Translate سكا.....

السبت، 30 أبريل 2022

مجلد 3 و4. من كتاب تهذيب اللغة محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور

 

تهذيب اللغة محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) حلّ يُحل. فأمَّا المحِلّ بِكَسْر الْحَاء فَهُوَ من حَلّ يَحلّ أَي وَجب يجب. قَالَ: الله جلّ وعزّ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ} (البَقَرَة: 196) أَي الْموضع الَّذِي يَحِلّ فِيهِ نحرُه. والمصدر من هَذَا بِالْفَتْح أَيْضا، وَالْمَكَان بِالْكَسْرِ. وَجمع المحلّ محالّ. وَيُقَال: مَحَلّ ومحلَّة بِالْهَاءِ؛ كَمَا يُقَال: منزِل ومنزلة.

وَقَالَ اللَّيْث: الحِلّة: قوم نزُول. وَقَالَ الْأَعْشَى:
لقد كَانَ فِي شَيبَان لَو كنتَ عَالما
قِباب وحَيّ حِلّة وقنابل
أَبُو عبيد: الحِلاَل: جماعات بيُوت النَّاس وَاحِدهَا حِلّة. قَالَ: وحَيّ حِلال أَي كثير وَأنْشد شمر:
حيّ حِلاَل يَزَعون القَنْبلا
والْحِلاَل: مَتَاع الرَحْل. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ضرا إِذا وضعت إِلَيْك حِلاَلها
وَقَالَ اللَّيْث: الحَلّ الْحُلُول وَالنُّزُول.
قلت: يُقَال حَلّ يُحل وحُلُولاً. وَقَالَ المثقِّب العبديّ:
أكلّ الدَّهْر حَلّ وارتحال
أما تُبقي عليّ وَلَا تقيني
قَالَ: والحَلّ: حَلّ العُقدة. يُقَال حللتها أحُلّها حَلاً، فانحلَّت. وَمِنْه الْمثل السائر: يَا عَاقد اذكر حَلاّ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى} (طاه: 81) قرىء {وَمَن يَحْلِلْ} بِضَم اللَّام وَكسرهَا. وَكَذَلِكَ قرىء: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} (طه: 81) بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا. قَالَ الْفراء: وَالْكَسْر فِيهِ أحبُّ إليَّ من الضَّم لِأَن الْحُلُول مَا وَقع، مِن يَحُلَّ، ويَحِلُّ: يجب، وَجَاء التَّفْسِير بِالْوُجُوب لَا بالوقوع، وكلّ صَوَاب.
قَالَ: وأمّا قَوْله جلّ وعزّ: {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (طاه: 86) فَهِيَ مَكْسُورَة. وَإِذا قلت: حلّ بهم الْعَذَاب كَانَت يُحلّ لَا غير. وَإِذا قلت: عليَّ أَو قلت: يحلّ لَك كَذَا وَكَذَا فَهِيَ بِالْكَسْرِ.
وَقَالَ الزّجاج: من قَالَ: يحلّ لَك كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بِالْكَسْرِ، وَمن قَرَأَ: (فيحِلّ عَلَيْكُم) فَمَعْنَاه فَيجب عَلَيْكُم. وَمن قَرَأَ: (فيحُلّ) فَمَعْنَاه: فَينزل. وَالْقِرَاءَة {وَمَن يَحْلِلْ} بِكَسْر اللَّام أَكثر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَلّ عَلَيْهِ الحقّ يَحِلُّ مَحَلاّ. قَالَ وَكَانَت الْعَرَب إِذا نظرت إِلَى الْهلَال قَالَت: لَا مرْحَبًا بِمُحلِّ الديْن مُقرِّب الْأَجَل. قَالَ ومَحِلُّ الهَدْي يَوْم النَّحْر بمنى.
قلت: مَحِلّ الهَدْي للمتمتع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج بِمَكَّة إِذا قدِمها، وَطَاف بِالْبَيْتِ، وسعى بَين الصَّفَا والمروة.
ومَحِلّ هَدْي الْقَارِن يومَ النَّحْر بمنى.
وَقَالَ اللَّيْث: والحِلّ: الرجل الْحَلَال الَّذِي لم يُحرم، أَو كَانَ أحرم فحلّ من إِحْرَامه. يُقَال: حلّ من إِحْرَامه حِلاً.
قَالَت عَائِشَة: طيّبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحرْمه حِين أحرم، ولِحلّه حِين حَلّ من إِحْرَامه. وَيُقَال رجل حِلّ وحَلاَل، وَرجل حِرْم

(3/280)


وحَرَام أَي محرم. وَأما قَول زُهَيْر:
وَكم بالقَنان من مُحلّ ومحرم
فَإِن بَعضهم فسَّره وَقَالَ: أَرَادَ: كم بالقنان من عَدو يرى دمي حَلَالا، وَمن محرم أَي يرَاهُ حَرَامًا. وَيُقَال المحلّ: الَّذِي يحلّ لنا قِتَاله، وَالْمحرم: الَّذِي يحرم علينا قِتَاله. وَيُقَال: المُحِلّ: الَّذِي لَا عهد لَهُ وَلَا حُرْمَة، وَالْمحرم: الَّذِي لَهُ حُرْمَة. وَيُقَال للَّذي هُوَ فِي الْأَشْهر الْحرم: مُحرم، وللذي خرج مِنْهَا مُحِلّ. وَيُقَال للنازل فِي الْحرم: مُحرم، وللخارج مِنْهُ مُحِلّ. وَذَلِكَ أَنه مَا دَامَ فِي الْحرم يَحرم عَلَيْهِ الصَّيْد والقتال وَإِذا خرج مِنْهُ حل لَهُ ذَلِك.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الحُلّة القُنْبُلانيّة وَهِي الكَرَاخة.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يَمُوت لمُؤْمِن ثَلَاثَة أَوْلَاد فتمسُّه النَّار إلاّ تَحِلَّة القَسَم) .
قَالَ أَبُو عبيد: معنى قَوْله: (تحِلّة الْقسم) قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} (مريَم: 71) قَالَ: فَإِذا مرّ بهَا وجازها فقد أبرّ الله قسمَه.
وَقَالَ غير أبي عبيد: لَا قسم فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فَكيف يكون لَهُ تَحِلّة وَإِنَّمَا التحلّة للأَيمان. قَالَ: وَمعنى قَوْله (إِلَّا تَحِلَّة الْقسم) إِلَّا التعذير الَّذِي لَا يَنْدَاهُ مِنْهُ مَكْرُوه. وَمثله قَول الْعَرَب: ضَربته تحليلاً، ووعظته تعذيراً، أَي لم أبالغ فِي ضربه ووعظه. وأصل هَذَا من تَحْلِيل الْيَمين وَهُوَ أَن يحلف الرجل، ثمَّ يَسْتَثْنِي اسْتَثْنَاهُ متِّصلاً بِالْيَمِينِ غيرَ مُنْفَصِل عَنْهَا. يُقَال: آلى فلَان ألِيّة لم يتحلّل فِيهَا، أَي لم يسْتَثْن، ثمَّ يَجْعَل ذَلِك مثلا للتقليل. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
نَجَائِب وقعهن الأرضَ تحليلُ
أَي قَلِيل هيّن يسير. وَيُقَال للرجل إِذا أمعن فِي وَعِيد أَو أفرط فِي فَخر أَو كَلَام: حِلاّ أَبَا فلَان، أَي تحلَّل فِي يَمِينك، جعله فِي وعيده إِيَّاه كاليمين. فَأمره بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَيُقَال أَيْضا: تحلّل فلَان من يَمِينه إِذا خرج مِنْهَا بكفّارة أَو حِنْث يُوجب الكفّارة. وَيُقَال: أعطِ الْحَالِف حُلاّن يَمِينه. وَقَالَ امرء الْقَيْس:
عَلَيَّ وآلت حَلْفة لم تَحَلّل
وَقَالَ:
غذاها نمير المَاء غيرَ محلِّل
قَالَ اللَّيْث غير مُحَلل غير يسير. قَالَ: وَيحْتَمل هَذَا الْمَعْنى أَن يَقُول: غذاها غِذاء لَيْسَ بمحلِّل أَي لَيْسَ بِيَسِير، وَلكنه غذَاء مَرِيء ناجع. قَالَ: ويروى: غير مُحَلَّل، أَي غير منزول عَلَيْهِ فيكدّره ويفسده.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم غير محلَّل يُقَال: إِنَّه أَرَادَ مَاء الْبَحْر أَي أَن الْبَحْر لَا يُنزل عَلَيْهِ؛ لِأَن مَاءَهُ زُعَاق لَا يذاق فَهُوَ غير محلَّل أَي غير منزول عَلَيْهِ. قَالَ: وَمن قَالَ: غير محلَّل أَي غير قَلِيل فَلَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَن مَاء الْبَحْر لَا يُوصف بالقلة وَلَا بِالْكَثْرَةِ لمجاوزة حدّه الْوَصْف.
وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قضى فِي الأرنب إِذا قَتله الْمحرم بحُلاَّن. وفسّر فِي الحَدِيث أَنه

(3/281)


جَدْي ذكر.
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قضى فِي أم حُبَيْن بحُلاّن، وَفسّر فِي الحَدِيث أَنه الحَمَل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلاّن: الجَدْي الَّذِي يُبقر عَنهُ بطن أمه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ ولد المعزى حُلاَمٌ وَحُلاّن وَأنْشد:
تُهْدَى إِلَيْهِ ذراعُ الْجَفْر تكرمة
إمّا ذبيحاً وإمّا كَانَ حُلاّنا
قَالَ: والذبيح: الْكَبِير الَّذِي قد أدْرك أَن يضَحّى بِهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُلاَّم والحلاّن وَاحِد، وَهُوَ مَا يُولد من الْغنم صَغِيرا. وَهُوَ الَّذِي يَخُطُّون على أُذُنه إِذا وُلد خطّاً، فَيَقُولُونَ: ذكّيناه، فَإِن مَاتَ أكلوه.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب قَالَ عَرَّام: الحُلاّم: مَا بَقَرْت عَنهُ بطنَ أمه، فَوَجَدته قد حَمَّم وشَعَّر فَإِن لم يكن كَذَلِك فَهُوَ غَضِين. وَقد أغضنت النَّاقة إِذا فعلت ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو سعيد: ذُكر أَن أهل الجاهليّة كَانُوا إِذا ولَّدوا شَاة عَمَدوا إِلَى السَخْلة فشرطوا أُذُنه، وَقَالُوا وهم يشرطون: حُلاّن حَلاّن أَي حَلاَل بِهَذَا الشَّرْط أَن يُؤْكَل. فَإِن مَاتَ كَانَت ذَكَاته عِنْدهم ذَلِك الشَّرْط الَّذِي تقدم وَهُوَ معنى قَول ابْن أَحْمَر. قَالَ وَيُسمى حُلاَنا إِذا حُلّ من الرِّبْق، فَأقبل وَأدبر.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحُلاّن: الحَمَل.
وروى سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ حِلّ وبِلّ يَعْنِي زَمْزَم. فَسئلَ سُفْيَان مَا حِلّ وبِلّ؟ قَالَ: حِلّ محلَّل.
قلت: وَيُقَال: هَذَا حِلّ لَك وحلال، كَمَا يُقَال لضده: حِرْم وَحرَام أَي محرّم.
وروى الْأَصْمَعِي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان أَنه قَالَ: البِلّ الْمُبَاح بلغَة حمير.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَرض مِحلال، وَهِي السهلة اللّينة. ورَحَبة محلال أَي جَيِّدَة لمحلّ النَّاس، وروضة محلال إِذا أَكثر الْقَوْم الْحُلُول بهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الأخطل:
وشربتها بأريضة مِحلال
قَالَ الأريضة المخصبة: قَالَ: والمحلال: المختارة للحِلّة وَالنُّزُول، وَهِي العَذَاة الطّيبَة.
اللَّيْث: الحليل والحليلة: الزَّوْجَانِ، سُميّا بِهِ لِأَنَّهُمَا يُحلاّن فِي مَوضِع وَاحِد. والجميع الحلائل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمّيا بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُحالّ صَاحبه. قَالَ: وكل من نازلك أَو جاورك فَهُوَ حليلك أَيْضا. وَأنْشد:
وَلست بأطلس الثَّوْبَيْنِ يُصبي
حليلته إِذا هدأ النيام
قَالَ: لم يرد بالحليلة هَاهُنَا امْرَأَته، إِنَّمَا أَرَادَ جارته، لِأَنَّهَا تحالّه فِي الْمنزل. قَالَ وَيُقَال: إِنَّمَا سميت الزَّوْجَة حَلِيلَة، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحَلّ إِزَار صَاحبه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَلْحلت بِالْإِبِلِ إِذا قلت لَهَا حَلْ بِالتَّخْفِيفِ وَأنْشد:

(3/282)


قد جعلت نَاب دُكَيْن ترحل
أُخْرَى وَإِن صاحوا بهَا وحلحلوا
قَالَ وَيُقَال: حلحلت الْقَوْم إِذا أزلتهم عَن موضعهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال مَا يَتَحَلْحَل عَن مَكَانَهُ أَي مَا يَتَحَرَّك. وَأنْشد:
ثَهْلان ذُو الهَضَبات مَا يَتَحَلْحَل
يُقَال: تحلحل إِذا تحرّك وَذهب، وتلحلح إِذا قَامَ فَلم يَتَحَرَّك.
وَفِي الحَدِيث أَن نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلحلحت عِنْد بَيت أبي أَيُّوب وَوضعت جِرَانها أَي أَقَامَت وَثبتت. وَأَصله من قَوْلك ألَحَّ يُلَحّ. وألحَّت النَّاقة إِذا بَركت فَلم تَبْرَح مَكَانهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحُلاحل: الركين مَجْلِسه، وَالسَّيِّد فِي عشيرته. وَجمعه حَلاحِل.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
يَا لهف نَفسِي إِن خطِئن كاهلا
القاتلين الْملك الحُلاَحِلا
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كسا عليّاً حُلَّة سَيِراء. السِّيَراء: برود يخالطها حَرِير.
وَقَالَ شمر: وَقَالَ خَالِد بن جَنَبة: الحُلَّة: رِدَاء وقميص تَمامهَا الْعِمَامَة. قَالَ: وَلَا يزَال الثَّوْب الْجيد يُقَال لَهُ فِي الثِّيَاب حُلَّة، فَإِذا وَقع على الْإِنْسَان ذهبت حُلَّته حَتَّى يجمعن لَهُ، إِمَّا اثْنَان وَإِمَّا ثَلَاثَة. وَأنكر أَن تكون الحُلّة إذاراً ورداء وَحده. قَالَ: والحُلّل: الوَشْي: والحِبَرة والَخَّز والقز والقُوهيّ والمَرْدِيّ وَالْحَرِير. قَالَ: وَسمعت اليمامي يَقُول: الحُلّة: كل ثوب جيّد جَدِيد تلبسه، غليظ أَو رَقِيق وَلَا يكون إلاّ ذَا ثَوْبَيْنِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحُلّة: الْقَمِيص والإزار والرداء، لَا أقلَّ من هَذِه الثَّلَاثَة.
وَقَالَ شمر: الحُلّة عِنْد الْأَعْرَاب ثَلَاثَة أَثوَاب. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للإزار والرداء: حُلّة، وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا على انْفِرَاده: حُلّة.
قلت: وأمّا أَبُو عبيد فَإِنَّهُ جعل الحُلّة ثَوْبَيْنِ.
وروى شمر عَن القَعْنَبيّ عَن هِشَام بن سعد عَن حَاتِم بن أبي نَضرة عَن عبَادَة بن نُسيَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خير الْكَفَن الحُلّة، وَخير الضحِيّة الْكَبْش الأقرن) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحُلل: بُرُود الْيمن من مَوَاضِع مُخْتَلفَة مِنْهَا. قَالَ والحُلّة إِزَار ورداء، لَا تسمى حُلّة حَتَّى تكون ثَوْبَيْنِ. قَالَ: وممّا يبين ذَلِك حَدِيث عمر: أَنه رأى رجلا عَلَيْهِ حُلّة قد ائتزر بِإِحْدَاهُمَا وارتدى بِالْأُخْرَى فهذان ثَوْبَان. وَبعث عمر إِلَى مُعَاذ بن عفراء بحُلَّة فَبَاعَهَا، وَاشْترى بهَا خَمْسَة أرؤس من الرَّقِيق فَأعْتقهُمْ، ثمَّ قَالَ: إِن رجلا آثر قشرتين يَلْبسهُمَا على عتق هَؤُلَاءِ لغبين الرَّأْي. أَرَادَ بالقشرتين الثَّوْبَيْنِ.
قلت: وَالصَّحِيح فِي تَفْسِير الحُلّة مَا قَالَ أَبُو عبيد، لِأَن أَحَادِيث السّلف تدلّ على مَا قَالَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإحليل: مخرج اللَّبن من طُبْي النَّاقة وَغَيرهَا.
قلت: وإحليل الذّكر ثَقْبه الَّذِي يخرج مِنْهُ

(3/283)


الْبَوْل وَجمعه الأحاليل.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: المَحَالّ: الْغنم الَّتِي ينزل اللَّبن فِي ضروعها من غير نَتَاج وَلَا ولادٍ، الْوَاحِدَة مُحِلّ: يُقَال أحلّت الشَّاة فَهِيَ مُحِلّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أحل المالُ فَهُوَ يُحِلّ إحلالاً إِذا نزل دَرّه حينَ يَأْكُل الرّبيع. يُقَال: شَاة مُحِلّ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: إِذا كَانَ فِي عرقوبي الْبَعِير ضعف فَهُوَ أحَلّ وَبِه حَلَل. وذئب أحل وَبِه حَلَل، وَلَيْسَ بالذئب عَرَج وَإِنَّمَا يُوصف بِهِ لَخْمع يؤنَس مِنْهُ إِذا عدا.
وَقَالَ الطرماح:
يُحيل بِهِ الذِّئْب الأحلّ وقُوته
ذواتُ المرادِي من مَنَاقٍ ورُزَّح
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأحَلّ: أَن يكون منهوس المؤخّر أرْوح الرجلَيْن.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس أحَلّ، وحَلَلُه ضعف نَسَاه ورخاوة كعبيه.
وَفِي الحَدِيث: أَحِلّ بِمن أحَلّ بك.
قَالَ اللَّيْث: من ترك الْإِحْرَام وأحلّ بك فقاتلك.
وَفِيه قَول آخر، وَهُوَ أَن الْمُؤمنِينَ حُرّم عَلَيْهِم أَن يَقتل بَعضهم بَعْضًا، أَو يَأْخُذ بَعضهم مَال بعض، فكلّ وَاحِد مِنْهُم مُحْرِم عَن صَاحبه.
يَقُول: فَإِذا أحَلّ رجل مَا حُرّم عَلَيْهِ مِنْك فادفعه عَن نَفسك بِمَا تهيّأ لَك دفعُه بِهِ من سلَاح وَغَيره، وَإِن أَتَى الدفُع بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ. وإحلال البادىء ظلم، وإحلال الدَّافِع مُبَاح. وَهَذَا تَفْسِير الْفُقَهَاء. وَهُوَ غير مُخَالف لظَاهِر الْخَبَر.
وَقَالَ اللَّيْث أَرض محلال وروضة محلال إِذا أَكثر الْقَوْم الْحُلُول بهَا.
قلت لَا يُقَال لَهَا: محلال حَتَّى تُمرِع وتخصب وَيكون نباتها ناجعاً لِلْمَالِ.
وَقَالَ ذُو الرمة:
بأَجرع محلال مَرَبّ محلَّل
حَلْحَلة: اسْم رجل.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال للناقة إِذا زجرتها: حَلْ جزم، وحلٍ منون، وحَلِي جزم لَا حليت.
وَفِي الحَدِيث (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحلِّل والمحلَّل لَهُ) . وَهُوَ أَن يُطلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا فيتزوجها رجل، بِشَرْط أَن يطلّقها بعد مُوَافَقَته إِيَّاهَا؛ لتحلّ للزَّوْج الأول.
وكل شَيْء أَبَاحَهُ الله فَهُوَ حَلَال، وَمَا حرّمه فَهُوَ حرَام.
وَيُقَال: أحل فلَان أَهله بمَكَان كَذَا وَكَذَا إِذا أنزلهم. وحلّ الرجل من إِحْرَامه يحِلّ إِذا خرج من حُرْمهِ وأحَلّ لُغَة، وكرهها الْأَصْمَعِي وَقَالَ: أحَلّ إِذا خرج من شهور الْحرم أَو من عهد كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَال للْمَرْأَة تخرج من عِدَّتها: قد حَلَّت تَحِلّ حلاّ. وأحلّ الرجل بِنَفسِهِ إِذا اسْتوْجبَ العقوية.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُلّ إِذا سُكن وحَلَّ إِذا عدا. وَلبس فلانٌ حُلّته أَي سلاحه.
أَبُو زيد حللت بِالرجلِ وحَلَلته، وَنزلت بِهِ ونزلته.

