَالْمَرَاءَةُ: مَصْدَرُ الشَّيْءِ الْمَرِيءِ الَّذِي يُسْتَمْرَأُ، وَيُقَالُ مَرَأَنِي الطَّعَامُ وَامْرَأَنِي. وَالْمَرِيءُ: رَأَسُ الْمَعِدَةِ وَالْكَرِشِ اللَّازِقِ بِالْحُلْقُومِ.

(مَرَتَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْمَرْتُ: الْفَلَاةُ الْقَفْرُ. وَمَكَانٌ مَرْتٌ: بَيِّنُ الْمُرُوتَةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ. وَجَمْعُ مَرْتٍ أَمْرَاتٌ وَمُرُوتٌ. وَبَلَغَنَا أَنَّ اشْتِقَاقَ مَارُوتَ مِنْهُ. وَيُقَالُ الْمَرْتُ: أَرْضٌ لَا يَجِفُّ ثَرَاهَا وَلَا يَنْبُتُ مَرْعَاهَا.

(مَرَثَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ، بَلْ هِيَ مِنَ الْإِبْدَالِ. وَمَرَثَ الدَّوَاءَ يَمْرُِثُهُ مِثْلُ مَرَسَهُ يَمْرُسُهُ. وَمِنْهُ رَجُلٌ مِمْرَثٌ: صَبُورٌ عَلَى الْخُصُومَاتِ ; وَالْجَمْعُ مَمَارِثٌ، وَالْأَصْلُ السِّينُ وَقَدْ ذُكِرَتَا.

(مَرَجَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ وَاضْطِرَابٍ.
وَمَرِجَ الْخَاتَمُ فِي الْإِصْبَعِ: قَلِقَ. وَقِيَاسُ الْبَابِ كُلِّهِ مِنْهُ. وَمَرِجَتْ أَمَانَاتُ الْقَوْمِ وَعُهُودُهُمْ: اضْطَرَبَتْ وَاخْتَلَطَتْ. وَالْمَرْجُ: أَصْلُهُ أَرْضٌ ذَاتُ نَبَاتٍ تَمْرُجُ فِيهَا الدَّوَابُّ. [وَ] قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] ، كَأَنَّهُ جَلَّ

(5/315)


ثَنَاؤُهُ أَرْسَلَهُمَا فَمُرِجَا. وَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ.

(مَرِحَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَسَرَّةٍ لَا يَكَادُ يَسْتَقِرُّ مَعَهَا طَرَبًا. وَمَرِحَ يَمْرَحُ. وَفَرَسٌ مِمْرَاحٌ وَمَرُوحٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ، وَمِنْهُ الْمِرَاحُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ:
يَقُولُ الْعَاذِلَاتُ عَلَاكَ شَيْبٌ ... أَهَذَا الشَّيْبُ يَمْنَعُنِي مِرَاحِي
وَقَوْسٌ مَرُوحٌ: يَمْرَحُ مَنْ رَآهَا عَجَبًا بِهَا، وَيُقَالُ بَلِ الَّتِي كَأَنَّ بِهَا مَرَحًا مِنْ حُسْنِ إِرْسَالِهَا السَّهْمَ. وَيَقُولُونَ: عَيْنٌ مِمْرَاحٌ: غَزِيرَةُ الدَّمْعِ. وَهَذَا بَعْضُ قِيَاسِ الْبَابِ، لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا فِيهِ إِلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ قِلَّةِ الِاسْتِقْرَارِ. وَكَذَلِكَ مَرَّحْتُ الْمَزَادَةَ: مَلَأْتُهَا لِتَتَسَرَّبَ وَتَسِيلَ. وَمَرِحَتِ الْعَيْنُ مَرَحَانًا. قَالَ:
كَأَنَّ قَذًى فِي الْعَيْنِ قَدْ مَرِحَتْ بِهِ ... وَمَا حَاجَةُ الْأُخْرَى إِلَى الْمَرَحَانِ
وَمَرْحَى: كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ وَإِعْجَابٍ. يُقَالُ لِلرَّامِي إِذَا أَصَابَ: مَرْحَى لَهُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَإِذَا أَخْطَأَ قَالُوا بَرْحَى. قَالَ:
مَرْحَى وَأَيْحَى إِذَا مَا يُوَالِي.

(5/316)


(مَرَخَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَلْيِينٍ فِي شَيْءٍ. وَمَرَخْتُ الْجِلْدَ بِالدُّهْنِ وَأَمْرَخْتُهُ. وَأَمْرَخْتُ الْعَجِينَ: أَكْثَرْتُ مَاءَهُ حَتَّى يَسْتَرْخِيَ. وَالْمَرْخُ: شَجَرٌ سَرِيعُ الْوَرْيِ. قَالَ:
أَمَرْخٌ خِيَامُهُمْ أَمْ عُشَرْ ... أَمِ الْقَلْبُ فِي إِثْرِهِمْ مُنْحَدِرْ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْمِرِّيخُ: سَهْمٌ طَوِيلٌ يُقْتَدَرُ بِهِ الْغِلَاءُ، لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ ; وَهُوَ نَجْمٌ أَيْضًا.

(مَرَدَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجْرِيدِ الشَّيْءِ مِنْ قِشْرِهِ أَوْ مَا يَعْلُوهُ مِنْ شَعْرِهِ. وَالْأَمْرَدُ: الشَّابُّ لَمْ تَبْدُ لِحْيَتُهُ. وَمَرِدَ يَمْرَدُ. وَمَرَّدَ الْغُصْنُ تَمْرِيدًا: أَلْقَى عَنْهُ لِحَاءَهُ فَتَرَكَهُ أَمْرَدَ، وَمِنْهُ شَجَرَةٌ مَرْدَاءُ. وَالْمَرْدَاءُ: رَمْلَةٌ مُنْبَطِحَةٌ لَا نَبْتَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ مَرَادَى. وَالْمَارِدُ: الْعَاتِي، وَكَذَا الْمَرِيدُ، كَأَنَّهُ تَجَرَّدَ مِنَ الْخَيْرِ. وَالْأَمْرَدُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى ثُنَّتِهِ. وَالْمُمَرَّدُ: الْبِنَاءُ الطَّوِيلُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مُجَرَّدٌ يُشْبِهُ الشَّجَرَةَ الْمَرْدَاءَ. وَيَقُولُونَ: الْمَرَادُ: الْعُنُقُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ إِنْ صَحَّ. وَتَمَرَّدَ فُلَانٌ زَمَانًا: بَقِيَ أَمَرَدَ. وَقَوْلُهُمْ: مَرَدَ الطَّعَامَ يَمْرُدُهُ مَرْدًا: مَاثَهُ حَتَّى يَلِينَ، هُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ مَرَسَ ; فَأُقِيمَتِ الدَّالُ مَقَامَ السِّينِ. وَكَذَا مَرَدَ الصَّبِيُّ ثَدْيَ أُمِّهِ يَمْرُدُهُ. وَكَذَا الْمَرِيدُ: التَّمْرُ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ، كُلُّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ، وَالْأَصْلُ السِّينُ.

(5/317)


[بَابُ الْمِيمِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَزَعَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ وَتَقَطُّعٍ. وَالْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ مُزْعَةٌ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْمِيمُ. وَالْمُزْعَةُ: الْجُرْعَةُ فِي الْإِنَاءِ مِنَ الْمَاءِ. وَفُلَانٌ يَتَمَزَّعُ مِنَ الْغَيْظِ، أَيْ يَكَادُ يَتَقَطَّعُ. وَمِنْهُ مَزَعَ الظَّبْيُ مَزْعًا: أَسْرَعَ، كَأَنَّهُ يَنْقَدُّ مِنْ شِدَّةِ عَدْوِهِ ; وَقَدْ يُقَالُ لِلْفَرَسِ.

(مَزَقَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَخَرُّقٍ فِي شَيْءٍ. وَمَزَقَهُ يَمْزِقُهُ، وَمَزَّقَهُ يُمَزِّقُهُ. وَالْمِزَقُ: قِطَاعُ الثَّوْبِ الْمَمْزُوقِ. وَنَاقَةٌ مِزَاقٌ: سَرِيعَةٌ جِدًّا يَكَادُ يَتَمَزَّقُ عَنْهَا جِلْدُهَا. وَمَزَقَ الطَّائِرُ بِذَرْقِهِ: رَمَى بِهِ. وَمَزَّقْتُ الْقَوْمَ: فَرَّقْتُهُمْ فَتَمَزَّقُوا.

(مَزَنَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ مُتَبَايِنَةِ الْقِيَاسِ: فَالْأُولَى: الْمُزْنُ: السَّحَابُ، وَالْقِطْعَةُ مُزْنَةٌ. وَيُقَالُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَظُنُّهُ مَصْنُوعًا:
كَأَنَّ ابْنَ مُزْنَتِهَا جَانِحًا ... فَسِيطٌ لَدَى الْأُفُقِ مِنْ خِنْصَرِ
إِنَّ ابْنَ الْمُزْنَةِ: الْهِلَالُ. وَالثَّانِيَةُ الْمَازِنُ: بَيْضُ النَّمْلِ. وَالثَّالِثَةُ: مَزَنَ قِرْبَتَهُ: مَلَأَهَا. وَهُوَ يَتَمَزَّنُ عَلَى أَصْحَابِهِ، أَيْ يَتَفَضَّلُ

(5/318)


عَلَيْهِمْ، كَأَنَّهُ يَتَشَبَّهُ بِالْمُزْنِ سَخَاءً. وَلَعَلَّ الْمُزْنَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، وَمَا سِوَاهُ فَمُفَرَّعٌ عَلَيْهِ.

(مَزِيَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالْيَاءُ. يَقُولُونَ: الْمَزِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ: التَّمَامُ وَالْكَمَالُ. وَلَكَ عِنْدِي مَزِيَّةٌ. وَلَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ.

(مَزَجَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ. وَمَزَجَ الشَّرَابَ يَمْزُجُهُ مَزْجًا. وَكَأَنَّ الْعَسَلَ يُسَمَّى الْمَزْجَ قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ يُمْزَجُ بِهِ كُلُّ شَرَابٍ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
فَجَاءَ بِمَزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ ... هُوَ الضَّحْكُ إِلَّا أَنَّهُ عَمَلُ النَّحْلِ
وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ شَيْئَيْنِ مِزَاجٌ لِصَاحِبِهِ.

(مَزَحَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: مَزَحَ مَزْحًا وَمُزَاحَةً: دَاعَبَ ; وَهِيَ الْمُمَازَحَةُ.

(مَزَرَ) الْمِيمُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ: الْأُولَى الْمَزِيرُ: الرَّجُلُ الْقَوِيُّ. قَالَ:
تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ ... وَفِي أَثْوَابِهِ أَسَدٌ مَزِيرٌ
وَالثَّانِيَةُ الْمَزْرُ: الذَّوْقُ وَالشُّرْبُ الْقَلِيلُ، وَكَذَا التَّمَزُّرُ. وَقَالَ:
تَكُونُ بَعْدَ الْحَسْوِ وَالتَّمَزُّرِ ... فِي فَمِهِ مِثْلُ عَصِيرِ السُّكَّرِ
وَيَقُولُونَ: الْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ. وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنَ الْبَابِ.

بَابُ الْمِيمِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا

(5/319)


(مَسَطَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خَرْطِ شَيْءٍ رَطْبٍ، وَعَلَى امْتِدَادِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
يُقَالُ إِنَّ الْمَسِيطَةَ: مَا يَبْقَى فِي الْحَوْضِ مِنَ الْمَاءِ بِكُدُورَةٍ قَلِيلَةٍ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ بِئْرٌ ضَغِيطٌ، وَهُوَ الرَّكِيُّ إِلَى جَنْبِهِ رَكِيٌّ آخَرُ فَيَحْمَأُ فَيُنْتِنُ فَيَسِيلُ فِي الْمَاءِ الْعَذْبِ فَلَا يُشْرَبُ، فَالْبِئْرُ ضَغِيطٌ، وَذَلِكَ الْمَاءُ مَسِيطٌ. قَالَ:
يَشْرَبْنَ مَاءَ الْآجِنِ الضَّغِيطِ ... وَلَا يَعَفْنَ كَدَرَ الْمَسِيطِ
وَمِنَ الْبَابِ الْمَسْطُ: أَنْ تَخْرِطَ فِي السِّقَاءِ مِنْ لَبَنٍ خَاثِرٍ بِأَصَابِعِكَ لِيَخْثُرَ.

(مَسَكَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالْكَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَبْسِ الشَّيْءِ أَوْ تَحَبُّسِهِ. وَالْبَخِيلُ مُمْسِكٌ. وَالْإِمْسَاكُ: الْبُخْلُ ; وَكَذَا الْمَسَاكُ وَالْمِسَاكُ وَالْمَسِيكُ: الْبَخِيلُ أَيْضًا وَرَجُلٌ مُسَكَةٌ، إِذْ كَانَ لَا يَعْلَقُ بِشَيْءٍ فَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ. وَالْمَسَكُ: السِّوَارُ مِنَ الذَّبْلِ: لِاسْتِمْسَاكِهِ بِالْيَدِ، الْوَاحِدَةُ مَسَكَةٌ. قَالَ:

(5/320)


تَرَى الْعَبَسَ الْحَوْلِيَّ جَوْنًا بِكُوعِهَا ... لَهَا مَسَكًا مِنْ غَيْرِ عَاجٍ وَلَا ذَبْلِ
وَالْمَسَكَةُ مِنَ الْبِئْرِ: الْمَكَانُ الصُّلْبُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى طَيٍّ. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ مُتَمَاسِكٌ. وَالْمَسْكُ: الْإِهَابُ، لِأَنَّهُ يُمْسَكُ فِيهِ الشَّيْءُ إِذَا جُعِلَ سِقَاءً.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ الْمِسْكُ مِنَ الطِّيبِ.

(مَسَلَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: الْمَسَلُ، وَالْجَمْعُ مُسْلَانٌ: خَدٌّ فِي الْأَرْضِ يَنْقَادُ وَيَسْتَطِيلُ. وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَالْمِيمُ [فِيهِ زَائِدَةٌ، وَهُوَ] مِنْ بَابِ السِّينِ. [وَمُسَالَا الرَّجُلِ: جَانِبَا لَحْيَيْهِ، الْوَاحِدُ مُسَالٌ، يَكُونُ هَذَا مِنْ أَسِيلٍ فَهُوَ مُسَالٌ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَمَكَانُهُ غَيْرُ هَذَا] . قَالَ:
فَلَوْ كَانَ فِي الْحَيِّ النَّجِيِّ سَوَادُهُ ... لَمَا مَسَحَتْ تِلْكَ الْمُسَالَاتِ عَامِرُ.

(مَسَيَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا. الْأُولَى زَمَانٌ مِنَ الْأَزْمِنَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِصْبَاحِ. يُقَالُ أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا، وَأَتَانَا لِمُسْيِ خَامِسَةٍ وَمِسْيِ خَامِسَةٍ. وَالْمَسَاءُ: خِلَافَ الصَّبَاحِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْمَسْيُ: أَنْ يُدْخِلَ الرَّاعِي يَدَهُ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ يَمْسُطُ مَاءَ الْفَحْلِ مِنْ رَحِمِهَا كَرَاهَةَ أَنْ تَحْمِلَ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمَاسِيَ: الْمَاجِنُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ

(5/321)


الْمَهْمُوزِ، يُقَالُ مَسَأَ، إِذَا مَجَنَ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ مَسَأَ الرَّجُلُ: مَرَنَ عَلَى الشَّيْءِ.

(مَسَحَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ إِمْرَارُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ بَسْطًا. وَمَسَحْتُهُ بِيَدِي مَسْحًا. ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيَقُولُونَ: مَسَحَهَا: جَامَعَهَا. وَالْمَسِيحُ: الَّذِي أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ مَمْسُوحٌ، لَا عَيْنَ لَهُ وَلَا حَاجِبَ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا، لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ. وَالْمَسِيحُ: الْعَرَقُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُمْسَحُ. وَالْمَسِيحُ: الدِّرْهَمُ الْأَطْلَسُ، كَأَنَّ نَقْشَهُ قَدْ مُسِحَ. وَالْأَمْسَحُ: الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي كَأَنَّهُ قَدْ مُسِحَ، وَالْمَسْحُ يَكُونُ بِالسَّيْفِ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعَارَةِ. وَمَسَحَ يَدَهُ بِالسَّيْفِ: قَطَعَهَا.
وَمِنَ الِاسْتِعَارَةِ: مَسَحَتِ الْإِبِلُ يَوْمَهَا: سَارَتْ. وَالْمَسْحَاءُ: الْمَرْأَةُ الرَّسْحَاءُ، كَأَنَّهَا مُسِحَ اللَّحْمُ عَنْهَا. وَعَلَى فُلَانٍ مَسْحَةٌ مِنْ جَمَالٍ، كَأَنَّ وَجْهَهُ مُسِحَ بِالْجَمَالِ مَسْحًا. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسِيحًا، كَأَنَّ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ، وَيَقُولُونَ: كَأَنَّ عَلَيْهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ. وَالْمَسَائِحُ: الذَّوَائِبُ، وَاحِدَتُهَا مَسِيحَةٌ، لِأَنَّهَا تُمْسَحُ بِالدُّهْنِ. فَأَمَّا الْقِسِيُّ فَهِيَ الْمَسَائِحُ، وَاحِدَتُهَا مَسِيحَةٌ، لِأَنَّهَا [تُمْسَحُ] عِنْدَ التَّلْيِينِ. قَالَ:
لَهُ مَسَائِحُ زُورٌ، فِي مَرَاكِضِهَا ... لِينٌ، وَلَيْسَ بِهَا وَهْيٌ وَلَا رَقَقُ

(5/322)


وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ تِمْسَحٌ: مَارِدٌ خَبِيثٌ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَشْبِيهًا بِالَّذِي يُسَمَّى التِّمْسَاحَ.

(مَسَخَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالْخَاءُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْمَسْخُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَشْوِيهٍ وَقِلَّةِ طَعْمِ الشَّيْءِ، وَمَسَخَهُ اللَّهُ: شَوَّهَ خَلْقَهُ مِنْ صُورَةٍ حَسَنَةٍ إِلَى قَبِيحَةٍ. وَرَجُلٌ مَسِيخٌ: لَا مَلَاحَةَ لَهُ. وَطَعَامٌ مَسِيخٌ: لَا مِلْحَ لَهُ وَلَا طَعْمَ. قَالَ:
وَأَنْتَ مَسِيخٌ كَلَحْمِ الْحُوَارِ ... فَلَا أَنْتَ حُلْوٌ وَلَا أَنْتَ مُرُّ
وَيَقُولُونَ: مَسَخْتُ النَّاقَةَ، إِذَا أَدْبَرْتَهَا بِالْإِنْعَابِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْقِسِيُّ الْمَاسِخِيَّةُ، تُنْسَبُ إِلَى مَاسِخَةَ: رَجُلٍ مِنَ الْأَسْدِ. قَالَ:
فَقَرَّبْتُ مُبْرَاةً تَخَالُ ضُلُوعَهَا ... مِنَ الْمَاسِخِيَّاتِ الْقِسِيَّ الْمُوَتَّرَا.

(مَسَدَ) الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَدْلِ شَيْءٍ وَطَيِّهِ. فَالْمَسَدُ: لِيفٌ يُتَّخَذُ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَالْمَسَدُ: حَبْلٌ يُتَّخَذُ مِنْ أَوْبَارِ الْإِبِلِ. قَالَ:
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ
وَامْرَأَةٌ مَمْسُودَةٌ: مَجْدُولَةُ الْخَلْقِ، كَالْحَبْلِ الْمَمْسُودِ، غَيْرِ مُسْتَرْخِيَةٍ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ فِي أَصْلِهِ أَنَّهُ الْفَتْلُ. وَالْمَسَدُ: اللِّيفُ، لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفْتَلَ لِلْحَبْلِ.

(5/323)


[بَابُ الْمِيمِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَشَطَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْمُشْطُ. وَمَشَطَ شَعْرَهُ مَشْطًا. وَالْمُشَاطَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ الشَّعْرِ إِذَا مُشِطَ. وَيُقَالُ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ لِسُلَامَيَاتِ ظَهْرِ الْقَدَمِ: مُشْطٌ.

(مَشَظَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. مَشِظَتْ يَدُهُ: دَخَلَتْ فِيهَا شَظِيَّةٌ مِنْ قَصَبَةٍ.

(مَشَعَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالْعَيْنُ فِيهِ كَلِمَاتٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. يَقُولُونَ الْمَشْعُ: ضَرْبٌ مِنَ الْأَكْلِ، كَأَكْلِكَ الْقِثَّاءَ إِذَا مَضَغْتَهَا. وَيَقُولُونَ التَّمَشُّعُ: الِاسْتِنْجَاءُ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا: " «لَا تَمَشَّعْ بِرَوْثٍ وَلَا عَظْمٍ» "، أَيْ لَا تَسْتَنْجِ بِهِمَا. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: امْتَشَعَ الرَّجُلُ ثَوْبَ صَاحِبِهِ وَاخْتَلَسَهُ. وَذِئْبٌ مَشُوعٌ. وَيَقُولُونَ مَشَعْتُ الْغَنَمَ: حَلَبْتُهَا. وَمَشَعَ: كَسَبَ وَجَمَعَ.

(مَشَغَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، مَشَّغَهُ بِالْقَبِيحِ، لَطَّخَهُ. قَالَ:
أَعْلُو وَعِرْضِي لَيْسَ بِالْمُمَشَّغِ.

(مَشَقَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ. يَقُولُونَ: مَشَقَ، إِذَا أَسْرَعَ الْكِتَابَةَ. وَمَشَقَ: طَعَنَ طَعْنًا بِسُرْعَةٍ. وَمَشَقَ فِي

(5/324)


أَكْلِهِ: أَسْرَعَ وَاشْتَدَّ. وَالْمَشْقُ: جَذْبُ الشَّيْءِ لِيَمْتَدَّ وَيَطُولَ. وَالْوَتَرُ يُمْشَقُ حَتَّى يَلِينَ. وَامْتَشَقْتُ الشَّيْءَ: اقْتَطَعْتُهُ بِسُرْعَةٍ. وَمَشَقْتُ الثَّوْبَ: مَزَّقْتُهُ. وَفَرَسٌ مَشِيقٌ وَمَمْشُوقٌ: طَوِيلٌ مُنْجَرِدٌ خَفِيفٌ. وَجَارِيَةٌ مَمْشُوقَةٌ: حَسَنَةُ الْقَوَامِ. وَالْأَصْلُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ. وَمَشِقَ الرَّجُلُ يَمْشَقُ: اصْطَكَّتْ أَلْيَتَاهُ حَتَّى تَسَحَّجَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْمَشِْقُ: الْمَغْرَةُ. وَثَوْبٌ مُمَشَّقٌ: صُبِغَ بِهَا.

(مَشَنَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالنُّونُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَنَاوُلِ الشَّيْءِ بِضَرْبٍ وَاسْتِلَالٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَالْمَشْنُ: الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، وَمَشَنَهُ. وَامْتَشَنَ السَّيْفَ: اسْتَلَّهُ. وَامْتَشَنَ الشَّيْءَ: اقْتَطَعَهُ. وَمَشَنَ الْجِلْدَ: سَلَخَهُ. وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا مَشَّنَتِ النَّاقَةُ: دَرَّتْ كَارِهَةً.

(مَشَيَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْآخَرُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ.
وَالْأَوَّلُ مَشَى يَمْشِي مَشْيًا. وَشَرِبْتُ مَشُوًّا وَمَشِيًّا، وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُمْشِي.
وَالْآخَرُ الْمَشَاءُ، وَهُوَ النِّتَاجُ الْكَثِيرُ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْمَاشِيَةُ. وَامْرَأَةٌ مَاشِيَةٌ: كَثُرَ وَلَدُهَا. وَأَمْشَى الرَّجُلُ: كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ.

(5/325)


(مَشَجَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْخَلْطُ. وَنُطْفَةٌ أَمْشَاجٌ، وَذَلِكَ اخْتِلَاطُ الْمَاءِ وَالدَّمِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْوَاحِدَ مَشَجَ وَمَشَِجَ وَمَشِيجٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَأَنَّ النَّصْلَ وَالْفُوقَيْنِ مِنْهُ ... خِلَافَ الصَّدْرِ سِيطَ بِهِ مَشِيجُ.

(مَشَرَ) الْمِيمُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَشَعُّبٍ فِي شَيْءٍ وَتَفَرُّقٍ. يُقَالُ: الْمَشْرَةُ: شَبِيهُ خُوصَةٍ تَخْرُجُ فِي الْعِضَاهِ أَيَّامَ الْخَرِيفِ لَهَا وَرَقٌ وَأَغْصَانٌ. يُقَالُ: أَمْشَرَتِ الْعِضَاهُ. وَمَشَرَتِ الْأَرْضُ: أَخْرَجَتْ نَبَاتَهَا. وَمَشَّرْتُ الشَّيْءَ. فَرَّقْتُهُ. قَالَ:
فَقُلْتُ أَشِيعَا مَشِّرَا الْقِدْرَ حَوْلَنَا ... وَأَيُّ زَمَانٍ قَدْرُنَا لَمْ تُمَشِّرِ
وَتَمَشَّرَ فُلَانٌ، إِذَا رُئِيَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْغِنَى، وَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ أَوْرَقَ.

(5/326)


[بَابُ الْمِيمِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَصَعَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَمْعٌ فِي الشَّيْءِ وَحَرَكَةٌ، وَالْآخَرُ ذَهَابُ الشَّيْءِ وَتَوَلِّيهِ.
فَالْأَوَّلُ مَصَعَ الْبَرْقُ: أَوْمَضَ. ثُمَّ يُقَالُ: مَصَعَ الرَّجُلُ: ضَرَبَ بِالسَّيْفِ. وَمِنْهُ الْمُمَاصَعَةُ: الْمُجَالَدَةُ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ رَجُلٌ مَصِعٌ: شَدِيدٌ. وَمَصَعَ ضَرْعَ النَّاقَةِ بِالْمَاءِ: ضَرَبَهُ. وَمَصَعَتِ الْأُمُّ بِالْوَلَدِ: رَمَتْ بِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَصْعَ: الْمَشْيُ. قَالَ:
يَمْصَعُ فِي قِطْعَةِ طَيْلَسَانْ ... مَصْعًا كَمَصْعِ ذَكَرِ الْوِرْلَانْ
وَالْآخَرُ مَصَعَ الشَّيْءُ: وَلَّى وَذَهَبَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَ مَاصِعٌ. وَمَصَعَتِ الْإِبِلُ: نَقَصَتْ أَلْبَانُهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُصَعُ: ثَمَرُ الْعَوْسَجِ.

(مَصَلَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحَلُّبِ شَيْءٍ وَقَطْرِهِ. مِنْهُ الْمَصْلُ: مَاءُ الْأَقِطِ. وَشَاةٌ مُمْصِلٌ، وَذَلِكَ إِذَا تَزَيَّلَ لَبَنُهَا فِي الْعُلْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْقَنَ: وَهِيَ مِمْصَالٌ أَيْضًا. وَمَصَلَ الْجُرْحُ: سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ. وَيُسْتَعَارُ فَيُقَالُ أَعْطَاهُ عَطَاءً مَاصِلًا: قَلِيلًا. وَالْمُمْصِلُ: الْمَرْأَةُ تُلْقِي وَلَدَهَا وَهُوَ مُضْغَةٌ. يُقَالُ: أَمْصَلَتْ. وَأَمْصَلَ الرَّاعِي الْغَنَمَ: حَلَبَهَا فَاسْتَوْعَبَ مَا فِيهَا. وَأَمْصَلَ بِضَاعَتَهُ: أَهْلَكَهَا وَصَرَفَهَا فِيمَا لَا خَيْرَ فِيهِ. أَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ:

(5/327)


أَمْصَلْتُ مَالِي كُلَّهُ وَنَقَصْتُهُ
وَالْمُصَالَةُ: قُطَارَةُ الْحُبِّ.

(مَصَوَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْمَصْوَاءُ: الْمَرْأَةُ لَا لَحْمَ عَلَى فَخِذَيْهَا.

(مَصَتَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالتَّاءُ. ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْمَصْتُ مِثْلُ الْمَصْدِ: الْجِمَاعُ، سَوَاءٌ.

(مَصَحَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الشَّيْءِ. تَقُولُ: مَصَحَ الشَّيْءُ يَمْصَحُ مُصُوحًا: رَسَخَ فِي الثَّرَى وَغَيْرِهِ. وَالدَّارُ تَمْصَحُ، أَيْ تَدْرُسُ وَتَذْهَبُ. وَمَصَحَ الظِّلُّ: قَصُرَ. وَمَصَحَ النَّبَاتُ: وَلَّى وَذَهَبَ لَوْنُ زَهْرِهِ.

(5/328)


(مَصَخَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ، وَهِيَ الْأُمْصُوخُ: وَاحِدُ الْأَمَاصِيخِ، وَهِيَ أَنَابِيبُ الثُّمَامِ. وَتَمَصَّخْتُهَا: أَخَذْتُهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْمَصْخُ لُغَةٌ فِي الْمَسْخِ.

(مَصَدَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ كَلِمَتَانِ غَيْرُ مُتَقَايِسَتَيْنِ.
فَالْأُولَى الْمَصْدُ، يُقَالُ هُوَ الرَّضَاعُ، وَيُقَالُ هُوَ الْجِمَاعُ، مَصَدَهَا مَصْدًا.
وَالْأُخْرَى الْمُصْدَانُ: أَعَالِي الْجِبَالِ، الْوَاحِدُ مَصَادٌ. قَالَ:
مَصَادٌ لِمَنْ يَأْوِي إِلَيْهِمْ وَمَعْقِلُ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَالْمَصْدُ: الْبَرْدُ. وَأَصَابَتْنَا الْعَامَ مَصْدَةٌ، أَيْ مَطَرٌ.

(مَصَرَ) الْمِيمُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ.
الْأَوَّلُ جِنْسٌ مِنَ الْحَلْبِ، وَالثَّانِي تَحْدِيدٌ فِي شَيْءٍ، وَالثَّالِثُ عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ.
فَالْأَوَّلُ: الْمَصْرُ: الْحَلْبُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَنَاقَةٌ مَصُورٌ: لَبَنُهَا بَطِيءُ الْخُرُوجِ لَا تُحْلَبُ إِلَّا مَصْرًا.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْمَصْرُ: حَلْبُ مَا فِي الضَّرْعِ. وَيُقَالُ التَّمَصُّرُ: حَلْبُ بَقَايَا

(5/329)


اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَبَقِيَّةُ اللَّبَنِ: الْمَصْرُ. وَمَصَّرْتُ عَلَيْهِ الشَّيْءَ: أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ قَلِيلًا قَلِيلًا.
وَالثَّانِي: الْمِصْرُ، وَهُوَ الْحَدُّ ; يُقَالُ إِنَّ أَهْلَ هَجَرَ يَكْتُبُونَ فِي شُرُوطِهِمْ: " اشْتَرَى فُلَانٌ الدَّارَ بِمُصُورِهَا "، أَيْ حُدُودِهَا. قَالَ عَدِيٌّ:
وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْرًا لَا خَفَاءَ بِهِ ... بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلَا
وَالْمِصْرُ: كُلُّ كُورَةٍ يُقَسَّمُ فِيهَا الْفَيْءُ وَالصَّدَقَاتُ. وَالثَّالِثُ الْمَصِيرُ، وَهُوَ الْمِعَى، وَالْجَمْعُ مُصْرَانٌ ثُمَّ مَصَارِينٌ. وَمُصْرَانُ الْفَأْرَةِ: ضَرْبٌ مِنْ رَدِيءِ التَّمْرِ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَضَغَ) الْمِيمُ وَالضَّادُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَضْغُ لِلطَّعَامِ. وَمَضَغَهُ يَمْضُغُهُ. وَالْمَضَاغُ: الطَّعَامُ يُمْضَغُ. وَالْمُضَاغَةُ: مَا يَبْقَى فِي الْفَمِ مِمَّا يُمْضَغُ. وَالْمَضْغَةُ: قِطْعَةُ لَحْمٍ، لِأَنَّهَا كَالْقِطْعَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ فَتُمْضَغُ. وَالْمَاضِغَانِ: [مَا] انْضَمَّ مِنَ الشِّدْقَيْنِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذِهِ الْمَضَائِغِ: الْعَقَبَاتُ اللَّوَاتِي عَلَى أَطْرَافِ سِيَتَيِ الْقَوْسِ، الْوَاحِدَةُ مَضِيغَةٌ.

(5/330)


(مَضَى) الْمِيمُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَفَاذٍ وَمُرُورٍ. وَمَضَى يَمْضِي مُضِيَّا. وَالْمَضَاءُ: النَّفَاذُ فِي الْأَمْرِ. وَالْمُضَوَاءُ: التَّقَدُّمُ.
قَالَ الْقَطَامِيُّ:
فَإِذَا خَنَسْنَ مَضَى عَلَى مُضَوَائِهِ.

(مَضَحَ) الْمِيمُ وَالضَّادُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ مَضَحَ عِرْضَهُ يَمْضَحُهُ مَضْحًا: عَابَهُ وَطَعَنَ فِيهِ ; وَأَمْضَحَهُ أَيْضًا.

(مَضَرَ) الْمِيمُ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ قَلِيلُ الْفُرُوعِ. فَالْمَضْرُ بِنَاءُ قَوْلِكَ لَبَنٌ مَضِرٌ وَمَاضِرٌ: شَدِيدُ الْحُمُوضَةِ. وَيُقَالُ: اشْتِقَاقُ مُضَرَ مِنْهُ.
وَالتَّمَضُّرُ: التَّعَصُّبُ لِمُضِرَ. وَقَوْلُهُمْ: ذَهَبَ دَمُهُ خِضْرًا مِضْرًا، أَيْ بَاطِلًا، إِتْبَاعٌ وَلَيْسَ مِنَ الْبَابِ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَطَلَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَدِّ الشَّيْءِ وَإِطَالَتِهِ. وَمَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا: مَدَدْتُهَا. وَالْمَطْلُ فِي الْحَاجَةِ وَالْمُمَاطَلَةُ فِي الْحَرْبِ مِنْهُ.

(مَطَوَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَدٍّ فِي الشَّيْءِ وَامْتِدَادٍ. وَمَطَوْتُ بِالْقَوْمِ أَمْطُو مَطْوًا: مَدَدْتُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(5/331)


مَطَوْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ... وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ
وَالْمَطِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَيُقَالُ بَلْ سُمِّيَتْ لِأَنَّهُ يُرْكَبُ مَطَاهَا، أَيْ ظَهْرُهَا. وَسُمِّيَ الظَّهْرُ الْمَطَا لِلِامْتِدَادِ الَّذِي فِيهِ. وَالْمِطْوُ: الصَّاحِبُ، لِأَنَّهُ يَمْطُو مَعَكَ. قَالَ:
نَادَيْتُ مِطْوِي وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ بِهِمْ ... وَعَبْرَةُ الْعَيْنِ جَارٍ دَمْعُهَا سَجِمُ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: اشْتِقَاقُهُ مِنِ امْتَطَيْتُ الْبَعِيرَ. وَمِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى هَذَا الْمَِطْوِ: عَذْقُ النَّخْلَةِ، لِامْتِدَادِهِ.

(مَطَحَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، حَكَاهَا ابْنُ دُرَيْدٍ، هِيَ الْمَطْحُ: الضَّرْبُ بِالْيَدِ، وَرُبَّمَا كُنِّيَ بِهِ عَنِ الْجِمَاعِ.

(مَطَخَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْخَاءُ لَيْسَ هُوَ بِالْبَابِ الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهِ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَطَخَ عِرْضَهُ، مِثْلَ لَطَخَهُ. وَمَطَخَ: لَعِقَ. وَالْمَطْخُ: تَتَابُعُ السَّقْيِ.

(مَطَرَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا الْغَيْثُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الْعَدْوِ.
فَالْأَوَّلُ الْمَطَرُ، وَمُطِرْنَا مَطَرًا. وَقَالَ نَاسٌ: لَا يُقَالُ أُمْطِرَ إِلَّا فِي الْعَذَابِ

(5/332)


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} [الفرقان: 40] . وَتَمَطَّرَ الرَّجُلُ: تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ. وَمِنْهُ الْمُسْتَمْطِرُ: طَالِبُ الْخَيْرِ.
وَالثَّانِي قَوْلُهُمْ: تَمَطَّرَ الرَّجُلُ فِي الْأَرْضِ، إِذَا ذَهَبَ. وَالْمُتَمَطِّرُ: الرَّاكِبُ الْفَرَسَ يَجْرِي بِهِ. وَتَمَطَّرَتْ بِهِ فَرَسُهُ: جَرَتْ.

(مَطَعَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ. قَالَ: هُوَ مَطَعَ فِي الْأَرْضِ مَطْعًا وَمُطُوعًا، إِذَا ذَهَبَ فَلَمْ يُوجَدْ ذِكْرُهُ.

(مَطَقَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْقَافُ. التَّمَطُّقُ: أَنْ يُلْصِقَ الْإِنْسَانُ لِسَانَهُ بِالْغَارِ الْأَعْلَى فَتَسْمَعَ لَهُ صَوْتًا، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَطَابَ مَا يَأْكُلُ. قَالَ الْأَعْشَى:
تُرِيكَ الْقَذَى مِنْ دُونِهَا وَهِيَ دُونَهُ ... إِذَا ذَاقَهَا مَنْ ذَاقَهَا يَتَمَطَّقُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَظَعَ) الْمِيمُ وَالظَّاءُ وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعْنًى وَاحِدٌ. مَظَّعْتُ الْقَضِيبَ: تَرَكْتُ عَلَيْهِ لِحَاءَهُ حَتَّى يَتَشَرَّبَ مَاءَهُ، فَيَكُونَ أَصْلَبَ لَهُ. وَمَظَّعْتُ الْأَدِيمَ الدُّهْنَ: سَقَيْتُهُ. ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ فَيُقَالُ: مَظَّعَ الرَّجُلُ الْوَتَرَ تَمْظِيعًا: مَلَّسَهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُظْعَةَ

(5/333)


بَقِيَّةُ اللَّبَنِ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَقَدْ تَمَظَّعَ مَا عِنْدَكَ، أَيْ تَلَحَّسَهُ كُلَّهُ. وَالْمُظْعَةُ: [بَقِيَّةٌ] مِنَ الْكَلَأِ. قَالَ: وَالرِّيحُ تَمْظَعُ الْخَشَبَ حَتَّى تَسْتَخْرِجَ نُدُوَّتَهُ. فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنَّ أَصْلَ الْبَابِ النَّشَفُ وَالتَّشَرُّبُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَمَظَعَ الْوَتَرَ مَظْعًا.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَعَقَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالْقَافُ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ. وَأَرْضٌ مَعِيقَةٌ كَعَمِيقَةٍ. وَالْأَمَاعِقُ: أَطْرَافُ الْمَفَازَةِ. وَيُقَالُ: الْمَعْقُ: الْأَرْضُ لَا نَبَاتَ بِهَا. وَتَمَعَّقَ الرَّجُلُ: سَاءَ خُلُقُهُ.

(مَعَكَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَلْكِ الشَّيْءِ وَلَيِّهِ. وَمَعَكْتُ الْأَدِيمَ مَعْكًا. ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمِطَالَ وَاللَّيَّ مَعْكًا، وَالرَّجُلَ الْمَطُولَ مَعِكًا. قَالَ زُهَيْرٌ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لَا ... تَمْعَكْ بِعِرْضِكَ إِنَّ الْغَادِرَ الْمَعِكُ
قَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ مَعْكٌ: شَدِيدُ الْخُصُومَةِ. وَقَوْلُهُمْ: وَقَعَ فِي مَعْكُوكَاءِ شَيْءٍ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِبْدَالُ وَالْأَصْلُ بَعْكُوكَاءُ.

(مَعَلَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِيهِ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاسِ شَيْءٍ وَسُرْعَةٍ فِيهِ. وَمَعَلَ الشَّيْءَ: اخْتَلَسَهُ. ثُمَّ يَقُولُونَ: مَعَلَ خُصْيَتَيِ الْفَحْلِ: اسْتَلَّهُمَا. وَمَعَلَ: سَارَ سَيْرًا سَرِيعًا.

(5/334)


(مَعَنَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالنُّونُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُهُولَةٍ فِي جَرَيَانٍ أَوْ جَرْيٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَمَعَنَ الْمَاءُ: جَرَى. وَمَاءٌ مَعِينٌ. وَمَجَارِي الْمَاءِ فِي الْوَادِي مُعْنَانٌ، كَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَعْنَةُ: مَاءٌ قَلِيلٌ يَجْرِي. وَمِنَ الْبَابِ أَمْعَنَ الْفَرَسُ فِي عَدْوِهِ. وَأَمْعَنَ بِحَقِّي: ذَهَبَ بِهِ. وَرَجُلٌ مَعْنٌ فِي حَاجَتِهِ: سَهْلٌ. وَأَمْعَنَتِ الْأَرْضُ: رَوِيَتْ. وَكَلَأٌ مَمْعُونٌ: جَرَى فِيهِ الْمَاءُ. وَقَوْلُ النَّمِرِ:
وَلَا ضَيَّعْتُهُ فَأُلَامَ فِيهِ ... فَإِنَّ ضَيَاعَ مَالِكَ غَيْرُ مَعْنِ
مَعْنَاهُ غَيْرُ سَهْلٍ. وَيَقُولُونَ: " مَا لَهُ سَعْنَةٌ وَلَا مَعْنَةٌ " وَهُوَ مِنَ الْإِتْبَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَابِ، أَيْ مَا لَهُ كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ يَسْهُلُ خَطَرُهُ. وَقَوْلُهُمْ لِلْمَنْزِلِ مَعَانٌ، وَزْنُهُ فَعَالٌ، وَجَمْعُهُ مُعُنٌ. وَمَعَنَ الْوَادِي: كَثُرَ فِيهِ الْمَاءُ الْمَعِينُ.

(مَعَوَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَيْسَ قِيَاسُهَا وَاحِدًا.
الْأُولَى: الْمَعْوُ: الرُّطَبُ قَدْ أُرْطِبَ جَمِيعُهُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ إِذَا دَخَلَهُ بَعْضُ الْيُبْسِ. وَأَمْعَى النَّخْلُ: صَارَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: مِعَى الْبَطْنِ، وَالْجَمْعُ أَمْعَاءٌ. وَالثَّالِثَةُ الْمِعَى: الْمِذْنَبُ مِنْ مَذَانِبِ الْأَرْضِ.

(مَعَتَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالتَّاءُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَعْتُ: الدَّلْكُ وَمَعَتُّ الْأَدِيمَ: دَلَكْتُهُ. وَهُوَ عِنْدَ الْخَلِيلِ مُهْمَلٌ.

(5/335)


(مَعَجَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَقَلُّبٍ وَسُرْعَةٍ فِي شَيْءٍ. وَمَعَجَ الْحِمَارُ مَعْجًا: تَقَلَّبَ فِي جَرْيِهِ. وَيَقُولُونَ قِيَاسًا عَلَى هَذَا: مَعَجَ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ: ضَرَبَهُ بِرَأْسِهِ عِنْدَ الرَّضَاعِ.

(مَعَدَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غِلَظٍ فِي الشَّيْءِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْمَعْدُ: الْغِلَظُ. قَالَ: وَمِنْهُ الْمَعِدَةُ. وَتَمَعْدَدَ الصَّبِيُّ: غَلُظَ. وَيَكُونُ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَعْدُ دَالًّا عَلَى جَذْبِ الشَّيْءِ وَانْجِذَابٍ. وَمَعَدْتُ الشَّيْءَ: جَذَبْتُهُ. قَالَ:
هَلْ يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْمَعْدُ، يَقُولُونَ: الْغَضُّ مِنَ التَّمْرِ.

(مَعَرَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَلَاسَةٍ وَحَصٍّ وَانْجِرَادٍ. فَالْأَمْعَرُ وَالْمَعِرُ: الْأَمْعَطُ الَّذِي لَا شَعَْرَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ أَمْعَرَ الرَّجُلُ: افْتَقَرَ، كَأَنَّهُ تَجَرَّدَ مِنْ مَالِهِ. [وَ] مَعَرَ الظُّفْرُ: نَصَلَ وَتَمَعَّرَ لَوْنُهُ عِنْدَ غَضَبِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَطَايَرَ الدَّمُ عَنْهُ وَتَعْلُوَهُ صُفْرَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَهُوَ أَمْعَرُ الشَّعْرِ، وَبِهِ مُعْرَةٌ، وَهُوَ لَوْنٌ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَهُوَ أَقْبَحُ الْأَلْوَانِ. وَأَمْعَرَتِ الْأَرْضُ: لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبَاتٌ.

(5/336)


(مَعَزَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي الشَّيْءِ وَصَلَابَةٍ. مِنْهُ الْأَمْعَزُ وَالْمَعْزَاءُ: الْحَزْنَ الْغَلِيظُ مِنَ الْأَمَاكِنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَجُلٌ مَاعِزٌ: شَدِيدُ عَصْبِ الْخَلْقِ وَمِنْهُ الْمَعْزُ الْمَعْرُوفُ، وَالْمَعِيزُ: جَمَاعَةٌ كَضَئِينٍ، وَذَلِكَ لِشِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ فِيهَا لَا تَكُونُ فِي الضَّأْنِ. وَيُقَالُ لِجَمَاعَةِ الْأَوْعَالِ وَالثَّيَاتِلِ مُعُوزٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اسْتَمْعَزَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِهِ: جَدَّ.

(مَعَسَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى دَلْكِ شَيْءٍ. وَمَعَسْتُ الْأَدِيمَ فِي دِبَاغِهِ أَمْعَسُهُ: أَدَرْتُهُ فِيهِ وَدَلَكْتُهُ. وَرُبَّمَا قَالُوا: مَعَسَ، إِذَا طَعَنَ وَمِنْهُ رَجُلٌ مَعَّاسٌ فِي الْحَرْبِ: مِقْدَامٌ.

(مَعَصَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالصَّادُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنَّ نَاسًا ذَكَرُوا مَعَصَ الرَّجُلُ: حَجَلَ فِي مِشْيَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْمَعَصُ: وَجَعٌ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي عَصَبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ.

(مَعِضَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ. مَعِضَ مِنَ الْأَمْرِ: شَقَّ عَلَيْهِ وَأَوْجَعَهُ.

(مَعِطَ) الْمِيمُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَرُّدِ الشَّيْءِ وَتَجْرِيدِهِ وَمَعِطَ

(5/337)


تَمَرَّطَ شَعْرُهُ. وَمَعَطْتُ السَّيْفَ مِنْ قِرَابِهِ: جَرَّدْتُهُ. وَيَكُونُ مِنَ الْبَابِ مَعَطَ فِي الْقَوْسِ: نَزَعَ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْغَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَغَثَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَرْسِ شَيْءٍ وَمَرْثِهِ. يَقُولُونَ: مَغَثْتُ الدَّوَاءَ فِي الْمَاءِ: مَرَثْتُهُ. وَمَغَثَ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا، إِذَا ضَرَبُوهُ ضَرْبًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ. وَرَجُلٌ مَغِثٌ: مُصَارِعٌ شَدِيدُ الْعِلَاجِ. وَمُغِثَتْ أَعْرَاضُهُمْ: مُضِغَتْ. قَالَ:
مَمْغُوثَةٌ أَعْرَاضُهُمْ مُمَرْطَلَهْ
وَكَلَأٌ مَمْغُوثٌ وَمَغِيثٌ: أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَصَرَعَهُ، وَالْمِيمُ أَصْلِيَّةٌ.

(مَغَدَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَالدَّالُ، يَقُولُونَ إِنَّهُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَعْمَةٍ فِي الشَّيْءِ. يَقُولُونَ: الْمَغْدُ: الشَّابُّ النَّاعِمُ. قَالَ:
وَكَانَ قَدْ شَبَّ شَبَابًا مَغْدًا

(5/338)


وَأَمْغَدَ الرَّجُلُ: أَطَالَ الشَّرَابَ إِمْغَادًا، وَمَغَدَ الْفَصِيلُ الضَّرْعَ مَغْدًا: تَنَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ اللَّبَنَ. وَاللَّبَنُ أَنْعَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْغِذَاءِ وَأَلْيَنُهُ. وَالْمَغْدُ فِي غُرَّةِ الْخَيْلِ كَأَنَّهَا وَارِمَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّعْرَ يُنْتَفُ ثُمَّ يَنْبُتُ فَيَكُونُ لَيِّنًا نَاعِمًا. وَيَقُولُونَ الْمَغْدُ: الْبَاذَنْجَانُ.

(مَغَرَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حُمْرَةٍ فِي شَيْءٍ، وَأَصْلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ السَّيْرِ.
فَالْأَوَّلُ الْمَغْرَةُ: الطِّينُ الْأَحْمَرُ. وَالْأَمْغَرُ: الرَّجُلُ الْأَحْمَرُ الشَّعْرِ وَالْجِلْدِ. وَالْأَمْغَرُ فِي الْخَيْلِ: الْأَشْقَرُ. وَمِنْهُ أَمْغَرَتِ الشَّاةُ، إِذَا حُلِبَتْ فَخَرَجَ مَعَ لَبَنِهَا دَمٌ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَتَهَا فَهِيَ مِمْغَارٌ.
وَالْأُخْرَى رَوَى ابْنُ السِّكِّيتِ: مَغَرَ فِي الْبِلَادِ: ذَهَبَ وَأَسْرَعَ: وَرَأَيْتُهُ يَمْغَرُ بِهِ بَعِيرُهُ.
وَمِمَّا شَذَّ مِنَ الْبَابَيْنِ قَوْلُهُمْ: مَغَرَتْ فِي الْأَرْضِ مَغْرَةٌ، وَهِيَ مَطْرَةٌ صَالِحَةٌ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِجَرِيرٍ: " مَغِّرْنَا يَا جَرِيرُ "، أَيْ أَنْشِدْنَا كَلِمَةَ ابْنِ مَغْرَاءَ، أَحَدِ شُعَرَاءِ مُضَرَ. وَمَغْرَاءُ: تَأْنِيثُ أَمْغَرَ.

(مَغَصَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَالصَّادُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدًّا. فَالْأُولَى الْمَغَْصُ: تَقْطِيعٌ فِي الْمِعَى وَوَجَعٌ. وَالْأُخْرَى الْمَغَْصُ يُقَالُ هُوَ الْخِيَارُ مِنَ الْإِبِلِ. قَالَ:

(5/339)


أَنْتَ وَهَبْتَ هَجْمَةً جُرْجُورَا ... أُدْمًا وَحُمْرًا مَغَصًا خُبُورًا
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: إِبِلٌ أَمْغَاصٌ وَأَمْعَاصٌ، وَهِيَ خِيَارُ الْإِبِلِ، لَا وَاحِدَ لَهَا وَيُقَالُ فُلَانٌ مَغِصٌ، إِذَا كَانَ ثَقِيلًا بَغِيضًا ; وَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ.

(مَغَطَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ وَطُولٍ. وَالْمَغْطُ: الْمَدُّ. وَمَغَطْتُهُ فَامْتَغَطَ. وَالتَّمَغُّطُ فِي عَدْوِ الْفَرَسِ: أَنْ يَمُدَّ ضَبْعَيْهِ. وَانْمَغَطَ النَّهَارُ: ارْتَفَعَ وَالْمُمَغِّطُ: الطَّوِيلُ الْمُضْطَرِبُ. وَمَغَطَ الرَّامِي فِي قَوْسِهِ: نَزَعَ فِيهَا فَأَغْرَقَ النَّزْعَ.

(مَغَلَ) الْمِيمُ وَالْغَيْنُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى دَاءٍ وَفَسَادٍ، وَالْآخَرُ ضَرْبٌ مِنَ النِّتَاجِ.
الْأَوَّلُ الْمَغَلُ: وَجَعُ الْبَطْنِ، وَيَكُونُ فِي الدَّوَابِّ عَنْ أَكْلِ التُّرَابِ وَأَمْغَلُوا: أَصَابَ إِبِلَهُمْ ذَلِكَ الدَّاءُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْإِمْغَالُ: إِفْسَادٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْوِشَايَةُ ; وَهُوَ الْمَغْلُ أَيْضًا. وَيُقَالُ إِنَّهُ صَاحِبُ مَغَالَةٍ، إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْإِمْغَالُ فِي الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَنْ تُنْتَجَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. يُقَالُ: عَنْزٌ مَغْلَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَغَنَمٌ مِغَالٌ. وَيُقَالُ الْمُمْغِلُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تَحْمِلُ قَبْلَ فِطَامِ الصَّبِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(5/340)


[بَابُ الْمِيمِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَقَلَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَاللَّامُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ غَيْرِ مُنْقَاسَةٍ. قَالُوا: مُقْلَةُ الْعَيْنِ. وَهِيَ نَاظِرُهَا. وَمَقَلْتُهُ: نَظَرْتُ إِلَيْهَا.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْمَقْلَةُ: الْحَصَاةُ تُلْقِيهَا فِي الْمَاءِ تَعْرِفُ قَدْرَهُ. قَالَ:
قَذَفُوا سَيِّدَهُمْ فِي وَرْطَةٍ ... قَذْفَكَ الْمَقْلَةَ وَسْطَ الْمُعْتَرَكْ
وَيُقَالُ: هِيَ الْحَصَاةُ الَّتِي يُقْسَمُ عَلَيْهَا الْمَاءُ فِي الْمَفَاوِزِ. وَمَقَلَهُ فِي الْمَاءِ: غَوَّصَهُ فِيهِ. وَتَمَاقَلَا: تَغَاوَصَا.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْمُقْلُ: حَمْلُ الدَّوْمِ.

(مَقَهَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ. يَقُولُونَ: الْمَقَهُ: بَيَاضٌ فِي زُرْقَةٍ. وَامْرَأَةٌ مَقْهَاءُ وَشَرَابٌ أَمْقَهُ. قَالَ:
إِذَا خَفَقَتْ بِأَمْقَهَ صَحْصَحَانٍ ... رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْتَزَمُوا الرِّحَالَا.

(مَقَوَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. يُقَالُ فِيهِ: امْقُ هَذَا مَقْوَكَ مَالَكَ، أَيْ صُنْهُ صِيَانَتَكَ مَالَكَ. وَمَقَوْتُ السَّيْفَ: جَلَوْتُهُ، وَكَذَا الْمِرْآةُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: جَاءَ بِهِمَا يُونُسُ وَأَبُو الْخَطَّابِ.

(مَقَتَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدَلُّ عَلَى شَنَاءَةٍ وَقُبْحٍ.

(5/341)


وَمَقَتَهُ مَقْتًا فَهُوَ مَقِيتٌ وَمَمْقُوتٌ. وَنِكَاحُ الْمَقْتِ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ أَبِيهِ.

(مَقَدَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالدَّالُ لَا نَعْرِفُ فِيهِ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّ الْمَقَدِّيَّ: شَرَابٌ مَنْسُوبٌ إِلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ، يُتَّخَذُ مِنَ الْعَسَلِ.

(مَقَرَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْمَقِرُ: شِبْهُ الصَّبِرِ. وَأَمْقَرَ الشَّيْءُ: أَمَرَّ. وَاللَّبَنُ الْحَامِضُ مُمْقِرٌ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: سَمَكٌ مَمْقُورٌ. وَالْمَقْرُ: إِنْقَاعُ السَّمَكِ الْمَالِحِ فِي الْمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَمْقَرْتُ لِفُلَانٍ الشَّرَابَ: أَمْرَرْتُهُ لَهُ.

(مَقِسَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ مَقِسَتْ نَفْسُهُ: غَثَتْ. وَتَمَقَّسَتْ أَيْضًا. قَالَ:
نَفْسِي تَمَقَّسُ عَنْ سُمَانَى الْأَقْبُرِ.

(مَقَطَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالطَّاءُ كَلِمَاتٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ، بَلْ هِيَ مُتَبَايِنَةٌ جِدًّا. فَالْمِقَاطُ: حَبْلٌ شَدِيدُ الْإِغَارَةِ. وَالْمَقْطُ: ضَرْبُكَ بِالْكُرَةِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَأْخُذُهَا إِذَا نَزَلَتْ. قَالَ:

(5/342)


بِكَفَّيْ مَاقِطٍ فِي صَاعِ
وَمَقَطْتُ صَاحِبِي أَمْقُطُهُ، إِذَا غِظْتَهُ. وَالْمَاقِطُ: الْحَازِي الَّذِي يَتَكَهَّنُ وَيَطْرُقُ بِالْحَصَى.

(مَقَعَ) الْمِيمُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الضَّرْبِ وَالرَّمْيِ.
وَمُقِعَ فُلَانٌ بِالشَّيْءِ رُمِيَ بِهِ. وَالْمَقْعُ: أَشَدُّ الشُّرْبِ. وَالْفَصِيلُ يَمْقَعُ أُمَّهُ، إِذَا رَضِعَهَا. وَمِنَ الْبَابِ: امْتُقِعَ لَوْنُهُ: تَغَيَّرَ، كَأَنَّهُ ضُرِبَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَغَيَّرَ ; وَكَذَا انْتُقِعَ، وَسَيَأْتِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمِيمِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَكَلَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِ مَاءٍ. وَمَكَلَتِ الْبِئْرُ: اجْتَمَعَ مَاؤُهَا فِي وَسَطِهَا. وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ مَُكْلَةٌ. وَبِئْرٌ مَكُولٌ، وَالْجَمْعُ مُكُلٌ.

(مَكَنَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْمَكْنُ: بَيْضُ الضَّبِّ. وَضَبٌّ مَكُونٌ. [قَالَ] :
وَمَكْنُ الضِّبَابِ طَعَامُ الْعُرَيْبِ ... وَلَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُ الْعَجَمْ

(5/343)


وَالْمُكُنَاتُ: أَوْكَارُ الطَّيْرِ، وَيُقَالُ مَكِنَاتٌ.

(مَكَا) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ، وَالْآخَرُ خُشُونَةٌ فِي الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَسَلِ.
فَالْأَوَّلُ مَكَا يَمْكُو: صَفَرُ فِي يَدِهِ وَقَدْ جَمَعَهَا، مُكَاءً. قَالَ عَنْتَرَةُ:
تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ
يَصِفُ طَعْنَةً [تَسْمَعُ] لَهَا صَوْتًا حِينَ تَنْفَرِجُ وَتَنْضَمُّ. وَالْمُكَّاءُ: طَائِرٌ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ يَمْكُو. قَالَ:
إِذَا غَرَّدَ الْمُكَّاءُ فِي غَيْرِ رَوْضَةٍ ... فَوَيْلٌ لِأَهْلِ الشَّاءِ وَالْحُمُرَاتِ
وَيَقُولُونَ: مَكَتِ اسْتُهُ تَمْكُو، إِذَا حَبَقَ. وَأَمَّا الْمَكَا وَالْمَكْوُ فَمَجْثِمُ الْأَرْنَبِ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كَمْ بِهِ مِنْ مَكْوِ وَحْشِيَّةٍ

(5/344)


وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: مَكِيَتْ يَدُهُ تَمْكَى مَكًى: غَلُظَتْ وَخَشُنَتْ.
وَالثَّالِثَةُ تَمَكَّى، إِذَا تَوَضَّأَ. قَالَ:
كَالْمُتَمَكِّي بِدَمِ الْقَتِيلِ
وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ تَمَكَّى الْفَرَسُ: حَكَّ عَيْنَهُ بِرُكْبَتِهِ.

(مَكَثَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَوَقُّفٍ وَانْتِظَارٍ. وَمَكَثَ مَكْثًا وَمُكْثًا وَرَجُلٌ مَكِيثٌ: رَزِينٌ غَيْرُ عَجُولٍ. وَمَكَثَ وَمَكُثَ وَالتَّمَكُّثُ: الِانْتِظَارُ.

(مَكَدَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ثَبَاتٍ. وَمَكَدَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ. قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مَكُودٌ، إِذَا ثَبَتَ غُزْرُهَا. وَيُقَالُ إِنَّ الْبِئْرَ الْمَاكِدَةَ: الَّتِي ثَبَتَ مَاؤُهَا عَلَى قَرْنٍ وَاحِدٍ لَا يَتَغَيَّرُ. وَالْقَرْنُ. قَرْنُ الْقَامَةِ.

(مَكَرَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْمَكْرُ: الِاحْتِيَالُ وَالْخِدَاعُ. وَمَكَرَ بِهِ يَمْكُرُ. وَالْأُخْرَى الْمَكْرُ: خَدَالَةُ السَّاقِ. وَامْرَأَةٌ مَمْكُورَةُ السَّاقَيْنِ.

(مَكَسَ) الْمِيمُ وَالْكَافُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَبْيِ مَالٍ وَانْتِقَاصٍ مِنَ الشَّيْءِ. وَمَكَسَ، إِذَا جَبَى. وَالْمَكْسُ: الْجِبَايَةُ قَالَ زُهَيْرٌ:

(5/345)


وَفِي كُلِّ أَسْوَاقِ الْعِرَاقِ إِتَاوَةٌ ... وَفِي كُلِّ مَا بَاعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(مَلِيَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ. وَأَقَامَ مَلِيًّا، أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا. وَتَمَلَّيْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَقَامَ مَعَكَ زَمَانًا طَوِيلًا. وَالْمَلَوَانِ: طَرَفَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَالْمُِلَاوَةُ: الْحِينُ.
وَإِذَا هُمِزَ دَلَّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْكَمَالِ فِي الشَّيْءِ. وَمَلَأْتُ الشَّيْءَ أَمْلَؤُهُ مَلْئًا. وَالْمِلْءُ: الِاسْمُ لِلْمِقْدَارِ الَّذِي يُمْلَأُ ; وَسُمِّيَ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِوِعَائِهِ فِي قَدْرِهِ. وَيُقَالُ: أَعْطِنِي مِلْأَهُ وَمِلْأَيْهِ وَثَلَاثَةَ أَمْلَائِهِ. وَمِنْهُ أَمْلَأَ النَّزْعَ فِي الْقَوْسِ، إِذَا بَالَغَ. وَمِنْهُ الْمَلَأُ: الْأَشْرَافُ مِنَ النَّاسِ، لِأَنَّهُمْ مُلِئُوا كَرَمًا. فَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَنَادَوْا يَالَ بُهْثَةَ إِذْ لَقُونَا ... فَقُلْنَا أَحْسِنِي مَلَأً جُهَيْنَا
فَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهِ الْخُلُقَ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «أَحْسِنُوا أَمْلَاءَكُمْ» " وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ مِنْ سَجَايَا الْمَلَأِ، وَهُمُ الشِّرَافُ الْكِرَامُ.

(5/346)


(مَلَّهُ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ. يَقُولُونَ: هُوَ مُمْتَلَهُ الْعَقْلِ: ذَاهِبُهُ.

(مَلَثَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ أَتَيْتُهُ مَلَثَ الظَّلَامِ، كَمَا يُقَالُ مَلَسَ الظَّلَامِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُهُ.

(مَلَجَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: مَلَجَ الصَّبِيُّ: تَنَاوَلَ الثَّدْيَ لِلرَّضَاعِ بِأَدْنَى فَمِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ " وَهِيَ أَنْ تُمِصَّهُ لَبَنَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.

(مَلَحَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ فُرُوعٌ تَتَقَارَبُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِهَا بَعْضُ التَّفَاوُتِ.
فَالْأَصْلُ الْبَيَاضُ، مِنْهُ الْمِلْحُ الْمَعْرُوفُ، وَسُمِّيَ لِبَيَاضِهِ. قَالَ:
أَحْفِزُهَا عَنِّي بِذِي رَوْنَقٍ ... أَبْيَضَ مِثْلِ الْمِلْحِ قَطَّاعِ
وَيُقَالُ مَاءٌ مِلْحٌ، وَقَدْ قَالُوا مَالِحٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:
صَبَّحْنَ قَوًّا وَالْحَمَامُ وَاقِعٌ ... وَمَاءُ قَوٍّ مَالِحٌ وَنَاقِعُ
وَمَلُحَ الْمَاءُ. وَسَمَكٌ مَمْلُوحٌ وَمَلِيحٌ. وَأَمْلَحْنَا: أَصَبْنَا مَاءً مَالِحًا. وَأَمْلَحَ الْمَاءُ أَيْضًا. قَالَ نُصَيْبٌ:

(5/347)


وَقَدْ عَادَ عَذْبُ الْمَاءِ مِلْحًا فَزَادَنِي ... عَلَى مَرَضِي أَنْ أَمْلَحَ الْمَشْرَبُ الْعَذْبُ
وَمَلَحْتُ الْقَدْرَ: أَلْقَيْتُ مِلْحَهَا بِقَدَرٍ. وَأَمْلَحْتُهَا: أَفْسَدْتُهَا بِالْمِلْحِ. وَيُقَالُ مَلَّحْتُ النَّاقَةَ تَمْلِيحًا، إِذَا لَمْ تَلْقَحْ فَعُولِجَتْ دَاخِلَتُهَا بِشَيْءٍ مَالِحٍ. وَمَلُحَ الشَّيْءُ مَلَاحَةً وَمِلْحًا. وَالْمُمَالَحَةُ: الْمُوَاكَلَةُ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ الْمِلْحُ فَيُسَمَّى الرَّضَاعُ مِلْحًا. وَقَالَتْ هَوَازِنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " «لَوْ كُنَّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ أَوْ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ لَحَفِظَ ذَلِكَ فِينَا» "، أَرَادُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ.
وَيَسْتَعِيرُونَ ذَلِكَ لِلشَّحْمِ يُسَمُّونَهُ الْمِلْحَ. يُقَالُ أَمْلَحْتُ الْقِدْرَ: جَعَلْتُ فِيهَا شَيْئًا مِنْ شَحْمٍ. وَعَلَيْهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ:
لَا تَلُمْهَا إِنَّهَا مِنْ نِسْوَةٍ ... مِلْحُهَا مَوْضُوعَةٌ فَوْقَ الرُّكَبْ
هَمُّهَا السِّمَنُ وَالشَّحْمُ. وَالْمُلْحَةُ فِي الْأَلْوَانِ: بَيَاضٌ، وَرُبَّمَا خَالَطَهُ سَوَادٌ. وَيُقَالُ كَبْشٌ أَمْلَحُ. وَيُقَالُ لِبَعْضِ شُهُورِ الشِّتَاءِ مِلْحَانُ، لِبَيَاضِ ثَلْجِهِ. وَالْمَلْحَاءُ: كَتِيبَةٌ كَانَتْ لِآلِ الْمُنْذِرِ.
وَالْمَلَّاحُ: صَاحِبُ السَّفِينَةِ، قِيَاسُهُ عِنْدَنَا هَذَا، لِأَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ مِلْحٌ، وَقَالَ نَاسٌ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْمَلْحِ: سُرْعَةُ خَفَقَانِ الطَّيْرِ بِجَنَاحَيْهِ. قَالَ:

(5/348)


مَلْحَ الصُّقُورِ تَحْتَ دَجْنٍ مُغْيِنِ
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ: الْمُلَّاحُ مِنْ نَبَاتِ الْحَمْضِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَعْمِهِ مُلُوحَةٌ. وَالْمَلْحَاءُ: مَا انْحَدَرَ عَنِ الْكَاهِلِ وَالصُّلْبِ. وَالْمَلَحُ: وَرَمٌ فِي عُرْقُوبِ الْفَرَسِ.

(مَلَخَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ وِعَائِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَامْتَلَخَتِ الْعُقَابُ عَيْنَهُ: أَخْرَجَتْهَا. وَامْتَلَخْتُ اللِّجَامَ مِنْ رَأْسِ الدَّابَّةِ. وَالْمَلِيخُ: اللَّحْمُ لَا طَعْمَ لَهُ. وَ [الْمَلَّاخُ: الْمَلَّاقُ] لِأَنَّهُ يَسْتَخْرِجُ الْإِنْسَانُ أَوْ مَا عِنْدَهُ بِمَلَقِهِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
مَلَّاخُ الْمَلَقْ
وَ [مِنْهُ] قَوْلُ الْحَسَنِ: " يَمْلَخُ فِي الْبَاطِلِ ".

(مَلَدَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَعْمَةٍ وَلِينٍ وَمَلَاسَةٍ. وَشَابٌّ أَمْلَدُ: نَاعِمٌ. وَالْمَلَدُ الْمَصْدَرُ. وَامْرَأَةٌ مَلْدَاءُ: مُعْتَدِلَةُ الْخَلْقِ حَسَنَةٌ. وَغُصْنٌ أُمْلُودٌ: نَاعِمٌ. وَمَلَّدْتُ الْأَدِيمَ: مَرَّنْتُهُ. وَالْإِمْلِيدُ مِنَ الصَّحَارِي كَإِمْلِيسٍ: الصَّحْصَحُ. [وَ] مِنْهُ الْمَلَدَانُ.

(مَلَذَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالذَّالُ ذَكَرُوا فِيهِ كَلِمَتَيْنِ أَيْضًا. الْمَلْذُ: أَنْ يَكُونَ يَمُدُّ الْفَرَسُ ضَبْعَيْهِ فِي عَدْوِهِ حَتَّى لَا يَجِدَ مَزِيدًا. وَمَلَذَهُ بِالرُّمْحِ: طَعَنَهُ بِهِ. قَالَ

(5/349)


أَبُو بَكْرٍ: الْمَلْذُ: السُّرْعَةُ فِي الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ. وَذِئْبٌ مَلَّاذٌ.

(مَلَسَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَرُّدٍ فِي شَيْءٍ، وَأَلَّا يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ، فَهُوَ أَمْلَسُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَلْصَقُ بِهِ ذَمٌّ: هُوَ أَمْلَسُ الْجِلْدِ، قَالَ:
فَمُوتَنْ بِهَا حُرَّا وَجِلْدُكَ أَمْلَسُ
وَأَرْضٌ أَمَالِيسُ: لَا نَبَاتَ بِهَا. وَيُقَالُ فِي الْبَيْعِ: " الْمَلَسَى لَا عُهْدَةَ لَهُ "، أَيْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ وَمِنَ الْبَابِ الْمَلْسُ: سَلُّ الْخُصْيَةِ بِعُرُوقِهَا. وَكَبْشٌ مَمْلُوسٌ. وَمِنْهُ الْمَلْسُ: السَّوْقُ الشَّدِيدُ، أَيْ إِنَّهُ يَمْضِي حَتَّى لَا يُمْكِنَ أَنْ يُتَعَلَّقَ بِهِ. وَقَوْلُهُمْ: أَتَيْتُهُ مَلَسَ الظَّلَامِ مِنْ بَابِ الثَّاءِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ وَرُمَّانٌ إِمْلِيسِيٌّ.

(مَلَصَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالصَّادُ قَرِيبٌ مِنْ مَلَسَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى إِفْلَاتِ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ. وَامَّلَصَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِي: أَفْلَتَ، امِّلَاصًا. وَمَلِصَ الرِّشَاءُ مِنَ الْيَدِ يَمْلَصُ. قَالَ:
فَرَّ وَأَعْطَانِي رِشَاءً مَلِصًا
وَمِنْهُ أَمْلَصَتِ الْمَرْأَةُ: رَمَتْ بِوَلَدِهَا إِمْلَاصًا ; وَالْوَلَدُ مَلِيصٌ. وَمِنْهُ سَيْرٌ إِمْلِيصٌ: سَرِيعٌ.

(مَلَطَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيَةِ شَيْءٍ وَتَسْطِيحِهِ.

(5/350)


وَمَلَّطْتُ الْحَائِطَ بِالْمِلَاطِ أُمَلِّطُهُ تَمْلِيطًا: طَيَّنْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ وَالْمِلَاطَانِ: الْجَنْبَانِ، كَأَنَّهُمَا مُلِطَا مَلْطًا. وَابْنَا مِلَاطٍ: الْعَضُدَانِ. وَالْأَمْلَطُ: الَّذِي لَا شَعَْرَ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْقَلِيلِ الْخَيْرِ الْمُتَمَرِّدِ: مِلْطٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكُلُّ شَيْءٍ مَلَّطْتَهُ فَهُوَ مِلَاطٌ.

(مَلَعَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ. وَمَلَعَتِ النَّاقَةُ فِي سَيْرِهَا وَنَاقَةٌ مَيْلَعٌ فَيْعَلٌ مِنْهُ. وَالْمَلْعُ: السُّرْعَةُ فِي الْمُرُورِ وَالِاخْتِطَافِ. وَمِنَ الْبَابِ الْمَلِيعُ: الْأَرْضُ لَا نَبَاتَ بِهَا.

(مَلَغَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْمِلْغُ: الْأَحْمَقُ. وَالتَّمَلُّغُ: التَّحَمُّقُ.

(مَلَقَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى [تَجَرُّدٍ] فِي الشَّيْءِ وَلِينٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْمَلَقُ مِنَ التَّمَلُّقِ، وَأَصْلُهُ التَّلْيِينُ. وَالْمَلَقَةُ: الصَّفَاةُ الْمَلْسَاءُ. وَيُقَالُ الْإِمْلَاقُ: إِتْلَافُ الْمَالِ حَتَّى يُحْوِجَ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، كَأَنَّهُ تَجَرَّدَ عَنِ الْمَالِ. وَانْمَلَقَ سَاعِدُ الرَّجُلِ: انْسَحَجَ مِنْ حَمْلِ الْأَحْمَالِ. قَالَ:
وَحَوْقَلٌ سَاعِدُهُ قَدِ انْمَلَقْ ... يَقُولُ قَطْبًا وَنِعِمَّا إِنْ سَلَقْ
وَالْمَلَقَةُ: الْأَرْضُ لَا يَكَادُ يَبِينُ فِيهَا أَثَرٌ، وَالْجَمْعُ الْمَلَقُ وَالْمَلَقَاتُ. وَمَلَقْتُ الثَّوْبَ: غَسَلْتُهُ، لِأَنَّكَ تُجَرِّدُهُ عَنِ الْوَسَخِ.

(مَلَكَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ فِي الشَّيْءِ

(5/351)


وَصِحَّةٍ. يُقَالُ: أَمْلَكَ عَجِينَهُ: قَوَّى عَجْنَهُ وَشَدَّهُ. وَمَلَّكْتُ الشَّيْءَ: قَوَّيْتُهُ قَالَ:
فَمَلَّكَ بِاللِّيطِ الَّذِي فَوْقَ قِشْرِهَا ... كَغِرْقِئِ بَيْضٍ كَنَّهُ الْقَيْضُ مِنْ عَلِ
وَالْأَصْلُ هَذَا. ثُمَّ قِيلَ مَلَكَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ يَمْلِكُهُ مَلْكًا. وَالِاسْمُ الْمِلْكُ ; لِأَنَّ يَدَهُ فِيهِ قَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ. فَالْمِلْكُ: مَا مُلِكَ مِنْ مَالٍ. وَالْمَمْلُوكُ: الْعَبْدُ. وَفُلَانٌ حَسَنُ الْمَلَكَةِ، أَيْ حَسَنُ الصَّنِيعِ إِلَى مَمَالِيكِهِ. وَعَبْدُ مَمْلَكَةٍ: سُبِيَ وَلَمْ يُمْلَكْ أَبَوَاهُ. وَمَا لِفُلَانٍ مَوْلَى مَلَاكَةٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لَمْ يَمْلِكْهُ إِلَّا هُوَ. وَكُنَّا [فِي] إِمْلَاكِ فُلَانٍ، أَيْ أَمْلَكْنَاهُ امْرَأَتَهُ. وَأَمْلَكْنَاهُ مِثْلُ مَلَّكْنَاهُ. وَالْمَلَكُ: الْمَاءُ يَكُونُ مَعَ الْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَلَكَ أَمْرَهُ.

(مَلَوَ) الْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادٍ فِي شَيْءٍ زَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمْلَيْتُ الْقَيْدَ لِلْبَعِيرِ إِمْلَاءً، إِذَا وَسَّعْتُهُ. وَتَمَلَّيْتُ عُمْرِي، إِذَا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ. وَالْمَلَوَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَالْمُِلَاوَةُ: مِلَاوَةُ الْعَيْشِ، أَيْ قَدْ أُمْلِيَ لَهُ. وَمِنَ الْبَابِ إِمْلَاءُ الْكِتَابِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلَهُ مِيمٌ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تَمَّ كِتَابُ الْمِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَاب ِ

(5/352)


[كِتَابُ النُّونِ] [بَابُ النُّونِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابُ النُّونِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
(نَهَ) النُّونُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: نَهْنَهَ فَلَانٌ فُلَانًا: كَفَّهُ وَزَجَرَهُ.

(نَأَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ فِي الشَّيْءِ. فَالنَّأْنَأَةُ: الضَّعْفُ. وَرَجُلٌ نَأْنَاءٌ، إِذَا كَانَ ضَعِيفًا. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَعَمْرُكَ مَا سَعْدٌ بِخُلَّةِ آثِمٍ ... وَلَا نَأْنَأٍ عِنْدَ الْحِفَاظِ وَلَا حَصِرْ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْهَمْزِ: نَأْنَأْتُ رَأْيِي نَأْنَأَةً، إِذَا خَلَّطْتُ فِيهِ.

(نَبَّ) النُّونُ وَالْبَاءُ كَلِمَتَانِ. نَبَّ التَّيْسُ نَبِيبًا: صَوَّتَ عِنْدَ السِّفَادِ. وَالْأُنْبُوبُ: مَا بَيْنَ كُلِّ عُقْدَتَيْنِ مِنْ رُمْحٍ وَغَيْرِهِ.

(نَثَّ) النُّونُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَشْرِ شَيْءٍ وَانْتِشَارِهِ. وَنَثُّ

(5/353)


الْحَدِيثِ: إِفْشَاؤُهُ. وَجَاءَ فُلَانٌ يَنِثُّ سِمَنًا، كَأَنَّهُ يَتَصَبَّبُ سِمَنًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «يَجِيءُ أَحَدُهُمْ يَنِثُّ كَمَا يَنِثُّ الْحَمِيتُ» ".

(نَجَّ) النُّونُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحَرُّكٍ وَاضْطِرَابٍ، وَشِبْهُ ذَلِكَ. فَالنَّجْنَجَةُ: الْجَوْلَةُ عِنْدَ الْفَزَعِ. يُقَالُ نَجْنَجُوا. وَالنَّجْنَجَةُ: تَرْدِيدُ الرَّأْيِ. وَتَنَجْنَجُوا: أَصَافُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَرْبَعُوا فِيهِ ثُمَّ عَزَمُوا عَلَى تَحَضُّرِ الْمِيَاهِ. وَتَنَجْنَجَ لَحْمُهُ: اسْتَرْخَى. وَنَجَّتِ الْقُرْحَةُ: سَالَتْ.

(نَحَّ) النُّونُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ يُحْكَى بِهَا صَوْتٌ. فَالتَّنَحْنُحُ مَعْرُوفٌ. [وَ] النَّحِيحُ: صَوْتٌ يُرَدِّدُهُ الْإِنْسَانُ فِي جَوْفِهِ. وَحُكِيَتْ كَلِمَةٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهَا. وَلَيْسَ لَهَا قِيَاسٌ. يَقُولُونَ: مَا أَنَا بِنَحِيحِ النَّفْسِ عَنْ كَذَا، أَيْ طَيِّبِ النَّفْسِ.

(نَخَّ) النُّونُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، غَيْرُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهِ، وَهُوَ النُّخَّةُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ فِي الْجَبْهَةِ وَلَا فِي النُّخَّةِ صَدَقَةٌ ". قَالُوا النَّخَّةُ: الرَّقِيقُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: النَّخَّةُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ دِينَارًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ لِنَفْسِهِ. وَاللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي هَذَا، وَلَعَلَّ لَفْظَ الَّذِي رَوَاهُ الْفِرَّاءُ: " وَلَا نَخَّةَ " وَأَنْشَدَ:

(5/354)


عَمَّيِ الَّذِي مَنَعَ الدِّينَارَ ضَاحِيَةً ... دِينَارَ نَخَّةِ كَلْبٍ وَهُوَ مَشْهُودُ
وَيُقَالُ النُّخَّةُ: الْحَمِيرُ، وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَنَخْنَخَ الْبَعِيرُ: بَرَكَ ثُمَّ مَكَّنَ لِثَفِنَاتِهِ فِي الْأَرْضِ.

(نَدَّ) النُّونُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شُرُودٍ وَفِرَاقٍ. وَنَدَّ الْبَعِيرُ نَدًّا وَنُدُودًا: ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا. وَمِنَ الْبَابِ النِّدُّ وَالنَّدِيدُ: الَّذِي يُنَادُّ فِي الْأَمْرِ، أَيْ يَأْتِي بِرَأْيٍ غَيْرِ رَأْيِ صَاحِبِهِ. قَالَ:
لِئَلَّا يَكُونَ السَّنْدَرِيُّ نَدِيدَتِي ... وَأَشْتُمَ أَعْمَامًا عُمُومًا عَمَاعِمَا
وَالنَّدُّ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ فِي السَّمَاءِ، وَيَكُونُ هَذَا قَرِيبًا مِنْ قِيَاسِهِ. وَالنِّدُّ مِنَ الطِّيبِ لَيْسَ عَرَبِيًّا.

(نَزَّ) النُّونُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَقِلَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ الظَّلِيمُ النَّزُّ: الَّذِي لَا يَكَادُ يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ. وَالنَّزُّ: الرَّجُلُ الْخَفِيفُ الذَّكِيُّ، وَكَذَا النَّاقَةُ النَّزَّةُ. وَمِنْهُ النَّزُّ، وَهُوَ مَا تَحَلَّبَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ مَاءٍ. وَأَنَزَّتِ الْأَرْضُ: صَارَتْ ذَاتَ نَزٍّ. وَسُمِّيَ نَزًّا لِقِلَّتِهِ وَخِفَّةِ أَمْرِهِ.

(نَسَّ) النُّونُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا نَوْعٌ مِنَ السَّوْقِ، وَالْآخَرُ قِلَّةٌ فِي الشَّيْءِ وَيُخْتَصُّ بِهِ الْمَاءُ.

(5/355)


فَالْأَوَّلُ نَسَّ إِبِلَهُ يَنُسُّهَا نَسًّا: سَاقَهَا.
وَالثَّانِي قَوْلُهُمْ: نَسَّتِ الْقَطَاةُ: عَطِشَتْ. وَيُقَالُ لِمَكَّةَ النَّاسَّةُ، لِقِلَّةِ الْمَاءِ بِهَا. وَنَسَّتِ الْخُبْزَةُ نَسًّا: يَبِسَتْ. وَنَسَّتِ الْجُمَّةُ: تَشَعَّثَتْ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الدُّهْنِ فِيهَا. وَيُقَالُ لِلْبَلَلِ الَّذِي يَكُونُ بِرَأْسِ الْعُودِ إِذَا أُوقِدَ: النَّسِيسَةُ، وَبِهِ تُشَبَّهُ بَقِيَّةُ النَّفْسِ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ النَّسِيسُ.

(نَشَّ) النُّونُ وَالشِّينُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يُحْكَى بِهِ صَوْتٌ. مِنْهُ النَّشِيشُ: صَوْتُ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ إِذَا غُلِيَ. وَمِنْهُ أَرْضٌ نَشِيشَةٌ، إِذَا كَانَتْ مِلْحَةً لَا تُنْبِتُ، وَأَرْضٌ نَشَّاشَةٌ. وَمِنْهُ نَشَّ الْغَدِيرُ: أَخَذَ مَاؤُهُ فِي النُّضُوبِ.

