Translate سكا.....

الثلاثاء، 3 مايو 2022

كتاب : إقامة الشهادة وكتاب : الادب وكتاب الإصلاح

 

 كتاب : إقامة الشهادة

إقامة الشهادة
أ - الإقامة لغةً:
الإِقَامَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَقَامَ الشَّيْءَ أَدَامَهُ، وَالشَّرْعَ أَظْهَرَهُ، وَالصَّلاَةَ أَدَامَ فِعْلَهَا .
ب - والشهادة لغةً:…
مِنْ شَهِدَ الْمَجْلِسَ يَشْهَدُهُ شُهُودًا، حَضَرَهُ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَعَايَنَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ، جَمْعُهُ شُهُودٌ وشُهَّدٌْ وَأَشْهَادٌ، وَشَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ بِكَذَا يَشْهَدُ، أَدَّى مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ . وَشَهِدَ عَلَى كَذَا: أَخْبَرَهُ بِهِ خبَرًا قاطِعًا.
قَالَ ابْنُ فَارِس ٍ: الشَّهَادَةُ الإِخْبَارُ بِمَا قَدْ شُوهِدَ.
الشهادة اصطلاحًا:
الشَّهَادَةُ: بَيَانُ الْحَقِّ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَهِيَ خَبَرٌ قَاطِعٌ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى يَتَضَمَّنُ ضَرَرَ غَيْرِ الْمُخْبِرِ فَيَخْرُجُ الإِقْرَارُ. وَقِيلَ: إِقْرَارٌ مَعَ العِلْمِ وَثَبَاتِ اليَقِينِ. وَالإِقْرَارُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ أَكْذَبَ اللهُ الْكُفَّارَ فِي قَوْلِهِمْ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} (المنافقون/1‍) وَلَمَّا كَانَ الْخَبَرُ الْخَاصُّ مُبَيِّنًا لِلْحَقِّ مِنَ البَاطِلِ سُمِّيَ شَهَادَةً. وَسُمِّيَ الْمُخْبِرُ بِهِ شَاهِدًا، فَلِهَذَا شُبِّهَتِ الدَّلاَلَةُ فِي كَمَالِ وُضُوحِهَا بِالشَّهَادَةِ. وَشَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى كَذَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ شَهَادَةً: إِذَا أَخْبَرَ بِهِ قَطْعًا وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا يَشْهَدُ بِهِ شَهَادَةً: إِذَا أَدَّى مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَالشَّهَادَة تُقَامُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. أَعْنِي: أَشْهَدُ بِاللهِ، وَتَكُونُ قَسَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنْ قَالَ (أَشْهَدُ) يَكُونُ قَسَمًا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاللهِ)(1).
__________
(1) الكليات للكفوي (7‍‍‍‍‍‍) .

(1/1)


وَقَالَ الرَّاغِبُ: الشَّهَادَةُ قَوْلٌ صَادِرٌ عَنْ عِلْمٍ حَصَلَ بِمُشَاهَدَةِ بَصِيرَةٍ أَوْ بَصَرٍ(1).
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: الشَّهَادَةُ إِخْبَارٌ عَنْ عِيَانٍ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ القَاضِي بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ(2).
إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ(3): هِيَ الإخْبَارُ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ عَنْ يَقِينٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: هِيَ إِخْبَارٌ عَنْ عِيَانٍ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ، فَالإِخْبَارَاتُ َثلاَثَةٌ: إِمَّا بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ، أَوْ بِحَقٍّ لِلْمُخْبِرِ عَلَى آخَرَ،وَهُوَ الدَّعْوَى، أَوْ بِالْعَكْسِ وَهُوَ الإِقْرَارُ(4).
لفظ الشهادة:
__________
(1) المفردات للراغب (8‍‍‍) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (9‍‍‍)
(3) تضم أداء الشهادة، والشهادة في المعاملات.
(4) التعريفات للجرجاني(9‍‍‍)، لسان العرب(3‍/8‍‍‍-1‍‍‍)، (2‍‍/3‍‍‍)، المصباح المنير(1‍/8‍‍‍)، (2‍/0‍‍‍)

(1/2)


قَالَ الإِمَامُ الْفَيُّومِيُّ: جَرَى عَلَى ألْسِنَةِ الأُمَّةِ، سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ، مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ، نَحْوِ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَكَانَ كَالإِجْمَاعِ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَلاَ يَخْلُو مِنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ، إِذْ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ الاطِّلاَعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا، فَاشْتُرِطَ فِي الأَدَاءِ مَا يُنْبِىُ عَنِ الْمُشَاهَدَةِ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اشْتُقَّ مِنَ اللَّفْظِ، وَهُوَ أَشْهَدُ، بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَلاَ يَجُوزُ شَهِدْتُ؛ لأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ نَحْوَ قُمْتُ، أَيْ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، فَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ: احْتَمَلَ الإخْبَارَ عَنِ الْمَاضِي، فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ بِهِ فِي الْحَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى، حِكَايَةً عَنْ أَوْلاَدِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} (يوسف/81‍)، لأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَ أَبِيهِمْ أَوَّلاً بِسَرِقَتِهِ، حِينَ قَالُوا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ، فَلَمَّا اتَّهَمَهُمُ اعْتَذَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لاَ صُنْعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: وَمَا شَهِدْنَا عِنْدَكَ سَابِقًا بِقَوْلِنَا إنَّ ابْنَكَ سَرَقَ، إِلاَّ بِمَا عَايَنَّاهُ مِنْ إِخْرَاجِ الصُّوَاعِ(1)مِنْ رَحْلِهِ، وَالْمُضَارِعُ مَوْضُوعٌ لِلإِخْبَارِ فِي
__________
(1) الصُّوَا ع: المكيال أو الإناء يشرب فيه وبهما فسر قوله تعالى { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ }.

(1/3)


الْحَالِ، فَإِذَا قَالَ أَشْهَدُ، فَقَدْ أَخْبَرَ فِي الْحَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} (المنافقون/1‍): أَيْ نَحْنُ الآنَ شَاهِدُونَ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا، فَقَدِ اسْتُعْمِلَ أشْهَدُ فِي القَسَمِ، نَحْوَ (أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا) أَيْ أُقْسِمُ، فتضَمَّنَ لفْظُ أَشْهَدُ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالقَسَمِ وَالإِخْبَارِ فِي الْحَالِ، فَكَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ: أُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَا الآنَ أُخْبِرُ بِهِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَلْفِاظِ، فَلِهَذَا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ(1).
الشهيد من أسماء الله تعالى الحسنى:
ذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ: الشَّهِيدَ أَيِ الَّذِي لاَ يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ؛ بَلْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، مُشَاهِدٌ لَهُ، عَلِيمٌ بِتَفَاصِيلِهِ(2).
الشهيد من أسماء النبي
J:
وَمِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ
J الشَّاهِدُ والشَّهِيدُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (الأحزاب/5‍‍) قَالَ: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} (الحج/8‍‍) وَقَالَ أَيْضًا:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة/3‍‍‍)، { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} (النساء/41‍).
وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ؛ كَذَا فِي الصِّحَاحِ(3).
__________
(1) المصباح المنير (1‍/4‍‍‍).
(2) انظر التفسير القيم (0‍‍‍‍‍‍).
(3) الصحاح للجوهري، مادة [ شهد ].

(1/4)


وَأَصْلُهَا: المُعَايَنَةُ، وَفِيهِ أَيْضًا: الشَّهِيدُ الشَّاهِدُ وَمَعْنَى الاسْمَيْنِ: أَنَّهُ J يَشْهَدُ عَلَى الأُمَمِ يَوْمَ القِيَامَةِ بِتَبْلِيغ ِ الأَنْبِيَاءِ رِسَالاَتِ اللهِ إِلَيْهِمْ، وَيشْهَدُ عَلَى أُمَّتِهِ بِالتَّبْلِيغِ إلَِيْهِمِْ وَلَهُمْ بِالإِيمَانِ.
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [يُدْعَى نوُحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ: فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ]. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة/143‍) وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ(1).
[لاستزادة: انظر صفات: الإصلاح ـ الإنصاف ـ التناصر ـ العدل والمساواة ـ القسط ـ الصدق ـ الأمانة ـ الوفاء .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: شهادة الزور ـ الكذب ـ التخاذل ـ الظلم ـ نقض العهد].
الآيات الواردة في "إقامة الشهادة"
الشهادة عن تبليغ الرسالة:
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143)}(2)
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا(41)}(3)
__________
(1) لرياض الأنيقة(3‍‍‍).
(2) البقرة :143 مدنية.
(3) النساء : 41 مدنية.

(1/5)


{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78)}(1)
{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45)}(2)
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(10)}(3)
{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(8)}(4)
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً(15)}(5)
الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأموال:
__________
(1) الحج: 78 مدنية.
(2) الأحزاب :45 مدنية.
(3) الأحقاف:10 مكية.
(4) الفتح 8 مدنية.
(5) المزمل:15 مدنية.

(1/6)


{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(283)}(1)
__________
(1) البقرة : 282 - 283 مدنية.

(1/7)


{ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(6)}(1)
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(135)}(2)
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(8)}(3)
__________
(1) النساء : 6 مدنية.
(2) النساء : 135 مدنية.
(3) المائدة : 8 مدنية.

(1/8)


{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنْ الآثِمِينَ(106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ(107)ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(108)}(1)
__________
(1) المائدة :106 - 108 مدنية.

(1/9)


{ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلاَّ الْمُصَلِّينَ(22)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ(23)وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24)لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25)وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26)وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(27)إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ(28)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(29)إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(31)وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(32)وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ(33)وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ(34)أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ(35)}(1)
الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأعراض:
{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً(15)}(2)
__________
(1) المعارج : 19 - 35 مكية.
(2) النساء : 15 مدنية.

(1/10)


{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24)وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25)قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(26)وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ(27)فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(28)}(1)
__________
(1) يوسف : 23- 28 مكية.

(1/11)


{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(4)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5)وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ(6)وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ(8)وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ(9)}(1)
{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23)يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24)يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25)}(2)
__________
(1) النور : 4 -9مدنية.
(2) النور: 23- 25 مدنية.

(1/12)


{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا(1)فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)}(1)
الشهادة على الإعمال:
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(65)}(2)
{ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ(22)}(3)
الأحاديث الواردة في "إقامة الشهادة"
__________
(1) الطلاق :1- 3 مدنية.
(2) يس~ : 65 مكية.
(3) فصلت :20 - 22 مكية.

(1/13)


1‍-*(عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ . فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ J: [أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ]. قُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ قَالَ: [وَثَلاَثَةٌ]. قُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: [وَاثْنَانِ]. ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ])*(1).
2‍-*(عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
J قاَلَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ J بِاللهِ لأَهَلَّ الهِلاَلُ أَمْسِ عَشِيَّةً . فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ J النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا] ـ زَادَ خَلَفٌ فِي حَدِيثِهِ ـ: [وَأَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ])*(2).
__________
(1) لبخاري ـ الفتح 5‍(3‍‍‍‍).
(2) رواه أبو داود(9‍‍‍‍) وقال الألباني(2‍/5‍‍‍): صحيح.

(1/14)


3‍-*( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ J وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلاَ تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ . قاَل َ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ J وَتَشْتُمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ(1) فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْها طِفْلٌ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ J، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: [أَنْشُدُ اللهَ رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ، لِي عَلَيْهِ حَقٌّ، إِلاَّ قَامَ] فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ، وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ J فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلاَ تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ،وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَت الْبَارِحَةُ، جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ J: [أَلاَ اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدْرٌ])*(2).
__________
(1) المغول: شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه
(2) رواه أبو داود(1‍‍‍‍) وقال الألباني(3‍/4‍‍‍):صحيح

(1/15)


4‍*(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبَةِ(1) مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً(2)، ثُمَّ بَدَا لَهُ(3) فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ J عَلَى مَا وَهَبْتَ لابْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي . وَأنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ . فَأَتَى رَسُولَ اللهِ J فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمَّ هَذَا، بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَن أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لابْنِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [يَا بَشِيرُ! أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟] قَالَ: نَعَمْ . فَقَالَ: [أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟] قَالَ: لاَ، فَقَالَ: [فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا . فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ(4)])*(5).
5‍*(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: [أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا للْقُرْآنِ؟] فَإِذاَ أُشِيرَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: [أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ] وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ )*(6).
__________
(1) الموهوبة: هكذا هو في معظم النسخ . وفي بعضها: بعض المواهبة. وكلاهما صحيح، وتقدير الأول بعض الأشياء الموهبة.
(2) فالتوى بها سنة: أي مطلها.
(3) ثم بدا له: أي ظهر له في أمرها ما لم يظهر أولاً . والبداء وزان سلام، اسم منه
(4) جور: الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور . سواء كان حرامًا أو مكروهًا
(5) رواه مسلم برقم(3‍‍‍‍).
(6) البخاري ـ الفتح3‍(7‍‍‍‍).

(1/16)


6‍*(عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ ـ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ J: أَنَّ رَسُولَ اللهِ J ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللهِ J الْمَشْيَ، وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ بِالْفَرَسِ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ يُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ، لاَ يَشْعُرُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J ابْتَاعَهُ(1)، فَنَادَى الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ J، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ وَإِلاَّ بِعْتُهُ. فَقَامَ النَّبِيُّ J حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: [أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟] قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لاَ، وَاللهِ مَا بِعْتُكَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [ بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ ] فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا .فَقَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ J عَلَى خُزَيْمَةَ. فَقَالَ: [ بِمَ تَشْهَدُ؟ ]قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ J شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ])*(2).
__________
(1) ابتاعه: أي اشتراه.
(2) رواه أبو داود(7‍‍‍‍) وقال الألباني(2‍/8‍‍‍): صحيح والنسائي3‍/1‍‍‍، 2‍‍‍. وقال محقق جامع الأصول(0‍‍/6‍‍‍): إسناده حسن واللفظ لجامع الأصول.

(1/17)


7‍*(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرآنِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } (الأحزاب/5‍‍) قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقٍ(1)، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا])*(2).
__________
(1) السَّخَّاب: كذا بالسين وهي بالصاد أشهر، من الصخب وهو الصياح وشدة الصوت،واختلاطه
(2) البخاري ـ الفتح8‍(8‍‍‍‍).

(1/18)


8‍-*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ رَسُولِ اللهِ J أنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ: ائْتِنى بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدْهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَائْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ عَلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكِبًا* يَرْكَبُهَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكِبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ(1) مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِذَلِكَ . وَإِنِّي جَهِدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكِبًا(2)أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا.
__________
(1) ضبطت اللفظة بكسر الكاف في فتح الباري والصواب بالفتح. راجع: لسان العرب مادة ركب، وصحيح البخاري ط. البغا.
(2) زجج موضعها: أي سوّاه وأصلحه

(1/19)


فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكِبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكِبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكِبٍٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكِبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكِبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا])*(1).
9‍*(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ - أَوْ بَادِيَتِكَ - فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُوسَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ
J])*(2).
__________
(1) البخاري ـ الفتح4‍(1‍‍‍‍).
(2) البخاري ـ الفتح2‍(9‍‍‍).

(1/20)


10‍*(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: جَاءَتِ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا، فَقَالَ: [ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ] فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَا. فَنَشَدَهُمَا كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالاَ: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إَذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا، قَالَ: [فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟] قَالاَ: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا، فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ . فَدَعَا رَسُولُ اللهِ J بِالشُّهُودِ، فَجَاءُوا بِأَرْبَعَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَة. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ J بِرَجْمِهِمَا)*(1).
__________
(1) رواه أبو داود(2‍‍‍‍) وقال الألباني(3‍/3‍‍‍): صحيح شاهده(5‍‍‍‍).

(1/21)


1‍‍- *( عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ اْلعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسْرِ(1)، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ J . وَمَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ(2) وَعَلَى أَبِي الْيَسْرِ بُرْدَةٌ(3)وَمَعَافِرِيٌّ(4)، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ(5). قَالَ: أَجَلْ . كَانَ لِي عَلَى فُلاَنِ ابْنِ فُلاَنٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ . فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ . فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لاَ.فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ(6) فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟
__________
(1) أبا اليسر: اسمه كعب بن عمرو، شهد العقبة وبدرًا، وهو ابن عشرين سنة وهو آخر من توفي من أهل بدر رضي الله عنهم . توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين
(2) ضمامة من صحف: بكسر الضاد المعجمة أي رزمة يضم بعضها إلى بعض، هكذا وقع في جميع نسخ مسلم ضمامة وكذا نقله القاضي وقال بعض شيوخنا: صوابه إضمامة بكسر الهمزة قبل الضاد، قال القاضي: ولا يبعد عندي صحة ما جاءت به الرواية هنا . كماقالوا: ضبارة وإضبارة لجماعة الكتب، وهي لفافة يلف فيها الشيء. هذا كلام القاضي. وذكر صاحب نهاية الغريب أن الضمامة لغة في الإضمامة . والمشهور في اللغة إضمامة بالألف
(3) بردة: البردة شملة مخططة . وقيل: كساء مربع فيه صِغَر يلبسه الأعراب . وجمعه برد
(4) ومعافري: نوع من الثياب يعمل بقرية اسمها معافر بفتح الميم وضمها. وقيل: هي نسبة إلى قبيلة نزلت تلك القرية . والميم فيه زائدة.
(5) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان . أي علامة وتغير
(6) جفر: الجفر هو الذي قارب البلوغ . وقيل: هو الذي قوي على الأكل . وقيل: ابن خمس سنين

(1/22)


قَالَ:سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي(1). فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ . فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ،فَخَرَجَ . فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَالَ: أَنَا، وَاللهِ أُحَدِّثُكَ . ثُمَّ لاَ أَكْذِبُكَ، خَشِيتُ، وَاللهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ. وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ. وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ J. وَكُنْتُ وَاللهِ مُعْسِرًا . قَالَ: قُلْتُ: آللهِ! قَال َ: آللهِ(2)!. قُلْتُ: آللهِ! قَالَ: آللهِ. قُلْتُ: آللهِ! قَالَ: آللهِ. قَالَ فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ . فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلاَّ أَنْتَ فِي حِلٍّ . فَأَشْهَدُ، بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ(3) (وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ)، وسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ(4) رَسُولَ اللهِ J وَهُوَ يَقُولُ: [مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ])*(5).
__________
(1) أريكة أمي: قال ثعلب: هي السرير الذي في الحجلة، ولا يكون السرير المفرد، وقال الأزهري: كل ما اتكأت عليه فهو أريكة .
(2) قلت: آلله . قال: الله: الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام. والثاني بلا مد، والهاء فيهما مكسورة، هذا هو المشهور . قال القاضي: رويناه بكسرها وفتحها معا . قال: وأكثر أهل العربية لا يجيزون غير كسرها.
(3) بصر عيني هاتين: هو بفتح الصاد ورفع الراء هذه رواية الأكثرين، ورواه جماعة بضم الصاد وفتح الراء، عيناي هاتان . وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى.
(4) مناط قلبه: هو بفتح الميم، وفي بعض النسخ المعتمدة نياط بكسر النون، ومعناهما واحد، وهو عرق معلق بالقلب
(5) مسلم (6‍‍‍‍).