(3/284)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَلّ: الشَيْرَج.
لح: قَالَ اللَّيْث: الإلحاح: الإقبال على الشَّيْء لَا يَفْتُر عَنهُ. وَتقول هُوَ ابْن عمّ لَحَ فِي النّكرة وَابْن عمّي لَحّا فِي الْمعرفَة. وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث والاثنان والجميع بِمَنْزِلَة الرجل الْوَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عبيد مثل ذَلِك سَوَاء.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: كل مَا كَانَ على فَعِلَتْ سَاكِنة التَّاء من ذَوَات التَّضْعِيف فَهُوَ مدغم، نَحْو صمّت المرأةُ وأشباهها، إلاّ أحرفاً جَاءَت نَوَادِر فِي إِظْهَار التَّضْعِيف، نَحْو لحِحَت عينُه إِذا التصقت. وَمِنْه يُقَال هُوَ ابْن عَمّي لحَّا وَهُوَ ابْن عمّ لَحَ، وَقد مَشِشَت الدابَّة، وصكِكَت، وَقد ضَبِب الْبَلَد أَو أَكثر ضِبابُه وألِلَ السقاء إِذا تغيَّرت رِيحه، وقَطِط شعره.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: تلحلح القومُ بِالْمَكَانِ إِذا ثبتوا بِهِ. وَمِنْه قَوْله:
لحَيّ إِذا قيل ارحلوا قد أُتيتمو
أَقَامُوا على أثقالهم وتلحلحوا
قَالَ: وَأما التحلحل: فالتحرك والذهاب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المِلحاح: الرجل الَّذِي يَعَضّ. وألَحَّ القَتَب على ظهر الْبَعِير إِذا عقره، وألحّ الرجلُ على غَرِيمه فِي التقاضي إِذا واظب، وألحّت النَّاقة، وألحّ الْجمل إِذا لزما مكانهما. فَلم يبرحا كَمَا يَحرُن الْفرس.
وَأنْشد:
كَمَا ألحّت على رُكبانها الخُور
وَرُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال حَرَن الدَّابَّة وألحّ الْجمل، وخلأت النَّاقة. قَالَ: والمُلِحّ: الَّذِي يقوم من الإعياء فَلَا يبرح.
قلت: وَأَجَازَ غَيره ألحَّت النَّاقة إِذا خَلأت وَأنْشد الْفراء لامْرَأَة دَعت على زَوجهَا بعد كبره:
تَقول وَرْيا كلّما تنحنحا
شَيخا إِذا قلّبته تلحلحا
قَالَ وَيَقُول الْأَعرَابِي إِذا سُئِلَ مَا فعل الْقَوْم؟ يَقُول: تلحلحوا أَي ثبتوا. وَيُقَال: تحلحلوا أَي تفَرقُوا.
قَالَ وَقَوْلها فِي الأرجوزة تلحلحا أَرَادَت: تحلحلا فقلبت. أَرَادَت أَن أعضاءه تفرّقت من الْكبر.
أَبُو سعيد: لحّت الْقَرَابَة بيني وَبَين فلَان إِذا صَارَت لِحّا، وكلّت تِكلّ كَلَالَة إِذا تَبَاعَدت. ووادٍ لاحّ أَي ضيق بالأشِب من الشّجر. وَمَكَان لِحح: لاحّ.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة إِسْمَاعِيل وأمّه هَاجر وَإِسْكَان إِبْرَاهِيم إيَّاهُمَا مَكَّة: والوادي يومئذٍ لاحّ أَي كثير الشّجر. قَالَ الشماخ:
بخوصاوين فِي لِحح كنين
أَي فِي مَوضِع ضيق يَعْنِي مقَرّ عني نَاقَته. وَرَوَاهُ شمر: والوادي يَوْمئِذٍ لاخ بِالْخَاءِ. وَقد فسر فِي مَوْضِعه.

(بَاب الْحَاء وَالنُّون)
(ح ن)
حن، نح: (مستعملان) .
حن: قَالَ اللَّيْث: الحِنّ: حَيّ من الجنّ،

(3/285)


يُقَال: مِنْهُم الْكلاب السود البُهم. يُقَال: كلب حِنّي.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الحِنّ: كلاب الجنّ. رُوي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ غَيره، هم سَفِلة الْجِنّ.
عَمْرو عَن أَبِيه المحنون: الَّذِي يُصرع ثمَّ يُفيق زَمَانا.
وَقَالَ اللَّيْث: حنين النَّاقة على مَعْنيين. حنينها: صوتُها إِذا اشتاقت إِلَى وَلَدهَا. وحنينها نزاعها إِلَى وَلَدهَا من غير صَوت. وَقَالَ رؤبة:
حَنَّتْ قَلوصِي أمس بالأُرْدُنّ
حِنِّي فَمَا ظُلِّمت أَن تحنِيّ
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي أصل أسطوانة جِذْع فِي مَسْجده، ثمَّ تحوّل إِلَى أصلِ أُخْرَى، فحنّت إِلَيْهِ الأولى، ومالت نَحوه حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا، فاحتضنها فسكنت.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال للسهم الَّذِي يصوّت إِذا نَفَّزْتَه بَين إصبعيك: حَنَّان. وَأنْشد قَول الْكُمَيْت:
فاستل أهزع حنّانا يعلّله
عندالإدامة حَتَّى يرنو الطرِب
إدامته: تنفيزه. يعلّله: يغنّيه بِصَوْتِهِ. حَتَّى يرنو لَهُ الطَّرب: يستمع إِلَيْهِ وَينظر متعجّباً من حسنه. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والحَنّان الَّذِي يحِنّ إِلَى الشَّيْء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَنّان من أَسمَاء الله بتَشْديد النُّون بِمَعْنى الرَّحِيم.
قَالَ: والحَنَان بِالتَّخْفِيفِ: الرَّحْمَة. قَالَ: والحَنَان: الرزق، والحَنَان: الْبركَة. والحَنَان الهيبة، والحَنَان: الْوَقار.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: مَا نرى لَك حَنَاناً أَي هَيْبَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنَان: الرَّحْمَة، وَالْفِعْل التحنُّن. قَالَ: وَالله الحَنَّان المنَّان الرَّحِيم بعباده وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} (مريَم: 13) أَي رَحْمَة من لدنا.
قلت: والحَنَّان من أَسمَاء الله تَعَالَى، جَاءَ على فعّال بتَشْديد النُّون صَحِيح. وَكَانَ بعض مشيايخنا أنكر التَّشْدِيد فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى الحنين، فاستوحش أَن يكون الحنين من صِفَات الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا معنى الحنّان: الرَّحِيم من الحَنَان وَهُوَ الرَّحْمَة.
وَقَالَ شمر الحَنِين بمعنيين. يكون بِمَعْنى النِزاع والشوق من غير صَوت، وَيكون الصوتَ مَعَ النزاع والشوق. يُقَال: حنّ قلبِي إِلَيْهِ، فَهَذَا نزاع واشتياق من غير صَوت، وحَنَّت النَّاقة إِلَى أُلاَّفها فَهَذَا صَوت مَعَ نِزاع. وَكَذَلِكَ حَنَّت إِلَى وَلَدهَا. وَقَالَ الشَّاعِر:
يعارضْن مِلواحا كَأَن حنينها
قبيل انفتاق الصُّبْح تَرْجِيع زامر
وَأما قَوْلهم: حنانك وحنانيك فَإِن اللَّيْث قَالَ: حنانيك يَا فلَان افْعَل كَذَا أَو لَا تفعل كَذَا تذكّره الرَّحْمَة والبِرّ. وَقَالَ طرفَة:
حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ} (مَرْيَم: 12، 13)

(3/286)


أَي وَآتَيْنَاهُ حناناً. قَالَ: والحَنَان: الْعَطف وَالرَّحْمَة. وَأنْشد:
فَقَالَت حنان مَا أَتَى بك هَاهُنَا
أذو نسب أم أَنْت بالحيّ عَارِف
أَي أَمْرُنا حنان أَي عطف وَرَحْمَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
ويمنحها بَنو شَمَجاى بن جَرْم
مَعِيزهم حنانك ذَا الحنان
يَقُول رحمتك يَا رحمان فأغنني عَنْهُم
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: و {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} الرَّحْمَة، أَي وَفعلنَا ذَلِك رَحْمَة لِأَبَوَيْك.
قلت: وَقَوْلهمْ: حنانيك مَعْنَاهُ: تحنّن عليّ مرّة بعد أُخْرَى، وَحَنَانًا بعد حنان، وأذكِّرك حناناً بعد حنان. وَيُقَال: حَنّ عَلَيْهِ أَي عطف عَلَيْهِ، وحنّ إِلَيْهِ أَي نزع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الحَنّان فِي صفة الله: ذُو الرَّحْمَة والتعطّف.
وَقَالَ اللَّيْث: بلغنَا أَن أمّ مَرْيَم كَانَت تسمّى حَنّة.
قَالَ: والاستحنان: الاستطراب. وعُود حنّان مطَرِّب.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَنّة الرجل: امْرَأَته: وَهِي طَلّته.
عَمْرو عَن أَبِيه: هِيَ حَنّته وكَنِينته، ونَهْضته، وحاصَفَتْه وحاضنته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُنّة: خِرقة تلبسها الْمَرْأَة فتغطّي رَأسهَا.
قلت: هَذَا حاقّ التَّصْحِيف الْوَحْش. وَالَّذِي أَرَادَ: الخَبّة بِالْخَاءِ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الخَبِيبة: الْقطعَة من الثَّوْب. وروينا لأبي عبيد عَن الْفراء أَنه قَالَ الخَبة: الْخِرْقَة تخرجها من الثَّوْب فتعصِب بهَا يدك، يُقَال خَبّة وخُبّة وخَبِيبة.
قلت: وَأما الحُنّة بِالْحَاء وَالنُّون فَلَا أصل لَهُ فِي بَاب الثِّيَاب. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَا تعدم أدماء من أُمّها حَنّة يضْرب مثلا للرجل يُشبه الرجل.
قلت: والحَنّة فِي هَذَا الْمثل: العطفة والشفقة والحَيْطة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَاله حانّة وَلَا جارّة. فالحانة: الْإِبِل الَّتِي تَحِنّ إِلَى أوطانها. والجارّة: الحَمُولة تحمل الْمَتَاع وَالطَّعَام.
وَفِي بعض الْأَخْبَار أَن رجلا أوصى ابْنه فَقَالَ: لَا تتزوجنّ حنانة وَلَا منانة. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِهِ: يَا بُنيّ إيّاك والرَقُوبَ الغضوب، الأنّانة الخنّانة والمنّانة.
قَالَ: والحَنَّانة: الَّتِي كَانَ لَهَا زوج قبله فَهِيَ تذكُره بالتحزّن والأنين والحنين إِلَيْهِ.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: قَالَ: الحَنُون من النِّسَاء: الَّتِي تتزوّج، رِقّة على وَلَدهَا إِذا كَانُوا صغَارًا ليقوم الزَّوْج بأمرهم.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: حنّ قِدْح لَيْسَ مِنْهَا، يضْرب مثلا للرجل ينتمي إِلَى نسب لَيْسَ مِنْهُ، أَو يدّعي مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْء.

(3/287)


وَيُقَال رَجَعَ فلَان يخُفَّيْ حُنَين. يضْرب مثلا لمن يرجع بالخيبة فِي حَاجته. وَأَصله أَن رجلا جَاءَ إِلَى عبد الْمطلب بن هَاشم وَعَلِيهِ خُفّان أَحْمَرَانِ، وَقَالَ لَهُ: أَنا ابْن أسَد بن هَاشم، فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب: لَا وثيابِ هَاشم، مَا أرى فِيك شمائل هَاشم، فَارْجِع راشداً، فانصرفَ خائباً. وَكَانَ يُقَال: حُنَين، فَقيل رَجَعَ بخُفي حُنين.
وحُنَين: اسْم وادٍ، بِهِ كَانَت وقْعَة أوْطاس. وَقد ذكره الله فِي كِتَابه فَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (التَّوْبَة: 25) .
وروى سَلمَة عَن الْفراء وَابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تَقول لجمادي الْآخِرَة: حَنِين، وصُرف لِأَنَّهُ عُني بِهِ الشَّهْر.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال: مَا تَحُنُّني شيأ من شرّك أَي مَا تردّه.
وَقَالَ شمر: وَلم أسمع تَحُنُّنِي بِهَذَا الْمَعْنى لغير الْأَصْمَعِي. وَيُقَال حُنّ عَنَّا شرّك أَي اصرفه، وَالْمَجْنُون من الحقّ: المنقوص. يُقَال مَا حننتك شيأ من حقّك أَي مَا نقصتك. والحَنِين للناقة، والأنين للشاة. يُقَال: مَاله حانّة وَلَا آنّة، أَي مَاله شَاة وَلَا بعير. وخِمْسُ حَنّان أَي بائص.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَي لَهُ حَنِين من سرعته.
والحَنّان: اسْم فَحْل من فحول خيل الْعَرَب مَعْرُوف.
وَيُقَال: حَمَل فحنّن كَقَوْلِك: حمل فهلّل إِذا جَبُن.
(نَحن نح) : كلمة يُرَاد بهَا جمع أَنا وَهِي مَرْفُوعَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: حِنْح زجر للغنم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي حَنْحَن إِذا أشْفق. ونحنح إِذا ردّ السَّائِل ردّاً قبيحاً.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر فلَان شحيح نحيح أُبِيح. جَاءَ بِهِ فِي بَاب الإتباع.
وَقَالَ اللَّيْث النحنحة: التنخنح، وَهُوَ أسهل من السُعال. وَهِي عِلّة الْبَخِيل وَأنْشد:
يكَاد من نحنحة وأحّ
يَحْكِي سُعَال الشرق الأبحّ