(نَصَّ) النُّونُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعٍ وَارْتِفَاعٍ وَانْتِهَاءٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ قَوْلُهُمْ نَصَّ الْحَدِيثَ إِلَى فُلَانٍ: رَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَالنَّصُّ فِي السَّيْرِ أَرْفَعُهُ. يُقَالُ: نَصْنَصْتُ نَاقَتِي. وَسَيْرٌ نَصٌّ وَنَصِيصٌ. وَمِنَصَّةُ الْعَرُوسِ مِنْهُ أَيْضًا. وَبَاتَ فُلَانٌ مُنْتَصًّا عَلَى بَعِيرِهِ، أَيْ مُنْتَصِبًا.
وَنَصُّ كُلِّ شَيْءٍ: مُنْتَهَاهُ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ» "، أَيْ إِذَا بَلَغْنَ غَايَةَ الصِّغَرِ وَصِرْنَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ. وَالْحِقَاقُ: مَصْدَرُ الْمُحَاقَّةِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ

(5/356)


الْأَوْلِيَاءِ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَبَعْضُهُمْ: أَنَا أَحَقُّ. وَنَصَصْتُ الرَّجُلَ: اسْتَقْصَيْتَ مَسْأَلَتَهُ عَنِ الشَّيْءِ حَتَّى تَسْتَخْرِجَ مَا عِنْدَهُ. وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّكَ تَبْتَغِي بُلُوغَ النِّهَايَةِ. وَمِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ [النَّصْنَصَةُ] : إِثْبَاتُ الْبَعِيرِ رُكْبَتَيْهِ فِي الْأَرْضِ إِذَا هَمَّ بِالنُّهُوضِ. وَالنَّصْنَصَةُ: التَّحْرِيكُ. وَالنُّصَّةُ. الْقُصَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَهِيَ عَلَى مَوْضِعٍ رَفِيعٍ.

(نَضَّ) النُّونُ وَالضَّادُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَيْسِيرِ الشَّيْءِ وَظُهُورِهِ، وَالثَّانِي عَلَى جِنْسٍ مِنَ الْحَرَكَةِ.
الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْعَرَبِ: خُذْ مَا نَضَّ لَكَ مِنْ دَيْنٍ، أَيْ تَيَسَّرَ. وَفُلَانٌ يَسْتَنِضُّ مَالَ فُلَانٍ، أَيْ يَأْخُذُهُ كَمَا تَيَسَّرَ. وَالنَّضِيضُ مِنَ الْمَاءِ: الْقَلِيلُ. فَأَمَّا النَّاضُّ مِنَ الْمَالِ فَيُقَالُ: هُوَ مَا لَهُ مَادَّةٌ وَبَقَاءٌ، وَيُقَالُ بَلْ هُوَ مَا كَانَ عَيْنًا. وَإِلَى هَذَا يَذْهَبُ الْفُقَهَاءُ فِي النَّاضِّ.

(نَطَّ) النُّونُ وَالطَّاءُ. يَقُولُونَ النَّطَانِطُ مِنَ الرِّجَالِ: الطِّوَالُ، الْوَاحِدُ نَطْنَاطٌ، وَنَطْنَطْتُ الشَّيْءَ: مَدَدْتَهُ.

(نَعَّ) النُّونُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَيْلٍ وَاضْطِرَابٍ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا مَالَ وَاضْطَرَبَ: تَنَعْنَعَ. وَالنُّعْنُعُ: الْهَُنُ الْمُسْتَرْخِي. وَالنُّعْنُعُ: الطَّوِيلُ مِنَ الرِّجَالِ الْمُضْطَرِبُ الْخَلْقِ. وَيَقُولُونَ: تَنَعْنَعَ مِنَّا، أَيْ تَبَاعَدَ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
النَّازِحُ الْمُتَنَعْنِعُ.

(5/357)


(نَغَّ) النُّونُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ. وَالنَّغَانِغُ: لَحَمَاتٌ تَكُونُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَ اللَّهَاةِ، الْوَاحِدُ نُغْنُغٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابْنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَهَا ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغَانِغَ الْمَعْذُورِ
وَقَدْ تُسَمَّى الزَّوَائِدُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ النَّغَانِغُ.

(نَفَّ) النُّونُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النَّفْنَفُ: الْهَوَاءُ. وَكُلُّ مَهْوًى بَيْنَ شَيْئَيْنِ نَفْنَفٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
تُعَلَّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفُنَا ... وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعِبُ غَوْطٌ نَفَانِفُ.

(نَقَّ) النُّونُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ. وَنَقَّتِ الضَّفَادِعُ: صَوَّتَتْ، وَهِيَ النَّقَّاقَةُ. وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَةُ تُنَقْنِقُ لِلْبَيْضِ. وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِلنَّقَّاقَةِ، وَالنِّقْنِقُ: الظَّلِيمُ، لِأَنَّهُ يُنَقْنِقُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ نَقْنَقَتِ الْعَيْنُ: غَارَتْ.

(نَمَّ) النُّونُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا إِظْهَارُ شَيْءٍ وَإِبْرَازُهُ، وَالْآخَرُ لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ.

(5/358)


فَالْأَوَّلُ مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ، يُقَالُ: إِبِلٌ نَمَّةٌ: لَمْ يَبْقَ فِي أَجْوَافِهَا الْمَاءُ وَالنَّمَّامُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُبْقِي الْكَلَامَ فِي جَوْفِهِ. وَرَجُلٌ نَمَّامٌ. وَيَقُولُونَ: أَسْكَتَ اللَّهُ نَامَّتَهُ: مَا يَنِمُّ عَلَيْهِ مِنْ حَرَكَتِهِ. وَالنَّمِيمَةُ: الصَّوْتُ وَالْهَمْسُ، لِأَنَّهُمَا يَنُِمَّانِ عَلَى الْإِنْسَانِ. وَمِنْهُ النَّمَّامُ: رَيْحَانٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ رَائِحَتُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا بِهَا نُمِّيٌّ، أَيْ أَحَدٌ، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ: ذُو حَرَكَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ لِلْفَلْسِ: نُمِّيٌّ لَيْسَ عَرَبِيَّا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّمْنَمَةُ: مُقَارَبَةُ الْخُطُوطِ. وَالنُِّمْنُِمُ: الْبَيَاضُ يَكُونُ عَلَى الْأَظْفَارِ، الْوَاحِدُ نُِمْنُِمْةٌ.

[بَابُ النُّونِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَهَيَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَايَةٍ وَبُلُوغٍ. وَمِنْهُ أَنْهَيْتُ إِلَيْهِ الْخَبَرَ: بَلَّغْتُهُ إِيَّاهُ. وَنِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ: غَايَتُهُ. وَمِنْهُ نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَمْرٍ يَفْعَلُهُ. فَإِذَا نَهَيْتُهُ فَانْتَهَى عَنْكَ فَتِلْكَ غَايَةُ مَا كَانَ وَآخِرُهُ. وَفُلَانٌ نَاهِيكَ مِنْ رَجُلٍ وَنَهْيُكَ، كَمَا يُقَالُ حَسْبُكَ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ بِجِدِّهِ وَغَنَائِهِ يَنْهَاكَ عَنْ تَطَلُّبِ غَيْرِهِ. وَنَاقَةٌ نَهِيَّةٌ: تَنَاهَتْ سِمَنًا. وَالنُّهْيَةُ: الْعَقْلُ، لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ وَالْجَمْعُ نُهًى.
وَطَلَبَ الْحَاجَةَ حَتَّى نَهِيَ عَنْهَا، تَرَكَهَا، ظَفِرَ بِهَا أَمْ لَا، كَأَنَّهُ نَهَى

(5/359)


نَفْسَهُ عَنْ طَلَبِهَا. وَالنَّهْيُ وَالنِّهْيُ: الْغَدِيرُ، لِأَنَّ الْمَاءَ يُنْتَهَى إِلَيْهِ. وَتَنْهِيَةُ الْوَادِي: حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ السُّيُولُ. وَيُقَالُ إِنَّ نِهَاءَ النَّهَارِ: ارْتِفَاعُهُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَلِأَنَّ تِلْكَ غَايَةُ ارْتِفَاعِهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ إِنْ صَحَّ يَقُولُونَ النُّهَاءُ: الْقَوَارِيرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا. وَيُنْشِدُونَ:
تَرُضُّ الْحَصَى أَخْفَافُهُنًَّ كَأَنَّمَا ... يُكَسَّرُ قَيْضٌ بَيْنَهَا وَنِهَاءُ.

(نَهَأَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْهَمْزَةُ. إِذَا هُمِزَ فَفِيهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْإِبْدَالِ، يَقُولُ: أَنْهَأْتُ اللَّحْمَ، إِذَا لَمْ تُنْضِجْهُ. وَهَذَا عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ: أَنْيَأْتُهُ مِنَ النِّيِّ، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ هَاءً.

(نَهَبَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَوَزُّعِ شَيْءٍ فِي اخْتِلَاسٍ لَا عَنْ مُسَاوَاةٍ. مِنْهُ انْتِهَابُ الْمَالِ وَغَيْرِهِ. وَالنُّهْبَى: اسْمُ مَا انْتُهِبَ. وَمِنْهُ الْمُنَاهَبَةُ: أَنْ يَتَبَارَى الْفَرَسَانِ فِي حُضْرِهِمَا. يُقَالُ: نَاهَبَ الْفَرَسُ [الْفَرَسَ] ، كَأَنَّهُمَا يَتَنَاهَبَانِ الْحُضْرَ وَالسَّبَقَ، وَيُقَالُ نَهَبَ النَّاسُ فُلَانًا بِكَلَامِهِمْ: تَنَاوَلُوهُ بِهِ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ.

(5/360)


(نَهَتْ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ. فَالنَّهِيتُ: دُونَ الزَّئِيرِ. وَأَسَدٌّ نَهَّاتٌ. وَنَهَتَ الرَّجُلُ: زَحَرَ. وَحِمَارٌ نَهَّاتٌ.

(نَهَجَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ مُتَبَايِنَانِ: الْأَوَّلُ النَّهْجُ، الطَّرِيقُ. وَنَهَجَ لِي الْأَمْرَ: أَوْضَحَهُ. وَهُوَ مُسْتَقِيمُ الْمِنْهَاجِ. وَالْمَنْهَجُ: الطَّرِيقُ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ الْمَنَاهِجُ. وَالْآخَرُ الِانْقِطَاعُ. وَأَتَانَا فُلَانٌ يَنْهَجُ، إِذَا أَتَى مَبْهُورًا مُنْقَطِعَ النَّفَسِ. وَضَرَبْتُ فُلَانًا حَتَّى أُنْهِجَ، أَيْ سَقَطَ.
وَمِنَ الْبَابِ نَهَجَ الثَّوْبُ وَأَنْهَجَ: أَخْلَقَ وَلَمَّا يَنْشَقَّ. وَأَنْهَجَهُ الْبِلَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُقَالُ نَهَجَ.

(نَهَدَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِشْرَافِ شَيْءٍ وَارْتِفَاعِهِ. وَفَرَسٌ نَهْدٌ: مُشْرِفٌ جَسِيمٌ. وَنَهَدَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ: أَشْرَفَ وَكَعَبَ ; وَهِيَ نَاهِدٌ. وَيَقُولُونَ لِلزُّبْدَةِ الضَّخْمَةِ نَهِيدَةً.
وَمِنَ الْبَابِ الْمُنَاهَدَةُ فِي الْحُرُوبِ، كَالْمُنَاهَضَةِ، لِأَنَّ كُلًّا يَنْهَدُ إِلَى كُلٍّ، قَالُوا: غَيْرَ أَنَّ النُّهُوضَ يَكُونُ عَنْ قُعُودٍ، وَالنُّهُودُ كَيْفَ كَانَ. وَرَجُلٌ نَهْدٌ: كَرِيمٌ يَنْهَدُ إِلَى مَعَالِي الْأُمُورِ. وَالنَّهْدَاءُ: رَمْلَةٌ كَرِيمَةٌ تُنْبِتُ كِرَامَ الْبَقْلِ. وَيُقَالُ أَنْهَدْتُ

(5/361)


الْحَوْضَ: مَلَأْتُهُ، وَهُوَ حَوْضٌ نَهْدَانُ. وَيَقُولُونَ - وَمَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ -: إِنَّ التَّنَاهُدَ: إِخْرَاجُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرُّفَقَاءِ نَفَقَةً عَلَى قَدْرِ نَفَقَةِ صَاحِبِهِ.

(نَهَرَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحِ شَيْءٍ أَوْ فَتْحِهِ. وَأَنْهَرْتُ الدَّمَ: فَتَحْتُهُ وَأَرْسَلْتُهُ. وَسُمِّيَ النَّهْرَ لِأَنَّهُ يَنْهَرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا. وَالْمَنْهَرَةُ: فَضَاءٌ يَكُونُ بَيْنَ بُيُوتِ الْقَوْمِ يُلْقُونَ فِيهَا كُنَاسَتَهُمْ. وَجَمْعُ النَّهْرِ أَنْهَارٌ وَنُهُرٌ. وَاسْتَنْهَرَ النَّهْرُ: أَخَذَ مَجْرَاهُ. وَأَنْهَرَ الْمَاءُ: جَرَى. وَنَهْرٌ نَهِرٌ: كَثِيرُ الْمَاءِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
أَقَامَتْ بِهِ فَابْتَنَتْ خَيْمَةً ... عَلَى قَصَبٍ وَفُرَاتٍ نَهِرْ
وَمِنْهُ النَّهَارُ: انْفِتَاحُ الظُّلْمَةِ عَنِ الضِّيَاءِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّهَارَ يُجْمَعُ عَلَى نُهُرٍ. وَرَجُلٌ نَهِرٌ: صَاحِبُ نَهَارٍ كَأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ لَيْلًا. قَالَ:
لَسْتُ بِلَيْلِيٍّ وَلَكِنِّي نَهِرْ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: النَّهَارُ: فَرْخُ بَعْضِ الطَّيْرِ، فَهُوَ مِمَّا [لَا] يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ.

(5/362)


(نَهَزَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ وَنُهُوضٍ وَتَحْرِيكِ الشَّيْءِ. فَالنَّهْزُ: النُّهُوضُ لِتَنَاوُلِ الشَّيْءِ ; وَمِنْهُ انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ. وَالنُّهْزَةُ: كُلُّ مَا أَمْكَنَكَ انْتِهَازُهُ يُقَالُ قَدْ أَعْرَضَ فَانْتَهِزْ. وَنَهَزَتِ النَّاقَةُ بِصَدْرِهَا: نَهَضَتْ لِلسَّيْرِ. وَنَهَزَتِ الدَّابَّةُ بِرَأْسِهَا: دَفَعَتْ عَنْ نَفْسِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ نَاهَزَ الصَّبِيُّ الْبُلُوغَ، إِذَا دَانَاهُ، كَأَنَّهُ نَهَضَ لَهُ وَتَحَرَّكَ. وَنَهَزْتُ ضَرْعَ النَّاقَةِ عِنْدَ حَلْبِهَا لِتَدُِرَّ، إِذَا ضَرَبْتَهُ بِيَدِكَ. وَنَهَزْتُ مَاءَ الدَّلْوِ بِالْمَاءِ: ضَرَبْتُهُ لِتَمْتَلِئَ الدَّلْوُ.

(نَهَسَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَضٍّ عَلَى شَيْءٍ. وَنَهَسَ اللَّحْمَ: قَبَضَ عَلَيْهِ وَنَتَرَهُ عِنْدَ أَكْلِهِ إِيَّاهُ. وَمِنْهُ نَهَسَتْهُ الْحَيَّةُ.

(نَهَشَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ النَّهْسُ وَالنَّهْشُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَخْذُ اللَّحْمِ بِالْفَمِ. وَخَالَفَهُ أَبُو زَيْدٍ فَقَالَ: النَّهْشُ: بِمُقَدَّمِ الْفَمِ.

(نَهَضَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ فِي عُلُوٍّ. وَنَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ: قَامَ. وَمَا لَهُ نَاهِضَةٌ، أَيْ قَوْمٌ يَنْهَضُونَ فِي أَمْرِهِ وَيَقُومُونَ بِهِ. وَيَقُولُونَ: نَاهِضَةُ الرَّجُلِ: بَنُو أَبِيهِ الَّذِي يَغْضَبُونَ لَهُ. وَنَهَضَ النَّبْتُ: اسْتَوَى. وَالنَّاهِضُ:

(5/363)


الطَّائِرُ الَّذِي وَفَرَ جَنَاحَاهُ وَتَهَيَّأَ لِلنُّهُوضِ وَالطَّيَرَانِ. وَنِهَاضُ الطُّرُقِ: صُعُدُهَا وَعَتَبُهَا، الْوَاحِدَةُ نَهْضَةٌ. وَأَنْهُضُ الْبَعِيرِ: مَا بَيْنَ كَتِفِهِ إِلَى صُلْبِهِ.

(نَهَطَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالطَّاءُ. زَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ النَّهْطُ الطَّعْنُ. وَنَهَطَهُ بِالرُّمْحِ: طَعَنَهُ بِهِ.

(نَهَعَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَهَعَ، إِذَا تَهَوَّعَ مِنْ غَيْرِ قَلْسٍ.

(نَهَقَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ. فَالنَّهِيقُ وَالنُّهَاقُ: صَوْتُ الْحِمَارِ. وَنَوَاهِقُهُ: مَخَارِجُ نُهَاقِهِ مِنْ حَلْقِهِ وَنَوَاهِقُ الدَّابَّةِ: عُرُوقٌ اكْتَنَفَتْ خَيَاشِيمَهُ، الْوَاحِدَةُ نَاهِقَةٌ.

(نَهَكَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْلَاغٍ فِي عُقُوبَةٍ وَأَذًى. وَنَهَكَتْهُ الْحُمَّى: نَقَصَتْ لَحْمَهُ. وَأَنْهَكَهُ السُّلْطَانُ عُقُوبَةً: بَالَغَ.
وَمِنَ الْبَابِ انْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ: تَنَاوُلُهَا بِمَا لَا يَحِلُّ. وَالنَّهِيكُ: الْأَسَدُ وَالشُّجَاعُ، لِأَنَّهُمَا يَنْهَكَانِ الْأَقْرَانَ.

(نَهِلَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الشُّرْبِ. وَنَهِلَ: شَرِبَ فِي أَوَّلِ الْوِرْدِ. وَأَنْهَلْتُ الدَّوَابَّ. وَالْمَنْهَلُ: الْمَوْرِدُ. وَالنَّاهِلُ:

(5/364)


الرَّيَّانُ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْعَطْشَانِ نَاهِلٌ. وَهَذَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْفَأْلِ. قَالَ:
يَنْهَلُ مِنْهُ الْأَسَلُ النَّاهِلُ
أَيْ تُرْوَى مِنْهُ الرِّمَاحُ الْعِطَاشُ.

(نَهَمَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا صَوْتٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَالْآخَرُ وَلُوعٌ بِشَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ النَّهِيمُ: صَوْتُ الْأَسَدِ. وَالنَّهِيمُ: زَجْرُكَ الْإِبِلَ إِذَا صِحْتَ بِهَا. تَقُولُ: نَهَمْتُهَا، إِذَا صِحْتَ بِهَا لِتَمْضِيَ. قَالَ:
أَلَا انْهَِمَاهَا إِنَّهَا مَنَاهِيمْ ... وَإِنَّمَا يَنْهَمُهَا الْقَوْمُ الْهِيمْ
وَيُقَالُ لِلْحَذْفِ بِالْعَصَا وَالْحَذْفِ بِالْحَصَى نَهْمٌ ; وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَا يُحْذَفُ بِهِ أَدْنَى صَوْتٍ. قَالَ:
يَنْهَمْنَ بِالدَّارِ الْحَصَى الْمَنْهُومَا
فَأَمَّا الْآخَرُ فَالنَّهْمَةُ: بُلُوغُ الْهِمَّةِ فِي الشَّيْءِ. وَهُوَ مَنْهُومٌ بِكَذَا: مُولَعٌ بِهِ. وَيُقَالُ مِنْهُ نُهِمَ يُنْهَمُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابَيْنِ النِّهَامِيُّ: الْحَدَّادُ.

(5/365)


[بَابُ النُّونِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَوَى) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَقْصِدٌ لِشَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَجَمُ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ النَّوَى. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: النَّوَى: التَّحَوُّلُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ حُمِلَ عَلَيْهِ الْبَابُ كُلُّهُ فَقَالُوا: [نَوَى] الْأَمْرَ يَنْوِيهِ، إِذَا قَصَدَ لَهُ. وَمِمَّا يُصَحِّحُ هَذِهِ التَّآوِيلَ قَوْلُهُمْ: نَوَاهُ اللَّهُ، كَأَنَّهُ قَصَدَهُ بِالْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ. قَالَ:
يَا عَمْرُو أَحْسِنْ نَوَاكَ اللَّهُ بِالرَّشَدِ ... وَاقْرَأْ سَلَامًا عَلَى الذَّلْفَاءِ بِالثَّمَدِ
أَيْ قَصَدَكَ بِالرَّشَدِ. وَالنِّيَّةُ: الْوَجْهُ الَّذِي تَنْوِيهِ. وَنَوِيُّكَ: صَاحِبُكَ نِيَّتُهُ نِيَّتُكَ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّوَى: نَوَى التَّمْرِ. وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَوْزَانِ. وَيُقَالُ إِنَّ النَّوَاةَ زِنَةُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ. وَتَزَوَّجَهَا عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَيْ وَزْنِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْهُ.
وَبِالْهَمْزِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى النُّهُوضِ وَنَاءَ يَنُوءُ نَوْءًا: نَهَضَ. قَالَ:
فَقُلْنَا لَهُمْ تِلْكُمْ إِذًا بَعْدَ كَرَّةٍ ... نُغَادِرُ صَرْعَى نَوْؤُهَا مُتَخَاذِلُ
أَيْ نُهُوضُهَا ضَعِيفٌ وَالنَّوْءُ مِنْ أَنْوَاءِ الْمَطَرِ كَأَنَّهُ يَنْهَضُ بِالْمَطَرِ. وَكُلُّ نَاهِضٍ

(5/366)


بِثِقْلٍ فَقَدْ نَاءَ. وَنَاءَ الْبَعِيرُ بِحِمْلِهِ. وَالْمَرْأَةُ تَنُوءُ بِهَا عَجِيزَتُهَا، وَهِيَ تَنُوءُ بِهَا. فَالْأُولَى تُثْقَلُ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ تَنْهَضُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْمُنَاوَأَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ يُقَالُ: نَاوَأَهُ، إِذَا عَادَاهُ. وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّهَا الْمُنَاهَضَةُ، هَذَا يَنُوءُ إِلَى هَذَا وَهُوَ يَنُوءُ إِلَيْهِ أَيْ يَنْهَضُ.

(نَوَبَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِيَادِ مَكَانٍ وَرُجُوعٍ إِلَيْهِ. وَنَابَ يَنُوبُ، وَانْتَابَ يَنْتَابُ. وَيُقَالُ إِنَّ النُّوَبَ: النَّحْلُ، قَالُوا: وَسُمِّيَتْ بِهِ لِرَعْيِهَا وَنَوْبِهَا إِلَى مَكَانِهَا. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ جَمْعُ نَائِبٍ. وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
أَرِقْتُ لِذِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَوْبٍ ... كَمَا يَهْتَاجُ مَوْشِيٌّ قَشِيبُ.

(نَوَتَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ لَيْسَ عِنْدِي أَصْلًا. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَاتَ يَنُوتُ وَيَنِيتُ، إِذَا تَمَايَلَ مِنْ ضَعْفٍ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَعَلَّ النُّوتِيَّ وَهُوَ الْمَلَّاحُ، مِنْهُ.

(نَوَحَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ. مِنْهُ تَنَاوَحَ الْجَبَلَانِ، إِذَا تَقَابَلَا، وَتَنَاوَحَتِ الرِّيحَانِ: تَقَابَلَتَا فِي الْمَهَبِّ. وَهَذِهِ الرِّيحُ نَيِّحَةٌ لِتِلْكَ، أَيْ مُقَابِلَتُهَا. وَمِنْهُ النَّوْحُ وَالْمَنَاحَةُ، لِتَقَابُلِ النِّسَاءِ عِنْدَ الْبُكَاءِ.

(5/367)


(نَوَخَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَخْتُ الْجَمَلَ. فَأَمَّا فِعْلُ الْمُطَاوَعَةِ مِنْهُ فَقَالُوا: أَنَخْتُهُ فَبَرَكَ، وَقَالَ آخَرُونَ: اسْتَنَاخَ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ ". وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَخْتُهُ فَتَنَوَّخَ.

(نَوَرَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِضَاءَةٍ وَاضْطِرَابٍ وَقِلَّةِ ثَبَاتٍ. مِنْهُ النُّورُ وَالنَّارُ، سُمِّيَا بِذَلِكَ مِنْ طَرِيقَةِ الْإِضَاءَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُضْطَرِبًا سَرِيعَ الْحَرَكَةِ. وَتَنَوَّرْتُ النَّارَ: تَبَصَّرْتُهَا. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتَ وَأَهْلُهَا ... بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي
وَمِنْهُ النَّوْرُ: نَوْرُ الشَّجَرِ وَنُوَّارُهُ. وَأَنَارَتِ الشَّجَرَةُ: أَخْرَجَتِ النَّوْرَ. وَالْمَنَارَةُ: مَفْعَلَةٌ مِنَ الِاسْتِنَارَةِ، وَالْأَصْلُ مَنْوَرَةٌ. وَمِنْهُ مَنَارُ الْأَرْضِ: حُدُودُهَا وَأَعْلَامُهَا، سُمِّيَتْ لِبَيَانِهَا وَظُهُورِهَا. وَالَّذِي قُلْنَاهُ فِي قِلَّةِ الثَّبَاتِ امْرَأَةٌ نَوَارٌ، أَيْ عَفِيفَةٌ تَنُورُ، أَيْ تَنْفِرُ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالْجَمْعُ نُورٌ. وَنَارَتْ: نَفَرَتْ نَوْرًا. قَالَ:
أَنَوْرًا سَرْعَ مَاذَا يَا فَرُوقُ
وَنُرْتَ فُلَانًا: نَفَّرْتُهُ. وَالنَِّوَارُ: النِّفَارُ.

(5/368)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ النَّؤُورُ: دُخَانُ الْفَتِيلَةِ يَتَّخِذُهُ كُحْلًا وَوَشْمًا. وَنَوَّرْتُ اللِّثَةَ: غَرَزْتُهَا بِإِبْرَةٍ ثُمَّ جَعَلْتُ فِي الْغَرْزِ الْإِثْمِدَ.

(نَوَسَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ وَتَذَبْذُبٍ. وَنَاسَ الشَّيْءُ: تَذَبْذَبَ، يَنُوسُ. وَسُمِّيَ أَبُو نُوَاسٍ لِذُؤَابَتَيْنِ لَهُ كَانَتَا تَنُوسَانِ. وَيَقُولُونَ: نُسْتُ الْإِبِلَ: سُقْتُهَا.

(نَوَشَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَنَاوُلِ الشَّيْءِ. وَنُشْتُهُ نَوْشًا. وَتَنَاوَشْتُ: تَنَاوَلْتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 52] . وَرُبَّمَا عَدَّوْهُ بِغَيْرِ أَلْفٍ فَقَالُوا: نُشْتُهُ خَيْرًا، إِذَا أَنَلْتَهُ خَيْرًا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ:
بَاتَتْ تَنُوشُ الْعَنَقَ انْتِيَاشًا.

(نَوَصَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَرَدُّدٍ وَمَجِيءٍ وَذَهَابٍ. وَنَاصَ عَنْ قَرْنِهِ يَنُوصُ نَوْصًا. وَالْمَنَاصُ الْمَصْدَرُ، وَالْمَلْجَأُ أَيْضًا. قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] . وَيَقُولُونَ: النَّوْصُ: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ لَا يَزَالُ نَائِصًا: رَافِعًا رَأْسَهُ، يَتَرَدَّدُ كَالْجَامِحِ. وَنَاوَصَ الْجَرَّةَ: مَارَسَهَا. وَمَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الْجِيمِ.

(5/369)


(نَوَضَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالضَّادُ فِيهِ كَلِمَاتٌ مُتَبَايِنَةٌ.
الْأُولَى النَّوْضُ: وُصْلَةٌ مَا بَيْنَ الْعَجُزِ وَالْمَتْنِ. وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ: نَاضَ فِي الْبِلَادِ: ذَهَبَ. وَالثَّالِثَةُ الْأَنْوَاضُ: الْأَوْدِيَةُ، وَاحِدُهَا نَوْضٌ.

(نَوَطَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالطَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. وَنُطْتُهُ بِهِ: عَلَّقْتُهُ بِهِ. وَالنَّوْطُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ أَنْوَاطٌ. وَفِي الْمَثَلِ: " عَاطٍ بِغَيْرِ أَنْوَاطٍ " أَيْ إِنَّهُ يَعْطُو يَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَالنِّيَاطُ: عِرْقٌ عُلِّقَ بِهِ الْقَلْبُ، وَالْجَمْعُ أَنْوِطَةٌ، وَهُوَ النَّائِطُ أَيْضًا. قَالَ:
قَطْعَ الطَّبِيبِ نَائِطَ الْمَصْفُورِ
وَنِيَاطُ الْمَفَازَةِ: بُعْدُهَا، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مِنْ بُعْدِهِ نِيطَ أَبَدًا بِغَيْرِهِ. وَالْأَرْنَبُ مُقَطِّعَةُ النِّيَاطِ، لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الْبَعِيدَ. وَالتُّنَوِّطُ: طَائِرٌ ; وَهُوَ قِيَاسُهُ لِأَنَّهُ يَنُوطُ كَالْخُيُوطِ مِنَ الشَّجَرَةِ يَجْعَلَهَا وَكْرًا. وَنِيطَ فُلَانٌ: أَصَابَتْهُ نَوْطَةٌ، وَهِيَ وَرَمٌ فِي الصَّدْرِ. وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ نِيَاطِ الْقَلْبِ، كَأَنَّ الْوَجَعَ أَصَابَ نِيَاطَهُ. وَيَقُولُونَ: نَوْطَةٌ مِنْ طَلْحٍ، كَمَا يُقَالُ عِيصٌ مِنْ سِدْرٍ. وَسُمِّيَتْ لِتَعَلُّقِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَبِئْرٌ نَيِّطٌ، إِذَا كَانَتْ قَدْرَ قَامَةٍ.

(نَوَّعَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ كَلِمَتَانِ، إِحْدَاهُمَا تَدُلُّ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشَّيْءِ مُمَاثِلَةٍ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْحَرَكَةِ.

(5/370)


الْأَوَّلُ النَّوْعُ مِنَ الشَّيْءِ: الضَّرْبُ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَوْعِ ذَاكَ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُمْ: نَاعَ الْغُصْنُ يَنُوعُ، إِذَا تَمَايَلَ، فَهُوَ نَائِعٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِذَلِكَ يُقَالُ جَائِعٌ نَائِعٌ، أَيْ: مُضْطَرِبٌ مِنْ شِدَّةِ جُوعِهِ مُتَمَايِلٌ. وَيَدْعُونَ عَلَى الْإِنْسَانِ فَيَقُولُونَ: جُوعًا لَهُ وَنُوعًا لَهُ.

(نَوَفَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ. وَنَافَ يَنُوفُ: طَالَ وَارْتَفَعَ. وَالنَّوْفُ: السَّنَامُ، وَجَمْعُهُ أَنْوَافٌ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُمْ: مِائَةٌ وَنَيِّفٌ مِنْ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي نَيَفَ لِلَفْظِهِ.

(نَوَقَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُمُوٍّ وَارْتِفَاعٍ. وَأَرْفَعُ مَوْضِعٍ فِي الْجَبَلِ نِيقٌ، وَالْأَصْلُ الْوَاوُ، وَحُوِّلَتْ يَاءً لِلْكَسْرَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ النَّاقَةُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، لِارْتِفَاعِ خَلْقِهَا. وَنَاقَةٌ وَنُوقٌ. وَ " اسْتَنْوَقَ الْجَمَلُ " تَشْبِيهٌ بِهَا، وَيُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ ذَلَّ بَعْدَ عِزٍّ. وَالنَّاقَةُ: كَوَاكِبُ عَلَى هَيْئَةِ النَّاقَةِ. وَقَوْلُهُمْ: تَنَوَّقَ فِي الْأَمْرِ، إِذَا بَالَغَ فِيهِ، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ مِنْهُ، وَهُمْ يُشَبِّهُونَ الشَّيْءَ بِمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ، وَكَأَنَّ تَنَوَّقَ مَقِيسٌ عَلَى اسْمِ النَّاقَةِ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَحْسَنِ أَمْوَالِهُمْ. وَمَنْ قَالَ تَنَوَّقَ خَطَأٌ فَقَدْ غَلِطَ، وَقِيَاسُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالنِّيقَةُ

(5/371)


لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ تَنَوُّقٍ. يَقُولُونَ مَثَلًا: " خَرْقَاءُ ذَاتُ نِيقَةٍ "، يُضْرَبُ لِلْجَاهِلِ بِالشَّيْءِ يَدَّعِي الْمَعْرِفَةَ بِهِ.

(نَوَكَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النَّوَاكَةُ وَالنُّوكُ وَهِيَ الْحُمْقُ. وَرَجُلٌ أَنْوَكُ وَمُسْتَنْوِكٌ، وَهُمْ نَوْكَى.

(نَوَلَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِعْطَاءٍ. وَنَوَّلْتُهُ: أَعْطَيْتُهُ. وَالنَّوَالُ: الْعَطَاءُ. وَنُلْتُهُ نَوْلًا مِثْلُ أَنَلْتُهُ. وَقَوْلُكَ: مَا نَوْلُكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا ; فَمِنْهُ أَيْضًا، أَيْ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا تُعْطِينَاهُ مِنْ نُوَالِكَ هَذَا. وَقَوْلُ لَبِيَدٍ:
وَقَفْتُ بِهِنَّ حَتَّى قَالَ صَحْبِي ... جَزِعْتَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالنَّوَالِ
قَالُوا: النَّوَالُ: الصَّوَابُ، وَتَلْخِيصُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالْعَطَاءِ الَّذِي [إِنْ] أَعْطَيْتَنَاهُ كُنْتَ فِيهِ مُصِيبًا. وَكَذَا قَوْلُهُ:
فَدَعِي الْمَلَامَةَ وَيْبَ غَيْرِكِ إِنَّهُ ... لَيْسَ النَّوَالُ بِلَوْمِ كُلِّ كَرِيمِ
وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّهِ وَاحِدٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْمِنْوَالُ: الْخَشَبَةُ يَلُفُّ عَلَيْهَا النَّاسِجُ الثَّوْبَ.

(نَوَمَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جُمُودٍ وَسُكُونِ حَرَكَةٍ. مِنْهُ النَّوْمُ. نَامَ يَنَامُ نَوْمًا وَمَنَامًا. وَهُوَ نَؤُومٌ وَنُوَمَةٌ: كَثِيرُ النَّوْمِ

(5/372)


وَرَجُلٌ نَوْمَةٌ: خَامِلٌ لَا يُؤْبَهُ لَهُ. وَمِنْهُ اسْتَنَامَ لِي فُلَانٌ، إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَسَكَنَ. وَالْمَنَامَةُ: الْقَطِيفَةُ، لِأَنَّهُ يُنَامُ فِيهَا.
وَيَسْتَعِيرُونَ مِنْهُ: نَامَتِ السُّوقُ: كَسَدَتْ. وَنَامَ الثَّوْبُ: أَخْلَقَ.

(نَوَّنَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالنُّونُ: الْحُوتُ. وَ [ذُو] النُّونِ: سَيْفٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالنُّونِ.

(نَوَّهَ) النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُمُوٍّ وَارْتِفَاعٍ. وَنَاهَ النَّبَاتُ: ارْتَفَعَ. وَنَاهَتِ النَّاقَةُ: رَفَعَتْ رَأْسَهَا وَصَاحَتْ. وَمِنْهُ نُهْتُ بِالشَّيْءِ وَنَوَّهْتُ: رَفَعْتُ ذِكْرَهُ. وَيَقُولُونَ: نَاهَتْ نَفْسُهُ: قَوِيَتْ.

[بَابُ النُّونِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نِيحَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ وَخَيْرِ حَالٍ. وَنَيَّحَهُ اللَّهُ بِخَيْرٍ: أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: النَّيْحُ: اشْتِدَادُ الْعَظْمِ بَعْدَ رُطُوبَتِهِ. وَنَاحَ يَنِيحُ نَيْحًا. وَنَيَّحَ اللَّهُ عِظَامَهُ، تَدْعُو لَهُ. وَذُكِرَتْ كَلِمَةٌ أُخْرَى إِنْ صَحَّتْ

(5/373)


فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ، قَالُوا: نَاحَ الْغُصْنُ يَنِيحُ نَيْحًا: تَمَايَلَ. حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ.

(نَيَّرَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى وُضُوحِ شَيْءٍ وَبُرُوزِهِ. يُقَالُ لِأُخْدُودِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ مِنْهُ نِيرٌ. قَالَ:
إِلَى كُلِّ ذِي نِيرَيْنِ بَادِي الشَّوَاكِلِ
ثُمَّ قِيسَ عَلَى هَذَا نِيرُ الثَّوْبِ: عَلَمُهُ، سُمِّيَ بِهِ لِبُرُوزِهِ وَوُضُوحِهِ. وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ النِّيرُ: الْخَشَبَةُ عَلَى عُنُقِ الْفَدَّانِ بِأَدَاتِهَا، وَالْجَمْعُ نِيرَانٌ وَأَنْيَارٌ. وَرَجُلُ ذُو نِيرَيْنِ، أَيْ شِدَّتُهُ ضِعْفُ شِدَّةِ غَيْرِهِ. وَالنِّيرُ: جَبَلٌ.
وَمَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذَا كُلِّهِ الْوَاوَ فَيَرْجِعَ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ النُّورِ وَالنَّارِ.

(نِيطَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالطَّاءُ. يَقُولُونَ النَّيْطُ: الْمَوْتُ. قَالَ الْأُمَوِيُّ: رَمَاهُ اللَّهُ بِالنَّيْطِ.

(نَيَفَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ. قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ النُّونِ وَالْوَاوِ وَالْفَاءِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِارْتِفَاعِ وَالزِّيَادَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَابُ رَاجِعًا إِلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ. يَقُولُونَ: مِائَةٌ وَنَيِّفٌ. وَأَنَافَتِ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْمِائَةِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: كُلُّ مَا بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ نَيِّفٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ:

(5/374)


وَرَدْتُ بِرَابِيَةٍ، رَأْسُهَا ... عَلَى كُلِّ رَابِيَةٍ نَيِّفُ
وَنَاقَةٌ نِيَافٌ وَجَمَلٌ نِيَافٌ: طَوِيلٌ فِي ارْتِفَاعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَيَّفَ عَلَى السَّبْعِينَ، زَادَ عَلَيْهَا.

(نَيَمَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالْمِيمُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ لَيْسَتْ قِيَاسًا وَاحِدًا.
فَالْأُولَى النِّيمُ، وَهُوَ الْفَرْوُ. وَالثَّانِيَةُ النِّيمُ، وَهُوَ شَجَرٌ. قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ الْهُذَلِيُّ:
ثُمَّ يَنُوشُ إِذَا آدَ النَّهَارُ لَهُ ... بَعْدَ التَّرَقُّبِ مِنْ نِيمٍ وَمِنْ كَتَمِ
وَالْكَتَمُ: شَجَرٌ أَيْضًا. وَالثَّالِثَةُ النِّيمُ: الدَّرَجُ فِي الرَّمْلِ إِذَا جَرَتْ فِيهِ الرِّيحُ. قَالَ:
حَتَّى انْجَلَى اللَّيْلُ عَنَّا فِي مُلَمَّعَةٍ ... مِثْلِ الْأَدِيمِ لَهَا فِي هَبْوَةٍ نِيمُ.

(نَيَأَ) النُّونُ وَالْيَاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ هِيَ النِّيُّ مِنَ اللَّحْمِ: الَّذِي لَمْ يَنْضَجْ وَقَدْ أَنَأْتُهُ أَنَا. وَالْأَصْلُ أَنْيَأْتُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(5/375)


[بَابُ النُّونِ وَالْهَمْزَةِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَأَتَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ. يُقَالُ: نَأَتَ الرَّجُلُ نَئِيتًا، مِثْلُ نَهَتَ، إِذَا أَنَّ. وَرَجُلٌ نَآتٌ مِثْلُ نَهَّاتٍ.

(نَأَجَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ. وَنَأَجَ إِلَى اللَّهِ: تَضَرَّعَ فِي الدُّعَاءِ. وَنَائِجَاتُ الْهَامِ: صَوَائِحُهَا. وَالنَّؤُوجُ وَالنَّآجَةُ: الرِّيحُ تَنْئِجُ فِي هُبُوبِهَا، أَيْ تُصَوِّتُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَصَوَّحَ الْبَقْلَ نَآجٌ تَجِيءُ [بِهِ] ... هَيْفٌ يَمَانِيَةٌ فِي مَرِّهَا نَكْبُ
وَنَأَجَ الثَّوْرُ: صَاحَ. وَفِي الْحَدِيثِ: " ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِأَنْأَجِ مَا تَقْدِرُ "، أَيْ بِأَضْرَعِ مَا يُمَكِنُ مِنَ الدُّعَاءِ.

(نَأَدَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: النَّآدُ وَالنَّآدَى: الدَّاهِيَةُ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَإِيَّاكُمْ وَدَاهِيَةً نَآدَى ... أَظَلَّتْكُمْ بِعَارِضِهَا الْمُخِيلِ.

(نَأَشَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَخْذٍ وَبَطْشٍ. وَرَجُلٌ نَؤُوشٌ: ذُو بَطْشٍ.

(5/376)


وَقَدْ ذُكِرَتْ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ فَلَيْسَتْ مِنْ قِيَاسِ الْأُولَى، يَقُولُونَ لِمَنْ جَاءَ فِي أَوَاخِرِ النَّاسِ: جَاءَ نَئِيشًا. قَالَ:
تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُونَ أَطَاعَنِي ... وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْأُمُورِ أُمُورُ
وَالَّذِي سَمِعْنَاهُ: " تَمَنَّى أَخِيرًا ".

(نَأَفَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالْفَاءُ. يَقُولُونَ: نَئِفَ يَنْأَفُ، إِذَا أَكَلَ.

(نَأَلَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَاللَّامُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا النَّأَلَانُ: الْمَشْيُ السَّرِيعُ. يَنْهَضُ الْمَاشِي بِرَأْسِهِ إِلَى فَوْقٍ. وَرَجُلٌ نَؤُولٌ، وَضَبُعٌ نَؤُولٌ، إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ.

(نَأَمَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ. النَّئِيمُ: [صَوْتٌ] فِيهِ ضَعْفٌ كَالْأَنِينِ. وَنَأَمَ الْأَسَدُ يَنْئِمُ. وَسَمِعْتُ لَهُ نَأْمَةً وَاحِدَةً. وَنَأَمَتِ الْقَوْسُ نَئِيمًا.

(نَأَيَ) النُّونُ وَالْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ كَلِمَتَانِ: النُّؤْيُ وَالنَّأْيُ. فَالنُّؤْيُ: حَفِيرَةٌ حَوْلَ الْخِبَاءِ، يَدْفَعُ مَاءَ الْمَطَرِ عَنِ الْخِبَاءِ. يُقَالُ أَنْأَيْتُ نُؤْيًا. وَالْمُنْتَأَى: مَوْضِعُهُ. وَأَنْشَدَ الْخَلِيلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ:

(5/377)


إِذَا مَا الْتَقَيْنَا سَالَ مِنْ عَبَرَاتِنَا ... شَآبِيبُ يُنْأَى سَيْلُهَا بِالْأَصَابِعِ
وَأَمَّا النَّأْيُ فَالْبُعْدُ، يُقَالُ نَأَى يَنْأَى نَأْيًا ; وَانْتَأَى: افْتَعَلَ مِنْهُ. وَالْمُنْتَأَى: الْمَوْضِعُ الْبَعِيدُ. قَالَ:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ... وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
وَرُبَّمَا أَخَّرُوا الْهَمْزَةَ فَقَالُوا نَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَأَى. قَالَ:
مَنْ إِنْ رَآكَ غَنِيًّا لَانَ جَانِبُهُ ... وَإِنْ رَآكَ فَقِيرًا نَاءَ وَاغْتَرَبَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ النُّونِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَبَتَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى نَمَاءٍ فِي مَزْرُوعٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالنَّبْتُ مَعْرُوفٌ، يُقَالُ نَبَتَ. وَأَنْبَتَتِ الْأَرْضُ. وَنَبَّتُّ الشَّجَرَ: غَرَسْتُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ [فِي] بَنِي فُلَانٍ لَنَابِتَةَ شَرٍّ. وَنَبَتَتْ لِبَنِي فُلَانٍ نَابِتَةٌ، إِذَا نَشَأَ لَهُمْ نَشْءٌ صِغَارٌ مِنَ الْوَلَدِ. وَالنَّبِيتُ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. وَمَا أَحْسَنَ نِبْتَةَ هَذَا الشَّجَرِ. وَهُوَ فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ، أَيْ أَصْلٍ كَرِيمٍ.

(5/378)


(نَبَثَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْرَازِ شَيْءٍ. وَنَبَثَ التُّرَابَ: أَخْرَجَهُ مِنَ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ، وَذَلِكَ الْمُسْتَخْرَجِ نَبِيثَةٌ، وَالْجَمْعُ نَبَائِثُ. وَالنَّابِثُ: الْحَافِرُ. وَقَوْلُهُمْ: خَبِيثٌ نَبِيثٌ، إِنَّمَا هُوَ إِتْبَاعٌ.

(نَبَجَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ. يَقُولُونَ: النَّبَّاجُ: الرَّفِيعُ [الصَّوْتِ] ، وَهِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ.

(نَبَحَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ نُبَاحُ الْكَلْبِ وَنَبِيحُهُ. وَرُبَّمَا [قَالُوا] لِلظَّبْيِ نَبَحَ. قَالَ أَبُو دُوَادَ:
وَقُصْرَى شَنِجِ الْأَنْسَا ... ءِ نَبَّاحٍ مِنَ الشُّعْبِ
وَفِي الْحَدِيثِ: " اقْعُدْ مَنْبُوحًا "، أَيْ مَشْتُومًا.

(نَبَخَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى عِظَمٍ وَتَعَظُّمٍ. وَأَصْلُ النَّبْخِ مَا نَفِخَ مِنَ الْيَدِ فَخَرَجَ شِبْهَ قَرْحٍ مُمْتَلِئٍ مَاءً. وَيُقَالُ لِلْمُتَعَظِّمِ فِي نَفْسِهِ: نَابِخَةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
يَخْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْلَاكِ نَابِخَةً ... مِنَ النَّوَابِخِ مِثْلَ الْحَادِرِ الرُّزَمِ

(5/379)


وَالنَّبْخَاءُ: الْأَكَمَةُ، سُمِّيَتْ لِارْتِفَاعِهَا.

(نَبَذَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالذَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طَرْحٍ وَإِلْقَاءٍ. وَنَبَذْتُ الشَّيْءَ أَنْبِذُهُ نَبْذًا: أَلْقَيْتُهُ مِنْ يَدِي. وَالنَّبِيذُ: التَّمْرُ يُلْقَى فِي الْآنِيَةِ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. يُقَالُ: نَبَذْتُ أَنْبِذُ. وَالصَّبِيُّ الْمَنْبُوذُ: الَّذِي تُلْقِيهِ أُمُّهُ. وَيُقَالُ: بِأَرْضِ كَذَا نَبْذٌ مِنْ مَالٍ، أَيْ شَيْءٌ يَسِيرٌ. وَفِي رَأْسِهِ نَبْذٌ مِنَ الشَّيْبِ، أَيْ يَسِيرٌ، كَأَنَّهُ الَّذِي يُنْبَذُ لِقِلَّتِهِ وَصِغَرِهِ. وَكَذَلِكَ النَّبْذُ مِنَ الْمَطَرِ.

(نَبَرَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعٍ وَعُلُوٍّ. وَنَبَرَ الْغُلَامُ: صَاحَ أَوَّلَ مَا يَتَرَعْرَعُ. وَرَجُلٌ نَبَّارٌ: فَصِيحٌ جَهِيرٌ. وَسُمِّيَ الْمِنْبَرُ لِأَنَّهُ مُرْتَفِعٌ وَيُرْفَعُ الصَّوْتُ عَلَيْهِ. وَالنَّبْرُ فِي الْكَلَامِ: الْهَمْزُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَكُلُّ مَنْ رَفَعَ شَيْئًا فَقَدْ نَبَرَهُ. وَمِمَّا يُقَاسُ عَلَى هَذَا النِّبْرِ: دُوَيْبَّةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْبَارٌ، لِأَنَّهُ إِذَا دَبَّ عَلَى الْإِبِلِ تَوَرَّمَتْ جُلُودُهَا وَارْتَفَعَتْ. قَالَ:
كَأَنَّهَا مِنْ سِمَنٍ وَاسْتِيقَارْ ... دَبَّتْ عَلَيْهَا ذَرِبَاتُ الْأَنْبَارْ.

(نَبَسَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: مَا نَبَسَ بِكَلِمَةٍ، أَيْ مَا تَكَلَّمَ. وَمَا سَمِعْتُ لَهُمْ نَبْسًا وَلَا نَبْسَةً.

(نَبَشَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِبْرَازِ شَيْءٍ مَسْتُورٍ. وَنَبَشَ الْقَبْرَ، وَهُوَ نَبَّاشٌ يَنْبُشُهُ. وَمِنْ قِيَاسِهِ أَنَابِيشُ الْكَلَأِ:

(5/380)


الْقِطَاعُ الْمُتَفَرِّقَةُ تَبْرُزُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

(نَبَصَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: نَبَصَ الْغُلَامُ بِالْكَلْبِ. وَنَبَصَ الطَّائِرُ: صَوَّتَ.

(نَبَضَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالضَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ أَوْ تَحْرِيكٍ. وَنَبَضَ الْعِرْقُ يَنْبِضُ، وَتِلْكَ حَرَكَتُهُ. وَمَا بِهِ حَبَضٌ وَلَا نَبَضٌ. وَأَنْبَضْتُ عَنِ الْقَوْسِ إِنْبَاضًا مِنْ هَذَا. وَنَبَضْتُ أَيْضًا. وَيَقُولُونَ: فُؤَادٌ نَبِضٌ، كَأَنَّهُ مِنْ شَهَامَتِهِ يَنْبِضُ، أَيْ يَتَحَرَّكُ، قَالَ:
وَإِذَا أَطَفْتَ بِهَا أَطَفْتَ بِكَلْكَلٍ ... نَبِضِ الْفَرَائِصِ مُجْفَرِ الْأَضْلَاعِ.

(نَبَطَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ شَيْءٍ. وَاسْتَنْبَطْتُ الْمَاءَ: اسْتَخْرَجْتُهُ، وَالْمَاءُ نَفْسُهُ إِذَا اسْتُخْرِجَ نَبَطَ. وَيُقَالُ: إِنَّ النَّبَطَ سُمُّوا بِهِ لِاسْتِنْبَاطِهِمُ الْمِيَاهَ. وَمِنَ الْمَحْمُولِ عَلَى هَذَا النُّبْطَةُ: بَيَاضٌ يَكُونُ تَحْتَ إِبِطِ الْفَرَسِ. وَفَرَسٌ أَنْبَطُ، كَأَنَّ ذَلِكَ الْبَيَاضَ مُشَبَّهٌ بِمَاءٍ نَبَطَ.

(نَبَعَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا نُبُوعُ الْمَاءِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ يَنْبُوعٌ. وَالنَّوَابِعُ مِنَ الْبَعِيرِ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا عَرَقُهُ. وَمَنَابِعُ الْمَاءِ: مَخَارِجُهُ مِنَ الْأَرْضِ.
وَالْأُخْرَى النَّبْعُ: شَجَرٌ.

(5/381)


(نَبَغَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بُرُوزٍ وَظُهُورٍ. وَنَبَغَ الشَّيْءُ ظَهَرَ. وَالنَّبْغُ: مَا تَطَايَرَ مِنَ الدَّقِيقِ إِذَا طُحِنَ أَوْ نُخِلَ. وَنَبَغَ الرَّجُلُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِرْثِ الشِّعْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَجَادَ. وَكَذَلِكَ سُمِّيَ النَّابِغَةُ الشَّاعِرُ. قَالَ:
وَحَلَّتْ فِي بَنِي قَيْسِ بْنِ جَسْرٍ ... وَقَدْ نَبَغَتْ لَنَا مِنْهُمْ شُئُونُ.

(نَبَقَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَسْوِيَةٍ وَتَهْذِيبٍ. وَالنَّخْلُ إِذَا كَانَ غِرَاسُهُ عَلَى اسْتِوَاءٍ مُنَبَّقٍ. وَقَدْ نَبَّقَهُ صَاحِبُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَوٍ مُهَذَّبٍ. قَالَ:
وَحَدِّثْ بِأَنْ زَالَتْ بِلَيْلٍ حُمُولُهُمْ ... كَنَخْلٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ غَيْرِ مُنَبَّقِ
وَلَعَلَّ النَّبْقَ، وَهُوَ حَمْلُ السِّدْرِ مِنْ هَذَا. وَيُقَالُ - وَهُوَ شَاذٌّ عَنْ هَذَا:
أَنْبَقَ الرَّجُلُ، إِذَا حَصَمَ بِهَا غَيْرَ شَدِيدَةٍ.

(نَبَكَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْكَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَهُبُوطٍ فِي الْأَرْضِ. يُقَالُ نَبَكَةٌ، وَالْجَمْعُ نِبَاكٌ.

(5/382)


(نَبَلَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ وَكِبَرٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ مِنْهُ الْحِذْقُ فِي الْعَمَلِ، فَيُقَالُ لِلْفَضْلِ فِي الْإِنْسَانِ نُبْلٌ. وَالنَّبَلُ: عِظَامُ الْمَدَرِ وَالْحِجَارَةِ. وَيُقَالُ: نَبَلٌ وَنُبَلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَعِدُّوا النَّبَلَ ".» وَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّبَلَ هَاهُنَا الصِّغَارُ، وَإِنَّهَا مِنَ الْأَضْدَادِ، وَنَبِّلْنِي أَحْجَارًا لِلِاسْتِنْجَاءِ: أَعْطِنِيهَا. وَنَبِّلْنِي عَرْقًا: أَعْطِنِيهِ. وَحُجَّةُ أَنَّهَا الصِّغَارُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
أَفَرْحُ أَنْ أُرْزَأَ الْكِرَامَ وَأَنْ ... أُورَثَ ذَوْدًا شَصَائِصًا نَبَلَا
وَإِذَا كَانَتْ مِنَ الْأَضْدَادِ كَانَ الْوَجْهُ الْأَقَلُّ خَارِجًا عَنِ الْقِيَاسِ. وَالْمَعْنَى فِي الْحِذْقِ قَوْلُهُمْ إِنَّ النَّابِلَ: الْحَاذِقُ بِالْأَمْرِ، وَالْفِعْلُ النَّبَالَةِ. وَفُلَانٌ أَنْبَلُ النَّاسِ بِالْإِبِلِ، أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِمَا يُصْلِحُهَا. قَالَ:
تَدَلَّى عَلَيْهَا بِالْحِبَالِ مُوَثَِّقًا ... شَدِيدَُ الْوَصَاةِ نَابِلٌ وَابْنُ نَابِلِ
وَفِي الْبَابِ قِيَاسٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى رَمْيِ الشَّيْءِ وَنَبْذِهِ وَخِفَّةِ أَمْرِهِ. مِنْهُ النَّبْلُ: السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ. وَالنَّابِلُ: صَاحِبُ النَّبْلِ، وَالنَّبَّالُ: الَّذِي يَعْمَلُهُ. وَنَبَلْتُهُ: رَمَيْتُهُ بِالنَّبْلِ. وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ: تَنَبَّلَ الْبَعِيرُ: مَاتَ: وَالنَّبِيلَةُ: الْجِيفَةُ، وَسُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُرْمَى.
وَمِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي يُقَارِبُ هَذَا: نَبَلَ الْإِبِلَ يَنْبُلُهَا: سَاقَهَا سَوْقًا شَدِيدًا. قَالَ:

(5/383)


لَا تَأْوِيَا لِلْعِيسِ وَانْبُلَاهَا.

(نَبُهَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَسُمُوٍّ. وَمِنْهُ النُّبْهُ وَالِانْتِبَاهُ، وَهُوَ الْيَقَظَةُ وَالِارْتِفَاعُ مِنَ النَّوْمِ. وَنَبَّهْتُهُ وَأَنْبَهْتُهُ. وَمِنْهُ رَجُلٌ نَبِيهٌ، أَيْ شَرِيفٌ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ النَّبَهَ مِنَ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ لِلضَّائِعِ نَبَهٌ وَلِلْمَوْجُودِ نَبَهٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا ضَاعَ انْتُبِهَ لَهُ وَإِذَا وُجِدَ انْتُبِهَ لَهُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: النَّبَهُ: الضَّالَّةُ تُوجَدُ عَنْ غَفْلَةٍ. تَقُولُ: وَجَدْتُ هَذَا الشَّيْءَ نَبَهًا وَأَضْلَلْتُهُ نَبَهًا، إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَتَى ضَلَّ. وَالْقِيَاسُ فِي الْبَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ:
كَأَنَّهُ دُمْلُجٌ مِنْ فِضَّةٍ نَبَهٌ ... فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذَارَى الْحَيِّ مَفْصُومُ.

(نَبَوَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ تَنَحٍّ عَنْهُ. [نَبَا بَصَرُهُ عَنِ الشَّيْءِ] يَنْبُو. وَنَبَا السَّيْفُ عَنِ الضَّرِيبَةِ: تَجَافَى وَلَمْ يَمْضِ فِيهَا. وَنَبَا بِهِ مَنْزِلُهُ: لَمْ يُوَافِقْهُ، وَكَذَا فِرَاشُهُ. وَيُقَالُ نَبَا جَنْبُهُ عَنِ الْفِرَاشِ. قَالَ:
إِنَّ جَنْبِي عَنِ الْفِرَاشِ لِنَابٍ ... كَتَجَافِي الْأَسَرِّ فَوْقَ الظِّرَابِ

(5/384)


وَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ مِنَ النَّبْوَةِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، كَأَنَّهُ مُفَضَّلٌ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ بِرَفْعِ مَنْزِلَتِهِ. وَيَقُولُونَ: النَّبِيُّ: الطَّرِيقُ. قَالَ:
لَأَصْبَحَ رَتْمًا دُقَاقَ الْحَصَى ... مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الْكَاثِبِ.

(نَبَأَ) النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْهَمْزَةُ قِيَاسُهُ الْإِتْيَانُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. يُقَالُ لِلَّذِي يَنْبَأُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ نَابِئٌ. وَسَيْلٌ نَابِئٌ: أَتَى مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَرَجُلٌ نَابِئٌ مِثْلُهُ. قَالَ:
وَلَكِنْ قَذَاهَا كُلُّ أَشْعَثَ نَابِئٍ ... أَتَتْنَا بِهِ الْأَقْدَارُ مِنْ حَيْثُ لَا نَدْرِي
وَمِنْ هَذَا الْقِيَاسِ النَّبَأُ: الْخَبَرُ، لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَالْمُنْبِئُ: الْمُخْبِرُ. وَأَنْبَأْتُهُ وَنَبَّأْتُهُ. وَرَمَى الرَّامِي فَأَنْبَأَ، إِذَا لَمْ يَشْرِمْ، كَأَنَّ سَهْمَهَ عَدَلَ عَنِ الْخَدْشِ وَسَقَطَ مَكَانًا آخَرَ. وَالنَّبْأَةُ: الصَّوْتُ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الصَّوْتَ يَجِيءُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَقَدْ تَوَحَّسَ رِكْزًا مُقْفِرٌ نَدُسٌ ... بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ
وَمَنْ هَمَزَ النَّبِيَّ فَلِأَنَّهُ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(5/385)


[بَابُ النُّونِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَتَجَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النِّتَاجُ. وَنُتِجَتِ النَّاقَةُ ; وَنَتَجَهَا أَهْلُهَا. وَفَرَسٌ نَتُوجٌ: اسْتَبَانَ نِتَاجُهَا.

(نَتَحَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْحَاءُ. نَتَحَ الْعَرَقُ: رَشَحَ. وَمَنَاتِحُ الْعَرَقِ: مَخَارِجُهُ. وَنَتَحَ النِّحْيُ: رَشَحَ أَيْضًا.

(نَتَخَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ. وَنَتَخَ الشَّوْكَةَ مِنَ الرِّجْلِ بِالْمِنْتَاخِ، أَيْ الْمِنْقَاشِ. وَنَتَخَ الْبَازِي اللَّحْمَ بِمِنْسَرِهِ، وَنَتَخَ ضِرْسَهُ: انْتَزَعَهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَتْرُكُ أَفْلَاءَهَا فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ ... تَنْتَخُ أَعْيُنَهَا الْعِقْبَانُ وَالرَّخَمُ
وَيَقُولُونَ: الْمُتَنَتِّخُ: الْمُتَفَلِّي. وَالْبِسَاطُ الْمَنْتُوخُ بِالذَّهَبِ: الْمَنْسُوجُ بِهِ. وَالنَّتْخُ: النَّسْجُ، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ.

(نَتَرَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَذْبِ شَيْءٍ. وَالنَّتْرُ: جَذْبٌ فِيهِ جَفْوَةٌ. وَالطَّعْنُ النَّتْرُ، مِثْلُ الْخَلْسِ. وَالنَّوَاتِرِ: الْقِسِيُّ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ النَّتَرَ: الْفَسَادُ وَالضَّيَاعُ، وَإِنْشَادُهُمْ:

(5/386)


أَمْرَكَ هَذَا فَاحْتَفِظْ فِيهِ النَّتَرْ
فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، كَأَنَّهُ أَمْرٌ جُذِبَ عَنِ الصِّحَّةِ.

(نَتَغَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْغَيْنُ لَيْسَ بِشَيْءٍ غَيْرِ حِكَايَةٍ. يَقُولُونَ: أَنْتَغَ الرَّجُلُ، إِذَا ضَحِكَ ضَحِكَ الْمُسْتَهْزِئِ. وَيُقَالُ: نَتَغْتُهُ، إِذَا عِبْتَهُ وَذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَجُلٌ مِنْتَغٌ فَعَّالٌ لِذَلِكَ.

(نَتَفَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَرْطِ شَيْءٍ. وَنَتَفَ الشَّعَْرَ وَغَيْرَهُ يَنْتِفُهُ. وَالْمِنْتَافُ: الْمِنْقَاشُ. وَالنُّتَافَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا نُتِفَ. وَالنُّتْفَةُ: مَا نَتَفْتَهُ بِأَصَابِعِكَ مِنْ نَبْتٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَرَجُلٌ نُتَفَةٌ: يَنْتِفُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَقْصِيهِ.

(نَتَقَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَذْبِ شَيْءٍ وَزَعْزَعَتِهِ وَقَلْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: نَتَقْتُ الْغَرْبَ مِنَ الْبِئْرِ: جَذَبْتُهُ. وَالْبَعِيرُ إِذَا تَزَعْزَعَ حِمْلُهُ نَتَقَ عُرَى حِبَالِهِ، وَذَلِكَ جَذْبُهُ إِيَّاهَا فَتَسْتَرْخِي. وَامْرَأَةٌ نَاتِقٌ: كَثُرَ أَوْلَادُهَا. وَهَذَا قِيَاسُ الْبَابِ، كَأَنَّهُمْ نُتِقُوا مِنْهَا نَتْقًا. قَالَ:
لَمْ يُحْرَمُوا حُسْنَ الْغِذَاءِ وَأُمُّهُمْ ... دَحَقَتْ عَلَيْكَ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ

(5/387)


وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَنْتَقُ أَرْحَامًا ".» وَزَنْدٌ نَاتِقٌ: وَارٍ ; وَهُوَ الْقِيَاسُ.

( [نَتَكَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْكَافُ. النَّتْكُ] ، هِيَ مِنْ يَمَانِيَّاتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَهِيَ شَبِيهٌ بِالنَّتْفِ.

(نَتَلَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمٍ وَسَبْقٍ. يُقَالُ اسْتَنْتَلَ الرَّجُلُ: تَقَدَّمَ أَصْحَابَهُ. وَسُمِّيَ الرَّجُلُ بِهِ نَاتِلًا. وَنَتَلْتُهُ: جَذَبْتُهُ إِلَى قُدُمٍ. وَتَنَاتَلَ النَّبْتُ: لَمْ يَسْتَقِمْ نَبَاتُهُ وَكَانَ بَعْضُهُ أَطْوَلَ مِنْ بَعْضٍ، كَأَنَّ الْأَطْوَلَ تَقَدَّمَ مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ فَسَبَقَ. وَقَوْلُهُمْ: النَّتَلُ الْعَبْدُ الضَّخْمُ، تَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يَقْوَى مِنَ التَّقَدُّمِ [عَلَى] مَا يَعْجِزُ عَنْهُ غَيْرُهُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الرَّاجِزِ:
يَطُفْنَ حَوْلَ نَتَلٍ وَزْوَازِ
فَوَصَفَهُ بِوَزْوَازٍ، وَهُوَ الْخَفِيفُ.

(نَتَأَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْهَمْزَةُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ. يَقُولُونَ: نَتَأَ الشَّيْءُ، إِذَا خَرَجَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِينَ، يَنْتَأُ. وَنَتَأَتِ الْجِلْدَةُ. وَيَتَوَسَّعُونَ فِي هَذَا حَتَّى يَقُولُوا: نَتَأْتُ عَلَى

(5/388)


الْقَوْمِ: طَلَعْتُ عَلَيْهِمْ. وَنَتَأَتِ الْجَارِيَةُ: بَلَغَتْ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ نَتَأَ لِي فُلَانٌ بِالشَّرِّ، إِذَا اسْتَعَدَّ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، كَأَنَّهُ نَهَضَ مِنْ مَقَرِّهِ. وَفِي أَمْثَالِهِمْ: " تَحْقِرُهُ وَيَنْتَأُ لَكَ "، أَيْ تَزْدَرِيهِ لِسُكُونِهِ وَهُوَ يَنْهَضُ إِلَيْكَ مُجَاذِبًا.

(نَتَبَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْبَاءَ فِيهِ زَائِدَةٌ. يَقُولُونَ: نَتَبَ الشَّيْءُ، مِثْلُ نَهَدَ. قَالَ:
أَشْرَفَ ثَدْيَاهَا عَلَى التَّرَيُّبِ ... لَمْ يَعْدُوَا التَّفْلِيكَ فِي النُّتُوبِ
إِنَّمَا أَرَادَ النُّتُوَّ فَزَادَ الْقَافِيَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ النُّونِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَثَرَ) النُّونُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِلْقَاءِ شَيْءٍ مُتَفَرِّقٍ. وَنَثَرَ الدَّرَاهِمَ وَغَيْرَهَا. وَنَثَرَتِ الشَّاةُ: طَرَحَتْ مِنْ أَنْفِهَا الْأَذَى. وَسُمِّيَ الْأَنْفُ النَّثْرَةَ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَنْثُرُ مَا فِيهِ مِنَ الْأَذَى. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ» أَوْ " فَانْثِرْ "، مَعْنَاهُ اجْعَلِ الْمَاءَ فِي نَثْرَتِكَ. [وَ] النَّثْرَةُ: نَجْمٌ

(5/389)


يُقَالُ إِنَّهُ أَنْفُ الْأَسَدِ يَنْزِلُهُ الْقَمَرُ. وَطَعَنَهُ فَأَنْثَرَهُ: أَلْقَاهُ عَلَى خَيْشُومِهِ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ:
إِنَّ عَلَيْهَا فَارِسًا كَعَشَرَهْ ... إِذَا رَأَى فَارِسَ قَوْمٍ أَنْثَرَهْ
[وَيُقَالُ: أَنْثَرَهُ] : أَرْعَفَهُ الدَّمُ. وَالنَّثْرَةُ: الدِّرْعُ، وَهَذَا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

(نَثَلَ) النُّونُ وَالثَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ أَوْ خُرُوجِهِ مِنْهُ. مِنْهُ نَثَلْتُ كِنَانَتِي: أَخْرَجْتُ مَا فِيهَا مِنْ نَبْلٍ نَثْلًا. وَنَثَلْتُ الْبِئْرَ: اسْتَخْرَجْتُ تُرَابَهَا. وَالنَّثِيلُ: الرَّوْثُ. وَالنَّثِيلَةُ: تُرَابُ الْبِئْرِ، وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ.

(نَثَا) النُّونُ وَالثَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ. يُقَالُ نَثَا الْكَلَامَ يَنْثُو: أَظْهَرَهُ. وَالنَّثَا يَقُولُونَ: أَنْ يُذْكَرَ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ جَمِيلٍ.

[بَابُ النُّونِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَجَحَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ظَفَرٍ وَصِدْقٍ وَخَيْرٍ. مِنْهُ النَّجَاحُ فِي الْحَوَائِجِ: الظَّفَرُ بِهَا. وَسَيْرٌ نَجِيحٌ: وَشِيكٌ. وَرَأْيٌ نَجِيحٌ: صَوَابٌ. وَتَنَاجَحَتْ أَحْلَامُهُمْ: تَتَابَعَتْ بِصِدْقٍ. وَأَنْجَحَ اللَّهُ طَلِبَتَكَ: أَسْعَفَكَ بِإِدْرَاكِهَا.

(5/390)


(نَجَخَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ. يُقَالُ: سَمِعْتُ نَجِيخَ الْمَاءِ وَنَاجِخَتَهُ: صَوْتَهُ. وَالنُّجَاخُ: صَوْتُ السَّاعِلِ. وَمَنْجِخٌ: مَوْضِعٌ.

(نَجُدَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِلَاءٍ وَقُوَّةٍ وَإِشْرَافٍ. مِنْهُ النَّجْدُ: الرَّجُلُ الشُّجَاعُ. وَنَجُدَ الرَّجُلُ يَنْجُدُ نَجْدَةً، إِذَا صَارَ شُجَاعًا. وَهُوَ نَجْدٌ وَنَجُدٌ وَنَجِدٌ وَنَجِيدٌ. وَالشَّجَاعَةُ نَجْدَةٌ. وَالْمُنَاجِدُ: الْمُقَاتِلُ. وَلَاقَى فُلَانٌ نَجْدَةً، أَيْ شِدَّةً، أَمْرًا عَاكَهُ. قَالَ طَرَفَةُ:
تَحْسَبُ الطَّرْفَ عَلَيْهَا نَجْدَةً ... يَا لَقَوْمِي لِلشَّبَابِ الْمُسْبَكِرِّ
أَيْ يَنْظُرُ النَّاظِرُ إِلَيْهَا فَتَلْحَقَهَا لِذَلِكَ شِدَّةٌ، كَأَنَّهُ أَرَادَ نَعْمَةَ جِسْمِهَا وَرِقَّتَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ النَّجَدُ: الْعَرَقُ. وَنَجِدَ نَجَدًا: عَرِقَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ كَرْبٍ. قَالَ:
يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ الْمَلَّاحُ مُعْتَصِمًا ... بِالْخَيْزُرَانَةِ بَعْدَ الْأَيْنِ وَالنَّجَدِ
وَرُبَّمَا قَالُوا فِي هَذَا: نُجِدَ فَهُوَ مَنْجُودٌ. قَالَ:
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ الْمَنْجُودِ

(5/391)


وَيُقَالُ: اسْتَنْجَدْتُهُ فَأَنْجَدَنِي، أَيِ اسْتَغَثْتُهُ فَأَغَاثَنِي. وَفِي ذَلِكَ الْبَابِ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْخَصْمِ.
وَمِنَ الْبَابِ النَّجُودُ: الْمُشْرِفَةُ مِنْ حُمُرِ الْوَحْشِ. وَاسْتَنْجَدَ فُلَانٌ: قَوِيَ بَعْدَ ضَعْفٍ. وَنَجَدْتُ الرَّجُلَ أَنْجُدُهُ: غَلَبْتُهُ. حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ. وَالنَّجْدُ: مَا عَلَا مِنَ الْأَرْضِ. وَأَنْجَدَ: عَلَا مِنْ غَوْرٍ إِلَى نَجْدٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: هُوَ نَجْدٌ فِي الْحَاجَةِ، أَيْ خَفِيفٌ فِيهَا. وَالنِّجَادُ: حَمَائِلُ السَّيْفِ لِأَنَّهُ يَعْلُو الْعَاتِقَ. وَالنَّجْدُ: مَا نُجِّدَ بِهِ الْبَيْتُ مِنْ مَتَاعٍ.
وَالتَّنْجِيدُ: التَّزْيِينُ وَالنَّجْدُ: الطَّرِيقُ الْعَالِي. وَالْمُنَجَّدُ: الَّذِي نَجَّدَهُ الدَّهْرُ إِذَا عَرَفَ وَجَرَّبَ، كَأَنَّهُ شَجَّعَهُ وَقَوَّاهُ. وَقِيَاسُ كُلِّ وَاحِدٍ.

(نَجَذَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. النَّاجِذُ، وَهُوَ السِّنُّ بَيْنَ النَّابِ وَالْأَضْرَاسِ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: الْمُنَجَّذُ، وَهُوَ الْمُجَرَّبُ. وَبَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِي ضَحِكِهِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْأَضْرَاسَ كُلَّهَا نَوَاجِذُ. وَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِ الشَّمَّاخِ:
نَوَاجِذُهُنَّ كَالْحِدَأِ الْوَقِيعِ
وَلِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ضَحِكَ حَتَّى بَدَا نَاجِذُهُ، فَلَوْ كَانَ السِّنَّ الَّذِي بَيْنَ النَّابِ وَالْأَضْرَاسِ لَمْ يُقَلْ فِيهِ هَذَا، لِأَنَّ ذَاكَ بَادٍ مِنْ أَدْنَى ضَحِكٍ.

(5/392)


(نَجَرَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَسْوِيَةُ الشَّيْءِ وَإِصْلَاحُ قَدْرِهِ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الْأَدْوَاءِ.
الْأَوَّلُ نَجْرُ الْخَشَبِ، وَنَجَرَهُ نَجْرًا، وَفَاعِلُهُ النَّجَّارُ، وَهُوَ مِنْهُ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ سُوِّيَ. نَجَرَهُ نَجْرًا. وَكَذَا النَّجْرُ: الطَّبْعُ. وَيَقُولُونَ - وَمَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ -: إِنَّ نَجْرَانَ الْبَابِ: الْخَشَبَةُ الَّذِي يَدُورُ فِيهَا. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّجَرُ: قَالُوا: نَجِرَتِ الْإِبِلُ: عَطِشَتْ، وَيُقَالُ مَجِرَتْ، هُوَ أَنْ تَشْرَبَ فَلَا تَرْوَى، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ أَكْلِ الْحِبَّةِ. وَحَكَى الْخَلِيلُ النَّجْرَانُ: الْعَطْشَانُ. قَالُوا: وَشَهْرُ نَاجِرٍ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ الْإِبِلَ تَنْجَرُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّجَرُ: أَنْ يَشْرَبَ الْإِنْسَانُ اللَّبَنَ الْحَامِضَ فَلَا يَرْوَى مِنَ الْمَاءِ.

(نَجَزَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ شَيْءٍ فِي عَجَلَةٍ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ. يُقَالُ: نَجَزَ الْوَعْدُ يَنْجُزُ. وَأَنْجَزْتُهُ أَنَا: أَعْجَلْتُهُ. وَأَعْطَيْتُهُ مَا عِنْدِي حَتَّى نَجَزَ آخِرُهُ، أَيْ وَصْلِ إِلَيْهِ آخِرُهُ. وَبِعْهُ نَاجِزًا بِنَاجِزٍ، كَقَوْلِهِمْ يَدًا بِيَدٍ: تَعْجِيلًا بِتَعْجِيلٍ. وَالْمُنَاجَزَةُ فِي الْحَرْبِ: أَنْ يَتَبَارَزَ الْفَارِسَانِ، أَيْ يُعَجِّلَانِ الْقِتَالَ لَا يَتَوَقَّفَانِ.

(نَجُسَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الطَّهَارَةِ. وَشَيْءٌ نَجِسٌ وَنَجَسٌ: قَذِرٌ. وَالنَّجَسُ: الْقَذَرُ. وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ

(5/393)


مِنْهُ قَوْلَهُمْ: النَّاجِسُ: الدَّاءُ لَا دَوَاءَ لَهُ. قَالَ سَاعِدَةٌ الْهُذَلِيُّ:
وَالشَّيْبُ دَاءٌ نَجِيسٌ لَا دَوَاءَ لَهُ ... لِلْمَرْءِ كَانَ صَحِيحًا صَائِبَ الْقُحَمِ
كَأَنَّهُ إِذَا طَالَ بِالْإِنْسَانِ نَجِسَهُ [أَوْ نَجَّسَهُ] ، أَيْ قَذِرَهُ أَوْ قَذَّرَهُ. أَمَّا التَّنْجِيسُ فَشَيْءٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ، كَانُوا يُعَلِّقُونَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْئًا يُعَوِّذُونَهُ مِنَ الْجِنِّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَظْمٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ تَنْجِيسًا. قَالَ:
وَعَلَّقَ أَنْجَاسًا عَلَيَّ الْمُنَجِّسُ.

(نَجَشَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِثَارَةِ شَيْءٍ. مِنْهُ النَّجْشُ: أَنْ تُزَايِدَ فِي الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لِيَنْظُرَ إِلَيْكَ النَّاظِرُ فَيَقَعَ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «لَا تَنَاجَشُوا» "، كَأَنَّ النَّاجِشَ اسْتَثَارَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ. وَالنَّاجِشُ: الَّذِي يُثِيرُ الصَّيْدَ. وَنَجَشْتُ الصَّيْدَ: اسْتَثَرْتُهُ. وَكَذَا نَجَشَ الْإِبِلَ يَنْجُشُهَا: جَمَعَهَا بَعْدَ تَفَرُّقٍ. قَالَ:
غَيْرَ السُّرَى وَالسَّائِقِ النَّجَّاشِ
وَمِنَ الْبَابِ النِّجَاشَةُ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ. وَمَرَّ يَنْجُشُ نَجِيشًا. وَكَأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ يُثِيرُ التُّرَابَ فِي مَشْيِهِ. وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَ النَّجَاشِيِّ مُشْتَقٌّ مِنْهُ.

(5/394)


(نَجَعَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْفَعَةِ طَعَامٍ أَوْ دَوَاءٍ فِي الْجِسْمِ، ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَنَجَعَ الطَّعَامُ: هَنَأَ آكِلُهُ. وَمَاءٌ نَجُوعٌ كَنَمِيرٍ، وَهُوَ النَّامِي فِي الْجِسْمِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: نَجَعَ فِيهِ الدَّوَاءُ، وَنَجَعَ فِي الدَّابَّةِ الْعَلَفُ، وَلَا يُقَالُ أَنْجَعَ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا النُّجْعَةُ: طَلَبُ الْكَلَأِ، لِأَنَّهُ مَطْلَبُ مَا يَنْجَعُ. وَانْتَجَعَهُ: طَلَبَ خَيْرَهُ. وَمِنْهُ النَّجِيعُ: الْخَبَطُ يُضْرَبُ بِالدَّقِيقِ وَالْمَاءِ يُوجَرُ الْجُمَلَ. وَنَجَعَ فِي فُلَانٍ قَوْلُكَ: أَخَذَ فِيهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ: النَّجِيعُ: دَمُ الْجَوْفِ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ.

(نَجَفَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَبَسُّطٍ فِي شَيْءٍ مَكَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ شَيْءٍ. فَالْأَوَّلُ النَّجَفُ: مَكَانٌ مُسْتَطِيلٌ مُنْقَادٌ وَلَا يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالْجَمْعُ نِجَافٌ. وَيُقَالُ هِيَ بُطُونٌ مِنَ الْأَرْضِ فِي أَسَافِلِهَا سُهُولَةٌ تَنْقَادُ فِي الْأَرْضِ، لَهَا أَوْدِيَةٌ تَنْصَبُّ إِلَى لِينٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَيُقَالُ لِإِبِطِ الْكَثِيبِ: نَجَفَةُ الْكَثِيبِ.
وَمِنَ الْبَابِ النَّجِيفُ [مِنَ] السِّهَامِ: الْعَرِيضُ. وَنَجَفْتُ السَّهْمَ: بَرَيْتُهُ كَذَلِكَ وَأَصْلَحْتُهُ، وَسَهْمٌ مَنْجُوفٌ وَنَجِيفٌ. وَغَارٌ مَنْجُوفٌ: وَاسْعٌ.
وَالثَّانِي: تَيْسٌ مَنْجُوفٌ، وَهُوَ أَنْ يُعَصَّبَ قَضِيبُهُ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى السِّفَادِ، وَكَأَنَّهُ قَدْ قُطِعَ عَنْهُ مَاءٌ وَاسْتُخْرِجَ. وَالِانْتِجَافُ: اسْتِخْرَاجُ مَا فِي الضَّرْعِ مِنَ اللَّبَنِ.

(5/395)


وَالْمَنْجُوفُ: الْمُنْقَطِعُ عَنِ النِّكَاحِ. وَانْتَجَفَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ: مَرَّتْهُ وَاسْتَفْرَغَتْهُ.

(نَجَلَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى رَمْيِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ عَلَى سِعَةٍ فِي الشَّيْءِ.
فَالْأَوَّلُ النَّجْلُ: رَمْيُكَ الشَّيْءَ. يُقَالُ: نَجَلَ نَجْلًا. وَالنَّاقَةُ تَنْجُلُ الْحَصَى بِمَنَاسِمِهَا نَجْلًا، أَيْ تَرْمِي بِهِ. وَمِنْهُ نَجَلْتُ الرَّجُلَ نَجْلَةً، إِذَا ضَرَبْتُهُ بِمُقَدَّمِ رِجْلِكَ فَتَدَحْرَجَ. وَقَوْلُهُمْ: " مَنْ نَجَلَ النَّاسَ نَجَلُوهُ "، أَيْ مَنْ شَارَّهُمْ شَارُّوهُ، وَمَنْ رَمَاهُمْ رَمَوْهُ. وَمِنَ الْبَابِ النَّجْلُ، وَهُوَ النَّسْلُ، لِأَنَّ الْوَالِدَةَ كَأَنَّهَا تَرْمِي بِهِ. وَفَحْلٌ نَاجِلٌ، كَرِيمُ النَّجْلِ. وَيَقُولُونَ: قَبَحَ اللَّهُ نَاجِلَيْهِ، أَيْ وَالِدَيْهِ. وَمِنْهُ النَّجْلُ: النَّزُّ، كَأَنَّهُ نَدًى تَقْلِسُهُ الْأَرْضُ وَتَرْمِي بِهِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّجَلُ: سَعَةُ الْعَيْنِ فِي حُسْنٍ ; وَالنُّجْلُ: جَمْعُ أَنْجَلَ. وَالْأَسَدَ أَنْجَلُ. وَطَعْنَةٌ نَجْلَاءُ: وَاسِعَةٌ. وَرُمْحٌ مِنْجَلٌ: وَاسْعُ الطَّعْنِ. وَنَجَلْتُ الْإِهَابَ: شَقَقْتُهُ عَنْ عُرْقُوبَيْهِ جَمِيعًا، كَمَا تُسْلَخُ الْجُلُودُ. وَإِهَابٌ مَنْجُولٌ. وَيُقَالُ: الْإِنْجِيلُ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ نَجَلْتُ الشَّيْءَ: اسْتَخْرَجْتُهُ، كَأَنَّهُ أَمْرٌ أُبْرِزَ وَأُظْهِرَ بِمَا فِيهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنَ الْبَابَيْنِ النَّجِيلُ: ضَرْبٌ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ مِنَ الْحَمْضِ. وَأَنْجَلَتِ الْأَرْضُ: اخْضَرَّتْ.

(نَجَمَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طُلُوعٍ وَظُهُورٍ. وَنَجَمَ النَّجْمُ: طَلَعَ. وَنَجَمَ السِّنُّ وَالْقَرْنُ: طَلَعَا. وَالنَّجْمُ: الثُّرَيَّا، اسْمٌ لَهَا.

(5/396)


وَإِذَا قَالُوا: طَلَعَ النَّجْمُ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَهَا. وَلَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَجْمٌ، أَيْ أَصْلٌ وَمَطْلِعٌ. وَالنَّجْمُ مِنَ النَّبَاتِ: مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَاقٌ، مِنْ نَجَمَ، إِذَا طَلَعَ. وَالْمِنْجَمُ فِي الْمِيزَانِ: الْحَدِيدَةُ الْمُعْتَرِضَةُ الَّتِي فِيهَا اللِّسَانُ ; وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ.

(نَجَهَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْهَاءُ. كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: نَجَهْتُهُ، إِذَا اسْتَقْبَلْتَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَيَقْدَعُهُ عَنْكَ. وَرَجُلٌ نَاجِهٌ، إِذَا دَخَلَ الْبَلَدَ فَاسْتَنْكَرَهُ وَكَرِهَهُ.

(نَجَوَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى كَشْطٍ وَكَشْفٍ، وَالْآخَرُ عَلَى سَتْرٍ وَإِخْفَاءٍ.
فَالْأَوَّلُ: نَجَوْتُ الْجِلْدَ أَنْجُوهُ - وَالْجِلْدَ نَجًا - إِذَا كَشَطْتَهُ. وَقَالَ:
فَقُلْتُ انْجُوَا عَنْهَا نَجَا الْجِلْدِ إِنَّهُ ... سَيُرْضِيكُمَا مِنْهَا سَنَامٌ وَغَارِبُهُ
وَيَقُولُونَ: هُوَ فِي أَرْضٍ نَجَاةٍ: يُسْتَنْجَى مِنْ شَجَرِهَا الْعِصِيُّ. يُقَالُ لِلْغُصُونِ النَّجَا. الْوَاحِدَةُ نَجَاةٌ، وَأَنْجِنِي عَصًا. وَنَجَا الْإِنْسَانُ يَنْجُو نَجَاةً، وَنَجَاءً فِي السُّرْعَةِ ; وَهُوَ مَعْنَى الذَّهَابِ وَالِانْكِشَافِ مِنَ الْمَكَانِ. وَنَاقَةٌ نَاجِيَةٌ وَنَجَاةٌ: سَرِيعَةٌ. وَمِنَ الْبَابِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النِّجَاءِ: النَّجَاةُ وَالنَّجْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلُوهَا سَيْلٌ. قَالَ:

(5/397)


فَمَنْ بِنَجْوَتِهِ كَمَنْ بِعَقْوَتِهِ ... وَالْمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشِي بِقِرْوَاحِ
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَمَّا نَجَا مِنَ السَّيْلِ فَكَأَنَّهُ الشَّيْءُ الَّذِي يَنْجُو مِنْ شَيْءٍ بِذَهَابٍ عَنْهُ، فَهَذَا مَعْنَى الْمَحْمُولِ.
وَقَوْلُهُمْ: بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَجَاوَةٌ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ سِعَةٌ، مِنَ الْبَابِ ; لِأَنَّهُ مَكَانٌ يُسْرَعُ فِيهِ وَيُنْجَى. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَاسْتَنْجُوا» ، يُرِيدُ لَا تُبْطِئُوا فِي السَّيْرِ، وَلَكِنِ انْكَشِفُوا وَمُرُّوا.
وَمِنَ الْبَابِ النَّجْوُ: السَّحَابُ، وَالْجَمْعُ النِّجَاءُ ; وَهُوَ مِنَ انْكِشَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَنْجَتِ السَّحَابَةُ: وَلَّتْ. وَقَوْلُهُمْ: اسْتَنْجَى فُلَانٌ، قَالُوا هُوَ مِنَ النَّجْوَةِ، كَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ أَتَى نَجْوَةً مِنَ الْأَرْضِ تَسْتُرُهُ، فَقِيلَ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ اسْتَنْجَى، كَمَا قَالُوا: تَغَوَّطَ، أَيْ أَتَى غَائِطًا.
وَمِنَ الْبَابِ نَجَوْتُ فُلَانًا: اسْتَنْكَهْتُهُ، كَأَنَّكَ أَرَدْتَ اسْتِكْشَافَ حَالٍ فِيهِ. قَالَ:
نَجَوْتُ مُجَالِدًا فَوَجَدْتُ فِيهِ ... كَرِيحِ الْكَلْبِ مَاتَ حَدِيثَ عَهْدِ

(5/398)


وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّجْوُ وَالنَّجْوَى: السِّرُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَنَاجَيْتُهُ، وَتَنَاجَوْا، وَانْتَجَوْا. وَهُوَ نَجِيُّ فُلَانٍ، وَالْجَمْعُ أَنْجِيَةٌ. قَالَ:
إِذَا مَا الْقَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ
يَقُولُ: نَامَ الْقَوْمُ وَحَلُمُوا فِي نَوْمِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ يُنَاجُونَ أَهْلِيهِمْ فِي النَّوْمِ وَنَجَوْتُهُ: نَاجَيْتُهُ. وَانْتَجَيْتُهُ: اخْتَصَصْتُهُ بِمُنَاجَاتِي. قَالَ:
فَبِتُّ أَنْجُو بِهَا نَفْسًا تُكَلِّفُنِي ... مَا لَا يُهِمُّ بِهِ الْجَثَّامَةُ الْوَرَعُ.

(نَجَبَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى خُلُوصِ شَيْءٍ وَكَرَمٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ضَعْفٍ.
الْأُوَلُ النَّجَابَةُ: مَصْدَرُ الرَّجُلِ النَّجِيبِ، أَيِ الْكَرِيمِ. وَانْتَجَبَ فُلَانًا: اسْتَخْلَصَهُ وَاصْطَفَاهُ. وَرَجُلٌ مُنْجِبٌ: لَهُ وَلَدٌ نَجِيبٌ. وَامْرَأَةٌ مُنْجِبَةٌ وَمِنْجَابٌ. وَرَجُلٌ نَجْبٌ: سَخِيٌّ كَرِيمٌ.
وَالْآخَرُ الْمِنْجَابُ: الرَّجُلُ الضَّعِيفُ، وَالْجَمْعُ مَنَاجِيبُ. قَالَ:
إِذْ آثَرَ النَّوْمَ وَالدِّفْءَ الْمَنَاجِيبُ

(5/399)


وَمِنَ الْبَابِ الْمِنْجَابُ: النَّصْلُ يُبْرَى وَلَمْ يُرَشْ. وَالنَّجَبُ مَا فَوْقَ اللِّحَاءِ مِنْ قِشْرَةِ الشَّجَرَةِ، وَالنَّجْبُ أَخْذُهُ.

(نَجَثَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالثَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْرَازِ شَيْءٍ وَسَوْءَةٍ. مِنْهُ النَّجِيثَةُ: مَا أُخْرِجَ مِنْ تُرَابِ الْبِئْرِ. وَيُقَالُ: بَدَا نَجِيثُ الْقَوْمِ، أَيْ مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ مِنْ سَوْءَةٍ. وَالنَّجِيثُ: الْهَدَفُ. قَالَ الْخَلِيلُ: سُمِّيَ نَجِيثًا لِانْتِصَابِهِ. وَهُوَ يَنْجُثُ بَنِي فُلَانٍ، إِذَا اسْتَعْوَاهُمْ مُسْتَغِيثًا بِهِمْ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُمُ الْبُرُوزَ لِنُصْرَتِهِ. وَالِاسْتِنْجَاثُ: التَّصَدِّي لِلشَّيْءِ، وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّهِ وَاحِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ النُّونِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَحَرَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا كَلِمَاتُ الْبَابِ. هِيَ النَّحْرُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ نُحُورٌ. وَالنَّحْرُ: الْبَزْلُ فِي النَّحْرِ. وَنَحَرْتُ الْبَعِيرَ نَحْرًا. وَالنَّاحِرَانِ: عِرْقَانِ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ. وَدَائِرَةُ النَّاحِرِ تَكُونُ فِي الْجِرَانِ إِلَى أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَانْتَحَرُوا عَلَى الشَّيْءِ: تَشَاحُّوا عَلَيْهِ حِرْصًا، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ نَحْرَ صَاحِبِهِ. وَيُقَالُ: النَّحِيرَةُ: آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ، وَأَظُنُّ مَعْنَى يَنْحَرُهُ يَلِي نَحْرَهُ. وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْمُجَرِّبِ نِحْرِيرٌ، وَهُوَ إِنْ كَانَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْحَرُ الْعِلْمَ نَحْرًا، كَقَوْلِكَ: قَتَلْتُ هَذَا الشَّيْءَ عِلْمًا.

(5/400)


(نَحَزَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالزَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْنَى النَّخْسِ وَالدَّقِّ، وَالْآخَرُ عَلَى امْتِدَادٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ النَّحْزُ: النَّخْسُ. وَنَحَزَهُ نَحْزًا. وَالرَّاكِبُ يَنْحَزُ بِصَدْرِهِ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ. وَنَحَزْتُ النَّاقَةَ بِرِجْلِي: رَكَلْتُهَا. وَالنَّاحِزُ: أَنْ يُصِيبَ الْمِرْفَقُ كَرْكَرَةَ الْبَعِيرِ، يُقَالُ بِهِ نَاحِزٌ. وَالنُّحَازُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي رِئَاتِهَا. وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
وَمِنَ الْبَابِ نَحَزَ الشَّيْءَ: دَقَّهُ. وَالْمِنْحَازُ: شَيْءٌ يُدَقُّ فِيهِ الْأَشْيَاءُ. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: النَّحِيزَةُ: طِبَّةٌ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مُمْتَدَّةٌ كَالْفَرْسَخِ. وَالنَّحَائِزُ: نَسَائِجُ كَالْحُزُمِ وَالشُّقَقِ الْعَرِيضَةِ، تَكُونُ لِلرِّحَالِ. وَيَقُولُونَ: النَّحِيزَةُ: طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ. وَالَّذِي نَقُولُهُ أَنَّ النَّحِيزَةَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْحَالُ الَّتِي كَأَنَّهُ نُسِجَ عَلَيْهَا، فَيَقُولُونَ: هُوَ ضَعِيفُ النَّحِيزَةِ، أَيْ هَذِهِ الْحَالُ مِنْهُ ضَعِيفَةٌ.

(نَحَسَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ السَّعْدِ. وَنُحِسَ هُوَ فَهُوَ مَنْحُوسٌ. وَالنُّحَاسُ: الدُّخَانُ لَا لَهَبَ فِيهِ. قَالَ:
شَيَاطِينُ يُرْمَى بِالنُّحَاسِ رَجِيمُهَا
وَالنُّحَاسُ مِنْ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ كَأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ الْجَوَاهِرَ الشَّرِيفَةَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سُمِّيَ نُحَاسًا. هَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ. وَيُقَالُ: يَوْمٌ نَحْسٌ وَيَوْمٌ نَحِسٌ. وَقُرِئَ: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] وَنَحْسَاتٍ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النُّحَاسَ: الْأَصْلُ،

(5/401)


عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَمَّا كَانَ أَصْلًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ قِيلَ لِمَبْلَغِ أَصْلِ الشَّيْءِ نُحَاسٌ.

(نَحَصَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النَّحُوصُ: الْأَتَانُ الْحَائِلُ فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ. قَالَ:
أَرَنَّ عَلَيْهِ قَارِبًا وَانْتَحَتْ لَهُ ... طُوَالَةُ أَرْسَاغِ الْيَدَيْنِ نَحُوصُ.

(نَحَضَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اللَّحْمُ. يُقَالُ لِلَّحْمِ نَحْضٌ. وَامْرَأَةٌ نَحِيضَةٌ: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ، فَإِذَا ذَهَبَ لَحْمُهَا فَمَنْحُوضَةٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَحَضْتُ الْعَظْمَ: أَخَذْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ لَحْمٍ. وَيَقُولُونَ: نَحَضْتُ السِّنَانَ: رَقَّقْتُهُ، كَأَنَّكَ لَمَّا رَقَّقْتَهُ أَخَذْتَ عَنْهُ نَحْضَهُ.

(نَحَطَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ. مِنْ ذَلِكَ النَّحِيطُ كَالزَّفِيرِ. وَالنَّحَّاطُ: الرَّجُلُ الْمُتَكَبِّرُ يَنْحِطُ مِنَ الْغَيْظِ. وَالنَّحْطَةُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي صَدْرِهَا تَنْحَطُ مِنْهُ فَلَا تَكَادُ تَسْلَمُ مَعَهُ.

(نَحُفَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى دِقَّةٍ وَذُبُولٍ. نَحْوَ نَحُفَ الرَّجُلُ نَحَافَةً فَهُوَ نَحِيفٌ، إِذَا قَلَّ لَحْمُهُ وَهُزِلَ. وَهُمْ نِحَافٌ.

(نَحَلَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَاتٌ ثَلَاثٌ: الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى دِقَّةٍ وَهُزَالٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى عَطَاءٍ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى ادِّعَاءٍ.

(5/402)


فَالْأُولَى نَحَلَ جِسْمُهُ نُحُولًا فَهُوَ نَاحِلٌ، إِذَا دَقَّ، وَأَنْحَلَهُ الْهَمُّ. وَالنَّوَاحِلُ: السُّيُوفُ الَّتِي رَقَّتْ ظُبَاتُهَا مِنْ كَثْرَةِ الضَّرْبِ بِهَا.
وَالثَّانِيَةُ: نَحَلْتُهُ كَذَا، أَيْ أَعْطَيْتُهُ. وَالِاسْمُ النُّحْلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سُمِّيَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى النُّحْلَانَ. وَيَقُولُونَ: النُّحْلُ: أَنْ تُعْطِيَ شَيْئًا بِلَا اسْتِعْوَاضٍ. وَنَحَلْتُ الْمَرْأَةَ مَهْرَهَا نِحْلَةً، أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ. كَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُمْ: انْتَحَلَ كَذَا، إِذَا تَعَاطَاهُ وَادَّعَاهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: انْتَحَلَهُ، إِذَا ادَّعَاهُ مُحِقًّا ; وَتَنَحَّلَهُ، إِذَا ادَّعَاهُ مُبْطِلًا. وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا بِشَيْءٍ. وَمَعْنَى انْتَحَلَ وَتَنَحَّلَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْشَى:
فَكَيْفَ أَنَا وَانْتِحَالِي الْقَوَا ... فِ بَعْدَ الْمَشِيبِ كَفَى ذَاكَ عَارًا.

(نَحَوَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالْوَاوُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدٍ. وَنَحَوْتُ نَحْوَهُ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ نَحْوُ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ أُصُولَ الْكَلَامِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِهِ. وَيُقَالُ إِنَّ بَنِي نَحْوٍ: قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ. وَأَمَّا [أَهْلُ] الْمَنْحَاةِ فَقَدْ قِيلَ: الْقَوْمُ الْبُعَدَاءُ غَيْرُ الْأَقَارِبِ. وَمِنَ الْبَابِ: انْتَحَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ: قَصَدَهُ وَعَرَضَ لَهُ.

(5/403)


(نُحِّيَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالْيَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النِّحْيُ: سِقَاءُ السَّمْنِ.

(نَحَبَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى نَذْرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ خَطَرٍ أَوْ إِخْطَارِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ.
فَالْأَوَّلُ: النَّحْبُ: النَّذْرُ. وَسَارَ فُلَانٌ عَلَى نَحْبٍ، إِذَا جَهِدَ، فَكَأَنَّهُ خَاطَرَ عَلَى شَيْءٍ فَجَدَّ. قَالَ:
كَمَا سَارَ عَنْ إِحْدَى يَدَيْهِ الْمُنَحِّبُ
أَيِ الْمُخَاطِرُ. وَقَدْ كَانَ التَّنْحِيبُ فِي الْعَرَبِ، وَهُوَ كَالْمُخَاطَرَةِ، تَقُولُ: إِنْ كَانَ كَذَا فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِلَّا فَلِي عَلَيْكَ. وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ. وَمِنْهُ نَاحَبْتُهُ إِلَى فُلَانٍ، إِذَا حَاكَمْتَهُ. وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَكَذَا النَّحْبُ: الْمَوْتُ، كَأَنَّهُ نَذْرٌ يَنْذُِرُهُ الْإِنْسَانُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّحِيبُ: [نَحِيبُ] الْبَاكِي، وَهُوَ بُكَاؤُهُ مَعَ صَوْتٍ وَإِعْوَالٍ. وَمِنْهُ النُّحَابُ: سُعَالُ الْإِبِلِ. وَنَحَبَ الْبَعِيرُ يَنْحَبُ.

(نَحَتَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَجْرِ شَيْءٍ وَتَسْوِيَتِهِ بِحَدِيدَةٍ. وَنَحَتَ النَّجَّارُ الْخَشَبَةَ يَنْحَتُهَا نَحْتًا. وَالنَّحِيتَةُ: الطَّبِيعَةُ، يُرِيدُونَ الْحَالَةَ الَّتِي نُحِتَ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ، كَالْغَرِيزَةِ الَّتِي غُرِزَ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ. وَمَا سَقَطَ مِنَ الْمَنْحُوتِ نُحَاتَةٌ.

(5/404)


[بَابُ النُّونِ وَالْخَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَخَرَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ. النَّخِيرُ: صَوْتٌ يَخْرُجُ مِنَ الْمَنْخِرَيْنِ، وَسُمِّيَ الْمَنْخِرَانِ مِنْ جِهَةِ النَّخِيرِ الْخَارِجِ مِنْهُمَا. وَفُرِّعَ مِنْهُ فَقِيلَ لِخَرْقَيِ الْأَنْفِ النُّخْرَتَانِ. وَالنَّخُورُ: النَّاقَةُ لَا تَدُِرُّ حَتَّى تُدْخِلَ الْإِصْبَعَ فِي مَنْخِرِهَا. وَيَقُولُونَ: النُّخْرَةُ: الْأَنْفُ نَفْسُهُ. وَيَقُولُونَ لِهُبُوبِ الرِّيحِ: نُخْرَةٌ. فَأَمَّا الشَّجَرَةُ النَّخِرَةُ وَالْعَظْمُ النَّخِرُ فَمِنْ هَذَا أَيْضًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَجَوَّفُ فَتَدْخُلُهُ الرِّيحُ، وَيَكُونُ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ نُخْرَةٌ، أَيْ صَوْتٌ. وَيَقُولُونَ: النَّخِرُ: الْبَالِي. وَالنَّاخِرُ: الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ الرِّيحُ وَتَخْرُجُ مِنْهُ وَلَهَا نَخِيرٌ. وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّهِ وَاحِدٌ عِنْدَنَا. وَمَا بِهَا نَاخِرٌ، أَيْ أَحَدٌ، يُرَادُ بِهَا مُصَوِّتٌ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا: النَّخْوَرِيُّ: الْوَاسِعُ الْإِحْلِيلِ، وَذَلِكَ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَدْخُلُهُ الرِّيحُ بِنُخْرَةٍ.

(نَخَسَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بَزْلِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ حَادٍّ. وَنَخَسَهُ بِعُودٍ أَوْ حَدِيدَةٍ نَخْسًا. وَمِنْهُ النَّخَّاسُ. وَالنَّاخِسُ: جَرَبٌ يَكُونُ عِنْدَ ذَنَبِ الْبَعِيرِ أَوْ صَدْرِهِ، كَأَنَّهُ نُخِسَ بِهِ وَبَعِيرٌ مَنْخُوسٌ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ النَّخِيسَةُ.

(نَخَشَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالشِّينُ. يَقُولُونَ: نُخِشَ فَهُوَ مَنْخُوشٌ، أَيْ هُزِلَ.

(5/405)


(نَخَطَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالطَّاءُ يَقُولُونَ: انْتَخَطَ مِنْ أَنْفِهِ رَمَى بِهِ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الْإِبْدَالِ وَالْأَصْلُ الْمِيمُ. قَالَ:
نَخَطْنَ بِذِبَّانِ الْمَصِيفِ الْأَزَارِقِ
وَمَا أَدْرِي أَيُّ النَّخْطِ هُوَ، مِنْهُ، أَيْ أَيُّ مَنِ انْتَخَطَ.

(نَخَعَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خَالِصِ الشَّيْءِ وَلُبِّهِ. مِنْهُ النُّخَاعُ: عِرْقٌ أَبْيَضُ ضَخْمٌ مُسْتَبْطِنٌ فَقَارَ الْعُنُقِ. ثُمَّ يُفَرَّعُ مِنْهُ فَيُقَالُ: نَخَعَهُ، إِذَا جَازَ بِالذَّبْحِ إِلَى النُّخَاعِ. وَدَابَّةٌ مَنْخُوعَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " إِنَّ أَنَخَعَ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِاسْمِ مَلِكِ الْأَمْلَاكِ "، أَيْ أَقْتَلُهَا لِصَاحِبِهِ. وَالْمَنْخَعُ: مَفْصِلُ الْفَهْقَةِ بَيْنَ الْعُنُقِ وَالرَّأْسِ مِنْ بَاطِنٍ. وَهُوَ مِنَ النُّخَاعِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ. وَقَوْلُهُمْ: النَّاخِعُ: الْعَالِمُ إِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْهُ أَيْضًا، كَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْخَالِصِ الْبَاطِنِ مِنَ الْعِلْمِ وَيُنْشِدُونَ:
إِنَّ الَّذِي رَبَّضَهَا أَمْرَهُ ... سِرًّا وَقَدْ بَيَّنَ لِلنَّاخِعِ
وَمِنْهُ أَيْضًا نَخِعَ الْعُودُ: جَرَى فِيهِ الْمَاءُ، كَأَنَّهُ بَلَغَ نُخَاعَهُ. وَنَخَعَ النَّصِيحَةَ: أَخْلَصَهَا. وَالنُّخَاعَةُ: النُّخَامَةُ. وَقَوْلُهُمْ: انْتَخَعَ الرَّجُلُ عَنْ أَرْضِهِ

(5/406)


تَبَاعَدَ، هُوَ عِنْدَنَا مِنْهُ، كَأَنَّهُ بَلَغَ نُخَاعَهُ فِي سَفَرِهِ، كَمَا يَبْلُغُ النَّاخِعُ لِلشَّاةِ الْغَايَةَ فِي الذَّبْحِ.
وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْدَالِ شَيْءٌ رَوَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: نَخَعَ لِي فُلَانٌ بِحَقِّي، مِثْلُ بَخَعَ، إِذَا أَقَرَّ.

(نَخَفَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: نَخَفَتِ الْعَنْزُ بِأَنْفِهَا، مِثْلُ نَفَطَتْ. وَيَقُولُونَ النَّخْفُ: النَّفَسُ الْعَالِي.

(نَخَلَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِقَاءِ الشَّيْءِ وَاخْتِيَارِهِ. وَانْتَخَلْتُهُ: اسْتَقْصَيْتُ حَتَّى أَخَذْتُ أَفْضَلَهُ. وَعِنْدَنَا أَنَّ النَّخْلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ كُلِّ شَجَرٍ ذِي سَاقٍ، الْوَاحِدَةُ نَخْلَةٌ. وَالنَّخْلُ: نَخْلُكَ الدَّقِيقَ بِالْمُنْخُلِ، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ فَهُوَ نُخَالَةٌ. وَالنَّخْلُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحَلْيِ عَلَى صُورَةِ النَّخْلِ. قَالَ:
قَدِ اكْتَسَتْ مِنْ أَرْنَبٍ وَنَخْلٍ.

(نَخَمَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: النُّخَامَةُ: النُّخَاعَةُ. وَتَنَخَّمَ، إِذَا نَخَعَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَسَمِعْتُ نَخْمَةَ الرَّجُلِ، إِذَا سَمِعْتَ حِسَّهُ.

(5/407)


(نَخَبَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعَظُّمٍ يُقَالُ أَحَدُهُمَا عَلَى خِيَارِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ثَقْبٍ وَهَزْمٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ النُّخْبَةُ: خِيَارُ الشَّيْءِ وَنُخْبَتُهُ. وَانْتَخَبْتُهُ، وَهُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْ مُخْتَارٌ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: النَّخْبَةُ: الشَّرْبَةُ الْعَظِيمَةُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النُّخْبَةُ: خَرْقُ الثَّفْرِ. وَمِنْهُ نَخَبَهَا: بَاضَعَهَا. وَاسْتَنْخَبَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا أَرَادَتِ الْبِضَاعَ. وَالرَّجُلُ النَّخْبُ: الَّذِي لَا فُؤَادَ لَهُ. وَالنَّخِيبُ: الذَّاهِبُ الْعَقْلِ. وَهَذَا مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ حُرِمَ النُّخْبَةَ أَيْ خِيَارَ مَا فِي الْإِنْسَانِ.

(نَخَجَ) النُّونُ وَالْخَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: النَّخْجُ: السَّيْلُ [يَنْخُجُ] فِي سَنَدِ الْوَادِي حَتَّى يَجْرُفَ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ: نَاخَجَهَا، إِذَا جَامَعَهَا.

[بَابُ النُّونِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَدَرَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ شَيْءٍ أَوْ إِسْقَاطِهِ. وَنَدَرَ الشَّيْءُ: سَقَطَ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:

(5/408)


وَإِذَا الْكُمَاةُ تَنَادَرُوا طَعْنَ الْكُلَى ... نَدْرَ الْبِكَارَةِ فِي الْجَزَاءِ الْمُضْعَفِ
أَيْ أُهْدِرَتْ دِمَاؤُهُمْ كَمَا تُنْدَرُ الْبِكَارَةُ فِي الدِّيَةِ.
وَأَنَا أَلْقَى فُلَانًا فِي النَّدْرَةِ وَالنَّدَرَةِ، إِذَا كُنْتَ تَلْقَاهُ فِي الْأَيَّامِ، فَكَأَنَّ تِلْكَ اللِّقَاءَةَ كَانَتْ نَدَرَتْ، أَيْ سَقَطَتْ. وَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَنَدَرَتْ عَيْنُهُ، أَيْ خَرَجَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا. وَقَوْلُهُمْ: الْأَنْدَرِيُّ، مَا نُرَاهُ عَرَبِيًّا، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْأَنْدَرُونَ: الْفِتْيَانُ يَجْتَمِعُونَ مِنْ مَوَاضِعَ شَتَّى. وَيُنْشِدُونَ قَوْلَ عَمْرٍو:
وَلَا تُبْقِي خُمُورَ الْأَنْدَرِينَا
وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَنْدَرِينَ: قَرْيَةٌ. وَيَقُولُونَ: الْأَنْدَرِيُّ: الْحَبْلُ. وَأَنْشَدَ:
كَأَنَّهُ أَنْدَرِيٌّ مَسَّهُ بَلَلٌ
وَالْأَنْدَرُ: الْبَيْدَرُ، قَالَهُ الْخَلِيلُ.

(نَدَسَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ النَّزْكِ وَالطَّعْنِ. يَقُولُونَ: الْمُنَادَسَةُ بِالرِّمَاحِ: الْمُطَاعَنَةُ. وَالنَّدْسُ: الطَّعْنُ. قَالَ الْكُمَيْتُ:

(5/409)


وَنَحْنُ صَبَحْنَا آلَ نَجْرَانَ غَارَةً ... تَمِيمَ بْنَ مُرٍّ وَالرِّمَاحَ النَّوَادِسَا
وَمِنَ الْبَابِ النَّدُسُ: الرَّجُلُ الْفَطِنُ، وَكَذَلِكَ السَّرِيعُ السَّمْعِ لِلصَّوْتِ الْخَفِيِّ. وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَرِيبٌ. وَكَذَلِكَ نَدَسْتُ بِهِ الْأَرْضَ، إِذَا صَرَعْتَهُ. وَنَدَسْتُ الشَّيْءَ عَنِ الطَّرِيقِ: نَحَّيْتُهُ. وَإِلَّا وَقَدْ ضَرَبْتُهُ.

(نَدَصَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ. يَقُولُونَ: نَدَصَتْ عَيْنُهُ: جَحَظَتْ وَنَدَرَتْ.

(نَدَغَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ إِنْ صَحَّتْ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى شِبْهِ الطَّعْنِ وَالنَّخْسِ. يُقَالُ: نَدَغَهُ: طَعَنَهُ. وَنَدَغْتُ الصَّبِيَّ: دَغْدَغْتُهُ. وَيَقُولُونَ: النُّدْغَةُ: الْبَيَاضُ فِي آخِرِ الظُّفْرِ، وَكَأَنَّهُ شَيْءٌ أَثَّرَ فِي شَيْءٍ.

(نَدَفَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ شِبْهُ النَّفْشِ لِلشَّيْءِ بِآلَةٍ. وَنَدَفْتُ الْقُطْنَ بِالْمِنْدَفِ. وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ: نَدَفَتِ الدَّابَّةُ فِي سَيْرِهَا نَدْفًا، وَهُوَ سُرْعَةُ رَجْعِ يَدَيْهَا. وَالنَّدْفُ فِي الْحَلْبِ: أَنْ تَفْطُرَ الضَّرَّةَ بِإِصْبَعِكَ: وَنَدَفَتِ السَّمَاءُ بِمَطَرٍ مِثْلُ نَطَفَتْ. وَالنُّدْفَةُ: الْقَلِيلُ مِنَ اللَّبَنِ، كَأَنَّهُ قُطْنَةٌ قَدْ نُدِفَتْ.

(نَدَلَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَقْلٍ وَاضْطِرَابٍ. يَقُولُونَ: نَدَلْتُ الشَّيْءَ نَدْلًا، إِذَا نَقَلْتَهُ. قَالُوا: وَاشْتِقَاقُ الْمِنْدِيلِ مِنْهُ. وَيَقُولُونَ: النَّدْلُ: الِاخْتِلَاسُ. قَالَ:

(5/410)


فَنَدْلًا زُرَيْقُ الْمَالَ نَدْلَ الثَّعَالِبِ
وَالْمُنَوْدِلُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاضْطِرَابِهِ. وَنَوْدَلَتْ خُصْيَاهُ: اسْتَرْخَتَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ إِنْ صَحَّ: النَّدْلُ، يُقَالُ إِنَّهُ الْوَسَخُ: وَلَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ.

(نَدَمَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَفَكُّنٍ لِشَيْءٍ قَدْ كَانَ. يُقَالُ: نَدِمَ عَلَيْهِ نَدَمًا وَنَدَامَةً. وَشَرِيبُ الرَّجُلِ: مُنَادِمُهُ وَنَدِيمُهُ. وَقَالَ نَاسٌ: الْمُنَادَمَةُ مَقْلُوبُ الْمُدَامَنَةِ، وَذَلِكَ إِدْمَانُ الشَّرَابِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَنَاسٌ يَقُولُونَ: كَانَ الشَّرِيبَانِ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا بَعْضُ مَا يُنْدَمُ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَا نَدِيمَيْنِ.

(نَدَهَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى زَجْرٍ وَمَنْعٍ. يُقَالُ: نَدَهْتُ الْبَعِيرَ عَنِ الْحَوْضِ، أَيْ زَجَرْتُهُ. وَنَدَهْتُ الْإِبِلَ: سُقْتُهَا مُجْتَمِعَةً. وَيَقُولُونَ لِلْمُطَلَّقَةِ: اذْهَبِي فَلَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ. وَشَذَّ عَنْهُ النُّدْهَةُ: كَثْرَةُ الْمَالِ. قَالَ:
وَلَا مَالُهُمْ ذُو نَدْهَةٍ فَيَدُونِي.

(نَدِيَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى بَلَلٍ فِي الشَّيْءِ.

(5/411)


فَالْأَوَّلُ النَّادِي وَالنَّدِيِّ: الْمَجْلِسُ يَنْدُو الْقَوْمُ حَوَالَيْهِ ; وَإِذَا تَفَرَّقُوا فَلَيْسَ بِنَدِيٍّ. وَمِنْهُ دَارُ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْدُونَ فِيهَا، أَيْ يَجْتَمِعُونَ وَنَادَيْتُهُ: جَالَسْتُهُ فِي النَّدِيِّ. قَالَ:
فَتًى لَوْ يُنَادِي الشَّمْسَ أَلْقَتْ قِنَاعَهَا ... أَوِ الْقَمَرَ السَّارِيَ لَأَلْقَى الْمَقَالِدَا
وَنَدْوَةُ الْإِبِلِ: أَنْ تَنْدُوَ مِنَ الْمَشْرَبِ إِلَى الْمَرْعَى الْقَرِيبِ مِنْهُ ثُمَّ تَعُودَ إِلَى الْمَاءِ مِنْ يَوْمِهَا أَوْ غَدِهَا. وَكَذَلِكَ تَنْدُو مِنَ الْحَمْضِ إِلَى الْخَلَّةِ. وَأَنْدَى إِبِلَهُ، مِنْ هَذَا.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّدَى مِنَ الْبَلَلِ، مَعْرُوفٌ. يُقَالُ نَدًى وَأَنْدَاءٌ، وَجَاءَ أَنْدِيَةٌ، وَهِيَ شَاذَّةٌ. وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنِ الشَّحْمِ بِالنَّدَى. وَهُوَ أَنْدَى مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَكْثَرُ خَيْرًا مِنْهُ. وَمَا نَدِيَتْ كَفِّي لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
مَا إِنْ نَدِيتُ بِشَيْءٍ أَنْتَ تَكْرَهُهُ ... إِذَنْ فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ يَدِي
وَهُوَ يَتَنَدَّى عَلَى أَصْحَابِهِ، أَيْ يَتَسَخَّى.
وَمِنَ الْبَابِ نَدَى الصَّوْتِ: بُعْدُ مَذْهَبِهِ. وَهُوَ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ، أَيْ أَبْعَدُ. قَالَ:
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُ فَإِنَّ أَنْدَى ... لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ

(5/412)


إِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ إِلَى شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى طَرَائِقَ وَآثَارٍ. وَالنُّدْأَةُ: طَرِيقَةٌ مِنَ الشَّحْمِ مُخَالِفَةٌ لِلَوْنِ اللَّحْمِ. وَالنُّدْأَةُ: قَوْسُ قُزَحَ، وَالْحُمْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْغَيْمِ نَحْوَ الشَّفَقِ. وَنَدَأْتُ اللَّحْمَ فِي الْمَلَّةِ: دَفَنْتُهُ حَتَّى يَنْضَجَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ النَّدِئُ مِثْلُ الطَّبِيخِ.

(نَدَبَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْبَاءُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: إَحْدَاهَا الْأَثَرُ، وَالثَّانِيَةُ الْخَطَرُ، وَالثَّالِثَةُ تَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ فِي شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ النَّدَبُ: أَثَرُ الْجُرْحِ، وَالْجَمْعُ أَنْدَابٌ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ.
وَالثَّانِي: النَّدَبُ: الْخَطَرُ. وَأَنْدَبَ نَفْسَهُ: خَاطَرَ بِهَا. قَالَ:
. . . . . . . . . . . . . . . وَلَمْ أَقُمْ ... عَلَى نَدَبٍ يَوْمًا وَلِي نَفْسُ مُخْطِرِ
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ رَجُلٌ نَدْبٌ: خَفِيفٌ. وَالنَّدْبُ: الْفَرَسُ الْمَاضِي. وَعِنْدَنَا أَنَّ النَّدْبَ فِي الْأَمْرِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا ; لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّدْبَ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ. وَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَلِأَنَّ الْحَالَ فِيهِ خَفِيفَةٌ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ نَدْبُ النَّادِبَةِ الْمَيِّتَ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَالنَّدْبُ: أَنْ تَدْعُوَ الْقَوْمَ إِلَى الْأَمْرِ، فَانْتَدَبُوا هُمْ.

(نَدَحَ) النُّونُ وَالدَّالُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَعَةٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ النَّدْحُ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ، وَالْجَمْعُ أَنْدَاحٌ. وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: لَكَ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ، أَيْ

(5/413)


سَعَةٌ وَفُسْحَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَأَرْضٌ مَنْدُوحَةٌ: بَعِيدَةٌ وَاسِعَةٌ. وَإِنَّهُ لَفِي نَُدْحَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ سَعَةٍ وَفُسْحَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ النُّونِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَذَرَ) النُّونُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَخْوِيفٍ أَوْ تَخَوُّفٍ. مِنْهُ الْإِنْذَارُ: الْإِبْلَاغُ ; وَلَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا فِي التَّخْوِيفِ. وَتَنَاذَرُوا: خَوَّفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَمِنْهُ النَّذْرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَخَافُ إِذَا أَخْلَفَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: نَذِرْتُ بِهِمْ فَاسْتَعْدَدْتُ لَهُمْ وَحَذِرْتُ مِنْهُمْ. وَالنَّذِيرُ: الْمُنْذِرُ، وَالْجَمْعُ النُّذُرُ. وَالنَّذْرُ أَيْضًا: مَا يَجِبُ، كَأَنَّهُ نُذِرَ، أَيْ أُوجِبُ. وَنَذْرُ الْمُوضِحَةِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُ.

(نَذَلَ) النُّونُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَسَاسَةٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ نَذْلٌ.

[بَابُ النُّونِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَرَبَ) النُّونُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ لَا يَأْتَلِفَانِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا دَخِيلٌ. فَمِنْ ذَلِكَ النَّيْرَبُ: النَّمِيمَةُ، وَهُوَ نَيْرَبٌ أَيْ نَمَّامٌ، كَأَنَّهُ ذُو نَيْرَبٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(5/414)


[بَابُ النُّونِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَزَعَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَلْعِ شَيْءٍ. وَنَزَعْتُ الشَّيْءَ مِنْ مَكَانِهِ نَزْعًا. وَالْمِنْزَعُ: الشَّدِيدُ النَّزْعِ. وَالْمِنْزَعَةُ كَالْمِلْعَقَةِ يَكُونُ مَعَ مُشْتَارِ الْعَسَلِ. وَنَزَعَ عَنِ الْأَمْرِ نُزُوعًا: تَرَكَهُ. وَشَرَابٌ طَيِّبُ الْمَنْزَعَةِ، أَيْ طَيِّبُ مَقْطَعِ الشُّرْبِ. وَالنَّزَعَةُ: الْمَوْضِعُ مِنْ رَأْسِ الْأَنْزَعِ، وَهُوَ الَّذِي انْحَسَرَ شَعَْرُهُ عَنْ جَانِبَيْ جَبْهَتِهِ، وَهُمَا النَّزَعَتَانِ. وَلَا يُقَالُ امْرَأَةٌ نَزْعَاءُ وَلَكِنْ زَعْرَاءُ. وَبِئْرٌ نَزُوعٌ: قَرِيبَةُ الْقَعْرِ يُنْزَعُ مِنْهَا بِالْيَدِ. وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى النَّزَعَةِ، أَيْ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ ; وَأَرَادَ بِالنَّزَعَةِ جَمْعَ نَازِعٍ، وَهُوَ الَّذِي يَنْزِعُ فِي الْقَوْسِ: يَجْذِبُ وَتَرَهُ بِالسَّهْمِ. وَفُلَانٌ قَرِيبُ الْمَنْزَعَةِ، أَيْ قَرِيبُ الْهِمَّةِ. وَمَنْزَعَةُ الرَّجُلِ: رَأْيُهُ. وَنَازَعَتِ النَّفْسُ إِلَى الْأَمْرِ نِزَاعًا، وَنَزَعَتْ إِلَيْهِ، إِذَا اشْتَهَتْهُ. وَنَزَعَ إِلَى أَبِيهِ فِي الشَّبَهِ. وَنَزَعَ عَنِ الْأَمْرِ نُزُوعًا، إِذَا تَرَكَهُ. وَبَعِيرٌ نَازِعٌ، إِذَا حَنَّ إِلَى مَرْعَاهُ أَوْ وَطَنِهِ. قَالَ:
فَقُلْتُ لَهُمْ لَا تَعْذُلُونِي وَانْظُرُوا ... إِلَى النَّازِعِ الْمَقْصُورِ كَيْفَ يَكُونُ
وَأَنْزَعُوا، أَيْ نَزَعَتْ إِبِلُهُمْ إِلَى أَوْطَانِهَا. وَالنَّزَائِعُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّتِي نَزَعَتْ إِلَى أَعْرَاقٍ، وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ الَّتِي انْتُزِعَتْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. وَالنَّزُوعُ: الْجَمَلُ الَّذِي يُنْزَعُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَحْدَهُ. وَالنَّزَائِعُ مِنَ النِّسَاءِ: اللَّوَاتِي يُزَوَّجْنَ فِي غَيْرِ عَشَائِرِهِنَّ ; وَكُلُّ غَرِيبٍ نَزِيعٌ.

(5/415)


(نَزَغَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِفْسَادٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَنَزَغَ بَيْنَ الْقَوْمِ: أَفْسَدَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ.

(نَزَفَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَفَادِ شَيْءٍ وَانْقِطَاعٍ. وَنُزِفَ دَمُهُ: خَرَجَ كُلُّهُ. وَالسَّكْرَانُ نَزِيفٌ، أَيْ نُزِفَ عَقْلُهُ. قَالَ:
وَإِذْ هِيَ تَمْشِي كَمَشْيِ النَّزِي ... فِ يَصْرَعُهُ بِالْكَثِيبِ الْبَهَرْ
وَالنَّزْفُ: نَزْحُ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَأَنْزَفُوا: ذَهَبَ مَاءُ بِئْرِهِمْ. وَأَنْزَفُوا: انْقَطَعَ شَرَابُهُمْ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة: 19] . وَالنُّزْفَةُ: الْغُرْفَةُ. وَهُوَ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ. وَنُزِفَ الرَّجُلُ فِي الْخُصُومَةِ: انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ.

(نَزَقَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَجَلَةٍ. مِنْ ذَلِكَ النَّزَقِ: الْخِفَّةُ وَالْعَجَلُ. وَنَزَّقْتُ الْفَرَسَ فَنَزِقَ. وَيَقُولُونَ: أَنْزَقَ فُلَانٌ بِالضَّحِكِ.

(نَزَكَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْكَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى طَعْنٍ أَوْ شَبِيهٍ بِهِ. مِنْهُ النَّزْكُ: الطَّعْنُ بِالنَّيْزَكِ، وَهُوَ الرُّمْحُ الْقَصِيرُ. وَالنَّزْكُ: سُوءُ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فِي الْإِنْسَانِ، وَالطَّعْنُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ» أَيْ طَعَنُوا عَلَيْهِ، يُرَادُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. وَمِمَّا يُشَبَّهُ بِهَذَا قَوْلُهُمْ لِذِكْرِ الضَّبِّ: نِزْكٌ. قَالَ:
سِبَحْلٌ لَهُ نِزْكَانِ كَانَا فَضِيلَةً ... عَلَى كُلِّ حَافٍ فِي الْبِلَادِ وَنَاعِلِ.

(5/416)


(نَزَلَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى هُبُوطِ شَيْءٍ وَوُقُوعِهِ. وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ نُزُولًا. وَنَزَلَ الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ نُزُولًا. وَالنَّازِلَةُ: الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ تَنْزِلُ. وَالنِّزَالُ فِي الْحَرْبِ: أَنْ يَتَنَازَلَ الْفَرِيقَانِ. وَنَزَالِ: كَلِمَةٌ تُوضَعُ مَوْضِعَ انْزِلْ. وَمَكَانٌ نَزِلٌ: يُنْزَلُ فِيهِ كَثِيرًا. وَوَجَدْتُ الْقَوْمَ عَلَى نَزَلَاتِهِمْ، أَيْ مَنَازِلِهِمْ. قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَالنُّزُْلُ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ. وَطَعَامٌ ذُو نُزْلٍ وَنَزَلٍ، أَيْ ذُو فَضْلٍ. وَيُعَبِّرُونَ عَنِ الْحَجِّ بِالنُّزُولِ. وَنَزَلَ، إِذَا حَجَّ. قَالَ:
أَنَازِلَةٌ أَسْمَاءُ أَمْ غَيْرُ نَازِلَهْ ... أَبِينِي لَنَا يَا أَسْمَ مَا أَنْتِ فَاعِلَهْ
وَقَالَ:
وَلَمَّا نَزَلْنَا قَرَّتِ الْعَيْنُ وَانْتَهَتْ ... أَمَانِيُّ كَانَتْ قَبْلُ فِي الدَّهْرِ تُسْأَلُ
قَالَ: نَزَلْنَا: أَتَيْنَا مِنًى. وَالنُّزَالَةُ: مَاءُ الرَّجُلِ. وَالنَّزِيلُ: الضَّيْفُ. قَالَ:
نَزِيلُ الْقَوْمِ أَعْظَمُهُمْ حُقُوقَا ... وَحَقُ اللَّهِ فِي حَقِ النَّزِيلِ
وَالتَّنْزِيلُ: تَرْتِيبُ الشَّيْءِ وَوَضْعُهُ مَنْزِلَهُ.

(نَزَهَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بُعْدٍ فِي مَكَانٍ وَغَيْرِهِ. وَرَجُلٌ نَزِيهُ الْخُلُقِ: بَعِيدٌ عَنِ الْمَطَامِعِ الدَّنِيَّةِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَنَزِهُ النَّفْسِ

(5/417)


وَنَازِهُ النَّفْسِ: ظَلِفُهَا عَنِ الْمَدَانِسِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: خَرَجْنَا نَتَنَزَّهُ، إِذَا تَبَاعَدُوا عَنِ الْمَاءِ وَالرِّيفِ. وَمَكَانٌ نَزِيهٌ: خَلَاءٌ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ.

(نَزَوَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، هُوَ الْوَثَبَانُ وَالِارْتِفَاعُ وَالسُّمُوُّ. مِنْ ذَلِكَ النَّزْوِ. نَزَا يَنْزُو: وَثَبَ. وَنُزَاءُ الذَّكَرِ عَلَى أُنْثَاهُ. وَهُوَ يَنْزُو إِلَى كَذَا، إِذَا نَازَعَ إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ سَمَا لَهُ. وَالتَّنَزِّي مِثْلُ النَّزْوِ.
وَمِنَ الْمَهْمُوزِ: نَزَأْتُ بَيْنَهُمْ: حَرَّشْتُ بَيْنَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ مَا نَزَأَكَ عَلَى كَذَا: مَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ مَنْزُوءٌ بِكَذَا: مُولَعٌ.

(نَزَبَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: نَزَبَ الظَّبْيُ نَزِيبًا، وَهُوَ صَوْتُهُ عِنْدَ السِّفَادِ.

(نَزَحَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى بُعْدٍ. وَنَزَحَتِ الدَّارُ نُزُوحًا: بَعُدَتْ. وَبَلَدٌ نَازِحٌ. وَمِنْهُ نَزْحُ الْمَاءِ، كَأَنَّهُ يُبَاعَدُ بِهِ عَنْ قَعْرِ الْبِئْرِ. يُقَالُ: نَزَحْتُ الْبِئْرَ: اسْتَقَيْتُ مَاءَهَا كُلَّهُ. وَبِئْرٌ نَزُوحٌ: قَلِيلَةُ الْمَاءِ. وَآبَارٌ نُزُحٌ.

(نَزَرَ) النُّونُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةٍ فِي الشَّيْءِ. وَنَزُرَ الشَّيْءُ نَزَارَةً. وَشَيْءٌ نَزْرٌ: قَلِيلٌ. وَعَطَاءٌ مَنْزُورٌ: مُقَلَّلٌ. وَامْرَأَةٌ نَزُورٌ: قَلِيلَةُ الْوَلَدِ. قَالَ:

(5/418)


بَُِغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخًا ... وَأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلَاتٌ نَزُورُ
وَقَوْلُهُمْ: نَزَرْتُ الرَّجُلَ: أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُمْ: لَا يُعْطِي حَتَّى يُنْزَرَ، أَيْ يُلَحَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ شَاذٌّ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَهُ قِيَاسٌ آخَرُ.

[بَابُ النُّونِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَسَعَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَدْلِ الشَّيْءِ.
فَالنِّسْعُ: سَيْرٌ مَضْفُورٌ كَهَيْئَةِ أَعِنَّةِ الْبِغَالِ. وَيُقَالُ لِلْعُنُقِ الطَّوِيلِ نَاسِعٌ، كَأَنَّهُ طُوِّلَ وَجُدِلَ جَدْلًا. وَالْمِنْسَعَةُ: الْأَرْضُ السَّرِيعَةُ النَّبْتِ بِطُولِ نَبْتِهَا وَبَقْلِهَا.

(نَسَغَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى غَرْزِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. وَنَسَغَ الْخُبْزَةَ: غَرَزَهَا بِرِيشِ الطَّائِرِ: وَهِيَ الْمِنْسَغَةُ. وَنَسَغَتِ الْوَاشِمَةُ: غَرَزَتِ الْيَدَ بِالْإِبْرَةِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: نَسَغْتُ الدَّابَّةَ بِرِجْلِي لِيَثُورَ.
وَيَتَوَسَّعُونَ فِيهِ فَيَقُولُونَ: نَسَغْتُ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ: مَذَقْتُهُ. وَنَسَغَهُ بِالْعَصَا: ضَرَبَهُ.

(نَسَفَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَشْفِ شَيْءٍ. وَانْتَسَفَتِ الرِّيحُ الشَّيْءَ مِثْلَ التُّرَابِ وَالْعَصْفِ، كَأَنَّهَا كَشَفَتْهُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَسَلَبَتْهُ. وَنَسْفُ الْبِنَاءِ: اسْتِئْصَالُهُ قَطْعًا. وَيُقَالُ لِلرُّغْوَةِ: النُّسَافَةُ، لِأَنَّهَا تُنْتَسَفُ عَنْ وَجْهِ اللَّبَنِ. وَقَوْلُهُمُ انْتُسِفَ لَوْنُهُ مِنْ ذَلِكَ. وَبَعِيرٌ نَسُوفٌ: يُقْلِعُ

(5/419)


النَّبَاتَ عَنِ الْأَرْضِ بِمُقَدَّمِ فِيهِ: وَحَكَى نَاسٌ: هُمَا يَتَنَاسَفَانِ، أَيْ يَتَسَارَّانِ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. كَأَنَّ هَذَا يَنْسِفُ مَا عِنْدَ ذَاكَ. وَذَاكَ مَا عِنْدَ هَذَا.

(نَسَقَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَتَابُعٍ فِي الشَّيْءِ. وَكَلَامٌ نَسَقٌ: جَاءَ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ قَدْ عُطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: ثَغْرٌ نَسَقٌ، إِذَا كَانَتِ الْأَسْنَانُ مُتَنَاسِقَةً مُتَسَاوِيَةً.
وَخَرَزٌ نَسَقٌ: مُنَظَّمٌ. قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ:
بِجِيدِ رِيمٍ كَرِيمٍ زَانَهُ نَسَقٌ ... يَكَادُ يُلْهِبُهُ الْيَاقُوتُ إِلْهَابًا.

(نَسَكَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْكَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عِبَادَةٍ وَتَقَرُّبٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَرَجُلٌ نَاسِكٌ. وَالذَّبِيحَةُ الَّتِي تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ نَسِيكَةٌ. وَالْمَنْسَِكُ: الْمَوْضِعُ يُذْبَحُ فِيهِ النَّسَائِكُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْقُرْبَانِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْمَنْسَِكَ: الْمَكَانُ يَأْلَفُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ.

(نَسَلَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَلِّ شَيْءٍ وَانْسِلَالِهِ. وَالنَّسْلُ: الْوَلَدُ. لِأَنَّهُ يُنْسَلُ مِنْ وَالِدَتِهِ. وَتَنَاسَلُوا: وُلِدَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَمِنْهُ النَّسَلَانُ: مِشْيَةُ الذِّئْبِ إِذَا أَعْنَقَ وَأَسْرَعَ. وَالْمَاشِي يَنْسِلُ، إِذَا أَسْرَعَ.

(5/420)


قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] . وَالنُّسَالَةُ: شَعْرُ الدَّابَّةِ إِذَا سَقَطَ عَنْ جَسَدِهِ قِطَعًا. وَنُسَالُ الطَّيْرِ: مَا تَحَاتَّ مِنْ أَرْيَاشِهَا. قَالَ:
وَتَجْلُو سَبِيخَ جُفَالِ النُّسَالِ
وَقَدْ أَنْسَلَتِ الْإِبِلُ: حَانَ لَهَا أَنْ تُنْسِلَ وَبَرَهَا. وَنَسَلَ الثَّوْبُ عَنِ الرَّجُلِ: سَقَطَ. وَيَقُولُونَ: النَّسِيلُ: الْعَسَلُ إِذَا ذَابَ، كَأَنَّهُ نَسَلَ عَنْ شَمْعِهِ وَفَارَقَهُ. وَأَنْسَلْتُ الْقَوْمَ: تَقَدَّمْتُهُمْ.

(نَسَمَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ نَفَسٍ، أَوْ رِيحٍ غَيْرِ شَدِيدَةِ الْهُبُوبِ. وَنَفَسُ الْإِنْسَانِ نَسِيمٌ. وَكَذَا الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ الْهُبُوبِ. وَيَقُولُونَ: مِنْ أَيْنَ مَنْسِمُكَ، أَيْ مِنْ [أَيْنَ] وِجْهَتُكَ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ نَسِيمُهُ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ النَّفْسُ نَسَمَةً.
وَشَذَّ عَنْهُ الْمَنْسِمُ: خُفُّ الْبَعِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَابِ، لِأَنَّ خُفَّهُ هُوَ مَا يُحْمَلُ نَسَمَتُهُ.

(نَسِيَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى إِغْفَالِ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ.
فَالْأَوَّلُ نَسِيتُ الشَّيْءَ، إِذَا لَمْ تَذْكُرْهُ، نِسْيَانًا. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ النِّسْيُ مِنْهُ. وَالنِّسْيُ: مَا سَقَطَ مِنْ مَنَازِلِ الْمُرْتَحِلِينَ، مِنْ رُذَالِ أَمْتِعَتِهِمْ، فَيَقُولُونَ: تَتَبَّعُوا أَنَسَاءَكُمْ. قَالَ الشَّنْفَرَى:

(5/421)


كَأَنَّ لَهَا فِي الْأَرْضِ نِسْيًا تَقُصُّهُ ... عَلَى أُمِّهَا وَإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَِتِ
وَعَلَى ذَلِكَ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ، أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَتَرَكَ الْعَهْدَ. وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْأَصْلَيْنِ النَّسَا: عِرْقٌ، وَالْجَمْعُ أَنْسَاءٌ، وَالِاثْنَانِ نَسَيَانِ وَيَقُولُونَ: هُوَ النَّسَا، وَهُوَ عِرْقُ النَّسَا، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ. قَالَ:
فَأَحْذَيْتُهُ لَمَّا أَتَانِي بِقِرْبَةٍ ... كَعِرْقِ النَّسَا لَمْ يُعْطَ بَطْنًا وَلَا ظَهْرَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَصْلُ فِي الْبَابِ النِّسْيَانُ، وَهُوَ عُزُوبُ الشَّيْءِ عَنِ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورِهِ لَهَا. وَالنَّسَا: عِرْقٌ فِي الْفَخِذِ، لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَعَالِي الْبَدَنِ إِلَى الْفَخِذِ، مُشَبَّهٌ بِالْمَنْسِيِّ الَّذِي أُخِّرَ وَتُرِكَ.
وَإِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى إِلَى تَأْخِيرِ الشَّيْءِ. وَنُسِئَتِ الْمَرْأَةُ: تَأَخَّرَ حَيْضُهَا عَنْ وَقْتِهِ فَرُجِيَ أَنَّهَا حُبْلَى. وَالنَّسِيئَةُ: بَيْعُكَ الشَّيْءَ نَسَاءً، وَهُوَ التَّأْخِيرُ. تَقُولُ: أَنْسَأْتُ. وَنَسَأَ اللَّهُ فِي أَجْلِكَ وَأَنْسَأَ أَجْلَكَ: أَخَّرَهُ وَأَبْعَدَهُ. وَانْتَسَؤُوا، تَأَخَّرُوا وَتَبَاعَدُوا. وَنَسَأْتُهُمْ أَنَا: أَخَّرْتُهُمْ. وَنَسَأْتُ نَاقَتِي، قَالَ قَوْمٌ: رَفَقْتُ بِهَا فِي السَّيْرِ. وَنَسَأْتُهَا: ضَرَبْتُهَا بِالْمِنْسَأَةِ: الْعَصَا. وَهَذَا أَقْيَسُ، لِأَنَّ الْعَصَا كَأَنَّهُ يُبْعَدُ بِهَا الشَّيْءُ وَيُدْفَعُ.

(5/422)


وَالنَّسْءُ: مَا نَبَتَ مِنْ وَبَرِ النَّاقَةِ بَعْدَ تَسَاقُطِ وَبَرِهَا. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. كَأَنَّ هَذَا الثَّانِي تَأَخَّرَ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: نَسَأْتُ الْإِبِلَ فِي ظِمْئِهَا، إِذَا زِدْتَهَا فِي ظِمْئِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ. وَالنَّسِيءُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: التَّأْخِيرُ، كَانُوا إِذَا صَدَرُوا عَنْ مِنَى يَقُومُ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي لَا يُرَدُّ لِي قَضَاءٌ. فَيَقُولُونَ: أَنْسِئْنَا شَهْرًا، أَيْ أَخِّرْ عَنَّا حُرْمَةَ الْمُحَرَّمِ فَاجْعَلْهَا فِي صَفَرَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَا يُغِيرُونَ فِيهَا، لِأَنَّ مَعَاشَهُمْ كَانَ مِنَ الْإِغَارَةِ، فَأُحِلَّ لَهُمُ الْمُحَرَّمُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] . وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ النَّسْءُ: بَدْءُ السِّمَنِ فِي الدَّوَابِّ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
بِهَا أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيعٍ كِلَيْهِمَا ... فَقَدْ مَارَ فِيهَا نَسْؤُهَا وَاقْتِرَارُهَا
وَالنَّسِيءُ: الْحَلِيبُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. تَقُولُ مِنْهُ: نَسَأْتُ، وَهُوَ النَّسْءُ أَيْضًا فِي شِعْرِ عُرْوَةَ:
سَقَوْنِي النَّسْءَ ثُمَّ تَكَنَّفُونِي ... عُدَاةُ اللَّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ.

(نَسَبَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قِيَاسُهَا اتِّصَالُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. مِنْهُ النَّسَبُ، سُمِّيَ لِاتِّصَالِهِ وَلِلِاتِّصَالِ بِهِ. تَقُولُ: نَسَبْتُ أَنْسُِبُ. وَهُوَ نَسِيبُ فُلَانٍ. وَمِنْهُ النَّسِيبُ فِي الشِّعْرِ إِلَى الْمَرْأَةِ، كَأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَّصِلُ بِهَا ; وَلَا يَكُونُ إِلَّا

(5/423)


فِي النِّسَاءِ. تَقُولُ مِنْهُ: نَسَبْتُ أَنْسُِبُ. وَالنَّسِيبُ: الطَّرِيقُ [الْمُسْتَقِيمُ] ، لِاتِّصَالِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ.

(نَسَجَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى وَصْلِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فِي أَدْنَى عَرْضٍ. وَنَسَجَ الثَّوْبَ يَنْسُِجُهُ. وَضَرَبَتِ الرِّيحُ الْمَاءَ فَانْتَسَجَتْ لَهُ الطَّرَائِقَ. وَالشَّاعِرُ يَنْسُِجُ الشِّعْرَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ قِيَاسُ الْبَابِ الِاضْطِرَابُ دُونَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالنَّاقَةُ النَّسُوجُ: [الَّتِي] يَضْطَرِبُ حِمْلُهَا عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ اشْتُقَّ مَِنْسِجُ الْفَرَسِ، لِأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ أَبَدًا. وَالْمَِنْسِجُ: كَاثِبَةُ الْفَرَسِ.
وَمِنَ الْبَابِ: هُوَ نَسِيجُ وَحْدِهِ، لِانْفِرَادِهِ بِخِصَالِهِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَ الرَّفِيعَ النَّفِيسَ لَا يُنْسَجُ عَلَى مِنْوَالِهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رَفِيعًا عُمِلَ عَلَى مِنْوَالِهِ سَدَى عِدَّةِ أَثْوَابٍ.

(نَسَخَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْخَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي قِيَاسِهِ. قَالَ قَوْمٌ: قِيَاسُهُ رَفْعُ شَيْءٍ وَإِثْبَاتُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيَاسُهُ تَحْوِيلُ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ. قَالُوا: النَّسْخُ: نَسْخُ الْكِتَابِ. وَالنَّسْخُ: أَمْرٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ يُنْسَخُ بِحَادِثٍ غَيْرِهِ، كَالْآيَةِ يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرٌ ثُمَّ تُنْسَخُ بِآيَةٍ أُخْرَى. وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَفَ شَيْئًا فَقَدِ انْتَسَخَهُ. وَانْتَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَالشَّيْبُ الشَّبَابَ. وَتَنَاسُخُ الْوَرَثَةِ: أَنْ يَمُوتَ وَرَثَةٌ بَعْدَ وَرَثَةٍ وَأَصْلُ الْإِرْثِ قَائِمٌ لَمْ يُقَسَّمْ. وَمِنْهُ

(5/424)


تَنَاسُخُ الْأَزْمِنَةِ وَالْقُرُونِ. قَالَ السِّجِسْتَانِيُّ النَّسْخُ: أَنْ تُحَوِّلَ مَا فِي الْخَلِيَّةِ مِنَ الْعَسَلِ وَالنَّحْلِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَمِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ.

(نَسَرَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاسٍ وَاسْتِلَابٍ. مِنْهُ النَّسْرُ: تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ. وَنَسَرَهُ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ اسْتَلَبَهُ. وَمِنْهُ النَّسْرُ، كَأَنَّهُ يَنْسُرُ الشَّيْءَ. وَالْمِنْسَرُ: خَيْلٌ مَا بَيْنَ الْمِائَةِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، كَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيَنْسُِرَ شَيْئًا، أَيْ يَخْتَطِفَهُ وَيَسْتَلِبَهُ. وَيُقَالُ: بَلِ الْمِنْسَرُ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا قَلَعَهُ.
وَمِنَ التَّشْبِيهِ النَّسْرُ: كَوَاكِبُ فِي السَّمَاءِ: النَّسْرُ الطَّائِرُ، وَالنَّسْرُ الْوَاقِعُ. وَمِنْهُ نَسْرُ الْحَافِرِ: مَا فِي بَطْنِهِ كَأَنَّهُ النَّوَى وَالْحَصَى.

[بَابُ النُّونِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَشَصَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ وَسُمُوٍّ. وَنَشَصَ السَّحَابُ: ارْتَفَعَ. وَالسَّحَابَةُ الْمُرْتَفِعَةُ الْبَيْضَاءُ: النَّشَاصَةُ، وَجَمْعُهَا نَشَاصٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

(5/425)


أَصَدَّ نَشَاصَ ذِي الْقَرْنَيْنِ حَتَّى ... تَوَلَّى عَارِضُ الْمَلِكِ الْهُمَامِ
وَنَشَصَ الْوَبَرُ: ارْتَفَعَ. وَنَشَصْنَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ: ارْتَفَعْنَا. وَنَشَصَتِ الْمَرْأَةُ مِثْلُ نَشَزَتْ. وَنَشَصَتْ ثَنِيَّتُهُ: تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا.

(نَشِطَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالطَّاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اهْتِزَازٍ وَحَرَكَةٍ. مِنْهُ النَّشَاطُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِاهْتِزَازِ وَالتَّفَتُّحِ. يُقَالُ نَشِطَ يَنْشَطُ. وَأَنْشَطَ الْقَوْمُ: كَانَتْ دَوَابُّهُمْ نَشِيطَةً. وَالثَّوْرُ نَاشِطٌ، لِأَنَّهُ يَنْشِطُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَذَاكَ أَمْ نَمِشٌ بِالْوَشْيِ أَكْرُعُهُ ... مُسَفَّعُ الْخَدِّ هَادٍ نَاشِطٌ شَبَبُ
وَنَشَطْتُ الشَّيْءَ: قَشَرْتُهُ، كَأَنَّهُ لَمَّا قُشِرَ أُخْرِجَ مِنْ جِلْدِهِ. وَطَرِيقٌ نَاشِطٌ: يَنْشِطُ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ يَمْنَةً [وَيَسْرَةً] . وَنَشَطَتِ النَّاقَةُ فِي سَيْرِهَا، إِذَا شَدَّتْ. وَالْأُنْشُوطَةُ: الْعُقْدَةُ مِثْلُ عُقْدَةِ السَّرَاوِيلِ وَنَشَطْتُهُ بِأُنْشُوطَةٍ. وَأَنْشَطْتُ الْعِقَالَ: مَدَدْتُ أُنْشُوطَتَهُ فَانْحَلَّتْ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْإِنْشَاطُ: الْحَلُّ، وَالتَّنْشِيطُ: الْعَقْدُ. وَبِئْرٌ أَنْشَاطٌ: قَرِيبَةُ الْقَعْرِ يَخْرُجُ دَلْوُهَا بِجَذْبَةٍ. وَنَشَطْتُ الدَّلْوَ مِنَ الْبِئْرِ بِغَيْرِ قَامَةٍ. وَالنَّشِيطَةُ مِنَ الْإِبِلِ: أَنْ تُوجَدَ فَتُسَاقَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْمَدَ لَهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْحَيِّ الَّذِي يُرِيدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَيْهِ، فَيَنْشِطُهُ الرَّئِيسُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ. قَالَ:

(5/426)


لَكَ الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ.

(نَشَعَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. نَشَعْتُ الصَّبِيَّ الْوَجُورَ نَشْعًا فَانْتَشَعَهُ، أَيْ جَرَِعَهُ. وَالْمَصْدَرُ النُّشُوعُ. قَالَ:
نُشِعْتُ الْمَجْدَ فِي أَنْفِي نُشُوعَا.

(نَشَغَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْغَيْنُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ، لَيْسَ قِيَاسُهَا وَاحِدًا.
الْأُولَى النَّشْغُ: كَالشَّهِيقِ عِنْدَ الشَّوْقِ. الثَّانِيَةُ النَّاشِغُ: الَّذِي يَحْيَا بَعْدَ جَهْدٍ. الثَّالِثَةُ النَّوَاشِغُ: أَعَالِي الْوَادِي، الْوَاحِدَةُ نَاشِغَةٌ.

(نَشَفَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى وُلُوجِ نَدًى فِي شَيْءٍ يَأْخُذُهُ. مِنْهُ النَّشْفُ: دُخُولُ الْمَاءِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يَنْتَشِفَاهُ. وَالنَِّشْفَةُ: حَجَرٌ، سُمِّيَتْ لِانْتِشَافِهَا الْوَسَخَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَالْجَمْعُ النِّشَفُ. [وَيُقَالُ: إِنَّ النَّشْفَ] فِي الْحِيَاضِ كَالنَّزْحِ فِي الرَّكَايَا. وَالنَّاقَةُ تُدِرُّ قَبْلَ نِتَاجِهَا ثُمَّ تَذْهَبُ دِرَّتُهَا: مِنْشَافٌ وَنَشُوفٌ.

(5/427)


(نَشِقَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نُشُوبِ شَيْءٍ. وَنَشِقَ الظَّبْيُ فِي الْحِبَالَةِ: عَلِقَ فِيهَا وَالنَّشِقَةُ: حَبْلٌ يُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِ الْبَهْمِ، وَيُقَالُ هِيَ النُّشْقَةُ. وَرَجُلٌ نَشِقٌ، إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ لَا يَكَادُ يَخْلُصُ مِنْهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: أَنْشَقْتُ الصَّبِيَّ الدَّوَاءَ: صَبَبْتُهُ فِي أَنْفِهِ. وَالنَّشُوقُ: اسْمٌ لِكُلِّ دَوَاءٍ يُنْشَقُ. وَمِنْهُ اسْتَنْشَقْتُ الرِّيحَ: تَشَمَّمْتُهَا. وَهَذِهِ رِيحٌ مَكْرُوهَةُ النَّشَقِ، أَيْ الشَّمِّ. وَالْمُتَوَضِّئُ يَسْتَنْشِقُ الْمَاءَ، عِنْدَ اسْتِنْثَارِهِ. .

(نَشَلَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ بَِضْعَةٍ مِنْ قَدْرٍ. وَنَشَلَ اللَّحْمَ مِنَ الْقِدْرِ بِالْمِنْشَلِ، وَهُوَ النَّشِيلُ. وَفَخْذٌ نَاشِلَةٌ: قَلِيلَةُ اللَّحْمِ ; وَالْمِنْشَلُ وَالْمِنْشَالُ: مَا يُنْشَلُ بِهِ. وَيَقُولُونَ: وَمَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّتُهُ: الْمَنْشَلَةُ: مَوْضِعُ الْخَاتَمِ مِنَ الْخِنْصَرِ.

(نَشَمَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ يَدُلُّ عَلَى نُشُوبِ شَيْءٍ. وَنَشَّمُوا فِي الْأَمْرِ: أَخَذُوا فِيهِ. وَيُقَالُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الشَّرِّ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمَّا نَشَّمَ النَّاسُ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ "،» أَيْ أَخَذُوا فِيهِ وَنَالُوا مِنْهُ. وَنَشَّمَ اللَّحْمُ تَنْشِيمًا، أَيِ ابْتَدَأَتْ فِيهِ رَائِحَةٌ.
وَشَذَّ عَنْهُ النَّشَمُ: شَجَرٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْقِسِيُّ.

(نَشَأَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْهَمْزَةُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ

(5/428)


وَسُمُوٍّ. وَنَشَأَ السَّحَابُ: ارْتَفَعَ. وَأَنْشَأَهُ اللَّهُ: رَفَعَهُ. وَمِنْهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] ، يُرَادُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْقِيَامُ وَالِانْتِصَابُ لِلصَّلَاةِ.
وَمِنَ الْبَابِ: النَّشْءُ وَالنَّشَأُ: أَحْدَاثُ النَّاسِ. وَنَشَأَ فُلَانٌ فِي بَنِي فُلَانٍ. وَالنَّاشِئُ: الشَّابُّ الَّذِي نَشَأَ وَارْتَفَعَ وَعَلَا. وَأَنْشَأَ فُلَانٌ حَدِيثًا، وَأَنْشَأَ يُنْشِدُ وَيَقُولُ، كُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ.
وَمِنَ الْبَابِ: اسْتَنْشَأْتُ الرِّيحَ: تَشَمَّمْتُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ كَأَنَّكَ تَرْفَعُهَا إِلَى أَنْفِكَ.

(نَشَجَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ. وَنَشَجَ الْبَاكِي: غَصَّ بِالْبُكَاءِ فِي حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِحَابٍ. وَنَشَجَ الْحِمَارُ بِصَوْتِهِ نَشْجًا. وَيُقَالُ لِلطَّعْنَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ فَسُمِعَ لَهُ حِسٌّ: قَدْ نَشَجَتْ. وَكَذَا الْقِدْرُ تَنْشِجُ عِنْدَ الْغَلَيَانِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَنْشَاجُ مِنْ هَذَا، وَهِيَ مَجَارِي الْمَاءِ، الْوَاحِدُ نَشَجٌ، كَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِهَا لِقَسِيبِ الْمَاءِ.

(نَشَحَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالْحَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى التَّضَادِّ، فَقَالَ قَوْمٌ: نَشَحَ الشَّارِبُ، إِذَا شَرِبَ حَتَّى امْتَلَأَ. وَسِقَاءٌ نَشَّاحٌ: مُمْتَلِئٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: النُّشُوحُ: شُرْبٌ دُونَ الرِّيِّ.

(نَشَدَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِ شَيْءٍ وَتَنْوِيهٍ. وَنَشَدَ فُلَانٌ فُلَانًا قَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَيْ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ. وَتَلْخِيصُهُ:

(5/429)


ذَكَّرْتُكَ اللَّهَ تَعَالَى. وَمِنْهُ إِنْشَادُ الشَّاعِرِ وَهُوَ ذِكْرُهُ وَالتَّنْوِيهُ بِهِ. فَأَمَّا أَنْشَدْتُ الضَّالَّةَ فَمَعْنَاهُ عَرَّفْتُهَا ; وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحِلُّ لُقْطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» ، أَيْ مُعَرِّفٍ. وَأَمَّا نَشَدْتُ الضَّالَّةَ، يَعْنِي طَلَبْتُهَا، فَلِرَفْعِ صَوْتِهِ.

(نَشَرَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَتْحِ شَيْءٍ وَتَشَعُّبِهِ. وَنَشَرْتُ الْخَشَبَةَ بِالْمِنْشَارِ نَشْرًا. وَالنَّشْرُ: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ.
وَاكْتَسَى الْبَازِي رِيشًا نَشَرًا. أَيْ مُنْتَشِرًا وَاسِعًا طَوِيلًا. وَمِنْهُ نَشَرْتُ الْكِتَابَ. خِلَافَ طَوَيْتُهُ. وَنَشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى فَنَشَرُوا. وَأَنْشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى أَيْضًا. قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ، ثُمَّ قَالَ الْأَعْشَى:
حَتَّى يَقُولُ النَّاسُ لَمَّا رَأَوْا ... يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
وَنَشَرَتِ الْأَرْضُ: أَصَابَهَا الرَّبِيعُ فَأَنْبَتَتْ، وَهِيَ نَاشِرَةٌ، وَذَلِكَ النَّبَاتُ النَّشْرُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ لِلرَّاعِيَةِ رَدِيٌّ وَيُقَالُ: بَلِ النَّشْرُ: الْكَلَأَ يَيْبَسُ ثُمَّ يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الْحَلَمِ، وَهُوَ دَاءٌ. وَعُرُوقُ بَاطِنِ الذِّرَاعِ: النَّوَاشِرُ، سُمِّيَتْ لِانْتِشَارِهَا. وَالِانْتِشَارُ: انْتِفَاخُ عَصَبِ الدَّابَّةِ مِنْ تَعَبٍ. وَالنَّشَرُ: أَنْ تَنْتَشِرَ الْغَنَمُ بِاللَّيْلِ فَتَرْعَى، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ جَمَعَ أَمْرَهُ: " قَدْ ضَّمَ نَشَرَهُ ".

(نَشَزَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالزَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَعُلُوٍّ. وَالنَّشَزُ: الْمَكَانُ الْعَالِي الْمُرْتَفِعُ. وَالنَّشْزُ وَالنُّشُوزُ: الِارْتِفَاعُ، ثُمَّ

(5/430)


اسْتُعِيرَ فَقِيلَ نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ: اسْتَصْعَبَتْ عَلَى بَعْلِهَا، وَكَذَلِكَ نَشَزَ بَعْلُهَا: جَفَاهَا وَضَرَبَهَا.

(نَشَسَ) النُّونُ وَالشِّينُ وَالسِّينُ كَلِمَةٌ مِنَ الْإِبْدَالِ، يُقَالُ نَشَسَتْ، مِثْلُ نَشَزَتْ.

[بَابُ النُّونِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَصَعَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوصٍ وَلِينٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ النَّاصِعُ: الْحَسَنُ اللَّوْنِ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ. وَالنِّصْعُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ شَدِيدُ الْبَيَاضِ. وَنَصَعَ الْحَقُّ: وَضَحَ.
وَمِنْ بَابِ السُّهُولَةِ وَاللِّينِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَنْصَعَتِ النَّاقَةُ لِلْفَحْلِ: أَقَرَّتْ لَهُ. وَيُقَالُ: قَبَّحَ اللَّهُ أُمًّا نَصَعَتْ [بِهِ] ، أَيْ وَلَدَتْهُ، حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ. وَالْمَنَاصِعُ: الْمَجَالِسُ: سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا فِي أَسْهَلِ الْمَوَاضِعِ وَأَمْكَنِهَا.
وَشَذَّ عَنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: أَنْصَعَ: اقْشَعَرَّ. قَالَ:
حَتَّى اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ وَأَنْصَعَا.

(نَصَفَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى شَطْرِ الشَّيْءِ، وَالْأُخْرَى عَلَى جِنْسٍ مِنَ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

(5/431)


فَالْأَوَّلُ نِصْفُ الشَّيْءِ وَنَصِيفُهُ: شَطْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ، وَذَلِكَ كَثُمْنٍ وَثَمِينٍ. قَالَ:
لَمْ يَغْذُهَا مُدٌّ وَلَا نَصِيفُ ... وَلَا تُمَيْرَاتٌ وَلَا تَعْجِيفُ
وَيُقَالُ: إِنَاءٌ نَصْفَانُ: بَلَغَ الْمَاءُ نِصْفَهُ. وَالنَّصَفُ: بَيْنَ الْمُسِنَّةِ وَالْحَدَثَةِ، أَيْ بَلَغَتْ نِصْفَ عُمْرِهَا. وَالْإِنْصَافُ فِي الْمُعَامَلَةِ، كَأَنَّهُ الرِّضَا بِالنِّصْفِ. وَالنِّصْفُ: الْإِنْصَافُ أَيْضًا. وَنَصَفَ النَّهَارُ يَنْصُفُ: انْتَصَفَ. قَالَ:
نَصَفَ النَّهَارُ الْمَاءُ غَامِرُهُ ... وَرَفِيقُهُ بِالْغَيْبِ لَا يَدْرِي
وَنَصَفَ الْإِزَارُ سَاقَهُ: بَلَغَ نِصْفَهَا يَنْصُفُهَا. قَالَ:
تَرَى سَيْفَهُ لَا يَنْصُفُ السَّاقَ نَعْلُهُ ... أَجَلْ لَا وَإِنْ كَانَتْ طِوَالًا مَحَامِلُهُ.

(نَصَلَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى بُرُوزِ الشَّيْءِ مِنْ كِنٍّ وَسِتْرٍ أَوْ مَرْكَبٍ.
وَنَصَلَ الْحَافِرُ: خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ. وَنَصَلَ الْخِضَابُ. وَمِنْهُ تَنَصَّلَ مِنْ ذَنْبِهِ: تَبَرَّأَ، كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ. وَالنَّصْلُ: نَصْلُ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ، سُمِّيَ بِهِ لِبُرُوزِهِ

(5/432)


وَصَفَائِهِ وَجَلَائِهِ. يُقَالُ فِي تَصْرِيفِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَنْصَلْتُ الرُّمْحَ: نَزَعْتُ نَصْلَهُ. وَنَصَلْتُهُ: جَعَلْتُ لَهُ نَصْلًا. وَالْمُنْصَُلُ: السَّيْفُ. قَالَ فِي أَنْصَلْتُ:
تَدَارَكَهُ فِي مُنْصِلِ الْأَلِّ بَعْدَمَا ... مَضَى غَيْرَ دَأْدَاءٍ وَقَدْ كَادَ يَعْطَبُ
أَرَادَ: رَجَبٌ، كَانَ يُسَمَّى مُنْصِلَ الْأَسِنَّةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُحَارِبُونَ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْصَُلِ:
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ خَيْرِ عَبْسٍ مَنْصِبًا ... شَطْرِي وَأَحْمِي سَائِرِي بِالْمُنْصَُلِ
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّشْبِيهِ: النَّصِيلُ: مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالرَّأْسِ مِنْ بَاطِنٍ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ.

(نَصَا) النُّونُ وَالصَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ - وَهَذَا الْمُعْتَلُّ أَكْثَرُهُ وَاوٌ - أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَخَيُّرٍ وَخَطَرٍ فِي الشَّيْءِ وَعُلُوٍّ. وَمِنْهُ النَّصِيَّةُ مِنَ الْقَوْمِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الْخِيَارُ. وَيُقَالُ انْتَصَيْتُ الشَّيْءَ: اخْتَرْتُهُ. وَهَذِهِ نَصِيَّتِي: خِيَرَتِي. وَمِنْهُ النَّاصِيَةُ: سُمِّيَتْ لِارْتِفَاعِ مَنْبَتِهَا. وَالنَّاصِيَةُ: قُصَاصُ الشَّعْرِ.
وَفِي تَصْرِيفِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: نَصَوْتُ فُلَانًا: قَبَضْتُ عَلَى نَاصِيَتِهِ. وَنَاصَيْتُهُ: أَخَذَ كُلٌّ مِنَّا بِنَاصِيَةِ صَاحِبِهِ. وَمَفَازَةٌ تُنَاصِي أُخْرَى مِنْ هَذَا، كَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِهَا كَالْقَابِضَةِ عَلَى نَاصِيَتِهَا. وَهُوَ تَشْبِيهٌ. وَانْتَصَى الشَّعْرُ: طَالَ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ:

(5/433)


" مَا لَكُمْ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ " فَإِنَّهَا أَرَادَتْ تَمُدُّونَ نَاصِيَتَهُ، كَأَنَّهَا كَرِهَتْ تَسْرِيحَ رَأْسِ الْمَيِّتِ.

(نَصَبَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِقَامَةِ شَيْءٍ وَإِهْدَافٍ فِي اسْتِوَاءٍ. يُقَالُ: نَصَبْتُ الرُّمْحَ وَغَيْرَهُ أَنْصِبُهُ نَصْبًا. وَتَيْسٌ أَنْصَبُ، وَعَنْزٌ نَصْبَاءُ، إِذَا انْتَصَبَ قَرْنَاهَا وَنَاقَةٌ نَصْبَاءُ: مُرْتَفِعَةُ الصَّدْرِ. وَالنَّصْبُ: حَجَرٌ كَانَ يُنْصَبُ فَيُعْبَدُ، وَيُقَالُ هُوَ النُّصُبُ، وَهُوَ حَجَرٌ يُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّنَمِ تُصَبُّ عَلَيْهِ دِمَاءُ الذَّبَائِحِ لِلْأَصْنَامِ. وَالنَّصَائِبُ: حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوَالَيْ شَفِيرِ الْبِئْرِ فَتُجْعَلُ عَضَائِدَ.
وَمِنَ الْبَابِ النَّصَبُ: الْعَنَاءُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَزَالُ مُنْتَصِبًا حَتَّى يُعْيِيَ. وَغُبَارٌ مُنْتَصِبٌ: مُرْتَفِعٌ. وَالنَّصِيبُ: الْحَوْضُ يُنْصَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ. فَأَمَّا نِصَابُ الشَّيْءِ فَهُوَ أَصْلُهُ ; وَسُمِّيَ نِصَابًا لِأَنَّ نَصْلَهُ إِلَيْهِ يُرْفَعُ، وَفِيهِ يُنْصَبُ وَيُرَكَّبُ، كَنِصَابِ السِّكِّينِ وَغَيْرِهِ. وَالنَّصِيبُ: الْحَظُّ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: هَذَا نَصِيبِي، أَيْ حَظِّي. وَهُوَ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ الشَّيْءُ الَّذِي رُفِعَ لَكَ وَأَهْدَفَ. وَالنَّصْبُ: جِنْسٌ مِنَ الْغِنَاءِ، وَلَعَلَّهُ مِمَّا يُنْصَبُ، أَيْ يُعَلَّى بِهِ الصَّوْتُ. وَبَلَغَ الْمَالُ النِّصَابَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَأَنَّهُ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَارْتَفَعَ إِلَيْهِ. وَيَقُولُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْفَتْحِ هُوَ النَّصْبُ، كَأَنَّ الْكَلِمَةَ تَنْتَصِبُ فِي الْفَمِ انْتِصَابًا.

(نَصَتَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى السُّكُوتِ. وَأَنْصَتَ لِاسْتِمَاعِ الْحَدِيثِ، وَنَصَتَ يَنْصِتُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَنْصِتُوا.

(5/434)


(نَصَحَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مُلَاءَمَةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَإِصْلَاحٍ لَهُمَا. أَصْلُ ذَلِكَ النَّاصِحُ: الْخَيَّاطُ. وَالنِّصَاحُ: الْخَيْطُ يُخَاطُ بِهِ، وَالْجَمْعُ نِصَاحَاتٌ، وَبِهَا شُبِّهَتِ الْجُلُودُ الَّتِي تُمَدُّ فِي الدِّبَاغِ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ:
فَتَرَى الْقَوْمَ نَشَاوَى كُلُّهُمْ ... مِثْلَمَا مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ
وَمِنْهُ النُّصْحُ وَالنَّصِيحَةُ: خِلَافُ الْغِشِّ. وَنَصَحْتُهُ أَنْصَحُهُ. وَهُوَ نَاصِحُ الْجَيْبِ لِمَثَلٍ، إِذَا وُصِفَ بِخُلُوصِ الْعَمَلِ، وَالتَّوْبَةُ النَّصُوحِ مِنْهُ، كَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا ثُلْمَةٌ وَيُقَالُ: أَنْصَحْتُ الْإِبِلَ، إِذَا أَرَوَيْتَهَا فَنَصَحَتْ، أَيْ رَوِيَتْ. وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَنَاصِحُ الْعَسَلِ: مَاذِيُّهُ، كَأَنَّهُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا يَتَخَلَّلُهُ مَا يَشُوبُهُ. وَنَصَحْتُ لَهُ وَنَصَحْتُهُ بِمَعْنًى. وَقَمِيصٌ مَنْصُوحٌ: مَخِيطٌ.

(نَصَرَ) النُّونُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِتْيَانِ خَيْرٍ وَإِيتَائِهِ. وَنَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ: آتَاهُمُ الظَّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، يَنْصُرُهُمْ نَصْرًا. وَانْتَصَرَ: انْتَقَمَ، وَهُوَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَصَرْتُ بَلَدَ كَذَا، إِذَا أَتَيْتَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ فَوَدِّعِي ... بِلَادَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ
وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْمَطَرُ نَصْرًا. وَنُصِرَتِ الْأَرْضُ، فَهِيَ مَنْصُورَةٌ. وَالنَّصْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ:

(5/435)


إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ... لَقَائِلٌ يَا نَصْرُ نَصْرًا نَصْرَا.

[بَابُ النُّونِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَضَلَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَاللَّامُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى رَمْيٍ وَمُرَامَاةٍ.
وَنَضَلَ فُلَانًا: رَامَاهُ بِالنِّضَالِ فَغَلَبَهُ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ يُنَاضِلُ عَنْ فُلَانٍ: يَتَكَلَّمُ عَنْهُ بِعُذْرِهِ، كَأَنَّهُ يُرَامِي دُونَهُ. وَانْتَضَلْتُ سَهْمًا مِنَ الْكِنَانَةِ. وَيُقَالُ اسْتِعَارَةً: انْتَضَلْتُ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ: اخْتَرْتُ مِنْهُمْ. وَانْتِضَالُ الْإِبِلِ: رَمْيُهَا بِأَيْدِيهَا فِي السَّيْرِ. وَانْتَضَلُوا وَتَنَاضَلُوا: رَمَوْا بِالسَّبْقِ. وَانْتَضَلْنَا بِالْكَلَامِ وَالْأَحَادِيثِ، اسْتِعَارَةٌ مِنْ نِضَالِ السَّهْمِ. قَالَ لَبِيدٌ:
فَانْتَضَلْنَا وَابْنُ سَلْمَى قَاعِدٌ ... كَعَتِيقِ الطَّيْرِ يُغْضِي وَيُجَلُّ.

(نَضَا) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ وَأَكْثَرُهُ الْوَاوُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَرْيِ الشَّيْءِ وَتَدْقِيقِهِ وَتَجْرِيدِهِ. مِنْهُ نَضَا السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ. وَنَضَا السَّهْمُ: مَضَى. وَنَضَا الْفَرَسُ الْخَيْلَ: سَبَقَهَا، كَأَنَّهُ انْجَرَدَ مِمَّا بَيَّنَهَا. وَنَضَا الْحِنَّاءُ عَنِ الْيَدِ: ذَهَبَ. وَنَضَوْتُ ثَوْبِي: أَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا ... لَدَى السِّتْرِ إِلَّا لِبْسَةَ الْمُتَفَضِّلِ

(5/436)


وَالنِّضْوُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّذِي أَنَضَتْهُ الْأَسْفَارُ: كَأَنَّهُ بَرَتْهُ وَجَرَّدَتْهُ مِنَ اللَّحْمِ. وَأَنْضَى الرَّجُلُ: أَصْبَحَ بَعِيرُهُ نِضْوًا. وَمِنْهُ أَنْضَيْتُ الشَّيْءَ: أَخَلَقْتُهُ. وَنِضْوُ اللِّجَامِ: حَدَائِدُهُ بِلَا سُيُورٍ. وَنَضِيُّ السَّهْمِ: قِدْحُهُ، وَهُوَ مَا جَاوَزَ الرِّيشَ إِلَى النَّصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بُرِيَ حَتَّى صَارَ نِضْوًا. وَنَضِيُّ الرُّمْحِ: مَا فَوْقَ الْمَقْبِضِ مِنْ صَدْرِهِ. وَالنَّضِيُّ: مُنْتَصَبُ الْعُنُقِ، وَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَالْجَمْعُ أَنْضِيَةٌ. قَالَ:
وَطُولِ أَنْضِيَةِ الْأَعْنَاقِ وَاللِّمَمِ.

(نَضَبَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْكِشَافِ شَيْءٍ وَذَهَابِهِ. وَنَضَبَ الْمَاءُ: بَعُدَ، نُضُوبًا. وَنَضَبَتِ الْمَفَازَةُ، كَأَنَّهَا انْجَرَدَتْ. وَخَرْقٌ نَاضِبٌ: بَعِيدٌ.
وَشَذَّ عَنْهُ التَّنْضَبُ: شَجَرٌ.

(نَضِجَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى بُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي طَبْخِ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلَغَ مَدَى الْإِحْكَامِ. وَنَضِجَ التَّمْرُ وَاللَّحْمُ نُضْجًا، وَأَنْضَجْتُهُ أَنَا. وَأَنْضَجَتْهُ الشَّمْسُ إِنْضَاجًا. وَيُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: هُوَ نَضِيجُ الرَّأْيِ: مُحْكَمُهُ. وَالنَّاقَةُ إِذَا جَاوَزَتْ وَقْتَ وِلَادِهَا وَلَمْ تَلِدْ نَضَّجَتْ، وَهِيَ مُنَضَّجٌ، وَهُنَّ مُنَضِّجَاتٌ. قَالَ:

(5/437)


هُوَ ابْنُ مُنَضِّجَاتٍ كُنَّ قِدْمًا ... يَزِدْنَ عَلَى الْعَدِيدِ قُرَابَ شَهْرِ.

(نَضَحَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ يُنَدَّى، وَمَاءٌ يُرَشُّ. فَالنَّضْحُ: رَشُّ الْمَاءِ. وَنَضَحْتُهُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ لِكُلِّ مَا رَقَّ: نَضْحٌ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ الرَّشَّ رَقِيقٌ. يُقَالُ: نَضَحْتُ الْبَيْتَ بِالْمَاءِ. وَنَضَحَ جِلْدُهُ بِالْعَرَقِ. وَالسَّانِيَةُ نَاضِحٌ.
وَنَضَحُوهُمْ بِالنَّبْلِ، وَهَذَا عَلَى جِهَةِ التَّشْبِيهِ. وَنَضَحَ عَنْ نَفْسِهِ، كَأَنَّهُ رَامَى عَنْهَا بِالْحُجَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «انْضَحُوا عَنَّا الْخَيْلَ لَا نُؤْتَى مِنْ خَلْفِنَا "،» أَيِ ارْمُوهُمْ بِالنُّشَّابِ. وَالنَّضِيحُ وَالنَّضَحُ: الْحَوْضُ، لِأَنَّهُ يُنْضَحُ بِالْمَاءِ. وَنَضَحَ الْغَضَا: تَفَطَّرَ، وَكَأَنَّ سُقُوطَ نَوْرِهِ يُشَبَّهُ بِنَضْحِ الْمَاءِ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ:
بُورِكَ الْمَيِّتُ الْغَرِيبُ كَمَا بُو ... رِكَ نَضْحُ الرُّمَّانِ وَالزَّيْتُونُ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سُمِّيَ الْحَوْضُ نَضِيحًا لِأَنَّهُ يَنْضَحُ عَطَشَ الْإِبِلِ، أَيْ يَبُلُّهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالرَّجُلُ يُقْرَفُ بِأَمْرٍ فَيَنْتَضِحُ مِنْهُ، إِذَا أَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ وَبَرَّأَ نَفْسَهُ مِنْهُ جَهْدَهُ.

(نَضَخَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْخَاءُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. يَقُولُونَ: النَّضْخُ كَاللَّطْخِ مِنَ الشَّيْءِ يُبْقَى لَهُ أَثَرٌ. وَنَضَخَ ثَوْبَهُ بِالطِّيبِ. وَغَيْثٌ نَضَّاخٌ: غَزِيرٌ. وَعَيْنٌ نَضَّاخَةٌ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ.

(5/438)


(نَضَدَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمِّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ فِي اتِّسَاقٍ وَجَمْعٍ، مُنْتَصِبًا أَوْ عَرِيضًا. وَنَضَدْتُ الشَّيْءَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ مُتَّسِقًا أَوْ مِنْ فَوْقٍ. وَالنَّضَدُ: الْمَنْضُودُ مِنَ الثِّيَابِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
خَلَّتْ سَبِيلَ أَتِيٍّ كَانَ يَحْبِسُهُ ... وَرَفَّعَتْهُ إِلَى السَّجْفَيْنِ فَالنَّضَدِ
وَالنَّضَدُ: السَّرِيرُ يُنْضَدُ عَلَيْهِ الْمَتَاعُ. وَأَنْضَادُ الْجِبَالِ: جَنَادِلُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَالنَّضَدُ مِنَ السَّحَابِ كَالصَّبِيرِ، يَكُونُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَالْجَمْعُ أَنْضَادٌ. وَأَنْضَادُ الْقَوْمِ: جَمَاعَاتُهُمْ وَعَدَدُهُمْ. وَنَضَدُ الرَّجُلِ: أَعْمَامُهُ وَأَخْوَالُهُ الَّذِينَ يَتَجَمَّعُونَ لِنُصْرَتِهِ. وَالنَّضَدُ: الشَّرَفُ. وَنَضَائِدُ الدِّيبَاجِ: جَمْعُ نَضِيدَةٍ، وَهِيَ الْوِسَادَةُ وَمَا حُشِيَ مِنَ الْمَتَاعِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَمَا نُضِدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَهُوَ نَضِيدٌ.

(نَضَرَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حُسْنٍ وَجَمَالٍ وَخُلُوصٍ. مِنْهُ النَّضْرَةُ: حُسْنُ اللَّوْنِ، وَنَضَُِرَ يَنْضَُرُ. وَنَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ: حَسَّنَهُ وَنَوَّرَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ".» وَأَخْضَرُ نَاضِرٌ. وَيُقَالُ هَذَا فِي [كُلِّ] مُشْرِقٍ حَسَنٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. وَالنَّضِيرُ: الذَّهَبُ، لِحُسْنِهِ وَخُلُوصِهِ. قَالَ:
إِذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا حَسِبْتَ خَمِيصَةً ... عَلَيْهَا وَجِرْيَالَ النَّضِيرِ الدُّلَامِصَا
وَقَدَحٌ نُضَارٌ: اتُّخِذَ مِنْ أَثْلٍ يَكُونُ بِالْغَوْرِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا.

(5/439)


[بَابُ النُّونِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَطَعَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى بَسْطٍ فِي شَيْءٍ وَمَلَاسَةٍ. مِنْهُ النِّطْعُ، وَيُقَالُ لَهُ النَّطْعُ، وَهُوَ مَبْسُوطٌ أَمْلَسُ. وَالنَِّطْعُ: مَا ظَهَرَ مِنْ غَارِ الْفَمِ الْأَعْلَى. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَالتَّنَطُّعُ فِي الْكَلَامِ: التَّعَمُّقُ، وَهُوَ قِيَاسُهُ لِأَنَّهُ يُتَبَسَّطُ فِيهِ. وَيُسْتَعَارُ، فَيُقَالُ: تَنَطَّعَ الصَّانِعُ فِي صَنْعَتِهِ، أَظْهَرَ حِذْقَهُ.

(نَطَفَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ أَحَدُهُمَا جِنْسٌ مِنَ الْحَلْيِ، وَالْآخَرُ نُدُوَّةٌ وَبَلَلٌ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ وَيُتَوَسَّعُ فِيهِ.
فَالْأَوَّلُ: النَّطَفُ. يُقَالُ هُوَ اللُّؤْلُؤُ، الْوَاحِدَةُ نَطَفَةٌ. وَيُقَالُ: بَلِ النَّطَفُ: الْقِرَطَةُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النُّطْفَةُ: الْمَاءُ الصَّافِي. وَلَيْلَةٌ نَطُوفٌ: مَطَرَتْ حَتَّى الصَّبَاحِ. وَالنِّطَافُ: الْعَرَقُ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ النَّطَفُ: التَّلَطُّخُ. وَلَا يَكَادُ يُقَالُ إِلَّا فِي الْقَبِيحِ وَالْعَيْبِ. وَيُقَالُ نَطِفٌ، أَيْ مَعِيبٌ. وَنَطِفَ الشَّيْءُ: فَسَدَ.

(نَطَقَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا كَلَامٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ اللِّبَاسِ.

(5/440)


الْأَوَّلُ الْمَنْطِقُ، وَنَطَقَ يَنْطِقُ نُطْقًا. وَيَكُونُ هَذَا لِمَا لَا نَفْهَمُهُ نَحْنُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16] . وَالْآخَرُ النِّطَاقُ: إِزَارٌ فِيهِ تِكَّةٌ. وَتُسَمَّى الْخَاصِرَةُ: النَّاطِقَةَ، لِأَنَّهَا بِمَوْضِعِ النِّطَاقِ. وَيُقَالُ لِلشَّاةِ الَّتِي يُعْلَمُ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِ النِّطَاقِ بِحُمْرَةٍ: مُنَطَّقَةٌ. وَذَاتُ النِّطَاقِ: أَكَمَةٌ لَهُمْ. وَالْمِنْطَقُ: كُلُّ مَا شَدَدْتَ بِهِ وَسَطَكَ. وَالْمِنْطَقَةُ: اسْمٌ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ. وَجَاءَ فُلَانٌ مْنْتَطِقًا فَرَسَهُ، إِذَا جَانَبَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهُ، كَأَنَّهُ عِنْدَ النِّطَاقِ مِنْهُ، إِذْ كَانَ بِجَنْبِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:
أَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي ... عَلَى الْأَعْدَاءِ مُنْتَطِقًا مُجِيدَا
فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهِ هَذَا، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَجْنُبُ فَرَسًا جَوَادًا. وَيُقَالُ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ، أَيْ مُنْتَطِقٌ قَائِلٌ مَنْطِقًا فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَوْمِي. وَيَقُولُونَ - وَهُوَ مِنَ الثَّانِي - " مَنْ يَطُلْ ذَيْلُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ "، وَهُوَ مَثَلٌ، أَيْ مَنْ كَثُرَ بَنُو أَبِيهِ أَعَانُوهُ.

(نَطَلَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: النَّاطِلُ: مِكْيَالٌ مِنْ مَكَايِيلِ الْخَمْرِ. وَيُقَالُ: بَلِ النَّاطِلُ: الْفَضْلَةُ تَبْقَى فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ:

(5/441)


وَلَوْ أَنَّ مَا عِنْدَ ابْنِ بُجْرَةَ عِنْدَهَا ... مِنَ الْخَمْرِ لَمْ تَبْلُلْ لَهَاتِي بِنَاطِلِ
وَيَقُولُونَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا: إِنَّ النَّيْطَلَ: الدَّلْوُ، وَالدَّاهِيَةُ.

(نَطَيَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَبَاعُدٍ فِي الشَّيْءِ وَتَطَاوُلٍ. وَأَرْضٌ نَطِيَّةٌ: بَعِيدَةٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
تَرَوَّحَ مِنْ أَرْضٍ لِأَرْضٍ نَطِيَّةٍ ... لِذِكْرَةِ قَيْضٍ حَوْلَ بَيْضٍ مُفَلَّقِ
وَأَنْطَاهُ، إِذَا أَعْطَاهُ. وَمَنْ أَعْطَى أَحَدًا شَيْئًا فَقَدْ جَعَلَ الشَّيْءَ عَنْ نَفْسِهِ بَعِيدًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، مِنَ الْإِعْطَاءِ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا: لَا تُنَاطِ الرِّجَالَ، أَيْ لَا تَمَرَّسْ بِهِمْ وَتُطَاوِلْهُمُ الْعَدَاوَةَ.

(نَطَحَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ نَطَحَ. يُقَالُ: نَطَحَ الْكَبْشُ يَنْطِحُ. وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لِلْوَحْشِيِّ إِذَا أَتَاكَ مُسْتَقْبِلًا لَكَ: نَطِيحٌ وَنَاطِحٌ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمَشْئُومِ: نَطِيحٌ. وَفَرَسٌ نَطِيحٌ: يَأْخُذُ فَوْدَيْ رَأْسِهِ بَيَاضٌ.
وَمِنَ الْبَابِ نَوَاطِحُ الدَّهْرِ، أَيْ شَدَائِدُهُ، وَأَصَابَهُ نَاطِحٌ: أَمْرٌ شَدِيدٌ. وَقِيَاسُ كُلِّ وَاحِدٍ. وَيُقَالُ لِلشَّرَطَيْنِ: النَّطْحُ وَالنَّاطِحُ. وَقَوْلُهُمْ:
اللَّيْلُ دَاجٍ وَالْكِبَاشُ تَنْتَطِحْ
أَيْ يَنْطَِحُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَهَذَا عِبَارَةٌ عَنِ اقْتِتَالِ الْأَبْطَالِ، وَاصْطِدَامِ الْكُمَاةِ. وَتَنَاطَحَتِ الْأَمْوَاجُ وَالسُّيُولُ وَالرِّجَالُ فِي الْحَرْبِ.

(5/442)


(نَطَسَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ. التَّنَطُّسُ، وَهُوَ التَّقَذُّرُ وَالتَّقَزُّزُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قِيلَ لَهُ أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: " لَوْلَا التَّنَطُّسُ مَا بِالْبَيْتُ أَلَّا أَغْسِلَ يَدَيَّ ".
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى النَّطِيسُ وَالنِّطَاسِيُّ: الْعَالَمُ. وَتَنَطَّسْتُ الْأَخْبَارَ: تَجَسَّسْتُهَا.

(نَطَشَ) النُّونُ وَالطَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ وَقُوَّةٍ. يَقُولُونَ: النَّطْشُ: شِدَّةُ الْجَبْلَةِ. وَمَا بِهِ نَطِيشٌ، أَيْ قُوَّةٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَوْلُهُمْ: عَطْشَانُ نَطْشَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا بِهِ نَطِيشٌ، أَيْ حَرَكَةٌ.

[بَابُ النُّونِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَظُفَ) النُّونُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: شَيْءٌ نَظِيفٌ: نَقِيٌّ، بَيِّنُ النَّظَافَةِ. وَقَدْ نَظُفَ يَنْظُفُ. وَاسْتَنْظَفْتُ مَا عِنْدَ فُلَانٍ: اسْتَوْفَيْتُهُ وَأَخَذْتُهُ كُلَّهُ. وَنَظَّفْتُهُ: نَقَّيْتُهُ، تَنْظِيفًا.

(نَظَمَ) النُّونُ وَالظَّاءُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْلِيفِ شَيْءٍ وَتَأْلِيفِهِ، وَنَظَمْتُ الْخَرَزَ نَظْمًا، وَنَظَمْتُ الشِّعْرَ وَغَيْرَهُ. وَالنِّظَامُ: الْخَيْطُ يَجْمَعُ الْخَرَزَ. وَالنِّظَامَانِ مِنَ الضَّبِّ: كُشْيَتَانِ مِنْ جَنْبَيْهِ، مَنْظُومَانِ مِنْ أَصْلِ الذَّنَبِ إِلَى الْأُذُنِ.

(5/443)


وَأَنْظَمَتِ الدَّجَاجَةُ: صَارَ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ. وَيُقَالُ لِكَوَاكِبِ الْجَوْزَاءِ: نَظْمٌ. وَجَاءَنَا نَظْمٌ مِنْ جَرَادٍ: أَيْ كَثِيرٌ.

(نَظَرَ) النُّونُ وَالظَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَرْجِعُ فُرُوعُهُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ تَأَمُّلُ الشَّيْءِ وَمُعَايَنَتُهُ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ وَيُتَّسَعُ فِيهِ. فَيُقَالُ: نَظَرْتُ إِلَى الشَّيْءِ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، إِذَا عَايَنْتَهُ. وَحَيٌّ حِلَالٌ نَظَرٌ: مُتَجَاوِرُونَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وَيَقُولُونَ: نَظَرْتُهُ، أَيِ انْتَظَرْتُهُ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ. قَالَ:
فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ لَيْلَةً ... مِنَ الدَّهْرِ يَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
وَمِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ قَوْلُهُمْ: نَظَرَتِ الْأَرْضُ: أَرَتْ نَبَاتَهَا. وَهَذَا هُوَ [الْقِيَاسُ. وَ] يَقُولُونَ: نَظَرَتْ بِعَيْنٍ. وَمِنْهُ نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَى بَنِي فُلَانٍ فَأَهْلَكَهُمْ. [وَ] هَذَا نَظِيرُ هَذَا، مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ ; أَيْ إِنَّهُ إِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ وَإِلَى نَظِيرِهِ كَانَا سَوَاءً. وَبِهِ نَظْرَةٌ، أَيْ شُحُوبٌ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ نُظِرَ إِلَيْهِ فَشَحَبَ لَوْنُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ النُّونِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَعَفَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ فِي شَيْءٍ. مِنْهُ النَّعْفُ: مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ فِي اعْتِرَاضٍ. وَالنَّعْفَةُ: ذُؤَابَةُ الرَّحْلِ، سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا سَامِيَةٌ.

(5/444)


وَانْتَعَفَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ، إِذَا تَرَكَهُ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنَّهُ سَمَا بِنَفْسِهِ عَنْهُ.
وَمِنَ الْكَلِمَةِ الْأُولَى نَاعَفْتُ الرَّجُلَ: عَارَضْتُهُ. وَتَنَعَّفَ الرَّجُلُ: ارْتَقَى نَعْفًا.

(نَعَقَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ. وَنَعَقَ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ يَنْعَقُ وَيَنْعِقِ، إِذَا صَاحَ بِهِ زَجْرًا، نَعِيقًا.

(نَعَلَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَاللَّامُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اطْمِئْنَانٍ فِي الشَّيْءِ وَتَسَفُّلٍ. مِنْهُ النَّعْلُ الْمَعْرُوفَةُ، لِأَنَّهَا فِي أَسْفَلِ الْقَدَمِ. وَرَجُلٌ نَاعِلٌ ذُو نَعْلٍ، وَمُنْتَعِلٌ أَيْضًا. وَأَنْعَلْتُ الدَّابَّةَ. وَلَا يُقَالُ نَعَلْتُ. وَحِمَارُ الْوَحْشِ نَاعِلٌ لِصَلَابَةِ حَافِرِهِ. وَالنَّعْلُ لِلسَّيْفِ: مَا يَكُونُ أَسْفَلَ قِرَابِهِ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ فِضَّةٍ. [قَالَ] :
تَرَى سَيْفَهُ لَا يَنْصُفُ السَّاقَ نَعْلُهُ ... أَجَلْ [لَا] وَإِنْ كَانَتْ طِوَالًا مَحَامِلُهْ
وَفَرَسٌ مُنْعَلٌ: بَيَاضُهُ فِي أَسْفَلِ رُسْغِهِ عَلَى الْأَشْعَرِ لَا يَعْدُوهُ. وَالنَّعْلُ: عَقَبٌ يُلْبَسُ ظَهْرَ السِّيَةِ مِنَ الْقَوْسِ. وَالنَّعْلُ مِنَ الْأَرْضِ: مَوْضِعٌ، يُقَالُ هِيَ الْحَرَّةُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَالنَّعْلُ: الذَّلِيلُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يُوطَأُ كَمَا يُوطَأُ النَّعْلُ.

(5/445)


(نَعِمَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ فُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ، وَعِنْدَنَا أَنَّهَا عَلَى كَثْرَتِهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى تَرَفُّهٍ وَطِيبِ عَيْشٍ وَصَلَاحٍ. مِنْهُ النِّعْمَةُ: مَا يُنْعِمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ بِهِ مِنْ مَالٍ وَعَيْشٍ. يُقَالُ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ نِعْمَةٌ. وَالنِّعْمَةُ: الْمِنَّةُ، وَكَذَا النَّعْمَاءُ. وَالنَّعْمَةُ: التَّنَعُّمُ وَطِيبُ الْعَيْشِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان: 27] . وَالنُّعَامَى: الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ. وَالنَّعَمُ: الْإِبِلُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّعَمُ ذَكَرٌ لَا يُؤَنَّثُ فَيَقُولُونَ: هَذَا نَعَمٌ وَارِدٌ ; وَتُجْمَعُ أَنْعَامًا. وَالْأَنْعَامُ: الْبَهَائِمُ، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ. وَالنَّعَامَةُ مَعْرُوفَةٌ. لِنَعْمَةِ رِيشِهَا. وَعَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ النَّعَامَةُ، وَهِيَ كَالظُّلَّةِ تُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ الْجَبَلِ، يُسْتَظَلُّ بِهَا. قَالَ:
لَا شَيْءَ فِي رَيْدِهَا إِلَّا نَعَامَتُهَا ... مِنْهَا هَزِيمٌ وَمِنْهَا قَائِمٌ بِاقِ
وَيَقُولُونَ: نَعَمْ وَنُعْمَى عَيْنٍ، وَنُعْمَةَ عَيْنٍ، أَيْ قُرَّةَ عَيْنٍ. وَنَعِمَ الشَّيْءُ مِنَ النَّعْمَةِ. وَقَدْ نَعَّمَ فُلَانٌ أَوْلَادَهُ: تَرَّفَهُمْ. وَيَقُولُونَ: ابْنُ النَّعَامَةِ: صَدْرُ الْقَدَمِ. قَالَ:
فَيَكُونُ مَرْكَبُكَ الْقَعُودَ وَرَحْلَهُ ... وَابْنُ النَّعَامَةِ يَوْمَ ذَلِكَ مَرْكَبِي
وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَكَانٌ لَيِّنٌ نَاعِمٌ. وَتَنَعَّمَ الرَّجُلُ: مَشَى حَافِيًا. وَيُعَبَّرُ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالنَّعَامَةِ فَيُقَالُ: شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ، إِذَا تَفَرَّقُوا. وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، أَيْ كَمَا تَطِيرُ النَّعَامَةُ فَقَدْ تَفَرَّقُوا هَؤُلَاءِ. وَيَقُولُونَ: أَتَيْتُ أَرْضَ بَنِي فُلَانٍ فَتَنَعَّمَتْنِي

(5/446)


إِذَا وَافَقَتْهُ. وَنِعْمَ: ضِدُّ بِئْسَ. وَيَقُولُونَ: إِنْ فَعَلْتَ ذَاكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، أَيْ نِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، جَوَابُ الْوَاجِبِ، ضِدُّ لَا، وَهِيَ أَيْضًا مِنَ النِّعْمَةِ.
وَعَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ النَّعَائِمُ: كَوْكَبٌ. وَالنَّعَائِمُ، خَشَبَاتٌ يُنْصَبْنَ عَلَى الرَّكِيِّ تُعَلَّقُ إِلَيْهِنَّ الْقَامَةُ، إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلرَّكِيِّ زَرَانِيقُ. وَيُقَالُ: إِنَّ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ حَمَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: بَلِ النُّعْمَانُ هَاهُنَا: الدَّمُ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " تَنَعَّمْتُ زَيْدًا: طَلَبْتُهُ "، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَعْمَلَ إِلَيْهِ نَعَامَتَهُ، وَهِيَ بَاطِنُ قَدَمِهِ. وَيَقُولُونَ: نَعِمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، [وَنَعِمَكَ عَيْنًا] ، بِمَعْنَى.

(نَعَى) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِشَاعَةِ شَيْءٍ. مِنْهُ النَّعِيُّ: خَبَرُ الْمَوْتِ، وَكَذَا الْآتِي بِخَبَرِ الْمَوْتِ يُقَالُ لَهُ نَعِيٌّ أَيْضًا.
وَيُقَالُ: نَعَاءِ فُلَانًا، أَيِ انْعَهُ. قَالَ:
نَعَاءِ جُذَامًا غَيْرَ مَوْتٍ وَلَا قَتْلِ ... وَلَكِنْ فِرَاقًا لِلدَّعَائِمِ وَالْأَصْلِ
وَمِنَ الْبَابِ: هُوَ يَنْعَى عَلَى فُلَانٍ، إِذَا وَبَّخَهُ، كَأَنَّهُ يُشِيعُ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ. وَهُوَ يَسْتَنْعِي الظِّبَاءَ: يَدْعُوهَا، يَتَقَدَّمُهَا فَتَتْبَعُهُ. وَاسْتَنْعَيْتُ الْقَوْمَ، إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِيَتْبَعُوكَ، وَهَذَا عَلَى إِشَاعَةِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ. وَيُقَالُ: شَاعَ ذِكْرُ فُلَانٍ وَاسْتَنْعَى بِمَعْنًى. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتَنْعَى بِفُلَانٍ الشَّرُّ، أَيْ تَتَابَعَ بِهِ الشَّرُّ. وَاسْتَنْعَى بِهِ

(5/447)


[حُبُّ] الْخَمْرِ: تَمَادَى بِهِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْخَمْرَ كَأَنَّهَا دَعَتْهُ وَصَوَّتَتْ بِهِ فَتَبِعَهَا.

(نَعَبَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْبَاءُ: أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ، وَالْآخَرُ عَلَى حَرَكَةٍ مِنَ الْحَرَكَاتِ.
فَالْأَوَّلُ نَعَبَ الْغُرَابُ: صَوَّتَ، نَعْبًا وَنَعِيبًا وَنَعَبَانًا. وَالْآخَرُ فَرَسٌ مِنْعَبٌ: جَوَادٌ. وَنَاقَةٌ نَعَّابَةٌ: سَرِيعَةٌ. وَيُقَالُ: النَّعْبُ: أَنْ تُحَرِّكَ رَأْسَهَا فِي مَشْيِهَا إِلَى قُدَّامِهَا. وَهِيَ نَاقَةٌ نَعُوبٌ.

(نَعَتَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالتَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ النَّعْتُ، وَهُوَ وَصْفُكَ الشَّيْءَ بِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنٍ. كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ، إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ فَيَقُولُ: ذَا نَعْتُ سُوءٍ. قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ جَيِّدٍ بَالِغٍ نَعْتٌ. وَنَاعِتُونَ: مَكَانٌ.

(نَعَجَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ. مِنْهُ النَّعَجُ: الْبَيَاضُ الْخَالِصُ. وَجَمَلٌ نَاعِجٌ ; حَسَنُ اللَّوْنِ كَرِيمٌ. وَمِنْهُ النَّعْجَةُ مِنَ الضَّأْنِ، وَيَكُونُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَمِنْ شَاءِ الْجَبَلِ. يُقَالُ لِإِنَاثِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ نِعَاجٌ. وَنِعَاجُ الرَّمْلِ: الْبَقَرُ. وَنَعِجَ الرَّجُلُ: أَكَلَ لَحْمَ نَعْجَةٍ فَأُتْخِمَ عَنْهُ. قَالَ:
كَأَنَّ الْقَوْمَ عُشُّوا لَحْمَ ضَانٍ ... فَهُمْ نَعِجُونَ قَدْ مَالَتْ طُلَاهُمْ
وَأَنْعَجُوا: سَمِنَتْ نِعَاجُهُمْ. أَمَّا نَوَاعِجُ الْإِبِلِ، فَيُقَالُ هِيَ السِّرَاعُ. وَعِنْدَنَا

(5/448)


أَنَّهَا الْكَرَائِمُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقِيَاسِ. وَامْرَأَةٌ نَاعِجَةٌ: حَسَنَةُ اللَّوْنِ. وَالنَّاعِجَةُ مِنَ الْأَرْضِ: السَّهْلَةُ الْمُسْتَوِيَةُ، وَهِيَ مَكْرُمَةٌ لِلنَّبَاتِ، تُنْبِتُ الرِّمْثَ وَأَطَايِبَ الْعُشْبِ.

(نَعَرَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ: أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ: أَحَدُهُمَا صَوْتٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ، وَالْآخَرُ حَرَكَةٌ مِنَ الْحَرَكَاتِ.
فَالْأَوَّلُ نَعَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ صَوْتٌ مِنَ الْخَيْشُومِ. وَجُرْحٌ نَعَّارٌ وَنَعُورٌ، إِذَا صَوَّتَ دَمُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ. وَالنَّاعُورُ: ضَرْبٌ مِنَ الدِّلَاءِ يُسْتَقَى بِهِ، سُمِّيَ لِصَوْتِهِ.
وَالثَّانِي نَعَرَ فِي الْفِتْنَةِ: سَعَى وَجَاءَ وَذَهَبَ. وَهُوَ نَعَّارٌ فِي الْفِتَنِ: سَعَّاءٌ. وَنَعَرَ فِي الْبِلَادِ: ذَهَبَ. وَهُوَ نَعِيرُ الْهَمِّ: بَعِيدُهُ. وَإِنَّ فِي رَأْسِهِ نُعْرَةً، أَيْ نَخْوَةً وَتَكَبُّرًا، وَرُكُوبَ رَأْسٍ، يَمْضِي بِهِ عَلَى جَهْلِهِ. وَالنُّعَرَةُ: ذُبَابٌ يَقَعُ فِي أُنُوفِ الْبَعِيرِ وَالْخَيْلِ وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ لِنَعِيرِهَا، أَيْ صَوْتِهَا. وَنَعِرَ الْحِمَارُ، وَهُوَ نَعِرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَالشَّدَنِيَّاتُ يُسَاقِطْنَ النُّعَرْ
فَإِنَّهُ شَبَّهَ أَجِنَّتَهَا فِي أَرْحَامِهَا بِذَلِكَ الذُّبَابِ. وَأَنْعَرَ الْأَرَاكُ: أَثْمَرَ، وَكَأَنَّ

(5/449)


ثَمَرَهُ شُبِّهَ بِالنُّعَرِ. وَيُمْكِنُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِهَا الْأَوَّلُ. وَالنَّعَّارُ فِي الْفِتَنِ يَسْعَى فِيهَا وَيُصَوِّتُ بِالنَّاسِ.

(نَعَسَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى وَسَنٍ. وَنَعَسَ يَنْعَُسُ نُعَاسًا. وَنَاقَةٌ نَعُوسٌ، تُوصَفُ بِالسَّمَاحَةِ بِالدَّرِّ، لِأَنَّهَا إِذَا دَرَّتْ نَعَسَتْ. قَالَ:
نَعُوسٌ إِذَا دَرَّتْ جَرُوزٌ إِذَا شَتَتْ ... بُوَيْزِلُ عَامٍ أَوْ سَدِيسٌ كَبَازِلِ.

(نَعَشَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعٍ وَارْتِفَاعٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: النَّعْشُ: سَرِيرُ الْمَيِّتِ، كَذَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ. وَمَيِّتٌ مَنْعُوشٌ: مَحْمُولٌ عَلَى النَّعْشِ. وَانْتَعَشَ الطَّائِرُ: نَهَضَ عَنْ عَثْرَتِهِ. يُقَالُ: نَعَشَهُ اللَّهُ وَأَنْعَشَهُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَا يُقَالُ أَنْعَشَهُ. وَبَنَاتُ نَعْشٍ: كَوَاكِبُ. وَهَذَا تَشْبِيهٌ. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: النَّعْشُ شِبْهُ مِحَفَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَلِكُ إِذَا مَرِضَ، لَيْسَ بِنَعْشِ الْمَيِّتِ. وَأَنْشَدَ:
أَلَمْ تَرَ خَيْرَ النَّاسِ أَصْبَحَ نَعْشُهُ ... عَلَى فِتْيَةٍ قَدْ جَاوَزَ الْحَيَّ سَائِرَا

(5/450)


ثُمَّ يَقُولُ:
وَنَحْنُ لَدَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ خُلْدَهُ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَيِّتٍ.

(نَعَضَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالضَّادُ. يَقُولُونَ: النُّعْضُ: نَبْتٌ.

(نَعَطَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ. يَقُولُونَ: نَاعِطٌ: حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ.

(نَعَظَ) النُّونُ وَالْعَيْنُ وَالظَّاءُ. يَقُولُونَ: نَعَظَ الرَّجُلُ يَنْعَظُ نَعْظًا وَنُعُوظًا: تَحَرَّكَ مَا عِنْدَهُ.

[بَابُ النُّونِ وَالْغَيْنِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَغَقَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ. لَيْسَ فِيهِ إِلَّا نَغَقَ الْغُرَابُ نَغِيقًا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: نَاقَةٌ نَغِيقٌ، وَهِيَ الَّتِي تَبْغَُِمُ بُعَيْدَاتِ بَيْنٍ، أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

(نَغَلَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ وَإِفْسَادٍ. النَّغِلُ: الْأَدِيمُ الْفَاسِدُ. يَقُولُونَ: " وَقَدْ يُرْقَعُ النَّغِلُ ". يُقَالُ إِنَّ النَّغَلَ: الْإِفْسَادُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَالنَّمِيمَةُ.

(5/451)


(نَغَمَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالْمِيمُ لَيْسَ إِلَّا النَّغْمَةُ: جَرْسُ الْكَلَامِ وَحُسْنُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ النَّغْمُ. وَتَنَغَّمَ الْإِنْسَانُ بِالْغِنَاءِ وَنَحْوِهِ.

(نَغَى) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَلَامٍ طَيِّبٍ. يَقُولُونَ: هُوَ يُنَاغِي الصَّبِيَّ: يُكَلِّمُهُ بِمَا يَسُرُّهُ وَيُجْذِلُهُ مِنَ الْكَلَامِ. وَمِنْهُ: كَلَّمْتُهُ فَمَا نَغَى بِحَرْفٍ. وَسَمِعْتُ نَغْيَةً. قَالَ:
لَمَّا أَتَانِي نَغْيَةٌ كَالشُّهْدِ
وَمِنْهُ جَبَلٌ يُنَاغِي السَّمَاءَ، كَأَنَّهُ دَانَاهَا فَهُوَ يُكَلِّمُهَا. وَالْمُنَاغَاةُ الْمُغَازَلَةُ.

(نَغَبَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النُّغْبَةُ: الْجُرْعَةُ. وَنَغَبْتُ، إِذَا جَرَعْتَ، وَالْجَمْعُ نُغَبٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ حَمِيرًا وَرَدَتْ مَاءً فَلَمْ تَرْوَ:
حَتَّى إِذَا زَلَجَتْ عَنْ كُلِّ حَنْجَرَةٍ ... إِلَى الْغَلِيلِ وَلَمْ يَقْصَعْنَهُ نُغَبُ.

(نَغِرَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى غَلَيَانٍ وَاغْتِيَاظٍ. وَنَغِرَتِ الْقِدْرُ: غَلَتْ. وَنَغِرَ الرَّجُلُ: اغْتَاظَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ

(5/452)


عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «رُدُّونِي إِلَى أَهْلِي غَيْرَ نَغِرَةٍ» ". وَنَغَرَتِ النَّاقَةُ: ضَمَّتْ مُؤَخَّرَهَا وَمَضَتْ، كَأَنَّهَا اغْتَاظَتْ مِنْ شَيْءٍ فَمَضَتْ لِوَجْهِهَا. وَهُوَ يَتَنَغَّرُ عَلَيْنَا، أَيْ يَتَنَكَّرُ. وَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ. وَفِرَاخُ الْعَصَافِيرِ يُقَالُ لَهَا النَّغَرُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِصَوْتِهَا الْمُتَدَارِكِ، الْوَاحِدَةُ نُغْرَةٌ، وَالذَّكَرُ نُغَرٌ، وَالْجَمْعُ نُغْرَانٌ. قَالَ:
يَحْمِلْنَ أَوْعِيَةَ الْمُدَامِ كَأَنَّمَا ... يَحْمِلْنَهَا بِأَكَارِعِ النُّغْرَانِ
يَصِفُ عَنَاقِيدَ الْعِنَبِ.

(نَغَشَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ وَحَرَكَةٍ. مِنْهُ النَّغَشَانُ: الِاضْطِرَابُ. وَيُقَالُ: دَارٌ تَنْتَغِشُ، لِكَثْرَةِ مَنْ فِيهَا. وَيُقَالُ النُّغَاشِيُّ: الرَّجُلُ الْقَصِيرُ.

(نَغَصَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ عَنِ الْمُرَادِ. وَنَغِصَ الرَّجُلُ: لَمْ يَتِمَّ لَهُ مُرَادُهُ، وَنُغِّصَ عَلَيْهِ. وَالنَّغَصُ يَقُولُونَ: هُوَ أَنْ تُورِدَ إِبِلَكَ الْحَوْضَ فَإِذَا شَرِبَتْ صَرَفْتَهَا وَأَوْرَدْتَ مَكَانَهَا غَيْرَهَا. وَعِنْدَنَا أَنَّ النَّغْصَ أَلَّا تُتْرَكَ تُتَمِّمُ الشُّرْبَ.

(نَغَضَ) النُّونُ وَالْغَيْنُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى هَزٍّ وَتَحْرِيكٍ.

(5/453)


مِنْ ذَلِكَ النَّغَضَانُ: تَحَرُّكُ الْأَسْنَانِ. وَالْإِنْغَاضُ: تَحْرِيكُ الْإِنْسَانِ [رَأْسَهُ] نَحْوَ صَاحِبِهِ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء: 51] . وَالنَّغِْضُ: الظَّلِيمُ ; لِاضْطِرَابِ رَأْسِهِ عِنْدَ مَشْيِهِ. قَالَ:
وَالنَّغِْضُ مِثْلُ الْأَجْرَبِ الْمُدَجَّلِ
وَالنَّاغِضُ وَالنُّغْضُ: غُرْضُوفُ الْكَتِفِ. سُمِّيَ لِاضْطِرَابِهِ، وَيَكُونُ لِلْأُذُنِ أَيْضًا. وَالنَّغُوضُ: النَّاقَةُ الْعَظِيمَةُ السَّنَامِ، وَإِذَا عَظُمَ اضْطَرَبَ. وَنَغَضَ الْغَيْمُ: سَارَ.

[بَابُ النُّونِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَفَقَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى انْقِطَاعِ شَيْءٍ وَذَهَابِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى إِخْفَاءِ شَيْءٍ وَإِغْمَاضِهِ. وَمَتَى حُصِّلَ الْكَلَامُ فِيهِمَا تَقَارَبَا.
فَالْأَوَّلُ: نَفَقَتِ الدَّابَّةُ نُفُوقًا: مَاتَتْ، وَنَفَقَ السِّعْرُ نَفَاقًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَمْضِي فَلَا يَكْسُدُ وَلَا يَقِفُ. وَأَنْفَقُوا: نَفَقَتْ سُوقُهُمْ. وَالنَّفَقَةُ لِأَنَّهَا تَمْضِي لِوَجْهِهَا. وَنَفَقَ الشَّيْءُ: فَنِيَ يُقَالُ قَدْ نَفِقَتْ نَفَقَةُ الْقَوْمِ.
وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ: افْتَقَرَ، أَيْ ذَهَبَ مَا عِنْدَهُ.

(5/454)


قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ. وَفَرَسٌ نَفِقُ الْجَرْيِ، أَيْ سَرِيعُ انْقِطَاعِ الْجَرْيِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّفَقُ: سَرَبٌ فِي الْأَرْضِ لَهُ مَخْلَصٌ إِلَى مَكَانٍ. وَالنَّافِقَاءُ: مَوْضِعٌ يُرَقِّقُهُ الْيَرْبُوعُ مِنْ جُحْرِهِ فَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ الْقَاصِعَاءِ ضَرَبَ النَّافِقَاءَ بِرَأْسِهِ فَانْتَفَقَ، أَيْ خَرَجَ. وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ النِّفَاقِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَكْتُمُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ، فَكَأَنَّ الْإِيمَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ، أَوْ يَخْرُجُ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ فِي خَفَاءٍ. وَيُمْكِنُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْخُرُوجُ. وَالنَّفَقُ: الْمَسْلَكُ النَّافِذُ الَّذِي يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْهُ.
أَمَّا نَيْفَقُ السَّرَاوِيلِ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.

(نَفَلَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عَطَاءٍ وَإِعْطَاءٍ. مِنْهُ النَّافِلَةُ: عَطِيَّةُ الطَّوْعِ مِنْ حَيْثُ لَا تَجِبُ. وَمِنْهُ نَافِلَةُ الصَّلَاةِ. وَالنَّوْفَلُ: الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ. قَالَ:
يَأْبَى الظُّلَامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزُّفَرُ
وَمِنَ الْبَابِ النَّفَلُ: الْغُنْمُ. وَالْجَمْعُ أَنْفَالٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يُنَفِّلُ الْمُحَارِبِينَ،

(5/455)


أَيْ يُعْطِيهِمْ مَا غَنِمُوهُ. يُقَالُ: نَفَّلْتُكَ: أَعْطَيْتُكَ نَفَلًا. وَقَوْلُهُمْ: انْتَفَلَ مِنَ الشَّيْءِ انْتَفَى مِنْهُ، فَمِنَ الْإِبْدَالِ، وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ. قَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
أَمُنْتَفِلًا مِنْ نَصْرِ بُهْثَةَ خِلْتَنِي ... أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَإِنْ كُنْتُ أَيْنَمَا.

(نَفَهَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى إِعْيَاءٍ وَضَعْفٍ. مِنْهُ نَفِهَتِ النَّفْسُ: أَعْيَتْ وَكَلَّتْ. وَهُوَ نَافِهٌ وَنُفَّهٌ. قَالَ:
بِنَا حَرَاجِيجُ الْمَهَارَِي النُّفَّهِ
وَهُوَ مُنَفَّهٌ وَمَنْفُوهٌ: ضَعِيفٌ جَبَانٌ.

(نَفَى) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَعْرِيَةِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَإِبْعَادِهِ مِنْهُ. وَنَفَيْتُ الشَّيْءَ أَنْفِيهِ نَفْيًا، وَانْتَفَى هُوَ انْتِفَاءً.
وَالنُّفَايَةُ: الرَّدِيُّ يُنْفَى. وَنَفِيُّ الرِّيحِ: مَا تَنْفِيهِ مِنَ التُّرَابِ حَتَّى يَصِيرَ فِي أُصُولِ الْحِيطَانِ. وَنَفِيُّ الْمَطَرِ: مَا تَنْفِيهِ الرِّيحُ أَوْ تَرُشُّهُ. وَنَفِيُّ الْمَاءِ: مَا تَطَايَرَ مِنَ الرِّشَاءِ عَلَى ظَهْرِ الْمَائِحِ. قَالَ:
عَلَى تِلْكَ الْجِفَارِ مِنَ النَّفِيِّ
وَالْمَهْمُوزُ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النُّفَأُ: قِطَعٌ مِنَ الْكَلَأِ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ عُظْمِ الْكَلَأِ، الْوَاحِدَةُ نُفَأَةٌ. قَالَ:

(5/456)


جَادَتْ سَوَارِيهِ وَآزَرَ نَبْتَهُ ... نُفَأٌ مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالزُّبَّادِ.

(نَفَتْ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ. يَقُولُونَ: نَفَتَتِ الْقِدْرُ: غَلَتْ وَيَبِسَ مَرَقُهَا عَلَيْهَا. قَالَ:
وَصَاحِبٍ لِصَدْرِهِ كَتِيتُ ... عَلَيَّ مِثْلَ الْمِرْجَلِ النَّفُوتِ
وَنَفَتَ صَدْرُهُ بِالْعَدَاوَةِ: غَلَا.

(نَفَثَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ فَمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَدْنَى جَرْسٍ. مِنْهُ نَفَثَ الرَّاقِي رِيقَهُ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنَ التَّفْلِ. وَالسَّاحِرَةُ تَنْفُِثُ السُّمَّ. وَ " لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ " مَثَلٌ. وَ " لَوْ سَأَلَنِي نُفَاثَةَ سِوَاكٍ مَا أَعْطَيْتُهُ "، وَهُوَ مَا بَقِيَ فِي أَسْنَانِهِ فَنَفَثَهُ. وَدَمٌ نَفِيثٌ: نَفَثَهُ الْجُرْحُ، أَيْ أَظْهَرَهُ.

(نَفَجَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ثُؤُورِ شَيْءٍ وَارْتِفَاعِهِ. وَنَفَجَ الْيَرْبُوعُ: ثَارَ. وَأَنْفَجَهُ صَائِدُهُ. وَنَفَجَتِ الْفَرُّوجَةُ مِنْ بَيْضِهَا: خَرَجَتْ. وَانْتَفَجَ جَنْبَا الْبَعِيرِ: ارْتَفَعَا. وَالنَّوَافِجُ: مُؤَخَّرَاتُ الضُّلُوعِ، وَاحِدَتُهَا نَافِجَةٌ. وَالنَّفَّاجُ: الْمُفْتَخِرُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ. وَنَفَجَتِ الرِّيحُ: جَاءَتْ بِقُوَّةٍ. وَالنَّفِيجَةُ: الشَّطَبِيَّةُ مِنَ النَّبْعِ تُتَّخَذُ قَوْسًا، كَأَنَّهَا تَنْتَفِجُ عَلَى الشَّجَرَةِ.

(5/457)


(نَفَحَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْحَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْدِفَاعِ الشَّيْءِ أَوْ رَفْعِهِ. وَنَفَحَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ نَفْحًا: انْتَشَرَتْ وَانْدَفَعَتْ. وَلِهَذَا الطِّيبِ نَفْحَةٌ طَيِّبَةٌ. ثُمَّ قِيسَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: نَفَحَ بِالْمَالِ نَفْحًا، كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ إِرْسَالًا. وَلَا تَزَالُ لِفُلَانٍ نَفَحَاتٌ مِنْ مَعْرُوفٍ. وَنَفَحَتِ الرِّيحُ. هَبَّتْ. وَقَوْسٌ نَفُوحٌ: بَعِيدَةُ الدَّفْعِ لِلسَّهْمِ. وَنَفَحَتِ الدَّابَّةُ: رَمَتْ بِحَافِرِهَا فَضَرَبَتْ بِهِ. وَكَذَلِكَ نَفَحَهُ بِالسَّيْفِ: تَنَاوَلَهُ بِهِ. وَالنَّفُوحُ مِنَ النُّوقِ: مَا يَخْرُجُ لَبَنُهَا مِنْ أَحَالِيلِهَا مِنْ غَيْرِ حَلْبٍ.

(نَفَخَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْخَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاخٍ وَعُلُوٍّ. مِنْهُ انْتَفَخَ الشَّيْءُ انْتِفَاخًا. وَيُقَالُ انْتَفَخَ النَّهَارُ: عَلَا. وَنَفْخَةُ الرَّبِيعِ: إِعْشَابُهُ ; لِأَنَّ الْأَرْضَ تَرْبُو فِيهِ وَتَنْتَفِخُ. وَالْمَنْفُوخُ: الرَّجُلُ السَّمِينُ. وَالنَّفْخَاءُ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلُ النَّبْخَاءِ ; وَقَدْ مَضَى.

(نَفِدَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ شَيْءٍ وَفَنَائِهِ. وَنَفِدَ الشَّيْءُ يَنْفَدُ نَفَادًا. وَأَنْفَدُوا: فَنِيَ زَادُهُمْ. وَيُقَالُ لِلْخَصْمِ مُنَافِدٌ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَخَاصَمَ الرَّجُلَانِ يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِنْفَادَ حُجَّةِ صَاحِبِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنْ نَافَدْتَهُمْ نَافَدُوكَ» "، أَيْ إِنْ قُلْتَ لَهُمْ قَالُوا لَكَ.

(نَفَذَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالذَّالُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَضَاءٍ فِي أَمْرٍ وَغَيْرِهِ. وَنَفَذَ السَّهْمُ الرَّمْيَةَ نَفَاذًا. وَأَنْفَذْتُهُ أَنَا. وَهُوَ نَافِذٌ: مَاضٍ فِي أَمْرِهِ.

(5/458)


(نَفَرَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَافٍ وَتَبَاعُدٍ. مِنْهُ نَفَرَ الدَّابَّةُ وَغَيْرُهُ نِفَارًا، وَذَلِكَ تَجَافِيهِ وَتَبَاعُدُهُ عَنْ مَكَانِهِ وَمَقَرِّهِ. وَنَفَرَ جِلْدُهُ: وَرِمَ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَنَّ رَجُلًا تَخَلَّلَ بِالْقَصَبِ فَنَفَرَ فَمُهُ» "، أَيْ وَرِمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ نِفَارِ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ وَتَجَافِيهِ عَنْهُ ; لِأَنَّ الْجَلْدَ يَنْفِرُ عَنِ اللَّحْمِ لِلدَّاءِ الْحَادِثِ بَيْنَهُمَا. وَيَوْمُ النَّفْرِ: يَوْمَ يَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ مِنَى. وَيَقُولُونَ: لَقِيتُهُ قَبْلَ صَيْحٍ وَنَفْرٍ، أَيْ قَبْلَ كُلِّ صَائِحٍ وَنَافِرٍ. وَالْمُنَافَرَةُ: الْمُحَاكَمَةُ إِلَى الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ، قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُبْتَغَى تَفْضِيلُ نَفَرٍ عَلَى نَفَرٍ. وَأَنْفَرْتُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَالنَّفَرُ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ لِأَنَّهُمْ يَنْفِرُونَ لِلنُّصْرَةِ. وَالنَّفِيرُ: النَّفَرُ، وَكَذَا النَّفْرُ وَالنَّفْرَةُ: كُلُّ ذَلِكَ قِيَاسُهُ وَاحِدٌ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ فِي النَّفْرَةِ:
حَيَّتْكَ ثُمَّتَ قَالَتْ إِنَّ نَفْرَتَنَا ... الْيَوْمَ كُلُّهُمُ يَا عُرْوَ مُشْتَغِلُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: نَفَّرْتُ عَنِ الصَّبِيِّ، أَيْ لَقَّبْتُهُ لَقَبًا، كَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ تَنْفِيرٌ لِلْجِنِّ عَنْهُ وَلِلْعَيْنِ. قَالَ أَعْرَابِيٌّ: قِيلَ لِأَبِي لَمَّا وُلِدْتُ: نَفِّرْ عَنِ ابْنِكَ! فَسَمَّانِي قُنْفُذًا، وَكَنَّانِي أَبَا الْعَدَّاءِ.

(نَفَزَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُثُوبِ وَشِبْهِ الْوُثُوبِ. وَنَفَزَ الظَّبْيُ: وَثَبَ فِي عَدْوِهِ. وَالْمَرْأَةُ تُنَفِّزُ وَلَدَهَا: تُرَقِّصُهُ. وَأَنْفَزْتُ السَّهْمَ عَلَى ظَهْرِ يَدِي: أَدَرْتُهُ. قَالَ:

(5/459)


يَخُرْنَ إِذَا أُنْفِزْنَ فِي سَاقِطِ النَّدَى ... وَإِنْ كَانَ يَوْمًا ذَا أَهَاضِيبَ مُخْضِلًا.

(نَفَسَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ النَّسِيمِ كَيْفَ كَانَ، مِنْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ فُرُوعُهُ. مِنْهُ التَّنَفُّسُ: خُرُوجُ النَّسِيمِ مِنَ الْجَوْفِ. وَنَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي خُرُوجِ النَّسِيمِ رَوْحًا وَرَاحَةً. وَالنَّفَسُ: كُلُّ شَيْءٍ يُفَرَّجُ بِهِ عَنْ مَكْرُوبٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ» " يَعْنِي أَنَّهَا رَوْحٌ يُتَنَفَّسُ بِهِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ. وَجَاءَ فِي ذِكْرِ الْأَنْصَارِ: " «أَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» "، يُرَادُ أَنَّ بِالْأَنْصَارِ نُفِّسَ عَنِ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذَوْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ. وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ نَفَسٌ. وَأَصَابَتْ فُلَانًا نَفْسٌ. وَالنَّفْسُ: الدَّمُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فُقِدَ الدَّمُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَقَدَ نَفْسَهُ. وَالْحَائِضُ تُسَمَّى النُّفَسَاءَ لِخُرُوجِ دَمِهَا.
وَالنِّفَاسُ: وِلَادُ الْمَرْأَةِ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ. وَيُقَالُ: وَرِثْتُ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُنْفَسَ فُلَانٌ، أَيْ يُولَدُ. وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ. وَالنِّفَاسُ أَيْضًا: جَمْعُ نُفَسَاءَ. وَيُقَالُ: كَرَعَ فِي الْإِنَاءِ نَفَسًا أَوْ نَفَسَيْنِ. وَيُقَالُ: لِلْمَاءِ نَفَسٌ، وَهَذَا عَلَى تَسْمِيَتِهِ الشَّيْءَ بِاسْمِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ قِوَامَ النَّفْسِ بِهِ. وَالنَّفْسُ قِوَامُهَا بِالنَّفَسِ. قَالَ:

(5/460)


تَبِيتُ الثَّلَاثُ السُّودُ وَهِيَ مُنَاخَةٌ ... عَلَى نَفَسٍ مِنْ [مَاءِ] مَاوِيَّةَ الْعَذْبِ
وَمِنَ الِاسْتِعَارَةِ: تَنَفَّسَتِ الْقَوْسُ: انْشَقَّتْ. وَشَيْءٌ نَفِيسٌ، أَيْ ذُو نَفْسٍ وَخَطَرٍِ يُتَنَافَسُ بِهِ. وَالتَّنَافُسُ: أَنْ يُبْرِزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَارِزَيْنِ قُوَّةَ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُمْ فِي الدِّبَاغِ نَفَسٌ، هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، أَيْ يَسِيرٌ مِنْهُ قَدْرُ مَا يُدْبَغُ بِهِ الْإِهَابُ مَرَّةً، شَبَّهَهُ فِي قِلَّتِهِ بِنَفَسٍ يُتَنَفَّسُ. وَقِيَاسُ الْبَابِ فِي هَذَا وَفِيمَا مَعْنَاهُ وَاحِدٌ.

(نَفَشَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِشَارٍ. مِنْ ذَلِكَ نَفْشُ الصُّوفِ، وَهُوَ أَنْ يُطْرَقَ حَتَّى يَتَنَفَّشَ. وَنَفَشَ الطَّائِرُ جَنَاحَيْهِ. وَنَفَشَتِ الْإِبِلُ: تَرَدَّدَتْ وَانْتَشَرَتْ بِلَا رَاعٍ. وَفِعْلُهَا النَّفْشُ ; وَإِبِلٌ نُفَّاشٌ وَنَوَافِشُ.

(نَفَصَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَاتٌ يَتَقَارَبُ قِيَاسُهَا، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنَ الْبَدَنِ أَوْ إِلْقَائِهِ بِقُوَّةٍ. مِنْهُ أَنْفَصَ فُلَانٌ فِي ضَحِكِهِ: اسْتَغْرَبَ.
وَأَنْفَصَ بِبَوْلِهِ مِثْلُ أَوْزَعَ. وَيُقَالُ إِنَّ النُّفَصَ: أَنْضَاحُ الدَّمِ، الْوَاحِدَةُ نُفْصَةٌ. قَالَ:
تَرَى الدِّمَاءَ عَلَى أَكْتَافِهَا نُفَصَا

(5/461)


قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَالنُّفَاصُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْغَنَمَ فَيَبُولُ حَتَّى يَمُوتَ.

(نَفَضَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيكِ شَيْءٍ لِتَنْظِيفِهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. وَنَفَضْتُ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ نَفْضًا. وَالنَّفَضُ: مَا نَفَضَتْهُ الشَّجَرَةُ مِنْ ثَمَرِهَا. وَامْرَأَةٌ نَفُوضٌ: نَفَضَتْ بَطْنَهَا عَنْ وَلَدِهَا. وَالنَّافِضُ: الْحُمَّى ذَاتُ الرِّعْدَةِ، لِأَنَّهَا تَنْفُضُ الْبَدَنَ نَفْضًا. وَأَنْفَضُوا: فَنِيَ زَادُهُمْ، أَيْ لَمَّا نَفِدَ زَادُهُمْ وَفَنِيَ نَفَضُوا أَوْعِيَتَهُمْ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ مَثَلًا: " النُّفَاضُ يُقَطِّرُ الْجَلَبَ "، إِذَا أَنْفَضُوا وَقَلَّ مَا عِنْدَهُمْ جَلَبُوا إِبِلَهُمْ لِلْبَيْعِ.
وَيُسْتَعَارُ مِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: نَفَضْتُ الْأَرْضَ، إِذَا بَعَثْتَ مَنْ يَنْظُرُ أَبِهَا عَدُوٌّ أَمْ لَا. وَنَفَضْتُ اللَّيْلَ، إِذَا عَسَسْتَ لِتَنْفُضَ عَنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ. وَالنَّفِيضَةُ وَالنَّفَضَةُ: الْقَوْمُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. قَالَ:
يَرِدُ الْمِيَاهَ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً ... وِرْدَ الْقَطَاةِ إِذَا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: " إِذَا تَكَلَّمْتَ لَيْلًا فَاخْفِضْ، وَإِذَا تَكَلَّمْتَ النَّهَارَ فَانْفُضْ ". تَقُولُ: انْظُرْ حَوَالَيْكَ، فَلَعَلَّ ثَمَّ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَكَ. وَالنِّفَاضُ: إِزَارُ الصِّبْيَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَابِ. قَالَ:
جَارِيَةٌ بَيْضَاءُ فِي نِفَاضٍ.

(5/462)


(نَفَطَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالطَّاءُ: ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: النِّفْطُ مَعْرُوفٌ، مَكْسُورُ النُّونِ. وَالنَّفَطُ: قَرْحٌ يَخْرُجُ فِي الْيَدِ مِنَ الْعَمَلِ. وَنَفَطَ الصَّبِيُّ نَفِيطًا: صَوَّتَ. وَمَا لَهُ عَافِطَةٌ وَلَا نَافِطَةٌ. فَالنَّافِطَةُ: الشَّاةُ تَنْفِطُ مِنْ أَنْفِهَا.

(نَفَعَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الضَّرِّ. وَنَفَعَهُ يَنْفَعُهُ نَفْعًا وَمَنْفَعَةً. وَانْتَفَعَ بِكَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ النُّونِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَقَلَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَاللَّامُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْوِيلِ شَيْءٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، ثُمَّ يُفَرَّعُ ذَلِكَ. يُقَالُ: نَقَلْتُهُ أَنْقُلُهُ نَقْلًا. وَنَقَلَ الْفَرَسُ قَوَائِمَهُ نَقْلًا. [وَفَرَسٌ] مِنْقَلٌ: سَرِيعُ نَقْلِ الْقَوَائِمِ. وَالْمُنَقِّلَةُ مِنَ الشِّجَاجِ: الَّتِي يُنْقَلُ مِنْهَا فَرَاشُ الْعِظَامِ. وَالنُّقْلُ: مَا يَأْكُلُهُ الشَّارِبُ عَلَى شَرَابِهِ. وَكَانَ ابْنُ دُرَيْدٍ يَقُولُ: هُوَ بِالْفَتْحِ وَلَا يُضَمُّ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ. وَالنَّقَلُ بِفَتْحِ الْقَافِ: مَا بَقِيَ مِنْ صِغَارِ الْحِجَارَةِ إِذَا قُلِعَتْ، لِأَنَّهَا تُنْقَلُ. وَالنَّقِيلُ: الطَّرِيقُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْلُكُهُ إِلَّا مُنْتَقِلٌ.
وَالْمَنْقَلَةُ: الْمَرْحَلَةُ. وَضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ يُقَالُ لَهُ نَقِيلٌ، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، وَكَأَنَّهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى السَّيْرِ. وَالْمُنَقَّلُ: الْخُفُّ الْخَلَقُ، لِأَنَّ عَلَيْهِ يَنْتَقِلُ الْمَاشِي حَتَّى يَنْخَرِقَ. وَكَذَلِكَ النَّقَلُ فِي الْبَعِيرِ: دَاءٌ يُصِيبُ خُفَّهُ فَيَنْخَرِقَ. وَالرِّقَاعُ الَّتِي يُرَقَّعُ بِهَا خُفُّهُ: النَّقَائِلُ.

(5/463)


وَمِنَ الْبَابِ الْمُنَاقَلَةُ: مُرَاجَعَةُ الْحَدِيثِ أَوِ الْإِنْشَادِ، كَأَنَّكَ نَقَلْتَ حَدِيثَكَ إِلَيْهِ وَنَقَلَ حَدِيثَهُ إِلَيْكَ. وَالنِّقَالُ: أَنْ تَشَرَبَ الْإِبِلُ ثُمَّ تَتْرُكُ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الْمَاءِ فَتَشْرَبَ، وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا بَلْ تَفْعَلُهُ هِيَ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّقْلَةَ: الْقَنَاةُ. وَيُنْشِدُونَ:
يُقَلْقِلُ نَقْلَةً جَرْدَاءَ فِيهَا ... نَقِيعُ السُّمِّ أَوْ قَرْنٌ مَحِيقٌ
وَالْمَشْهُورُ: " يُقَلْقِلُ صَعْدَةً ".

(نَقَمَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ شَيْءٍ وَعَيْبِهِ. وَنَقَمْتُ عَلَيْهِ أَنْقِمُ: أَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ. وَالنِّقْمَةُ مِنَ الْعَذَابِ وَالِانْتِقَامِ، كَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فَعَاقَبَهُ. وَقَوْلُهُمْ لِلنَّفْسِ نَقِيمَةٌ، وَهُوَ مَيْمُونُ النَّقِيمَةِ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ نَقِيبَةٌ.

(نَقَهَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْبُرْءِ مِنَ الْمَرَضِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. وَنَقَهَ مِنَ الْمَرَضِ نُقُوهًا: أَفَاقَ، فَهُوَ نَاقِهٌ. وَيَقُولُونَ: نَقِهَ الْحَدِيثَ مِثْلَ فَهِمَ، بِكَسْرِ الْقَافِ، فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا نَقِهَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشَّكِّ فِيهِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ: أَنْقِهْ لِي سَمْعَكَ، أَيْ أَرْعِنِيهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: حَتَّى تَفْهَمَ مَا أَقُولُ. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الِاسْتِفْهَامَ: الِاسْتِنْقَاهُ.

(نَقِيَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَظَافَةٍ وَخُلُوصٍ.

(5/464)


مِنْهُ نَقَّيْتُ الشَّيْءَ: خَلَّصْتُهُ مِمَّا يَشُوبُهُ تَنْقِيَةً. وَكَذَلِكَ يُقَالُ: انْتَقَيْتُ الشَّيْءَ كَأَنَّكَ أَخَذْتَ أَفْضَلَهُ وَأَخْلَصَهُ. وَالنُّقَاوَةُ: أَفْضَلُ مَا انْتَقَيْتَ مِنْ شَيْءٍ. وَالنَّقَاةُ: الرَّدِيُّ فِيمَا يُقَالُ، كَأَنَّهُ الَّذِي انْتُقِيَ فَطُرِحَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقَاةُ كُلِّ شَيْءٍ: رَدِيُّهُ إِلَّا التَّمْرَ، فَإِنَّ نَقَاتَهُ خِيَارُهُ.
وَفِي الْبَابِ النِّقْيُ: مُخُّ الْعِظَامِ، سُمِّيَ لِخُلُوصِهِ وَنَظَافَتِهِ. وَيُقَالُ لِشَحْمَةِ الْعَيْنِ مِنَ الشَّاةِ السَّمِينَةِ وَغَيْرِهَا: النِّقْيُ. وَنَاقَةٌ لَا تُنْقِي. قَالَ:
حَامُوا عَلَى أَضْيَافِهِمْ فَشَوَوْا لَهُمْ ... مِنْ لَحْمِ مُنْقِيَةٍ وَمِنْ أَكْبَادِ
وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَزَعَمَ أَنَّ الْأَنْقَاءَ: كُلُّ عَظْمٍ ذِي مُخٍّ. وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَهُوَ عَلَى تَسْمِيَةِ الْعَرَبِ الشَّيْءَ بِاسْمِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مُجَاوِرًا لَهُ.

(نَقَبَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَتْحٍ فِي شَيْءٍ. وَنَقَبَ الْحَائِطَ يَنْقُبُهُ نَقْبًا. وَالْبَيْطَارُ يَنْقُبُ سُرَّةَ الدَّابَّةِ لِيُخْرِجَ مِنْهَا مَاءً. وَتِلْكَ الْحَدِيدَةُ مِنْقَبٌ. وَكَلْبٌ نَقِيبٌ: نُقِبَتْ غَلْصَمَتُهُ لِيَضْعُفَ صَوْتُهُ، يَفْعَلُهُ اللِّئَامُ لِئَلَّا يَسْمَعَ صَوْتَهُ الضَّيْفُ. وَالنَّاقِبَةُ: قَرْحَةٌ تَخْرُجُ بِالْجَنْبِ تَهْجُمُ عَلَى الْجَوْفِ. وَنَقِبَ خُفُّ الْبَعِيرِ: تَخَرَّقَ نَقَبًا. وَالنُّقْبَةُ: أَوَّلُ الْجَرَبِ يَبْدُو. وَالْجَمْعُ نُقَبٌ. قَالَ:

(5/465)


مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحَاسِنُهُ ... يَضَعُ الْهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ
وَقِيَاسُهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَثْقُبُ الْجِلْدَ. وَمِنَ الْبَابِ: النَّقَّابُ: الْعَالِمُ بِالْأُمُورِ، كَأَنَّهُ نَقَّبَ عَلَيْهَا فَاسْتَنْبَطَهَا، أَوِ الْعَالِمُ بِهَا الْمُنَقِّبُ عَنْهَا. قَالَ:
مَلِيحٌ نَجِيحٌ أَخُو مَأْقِطٍ ... نِقَابٌ يُحَدِّثُ بِالْغَائِبِ
وَالنَّقْبُ وَالْمَنْقَبَةُ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَالْكُلُّ قِيَاسٌ وَاحِدٌ. وَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ: سَارُوا. وَأَصْلُهُ السَّيْرُ فِي النُّقُوبِ: الطُّرُقِ. وَالنَّقِيبُ: نَقِيبُ الْقَوْمِ: شَاهِدُهُمْ وَضَمِينُهُمْ. وَمَعْنَاهُ وَمَعْنَى النِّقَابِ الْعَالِمُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ يُنَقِّبُ عَنْ أُمُورِهِمْ، أَوْ يُنَقِّبُ كَمَا يَنْقُبُ عَنِ الْأَسْرَارِ. وَالْمَنْقَبَةُ: الْفَعْلَةُ الْكَرِيمَةُ، وَقِيَاسُهَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهَا شَيْءٌ حَسَنٌ قَدْ شُهِرَ، كَأَنَّهُ نُقِّبَ عَنْهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ نِقَابُ الْمَرْأَةِ. وَنَاقَبْتُ فُلَانًا: لَقِيتُهُ فَجْأَةً. وَالنُّقْبَةُ: ثَوْبٌ كَالْإِزَارِ فِيهِ تِكَّةٌ، وَلَيْسَ بِالنِّطَاقِ.
أَمَّا اللَّوْنُ فَيُقَالُ لَهُ النُّقْبَةُ، وَهُوَ حَسَنُ النُّقْبَةِ، أَيِ اللَّوْنِ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ نَقَّبَ عَنْهُ شَيْءٌ ظَهَرَ.

(نَقَثَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالثَّاءُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَنَقْلِهِ. وَنَقَثَ مَا فِي مَنْزِلِي أَجْمَعَ: نَقَلَهُ كُلَّهُ. وَنَقَّثُوا حَدِيثَهُمْ: خَلَطُوهُ، كَمَا يُنَقَّثُ

(5/466)


الطَّعَامُ. وَخَرَجَ يُنَقِّثُ: يُسْرِعُ فِي نَقْلِ قَوَائِمِهِ. وَنَقَثْتُ الْعَظْمَ أَنْقُثُهُ: اسْتَخْرَجْتُ مَا فِيهِ مِنَ الْمُخِّ.

(نَقَحَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَنْحِيَتِكَ شَيْئًا عَنْ شَيْءٍ. وَنَقَّحْتُ الْعَصَا: شَذَّبْتُ عَنْهَا أُبَنَهَا. وَمِنْهُ شِعْرٌ مُنَقَّحٌ، أَيْ مُفَتَّشٌ مُلْقًى عَنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ. وَنَقَحْتُ الْعَظْمَ: اسْتَخْرَجْتُ مُخَّهُ.

(نَقَخَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَرْعِ شَيْءٍ. وَمَاءٌ نُقَاخٌ: بَارِدٌ عَذْبٌ، كَأَنَّهُ يَنْقَخُ الْعَطَشَ بِبَرْدِهِ، أَيْ يَقْرَعُهُ. وَالنَّقْخُ: نَقْبُ الرَّأْسِ عَنِ الدِّمَاغِ.

(نَقَدَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالدَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِبْرَازِ شَيْءٍ وَبُرُوزِهِ. مِنْ ذَلِكَ: النَّقَدُ فِي الْحَافِرِ، وَهُوَ تَقَشُّرُهُ. حَافِرٌ نَقِدٌ: مُتَقَشِّرٌ. وَالنَّقَدُ فِي الضِّرْسِ: تَكَسُّرُهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِتَكَشُّفِ لِيطِهِ عَنْهُ.
وَمِنَ الْبَابِ: نَقْدُ الدِّرْهَمِ، وَذَلِكَ أَنْ يُكْشَفَ عَنْ حَالِهِ فِي جَوْدَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَدِرْهَمٌ نَقْدٌ: وَازِنٌ جَيِّدٌ، كَأَنَّهُ قَدْ كُشِفَ عَنْ حَالِهِ فَعُلِمَ. وَيُقَالُ لِلْقُنْفُذِ الْأَنْقَدُ. يَقُولُونَ: " بَاتَ فُلَانٌ بِلَيْلَةِ أَنْقَدِ "، إِذَا بَاتَ يَسْرِي [لَيْلَهُ] كُلَّهُ. وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ. لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ يَسْرِي حَتَّى يَسْرُوَ عَنْهُ الظَّلَامَ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ

(5/467)


الشَّيْهَمَ لَا يَرْقُدُ اللَّيْلَ كُلَّهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَا زَالَ فُلَانٌ يَنْقُدُ الشَّيْءَ، إِذَا لَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ: النَّقَدُ: صِغَارُ الْغَنَمِ، وَبِهَا يُشَبَّهُ الصَّبِيُّ الْقَمِيُّ الَّذِي لَا يَكَادُ يَشِبُّ.

(نَقَذَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالذَّالُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَاصِ شَيْءٍ. وَأَنْقَذْتُهُ مِنْهُ: خَلَّصْتُهُ. وَفَرَسٌ نَقِيذٌ: أُخِذَ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَأَفْرَاسٌ نَقَائِذُ. وَكُلُّ مَا أَنْقَذْتَهُ فَهُوَ نَقَذٌ.

(نَقَرَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَرْعِ شَيْءٍ حَتَّى تُهْزَمَ فِيهِ هَزْمَةٌ، ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ.
[مِنْهُ] مِنْقَارُ الطَّائِرِ، لِأَنَّهُ يَنْقُرُ بِهِ الشَّيْءَ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهِ. وَنَقَرْتُ الرَّحَى بِالْمِنْقَارِ، وَهِيَ تِلْكَ الْحَدِيدَةُ.
وَمِنَ الْبَابِ نَقَّرْتُ عَنِ الْأَمْرِ حَتَّى عَلِمْتُهُ، وَذَلِكَ بَحْثُكَ عَنْهُ، كَأَنَّ عِلْمَكَ بِهِ نَقْرٌ فِيهِ. وَنَقَرْتُ الرَّجُلَ: عِبْتُهُ، كَأَنَّكَ قَرَعْتَ بِشَيْءٍ فَأَثَّرْتَ فِيهِ. وَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِبَعْلِهَا: " مُرَّ بِي عَلَى بَنِي نَظَرَى وَلَا تَمُرَّ بِي عَلَى بَنَاتِ نَقَرَى "، أَيْ مُرَّ بِي عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَنِي، وَلَا تَمُرَّ بِي عَلَى النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَغْتَبْنَنِي. وَالنُّقْرَةُ: مَوْضِعٌ يَبْقَى فِيهِ مَاءُ السَّيْلِ، كَأَنَّهُ قَدْ نُقِرَ نَقْرًا فَهُزِمَ. وَوَاحِدُ الْمَنَاقِرِ مِنْقَرٌ،

(5/468)


وَهِيَ آبَارٌ صِغَارٌ ضَيِّقَةُ الرُّءُوسِ، كَأَنَّهَا قَدْ نُقِرَتْ فِي الْأَرْضِ نَقْرًا. وَنُقْرَةُ الْقَفَا: الْوَقْبَةُ فِيهِ. وَالنَّقِيرُ: نُكْتَةٌ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ. وَالنَّقِيرُ: أَصْلُ شَجَرَةٍ يُنْقَرُ وَيُنْبَذُ فِيهِ. وَهُوَ الَّذِي جَاءَ النَّهْيُ فِيهِ. وَفُلَانٌ كَرِيمُ النَّقِيرِ، أَيِ الْأَصْلِ، كَأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي نُقِرَ عَنْهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: دَعَاهُمُ النَّقَرَى: أَنْ يَدْعُوَ جَمَاعَةً وَيَدَعَ آخَرِينَ مِنْ لُؤْمِهِ. وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا يُنَادِيهِمْ أَجْمَعَ، لَكِنْ يَأْتِي الْمَحْفِلَ فَيُوحِي إِلَى وَاحِدٍ كَأَنَّهُ يَنْقُرُهُ، أَوْ يَنْقُرُهُ بِيَدِهِ لِيَقُومَ مَعَهُ. وَالنَّاقُورُ: الصُّورُ الَّذِي يَنْفَخُ فِيهِ الْمَلَكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَنْقُرُ الْعَالَمِينَ بِقَرْعِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ: نَقَّرْتُ عَنِ الْأَمْرِ، إِذَا بَحَثْتَ عَنْهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ: أَنْقَرَ عَنِ الشَّيْءِ إِنْقَارًا: أَقْلَعَ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْقِرَ عَنْ قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ» "، كَأَنَّهُ لَا يُقْلِعُ عَنْ تَعْذِيبِهِ. قَالَ:
وَمَا أَنَا عَنْ أَعْدَاءِ قَوْمِي بِمُنْقِرِ.

(نَقَزَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى دِقَّةٍ وَخِفَّةٍ وَصِغَرٍ. مِنْهُ النَّقْزُ: الْوَثْبُ. وَنَوَاقِزُ الظَّبْيِ: قَوَائِمُهُ. وَنَقَزُ النَّاسِ: أَرْذَالُهُمْ. وَالنَّقَزُ: الرَّجُلُ الرَّدِيُّ وَالنُّقَازُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ فَيَقْلَقُ عَنْهُ وَلَا يَسْتَقِرُّ. وَالنُّقَّازُ: صِغَارُ الْعَصَافِيرِ.

(5/469)


(نَقَسَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالسِّينُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى لَطْخِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ حَسَنٍ. وَنَقَسْتُهُ: عِبْتُهُ، كَأَنَّكَ لَطَخْتَهُ بِشَيْءٍ قَبِيحٍ. وَأَصْلُهُ نِقْسُ الْمِدَادِ، وَالْجَمْعُ أَنْقَاسٌ.

(نَقَشَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ شَيْءٍ وَاسْتِيعَابِهِ حَتَّى لَا يُتْرَكَ مِنْهُ شَيْءٌ ; ثُمَّ يُقَاسُ مَا يُقَارِبُهُ. مِنْهُ نَقْشُ الشَّعْرِ بِالْمِنْقَاشِ وَهُوَ نَتْفُهُ. وَمِنْهُ الْمُنَاقَشَةُ: الِاسْتِقْصَاءُ فِي الْحِسَابِ حَتَّى لَا يُتْرَكَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ عُذِّبَ» ". وَيُقَالُ: شَجَّةٌ مَنْقُوشَةٌ: تُنْقَشُ مِنْهَا الْعِظَامُ، أَيْ تُسْتَخْرَجُ. وَيُقَالُ: نَقَشْتُ مَرْبِضَ الْغَنَمِ: نَقَّيْتُهُ مِنَ الشَّوْكِ.
وَالنَّقِيشُ: الْمَتَاعُ الْمُتَفَرِّقُ، كَأَنَّهُ انْتُقِشَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، أَيْ فَارَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَمِنَ الْبَابِ: نَقْشُ الشَّيْءِ: تَحْسِينُهُ، كَأَنَّهُ يَنْقُشُهُ، أَيْ يَنْفِي عَنْهُ مَعَايِبَهُ وَيُحَسِّنُهُ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ هَذَا فَيُقَالُ: نَقَشْتُ الْعِذْقَ. وَهُوَ أَنْ تَضْرِبَهُ بِالشَّوْكِ حَتَّى يُرْطِبَ. وَيَقُولُونَ: جَادَ مَا انْتَقَشْتَ هَذَا، أَيْ مَا اخْتَرْتَهُ. وَهَذَا نَقِيشُ هَذَا، أَيْ مِثْلُهُ. وَمَا لِلَّهِ ضِدٌّ وَلَا نَقِيشٌ، أَيْ مَا لَهُ مَنْ يُمَاثِلُهُ فِي صُورَتِهِ وَنَقْشِهِ.

(نَقَصَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النَّقْصُ: خِلَافُ الزِّيَادَةِ. وَنَقَصَ الشَّيْءُ، وَنَقَصْتُهُ أَنَا، وَهُوَ مَنْقُوصٌ. وَالنَّقِيصَةُ: الْعَيْبُ ; يُقَالُ مَا بِهِ [نَقِيصَةٌ، أَيْ] شَيْءٌ يَنْقُصُ. وَمَرْجِعُ الْبَابِ كُلِّهِ إِلَى هَذَا.

(نَقَضَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَكْثِ شَيْءٍ،

(5/470)


وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى مَعَنًى مِنَ الْمَعَانِي عَلَى جِنْسٍ مِنَ الصَّوْتِ. وَنَقَضْتُ الْحَبْلَ وَالْبِنَاءَ. وَالنَّقِيضُ: الْمَنْقُوضُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْبَعِيرِ الْمَهْزُولِ نِقْضٌ، كَأَنَّ الْأَسْفَارَ نَقَضَتْهُ ; وَجَمْعُهُ أَنْقَاضٌ. وَالْمُنَاقَضَةُ فِي الشِّعْرِ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَ مَا أَرَّبَهُ صَاحِبُهُ. وَنَقْضُ الْعَهْدِ مِنْهُ أَيْضًا. وَالنِّقْضُ: مُنْتَقَضُ الْكَمْأَةِ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُخْرِجَهَا. نَقَضْتُهَا نَقْضًا. وَانْتَقَضَتِ الْقَرْحَةُ، كَأَنَّهَا كَانَتْ تَلَاءَمَتْ ثُمَّ انْتَقَضَتْ.
أَمَّا الصَّوْتُ فَيُقَالُ لِصَوْتِ الْمَفَاصِلِ نَقِيضُهَا ; وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا تَنْتَقِضُ فَيُسْمَعَ لَهَا صَوْتٌ عِنْدَ ذَلِكَ. وَأَنْقَضَتِ الدَّجَاجَةُ: صَوَّتَتْ. وَالْإِنْقَاضُ: زَجْرُ الْقَعُودِ. قَالَ:
رُبَّ عَجُوزٍ مِنْ أُنَاسٍ شَهْبَرَهْ ... عَلَّمْتُهَا الْإِنْقَاضَ بَعْدَ الْقَرْقَرَهْ
يَقُولُ: سَرَقْتُ بَعِيرَهَا الَّتِي كَانَتْ تُقَرْقِرُ بِهِ وَتَرَكْتُ لَهَا بَكْرًا تُنْقِضُ بِهِ.

(نَقَطَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالطَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى نُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ النَّخْلِ: نُقْطَةٌ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْقِلَّةِ بِالنُّقْطَةِ.

(نَقَعَ) النُّونُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ شَيْءٍ كَالْمَائِعِ فِي قَرَارِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ.
فَالْأَوَّلُ نَقَعَ الْمَاءُ فِي مَنْقَعِهِ: اسْتَقَرَّ. وَاسْتَنْقَعَ الشَّيْءُ فِي الْمَاءِ.
وَالنَّقُوعُ: مَا نُقِعَ

(5/471)


فِي الْمَاءِ، كَدَوَاءٍ أَوْ نَبِيذٍ. وَالْمِنْقَعُ ذَلِكَ الْإِنَاءُ. وَالْمِنْقَعُ كَالْقُدَيْرَةِ لِلصَّبِيِّ يُطْرَحُ فِيهِ اللَّبَنُ وَيُطْعَمُهُ. وَيُقَالُ لَهُ مِنْقَعُ الْبُرَمِ، وَيَكُونُ مِنْ حِجَارَةٍ. وَالنَّقِيعُ: شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ زَبِيبٍ، كَأَنَّ الزَّبِيبَ يُنْقَعُ لَهُ. وَالنَّقِيعُ: الْحَوْضُ يُنْقَعُ فِيهِ التَّمْرُ. وَالنَّقِيعُ وَالنَّقْعُ: الْمَاءُ النَّاقِعُ. وَمَاءٌ نَاقِعٌ كَالنَّاجِعِ، كَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ قَرَارَهُ فَكَسَرَ الْغُلَّةَ. وَكَذَلِكَ النَّقُوعُ. وَالنَّقِيعُ: الْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ. وَنَقْعُ الْبِئْرِ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: مَاؤُهَا، كَأَنَّهَا قَرَارٌ لَهُ. وَالْأُنْقُوعَةُ: وَقْبَةُ الثَّرِيدِ. وَقَوْلُهُمْ: " هُوَ شَرَّابٌ بِأَنْقُعٍ "، أَيْ مُعَاوِدٌ لِلْأَمْرِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. كَذَا يَقُولُونَ، وَوَجْهُهُ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّائِرَ الْحَذِرَ لَا يَرِدُ الْمَشَارِعَ حَذَرًا عَلَى نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ يَأْتِي الْمَنَاقِعَ يَشْرَبُ لِيَسْلَمَ ; وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْكَيِّسُ الْحَذِرُ، لَا يَتَقَحَّمُ إِلَّا مَوَاضِعَ السَّلَامَةِ فِي أُمُورِهِ. وَالنَّقِيعَةُ: الْمَحْضُ مِنَ اللَّبَنِ. فَأَمَّا النَّقِيعَةُ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَا يُحْرَزُ مِنَ النَّهْبِ قَبْلَ الْقَسْمِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّا لَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ رُءُوسَهُمْ ... ضَرْبَ الْقُدَارِ نَقِيعَةَ الْقُدَّامِ
وَيُقَالُ: بَلِ النَّقِيعَةُ: الطَّعَامُ يُتَّخَذُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ، كَأَنَّهُ إِذَا أُعِدَّ لَهُ فَقَدْ نُقِعَ أَيْ أُقِرَّ. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا أَقْيَسُ. وَيَقُولُونَ: النَّقِيعَةُ: الْجَزُورُ تُنْقَعُ عَنْ عِدَّةِ إِبِلٍ، كَالْفَرَعَةِ تُذْبَحُ عَنْ غَنَمٍ.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَالنَّقِيعُ: الصُّرَاخُ، وَهُوَ النَّقْعُ أَيْضًا. وَنَقَعَ الصَّوْتُ: ارْتَفَعَ. قَالَ:

(5/472)


فَمَتَى يَنْقَعْ صُرَاخٌ صَادِقٌ ... يَحْلِبُوهَا ذَاتَ جَرْسٍ وَزَجَلْ
وَيُقَالُ: النَّقْعُ: صَوْتُ النَّعَامَةِ. وَالنَّقَّاعُ: الرَّجُلُ يَتَكَثَّرُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، كَأَنَّهُ يَصِيحُ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: انْتُقِعَ لَوْنُهُ، فَهُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ امْتُقِعَ، وَقَدْ ذَكَرْ [نَا] هُ.

[بَابُ النُّونِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَكَّلَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْعٍ وَامْتِنَاعٍ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ فُرُوعُهُ. وَنَكَلَ عَنْهُ نُكُولًا يَنْكِلُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ النِّكْلُ: الْقَيْدُ، وَجَمْعُهُ أَنْكَالٌ، لِأَنَّهُ يَنْكُلُ: أَيْ يَمْنَعُ. وَالنِّكْلُ: حَدِيدَةُ اللِّجَامِ. وَهُوَ نَاكِلٌ عَنِ الْأُمُورِ: ضَعِيفٌ عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: رَمَاهُ [اللَّهُ بِنُكْلِهِ وَبِنُكْلَةٍ، أَيْ رَمَاهُ بِمَا] يُنَكِّلُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ نَكَّلْتُ بِهِ تَنْكِيلًا، وَنَكَّلْتُ بِهِ نَكَالًا، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فَعَلَ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ إِتْيَانِ مِثْلِ صَنِيعِهِ. وَهَذَا أَجْوَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَيُقَالُ: الْمَنْكَلُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُنَكِّلُ بِالْإِنْسَانِ. قَالَ:
وَارْمِ عَلَى أَقْفَائِهِمْ بِمَنْكَلِ

(5/473)


فَأَمَّا الْحَدِيثُ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ» " فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الْمُجَرَّبُ، عَلَى الْفَرَسِ الْقَوِيِّ الْمُجَرَّبِ. وَهَذَا لِلتَّفْسِيرِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

(نَكَهَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ نَكْهَةُ الْإِنْسَانِ. وَاسْتَنْكَهْتُهُ: تَشَمَّمْتُ رِيحَ فَمِهِ. وَيَقُولُونَ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ: إِنَّ النُّكَّهَ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي ذَهَبَتْ أَصْوَاتُهَا مِنَ الضَّعْفِ. قَالَ:
بَعْدَ اهْتِضَامِ الرَّاغِيَاتِ النُّكَّهِ.

(نَكَبَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَيْلٍ أَوْ مَيَلٍ فِي الشَّيْءِ. وَنَكَبَ عَنِ الشَّيْءِ يَنْكُبُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74] . وَالنَّكْبَاءُ: كُلُّ رِيحٍ عَدَلَتْ عَنْ مَهَبِّ الرِّيَاحِ الْأَرْبَعِ. قَالَ:
لَا تَعْدِلَنَّ أَتَاوِيِّينَ تَضْرِبُهُمْ ... نَكْبَاءُ صِرٌّ بِأَصْحَابِ الْمُحِلَّاتِ
وَالْأَنْكَبُ: الَّذِي كَأَنَّهُ يَمْشِي فِي شِقٍّ. وَالْمَنْكِبُ: مُجْتَمَعُ مَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ، وَهُمَا مَنْكِبَانِ، لِأَنَّهُمَا فِي الْجَانِبَيْنِ. وَالنَّكَبُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي مَنَاكِبِهَا فَتَظْلَعُ مِنْهُ. وَالْمَنْكِبُ: عَوْنُ الْعَرِيفِ، مُشَبَّهٌ بِمَنْكِبِ الْإِنْسَانِ، كَأَنَّهُ يُقَوِّي أَمْرَ الْعَرِيفِ كَمَا يَتَقَوَّى بِمَنْكِبِهِ الْإِنْسَانُ.

(5/474)


(نَكَتَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ يَسِيرٍ فِي الشَّيْءِ كَالنُّكْتَةِ وَنَحْوِهَا وَنَكَتَ فِي الْأَرْضِ بِقَضِيبِهِ يَنْكُتُ، إِذَا أَثَّرَ فِيهَا. وَكُلُّ نُقْطَةٍ نُكْتَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ رُطَبَةٌ مُنَكِّتَةٌ: بَدَأَ الْإِرْطَابُ فِيهَا، كَأَنَّ ذَلِكَ كَالنُّقَطِ. وَالنَّاكِتُ بِالْبَعِيرِ: شِبْهُ الْحَازِّ، وَهُوَ أَنْ يَنْكُتَ مِرْفَقُهُ حَرْفَ كِرْكِرَتِهِ. وَمِمَّا يُقَاسُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: نَكَتُّهُ، إِذَا أَلْقَيْتَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَانْتَكَتَ، وَلَعَلَّ ذَاكَ مِنْ أَثَرٍ يُؤَثِّرُهُ فِي الْأَرْضِ.

(نَكَثَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى نَقْضِ شَيْءٍ. وَنَكَثَ الْعَهْدَ يَنْكُثُهُ نَكْثًا. وَانْتَكَثَ الشَّيْءُ: انْتَقَضَ. وَقَالَ قَوْلًا لَا نَكِيثَةَ فِيهِ، أَيْ لَا خُلْفَ. وَمِنْهُ: طَلَبَ حَاجَةً ثُمَّ انْتَكَثَ لِأُخْرَى. كَأَنَّهُ نَقَضَ عَزْمَهُ الْأَوَّلَ. وَالنِّكْثُ: أَنْ تُنْقَضَ أَخْلَاقُ الْأَكْسِيَةِ وَتُغْزَلَ ثَانِيَةً، وَبِهَا سُمِّيَ الرَّجُلُ نِكْثًا. وَالنَّكِيثَةُ: خُطَّةٌ صَعْبَةٌ يَنْكُثُ فِيهَا الْقَوْمُ. قَالَ طَرَفَةُ:
مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَدِ.

(نَكَحَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْبِضَاعُ. وَنَكَحَ يَنْكِحُ. وَامْرَأَةٌ نَاكِحٌ فِي بَنِي فُلَانٍ، أَيْ ذَاتِ زَوْجٍ مِنْهُمْ. وَالنِّكَاحُ يَكُونُ الْعَقْدَ دُونَ الْوَطْءِ. يُقَالُ نَكَحْتُ: تَزَوَّجْتُ. وَأَنْكَحْتُ غَيْرِي.

(نَكَدَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالدَّالُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الشَّيْءِ إِلَى

(5/475)


طَالِبِهِ بِشِدَّةٍ. وَهَذَا مَطْلَبٌ نَكِدٌ. وَرَجُلٌ نَكِدٌ وَنَكَدٌ. وَيُقَالُ: نَكَدَ الْغُرَابُ: اسْتَقْصَى فِي شَحِيجِهِ، كَأَنَّهُ يَقِيءُ. وَنَاقَةٌ نَكْدَاءُ: لَا لَبَنَ فِيهَا.

(نَكَرَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْقَلْبُ. وَنَكِرَ الشَّيْءَ وَأَنْكَرَهُ: لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لِسَانُهُ. قَالَ:
وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ ... مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا
وَالْبَابُ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا. فَالنُّكْرُ: الدَّهْيُ. وَالنَّكْرَاءُ: الْأَمْرُ الصَّعْبُ الشَّدِيدُ. وَنَكُرَ الْأَمْرُ نَكَارَةً. وَالْإِنْكَارُ: خِلَافُ الِاعْتِرَافِ. وَالتَّنَكُّرُ: التَّنَقُّلُ مِنْ حَالٍ تَسُرُّ إِلَى أُخْرَى تُكْرَهُ. وَيَقُولُونَ لِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْحُوَلَاءِ [مِنْ] دَمٍ وَمَا أَشْبَهَهُ: نَكِرَةٌ.

(نَكَزَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالزَّاءُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى غَرْزِ شَيْءٍ مُمَدَّدٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: نَكَزْتُهُ بِالْحَدِيدِ أَنْكُزُهُ، وَذَلِكَ كَالْغَرْزِ. وَنَكَزَتِ الْحَيَّةُ بِأَنْفِهَا. وَمِنْهُ: نَكَزَ الْمَاءُ: غَاضَ، كَأَنَّهُ كَالشَّيْءِ يَدْخُلُ فِي الْأَرْضِ. وَبِئْرٌ نَاكِزٌ: غَارَ

(5/476)


مَاؤُهَا. وَأَنْكَزَهَا أَصْحَابُهَا. وَهَذَا عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَقَوْا مَاءَهَا ظُنَّ بِهَا أَنَّ مَاءَهَا غَارَ وَنَكَزَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى حِمْيَرِيَّاتٍ كَأَنَّ عُيُونَهَا ... ذِمَامُ الرَّكَايَا أَنْكَزَتْهَا الْمَوَاتِحُ.

(نَكَسَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَلْبِ الشَّيْءِ. مِنْهُ النَّكْسُ: قَلْبُكَ شَيْئًا عَلَى رَأْسِهِ. وَالْوِلَادُ الْمَنْكُوسُ: أَنْ يَخْرُجَ رِجْلَاهُ قَبْلَ رَأْسِهِ. وَالنِّكْسُ: السَّهْمُ الَّذِي يَنْكَسِرُ فُوقُهُ، فَيُجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ. وَيُقَالُ لِلْمَائِقِ: إِنَّهُ لَنِكْسٌ، تَشْبِيهًا بِذَلِكَ. وَالْمُنَكِّسُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي إِذَا جَرَى لَمْ يَسْمُ بِرَأْسِهِ وَلَا هَادِيهِ مِنْ ضَعْفِهِ.

(نَكَشَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْأَتْيِ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: أَتَوْا عَلَى عُشْبٍ فَنَكَشُوهُ. وَيَقُولُونَ: هُوَ بَحْرٌ لَا يُنْكَشُ، كَمَا يَقُولُونَ: لَا يُنْزَفُ.

(نَكَصَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ. يُقَالُ: نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، إِذَا أَحْجَمَ عَنِ الشَّيْءِ خَوْفًا وَجُبْنًا. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ: رَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ ; لَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الرُّجُوعِ عَنِ الْخَيْرِ.

(نَكَظَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالظَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ النَّكْظُ: الدَّفْعُ وَالْعَجَلَةُ. قَالَ:.

(5/477)


[قَدْ] تَجَاوَزْتُهَا عَلَى نَكَظِ الْمَيْ ... طِ إِذَا خَبَّ لَامِعَاتُ الْآلِ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَنْكَظْتُهُ إِنْكَاظًا، وَنَكَظْتُهُ نَكْظًا، إِذَا أَعْجَلْتَهُ.

(نَكَعَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ، وَالْآخَرُ عَلَى حَبْسٍ وَرَدٍّ.
فَالْأَوَّلُ: الْأَنْكَعُ: الْأَحْمَرُ الْمُتَقَشِّرُ الْأَنْفِ. يُقَالُ مِنْهُ نَكِعٌ. وَنَكَعَةُ الطُّرْثُوتِ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى قَدْرِ إِصْبَعٍ، عَلَيْهِ قِشْرَةٌ حَمْرَاءُ. وَشَفَةٌ نَكِعَةٌ، شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ.
وَمِنَ الْأَصْلِ الْآخَرِ: نَكَعَهُ حَقَّهُ، إِذَا حَبَسَهُ عَنْهُ. وَنَكَعَهُ عَنْهُ: دَفَعَهُ. وَنَكَعْتُهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ: دَفَعْتُهُ. وَنَكَعْتُهُ عَنْ حَاجَتِهِ رَدَدْتُهُ عَنْهَا. وَمِنْهُ نَكَعْتُهُ الشَّيْءَ مِثْلُ نَقَصْتُهُ، كَأَنَّكَ دَفَعْتَهُ عَنْ إِكْمَالِهِ أَكْلًا وَشُرْبًا.
وَمِنَ الْبَابِ النَّكُوعُ: الْمَرْأَةُ الْقَصِيرَةُ، وَالْجَمْعُ نُكُعٌ، كَأَنَّهَا حُبِسَتْ عَنْ أَنْ تَطُولَ. وَرَجُلٌ هُكَعَةٌ نُكَعَةٌ: يَثْبُتُ مَكَانَهُ لَا يَبْرَحُ، وَهُوَ مِنَ الْحَبْسِ أَيْضًا.

(نَكَفَ) النُّونُ وَالْكَافُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ وَتَنْحِيَتِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. فَالْأَوَّلُ النَّكْفُ: تَنْحِيَتُكَ الدُّمُوعَ عَنْ خَدِّكَ بِإِصْبَعِكَ. وَيَقُولُونَ: رَأَيْنَا غَيْثًا مَا نَكَفَهُ أَحَدٌ سَارَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ. يَقُولُ: مَا قَطَعَهُ. وَبَحْرٌ لَا يُنْكَفُ،

(5/478)


مِثْلُ لَا يُنْزَحُ، وَالِانْتِكَافُ، خُرُوجٌ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، أَوْ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ. تَقُولُ: أَرَادَ هَذَا وَانْتَكَفَ فَأَرَادَ هَذَا، كَأَنَّهُ قَطَعَ عَزْمَهُ الْأَوَّلَ. وَانْتَكَفَ الْأَثَرَ: وَجَدَهُ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّكَفُ: جَمْعُ نَكَفَةٍ، وَهِيَ غُدَّةٌ فِي أَصْلِ اللَّحْيِ. يُقَالُ: إِبِلٌ مُنَكِّفَةٌ: ظَهَرَتْ نَكَفَاتُهَا.
ثُمَّ قِيسَ عَلَى هَذَا فَقِيلَ: نَكِفَ مِنَ الْأَمْرِ وَاسْتَنْكَفَ، إِذَا أَنِفَ مِنْهُ. مَعْنَى الْقِيَاسِ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا أَنِفَ أَعْرَضَ عَنْهُ وَأَرَاهُ أَصْلَ لَحْيِهِ، كَمَا يُقَالُ أَعْرَضَ إِذَا وَلَّاهُ عَارِضَهُ وَتَرَكَ مُوَاجَهَتَهُ. وَالْأَنِفُ مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ شَمَخَ بِأَنْفِهِ دُونَهُ. وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ هَذَا وَاحِدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ النُّونِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلُثُهُمَا]
(نَمَى) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعٍ وَزِيَادَةٍ.
وَنَمَى الْمَالُ يَنْمِي: زَادَ. وَنَمَى الْخِضَابُ يَنْمِي وَيَنُمُو، إِذَا زَادَ حُمْرَةً وَسَوَادًا. وَتَنَمَّى الشَّيْءُ: ارْتَفَعَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. قَالَ:
يَا حُبَّ لَيْلَى لَا تُغَيَّرْ وَازْدَدِ ... وَانْمِ كَمَا يَنْمِي الْخِضَابُ فِي الْيَدِ

(5/479)


وَانْتَمَى فُلَانٌ إِلَى حَسَبِهِ: انْتَسَبَ. وَنَمَّيْتُ الْحَدِيثَ: أَشَعْتُهُ، وَنَمَيْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَالنَّامِيَةُ: الْخَلْقُ، لِأَنَّهُمْ يَنْمُونَ، أَيْ يَزِيدُونَ: وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا تَمْثُلُوا بِنَامِيَةِ اللَّهِ» ". وَيُقَالُ: نَمَّيْتُ النَّارَ. إِذَا أَلْقَيْتَ عَلَيْهَا شَيُوعًا. وَيُقَالُ: نَمَتِ الرَّمِيَّةُ، إِذَا ارْتَفَعَتْ وَغَابَتْ ثُمَّ مَاتَتْ، وَأَنْمَاهَا صَاحِبُهَا. قَالَ:
فَهِيَ لَا تَنْمِي رَمِيَّتُهُ ... مَا لَهُ لَا عُدَّ مِنْ نَفْرِهْ
وَفِي الْحَدِيثِ: " «كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ» ".

(نَمَرَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى نُجُوعِ شَرَابٍ.
فَالْأَوَّلُ النَّمِرُ، مَعْرُوفٌ، مِنَ اخْتِلَاطِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي لَوْنِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْبَيَاضَ أَكْثَرُ. وَمِنَ النَّمِرِ اشْتُقَّ لَوْنُ السَّحَابِ النُّمْرِ، وَكَذَلِكَ النَّعَمُ النُّمْرُ فِيهَا سَوَادٌ وَبَيَاضٌ. وَكَذَلِكَ النَّمِرَةُ، إِنَّمَا هِيَ كِسَاءٌ مُلَوَّنٌ مُخَطَّطٌ. وَتَنَمَّرَ لِي فُلَانٌ: تَهَدَّدَنِي. وَتَحْقِيقُهُ لَبِسَ لِي جِلْدَ النَّمِرِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ النَّمِيرُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْعَذْبُ النَّامِي فِي الْجَسَدِ النَّاجِعُ. ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيُقَالُ [حَسَبٌ] نَمِيرٌ، أَيْ زَاكٍ.

(نَمَسَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: إِحْدَاهَا تَدُلُّ عَلَى سَتْرِ شَيْءٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى فَسَادِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ. فَالْأُولَى النَّامُوسُ: وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الْإِنْسَانِ. وَنَمَسَ: قَالَ حَدِيثًا فِي سِرٍّ

(5/480)


وَسَتْرٍ. وَالنَّامُوسُ: قُتْرَةُ الصَّائِدِ. وَفِي مُصَنَّفِ الْغَرِيبِ: النَّامُوسُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْأَصْلُ كُلُّهُ وَاحِدٌ. وَنَامَسْتُ فُلَانًا مُنَامَسَةً: سَارَرْتُهُ وَجَعَلْتُهُ مَوْضِعًا لِسِرِّي. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَكُلُّ شَيْءٍ سَتَرْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ نَامُوسٌ لَهُ.
وَالثَّالِثَةُ النَّمَسُ: الْكَدَرُ فِي اللَّوْنِ. يُقَالُ الْقَطَا النُّمْسُ، لِأَنَّ فِي لَوْنِهَا كُدْرَةً. وَالنَّمَسُ: فَسَادُ السَّمْنِ وَالْغَالِيَةِ وَكُلِّ طِيبٍ. وَالنِّمْسُ: دُوَيْبَّةٌ، سُمِّيَتْ لِلَوْنِهَا. فَأَمَّا قَوْلُ حُمَيْدٍ:
كَتَوَاهُقِ النِّمْسِ
فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَرَادَ هَذِهِ الدَّوَابَّ. وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ: " النُّمْسِ "، قَالَ: وَهِيَ الْقَطَا جَمْعُ أَنْمَسٍ.

(نَمَشَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالشِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَخْطِيطٍ فِي شَيْءٍ. مِنْهُ النَّمَشُ، وَهِيَ خُطُوطُ النُّقُوشِ، وَالنَّعْتُ نَمِشٌ. وَمِنَ الْبَابِ النَّمْشُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَابِثُ إِذَا الْتَقَطَ شَيْئًا وَخَطَّطَ بِأَصَابِعِهِ. قَالَ:
قُلْتُ لَهَا وَأُولِعَتْ بِالنَّمْشِ
وَنَمَشَ الْجَرَادُ الْأَرْضَ: جَرَدَهَا.

(نَمَصَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالصَّادُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الشَّعْرِ أَوْ نَتْفٍ لَهُ. فَالنَّمَصُ: رِقَّةُ الشَّعْرِ. وَالْمِنْمَاصُ: الْمِنْقَاشُ. وَشَعْرٌ نَمِيصٌ، وَنَبْتٌ نَمِيصٌ: نَتَفَتْهُ الْمَاشِيَةُ بِأَفْوَاهِهَا.

(5/481)


(نَمَطَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالطَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعٍ. وَالنَّمَطُ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ، يَلْحَقُ بِهِمُ التَّالِي وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمُ الْغَالِي» ".

(نَمَغَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَعْلَى شَيْءٍ. وَنَمَغَةُ الْجَبَلِ: أَعْلَاهُ. وَالنَّمَغَةُ: مَا تَحَرَّكَ مِنْ يَافُوخِ الصَّبِيِّ أَوَّلَ مَا يُولَدُ.

(نَمَقَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْسِينِ شَيْءٍ وَتَجْوِيدِهِ. وَنَمَقْتُ الْكِتَابَ وَنَمَّقْتُهُ: نَقَشْتُهُ وَصَوَّرْتُهُ. قَالَ:
كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا ... عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوَانِعُ.

(نَمَلَ) النُّونُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ كَلِمَاتُهُ تَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ وَصِغَرٍ وَخِفَّةٍ. مِنْهُ النَّمْلُ: جَمْعُ نَمْلَةٍ. وَطَعَامٌ مَنْمُولٌ: أَصَابَهُ النَّمْلُ. وَفَرَسٌ نَمِلُ الْقَوَائِمِ: خَفِيفُهَا، كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالنَّمْلِ. وَالنَّمْلَةُ: قَرْحَةٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ، كَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِهَا لِتَفَشِّيهَا وَانْتِشَارِهَا، شُبِّهَتْ بِالنَّمْلَةِ وَدَبِيبِهَا. وَالْأَنْمُلَةُ: وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ، وَهِيَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ.
وَيَقُولُونَ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا: إِنَّ النَّمْلَةَ: شَقٌّ يَكُونُ فِي حَافِرِ الْفَرَسِ مِنَ الْأَشْعَرِ إِلَى الْمَقَطِّ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ النُّمْلَةُ بِالضَّمِّ فِي النُّونِ وَالسُّكُونِ فِي الْمِيمِ هِيَ النَّمِيمَةُ. وَيُقَالُ: نَمَلَ، إِذَا نَمَّ.

(5/482)


[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلَهُ نُونٌ]
مِنْ ذَلِكَ (النَّهْشَلُ) : الذِّئْبُ، وَيُقَالُ الصَّقْرُ. وَهُوَ مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: نَشَلَ وَنَهَشَ، كَأَنَّهُ يَنْشُلُ اللَّحْمَ وَيَنْهَشُهُ، وَقَدْ فُسِّرَا جَمِيعًا.

وَمِنْ ذَلِكَ (النَّهَابِرُ) : الْمَهَالِكُ. وَهُوَ مَنْحُوتٌ مِنْ نَهَبَ وَنَهَرَ. وَالنَّهْبُ مِنَ الِانْتِهَابِ. وَنَهَرَ مِنْ نَهْرِ الْفَتْقِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ نَهَبَ وَنَهَرَ وَضَيَّعَ. وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

وَ (نَهْبَرَ) الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ: أَتَى بِهِ عَلَى غَيْرِ جِهَتِهِ، وَهُوَ مِنْ نَهَبَ، كَأَنَّهُ يَنْتَهِبُ الْكَلَامَ، وَمَنْ نَهَرَ، كَأَنَّهُ يَتَوَسَّعُ فِيهِ.

وَمِنْهُ (النَّهْبَلَةُ) النَّاقَةُ الضَّخْمَةُ. وَالنَّهْبَلَةُ: الْعَجُوزُ. وَالنَّهْبَلُ: الشَّيْخُ. وَهَذِهِ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَالْأَصْلُ هَاءٌ وَبَاءٌ وَلَامٌ. يَقُولُونَ لِلشَّيْخِ هِبِلٌّ، وَلِلْعَجُوزِ هِبِلَّةٌ.

وَمِنْهُ (النَّقْرَشَةُ) : الْحِسُّ الْخَفِيُّ، كَحِسِّ الْفَارَةِ وَالْيَرْبُوعِ. قَالَ:
يَا أَيُّهَا ذَا الْجُرَذُ الْمُنَقْرِشُ
وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ نَقَرَ وَقَرَشَ وَنَقَشَ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ يَنْقُرُ شَيْئًا، وَيَقْرِشُهُ: يَجْمَعُهُ، وَيَنْقُشُهُ كَمَا يُنْقَشُ الشَّيْءُ بِالْمِنْقَاشِ.

وَمِنْهُ (النِّقْرِسُ) : الدَّاهِيَةُ مِنَ الْأَدِلَّاءِ. وَدَلِيلٌ نِقْرِسٌ، وَطَبِيبٌ نِقْرِسٌ وَنِقْرِيسٌ: حَاذِقٌ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ السِّينُ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّقْرِ، كَأَنَّهُ يَنْقُرُ عَنِ الْأَشْيَاءِ، أَيْ يَبْحَثُ عَنْهَا.

(5/483)


وَمِنْهُ (النَّقْثَلَةُ) : مِشْيَةٌ يُثِيرُ فِيهَا الرَّجُلُ التُّرَابَ إِذَا مَشَى. قَالَ:
وَتَارَةً أَنْبُثُ نَبْثَ النَّقْثَلَهْ
وَهُوَ مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: نَقَثَ مِنَ النَّقْثِ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ، وَمَنْ نَقَلَ، مِنْ نَقْلِ الْقَوَائِمِ. وَقَدْ فَسَّرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى.

وَمِنْهُ (النُّمْرُقَةُ) : الْوِسَادَةُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْقَافُ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ النَّمِرَةِ وَهِيَ الْكِسَاءُ الْمُخَطَّطُ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(تَمَّ كِتَابُ النُّونِ) .

(5/484)


[كِتَابُ الْهَاءِ] [بَابُ الْهَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كِتَابُ الْهَاءِ
(بَابُ الْهَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ)
(هُوَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِ اللُّغَةِ، وَهِيَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَصْلُ هَاءٌ ضُمَّتْ إِلَيْهِ وَاوٌ. مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُثَقِّلُهَا فَيَقُولُ: هُوَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوْ.

(هِيَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ، وَالْهَاءُ وَالْهَمْزَةُ يَجْرِيَانِ مَجْرَى مَا قَبْلَهُمَا. عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَدْرِي أَيُّ هَيِّ بْنِ بَيٍّ هُوَ. مَعْنَاهُ أَيُّ النَّاسِ هُوَ. وَهَذَا عِنْدَنَا مِمَّا دَرَجَ عِلْمُهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: " لَوْ كَانَ ذَاكَ فِي الْهَيْءِ وَالْجَيْءِ مَا نَفَعَهُ "، وَالْهَيْءُ:

(6/3)


الطَّعَامُ. وَالْجَيْءُ: الشَّرَابُ، وَاللَّفْظَتَانِ لَا تَدُلَّانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ. وَيَقُولُونَ: هَأْهَأْتُ بِالْإِبِلِ، إِذَا دَعَوْتَهَا لِلْعَلَفِ. وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ. وَأَنْشَدُوا:
وَمَا كَانَ عَلَى الْهَيْءِ ... وَلَا الْجَيءِ امْتِدَاحِيكَا
وَالْهَاءُ، هَذَا الْحَرْفُ وَهَا تَنْبِيهٌ. وَمِنْ شَأْنِهِمْ إِذَا أَرَادُوا تَعْظِيمَ شَيْءٍ أَنْ يُكْثِرُوا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ وَالْإِشَارَةِ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} [آل عمران: 66] ، ثُمَّ قَالَ الشَّاعِرُ:
هَا إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ ... فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَدْ تَاهَ فِي الْبَلَدِ
وَيَقُولُونَ فِي الْيَمِينِ: لَا هَا اللَّهِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَاءً تَكُونُ تَلْبِيَةً. قَالَ:
لَا بَلْ يُجِيبُكَ حِينَ تَدْعُو بِاسْمِهِ ... فَيَقُولُ هَاءً وَطَالَ مَا لَبَّى
هَاءَ يَهُوءُ الرَّجُلُ هَوْءًا. وَالْهَوْءُ: الْهِمَّةُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: يَا هَيْءَ مَالِي، تَأَسُّفٌ.

(هَبَّ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ مُعْظَمُ بَابِهِ الِانْتِبَاهُ وَالِاهْتِزَازُ وَالْحَرَكَةُ، وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى رِقَّةِ شَيْءٍ.
الْأَوَّلُ هَبَّتِ الرِّيحُ تَهُبُّ هُبُوبًا. وَهَبَّ النَّائِمُ يَهُبُّ هَبَّا. وَمِنْ أَيْنَ هَبَبْتَ يَا فُلَانُ، كَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ، مِنْ أَيْنَ انْتَبَهْتَ لَنَا. وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ:

(6/4)


غَابَ فُلَانٌ ثُمَّ هَبَّ. وَيَقُولُونَ: هَبَّ يَفْعَلُ كَذَا، كَمَا يُقَالُ: طَفِقَ يَفْعَلُ. وَهَزَزْتُ السَّيْفَ فَهَبَّ هَبَّةً. وَهَبَّتُهُ: هِزَّتُهُ وَمَضَاؤُهُ فِي ضَرِيبَتِهِ. وَسَيْفٌ ذُو هَبَّةٍ. وَهَبَّ الْبَعِيرُ فِي السَّيْرِ: نَشِطَ، هِبَابًا. قَالَ لَبِيَدٌ:
فَلَهَا هِبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَا ... صَهْبَاءُ رَاحَ مَعَ الْجَنُوبِ جَهَامُهَا
وَهَبَّ التَّيْسُ لِلسِّفَادِ هَبِيبًا، وَاهْتَبَّ، وَهُوَ مِهْبَابٌ. وَهَبْهَبْتُ بِهِ: دَعْوَتُهُ لِيَنْزُوَ. وَيُقَالُ الْهَبْهَبِيُّ: الرَّاعِي ; وَالْفَتَى السَّرِيعُ فِي الْخِدْمَةِ هَبْهَبِيٌّ. وَيَقُولُونَ: عِشْنَا بِذَاكَ هِبَّةً مِنَ الدَّهْرِ، أَيْ سَنَةً وَوَقْتًا هَبَّ لَنَا.
وَالْبَابُ الْآخَرُ تَهَبَّبَ الثَّوْبُ: بَلِيَ. وَيُقَالُ لِقِطَعِ الثَّوْبِ: هِبَبٌ. وَهَبْهَبَ السَّرَابُ: تَرَقْرَقَ. وَالْهَبْهَابُ: السَّرَابُ. وَمَا أَقْرَبَ هَذَا مِنَ الْأَوَّلِ. وَمِمَّا يُشْكِلُ عِنْدِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُمْ: هَبْهُ فَعَلَ كَذَا، وَهَبْنِي فَعَلْتُهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ وَهَبَ لِأَنَّ اللَّفْظَةَ عَلَى هَذَا تَدُلُّ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ مُشْكِلٌ. وَيَقُولُونَ لِلْخَيْلِ: هَبِي، أَيْ أَقْبِلِي. وَهَذِهِ حِكَايَةُ صَوْتٍ.

(هَتَّ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ يَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ، لَيْسَتْ فِيهِ لُغَةٌ أَصْلِيَّةٌ. يُقَالُ: هَتَّ الْبَكْرُ فِي صَوْتِهِ: عَصَرَ صَوْتَهُ. وَهَتَتُّ الْكَلِمَةَ. وَالْهَتِيتُ: مُتَابَعَةٌ وَمُدَارَكَةٌ. يُقَالُ: هَتَّ هَتًّا وَهَتِيتًا. وَيَقُولُونَ: رَجُلٌ مِهَتٌّ: خَفِيفٌ فِي الْعَمَلِ. وَالْهَتْهَتَةُ: الْتِوَاءُ الْكَلَامِ. وَالْهَتُّ: تَمْزِيقُ الثَّوْبِ. وَالْهَتُّ: الْكَسْرُ.

(6/5)


وَيَقُولُونَ: سَمِعْتُ هَتَّ قَوَائِمِ الْبَعِيرِ عِنْدَ وَقْعِهَا بِالْأَرْضِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوهُ لَمَا رَأَيْتُ لِذِكْرِهِ وَجْهًا.

(هَثَّ) الْهَاءُ وَالثَّاءُ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمُعْظَمُهُ الِاخْتِلَاطُ. يَقُولُونَ: الْهَثْهَثَةُ: الِاخْتِلَاطُ. وَهَثْهَثَتِ السَّحَابَةُ بِثَلْجِهَا وَقَطْرِهَا: أَرْسَلَتْهُ بِسُرْعَةٍ: وَهَثْهَثَ الْوَالِي: ظَلَمَ قَالَ:

وَهَثْهَثُوا فَكَثُرَ الْهَثْهَاثُ

(هَجَّ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غُمُوضٍ فِي شَيْءٍ وَاخْتِلَاطٍ، وَمِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حِكَايَةِ صَوْتٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: هَجَّتْ عَيْنُهُ: غَارَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْغُمُوضِ. وَالْهَجَاجَةُ: الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا يَهْتَدِي لِلْأُمُورِ، فَكَأَنَّهَا قَدْ عُمِّيَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ: رَكِبَ فُلَانٌ هَجَاجِ، عَلَى فَعَالِ، إِذَا رَكِبَ الْعَمْيَاءَ الْمُظْلِمَةَ. وَأَنْشَدَ:

وَقَدْ رَكِبُوا عَلَى لَوْمِي هَجَاجِ
وَالْهَجِيجُ: الْوَادِي الْعَمِيقُ ; وَهُوَ مِنَ الْغُمُوضِ أَيْضًا.
وَالْبَابُ الْآخَرُ قَوْلُهُمْ: هَجْهَجْتُ بِالسَّبُعِ: صِحْتُ بِهِ. وَهَجْهَجَ الْفَحْلُ فِي هَدِيرِهِ.

(6/6)


وَهَجٍْ: زَجْرٌ لِلْكَلْبِ. قَالَ:
سَفَرَتْ فَقُلْتُ لَهَا هَجٍِ فَتَبَرْقَعَتْ ... فَذَكَرْتُ حِينَ تَبَرْقَعَتْ ضَبَّارَا
وَضَبَّارٌ: كَلْبٌ. وَهَجِيجُ النَّارِ: أَجِيجُهَا. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَاءٌ هُجَهِجٌ. لَا عَذْبٌ وَلَا مِلْحٌ، فَمِنَ الْإِبْدَالِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَاءِ وَالزَّاءِ.

(هَدَّ) الْهَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَهَضْمٍ وَهَدْمٍ. وَهَدَدْتُهُ هَدًّا: هَدَمْتُهُ. وَيَرْجِعُ الْبَابُ كُلُّهُ إِلَى هَذَا الْقِيَاسِ. فَالْهَدُّ مِنَ الرِّجَالِ: الضَّعِيفُ، كَأَنَّهُ هُدَّ. وَرِجَالٌ هَدُّونَ. وَقَدْ خُولِفَ الْأَصْمَعِيُّ فَخَبَّرَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ، عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَا: الْهَدُّ مِنَ الرِّجَالِ: الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، وَالْجَبَانُ هِدٌّ بِالْكَسْرِ. وَأَنْشَدُوا:
لَيْسُوا بِهَدِّينَ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ... تُعْقَدُ فَوْقَ الْحَرَاقِفِ النُّطُقُ
فَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْجَبَانُ هِدٌّ، أَيْ مَهْدُودٌ، كَذِبْحٍ لِلْمَذْبُوحِ. وَالْهَدُّ: الْكَرِيمُ الْهَادُّ لِمَالِهِ.
وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأَصْوَاتِ الْهَدَّةِ: صَوْتُ وَقْعِ الْحَائِطِ. وَالْهُدْهُدُ مَعْرُوفٌ.

(6/7)


وَهَدْهَدَ الْحَمَامُ: صَوَّتَ. وَهَدْهَدَتِ الْمَرْأَةُ ابْنَهَا: حَرَّكَتْهُ لِيَنَامَ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ قِيَاسًا، قَوْلُهُمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ هَدَّكَ مِنْ رَجُلٍ، كَقَوْلِهِمْ: حَسْبُكَ مِنْ رَجُلٍ. وَهِيَ كَلِمَةٌ كَذَا تُقَالُ. قَالَ:
وَلِي صَاحِبٌ فِي الْغَارِ هَدَّكَ صَاحِبًا ... هُوَ الْجَوْنُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُعَلَّلُ

(هَذَّ) الْهَاءُ وَالذَّالُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ. وَهَذَّهُ: قَطَعَهُ. وَسِكِّينٌ هَذُوذٌ. وَهَذَاذَيْكَ مِنَ الْهَذِّ: سُرْعَةُ الْقَطْعِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَحْكِمِ الْأَمْرَ وَاقْطَعْهُ.

(هَرَّ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ: أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ. يَقُولُونَ: الْهِرُّ: دُعَاءُ الْغَنَمِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: " لَا يَعْرِفُ هِرًّا مِنْ بِرٍّ ". وَالْبِرُّ: سَوْقُ الْغَنَمِ. وَالْهِرَّةُ: السِّنَّوْرَةُ، وَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ لِصَوْتِهَا إِذَا هَرَّتْ. [وَهَرَّ الشَّوْكُ، إِذَا اشْتَدَّ يُبْسُهُ، وَلَهُ حِينَئِذٍ هَرِيرٌ] وَزَجَلٌ. قَالَ:
رَعَيْنَ الشَّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى ... إِذَا مَا هَرَّ وَامْتَنَعَ الْمَذَاقَا
قَالَ: وَالْهُرْهُورُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ الَّذِي إِذَا جَرَى سَمِعْتَ لَهُ هَرْهَرَةً. وَيَقُولُونَ: هَرَّ فُلَانٌ الْكَأْسَ: كَرِهَهَا. وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ ذَاكَ لِأَنَّهُ يَهِرُّ فِي وَجْهِ مَنْ يَسْقِيهِ.

(6/8)


وَمِمَّا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ الْهُرَارُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ، نَاقَةٌ مَهْرُورَةٌ. وَرَأْسُ هِرٍّ: مَكَانٌ.

(هَزَّ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي شَيْءٍ وَحَرَكَةٍ. وَهَزَزْتُ الْقَنَاةَ فَاهْتَزَّتْ. وَاهْتَزَّ النَّبَاتُ، وَهَزَّتْهُ الرِّيحُ. وَهَزَّ الْحَادِي الْإِبِلَ بِحُدَائِهِ وَاهْتَزَّتْ هِيَ فِي سَيْرِهَا. وَهَزِيزُ الرِّيحِ: حَرَكَتُهَا وَصَوْتُهَا.
وَمِنَ الْبَابِ الْهَزَاهِزُ: الْفِتَنُ يَهْتَزُّ فِيهَا النَّاسُ. وَسَيْفٌ هَزْهَازٌ وَهُزْهُزٌ: صَافٍ حَسَنُ الِاهْتِزَازِ. وَمَاءٌ هُزَهِزٌ: اهْتَزَّ فِي جَرَيَانِهِ. وَالْكَوْكَبُ فِي انْقِضَاضِهِ يَهْتَزُّ. وَالْهُزَهِزُ: الرَّجُلُ الْخَفِيفُ، وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدٌ.

(هَسَّ) الْهَاءُ وَالسِّينُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى أَصْوَاتٍ وَاخْتِلَاطٍ، كَالْهَسِيسِ. وَهَسَاهِسُ الْجِنِّ مِثْلُ هَثَاهِثِهِمْ. وَقَوْلُهُمْ: رَاعٍ هَسْهَاسٌ، مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، مِثْلُ قَسْقَاسٌ، إِذَا رَعَى الْغَنَمَ اللَّيْلَ كُلَّهُ.

(هَشَّ) الْهَاءُ وَالشِّينُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَخَاوَةٍ وَلِينٍ. وَالرِّخْوُ اللَّيِّنُ هَشٌّ. وَمِنْهُ رَجُلٌ هَشٌّ: طَلْقُ الْمُحَيَّا، وَقَدْ هَشِشْتَ، وَذُو هَشَاشٍ. وَالْفَرَسُ الْهَشُّ: الْكَثِيرُ الْعَرَقِ. وَشَاةٌ هَشُوشٌ: ثَرَّةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ هَشَشْتُ الْوَرَقَ هَشًّا: خَبَطْتُهُ بِعَصَا.

(6/9)


(هَصَّ) الْهَاءُ وَالصَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَمْزِ الشَّيْءِ. يَقُولُونَ لِلذِّئْبِ: هُصْهُصٌ. وَهَصْهَصْتُ الشَّيْءَ: غَمَزْتُهُ. وَيَقُولُونَ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ: إِنَّ الْهَاصَّةَ: عَيْنُ الْفِيلِ، وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا يُسْمَعُ.

(هَضَّ) الْهَاءُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى رَضٍّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَضَضْتُ الشَّيْءَ وَهَضْهَضْتُهُ: كَسَرْتُهُ. وَالْهَضْهَاضُ: الْفَحْلُ الَّذِي يَهُضُّ أَعْنَاقَ الْفُحُولِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْهَضَّاءُ: الْجَمَاعَةَ مِنَ النَّاسِ مِنْ هَذَا.

(هَفَّ) الْهَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ فِي سَيْرٍ وَصَوْتٍ. فَالْهَفِيفُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا مَا نَعَسْنَا نَعْسَةً قُلْتُ غَنِّنَا ... بِخَرْقَاءَ وَارْفَعْ مِنْ هَفِيفِ الرَّوَاحِلِ
وَمِنْهُ الرِّيحُ الْهَفَّافَةُ: الْخَفِيفَةُ الْهُبُوبِ. وَالظِّلُّ الْهَفَّافُ: السَّاكِنُ. وَمِنْهُ قَمِيصٌ هَفْهَافٌ: رَقِيقٌ. وَالْهِفُّ: الَّذِي هَرَاقَ مَاءَهُ وَخَفَّ مِنَ السَّحَابِ. وَالْهَفَّافُ: الْبَرَّاقُ. وَالشُّهْدُ الْهِفُّ: الرَّقِيقُ الْقَلِيلُ الْعَسَلِ، سُمِّي لِخِفَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِفُّ مِنَ الزَّرْعِ: الَّذِي يُؤَخَّرُ حَصَادُهُ فَيَنْتَثِرُ حَبُّهُ. وَمِنْهُ الْمَرْأَةُ الْمُهَفْهَفَةُ: الْخَمِيصَةُ الدَّقِيقَةُ الْخَصْرِ. وَالْيَهْفُوفُ: الْأَحْمَقُ لِخِفَّةِ عَقْلِهِ ; وَيُقَالُ هُوَ الْجَبَانُ.

(6/10)


(هَكَّ) الْهَاءُ وَالْكَافُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْفِرَاجٍ فِي شَيْءٍ أَوْ شَقٍّ. يُقَالُ انْهَكَّ صَلَا الْمَرْأَةِ انْهِكَاكًا: انْفَرَجَ عِنْدَ الْوِلَادِ. وَيَقُولُونَ: هَكَّهُ بِالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ. وَالْهَكُّ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ، لِأَنَّهُ يَهُكُّ الْأَرْضَ. وَانْهَكَّتِ الْبِئْرُ: تَهَوَّرَتْ.

(هَلَّ) الْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ صَوْتٍ، ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ فَيُسَمَّى الشَّيْءُ الَّذِي يُصَوَّتُ عِنْدَهُ بِبَعْضِ أَلْفَاظِ الْهَاءِ وَاللَّامِ. ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهَذَا الْمُسَمَّى غَيْرُهُ فَيُسَمَّى بِهِ.
وَالْأَصْلُ قَوْلُهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صَارِخًا: صَوَّتَ عِنْدَ وِلَادِهِ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ فِي الْإِهْلَالِ:
يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا ... كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ
وَيُقَالُ: انْهَلَّ الْمَطَرُ فِي شِدَّةِ صَوْبِهِ وَصَوْتِهِ انْهِلَالًا.
وَأَمَّا الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى هَذَا لِلْقُرْبِ وَالْجِوَارِ فَالْهِلَالُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، سُمِّيَ بِهِ لِإِهْلَالِ النَّاسِ عِنْدَ نَظَرِهِمْ إِلَيْهِ مُكَبِّرِينَ وَدَاعِينَ. وَيُسَمَّى هِلَالًا أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ. يُقَالُ أَهَلَّ الْهِلَالُ وَاسْتُهِلَّ. ثُمَّ قِيلَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ تَهَلَّلَ السَّحَابُ بِبَرَقِهِ: تَلَأْلَأَ، كَأَنَّ الْبَرْقَ شُبِّهَ بِالْهِلَالِ.
وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْضًا الْهِلَالُ: سِنَانٌ لَهُ شُعْبَتَانِ. وَالْهِلَالُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي أَسْفَلِ الرَّكِيِّ. وَالْهِلَالُ أَيْضًا: ضَرْبٌ مِنَ الْحَيَّاتِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(6/11)


إِلَيْكَ ابْتَذَلْنَا كُلَّ وَهْمٍ كَأَنَّهُ ... هِلَالٌ بَدَا فِي رَمْضَةٍ يَتَقَلَّبُ
وَيَقُولُونَ: الْهِلَالُ: سَلْخُ الْحَيَّةِ. وَالْهِلَالُ: طَرَفُ الرَّحَى إِذَا انْكَسَرَ مِنْهَا. وَيَقُولُونَ: ثَوْبٌ هَلْهَلٌ: سَخِيفُ النَّسْجِ، كَأَنَّهُ فِي رِقَّتِهِ ضَوْءُ الْهِلَالِ. وَشِعْرٌ هَلْهَلٌ: رَقِيقٌ. وَسُمِّيَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ رَبِيعَةَ مُهَلْهِلًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَقَّقَ الشِّعْرَ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ سُمِّيَ مُهَلْهِلًا بِقَوْلِهِ:
لَمَّا تَوَعَّرَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْتُ أَثْأَرُ جَابِرًا أَوْ صِنْبِلَا
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ إِدْرَاكَهُ صَوَّتَ مُتَدَارِكًا. وَيُقَالُ الْهُلَاهِلُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ فِي جَرَيَانِهِ صَوْتًا ; وَهُوَ [فِي] الْأَصْلِ هُرَاهِرُ. وَالْهِلَالُ: مَا يَضُمُّ بَيْنَ حِنْوَيِ الرَّحْلَ، وَالْجَمْعُ أَهِلَّةٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ: حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى قِرْنِهِ ثُمَّ هَلَّلَ، إِذَا أَحْجَمَ. فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَلَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَلَكِنْ وَدِيقَةٌ ... يَظَلُّ بِهَا السَّارِي يُهِلُّ وَيَنْقَعُ

(6/12)


وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ: هَلَا: قِرِي، صَوْتٌ يُصَوَّتُ بِهِ لَهَا.

(هَمَّ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَوْبٍ وَجَرَيَانٍ وَدَبِيبٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. مِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: هَمَّنِي الشَّيْءُ: أَذَابَنِي. وَانْهَمَّ الشَّحْمُ: ذَابَ. وَالْهَامُومُ: الشَّحْمُ الْكَثِيرُ الْإِهَالَةِ. وَالسَّحَابُ الْهَامُومُ: الْكَثِيرُ الصَّوْبِ. وَالْهَمُومُ: الْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ:

إِنَّ لَهَا قَلَيْذَمًا هَمُومًا.
وَالْهَمِيمَةُ: الْمَطْرَةُ الْخَفِيفَةُ، وَالرِّيحُ الرَّيْدَانَةُ: اللَّيِّنَةُ الْهُبُوبِ. وَالْهَوَامُّ: حَشَرَاتُ الْأَرْضِ، سُمِّيَتْ لِهَمِيمِهَا، أَيْ دَبِيبِهَا. قَالَ:
تَرَى أَثَرَهُ فِي صَفْحَتَيْهِ كَأَنَّهُ ... مِدْرَاجُ شِبْثَانٍ لَهُنَّ هَمِيمُ
وَهَمَّمَ فِي رَأْسِهِ: جَعَلَ أَصَابِعَهُ فِي خِلَالِ شَعْرِهِ، يَجِيءُ بِهَا وَيَذْهَبُ لِيَنَامَ، كَأَنَّ أَصَابِعَهُ تَدِبُّ فِي خِلَالِ شَعْرِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْهِمُّ: الرَّجُلُ الْمُسِنُّ ; وَالْمَرْأَةُ هِمَّةٌ، كَأَنَّهُمَا قَدْ ذَابَا مِنَ الْكِبَرِ.
وَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي هُوَ الْحُزْنُ فَعِنْدَنَا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لِشِدَّتِهِ يَهُمُّ، أَيْ يُذِيبُ. وَالْهَمُّ: مَا هَمَمْتَ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِمَّةُ، ثُمَّ تُشْتَقُّ مِنَ الْهِمَّةِ: الْهُمَامُ: الْمَلِكُ الْعَظِيمُ الْهِمَّةِ. وَمُهِمُّ الْأَمْرِ: شَدِيدُهُ. وَأَهَمَّنِي: أَقْلَقَنِي. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ. وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:

(6/13)


عَادِلًا غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ طُرًّا ... بِهِمُ لَا هَمَامِ لِي لَا هَمَامِ
فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا أُهِمَّ بِذَلِكَ وَلَا أَفْعَلُهُ. وَقَدْ فَسَّرْنَا مَعْنَى الْهِمَّةِ.

(هَنَّ) الْهَاءُ وَالنُّونُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ مِنَ اللَّحْمِ، وَفِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي نَنْسُبُهُ إِلَى الْإِشْكَالِ، وَإِنْ كَانَ عُلَمَاؤُنَا قَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ.
فَالْأَوَّلُ الْهَنَّةُ، يُقَالُ إِنَّهَا شَحْمَةُ بَاطِنِ الْعَيْنِ، كَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ. وَالْهُنَانَةُ: الشَّحْمَةُ. وَيُقَالُ: مَا بِهَذَا الْبَعِيرِ هَانَّةٌ، كَمَا يُقَالُ: مَا بِهِ طِرْقٌ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ الْآخَرُ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: اجْلِسْ هَا هُنَا قَرِيبًا، وَتَنَحَّ هَا هَنَّا، أَيْ تَبَاعَدْ. فَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى:
لَاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرَةٍ أَمْ مَنْ ... جَاءَ مِنْهَا بِطَائِفِ الْأَهْوَالِ
قَالُوا: مَعْنَاهُ لَيْسَتْ جُبَيْرَةً حَيْثُ تَوَهَّمْتَ، يُوئِسُهُ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّاعِي:
أَفِي أَثَرِ الْأَظْعَانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ ... نَعَمْ لَاتَ هَنَّا إِنَّ قَلْبَكَ مِتْيَحُ
قَالُوا: مَعْنَاهُ لَيْسَ الْأَمْرُ حَيْثُ ذَهَبْتَ. وَقَوْلُ الْآخَرِ:
حَنَّتْ نَوَارُ وَلَاتَ هَنَّا حَنَّتِ

(6/14)


يَقُولُ: لَيْسَ ذَا مَوْضِعَ حَنِينٍ. وَقَوْلُهُ:

لَمَّا رَأَيْتُ مِحْمَلَيْهَا هَنَّا.
أَرَادَ هَاهُنَا. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ:
لَمَّا رَأَى الدَّارَ خَلَاءً هَنَّا
قَالَ: بَكَى. يُقَالُ هَنَّ، إِذَا بَكَى. وَإِنَّمَا نَقِفُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ حَيْثُ وُقِّفْنَا، وَإِلَّا فَمَا أَحْسَبُ أَحَدًا مِنْهُمْ لَخَّصَهَا وَلَا فَسَّرَهَا بَعْدُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْوَاوِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَوِيَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ وَسُقُوطٍ. أَصْلُهُ الْهَوَاءُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سُمِّيَ لِخُلُوِّهِ. قَالُوا: وَكُلُّ خَالٍ هَوَاءٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43] ، أَيْ خَالِيَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ زُهَيْرٌ:
كَأَنَّ الرَّحْلَ مِنْهَا فَوْقَ صَعَلٍ ... مِنَ الظِّلْمَانِ جُؤْجُؤْهُ هَوَاءُ
وَيُقَالُ هَوَى الشَّيْءُ يَهْوِي: سَقَطَ. وَهَاوِيَةُ: جَهَنَّمُ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ يَهْوِي فِيهَا. وَالْهَاوِيَةُ: كُلُّ مَهْوَاةٍ. وَالْهُوَّةُ: الْوَهْدَةُ الْعَمِيقَةُ. وَأَهْوَى إِلَيْهِ بِيَدِهِ لِيَأْخُذَهُ،

(6/15)


كَأَنَّهُ رَمَى إِلَيْهِ بِيَدِهِ إِذَا أَرْسَلَهَا. وَتَهَاوَى الْقَوْمُ فِي الْمَهْوَاةِ: سَقَطَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. وَيَقُولُونَ: الْهَوِيُّ ذَهَابٌ فِي انْحِدَارٍ، وَالْهُوِيِّ فِي الِارْتِفَاعِ. قَالَ زُهَيْرٌ فِي الْهَوِيِّ:
يَشُقُّ بِهَا الْأَمَاعِزَ فَهْيَ تَهْوِي ... هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ فِي الْهُوِيِّ:
وَإِذَا رَمَيْتَ بِهِ الْفِجَاجَ رَأَيْتَهُ ... يَهْوِي مَخَارِمَهَا هُوِيَّ الْأَجْدَلِ
وَهَوَتِ الطَّعْنَةُ: فَتَحَتْ فَاهَا تَهْوِي، وَهُوَ مِنَ الْهَوَاءِ: الْخَالِي. وَهَوَتْ أُمُّهُ: شَتْمٌ، أَيْ سَقَطَتْ وَهَلَكَتْ. وَ " أُمُّهُ هَاوِيَةٌ " كَمَا يُقَالُ: ثَاكِلَةٌ. وَالْمَهْوَى: بُعْدُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُنْتَصِبَيْنِ، حَتَّى يُقَالَ ذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ.
وَأَمَّا الْهَوَى: هَوَى النَّفْسِ، فَمِنَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ خَالٍ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَيَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] ، يُقَالُ مِنْهُ هَوِيتُ أَهْوَى هَوًى. وَأَمَّا الْمُهَاوَاةُ فَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو أَنَّهَا الْمُلَاجَّةُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: شِدَّةُ السَّيْرِ. وَأَنْشَدَ:
فَلَمْ تَسْتَطِعْ مَيٌّ مُهَاوَاتَنَا السُّرَى ... وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي الْبُرِينَ خَوَاضِعِ

(6/16)


وَالَّذِي قَالَهُ فَصِيحٌ: أَمَّا الْمُلَاجَّةُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُحِبُّ هَوَى صَاحِبِهِ. وَأَمَّا السَّيْرُ فَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّرَامِي بِالْأَبْدَانِ عِنْدَ السَّيْرِ.

(هَوَبَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْبَاءُ: لَيْسَ بِأَصْلٍ جَيِّدٍ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْهَوْبُ: الْمُخَلِّطُ. وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ فِي طَرَائِفِهِ أَصَابَنِي هَوْبُ النَّارِ: وَهَجُهَا.

(هَوَتَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ: قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. يَقُولُونَ: الْهَوْتَةُ: الطَّرِيقُ إِلَى الْمَاءِ. وَصَبَّ اللَّهُ عَلَيْهِ الْهَوْتَةَ وَالْمَوْتَةَ، شَتْمٌ، قَالَهُ الْخَلِيلُ.

(هَوَجَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَسَرُّعٍ وَتَعَسُّفٍ. يَقُولُونَ: الْأَهْوَجُ: الرَّجُلُ الْمُتَسَرِّعُ. وَالْهَوْجَاءُ: النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ، كَأَنَّ بِهَا هَوَجًا. وَالْهَوْجَاءُ: الرِّيحُ الَّتِي تَقْلَعُ الْبُيُوتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَهُبُّ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ هُبُوبًا مُتَدَارِكًا. وَيَقُولُونَ: الْهَاجَةُ: الضِّفْدِعَةُ.

(هَوَدَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِرْوَادٍ وَسُكُونٍ. يَقُولُونَ: [التَّهْوِيدُ] : الْمَشْيُ الرُّوَيْدُ. وَيَقُولُونَ: هَوَّدَ، إِذَا نَامَ. وَهَوَّدَ الشَّرَابُ نَفْسَ الشَّارِبِ، إِذَا خَثَرَتْ لَهُ نَفْسُهُ. وَالْهَوَادَةُ: الْحَالُ تُرْجَى مَعَهَا

(6/17)


السَّلَامَةُ بَيْنَ الْقَوْمِ. وَالْمُهَاوَدَةُ: الْمُوَادَعَةُ. فَأَمَّا الْيَهُودُ فَمِنْ هَادَ يَهُودُ، إِذَا تَابَ هَوْدًا. وَسُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ تَابُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ. وَفِي الْقُرْآنِ: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] ، وَفِي التَّوْبَةِ هَوَادَةُ حَالٍ وَسَلَامَةٌ.

(هَوَذَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالذَّالُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ هَوْذَةُ: الْقَطَاةُ، وَبِهَا سُمِّي الرَّجُلُ هَوْذَةُ.

(هَوَرَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَسَاقُطِ شَيْءٍ. مِنْهُ تَهَوَّرَ الْبِنَاءُ: انْهَدَمَ. وَتَهَوَّرَ اللَّيْلُ: انْكَسَرَ ظَلَامُهُ، كَأَنَّهُ تَهَدَّمَ وَمَرَّ. وَتَهَوَّرَ الشِّتَاءُ: ذَهَبَ أَشَدُّهُ. وَيَقُولُونَ لِلْقَطِيعِ مِنَ الْغَنَمِ: هَوْرٌ ; وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَثْرَتِهِ يَتَسَاقَطُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هُرْتُ فُلَانًا بِكَذَا أَهُورُهُ: أَزْنَنْتُهُ بِهِ. قَالَ:
رَأَى أَنَّنِي لَا بِالْكَثِيرِ أَهُورُهُ

(هَوَسَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى طَوَفَانٍ وَمَجِيءٍ وَذَهَابٍ فِي مِثْلِ الْحَيْرَةِ. فَالْهَوْسُ: الطَّوَفَانُ ; وَكُلُّ طَلَبٍ فِي جُرْأَةٍ هَوْسٌ. وَيُقَالُ أَسَدٌ هَوَّاسٌ. وَبَاتَتْ [الْإِبِلُ] اللَّيْلَ تَهُوسُ: تَسْرِي.
وَمِنَ الْمَحْمُولِ عَلَى هَذَا الْهَوْسِ: شِدَّةُ الْأَكْلِ. يُقَالُ: أَكُولٌ هَوَّاسٌ.

(6/18)


وَمِنَ الْبَابِ نَاقَةٌ هَوِسَةٌ: ضَعِيفَةٌ، وَهِيَ إِذَا كَانَتْ كَذَا حَارَتْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ بِهِ هَوَسٌ.

(هَوَشَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالشِّينُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ وَشِبْهِهِ. مِنْهُ هَوَّشُوا: اخْتَلَطُوا. وَهَاشَتِ الْخَيْلُ فِي الْغَارَةِ. وَالْمَهَاوِشُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا. وَيُقَالُ: هَوَّشَتِ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ: جَاءَتْ بِهِ أَلْوَانًا. وَمِنْهُ الْهَوْشُ: الْعَدَدُ الْكَثِيرُ. وَتَهَوَّشَ الْقَوْمُ عَلَى فُلَانٍ: تَغَاوَوْا عَلَيْهِ.
وَشَذَّ عَنْهُ الْهَوَشُ، يُقَالُ إِنَّهُ صِغَرُ الْبَطْنِ. قَالَ:
قَدْ هَوِشَتْ بُطُونُهَا وَاحْقَوْقَفَتْ
وَهُمْ مُتَهَاوِشُونَ، أَيْ مُخْتَلِطُونَ.

(هَوَعَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَتَانِ: الْهَوْعُ: سُوءُ الْحِرْصِ. يُقَالُ رَجُلٌ هَاعٌ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْهُوَاعُ: الْقَيْءُ. يُقَالُ: هَاعَ يَهُوعُ وَتَهَوَّعَ. قَالَ الْخَلِيلُ: لَأُهَوِّعَنَّهُ مَا أَكَلَ، أَيْ لَأَسْتَخْرِجَنَّ مِنْ حَلْقِهِ مَا أَكَلَ.

(هَوَفَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ. يُقَالُ الْهُوفُ: الرِّيحُ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ. قَالَتْ أُمُ تَأَبَّطَ شَرًّا تُؤَبِّنُهُ: " مَا هُوَ بِهُلْفُوفٍ، تَلُفُّهُ هُوفٌ " وَبِذَلِكَ يُشَبَّهُ الْأَحْمَقُ، فَيُقَالُ لَهُ هُوفٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ:

(6/19)


وَرَجُلٌ هُوفٌ، إِذَا كَانَ خَاوِيًا لَا خَيْرَ عِنْدَهُ.

(هَوَكَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْكَافُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُمْقٍ وَوُقُوعٍ فِي الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ. فَالْهَوَكُ: الْحُمْقُ. وَتَهَوَّكَ الرَّجُلُ: وَقَعَ فِي الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» .

(هَوَلَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ: كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى مَخَافَةٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى تَحْسِينٍ وَزِينَةٍ.
فَالْأُولَى: الْهَوْلُ، وَهِيَ الْمَخَافَةُ. وَهَالَنِي الشَّيْءُ يَهُولُنِي. وَمَكَانٌ مَهَالٌ: ذُو هَوْلٍ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
أَجَازَ إِلَيْنَا عَلَى بُعْدِهِ ... مَهَاوِيَ خَرْقٍ مَهَابٍ مَهَالِ
وَالتَّهَاوِيلُ: مَا هَالَكَ مِنْ شَيْءٍ. وَهَوَّلُوا عَلَى الرَّجُلِ: حَلَّفُوهُ عِنْدَ نَارٍ يُهَوِّلُونَ بِهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَوْسٌ:
كَمَا صَدَّ عَنْ نَارِ الْمُهَوِّلِ حَالِفُ
وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ لِزِينَةِ الْوَشْيِ: تَهَاوِيلُ. وَيُقَالُ هَوَّلَتِ الْمَرْأَةُ: تَزَيَّنَتْ بِحَلْيِهَا.

(6/20)


(هَوَمَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: هَوَّمَ الرَّجُلُ، إِذَا هَزَّ رَأْسَهُ مِنَ النُّعَاسِ. وَقَدْ هَوَّمْنَا. قَالَ:

مَا تَطَعَمُ الْعَيْنُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْوِيمِ.

(هَوَنَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُكُونٍ أَوْ سَكِينَةٍ أَوْ ذُلٍّ. مِنْ ذَلِكَ الْهَوْنِ: السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] . وَالْهُونُ: الْهَوَانُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل: 59] . وَالْهَاوُونُ لِلَّذِي يُدَقُّ بِهِ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، كَأَنَّهُ فَاعُولٌ مِنَ الْهَوْنِ.

(هَوَهَ) الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ. يَقُولُونَ: الْهَوْهَاءُ: الْأَحْمَقُ. وَيَقُولُونَ: الْهَوَاهِي: الْبَاطِلُ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
فِي كُلِّ يَوْمٍ يَدْعُوَانِ أَطِبَّةً ... إِلَيَّ وَمَا يُجْدُونَ إِلَّا الْهَوَاهِيَا
قَالَ الْخَلِيلُ: وَبِئْرٌ هَوْهَاءُ، عَلَى زِنَةِ حَمْرَاءَ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ.

(6/21)


[بَابُ الْهَاءِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَيَأَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْأَلِفُ كَلِمَةٌ تَأْتِي وَهَاؤُهَا زَائِدَةٌ. يُقَالُ: هَيَا، وَالْمُرَادُ: يَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَيُصِيخُ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ حَيًّا ... وَيَقُولُ مِنْ طَرَبٍ هَيَا رَبَّا

(هَيَبَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةُ إِجْلَالٍ وَمَخَافَةٍ. مِنْ ذَلِكَ هَابَهُ يَهَابُهُ هَيْبَةً. وَرَجُلٌ هَيُوبٌ: يَهَابُ كُلَّ شَيْءٍ. وَهَيُوبٌ: مَهِيبٌ. وَقَوْلُهُمْ: " الْإِيمَانُ هَيُوبٌ "، قَالَ قَوْمٌ: مَهِيبٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَهَابُ الِانْقِحَامَ فِيمَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ. وَتَهَيَّبْتُ الشَّيْءَ: خِفْتُهُ. وَتَهَيَّبَنِي الشَّيْءُ، كَأَنَّهُ أَخَافَنِي. قَالَ:
وَلَا تَهَيَّبُنِي الْمَوْمَاةُ أَرْكَبُهَا
والْهَيَّبَانُ: الْجَبَانُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَهَابَ بِهِ، إِذَا صَاحَ بِهِ، يُهِيبُ كَمَا يُهِيبُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ لِتَقِفَ أَوْ تَرْجِعَ، فَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ يُفْزِعُهُ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ وَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ صِحَّتُهُ، قَوْلُهُمْ: الْهَيَّبَانُ: لُغَامُ الْبَعِيرِ.

(هَيَتَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصَّيْحَةِ. يَقُولُونَ: هَيَّتَ بِهِ، إِذَا صَاحَ. قَالَ:

(6/22)


لَوْ كَانَ مَعْنِيَّا بِهَا لَهَيَّتَا
وَيَقُولُونَ فِي مَعْنَى هَيْتَ لَكَ: هَلُمَّ.

(هَيَجَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَرَانِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى يُبْسِ نَبَاتٍ. فَالْأَوَّلُ: هَاجَ الْفَحْلُ هَيْجًا وَهِيَاجًا. وَكَذَلِكَ الدَّمُ: وَالْهَيْجَاءُ تُمَدُّ وَتُقْصَرُ. وَهِجْتُ الشَّرَّ وَهَيَّجْتُهُ. وَهَيَّجْتُ النَّاقَةَ فَانْبَعَثَتْ. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ النَّزُوعِ إِلَى وَطَنِهَا: مِهْيَاجٌ.
وَالْآخَرُ قَوْلُهُمْ: هَاجَ الْبَقْلُ، إِذَا اصْفَرَّ لِيَيْبَسَ. وَأَرْضٌ هَائِجَةٌ: يَبِسَ بَقْلُهَا. وَأَهْيَجْتُ الْأَرْضَ: صَادَفْتُ نَبَاتَهَا هَائِجًا قَدْ ذَوَى. قَالَ رُؤْبَةُ:
وَأَهْيَجَ الْخَلْصَاءَ مِنْ ذَاتِ الْبُرَقْ

(هَيَدَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالدَّالُ. الْأَصْلُ الَّذِي يَنْقَاسُ مِنْهُ التَّحْرِيكُ وَالْإِزْعَاجُ وَبَاقِي ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ قِيَاسُهُ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: هِدْتُ الشَّيْءَ حَرَّكْتُهُ، هَيْدًا. وَهَادَنِي يَهِيدُنِي: كَرَثَنِي وَأَزْعَجَنِي. يَقُولُونَ: لَا يَهِيدَنَّكَ. وَالْهَيْدَانُ: الْجَبَانُ: كَأَنَّهُ يُزْعِجُهُ كُلُّ شَيْءٍ. وَهِيدَ: كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ سَوْقِ الْإِبِلِ. وَيُقَالُ: هَيَّدَ فِي [السَّيْرِ] : أَسْرَعَ.

(6/23)


وَأَمَّا الْحَدِيثُ فِي ذِكْرِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " هِدْهُ " أَيْ أَصْلِحْهُ، قَالُوا: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الْهَدْمِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْيَبَابَ كَانَ هَادِمًا فَلَمَّا بُنِيَ كَأَنَّهُ أُحْيِيَ.
وَأَمَّا الَّذِي يُشْكِلُ قِيَاسُهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي دَرَسَ عِلْمُهُ قَوْلُهُمْ: هَيْدَ مَالَكَ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ: مَا أَمْرُكَ، مَا شَأْنُكَ؟ وَأَنْشَدُوا:
يَا هَيْدَ مَالَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإِيرَاقِ ... وَمَرِّ طَيْفٍ عَلَى الْأَهْوَالِ طَرَّاقِ

(هَيَسَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالسِّينُ. يَقُولُونَ: الْهَيْسُ: السَّيْرُ. قَالَ:
إِحْدَى لَيَالِيكِ فَهِيسِي هِيسِي

(هَيَشَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالشِّينُ. الْهَيْشُ: الْحَلْبُ الرُّوَيْدُ. وَالْهَيْشُ: الْحَرَكَةُ. قَالَ: وَهَاشَ فِي الْقَوْمِ يَهِيشُ: أَفْسَدَ وَعَاثَ.

(هَيَضَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالضَّادُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَسْرِ شَيْءٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ. يُقَالُ: هَاضَ عَظْمَهُ: كَسَرَهُ بَعْدَ الْجَبْرِ. وَكَذَا هِيضَ الْإِنْسَانُ: نُكِسَ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: «إِنَّ هَذَا يَهِيضُكَ» .

(هَيَطَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالطَّاءُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا [الْهِيَاطُ] : الصِّيَاحُ، وَالْأُخْرَى كَلِمَةٌ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ: تَهَايَطَ الْقَوْمُ: اجْتَمَعُوا لِإِصْلَاحِ مَا بَيْنَهُمْ.

(6/24)


(هَيَعَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْهَيْعَةُ: الصَّوْتُ الَّذِي يُفْزَعُ مِنْهُ وَيُخَافُ. يُقَالُ: رَجُلٌ هَاعٌ وَهَائِعٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إِلَيْهَا» . وَقَدْ هَاعَ يَهِيعُ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَنَا ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إِذَا جَعَلَتْ خُورُ الرِّجَالِ تَهِيعُ
أَيْ تَجْبُنُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْبَابِ الِانْبِسَاطُ وَالِاسْتِرْسَالُ. وَالْمَهْيَعُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ الْوَاضِحُ. وَالْهَيْعَةُ: سَيَلَانُ الشَّيْءِ الْمَصْبُوبِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، أَيْ يَنْبَسِطُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَأَرْضٌ هَيْعَةٌ: وَاسِعَةٌ مَبْسُوطَةٌ. مُتَهَيِّعٌ: حَائِرٌ هَائِعٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ.

(هَيَغَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْغَيْنُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى رَغَدٍ وَنَعْمَةِ عَيْشٍ. يُقَالُ إِنَّ الْأَهْيَغَ: أَرْغَدُ الْعَيْشِ. وَيَقُولُونَ: الْأَهْيَغَانِ: الْأَكْلُ وَالنِّكَاحُ. وَيُقَالُ: هَيَّغْتُ الثَّرِيدَةَ: أَكْثَرْتُ وَدَكَهَا. قَالَ:
يَغْمِسْنَ مَنْ غَمَسْنَهُ فِي الْأَهْيَغِ

(هَيَفَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَارَةٍ وَعَطَشٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ. فَالْهَيْفُ: رِيحٌ حَارَّةٌ تَجِيءُ فِي قُبُلِ الصَّيْفِ، تُعْطِشُ الْمَالَ وَتُوبِسُ الرَّطْبَ. وَرَجُلٌ مِهْيَافٌ: لَا يَصْبِرُ عَنِ الْمَاءِ. وَأَهَافُوا: عَطِشَتْ إِبِلُهُمْ. وَاسْتُعِيرَ

(6/25)


فَقِيلَ لِمَنْ دَقَّ خَصْرُهُ: أَهْيَفُ، كَأَنَّ ثَمَّ عَطَشًا ; وَالْجَمْعُ هِيفٌ. وَفَرَسٌ هَيْفَاءُ: ضَامِرَةٌ.

(هَيَقَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْهَيْقُ: الظَّلِيمُ، وَيُقَالُ لِكُلِّ طَوِيلٍ دَقِيقٍ: هَيْقٌ، تَشْبِيهًا.

(هَيَلَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ يُمَكِنُ كَيْلُهُ دَفْعًا مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ. وَهِلْتُ الطَّعَامَ أُهِيلُهُ هَيْلًا: أَرْسَلْتُهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: " جَاءَ بِالْهَيْلِ وَالْهَيْلُمَانِ "، أَيِ الشَّيْءِ الْكَثِيرِ.

(هَيَمَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَطَشٍ شَدِيدٍ. فَالْهَيَمَانُ: الْعَطَشُ. وَالْهِيمُ: الْإِبِلُ الْعِطَاشُ، وَالْهِيمُ: الرِّمَالُ الَّتِي تَبْتَلِعُ الْمَاءَ. وَالْهُيَامُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ عِنْدَ عَطَشِهَا فَتَهِيمُ فِي الْأَرْضِ لَا تَرْعَوِي. وَبِهِ سُمِّي الْعَاشِقُ الْهَيْمَانَ، كَأَنَّهُ جُنَّ مِنَ الْعِشْقِ فَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ [عَلَى] غَيْرِ قَصْدٍ. وَالْهَيْمَاءُ: الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ بِهَا.

(هَيَنَ) الْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ: الْهَيْنُ: الْأَمْرُ الْهَيِّنُ، وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ، وَقَدْ مَرَّ.

(6/26)


[بَابُ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
وَلَا تَكُونُ الْأَلِفُ إِلَّا مُبْدَلَةً

( [هَالَ] ) الْهَالَةُ: دَائِرَةُ الْقَمَرِ حَوْلَهُ.

(هَامَ) الْهَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى عُلُوٍّ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالْهَامَةُ: الرَّأْسُ، وَالْجَمْعُ هَامٌ وَهَامَاتٌ. وَسَيِّدُ الْقَوْمِ: هَامَةٌ، عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَأَمَّا الْهَامَةُ فِي الطَّيْرِ فَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ طَيْرًا، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُهُ، كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَزْقُو تَقُولُ: اسْقُونِي، اسْقُونِي! فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ. وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ جَرِيرٌ بِقَوْلِهِ:
وَمِنَّا الَّذِي أَبْلَى صُدَيَّ بْنَ مَالِكٍ ... وَنَفَّرَ طَيْرًا عَنْ جُعَادَةَ وُقَّعَا
يَقُولُ: [قَتَلَ] قَاتِلَهُ فَنَفَّرَ الْهَامَةَ عَنْ قَبْرِهِ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَبَتَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مُتَتَابِعٍ. وَهُبِتَ الرَّجُلُ يُهْبَتُ. وَفُلَانٌ مَهْبُوتٌ، أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ، ثُمَّ سُمِّيَ الْجَبَانُ الضَّعِيفُ هَبِيتًا، كَأَنَّهُ قَدْ هُبِتَ. قَالَ طَرَفَةُ:

(6/27)


فَالْهَبِيتُ لَا فُؤَادَ لَهُ ... وَالثَّبِيتُ ثَبْتُهُ فَهَمُهْ

(هَبَثَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ. يَقُولُونَ: الْهَبْثُ: الْحَرَكَةُ.

(هَبَجَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَوَرُّمٍ وَثِقَلٍ. وَهَبِجَتِ النَّاقَةُ هَبَجًا: وَرِمَ ضَرْعُهَا. وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلثَّقِيلِ النَّفْسِ مُهَبَّجٌ. وَهَبَجَهُ بِالْعَصَا: ضَرَبَهُ. وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْهَوْبَجَةُ، وَهِيَ خَبْرَاءُ فِي مَكَانٍ غَيْرِ قَعِيرٍ، فَلَا يَلْبَثُ مَاؤُهَا أَنْ يَنْضُبَ.

(هَبَخَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالْخَاءُ. الْهَبَيَّخَةُ: الْجَارِيَةُ تَمْشِي مُتَبَخْتِرَةً.

(هَبَدَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ الْهَبِيدُ: حُبُّ الْحَنْظَلِ. وَالتَّهَبُّدُ: أَخْذُهُ وَإِصْلَاحُهُ. وَخَرَجُوا يَتَهَبَّدُونَ.

(هَبَذَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالذَّالُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، مَعْنَاهَا السُّرْعَةُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْمُهَابَذَةُ: السُّرْعَةُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْهَبْذُ: سُرْعَةٌ فِي الْمَشْيِ. وَمَرَّ يَهْبُذُ هَبْذًا، وَاهْتَبَذَ اهْتِبَاذًا.

(هَبَرَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ: كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا قَطْعٌ فِي الشَّيْءِ وَتَقَطُّعٌ، وَالْأُخْرَى صِفَةُ مَكَانٍ.

(6/28)


فَالْأُولَى: الْهَبْرُ: قَطْعُ اللَّحْمِ. وَالْهَبْرَةُ: الْبَضْعَةُ مِنْهُ. يُقَالُ هَبَرْتُ لَهُ هَبْرَةً. وَنَاقَةٌ هَبْرَاءُ وَهَبِرَةٌ: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ. وَالْهَوْبَرُ: الَّذِي تَقَرَّدَ شَعْرُهُ، كَأَنَّهُ قَدْ تَقَطَّعَ قِطَعًا مُجْتَمِعَةً. وَمِنْ ذَلِكَ الْهِبْرِيَةُ: مَا كَانَ فِي أَسْفَلِ الشَّعْرِ مِثْلَ النُّخَالَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَقَطِّعٌ. وَسَيْفٌ هَبَّارٌ وَهَابِرٌ: يَنْتَسِفُ الْقِطْعَةَ مِنَ اللَّحْمِ فَيَطْرَحُهَا.
وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْأُخْرَى فَالْهَبِيرُ: مُطْمَئِنٌّ مِنَ الْأَرْضِ. وَيُقَالُ الْهُبُورُ: الصُّخُورُ بَيْنَ الرَّوَابِي أَوِ الصُّخُورُ، أَنَا أَشُكُّ فِي ذَلِكَ. وَكَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا مَا أَدْرِي مَا أَصْلُهَا. يَقُولُونَ: " لَا آتِيكَ هُبَيْرَةَ بْنَ سَعْدٍ " أَيْ أَبَدًا.

(هَبَزَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالزَّاءُ. ذَكَرُوا عَنْ أَبِي زَيْدٍ: هَبَزَ: مَاتَ

(هَبَشَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالشِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ هُوَ يَتَهَبَّشُ، أَيْ يَتَكَسَّبُ. وَالْهُبَاشَةُ: الْكَسْبُ. قَالَ:
لَوْلَا هُبَاشَاتٌ مِنَ التَّهْبِيشِ ... لِصِبْيَةٍ كَأَفْرُخِ الْعُشُوشِ
وَهُوَ يَتَهَبَّشُ لِأَهْلِهِ.

(هَبَصَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالصَّادُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْهَبَصُ: النَّشَاطُ. رَجُلٌ هَبِصٌ. قَالَ:

(6/29)


مَرَّ وَأَعْطَانِي رِشَاءً مَلِصَا ... كَذَنَبِ الذِّيبِ يُعَدِّيِ هَبِصَا

(هَبَطَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْحِدَارٍ. وَهَبَطَ هُبُوطًا. وَالْهَبُوطُ: الْحُدُورُ. وَهَبَطْتُ أَنَا وَهَبَطْتُ غَيْرِي، وَهَبَطَ الْمَرَضُ لَحْمَ الْعَلِيلِ. وَالْهَبِيطُ: الضَّامِرُ مِنَ الْإِبِلِ.

(هَبَعَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الْمَشْيِ. وَهَبَعَ هُبُوعًا: مَشَى مَشْيَ حِمَارٍ بَلِيدٍ. وَيُقَالُ هُوَ مَدُّ الْعُنُقِ فِي الْمَشْيِ. وَالْهُبَعُ: الْفَصِيلُ يُنْتَجُ حَمَارَّةَ الْقَيْظِ، سُمِّيَ هُبَعًا لِأَنَّهُ إِذَا مَشَى هَبَعَ، أَيِ اسْتَعَانَ بِعُنُقِهِ.

(هَبَغَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالْغَيْنُ. هَبَغَ هُبُوغًا: نَامَ.

(هَبَلَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ: فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ، تَدُلُّ إِحْدَاهَا عَلَى ثُكْلٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى ثِقَلٍ، وَالثَّالِثَةُ عَلَى اغْتِرَارٍ وَتَغَفُّلٍ.
الْأُولَى الْهَبَلُ: الثُّكْلُ، يُقَالُ: لِأُمِّهِ الْهَبَلُ. قَالَ:
النَّاسُ مَنْ يَلْقَ خَيْرًا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهِي وَلِأُمِّ الْمُخْطِئِ الْهَبَلُ
وَالْهَبُولُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَا يَبْقَى لَهَا وَلَدٌ.
وَالثَّانِيَةُ الْمُهَبَّلُ: الرَّجُلُ الثَّقِيلُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ. قَالَ:

(6/30)


مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدُ ... حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ
وَالْهِبِلُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالظَّلِيمُ الْمُسِنُّ.
وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُمْ: اهْتَبَلَ الْغِرَّةُ، إِذَا افْتَرَصَهَا. وَالْهَبَّالُ: الصَّيَّادُ يَهْتَبِلُ الصَّيْدَ يَغْتَرُّهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الذِّئْبُ هِبِلًّا، لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِصَيْدِهِ وَيَهْتَبِلُهُ.
وَأَمَّا الْمَهْبِلُ فَمُسْتَقَرُ الْوَلَدِ مِنَ الرَّحِمِ، وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَصْلُهُ مَحْبِلٌ.

(هَبَوَ) الْهَاءُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَبَرَةٍ وَرِقَّةٍ فِيهَا. .
مِنْهُ الْهَبْوَةُ: الْغَبَرَةُ. وَهَبَا الْغُبَارُ يَهْبُو فَهُوَ هَابٍ: سَطَعَ. وَالْهَبَاءُ: دُقَاقُ التُّرَابِ. قَالَ:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمُ
وَهَبَا الرَّمَادُ: اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ وَهَمَدَ. وَالشَّيْءُ الْمُنْبَثُّ الَّذِي تَرَاهُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ: هَبَاءٌ.

(6/31)


[بَابُ الْهَاءِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَتَرَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلٍ وَسَيِّئٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَأُهْتِرَ الرَّجُلٍ: خَرِفَ مِنَ الْكِبَرِ. وَمَعْنَى هَذَا [أَنَّهُ] يَتَكَلَّمُ بِالْهِتْرِ، وَهُوَ السَّقَطُ مِنَ الْقَوْلِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ هَذَا، ثُمَّ يُقَالُ رَجُلٌ مُسْتَهْتِرٌ: لَا يُبَالِي مَا قِيلَ لَهُ، أَيْ كُلُّ الْكَلَامِ عِنْدَهُ سَاقِطٌ. وَتَهَاتَرَ الرَّجُلَانِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِاطِلًا. وَهَتَرَهُ: مَزَّقَ عِرْضَهُ بِبَاطِلٍ هَتْرًا، وَهَتَّرَهُ تَهْتِيرًا أَيْضًا. وَقَوْلُهُمْ لِلدَّاهِيَةِ وَالْأَمْرِ الْعَجَبِ: هِتْرٌ، هُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ هِكْرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(هَتَعَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَتَعَ الرَّجُلُ إِلَيْنَا: أَقْبَلَ، مِثْلَ هَطَعَ، إِذَا أَقْبَلَ مُسْرِعًا.

(هَتَفَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْهَتْفُ: الصَّوْتُ. وَهَتَفَتِ الْحَمَامَةُ: صَوَّتَتْ تَهْتِفُ. وَقَوْسٌ هَتَّافَةٌ وَهَتْفَى هُتَافًا: ذَاتُ صَوْتٍ. قَالَ الْهُذَلِيُّ:
عَلَى عَجْسٍ هَتَّافَةِ الْمِذْرَوَيْ ... نِ زَوْرَاءَ مُضْجَعَةٍ فِي الشِّمَالِ

(هَتَكَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالْكَافُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَقٍّ فِي شَيْءٍ. وَالْهَتْكُ: شَقُّ السِّتْرِ عَمَّا وَرَاءَهُ. وَهُتِكَ عَرْشُ فُلَانٍ: هُدَّ وَشُقَّ. وَسِرْنَا هُتْكَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ سَاعَةً. وَهَاتَكْنَاهَا: سِرْنَا فِي دُجَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّا شَقَقْنَا الظَّلَامَ.

(6/32)


(هَتَلَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. هَتَلَتِ السَّمَاءُ: هَطَلَتْ: وَسَحَائِبُ هُتَّلٌ وَهُطَّلٌ.

(هَتَمَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَسْرِ شَيْءٍ. يُقَالُ: هَتَمْتُ الشَّيْءَ. وَالْهُتَامَةُ: مَا تَهَتَّمَ مِنْ شَيْءٍ. وَالْهَتْمُ: كَسْرُ الثَّنَايَا مِنْ أَصْلِهَا ; وَرَجُلٌ أَهْتَمُ.

(هَتَنَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. هَتَنَتِ السَّمَاءُ هَتْنًا وَهُتُونًا، مِثْلُ هَتَلَتْ.

(هَتَيَ) الْهَاءُ وَالتَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. يَقُولُونَ: الْمُهَاتَاةُ كَالْمُعَاطَاةِ. يُقَالُ: هَاتِ، أَيْ أَعْطِ، فَتَقُولُ: مَا أُهَاتِيكَ، أَيْ لَا أُعْطِيكَ.
فَإِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. تَقُولُ تَهَتَّأَ الثَّوْبُ: خَلُقَ، وَهِيَ هَذِهِ وَحْدَهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَتَأَ الشَّيْءَ يَهْتَأُ، إِذَا كَسَرَهُ وَطْئًا بِرِجْلِهِ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَثَمَ) الْهَاءُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا إِلَّا الْهَيْثَمُ، يُقَالُ: هُوَ فَرْخُ الْعُقَابِ. وَيُقَالُ الْهَيْثَمُ: الْكَثِيبُ الْأَحْمَرُ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:

(6/33)


هَثَمَ مِنْ مَالِهِ، مِثْلَ قَسَمَ، وَقَدْ مَرَّ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْهَثْمُ: دَقُّ الشَّيْءِ حَتَّى يَنْسَحِقَ، وَهَثَمْتُهُ أَهْثِمُهُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَجَدَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى رُكُودٍ فِي مَكَانٍ. يُقَالُ: هَجَدَ، إِذَا نَامَ هُجُودًا. وَالْهَاجِدُ: النَّائِمُ ; وَإِنْ صَلَّى لَيْلًا فَهُوَ مُتَهَجِّدٌ، كَأَنَّهُ بِصَلَاتِهِ تَرَكَ الْهُجُودَ عَنْهُ. وَهَذَا قِيَاسٌ مُسْتَعْمَلٌ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ آثِمٌ ; فَإِذَا كَرِهَ الْإِثْمَ وَانْتَفَى مِنْهُ قِيلَ مُتَأَثِّمٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَهْجَدَ الْبَعِيرُ: أَلْقَى جِرَانَهُ بِالْأَرْضِ.

(هَجَرَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى قَطِيعَةٍ وَقَطْعٍ، وَالْآخَرُ عَلَى شَدِّ شَيْءٍ وَرَبْطِهِ.
فَالْأَوَّلُ الْهَجْرُ: ضِدُ الْوَصْلِ. وَكَذَلِكَ الْهِجْرَانُ. وَهَاجَرَ الْقَوْمُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ: تَرَكُوا الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ، كَمَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَتَهَجَّرَ الرَّجُلُ وَتَمَهْجَرَ: تَشَبَّهَ بِالْمُهَاجِرِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «هَاجِرُوا وَلَا تَهَجَّرُوا» ، أَيْ كُونُوا مِنْهُمْ. وَ [قِيلَ] لَا يُقَالُ تَمَهْجَرُوا، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ عِنْدَنَا. وَالْهَجْرُ وَالْهَجِيرُ وَالْهَاجِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ. وَهَجَّرُوا: سَارُوا

(6/34)


فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَسُمِّيَتْ هَاجِرَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَكِنُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، كَأَنَّهُمْ قَدْ تَهَاجَرُوا. وَالْهَجِيرُ: يَبِيسُ النَّبْتِ الَّذِي كَسَرَتْهُ الْمَاشِيَةُ، وَسُمِّيَ لِأَنَّ الرَّاعِيَ يَهْجُرُهُ. قَالَ:
وَلَمْ يَبْقَ بِالْخَلْصَاءِ مِمَّا عَنَتْ ... مِنَ النَّبْتِ إِلَّا يُبْسُهَا وَهَجِيرُهَا
وَمِنَ الْبَابِ الْهُجْرُ: الْهَذَيَانُ. يُقَالُ هَجَرَ الرَّجُلُ. وَالْهُجْرُ: الْإِفْحَاشُ فِي الْمَنْطِقِ، يُقَالُ: أَهْجَرَ الرَّجُلُ فِي مَنْطِقِهِ. قَالَ:
كَمَاجِدَةِ الْأَعْرَاقِ قَالَ ابْنُ ضَرَّةٍ ... عَلَيْهَا كَلَامًا جَارَ فِيهِ وَأَهْجَرَا
وَرَمَاهُ بِالْهَاجِرَاتِ، وَهِيَ الْفَضَائِحُ، وَسُمِّيَ هَذَا كُلُّهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَهْجُورِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. وَيَقُولُونَ: هَذَا شَيْءٌ هَجْرٌ، أَيْ لَا نَظِيرَ لَهُ، كَأَنَّهُ مِنْ جَوْدَتِهِ وَمُبَايَنَتِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ هَجَرَهَا. وَيَقُولُونَ: هَذَا أَهْجَرُ مِنْ هَذَا، أَيْ أَكْرَمُ. وَقَدْ يُقَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ:
وَمَاءٍ يَمَانٍ دُونَهُ طَلْقٌ هَجْرُ
يَقُولُونَ: هُوَ طَلَقٌ لَا طَلَقَ مِثْلُهُ.
وَالْهَجِيرُ: الْحَوْضُ الْكَبِيرُ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يُقْتَطَعُ لِلْمَاءِ. قَالَ:

(6/35)


تَفْرِي الْفَرِيَّ بِالْهَجِيرِ الْوَاسِعِ
وَقَالَ:
ظَلَّتْ تَلُوبُ رَشَقًا هَجِيرُهَا ... لَوْبَ الرَّعَايَا لَمْ يَجِئْ أَجِيرُهَا

(هَجَسَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ هَجَسَ الشَّيْءُ فِي النَّفْسِ: وَقَعَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْهَجْسُ: النَّبْأَةُ تَسْمَعُهَا وَلَا تَفْقَهُهَا.

(هَجَعَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَوْمٍ. وَهَجَعَ هُجُوعًا: نَامَ لَيْلًا. وَلَقِيتُهُ بَعْدَ هَجْعَةٍ.
وَمِمَّا قِيسَ عَلَى هَذَا: رَجُلٌ هُجَعَ، أَيْ أَحْمَقُ مُسْتَنِيمٌ إِلَى كُلٍّ.

(هَجَفَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالْفَاءُ. يَقُولُونَ: الْهِجْفَةُ، هِيَ النَّاحِيَةُ. وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. فَأَمَّا الْهِجَفُّ فَالظَّلِيمُ الْمُسِنُّ، وَأَظُنُّهُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي زِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ وَأُبْدِلَتْ زَاؤُهُ جِيمًا، وَهُوَ مِنَ الزِّفِّ، وَهُوَ رِيشُهُ.

(هَجَلَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى اخْتِلَاطٍ، وَالْآخَرُ عَلَى رَمْيِ شَيْءٍ.

(6/36)


فَالْأَوَّلُ: الْهَوْجَلُ: الْمَشْيُ الْمُخْتَلِطُ. وَيُقَالُ أَهْجَلْتُ الْإِبِلَ: أَهْمَلْتُهَا، وَإِذَا أُهْمِلَتِ اخْتَلَطَتْ. قَالُوا: وَمِنْهُ الْهَجُولُ: الْمَرْأَةُ الْبَغِيُّ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ كُلًّا. وَالْمُهَاجَلَةُ، مِثْلَ الْمُسَاجَلَةِ. وَالْقِيَاسُ فِيهِ وَاحِدٌ. وَالْهَوْجَلُ مِنَ الْأَرْضِ: الْفَلَاةُ لَا أَعْلَامَ بِهَا. وَسُمِّيَتْ لِأَنَّهَا لَا يُهْتَدَى فِيهَا، فَيُخْلَطُ الْأَمْرُ عَلَى السَّفْرِ. وَالْهَوْجَلُ مِنَ الرِّجَالِ: الْبَطِيءُ الَّذِي يَخْتَلِطُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ. قَالَ:
فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ
وَاللَّيْلُ الطَّوِيلُ هَوْجَلٌ، سُمِّيَ لِاخْتِلَاطِ ظَلَامِهِ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
هَوْجَاءُ لَيْلَتُهَا هَوْجَلُ
وَمِنَ الْبَابِ الْهَجْلُ: غَائِطٌ بَيْنَ الْجِبَالِ مُطْمَئِنٌّ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ هَجَلْتُ بِالشَّيْءِ: رَمَيْتُ.

(هَجَمَ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى وُرُودِ شَيْءٍ بَغْتَةً، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ. يُقَالُ: هَجَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ بَغْتَةً أَهْجُمُ هُجُومًا. وَرِيحٌ هَجُومٌ: شَدِيدَةٌ تُقَطِّعُ الْبُيُوتَ. وَهَجْمَةُ الشِّتَاءِ: شِدَّةُ بَرْدِهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهَا تَهْجُمُ. وَهَجْمَةُ الصَّيْفِ: شِدَّةُ حَرِّهِ. وَالْهَجْمُ: الْقَدَحُ الْكَبِيرُ. [قَالَ] :

(6/37)


فَتَمْلَأُ الْهَجْمَ عَفْوًا وَهْيَ وَادِعَةٌ ... حَتَّى تَكَادَ شِفَاهُ الْهَجْمِ تَنْثَلِمُ
وَسُمِّيَ هَجْمًا لِأَنَّهُ يَهْجُمُ عَلَى عَطَشِ الشَّارِبِ فَيَكْسِرُهُ. وَالْهَجْمَةُ مِنَ الْإِبِلِ: مَا بَيْنَ التِّسْعِينَ إِلَى الْمِائَةِ، لِأَنَّهَا تَهْجُمُ الْمَوْرِدَ بِقُوَّةٍ. وَهَجَمَتِ الْبَيْتَ: هَدَمَتْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَعْلَاهُ يَهْجُمُ عَلَى أَسْفَلِهِ إِذَا سَقَطَ. وَهَجَمَتِ الْعَيْنُ: غَارَتْ، كَأَنَّهَا تَهْجُمُ عَلَى مَا وَرَاءَهَا، تَدْخُلُ فِيهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ هِجَاءُ الْحُرُوفِ، يُقَالُ تَهَجَّيْتُ.

(6/38)


وَإِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. يَقُولُونَ: هَجَأَ الطَّعَامَ: أَكَلَهُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَدَرَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ [يَدُلُّ] عَلَى سُقُوطِ شَيْءٍ وَإِسْقَاطِهِ، وَعَلَى جِنْسٍ مِنَ الصَّوْتِ. وَهَدَرَ السُّلْطَانُ دَمَ فُلَانٍ هَدْرًا: أَبَاحَهُ. وَبَنُو فُلَانٍ هَدَرَةٌ، أَيْ سَاقِطُونَ. وَرَجُلٌ هُدَرَةٌ. وَبَعْضٌ يَقُولُونَ: هَدَرَةٌ: سَاقِطٌ. قَالَ:
إِنِّي إِذَا حَارَ الْجَبَانُ الْهُدَرَهْ
وَالْمَعْنَى الْآخَرُ هَدَرَتِ الْحَمَامَةُ تَهْدِرُ، وَهَدَرَ الْفَحْلُ هَدِيرًا، وَهَدَرَ الْعَصِيرُ فِي غَلَيَانِهِ. وَهَدَرَ الْعَرْفَجُ: عَظُمَ نَبَاتُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الرِّيحُ كَانَ لَهُ كَالْهَدِيرِ.

(هَدَعَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ. هِيَ هِدَعْ، تُسَكَّنُ بِهَا صِغَارُ الْإِبِلِ عِنْدَ نِفَارِهَا. وَالْهَوْدَعُ: النَّعَامُ.

(هَدَفَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى انْتِصَابٍ وَارْتِفَاعٍ. وَالْهَدَفُ: كُلُّ شَيْءٍ عَظِيمٍ مُرْتَفِعٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرَّجُلُ الشَّخِيصُ الْجَافِي هَدَفًا. قَالَ:
إِذَا الْهَدَفُ الْمِعْزَالُ صَوَّبَ رَأْسَهُ ... وَأَعْجَبَهُ ضَفْوٌ مِنَ الثَّلَّةِ الْخُطْلِ
وَالْهَدَفُ: الْغَرَضُ. وَرَكَبٌ مُسْتَهْدِفٌ: عَرِيضٌ. قَالَ النَّابِغَةُ:

(6/39)


وَإِذَا طَعَنْتَ طَعَنْتَ فِي مُسْتَهْدِفٍ
وَامْرَأَةٌ مُهْدِفَةٌ: لَحِيمَةٌ. وَأَهْدَفَ لَكَ الشَّيْءُ: انْتَصَبَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْهِدْفَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَحَتَّى سَمِعْنَا خَشْفَ بَيْضَاءَ جَعْدَةٍ ... عَلَى قَدَمَيْ مُسْتَهْدِفٍ مُتَقَاصِرِ
فَالْمُسْتَهْدِفُ: الْحَالِبُ الْمُنْتَصِبُ. يَقُولُ: سَمِعْنَا صَوْتَ الرِّغْوَةِ تَتَسَاقَطُ عَلَى قَدَمِ الْحَالِبِ.

(هَدَقَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْقَافُ. فِيهِ مِنْ طَرَائِفِ ابْنِ دُرَيْدٍ: الْهَدْقُ: الْكَسْرُ.

(هَدَكَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْكَافُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: انْهَدَكَ الرَّجُلُ عَلَيْنَا بِكَلَامٍ كَثِيرٍ: انْبَعَثَ.

(هَدَلَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَاللَّامُ: أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ فِي شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الصَّوْتِ.
فَالْأَوَّلُ: الْهَدَلُ: اسْتِرْخَاءُ مِشْفَرِ الْبَعِيرِ وَكُلِّ شَيْءٍ. يُقَالُ مِنْهُ هَدِلَ. وَهَدَلْتُ

(6/40)


الشَّيْءَ أَهْدِلُهُ، إِذَا أَرْسَلْتَهُ إِلَى أَسْفَلَ. وَالْهَدَالُ: كُلُّ غُصْنٍ نَبَتَ مُسْتَقِيمًا فِي أَرَاكَةٍ أَوْ طَلْحَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ ثَمَّ: يَتَهَدَّلُ. قَالَ:
يَدْعُو الْهَدِيلَ وَسَاقَ حُرٍّ فَوْقَهُ ... أُصُلًا بِأَوْدِيَةٍ ذَوَاتِ هَدَالِ
وَيُقَالُ: الْهَدِيلُ: فَرْخُ الْحَمَامِ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَكَأَنَّهُ سُمِّيَ بِصَوْتِهِ. قَالَ:
فَقُلْتُ أَتَبْكِي ذَاتُ شَجْوٍ تَذَكَّرَتْ ... هَدِيلًا وَقَدْ أَوْدَى وَمَا كَانَ تُبَّعُ

(هَدَمَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَطِّ بِنَاءٍ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَهَدَمْتُ الْحَائِطَ أَهْدِمُهُ. وَالْهَدَمُ: مَا تَهَدَّمَ، بِفَتْحِ الدَّالِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْهِدْمُ: الثَّوْبُ الْبَالِي، وَالْجَمْعُ أَهْدَامٍ. وَدِمَاؤُهُمْ هَدَمٌ أَيْ هَدَرٌ، كَأَنَّهَا قَدْ هُدِمَتْ فَلَمْ يُطْلَبْ بِهَا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّمُ الدَّمُ، وَالْهَدَمُ الْهَدَمُ» ، قِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ: مَحْيَانَا مَحْيَاكُمْ وَمَمَاتُنَا مَمَاتُكُمْ. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ هَدِمَةٌ: شَدِيدَةُ الضَّبَعَةِ كَأَنَّهَا تَنْهَدِمُ لِلْفَحْلِ. وَالْهَدْمَةُ: الدُّفْعَةُ مِنَ الْمَطَرِ، كَأَنَّهَا تَتَهَدَّمُ فِي انْدِفَاعِهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ: الْمَهْدُومُ مِنَ اللَّبَنِ، وَهُوَ الرَّثِيئَةُ.

(هَدَنَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُكُونٍ وَاسْتِقَامَةٍ. سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: تَهَادَنَ الْأَمْرُ: اسْتَقَامَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمِنْهُ قِيَاسُ الْهُدْنَةِ.
وَمِنَ الْبَابِ الرَّجُلُ الْهَدَانِ: الْخَامِلُ لَا حَرَاكَ بِهِ. قَالَ:

(6/41)


وَلَا يَرْعَوْنَ أَكْنَافَ الْهُوَيْنَى ... إِذَا حَلُّوا وَلَا أَرْضَ الْهُدُونِ
وَهَدَّنَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيَّهَا بِكَلَامِهَا، إِذَا أَرَادَتْ أَنْ يَرْقُدَ. وَالتَّهْدِينُ: الْبُطْءُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ.

(هَدَيَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلَانِ [أَحَدُهُمَا] التَّقَدُّمُ لِلْإِرْشَادِ، وَالْآخَرُ بَعْثَةُ لَطَفٍ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ هِدَايَةً، أَيْ تَقَدَّمْتُهُ لِأُرْشِدَهُ. وَكُلُّ مُتَقَدِّمٍ لِذَلِكَ هَادٍ. قَالَ:
إِذَا كَانَ هَادِي الْفَتَى فِي الْبِلَا ... دِ صَدْرُ الْقَنَاةِ أَطَاعَ الْأَمِيرَا
وَيُنْشَعَبُ هَذَا فَيُقَالُ: الْهُدَى: خِلَافُ الضَّلَالَةِ. تَقُولُ: هَدَيْتُهُ هُدًى. وَيُقَالُ أَقْبَلَتْ هَوَادِي الْخَيْلِ، أَيْ أَعْنَاقُهَا، وَيُقَالُ هَادِيهَا: أَوَّلُ رَعِيلٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ. وَالْهَادِيَةُ: الْعَصَا، لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ مُمْسِكَهَا كَأَنَّهَا تُرْشِدُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: نَظَرَ فُلَانٌ هَدْيَ أَمْرِهِ أَيْ جِهَتَهُ، وَمَا أَحْسَنَ هِدْيَتَهُ، أَيْ هَدْيَهُ. وَيَقُولُونَ: جَاءَ فُلَانٌ يُهَادِي بَيْنَ اثْنَيْنِ، إِذَا كَانَ يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا. وَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ ثُمَّ رَمَيْتُ بِآخَرَ هُدَيَّاهُ، أَيْ قَصْدَهُ.

(6/42)


وَالْبَابُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ كُلِّهِ وَاحِدٌ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْهَدِيَّةُ: مَا أَهْدَيْتَ مَنْ لَطَفٍ إِلَى ذِي مَوَدَّةٍ. يُقَالُ: أَهْدَيْتُ أُهْدِي إِهْدَاءً. وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ تُهْدَى عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْهَدِيُّ: الْعَرُوسُ، وَقَدْ هُدِيَتْ إِلَى بَعْلِهَا هِدَاءً. قَالَ:
فَإِنْ تَكُنِ النِّسَاءُ مُخَبَّآتٍ ... فَحُقَّ لِكُلِّ مُحْصَنَةٍ هِدَاءُ
وَالْهَدْيُ وَالْهَدِيُّ: مَا أُهْدِيَ مِنَ النَّعَمِ إِلَى الْحَرَمِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. يُقَالُ هَدِيٌّ وَهَدْيٌ. قَالَ:
وَطُرَيْفَةُ بْنُ الْعَبْدِ كَانَ هَدِيَّهُمْ ... ضَرَبُوا صَمِيمَ قَذَالِهِ بِمُهَنَّدِ
وَقِيلَ الْهَدِيُّ: الْأَسِيرُ.
أَمَّا الْمَهْمُوزُ فَمِنْ غَيْرِ هَذَا الْقِيَاسِ، وَأَكْثَرُهُ يَدُلُّ عَلَى السُّكُونِ. وَهَدَأَ هُدُوًّا، أَيْ سَكَنَ. وَهَدَأَتِ الرِّجْلُ، إِذَا نَامَ النَّاسُ. وَأَهْدَأَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيَّهَا بِيَدِهَا لِيَنَامَ، أَيْ سَكَّنَتْهُ. وَمَضَى هُدْءٌ مِنَ اللَّيْلِ: بَعْدَ نَوْمَةٍ أَوَّلَ مَا يَسْكُنُ النَّاسُ. وَالْهَدَأَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الْعَدْوِ السَّهْلِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ: الْهَدَأُ، وَهُوَ إِقْبَالُ الْمَنْكِبِ نَحْوَ الصَّدْرِ، كَالْجَنَأِ.

(هَدَبَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْبَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طُرَّةِ شَيْءٍ أَوْ

(6/43)


أَغْصَانٍ تُشْبِهُ الطُرَّةَ. مِنْهُ الْهُدْبُ: طُرَّةُ الثَّوْبِ. وَالْهَدَبُ: أَغْصَانُ الْأَرْطَى، وَهِيَ الْهُدَّابُ. قَالَ:
فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا ... وَشَحْمٍ كَهُدَّابٍ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ
وَيُقَالُ: الْهَدَبُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ: مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْرٌ. وَهَيْدَبُ السَّحَابِ: مَا تَهَدَّبَ مِنْهُ إِذَا أَرَادَ الْوَدْقَ، كَأَنَّهُ خُيُوطٌ. وَرَجُلٌ أَهْدَبُ: كَثِيرُ أَشْفَارِ الْعَيْنِ. وَهَدَبَ الثَّمَرَةَ، إِذَا اجْتَنَاهَا، يَهْدِبُهَا هَدْبًا، كَأَنَّهُ أَخَذَ هُدْبَ الشَّجَرَةِ.
وَتُسْتَعَارُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فَيُقَالُ: هَدَبَ النَّاقَةَ، إِذَا حَلَبَهَا.

(هَدَجَ) الْهَاءُ وَالدَّالُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ. مِنْهُ الْهَدَجَانُ: مِشْيَةُ الشَّيْخِ، يُقَالُ هَدَجَ. وَأَهْدَجَ الظَّلِيمُ: مَشَى فِي ارْتِعَاشٍ، وَهُوَ هَدَّاجٌ وَهَدَجْدَجٌ. وَتَهَدَّجَتِ النَّاقَةُ: مَشَتْ نَحْوَ وَلَدِهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ. وَهَدَجَتِ الرِّيحُ: هَبَّتْ بِحَنِينٍ.
وَالْهَوْدَجُ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَضْطَرِبُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهِ فَيُقَالُ: هَوْدَجَتِ النَّاقَةُ، إِذَا ارْتَفَعَ سَنَامُهَا كَأَنَّهُ الْهَوْدَجُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ التَّهَدُّجُ: تَقَطُّعُ الصَّوْتِ.

(6/44)


[بَابُ الْهَاءِ وَالذَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَذَرَ) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الْهَذَرُ، وَهُوَ الْهَذَيَانُ. وَرَجُلٌ مِهْذَارٌ وَهُذَرَةٌ وَهِذْرِيَانٌ، أَيْ كَثِيرُ الْكَلَامِ فِي خَطَلٍ.

(هَذَفَ) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَالْفَاءُ. يُقَالُ سَائِقٌ هَذَّافٌ: جَادٌّ.

(هَذَلَ) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى صِغَرٍ وَخِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ. مِنْهُ الْهُذْلُولُ: الرَّجُلُ الْخَفِيفُ. وَهَوْذَلَ الرَّجُلُ: مَشَى بِسُرْعَةٍ. وَهَوْذَلَ السِّقَاءُ: تَمَخَّضَ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْهَذَالِيلُ: تِلَالٌ صِغَارٌ، الْوَاحِدُ هُذْلُولٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِصِغَرِهَا. وَمِنْ بَعْضِ هَذَا قِيَاسُ اسْمِ هُذَيْلٍ.

(هَذَمَ) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ، تَدُلُّ عَلَى قَطْعٍ لِشَيْءٍ. وَهَذْمُ السَّيْفِ: قَطْعُهُ. وَسَيْفٌ مِهْذَمٌ وَهُذَامٌ وَهَيْذَامٌ. وَيُسَمَّى الشُّجَاعُ هَيْذَامًا، تَشْبِيهًا لَهُ بِهَذَا السَّيْفِ.

(هَذَى) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: الْهَذَيَانُ: كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ كَكَلَامِ الْمَعْتُوهِ. يُقَالُ: هَذَى يَهْذِي. وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْمَهْمُوزِ: هَذَأْتُ اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ هَذْءًا: قَطَعْتُهُ.

(هَذَبَ) الْهَاءُ وَالذَّالُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَنْقِيَةِ شَيْءٍ مِمَّا يَعِيبُهُ. يُقَالُ:

(6/45)


شَيْءٌ مُهَذَّبٌ: مُنَقًّى مِمَّا يَعِيبُهُ. وَأَصْلُهُ الْإِهْذَابُ: السُّرْعَةُ فِي الطَّيَرَانِ وَالْعَدْوِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعَلُّقُ بِهِ. يُقَالُ مَرَّ الْفَرَسُ يُهْذِبُ. وَمَشَى الْهَيْذَبَى. كَذَلِكَ الْمُهَذَّبُ لَا يُتَعَلَّقُ مِنْهُ بِعَيْبٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَرَسَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَقٍّ وَهَزْمٍ فِي الشَّيْءِ. وَهَرَسْتُ الشَّيْءَ: دَقَقْتُهُ. وَمِنْهُ الْهَرِيسَةُ. وَالْمِهْرَاسُ: حَجَرٌ مَنْقُورٌ، لَعَلَّهُ يُدَقُّ فِيهِ الشَّيْءُ، وَرُبَّمَا كَانَ مُسْتَطِيلًا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ. وَالْهَرْسُ: الثَّوْبُ الْخَلَقُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ قَدْ هُرِسَ. وَالْمَهَارِيسُ: الْإِبِلُ الشِّدَادُ تَهْرُسُ الشَّيْءَ عِنْدَ الْأَكْلِ. وَالْهَرِسُ: الْأَسَدُ الشَّدِيدُ، كَأَنَّهُ يَهْرُسُ مَا لَقِيَ. قَالَ:
شَدِيدَ السَّاعِدَيْنِ أَخَا وِثَابٍ ... شَدِيدًا أُسَرُهُ هَرِسًا هَمُوسًا
وَأَمَّا الْهَرَاسُ فَشَجَرٌ ذُو شَوْكٍ. وَهُوَ شَاذٌّ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ. قَالَ:
طِبَاقَ الْكِلَابِ يَطَأْنَ الْهَرَاسَا

(هَرَشَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ مُهَارَشَةُ الْكِلَابِ: تَحْرِيشٌ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْهُ يُقَاسُ التَّهْرِيشُ، وَهُوَ الْإِفْسَادُ بَيْنَ النَّاسِ.

(6/46)


وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ هَرْشَى: هَضْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ. قَالَ:
خُذُوا صَدْرَ هَرْشَى [أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ ... كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى] لَهُنَّ طَرِيقُ

(هَرَصَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالصَّادُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْهَرِيصَةُ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ.

(هَرَضَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالضَّادُ، سَبِيلُهُ سَبِيلُ مَا قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَعَمَ أَنَّ الْهَرَضَ: الْحَصَفُ يَخْرُجُ بِالْإِنْسَانِ مِنَ الْحَرِّ. قَالَ: وَهَرَضْتُ الثَّوْبَ: مَزَّقْتُهُ.

(هَرَطَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَامٍ وَتَشَاتُمٍ. وَتَهَارَطَ الرَّجُلَانِ. تَشَاتَمَا. وَهَرَطَ فِي كَلَامِهِ: خَلَّطَ.

(هَرَعَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ وَاضْطِرَابٍ. وَأُهْرِعَ الرَّجُلُ: ارْتَعَدَ فَرَقًا. وَسُمِّيَ الْأَحْمَقُ هَيْرَعًا لِاضْطِرَابِ رَائِهِ. وَيُمْكِنُ أَنَّ الْهَاءَ فِيهِ زَائِدَةٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ يَرَعَ. وَيُقَالُ الْهِرْيَاعُ: سَفِيرُ الشَّجَرِ، لِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْهَرِعُ: الدَّمْعُ أَوِ الدَّمُ الْجَارِي. وَتَهَرَّعَتِ الرِّمَاحُ: أَقْبَلَتْ شَوَارِعَ. وَهُمْ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، أَيْ يُسَاقُونَ.

(6/47)


وَمِمَّا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ الْهَرْعَةُ: دُوَيْبَةٌ. يُقَالُ لَهَا هَرِيعٌ وَهُرْيُعٌ.

(هَرَفَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ. يَقُولُونَ: الْهَرْفُ كَالْهَذَيَانِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ إِعْجَابًا بِهِ. يَقُولُونَ: " لَا تَهْرِفْ بِمَا لَا تَعْرِفُ ". وَيَقُولُونَ: هَرَّفَتِ النَّخْلَةُ، إِذَا عَجَّلَتْ إِتَاءَهَا. وَمَا أُرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَرَبِيَّةً.

(هَرَلَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: الْهَرْوَلَةُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ.

(هَرَمَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْهَرَمُ: كِبَرُ السِّنِّ. وَيُقَالُ: الْهَرِمَةُ: اللَّبُؤَةُ. وَابْنُ هِرْمَةَ: آخِرُ وَلَدِ الرَّجُلِ. وَالْأُخْرَى الْهُرْمَانُ: الْعَقْلُ.

(هَرَوَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ وَالْمَهْمُوزُ، بَابٌ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قِيَاسٍ، وَأُصُولُ كَلِمِهِ مُتَبَايِنَةٌ وَمِمَّا جَاءَ مِنْهُ: هَرَوْتُهُ بِالْهِرَاوَةِ: ضَرَبْتُهُ بِهَا. وَهَرَّيْتُ الْعِمَامَةَ: صَفَّرْتُهَا. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْهَرْوُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا مَالِكٍ جَاءَ بِحَرْفٍ أَنْكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. قَالَ: هَرَوْتُ اللَّحْمَ: أَنْضَجْتُهُ. وَإِنَّمَا هُوَ هَرَأْتُهُ.
وَمِنَ الْمَهْمُوزِ الْهُرَاءُ: الْمَنْطِقُ الْفَاسِدُ. يُقَالُ: أَهْرَأَ الرَّجُلُ فِي مَنْطِقِهِ. قَالَ:

(6/48)


لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ ... رَخِيمُ الْحَوَاشِي لَا هُرَاءٌ وَلَا نَزْرُ
وَتَهَرَّأَ اللَّحْمُ: طُبِخَ حَتَّى يَتَسَاقَطَ عَنِ الْعَظْمِ. وَهَرَأَهُ الْبَرْدُ: أَصَابَتْهُ شِدَّتُهُ، وَكَذَا أَهْرَأَهُ.

(هَرَبَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ هَرَبَ، إِذَا فَرَّ. وَمَا لَهُ هَارِبٌ وَلَا قَارِبٌ، أَيْ صَادِرٌ عَنِ الْمَاءِ وَلَا وَارِدٌ، أَيْ لَا شَيْءَ لَهُ.

(هَرَتَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالتَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَعَةٍ فِي شَيْءٍ. فَالْهَرَتُ: سَعَةُ الشِّدْقِ. وَالْهَرِيتُ: الْمَرْأَةُ الْمُفْضَاةُ.

(هَرَجَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ وَتَخْلِيطٍ. مِنْهُ هَرَّجَ الرَّجُلُ فِي حَدِيثِهِ: خَلَّطَ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ لِلْقَتْلِ هَرْجٌ، بِسُكُونِ الرَّاءِ. قَالَ:
لَيْتَ شِعْرِي أَأَوَّلُ الْهَرْجِ هَذَا ... أَمْ زَمَانٌ مِنْ فِتْنَةٍ غَيْرِ هَرْجِ
وَالْهَرَجُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: أَنْ تُظْلِمَ عَيْنُ الْبَعِيرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. وَالْهَرْجُ: عَدْوُ الْفَرَسِ بِسُرْعَةٍ، مَرَّ يَهْرِجُ. وَالْأَرْضُ الْمِهْرَاجُ: الْحَسَنَةُ النَّبَاتِ الْتَفَّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا بَعِيدًا مِنْهُ: هَرَّجْتُ السَّبُعَ: صِحْتُ بِهِ.

(هَرَدَ) الْهَاءُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى مُعَالَجَةِ شَيْءٍ بِصِبْغٍ أَوْ مَا

(6/49)


أَشْبَهَهُ. وَثَوْبٌ مَهْرُودٌ: صُبِغَ أَصْفَرَ. وَهَرَّدْتُ الثَّوْبَ شَقَقْتُهُ. وَهَرَدْتُ عِرْضَهُ: ثَلَبْتُهُ. وَهَرَّدْتُ اللَّحْمَ: أَنْضَجْتُهُ شَيْئًا، تَهْرِيدًا.

[بَابُ الْهَاءِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَزَعَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى وَحْشَةٍ، وَالْآخَرَ عَلَى اضْطِرَابٍ وَكَسْرٍ.
الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: مَضَى هَزِيعٌ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ طَائِفَةٌ مِنْهُ. وَتَهَزَّعَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ: تَنَكَّرَ. قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مِنْ هَزِيعِ اللَّيْلِ، لِأَنَّ تِلْكَ سَاعَةُ وَحْشَةٍ.
وَالْآخَرُ قَوْلُهُمْ: تَهَزَّعَتِ الْقَنَاةُ: اضْطَرَبَتْ. وَتَهَزَّعَتِ الْمَرْأَةُ: تَثَنَّتْ. قَالَ:
مِثْلَ الْقَطَاةِ لَدْنَةَ التَّهَزُّعِ
وَتَهَزَّعَ السَّيْفُ: اضْطَرَبَ. وَتَهَزَّعَتِ الْإِبِلُ فِي سَيْرِهَا: اهْتَزَّتْ. وَهَزَعْتُ الْعَظْمَ: كَسَرْتُهُ. وَالْمِهْزَعُ: الْأَسَدُ الْحَطُومُ. قَالَ:
كَأَنَّهُمُ يَخْشَوْنَ مِنْكَ مُذَرَّبًا ... بِحَلْيَةَ مَشْبُوحَ الذِّرَاعَيْنِ مِهْزَعَا
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابَيْنِ الْأَهْزَعُ: السَّهْمُ يَبْقَى فِي الْكِنَانَةِ، لِأَنَّهُ أَرْدَؤُهَا، وَقِيلَ يَكُونُ أَجْوَدَهَا. وَيَقُولُونَ: مَا لَهُ أَهْزَعُ، أَيْ مَا لَهُ شَيْءٌ.

(6/50)


(هَزَفَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْهِزَفُّ: الظَّلِيمُ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَزَفَتْهُ الرِّيحُ: طَارَتْ بِهِ.

(هَزَقَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْقَافُ، كَلِمَاتٌ فِي قِيَاسٍ وَاحِدٍ. امْرَأَةٌ هِزْقَةٌ: لَا تَسْتَقِرُّ. وَكَذَلِكَ الْمِهْزَاقُ. وَالْهَزِقُ: الرَّعْدُ. وَأَهْزَقَ الرَّجُلُ: ضَحِكَ. وَحِمَارٌ هَزِقٌ: كَثِيرُ الِاسْتِنَانِ.

(هَزَلَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَتَانِ فِي قِيَاسٍ وَاحِدٍ، يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفٍ. فَالْهَزْلُ: نَقِيضُ الْجِدِّ. وَالْهُزَالُ: خِلَافُ السِّمَنِ. يُقَالُ: هَزَلْتُ دَابَّتِي وَقَدْ هُزِلَتْ. وَهَزَلَ فِي مَنْطِقِهِ. وَأَهْزَلَ: وَقَعَ فِي مَالِهِ الْهُزَالُ.

(هَزَمَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَمْزٍ وَكَسْرٍ. فَالْهَزْمُ: أَنْ تَغْمِزَ الشَّيْءَ بِيَدِكَ فَيَنْهَزِمَ إِلَى دَاخِلٍ، كَالْقِثَّاءَةِ وَالْبِطِّيخَةِ. وَمِنْهُ الْهَزِيمَةُ فِي الْحَرْبِ. وَغَيْثٌ هَزِيمٌ: مُتَبَعِّقٌ. وَهَزِيمُ الرَّعْدِ: صَوْتُهُ، كَأَنَّهُ يَتَكَسَّرُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: تَهَزَّمَ السِّقَاءُ: يَبِسَ فَتَشَقَّقَ.
وَمِنَ الْبَابِ اهْتَزَمْتُ الشَّاةَ: ذَبَحْتُهَا. وَالْهَزْمَةُ: مَا تَطَامَنَ مِنَ الْأَرْضِ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ الْمِهْزَامُ: عُودٌ يُجْعَلُ فِي رَأْسِهِ نَارٌ، تَلْعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْأَعْرَابِ. قَالَ جَرِيرٌ:

(6/51)


وَتَلْعَبُ الْمِهْزَامَا

(هَزَنَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا هَوَازِنُ: قَبِيلَةٌ. يَقُولُونَ: الْهَوْزَنُ: الْغُبَارُ. وَالْهَوْزَنُ: طَائِرٌ.

(هَزَأَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: هَزِئَ وَاسْتَهْزَأَ، إِذَا سَخِرَ.

(هَزَبَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْهَوْزَبُ: الْبَعِيرُ الْمُسِنُّ، فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
وَالْهَوْزَبَ الْعَوْدَ أَمْتَطِيهِ بِهَا ... وَالْعَنْتَرِيسَ الْوَجْنَاءَ وَالْجَمَلَا

(هَزَجَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ. يَقُولُونَ: الْهَزَجُ: صَوْتُ الرَّعْدِ، وَبِهِ شُبِّهَ الْهَزَجُ مِنَ الْأَغَانِي. قَالَ:
كَأَنَّهَا جَارِيَةٌ تَهَزَّجُ
وَتَهَزَّجَتِ الْقَوْسُ، [إِذَا صَوَّتَتْ] عِنْدَ الْإِنْبَاضِ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
بِأَهَازِيجَ مِنْ أَغَانِيِّهَا الْجُ ... شِّ وَإِتْبَاعِهَا الزَّفِيرَ الطَّحِيرَا

(6/52)


وَفَرَسٌ هَزِجٌ: فِي مَشْيِهِ سُرْعَةٌ، كَأَنَّهُ يُذْهَبُ إِلَى مَا يُسْمَعُ مِنْ حَفِيفِهِ.

(هَزَرَ) الْهَاءُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ يَدُلُّ عَلَى غَمْزٍ وَكَسْرٍ وَضَرْبٍ. وَهَزَرَهُ بِعَصَاهُ هَزَرَاتٍ: ضَرَبَهُ. وَهَزَرَهُ: غَمَزَهُ. وَإِنَّ فُلَانًا لَذُو هَزَرَاتٍ وَكَسَرَاتٍ، إِذَا كَانَ يُغْبَنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ:
إِلَّا تَدَعْ هَزَرَاتٍ لَسْتَ تَارِكَهَا ... تُخْلَعْ ثِيَابُكَ لَا ضَأْنٌ وَلَا إِبِلُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَسَمَ) الْهَاءُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْهَسْمُ: [مِثْلُ الْهَشْمِ] . وَهَسَمَهُ يَهْسِمُهُ هَسْمًا: كَسَرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَشَمَ) الْهَاءُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى كَسْرِ الشَّيْءِ الْأَجْوَفِ وَغَيْرِ الْأَجْوَفِ وَهَشَمْتُهُ هَشْمًا. وَالْهَاشِمَةُ: الشَّجَّةُ تَهْشِمُ عَظْمَ الرَّأْسِ. وَمُجْمَعٌ عَلَى أَنَّ هَاشِمًا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ هَشَمَ الثَّرِيدَ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو. وَالْهَشِيمُ مِنَ النَّبَاتِ: الْيَابِسُ الْمُتَكَسِّرُ.

(6/53)


وَرَجُلٌ هَشِيمٌ: ضَعِيفُ الْبَدَنِ. وَرُبَّمَا قَالُوا: تَهَشَّمَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، أَيْ تَعَطَّفَ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ. وَاهْتَشَمَ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ: احْتَلَبَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.

(هَشَلَ) الْهَاءُ وَالشِّينُ وَاللَّامُ. يَقُولُونَ: الْهَشِيلَةُ: الْبَعِيرُ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ يَبْلُغُ بِهِ حَيْثُ يُرِيدُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ. قَالَ:
وَكُلُّ هَشِيلَةٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... عَلَيَّ مُحَرَّمٌ إِلَّا الْجِمَالِ

(هَشَرَ) الْهَاءُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ: كَلِمَتَانِ: الْهَيْشَرُ: نَبْتٌ. وَهَشَرَ النَّاقَةَ: حَلَبَ كُلَّ مَا فِي ضَرْعِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(6/54)


[بَابُ الْهَاءِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَصَمَ) الْهَاءُ وَالصَّادُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ، هَصَمْتُ الشَّيْءَ: كَسَرْتُهُ. وَبِهِ سُمِّيَ الْأَسَدُ هَيْصَمًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(هَصَرَ) الْهَاءُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ: يَدُلُّ عَلَى قَبْضٍ عَلَى شَيْءٍ وَإِمَالَتِهِ. وَهَصَرْتُ الْعُودَ، إِذَا أَخَذْتَهُ بِرَأْسِهِ فَأَمَلْتَهُ إِلَيْكَ. قَالَ:
هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ
وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَسَدُ هَصُورًا وَهَيْصَرًا وَهَصَّارًا.

[بَابُ الْهَاءِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَضَلَ) الْهَاءُ وَالضَّادُ وَاللَّامُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْهَيْضَلَةُ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَسَلِّحَةُ ذَاتُ الْجَلَبَةِ. وَرُبَّمَا قَالُوا لِلنَّاقَةِ الْعَظِيمَةِ: هَيْضَلَةٌ.

(هَضَمَ) الْهَاءُ وَالضَّادُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَضَغْطٍ وَتَدَاخُلٍ. وَهَضَمْتُ الشَّيْءَ هَضْمًا: كَسَرْتُهُ. وَمِزْمَارٌ مُهَضَّمٌ، لِأَنَّهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَكْسَارٌ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَالْهَاضُومُ: الَّذِي يَهْضِمُ الطَّعَامَ، وَأُرَاهُ مُوَلَّدًا. وَكَشْحٌ مُهَضَّمٌ. وَامْرَأَةٌ هَضِيمَةُ الْكَشْحَيْنِ: لَطِيفَتُهُمَا، كَأَنَّهُمَا ضُغِطَا. وَالْهَضَمُ: انْضِمَامُ أَعْلَى الْبَطْنِ، وَهُوَ فِي الْخَيْلِ عَيْبٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: " لَمْ يَسْبِقِ الْحَلْبَةَ فَرَسٌ أَهْضَمُ قَطُّ ". وَالطَّلْعُ الْهَضِيمُ: الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَهَضَمْتُ لَكَ مِنْ حَقِّي طَائِفَةً: تَرَكْتُهُ. وَالْمُتَهَضِّمُ: الظَّالِمُ. وَالْأَهْضَامُ: بُطُونٌ مِنَ الْأَوْدِيَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِغُمُوضِهَا، الْوَاحِدُ هِضْمٌ. فَأَمَّا الْأَهْضَامُ مِنَ الطِّيبِ. . . .

(هَضَبَ) الْهَاءُ وَالضَّادُ وَالْبَاءُ يَدُلُّ عَلَى اتِّسَاعٍ وَكَثْرَةٍ وَفَيْضٍ. مِنْهُ الْهَضْبَةُ: الْمَطْرَةُ الْعَظِيمَةُ الْقَطْرِ. وَالْهِضَبُّ: الْفَرَسُ الْكَثِيرُ الْعَرَقِ. وَهَضَبَاتٌ طُوَالَاتٌ. [وَالْهَضْبَةُ] : الْأَكَمَةُ الْمَلْسَاءُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(6/55)


[بَابُ الْهَاءِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَطَعَ) الْهَاءُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِقْبَالٍ عَلَى الشَّيْءِ وَانْقِيَادٍ. يُقَالُ: هَطَعَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ بِبَصَرِهِ: أَقْبَلَ. وَأَهْطَعَ الْبَعِيرُ: صَوَّبَ عُنُقَهُ مُنْقَادًا. وَأَهْطَعَ: أَسْرَعَ.

(هَطَلَ) الْهَاءُ وَالطَّاءُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَتَابُعٍ فِي قَطْرٍ وَغَيْرِهِ. وَهَطَلَ الْمَطَرُ هَطَلَانًا: تَتَابَعَ، وَكَذَلِكَ الدَّمْعُ. وَدِيمَةٌ هَطْلَاءُ. وَإِبِلٌ هَطْلَى: تَجِيءُ رُوَيْدًا مُتَتَابِعَةً. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ لِلْمُعْيِي مِنْهَا: هَطِلٌ.

(هَطَرَ) الْهَاءُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ الْهَطْرُ: الضَّرْبُ بِالْخَشَبِ وَهَطَرَهُ يَهْطِرُهُ هَطْرًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَعَرَ) الْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَخِيلٍ. يَقُولُونَ: الْهَيْعَرَةُ: النَّزِقَةُ مِنَ النِّسَاءِ. وَالْهَيْعَرَةُ: الْغُولُ. وَالْهَيْعَرُورُ: الدَّاهِيَةُ.

(6/56)


[بَابُ الْهَاءِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَفَا) الْهَاءُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ شَيْءٍ فِي خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ. وَهَفَا الشَّيْءُ فِي الْهَوَاءِ يَهْفُو، إِذَا ذَهَبَ، كَالصُّوفَةِ وَنَحْوِهَا. وَهَفَا الظَّلِيمُ: عَدَا. وَهَفَا الْقَلْبُ فِي إِثْرِ الشَّيْءِ. وَهَوَافِي النَّعَمِ: ضُلَّالُهُ. وَهَفَا الْإِنْسَانُ يَهْفُو: زَلَّ وَذَهَبَ عَنِ الصَّوَابِ، وَكَذَلِكَ هَفَا، إِذَا جَاعَ. وَالْهَفْوَةُ: الزَّلَّةُ.

(هَفَتَ) الْهَاءُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ شَيْءٍ. وَتَهَافُتُ الشَّيْءِ: تَسَاقُطُهُ قِطْعَةً [قِطْعَةً] . وَالْهَفْتُ: قِطَعُ الدَّمِ الْمُتَهَافِتَةُ. وَتَهَافَتَ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ: تَسَاقَطَ. وَكُلُّ شَيْءٍ انْخَفَضَ وَاتَّضَعَ فَقَدْ هَفَتَ وَانْهَفَتَ. وَوَرَدَتْ هَفِيتَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَهِيَ الَّتِي أَقْحَمَتْهُمُ السَّنَةُ، فَهُمْ سَاقِطَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(6/57)


[بَابُ الْهَاءِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَقَلَ) الْهَاءُ وَالْقَافُ وَاللَّامُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْهِقْلُ، وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ النَّعَامِ. وَيَقُولُونَ: التَّهَقُّلُ: الْمَشْيُ الْبَطِيءُ.

(هَقَمَ) الْهَاءُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ: يَدُلُّ عَلَى اتِّسَاعٍ وَعِظَمٍ. وَيُقَالُ لِلْبَحْرِ هِقَمٌّ، لِعِظَمِهِ وَبُعْدِ قَعْرِهِ. وَصَوْتُهُ هَيْقَمٌ. قَالَ:
كَالْبَحْرِ يَدْعُو هَيْقَمًا وَهَيْقَمًا.
وَيُقَالُ: الْهِقَمُّ: الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْأَكْلِ. وَيُقَالُ: الْهَيْقَمُ: الظَّلِيمُ الْعَظِيمُ.

(هَقَبَ) الْهَاءُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ. يَقُولُونَ: الْهِقَبُّ: الضَّخْمُ الطَّوِيلُ الرَّغِيبُ الْبَطْنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْهِقَبُّ: الصُّلْبُ. وَالْهَقَبُ: السَّعَةُ.

(هَقَعَ) الْهَاءُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ. فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: الْهَقْعَةُ: نَجْمٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى الْهَقْعَةُ: دَائِرَةٌ تَكُونُ بِزَوْرِ الْفَرَسِ. قَالَ:

(6/58)


وَقَدْ يَرْكَبُ الْمَهْقُوعَ مَنْ لَسْتَ مِثْلَهُ ... وَقَدْ يَرْكَبُ الْمَهْقُوعَ زَوْجُ حَصَانِ
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: اهْتُقِعَ لَوْنُهُ، مِثْلُ امْتُقِعَ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَكَلَ) الْهَاءُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ يَدُلُّ عَلَى إِشْرَافٍ وَعُلُوٍّ. مِنْهُ الْهَيْكَلُ: الْفَرَسُ الطَّوِيلُ. قَالَ:
وَقَدْ أَغْدُو بِطِرْفٍِ هَيْ ... كَلٍ ذِي مَيْعَةٍ سَكْبِ

(هَكَمَ) الْهَاءُ وَالْكَافُ وَالْمِيمُ تَدُلُّ عَلَى تَقَحُّمٍ وَتَهَدُّمُ. وَهَكَمَ هَكْمًا: تَقَحَّمَ عَلَى النَّاسِ وَتَعَرَّضَهُمْ بِشَرٍّ. وَالتَّهَكُّمُ: التَّهَزُّؤُ. وَتَهَكَّمَتِ الْبِئْرُ: تَهَدَّمَتْ.

(هَكَرَ) الْهَاءُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ: الْهَكْرُ: الْعَجَبُ. قَالَ:
فَاعْجَبْ لِذَلِكَ رَيْبَ دَهْرٍ وَاهْكَرِ.
قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ هَكْرًا لَكَ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: اعْتِرَاءُ النُّعَاسِ. قَالَ: وَهَكِرَ الرَّجُلُ: اعْتَرَاهُ نُعَاسٌ وَكَلَّ، وَاسْتَرْخَتْ عِظَامُهُ وَمَفَاصِلُهُ.

(6/59)


(هَكَعَ) الْهَاءُ وَالْكَافُ وَالْعَيْنُ يَدُلُّ عَلَى تَطَامُنٍ وَخُضُوعٍ. وَهَكَعَتِ الْبَقَرُ تَحْتَ ظِلِّ الشَّجَرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ: سَكَنَتْ. وَيُقَالُ لِلْعَظْمِ إِذَا انْكَسَرَ بَعْدَ جَبْرٍ: قَدْ هَكَعَ. وَاهْتَكَعَ الرَّجُلُ: خَشَعَ. وَهَكَعَ اللَّيْلُ: أَرْخَى سُدُولَهُ. وَذَهَبَ فَمَا يُدْرَى أَيْنَ هَكَعَ، كَأَنَّهُ اسْتَخْفَى وَتَوَارَى، كَمَا تَهَقَّعَ الْبَقَرُ. وَالْهُكْعَةُ: الرَّجُلُ الْعَاجِزُ يَهْكَعُ لِكُلٍّ، أَيْ يَخْشَعُ. وَيَقُولُونَ: الْهُكَاعُ: السُّعَالُ. وَهَكَعَ يَهْكَعُ هُكَاعًا: سَعَلَ.

(هَلَمَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَوْلُهُمْ هَلُمَّ: كَلِمَةُ دَعْوَةٍ إِلَى شَيْءٍ. قَالُوا: وَأَصْلُهَا هَلْ أَؤُمُّ، كَلَامُ مَنْ يُرِيدُ إِتْيَانَ الطَّعَامِ، ثُمَّ كَثُرَتْ حَتَّى تَكَلَّمَ بِهَا الدَّاعِي، مِثْلَ قَوْلِهِمْ: تَعَالَ، أَيِ اعْلُ، ثُمَّ كَثُرَتْ حَتَّى قَالَهَا مَنْ كَانَ أَسْفَلَ لِمَنْ كَانَ فَوْقَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا هَلْ لَكَ فِي الطَّعَامِ أُمَّ، أَيِ اقْصِدْ. وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الْكَلَامِ الْمُشْكِلِ. وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ.

(هَلَا) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. يَقُولُونَ: هَلَا. كِمْلَةٌ تُسَكَّنُ بِهَا الْإِنَاثُ عِنْدَ مُقَارَنَةِ الْفَحْلِ إِيَّاهَا. قَالَ:
أَلَا حَيِّيَا لَيْلَى وَقُولَا لَهَا هَلَا
وَيُقَالُ: ذَهَبَ بِذِي هِلِيَّانِ، أَيْ حَيْثُ لَا يُدْرَى

(6/60)


(هَلَبَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُبُوغٍ فِي شَيْءٍ وَسَعَةٍ. فَالْهُلْبُ: مَا غَلُظَ مِنَ الشَّعْرِ، كَشَعْرِ الذَّنَبِ. وَعَيْشٌ أَهْلَبُ: وَاسِعُ، كَمَا يُقَالُ: عَيْشٌ أَزَبُّ. وَيَوْمٌ هَلَّابٌ، إِذَا كَانَ مَطَرُهُ دَائِمًا فِي لِينٍ. وَالْهَلَّابَةُ: الرِّيحُ الْبَارِدَةُ مَعَ قَطْرٍ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِشِدَّةِ الزَّمَانِ هُلْبَةٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ فَرَسٌ مَهْلُوبٌ لِأَنَّهُ قَدْ جُزَّ هُلْبُ ذَنَبِهِ.

(هَلَتَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالتَّاءُ. لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْهَلْتُ: الْجَمَاعَةُ. [وَالْهُلَاتُ] : الِاسْتِرْخَاءُ.

(هَلَجَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَيَقُولُونَ: هَلَجَ: أَتَى بِكَلَامٍ وَلَا يُوثَقُ بِهِ.

(هَلَسَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ يَدُلُّ عَلَى إِخْفَاءِ شَيْءٍ: مِنْ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ. يُقَالُ: أَهْلَسَ فِي الضَّحِكِ: أَخْفَاهُ. قَالَ:
تَضْحَكُ مِنِّي ضَحِكًا إِهْلَاسَا
وَهَالَسَ فُلَانًا: سَارَّهُ. وَالْمَهْلُوسُ: الضَّعِيفُ الْعَقْلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَالْهُلَاسُ

(6/61)


[شِبْهُ السُّلَالِ مِنَ الْهُزَالِ] ، كَأَنَّ لَحْمَهُ خَفِيَ وَتَوَارَى.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْهَلْسُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.

(هَلَعَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ: يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةٍ وَحِدَّةٍ. وَنَاقَةٌ هِلْوَاعٌ: حَدِيدَةٌ سَرِيعَةٌ. وَنَعَامَةٌ هَالِعٌ كَذَلِكَ. وَمِنْهُ الْهَلَعُ فِي الْإِنْسَانِ: شِبْهُ الْحِرْصِ. وَرَجُلٌ هَلِعٌ وَهَلُوعٌ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: رَجُلٌ هُلْعَةٌ يَهْلَعُ وَيَجْزَعُ سَرِيعًا. وَيُقَالُ: مَا لَهُ هِلَّعٌ وَلَا هِلَّعَةٌ، أَيْ جَدْيٌ وَلَا عَنَاقٌ، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِنَزَقِهِمَا.

(هَلَفَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ: كَلِمَاتٌ مُتَقَارِبَةُ الْقِيَاسِ تَدُلُّ عَلَى كِبَرٍ وَضِخَمٍ. وَالْهِلَّوْفُ: الشَّيْخُ الضَّخْمُ. وَاللِّحْيَةُ الضَّخْمَةُ هِلَّوْفَةٌ، وَالْجَمَلُ الْكَبِيرُ هِلَّوْفٌ.

(هَلَكَ) الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ: يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَسُقُوطٍ. مِنْهُ الْهَلَاكُ: السُّقُوطُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمَيِّتِ هَلَكَ. وَاهْتَلَكَتِ الْقَطَاةُ خَوْفَ الْبَازِي: رَمَتْ بِنَفْسِهَا عَلَى الْمَهَالِكِ. فَأَمَّا قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
وَلَا هُلُكِ الْمَفَارِشِ عُزَّلِ
فَيَقُولُ: لَيْسَ أُمَّهَاتُهُمْ أُمَّهَاتِ سَوْءٍ. وَامْرَأَةٌ هَلُوكٌ، إِذَا تَهَالَكَتْ فِي غُنْجِهَا مُتَكَسِّرَةً. وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ هَلُوكٌ. وَالْمُهْتَلِكُ: الَّذِي يَهْتَلِكُ أَبَدًا إِلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَنَاسٌ مُهْتَلِكُونَ وَهُلَّاكٌ. وَقَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:

(6/62)


مُسْتَهْلِكُ الْوِرْدِ كَالْأَسْدِيِّ قَدْ جَعَلَتْ ... أَيْدِي الْمَطِيِّ بِهِ عَادِيَّةً رُغُبَا.
قَالُوا: مُسْتَهْلِكٌ: جَادٌّ وَالْقِيَاسُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صِفَةِ الْقَطَاةِ إِذَا اهْتَلَكَتْ مِنْ خَوْفِ الْبَازِي. وَالْأَرْضُ الْهَلَكِينُ: الْجَدْبَةُ. وَالْهَلَكُ: الشَّيْءُ الْهَالِكُ. وَالْهَلَكُ: الْمَهْوَى بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَرَى قُرْطَهَا فِي وَاضِحِ اللِّيتِ مُشْرِفًا ... عَلَى هَلَكٍ فِي نَفْنَفٍ يَتَطَوَّحُ
أَمَّا الْهَالِكِي فَالْحَدَّادُ، يَقُولُونَ: نُسِبَ إِلَى الْهَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَ يَعْمَلُ الْحَدِيدَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِبَنِي أَسَدٍ: الْقُيُونُ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَمَنَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ، وَهُوَ الشَّاهِدُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَمِنَ، وَالْهَاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ.

(هَمَى) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِهِ. وَهَمَى الْمَاءُ: سَالَ. وَهَمَتِ الْمَاشِيَةُ تَهْمِي: ذَهَبَتْ عَلَى وَجْهِهَا لِرَعْيٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّا نُصِيبُ هَوَامِيَ الْإِبِلِ» : الضَّوَالَّ.

(6/63)


وَإِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. تَقُولُ: تَهَمَّأَ الثَّوْبُ: بَلِيَ.

(هَمَجَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْجِيمُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ وَاضْطِرَابٍ. فَالْهَامِجُ: الْمَتْرُوكُ يَمُوجُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ:
يَعِيثُ فِيهِ هَمَجٌ هَامِجٌ
وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
مُوَلَّعَةٌ بِالطُّرَّتَيْنِ هَمِيجُ
فَيُقَالُ: الْهَمِيجُ: كُلُّ لَوْنَيْنِ اخْتَلَطَا.
وَمِنَ الْبَابِ الْهَمَجُ: الْبَعُوضُ، وَيُقَالُ لِرُذَالِ النَّاسُ الْهَمَجُ تَشْبِيهًا. وَالْهَمَجُ: الدَّبَا مِنَ الْجَرَادِ. [وَ] يُقَالُ: أَهْمَجَ الْفَرَسُ إِهْمَاجًا: اضْطَرَبَ فِي جَرْيِهِ. وَالْهَمَجُ: الْجُوعُ، لِمَا يَعْتَرِي صَاحِبَهُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ وَالِاضْطِرَابِ. قَالَ:
قَدْ هَلَكَتْ جَارَتُنَا مِنَ الْهَمَجْ

(6/64)


وَهَمَجَتِ الْإِبِلُ، وَرَدَتِ الْمَاءَ فَشَرِبَتْ مِنْهُ. وَيُقَالُ: الْهَمَجَةُ: الشَّاةُ الْمَهْزُولَةُ، كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالْبَعُوضَةِ.

(هَمَدَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خُمُودِ شَيْءٍ. وَهَمَدَتِ النَّارُ: طَفِئَتِ الْبَتَّةَ. وَأَرْضٌ هَامِدَةٌ: لَا نَبَاتَ بِهَا. وَنَبَاتٌ هَامِدٌ: يَابِسٌ. وَالْإِهْمَادُ: الْإِقَامَةُ بِالْمَكَانِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِهْمَادَ: السُّرْعَةُ فِي الْمَشْيِ. قَالَ:
مَا كَانَ إِلَّا طَلَقُ الْإِهْمَادِ

(هَمَذَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالذَّالُ، يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةٍ. يُقَالُ الْهَمَاذِيُّ: السُّرْعَةُ. [وَ] هَمَاذِيُّ الْمَطَرِ: شِدَّتُهُ.

(هَمَرَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى صَبٍّ وَانْصِبَابٍ. وَهَمَرَ دَمْعَهُ. وَهَمَرَ الدَّمْعُ وَانْهَمَرَ: سَالَ. وَفُلَانٌ يُهَامِرُ الشَّيْءَ، إِذَا أَخَذَهُ جَرْفًا. وَهَمَرَ فِي كَلَامِهِ: أَكْثَرَ. وَهُوَ مِهْمَارٌ، أَيْ كَثِيرِ الْكَلَامِ. وَهَمَرَ لَهُ مِنْ مَالِهِ، كَأَنَّهُ صَبَّهُ لَهُ صَبًّا.

(هَمَزَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَغْطٍ وَعَصْرٍ. وَهَمَزْتُ الشَّيْءَ فِي كَفِّي. وَمِنْهُ الْهَمْزُ فِي الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ يَضْغَطُ الْحَرْفَ. وَيَقُولُونَ: هَمَزَ بِهِ

(6/65)


الْأَرْضَ. وَقَوْسٌ هَمْزَى: شَدِيدَةُ الدَّفْعِ لِلسَّهْمِ. وَالْهَمَّازُ: الْعَيَّابُ، وَكَذَا الْهُمَزَةُ. قَالَ:
تُدْلِي بِوُدِّيَ إِذْ لَاقَيْتَنِي كَذِبًا ... وَإِنْ أُغَيَّبْ فَأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ
وَهَمْزُ الشَّيْطَانِ كَالْمُوتَةِ تَغْلِبُ عَلَى قَلْبِ الْإِنْسَانِ تَذْهَبُ بِهِ

(هَمَسَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ يَدُلُّ عَلَى خَفَاءِ صَوْتٍ وَحِسٍّ. مِنْهُ الْهَمْسُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. وَهَمْسُ الْأَقْدَامِ أَخْفَى مَا يَكُونُ مِنْ وَطْءِ الْقَدَمِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمُ الْهَمَّاسُ: الْأَسَدُ الشَّدِيدُ، فَمِنْ هَذَا عِنْدَنَا أَيْضًا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ هَمْسُهُ إِمَّا فِي وَطْئِهِ وَإِمَّا فِي عَضِّهِ. قَالَ:
عَادَتُهُ خَبْطٌ وَعَضٌّ هَمَّاسُ

(هَمَشَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالشِّينُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ عَمَلٍ أَوْ كَلَامٍ. يَقُولُونَ: الْهَمِشُ: السَّرِيعُ الْعَمَلِ بِأَصَابِعِهِ. وَامْرَأَةٌ هَمَشَى الْحَدِيثِ، إِذَا تَسَرَّعَتْ فِيهِ. قَالَ:
أَيَّامُ زَيْنَبَ لَا خَفِيفٌ حِلْمُهَا ... هَمَشَى الْحَدِيثِ وَلَا رَوَادٌ سَلْفَعُ
وَالْهَمْشُ: حَلْبٌ بِسُرْعَةٍ. وَالْهَمْشُ: الصَّوْتُ وَالْجَلَبَةُ.

(6/66)


(هَمَطَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالطَّاءُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَمَطَ: خَلَطَ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ. وَأَهْمَطَ عِرْضَ فُلَانٍ: شَتَمَهُ.

(هَمَعَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ. يَدُلُّ عَلَى سَيَلَانِ شَيْءٍ. وَهَمَعَتِ الْعَيْنُ: سَالَ دَمْعُهَا. وَتَهَمَّعَ الرَّجُلُ: تَبَاكَى. وَسَحَابٌ هَمِعٌ: مَاطِرٌ. وَيُقَالُ: الْهِمْيَعُ: الْمَوْتُ الْوَحِيُّ.

(هَمَقَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يَقُولُونَ: كَلَأٌ هَمِقٌ: هَشٌّ.

(هَمَكَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْكَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. انْهَمَكَ فِي الْأَمْرِ: جَدَّ وَلَجَّ.

(هَمَلَ) الْهَاءُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ. أَهْمَلْتُ الشَّيْءَ، إِذَا خَلَّيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ. وَالْهَمَلُ: السُّدَى. وَالْهَمَلُ: الْمَالُ لَا مَانِعَ لَهُ. وَهَمَلَتِ الْعَيْنُ، مِثْلَ هَمَرَتْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْهَاءِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(هَنَا) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ، فِيهِ كَلِمَاتٌ مُشْكِلَةٌ، وَأَشْيَاءُ لَيْسَ لَهَا قِيَاسٌ. يَقُولُونَ: هُنَا كَلِمَةُ تَقْرِيبٍ، وَهَاهُنَا تَبْعِيدٌ. فَأَمَّا قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

(6/67)


وَحَدِيثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنَا ... وَحَدِيثٌ مَا عَلَى قِصَرِهْ
فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ إِنَّهُ الْيَوْمُ الْمَاضِي، وَهُوَ عَلَى التَّقْرِيبِ، يَقُولُ: عَهْدِي بِهِمْ يَوْمَ هُنَا. وَيُقَالُ بَلْ هُوَ اللَّعِبُ. وَيُقَالُ هُنَا: مَوْضِعٌ.
وَهَنٌ: كَلِمَةُ كِنَايَةٍ، تَقُولُ: أَتَاهُ هَنٌ، وَفِي فُلَانٍ هَنَاتٌ، أَيْ خَصَلَاتُ شَرٍّ، وَلَا يُقَالُ فِي الْخَيْرِ.

(هَنَأَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْهَمْزَةُ: يَدُلُّ عَلَى إِصَابَةِ خَيْرٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. فَالْهَنْءُ: الْعَطِيَّةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالِاسْمُ الْهِنْءُ. وَالْهَنِئُ: الْأَمْرُ يَأْتِيكَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. وَمَا كَانَ هَذَا الطَّعَامُ هَنِيئًا وَلَقَدْ هَنُؤَ. وَهَنِئَتِ الْمَاشِيَةُ: أَصَابَتْ حَظًّا مِنْ بَقْلٍ. وَإِبِلٌ هَنْأَى. وَأَمَّا الْهِنَاءُ فَضَرْبٌ مِنَ الْقَطِرَانِ. هَنَأْتُ الْبَعِيرَ، وَنَاقَةٌ مَهْنُوءَةٌ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ مَضَى هِنْءٌ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ طَائِفَةٌ.

(هَنَبَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا هِنْبٌ: اسْمُ رَجُلٍ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّ الْهَنَبَ: الْوَخَامَةُ وَالثِّقَلُ. يُقَالُ امْرَأَةٌ هَنْبَاءُ: بَلْهَاءُ. قَالَ:
مَجْنُونَةٌ هُنَّبَاءُ بِنْتُ مَجْنُونِ

(6/68)


(هَنَدَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالدَّالُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَفِيهِ أَسْمَاءٌ مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا، فَهِنْدُ: اسْمُ امْرَأَةٍ. وَهُنَيْدَةٌ: مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. قَالَ:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةً يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ ... مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ
وَيُقَالُ لِلْمِائَتَيْنِ هِنْدٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ: هَنَّدَتْ فُلَانَةُ قَلْبِي: ذَهَبَتْ بِهِ، وَهَنَّدَتْ فُلَانَةُ فُلَانًا: أَوْرَثَتْهُ عِشْقًا بِمُغَازَلَةٍ - فَكَلَامٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُمْ: التَّهْنِيدُ: شَحْذُ السَّيْفِ الْمُهَنَّدِ، إِنَّمَا هُوَ طَبْعٌ عَلَى سُيُوفِ الْهِنْدِ.

(هَنَعَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَطَامُنٍ فِي شَيْءٍ. فَالْهَنَعُ: تَطَامُنٌ فِي الْعُنُقِ. وَأَكَمَةٌ هَنْعَاءُ: قَصِيرَةٌ. وَظَلِيمٌ أَهْنَعُ: فِي عُنُقِهِ تَطَامُنٌ وَالْهَنْعَةُ: سِمَةٌ فِي مُنْخَفَضِ الْعُنُقِ. وَالْهَنْعَةُ: كَوْكَبٌ.

(هَنَفَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: هِيَ الْمُهَانَفَةُ: الضَّحِكُ فَوْقَ التَّبَسُّمِ. قَالُوا: وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ تَهَانَفَ ; فَهُوَ نَعْتٌ فِي ضَحِكِ النِّسَاءِ خَاصَّةً، حَكَاهُ الْخَلِيلُ. وَيُقَالُ: بَلِ التَّهَانُفُ: ضَحِكُ الْمُسْتَهْزِئِ.

(هَنَقَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْقَافُ. حَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ: الْهَنَقُ شِبْهُ الضَّجَرِ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ. وَأَنْشَدَ:

(6/69)


أَهْنَقَنِي الْيَوْمَ وَفَوْقَ الْإِهْنَاقْ

(هَنَمَ) الْهَاءُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ. الصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّ الْهَيْنَمَةَ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. [قَالَ] :
وَلَا أَشْهَدُ الْهُجْرَ وَالْقَائِلِيهِ ... إِذَا هُمْ بِهَيْنَمَةٍ هَتْمَلُوا
وَمِمَّا قَدْ ذُكِرَ: الْهِنَّمَةُ: خَرَزَةٌ يُؤْخَذُ بِهَا.

(6/70)


[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ أَوَّلُهُ هَاءٌ]
مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ (الْهِبْلَعُ) : الْأَكُولُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: هَلَعٌ وَبَلْعٌ. فَالْهَلَعُ: الْحِرْصُ، وَالْبَلْعُ: بَلْعُ الْمَأْكُولِ.

وَمِنْهُ (الْهِدْلِقُ) : الْمُسْتَرْخِي، وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ هَدِلَ، أَيِ اسْتَرْخَى وَاسْتَرْسَلَ ; وَدَلَقَ، إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ.

وَمِنْهُ (الْهِبْرِقِيُّ) : الْحَدَّادُ أَوِ الصَّائِغُ، وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مَنْ هَبَرَ وَبَرَقَ، كَأَنَّهُ يَهْبِرُ الْحَدِيدُ، أَيْ يَقْطَعُهُ وَيُصْلِحُهُ حَتَّى يَبْرُقَ.

وَمِنْهُ (الْهِلْقَامُ) : الضَّخْمُ الْوَاسِعُ الْبَطْنِ، وَهُوَ مِنْ هَقَمَ، مِنَ الْبَحْرِ الْهَيْقَمِ: الْوَاسِعِ، وَلَقْمٌ مِنْ لَقْمِ الشَّيْءِ.

وَمِنْهُ (الْهَزْرَقَةُ) : أَسْوَأُ الضَّحِكِ، وَهُوَ مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْ هَزِقَ إِذَا ضَحِكَ، وَقَدْ فُسِّرَ.

وَمِنْهُ (الْهَبْرَكَةُ) النَّاعِمَةُ، وَالْكَافُ زَائِدَةٌ مِنْ هَبْرِ اللَّحْمِ. يَقُولُ: لَحْمُهَا كَثِيرٌ.

وَمِنْهُ (الْهَمْرَجَةُ) : الِاخْتِلَاطُ، وَهُوَ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ: هَمَجَ، وَهَرَجَ، وَمَرَجَ، قَدْ فُسِّرَتْ كُلُّهَا. وَهَمْرَجْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ هَمْرَجَةً، مِثْلُ خَلَّطْتُهُ.

وَمِنْهُ (الْهِلْبَاجَةُ) : الْأَحْمَقُ، وَاللَّامُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْهَبَجِ. وَقَدْ قُلْنَا: التَّهَبُّجُ: الِاخْتِلَاطُ وَالثِّقَلُ.

(6/71)


وَمِنْهُ (الْهِزْلَاجُ) : الذِّئْبُ الْخَفِيفُ وَزِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ، مِنْ زَلَجَ كَمَا يَزْلَجُ السَّهْمُ وَمِنَ الْأَزَلِّ أَيْضًا، وَهُوَ الْأَرْسَحُ الْخَفِيفُ الْمُؤَخَّرِ.

وَمِنْهُ عَجُوزٌ (هَمَّرِشٌ) مِنْ هَمَّ وَهَرَشَ، أَيْ هِمَّةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ، تَهَارُشٌ.
وَمِنْهُ (الْهِرْشَمُّ) : الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَالرَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، مِنَ الْهَشْمِ، كَأَنَّهُ يَنْهَشِمُ سَرِيعًا.

وَمِنْهُ (الْهِرْمَاسُ) : الْأَسَدُ، وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ هَرَسَ، كَأَنَّهُ يُحَطِّمُ مَا لَقِيَ.

وَمِنْهُ (الْهِزَبْرُ) : الْأَسَدُ، زِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ، مِنْ بَرَزَ أَيْ إِنَّهُ مُبَارِزٌ.

وَمِنْهُ (الْهَذْرَمَةُ) : سُرْعَةُ الْكَلَامِ مِنْ هَذَرَ وَهَذَمَ، وَقَدْ فُسِّرَا.

وَمِنْهُ (الْهَمَرْجَلُ) : الْفَرَسُ الْجَوَادُ، مَنْ هَمَرَ وَهَجَلَ، كَأَنَّهُ يَهْمِرُ فِي جَرْيِهِ وَيَهْجُلُ.

وَمِنْهُ (الْهِرْجَابُ) : الطَّوِيلُ، وَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، مِنْ هَرَجَ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ هَذَا بِنَاءً يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ.

وَمِنْهُ (الْهِجْرِعُ) : الْخَفِيفُ الْأَحْمَقُ، مِنْ هَرِعَ وَهَجَعَ. وَالْهَرِعُ: الْمُتَسَرِّعُ. وَالْهُجَعُ: الْأَحْمَقُ.

وَمِنْهُ (الْهَجَنَّعُ) : الشَّيْخُ، وَالْجِيمُ زَائِدَةٌ، مِنَ الْهَنَعِ، وَهُوَ التَّطَامُنُ، كَأَنَّهُ خُلُقُهُ قَدْ تَطَامَنَ. وَيُوصَفُ بِهِ الظَّلِيمُ وَغَيْرُهُ.

وَمِنْهُ (الْهَطَّلِعُ) : الرَّجُلُ الطَّوِيلُ، زِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ، مِنْ طَلَعَ.

وَمِنْهُ (اهْرَمَّعَ) الْمَاءُ. سَالَ، مَنْ هَمَعَ وَهَرِعَ، وَكِلَاهُمَا سَالَ. وَكَذَا اهْرَمَّعَ الرَّجُلُ: أَسْرَعَ.

(6/72)


وَمِمَّا وُضِعَ وَضْعًا وَلَا نَعْلَمُ لَهُ قِيَاسًا:

(الْهَمَلَّعُ) : الَّذِي تَوَقَّعَ خُطَاهُ تَوْقِيعًا شَدِيدًا.

وَ (الْهَبَنْقَعُ) : الْأَحْمَقُ يَجْلِسُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَسْأَلُ. وَقَدْ قَعَدَ الْهَبَنْقَعَةَ.

وَ (هَبَنَّقَةٌ) : رَجُلٌ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْحُمْقِ. وَالْهِبْنِيقُ: الْوَصِيفُ.

[وَ] (الْهِرْكَوْلَةُ) : الْمَرْأَةُ الْجَسِيمَةُ.

وَ (الْهِلَّكْسُ) الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَهُوَ الرَّجُلُ الدَّنِيُّ الْأَخْلَاقِ.

وَ (الْهِجْرِسُ) : وَلَدُ الثَّعْلَبِ.
وَ (الْهَيْجُمَانَةُ) : الذَّرَّةُ.
وَ (الْهِرْشَفَّةُ) : الْعَجُوزُ الْبَالِيَةُ، وَالدَّلْوُ الْخَلَقُ. وَ [لَيْسَ] لَهُ (هَلْبَسِيسٌ) ، أَيْ شَيْءٌ.

وَ (الْهِرْطَالُ) : الطَّوِيلُ.
وَ (الْهِرْدَبُّ) : الْجَبَانُ.
وَ (الْهِدَمْلَةُ) : رَمَلَةٌ.
وَ (هَرْثَمَةُ) الْأَسَدُ: أَنْفُهُ وَخَطْمُهُ. وَشَعْرُهُ (هَرَامِيلُ) ، إِذَا سَقَطَ.
وَ (الْهَنَابِثُ) : الْأُمُورُ الشَّدَائِدُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ.

(تَمَّ كِتَابُ الْهَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) .

(6/73)


[كِتَابُ الْوَاوِ] [بَابُ الْوَاوِ وَمَا مَعَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابُ الْوَاوِ وَمَا مَعَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
(وَجَّ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ لَيْسَ إِلَّا " وَجٌّ " بَلَدُ الطَّائِفِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «آخِرُ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِوَجٍّ» ، يُرِيدُ غَزَاةَ الطَّائِفِ.