(1/23)


12‍-*(عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ J عَامَ حُنَيْنٍ. فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ(1)قَالَ: فَرَأيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ(2). فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ(3). وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ(4)، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي . فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا. وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ J فَقَالَ: [مَنْ قَتَلَ قَتِيلاَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ(5) فَلَهُ سَلَبُهُ(6)] قَالَ:فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي(7)؟ ثُمَّ جَلَسْتُ . ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ . فَقَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ ذَلِك الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ]؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ:رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ!سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي. فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
__________
(1) جولة: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها. وهذا إنما كان في بعض الجيش. وأما رسول الله
J وطائفة معه فلم يولوا
(2) قد علا رجلاً من المسلمين: يعني ظهر عليه وأشرف على قتله، وأصرعه وجلس عليه لقتله.
(3) على حبل عاتقه: هو ما بين العنق والكتف
(4) وجدت منها ريح الموت: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت. ويحتمل قاربت الموت
(5) له عليه بينة: أي بينة على قتله أي شاهد ولو واحدًا
(6) فله سلبه: هو ما على القتيل ومعه ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه
(7) يشهد لي: أي بأني قتلت رجلاً من المشركين فيكون سلبه لي

(1/24)


الصِّدِّيقُ:لاَهَا اللهِ إِذًا(1) لاَ يَعْمِدُ(2) إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ J فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [صَدَقَ(3) فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ] فَأَعْطَانِي، قَالَ: فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا(4) فِي بَنِي
__________
(1) لاها الله إذًا: هكذا هو في جميع روايات المحدثين في الصحيحين وغيرهما: لاها الله إذا بالألف . وأنكر الخطابي هذا وأهل العربية. وقالوا: هو تغيير من الرواة. وصوابه: لاها الله ذا بغير ألف في أوله . وقالوا: وهو بمعنى الواو التي يقسم بها . فكأنه قال: لا والله ذا، قال أبو عثمان المازري رضي الله عنه: معناه لاها الله ذا يميني أو ذا قسمي. وقال أبو زيد: ذا زائدة، وفيها لغتان: المد والقصر . قالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو . قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما. فلا يقال: لاها والله. وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينًا . ا هـ . كلام الإمام النووي رضي الله تعالى عنه . وانظر في نقض ذلك كله، مع التحقيق الدقيق، الوافي الشافي، كلمة أستاذ الدنيا في علم الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني في عصره، فتح الباري، ج8‍ص0‍‍طبعة بولاق
(2) لا يعمد: الضمير عائد إلى النبي
J . أي لا يقصد عليه السلام إلى إبطال حق أسد من أسود الله يقاتل في سبيله، وهو أبو قتادة بإعطاء سلبه إياك
(3) صدق: أي أبو بكر الصديق ـ رضي اللهعنه ـ .
(4) مَخْرَفًا: بفتح الميم والراء وهذا هو المشهور . وقال القاضي: رويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد والمسكن، بكسر الكاف . والمراد بالمخرف هنا: البستان . وقيل: السكة من النخل تكون صفين يخرف من أيها شاء، أي يجتني . وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هي نخلات يسيرة . وأما المخرف، بكسر الميم وفتح الراء فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يجتنى من الثمار، ويقال: اخترف الثمر، إذا جناه، وهو ثمر مخروف

(1/25)


سَلِمَةَ. فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ(1) فِي الإِسْلاَمِ. وِفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: كَلاَّ، لاَ يُعْطِيهِ أُضَيْبِعَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعُ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ. وَفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ: لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ)*(2).
__________
(1) تأثلته: أي اقتنيته وتأصلته، وأثلة الشيء أصله
(2) البخاري ـ الفتح6‍(2‍‍‍‍) ومسلم برقم(1‍‍‍‍) واللفظ له. والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح

(1/26)


13‍-*(عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فِي إِمْرَةِ مُصْعَبٍ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ: فَمَضَيْتُ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ . فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ: اسْتَأْذِنْ لِي، قَالَ: إِنَّهُ قَائِلٌ(1)، فَسَمِعَ صَوْتِي . قَالَ: ابْنُ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: ادْخُلْ . فَوَاللهِ! مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ، إِلاَّ حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ. فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ، قُلْتُ: أَبَاعَبْدِالرَّحْمَنِ! المُتَلاَعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! نَعَمْ . إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ . وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ J فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (النور/ 6‍‍) فَتَلاَهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، قَالَ: لاَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ قَالَتْ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ . فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ
__________
(1) من القيلولة

(1/27)


الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ . ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا )*(1).
14‍-*(عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ
J فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ J: [أَيَنْ تُرِيدُ؟] قَالَ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: [هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟] قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَال: [تَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ] قَالَ: وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: [هَذِهِ السَّلَمَةُ](2) فَدَعَاهَا رَسُولُ اللهِ J وَهِيَ بِشَاطِئ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَشْهَدَهَا فَشَهِدَتْ ثَلاَثًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ . وَقَالَ: إِنِ اتَّبَعُونيِ أَتَيْتُكَ بِهِمْ، وَإِلاَّ رَجَعْتُ مَكَثْتُ مَعَكَ )*(3).
__________
(1) مسلم برقم(3‍‍‍‍) واللفظ له وللبخاري نحوه 9‍(8‍‍‍‍) من حديث سهل بن سعد الساعدي.
(2) السَّلَمة - محركة - شجر ليس له خشب وإن عظم وله شوك دقاق وورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم.
(3) الدارمي(6‍‍) وقال محققه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وأبو يعلى والبزار

(1/28)


15‍-*(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يَقُولُ: مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّJ: [وَجَبَتْ]، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ: [وَجَبَتْ] . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟. قَالَ: [هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمُ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ])*(1)
__________
(1) البخاري ـ الفتح 3‍(7‍‍‍‍). وراجع الحديث رقم(1‍).

(1/29)


16‍*(عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ:{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } ـ فَقَرَأَ إِلَى ـ {عَذَابٌ أَلِيمٌ}(آل عمران / 7‍‍). ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ: صَدَقَ، لَفِيَّ نَزَلَتْ، كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ J فَقَالَ رَسُولُ اللهِJ: [شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ ]، قُلْتُ: إِنَّهُ إِذَنْ يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ]، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إلى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}])*(1).
17‍-*(عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ ـ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ ـ وَلاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّبْ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ مَالُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ])*(2).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 5‍(5‍‍‍‍، 6‍‍‍‍) ومسلم برقم (8‍‍‍).
(2) أبو داود(9‍‍‍‍) وقال الألباني(1‍/1‍‍‍): صحيح، وابن ماجه (0‍‍) وأحمد(4‍/2‍‍‍).وصححه أيضًا محقّق [جامع الأصول](10‍/708‍).

(1/30)


18‍-*(عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ J يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ J شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} (الأحزاب/3‍‍)])*(1).
19‍-*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلاَمَ ـ وَمَعَهُ غُلاَمُهُ ـ ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ
J فَقَالَ النَّبِيُّ J: [ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلامُكَ قَدْ أَتَاكَ]، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ فَهُوَ حِينَ يَقُولُ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ……عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفِْر نَجَّتِ )*(2).
20‍-*(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّيَ تُوُفِّيَتْ، وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: [نَعَمْ]. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي(3) صَدَقَةٌ عَلَيْهَا])*(4).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 6‍(7‍‍‍‍). وراجع الحديث رقم(7‍).
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(0‍‍‍‍).
(3) الحائط: البستان
(4) البخاري ـ الفتح5‍(6‍‍‍‍).

(1/31)


21‍-*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: [هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ، لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟] قَالُوا: لاَ. قَالَ: [فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟] قَالُوا: لاَ . قَالَ: [فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَ: [فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ(1) أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْك(2)، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ،وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ(3) وَتَرْبَعُ(4)؟ فَيَقُولُ: بَلَى . قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ . فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي(5). ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ . قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ . فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي . ثُمَّ
__________
(1) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل: هي لغة بمعنى فلان . حكاها القاضي
(2) أسودك: أي أجعلك سيدًا على غيرك
(3) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم
(4) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها يقال: ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم . ومعناه: ألم أجعلك رئيسًا مطاعًا. قال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحًا لا تحتاج إلى مشقة وتعب . من قوله: اربع على نفسك، أي ارفق بها
(5) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي

(1/32)


يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ. فَيَقُولُ هَهُنَا إِذًا(1) قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ . وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ . وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي . فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ . وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ (2) مِنْ نَفْسِهِ. وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ . وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ])*(3).
2‍‍-*(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [يُدْعَى نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ. فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ J وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (البقرة/3‍‍‍) { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}])*. والوسط العدل(4).
من الأحاديث الواردة في "إقامة الشهادة" معنًى
__________
(1) هاهنا إذًا: معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت مفكرًا.
(2) ليعذر: من الإعذار، والمعنى ليزيل الله عذره من لدن نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
(3) مسلم برقم(8‍‍‍‍).
(4) البخاري ـ الفتح 6‍(9‍‍‍‍).

(1/33)


23‍*( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ . فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتِنِي، فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ يَسْأَلُهُمْ فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَاهَا أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا. فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ J بالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ ] فَفَارَقَهَا، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ])*(1).
24‍-*(عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ
J أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ])*(2).
من الآثار الواردة في "إقامة الشهادة"
1‍*(عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ في مِلاَصِ الَمْرْأَةِ(3) قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ:شَهِدْتُ النَّبِيَّ
J قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. قَالَ: فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ])*(4).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 5‍(0‍‍‍‍).
(2) أبو داود(2‍‍‍‍) وقال الألباني(2‍/6‍‍‍): صحيح
(3) في ملاص المرأة: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ملاص وهو جنين المرأة، والمعروف في اللغة إملاص المرأة قال أهل اللغة: يقال: أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به، كله بمعنى . وهو إذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص ملصًا وأملصته أنا . قال القاضي: قد جاء ملص الشيء إذا أفلت، فإن أريد به الجنين صح ملاص مثل لزم لزامًا
(4) مسلم برقم (9‍‍‍‍)جـ 3‍/1‍‍‍‍.

(1/34)


2‍-*(عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ J أَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ ثَلاَثًا، ثُمَّ حَرَّمَهَا . واللهِ لاَ أَعلَمُ أحَدًا يَتَمَتَّعُ وَهُوَ مُحْصَنٌ إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ . إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَنِي بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J أَحَلَّهَا بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهَا])*(1)
3‍-*(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ ـ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ
J نَهَى عَن ِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ،حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ])*(2).
__________
(1) ابن ماجرقم(3‍‍‍‍) في الزوائد في إسناده أبو بكر بن حفص . اسمه إسماعيل الإبائي. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كتب عنه وعن أبيه، وكان أبوه يكذب، قلت: لا بأس به . قال ابن أبي حاتم: وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن نمير وغيرهم. وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك
(2) رواه البخاري . انظر الفتح2‍(1‍‍‍).

(1/35)


4‍-*(عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَبِي سَاسَان. قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ(1) قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ . ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ: ـ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ ـ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ . وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ . فَقَالَ: عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا. فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ . فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا(2) فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْه(3) فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ . وَعَلِيٌّ يَعُدُّ. حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ . فَقَالَ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ J أَرْبَعِينَ. وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ.
__________
(1) شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد: أي حضرت عنده بالمدينة وهو خليفة . والوليد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه:{إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} أتي به من الكوفة . كان واليًا عليها، وكان شاربًا سيء المسيرة صلى بالناس الصبح أربعًا وهو سكران، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ قال أهل الصف الأول: مازلنا في زيادة منذ وليتنا وما تزيدنا؟ لا زادك الله من الخير! وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد، فشاع ذلك في الكوفة، وجرى من الأحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى استحضاره
(2) وَلّ حارها من تولى قارها: الحار الشديد المكروه والقار البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب قال الأصمعي وغيره: معناه ولِّ شِدَّتَهَا وَأَوْسَاخَهَا من تولى هَنِيئَهَا وَلَذَّاتِها . والضمير عائد إلى الخلافة والولاية . أي كما أن عثمان وأقاربه تولوا هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها ومعناه ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصته الأقربين
(3) وجد عليه: أي غضب عليه

(1/36)


وَعُمَرُ ثَمَانِينَ. وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ])*(1).
5‍-*(عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرواً قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ - عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ - عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ . وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ . حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J أَخَذَهَا مِنَ مَجُوسِ هَجَرَ])*(2).
__________
(1) مسلم برقم(7‍‍‍‍).
(2) البخاري ـ الفتح 6‍(6‍‍‍‍، 7‍‍‍‍).

(1/37)


6‍-*(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ J، وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍٍ مِنَّا فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً فَكَانَ يَمُصُّهَا، ثُمَّ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ، وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا(1)وَنَأْكُلُ . حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا(2) فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا(3) رَجُلٌ منَّا يَوْمًا، فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ(4) فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا،فَأُعْطِيهَا، فَقَامَ فَأَخَذَهَا])*(5).
__________
(1) كنا نختبط بقسينا: مَعْنَى نَخْتَبِط نضرب الشجر ليتحات ورقه فنأكله . والقسي جمع قوس
(2) حتى قرحت أشداقنا: أي تجرحت من خشونة الورق وحرارته
(3) فأقسم أخطئها: معنى أُقْسِم أَحلف . وقوله أُخْطِئَها أي فاتته . ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانًا فلم يعطه تمرته، وظن أنه أعطاه، فتنازعا في ذلك وشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة
(4) ننعشه: أي نرفعه ونقيمه من شدة الضعف والجهد، وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشدجانبه في دعواه ونشهد له.
(5) مسلم برقم(1‍‍‍‍).

(1/38)


7‍-*(عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ ـ مِنْ جَدِيلَةِ قَيْسٍ ـ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللهِ J، أن نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ، وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا، فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ: مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدُ فَقَالَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، أخُو مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، ثُمَّ قَالَ الأمِيرُ: إِنَّ فِيكُمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ باللهِ وَرَسُولِهِ مِنِّي، وَشَهِدَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ J، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَجُلٍ. قَالَ الْحُسَينُ: فَقُْلْتُ لِشَيْخٍ إِلَى جَنْبِي: مَنْ هَذَا الَّذِي أَوْمَأَ إِلَيْهِ الأَمِيرُ؟ قَالَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَصَدَقَ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِاللهِ مِنْهُ . فَقَالَ: بِذَلِكَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ J])*(1).
8‍-*(قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً عَلَى حَدٍّ - زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ - وَأَنْتَ أَمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: صَدَقْتَ. وَقَالَ عُمَرُ: لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللهِ لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِي، وَأَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النَّبِيِّ
J بِالزِّنَا أَرْبَعًا فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ J أَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ، وَقَالَ حَمَّادُ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ رُجِمَ، وَقَالَ: الْحُكْمُ أَرْبَعًا])*(2).
__________
(1) رواه أبو داود(8‍‍‍‍) وقال الألباني(2‍/5‍‍‍): صحيح
(2) فتح الباري(3‍‍/ 9‍‍‍، 0‍‍‍)بتصرف

(1/39)


من فوائد "إقامة الشهادة"
1‍- إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَسْخَطَةٌ لِلشَّيْطَانِ.
2‍- إِقَامَةٌ لِلْعَدْلِ وَدَفْعٌ لِلظُّلْمِ.
3‍- تُعِينُ عَلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا .
4‍- كَتْمُ الشَّهَّادَةِ إِثْمٌ عَظِيمٌ وَشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ.
5‍- الْعَدْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَبِالْعَدْلِ تَقْوَى الأُمَمُ.
6‍- شَهَادَةُ الْحَقِّ مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ الْمُعَامَلاَتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْعَلاَقَاتِ.
7‍- الْمُسْلِمُ الَّذِي يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ وَيُرْضِي رَبَّهُ.
8‍- إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ عَلاَمَةُ الْجُرْأَةِ وَدَلِيلُ الْقُوَّةِ فِي الدِّينِ.
9‍- إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ للهِ مِنْ ثِمَارِ الْيَقِينِ.
0‍‍- طَاعَةٌ لأَوَامِرِ اللهِ سُبْحَانَهُ.


 كتاب : الادب

الأدب -الأدب لغةً:(1)
اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِن مَادَّةِ (أَدَبَ) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى تَجْمِيعِ النَّاسِ إِلَى الطَّعَامِ وَالآدِبُ هُوَ الدَّاعِي لِذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا القِيَاسِ أَيْضًا الأدَبُ لأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: سُمِّيَ أَدَبًا لأَنَّهُ يَأْدِبُ النَّاسَ إِلَى الْمَحَامِدِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمَقَابِحِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَصْلُ الأَدَبِ الدُّعَاءُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّنِيعِ يُدْعَى إِلَيْهِ النَّاسُ: مَدْعَاةٌ وَمَأْدُبَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: الأَدَبُ: يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنَ الفَضَائِلِ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ نَحْوَهُ. فَالأَدَبُ اسْمٌ لِذَلِكَ، وَالجَمْعُ: آدَابٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَأدَّبْتُهُ تَأْدِيبًا: مُبَالَغَةٌ وَتَكْثِيرٌ، وَمِنْهُ قِيلَ:أدَّبْتُهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبْتَهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ؛ لأنَّهُ سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى حَقِيقَةِ الأدَبِ، وأدَبَ يَأْدِبُ أَدْبًا [مِنْ بَابِ ضَرَبَ]: صَنَعَ صَنِيعًا، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ، فَهُوَ: آدِبٌ. عَلَى فَاعِلٍ. قَالَ الشَّاعِرُ، وَهُوَ طَرَفَةُ:
نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى
……لاَ تَرَى الآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ(2)
__________
(1) صفة الأدب جامعة لجميع ما ورد في هذه الموسوعة من صفات محمودة لسيد المرسلين الصادق الأمين وصاحب الخلق العظيم محمد
J الذي أُوتِيَ جوامع الكَلِم فعليك بمراجعة الصفات المراد الاستشهاد بها وفق الموضوع قيد البحث .
(2) ديوان طرفة، تحقيق الدكتور علي الجندي (9‍‍).

(1/1)


أَيْ لاَ تَرَى الدَّاعِيَ يَدْعُو بَعْضًا دُونَ بَعْضٍٍ بَلْ يَعُمُّهُمْ بِدَعْوَتِهِ فِي زَمَانِ القِلَّةِ، وَذَلِكَ غَايَةُ الكَرمِ، وَاسْمُ الصَّنِيعِ: الْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا.
وَأمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: [إنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ الله تَعَالَى فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ] فَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدٍ: مَنْ قَالَ مَأْدُبَةً (بِضَمِّ الدَّالِ) فَإِنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِالصَّنِيعِ يَصْنَعُهُ الإنْسَانُ يَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ وَذَكَرَ بَيْتَ طَرَفَةَ، قَالَ وَمَنْ قَالَ مَأْدَبةً (بِفَتْحِ الدَّالِ) فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى الأدَبِ(1).
واصطلاحًا:
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: الأَدَبُ رِيَاضَةُ النُّفُوسِ وَمَحَاسِنُ الأَخْلاَقِ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنَ الْفَضَائِلِ.
وَقِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يُحْتَرزُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الخَطَأِ.
__________
(1) المصباح المنير(2‍‍)، وانظر لسان العرب (1‍/6‍‍‍)، ومقاييس اللغة (1‍/4‍‍).