(3/288)


(بَاب الْحَاء وَالْفَاء)
(ح ف)
حفَّ، فَحَّ: مُستعملان.
حف: قَالَ اللَّيْث: الحُفوفُ: يُبوسَةٌ مِنْ غير دسم قَالَ رؤبة:
قالتْ سُليمى أَنْ رأَتْ حفُوفِي
مَعَ اضطرابِ اللَّحمِ وَالشُّفوفِ
وقَالَ الأصمعيُّ: حَفَّ يحِفُّ حْفوفاً وأَحْفَفْتُه.
وقالَ: سويقٌ حافٌّ: لمْ يُلَتَّ بِسَمْنٍ. عَمْرو عنْ أَبيه: الحَفَّةُ: الكَرامةُ التامّةُ، ومنهُ قولُهم: مَنْ حفَّنَا أَو رفَّنَا فليقتصد.
وقَالَ أَبو عُبَيْد: مِنْ أمْثَالِهم فِي القَصْدِ فِي المدحِ (مَنْ حفَّنَا أوْ رَفَّنَا فليقتصد) .
يقُولُ: مَنْ مَدْحنَا فَلَا يغْلُوَنَّ فِي ذَلِك وَلكن ليَتَكَلَّم بالحقِّ.
وقَالَ الْأَصْمَعِي: هوَ يَحِفُّ وَيرِفُّ أَيْ يقومُ ويقعدُ، وَينْصَح ويشْفقُ، قَالَ: وَمعنى يحفّ: تسمع لَهُ حفيفاً، ويقَال: شجر يَرِفُّ إِذا كَانَ لَهُ اهتزازٌ منَ النّضَارةِ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عنْ ثعْلَب عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الفَرَّاء قَالَ: يُقَالُ: مَا يحفُهم إِلَيّ ذَلِك إلاَّ الحاجةُ يريدُ مَا يدْعُوهُم ومَا يُحوِجهم.
وقَالَ اللَّيثُ: احتفَّت المرأةُ إِذا أَمرت مَنْ يحُفُّ شعر وَجهِها نتْفاً بخيطين. وَحفَّت الْمَرْأَة وَجههَا تحُفُّهُ حَفّاً وَحِفَافاً.
وَحَفَّ القومُ بسيِّدِهِم يَحُفُّونَ حَفّاً إِذا أَطَافُوا بِهِ وَعكَفوا، وَمنْهُ قولُ الله جَلَّ وَعز: {الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ} (الزُّمَر: 75) ، قَالَ الزَّجّاجُ: جَاءَ فِي التفْسير معنى حَافِّينَ مُحْدِقينَ.
وَقَالَ الأصمَعيُّ: يُقَالُ: بقِيَ مِنْ شَعرِهِ حِفافٌ وَذلكَ إِذا صلِعَ فبقِيتْ طُرّةٌ من شعرِه حولَ رأْسهِ قَالَ: وَجمعُ الحِفَافِ أَحِفَّةٌ.
وقَال ذُو الرُّمَّةِ يصفُ الجِفَانَ الَّتِي يُطعُمُ فيهَا الضِّيفَانُ:
لهُنَّ إذَا أَصبَحْنَ مِنْهُم أَحِفةٌ
وحينَ يروْنَ الليلَ أقبلَ جائيَا
قالَ: أَراد بقوله: لهُنَّ أَي للجفَانِ أَحِفّةٌ أَي قومٌ استداروا بهَا يَأْكُلُون من الثَّرِيدِ الَّذِي لُبِّقَ فيهَا واللُّحْمَانِ الَّتِي كُلِّلتْ بهَا.
قَالَ الأصمعيُّ: وحفَّ عَلَيْهِم الغَيْثُ إِذا اشتدَّت غَبْيَتُه حَتَّى تسمعَ لَهُ حَفِيفاً، وَيُقَال: أجْرى الفرسَ حَتَّى أحَفَّه إِذا حمله على الحُضْرِ الشّديدِ حَتَّى يكون لَهُ حَفيفٌ.
قَالَ: وَيُقَال: يبِسَ حَفَّافُه وَهُوَ اللّحمُ اللّيِّنُ أَسْفَل اللَّهَاةِ.

(4/5)


قَالَ: والمِحَفَّةُ: مَركبٌ من مراكِبِ النِّساء، وَقَالَ اللَّيثُ: المِحَفَّةُ: رحلٌ يُحَفُّ بِثَوْب تركبه المرأةُ.
قَالَ: وحِفَافَا كُلِّ شَيْء: جانباه، وَقَالَ طرَفة:
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَبِيَ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العسيب بمسرد
يصف ناحِيَتي عَسِيب ذَنْب النَّاقة.
قَالَ: والحفيف: صوتُ الشَّيْء، كالرَّمْية، وطيران الطَّائِر، والتهاب النَّار، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيثُ: حَفُّ الحائِك: خَشَبَتُه العريضة يُنَسِّقُ بهَا اللُّحمَةَ بَين السَّدَى. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الحَفّ بِغَيْر هاءٍ هُوَ المَنْسَجُ وَأما الحَفَّةُ فَهِيَ الْخَشَبَة الَّتِي يَلُفُّ عَلَيْهَا الحائكُ الثَّوْبَ. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا أَنْت بِنِيرَةٍ ولاحَفَّة. مَعْنَاهُ: لَا تَصْلُح لشيءٍ، قَالَ: فالنِّيرَةُ هِيَ الخشبةُ المُعْترِضة، والحفَّةُ: القصباتُ الثَّلاثُ.
وروى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ قَالَ: الَّذِي يضرِبُ بهِ الحائِكُ كالسيفِ الحِفَّةُ بِالْكَسْرِ، وَأما الحَفُّ فالقصبة الَّتِي تجيءُ وَتذهب، كَذَا هُوَ عِنْد الْأَعْرَاب.
وَقَالَ الليثُ: الحَفَّانُ: الخَدَم. والحَفَّانُ: الصِّغارُ منَ الْإِبِل والنَّعام، الواحدةُ حَفَّانَةٌ. وَأنْشد:
وَزَفّت الشَّوْلُ من بَرْدِ الْعَشِيّ كَمَا
زَفَّ النَّعامُ إِلَى حَفَّانِه الرُّوحُ
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: الحَفّانُ: وَلَدُ النَّعامِ، الواحدةُ حَفَّانَةٌ، الذكرُ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: حفَفْتُ الشيءَ حَفّاً إِذا قشَرْتَه، ومنهُ حَفَّتِ المرأةُ وَجههَا، قَالَ: ومنهُ الحَفَفُ وَهُوَ الضِّيقُ والفقرُ. أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: أصَابهُم مِنَ العيشِ ضَفَفٌ وحَفَفٌ وقشفٌ كلُّ هَذَا من شِدَّةِ العيشِ.
قَالَ: وجاءَنا على حَففِ أمرٍ، أَي على ناحيةٍ مِنْهُ، ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ قَالَ: الضَّفَفُ: القِلَّةُ، والحَفَفُ: الحاجةُ. قَالَ: وَقَالَ العُقَيْلِيّ: وُلِدَ الإنسانُ على حفف، أَي على حَاجَة إِلَيْهِ، وَقَالَ: الضَّفَفُ والحفَفُ واحدٌ، وَأنْشد:
هَدِيَّةً كَانَتْ كَفَافاً حَفَفَا
لاَ تَبْلُغُ الْجارَ وَمَنْ تَلَطُّفَا
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: الضَّفَفُ: أَن تكون الأَكَلَة أَكثر من مِقْدَار المالِ، والحَفَفُ: أَن تكون الأكلةُ بمقدارِ المَال، قَالَ: وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَكلَ كَانَ من يأْكُلُ مَعَه أَكثر عددا من قدر مبلغ المأْكُولِ وكَفَافِه، قَالَ وَمعنى قَوْله: وَمن تلطَّفا أَي من بَرَّنا لم يكن عندنَا مَا نَبَرُّه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَا رُئيَ عَلَيْهِم حفَفٌ وَلَا ضَفَف أَي أثَرُ عَوَزٍ، وأُولئك قوم محفوفون، وَقد حَفّتهم الحاجةُ إِذا كَانُوا محاويج.
وَقَالَ اللِّحياني: إِنَّه لَحَافٌّ بَيِّنُ الحفُوفِ أَي شديدُ الْعين. ومعناهُ أَنه يُصِيبُ النَّاس بِعَيْنه.
أَبُو زيد: مَا عِنْد فلانٍ إِلَّا حَفَفٌ مِنَ المتَاعِ، وَهُوَ القوتُ القليلُ.
وَيُقَال: حَفَّتِ الثَّرِيدةُ إِذا يَبِسَ أَعْلَاهَا فَتَشَقَّقَتْ، وحَفَّتِ الأرضُ وقفَّت إِذا يَبِسَ

(4/6)


بَقلها.
وفرسٌ قَفِرٌ حافٌّ: لَا يسمن على الصَّنعة.
وحِفَافُ الرمل: مُنَقَطَعُهُ وَجمعه أَحِفَّةٌ.
فح: اللَّيْث: الفَحِيحُ: من أصوات الأفعى شبيهٌ بالنَّفْخ فِي نَضْنَضَةٍ.
قَالَ: والفحفَاحُ: الأَبَحُّ منَ الرِّجال.
الأصمعيُّ: فَحَّتِ الأفعى فَهِيَ تَفِحُّ فَحيحاً إِذا سَمِعتَ صَوتهَا من فمها، يُقَال: سَمِعتُ فحيحَ الأفعى. قَالَ: وأمَّا الكَشيشُ فصوتُهَا من جِلْدِها.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَحْفَح إِذا صَحَّح المودَّة وأخلصها، وحَفْحَف إِذا ضَاقَتْ معيشتُه.
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الأفعى تَفِحّ وتَحِفُّ والحفيفُ من جِلدِها، والفَحِيحُ من فِيهَا، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفُحُحُ: الأفاعي. أَبُو زيد: كَشَّتِ الأفعى وفَحَّت وَهُوَ صوتُ جِلْدِها مِنْ بَين الحيَّاتِ، وفَحِيحُ الحيَّاتِ بعد الأفعى من أصواتِ أفواهها.