(وَخَّ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ. يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ وَاضْطِرَابٍ. وَرَجُلٌ وَخْوَاخٌ مُخْتَلِطٌ ضَعِيفٌ. قَالَ:
لَمْ أَكُ فِي قَوْمِي امْرَأً وَخْوَاخَا

(وَدَّ) الْوَاوُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَحَبَّةٍ. وَدِدْتُهُ: أَحْبَبْتُهُ. وَوَدِدْتُ أَنَّ ذَاكَ كَانَ، إِذَا تَمَنَّيْتَهُ، أَوَدُّ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَفِي الْمَحَبَّةِ الْوُدُّ، وَفِي التَّمَنِّي الْوَدَادَةُ. وَهُوَ وَدِيدُ فُلَانٍ، أَيْ يُحِبُّهُ.

(6/75)


فَأَمَّا الْوَدُّ: [فَ] الْوَتِدُ. وَقَدْ ذُكِرَ.

(وَزَّ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ: حَرْفٌ [يَدُلُّ عَلَى] خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ. وَرَجُلٌ وَزْوَازٌ: خَفِيفٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَزْوَزَةُ: الْخِفَّةُ وَالسُّرْعَةُ.

(وَسَّ) الْوَاوُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ غَيْرِ رَفِيعٍ. يُقَالُ لِصَوْتِ الْحَلْيِ: وَسْوَاسٌ. وَهَمْسُ الصَّائِدِ وَسْوَاسٌ. وَإِغْوَاءُ الشَّيْطَانِ ابْنَ آدَمَ وَسْوَاسٌ. قَالَ فِي الصَّائِدِ:
[فَبَاتَ] يُشْئِزُهُ ثَأْدٌ وَيُسْهِرُهُ ... تَذَاؤُبُ الرِّيحِ وَالْوَسْوَاسُ وَالْهِضَبُ

(وَشَّ) الْوَاوُ وَالشِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْوَشْوَشَةُ: الِاخْتِلَاطُ، وَرَجُلٌ وَشْوَاشٌ.

(وَصَّ) الْوَاوُ وَالصَّادُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَظَرٍ مِنْ خَرْقٍ، أَوْ خَرْقٍ يُنْظَرُ مِنْهُ. الْوَصْوَاصُ: الْبُرْقُعُ. وَوَصْوَصَ الْجَرْوُ: فَتَّحَ عَيْنَيْهِ. وَوَصْوَصَ فُلَانٌ: نَظَرَ بِعَيْنَيْهِ يُصَغِّرُهُمَا. وَحِجَارَةٌ الْأَيَادِيمِ، أَيْ مُتُونِ الْأَرْضِ: وَصَاوِصُ عَلَى التَّشْبِيهِ، لِأَنَّهَا تَبْرُقُ كَالْعُيُونِ. قَالَ:
بِصُلَّبَاتٍ تَقِصُ الْوَصَاوِصَا

(6/76)


(وَطَّ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَطْوَاطُ: الْخُطَّافُ، وَبِهِ سُمِّي الْجَبَانُ وَطْوَاطًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَطْوَطَةُ: الضَّعْفُ.

(وَعَّ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ. يُقَالُ وَعْوَعَ الذِّئْبُ وَعَلَى التَّشْبِيهِ يُقَالُ لِلشَّهْمِ الظَّرِيفِ: وَعْوَعِيٌّ. وَكُلُّ صَوْتٍ مُخْتَلِطٍ: وَعْوَاعٌ. قَالَ:
فَيَظَلُّ مِنْهُ الْقَوْمُ فِي وَعْوَاعٍ

(وَلَّ) الْوَاوُ وَاللَّامُ. وَالْوَلْوَلَةُ: الْإِعْوَالُ وَأَصْوَاتُ النِّسَاءِ بِالْبُكَاءِ.

(وَهَّ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ. لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَهْوَهَ الْحِمَارُ حَوْلَ عَانَتِهِ شَفَقَةً عَلَيْهَا. قَالَ:
مُقْتَدِرُ الضَّيْعَةِ وَهْوَاهُ الشَّفَقْ

[بَابُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَيَحَ) الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَالْحَاءُ. يُقَالُ وَيْحَ: كَلِمَةُ رَحْمَةٍ لِمَنْ تَنْزِلُ بِهِ بَلِيَّةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: لَمْ يُسْمَعْ عَلَى بِنَائِهِ إِلَّا وَيْحَ، وَوَيْسَ، وَوَيْهَ، وَوَيْلَ، وَوَيْبَ. وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى.

(6/77)


[بَابُ الْوَاوِ وَالْهَمْزَةِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَأَبَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالْبَاءُ: كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى تَقْعِيرِ شَيْءٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى غَضَبٍ.
فَالْأُولَى: الْحَافِرُ الْوَأْبُ: الْمُقَعَّبُ. وَالْوَأْبَةُ: نُقَيْرَةٌ فِي صَخْرَةٍ تُمْسِكُ الْمَاءَ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى أَوْأَبْتُ فُلَانًا: أَغْضَبْتُهُ. وَيُقَالُ إِنَّ الْإِبَةَ مِنْهُ.

(وَأَدَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْقَالِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. يُقَالُ لِلْإِبِلِ إِذَا مَشَتْ بِثَقَلِهَا: لَهَا وَئِيدٌ. قَالَ:
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا
أَيْ مَشْيًا بِثِقَلٍ. وَالْمَوْءُودَةُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تُدْفَنُ حَيَّةً، فَهِيَ تُثْقَلُ بِالتُّرَابِ الَّذِي يَعْلُوهَا. وَأَدَهَا يَئِدُهَا وَأْدًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ

(6/78)


(وَأَرَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: اسْتَوْأَرَتِ الْإِبِلُ: تَتَابَعَتْ. وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ إِلَى أَنَّ أَصْلَ الْبَابِ شِدَّةُ الْحَرِّ. قَالَ: وَوَئِرَ يَوْمُنَا: اشْتَدَّ حَرُّهُ وَأْرًا. [وَ] يَوْمٌ وَئِرٌ. قَالَ: وَمِنْهُ الْإِرَةُ: حُفْرَةٌ تَكُونُ لِمُسْتَوْقَدِ النَّارِ، وَوَأَرَ الْمَكَانَ: اتَّخَذَ حُفْرَةً لِلنَّارِ. قَالَ: وَالْوَأْرُ: شِدَّةُ الْفَزَعِ، كَأَنَّهُ فَزَعٌ يُحْرِقُ مِنْ شِدَّتِهِ. وَوَأَرْتُهُ أَئِرُهُ وَأْرًا: أَفْزَعْتُهُ. وَوُئِرَ زَيْدٌ: ذُعِرَ.

(وَأَصَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: مَا أَدْرِي أَيُّ الْوَئِيصَةِ هُوَ، أَيْ أَيُّ النَّاسِ هُوَ. وَالْوَئِيصَةُ: الْجَمَاعَةُ

(وَأَقَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالْقَافُ. يَقُولُونَ: الْوَأْقُ: الصُّرَدُ. قَالَ:
وَلَقَدْ غَدَوْتُ وَكُنْتُ لَا ... أَغْدُو عَلَى وَأْقٍ وَحَاتِمْ

(وَأَلَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ وَالْتِجَاءٍ. يُقَالُ اسْتَوْأَلَتِ الْإِبِلُ: اجْتَمَعَتْ. وَالْمَوْئِلُ: الْمَلْجَأُ مِنْ وَأَلَ إِلَيْهِ يَئِلُ. وَالْوَأْلَةُ: الْبَنَّةُ مِنَ الْبَعْرِ الْمُتَجَمِّعِ.

(6/79)


(وَأَمَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ. كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةٍ وَمُقَارَبَةٍ. يَقُولُونَ: الْوِئَامُ: الْمُوَافَقَةُ ; وَوَاءَمْتُهُ. وَمَثَلُهُمْ:
لَوْلَا الْوِئَامُ هَلَكَ الْأَنَامُ

(وَأَهَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ: كَلِمَةٌ يَقُولُونَ عِنْدَ اسْتِطَابَةِ الشَّيْءِ: وَاهًا لَهُ.

(وَأَيَ) الْوَاوُ وَالْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ: الْأُولَى الْوَعْدُ، يُقَالُ وَأَيْتُهُ أَئِيهِ وَأْيًا، وَهُوَ صَادِقُ الْوَأْيِ.
وَالثَّانِيَةُ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ أَوْ تَجَمُّعٍ وَعِظَمٍ. يُقَالُ حِمَارٌ وَأًى: قَوِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ. وَقِدْرٌ وَئِيَّةٌ: عَظِيمَةٌ. وَقَوْلُ أَوْسٍ:
وَحَطَّتْ كَمَا حَطَّتْ وَئِيَّةُ تَاجِرٍ ... وَهَى عَقْدُهَا فَارْفَضَّ مِنْهَا الطَّوَائِفُ
وَيُقَالُ الْوَئِيَّةُ: الْجُوَالِقُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(6/80)


[بَابُ الْوَاوِ وَالْبَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَبَخَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَبَّخَهُ: لَامَهُ، تَوْبِيخًا.

(وَبَدَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُوءِ حَالٍ. يُقَالُ: أَرْضٌ وَبِدَةٌ، إِذَا سَاءَتْ حَالُ أَهْلِهَا. وَيَقُولُونَ: الْوَبْدُ: نُقْرَةٌ فِي صَخْرَةٍ. وَرَجُلٌ مُسْتَوْبِدُ الْمَكَانِ: جَاهِلٌ بِهِ.

(وَبَرَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ، بَلْ هِيَ مُنْفَرِدَةٌ. فَالْوَبَرُ مَعْرُوفٌ. وَالْوَبْرُ: دَابَّةٌ. وَبَنَاتُ أَوْبَرَ: شِبْهُ الْكَمْءِ الصِّغَارِ. وَمَا بِالدَّارِ وَابِرٌ، أَيْ أَحَدٌ.
وَحَكَى بَعْضُهُمْ: وَبَّرَ فِي مَنْزِلِهِ تَوْبِيرًا: لَمْ يَبْرَحْهُ. وَوَبْرٌ: أَحَدُ أَيَّامِ الْعَجُوزِ.

(وَبَشَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالشِّينُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ. يُقَالُ: جَاءَ أَوْبَاشٌ مِنَ النَّاسِ، أَيْ أَخْلَاطٌ. وَأَوْبَشَتِ الْأَرْضُ: اخْتَلَطَ نَبَاتُهَا.

(وَبَصَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالصَّادُ: يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ شَيْءٍ فِي بَرِيقٍ. وَبَصَ يَبِصُ: بَرَقَ. وَقَدْ أَوْبَصْتُ نَارِي. وَوَبَّصَ الْجِرْوُ: فَتَحَ عَيْنَيْهِ. وَأَوْبَصَتِ الْأَرْضُ: ظَهَرَ نَبَاتُهَا، كَأَنَّهُ يَلْمَعُ.

(6/81)


وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا: إِنَّ فُلَانًا لَوَابِصَةُ سَمْعٍ، إِذَا كَانَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ فَيَعْتَمِدُهُ وَيَظُنُّهُ.

(وَبَطَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالطَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ. يُقَالُ: وَبِطَ رَأْيُهُ: ضَعُفَ. وَالْوَابِطُ: الْجَبَانُ. وَوَبَطَنِي فُلَانٌ عَنْ حَاجَتِي: حَبَسَنِي.

(وَبَقَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَتَانِ. يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ حَالَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَوْبِقٌ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: وَبَقَ: هَلَكَ. وَأَوْبَقَهُ اللَّهُ. وَيُقَالُ: الْمَوْبِقُ: الْمَوْعِدُ.

(وَبَلَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ فِي شَيْءٍ وَتَجَمُّعٍ. الْوَبْلُ وَالْوَابِلُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ. وَيُقَالُ: وَبَلَتِ السَّمَاءُ: أَتَتْ بِوَابِلٍ. قَالَ:
إِنْ دَيَّمُوا جَادَ وَإِنْ جَادُوا وَبَلْ
وَوَبَلَةُ الشَّيْءِ: ثِقَلُهُ. وَمِنْهُ يُقَالُ شَيْءٌ وَبِيلٌ أَيْ وَخِيمٌ. وَاسْتَوْبَلْتُ الْبَلَدَ، إِذَا لَمْ يُوَافِقْكَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا. وَالْوَبِيلُ: الضَّرْبُ الشَّدِيدُ. وَالْوَبِيلُ: الرَّجُلُ الثَّقِيلُ فِي أَمْرٍ يَتَوَلَّاهُ لَا يُصْلِحُهُ. وَالْمَوْبِلُ: الْأَمْعَزُ الشَّدِيدُ. وَالْوَبِيلُ: خَشَبَةُ

(6/82)


الْقَصَّارِ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا الثِّيَابَ. وَالْوَبِيلُ: الْحُزْمَةُ مِنَ الْحَطَبِ. وَيُقَالُ: الْوَبِيلُ الْكَلَأُ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا. وَالْوَابِلَةُ: عَظْمُ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ.

(وَبَأَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالْهَمْزَةُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. هِيَ الْوَبَاءُ. وَأَرْضٌ وَبِئَةٌ عَلَى فَعِلَةٍ وَقَدْ وَبِئَتْ، وَمَوْبُوءَةٌ وَقَدْ وُبِئَتْ. وَقَوْلُهُمْ: وَبَأْتُ إِلَيْهِ وَأَوْبَأْتُ، أَيْ أَشَرْتُ، مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الْمِيمُ. وَقَدْ أَنْشَدُوا بِالْبَاءِ:
تَرَى النَّاسَ مَا سِرْنَا يَسِيرُونَ خَلْفَنَا ... وَإِنْ نَحْنُ أَوْبَأْنَا إِلَى النَّاسِ وَقَّفُوا

[بَابُ الْوَاوِ وَالتَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَتَحَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةٍ فِي شَيْءٍ. فَالْوَتْحُ وَالْوَتَحُ الْقَلِيلُ. يُقَالُ وَتَحَ الْعَطِيَّةَ. وَتَوَتَّحْتُ مِنَ الشَّرَابِ: شَرِبْتُ مِنْهُ قَلِيلًا. وَأَوْتَحْتُ حَظَّهُ: أَقْلَلْتُهُ.

(وَتَدَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَتِدُ، يُقَالُ: وَتَدَهُ، وَتِدْ وَتِدَكَ. وَيُقَالُ وَتْدٌ أَيْضًا. وَوَتِدُ الْأُذُنِ: الَّذِي فِي بَاطِنِهَا كَأَنَّهُ وَتِدٌ.

(وَتَرَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ: بَابٌ لَمْ تَجِئْ كَلِمُهُ عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ، بَلْ هِيَ مُفْرَدَاتٌ لَا تَتَشَابَهُ. فَالْوَتِيرَةُ: غُرَّةُ الْفَرَسِ مُسْتَدِيرَةً. وَالْوَتِيرَةُ: شَيْءٌ يُتَعَلَّمُ عَلَيْهِ

(6/83)


الطَّعْنُ. وَالْوَتِيرَةُ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: هُوَ عَلَى وَتِيرَةٍ. وَالْوَتَرُ: الذَّحْلُ، يُقَالُ وَتَرْتُهُ أَتِرُهُ وَتْرًا. وَالْوِتْرُ وَالْوَتْرُ: الْفَرْدُ. وَوَتَرُ الْقَوْسِ مَعْرُوفٌ. يُقَالُ وَتَرْتُهَا وَأَوْتَرْتُهَا. وَالْوَتَرَةُ: طَرَفُ الْأَنْفِ.
أَمَّا الْمُوَاتَرَةُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَا تَكُونُ مُوَاتَرَةً إِلَّا إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فَتْرَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مُدَارَكَةٌ. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ مُوَاتِرَةٌ: تَضَعُ رُكْبَتَهَا، ثُمَّ تَمْكُثُ ثُمَّ تَضَعُ الْأُخْرَى.

(وَتَشَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالشِّينُ. الْوَتْشُ: الْقَلِيلُ الرُّذَالُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَتَغَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالْغَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْمٍ وَبَلِيَّةٍ. فَالْوَتَغُ: الْإِثْمُ. وَأَوْتَغَهُ: أَلْقَاهُ فِي بَلِيَّةٍ. وَوَتِغَ وَتَغًا: هَلَكَ. وَأَوْتَغَهُ: أَهْلَكَهُ.

(وَتَنَ) الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ثَبَاتٍ وَمُلَازَمَةٍ. وَاتَنَ الْأَمْرَ: لَازَمَهُ. وَمَاءٌ وَاتِنٌ: دَائِمٌ. وَمِنْهُ الْوَتِينُ: عِرْقٌ مُلَازِمٌ لِلْقَلْبِ يَسْقِيهِ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالثَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَثَجَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ يَدُلُّ عَلَى اكْتِنَازٍ. وَوَثُجَ الْفَرَسُ وَثَاجَةً:

(6/84)


اكْتَنَزَ لَحْمُهُ، وَهُوَ وَثِيجٌ. وَاسْتَوْثَجَ نَبْتُ الْأَرْضِ: عَلِقَ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَأَرْضٌ مُؤْتَثِجَةٌ: كَثِيرَةُ الْكَلَأِ.

(وَثَرَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى وَطَاءَةٍ فِي شَيْءٍ. وَفِرَاشٌ وَثْرٌ وَوَثِيرٌ: وَطِيٌّ. وَالْمَيَاثِرُ: ثِيَابٌ حُمْرٌ تَكُونُ فِي مَرَاكِبِ الْأَعَاجِمِ. وَقَوْلُهُمْ: وَثَرَ الْجَمَلُ النَّاقَةَ: ضَرَبَهَا، كَأَنَّهَا لَهُ فِرَاشٌ وَثِيرٌ.

(وَثَقَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَقْدٍ وَإِحْكَامٍ. وَوَثَّقْتُ الشَّيْءَ: أَحْكَمْتُهُ. وَنَاقَةٌ مُوَثَّقَةُ الْخَلْقِ. وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُحْكَمُ. وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَدْ وَثِقْتُ بِهِ.

(وَثَلَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: الْوَثِيلُ: اللِّيفُ أَوِْ رِشَاءٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ.

(وَثَمَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَجَمُّعٍ. وَالْأَصْلُ الْوَثِيمَةُ: الْحَجَرُ. يَقُولُونَ: وَالَّذِي أَخْرَجَ النَّارَ مِنَ الْوَثِيمَةِ. ثُمَّ يُقَالُ لِلْحُزْمَةِ مِنَ الْحَشِيشِ وَثِيمَةٌ. يُقَالُ ثِمْ، أَيِ اجْمَعْ. وَالْوَثِيمُ: الْمُكْتَنِزُ لَحْمًا.

(وَثَنَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالنُّونُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَثَنُ وَاحِدُ الْأَوْثَانِ: حِجَارَةٌ كَانَتْ تُعْبَدُ. وَأَصْلُهَا قَوْلُهُمُ اسْتَوْثَنَ الشَّيْءُ: قَوِيَ. وَأَوْثَنَ فُلَانٌ الْحِمْلَ: كَثَّرَهُ. وَأَوْثَنْتُ لَهُ: أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا.

(6/85)


(وَثَأَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالْهَمْزَةُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وُثِئَتْ يَدُهُ، وَهِيَ مَوْثُوءَةٌ.

(وَثَبَ) الْوَاوُ وَالثَّاءُ وَالْبَاءُ يَدُلُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى الظَّفْرِ، إِلَّا فِي لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ حِمْيَرَ فَإِنَّهُ بِخِلَافِ هَذَا. وَوَثَبَ مِنْ مَكَانِهِ: طَفَرَ. وَفِي لُغَةِ حِمْيَرَ يَقُولُونَ لِمَنْ قَعَدَ: قَدْ وَثَبَ. وَإِذَا أَمَرُوا بِالْقُعُودِ قَالُوا ثِبْ. وَيَقُولُونَ لِلْمَلِكِ إِذَا قَعَدَ وَلَمْ يَغْزُ: الْمَوْثَبَانُ. وَيَقُولُونَ: وَثَّبَهُ وِسَادَةً: أَلْقَاهَا لَهُ لِيَقْعُدَ عَلَيْهَا.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْجِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَجَحَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْحَاءُ. كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَتْرِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ. وَكُلُّ مَا اسْتَتَرْتَ بِهِ وِجَاحٌ وَوَجَاحٌ. وَيُقَالُ الْوِجَاحُ: الشَّخْصُ، لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ يَسْتُرُ مَا وَرَاءَهُ. وَمِنْهُ: حَفَرْتُ حَتَّى أَوْجَحْتُ، أَيْ بَلَغْتُ الصَّفَا. وَالصَّفَا يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ وَيَمْنَعُهُ.

(وَجَدَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ، يَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الشَّيُّ يُلْفِيهِ. وَوَجَدْتُ الضَّالَّةَ وِجْدَانًا. [وَحَكَى بَعْضُهُمْ: وَجَدْتُ فِي الْغَضَبِ وِجْدَانًا] . وَأَنْشَدَ:

(6/86)


كِلَانَا رَدَّ صَاحِبَهُ بِيَأْسٍ ... عَلَى حَنَقٍ وَوِجْدَانٍ شَدِيدِ

(وَجَذَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالذَّالُ. كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ، هِيَ الْوَجْذُ، نُقْرَةٌ فِي الصَّخْرَةِ، وَالْجَمْعُ وِجَاذٌ. وَبَلَغَنَا أَنَّهُ يُقَالُ، أَوْجَذَهُ عَلَى الْأَمْرِ، أَكْرَهَهُ.

(وَجَرَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ مِنَ السَّقْيِ. وَوَجَرْتُ الصَّبِيَّ الدَّوَاءَ وَأَوْجَرْتُهُ. وَيَسْتَعِيرُونَهُ فَيَقُولُونَ، أَوْجَرْتُهُ الرُّمْحَ، إِذَا طَعَنْتَهُ فِي صَدْرِهِ. وَالْوِجَارُ، سَرَبُ الضَّبُعِ، لِأَنَّهَا تَغِيبُ فِيهِ كَمَا يَغِيبُ الْمَشْرُوبُ فِي الْحَلْقِ.

(وَجَزَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالزَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ كَلَامٌ وَجْزٌ وَوَجِيزٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: تَوَجَّزْتُ الشَّيْءَ، مِثْلَ تَنَجَّزْتُ.

(وَجَسَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِحْسَاسٍ بِشَيْءٍ وَتَسَمُّعٍ لَهُ. تَوَجَّسَ الشَّيْءَ: أَحَسَّ بِهِ فَتَسَمَّعَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67] . ثُمَّ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا تَوَجَّسَ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمُشْكِلِ: قَوْلُهُمْ: لَا أَفْعَلُهُ سَجِيسَ الْأَوْجَسِ: الدَّهْرُ. وَمَا ذُقْتُ عِنْدَهُ أَوْجَسَ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ.

(6/87)


(وَجَعَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَجَعُ: اسْمٌ يَجْمَعُ الْمَرَضَ كُلَّهُ. وَهُوَ يِيجَعُ وَيَاجَعُ، وَأَنْتَ تِيجَعُ مِنْ كَذَا. وَقَالَ رَائِدٌ مِنَ الرُّوَّادِ: " رَأَيْتُ كَلَأً تِيجَعُ لَهُ كَبِدُ الْمُصْرِمِ ". وَهُوَ وَجِعٌ وَقَوْمٌ وَجَاعَى. وَأَنَا أَوْجَعُ رَأْسِي، وَيُوجِعُنِي رَأْسِي. وَتَوَجَّعْتُ لَهُ: رَثَيْتُ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَجْعَاءَ: السَّهُ.

(وَجَمَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ: يَدُلُّ عَلَى سُكُوتٍ فِي اهْتِمَامٍ. وَوَجَمَ مِنَ الْأَمْرِ يَكْرَهُهُ: أَسْكَتَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا لِي أَرَاكَ وَاجِمًا» . وَيَقُولُونَ: يَوْمٌ وَجِيمٌ: شَدِيدُ الْحَرِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمَصْدَرُهُ الْوَجْمُ وَالْوُجُومُ.

(وَجَنَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالنُّونُ يَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ فِي الشَّيْءِ. وَمِنْهُ الْوَجِينُ: الْعَارِضُ مِنَ الْأَرْضِ يَنْقَادُ، وَهُوَ صُلْبٌ، وَبِهِ سُمِّيَتِ النَّاقَةُ وَجْنَاءَ. وَقِيَاسُ وَجْنَةِ الْإِنْسَانِ مِنْهُ، لِأَنَّ فِيهَا صَلَابَةً وَشِدَّةً، وَالْجَمْعُ وَجَنَاتٌ. وَرُبَّمَا سَمَّوْا شَطَّ الْوَادِي وَجِينًا. وَوَجَنَ ثَوْبَهُ: ضَرَبَهُ بِالْمِيجَنَةِ، هِيَ الْخَشَبَةُ يُدَقُّ بِهَا.

(وَجَهَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْهَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةٍ لِشَيْءٍ. وَالْوَجْهُ مُسْتَقْبِلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ. يُقَالُ وَجْهُ الرَّجُلِ وَغَيْرُهُ. وَرُبَّمَا عُبِّرَ عَنِ الذَّاتِ بِالْوَجْهِ. [وَ] تَقُولُ: وَجْهِي إِلَيْكَ. قَالَ:

(6/88)


أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَوَاجَهْتُ فُلَانًا: جَعَلْتُ وَجْهِيَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ
وَمِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هُوَ وَجِيهٌ بَيِّنٌ الْجَاهِ. وَالْجَاهُ مَقْلُوبٌ. وَالْوِجْهَةُ: كُلُّ مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلْتَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} [البقرة: 148] . وَوَجَّهْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ عَلَى جِهَةٍ. وَأَصْلُ جِهَتِهِ وِجْهَتُهُ. وَالتَّوْجِيهُ: أَنْ تَحْفِرَ تَحْتَ الْقِثَّاءَةِ أَوِ الْبِطِّيخَةِ ثُمَّ تُضْجِعَهَا. وَتَوَجَّهَ الشَّيْخُ: وَلَّى وَأَدْبَرَ، كَأَنَّهُ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَيُقَالُ لِلْمُهْرِ إِذَا خَرَجَتْ يَدَاهُ مِنَ الرَّحِمِ: وَجِيهٌ.

(وَجَى) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: يَقُولُونَ: تَرَكْتُهُ وَمَا فِي قَلْبِي مِنْهُ أَوْجَى، أَيْ يَئِسْتُ مِنْهُ. وَيَقُولُونَ: سَأَلْتُهُ فَأَوْجَى عَلَيَّ، أَيْ بَخِلَ عَلَيَّ.

(وَجَبَ) الْوَاوُ وَالْجِيمُ وَالْبَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الشَّيْءِ وَوُقُوعِهِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ. وَوَجَبَ الْبَيْعُ وُجُوبًا: حَقَّ وَوَقَعَ. وَوَجَبَ الْمَيِّتُ: سَقَطَ، وَالْقَتِيلُ وَاجِبٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ» ، أَيْ إِذَا مَاتَ. وَقَالَ اللَّهُ فِي النَّسَّائِكِ: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا. قَالَ قَيْسٌ:
أَطَاعَتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهَاهُمُ ... عَنِ السَّلْمِ حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ

(6/89)


وَجَبَ الْحَائِطُ: سَقَطَ، وَجْبَةً. وَالْوَجِيبَةُ: أَنْ تُوجِبَ الْبَيْعَ، فِي أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ بَعْضًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِذَا فَرَغَ قِيلَ: اسْتَوْفَى وَجِيبَتَهُ. وَيَقُولُونَ: الْوَجْبُ: الْجَبَانُ. قَالَ:
طَلُوبُ الْأَعَادِي لَا سَئُومٌ وَلَا وَجْبُ
سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ كَالسَّاقِطِ. وَيَقُولُونَ الْمُوَجِّبُ: النَّاقَةُ لَا تَنْبَعِثُ مِنْ كَثْرَةِ لَحْمِهَا.
وَمِنَ الْبَابِ: الْمُوَجِّبُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي يَنْعَقِدُ اللِّبَأُ فِي ضَرْعِهَا.
وَأَمَّا وَجِيبُ الْقَلْبِ فَمِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الْوَجِيفُ، وَقَدْ مَرَّ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْحَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَحَدَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الِانْفِرَادِ. مِنْ ذَلِكَ الْوَحْدَةِ. وَهُوَ وَاحِدُ قَبِيلَتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُهُ، قَالَ:
يَا وَاحِدَ الْعُرْبِ الَّذِي ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ نَظِيرُ
وَلَقِيتُ الْقَوْمَ مَوْحَدَ مَوْحَدَ. وَلَقِيتُهُ وَحْدَهُ. وَلَا يُضَافُ إِلَّا فِي قَوْلِهِمْ: نَسِيجُ

(6/90)


وَحْدِهِ، وَعُيَيْرُ وَحْدِهِ، وَجُحَيْشُ وَحْدِهِ، وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، أَيْ لَا يُنْسَجُ غَيْرُهُ لِنَفَاسَتِهِ، وَهُوَ مَثَلٌ. وَالْوَاحِدُ: الْمُنْفَرِدُ. وَقَوْلُ عُبَيْدٍ:
وَاللَّهِ لَوْ مِتُّ مَا ضَرَّنِي ... وَمَا أَنَا إِنْ عِشْتُ فِي وَاحِدَهْ
يُرِيدُ: مَا أَنَا إِنْ عِشْتُ فِي خَلَّةٍ وَاحِدَةٍ تَدُومُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنِ انْقِضَاءٍ.

(وَحَرَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَحَرَةُ: دُوَيْبَةٌ شِبْهُ الْعَظَايَةِ إِذَا دَبَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَحِرَ، ثُمَّ شُبِّهَ الْغِلُّ فِي الصَّدْرِ بِهَا، فَيُقَالُ وَحِرَ صَدْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «يَذْهَبُ وَحَرُ صَدْرِهِ» .

(وَحَشَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالشِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْإِنْسِ. تَوَحَّشَ: فَارَقَ الْأَنِيسَ. وَالْوَحْشُ: خِلَافُ الْإِنْسِ. وَأَرْضٌ مُوحِشَةٌ، مِنَ الْوَحْشِ. وَوَحْشِيُّ الْقَوْسِ: ظَهْرُهَا ; وَإِنْسِيُّهَا: مَا أَقْبَلَ عَلَيْكَ. وَوَحْشِيُّ الدَّابَّةِ فِي قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ: الْجَانِبُ الَّذِي يَرْكَبُ مِنْهُ الرَّاكِبُ وَيَحْتَلِبُ الْحَالِبَ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالُوا:
فَجَالَ عَلَى وَحَشِيِّهِ
وَ:
انْصَاعَ جَانِبُهُ الْوَحْشِيُّ

(6/91)


لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى فِي الرُّكُوبِ وَالْحَلَبِ وَالْمُعَالَجَةِ إِلَّا مِنْهُ، فَإِنَّمَا خَوْفُهُ مِنْهُ، وَالْإِنْسِيُّ: الْجَانِبُ الْآخَرُ.
وَيَقُولُونَ: لَقِيتُ فُلَانًا بِوَحْشٍ إِصْمِتَ، أَيْ بِبَلَدٍ قَفْرٍ. وَيُقَالُ: وَحَشَ بِثَوْبِهِ رَمَى بِهِ. وَبَاتَ الْوَحْشَ، أَيْ جَائِعًا. كَأَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ وَحْشٍ لَا يَجِدُ مَا يَأْكُلُهُ.

(وَحَفَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَوَادٍ فِي شَيْءٍ. وَشَعْرٌ وَحْفٌ: أَسْوَدُ لَيِّنٌ. وَالْوَحْفَاءُ: أَرْضٌ فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ. وَعُشْبٌ وَحْفٌ: كَثِيرٌ، وَإِذَا كَثُرَ تَبَيَّنَ أَسْوَدَ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ كَلِمَتَانِ: الْمُوَحَّفُ، يَقُولُونَ: الْبَعِيرُ الْمَهْزُولُ. قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ الشَّارِفَ الْمُوَحَّفَا
وَالْوَاحِفُ: الْغَرْبُ الَّذِي يَنْقَطِعُ مِنْهُ وَذَمَتَانِ وَيَتَعَلَّقُ بِوَذَمَتَيْنِ.

(وَحَلَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَحَلُ. وَاسْتَوْحَلَ الْمَكَانُ: صَارَ فِيهِ الْوَحَلُ. وَالْمَوْحِلُ: مَوْضِعُ الْوَحَلِ. وَوَحِلَتِ الدَّوَابُّ تَوْحَلُ: وَقَعَتْ فِي الْوَحَلِ.

(6/92)


(وَحَمَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَتَانِ. الْوَحَمُ وَالْوَِحَامُ. وَالْوَحَمُ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ لِلشَّيْءِ عَلَى الْحَبَلِ. وَامْرَأَةٌ وَحْمَى، وَقَدْ وَحَّمْنَاهَا. قَالَ:
أَيَّامَ لَيْلَى عَامَ لَيْلَى وَحَمِي
أَيْ شَهْوَتِي وَغَايَتِي وَطَلِبَتِي.
وَمِنْ هَذَا الِاشْتِقَاقِ: وَحَمْتُ وَحْمَهُ: كَأَنَّكَ اشْتَهَيْتَ مَا اشْتَهَاهُ.
وَأَمَّا الْوَِحَامُ فَيُقَالُ: الْأُنْثَى إِذَا حَمَلَتِ اسْتَعْصَتْ، فَيُقَالُ وَحِمَتْ.

(وَحَى) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِلْقَاءِ عِلْمٍ فِي إِخْفَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ إِلَى غَيْرِكَ. فَالْوَحْيُ: الْإِشَارَةُ. وَالْوَحْيُ: الْكِتَابُ وَالرِّسَالَةُ. وَكُلُّ مَا أَلْقَيْتَهُ إِلَى غَيْرِكَ حَتَّى عَلِمَهُ فَهُوَ وَحْيٌ كَيْفَ كَانَ. وَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى وَوَحَى. قَالَ:
وَحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتِ
وَكُلُّ مَا فِي بَابِ الْوَحْيِ فَرَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَالْوَحِيُّ: السَّرِيعُ: وَالْوَحَى: الصَّوْتُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(6/93)


[بَابُ الْوَاوِ وَالْخَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَخَدَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ وَخَدَتِ النَّاقَةُ تَخِدُ وَخَدَانًا، وَهُوَ سَعَةُ الْخَطْوِ.

(وَخَزَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالزَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَخْزُ: الطَّعْنُ بِالرُّمْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ نَافِذًا.

(وَخَشَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالشِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الْوَخْشُ: الدُّنَاةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالْأَخْلَاطُ. وَيُقَالُ: أَوْخَشُوا الشَّيْءَ: خَلَطُوهُ. قَالَ:.
وَأَلْقَيْتُ سَهْمِي بَيْنَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَخْشُ: الرَّدِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

(وَخَضَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالضَّادُ: كَلِمَةٌ، وَهِيَ الطَّعْنُ غَيْرُ جَائِفٍ. وَوَخَضَهُ بِالرُّمْحِ.

(وَخَطَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالطَّاءُ: كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا وَخَطَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِهِ. وَالْأُخْرَى: الْوَخْطُ: الطَّعْنُ. وَوَخَطَهُ بِالسَّيْفِ: تَنَاوَلَهُ مِنْ بَعِيدٍ. وَذَكَرُوا كَلِمَةً ثَالِثَةً، قَالُوا: مَرَّ يَخِطُ، وَهُوَ مَشْيٌ فَوْقَ الْعَنَقِ.

(6/94)


(وَخَفَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ، هِيَ الْوَخِيفُ. ضَرْبُكَ الْخِطْمِيَّ فِي الطَّسْتِ، تُوخِفُهُ لِيَخْتَلِطَ.

(وَخَمَ) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَخِمُ: الْوَبِيُّ مِنَ الشَّيْءِ. وَاسْتَوْخَمْتُ الْبِلَادَ، وَبِلَادٌ وَخِْمَةٌ وَوَخِيمَةٌ: لَا تُوَافِقُ سَاكِنَهَا. وَرَجُلٌ وَخِمٌ وَوَخِيمٌ: ثَقِيلٌ. وَالتُّخَمَةُ مِنْ هَذَا، وَالتَّاءُ فِي الْأَصْلِ وَاوٌ.

(وَخَى) الْوَاوُ وَالْخَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَيْرٍ وَقَصْدٍ. يُقَالُ: وَخَتِ النَّاقَةُ تَخِي وَخْيًا. قَالَ:
يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيَافِ
وَهَذَا وَخْيُ فُلَانٍ، أَيْ سَمْتُهُ. وَمَا أَدْرِي أَيْنَ وَخَى، أَيْ تَوَجَّهَ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالدَّالِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَدَسَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ: كَلِمَتَانِ:
الْأُولَى الْوَدِيسُ: النَّبَاتُ، يُقَالُ أَوْدَسَتِ الْأَرْضُ: أَخْرَجَتْ نَبْتَهَا.
وَالْأُخْرَى: وَدَسَ الشَّيْءَ: خَبَّأَهُ. وَمَا أَدْرِي أَيْنَ وَدَسَ، أَيْ ذَهَبَ.

(وَدَصَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالصَّادُ. يَقُولُونَ: وَدَصَ إِلَيَّ بِكَلَامٍ: أَلْقَاهُ وَلَمْ يُتِمَّهُ.

(6/95)


(وَدَعَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَالتَّخْلِيَةِ. وَدَعَهُ: تَرَكَهُ، وَمِنْهُ دَعْ. وَيُنْشِدُ:
لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلِي مَا الَّذِي ... غَالَهُ فِي الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ
وَمِنْهُ وَدَّعْتُهُ تَوْدِيعًا. وَمِنْهُ الدَّعَةُ: الْخَفْضُ، كَأَنَّهُ أَمْرٌ يَتْرُكُ مَعَهُ مَا يُنْصِبُ. وَرَجُلٌ مُتَّدِعٌ: صَاحِبُ رَاحَةٍ، وَقَدْ نَالَ الشَّيْءَ وَادِعًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. وَالْوَدِيعُ: الرَّجُلُ السَّاكِنُ. وَالْمُوَادَعَةُ: الْمُصَالَحَةُ وَالْمُتَارَكَةُ. [وَ] وَدَّعْتُ الثَّوْبَ فِي صُوَانِهِ، وَالثَّوْبَ مِيدَعٌ.

(وَدَفَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْفَاءُ. يَقُولُونَ: الْوَدْفَةُ: الرَّوْضَةُ الْخَضْرَاءُ. وَوَدَفَ الشَّحْمُ: ذَابَ وَسَالَ.

(وَدَقَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِتْيَانٍ وَأَنَسَةٍ. يُقَالُ وَدَقْتُ بِهِ، إِذَا أَنِسْتُ بِهِ وَدْقًا. وَالْمَوْدِقُ: الْمَأْتَى وَالْمَكَانُ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ آنِسًا. وَمَوْدِقُ الظَّبْيِ: الْمَكَانُ يَقِفُ فِيهِ إِذَا تَنَاوَلَ الشَّجَرَةَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تُعَفِّي بِذَيْلِ الْمِرْطِ إِذْ جِئْتُ مَوْدِقِي
وَمِنْهُ أَتَانٌ وَدِيقٌ، إِذَا أَرَادَتِ الْفَحْلَ، وَبِهَا وِدَاقٌ كَأَنَّهَا تَأْنَسُ إِلَيْهِ وَتَسْتَأْنِسُهُ. وَالْوَدْقُ: الْمَطَرُ، لِأَنَّهُ يَدِقُّ، أَيْ يَجِيءُ مِنَ السَّمَاءِ.

(6/96)


وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْوَدَقُ: نُقَطٌ حُمْرٌ تَخْرُجُ فِي الْعَيْنِ، الْوَاحِدَةُ وَدَقَةٌ.

(وَدَكَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْكَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَدَكُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَيُقَالُ دَجَاجَةٌ وَدِيكَةٌ، أَيْ سَمِينَةٌ. وَرَجُلٌ وَادِكٌ: لَهُ وَدَكٌ.

(وَدَنَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالنُّونُ، فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ غَيْرُ مُنْقَاسَةٍ: إِحْدَاهَا الْوَدْنُ، وَهُوَ حُسْنُ الْقِيَامِ عَلَى الْعَرُوسِ. يُقَالُ: أَخَذُوا فِي وِدَانِهِ.
وَالْأُخْرَى الْمُودَنُ وَالْمَوْدُونُ. قَالَ:
وَأُمُّكَ سَوْدَاءُ مَوْدُونَةٌ ... كَأَنَّ أَنَامِلَهَا الْحُنْظُبُ
وَالْكَلِمَةُ الثَّالِثَةُ وَدَنْتُ الشَّيْءَ: بَلَلْتُهُ، وَالْأَمْرُ مِنْهُ دِنْ. وَاتَّدَنَ: ابْتَلَّ.

(وَدَهَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْهَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. اسْتَوْدَهَتِ الْإِبِلُ وَاسْتَيْدَهَتْ، إِذَا اجْتَمَعَتْ وَانْسَاقَتْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَدَهَنِي عَنْ هَذَا، أَيْ صَدَّنِي عَنْهُ.

(وَدَى) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ غَيْرُ مُنْقَاسَةٍ: الْأُولَى وَدَى الْفَرَسُ لِيَضْرِبَ أَوْ يَبُولَ، إِذَا أَدْلَى. وَمِنْهُ الْوَدْيُ: مَاءٌ يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ كَالْمَذْيِ.

(6/97)


وَالثَّانِيَةُ: وَدَيْتُ الرَّجُلَ أَدِيهِ دِيَةً.
وَالثَّالِثَةُ: الْوَدِيُّ: صِغَارُ الْفُسْلَانِ.
وَإِذَا هُمِزَ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى وَصَارَ إِلَى بَابٍ مِنَ الْهَلَاكِ وَالضَّيَاعِ. يَقُولُونَ: الْمُوَدَّأَةُ: الْمَهْلَكَةُ، وَهِيَ عَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ بِهِ. وَيَقُولُونَ: وَدَّأْتُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ، إِذَا دَفَنْتُهُ. وَوَدَّأَ بِالْقَوْمِ، إِذَا أَرْدَاهُمْ.

(وَدَجَ) الْوَاوُ وَالدَّالُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: الْوَدَجَانِ: عِرْقَانِ فِي الْأَخْدَعَيْنِ. ثُمَّ يُشَبَّهُ بِذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْأَخَوَيْنِ: وَدَجَانِ. قَالَ:
فَقُبِّحْتُمَا مِنْ وَافِدَيْنِ اصْطُفِيتُمَا ... وَمِنْ وَدَجَيْ حَرْبٍ تَلَقَّحُ حَائِلِ
وَوَدَجْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ: أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَدَجَيْنِ، أَيِ اتَّفَقُوا كَاتِّفَاقِ الْوَدَجَيْنِ.

(وَذَرَ) الْوَاوُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْوَذَرَةُ، وَهِيَ الْفِدْرَةُ مِنَ اللَّحْمِ. وَالتَّوْذِيرُ: أَنْ يُشْرَطَ الْجُرْحُ فَيُقَالُ: وَذَّرْتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ: " يَا ابْنَ شَامَّةِ الْوَذَرِ " فَحُدَّ، كَأَنَّهُ عَرَّضَ لَهَا بِأَعْضَاءِ الرِّجَالِ.
وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: ذَرْذَا. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَمَاتَتِ الْعَرَبُ الْفِعْلَ مِنْ ذَرَّ فِي الْمَاضِي، فَلَا يَقُولُونَ وَذَرْتُهُ.

(6/98)


(وَذَفَ) الْوَاوُ وَالذَّالُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ التَّوَذُّفُ: التَّبَخْتُرُ. يُقَالُ: أَقْبَلَ يَتَوَذَّفُ.

(وَذَلَ) الْوَاوُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ: كَلِمَتَانِ إِحْدَاهُمَا مَشْهُورَةٌ قَدْ قِيلَتْ، الْوَذِيلَةُ، وَهِيَ الْمِرْآةُ. وَالْأُخْرَى: الْوَذَالَةُ: مَا يَقْطَعُ الْجَزَّارُ مِنَ اللَّحْمِ بِغَيْرِ قَسْمٍ، يُقَالُ: تَوَذَّلُوا مِنْهُ شَيْئًا.

(وَذَمَ) الْوَاوُ وَالذَّالُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. مِنْهُ قَوْلُهُمْ: وَذَّمْتُ الْكَلْبَ، إِذَا جَعَلْتُ لَهُ قِلَادَةً. وَالْوَذَمَةُ: الْحُزَّةُ مِنَ الْكَرِشِ الْمُعَلَّقَةُ، وَالْجَمْعُ وِذَامٌ. وَالْوَذَمُ: جَمْعُ وَذَمَةٍ، وَهِيَ سُيُورٌ تُشَدُّ بِعَرْقُوَةِ الدَّلْوِ. [وَ] وَذِمَتِ الدَّلْوُ: انْقَطَعَ وَذَمُهَا. أَمَّا وَذَائِمُ الْأَمْوَالِ فَهِيَ الَّتِي نُذِرَتْ فِيهَا النُّذُورُ. وَالْقِيَاسُ وَاحِدٌ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خَالِصِ الْمَالِ الَّذِي يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، بَلْ هِيَ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْمَالِ. وَيُقَالُ: بَلِ الْوَذِيمَةُ: الْهَدْيُ يُهْدَى لِلنُّسُكِ. وَقَوْلُهُمْ: وَذَّمَ فُلَانٌ عَلَى الْمِائَةِ: زَادَ، مِنْ هَذَا أَيْضًا، كَأَنَّ الزِّيَادَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمِائَةِ.

(وَذَحَ) الْوَاوُ وَالذَّالُ وَالْحَاءُ كَلِمَةٌ. فَالْوَذَحُ: مَا تَعَلَّقَ بِأَصْوَافِ الْغَنَمِ مِنَ الْبَعَرِ، ثُمَّ يُقَالُ امْرَأَةٌ وَذَاحٌ: غَيْرُ عَفِيفَةٍ.

(6/99)


[بَابُ الْوَاوِ وَالرَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَرَسَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَرْسُ: نَبْتٌ. وَأَوْرَسَ الْمَكَانُ: أَنْبَتَهُ، وَهُوَ وَارِسٌ، وَهُوَ نَادِرٌ. وَمِلْحَفَةٌ وَرِيسٌ: صُبِغَتْ بِالْوَرْسِ.

(وَرَشَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالشِّينُ كَلِمَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْقِيَاسِ.
فَالْأُولَى قَوْلُهُمْ لِلدَّاخِلِ عَلَى الْقَوْمِ لِطَعَامِهِمْ وَلَمْ يُدْعَ: الْوَارِشُ.
وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ لِلدَّابَّةِ الَّتِي تَفَلَّتُ فِي الْجَرْيِ وَصَاحِبُهَا يَكُفُّهَا: الْوَرِشَةُ.

(وَرَطَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ كَالْبَلِيَّةِ وَالْوُقُوعِ فِيمَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ. وَتَوَرَّطَ فِي الْبَلِيَّةِ. وَأَصْلُهُ الْوَرْطَةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ الَّتِي لَا طَرِيقَ فِيهَا. قَالَ الْخَلِيلُ فِي الْحَدِيثِ: " «لَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ» ". الْوِرَاطُ: الْخَدِيعَةُ فِي الْغَنَمِ، أَيْ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ.

(وَرَعَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْكَفِّ وَالِانْقِبَاضِ. مِنْهُ الْوَرَعُ: الْعِفَّةُ، وَهِيَ الْكَفُّ عَمًّا لَا يَنْبَغِي ; وَرَجُلٌ وَرِعٌ. وَالْوَرَعُ: الرَّجُلُ الْجَبَانُ، وَوَرُعَ يَوْرُعُ وُرْعًا، إِذَا كَانَ جَبَانًا. وَوَرَّعْتُهُ: كَفَفْتُهُ، وَأَوْرَعْتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «وَرِّعِ اللِّصَّ وَلَا تُرَاعِهِ» ، أَيْ بَادِرْ إِلَى كَفِّهِ

(6/100)


وَقَدْعِهِ وَلَا تَنْتَظِرْهُ. وَوَرَّعْتُ الْإِبِلَ عَنِ الْمَاءِ: رَدَدْتُهَا. وَالْوَرِيعَةُ: اسْمُ فَرَسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَرُدَّ خَلِيلَنَا بِعَطَاءِ صِدْقٍ ... وَأَعْقِبْهُ الْوَرِيعَةَ مِنْ نِصَابِ

(وَرَفَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةٍ وَنَضْرَةٍ. وَنَبَاتٌ وَارِفٌ. وَرَفَ وَرِيفًا، إِذَا رَأَيْتَ لَهُ مِنْ رِيِّهِ بَهْجَةً. وَظِلٌّ وَارِفٌ: مَمْدُودٌ. وَمَا رَقَّ مِنْ نَوَاحِي الْكَبِدِ: الْوَرْفُ. وَيُقَالُ إِنَّ الرُّفَةَ: التِّبْنُ. وَأَظُنُّ أَنَّ النَّاقِصَ مِنْ أَوَّلِهَا وَاوٌ.

(وَرَقَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ: أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى خَيْرٍ وَمَالٍ، وَأَصْلُهُ وَرَقُ الشَّجَرِ، وَالْآخَرُ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ.
فَالْأَوَّلُ الْوَرَقُ وَرَقُ الشَّجَرِ. وَالْوَرَقُ: الْمَالُ، مِنْ قِيَاسِ وَرَقِ الشَّجَرِ، لِأَنَّ الشَّجَرَةَ إِذَا تَحَاتَّ وَرَقُهَا انْجَرَدَتْ كَالرَّجُلِ الْفَقِيرِ. قَالَ:

(6/101)


إِلَيْكَ أَدْعُو فَتَقَبَّلْ مَلَقِي ... وَاغْفِرْ خَطَايَايَ وَثَمِّرْ وَرَقِي
وَالرِّقَةُ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ غَيْرَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْحَرَكَاتِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَارِقَةُ: الشَّجَرَةُ الْخَضْرَاءُ الْوَرَقِ الْحَسَنَةُ. قَالَ: فَأَمَّا الْوَرَاقُ فَخُضْرَةُ الْأَرْضِ مِنَ الْحَشِيشِ، وَلَيْسَ مِنَ الْوَرَقِ. قَالَ:
كَأَنَّ جِيَادَهُنَّ بِرَعْنِ زُمٍّ ... جَرَادٌ قَدْ أَطَاعَ لَهُ الْوَرَاقُ
وَوَرَقْتُ الشَّجَرَ: أَخَذْتُ وَرَقَهُ. وَقَوْلُهُمْ أَوْرَقَ الصَّائِدُ: لَمْ يَصِدْ، هُوَ مِنَ الْوَرَقِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّائِدَ يُلْقِي حِبَالَتَهُ وَيَغِيبُ عَنْهَا وَيَأْتِيهَا بَعْدَ زَمَانٍ وَقَدْ أَعْشَبَتِ الْأَرْضُ وَسَقَطَ الْوَرَقُ عَلَى الْحِبَالَةِ فَلَا يَهْتَدِي لَهَا، فَلِذَلِكَ يُقَالُ أَوْرَقَ، أَيْ صَادَفَ الْوَرَقَ قَدْ غَطَّى حِبَالَتَهُ. ثُمَّ كَثُرَ هَذَا حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ حَاجَةً وَلَمْ يُصِبْهَا: قَدْ أَوْرَقَ. وَالْوَرْقَةُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: أُبْنَةٌ فِي الْغُصْنِ خَفِيَّةٌ. فَأَمَّا الْوَرَقَةُ الَّتِي هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ فَجَمْعُهَا وَرَقٌ، هِيَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْوَرَقِ الَّذِي يَتَسَاقَطُ. وَالْوَرَقُ: الرِّجَالُ الضُّعَفَاءُ، شُبِّهُوا فِي ضَعْفِهِمْ بِوَرَقِ الشَّجَرِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْوُرْقَةُ: لَوْنٌ يُشْبِهُ لَوْنَ الرَّمَادِ. وَبَعِيرٌ أَوْرَقُ وَحَمَامَةٌ وَرْقَاءُ، سُمِّيَتْ لِلَوْنِهَا، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ أَوْرَقَ. وَيَقُولُونَ: عَامٌ أَوْرَقُ، إِذَا كَانَ جَدْبًا، كَأَنَّ لَوْنَ الْأَرْضِ لَوْنُ الرَّمَادِ. وَسُمِّيَ عَامُ الرَّمَادَةِ لِهَذَا.

(6/102)


(وَرَكَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَرِكُ: مَا فَوْقَ الْفَخِذِ مِنْ مُؤَخَّرِ الْإِنْسَانِ. وَجَلَسَ مُتَوَرِّكًا: أَلْصَقَ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ. وَتَوَرَّكَ عَلَى الدَّابَّةِ، فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَهَذِهِ نَعْلٌ مَوْرِكَةٌ، إِذَا كَانَتْ مِنَ الْوَرِكِ. وَالْوِرَاكُ: ثَوْبٌ يُنْسَجُ وَحْدَهُ يُزَيَّنُ بِهِ وَيُحَفُّ بِهِ الرَّحْلُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ الْوَرِكُ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يَسْجُدَ الرَّجُلُ مُتَوَرِّكًا،» فَيُقَالُ هُوَ أَنْ يَرْفَعَ وَرِكَهُ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُفْحِشَ. وَيُقَالُ هُوَ أَنْ يُلْصِقَ وِرِكَهُ بِعَقِبَيْهِ فِي السُّجُودِ وَالْوَرْكُ فِي قَوْلِ الْهُذَلِيِّ:
بِهَا مَحِصٌ غَيْرُ جَافِي الْقُوَى ... إِذَا مُطْيَ حَنَّ بِوَرْكٍ حُدَالِ
فَإِنَّهُ وَتَرٌ فُتِلَ مِنَ الْوَرِكِ.

(وَرَلَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَاللَّامُ: لَيْسَ إِلَّا وَرَلَ، وَهُوَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ.

(وَرَمَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَرَمُ، أَنْ يَنْفِرَ اللَّحْمُ. يُقَالُ وَرِمَ يَرِمُ. وَعَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ: وَرِمَ أَنْفُهُ: غَضِبَ.

(وَرَهَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْهَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابٍ وَخُرْقٍ.

(6/103)


فَالْوَرْهَاءُ: الْمَرْأَةُ الْحَمْقَاءُ. وَالْوَرَهُ: الْخُرْقُ: وَرِيحٌ وَرْهَاءُ. فِي هُبُوبِهَا خُرْقٌ وَعَجْرَفَةٌ. وَسَحَابٌ وَرِهٌ: لَا يُمْسِكُ مَاءَهُ. وَيَقُولُونَ الْوَرِهُ: اللَّحْمُ الرَّخْصُ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِاضْطِرَابِهِ.

(وَرَى) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: بِنَاءٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَكَلِمُهُ أَفْرَادٌ. فَالْوَرْيُ: دَاءٌ يُدَاخِلُ الْجِسْمَ. يُقَالُ وَرِيَ جِلْدُهُ يَرِي وَرْيًا، وَوَرَّاهُ غَيْرُهُ يَرِيَهُ وَرْيًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . قَالَ عَبْدُ بَنِي الْحَسْحَاسِ:
وَرَاهُنَّ رَبِّي مِثْلَ مَا قَدْ وَرَيْنَنِي ... وَأَحْمَى عَلَى أَكْبَادِهِنَّ الْمَكَاوِيَا
وَيُقَالُ وَرَى الزَّنْدُ يَرِي وَرْيًا، وَوَرَاهُ، خَرَجَتْ نَارُهُ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَرِيَ يَرِي، مِثْلَ وَلِيَ يَلِي. وَاللَّحْمُ الْوَارِي: السَّمِينُ. وَالْوَرَى: الْخَلْقُ. وَمَا أَدْرِي أَيُّ الْوَرَى هُوَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ وَرَاءَكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ خَلْفٍ، وَيَكُونُ مِنْ قُدَّامٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:.
{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79] أَيْ أَمَامَهُمْ. وَيُقَالُ الْوَرَاءُ: وَلَدُ الْوَلَدِ، أَرَادُوا بِذَلِكَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] .

(وَرَبَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ: كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْوَرِبُ وَهُوَ الْفِتْرُ. وَالثَّانِيَةُ الْوَرَبُ: الْفَسَادُ، يُقَالُ عِرْقٌ وَرِبٌ، أَيْ فَاسِدٌ.

(6/104)


(وَرَثَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالثَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوِرْثُ. وَالْمِيرَاثُ أَصْلُهُ الْوَاوُ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ لِقَوْمٍ ثُمَّ يَصِيرَ إِلَى آخَرِينَ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ. قَالَ:
وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقَ ... وَنُورِثُهَا إِذَا مِتْنَا بَنِينَا

(وَرَخَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْخَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: وَرِخَ الْعَجِينُ وَرَخًا: اسْتَرْخَى. وَأَوْرَخْتُهُ أَنَا إِيرَاخًا ; وَالِاسْمُ الْوَرِيخَةُ. وَأَمَّا تَوْرِيخُ الْكِتَابِ وَتَأْرِيخُهُ فَمَا نَحْسَبُهَا عَرَبِيَّةً.

(وَرَدَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالدَّالُ: أَصْلَانِ، أَحَدُهُمَا الْمُوَافَاةُ إِلَى الشَّيْءِ، وَالثَّانِي لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ.
فَالْأَوَّلُ الْوِرْدُ: خِلَافُ الصَّدَرِ. وَيُقَالُ: وَرَدَتِ الْإِبِلُ الْمَاءَ تَرِدُهُ وِرْدًا. وَالْوِرْدُ: وِرْدُ الْحُمَّى إِذَا أَخَذَتْ صَاحِبَهَا لِوَقْتٍ. وَالْمَوَارِدُ: الطُّرُقُ، وَكَذَلِكَ الْمِيَاهُ الْمَوْرُودَةُ وَالْقُرَى، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ جَرِيرٌ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ ... إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
وَالْوَرِيدَانِ: عِرْقَانِ مُكْتَنِفَا صَفْقَيِ الْعُنُقِ مِمَّا يَلِي مُقَدَّمَهُ غَلِيظَانِ. وَيُسَمَّيَانِ مِنَ الْوُرُودِ أَيْضًا، كَأَنَّهُمَا تُوَافِيَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْوَرْدُ ; يُقَالُ فَرَسٌ وَرْدٌ، وَأَسَدٌ وَرْدٌ، إِذَا كَانَ لَوْنُهُ لَوْنَ الْوَرْدِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(6/105)


[بَابُ الْوَاوِ وَالزَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَزَعَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ: بِنَاءٌ مَوْضُوعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَوَزَعْتُهُ عَنِ الْأَمْرِ: كَفَفْتُهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] ، أَيْ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ. وَجَمْعُ الْوَازِعِ وَزَعَةٌ. وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ: " مَا يَزَعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزَعُ الْقُرْآنُ "، أَيْ إِنَّ النَّاسَ لِلسُّلْطَانِ أَخْوَفُ.
وَبِنَاءٌ آخَرُ، يُقَالُ: أَوْزَعَ اللَّهُ فُلَانًا الشُّكْرَ: أَلْهَمَهُ إِيَّاهُ. وَيُقَالُ هُوَ مَنْ أُوزِعَ بِالشَّيْءِ، إِذَا أُولِعَ بِهِ، كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُولِعُهُ بِشُكْرِهِ. وَبِهَا أَوْزَاعٌ مِنَ النَّاسِ، أَيْ جَمَاعَاتٌ.

(وَزَغَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالْغَيْنُ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوَزَغَةُ: الْعَظَايَةُ. وَيُقَالُ لِلرِّجَالِ الضِّعَافِ أَوْزَاغٌ.

(وَزَفَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالْفَاءُ يُقَالُ وَزَفَ الرَّجُلُ: أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ. وَقُرِئَتْ: " فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُونَ " مُخَفَّفَةً.

(وَزَمَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالْمِيمُ: بِنَاءٌ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَفِيهِ كَلِمَاتٌ مُنْفَرِدَةٌ. فَالْوَزْمَةُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْوَجْبَةِ. يُقَالُ: وَزَمُوا وَزْمَةَ

(6/106)


شِتَائِهِمْ: امْتَارُوا لَهُ كِفَايَتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ. وَالْوَزْمَةُ وَالْوَزِيمُ: حُزْمَةٌ مِنْ بَقْلٍ. وَالْوَزِيمُ: اللَّحْمُ يُجَفَّفُ. وَالْوَزْمَةُ مِنَ الضِّبَابِ: أَنْ يُطْبَخَ لَحْمُهَا ثُمَّ يُيَبَّسُ. وَالْمُتَوَزِّمُ: الشَّدِيدُ الْوَطْءِ.

(وَزَنَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ: بِنَاءٌ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلٍ وَاسْتِقَامَةٍ: وَوَزَنْتُ الشَّيْءَ وَزْنًا. وَالزِّنَةُ قَدْرُ وَزْنِ الشَّيْءِ ; وَالْأَصْلُ وَزْنَةٌ. وَيُقَالُ: قَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ، إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ. وَهَذَا يُوَازِنُ ذَلِكَ، أَيْ هُوَ مُحَاذِيهِ. وَوَزِينُ الرَّأْيِ: مُعْتَدِلُهُ. وَهُوَ رَاجِحُ الْوَزْنِ، إِذَا نَسَبُوهُ إِلَى رَجَاحَةِ الرَّأْيِ وَشِدَّةِ الْعَقْلِ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ ذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ الْوَزِينَ: الْحَنْظَلُ الْمَعْجُونُ كَانَ يُتَّخَذُ طَعَامًا. وَيُقَالُ الْوَزْنُ: الْفِدْرَةُ مِنَ التَّمْرِ.

(وَزَاَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْمَهْمُوزُ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعٍ فِي شَيْءٍ وَاكْتِنَازٍ. يُقَالُ لِلْحِمَارِ الْمُجْتَمِعِ الْخَلْقِ: وَزًى، وَلِلرَّجُلِ الْقَصِيرِ وَزًى. وَهَذَا غَيْرُ مَهْمُوزٍ.
وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَزَّأْتُ الْوِعَاءَ تَوْزِيئًا وَتَوْزِئَةً، إِذَا أَجَدْتَ كَنْزَهُ.

(6/107)


(وَزَرَ) الْوَاوُ وَالزَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا الْمَلْجَأُ، وَالْآخَرُ الثِّقَلُ فِي الشَّيْءِ.
الْأَوَّلُ الْوَزَرُ: الْمَلْجَأُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا لَا وَزَرَ} [القيامة: 11] . وَحَكَى الشَّيْبَانِيُّ: أَوْزَرَ فُلَانٌ الشَّيْءَ: أَحْرَزَهُ. [وَ] الْوِزْرُ: حِمْلُ الرَّجُلِ إِذَا بَسَطَ ثَوْبَهُ فَجَعَلَ فِيهِ الْمَتَاعَ وَحَمَلَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الذَّنْبُ وِزْرًا. وَكَذَا الْوِزْرُ: السِّلَاحُ، وَالْجَمْعُ أَوْزَارٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا ... رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورًا
وَالْوَزِيرُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الثِّقَلَ عَنْ صَاحِبِهِ.
وَحَكَى نَاسٌ - لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا - أَوَزَرْتُ مَالَهُ: ذَهَبْتُ بِهِ. وَوَزَرْتُهُ: غَلَبْتُهُ. قَالَ:
قَدْ وَزَرَتْ جِلَّتَهَا أَمْهَارُهَا

[بَابُ الْوَاوِ وَالسِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَسَطَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالطَّاءُ: بِنَاءٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْلِ وَالنِّصْفِ. وَأَعْدَلُ الشَّيْءِ: أَوْسَطُهُ وَوَسَطُهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] . وَيَقُولُونَ: ضَرَبْتُ وَسَطَ رَأْسِهِ بِفَتْحِ السِّينِ، وَوَسْطَ الْقَوْمِ بِسُكُونِهَا. وَهُوَ أَوْسَطُهُمْ حَسَبًا، إِذَا كَانَ فِي وَاسِطَةِ قَوْمِهِ وَأَرْفَعِهِمْ مَحَلًّا. وَالْوَسُوطُ: بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الشَّعَرِ أَكْبَرُ مِنَ الْمِظَلَّةِ. وَيُقَالُ الْوَسُوطُ مِنَ النُّوقِ كَالصَّفُوفِ تَمْلَأُ الْإِنَاءَ.

(6/108)


(وَسَعَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الضِّيقِ وَالْعُسْرِ. يُقَالُ وَسُعَ الشَّيْءُ وَاتَّسَعَ. وَالْوُسْعُ: الْغِنَى. وَاللَّهُ الْوَاسِعُ أَيِ الْغَنِيُّ. وَالْوُسْعُ: الْجِدَةُ وَالطَّاقَةُ. وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي السَّعَةِ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] . وَأَوْسَعَ الرَّجُلُ: كَانَ ذَا سَعَةٍ. وَالْفَرَسُ الذَّرِيعُ الْخَطْوِ: وَسَاعٌ.

(وَسَفَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْفَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ تَوَسَّفَتِ الْإِبِلُ: أَخْصَبَتْ وَسَمِنَتْ وَسَقَطَ وَبَرُهَا الْأَوَّلُ وَنَبَتَ الْجَدِيدُ.

(وَسَقَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حَمْلِ الشَّيْءِ. وَوَسَقَتِ الْعَيْنُ الْمَاءَ: حَمَلَتْهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] ، أَيْ جَمَعَ وَحَمَلَ. وَقَالَ فِي حَمْلِ الْمَاءِ:
وَإِنِّي وَإِيَّاهُمْ وَشَوْقًا إِلَيْهِمُ ... كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تَسِقْهُ أَنَامِلُهْ
وَمِنْهُ الْوَسْقُ، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا. وَأَوْسَقْتُ الْبَعِيرَ: حَمَّلْتُهُ حِمْلَهُ. قَالَ:
وَأَيْنَ وَسْقُ النَّاقَةِ الْمُطَّبَعَهْ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْهُ طَائِرٌ مِيسَاقٌ، وَهُوَ مَا يُصَفِّقُ بِجَنَاحَيْهِ إِذَا طَارَ. وَقَدْ يُهْمَزُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(6/109)


(وَسَلَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ: كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ جِدَّا.
الْأُولَى الرَّغْبَةُ وَالطَّلَبُ. يُقَالُ وَسَلَ، إِذَا رَغِبَ. وَ [الْوَاسِلُ: الرَّاغِبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ فِي] قَوْلِ لَبِيَدٍ:
بَلَى كُلُّ ذِي دِينٍ إِلَى اللَّهِ وَاسِلُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ الْوَسِيلَةُ.
وَالْأُخْرَى السَّرِقَةُ: يُقَالُ: أَخَذَ إِبِلَهُ تَوَسُّلًا.

(وَسَمَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى أَثَرٍ وَمَعْلَمٍ. وَوَسَمْتُ الشَّيْءَ وَسْمًا: أَثَّرْتُ فِيهِ بِسِمَةٍ. وَالْوَسْمِيُّ: أَوَّلُ الْمَطَرِ، لِأَنَّهُ يَسِمُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: تَوَسَّمَ: طَلَبَ الْكَلَأَ الْوَسْمِيَّ. قَالَ:
وَأَصْبَحْنَ كَالدَّوْمِ النَّوَاعِمِ غُدْوَةً ... عَلَى وِجْهَةٍ مِنْ ظَاعِنٍ مُتَوَسِّمِ
وَسُمِّيَ مَوْسِمُ الْحَاجِّ مَوْسِمًا لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ. وَفُلَانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ، وَفُلَانَةُ ذَاتُ مِيسَمٍ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْجَمَالِ. وَالْوَسَامَةُ: الْجَمَالُ. وَقَوْلُهُ:
حِيَاضُ عِرَاكٍ هَدَّمَتْهَا الْمَوَاسِمُ.
فَيُقَالُ أَرَادَ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ، وَيُقَالُ أَرَادَ إِبِلًا مَوْسُومَةً. وَوَسَّمَ النَّاسُ: شَهِدُوا

(6/110)


الْمَوْسِمَ، كَمَا يُقَالُ عَيَّدُوا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] : النَّاظِرِينَ فِي السِّمَةِ الدَّالَّةِ.

(وَسَنَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالنُّونُ: كَلِمَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ. الْوَسَنُ: النُّعَاسُ، وَكَذَا السِّنَةُ. وَرَجُلٌ وَسْنَانُ. وَتَوَسَّنَ الْفَحْلُ أُنْثَاهُ: أَتَاهَا نَائِمَةً.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: دَعْ هَذَا الْأَمْرَ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ وَسَنًا، أَيْ لَا تَطْلُبْهُ وَلَا يَكُونَنَّ مِنْ هَمِّكَ.

(وَسَبَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ. يَقُولُونَ: أَوْسَبَتِ الْأَرْضُ: أَعْشَبَتْ. وَالنَّبَاتُ وِسْبٌ. وَكَبْشٌ مُوَسَّبٌ: كَثِيرُ الصُّوفِ. حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ.

(وَسَجَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: الْوَسِيجُ، وَهُوَ السَّيْرُ الشَّدِيدُ.

(وَسَخَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ. الْوَسَخُ: الدَّرَنُ.

(وَسَدَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوِسَادَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَجَمْعُهَا وَسَائِدُ. وَتَوَسَّدْتُ يَدِيَ. وَالْوِسَادُ: مَا يَتَوَسَّدُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ مَنَامِهِ، وَالْجَمْعُ وُسُدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(6/111)


[بَابُ الْوَاوِ وَالشِّينِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَشَظَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالظَّاءُ: قِيَاسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ إِلْصَاقُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْهُ. وَالْوَشِيظُ: عُظَيْمٌ يَكُونُ زِيَادَةً فِي الْعَظْمِ الصَّمِيمِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِمَنِ انْتَمَى إِلَى قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ: وَشِيظٌ. وَشَظْتُ الْفَأْسَ أَشِظُهَا: ضَيَّقْتُ خُرْتَهَا مِنْ عَيْرِ نِصَابِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَشَعَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى نَسْجِ شَيْءٍ أَوْ تَزْيِينِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. الْوَشِيعَةُ: خَشَبَةٌ يُلَفُّ بِهَا الْغَزْلُ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى، كُلُّ لَفِيفَةٍ مِنْهُ وَشِيعَةٌ. وَيُقَالُ: أَوْشَعَتِ الْأَرْضُ: بَدَا زَهْرُهَا. وَالْوَشِيعُ: حَصِيرٌ يُتَّخَذُ مِنْ ثُمَامٍ. وَالتَّوْشِيعُ: رَقْمُ الثَّوْبِ. وَالْوَشَائِعُ: طَرَائِقُ الْغُبَارِ. وَوَشَّعَهُ الشَّيْبُ. وَمِمَّا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ وَشَعْتُ الْجَبَلَ: صَعِدْتُ.

(وَشَقَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَشِيقَةُ: لَحْمٌ يُقَدَّدُ. يُقَالُ وَشَقْتُ وَاتَّشَقْتُ. قَالَ:
إِذَا عَرَضَتْ مِنْهَا كَهَاةٌ سَمِينَةٌ ... فَلَا تُهْدِ مِنْهَا وَاتَّشِقْ وَتَجَبْجَبِ
وَوَاشِقٌ: اسْمُ كَلْبٍ.

(6/112)


(وَشَكَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْكَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ مِنَ السُّرْعَةِ. وَأَوْشَكَ فُلَانٌ خُرُوجًا: أَسْرَعَ وَعَجِلَ. وَوَشْكَانَ مَا كَانَ ذَلِكَ، فِي مَعْنَى عَجْلَانَ. وَأَمْرٌ وَشِيكٌ. وَأَوْشَكَ يُوشِكُ.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ طَاهِرِ بْنِ النَّجْمِ يَقُولُ: [سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ] : أَوْشَكَ يُوشِكُ لَا غَيْرَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَاشَكَ وِشَاكًا: أَسْرَعَ السَّيْرَ.

(وَشَلَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَاللَّامُ، يَدُلُّ عَلَى سَيَلَانِ مَاءٍ قَلِيلٍ. فَالْوَشَلُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهُ أَوْشَالٌ. وَجَبَلٌ وَاشِلٌ: يَقْطُرُ مِنْهُ الْمَاءُ. وَهُوَ وَاشِلُ الْحَظِّ: نَاقِصُهُ. وَالْوُشُولُ: قِلَّةُ الْغَنَاءِ وَالضَّعْفُ. وَنَاقَةٌ وَشُولٌ: يَسِيلُ ضَرْعُهَا، وَذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ اللَّبَنِ.

(وَشَمَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ فِي شَيْءٍ تَزْيِينًا لَهُ. مِنْهُ وَشْمُ الْيَدِ، إِذَا نُقِشَتْ وَغُرِزَتْ. وَأَوْشَمَتِ الْأَرْضُ: ظَهَرَ نَبَاتُهَا. وَأَوْشَمَ الْبَرْقُ: لَمَعَ لَمْعًا خَفِيفًا. وَيَتَّسِعُونَ فِي هَذَا فَيَقُولُونَ: مَا أَصَابَتْنَا الْعَامَ وَشْمَةٌ، أَيْ قَطْرَةٌ مِنْ مَطَرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بِالْقَطْرِ تُوشَمُ الْأَرْضُ. وَرُبَّمَا قَالُوا: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَشِيمَةٌ، أَيْ كَلَامٌ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي كَلَامِ عَدَاوَةٍ. وَهَذَا تَمْثِيلٌ. وَأَوْشَمَ: نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ، كَأَنَّهُ نَظَرَ وَتَأَمَّلَ وَشْمَهُ.

(6/113)


(وَشَى) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْسِينِ شَيْءٍ وَتَزْيِينِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى نَمَاءٍ وَزِيَادَةٍ.
الْأَوَّلُ: وَشَيْتُ الثَّوْبَ أَشِيهِ وَشْيًا. وَيَقُولُونَ لِلَّذِي يَكْذِبُ وَيَنِمُّ وَيُزَخْرِفُ كَلَامَهُ: قَدْ وَشَى، وَهُوَ وَاشٍ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْمَرْأَةُ الْوَاشِيَةُ: الْكَثِيرَةُ الْوَلَدِ. وَيُقَالُ ذَلِكَ لِكُلِّ مَا يَلِدُ. وَالْوَاشِي: الرَّجُلُ الْكَثِيرُ النَّسْلِ. وَالْوَشْيُ: الْكَثْرَةُ. وَوَشَى بَنُو فُلَانٍ: كَثُرُوا. وَمَا وَشَتْ هَذِهِ الْمَاشِيَةُ عِنْدِي، أَيْ مَا وَلَدَتْ.

(وَشَبَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ. يُقَالُ: أَوْبَاشٌ مِنَ النَّاسِ وَأَوْشَابٌ.

(وَشَجَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اشْتِبَاكٍ وَتَدَاخُلٍ. يُقَالُ: وَشَجَتِ الْأَغْصَانُ. اشْتَبَكَتْ. وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَكَ فَهُوَ وَاشِجٌ. وَالْوَشِيجُ مِنَ الْقَنَا ; مَا نَبَتَ مِنَ الْأَرْضِ مُعْتَرِضًا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَشْتَبِكُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.

(وَشَحَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ الْوِشَاحُ. وَتَوَشَّحَ بِثَوْبِهِ، كَأَنَّهُ جَعَلَهُ وِشَاحَهُ، وَكَذَا اتَّشَحَ بِهِ. وَشَاةٌ مُوَشَّحَةٌ: بِجَنْبَيْهَا خَطَّانِ.

(وَشَرَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْوَشْرُ وَالتَّوْشِيرُ: أَنْ تُحَدِّدَ الْمَرْأَةُ أَسْنَانَهَا. وَالْمِيشَارُ بِلَا هَمْزٍ مِنْ هَذَا.

(6/114)


(وَشَزَ) الْوَاوُ وَالشِّينُ وَالزَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَشْزُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، كَالنَّشْزِ، ثُمَّ قِيسَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لِشَدَائِدِ الْأُمُورِ: أَوْشَازٌ، الْوَاحِدُ وَشْزٌ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالصَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَصَعَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَصْعُ: طَائِرٌ صَغِيرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ إِسْرَافِيلَ يَتَوَاضَعُ لِلَّهِ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْوَصْعِ» .

(وَصَفَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ، هُوَ تَحْلِيَةُ الشَّيْءِ. وَوَصَفْتُهُ أَصِفُهُ وَصْفًا. وَالصِّفَةُ: الْأَمَارَةُ اللَّازِمَةُ لِلشَّيْءِ، كَمَا يُقَالُ وَزَنْتُهُ وَزْنًا، وَالزِّنَةُ: قَدْرُ الشَّيْءِ. يُقَالُ اتَّصَفَ الشَّيْءُ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ: احْتَمَلَ أَنْ يُوصَفَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَصَفَتِ النَّاقَةُ وُصُوفًا، إِذَا أَجَادَتِ السَّيْرَ فَهُوَ [مِنْ قَوْلِهِمْ] لِلْخَادِمِ وَصِيفٌ، وَلِلْخَادِمَةِ وَصِيفَةٌ. وَيُقَالُ أَوْصَفَتِ الْجَارِيَةُ ; لِأَنَّهُمَا يُوصَفَانِ عِنْدَ الْبَيْعِ.

(وَصَلَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمِّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَقَهُ. وَوَصَلْتُهُ بِهِ وَصْلًا. وَالْوَصْلُ: ضِدُّ الْهِجْرَانِ. وَمَوْصِلُ الْبَعِيرِ: مَا بَيْنَ عَجُزِهِ وَفَخِذِهِ. وَالْوَاصِلَةُ فِي الْحَدِيثِ: الَّتِي تَصِلُ شَعْرَهَا بِشِعْرٍ آخَرَ زُورًا. وَيَقُولُ وَصَلْتُ الشَّيْءَ وَصْلًا، وَالْمَوْصُولُ بِهِ وِصْلٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ.

(6/115)


وَمِنَ الْبَابِ الْوَصِيلَةُ: الْعِمَارَةُ وَالْخِصْبُ. لِأَنَّهَا تَصِلُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِذَا أَجْدَبُوا تَفَرَّقُوا. وَالْوَصِيلَةُ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ، كَأَنَّهَا وُصِلَتْ فَلَا تَنْقَطِعُ. أَمَّا الْوَصِيلَةُ مِنَ الْغَنَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103] . . .

(وَصَمَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَضَعْفٍ. وَوَجَدَ تَوْصِيمًا فِي جَسَدِهِ، أَيْ تَكْسِيرًا وَفَتْرَةً وَكَسَلًا. قَالَ:
وَإِذَا رُمْتَ رَحِيلًا فَارْتَحِلْ ... وَاعْصِ مَا يَأْمُرُ تَوْصِيمُ الْكَسَلْ
وَالْوَصْمُ: الصَّدْعُ غَيْرُ بَائِنٍ. يُقَالُ: أَصَابَ الْقَنَاةَ وَصْمٌ.
وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ لِلْعَارِ وَالْعَيْبِ: وَصْمٌ. قَالَ:
فَإِنْ تَكُ جَرْمٌ ذَاتَ وَصْمٍ فَإِنَّنَا ... دَلَفْنَا إِلَى جَرْمٍ بِأَلْأَمَ مِنْ جَرْمِ

(وَصَى) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى وَصْلِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. وَوَصَيْتُ الشَّيْءَ: وَصَلْتُهُ. وَيُقَالُ: وَطِئْنَا أَرْضًا وَاصِيَةً، أَيْ إِنَّ نَبْتَهَا مُتَّصِلٌ قَدِ امْتَلَأَتْ مِنْهُ. وَوَصَيْتُ اللَّيْلَةَ بِالْيَوْمِ: وَصَلْتُهَا، وَذَلِكَ فِي عَمَلٍ تَعْمَلُهُ. وَالْوَصِيَّةُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ، كَأَنَّهُ كَلَامٌ يُوصَى أَيْ يُوصَلُ. يُقَالُ: وَصَّيْتُهُ تَوْصِيَةً، وَأَوْصَيْتُهُ إِيصَاءً.

(6/116)


(وَصَبَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَوَامِ شَيْءٍ. وَوَصَبَ الشَّيْءُ وُصُوبًا: دَامَ. وَوَصَبَ الدِّينُ: وَجَبَ. وَمَفَازَةٌ وَاصِبَةٌ: بَعِيدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] ، أَيْ دَائِمٌ. وَالْوَصَبُ: الْمَرَضُ الْمُلَازِمُ الدَّائِمُ. رَجُلٌ وَصِبٌ وَمُوَصَّبٌ: دَائِمُ الْأَوْصَابِ.

(وَصَدَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ضَمِّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ. وَأَوْصَدْتُ الْبَابَ: أَغْلَقْتُهُ. وَالْوَصِيدُ: النَّبْتُ الْمُتَقَارِبُ الْأُصُولِ. وَالْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ لِاتِّصَالِهِ بِالرَّبْعِ. وَالْمُوصَدُ: الْمُطْبَقُ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 8] .

(وَصَرَ) الْوَاوُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْوَصِيرَةُ: الصَّكُّ. وَيُقَالُ الْوِصْرُ: السِّجِلُّ يَكْتُبُهُ الْمَلِكُ لِمَنْ يُقْطِعُهُ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «إِنَّ هَذَا اشْتَرَى مِنِّي أَرْضًا وَقَبَضَ مِنِّي وِصْرَهَا، فَلَا هُوَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْوِصْرَ وَلَا يُعْطِينِي الثَّمَنَ» .

[بَابُ الْوَاوِ وَالضَّادِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَضَعَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْخَفْضِ [لِلشَّيْءِ] وَحَطِّهِ. وَوَضَعْتُهُ بِالْأَرْضِ وَضْعًا، وَوَضَعَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا. [وَ] وُضِعَ فِي تِجَارَتِهِ يُوضَعُ: خَسِرَ. وَالْوَضَائِعُ: قَوْمٌ يُنْقَلُونَ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ يَسْكُنُونَ بِهَا.

(6/117)


الْوَضِيعُ: الرَّجُلُ الدَّنِيُّ. وَالدَّابَّةُ تَضَعُ فِي سَيْرِهَا وَضْعًا، وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ يُخَالِفُ الْمَرْفُوعَ. قَالَ:
مَرْفُوعُهَا زَوْلٌ وَمَوْضُوعُهَا ... كَمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وَسْطَ رِيحْ
يُقَالُ مِنْهُ: إِنَّهَا لَحَسَنَةُ الْمَوْضُوعِ. وَقَدْ أَوْضَعَهَا رَاكِبُهَا. وَوَضَعَ الرَّجُلُ: سَارَ ذَلِكَ السَّيْرَ. وَذُكِرَ أَنَّ [الْوَاضِعَاتِ] : الْإِبِلُ تَأْكُلُ الْخَلَّةَ. وَأَنْشَدُوا:
رَأَى صَاحِبِي فِي الْوَاضِعَاتِ نَجِيبَةً ... وَأَمْثَالَهَا فِي الْغَادِيَاتِ الْقَوَامِسِ
وَالرَّجُلُ الْمُوَضَّعُ: الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَحْكِمِ الْأَمْرِ.

(وَضَمَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَضَمُ: كُلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ عَلَيْهِ اللَّحْمُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. وَضَمْتُ اللَّحْمَ: اتَّخَذْتُ لَهُ وَضَمًا. وَأَوْضَمْتُهُ: جَعَلْتُهُ عَلَى الْوَضَمِ. وَيُقَالُ: اسْتَوْضَمْتُ الرَّجُلَ، أَيِ اسْتَضَمْتُهُ وَجَعَلْتُهُ تَحْتِي كَالْوَضَمِ. وَتَوَضَّمَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ: وَقَعَ عَلَيْهَا. وَالْوَضِيمَةُ: الْقَوْمُ يَقِلُّ عَدَدُهُمْ، يَنْزِلُونَ عَلَى الْقَوْمِ فَيُحْسِنُونَ إِلَيْهِمْ.