(1/2)


وَهُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّلُوكِ:حُسْنُ الأَحْوَالِ فِي القِيَامِ وَالقُعُودِ وَحُسْنُ الأَخْلاَقِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيمِ: أنَّ الأَدَبَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُرُوأَتِ وَالتَّعْْليمَ بِالشَّرْعِيَّاتِ أَيْ أَنَّ الأوَّلَ عُرْفِيٌّ، وَالثَّانِيَ شَرْعِيٌّ،وَالأَوَّلَ دُنْيَوِيٌّ، وَالثَّانِيَ دِينِيٌّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الأَدَبُ مُجَالَسَةُ الخَلْقِ عَلَى بِسَاطِ الصِّدْقِ وَمُطَابَقَةِ الْحَقَائِقِ، وَقِيلَ الأدَبُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ: الوَرَعُ. وَعِنْدَ أَهْلِ الحِكْمَةِ: صِيَانَةُ النَّفْسِ، وَقَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: الأدَبُ الْخُرُوجُ مِنْ صِدْقِ الاخْتِبَارِ، وَالتَّضَرُّعُ عَلَى بِسَاطِ الافْتِقَارِ(1).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: وحَقِيقَةُ الأدَبِ: اسْتِعْمَالُ الخُلُقِ الجَمِيلِ. وَلِهَذَا كَانَ الأدَبُ اسْتِخْرَاجًا لِمَا فِي الطَّبِيعَةِ مِنَ الْكَمَالِ مِنَ القَولِ إِلَى الفِعْلِ(2).
__________
(1) التعريفات للجرجاني(5‍‍)، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1‍/9‍‍، 0‍‍)، والتوقيف على مهمات التعاريف ومن المعاني الاصطلاحية للفظ [أدب] استخدامه اسمًا لما يتعلق بدراسة الشعر والنثر الفني وما إليها وسيذكر ابن القيم تعريفًا لهذا النوع في الصفحة فيما بعد
(2) تهذيب مدارج السالكين (8‍‍‍).

(1/3)


وَقِيلَ هُوَ الكَلاَمُ الجَمِيلُ الَّذِي يَتْرُكُ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ أَوْ قَارِئِهِ أَثَرًا قَوِيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى اسْتِعَادَتِهِ وَالاسْتِزَادَةِ مِنْهُ وَالْمَيْلِ إِلَى مُحَاكَاتِهِ(1)، وَهُوَ الأخْذُ بِمَكَارِمِ الأخْلاَقِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: الْوقُوفُ مَعَ المُسْتَحْسَنَاتِ. أَيِ: اسْتِعْمَالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلاً وَفِعْلاً. مِثْلَ: تَعْظِيم مَنْ فَوْقَكَ وَالرِّفْق بمَنْ دُونَكَ (2).
وَفِي التَّلْوِيحِ: التَّأْدِيبُ قَرِيبٌ مِنَ النَّدْبِ، إِلاَّ أَنَّ النَّدْبَ لِثَوَابِ الآخِرَةِ وَالتَّأْدِيبَ لِتَهْذِيبِ الأَخْلاَقِ وَإِصْلاَحِ العَادَاتِ. وَالأدَبُ أَدَبَانِ: أدَبُ شَرِيعَةٍ وَأدَبُ سِيَاسَةٍ. فَأَدَبُ الشَّرِيعَةِ مَا أدَّى الفَرْضَ، وأدَبُ السِّيَاسَةِ مَا عَمَرَ الأرْضَ. وَكِلاهُمَا يَرْجِعُ إِلَى العَدْلِ الَّذِي بِهِ سَلاَمَةُ السُّلْطَانِ وعِمَارَةُ البُلْدَانِ(3).
قَالَ الله تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّموُهُمْ. وَهَذِهِ اللَّفْظَة مُؤْذِنَة بِالاجْتِمَاعِ. فَالأَدَبُ: اجْتِمَاعُ خِصَالِ الْخَيْرِ فِي الْعِبْدِ، وَمِنْهُ الْمَأْدُبَةُ، وَهِيَ الطَّعَامُ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ.
__________
(1) تهذيب مدارج السالكين(5‍‍‍).
(2) الكليات للكفوي (5‍‍) .
(3) فضل الله الصمد:(1‍/7‍‍‍‍‍‍).

(1/4)


وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: عِلْمُ الأَدَبِ هُوَ عِلْمُ إِصْلاَحِ اللِّسَانِ وَالخِطَابِ وَإِصَابَةِ مَوَاقِعِهِ، وَتَحْسِينِ ألفَاظِهِ عَنِ الْخَطَإِ وَالخَلَلِ وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الأدَبِ العَامِّ(1).
وعَلَى هَذَا فَالأَدَبُ: اسْتِعْمَالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلاً وفِعْلاً، وَبتَعْبِيرٍ آخَر َ: الأَخْذُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، أوِ الوُقُوفُ مَعَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ.
فَإِذاَ تعَلَّقَ الأَمْرُ باللُّغَةِ كَانَ الأَدَبُ مَعْنَاهُ مَعْرِفَةُ مَا يُحْتَرَزُ به مِنْ جَمِيعِ أنْوَاعِ الخَطَإِ كَمَا قَالَ الجُرْجَانِيُّ(2).
الأدب والتأديب والتأدب:
يَتَفَرَّعُ عَنِ الأَدَبِ بِمَعْنَاهُ السَّابِقِ أَمْرَانِ أَوْ صِفَتَانِ يَرْجِعَانِ إِلَيْهِ وَيُسْتَعْمَلاَنِ بِمَعْنَاهُ هُمَا:
التَّأَدُّبُ: بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ اللاَّئِقِ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ الْمُرُوءَةِ.
وَالتَّأْدِيبُ: وَهُوَ تَعْلِيمُ فَضِيلةٍ مِنَ الفَضَائِلِ ومَعَاقَبَةُ مَنْ يُخَالِفُ ذلِكَ عَلَى إسَاءَتِهِ وسُمِّيَتِ الْمُعَاقَبَةُ تَأْدِيبًا؛لأَِنَّهَا تَدْعُو إِلَى حَقِيقَةِ الأدَبِ بِمَعْنَى الرِّيَاضَاتِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يَتَخَرَّجُ بِهَا الإِنْسَانُ عَلَى فَضِيلَةٍ مِنَ الْفَضَائِلِ.
أنْوَاعُ الأدَب:
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَالأَدَبُ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: أَدَبٌ مَعَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَدَبٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ
J وَشَرْعِهِ، وَأدَبٌ مَعَ خَلْقِهِ.
أولاً: الأدب مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ:
الأَدَبُ مَعَ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
__________
(1) في الكليات للكفوي أن الأدب اسم علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظًا أو كتابة وأصول اللغة والصرف والاشتقاق والمعاني والبيان والعروض والقوافي. انظر: الكليات (8‍‍).
(2) التعريفات (4‍‍).

(1/5)


أَحَدُهَا: صِيَانَةُ مُعَامَلَتِهِ أَنْ يَشُوبَهَا بِنَقِيصَةٍ.
الثَّانِي: صِيَانَةُ قَلْبِهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى غَيْرِهِ.
الثَّالِثُ: صِيَانَةُ إِرَادَتِهِ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَا يَمْقُتُكَ عَلَيْهِ.
فَالأَدَبُ مَعَ الله حُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَهُ، بِإِيقَاعِ الحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ وَالحَيَاءِ.
وَحَقِيقَةُ الأَدَبِ اسْتِعْمَالُ الخُلُقِ الجَمِيلِ. وَلِهَذَا كَانَ الأَدَبُ: اسْتِخْرَاجَ مَا فِي الطَّبِيعَةِ مِنَ الكَمَالِ مِنَ القُوَّةِ إِلَى الفِعْلِ.
فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ هَيَّأَ الإِنْسَانَ لِقَبُولِ الكَمَالِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الأَهْلِيَّةِ وَالاسْتِعْدَادِ، الَّتِي جَعَلَهَا فِيهِ كَامِنَةً كَالنَّارِ فِي الزِّنَادِ. فَأَلْهَمَهُ وَمَكَّنَهُ، وَعَرَّفَهُ وَأَرْشَدَهُ. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلَهُ. وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ كُتُبَهُ لاسْتِخْرَاجِ تِلْكَ القُوَّةِ الَّتِي أَهَّلَهُ بِهَا لِكَمَالِهِ إِلَى الفِعْلِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس/7‍- 10‍). فَعَبَّرَ عَنْ خَلْقِ النَّفْسِ بِالتَّسْوِيَةِ وَالدَّلالَةِ عَلَى الاعْتِدَالِ وَالتَّمَامِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قَبُولِهَا لِلْفُجُورِ وَالتَّقْوَى. وَأَنَّ ذَلِكَ نَالَهَا مِنْهُ امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا. ثُمَّ خَصَّ بِالْفَلاحِ مَنْ زَكَّاهَا فَنَمَّاهَا وَعَلاَّهَا وَرَفَعَهَا بِآدَابِهِ الَّتِي أَدَّبَ بِهَا رُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ، وَهِيَ التَّقْوَى، ثُمَّ حَكَمَ بِالشَّقَاءِ عَلَى مَنْ دَسَّاهَا، فَأَخْفَاهَا وَحَقَّرَهَا، وَصَغَّرَهَا وَقَمَعَهَا بِالفُجُورِ. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(1/6)


أدب الرسول J مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ:
وَجَرَتْ عَادَةُ القَوْمِ: أَنْ يَذْكُرُوا فِي هَذَا المَقَامِ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ
J، حِينَ أَرَاهُ مَا أَرَاهُ {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} (النجم/17‍). وَصَدَّرَ بَابَ الأَدَبِ بِهَذِهِ الآيَةِ.
وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّ هَذَا وَصْفٌ لأَدَبِهِ
J فِي ذَلِكَ المَقَامِ، إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا، وَلا تَجَاوَزَ مَا رَآهُ، وَهَذَا كَمَالُ الأَدَبِ، وَالإِخْلالُ بِهِ: أَنْ يَلْتَفِتَ النَّاظِرُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، أَوْ يَتَطَلَّعَ أَمَامَ المَنْظُورِ. فَالالْتِفَاتُ زَيْغٌ، وَالتَّطَلُّعُ إِلَى مَا أَمَامَ المَنْظُورِ: طُغْيَانٌ وَمُجَاوَزَةٌ. فَكَمَالُ إِقْبَالِ النَّاظِرِ عَلَى المَنْظُورِ: أَنْ لا يَصْرِفَ بَصَرَهُ عَنْ يَمْنَةٍ وَلا يَسْرَةٍ. وَلاَ يَتَجَاوَزَهُ.
هَذَا مَعْنَى مَا حَصَّلْتُهُ عَنْ شَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، قَدَّسَ الله رُوحَهُ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ، وَهِيَ مِنْ غَوَامِضِ الآدَابِ اللاَّئِقَةِ بِأَكْمَلِ البَشَرِ
J: تَوَاطَأَ هُنَاكَ بَصَرُهُ وَبَصِيرَتُهُ، وَتَوافَقَا وَتَصَادَقَا فِيمَا شَاهَدَهُ بَصَرُهُ، فَالْبَصِيرَةُ مُوَاطِئَةٌ لَهُ، وَمَا شَاهَدَتْهُ بَصِيرَتُهُ فَهُوَ أَيْضًا حَقٌّ مَشْهُودٌ بِالبَصَرِ، فَتَوَاطَأَ فِي حَقِّهِ مَشْهَدُ البَصَرِ وَالبَصِيرَةِ.
وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النجم/1‍‍- 12‍). أَيْ مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَآهُ بِبَصَرِهِ.

(1/7)


وَلِهَذَا قَرَأَهَا أَبُوجَعْفَرٍ [مَا كَذَّبَ الفُؤَادُ] - بِتَشْدِيدِ الذَّالِ - أَيْ لَمْ يُكَذِّبِ الفُؤَادُ البَصَرَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَوَاطَأَهُ لِصِحَّةِ الفُؤَادِ وَالبَصَرِ، أَوِ اسْتِقَامَةِ البَصِيرَةِ وَالبَصَرِ. وَكَوْنُ المَرْئِي المُشَاهَدِ بِالبَصَرِ حَقًّا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ [مَا كَذَبَ الفُؤَادُ] بِالتَّخْفِيفِ. وَهُوَ مُتَعَدٍّ. وَ[مَا رَأَى] مَفْعُولُهُ: أَيْ: مَا كَذَبَ قَلْبُهُ مَا رَأَتْهُ عَيْنَاهُ. بَلْ وَاطَأَهُ وَوَافَقَهُ. فَلِمُوَاطَأَةِ قَلْبِهِ لِقَالِبِهِ، وَظَاهِرِهِ لِبَاطِنِهِ، وَبَصَرِهِ لِبَصِيرَتِهِ: لَمْ يُكَذِّبِ الفُؤَادُ البَصَرَ. وَلَمْ يَتَجَاوَزِ الْبَصَرُ حَدَّهُ فَيَطْغَى وَلَمْ يَمِلْ عَنِ المَرْئِي فَيَزِيغَ، بَلِ اعْتَدَلَ البَصَرُ نَحْوَ المَرْئِي. مَا جَاوَزَهُ وَلا مَالَ عَنْهُ، كَمَا اعْتَدَلَ القَلْبُ فِي الإِقْبَالِ عَلَى الله ، وَالإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ. فَإِنَّهُ أَقْبَلَ عَلَى الله بِكُلِّيَّتِهِ. وَلِلْقَلْبِ زَيْغٌ وَطُغْيَانٌ، وَكِلاهُمَا مُنْتَفٍ عَنْ قَلْبِهِ وَبَصَرِهِ. فَلَمْ يَزِغْ الْتِفَاتًا عَنِ الله إِلَى غَيْرِهِ. وَلَمْ يَطْغَ بِمُجَاوَزَتِهِ مَقَامَهُ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ.
وَهَذَا غَايَةُ الَكَمَالِ وَالأَدَبِ مَعَ الله جَلَّ وَعَلاَ الَّذِي وَصَفَ رَسُولَهُ
J بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
أدب الأنبياء والرسل مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ:
وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الله ، وَخِطَابَهُمْ وَسُؤَالَهُمْ، كَيْفَ تَجِدُهَا كُلَّهَا مَشْحُونَةً بِالأَدَبِ قَائِمَةً بِهِ؟

(1/8)


قَالَ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} (المائدة/116‍). وَلَمْ يَقُلْ: [لَمْ أَقُلْهُ]. وَفَرْقٌ بَيْنَ الجَوَابَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الأَدَبِ. ثُمَّ أَحَالَ الأَمْرَ عَلَى عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِالحَالِ وَسِرِّهِ، فَقَالَ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسَهُ عَنْ عِلْمِهِ بِغَيْبِ رَبِّهِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ {وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ثُمَّ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، وَوَصَفَهُ بِتَفَرُّدِهِ بِعِلْمِ الغُيُوبِ كُلِّهَا، فَقَالَ {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ} ثُمَّ نَفَى أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُمْ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ بِهِ - وَهُوَ مَحْضُ التَّوْحِيدِ - فَقَالَ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي ورَبَّكُمْ} ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ، مُدَّةَ مَقَامِهِ فِيهِمْ. وَأَنَّهُ لاَ اطَّلاعَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الله ـ عَزَّ وَجلَّ ـ وَحَدَهُ هُوَ المُنْفَرِدُ بَعْدَ الوَفَاةِ بِالاطِّلاعِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ كُلِّ شَهَادَةٍ وَأَعَم، فَقَالَ: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ثُمَّ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فِإَنَّهُمْ عِبَادُكَ} وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الأَدَبِ مَعَ الله فِي مِثْلِ هَذَا المَقَامِ. أَيْ: شَأْنُ السَّيِّد رَحْمَةُ عَبِيدِهِ وَالإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ. وَهَؤُلاءِ عَبِيدُكَ لَيْسُوا عَبِيدًا لِغَيْرِكَ. فَإِذَا عَذَّبْتَهُمْ - مَعَ كَوْنِهِمْ عَبِيدكَ - فَلَوْلا أَنَّهُمْ عَبِيدُ سُوءٍ مِنْ أَبْخَسِ العَبِيدِ، وَأَعْتَاهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ، وَأَعْصَاهُمْ لَهُ

(1/9)


لَمْ تُعَذِّبْهُمْ؛ لأَنَّ قُرْبَةَ العُبُودِيَّةِ تَسْتَدْعِي إِحْسَانَ السَّيِّدِ إِلَى عَبْدِهِ وَرَحْمَتَهُ. فَلِمَاذَا يُعَذِّبُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَجْوَدُ الأَجْوَدِينَ، وَأَعْظَمُ المُحْسِنِينَ إِحْسَانًا عَبِيدَهُ؟ لَوْلا فَرْطُ عُتُوِّهِمْ، وَإِبَائِهِمْ، عَنْ طَاعَتِهِ، وَكَمَالِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْعَذَابِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ} أَيْ هُمْ عِبَادُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِمْ وَعَلانِيَتِهِمْ، فَإِذَا عَذَّبْتَهُمْ: عَذَّبْتَهُمْ عَلَى عِلْمٍ مِنْكَ بِمَا تُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهِ. فَهُمْ عِبَادُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا جَنَوْهُ وَاكْتَسَبُوهُ. وَهَذَا هُوَ إِقْرَارٌ وَاعْتِرَافٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَكَمَالِ عِلْمِهِ بِحَالِهِمْ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْعَذَابِ.
ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (المائدة/118‍). وَلَمْ يَقُلْ: [الغَفُورُ الرَّحِيمُ] وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الأَدَبِ مَعَ الله تَعَالَى. فَإِنَّهُ قَالَ فِي وَقْتِ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ، وَالأَمْرِ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَلَيْسَ هُوَ مَقَامَ اسْتِعْطَافٍ وَلا شَفَاعَةٍ، بَلْ مَقَامَ بَرَاءَةٍ مِنْهُمْ. فَلَوْ قَالَ [فَإِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] لأَشْعَرَ بِاسْتِعْطَافِهِ رَبَّهُ عَلى أَعْدَائِهِ الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِمْ. فَالمَقَامُ مَقَامُ مُوَافَقَةٍ لِلرَّبِّ فِي غَضَبِهِ عَلَى مَنْ غَضِبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ. فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُسْأَلُ بِهِمَا عَطْفُهُ وَرَحْمَتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ إِلَى ذِكْرِ العِزَّةِ وَالحِكْمَةِ، المُتَضَمِّنَتَيْنِ لِكَمَالِ القُدْرَةِ وَكَمَالِ العِلْمِ.

(1/10)


وَالمَعْنَى: إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ فَمَغْفِرَتُكَ تَكُونُ مِنْ كَمَالِ القُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، لَيْسَتْ عَنْ عَجْزٍ عَنِ الانْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَلا عَنْ خَفَاءٍ عَلَيْهِمْ بِمِقْدَارِ جَرَائِمِهِمْ. وَهَذَا لأَنَّ العَبْدَ قدْ يَغْفِرُ لِغَيْرِهِ لِعَجْزِهِ عَنِ الانْتِقَامِ مِنْهُ، وَلِجَهْلِهِ مِقْدَارَ إِسَاءَتِهِ إِلَيْهِ. وَالْكَمَالُ: هُوَ مَغْفِرَةُ القَادِرِ العَالِمِ، وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. وَكَانَ ذِكْرُ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فِي هَذَا المقَامِ عَيْنَ الأَدَبِ فِى الْخِطَابِ.
وَفِي بَعْضِ الآثَارِ [حَمَلَةُ العَرْشِ أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ يَقُولانِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ. وَاثْنَانِ يَقُولانَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ] وَلِهَذَا يَقْتَرِنُ كُلٌّ مِنْ هَاتَيْنَ الصِّفَتَيْنِ بِالأُخْرَى، كَقَوْلِهِ {وَالله عَلِيمٌ حَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ {وَكَانَ الله عَفُوًّا قَدِيرًا}.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ
J: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء/78‍- 80‍). وَلَمْ يَقُلْ [وَإِذَا أَمْرَضَنِي] حِفْظًا لِلأَدَبِ مَعَ الله .
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السَّفِينَةِ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} (الكهف/79‍). وَلَمْ يَقُلْ [فأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ أَعِيبَهَا] وَقَالَ فِي الغُلامَيْنِ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} (الكهف/82‍).