(بَاب الْحَاء وَالْبَاء)
(ح ب)
حَبَّ بَحَّ: مستعملان مَا كرر مِنْهُ.
حب: قَالَ الليثُ: الحَبُّ مَعْرُوف مستعملٌ فِي أشياءَ جَمَّة من بُرَ وشَعِيرٍ حَتَّى يَقُولُوا حبَّةُ عِنَبٍ ويجمعُ على الحُبُوبِ والحبَّات والحَبّ.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّة فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) . قَالُوا: الحِبَّةُ إِذا كَانَت حبوبٌ مختلفةٌ من كلِّ شَيْء.
وَيُقَال لِحَبِّ الرَّياحين حِبَّة وللواحدةِ مِنْهَا حَبَّة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ الأصمعيُّ: كلُّ نَبتٍ لَهُ حبٌّ فاسمُ الحبِّ مِنْهُ الحِبَّة، وَقَالَ الفرّاء: الحِبَّة: بزُورُ البَقْل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْحِبَّة: نبْتٌ ينْبت فِي الْحَشِيش صِغار.
وَقَالَ الْكسَائي: الْحِبّة: حَبُّ الرياحين، وَوَاحِدَة الْحِبَّة حبّة، قَالَ: وَأما الْحِنطة وَنَحْوهَا فَهُوَ الْحَب لَا غير.
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِبّة: حَبُّ البَقْل الَّذِي يَنتثِر، قَالَ: والحَبَّة: حَبَّة الطَّعَام: حَبَّةٌ من بُرَ وشعير وعَدَس ورُزّ وكل مَا يَأْكُلهُ النَّاس، قُلت أَنا: وَسمعت الْعَرَب تَقول: رَعَينا الحِبّة وَذَلِكَ فِي آخر الصَّيف إِذا هَاجَتْ الأَرْض ويَبِس البقل والعُشب وتناثرت بزورها وورقُها وَإِذا رَعَتها النّعم سَمِنت عَلَيْهَا: ورأيتهم يُسَمون الحِبّة بعد انتثارها القَميم والقَفّ، وَتَمام سِمَن النَّعَم بعد التَّبَقُّل ورَعْي العُشب يكون بِسَفّ الحِبَّة والقَميم وَلَا يَقع اسْم الحِبَّة إِلَّا على بُزُور العُشب والبُقول البريّة وَمَا تناثر من وَرقهَا فاختلط بهَا من القُلْقُلاَن والبَسباس والذُّرَق والنَّفَل والمُلاّح وأصناف أَحْرَار البُقول كلهَا وذُكورها.
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَّة الْقلب: ثَمَرَتُه وَأنْشد:
فأصَبْتُ حَبَّةَ قَلبهَا وطِحالَها
قلت: وحَبَّة الْقلب هِيَ العَلَقَة السَّوْدَاء الَّتِي تَكونُ دَاخل الْقلب، وَهِي حَمَاطة الْقلب أَيْضا. يُقال: أَصَابَت فُلاَنة حَبَّة قَلْب فُلان إِذْ شَغَفَ قَلبَه حُبُّها. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْحَبّة وَسَط الْقلب.

(4/7)


الليثُ: الحُبُّ: نقيضُ البُغض، قالَ وَتقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ. أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيد: أحَبَّه الله فَهُوَ مَحْبوبٌ، قَالَ ومِثله محزونٌ ومجنونٌ ومَزكومٌ ومَكزوز ومقرور: وَذَلِكَ أَنهم يَقولون: قد فُعِل بغِر ألفٍ فِي هَذ كلِّه ثمَّ بني مفعولٌ على فُعِل وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ، فَإِذا قَالُوا: أَفْعَلَهُ الله فَهُوَ كُله بالألِفِ. قُلْتُ: وَقد جَاءَ المُحَبُّ شاذّاً فِي الشِّعْر، وَمِنْه قَول عَنترة:
وَلَقَد نَزَلْتِ فَلَا تظُنِّي غَيره
مِنّي بمَنزلة المُحَبّ المُكْرَمِ
وَقَالَ شَمِر: قَالَ الفرّاء: وحَببته لُغةٌ وَأنْشد الْبَيْت:
فوَاللَّه لَوْلاَ تَمْرُه مَا حَبَبته
وَلَا كَانَ أَدْنى من عُبَيْد ومُشْرِقِ
قَالَ: ويُقال: حُبّ الشيءُ فَهُوَ مَحْبوب ثمَّ لَا تَقول حَبَبْتُه كَمَا قَالُوا: جُنَّ فَهُوَ مَجْنُون، ثمَّ يَقُولُونَ: أَجَنّه الله. اللَّيْث: حَبّ إِلَيْنَا هَذَا الشَّيْء وَهُوَ يَحَبُّ إِلَيْنَا حُبّاً وَأنْشد:
دَعانا فَسَمَّانا الشِّعار مُقدِّماً
وحَبَّ إِلَيْنَا أَن نَكُون المُقَدَّما
ثَعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُبَّ إِذا أُتعِب، وحَبَّ إِذا وقف، وحَبّ إِذا تودد.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَّ بفُلاَن مَعْنَاهُ مَا أحَبَّه إلَيّ، وَقَالَ الفرّاء: مَعْنَاهُ حَبُبَ بفلان ثمَّ أُدْغِم، وَأنْشد الفرّاء:
وزاده كلفاً فِي الحُبّ أَن مَنَعَت
وَحَبّ شَيْئا إِلَى الْإِنْسَان مَا مُنِعا
قَالَ: وَمَوْضِع مَا رَفْعٌ، أَرَادَ حَبُبَ فأدغَم وَأنْشد شَمِر:
ولحَبَّ بالطَّيْف المُلِمّ خَيالا
أَي مَا أَحبَّه إلَيّ أَي أحبْبِ بِهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الْحُبابُ: الْحَيّة، قَالَ: وَإِنَّمَا قيل الحُباب اسْم شَيْطان (لِأَن الْحَيَّة يُقَال لَهَا شَيطان) .
ويُقال للحَبيب: حُبابٌ مخفَّف، قَالَه ابْن السّكيت، وروى أَبُو عبيد عَن الْفراء مثله.
وَقَالَ اللَّيثُ: الْحِبَّةُ والحِبُّ بِمَنْزِلَة الْحَبيبة والحَبيبِ قَالَ: والمَحَبَّة: الحُبُّ. وَقَالَ اللَّيْث: حَبَابك أَن يكون ذَلِك، مَعْنَاهُ: غايةُ مَحَبَّتِك. أَبُو عبيد عَن الأصمعيِّ: حَبَابكَ أَن تَفْعلَ ذَاك مَعْنَاهُ غايةُ محبَّتك وَمثله: حُمَاداكَ أَي جُهْدُك وغايتك.
اللَّيث: حَبَّان وَحِبَّانُ لُغَةٌ: اسمٌ موضوعٌ من الحُبِّ.
قَالَ: والحُبُّ: الْجَرَّةُ الضخمة والجميع الْحِبَبةُ والحِبَابُ. قَالَ: وَقَالَ بعضُ النَّاس فِي تَفْسِير الْحُبِّ والكَرامةِ، قَالَ: الْحُبُّ: الْخَشباتُ الأربعُ الَّتِي تُوضَع عَلَيْهَا الْجَرَّةُ ذاتُ الْعُرْوَتَيْن، قَالَ والكرامة الغطاء الَّذِي يوضع فَوق تِلْكَ الجِرَّةِ من خشب كَانَ أَو من خَزَفٍ، قَالَ الليثُ: وَسمعت هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ وَأما حَبَّذَا فَإِنَّهُ حَبَّ ذَا فَإِذا وصلْتَ رَفَعْتَ بِهِ، فقلتُ حبذا زَيدٌ.
قَالَ: والْحِبُّ: القُرْطُ من حَبَّة وَاحِدَة وَأنْشد:
تبيتُ الحَيَّةُ النِّضْنَاضُ مِنْهُ
مَكان الْحِبِّ يستمِعُ السِّرَارَا

(4/8)


قلتُ: وفسَّر غيْرُه الْحِبَّ فِي هَذَا الْبيتِ الْحَبِيبَ وأَرَاهُ قولَ ابنِ الأعْرَابيِّ.
وحَبابُ الماءِ: فَقاقِيعُه الَّتِي تَطْفُو كأَنَّهَا الْقوارِيرُ، وَيُقَال: بل حَبابُ الماءِ: مُعْظَمُه، وَمِنْه قَول طَرَفَةَ:
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزُومُها بهَا
كَمَا قسمَ التُّرْبَ المُفَايِلُ بالْيَدِ
وَقَالَ شمر: حَبَابُ الْماء: مَوْجُه الَّذِي يتْبَعُ بعضُه بَعْضًا قَالَه ابْن الْأَعرَابِي. وَأنْشد شمر:
سُمُوَّ حَبَابِ الماءِ حَالاً عَلَى حَال
وَقَالَ: قَالَ الأصمعيُّ: حَبابُ المَاء: الطَّرَائِقُ الَّتِي فِي المَاء كأَنَّها الْوَشْيُ، وَقَالَ جَريرٌ:
كَنَسْجِ الرِّيح تَطَّرِدُ الْحَبَابا
وَقَالَ: الْحَبَابُ: الطَّرَائِقُ، وَقَالَ ابْن دُريد: الحبَبُ: حَبَبُ المَاء، وَهُوَ تَكَسُّرُه وَهُوَ الحَبَابُ. وأَنْشَد اللّيثُ:
كَأَنَّ صَلاَ جَهِيزَةَ حِين تَمْشِي
حَبَابُ المَاء يَتَّبِعُ الْحَبَابَا
شَبَّه مآكَمَها بالحَبَابِ الَّذِي كَأَنَّهُ دَرَجٌ وَلم يُشَبِّهْهَا بالْفَقاقِيع.
قَالَ: وحَبَبُ الأسْنانِ: تَنَضُّدُها وَأنْشد:
وإِذا تضحك تُبْدِي حَبَباً
كأَقَاحي الرَّمل عَذباً ذَا أُشُرْ
وَقَالَ غَيره: حَبَبُ الْفَمِ: مَا يَتَحَبَّبُ من بَياضِ الرِّيقِ عَلَى الأَسْنَان.
وَقَالَ اللَّيْث: نَارُ الحُبَاحِب هُوَ ذُبابٌ يطير بِاللَّيْلِ لَهُ شُعاعٌ كالسِّراج، وَيُقَال: بل نَار الحُباحب: مَا اقْتَدَحْتَ من الشَّرارِ من النَّارِ فِي الْهَوَاء من تَصادُمِ الْحِجَارَة، وَحَبْحَبَتُها: اتِّقَادُها، وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال للخيل إِذا أَوْرَتِ النَّار بِحوافِرِها هِيَ نَار الحُباحِب، قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَان الْحُبَاحِبُ رَجلاً من أحياءِ الْعَرَب، وكَان من أبخل النَّاس فبَخِل حَتَّى بلغ بِهِ الْبُخْل أَنه كَانَ لَا يُوقِدُ نَارا بِلَيل إِلَّا ضَعِيفَة فَإِذا انتبه منتبه ليقتبس مِنْهَا أَطْفَأَها: فَكَذَلِك مَا أَوْرَتِ الْخَيل لَا يُنتفع بِهِ كَمَا لَا يُنتفع بِنَار الْحبَاحِبِ. وَقَالَ أَبُو طَالب: يحْكى عَن الْأَعْرَاب: أنَّ الْحُباحِبَ طائرٌ أطول من الذُّبَاب فِي دِقَّة مَا يَطِيرُ فِيمَا بَين الْمغرب والعِشاء كأَنَّه شَرارَةٌ قلت: وَهَذَا مَعْرُوف.
أَبُو العبَّاس عَن ابنِ الأعْرَابي: إبِلٌ حَبْحَبَةٌ: مَهَازيلُ.
قَالَ: وَمن حَبْحَبَه نارُ أبي حُبَاحب. وَأنْشد:
يَرَى الرَّاؤُون بِالشَّفَرَاتِ مِنْها
وقُودَ أَبي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا
وَقَالَ اللَّيْث: الحَبْحَابُ: الصَّغِير الْجِسْم.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الحَبْحَبِيُّ: الصَّغِير الْجِسْم.
ابْن هانىء: من أمثالِهم: (أهلكتَ من عشرٍ ثَمَانِياً وجِئتَ بسائرِها حَبْحَبَةً) يُقَال عِنْد المَزْرِيَةِ عَلَى المِتْلاَفِ لِمَالِهِ، قَالَ: والحَبْحَبَةُ تقع موقع الْجَمَاعَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُبَّ إِذا أُتْعِبَ، وحَبَّ إِذا وقف.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: بَعِيرٌ مُحِبٌّ وَقد أَحَبَّ إحْبَاباً وَهُوَ أَن يصيبَه مرضٌ أَو كسر