(6/118)


(وَضَأَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْهَمْزَةُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُسْنٍ وَنَظَافَةٍ. وَضُؤَ الرَّجُلُ يَوْضُؤُ، وَهِيَ وَضِيءٌ. وَالْوَضُوءُ: الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَالْوُضُوءُ فِعْلُكَ إِذَا تَوَضَّأْتَ، مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ، كَأَنَّ الْغَاسِلَ وَجْهَهُ وَضَّأَهُ، أَيْ حَسَّنَهُ.

(وَضَحَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْحَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ الشَّيْءِ وَبُرُوزِهِ. وَوَضَحَ الشَّيْءُ: أَبَانَ. [وَ] فِي الشِّجَاجِ الْمُوضِحَةُ، وَهِيَ تُبْدِي وَضَحَ الْعَظْمِ. وَاسْتَوْضَحْتُ الشَّيْءَ، إِذَا وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى عَيْنَيْكَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَاهُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «صُومُوا مِنْ وَضَحٍ إِلَى وَضَحٍ» أَيْ مِنْ ضَوْءٍ إِلَى ضَوْءٍ. وَالْوَضَّاحُ: الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ اللَّوْنِ الْحَسَنُ. وَأَوْضَحَ الرَّجُلُ: وُلِدَ لَهُ الْبِيضُ مِنَ الْأَوْلَادِ. وَمِنْ أَيْنَ أَوْضَحْتَ، أَيْ مِنْ أَيْنَ بَدَا [وَضَحُكَ] ، أَيْ مِنْ أَيْنَ طَلَعْتَ. وَوَضَحُ الطَّرِيقِ: مَحَجَّتُهُ. وَالْوَاضِحَةُ: الْأَسْنَانُ تَبْدُو عِنْدَ الضَّحِكِ. قَالَ:
كُلُّ خَلِيلٍ كَنْتُ خَالَلْتُهُ ... لَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُ وَاضِحَهْ
وَالْأَوْضَاحُ: بَقَايَا الْحَلِيِّ وَالصِّلِّيَانِ. وَالْأَوْضَاحُ: حَلْيٌ مِنْ فِضَّةٍ.

(وَضَخَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْخَاءُ:. . . . .

(6/119)


( [وَضَرَ) الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ] : كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى لَطْخِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. فَالْوَضَرُ مِثْلُ الدَّرَنِ وَالزَّهَمِ. قَالَ:
أَبَارِيقُ لَمْ يَعْلَقْ بِهَا وَضَرُ الزُّبْدِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ لِبَقِيَّةِ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ: الْوَضَرُ، كَبَقِيَّةِ الْهِنَاءِ عَلَى الْبَعِيرِ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالطَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَطَفَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طُولِ شَيْءٍ وَرَخَاوَتِهِ. مِنْ ذَلِكَ: الْوَطْفُ: طُولُ الْأَشْفَارِ وَتَهَدُّلُهَا. وَالْوَطْفُ: انْهِمَالُ الْمَطَرِ. وَالْأَوْطَفُ: الْبَعِيرُ الْقَصِيرُ شَعْرِ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ وَطَفُهُ أَنْ يَكُونَ أَزَبَّ، لِأَنَّ كُلَّ أَزَبَّ نَفُورٌ. فَهَذَا دُونَ الْأَزَبِّ، وَإِلَّا فَهُوَ تَامُّ الشَّعْرِ. وَيُسْتَعَارُ فَيُقَالُ: هُوَ فِي عَيْشٍ أَوْطَفَ، أَيْ وَاسِعٍ رَخِيٍّ.

(وَطَنَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالنُّونُ: كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ. فَالْوَطَنُ: مَحَلُّ الْإِنْسَانِ. وَأَوْطَانُ الْغَنَمِ: مَرَابِضُهَا. وَأَوْطَنْتُ الْأَرْضَ: اتَّخَذْتُهَا وَطَنًا. وَالْمِيطَانُ: الْغَايَةُ.

(وَطَأَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالْهَمْزَةُ. كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَمْهِيدِ شَيْءٍ وَتَسْهِيلِهِ. وَوَطَّأْتُ لَهُ الْمَكَانَ. وَالْوِطَاءُ: مَا تَوَطَّأْتَ بِهِ مِنْ فِرَاشٍ. وَوَطِئْتُهُ بِرِجْلِي أَطَؤُهُ.

(6/120)


وَفِي الْحَدِيثِ: «اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» ، وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ عَلَى أَمْرٍ يُوَطِّئُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ.

(وَطَبَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ وَطْبُ اللَّبَنِ: سِقَاؤُهُ. وَيُشَبَّهُ بِهِ الْمَرْأَةُ الْعَظِيمَةُ الثَّدْيِ، فَيُقَالُ وَطْبَاءُ. وَالْوَطْبُ: الرَّجُلُ الْجَافِي، وَهَذَا أَيْضًا مِنَ التَّشْبِيهِ.

(وَطَحَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُزَاحَمَةٍ وَمُدَاوَلَةٍ. يُقَالُ: تَوَاطَحَ عَلَى الْمَاءِ وِرْدٌ كَثِيرٌ، أَيِ ازْدَحَمَ. وَتَوَاطَحُوا عَلَى الشَّيْءِ: تَدَاوَلُوهُ. وَيَقُولُونَ: الْوَطَحُ: مَا تَعَلَّقَ بِالْأَظْلَافِ وَمَخَالِبِ الطَّيْرِ مِنْ طِينٍ وَعُرٍّ.

(وَطَدَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ تُثَبِّتَ شَيْئًا بِوَطْثِكَ حَتَّى يَتَصَلَّبَ. وَوَطَدْتُهُ أَطِدُهُ إِلَى الْأَرْضِ، عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، إِذَا أَهَانَهُ. وَالْمِيطَدَةُ: خَشَبَةٌ يُوطَدُ بِهَا الْمَكَانُ حَتَّى يَصْلُبَ. وَيُقَالُ لِأَثَافِيِّ الْقِدْرِ: الْوَطَائِدُ. وَالطَّادِي فِي شِعْرِ الْقَطَامِيُّ، فِي قَوْلِهِ:
تَقَضَّى [بَوَاقِي] دَيْنِهَا الطَّادِي
الْوَاطِدُ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ. وَعَادَتْهُ طَادِيَّةٌ: قَدِيمَةٌ.

(6/121)


(وَطَرَ) : الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الْوَطَرُ: الْحَاجَةُ وَالنَّهْمَةُ، لَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ.

(وَطَسَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى وَطْءِ شَيْءٍ حَتَّى يَنْهَزِمَ. وَيُقَالُ: وَطَسْتُ الْأَرْضَ بِرِجْلِي أَطِسُهَا وَطْسًا، أَيْ هَزَمْتُ فِيهَا هَزْمَةً. وَالْوَطِيسُ: التَّنُّورُ، مِنْهُ لِأَنَّهُ كَالْهَزْمِ فِي الْأَرْضِ. وَيُعَبَّرُ [بِهِ] عَنِ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ.

( [وَطَشَ) الْوَاوُ وَالطَّاءُ وَالشِّينُ] : كَلِمَتَانِ إِنْ صَحَّتَا. يَقُولُونَ: ضَرَبُوهُ فَمَا وَطَشَ إِلَيْهِمْ، أَيْ لَمْ يَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ.
وَالْأُخْرَى: وَطِّشْ لِي شَيْئًا أَذْكُرُهُ، مَعْنَاهُ افْتَحْ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالظَّاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَظَفَ) الْوَاوُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ. يُقَالُ: وَظَّفْتَ لَهُ، إِذَا قَدَّرْتَ لَهُ كُلَّ حِينٍ شَيْئًا مِنْ رِزْقٍ أَوْ طَعَامٍ. ثُمَّ اسْتُعِيرَ ذَلِكَ فِي عَظْمِ السَّاقِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الرُّسْغِ مِنْ قَائِمَةِ الدَّابَّةِ إِلَى السَّاقِ. وَيُقَالُ وَظَفْتُ الْبَعِيرَ، إِذَا قَصَرْتَ لَهُ الْقَيْدَ. وَيُقَالُ: مَرَّ يَظِفُهُمْ، أَيْ يُتْبِعُهُمْ كَأَنَّهُ يَجْعَلُ وَظِيفَهُ بِإِزَاءِ أَوْظِفَتِهِمْ.

(6/122)


(وَظَبَ) الْوَاوُ وَالظَّاءُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَةٍ. يُقَالُ: وَظَبَ يَظِبُ وَظْبًا. وَوَاظَبْتُ عَلَى الشَّيْءِ مُوَاظَبَةً، وَهِيَ الْمُدَاوَمَةُ. وَيُقَالُ: أَرْضٌ مَوْظُوبَةٌ، أَيِ اسْتَقْصَتِ الرَّاعِيَةُ رَعْيَهَا، وَهِيَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَعَقَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالْقَافُ: كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْوَعِيقُ: صَوْتٌ يَخْرُجُ مِنْ قُنْبِ الدَّابَّةِ. وَالثَّانِيَةُ الْوَعْقَةُ، هُوَ الرَّجُلُ السَّيِّئُ الْخُلُقِ، وَكَذَلِكَ الْوَعْقُ.

(وَعَكَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالْكَافُ، يَدُلُّ عَلَى عَرْكِ شَيْءٍ وَتَذْلِيلِهِ. مِنْهُ وَعْكُ الْحُمَّى، كَأَنَّهَا تَعْرُكُ الْجِسْمَ عَرْكًا. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: أَوْعَكَتِ الْكِلَابُ الصَّيْدَ، إِذَا مَرَّغَتْهُ فِي التُّرَابِ. وَالْوَعْكَةُ: مَعْرَكَةُ الْأَبْطَالِ. وَأَوْعَكَتِ الْإِبِلُ: ازْدَحَمَتْ، وَهُوَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ.

(وَعَلَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَاللَّامُ كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْوَعْلُ: ذَكَرُ الْأَرْوَى. [وَ] عَلَى التَّشْبِيهِ قِيلَ لِكِبَارِ النَّاسِ وُعُولٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «تَظْهَرُ التُّحُوتُ وَ [تَذْهَبُ] الْوُعُولُ» . التُحُوتُ: الدُّونُ. وَالْوُعُولُ: الْأَشْرَافُ.
وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ: لَا وَعْلَ عَنْهُ، أَيْ لَا مَلْجَأَ.

(6/123)


(وَعَنَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالنُّونُ: لَيْسَ بِأَصْلٍ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْوَعْنَةُ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ. وَيَقُولُونَ: تَوَعَّنَتِ الْإِبِلُ: أَخَذَ فِيهَا السِّمَنُ.

(وَعَيَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالْيَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَمِّ شَيْءٍ. وَوَعَيْتُ الْعِلْمَ أَعِيهِ وَعْيًا. وَأَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ فِي الْوِعَاءِ أُوَعِّيهِ. قَالَ:
وَالشَّرُّ أَخْبَثُ مَا أَوَعَيْتَ مِنْ زَادِ
وَأَمَّا الْوَعَى فَالْجَلَبَةُ وَالْأَصْوَاتُ. وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الْغَيْنُ. وَالْوَعِيَّةُ: الصَّارِخَةُ، مِنَ الْوَعَى. وَيَقُولُونَ: لَا وَعْيَ عَنْ كَذَا.

(وَعَبَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِيظَافِ الشَّيْءِ. وَأَوْعَبْتُ الشَّيْءَ: اسْتَوْظَفْتُهُ كُلَّهُ. وَيَقُولُونَ: " فِي الْأَنْفِ إِذَا اسْتُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ "، أَيِ اسْتُؤْصِلَ فَلَمْ يُتْرَكْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَجَاءَ فُلَانٌ مُوعِبًا، أَيْ جَمَعَ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَمْعٍ. وَأَتَى الْفَرَسُ بِرَكْضٍ وَعِيبٍ، أَيْ جَاءَ بِأَقْصَى مَا عِنْدَهُ.

(وَعَثَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالثَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُهُولَةٍ فِي الشَّيْءِ وَرَخَاوَةٍ. وَمَكَانٌ أَوْعَثُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْوَعْثُ مِنَ الرَّمْلِ: مَا غَابَتْ فِيهِ الْقَوَائِمُ. وَامْرَأَةٌ وَعْثَةٌ: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ. وَوَعِثَ لِسَانُهُ: الْتَاثَ فَلَمْ يُبَيِّنْ، كَأَنَّهُ اسْتَرْخَى وَلَانَ.

(6/124)


فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ قَالَ: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءَ السَّفَرِ» ، وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى السُّهُولَةِ؟ قِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا الرَّمْلُ إِذَا غَابَتْ فِيهِ الْقَوَائِمُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْمَشَقَّةِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءَ السَّفَرِ. وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ.

(وَعَدَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَرْجِيَةٍ بِقَوْلٍ. يُقَالُ: وَعَدْتُهُ أَعِدُهُ وَعْدًا. وَيَكُونُ ذَلِكَ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ. فَأَمَّا الْوَعِيدُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِشَرٍّ. يَقُولُونَ: أَوْعَدْتُهُ بِكَذَا. قَالَ:
أَوْعَدَنِي بِالسِّجْنِ وَالْأَدَاهِمِ
. . . .
وَالْمُوَاعَدَةُ مِنَ الْمِيعَادِ. وَالْعِدَةُ: الْوَعْدُ. وَجَمْعُهَا عِدَاتٌ: وَالْوَعْدُ لَا يُجْمَعُ. وَوَعِيدُ الْفَحْلِ: [هَدِيرُهُ] إِذَا هَمَّ أَنْ يَصُولَ. قَالَ:
يُوعِدُ قَلْبَ الْأَعْزَلِ.
وَأَرْضُ بَنِي فُلَانٍ وَاعِدَةٌ، إِذَا رُجِيَ خَيْرُهَا مِنَ الْمَطَرِ وَالْإِعْشَابِ. وَيَوْمٌ وَاعِدٌ: أَوَّلُهُ يَعِدُ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ.

(وَعَرَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ وَخُشُونَةٍ. وَمَكَانٌ

(6/125)


وَعْرٌ بَيِّنُ الْوُعُورَةِ، وَوَعِرَ يَوْعُرُ وَتَوَعَّرَ. وَفُلَانٌ وَعْرُ الْمَعْرُوفِ: نَكِدُهُ. وَسَأَلْنَاهُ حَاجَةً فَتَوَعَّرَ عَلَيْنَا، أَيْ تَشَدَّدَ.

(وَعَزَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالزَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي التَّقْدِمَةِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: وَعَزْتُ إِلَيْهِ: تَقَدَّمْتُ فِي الْأَمْرِ، وَأَوْعَزْتُ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ إِذَا تَقَدَّمْتَ إِلَيْهِ فَأَمَرْتَهُ بِهِ.

(وَعَسَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى سُهُولَةٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ الْوَعْسَاءُ: الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ ذَاتُ الرَّمْلِ. وَالْمِيعَاسُ: الْأَرْضُ لَمْ تُوطَأْ. وَالْمُوَاعَسَةُ: ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الْإِبِلِ سَهْلٌ. يُقَالُ: وَاعَسْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ: أَدْلَجْنَا. وَلَا تَكُونُ الْمُوَاعَسَةُ إِلَّا بِاللَّيْلِ.

(وَعَظَ) الْوَاوُ وَالْعَيْنُ وَالظَّاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. فَالْوَعْظُ: التَّخْوِيفُ. وَالْعِظَةُ الِاسْمُ مِنْهُ ; قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ وَمَا يَرِقُّ لَهُ قَلْبُهُ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْغَيْنِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَغَفَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ.
الْوَغْفُ: سُرْعَةُ الْعَدْوِ، وَيُقَالُ هُوَ الْإِيغَافُ، وَأَوْغَفَ يُوغِفُ.
وَالثَّانِيَةُ الْوَغْفُ، يُقَالُ: ضَعْفُ الْبَصَرِ.
وَالثَّالِثَةُ: الْوَغْفُ: قِطْعَةُ أَدَمٍ، يُشَدُّ عَلَى بَطْنِ التَّيْسِ لِئَلَّا يَنْزُوَ.

(6/126)


(وَغَقَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ. يَقُولُونَ: الْوَغِيقُ كَالْوَعِيقِ.

(وَغَلَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَقَحُّمٍ فِي سَيْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَوْغَلَ الْقَوْمُ: أَمْعَنُوا فِي مَسِيرِهِمْ. وَمِنَ التَّقَحُّمِ الْوَاغِلُ: الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الْقَوْمِ يَشْرَبُونَ وَلَمْ يُدْعَ ; وَذَلِكَ الشَّرَابُ الْوَغْلُ. قَالَ:
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إِثْمًا مِنَ اللَّهِ وَلَا وَاغِلِ
وَيُقَالُ: وَغَلَ يَغِلُ، إِذَا تَوَارَى فِي الشَّجَرِ. وَيُقَالُ: الْوَغْلُ: الرَّجُلُ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ، كَأَنَّهُ خَفِيَ. وَالْوَغْلُ: السَّيِّئُ الْغِذَاءِ.

(وَغَمَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْوَغْمُ: الْغَيْظُ فِي الصَّدْرِ، وَالْحِقْدُ. قَالَ:
يَقُومُ عَلَى الْوَغْمِ فِي قَوْمِهِ ... فَيَعْفُو إِذَا شَاءَ أَوْ يَنْتَقِمْ
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَغَمَ بِالْخَبَرِ فَأَصْلُهُ نَغَمَ.

(وَغَا) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. الصَّحِيحُ مِنْهُ الْوَغَى: الْجَلَبَةُ وَالْأَصْوَاتُ. وَكَلِمَةٌ يُقَالُ إِنَّ الْأَوَاغِيَ: مَفَاجِرُ الدِّبَارِ فِي الْمَزَارِعِ.

(وَغَبَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى سُقُوطٍ وَضَعْفٍ. مِنْهُ الْوَغْبُ: الرَّجُلُ الْجَبَانُ. قَالَ:
وَلَا بِبِرْشَاعِ الْوِخَامِ وَغْبِ

(6/127)


وَالْأَوْغَابُ: أَسْقَاطُ الْبَيْتِ كَالْقَصْعَةِ وَالْبُرْمَةِ وَنَحْوِهَا.

(وَغَدَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَنَاءَةٍ. وَرَجُلٌ وَغْدٌ وَهُوَ الدَّنِيُّ، مِنْ قَوْلِكَ وَغَدْتُهُمْ أَغِدُهُمْ، إِذَا خَدَمْتَهُمْ. وَالْأَصْلُ الْوَغْدُ: قِدْحٌ لَا حَظَّ لَهُ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: الْمُوَاغَدَةُ فِي السَّيْرِ: سَيْرٌ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ.

(وَغَرَ) الْوَاوُ وَالْغَيْنُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى حَرَارَةٍ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ. فَالْوَغْرَةُ: شِدَّةُ الْحَرِّ. وَالْوَغِيرُ: لَحْمٌ يُشْوَى عَلَى الرَّمْضَاءِ. وَوُغِرَ صَدْرُهُ يَوْغَرُ: اغْتَاظَ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُقَالُ: الْإِيغَارُ: أَنْ تُحْمَى الْحِجَارَةُ ثُمَّ تُلْقَى فِي الْمَاءِ لِتُسَخِّنَهُ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ:
وَلَقَدْ عَرَفْتَ مَكَانَهُمْ فَكَرِهْتَهُمْ ... كَكَرَاهَةِ الْخِنْزِيرِ لِلْإِيغَارِ
وَالْإِيغَارُ: أَنْ يُوغِرَ الْمَلِكُ الْأَرْضَ الرَّجُلَ: يَجْعَلُهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَفَقَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مُلَاءَمَةِ الشَّيْئَيْنِ. مِنْهُ الْوَفْقُ: الْمُوَافَقَةُ. وَاتَّفَقَ الشَّيْئَانِ: تَقَارَبَا وَتَلَاءَمَا. وَوَافَقْتُ فُلَانًا: صَادَقْتُهُ، كَأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا مُتَوَافِقَيْنِ.

(6/128)


(وَفَلَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَعَرٍ وَخُشُونَةٍ. وَدُبِغَ السِّقَاءُ حَتَّى ذَهَبَ وَفْلُهُ، أَيْ مَا عَلَيْهِ مِنْ شَعْرٍ وَخُشُونَةٍ. وَالْوَفْلُ: مَا تَطَايَرَ مِنَ الْجِلْدِ مِنْ شَعَرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَفَى) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِكْمَالٍ وَإِتْمَامٍ. مِنْهُ الْوَفَاءُ: إِتْمَامُ الْعَهْدِ وَإِكْمَالُ الشَّرْطِ. وَوَفَى: أَوْفَى، فَهُوَ وَفِيٌّ. وَيَقُولُونَ: أَوْفَيْتُكَ الشَّيْءَ، إِذَا قَضَيْتَهُ إِيَّاهُ وَافِيًا. وَتَوَفَّيْتُ الشَّيْءَ وَاسْتَوْفَيْتُهُ ; [إِذَا أَخَذْتَهُ كُلَّهُ] حَتَّى لَمْ تَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا. وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْمَيِّتِ: تَوَفَّاهُ اللَّهُ.

(وَفَدَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِشْرَافٍ وَطُلُوعٍ. مِنْهُ الْوَافِدُ: الْقَوْمُ يَفِدُونَ. وَالْوَفْدُ: ذِرْوَةُ الْحَبْلِ مِنَ الرَّمْلِ الْمُشْرِفِ. وَالْوَافِدُ مِنَ الْإِبِلِ: مَا يَسْبِقُ سَائِرَهَا. وَالْإِيفَادُ: الْإِسْرَاعُ، وَالْوَافِدَانِ هُمَا عَظْمَانِ نَاشِزَانِ مِنَ الْخَدَّيْنِ عِنْدَ الْمَضْغِ. وَإِذَا هَرِمَ الْإِنْسَانُ غَارَ وَافِدُهُ. قَالَ الْأَعْشَى:
رَأَتْ رَجُلًا غَائِرَ الْوَافِدَيْ ... نِ مُخْتَلِفَ اللَّوْنِ أَعْشَى ضَرِيرًا
وَأَوْفَدَ عَلَى الشَّيْءِ وَأَوْفَى: أَشْرَفَ.

(وَفَرَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةٍ وَتَمَامٍ. وَفَرَ الشَّيْءُ يَفِرُ، وَهُوَ مَوْفُورٌ، وَوَفَرَهُ اللَّهُ. وَمِنْهُ وَفْرَةُ الشَّعْرِ: دُونَ الْجُمَّةِ. وَاشْتِقَاقُ اسْمِ الْمَالِ الْوَفْرِ مِنْهُ. قَالَ:

(6/129)


تَمَنَّيْتُ مِنْ حُبِّي بُثَيْنَةَ أَنَّنَا ... عَلَى رَمَثٍ فِي الشَّرْمِ لَيْسَ لَنَا وَفْرُ
وَالْوَفْرَاءُ: الْمَزَادَةُ لَمْ يُنْقَصْ مِنْ أَدِيمِهَا شَيْءٌ.

(وَفَزَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالزَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَجَلَةٍ وَقِلَّةِ اسْتِقْرَارٍ. وَأَنَا عَلَى وَفْزٍ وَأَوْفَازٍ، أَيْ عَجَلَةٍ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: هُوَ عَلَى أَوْفَازٍ، وَلَمْ يُقَلْ مِنْهُ وَاحِدٌ. وَالْوَفَزُ: النَّشْزُ مِنَ الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ: جَلَسَ مُسْتَوْفِزًا، كَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.

(وَفَضَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالضَّادُ: ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ مُتَبَايِنَةٌ: الْأُولَى أَوْفَضَ إِيفَاضًا: أَسْرَعَ. وَجَاءَ عَلَى وَفْضٍ وَأَوْفَاضٍ، أَيْ عَجَلَةٍ.
وَالثَّانِيَةُ الْأَوْفَاضُ: الْفِرَقُ مِنَ النَّاسِ.
وَالثَّالِثَةُ الْوَفْضَةُ: الْكِنَانَةُ، وَجَمْعُهَا وِفَاضٌ.

(وَفَعَ) الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَالْعَيْنُ. يَقُولُونَ: الْوَفْعَةُ: خِرْقَةٌ يُقْتَبَسُ فِيهَا نَارٌ. وَالْوَفِيعَةُ كَالسَّلَّةِ تُتَّخَذُ مِنَ الْعَرَاجِينِ. وَيُقَالُ الْوَفْعَةُ: صِمَامُ الْقَارُورَةِ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْقَافِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَقَلَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى عُلُوٍّ فِي جَبَلٍ. وَتَوَقَّلَ فِي الْجَبَلِ: عَلَا. وَكُلُّ صَاعِدٍ فِي شَيْءٍ مُتَوَقِّلٌ. وَفَرَسٌ وَقِلٌ: حَسَنُ السَّيْرِ فِي الْجِبَالِ. وَالْوَقْلُ: شَجَرُ الْمُقْلِ.

(6/130)


(وَقَمَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْمِيمُ. يَدُلُّ عَلَى غَلَبَةٍ وَإِذْلَالٍ. وَوَقَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ وَقْمًا: أَذَلَّهُ. وَتَوَقَّمَ فُلَانٌ الْعِلْمَ: قَتَلَهُ خُبْرًا. وَتَوَقَّمْتُ الصَّيْدَ: خَتَلْتُهُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمَوْقُومُ: الشَّدِيدُ الْحُزْنِ. وَحَرَّةُ وَاقِمٍ بِالْمَدِينَةِ.

(وَقَهَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. اسْتَيْقَهَ الْقَوْمُ: أَطَاعُوا، مِنْ وَقِهْتُ.

(وَقَى) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ. وَوَقَيْتُهُ أَقِيهِ وَقْيًا. وَالْوِقَايَةُ: مَا يَقِي الشَّيْءَ. وَاتَّقِ اللَّهَ: تَوَقَّهُ، أَيِ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ كَالْوِقَايَةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِ تَمْرَةٍ» ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: اجْعَلُوهَا وِقَايَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْوَقْيُ، قَالُوا: هُوَ الظَّلْعُ الْيَسِيرُ.

(وَقَبَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَيْبَةِ شَيْءٍ فِي مَغَابٍ. يُقَالُ وَقَبَ الشَّيْءُ: دَخَلَ فِي وَقْبَةٍ، وَهِيَ كَالنُّقْرَةِ فِي الشَّيْءِ. وَوَقَبَتْ عَيْنَاهُ: غَارَتَا. [وَ] وَقَبَ الشَّيْءُ: نَزَلَ وَوَقَعَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] ، قَالُوا: هُوَ اللَّيْلُ إِذَا نَزَلَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْوَقْبَ هُوَ الْأَحْمَقُ فَهُوَ مِنَ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ وَغْبٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

(وَقَتَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالتَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَدِّ شَيْءٍ وَكُنْهِهِ فِي زَمَانٍ وَغَيْرِهِ. مِنْهُ الْوَقْتُ: الزَّمَانُ الْمَعْلُومُ. وَالْمَوْقُوتُ: الشَّيْءُ الْمَحْدُودُ. [وَ] الْمِيقَاتُ:

(6/131)


الْمَصِيرُ لِلْوَقْتِ. وَقَتَ لَهُ كَذَا وَوَقَّتَهُ، أَيْ حَدَّدَهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] .

(وَقَحَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ فِي الشَّيْءِ. وَالْحَافِرُ الصُّلْبُ وَقَاحٌ، شُبِّهَ بِهِ الرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْحَيَاءِ فَقِيلَ وَقَاحٌ. وَوَقِحٌ: بَيِّنُ الْقِحَةِ وَالْوَقَاحَةِ. وَالتَّوْقِيحُ: أَنْ يُوَقَّحَ الْحَافِرُ بِشَحْمَةٍ تُذَابُ يُكْوَى بِهَا الْأَشْعَرُ. وَاسْتَوْقَحَ الْحَافِرُ: صَلُبَ. وَرَجُلٌ مُوَقَّحٌ: مُجَرَّبٌ.

(وَقَدَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اشْتِعَالِ نَارٍ. وَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ وَاتَّقَدَتْ وَتَوَقَّدَتْ، وَأَوْقَدْتُهَا أَنَا. وَالْوَقُودُ: الْحَطَبُ. وَالْوُقُودُ: فِعْلُ النَّارِ إِذَا وَقَدَتْ. وَالْوَقَدُ: نَفْسُ النَّارِ. وَوَقْدَةُ الصَّيْفِ: أَشَدُّهُ حَرًّا.

(وَقَذَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالذَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ بِخَشَبٍ. مِنْهُ الْوَقْذُ: الْإِيلَامُ بِالضَّرْبِ. وَشَاةٌ مَوْقُوذَةٌ: ضُرِبَتْ بِالْخَشَبِ حَتَّى مَاتَتْ.
وَمِمَّا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وُقِذَتِ النَّاقَةُ: دَرَّتْ عَلَى كَرْهٍ فَقَلَّ لَبَنُهَا.

(وَقَرَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ثِقَلٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ الْوَقْرُ: الثِّقَلُ فِي الْأُذُنِ. يُقَالُ مِنْهُ: وَقِرَتْ أُذُنُهُ تَوْقَرُ وَقْرًا. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وُقِرَتْ أُذُنُهُ فَهِيَ مَوْقُورَةٌ. وَالْوِقْرُ: الْحِمْلُ. وَيُقَالُ نَخْلَةٌ مُوَقَّرَةٌ وَمُوقِرٌ، أَيْ ذَاتُ حَمْلٍ كَثِيرٍ. وَمِنْهُ الْوَقَارُ: الْحِلْمُ وَالرَّزَانَةُ. وَرَجُلٌ ذُو قِرَةٍ، أَيْ وَقُورٌ. يُقَالُ مِنْهُ وَقَرَ وَقَارًا. وَإِذَا أَمَرْتَ قُلْتَ اوقُرْ، فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ اومُرْ. قَالَ الْأَحْمَرُ فِي قَوْلِهِ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] : لَيْسَ مِنَ الْوَقَارِ، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْجُلُوسِ. يُقَالُ مِنْهُ وَقَرْتُ

(6/132)


أَقِرُ وَقْرًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدِي مِنَ الْوَقَارِ. يُقَالُ: قِرْ، كَمَا يُقَالُ: عِدْ. وَرَجُلٌ مُوَقَّرٌ: مُجَرَّبٌ.
وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الْوَقِيرَةُ: نُقْرَةٌ فِي الصَّخْرِ. فَأَمَّا وَقِيرٌ فَهُوَ إِتْبَاعُ الْفَقِيرِ. وَالْوَقْرَةُ فِي الْعَظْمِ. وَالْوَقِيرُ: الْقَطِيعُ مِنَ الضَّأْنِ.

(وَقَصَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالصَّادُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَسْرِ شَيْءٍ. مِنْهُ الْوَقْصُ: دَقُّ الْعُنُقِ، وُقِصَتْ عُنُقُهُ فَهِيَ مَوْقُوصَةٌ. أَمَّا قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
فَبَعَثْتُهَا تَقِصُ الْمَقَاصِرَ بَعْدَ مَا ... كَرَبَتْ حَيَاةُ النَّارِ لِلْمُتَنَوِّرِ
فَمِنْ وَقْصِ الدَّابَّةِ إِذَا سَارَ فِي رُءُوسِ الْآكَامِ فَيَقِصُهَا. وَمِنْهُ التَّوَقُّصُ فِي الْمَشْيِ: شِدَّةُ الْوَطْءِ، كَأَنَّهُ يَقِصُ مَا تَحْتَهُ. وَالْوَقَصُ: دِقَاقُ الْعِيدَانِ. يُقَالُ وَقِّصْ لِنَارِكَ، وَهِيَ كِسَرُ الْعِيدَانِ. وَيُقَالُ لِمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ: وَقَصٌ ; وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ تَامَّةٍ، فَكَأَنَّهَا مَكْسُورَةٌ.

(وَقَطَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالطَّاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى وَقْعِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ. وَوَقَطَ الدِّيكُ الدَّجَاجَةَ: سَفِدَهَا. وَيُقَالُ: أَصَابَتْنَا سَمَاءٌ فَوَقَطَتِ الْأَرْضَ، كَأَنَّهَا وَقَعَتْ بِهَا، وَذَلِكَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَقْطٌ، وَوَقِيطٌ.

(وَقَعَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فُرُوعُهُ، يَدُلُّ

(6/133)


عَلَى سُقُوطِ شَيْءٍ. يُقَالُ: وَقَعَ الشَّيْءُ وُقُوعًا فَهُوَ وَاقِعٌ. وَالْوَاقِعَةُ: الْقِيَامَةُ، لِأَنَّهَا تَقَعُ بِالْخَلْقِ فَتَغْشَاهُمْ. وَالْوَقْعَةُ: صَدْمَةُ الْحَرْبِ. وَالْوَقَائِعُ: مَنَاقِعُ الْمَاءِ الْمُتَفَرِّقَةُ، كَأَنَّ الْمَاءَ وَقَعَ فِيهَا. وَمَوَاقِعُ الْغَيْثِ: مَسَاقِطُهُ. وَالنَّسْرُ الْوَاقِعُ، مِنْ وَقْعِ الطَّائِرِ، يُرَادُ أَنَّهُ قَدْ ضَمَّ جَنَاحَيْهِ فَكَأَنَّهُ وَاقِعٌ بِالْأَرْضِ. وَمَوْقَعَةُ الطَّائِرِ: مَوْضِعُهُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ. وَكَوَيْتُ الْبَعِيرَ وَقَاعِ: دَائِرَةٌ وَاحِدَةٌ يُكْوَى بِهَا بَعْضُ جِلْدِهِ أَيْنَ كَانَ فَكَأَنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ بِهِ. وَوَقَعَ فُلَانٌ فِي فُلَانٍ وَأَوْقَعَ بِهِ. وَأَمَّا وَقَعْتُ الْحَدِيدَةَ أَقِعُهَا وَقْعًا، إِذَا أَنْتَ حَدَّدْتَهَا، فَمِنَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّكَ تُوَقِّعُهَا عَلَى حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَمْتَدَّ، فَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ فَعَلَ الشَّيْءُ وَفَعَلْتُهُ. وَحَدِيدَةٌ وَقِيعٌ. وَوَقَعَ الْغَيْثُ: سَقَطَ مُتَفَرِّقًا. وَمِنْهُ التَّوْقِيعُ، وَهُوَ أَثَرُ الدَّبَرِ بِظَهْرِ الْبَعِيرِ. وَمِنْهُ التَّوْقِيعُ: مَا يُلْحَقُ بِالْكِتَابِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ. وَتَوَقَّعْتُ الشَّيْءَ: انْتَظَرْتُهُ مَتَى يَقَعُ. وَالْحَافِرُ الْوَقِيعُ: الَّذِي قَطَّطَتْهُ الْحِجَارَةُ تَقْطِيطًا ; وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيدِ الْوَقِيعِ. وَالسَّيْفُ الْوَقِيعُ: مَا شُحِذَ بِالْحَجَرِ ; وَقَدْ مَرَّ قِيَاسُهُ. وَالْوَقَعُ: الْحَفَى. وَالْوَقِعُ: الْحَفِيُّ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ كَأَنَّهُ حَجَرٌ قَدْ وَقَعَ بِمِيقَعَةٍ فَحَفِيَ. وَالْوَقِعُ: الطِّخَافُ مِنَ السَّحَابِ، كَأَنَّهُ يَقَعُ بِغَيْثِهِ. وَأَمَّا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو، أَنَّ الْوَقْعَ: الْمَكَانَ الْمُرْتَفِعَ مِنَ الْجَبَلِ، فَكَأَنَّهُ سُمِّي بِهِ لِأَنَّ الَّذِي يَعْلُوهُ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ.

(6/134)


(وَقَفَ) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ فِي شَيْءٍ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ. مِنْهُ وَقَفْتُ أَقِفُ وُقُوفًا. وَوَقَفْتُ وَقْفِي، وَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ أَوْقَفْتُ إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلَّذِي يَكُونُ فِي شَيْءٍ ثُمَّ يَنْزِعُ عَنْهُ: قَدْ أَوْقَفَ. قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
جَامِحًا فِي غَوَايَتِي ثُمَّ أَوْقَفْ ... تُ رِضًا بِالتُّقَى وَذُو الْبِرِّ رَاضِ
وَحَكَى الشَّيْبَانِيُّ: " كَلَّمْتُهُمْ ثُمَّ أَوْقَفْتُ عَنْهُمْ " أَيْ سَكَتُّ. قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ أَمْسَكْتَ عَنْهُ فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَوْقَفْتُ. وَمَوْقِفُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ: حَيْثُ يَقِفُ.
وَالْوِقَافُ: الْمُوَاقَفَةُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَقِيفَةُ الْوَعِلِ: أَنْ تُلْجِئَهُ الْكِلَابُ أَوِ الرُّمَاةُ إِلَى صَخْرَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْزِلَ، حَتَّى يُصَادَ. قَالَ:
فَلَا تَحْسَبَنِّي شَحْمَةً مِنْ وَقِيفَةٍ ... مُطَرَّدَةٍ مِمَّا تَصِيدُكَ سَلْفَعُ
وَسَلْفَعُ: كَلْبَةٌ.
وَمِنْهُ الْوَقْفُ: سِوَارٌ مِنْ عَاجٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى وَقْفًا لِأَنَّهُ قَدْ وَقَفَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ. وَيُقَالُ عَلَى التَّشْبِيهِ: حِمَارٌ مُوَقَّفٌ، إِذَا كَانَ بِأَرْسَاغِهِ بَيَاضٌ، كَأَنَّهُ وَقَفَ. وَمَوْقِفَا الْفَرَسِ الْهَزْمَتَانِ فِي كَشْحَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(6/135)


[بَابُ الْوَاوِ وَالْكَافِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَكَلَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ غَيْرِكَ فِي أَمْرِكَ. مِنْ ذَلِكَ الْوُكَلَةُ، وَالْوَكَلُ: الرَّجُلُ الضَّعِيفُ. يَقُولُونَ وُكَلَةٌ تُكَلَةٌ. وَالتَّوَكُّلُ مِنْهُ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْعَجْزِ فِي الْأَمْرِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِكَ. وَوَاكَلَ فُلَانٌ، إِذَا ضَيَّعَ أَمْرَهُ مُتَّكِلًا عَلَى غَيْرِهِ. وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ يُوكَلُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ. وَالْوِكَالُ فِي الدَّابَّةِ: أَنْ يَتَأَخَّرَ أَبَدًا خَلْفَ الدَّوَابِّ، كَأَنَّهُ يَكِلُ الْأَمْرَ فِي الْجَرْيِ إِلَى غَيْرِهِ. وَفِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
لَا يُوَاكِلُ نَهْزَهَا
أَيْ لَا يُبْطِئُ ; وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُوَاكَلَةِ. [وَ] وَاكَلْتُ الرَّجُلَ، إِذَا اتَّكَلْتَ عَلَيْهِ وَاتَّكَلَ عَلَيْكَ. وَيَقُولُونَ: الْوَِكَالُ فِي الدَّابَّةِ: أَنْ يَسِيرَ بِسَيْرِ الْآخَرِ.

(وَكَمَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ: وُكِمَتِ الْأَرْضُ إِذَا وُطِئَتْ. وَوَكَمَهُ الْأَمْرُ: حَزَنَهُ. وَوُكِمَ: رُدَّ.

(وَكَنَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ. يَقُولُونَ لِعُشِّ الطَّائِرِ: وَكْنٌ، وَيُجْمَعُ وُكُنَاتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ فِي وَكَنَاتِهَا» . وَيَقُولُونَ: تَوَكَّنَ،

(6/136)


فِي مَعْنَى تَمَكَّنَ.

(وَكَاَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ: أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَدِّ شَيْءٍ وَشِدِّةٍ. مِنْهُ الْوِكَاءُ: الَّذِي يُشَدُّ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا» . وَتَقُولُ: سَأَلْتُهُ فَأَوْكَى عَلَيَّ، أَيْ بَخِلَ، كَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ، وَإِنَّ فُلَانًا لَوِكَاءٌ مَا يَبِضُّ بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ: " «أَنَّهُ كَانَ يُوكِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» "، قَالَ: أَيْ يَمْلَأُ مَا بَيْنَهُمَا سَعْيًا، كَمَا يُوكَى السِّقَاءُ بَعْدَ الْمَلْءِ.
وَمِنَ الْبَابِ تَوَكَّأْتُ عَلَى كَذَا، أَيِ اتَّكَأْتُ، لِأَنَّهُ يَتَشَدَّدُ بِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ. وَأَوْكَأْتُ فُلَانًا إِيكَاءً: نَصَبْتُ لَهُ مُتَّكَأً.

(وَكَبَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْبَاءُ: كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى الِانْتِصَابِ وَالْأُخْرَى عَلَى ضَرْبٍ مِنَ السَّيْرِ.
الْأَوَّلُ الْوَكْبُ: الِانْتِصَابُ. وَالْوَاكِبَةُ: الْقَائِمَةُ مِنْ قَوَائِمِ السَّرِيرِ أَوْ غَيْرِهِ. وَمِنَ الْبَابِ: وَكَبَ الْعِنَبُ: أَخَذَ فِي النُّضْجِ. وَذَلِكَ حِينَ يَمْتَلِئُ مَاءً وَيَنْضَجُ حَبُّهُ.
وَالثَّانِي الْوَكَبَانُ: مِشْيَةٌ فِي دَرَجَانٍ. يُقَالُ ظَبْيَةٌ وَكُوبٌ. وَالْمُوكِبُ: الطَّائِرُ إِذَا تَهَيَّأَ لِلطَّيَرَانِ.

(وَكَتَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالتَّاءُ: كَلِمَةٌ وَهِيَ الْوَكْتَةُ، كَالنُّكْتَةِ فِي الشَّيْءِ. وَيُقَالُ لِلرُّطَبَةِ إِذَا تَقَطَّعَتْ: قَدْ وَكَّتَتْ.

(6/137)


(وَكَحَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى صَلَابَةٍ وَشِدَّةٍ. مِنْهُ الْأَوْكَحُ: الْحَجَرُ. وَحَفَرَ حَتَّى أَوْكَحَ، أَيْ وَصَلَ إِلَى حَجَرٍ لَا يَنْفُذُ فِيهِ الْحَدِيدُ. وَاسْتَوْكَحَ الْفَرْخُ: غَلُظَ. وَهَذِهِ فِرَاخٌ وُكَحٌ.

(وَكَدَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَدٍّ وَإِحْكَامٍ. وَأَوْكِدْ عَقْدَكَ، أَيْ شُدَّهُ. وَالْوِكَادُ: حَبْلٌ تُشَدُّ بِهِ الْبَقَرَةُ عِنْدَ الْحَلْبِ. وَيَقُولُونَ: وَكَدَ وَكْدَهُ، إِذَا أَمَّهُ وَعُنِيَ بِهِ.

(وَكَرَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ لَيْسَتْ كَلِمُهُ عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهَا أَفْرَادٌ. فَالْوَكَرَى: ضَرْبٌ مِنَ الْعَدْوِ. وَالْوَكَّارُ: الرَّجُلُ الْعَدَّاءُ. وَالْوَكَرَى مِنَ النِّسَاءِ: الشَّدِيدَةُ الْوَطْءِ إِذَا مَشَتْ. وَكَرْتُ الْإِنَاءَ: مَلَأْتُهُ. وَوَكَرَ بَطْنَهُ: مَلَأَهُ. وَالْوَكِيرَةُ: الطَّعَامُ يُتَّخَذُ لِلْبِنَاءِ. وَالْوَاكِرُ: الطَّائِرُ يَدْخُلُ وَكْرَهُ. وَالْوُكْرَةُ: الْمَوْرِدَةُ إِلَى الْمَاءِ.

(6/138)


(وَكَزَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالزَّاءُ بِنَاءٌ صَحِيحٌ ; يُقَالُ وَكَزَهُ: طَعَنَهُ. وَوَكَزَهُ: ضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ. [وَ] وَكَزَهُ: دَفَعَهُ.

(وَكَسَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى نَقْصٍ وَخُسْرَانٍ. فَالْوَكْسُ: النَّقْصُ. وَكَسْتُهُ: نَقَصْتُهُ. وَوُكِسَ الرَّجُلُ وَأُوكِسَ: خَسِرَ. وَبَرَأَتِ الشَّجَّةُ عَلَى وَكْسٍ، إِذَا لَمْ يَتِمَّ بُرْؤُهَا.

(وَكَعَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْعَيْنُ كَلِمَتَانِ. إِحْدَاهُمَا تَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى نَوْعٍ مِنَ الضَّرْبِ.
الْأُولَى قَوْلُهُمْ: سِقَاءٌ وَكِيعٌ، أَيْ قَوِيٌّ لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُقَالُ: اسْتَوْكَعَتْ مَعِدَتُهُ اشْتَدَّتْ. وَمِنْهُ قِيَاسُ اسْمِ وَكِيعٍ. وَالْوَكَعُ فِي الْإِمَاءِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مَيَلَانٌ فِي صَدْرِ الْقَدَمِ نَحْوَ الْخِنْصَرِ. وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْإِمَاءِ لِأَنَّهُنَّ يَكْدُدْنَ. وَفَرَسٌ وَكِيعٌ: صُلْبٌ.
وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ: وَكَعَتْهُ الْعَقْرَبُ بِإِبْرَتِهَا: ضَرَبَتْهُ. وَكَعَتْ تَكَعُ وَكْعًا. وَمِنْهُ وَكَعَ النَّاقَةَ: حَلَبَهَا. وَبَاتَ الْفَصِيلُ يَكَعُ أُمَّهُ اللَّيْلَةَ.

(وَكَفَ) الْوَاوُ وَالْكَافُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ لَيْسَتْ كَلِمُهُ عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ. فَالْوَكْفُ وَكْفُ الْبَيْتِ، وَهُوَ الْوَكِيفُ أَيْضًا. وَاسْتَوْكَفَ: اسْتَقْطَرَ.

(6/139)


وَالْوِكَافُ لُغَةٌ فِي الْإِكَافِ. وَالْوَكَفُ: الْإِثْمُ وَالْعَيْبُ. وَالتَّوَكُّفُ: التَّوَقُّعُ، وَلَعَلَّهُ أَصْلُهُ انْتِظَارُ الْوَكْفِ. وَالْوَكَفُ: مُطْمَئِنٌّ مِنَ الْأَرْضِ. وَوَكَفُ الْجَبَلِ: أَسَافِلُهُ قَالَ:
يَعْلُو دَكَاكِيكَ وَيَعْلُو وَكَفَا
وَالْوَكْفُ النِّطْعُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَكَفٌ، أَيْ فَسَادٌ وَضَعْفٌ.

[بَابُ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَلَمَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ، فِيهِ كَلِمَاتٌ تَتَشَاكَلُ. يَقُولُونَ: الْوَلْمُ: الْحِزَامُ. وَالْوَلْمُ: حَبْلٌ يُشَدُّ بَيْنَ التَّصْدِيرِ وَالسَّفِيفِ لِئَلَّا يَقْلَقَا. وَيُقَالُ الْوَلْمُ: كُلُّ خَيْطٍ شَدَدْتَ بِهِ شَيْئًا. وَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُ الْوَلِيمَةِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ. وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: طَعَامُ الْعُرْسِ وَلِيمَةٌ.

(وَلَهَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابِ شَيْءٍ أَوْ ذَهَابِهِ [يُقَالُ: رَجُلٌ] وَالِهٌ وَامْرَأَةٌ وَالِهٌ وَوَالِهَةٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
فَأَقْبَلَتْ وَالِهًا ثَكْلَى عَلَى عَجَلٍ ... كُلٌّ دَهَاهَا وَكُلٌّ عِنْدَهَا اجْتَمَعَا
وَالْمُوَلَّهُ: الَّذِي وُلِّهَ عَقْلُهُ. وَعَيْنٌ مُوَلَّهَةٌ، إِذَا أُرْسِلَ مَاؤُهَا فَذَهَبَ فِي الصَّحَارِي.

(6/140)


وَمِنْهُ التَّوْلِيهُ: أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» .

(وَلَيَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْيَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُرْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْوَلْيُ: الْقُرْبُ. يُقَالُ: تَبَاعَدَ بَعْدَ وَلْيٍ، أَيْ قُرْبٍ. وَجَلَسَ مِمَّا يَلِينِي، أَيْ يُقَارِبُنِي. وَالْوَلِيُّ: الْمَطَرُ يَجِيءُ بَعْدَ الْوَسْمِيِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلِي الْوَسْمِيَّ.
وَمِنَ الْبَابِ الْمَوْلَى: الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ، وَالصَّاحِبُ، وَالْحَلِيفُ، وَابْنُ الْعَمِّ، وَالنَّاصِرُ، وَالْجَارُ ; كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ. وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ آخَرَ فَهُوَ وَلِيُّهُ. وَفُلَانٌ أَوْلَى بِكَذَا، [أَيْ أَحْرَى بِهِ وَأَجْدَرُ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الشَّتْمِ: أَوْلَى لَكَ فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ ثَعْلَبًا] يَقُولُ: أَوْلَى تَهَدُّدٌ وَوَعِيدٌ. وَأَنْشَدَ:
فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى ... وَهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ، أَيْ نَزَلَ بِهِ. وَأَنْشَدَ:
فَعَادَى بَيْنَ هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا ... وَأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ
أَيْ قَارَبَ أَنْ يَزِيدَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ [أَحْسَنَ] مِمَّا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ فِي أَوْلَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْلَى تَحْسِيرٌ لَهُ عَلَى مَا فَاتَهُ. وَالْوَلَاءُ: الْمُوَالُونَ. يُقَالُ هَؤُلَاءِ وَلَاءُ فُلَانٍ. وَالْوَلَاءُ أَيْضًا: وَلَاءُ الْمُعْتَقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، كَأَنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ فِي الْإِرْثِ مِنْ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ وَارِثُ نَسَبٍ. وَهُوَ الَّذِي جَاءَ

(6/141)


فِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ» . وَوَالَيْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، إِذَا عَادَيْتَ بَيْنَهُمَا وِلَاءً. وَافْعَلْ هَذَا عَلَى الْوِلَاءِ أَيْ مُرَتِّبًا. وَالْبَابُ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْبِ.

(وَلَبَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ. يَقُولُونَ: إِنَّ فِيهَا بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى نَمَاءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ذَهَابٍ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْوَالِبَةُ: الزَّرْعَةُ تَنْبُتُ مِنْ عُرُوقِ الزَّرْعَةِ الْأُولَى. وَوَالِبَةُ الْإِبِلِ: نَسْلُهَا. وَوَلَبَ الشَّيْءَ: وَصَلَهُ.
وَالْآخَرُ الْوَالِبُ، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: هُوَ الذَّاهِبُ فِي وَجْهِهِ. يُقَالُ: وَلَبَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ. قَالَ:
رَأَيْتُ جُرَيًّا وَالِبًا فِي دِيَارِهِمْ ... وَبِئْسَ الْفَتَى إِنْ نَابَ أَمْرٌ بِمُعْظَمِ

(وَلَثَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالثَّاءُ، فِيهِ كَلِمَتَانِ. يُقَالُ: بَيْنَهُمْ وَلْثٌ، أَيْ عَهْدٌ
وَالْأُخْرَى وَلَثَهُ بِالْعَصَا يَلِثُهُ وَلْثًا. وَوَلَثَتِ الْمَطَرَةُ الْأَرْضَ، إِذَا ضَرَبَتْ

(وَلَجَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ شَيْءٍ. يُقَالُ وَلَجَ فِي مَنْزِلِهِ وَوَلَجَ الْبَيْتَ يَلِجُ وُلُوجًا. وَالْوَلِيجَةُ: الْبِطَانَةُ وَالدُّخَلَاءُ. [وَ] يُقَالُ رَجُلٌ خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ: كَثِيرُ الْخُرُوجِ وَالْوُلُوجِ. وَالْوَلِجَةُ: وَجَعٌ يَلِجُ جَوْفَ

(6/142)


الْإِنْسَانِ. وَيَقُولُونَ: الْوَلَجُ: الطَّرِيقُ فِي الرَّمْلِ، وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ.

(وَلَحَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ. يَقُولُونَ: الْوَلِيحُ: الْجُوَالِقُ، الْوَاحِدَةُ وَلِيحَةٌ. قَالَ:
جُلِّلْنَ فَوْقَ الْوَلَايَا الْوَلِيحَا

(وَلَخَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْخَاءُ. يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ. يُقَالُ ائْتَلَخَ الْعُشْبُ ائْتِلَاخًا، إِذَا عَظَمَ وَطَالَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَوَقَعَ الْقَوْمُ فِي ائْتِلَاخٍ، أَيِ اخْتِلَاطٍ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَالْخَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ هُنَالِكَ.

(وَلَدَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ دَلِيلُ النَّجْلِ وَالنَّسْلِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَهُوَ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ، وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ وُلْدٌ أَيْضًا. وَالْوَلِيدَةُ الْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ وَلَائِدُ. وَتَوَلَّدَ الشَّيْءُ عَنِ الشَّيْءِ: حَصَلَ عَنْهُ. وَاللِّدَةُ نُقْصَانُهُ الْوَاوُ لِأَنَّ أَصْلَهُ وِلْدَةٌ.

(وَلَذَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالذَّالُ. مِنْ غَرَائِبِ ابْنِ دُرَيْدٍ: الْوَلْذُ: سُرْعَةٌ فِي الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ، وَوَلَذَ يَلِذُ.

(6/143)


(وَلَسَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالسِّينُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ السَّيْرِ. الْوَلَسَانُ: الْعَنَقُ فِي السَّيْرِ.

(وَلَعَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى اللَّهَجِ بِالشَّيْءِ، وَالْأُخْرَى عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ.
فَالْأُولَى قَوْلُهُمْ: أُولِعْتُ بِالشَّيْءِ وَلُوعًا. وَرَجُلٌ وُلَعَةٌ، إِذَا لَهِجَ بِالشَّيْءِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ وَلَعَ الظَّبْيُ، إِذَا أَسْرَعَ. وَوَلَعَ الرَّجُلُ: كَذَبَ.
وَالْأُخْرَى قَوْلُهُمْ لِلْمُلَمَّعِ مُوَلَّعٌ. وَالتَّوْلِيعُ: اسْتِطَالَةُ الْبَلَقِ. قَالَ:
كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
وَالْوَلِيعُ: الطَّلْعُ فِي قِيقَائِهِ.

(وَلَغَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْغَيْنُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ يَلَغُ، وَيُولَغُ إِذَا أَوْلَغَهُ صَاحِبُهُ. أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ قَالَ: أَنْشَدَنَا ثَعْلَبٌ:
مَا مَرَّ يَوْمٌ إِلَّا وَعِنْدَهُمَا ... لَحْمُ رِجَالٍ أَوْ يُولَغَانِ دَمَا

(6/144)


وَرَجُلٌ مُسْتَوْلِغٌ: لَا يُبَالِي ذَمًّا وَلَا عَارًا.

(وَلَقَ) الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِسْرَاعٍ وَخِفَّةٍ. يُقَالُ جَاءَتِ الْإِبِلُ تَلِقُ، أَيْ تُسْرِعُ. قَالَ:
جَاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ
وَعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) . وَنَاقَةٌ وَلَقَى: سَرِيعَةٌ. وَالْوَلْقُ: أَخَفُّ الطَّعْنِ، وَلَقَهُ بِالسَّيْفِ وَلَقَاتٍ. وَوَلَقَ يَلِقُ: كَذَبَ ; كُلُّ هَذَا قِيَاسُهُ وَاحِدٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوْلَقُ الْجُنُونُ. يُقَالُ: أَخَذَهُ الْأَوْلَقُ. وَرَجُلٌ مُؤَوْلَقٌ عَلَى مُعَوْلَقٍ: بِهِ جُنُونٌ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْمِيمِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَمَأَ) الْوَاوُ وَالْمِيمُ وَالْهَمْزَةُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. يُقَالُ: وَمَأْتُ إِلَيْهِ وَمْئًا، وَأَوْمَأْتُ إِيمَاءً أُومِئُ، إِذَا أَشَرْتَ. وَإِذَا تَرَكْتَ الْهَمْزَةَ فَالْوَامِيَةُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ.

(6/145)


(وَمَدَ) الْوَاوُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ: كَلِمَتَانِ. وَالْوَمَدُ: شِدَّةُ الْحَرِّ. وَيُقَالُ: وَمِدَ: غَضِبَ.

(وَمَضَ) الْوَاوُ وَالْمِيمُ وَالضَّادُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى لَمَعَانِ شَيْءٍ. يُقَالُ: وَمَضَ الْبَرْقُ وَمِيضًا، وَأَوْمَضَ إِيمَاضًا. وَأَوْمَضَ بِعَيْنِهِ مِنْ هَذَا.

(وَمَقَ) الْوَاوُ وَالْمِيمُ وَالْقَافُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوَمَقُ: الْحُبُّ. وَمِقَ يَمِقُ. وَالْمِقَةُ الِاسْمُ أَيْضًا.

[بَابُ الْوَاوِ وَالنُّونِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَنَى) الْوَاوُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ. يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ. يُقَالُ: وَنَى يَنِي وَنْيًا. وَالْوَانِي: الضَّعِيفُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42] . وَالْوَنَى: التَّعَبُ. يُقَالُ: أَوْنَيْتُهُ: أَتْعَبْتُهُ. وَنَاقَةٌ وَانِيَةٌ. وَلَا يَنِي يَفْعَلُ، كَمَا يُقَالُ لَا يَزَالُ. وَامْرَأَةٌ وَنَاةٌ، إِذَا كَانَ فِيهَا فُتُورٌ عِنْدَ الْقِيَامِ.

(وَنَمَ) الْوَاوُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ. قَالَ: وَنَمَ الذُّبَابُ يَنِمُ وَنْمًا وَوَنِيمًا: ذَرَقَ.

[بَابُ الْوَاوِ وَالْهَاءِ وَمَا يَثْلِثُهُمَا]
(وَهَيَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ يَدُلُّ عَلَى اسْتِرْخَاءٍ فِي شَيْءٍ. يُقَالُ: وَهَتْ عَزَالِيُّ السَّحَابِ بِمَائِهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ اسْتَرْخَى رِبَاطُهُ فَهُوَ وَاهٍ. وَالْوَهْيُ: الشَّقُّ فِي الْأَدِيمِ وَغَيْرِهِ.

(6/146)


(وَهَبَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْبَاءُ: كَلِمَاتٌ لَا يَنْقَاسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. تَقُولُ: وَهَبْتُ الشَّيْءَ أَهَبُهُ هِبَةً وَمَوْهِبًا. وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا. وَالْمَوْهِبَةُ: قَلْتٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ ; وَالْجَمْعُ مَوَاهِبُ. وَيُقَالُ أَوْهَبَ إِلَيَّ مِنَ الْمَالِ كَذَا، أَيِ ارْتَفَعَ. وَأَصْبَحَ فُلَانٌ مُوهَبًا لِكَذَا، أَيْ مُعَدًّا لَهُ.

(وَهَتَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالتَّاءُ. يُقَالُ: أَوْهَتَ اللَّحْمُ، إِذَا أَنْتَنَ، يُوهِتُ إِيهَاتًا.

(وَهَثَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالثَّاءُ. يَقُولُونَ: الْوَهْثُ: الِانْهِمَاكُ فِي الشَّيْءِ.

(وَهَجَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْجِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوَهَجُ: حَرُّ النَّارِ وَتَوَقُّدُهَا. وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: تَوَهَّجَ الْجَوْهَرُ: تَلَأْلَأَ. وَتَوَهَّجَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ وَوَهَجُ الطِّيبِ: أَرَجُهُ وَرَائِحَتُهُ. وَسِرَاجٌ وَهَّاجٌ: وَقَّادٌ. وَكَذَلِكَ نَجْمٌ وَهَّاجٌ.

(وَهَدَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوَهْدَةُ: الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ، وَالْجَمْعُ وِهَادٌ.

(وَهَزَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالزَّاءُ. يَقُولُونَ: الْوَهْزُ: الْمُلَزَّزُ الْخَلْقِ. وَوَهَزْتُ: دَفَعْتُ. وَالتَّوَهُّزُ: التَّوَثُّبُ.

(وَهَسَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالسِّينُ: كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الشِّدَّةُ فِي الْأُمُورِ، وَالثَّانِيَةُ مِنَ السِّرَارِ.
فَالْأُولَى الْوَهْسُ: شِدَّةُ السَّيْرِ. وَالْوَهْسُ: شِدَّةُ الْأَكْلِ. وَالْوَهْسُ: شِدَّةُ الْوَطْءِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ:

(6/147)


بِتَنَقُّصِ الْأَعْرَاضِ وَالْوَهْسِ
فَهَذَا مِنَ التَّوَهُّسِ، وَهُوَ التَّشَدُّدُ وَالتَّطَاوُلُ عَلَى الْعَشِيرَةِ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْوَهْسُ السِّرَارُ. وَالْوَهْسُ: النَّمِيمَةُ.

(وَهَصَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالصَّادُ: كَلِمَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَهِيَ الْوَهْصُ: شِدَّةُ الْوَطْءِ لِلشَّيْءِ بِالْقَدَمِ. يُقَالُ: وَهَصَ يَهِصُ. وَرَجُلٌ مَوْهُوصُ الْخَلْقِ: تَدَاخَلَتْ عِظَامُهُ. وَوَهَصْتُ الشَّيْءَ: كَسَرْتُهُ.

(وَهَطَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالطَّاءُ. يُقَالُ: أَوْهَطَهُ، إِذَا ضَرَبَهُ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ. وَوَهَطَهُ: كَسَرَهُ. وَوَهَطَهُ: وَطِئَهُ. وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ. وَالْوَهْطُ: مَكَانٌ مُطْمَئِنٌّ. وَالْوَهْطُ: غَيْضَةُ الْعُرْفُطِ. قَالَ الرَّاعِي:
جَوَاعِلُ أَرْمَامًا يَسَارًا وَحَارَةً ... شِمَالًا وَقَطَّعْنَ الْوِهَاطَ الدَّوَافِعَا

(وَهَفَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْفَاءُ: كَلِمَتَانِ. يُقَالُ: أَوْهَفَ مِنَ الْمَالِ كَذَا: ارْتَفَعَ. وَوَهَفَ النَّبَاتُ: أَوْرَقَ وَاهْتَزَّ.

(وَهَقَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ: كَلِمَتَانِ. إِحْدَاهُمَا الْوَهَقُ، وَأَظُنُّهُ فَارِسِيًّا مُعَرَّبًا.

(6/148)


وَالْأُخْرَى عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ الْمُوَاهَقَةُ: مَدُّ الْأَعْنَاقِ فِي السَّيْرِ. وَيُقَالُ: تَوَاهَقَتِ الرِّكَابُ. أَمَّا قَوْلُهُمْ تَوَهَّقَ الْحَصَى، إِذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، إِنَّمَا هُوَ تَوَهَّجَ. وَأَنْشَدَ:
حَتَّى إِذَا حَامِي الْحَصَى تَوَهَّقَا

(وَهَلَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ، وَهِيَ الْوَهَلُ: الْفَزَعُ. يُقَالُ: وَهِلَ يَوْهَلُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَهَلْتُ عَنِ الشَّيْءِ: نَسِيتُهُ. وَوَهَلْتُ إِلَيْهِ: ذَهَبَ وَهْمِي إِلَيْهِ. وَلَقِيتُهُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ، أَيْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.

(وَهَمَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَاتٌ لَا تَنْقَاسُ، بَلْ أَفْرَادٌ. مِنْهَا الْوَهْمُ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الْعَظِيمُ. وَالْوَهْمُ: الطَّرِيقُ. وَالْوَهْمُ: وَهْمُ الْقَلْبِ. يُقَالُ: وَهَمْتُ أَهِمُ وَهْمًا، إِذَا ذَهَبَ وَهْمِي إِلَيْهِ. وَمِنْهُ قِيَاسُ التُّهْمَةِ. وَأَوْهَمْتُ فِي الْحِسَابِ، إِذَا تَرَكْتُ مِنْهُ شَيْئًا. وَوَهِمْتُ: غَلِطْتُ، أَوْهَمَ وَهَمًا.

(وَهَنَ) الْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالنُّونُ: كَلِمَتَانِ تَدُلُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى ضَعْفٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى زَمَانٍ.
فَالْأُولَى: وَهَنَ الشَّيْءُ يَهِنُ وَهْنًا: ضَعُفَ، وَأَوْهَنْتُهُ أَنَا. وَمِنْ هَذَا الْوَاهِنَةُ: الْقُصَيْرَى مِنَ الْأَضْلَاعِ، وَهِيَ أَسْفَلُهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَاهِنَةُ: دَاءٌ يُصِيبُ

(6/149)


الْإِنْسَانَ فِي أَخْدَعَيْهِ. وَالْوَهْنَانَةُ: الْمَرْأَةُ الْقَلِيلَةُ الْحَرَكَةِ، الثَّقِيلَةُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.
وَالْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: الْوَهَنُ وَالْمَوْهِنُ: سَاعَةٌ تَمْضِي مِنَ اللَّيْلِ. وَأَوْهَنَ الرَّجُلُ: صَارَ أَوْ سَارَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.

(تَمَّ كِتَابُ الْوَاوِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) .

(6/150)


[كِتَابُ الْيَاءِ] [بَابُ الْيَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ]

بَابُ الْيَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي الْمُضَاعَفِ وَالْمُطَابِقِ
( [يَا] ) الْيَاءُ وَالْأَلِفُ: أَدَاةٌ، وَهِيَ يَاءٌ تَصْلُحُ لِلنِّدَاءِ نَحْوَ يَا زَيْدُ، وَقَدْ يَكُونُ تَعَجُّبًا وَتَلَذُّذًا نَحْوَ قَوْلِهِمْ: يَا بَرْدَهَا عَلَى الْفُؤَادِ. وَيَكُونُ تَلَهُّفًا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: يَا حَسْرَتَا عَلَى كَذَا.

(يَبَّ) الْيَاءُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْيَبَابُ، إِتْبَاعٌ لِلْخَرَابِ، وَرُبَّمَا أَفْرَدُوهَا فَقَالُوا:
أَخْبَرَتْ عَنْ فِعَالِهِ الْأَرْضُ وَاسْتَنْ ... طَقَ مِنْهَا الْيَبَابَ وَالْمَعْمُورَا

(يَدَّ) الْيَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلُ بِنَاءِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَعَارُ فِي الْمِنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ. وَيُجْمَعُ عَلَى الْأَيَادِي وَالْيُدِيِّ. قَالَ:
فَإِنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيًّا وَأَنْعُمَا
وَالْيَدُ: الْقُوَّةُ، وَيُجْمَعُ عَلَى الْأَيْدِي. وَتَصْغِيرُ الْيَدِ يُدَيَّةٌ. وَجَمَعَ نَاسٌ يَدَ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَيَادِي، فَقَالَ:
سَاءَهَا مَا تَأَمَّلَتْ فِي أَيَادِي ... نَا وَإِشْنَاقُهَا إِلَى الْأَعْنَاقِ

(6/151)


وَحَكَى الشَّيْبَانِيُّ امْرَأَةٌ يَدِيَّةٌ، أَيْ صَنَاعٌ، وَرَجُلٌ يَدِيٌّ. وَمَا أَيْدَى فُلَانَةَ. وَيَدِيَ مِنْ يَدِهِ يُدْعَى عَلَيْهِ. وَيَدَيْتُ عَلَى الرَّجُلِ: مَنَنْتُ عَلَيْهِ. قَالَ:
يَدَيْتُ عَلَى ابْنِ حَسْحَاسِ بْنِ عَمْرٍو ... بِأَسْفَلِ ذِي الْجَدَاةِ يَدَ الْكَرِيمِ
وَيَدَيْتُهُ: ضَرَبْتُ يَدَهُ.

(يَرَّ) الْيَاءُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: الْحَجَرُ الْأَيَرُّ: الصُّلْبُ. وَالْمَصْدَرُ الْيَرَرُ. وَيَقُولُونَ: حَارٌّ يَارٌّ، إِتْبَاعٌ.

(يَلَّ) الْيَاءُ وَاللَّامُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْيَلَلُ: قِصَرُ الْأَسْنَانِ. قَالَ:
يَكْلَحُ الْأَرْوَقُ مِنْهَا وَالْأَيَلُّ

(يَمَّ) الْيَاءُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الشَّيْءِ وَتَعَمُّدِهِ وَقَصْدِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] . قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ تَيَمَّمْتُ فُلَانًا بِسَهْمِي وَرُمْحِي، إِذَا قَصَدْتَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ. وَأَنْشَدَ:
يَمَّمْتُهُ الرُّمْحَ شَزْرًا ثُمَّ قُلْتُ لَهُ ... هَذِي الْبَسَالَةُ لَا لِعْبُ الزَّحَالِيقِ

(6/152)


قَالَ الْخَلِيلُ: وَمَنْ قَالَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَمَّمْتُهُ فَقَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّهُ قَالَ " شَزْرًا ". وَلَا يَكُونُ الشَّزْرُ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ أَمَامَهُ فَيَقُولُ أَمَّمْتُهُ. وَحَكَى الشَّيْبَانِيُّ: رَجُلٌ مُيَمَّمٌ، إِذَا كَانَ يَظْفَرُ بِكُلِّ مَا طَلَبَ. وَأَنْشَدَ:
إِنَّا وَجَدْنَا أَعْصُرَ بْنَ سَعْدِ ... مُيَمَّمَ الْبَيْتِ رَفِيعَ الْجَدِّ
وَهَذَا كَأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالْخَيْرِ. فَأَمَّا الْبَحْرُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ. وَحَكَى الْخَلِيلُ: يُمَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَيْمُومٌ، إِذَا وَقَعَ فِي الْيَمِّ فَغَرِقَ. وَالْيَمَامُ طَائِرٌ، يُقَالُ: إِنَّهُ الطَّيْرُ الَّذِي يُسْتَفْرَخُ فِي الْبُيُوتِ.

(يَهَّ) الْيَاءُ وَالْهَاءُ. يَقُولُونَ: يَهْيَهَ بِالْإِبِلِ، إِذَا قَالَ: يَاهْ يَاهْ.

[بَابُ الْيَاءِ وَمَا بَعْدَهَا مِمَّا جَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ]
ٍ وَكَتَبْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ بَابًا وَاحِدًا لِقِلَّتِهِ

(يَأَسَ) الْيَاءُ وَالْهَمْزَةُ وَالسِّينُ. كَلِمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْيَأْسُ: قَطْعُ الرَّجَاءِ. وَيُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَتْ يَاءٌ فِي صَدْرِ كَلِمَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ إِلَّا هَذِهِ. يُقَالُ مِنْهُ: يَئِسَ يَيْأَسُ وَيَيْئِسُ، عَلَى يَفْعَلُ وَيَفْعِلُ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: أَلَمْ تَيْأَسْ، أَيْ أَلَمْ تَعْلَمْ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد: 31] ، أَيْ أَفَلَمْ يَعْلَمْ. وَأَنْشَدُوا:

(6/153)


أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

(يَبَسَ) الْيَاءُ وَالْبَاءُ وَالسِّينُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَفَافٍ. يُقَالُ: يَبِسَ الشَّيْءُ يَيْبَسُ وَيَيْبِسُ. وَالْيَبْسُ: يَابِسُ النَّبْتِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ جَمْعُ يَابِسِ. وَالْيَبَسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ: الْمَكَانُ يُفَارِقُهُ الْمَاءُ فَيَيْبَسُ. وَيُقَالُ يَبِسَتِ الْأَرْضُ: ذَهَبَ مَاؤُهَا وَنَدَاهَا ; وَأَيْبَسَتْ: كَثُرَ يَبْسُهَا. وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: امْرَأَةٌ يَبَسٌ، إِذَا لَمْ تَنَلْ خَيْرًا. قَالَ:
إِلَى عَجُوزٍ شَنَّةِ الْوَجْهِ يَبَسْ
وَيَبِيسُ الْمَاءِ: الْعَرَقُ إِذَا يَبِسَ. وَالْأَيْبَسَانِ: مَا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ مِنَ السَّاقِ وَالْكَعْبِ.

(يَتَمَ) الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ. يُقَالُ: الْيُتْمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ. وَيَقُولُونَ لِكُلِّ مُنْفَرِدٍ يَتِيمٌ، حَتَّى قَالُوا بَيْتٌ [مِنَ الشِّعْرِ] يَتِيمٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ رَامِيًا أَصَابَ أَتَانًا وَأَيْتَمَ أَطْفَالَهَا:
فَنَاطَ بِهَا سَهْمًا شِدَادًا غِرَارُهُ ... وَأَيْتَمَتِ الْأَطْفَالَ مِنْهَا وُجُوبُهَا

(6/154)


(يَتَنَ) الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْيَتْنُ، وَهُوَ الْفَصِيلُ يَخْرُجُ رِجْلَاهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ رَأْسِهِ. يُقَالُ: أَيْتَنَتِ النَّاقَةُ وَالْمَرْأَةُ، إِذَا وَلَدَتْ يَتْنًا.

(يَدَعَ) الْيَاءُ وَالدَّالُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ، إِحْدَاهُمَا الْأَيْدَعُ: صِبْغٌ أَحْمَرُ. وَيُقَالُ مِنْهُ يَدَّعْتُ الشَّيْءَ أُيَدِّعُهُ تَيْدِيعًا.
وَالْأُخْرَى يَقُولُونَ: أَيْدَعَ الْحَجَّ عَلَى نَفْسِهِ: أَوْجَبَهُ. قَالَ جَرِيرٌ:
[وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى الثَّنَايَا ... بِشُعْثٍ أَيْدَعُوا حَجًّا تَمَامًا]

(يَزَنَ) الْيَاءُ وَالزَّاءُ وَالنُّونُ. لَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذُو يَزَنَ، مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، يُنْسَبُ إِلَيْهِ الرِّمَاحُ، فَيُقَالُ يَزَنِيَّةٌ وَأَزَنِيَّةٌ.

(يَسَرَ) الْيَاءُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ: أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى انْفِتَاحِ شَيْءٍ وَخِفَّتِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ.
فَالْأَوَّلُ: الْيُسْرُ: ضِدُّ الْعُسْرِ. وَالْيَسَرَاتُ: الْقَوَائِمُ الْخِفَافُ. وَيُقَالُ: فَرَسٌ حَسَنُ التَّيْسُورِ، أَيْ حَسَنُ نَقْلِ الْقَوَائِمِ. قَالَ:
قَدْ بَلَوْنَاهُ عَلَى عِلَّاتِهِ ... وَعَلَى التَّيْسُورِ مِنْهُ وَالضُّمُرْ
وَمِنَ الْبَابِ: يَسَّرَتِ الْغَنَمُ، إِذَا كَثُرَ لَبَنُهَا وَنَسْلُهَا. قَالَ:
هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ... يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا

(6/155)


وَيُقَالُ رَجُلٌ يَسْرٌ وَيَسَرٌ، أَيْ حَسَنُ الِانْقِيَادِ. وَالْيَسَارُ: الْغِنَى. وَتَيَسَّرَ الشَّيْءُ وَاسْتَيْسَرَ. وَيُسْرٌ: مَكَانٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَيْسَارُ: الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْمَيْسِرِ، وَاحِدُهُمْ يَسَرٌ. قَالَ:
وَهُمُ أَيْسَارُ لُقْمَانَ إِذَا ... أَغْلَتِ الشَّتْوَةُ أَبْدَاءَ الْجُزُرْ
وَالْمَيْسِرُ: الْقِمَارُ. وَمِنَ الْبَابِ الْيَسَرَةُ: أَسْرَارُ الْكَفِّ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُلْتَزِقَةٍ.
وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: الْيَسَارُ لِلْيَدِ. يُقَالُ: تَيَاسَرُوا، إِذْ أَخَذُوا ذَاتَ الْيَسَارِ. وَيُقَالُ يَاسَرُوا، وَهُوَ أَجْوَدُ.

(يَعَرَ) الْيَاءُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ. يُقَالُ: الْيَعْرُ: الْجَدْيُ. قَالَ:
كَمَا رُبِطَ الْيَعْرُ
[أَيْ كَمَا رُبِطَ] عِنْدَ الزُّبْيَةِ لِلذِّئْبِ. وَالْيُعَارُ: صَوْتُ الشَّاءِ. يُقَالُ: يَعَرَتْ تَيْعَِرُ يُعَارًا.

(6/156)


(يَعَطَ) الْيَاءُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ. يَقُولُونَ لِلذِّئْبِ إِذَا زَجَرُوهُ: يَعَاطِ.
قَالَ: وَيُقَالُ أَيْعَطْتُ بِهِ قَالَ:
يَهْفُو إِذَا قِيلَ لَهُ يَعَاطِ

(يَفَنَ) الْيَاءُ وَالْفَاءُ وَالنُّونُ. يَقُولُونَ: الْيَفَنُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ.

(يَفَعَ) الْيَاءُ وَالْفَاءُ وَالْعَيْنُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِارْتِفَاعِ. فَالْيَفَاعُ: مَا عَلَا مِنَ الْأَرْضِ. وَمِنْهُ يُقَالُ: أَيْفَعَ الْغُلَامُ: إِذَا عَلَا شَبَابُهُ، فَهُوَ يَافِعٌ، وَلَا يُقَالُ مُوفِعٌ.

(يَقَنَ) الْيَاءُ وَالْقَافُ وَالنُّونُ: الْيَقَنُ وَالْيَقِينُ: زَوَالُ الشَّكِّ. يُقَالُ يَقِنْتُ، وَاسْتَيْقَنْتُ، وَأَيْقَنْتُ.

(يَقَهَ) الْيَاءُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ. سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: أَيْقَهَ يُوقِهُ إِيقَاهًا، إِذَا فَهِمَ. يُقَالُ أَيْقِهْ لِهَذَا، أَيِ افْهَمْهُ. وَيُقَالُ بَلْ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَةِ. قَالَ:
وَاسْتَيْقَهُوا لِلْمُحَلِّمِ

(6/157)


(يَلَبَ) الْيَاءُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا. وَهِيَ الْيَلَبُ، قَالَ قَوْمٌ: الْيَلَبُ: الْبَيْضُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْيَلَبُ: التُّرْسُ. وَأَنْشَدُوا:
عَلَيْهِمْ كُلُّ سَابِغَةٍ دِلَاصٍ ... وَفِي أَيْدِيهِمُ الْيَلَبُ الْمُدَارُ
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْيَلَبُ: الْفُولَاذُ. [قَالَ] :
وَمِحْوَرٍ أُخْلِصَ مِنْ مَاءِ الْيَلَبْ

(يَلَقَ) الْيَاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ. يَقُولُونَ: الْيَلَقُ: الْأَبْيَضُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَأَنْشَدُوا:
وَأَتْرُكُ الْقِرْنَ فِي الْغُبَارِ وَفِي ... حِضْنَيْهِ زَرْقَاءُ مَتْنُهَا يَلَقُ
وَيُقَالُ الْيَلَقَةُ: الْعَنْزُ الْبَيْضَاءُ.

(يَمَنَ) الْيَاءُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ: كَلِمَاتٌ مِنْ قِيَاسٍ وَاحِدٍ. فَالْيَمِينُ: يَمِينُ الْيَدِ. [وَ] يُقَالُ: الْيَمِينُ: الْقُوَّةُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِ الشَّمَّاخِ:
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
أَرَادَ الْيَدَ الْيُمْنَى. وَالْيُمْنُ: الْبَرَكَةُ، وَهُوَ مَيْمُونٌ. وَالْيَمِينُ: الْحَلِفُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْيَدِ الْيُمْنَى. وَكَذَلِكَ الْيَمَنُ، وَهُوَ بَلَدٌ. يُقَالُ: رَجُلٌ يَمَانٍ، وَسَيْفٌ يَمَانٍ.

(6/158)


وَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُتَحَالِفَيْنِ كَأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصْفِقُ بِيَمِينِهِ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ.

(يَنَفَ) الْيَاءُ وَالنُّونُ وَالْفَاءُ. يَنُوفُ فِي شِعْرٍ امْرِئِ الْقَيْسِ:
هَضْبَةٌ فِي جَبَلَيْ طَيٍّ

(يَنَمَ) الْيَاءُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ. الْيَنَمَةُ: نَبْتٌ.

(يَهَرَ) الْيَاءُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ. يَقُولُونَ: الْيَهْرُ: اللَّجَاجُ. وَاسْتَيْهَرَ الرَّجُلُ: لَجَّ.

(يَهَمَ) الْيَاءُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ. الْيَهْمَاءُ: الْمَفَازَةُ لَا عَلَمَ بِهَا. وَيُقَالُ الْأَيْهَمَانِ: السَّيْلُ وَالْحَرِيقُ. وَيُقَالُ الْأَيْهَمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْأَصَمُّ. وَيُقَالُ لِلشُّجَاعِ أَيْهَمُ، وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، كَأَنَّهُ لَا مَأْتَى لِأَحَدٍ إِلَيْهِ.

(يَوَحَ) الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالْحَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِي يُوحُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّمْسِ.

(يَوَمَ) الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ الْيَوْمُ: الْوَاحِدُ مِنَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ يَسْتَعِيرُونَهُ فِي الْأَمْرِ الْعَظِيمِ وَيَقُولُونَ نِعْمَ فُلَانٌ فِي الْيَوْمِ إِذَا نَزَلَ. وَأَنْشَدَ:

(6/159)


نِعْمَ أَخُو الْهَيْجَاءِ فِي الْيَوْمِ الْيَمِي
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَقْلُوبٌ كَانَ فِي الْيَوِمِ. وَالْأَصْلُ فِي أَيَّامٍ أَيْوَامٌ، لَكِنَّهُ أُدْغِمَ.

أَمَّا مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، مِثْلُ (الْيَرْبُوعِ) وَهِيَ دُوَيْبَةٌ، وَ (يَبْرِينَ) وَهُوَ مَوْضِعٌ، وَ (يَمْؤُودَ) وَ (يَلَمْلَمَ) وَهُمَا مَوْضِعَانِ، وَ (الْيَرَنْدَجِ) ، وَهِيَ جُلُودٌ سُودٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - فَإِنَّ سَبِيلَ الْيَاءِ فِي أَوَائِلِهَا سَبِيلُ الْهَمْزَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَالْخُمَاسِيِّ، فَإِنَّهُمَا زَائِدَتَانِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَجِيءُ بَعْدَ الْيَاءِ، كَمَا هُوَ الِاعْتِبَارُ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ بِمَا يَجِيءُ بَعْدَهَا. وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْكِتَابِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ السَّعِيدُ، أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَجْزَلَ لَهُ الثَّوَابَ.
قَدْ ذَكَرْنَا مَا شَرَطْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَنْ نَذْكُرَهُ، وَهُوَ صَدْرٌ مِنَ اللُّغَةِ صَالِحٌ. فَأَمَّا الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ كَلَامِ الْعَرَبِ [فَهُوَ] مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - بِوَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَّ، ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ، الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. .
قَدْ وَقَعَتِ الْفَرَاغَةُ مِنْ كِتَابَةِ كِتَابِ الْمَقَايِيسِ اللُّغَةِ.

========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...