(1/11)


وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُؤْمِنِي الجِنِّ {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ} (الجن/10‍). وَلَمْ يَقُولُوا [أَرَادَهُ رَبُّهُمْ ] ثُمَّ قَالُوا {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}.
وَأَلْطَفُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٍ} (القصص/ 24‍). وَلَمْ يَقُلْ [أَطْعِمْنِي].
وَقَوْلُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف/ 23‍). وَلَمْ يَقُلْ [رَبِّ قَدَّرْتَ عَلَيَّ وَقَضَيْتَ عَلَيَّ].
وَقَولُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء/83‍). وَلَمْ يَقُلْ [فَعَافِنِي وَأَشْفِنِي].
وَقَوْلُ يُوسُفَ لأَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} (يوسف/100‍). وَلَمْ يَقُلْ [أَخْرَجَنِي مِنَ الجُبِّ] حِفْظًا لِلأَدَبِ مَعَ إِخْوَتِهِ، وَتَفَتِّيًا عَلَيْهِمْ أَنْ لا يُخْجِلَهُمْ بِمَا جَرَى فِى الجُبِّ. وَقَالَ: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} وَلَمْ يَقُلْ [رَفَعَ عَنْكُمْ جَهْدَ الجُوعِ وَالحَاجَةِ] أَدَبًا مَعَهُمْ. وَأَضَافَ مَا جَرَى إِلَى السَّبَبِ، وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى الْمُبَاشِرِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُ، فَقَالَ {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} فَأَعْطَى الْفُتُوَّةَ وَالكَرَمَ وَالأَدَبَ حَقَّهَ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ كَمَالُ هَذَا الْخُلُقِ إِلاَّ لِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ.

(1/12)


وَمِنْ هَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ J الرَّجُلَ [أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا لاَ يَراهُ أَحَدٌ. أَدَبًا مَعَ الله ، عَلَى حَسَبِ القُرْبِ مِنْهُ، وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلالِهِ، وَشِدَّةِ الحَيَاءِ مِنْهُ، وَمَعْرِفَةِ وَقَارِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْزَمِ الأَدَبَ ظَاهِرًا وَباطِنًا، فَمَا أَسَاءَ أَحَدٌ الأَدَبَ فِي الظَّاهِرِ إِلاَّ عُوقِبَ ظَاهِرًا، وَمَا أَسَاءَ أَحَدٌ الأَدَبَ بَاطِنًا إِلاَّ عُوقِبَ بَاطِنًا.
وَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ المُبَارَكِ - رَحِمَهُ اللهُ -: مَنْ تَهَاوَنَ بِالأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ السُّنَنِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الفَرَائِضِ. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْمَعْرِفَةِ.
وَقِيلَ: الأَدَبُ فِي العَمَلِ عَلامَةُ قُبُولِ العَمَلِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الأَدَبَ مَعَ اللهِ تَعَالَى: هُوَ الْقِيَامُ بِدِينِهِ، وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَلاَ يَسْتَقِيمُ لأَحَدٍ قَطُّ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ بِثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: مَعْرِفَتُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ بِدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَمَا يُحِبُّ وَمَا يَكْرَهُ، وَنَفْسٌ مُسْتَعِدَّةٌ قَابِلَةٌ لَيِّنَةٌ مُتَهَيِّئَةٌ لِقَبُولِ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلاً وَحَالاً(1).
__________
(1) مدارج السالكين (1‍‍‍‍‍‍)بتصرف

(1/13)


مِنَ الأَدَبِ مَعَ اللهِ التَّأَدُّبُ مَعَ القُرْآنِ وَتِلاوَتُهُ وَتَدَبُّرُهُ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ} (محمد/2‍‍) لأَنَّ فِي ذَلِكَ العِلْمَ وَالمَعْرِفَةَ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَهَى عَنْهُ وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِهِ وَعَدَمَ اْنِتِهَاكِ مَحَارِمِهِ. كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ السُّبُلِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى الثَّرَاءِ الرُّوحِيِّ {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهِ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُون} (الأنفال/2‍).
وَمِنَ الأَدَبِ مَعَ اللهِ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالدُّعَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} (الفرقان/7‍‍).
وَدَعَا الرَّسُولُ
J إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَعَانَ بِهِ قَائِلاً [اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى شُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ]، وَمِنْهُ أَيْضًا الثَّنَاءُ عَلَيْهِ وَتَسْبِيحُهُ وَشُكْرُهُ عَلَى آلائِهِ العَظِيمَةِ وَهُوَ القَائِلُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} وَمِنْهُ التَّوْسُّلُ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا وَالاسْتِعَاذَةُ وَالاسْتِغْفَارُ وَالاسْتِعَانَةُ بِهِ وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا.
الأدب مع اللهِ ـ عز وجل ـ في العبادة:
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ سَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلاَمِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ يَقُولُ: مِنْ كَمَالِ أَدَبِ الصَّلاَةِ أَنْ يَقِفَ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ مُطْرِقًا خَافِضًا طَرْفَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَلاَ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إِلَى فَوْقُ.

(1/14)


وَمِنَ الأَدَبِ مَعَ اللهِ فِي الْعِبَادَةِ: السُّكُونُ فِي الصَّلاَةِ، وَهُوَ الدَّوَامُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ}(المعارج/23‍). سُئِلَ عُقْبَةُ ابْنُ عَامِرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} أَهُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ دَائِمًا؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ إِذَا صَلَّى لَمْ يَلْتَفِتْ عَنْ يَمِينِهِ وَلاَ عَنْ شِمَالِهِ وَلاَ خَلْفَهُ.
قُلْتُ ـ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ هُمَا أَمْرَانِ: الدَّوَامُ عَلَيْهَا وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا. فَهَذَا الدَّوَامُ، وَالْمُدَاوَمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وَفَسَّرَ الدَّوَامَ بِسُكُونِ الأَطْرَافِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
وَأَدَبُهُ فِي اسْتِمَاعِ الْقِرَاءَةِ: أَنْ يُلْقِيَ السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الأَدَبَ مَعَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هُوَ الْقِيَامُ بِدِينِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا(1).
ثانيًا: الأدب مع الرسول
J:
أَمَّا الأَدَبُ مَعَ رَسُولِ اللهِ
J فَيَعْنِي كَمَالَ التَّسْلِيمِ لَهُ،وَالانْقِيَادَ لأَمْرِهِ،وَتَلَقِّيَ خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ.
من مظاهر الأدب مع المصطفى
J:
__________
(1) تهذيب مدارج السالكين(450‍ـ451‍) بتصرف

(1/15)


مِنَ الأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ الكَرِيمِ أَنْ لاَ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرٍ وَلاَ نَهْيٍ وَلاَ إِذْنٍ وَلاَ تَصَرُّفٍ حَتَّى يَأْمُرَ هُوَ، وَيَنْهَى وَيَأْذَنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} وَهَذَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُنْسَخْ، فَالتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: لاَ تَفْتَاتُوا(1)عَلَى رَسُولِ اللهِ
J. وَقَالَ أَبُوعُبَيْدَةَ: تَقُولُ العَرَبُ: لا تَقَدَّمْ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ وَبَيْنِ يَدَيِ الأَبِ، أَيْ لاَ تَعْجَلُوا بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ دُونَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لا تَأْمُرُوا حَتَّى يَأْمُرَ، وَلا تَنْهَوا حَتَّى يَنْهَى.
ـ وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ: أَنْ لاَ تُرْفَعَ الأَصْوَاتُ فَوْقَ صَوْتِهِ. فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحُبُوطِ الأَعْمَالِ فَمَا الظَّنُّ بِرَفْعِ الآرَاءِ، وَنَتَائِجِ الأَفْكَارِ عَلَى سُنَّتِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ؟ أَتَرَى ذَلِكَ مُوجِبًا لِقَبُولِ الأَعْمَالِ. وَرَفْعُ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ مُوجِبٌ لِحُبُوطِهَا؟
ـ وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ: أَنْ لاَ يَجْعَلَ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}.
__________
(1) قال مجاهد: أي في تفسيير الآية الكريمة.

(1/16)


ـ وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ: أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ـ مِنْ خُطْبَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، أَوْ رِبَاطٍ ـ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَذْهَبًا فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}.
ـ وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ: أَنْ لاَ يَسْتَشْكِلَ قَوْلَهُ. بَلْ تُسْتَشْكَلُ الآرَاءُ لِقَوْلِهِ، وَلاَ يُعَارَضُ نَصُّهُ بِقِيَاسٍ. بَلْ تُهْدَرُ الأَقْيِسَةُ وَتُلْقَى لِنُصُوصِهِ. وَلاَ يُحَرَّفُ كَلاَمُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ لِخَيَالٍ يُسَمِّيهِ أَصْحَابُهُ مَعْقُولاً، نَعَمْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَعَنِ الصَّوَابِ مَعْزُولٌ. وَلاَ يُوقَفُ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ
J عَلَى مُوَافَقَةِ أَحَدٍ. فَكُلُّ هَذَا مِنْ قِلَّةِ الأَدَبِ مَعَهُ J وَهُوَ عَيْنُ الْجُرْأَةِ(1).
__________
(1) مدارج السالكين(3‍‍‍ـ 6‍‍‍) بتصرف

(1/17)


وَرَأْسُ الأَدَبِ مَعَهُ J: كَمَالُ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَالانْقِيَادُ لأَمْرِهِ، وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يُحَمِّلَهُ مَعَارِضَ خَيَالٍ بَاطِلٍ، يُسَمِّيهِ مَعْقُولاً أَوْ يُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ، فَيُفْرِدَهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالانْقِيَادِ وَالإِذْعَانِ وَلا يَرْضَى بِحَكَمٍ غَيْرِهِ، وَلا يَقِفُ تَنْفِيذُ أَمْرِهِ وَتَصْدِيقُ خَبَرِهِ، عَلَى عَرْضِهِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ، وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ، فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ، وَإِلاَّ أَعْرَضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا حَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَسَمَّى تَحْرِيفَهُ: تَأْوِيلاً، وَحَمْلاً،. فَقَالَ: نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ(1). وَلأَنْ يَلْقَى العَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ عَلَى الإِطْلاقِ عَدَا الشِّرْكَ بِالله - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذِهِ الحَالِ.
__________
(1) المرجع السابق (2‍/403) بتصرف.

(1/18)


يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ: وَلَقَدْ خَاطَبْتُ يَوْمًا بَعْضَ أَكَابِرِ هَؤُلاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: سَأَلْتُكَ بِالله ، لَوْ قُدِّرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِJ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَقَدْ وَاجَهَنَا بِكَلامِهِ وَبِخِطَابِهِ: أَكَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَى رَأَيِ غَيْرِهِ َكَلامِهِ وَمَذْهَبِهِ، أَمْ لا نَتَّبِعُهُ حَتَّى نَعْرِضَ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ عَلَى آرَاءِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ؟ فَقَالَ: بَلْ كَانَ الفَرْضُ المُبَادَرَةَ إِلَى الامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ التِفَاتٍ إِلَى سِوَاهُ. فَقُلْتُ: فَمَا الَّذِي نَسَخَ هَذَا الفَرْضَ عَنَّا؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ نُسِخَ؟ فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى فِيهِ. وَبَقِيَ بَاهِتًا مُتَحَيِّرًا. وَمَا نَطَقَ بِكَلِمَةِ.
وَإِذَا كَانَ مِنَ الأَدَبِ فِي حَيَاتِهِ
J أَلاَّ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ لِقَوْلِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحجرات/2‍) فَإِنَّ مِنَ الأَدَبِ مَعَهُ أَلاَّ نَرْفَعَ الأَصْوَاتَ فَوْقَ صَوْتِهِ J. فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحُبُوطِ الأَعْمَالِ فَمَا الظَّنُّ بِرَفْعِ الآرَاءِ وَنَتَائِجِ الأَفْكَارِ عَلَى سُنَّتِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ؟

(1/19)


هَكَذَا يَكُونُ الأَدَبُ مَعَ رَسُولِ اللهِ J لاَ مُخَالَفةُ أَمْرِهِ وَإِشْرِاكُ غَيْرِهِ وَرَفْعُ الأَصْوَاتِ، وَإِزْعَاجُ الأَعْضَاءِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ، وَعَزْلُ كَلامِهِ عَنِ اليَقِينِ، عَنْ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُ مَعْْرِفَةُ الله ، أَوْ يُتَلَقَّى مِنْهُ أَحْكَامَهُ. إِنَّ الجُهَّالَ يَعْتَمِدُونَ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ الله عَلَى العُقُولِ المَنْهُوكَةِ المُتَحَيِّرَةِ المُتَنَاقِضَةِ. وَفِي الأَحْكَامِ عَلَى تَقْلِيدِ الرِّجَالِ وَآرَائِهَا. وَالقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا نَقْرَؤُهُمَا تَبَرُّكًا، لا أَنَّا نَتَلَقَّى مِنْهُمَا أُصُولَ الدِّينِ وَلا فُرُوعَهُ. وَمَنْ طَلَبَ ذَلِكَ وَرَامَهُ عَادَيْنَاهُ وَسَعَيْنَا فِي قَطْعِ دَابِرِهِ، وَاسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِ(1). {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ أَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ أَبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ * أَمْ
__________
(1) يتحدث ابن القيم هنا عن طائفة ضلَّت سبيل الحق وانتقصت من قيمة السُّنَّة المطهرة، وقد ظهر لهم أذناب في عصرنا الحاضر

(1/20)


تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} (المؤمنون/63‍- 74‍).
وَالنَّاصِحُ لِنَفْسِهِ العَامِلُ عَلَى نَجَاتِهَا يَتَدَبَّرُ هَذِهِ الآيَاتِ حَقَّ تَدَبُّرِهَا وَيتَأَمَّلُهَا حَقَّ تَأَمُّلِهَا وَيُنَزِّلُهَا عَلَى الوَاقِعِ فَيَرَى العَجَبَ وَلا يَظُنُّهَا اخْتَصَّتْ بِقَوْمٍ كَانُوا فَبَانُوا [فَالحَدِيثُ لَكِ وَاسْمَعِي يَا جَارَة] وَالله المُسْتَعانُ(1).
ثالثًا: الأدب مع الخلق:
وَأَمَّا الأَدَبُ مَعَ الْخَلْقِ: فَهُوَ مُعَامَلَتُهُمْ ـ عَلَى اخْتِلاَفِ مَرَاتِبِهِمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ، فَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ أَدَبٌ. وَالْمَرَاتِبُ فِيهَا أَدَبٌ خَاصٌّ. فَمَعَ الوَالِدَيْنِ: أَدَبٌ خَاصٌّ لِلأَبِ مِنْهُمَا أَدَبٌ هُوَ أَخَصُّ بِهِ، وَمَعَ العَالِمِ: أَدَبٌ آخَرُ، وَمَعَ السُّلْطَانِ: أَدَبٌ يَلِيقُ بِهِ وَلَهُ وَمَعَ الأَقْرَانِ أَدَبٌ يَلِيقُ بِهِمْ. وَمَعَ الأَجَانِبِ: أَدَبٌ غَيْرُ أَدَبِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَذَوِي أُنْسِهِ. وَمَعَ الضَّيْفِ: أَدَبٌ غَيْرُ أَدَبِهِ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ
وَلِكُلِّ حَالٍ أَدَبٌ: فَلِلأَكْلِ آدَابٌ. وَلِلشَّرَابِ آدَابٌ. وَلِلرُّكُوبِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ وَالإِقَامَةِ وَالنَّوْمِ آدَابٌ. وَلِلتَّبَوُّلِ آدَابٌ. وَلِلْكَلاَمِ آدَابٌ. وَلِلسُّكُونِ وَالاسْتِمَاعِ آدَابٌ.
__________
(1) مدارج السالكين 2‍(4‍‍‍- 405‍) بتصرف

(1/21)


ـ وَأَدَبُ الْمَرْءِ: عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وَفَلاَحِهِ. وَقِلَّةُ أدَبِهِ: عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَبَوَارِهِ. فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِمِثْلِ الأَدَبِ، وَلاَ اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الأَدَبِ. فَانْظُرْ إِلَى الأَدَبِ مَعَ الوَالِدَيْنِ: كَيْفَ نَجَّى صَاحِبَهُ مِنْ حَبْسِ الغَارِ حِينَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ؟ وَالإِخْلاَلُ بِهِ مَعَ الأُمِّ ـ تَأْوِيلاً وَإِقْبَالاً ـ عَلَى الصَّلاَةِ كَيْفَ امْتُحِنَ صَاحِبُهُ بِهَدْمِ صَوْمَعَتِهِ وَضَرْبِ النَّاسِ لَهُ، وَرَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ.
ـ وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ كُلِّ شَقِيٍّ وَمُفْتَرٍ وَمُدْبِرٍ: كَيْفَ تَجِدُ قِلَّةَ الأَدَبِ هِيَ الَّتِي سَاقَتْهُ إِلَى الْحِرْمَانِ؟(1).
إِنَّ حُسْنَ الخُلُقِ وَالأَدَبَ هُوَ مَقَامُ الاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ
J وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ بِفَضْلٍ مِنَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} (البقرة/32‍) وَهُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (الأحزاب/21‍).
__________
(1) مدارج السالكين 2‍(406- 408‍) بتصرف

(1/22)


إِنَّ هَذَا هُوَ مَقَامُ مَنْ أَرَادَ التَّخَلُّقَ بِأَخْلاقِ الشَّرْعِ الحَنِيفِ وَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللهِ الَّتِي أَدَّبَ بِهَا عِبَادَهُ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ، وَمَا اتَّصَفَ بِهِ الرَّسُولُ الكَرِيمُ J حَيْثُ قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم/4‍) وَالرَّسُولُ J هُوَ القَائِلُ [إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاقِ](1). وَرِوَايَةٌ أُخْرَى [مَكَارِمَ الأَخْلاقِ].
وَوَصَفَتْ خُلُقَهُ
J أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - بِقَوْلِهَا: [فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ J كَانَ القُرْآنَ] وَعَنِ القُرْآنِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - [إِنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ الله فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ](2).
هَذَا هُوَ الحَالُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَلا يُوجَدُ جَائِزَةٌ لِمَنْ كَانَ حَسَنَ الخُلُقِ إِلاَّ الجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا بِرُفْقَةِ رَسُولِ اللهِ
J حَيْثُ يَقُولُ: [إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، المُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا(3)، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبَعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ(4) المُتَشَدِّقُونَ(5) المُتَفَيْهِقُونَ(6)].
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: [مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي المِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ].
__________
(1) مسلم (2553‍)
(2) انظر صفة تلاوة القرآن
(3) الموطئون أكنافًا: الذين جوانبهم وطئةً، يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى(النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير(5/201).
(4) الثرثارون: الذين يكثرون الكلام
(5) المتشدقون: المتوسعون في الكلام المستهزئون .
(6) المتفيهقون: المتكبرون

(1/23)


وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: [إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا](1).
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: [أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا](2).
وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ
J يَدْعُو اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [اللَّهُمَّ كَمَا أَحْسَنْتَ خَلْقِي أَحْسِنْ خُلُقِي](3).
إِنَّ العَلاقَةَ بَيْنَ الأَدَبِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الخَلْقِ وَحُسْنِ الخُلُقِ عَلاقَةٌ وَاضِحَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا لأَنَّ حُسْنَ الخُلُقِ هُوَ الجَانِبُ النَّفْسِي الَّذِي تَنْتُجُ عَنْهُ الآدَابُ الحَمِيدَةُ وَأَنْوَاعُ السُّلُوكِ المَرْضِيَّةُ، وَحُسْنُ الخُلُقِ هُوَ الَّذِي يُشَكِّلُ قَوَاعِدَ السُّلُوكِ أَو الأَدَبِ مَعَ الخَلْقِ.
وَقَدْ كَشَفَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ القِنَاعَ عَنِ القَاعِدَةِ الأَسَاسِيَّةِ الَّتِي أَسَاسُهَا حُسْنُ الخُلُقِ وَتَطْبِيقُهَا سُلُوكُ الأَدَبِ مَعَ الخَلْقِ عِنْدَمَا قَالَ: [لا يُؤْمِنُ أَحَدَكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ](4).
__________
(1) مسند أحمد (6‍/446‍) وأبو داود (4799‍).
(2) أخرجه أحمد بإسناد جيد (5‍/89‍- 9‍‍) الترغيب والترهيب (3‍/49‍).
(3) انظر هذه الأحاديث مخرجة في صفة حُسن الخلق
(4) البخاري - الفتح (1‍/13‍).