(4/9)


فَلَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ حَتَّى يبرأ أَو يَمُوت. قَالَ: والإحْبَابُ: هُوَ البُرُوكُ. وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ: الإحْبَاب: أَن يُشرفَ البَعِيرُ عَلَى الموتِ من شِدَّة المرضِ فَيَبْرُكَ وَلَا يقدرَ أَن يَنْبَعِثَ وَقَالَ الرَاجزُ:
مَا كَان ذَنبي فِي مُحِبَ بَارِكْ
أَتَاهُ أَمْرُ الله وَهُوَ هَالِكْ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَوّلُ الرِّيِّ التَّحَبُّبُ. وَقَالَ الأصمعيُّ: تَحَبَّبَ إِذا امْتَلأ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَمْرو. قَالَ: وحَبَّبْتُه فَتَحَبَّبَ إِذا ملأتَهُ لِلسِّقاء وَغَيره.
اللَّحياني: حَبْحَبْتُ بالْجَمَل حِبْحَاباً، وحَوَّبْتُ بِه تَحْوِيباً إِذا قلت لَهُ: حَوْبُ حَوْب وَهُوَ زَجْر.
أَبُو عَمْرو: الحَبَابُ: الطَّلُّ عَلَى الشَّجَرِ يُصْبِحُ عَلَيْهِ.
بح: قَالَ اللَّيْث: البَحَحُ: مصدر الأبَحِّ، تَقول: بَحَّ يَبَحُّ بَحَحاً وبُحُوحاً، وَإِذا كَانَ من دَاء فَهُوَ البُحَاحُ.
وعُودٌ أَبَحُّ إِذا كَانَ فِي صَوته غِلَظٌ. أَبُو عُبَيدة: بَحِحْتُ أبَحُّ هِيَ اللُّغَة الْعَالِيَة قَالَ: وبَحَحْتُ أَبَحُّ لُغَةٌ رواهُ ابْن السّكيت عَنهُ.
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَنْ سَرَّه أَن يَسْكُنَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَة فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبْعَدُ) قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ ببُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ وَسَطَها، قَالَ: وبُحْبُوحَةُ كُلِّ شَيْءٍ: وَسَطُه وخِيَارُه، وَأنْشد قولَ جرير:
قَوْمِي تَمِيمٌ هُمُ الْقَوْمُ الّذِين هُمُ
يَنْفُونَ تَغْلِبَ عَن بُحْبُوحَةِ الدّارِ
وَيُقَال: قد تَبَحْبَحْتُ فِي الدَّار إِذا تَوَسَّطْتَها وتمكنت مِنْهَا. وَقَالَ اللَّيْث: التَّبَحْبُحُ: التَّمَكُّن فِي الْحُلُول والمُقام، وَأنْشد:
وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشاً
تَبَحْبَحُ فِي المِرْبَدِ
قَالَ: وَقَالَ أعرابيُّ فِي امرأةٍ ضَرَبَها الطَّلْقُ: تركْتُهَا تَبَحْبَحُ عَلَى أيدِي القَوَابِل.
أَبُو العبّاسِ عنْ سَلَمة عَن الفَرَّاءِ قالَ: البَحْبَحِيُّ: الْوَاسِع فِي النَّفَقَة، الواسعُ فِي المنْزِلِ.
قالَ: ويقَالُ: نَحْنُ فِي بَاحَةِ الدَّارِ وَهِيَ وَسَطُها وَلذَلِكَ قِيلَ: تَبَحْبَحَ فِي المجْدِ. أيْ أَنَّهُ فِي مَجْدٍ وَاسعٍ. قُلْتُ: جَعَلَ الْفَرَّاءُ التَّبَحْبُحَ مِنَ البَاحَة، ولَمْ يَجعلْه مِنَ المُضَاعَفُ.
أَبو عُبَيْد عَن الأصمَعِي: بَاحَةُ الدّارِ: قاعَتُهَا وَساحَتُها. وَحكى ابنُ الْأَعرَابِي عَن البَهْدَليّ قَالَ: البَاحَةُ: النَّخْلُ الكثيرُ، والبَاحَةُ: باحةُ الدّارِ. وَأنْشد:
قَرَوا أضيافَهُم رَبَحاً بِبُحَ
يجيءُ بفضلهنّ المَشُّ سُمْر
قَالَ البُحُّ: قِدَاحُ الميسرِ.
قالَ: ويقالُ: القومُ فِي ابتِحَاحٍ أَي فِي سَعَةٍ وخِصْب. وَقَالَ الْجَعْديُّ يَصفُ الدّينارَ:
وأبَحَّ جُنديَ وثاقِبَةٍ
سُبِكَتْ كثاقبةٍ مِنَ الجَمْرِ
أرادَ بالأبَحِّ دِينَارا أبَحَّ فِي صوتِه. جُنديّ: ضُرِب بأجنادِ الشامِ. والثَّاقِبةُ: سَبيكةٌ مِنْ ذهب تَثْقُبُ أَي تَتَّقِد.

(4/10)


والبَحَّاءُ فِي الباديةِ: رابيةٌ تعْرَفُ برابيةِ البحَّاءِ. وَقَالَ كَعْب:
وظلَّ سراةَ اليومِ يُبرِمُ أمرُه
برابيةِ البحَّاءِ ذاتِ الأيايلِ

(بَاب الْحَاء وَالْمِيم)
(ح م)
حم، مح: مُستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حم: قَالَ اللّيثُ: حُمّ هَذَا الأمرُ إِذا قُضِي قضاؤهُ قَالَ: والحِمامُ: قضاءُ الْمَوْت.
وتقُولُ: أحمّني هَذَا الأمرُ واحْتَممْتُ لَهُ كَأَنَّهُ اهتمام بحَميمٍ قريبٍ، وَأنْشد الليثُ:
تعزَّ عَن الصّبابة لَا تُلامُ
كأنّك لَا يُلِم بك احْتمامُ
وَقَالَ فِي قَوْل زُهير:
مَضَت وأحمَّت حاجةُ الْيَوْم مَا تَخْلُو
قَالَ مَعْنَاهُ: حانتْ ولزِمتْ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَجمّت الحاجةُ بِالْجِيم تُجِمُّ إجماماً إِذا دنت وَحانت، وَأنْشد بَيت زُهير بِالْجِيم قَالَ: وأَحمَّ الأمرُ فَهُوَ يُحِمُّ إحماماً، وأمرٌ مُحمٌّ وَذَلِكَ إِذا أَخذَكَ مِنْهُ زَمَعٌ واهتمامٌ.
قَالَ: وحُمَّ الأمرُ إِذا قُدِّرَ وَيُقَال: عَجِلت بِنَا وبكم حُمةُ الفِراقِ أَي قُدِّر الْفِرَاق ونزلَ بِهِ حِمامُه أَي قَدره وَمَوته. قلت: وَقد قَالَ بَعضهم فِي قولِ الله: {الْعَالَمِينَ} (غَافِر: 1) معناهُ قُضِيَ مَا هُوَ كائنٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مِنَ الْحروفِ المُعجمَةِ وَعَلِيهِ العملُ.
وَقَالَ ابنُ السِّكِّيت: أَحَمّت الحاجةُ وَأَجَمّت إِذا دَنتْ وَأنْشد:
حيِّيا ذَلِك الغزالَ الأحمّا
إِن يَكُنْ ذَلِك الفراقُ أَجَمَّا
الكسائيُّ: أَجَمَّ الأمرُ وأَحمَّ إِذا حانَ وقتُه. وَقَالَ الفرَّاء: أَحَمَّ قدومُهم: دنَا، ويقالُ: أجَمَّ. شَمِر عَن أبي عَمْرو: وأحَمَّ وأجَمَّ: دنَا، وَقَالَت الكِلاَّبية: أحَمَّ رحيلُنا فنحنُ سائرونَ غَدا، وأَجَمَّ رحيلُنا فنحنُ سائرون اليومَ إِذا عزمنا أَن نسير من يَوْمنَا. عَمْرو عَن أَبِيه: مَاء محمومٌ وممكولٌ ومَسْمولٌ ومنقوصٌ ومَثمودٌ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَميم: القريبُ الَّذِي تَوَدُّهُ وَيودُّك.
والحامَّةُ: خاصّةُ الرجلِ مِنْ أهلِهِ وَوَلدِهِ وَذي قرَابَته.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَميمُ: القرابةُ، يُقالُ: مُحِمٌّ مُقرِبٌ. وَقال الفراءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {كَالْعِهْنِ وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ} (المعَارج: 10) لايسألُ ذُو قَرابةٍ عَن قرابتهِ ولكنّهُمْ يَعرفونهم سَاعَة ثمّ لَا تعارُفَ بَعدَ تِلْكَ السَّاعَة.
اللَّيْث: الحَمِيم: المَاء الحاءِّ والحمّام: مُشْتَقّ من الحَمِيمِ تُذَكِّره الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سألتُ ابْن الْأَعرَابِي عَن الْحَمِيم فِي قَول الشَّاعِر:
وساغ لي الشرابُ وكنتُ قبلا
أكاد أَغَصُّ بِالْمَاءِ الحَميم
فَقَالَ: الْحَمِيم: المَاء الْبَارِد، قلت: فالحميم عِنْد ابْن الْأَعرَابِي من الأضداد، يكون الماءَ الحارّ وَيكون الْبَارِد. وَأنْشد

(4/11)