(1/24)


فَمِنْ بَابِ المَحَبَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالإِيمَانِ بِهِ، وَالمَحَبَّةِ لِرَسُولِهِ J وَالتَّصْديقِ بِمَا جَاءَ بِهِ تُؤْخَذُ مَحَبَّةُ الخَلْقِ وَالأَدَبُ مَعَهُمْ وَمُعَامَلَتُهُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ وَمَنْ قَامَ بِذَلِكَ حَصَلَ عَلَى مَحَبَّةِ الله عَزَّ وَجَلَّ لأَنَّهُ يُصْبِحُ مُحْسِنًا صَابِرًا طَاهِرًا نَقِيًّا تَقِيًّا، وَهُنَا يَحُوزُ المَعِيَّةَ مَعَ مَوْلاهُ وَيَنَالُ مَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ، قَالَ تَعَالَى {وإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} (العنكبوت/69‍)،{إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة/153‍).
وَآياتُ حُبِّ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} (البقرة/195‍)، {إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} (البقرة/ 2‍‍‍)، {فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} (آل عمران/76‍)، {وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران/ 146‍)، {إِنَّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران/ 159‍)، {إِنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (المائدة/ 42‍).

(1/25)


إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَحَبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ جَاهَدَ نَفْسَهُ وَطَرَحَ عَنْهَا مَطَامِعَ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَحُبَّهَا لِلْكَنْزِ وَالتَّكَاثُرِ وَمَا يَجْلِبُهُ ذَلِكَ مِنْ مَذْمُومِ الأَخْلاَقِ مِنْ طَمَعٍ وَكِبْرٍ وَحَسدٍ وَظُلْمٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ السَّالِبَةِ لِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَمَحْمُودِهَا وَاسْتَبْدَلَ عِوَضًا عَنْهَا الحُبَّ فِي اللهِ وَرَسُولِهِ وَالإِيثَارَ وَالكَرَمَ وَالْجُودَ وَالسَّخَاءَ بِالمَالِ وَالتَّوَاضُعَ وَأَثْرَاهَا بِالإِنْفَاقِ وَالزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَةِ وَالجِهَادِ، وَغَذَّاهَا بِالإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالعَفْوِ وَالرِّفْقِ وَالوَفَاءِ وَالتَّنَاصُرِ وَالمُدَارَاةِ وَالسِّتْرِ، وَتَوَّجَهَا بِالعَدْلِ وَالقِسْطِ وَالأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ. وَيْكَ أَلَمْ نُعَلَّمْ السَّبِيلَ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ مُدَوَّنٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران/1‍‍‍).
أَوَ لَمْ نَعْلَمْ حَدِيثَ الرَّسُولِ الكَرِيمِ
J [مَا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ]. وَقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - [أَفْضَلُ الأَعْمَالِ أَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللهُ تَعَالَى وَالوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ الله تَعَالَى وَصِدْقُ النِّيَّةِ فِيمَا عِنْدَ الله تَعَالَى](1).
أدب الحوار والمناظرة في الدعوة إلى الله :
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (226‍)

(1/26)


الْحِوَارُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ حَاوَرَهُ إِذَا رَاجَعَهُ فِي الْكَلاَمِ وَجَاوَبَهُ(1)، قَالَ تَعَالَى:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} (الكهف/37‍): أَيْ يُرَاجِعُهُ فِي الْكَلاَمِ وَيُجَاوِبُهُ(2).
أَمَّا فِي الاصْطِلاَحِ: فَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَ الْمُنَاوِيُّ: هُوَ الْمُرَاوَدَةُ فِي الْكَلاَمِ(3): أَيِ الأَخْذُ وَالْعَطَاءُ فِيهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا النَّظَرُ بِالْبَصِيرَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ الْمُتَحَاوِرَيْنِ فِي النِّسْبَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِظْهَارًا لِلصَّوَابِ(4)، وَكِلاَهُمَا أَيِ الْحِوَارُ وَالْمُنَاظَرَةُ جِدَالٌ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَإِذَا كَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ رَفَضَ الْمِرَاءَ وَتَوَعَّدَ الْمُمَارِينَ(5) فَإِنَّهُ أَمَرَ بِا لْحِوَارَ سَبِيلاً لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ وَتَبَيُّنِ الرَّأْيِ السَّدِيدِ؛لأَنَّ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ: تَعَاوُنٌ عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ ـ وَهُوَ مِنَ الدِّينِ ـ شَرِيطَةَ أَنْ يَتَحَلَّى الْمُتَحَاوِرُونَ بِمَا يَلِي:
1‍ـ أَلاَّ يَشْتَغِلَ بِهِ ـ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ـ مَنْ لَمْ يَتَفَرَّغْ مِنْ فُرُوضِ الأَعْيَانِ.
2‍ـ أَلاَّ يَرَى الْمُنَاظِرُ (أَوِ الْمُحَاوِرُ) فَرْضَ كِفَايةٍ آخرَ أَهَمَّ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ وَمَكَانِهِ.
3‍ـ أَنْ يَكُونَ الْمُحَاوِرُ أَوِ الْمُنَاظِرُ يُفْتِي بِرَأْيِهِ لاَ بِمَذْهَبِ فُلاَنٍ أَوْ فُلاَن.
__________
(1) لسان العرب (4‍/218‍) (ط.بيروت).
(2) انظر تفسير القرطبي (10‍/403‍).
(3) المرجع السابق (316‍).
(4) انظر صفة الجدال والمراء (جـ 9‍ص4338‍) من هذه الموسوعة.
(5) بتصرف واختصار من [إحياء علوم الدين] (1‍/4‍‍)وما بعدها .

(1/27)


4‍ـ أَنْ يَكُونَ الْحِوَارُ أَوِ الْمُنَاظَرَةُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاقِعَةٍ أَوْ قَرِيبَةِ الْوُقُوعِ لأَنَّ الصَّحَابَةَ ـ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ ـ مَا تَشَاوَرُوا إِلاَّ فِيمَا تَجَدَّدَ مِنَ الْوَقَائِعِ أَوْ مَا يَغْلِبُ وَقُوعُهُ.
5‍ـ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاظَرَةُ (الْحِوَارُ) فِي الْخَلْوَةِ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَأَهَمَّ مِنَ الْمِحَافِلِ وَبَيْنَ أَظْهُرِ الأَكَابِرِ وَالسَّلاَطِينِ، لأَنَّ فِي حُضُورِ الْجَمْعِ مَا يُحَرِّكُ دَوَاعِي الرِّيَاءِ وَيُوجِبُ الْحِرْصَ عَلَى أَنْ يَنْصُرَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مُحِقًّا كَانَ أَوْ مُبْطِلاً.
6‍ـ أَنْ يَكُونَ الْحِوَارُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ كَنَاشِدِ ضَالَّةٍ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ تَظْهَرَ الضَّالَّةُ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ عَلَى يَدِ مَنْ يُعَاوِنُهُ.
7‍ـ أَنْ يَرَى مُحَاوِرَهُ مُعِينًا لَهُ لاَ خَصْمًا وَأَنْ يَشْكُرَهُ إِذَا عَرَّفَهُ الْخَطَأَ وَأَظْهرَ لَهُ الْحَقَّ.
8‍ـ أَلاَّ يَمْنَعَ مُنَاظِرَهُ أَوْ مُحَاوِرَهُ مِنَ الانْتِقَالِ مِنْ حُجَّةٍ إِلَى حُجَّةٍ وَمِنْ دَلِيلٍ إِلَى دَلِيلٍ، وَمَنْ تَفَحَّصَ مُشَاوَرَاتِ الصَّحَابَةِ ـ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ ـ وَمُفَاوَضَاتِ السَّلَفِ، وَجَدَهَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إِذْ كَانُوا يَذْكُرُونَ كُلَّ مَا يَخْطُرُ لَهُمْ وَيَنْظُرُونَ فِيهِ.
9‍ـ أَلاَّ يُنَاظِرَ أَوْ يُحَاوِرَ إِلاَّ مَنْ يَتَوَقَّعُ الاسْتِفَادَةَ مِنْهُ مِمَّنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِالْعِلْمِ(1).
الأدب مع النفس:
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (226‍).

(1/28)


قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ الله : اعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى شِيَمٍ مُهْمَلَةٍ وَأَخْلاَقٍ مُرْسَلَةٍ لاَ يَسْتَغْنِي مَحْمُودُهَا عَنِ التَّأْدِيبِ، وَلاَ يُكْتَفَى بِالْمَرْضِيِّ مِنْهَا عَنِ التَّهْذِيبِ، لأَنَّ لِمَحْمُودِهَا أَضْدَادًا مُقَابِلَةً، يُسْاعِدُهَا هَوًى مُطَاعٌ، وَشَهْوَةٌ غَالِبَةٌ، فَإِنْ أُغْفِلَ تَأْدِيبُهَا تَفْوِيضًا إِلَى العَقْلِ أَوْ تَوَكُّلاً عَلَى أَنْ تَنْقَادَ إِلَى الأَحْسَنِ بِالطَّبْعِ، أَعْدَمَهُ التَّفْوِيضُ دَرْكَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَعْقَبَهُ التَّوَكُّلُ نَدَمَ الخَائِبِينَ، فَصَارَ مِنَ الأَدَبِ عَاطِلاً، لأَنَّ الأَدَبَ مُكْتَسَبٌ بِالتَّجْرِبَةِ، أَوْ مُسْتَحْسَنٌ بِالعَادَةِ وَلِكُلِّ قَوْمٍ مُوَاضَعَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُنَالُ بِتَوْقِيفِ العَقْلِ، وَلاَ بِالانْقِيَادِ لِلطَّبْعِ حَتَّى يُكْتَسَبَ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْمُعَانَاةِ، وَيُسْتَفَادَ بِالدُّرْبَةِ وَالْمُعَاطَاةِ، ثُمَّ يَكُونُ العَقْلُ عَلَيْهِ قَيِّمًا، وَلَوْ كَانَ العَقْلُ مُغْنِيًا عَنِ الأَدَبِ لَكَانَ أَنْبِيَاءُ الله عَنِ الأَدَبِ مُسْتَغْنِينَ، وَبِعُقُولِهِمْ مُكْتَفِينَ(1).
الأدب اللازم للإنسان:
الأَدَبُ اللاَّزِمُ لِلإِنْسَانِ عِنْدَ نَشْأَتِهِ وَكِبَرِهِ أَدَبَانِ:
أَدَبُ مُوَاضَعَةٍ وَاصْطِلاَحٍ، وَأَدَبُ رِيَاضَةٍ وَاسْتِصْلاَحٍ.
أدب المواضعة والاصطلاح:
__________
(1) بتصرف واختصار من [إحياء علوم الدين] (1‍/4‍‍)وما بعدها .

(1/29)


فَأَمَّا أَدَبُ الْمُوَاضَعَةِ وَالاصْطِلاَحِ، فَيُؤْخَذُ تَقْلِيدًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ اصْطِلاَحُ العُقَلاَءِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانُ الأُدَبَاءِ، وَذَلِكَ مِثْلُ اصْطِلاَحِهِمْ عَلَى مُوَاضَعَاتِ الخِطَابِ، وَاتفَاقِهِمْ عَلَى هَيْئَاتِ اللِّبَاسِ، حَتَّى إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا تَجَاوَزَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ صَارَ مُجَاوِزًا لِلأَدَبِ، مُسْتَوْجِبًا لِلذَّمِّ.
أدب الرياضة والاستصلاح:
أَمَّا أَدَبُ الرِّيَاضَةِ وَالاسْتِصْلاَحِ: فَهُوَ مَا كَانَ مَحْمُولاً عَلَى حَالٍ لاَ يَجُوزُ فِي العَقْلِ أَنْ يَكُونَ بِخِلاَفِهَا، وَلاَ أَنْ تَخْتَلِفَ العُقَلاَءُ فِي صَلاَحِهَا وَفَسَادِهَا، وَأَوَّلُ ذَلِكَ أَلاَّ يَسْبِقَ الْمَرْءُ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ فَيُخْفِي عَنْهُ مَذْمُومَ شِيَمِهِ، وَمَسَاوِيَ أَخْلاَقِهِ؛ لأَنَّ النَّفْسَ بِالشَّهَوَاتِ آمِرَةٌ، وَعَنِ الرُّشْدِ زَاجِرَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ كَذَلِكَ، فَحُسْنُ الظَّنِّ بِهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى تَحْكِيمِهَا، وَتَحْكِيمُهَا دَاعٍ إِلَى سَلاَطَتِهَا وَفَسَادِ الأَخْلاَقِ بِهَا، فَإِذَا صُرِفَ حُسْنُ الظَّنِّ عَنْهَا انْحَازَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَفَازَ بِالطَّاعَةِ.
من صور أدب الرياضة والاستصلاح:

(1/30)


1‍- مُجَانَبَةُ الكِبْرِ وَالإِعْجَابِ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّهُمَا يَسْلُبَانِ الفَضَائِلَ، وَيُكْسِبَانِ الرَّذَائِلَ، وَلَيْسَ لِمَنْ اسْتَوْلَيَا عَلَيْهِ إِصْغَاءٌ لِنُصْحٍ، وَلاَ قَبُولٌ لِتَأْدِيبٍ، لأَنَّ الكِبْرَ يَكُونُ بِالْمَنْزِلَةِ، وَالْعُجْبَ يَكُونُ بِالفَضِيلَةِ، فَالْمُتَكَبِّرُ يُجِلُّ نَفْسَهُ عَنْ رُتْبَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَالْمُعْجَبُ يَسْتَكْثِرُ فَضْلَهُ عَنِ اسْتِزَادَةِ الْمُتَأَدِّبِينَ، وَعِلاَوَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الكِبْرَ يُكْسِبُ الْمَقْتَ، وَيُلْهِي عَنِ التَّأَلُّفِ وَيُوغِرُ صُدُورَ الإِخْوَانِ، وَأَمَّا الإِعْجَابُ فَيُخْفِي الْمَحَاسِنَ، وَيُظْهِرُ الْمَسَاوِئَ، وَيَصُدُّ عَنِ الفَضَائِلِ [انْظُرْ تَفْصِيلاً أَكْثَرَ فِي صِفَةِ الْكِبْرِ مِنَ الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ].
2‍- التَّحَلِّي بِحُسْنِ الْخُلُقِ: ذَلِكَ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا حَسُنَتْ أَخْلاَقُهُ كَثُرَ مُصَافُوهُ وَقَلَّ مُعَادُوهُ، فَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الأُمُورُ الصِّعَابُ وَلاَنَتْ لَهُ القُلُوبُ الغِضَابُ، وَمَعْنَى حُسْنِ الْخُلُقِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ: سَهْلَ العَرِيكَةِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، طَلْقَ الوَجْهِ، قَلِيلَ النُّفُورِ، طَيِّبَ الْكَلِمَةِ، [انْظُرْ تَفْصِيلاً أَكْثَرَ فِي صِفَةِ حُسْنِ الخُلُقِ].

(1/31)


3‍- التَّحَلِّي بِ [الْحَيَاءِ]: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَعَانٍ كَامِنَةٌ تُعْرَفُ بِسِمَاتٍ دَالَّةٍ. وَسِمَةُ الْخَيْرِ: الدَّعَةُ وَالْحَيَاءُ، وَسِمَةُ الشَّرِّ: القَحَةُ وَالْبَذَاءُ، وَكَفَى بِالْحَيَاءِ خَيْرًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخَيْرِ دَلِيلاً، وَكَفَى بِالقَحَةِ وَالبَذَاءِ شَرًّا أَنْ يَكُونَا إِلَى الشَّرِّ سَبِيلاً، وَلَيْسَ لِمَنْ سُلِبَ الْحَيَاءَ صَادٌّ عَنْ قَبِيحٍ، وَلاَ زَاجِرٌ عَنْ مَحْظُورٍ، فَهُوَ يُقْدِمُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَيَأْتِي مَا يَهْوَى. [انْظُرْ تَفْصِيلاً أَكْثَرَ فِي صِفَةِ الحَيَاءِ].
4‍- التَّحَلِّي بِـ [الْحِلْمِ]: ذَلِكَ أَنَّ الْحِلْمَ مِنْ أَشْرَفِ الأَخْلاَقِ، وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الأَلْبَابِ، لِمَا فِيهِ مِنْ سَلاَمَةِ العِرْضِ، وَسَلاَمَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلاَبِ الْحَمْدِ. وَلِلْحِلْمِ أَسْبَابٌ تَبْعَثُ عَلَيْهِ مِنْهَا: الرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الانْتِصَارِ وَالتَّرَفُّعُ عَنِ السِّبَابِ [انْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الحِلْمِ].
5‍- التَّحَلِّي بِصِفَةِ الصِّدْقِ وَالتَّخَلِّي عَنِ الْكَذِبِ: [انْظُرْ فِي ذَلِكَ: الصِّدْقَ (فِي الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ)، وَالكَذِبَ فِي الصِّفَاتِ المَذْمُومَةِ].
6‍- التَّخَلِّي عَنِ الْحَسَدِ: ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَدَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ يُضِرُّ بِالبَدَنِ، وَفِيهِ إِفْسَادٌ لِلدِّينِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَمِّ الْحَسَدِ إِلاَّ أَنَّهُ خُلُقٌ دَنِيءٌ لَكَانَتِ النَّزَاهَةُ عَنْهُ كَرَمًا وَالسَّلاَمَةُ مِنْهُ مَغْنَمًا، فَكَيْفَ وَهُوَ بِالنَّفْسِ مُضِرٌّ، وَعَلَى الهَمِّ مُصِرٌّ، حَتَّى رُبَّمَا أَمْضَى بِصَاحِبِهِ إِلَى التَّلَفِ، مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوٍّ، وَلاَ إِضْرَارٍ بِمَحْسُودٍ.

(1/32)


[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان ـ الإخلاص ـ الاستقامة ـ التواضع ـ حسن الخلق ـ حسن العشرة ـ حسن المعاملة ـ الحلم ـ الحياء ـ غض البصر ـ كظم الغيظ .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى ـ سوء الخلق ـ سوء المعاملة ـ العنف ـ الفجور ـ الفحش ـ الفضح ـ الكبر والعجب ـ الكذب ـ العتو].
الآيات الواردة في " الأدب "معنًى
الأدب مع الله - عز وجل - والقرآن الكريم:
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)}(1)
{وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ(224)}(2)
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا(82)}(3)
__________
(1) البقرة :189 مدنية.
(2) البقرة :224 مدنية.
(3) النساء : 82 مدنية

(1/33)


{قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ(115)وَإِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَمُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118)(1)
{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(23)}(2)
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204)}(3)
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ(22)}(4)
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)}(5)
__________
(1) المائدة : 115- 118 مدنية.
(2) الأعراف : 23 مكية.
(3) الأعراف :204مكية.
(4) الرعد : 22 مدنية.
(5) النحل :98 مكية.

(1/34)


{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا(53)}(1)
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا(79)وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا(80)فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(82)}(2)
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96)}(3)
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(51)}(4)
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي(78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي(80)}(5)
{أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(54)}(6)
__________
(1) الإسراء :53 مكية.
(2) الكهف :79 - 82 مكية.
(3) المؤمنون :96 مكية.
(4) النور :51مدنية.
(5) الشعراء :78 - 80 مكية.
(6) القصص : 54 مكية.

(1/35)


الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(7)رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(8)وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9)}(1)
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(33) وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35)}(2)
{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً(2)نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً(3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً(4)}(3)
الأدب مع رسول الله
J:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104)}(4)
__________
(1) غافر : 7- 9 مكية.
(2) فصلت : 33 - 35 مكية.
(3) المزمل :1 - 4 مكية
(4) البقرة : 104 مدنية.

(1/36)


{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(62) لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)}(1)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَالله لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا(53)}(2)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهًا(69)}(3)
__________
(1) النور:62 -63 مكية.
(2) الاحزاب :53 مدنية.
(3) الأحزاب : 69 مدنية.

(1/37)


{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(1)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ(2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ(3)}(1)
الأدب مع الإنسان :
{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا(86)}(2)
{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31)}(3)
__________
(1) الحجرات :1- 3 مدنية.
(2) النساء :86 مدنية.
(3) الأعراف : 31 مكية.

(1/38)


{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27)فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28)لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31)}(1)
__________
(1) النور:27-31 مدنية.

(1/39)


{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(59)وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(60)}(1)
{وَعِبَادُ الرحمن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا(63)}(2)
__________
(1) النور : 58 - 60 مدنية.
(2) الفرقان:63مكية.

(1/40)


{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(11)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12)}(1)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(9)}(2)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11)}(3)
الأدب مع النفس:
__________
(1) الحجرات :11-12 مدنية.
(2) المجادلة: 9 مدنية.
(3) المجادلة:11 مدنية.

(1/41)


{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(61)}(1)
__________
(1) النور : 61 مدنية.

(1/42)


وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ(12)وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13)وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(14)وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16)يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(17)وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)}(1)
الأحاديث الواردة في"الأدب"
__________
(1) لقمان :12 - 19 مكية.

(1/43)


1‍ـ *(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِJ يَقُولُ: [ إِنَّ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ،وَمُنْبِلُهُ وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا. لَيْسَ مِنَ الله وِ ثَلاَثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ، وَمَنْ َتَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا أَوْ قَالَ: كَفَرَهَا] )*(1).
__________
(1) أبو داود (3‍‍‍‍)واللفظ له، والترمذي (7‍‍‍‍) وقال الترمذي ومحقق جامع الأصول (5‍/3‍‍ـ4‍‍): حديث حسن، والنسائي (6‍/8‍‍) ومعنى قوله: رَغْبَةً عَنْهُ أَيْ كَرَاهِيَةً لَهُ.

(1/44)


2‍ـ *(عَنْ مُعَاذٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: أَوْصَاني رَسُولُ اللهِ J بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ . قَالَ:[ لاَ تُشْرِكْ بِالله شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَ حُرِّقْتَ، وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ ، وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْرًا، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالمَعْصِيَةَ، فَإِنَّ بِالمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ، وَإِيَّاكَ وَالفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ . وَإِنْ أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا، وَأَخِفْهُمْ فِي اللهِ ])*(1).
__________
(1) أحمد (5‍/8‍‍‍) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع (4‍/5‍‍‍) وقال: رجال أحمد ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ، ورواه الطبراني في الكبير وأخرجه المنذري في الترغيب (1‍/3‍‍‍) وقال نحو قول الهيثمي، والألباني مختصرًا في صحيح الجامع (3‍/7‍‍‍) من حديث أبي الدرداء.

(1/45)


3‍ـ *( عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! إِنَّ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ . فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِJ قَالَ: [ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَك النَّبِيَّ J فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ ممْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ الله تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ] ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ)*(1).
__________
(1) البخاري - الفتح 6‍(1‍‍‍‍)،مسلم(4‍‍‍) واللفظ له

(1/46)


4‍- *(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ J، قَالَ فَتَلاَحَقَ بِي النَّبِيُّ J وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ(1) لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي:[ مَا لِبَعِيرِكَ؟].قَالَ:قُلْتُ: أَعْيَا. قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ J فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: [كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟] . قَالَ قُلْتُ: بِخَيْرٍ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: [أَفَتَبِيعُنِيهِ].قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ ـ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ ـ قَالَ:فَقُلْتُ: نَعَمْ . قَالَ:[فَبِعْنِيهِ ]، فَبِعْتُهُ إِيَاهُ عَلَى أَنَّ لِي فِقَارَ ظَهْرِهِ(2) حَتَّى أَبْلُغَ المَدِينَةَ . قَالَ:فَقُلْتُ:يَارَسُولَ اللهِ ،إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَألَنِي عَنِ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ بِهِ فَلاَمَنِي. قَالَ:وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ J قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: [هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟]. فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. قَالَ: [ فَهَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟] . قلتُ: يَارَسُولَ اللهِ ، تُوُفِّيَ وَالِدِي ـ أَوِ اسْتُشْهِدَ ـ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُوم ُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ، وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ J المَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي
__________
(1) ناضح: الناضح من الإبل هي ما يستقى عليها منها
(2) فقار ظهره: موضع الركوب من الظهر.

(1/47)


قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا)*(1).
الأحاديث الواردة في"الأدب" معنًى
5‍ـ *( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ
J فَدَعَوْتُ. فَقَالَ النَّبِيُّ J: [مَنْ هَذَا؟]. قُلْتُ: أَنَا . قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: [أَنَا، أَنَا]. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: (كَأَنَّهُ كَرِهَ ذلِكَ)*(2).
6‍ـ *( عَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَاَلَ: [ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ])*(3).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 6‍(7‍‍‍‍) كتاب الرضاع واللفظ له، مسلم (5‍‍‍)جـ 2‍ص 9‍‍‍‍.
(2) البخاري ـ الفتح1‍‍(0‍‍‍‍)، مسلم(5‍‍‍‍)واللفظ له
(3) مسلم (0‍‍‍‍).

(1/48)


7‍ـ *( عَنْ جَاِبرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J ـ أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِJ يَقُولُ ـ: [إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ ـ أوْ مَنِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ(1) فَلاَ يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ، وَلاَ يمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ، وَلاَ يَأْكُلْ بِشِمَالِهِ، وَلاَ يَحْتَبِي(2)بِالثَّوْبِ الوَاحِدِ،وَلاَ يَلْتَحِفِ الصَّمَّاءَ(3)])*(4).
8‍ـ *( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
J يَقُولُ: [ إِذَا دَخَل الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ الله عِنْدَ دُخُولهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ])*(5).
__________
(1) شِسع نعله: الشسع هي قبالة النعل التي يشد إليها زمامها والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع.والصواب وفقًا لنص مسلم: إذا انقطع شسع أحدكم ـ أو من انقطع شسع نعله
(2) في الأصل يحتبي باثبات الياء، ولعلها تصحيف والاحتباء هو أن يقعد الإنسان على أَلْيَتَيْه وينصب ساقيه ويحتوى عليهما بثوب أو نحوه أو بيده
(3) الصَّمَّاء . واشتمال الصماء: أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبًا بحيث يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كأنها لا تصل إلى شيء ولا يصل إليها شيء كالصخرة الصّمَّاء التي ليس فيها خرق ولا صدع. يؤيد ذلك رواية الإمام أحمد في المسند 3‍/5‍‍‍، 6‍‍‍حديث رقم 7‍‍‍‍‍. واحتبى بثوبه احتباء وهو الاشتمال به
(4) مسلم (9‍‍‍‍).
(5) مسلم (8‍‍‍‍)

(1/49)


9‍ـ *( عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِJ قَالَ:[ إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ])*(1).
10‍ـ *( عنْ جَبَلةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ(2) مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُالله بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا ـ وَ نَحْنُ نَأْكُلُ ـ وَيَقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ
J نَهَي عَنِ الإِقْرَانِ(3)، ثُمَّ يَقُولُ: إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ . قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ)*(4).
1‍‍*( عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ: غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَوِ الْمُهَاجِرُونَ: يَالَلْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الأَنْصَارِيُّ: يَالَلأَنْصَارِ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ
J فَقَالَ: [مَا هَذَا؟ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟] . قَالُوا: لاَ. يَارَسُولَ اللهِ ! إِلاَّ أَنَّ غُلاَمَيْنِ اقْتَتَلاَ فَكَسَع(5) أَحَدُهُمَا الآخَرَ. قَالَ:[ فَلاَ بَأْسَ، وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا: إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ؛ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ])*(6).
__________
(1) البخاري ـ الفتح1‍‍(8‍‍‍‍)،مسلم (4‍‍‍‍)واللفظ له
(2) عام سنة: أي عام جدب وقحط.
(3) الإقران: هو الجمع بين الشيئين، وفي الطعام أَنْ يتناول تمرتين معًا في آن واحد
(4) البخاري ـ الفتح 9‍(6‍‍‍‍) واللفظ له، مسلم (5‍‍‍‍).
(5) كَسَعَ: الكسع أن تضرب برجلك أو بيدك على دبر إنسان أو شيء
(6) مسلم (4‍‍‍‍).

(1/50)


12‍ـ *( عَنِ الْبَرَاء ِ بْنِ عَازِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِJ بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ. وَنَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ، وَنَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ(1)، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْقِسِيِّ وَالإِسْتَبْرَقِ])*(2).
13‍ـ *( عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [ إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ])*(3).
14‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ: [ انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا(4) نِعْمَةَ الله ]. قَالَ أَبُومُعَاوِيَةَ [عَلَيْكُمْ])*(5).
15‍ـ *(عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ
J أنَّه نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا . قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأَكْلُ؟ فَقَالَ:[ ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ])*(6).
__________
(1) ركوب المياثر: هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، وهي جمع مئثرة بكسر الميم
(2) البخاري ـ الفتح1‍‍(5‍‍‍‍)واللفظ له، مسلم (6‍‍‍‍).
(3) أبو داود (3‍‍‍‍)، وقال الألباني: حسن
(4) تزدروا: تحتقروا.
(5) البخاري ـ الفتح 1‍‍(0‍‍‍‍)، مسلم (3‍‍‍‍) واللفظ له.
(6) 4‍‍‍‍)وأشرّ هكذا وقعت بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير، وهي لغة وإن كانت قليلة

(1/51)


16‍ـ*(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّJ قَالَ:[إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ] . فَقَالُوا يَارَسُولَ اللهِ ،مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا . نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَقالَ:[ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ]. قَالَوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: [غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ])*(1).
17‍ـ*(عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍوـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ
J: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: [تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ])*(2).
18‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ:[ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ])*(3).
19‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ
J فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: [ أُمُّكَ]. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: [ثُمَّ أُمُّكَ]. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: [ ثُمَّ أُمُّكَ]. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟. قَالَ: [ ثُمَّ أَبُوكَ])*(4).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 1‍‍(9‍‍‍‍)، مسلم (1‍‍‍‍)واللفظ له
(2) البخاري ـ الفتح 1‍(2‍‍)واللفظ له، مسلم (9‍‍).
(3) الترمذي(8‍‍‍‍) . وقال: هذا حديث حسن صحيح
(4) البخاري ـ الفتح0‍‍(1‍‍‍‍)،مسلم(8‍‍‍‍)واللفظ له

(1/52)


20‍ـ *( عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ J قَالَ: [ خَالِفُوا الْمُشْرِكِين َ، وَوَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ (1)] . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ)*(2).
21‍ـ*(عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ زَوْجِ النَّبِيّ ِ
J قَالَتْ:دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ J فَقَالُوا:السَّامُ(3) عَلَيْكُمْ.قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا. فَقُلْتُ: وَعَليْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ.قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[ مَهْلاً يَاعَائِشَةُ؛ إِنَّ الله يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ]. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [قَدْ قُلْتُ [وَعَلَيْكُمْ])*(4).
2‍‍ـ *(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: ذَكَر النَّبِيُّ
J النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ. قَالَ شُعْبَةُ أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ، ثُمَّ قَالَ:[ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ])*(5).
23‍ـ *( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ: [رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى(6)])*(7).
__________
(1) حفا شاربه حَفْوًا وأحفاه: بالغ في أخذه وأَلزق حزَّه، وتوفير اللحى أي تكثيرها وجعلها وافرة
(2) البخاري- الفتح 0‍‍(2‍‍‍‍)، مسلم (9‍‍‍).
(3) السام: الموت.
(4) البخاري ـ الفتح0‍‍(4‍‍‍‍)واللفظ له،ومسلم(5‍‍‍‍).
(5) البخاري ـ الفتح 0‍‍(3‍‍‍‍)واللفظ له، مسلم (6‍‍‍‍).
(6) اقتضى: أي طالب بما له من دين.
(7) البخاري ـ الفتح 4‍(6‍‍‍‍).

(1/53)


24‍ـ *( عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِJ: [عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ(1)، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ].قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ. إلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ)*(2).
25‍ـ *(عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ـ رَضِيَ الله عَنْهُ ـ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ(3) رَسُولِ اللهِ
J، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ J: [يَاغُلامُ، سَمِّ الله ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ]. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي(4) بَعْدُ])*(5).
__________
(1) البراجم: غسل البراجم أي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
(2) مسلم (1‍‍‍).
(3) الحجر:بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، أي في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد.
(4) الطّعمة ـ بكسر الطاء ـ السيرة في الأكل.
(5) البخاري ـ الفتح 9‍(6‍‍‍‍)واللفظ له، مسلم (2‍‍‍‍).

(1/54)


26‍ـ *( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ: اسْتَأَذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[ إِذَا اسْتَأَذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ ]. فَقَالَ: وَاللهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً . أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ J؟ فَقَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: وَالله لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ ا لنَّبِيَّ J قَالَ ذَلِكَ)*(1).
27‍ـ *( عنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ: [لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ])*(2).
28‍ـ *(عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ: [ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا ُيحِبُّ لِنَفْسِهِ])*(3).
__________
(1) البخاري ـ الفتح1‍‍(5‍‍‍‍)واللفظ له،مسلم(3‍‍‍‍).
(2) البخاري ـ الفتح0‍‍(7‍‍‍‍)واللفظ له، ومسلم (0‍‍‍‍).
(3) البخاري ـ الفتح 1‍(3‍‍)واللفظ له، مسلم (5‍‍).

(1/55)


29‍ـ *( عَنِ المَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ J:[يَا أبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ . فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ])*(1).
30‍ـ*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى(2). ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (ثَلاَثًا) وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ(3)])*(4).
31‍ـ *(عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ أنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ
J بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ J لنِفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا])*(5).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 1‍(0‍‍) واللفظ له، مسلم (1‍‍‍‍).
(2) الأحلام والنهى: أي ذوو الألباب والعقول.
(3) هيشات الأسواق: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها
(4) مسلم 1‍(2‍‍‍).
(5) البخاري ـ الفتح 6‍(0‍‍‍‍) واللفظ له، مسلم (7‍‍‍‍).

(1/56)


32‍ـ *(عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِJ يَقُولُ:[ ما مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ.بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَاِبهِ وَثُلثٌ لِنَفَسِهِ])*(1).
3‍‍ـ*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنِ اسْتَعَاذَ بِالله فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ])*(2).
34‍ـ *( عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: [ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهّ الشَّجَرَةِ(يَعْنِي الثُّومَ) فَلاَ يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ])*(3).
35‍ـ *( عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مِنْ حُسْنِ إِسْلاَم ِالْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ]) *(4).
__________
(1) الترمذي (0‍‍‍‍) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (7‍/0‍‍‍): كما قال الترمذي، وصححه الحاكم 4‍/1‍‍‍، ووافقه الذهبي.
(2) النسائي (5‍/2‍‍)، أبوداود(2‍‍‍‍)واللفظ له، وقال محقق الجامع (2‍‍‍): إسناده صحيح، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1‍/4‍‍‍): صحيح.
(3) البخاري ـ الفتح 2‍(3‍‍‍)، مسلم 1‍(1‍‍‍)واللفظ له
(4) مالك في الموطأ (2‍/9‍‍‍) واللفظ له، ورواه أحمد والطبراني في الثلاثة،والترمذي (8‍‍‍‍)، وقال الهيثمي في المجمع (8‍/8‍‍) رجال أحمد والكبير ثقات، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: والحديث حسن بل صحيح

(1/57)


36‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّJ قَالَ: [ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ. وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ. وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ(1) أَعْلاَهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ . فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا])*(2).
37‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [ مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ الله ])*(3).
38‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J يَومًا لأَصْحَابِهِ: [ مَنْ يَأْخُذُ (عَنِّي) هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: أَنَا يَارَسُولَ اللهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَعَدَّ خَمْسًا، فَقَالَ: اتَّقِ المحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ ])*(4).
__________
(1) الضِّلَعُ وَالضِّلْعُ:لغتان محنية الجنب مؤنثة، والجمع أضلع وأَضالع وضلوع
(2) البخاري ـ الفتح 6‍(1‍‍‍‍)، ومسلم(8‍‍‍‍)واللفظ له
(3) الترمذي(4‍‍‍‍) وقال: هذا حديث حسن صحيح
(4) الترمذي(5‍‍‍‍)، وأحمد (2‍/0‍‍‍) وقال محقق جامع الأصول (1‍‍/7‍‍‍) حديث حسن واللفظ له، ابن ماجه (7‍‍‍‍)، البيهقي في شعب الإيمان

(1/58)


39‍ـ *( عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [نَهَى رَسُولُ اللهِ J أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ ])*(1).
40‍ـ*(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ:[نَهَى رَسُولُ اللهِ
J عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ].يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا)*(2).
41‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ: [يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ ].وَعَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ J: [يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَِثيرِ])*(3).
42‍ـ *( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ . فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا(4). وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ،وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ(5) إِلاَّ بِإِذْنِهِ] قَالَ الأَشَجُّ فِي رِوايَتِهِ (مكان سِلْمًا ) سِنًّا)*(6).
__________
(1) أبو داود (5‍‍‍‍) وقال الألباني:(3‍/1‍‍‍): حسن واللفظ له
(2) البخاري ـ الفتح0‍‍(5‍‍‍‍)،مسلم(3‍‍‍‍)واللفظ له
(3) البخاري ـ الفتح 1‍‍(1‍‍‍‍، 2‍‍‍‍، 3‍‍‍‍).
(4) سلْمًا: أي إسلامًا.كقوله تعالى{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلُمِ كَافَّةً}: أي الإسلام
(5) تكرمته: قال العلماء: التكرمة الفراش ونحوه
(6) مسلم 1‍(3‍‍‍).

(1/59)


43‍ـ*(عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ النَّبِيَّ J قَالَ: [ أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِن الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ ليِ: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا])*(1).
4‍‍ـ *( عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ حَدِيثًا ـ وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحَّانَةً، وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: مَالَكَ لاَ تحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا؟ أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أينَ أُتِيتَ(2). هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ، وَأنْتَ أدَّبَتْكَ أَمُّكَ. قَالَ فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وأَضَبَّ(3) عَلَيْهَا . فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِيَ بِهَا قَامَ. قَالَتْ: أَيْنَ؟ قَالَ: أُصَلِّي . قَالَت: اجْلِسْ قَالَ: إِنِّي أُصَلِّي. قَالَت: اجْلِسْ غُدَرُ(4) إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ: [لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدافِعُهُ الأَخْبَثَانِ(5)])*(6).
__________
(1) البخاري ـ الفتح1‍(6‍‍‍) واللفظ له، مسلم 4‍(1‍‍‍‍).
(2) من أين أُتِيتَ: أي حدث لك هذا.
(3) أضب: أي حقد . والمعنى: كره مقولتها فيه.
(4) اجلس غدر: الغدر ترك الوفاء، ويقال لمن غدر: غادروغدر.وقولها غدر: منادى بحرف نداء محذوف والتقدير: اجلس يا غدر وهي بذلك لا تسبه، وإنما تتبسط معه في الحديث لتزيل من نفسه ما علق بها.
(5) الأخبثان: البول والغائط
(6) مسلم (0‍‍‍).