شَمِر بَيت المُرَقَّش:
كلَّ عِشاء لَهَا مِقطرة
ذَات كِباء مُعَدَ وحَميم
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحميم إِن شِئْت كَانَ مَاء حارّاً، وَإِن شِئْت كَانَ جمراً تتبخَّر بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الْحَمِيم: العَرَق. واستَحَمّ الفَرَس إِذا عَرِق، وَأنْشد للأعشى:
يَصيدُ النَّحوصَ ومِسجَلَها
وجَحْشَيْهما قبل أَن يَستَحِمّ
وَقَالَ أَيْضا: استَحَمّ إِذا اغْتسل بِالْمَاءِ الحَمِيم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَحَمّ نفسَه إِذا غسلهَا بِالْمَاءِ الحارّ قَالَ: وشربْتُ البارحة حَمِيمة أَي مَاء سخناً. قَالَ: وَيُقَال: جَاءَ بمَحَمّ أَي بقُمقُم يُسخَّن فِيهِ المَاء. وَيُقَال: اشرب على مَا تَجِد من الوَجَع حُساً من ماءٍ حَمَيم تُريد جمع حُسْوة من ماءٍ حَار.
شمِر: الْحميم: الْمَطَر الَّذِي يكون فِي الصَّيف حِين تَسخُن الأَرْض. وَقَالَ الهُذَلي:
هُنَالك لَو دَعَوْتَ أَتاك مِنْهُم
رجالٌ مِثلُ أَرْمِيَة الْحَمِيم
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: الْحميمة: المَاء يُسَخَّن، يُقال: أَحِمُّوا لنا بِالْمَاءِ.
قَالَ: والْحَمِيمة وَجَمعهَا حمائم: كرائم الْإِبِل يُقَال: أَخذ المُصَدِّق حمائم الْإِبِل أَي كرائمها.
ويقالُ: طابَ حَمِيمُك وحِمَّتُك: للَّذي يخرُجُ من الحمَّام أَي طَابَ عَرَقُكَ.
الليثُ: الحمَامةُ: طائرٌ. تَقول الْعَرَب: حمامةٌ ذكرٌ وحمامةٌ أُنثى والجميعُ الحَمام. وَأنْشد:
أَو الِفاً مَكَّة من وُرْقِ الحِمَى
أَرَادَ الْحمام.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: الحَمامُ هُوَ البَرِّيُّ الَّذِي لَا يألفُ البيوتَ قَالَ: وَهَذِه الَّتِي تكون فِي الْبيُوت هِيَ اليَمامُ. وَقَالَ: قَالَ الأصمعيُّ: اليَمامُ: ضرْبٌ منَ الْحمام بَرِّيّ، قَالَ: وَأما الْحمام فكلُّ مَا كَانَ ذَا طَوْقٍ مثلَ القُمْرِيّ والفاخِتَةِ وأشباهها.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشافعيِّ أَنه قَالَ: كلُّ مَا عَبَّ وهَدَر فَهُوَ حَمامٌ يدخلُ فِيهِ القَمَارِيُّ والدَّباسِيُّ والفَوَاخِتُ سَوَاء كَانَ مُطَوَّقَةً أَو غيرَ مُطَوَّقَةٍ آلفةً أَو وحْشِيّةً.
قلت: جعل الشافعيُّ اسْم الْحمام وَاقعا على مَا عبَّ وهَدَرَ لَا على مَا كَانَ ذَا طَوْقٍ فيدخُلُ فِيهَا الوُرْقُ الأهْلِيَّة والمُطَوّقَةُ الوَحْشِيَّة. وَمعنى عَبَّ أَي شَرِبَ نَفَساً نَفَساً حَتَّى يَرَوَى وَلم يَنْقُر المَاء نقراً كَمَا يَفْعَله سَائِر الطير. والهدير صَوت الْحمام كلِّه.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْحَمَامَة: الْمرْآة والحمامةُ: خِيارُ المَال، والحمامةُ: سَعْدانَةُ البعيرِ، والحمامةُ: ساحةُ القَصْر النَّقيَّة، والحمامةُ: بَكَرَةُ الدَّلوِ.
وَأنْشد المُؤَرِّج:
كَأَن عَيْنَيْهِ حَمَامتان
أَي مرآتان. والحمامة: الْمَرْأَة الجميلة.
اللَّيْث: الحُمَامُ: حُمَّى الْإِبِل والدَّوابِّ.

(4/12)


يُقَال: حُمَّ البعيرُ حُمَاماً، وحُمَّ الرجلُ حُمَّى شَدِيدَة.
قَالَ: والمَحَمَّةُ: أرضٌ ذَات حُمَّى وَيُقَال: طعامٌ مَحَمَّةٌ إِذا كَانَ يُحَمُّ عَلَيْهِ الَّذِي يَأْكُلهُ. قَالَ: وَالْقِيَاس أحَمَّتِ الأرضُ إِذا صَارَت ذَات حُمّى كَثِيرَة. قَالَ: وحُمَّ الرجلُ وأَحَمَّه الله فَهُوَ مَحمومٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيد رِوَايَة عَن أَصْحَابه.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الإبلُ إِذا أكلت النَّدى أَخذهَا الحُمامُ والقُماح. فَأَما الحُمَامُ فيأخذها فِي جلدهَا حَرٌّ حَتَّى يُطلى جسدُها بالطين فتدعُ الرَّتْعة ويذهبُ طِرْقُها، يكُون بهَا الشَّهْر ثمَّ يذهبُ وَأما القُماحُ فَإِنَّهُ يأخُذُها السُّلاَحُ ويذهبُ طِرْقُها ورِسْلُها ونسْلُها. يُقَال: قامحَ البعيرُ فَهُوَ مُقامِحٌ، وَيُقَال: أَخذ الناسَ حُمامُ قُر وَهُوَ المُومُ يأخذُ النَّاس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمّةُ: عينُ ماءٍ فِيهَا ماءٌ حارٌّ يُستشفى بالاغتسال فِيهَا.
وَفِي الحَدِيث: (مَثَلُ العالِم مثلُ الحَمَّة يَأْتِيهَا البُعَداء وَيَتْرُكهَا القُرَباء، فَبينا هِيَ كَذَلِك إذْ غَار مَاؤُهَا وَقد انْتفع بهَا قومٌ وَبَقِي أقوامٌ يتَفكّنُون) أَي يتندمون.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمُّ: مَا اصطهرْتَ إهالَته من الألْيَة والشَّحم. والواحدةُ حَمَّةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: مَا أُذِيب من الأَلْيَةِ فَهُوَ حَمٌّ إِذا لم يبْق فِيهِ وَدَكٌ، واحدته حَمَّة، قَالَ: وَمَا أُذيب من الشَّحْم فَهُوَ الصُّهارةُ والجَمِيلُ، قلت: وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْأَصْمَعِي. وَسمعت الْعَرَب تَقول: مَا أُذيب من سَنامِ الْبَعِير حَمٌّ، وَكَانُوا يُسَمُّون السَّنامَ الشَّحْم.
وَقَالَ شمر عَن ابْن عُيَيْنة: كَانَ مَسْلَمةُ بن عبد الْملك عَرَبيا وَكَانَ يَقُول فِي خطبَته: إنَّ أقلَّ النَّاس فِي الدُّنْيَا هَمّاً أقلُّهم حَمّاً، قَالَ سُفْيان: أَرَادَ بقوله: أقلهم حَمّاً أَي مُتعة، وَمِنْه تحميم المُطَلَّقة.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: مَاله حَمٌّ وَلَا سَمٌّ، وَمَاله حُمٌّ وَلَا سُمٌّ غيرُك أَي مَاله هَمٌّ غَيْرك.
أَبُو عبيد: يُقَال: حَمَمْتُ حَمَّه أَي قصدتُ قصدَه. وَقَالَ طَرَفةُ:
جَعَلَتْه حَمّ كلْكَلها
من رَبِيع دِيمةٌ تَثِمُه
الأُمَويُّ: حاممتُه مُحامّةً: طالبْتُه.
ابنُ شُمَيل: الحَمَّة: حجارةٌ سود ترَاهَا لَازِقَة بِالْأَرْضِ، تَقود فِي الأَرْض اللَّيْلَة والليلتين والثلاثَ، والأرضُ تحتَ الْحِجَارَة تكون جَلَداً وسُهولة، وَالْحِجَارَة تكون مُتدانية ومتفرقةً، تكون مُلْساً مثل الْجُمع ورُؤوس الرِّجَال، وجمْعُها الحِمام، وحجارتُها متقلِّع ولازقٌ بِالْأَرْضِ، وتُنبِت نبتاً كَذَلِك لَيْسَ بِالْقَلِيلِ وَلَا بالكثير.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَنا مُحامٌّ على هَذَا الْأَمر أَي ثَابت عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُمَمُ: الفحم الْبَارِد، الْوَاحِدَة حُمَمةٌ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنَّ رجلا أَوْصى بَنيهِ عِنْد مَوته فَقَالَ: إِذا أنَا مُتُّ فاحرقوني بالنَّار، حَتَّى إِذا صرتُ حُمَماً

(4/13)


فاسحَقوني ثمَّ ذَرُّوني فِي الرِّيح، لعلِّي أَضِلُّ الله) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحُمَمُ: الفحم. الْوَاحِدَة حُمَمةٌ وَبهَا سُمِّى الرِّجُل حُمَمة.
وَقَالَ طَرَفَة:
أشَجَاكَ الرَّبْعُ أَمْ قِدَمُهْ
أَمْ رَمادٌ دَارس حُمَمُهْ
وَقَالَ اللَّيْث: الحُمَمُ: المنايا، واحدُها حُمّةٌ.
وَيُقَال: عَجِلت بِنَا حُمّة الْفِرَاق وحُمَّةُ الْمَوْت، وفلانٌ حُمَّةُ نَفسِي وحُبَّة نفْسي.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ: يُقَال: لِسَمِّ الْعَقْرَب الحُمَّةُ والحُمَةُ، وَغَيره لَا يُجيز التَّشْدِيد، يَجْعَل أَصلَه حُمْوَةً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَممُ: مصدر الأحَمِّ والحميع الْحُمُّ وَهُوَ الْأسود من كل شَيْء، وَالِاسْم الحُمَّةُ. يُقَال: بِهِ حُمَّةٌ شديدةٌ، وَأنْشد:
وقاتمٍ أحمرَ فِيهِ حُمّةٌ
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَأَما إِذا ركبُوا لِلصَّبَاح
فأَوْجُهُهُمْ مِن صدَى البَيْضِ حُمُّ
وَقَالَ النَّابِغَة:
أَحْوَى أَحَمِّ المُقْلَتَيْنِ مُقَلَّدِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} (الواقِعَة: 43) . قَالَ: اليَحْمُومُ: الشَّديد السوَاد. وَقيل: إِنَّه الدُّخَانُ الشَّديد السوَاد. وَقيل: {وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} أَي من نَار يعذَّبون بهَا، وَدَلِيل هَذَا القَوْل قَول الله جلّ وعزّ: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزُّمَر: 16) إِلَّا أَنه موصوفٌ فِي هَذَا الْموضع بِشدَّة السوَاد.
وَقيل: اليَحْمُومُ: سُرادق أهل النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: اليَحْمُومُ: الْفرس.
قلت: اليحمومُ: اسْم فرس كَانَ للنعمان بن المُنذر سُمِّي يَحموماً لشدَّة سوَاده.
وَقد ذكره الأعْشَى فَقَالَ:
وَيَأْمُر لليحموم كلَّ عَشيَّةٍ
بِقَتَ وتعليقٍ فقد كَاد يَسْنق
وَهُوَ يفعولٌ من الأحَمِّ الْأسود.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: اليحمومُ: الأسودُ من كلِّ شَيْء.
وَفِي حَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف أَنه طلَّقَ امْرَأَته ومتَّعها بخادمٍ سوداءَ حَمَّمها إِيَّاهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيد: معنى حَمَّمها إِيَّاهَا أَي مَتَّعها بهَا بعد الطَّلَاق. وَكَانَت الْعَرَب تُسَميها التحميم. وَأنْشد:
أَنْت الَّذِي وهبْتَ زيدا بَعْدَمَا
هَمَمتُ بالعجوز أَن تُحَمُّمَا
هَذَا رجل وُلد لَهُ ابْن سُمّاه زيدا بَعْدَمَا كَانَ هَمَّ بتطليق أُمِّه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدٍ: قَالَ الأصمعيّ: التّحميم فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء هَذَا أَحدهَا.
ويُقال. حَمَّمَ الفرْخُ إِذا نبت ريشُه.
قَالَ: وحَمَّمت وَجه الرجل إِذا سَوَّدته بالحُمم، وحَمَّمَ رأسُه بعد الحلْق إِذا اسود.
وَفِي حَدِيث أَنَس: أَنه كَانَ إِذا حَمَّم رأسُه