(1/60)


45‍ـ *( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِJ يَقُولُ:[مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ])*(1).
المثل التطبيقي من حياة النبي
J في "الأدب "
46‍ـ*(عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ [أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J أُتِيَ بِشَرَاب ٍ فَشَرِب مِنْهُ ـ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشَيَاخُ ـ فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: [أَتَأْذَنُ ليِ أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟] فَقَالَ الْغُلاَمُ: وَالله يَارَسُولَ اللهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا . قَالَ: فَتَلَّهُ(2) رَسُولُ اللهِ J فِي يَدِهِ)*(3).
47‍ـ *( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [ إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ
J وَالْعَبْدُ، وَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ].
(وَفِي رِوَايَةٍ) قَالَ: [ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ
J فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ])*(4).
__________
(1) ابن ماجه (3669‍)، واللفظ له، و البخاري في الأدب المفرد(1‍/159‍) حديث رقم(76‍)، وهو بمعناه في الصحيحين
(2) فَتَلَّه في يده: أي ألقاه في يده، والتَّلُّ: الصَّبُّ، فاستعاره للإلقاء. (انظر النهاية1‍/5‍‍‍).
(3) البخاري ـ الفتح 0‍‍(0‍‍‍‍) واللفظ له مسلم (0‍‍‍‍).
(4) البخاري ـ الفتح 0‍‍(2‍‍‍‍).

(1/61)


48‍ـ *( عَنْ أَبِي فِرَاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ(1)، وَلاَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِه ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أُقُصَّهُ مِنْهُ ] قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: [لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ أَتُقِصُّهُ مِنْهُ(2)؟]. قَالَ: [إِيْ(3) والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أُقِصَّه، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِJ أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ(4)])*(5).
49‍ـ *(عَنْ عَبْدِالله بْنِ بِشْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
J إِذَا أَتَى بَابَ قَوٍْم لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تَلْقاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوْ الأَيْسَرِ، وَيَقُولُ [السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ]، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ)*(6).
50‍ـ *(عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ حِذْيَمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [ كَانَ رَسُولُ اللهِ
J يُعْجِبُهُ أنْ يَدْعُوَ الرَّجُلَ بَأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ وَأَحَبِّ كُنَاهُ ])*(7).
__________
(1) البشرة: هي ظاهر الجلد، ويجمع على أبشار.
(2) أي إذا كان التأديب بغير حق فإني آخذ له بالقصاص منه.
(3) قوله: إِيْ...إلخ معناه: نَعَمْ والذي نفسي ...إلخ.
(4) أَقَصَّ من نفسه: أي مَكَّنَ من آذاه من أن ينزل بالنبي مثل الذي أنزله به
(5) أبوداود رقم(7‍‍‍‍) 4‍/1‍‍‍.
(6) أبوداود(6‍‍‍‍) واللفظ له، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6‍/4‍‍‍) وقال محققه: إسناده حسن.
(7) الهيثمي في المجمع( 8‍/6‍‍) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات

(1/62)


51‍ـ *( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللهِ J فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ].
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ: [ كَانَ النَّبِيُّ
J إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِن يَدِه حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَصْرِفُهُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ])*(1).
52 ـ *( عَنْ أَبِيِ هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ
J طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ])*(2).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في "الأدب "
1‍ـ *(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: [خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِالله الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَفْعَلْ. فَقالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ
J شَيْئًا آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ])*(3).
2‍ـ *( قَالَ مُجَاهِدٌ: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَأَدِّبُوهُمْ])*(4).
__________
(1) أبوداود(4‍‍‍‍)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3‍/0‍‍‍): حسن وهو في الصحيحة برقم (5‍‍‍‍)، والترمذي (0‍‍‍‍) وقال محقق جامع الأصول (1‍‍/0‍‍‍) وهو حديث حسن
(2) البخاري ـ الفتح 9‍(9‍‍‍‍) واللفظ له، مسلم (4‍‍‍‍)
(3) عن الأخلاق الإسلامية للحبنكة:2‍/9‍‍‍.
(4) الفتح(8‍/7‍‍‍).

(1/63)


3‍ـ *( وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَة بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ: [ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ هَذَا الحَدِيثُ إِلَى المُؤدِّبِ، حَتَّى يُعَلِّمَهُ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ])*(1).
4‍ـ *( وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ـ رحمَهُ اللهُ ـ عَنْ أَنْفَعِ الأَدَبِ فَقَالَ: [ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَالْمَعْرِفَةُ بِمَا للهِ عَلَيْكَ ])(2).
5‍ـ *( عَنْ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ أنَّهُ قَالَ: [ كَانُوا يَقُولُونَ: الصَّلاَحُ مِنَ الله واَلأَدَبُ مِنَ الآبَاءِ])*(3).
6‍ـ *( قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: [ مَنْ تَأَدَّبَ بِأَدَبِ الله صَارَ مِنْ أَهْلِ مَحَبَّةِ الله ])*(4).
7‍ـ *(قَالَ عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: [مَنْ تَهَاوَنَ بِالأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ السُّنَنِ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بالسُّنَنِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْفَرَائِضِ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بالْفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الْمَعْرِفَةِ])*(5).
8‍ـ *( وَقَالَ: [ نَحْنُ إِلَى قَلِيلٍٍ مِنَ الأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ])*(6).
9‍ـ *( وَقَالَ أَيْضًا: [ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْقَوْلَ فِي الأَدَبِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ وَرُعُونَاتِهَا، وَتجَنُّبُ تِلْكَ الرُّعُونَاتِ])*(7).
__________
(1) ابن ماجه (2‍/3‍‍‍‍).
(2) مدارج السالكين (2‍/2‍‍‍).
(3) شرح الأدب المفرد (1‍/7‍‍‍).
(4) المرجع السابق (2‍/2‍‍‍).
(5) شرح الأدب المفرد ( 2‍/7‍‍‍).
(6) المرجع السابق (2‍/2‍‍‍).
(7) مدارج السالكين (2‍/2‍‍‍).

(1/64)


10‍ـ *( قَالَ أبُو حَفْصٍ السَّهْرَوَرْدِيُّ: [حُسْنُ الأَدَبِ فِي الظَّاهِرِ عُنْوَانُ حُسْنِ الأَدَبِ فِي الْبَاطِنِ. فَالأَدَبُ مَعَ اللهِ بِاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَإِيقَاعِ الْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ واَلْبَاطِنَةِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْظِيمِ وَالإِجْلاَلِ وَالْحَياءِ])*(1).
1‍‍- *(قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: [ مِنْ كَمَالِ أَدَبِ الصَّلاَةِ: أَنْ يَقِفَ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ مُطْرِقًا خَافِضًا طَرْفَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَلاَ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إِلَى فَوْقُ])*(2).
12‍ـ *( قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ:[ وَأَدَبُ الْمَرْءِ عُنْوَانُ سَعَادَتِه وَفَلاَحِهِ . وَقِلَّةُ أَدَبِه عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَبَوَارِهِ، فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بمِثْلِ الأَدَبِ وَلاَ اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الأَدَبِ])*(3).
13 ـ *( قَالَ بَعْضُهُمْ: [الْزَمِ الأَدَبَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ فَمَا أَسَاءَ أَحَدٌ الأَدَبَ فِي الظَّاهِرِ إلاَّ عُوقِبَ ظَاهِرًا، وَمَا أَسَاءَ أحَدٌ الأَدَبَ باطِنًا إلاَّ عُوقِبَ بَاطِنًا])*(4).
14‍- *( وَقِيلَ: [ الأَدَبُ فِي العَمَلِ عَلاَمَةُ قَبُولِ العَمَلِ])*(5).
من فوائد" الأدب "
مَعَ أَنْوَاعِ الأَدَبِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَمَعَ تَقْدِيرِ أَنَّ الأَدَبَ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ، فَإِنَّ الالْتِزَامَ بِالأَدَبِ يُحَقِّقُ فَوَائِدَ عَدِيدَةً لِلإِنْسَانِ الْمُسْلِمِ كَمَا يَلِي:
1‍ يُصَفِّي سُلُوكَ الفَرْدِ مِمَّا يَشِينُهُ وَيَنْتَقِصُهُ.
__________
(1) المرجع السابق (2‍/2‍‍‍).
(2) المرجع السابق (2‍/1‍‍‍).
(3) المرجع السابق (2‍/7‍‍‍).
(4) المرجع السابق (2‍/7‍‍‍).
(5) المرجع السابق (2‍/7‍‍‍).

(1/65)


2‍ يَجْعَلُ النَّاسَ يَتَحَلَّوْنَ بِالْمَحَامِدِ وَالْمَكَارِمِ وَيَبْتَعِدُونَ عَنِ الْمَنَاقِصِ.
3‍ يَجْعَلُ الإِنْسَانَ يَحْتَرِزُ عَنِ الْخَطَأِ وَيَتَحَرَّى الصَّوَابَ.
4‍ يُهَذِّبُ الأَخْلاَقَ وَيُصْلِحُ العَادَاتِ.
5‍ يَجْعَلُ الإِنْسَانَ يَلْتَزِمُ بِالْمَنْهَجِ الإِلَهِيِّ فِي الأَرْضِ مِمَّا يُصْلِحُ أَحْوَالَهُ.
6‍- وَالالْتِزَامُ بِالأَدَبِ مَعَ اللهِ يُحَقِّقُ التَّقْوَى فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ .
7‍- وَالالْتِزَامُ بِالأَدَبِ مَعَ رَسُولِ اللهِ يُحَقِّقُ التَّسْلِيمَ وَالانْقِيَادَ لِلطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى.
8‍- وَالالْتِزَامُ بِأَدَبِ الشَّرِيعَةِ يُؤَدِّي بِالإِنْسَانِ إِلَى الْقِيَامِ بِأَرْكَانِ الْمَنْهَجِ الإِلَهِيِّ.
9‍- وَالالْتِزَامُ بِأَدَبِ السِّيَاسَةِ، يُؤَدِّي بِالإِنْسَانِ إِلَى القِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ كُلٌّ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، وَفِي هَذَا ضَمَانٌ لِحُسْنِ سَيْرِ الْحَيَاةِ.
10‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأَدَبِ تَوَجُّهًا نَفْسِيًّا وَأَثرًا قَوِيًّا يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى الاسْتِزَادَةِ مِنَ الالْتِزَامِ بِضَمَانِ الأدَبِ.
1‍‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأَدَبِ قَاعِدَةً اجْتِمَاعِيَّةً قَوِيَّةً تُتِيحُ مُنَاخًا مُلاَئِمًا لِلْحَيَاةِ الصَّالِحَةِ.
12‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأدَبِ تَحَرِّيًا لِلْخَيْرِ، وَدَعْوَةً إِلَى القِيَمِ الرَّفِيعَةِ تَمْنَعُ انْفِلاَتَ الإِنْسَانِ وَهُبُوطَهُ إِلَى الأَدْنَى، أَوِ ارْتِكَابَ الأَفْعَالِ الهَابِطَةِ، بَلْ تَدْعُوهُ إِلَى التَّسَامِي وَقَمْعِ الشَّهَوَاتِ.
13‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأَدَبِ وَحْدَةً، دَائِمَةً، وَانْسِجَامًا فِي الإِنْسَانِ وَسُلُوكِهِ الْفَرْدِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ.
14‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأَدَبِ الْوَحْدَةَ فِي أَدَبِ التَّلَقِّي وَالتَّعَلُّمِ.

(1/66)


15‍يُحَقِّقُ الالْتِزَامُ بِالأَدَبِ الإِيجَابِيَّةَ فِي الْحَيَاةِ، وَإِتَاحَةَ الفُرْصَةِ لِلإِبْدَاعِ وَالابْتِكَارِ، وَالْحَيَوِيَّةَ فِي السُّلُوكِ .

كتاب  الإصلاح
الإصلاح لغةً:

مَصْدَرُ أَصْلَحَ يُصْلِحُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (ص ل ح) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى [خِلاَفِ الفَسَادِ] يُقَالُ: صَلُحَ الشَّيْءُ يَصْلُحُ صَلاَحًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: صَلَحَ (بِفَتْحِ اللاَّمِ) وَالْمَصْدَرُ صُلُوحٌ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَكَيْفَ بِأَطْرَافِي إِذَا مَا شَتَمْتَنِي……وَمَا بَعْدَ شَتْمِ الوَالِدَيْنِ صُلُوحُ
وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍٍ: الإِصْلاَحُ: نَقِيضُ الإِفْسَادِ. وَأَصْلَحَ الشَّيْءَ بَعْدَ فَسَادِهِ: أَقَامَهُ . وَأَصْلَحَ الدَّابَّةَ: أَحْسَنَ إِلَيْهَا فَصَلَحَتْ. وَالصُّلْحُ: تَصَالُحُ القَوْمِ بَيْنَهُم . وَالصُّلْحُ: السِّلْمُ . وَقَدِ اصْطَلَحُوا وَصَالَحُوا وَتَصَالَحُوا وَاصَّلَحُوا وَاصَّالَحُوا مُشَدَّدَةُ الصَّادِ قَلَبُوا التَّاءَ صَادًا، وَأَدْغَمُوهَا فِي الصَّادِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَوْمٌ صُلُوحٌ: مُتَصَالِحُونَ، كَأَنَّهُمْ وُصِفُوا بِالْمَصْدَرِ . وَالصِّلاَحُ ـ بِكَسْرِ الصَّادِ ـ: مَصْدَرٌ كَالْمُصَالَحَةِ، وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُهَا، والاسْمُ الصُّلْحُ، يُذَكَّرُ ويُؤنَّثُ . وَأَصْلَحَ مَا بَيْنَهُمْ وَصَالَحَهُمْ مُصَالَحَةً وصَلاَحًا(1).
واصطلاحًا:
__________
(1) لسان العرب لابن منظور( 2‍/6‍‍‍، 7‍‍‍). وانظر: مختار الصحاح( 7‍‍‍).ومقاييس اللغة (3‍/3‍‍‍).

(1/1)


مَأْخُوذٌ مِنَ الصُّلْحِ: وَهُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ، وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ خِلاَفُ الْمُخَاصَمَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الصَّلاَحِ وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادَ، وَمَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى حُسْنِه الذَّاتِيِّ، وكَمْ مِنْ فَسَادٍ انْقُلِبَ بِهِ إِلَى الصَّلاَحِ بِحُسْنِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الفَسَادِ وَالفِتَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (الحجرات/9‍)، وقَالَ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . قَالُوا: مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ... فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ حَسَنَةٌ؛ لأَنَّ فِيهِ إِطْفَاءَ الثَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَرَفْعَ الْمُنَازَعَاتِ المُوبِقَاتِ عَنْهُمْ(1).
من أنواع الإصلاح:
__________
(1) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي(5‍/9‍‍، 0‍‍). 


إصْلاَحُ ذَاتَِ البَيْنِ:وَمَعْنَى ذَاتِ الْبَيْنِ: صَاحِبَةُ البَيْنِ، وَالبَيْنُ فِي كَلاَمِ العَرَبِ يَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ: فَيَأْْتِي بِمَعْنَى الفِرَاقِ والفُرْقَةِ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الوَصْلِ. وَإِصْلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ عَلَى المَعْنَى الأَوَّلِ: يَكُونُ بِمَعْنَى إِصْلاَحِ صَاحِبَةِ الفُرْقَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَإِصْلاَحُهَا يَكُونُ بِإِزَالَةِ أَسْبَابِ الخِصَامِ، أَوْ بِالتَّسَامُحِ وَالعَفْوِ، أَوْ بِالتَّرَاضِي عَلَى وَجْهٍ مِنْ الوُجُوهِ، وَبِهَذَا الإِصْلاَحِ يَذْهَبُ البَيْنُ وَتَنْحَلُّ عُقْدَةُ الفُرْقَةِ . أَمَّا إِصْلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ عَلَى المَعْنَى الثَّانِي، فَيَكُونُ بِمَعْنَى إِصْلاَحِ صَاحِبَةِ الوَصْلِ والتَّحَابُبِ والتَّآلُفِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَإِصْلاَحُهَا يَكُونُ بِرَأْبِ مَا تَصَدَّعَ مِنْهَا، وَإِزَالَةِ الْفَسَادِ الَّذِي دَبَّ إِلَيْهَا بِسَبَبِ الْخِصَامِ والتَّنَازُعِ عَلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا(1).

 
الإصلاح في القرآن الكريم:
وَقَدْ وَرَدَ الإِصْلاَحُ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ،مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُوصِي أَخَاهُ هَارُونَ: { وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ولاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ } ( الأعراف/ 2‍‍‍). وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الرِّفْقِ.
__________
(1) انظر: الأضداد للأنباري: 5‍‍،والأضداد للأصمعي والسجستاني وابن السكيت (2‍‍، 1‍‍‍- 2‍‍‍، 5‍‍‍) . والأخلاق الإسلامية للميداني(2‍/0‍‍‍).

(1/3)


وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّ اللهِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود /8‍‍). وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الإِحْسَانِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (البقرة/1‍‍).
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } (الأعراف/5‍‍).
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الإِصْلاَحُ هُنَا الطَّاعَةُ، ضِدُّ الإِفْسَادِ وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } (هُود/ 7‍‍‍) والإِصْلاَحُ هُنَا بِمَعْنَى الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ(1).
[ للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ التعاون على البر والتقوى ـ حسن المعاملة ـ العفو ـ المروءة ـ النصيحة ـ التقوى ـ الصفح.
وفي ضد ذلك:انظر صفات: الفساد ـ التعاون على الإثم والعدوان ـ سوء المعاملة ـ العدوان].
الآيات الواردة في "الإصلاح"
الإصلاح بعد التوبة مطمع في الغفران:
__________
(1) انظر: نزهة العيون النواظر(7‍‍‍/8‍‍‍) بتصرف.

(1/4)


{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ(159)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)}(1)
{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(86)أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(87)خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ(88)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(89)}(2)
{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً(15)وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا(16)}(3)
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(146)}(4)
__________
(1) البقرة:159 - 160 مدنية.
(2) آل عمران :86 - 89 مدنية.
(3) النساء : 15 - 16 مدنية.
(4) النساء : 145 - 146 مدنية.

(1/5)


{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(48)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمْ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(49)}(1)
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(54)}(2)
{يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(35)}(3)
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(4)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5)}(4)
الأمر بإصلاح ذات البين :
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(182)}(5)
__________
(1) الأنعام : 48- 49 مكية.
(2) الأنعام : 54 مكية.
(3) الأعراف : 35 مكية.
(4) النور : 4 - 5 مدنية.
(5) البقرة :18- 182 مدنية.

(1/6)


{وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(224)لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ(225)}(1)
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}(2)
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34)وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(35)}(3)
{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(114)}(4)
__________
(1) البقرة : 224 - 225 مدنية.
(2) البقرة :228 مدنية.
(3) النساء : 34- 35 مدنية.
(4) النساء : 114 مدنية.

(1/7)


{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا(127)وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(128)وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(129)وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا(130)}(1)
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)}(2)
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(9)إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(10)}(3)
__________
(1) النساء :127 - 130 مدنية.
(2) الأنفال : 1 مدنية.
(3) الحجرات : 9 - 10 مدنية.

(1/8)


النهي عن الإفساد بعد الإصلاح:
{وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)}(1)
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(85)}(2)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ(141)إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ(142)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(143)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي(144)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(145)أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ(146)فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(147)وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ(148)وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ(149)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي(150)وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ(152)}(3)
__________
(1) الأعراف : 56 مدنية.
(2) الأعراف :85 مكية.
(3) الشعراء : 154 -152 مكية.

(1/9)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ(45)قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(46)قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ(47)وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ(48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(49)وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ(50)فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)}(1)
الأمر بالإصلاح في النبوة والإمارة:
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاّعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(220)}(2)
__________
(1) النمل : 45 - 51 مكية.
(2) البقرة :219 - 220 مدنية.

(1/10)


{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142)}(1)
{قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لاّنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ(87)قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)}(2)
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ(170)}(3) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(40)}(4)
الأحاديث الواردة في "الإصلاح"
__________
(1) الأعراف : 142 مكية.
(2) هود : 87 - 88 مكية.
(3) الأعراف : 170 مكية.
(4) الشورى : 40 مكية.

(1/11)


1‍ـ *( عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: [اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ ـ وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ ـ: أَيْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إليهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ـ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ ـ فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولاَ لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ فَدَخَلاَ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَا وَقَالاَ لَهُ وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِالْمُطَّلِبِ؛ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلاَّ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ J عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: [إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ])*(1).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 5‍(4‍‍‍‍) واللفظ في 3‍‍(9‍‍‍‍).

(1/12)


2‍ـ *( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ])*(1).
3‍ـ *( عَنْ زَيْدِ بْنِ مِلْحَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ: [ إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ(2) إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأَرْوِيَّةِ(3) مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ. إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفَسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي])*(4).
__________
(1) أبوداود 4‍(9‍‍‍‍). والترمذي 4‍(9‍‍‍‍) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي
J أنه قال: [ هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين..]. وقال محقق جامع الأصول(6‍/668‍): وهو حديث صحيح.
(2) يأرز إلى الحجاز: أي يجتمع وينضم كما تأرز الحية إلى جحرها.
(3) الأروية: هي أنثى الوعول، برؤوس الجبال وجمعها: أروى
(4) الترمذي 5‍(0‍‍‍‍). وقال: هذا حديث حسن صحيح

(1/13)


4‍ـ *( عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J كَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ عَلَى أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يُفْدُوا عَانِيَهُمْ(1) بِالْمَعْرُوفِ، وَالإِصْلاَحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ)*(2).
__________
(1) عانيهم: العاني الذليل والأسير
(2) أحمد (1‍/1‍‍‍)واللفظ له. والهيثمي في المجمع (4‍/6‍‍‍) وأشار إلى رواية أحمد وقال: فيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ولكنه ثقة .. وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (1‍‍/5‍‍‍، ح 4‍‍‍‍): إسناده صحيح.وأشار إلى رواية ابن عباس أيضًا (ح 3‍‍‍‍).

(1/14)


5‍ـ *( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ J جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَارَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: [ رَجُلاَنِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَارَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي. فَقَالَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَارَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي]. قَالَ: وَفَاضَتَ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ J بِالْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ: [إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ . فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ لأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ أَوْ لأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ أَوْ لأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ. قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ. قَالَ: بِمَاذَا؟. قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ. قَالَ يَارَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ. قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J عِنْدَ ذَلِكَ: اتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ])*(1).
__________
(1) الحاكم في المستدرك (4‍/6‍‍‍)واللفظ له، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه . والمنذري في الترغيب (3‍/9‍‍‍) وأشار إلى تصحيح الحاكم وقال: أخرجه البيهقي.

(1/15)


6‍ـ *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ: [ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ(1) فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ(2) حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنَ حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنَ حَتَّى يَصْطَلِحَا])*(3).
__________
(1) شحناء: عداوة وبغضاء
(2) انظروا: أي أخروهما.
(3) مسلم (5‍‍‍‍).

(1/16)


7‍ـ *( عَن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّه َJ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لاَ تُرْوِيهَا. قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِJ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ(1). فَإِمَّا دَعَا، وَإِمَّا بَسَقَ(2) فِيهَا . قَالَ: فَجَاشَتْ(3). فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُم إِنَّ رَسُولَ اللهِJ دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: [بَايِعْ . يَا سَلَمَةُ]. قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَارَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ . قَالَ: [وَأيْضًا ] . قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ اللهِ J عَزِلاً(4) (يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ).قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ J حَجْفَةَ أَوْ دَرَقَةً(5) ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ: أَلاَ تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟]. قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَارَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ. قَالَ: [وَأَيْضًا ] قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَالَ لِي: [يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجْفَتُكَ أَوْ
__________
(1) جبا الركية: الجبا ما حول البئر . والركي البئر . والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء . ووقع هنا الركية بالهاء . وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره
(2) وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق . وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق . ثلاث لغات بمعنى . والسين قليلة الاستعمال.
(3) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانًا، اذا ارتفع
(4) عَزْلاً: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما . وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضًا: أعزل، وهوالأشهر استعمالاً
(5) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.

(1/17)


دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟]. قَالَ: قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلاً . فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا . قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ J وَقَالَ:[إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الأَوَّلُ(1): اللَّهُمَّ أَبْغِنِي(2)حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي]. ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا(3) الصُّلْحَ. حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ(4)، واَصْطَلَحْنَا. قَالَ وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ(5). أَسْقِي فَرَسَهُ،وَأَحُسُّهُ(6)، وَأَخْدُمُهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ . وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ J. قَالَ فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فكَسَحْتُ شَوْكَهَا(7) فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا . قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللهِ J. فَأَبْغَضْتُهُمْ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى. وَعَلَّقُوا سِلاَحَهُمْ، وَاضْطَجَعُوا. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي:يَا
__________
(1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف . أي إنك كالقول الذي قاله الأول . فالأول: بالرفع فاعل . والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان . يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه
(2) أبغني: أي أعطني .
(3) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة . أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(4) مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعني إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع . فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض .
(5) كنت تبيعًا لطلحة: أي خادمًا أتبعه
(6) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه
(7) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك

(1/18)


لَلْمُهَاجِرِينَ؛قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي(1) ثُمَّ شَدَدْتُ(2) عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ، وَهُمْ رُقُودٌ فَأَخَذْتُ سِلاَحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا(3)فيِ يَدِي. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لاَ يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلاَّ ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ(4). قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ J. قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاَتِ(5) يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ Jعَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ(6). فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ J فَقَالَ: [دَعُوهُمْ. يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ(7)].فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ J. وَأَنْزَلَ اللهُ: { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (الفَتْح/4‍‍) الآية كلها... الحديث)*(8).
__________
(1) فاخترطت سيفي: أي سللته
(2) شددت: حملت وكررت
(3) ضغثًا: الضغث الحزمة . يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة . قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع
(4) الذي فيه عيناه: يريد رأسه
(5) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى . والنسبة إليهم عَبَلِيٌّ . ترده إلى الواحد
(6) مجفف: أي عليه تجفاف . وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح . وجمعه تجافيف
(7) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثِنَاهُ فمعناه عودة ثانية . قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين .
(8) مسلم (7‍‍‍‍).

(1/19)


8‍ـ *( عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ J: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ . فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ J وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمونَ يَمْشُونَ مَعَهُ ـ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ ـ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي. وَاللهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِJ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ . فَغَضِبَ لِعَبْدِاللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَا (1) فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ . فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } الحجرات/9‍)*(2).
9‍ـ *(عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ـ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ
J أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ J وَهُوَ يَقُولُ:[ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي(3) خَيْرًا ])*(4).
الأحاديث الواردة في "الإصلاح" معنًى
__________
(1) فشتما: هكذا في الفتح، وعبارة البخاري (طبعة البغا): فشتمه.
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(1‍‍‍‍)واللفظ له. ومسلم (9‍‍‍‍) وليس عند مسلم قوله [ فشتما ].
(3) ينمي: بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وإصلاح وبالتشديد الإفساد
(4) البخاري ـ الفتح 5‍(2‍‍‍‍). مسلم (5‍‍‍‍)واللفظ له.

(1/20)


10‍- *( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [ كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ(1) بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ])*(2).
المثل التطبيقي من حياة النبي
J في "الإصلاح"
1‍‍- *(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ رَسُولِ اللهِ
J . فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ J:[ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ. فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ. فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي. إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ . فَقَالَ الَّذِي شَرَى(3) الأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا . قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ.وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ . وَتَصَدَّقَا])*(4).
__________
(1) يعدل بين الناس: يصلح بينهم
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(7‍‍‍‍)واللفظ له. ومسلم (9‍‍‍‍).
(3) شرى: باع.
(4) مسلم (1‍‍‍‍).

(1/21)


12‍ـ *( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ: أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ J فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ J . فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ J . فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ J حُبِسَ، وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ . فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ J يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ(1)حَتَّى أَكْثَرُوا ـ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَكَادُ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاَةِ ـ فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِالنَّبِيِّ J وَرَاءَهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا هُوَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ J فَصَلَّى بِالنَّاسِ . فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّفِّ، فِي صَلاَتِكُمْ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ، إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ َشَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ لَمْ تُصَلِّ بِالنَّاسِ؟] فَقَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ J )*(2)
__________
(1) التصفيح: قال النووي: التصفيح أن تضرب المرأة كفها الأيمن ظهر كفها الأيسر، وقد يحدث من الرجال كما هنا
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(0‍‍‍‍)واللفظ له. ومسلم (1‍‍‍).

(1/22)


.
13‍ـ *( عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
J فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ J وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ J إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: [ يَا كَعْبُ ] فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَارَسُولَ اللهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ . فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَارَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [قُمْ فَاقْضِهْ])*(1).
14‍ـ *( عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ
J صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمْ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لاَ أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ J فَقَالَ: [أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: أَنَا يَارَسُولَ اللهِ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ )*(2).
__________
(1) البخاري ـ الفتح 5‍(0‍‍‍‍).
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(5‍‍‍‍).(ومعنى أَيُّ ذلك أحب) أي من الوضع أو الرفق وراجع صفة [الإحسان].

(1/23)


15‍ـ*(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: تُوفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ فَأَبَوْا، وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ J فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:[ إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ آذَنْتَ رَسُولَ اللهِ J]. فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَة ثُمَّ قَالَ:[ ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ (1)]. فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلاَّ قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسْقًا: سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ(2)، أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ . فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ J الْمَغْرِبَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَضَحِكَ فَقَالَ:[ ائْتِ أَبَابَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا ] فَقَالاَ: لَقَدْ عَلِمْنَا ـ إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ J مَا صَنَعَ ـ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ )*(3).
16‍*( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ
J بِذَلِكَ، فَقَالَ: [ اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحْ بَيْنَهُمْ])*(4).
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في "الإصلاح"
__________
(1) فأوفهم: أي أعطهم وأوسع عليهم
(2) اللون: ماعدا العجوة، وقيل: هو الدقل وهو الرديء، وقيل: اللون اللين واللينة، وقيل: الأخلاط من التمر
(3) البخاري ـ الفتح 5‍(9‍‍‍‍).
(4) البخاري ـ الفتح 5‍(3‍‍‍‍).

(1/24)


1‍ـ *( رُوِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي عَذْرَةَ الدُّؤَلِيَّ ـ وَكَانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ كَانَ يَخْلَعُ النِّسَاءَ اللاَّتِي يَتَزَوَّجُ بِهِنَّ، فَطَارَتْ لَهُ فِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ أُحْدُوثَةٌ يَكْرَهُهُا، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِاللهِ بْنِ الأَرْقَمِ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أُنْشِدُكِ بِاللهِ هَلْ تَبْغَضِينَنِي؟ قَالَتْ: لاَ تَنْشُدْنِي، قَالَ: فَإِنِّي أُنْشِدُكِ اللهَ،قَالَتْ: نَعَمْ . فَقَالَ لابْنِ الأَرْقَمِ:أَتَسْمَعُ؟ ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَ أَنِّي أَظْلِمُ النَّسَاءَ وَأَخْلَعُهُنَّ فَاسْأَلِ ابْنَ الأَرْقَمِ.فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ،فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةِ ابْنِ أَبِي عَذْرَةَ فَجَاءَتْ هِيَ وَعَمَّتُهَا،فَقَالَ: أَنْتِ الَّتِي تُحَدِّثِينَ لِزَوْجِكِ أَنَّكِ تَبْغَضِينَهُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّي أَوَّلُ مَنْ تَابَ وَرَاجَعَ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى. إِنَّهُ نَاشَدَنِي فَتَحَرَّجْتُ أَنْ أَكْذِبَ. أَفَأَكْذِبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ . فَاكْذِبِي، فَإِنْ كَانَ إِحْدَاكُنَّ لاَ تُحِبُّ أَحَدَنَا فَلاَ تُحَدِّثْهُ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَقَلَّ الْبُيُوتِ الَّذِي بُنِيَ عَلَى الْحُبِّ وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَعَاشَرُونَ بِالإِسْلاَمِ وَالأَحْسَابِ])*(1).
2‍ـ *( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا ])*(2).
__________
(1) إحياء علوم الدين(3‍/8‍‍‍).
(2) البخاري ـ الفتح 5‍(3‍‍‍).

(1/25)


3‍ـ *( قَالَ ابْنُ بَابَوَيْهِ: [ إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَحَبَّ الْكَذِبَ فِي الإِصْلاَحِ، وَأَبْغَضَ الصِّدْقَ فِي الْفَسَادِ])*(1).…
4‍ـ *( يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ:[فَالصُّلْحُ الْجَائِزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُ فِيهِ رِضَا اللهِ سُبْحَانَهُ وَرِضَى الْخَصْمَيْنِ، فَهَذَا أَعْدَلُ الصُّلْحِ وَأَحَقُّهُ، وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ وَالْعَدْلَ، فَيَكُونُ الْمُصْلِحُ عَالِمًا بِالْوَقَائِعِ، عَارِفًا بِالْوَاجِبِ، قَاصِدًا لِلْعَدْلِ، فَدَرَجَةُ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ])*(2).
5‍- *( عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقَالَ: أَصْلَحْتُ بَيْنَ قَوْمٍ، فَقَاَل مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: أَصَبْتَ. لَكَ مِثْلُ أَجْرِ الْمُجَاهِدِينَ، ثُمَّ قَرَأَ {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ...} (النساء/‍))*(3).
__________
(1) منهاج الصالحين للبليق(0‍‍‍).
(2) أَعلام الموقعين(1‍/9‍‍‍ـ 0‍‍‍)
(3) المرجع السابق (2‍/5‍‍‍).

(1/26)


6‍- *( قَالَ الْعُلَمَاءُ: لاَ تَخْلُو الفِئَتَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي اقْتِتَالِهِمَا، إِمَّا أَنْ يَقْتَتِلاَ عَلَى سَبِيلِ البَغْيِ مِنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ؛ فَالوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْشَى بَيْنَهُمَا بِمَا يُصْلِحُ ذَاتَ الْبَيْنِ، وَيُثْمِرُ الْمُكَافَّةَ وَالْمُوَادَعَةَ. فَإِنْ لَمْ يَتَحَاجَزَا وَلَمْ يَصْطَلِحَا وَأَقَامَتَا عَلَى البَغْىِ صِيرَ إِلَى مُقَاتَلَتِهِمَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا بَاغِيَةً عَلَى الأُخْرَى، فَالوَاجِبُ أَنْ تُقَاتَلَ فِئَةُ البَغْيِ إِلَى أَنْ تَكُفَّ وَتَتُوبَ؛ فَإِنْ فَعَلَتْ أُصْلِحَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهَا باِلْقِسْطِ وَالْعَدْلِ، فَإِنِ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا لِشُبْهَةٍ دَخَلْتَ عَلَيْهِمَا وَكِلْتَاهُمَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمَا مُحِقَّةٌ، فَالوَاجِبُ إِزَالَةُ الشُّبْهَةِ بِالْحُجَّةِ النَّيِّرَةِ وَالْبَرَاهِينِ القَاطِعَةِ عَلَى مَرَاشِدِ الْحَقِّ. فَإِنْ رَكِبَتَا مَتْنَ اللِّجَاجِ وَلَمْ تَعْمَلاَ عَلَى شَاكِلَةِ مَا هُدِيَتَا إِلَيْهِ وَنُصِحَتَا بِهِ مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُمَا فَقَدْ لَحِقَتَا بِالْفِئَتَيْنِ البَاغِيَتَيْنِ)*(1).
7‍- *( قَالَ الطَّبَرِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (النساء/114‍) [هُوَ الإِصْلاَحُ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَيْنِ أَوِ الْمُخْتَصِمَيْنَ بِمَا أَبَاحَ اللهُ الإِصْلاَحَ بَيْنَهُمَا لِيَرْجِعَا إِلَى مَا فِيهِ الأُلْفَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ عَلَى مَا أَذِنَ اللهُ وَأَمَرَ بِهِ)*(2).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن الكريم (6‍‍/8‍‍‍).
(2) تفسير الطبري (4‍/6‍‍‍).

(1/27)


8‍- *( قَالَ الفُضَيْلُ: إِذَا أَتَاكَ رَجُلٌ يَشْكُو إِلَيْكَ رَجُلاً فَقُلْ يَا أَخِي اعْفُ عَنْهُ فَإِنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، فَإِنْ قَالَ: لاَ يَحْتَمِلُ قَلْبِي العَفْوَ وَلَكِنْ أَنْتَصِرُ كَمَا أَمَرَنِي اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قُلْ: فَإِنْ كُنْتَ تُحْسِنُ تَنْتَصِرُ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَإِلاَّ فَارْجِعْ إِلَى بَابِ العَفْوِ فَإِنَّهُ بَابٌ أَوْسَعُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَصَاحِبُ العَفْوِ يَنَامُ اللَّيْلَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَصَاحِبُ الانْتِصَارِ يُقَلِّبُ الأُمُورَ)*(1).
من فوائد "الإصلاح"
(1‍) الإِصْلاَحُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَنَازَعُوا وَاجِبٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِتَسْتَقِيمَ حَيَاةُ الْمُجْتَمَعِ وَيَتَّجِه نَحْوَ الْعَمَلِ الْمُثْمرِ.
(2‍) بِالإِصْلاَحِ تَحِلُّ الْمَوَدَّةُ مَحَلَّ الْقَطِيعَةِ، وَالْمَحَبَّةُ مَحَلَّ الْكَرَاهِيَةِ، وَلِذَا يُسْتَبَاحُ الكَذِبُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِهِ.
(3‍) الإِصْلاَحُ بيَنْ َالنَّاسِ يَغْرِسُ فِي نُفُوسِهِمْ فَضِيلَةَ الْعَفْوِ .
(4‍) الإِصْلاَحُ مَنْبَعُهُ النُّفُوسُ السَّامِيَةُ وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ
J يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ وَيَسْعَى لِلإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ.
(5‍) اكْتِسَابُ الْحَسَنَاتِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْ جَرَّاءِ الإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ .
(6‍) إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ نَافِلَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ .
(7‍) يُثْمِرُ الْمَغْفِرَةَ لِلْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْمُصَالَحَةِ.
(8‍) عَدَمُ الإِصْلاَحِ يُؤَدِّي إِلَى اسْتِشْرَاءِ الفَسَادِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَضَيَاعِ الْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ الرَّفِيعَةِ.
(9‍) الإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ عَهْدٌ أُخِذَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
__________
(1) حلية الأولياء (5‍/2‍‍‍).

===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...