(4/14)


بمكةَ خرج فاعتَمَر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمْحَمة: صوْتٌ لِلْبِرْذَوْنِ دُون الصَّوْت العالي، وللفرس دون الصهيل. يُقال: تحمْحَم تَحَمْحُماً، وحَمحم حَمْحَمَة، قلت: كَأَنَّهُ حكايةُ صوتِه إِذا طلب العلَفَ أَو رأى صاحبَه الَّذِي كَانَ أَلِفه فاستأنس إِلَيْهِ. أَبو عُبَيدٍ عَن الأصمعيّ: الحِمْحِمُ: الأسْودُ، والحِمْحِمُ: نباتٌ فِي الْبَادِيَة. قلت: وَهُوَ الشُّقَّارَى وَله حب أسود، وَقد يُقَال لَهُ: الخمْخِمُ بالخاءِ وَقَالَ عنترة:
وَسْطَ الديار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِم
وَحَمُومةُ: اسْم جبل فِي الْبَادِيَة.
أَبُو عَمْرو: وحمحم الثَّور إِذا نَبَّ وأَرادَ السِّفاد. وثيابُ التَّحِمَّة: مَا يُلبِس المُطلِّقُ امرأتَه إِذا مَتَّعهَا وَمِنْه قَوْله:
فإنْ تَلبَسِي عَنَّا ثِيَاب تَحِمَّةٍ
فَلَنْ يُفلح الواشِي بك المُتَنَصِّحُ
ونبتٌ يَحْمُومٌ: أخضرُ رَيَّانُ أَسودُ.
والحُمَامُ: السّيدُ الشّريفُ، قلتُ: أُراهُ فِي الأصلِ الهُمام فقُلبت الهَاءُ حاءً وَقَالَ:
أَنَا ابْن الأكْرمِينَ أَخُو الْمَعَالِي
حُمَامُ عشيرتَي وقِوامُ قَيْسِ
واليحاميمُ: الجبالُ السُّودُ.
والحَمامةُ: حلْقةُ البابِ، والحمامةُ مِنَ الفرسِ: القَصُّ قَالَه أَبُو عُبيدة.
وَقَالَ اللِّحْيانِيّ: قَالَ العامريُّ: قلتُ لبَعْضهِم: أَبَقِي عِندكم شيءٌ؟ فَقَالَ هَمْهَامِ، وَحَمْحَامِ، ومَحْمَاحِ، وبَحْبَاح، أَي لم يبقَ شيءٌ.
وَقَالَ المُنْذِريُّ: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس عَن قَوْله: حم لَا يُنصرونَ. فَقَالَ معناهُ: وَالله لَا يُنصرونَ الكلامُ خبرٌ لَيْسَ بدُعاء.
مح: قَالَ الليثُ: المَحُّ: الثّوبُ الْبَالِي، والفعلُ أَمَحَّ الثَّوبُ يُمحّ وَكَذَلِكَ الدارُ إِذا عفتْ والحُبُّ وَأنْشد:
أَلا يَا قَتْلَ قد خَلُق الجديدُ
وحُبُّكِ مَا يُمِحّ وَمَا يَبيدُ
وثوبٌ ماحٌّ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: مَحَّ الثوبُ: يَمُحُّ وأمحَّ يُمِحُّ إِذا أَخلقَ.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ: قَالَ: المحَّاحُ: الكذابُ وَقَالَ: مَحَّ الكذابُ يَمُحُّ مَحاحةً.
وَقَالَ الليثُ: المحّاحُ: الَّذِي يُرْضي الناسَ بكلامِه وَلَا فِعلَ لَهُ.
قَالَ هُوَ وَأَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: مُحُّ البيضِ: صُفرتُه. وَأنْشد غيرهُم:
كَانَت قُريشٌ بَيضةً فَتفلَّقَتْ
فالمُحُّ خالصةٌ لعبدِ مَناف
وَقَالَ ابْن شُمَيل: مُحُّ البيضِ: مافي جَوْفه مِنْ أَصفر وأبيض كُلُّه مُحٌّ، قَالَ: وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: المُحَّةُ الصفراءُ، والغرقيُّ: الْبيَاض الَّذِي يُؤكلُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَنْ عَمْرو عَنْ أَبِيه قَالَ: يُقَال: لِبياضِ البيضِ الَّذِي يُؤكلُ الآحُ ولِصُفرتِها المَاحُ.
قَالَ: وَقالَ ابنُ الأعرابيِّ: مَحمَحَ الرَّجلُ إِذا أَخْلَصَ مودته.

(4/15)


أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْحَاء
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: أهملت الْحَاء مَعَ الْهَاء وَالْخَاء والغين.
(أَبْوَاب) الْحَاء وَالْقَاف ح ق ك، ح ق ج أهملت وجوهها. ح ق ش اسْتعْمل من وجوهها: (شقح) . شقح: قَالَ اللَّيْث: الْعَرَب تَقول: قُبْحاً لَهُ وشُقْحاً، وإِنَّهُ لقَبِيحٌ شَقِيحٌ، وَلَا تكَاد الْعَرَب تَعْزِلُ الشُّقْحَ من القُبْح. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: هُوَ قَبِيحٌ شَقِيحٌ، وَجَاء بالقَباحَةِ والشَّقاحَةِ. وَقَالَ أَبُو زيد: شَقَحَ الله فُلاناً وَقَبَحَهُ فَهُوَ مَشْقُوحٌ مثل قَبَحَهُ فَهُوَ مقبوحٌ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشَّقْحُ: الكَسْرُ، والشَّقْحُ: البُعْدُ، والشَّقْحُ: الشَّجُّ. قَالَ: وَسمع عمَّار رجلا يسُبُّ عَائِشَة فَقَالَ لَهُ بعدَ مَا لَكَزَه لَكَزَات: أَأَنْت تسُبُّ حبيبةَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْعُدْ مَنْبُوحاً مَقْبوحاً مَشْقُوحاً. وَقَالَ اللَّحياني: لأشْقَحَنَّك شَقْحَ الجَوْز بالْجَنْدَل أَي لأكْسِرَنّك قَالَ: والشَّقْحُ: الكَسر. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع تمر النّخل حَتَّى يُشَقِّح. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا تَغَيَّرت البُسْرَةُ إِلَى الحُمَرةِ قيل هَذِه شَقْحَةٌ، وَقد أَشْقَحَ النَّخْلُ، قَالَ: وَهِي فِي لُغَة أهل الْحجاز الزَّهُوُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال للأَحْمَر الأشْقَر: إنَّه لأشْقَح. قَالَ: والشَّقِيحُ: النَّاقِهُ من الْمَرَض، وَلذَلِك قيل: فلانٌ قَبِيح شَقِيحٌ. أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال لِحَياء الكلبة ظَبْيَةٌ وَشَقْحَةٌ، ولذوات الْحَافِر: وَطْبَةٌ. وَيُقَال: شاقَحْتُ فلَانا وَشَاقَيْتُه وَباذَيْتُهُ إِذا لاسَنْتَهُ بالأذيَّة. ح ق ض أهْمِلت وجُوهُها. ح ق ص قحص، حقص: (مستعملان) . قحص: قَالَ أَبُو العَمَيْثَل: يُقَال: قَحَص

(4/16)


وَمَحَص إِذا مَرَّ مَرّاً سَرِيعا. وأَقْحَصْتُه وقَحَصْتُه إِذا أبعدتَه عَن الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو سعيد: فَحَصَ بِرِجْله وقَحَصَ إِذا رَكَضَ بِرِجْله. حقص: قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعْتُ مُدْرِكاً الْجَعْفَرِي يَقُول: سبقني فلانٌ قَبْصاً وحَقْصاً وشَدّاً بِمَعْنى وَاحِد. ح ق س الْمُسْتَعْمل من وجوهه: قسح، سحق. قسح: قَالَ اللَّيْث: القَسْحُ: بَقَاء الإنعاظ. يُقَال: إِنَّه لقُساحٌ مَقْسُوحٌ. وقَاسَحَه: يابَسَه، والقُسُوحُ: اليُبْسُ. وإِنَّهُ لقَاسِحٌ: يابسٌ. سحق: اللَّيْث: السَّحْقُ: دونَ الدَّقِّ. وَقَالَ غَيره: سَحَقَتِ الرِّيحُ الأرضَ وسَهَكَتْهُ إِذا قَشَرَت وَجْهَ الأرضِ بشدَّةِ هُبُوبها. ومُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ لفظ مُوَلَّدٌ. وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْقُ فِي العَدْو: دون الحُضْر وفوْق السَّحْج. وَقَالَ رُؤبةُ: فَهِيَ تَعَاطَى شَدَّةَ المُكايَلا سَحْقاً من الْجِدِّ وسَحْجاً باطِلا وَقَالَ آخر: كَانَت لنَا جَارَةٌ فَأَزْعَجَها فَاذُورَة تَسْحَق النَّوَى قُدُمَا قَالَ: والسَّحْقُ: الثَّوْبُ البَالي، والفِعْلُ الانسحاقُ وَقد سَحَقَهُ البِلَى ودَعْكُ اللُّبْسِ، وَقَالَ أَبُو زيد: ثَوْبٌ سَحْقٌ وَهُوَ الْخَلَقُ. وَقَالَ غَيره: هُوَ الَّذِي قد انْسَحَق ولان، وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: مَنْ زَافَتْ عليهِ دراهمُهُ فلْيأتِ بهَا السُّوقَ وليَشْترِ بهَا ثَوْبَ سَحَقٍ وَلَا يُخَالِفُ النَّاسَ أَنَّها جِيادٌ. وَقَالَ اللَّيْث: السّحْقُ كالبُعْد. تَقول: سُحْقاً لهُ: بُعْداً، ولغةُ أهل الْحجاز: بُعْدٌ لهُ وسُحْقٌ، يجعلونه اسْما، والنَّصْبُ عَلَى الدُّعَاء عَلَيْهِ، يُرِيدُونَ بِهِ: أبعده الله وَأَسْحَقهُ سُحْقاً وبُعْداً، وإِنَّهُ لبَعيدٌ سحيقٌ. وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لاَِصْحَ ? بِ} (الْملك: 11) اجْتَمعُوا على التَّخْفِيف، وَلَو قُرئت فسُحْقاً كَانَت لُغَة حَسَنَة. وَقَالَ الزّجاج: فسُحْقاً منصوبٌ على الْمصدر. أسْحَقَهم الله سُحْقاً أَي باعدهم من رَحمتِه مُباعدةً. وَقَالَ غَيره: سَحَقه الله وأسْحَقه أَي أبعده، وَمِنْه قولُه: تَسْحَق النَّوَى قُدماً أَبُو عُبيد وَغَيره: السَّحوق مِن النّخل: الطويلةُ، وأتانٌ سَحوقٌ، وحمارٌ سحوق والجميع السُّحُقُ وَهِي الطِّوال المَسانّ، وَأنْشد أَبُو عُبيد فِي صفة النّخل: سُحُقٌ يمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّه عُمٌّ نَواعِمُ بَينهُنَّ كُرومُ أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا طَالَتْ النَّخْلَة مَعَ انْجِرادٍ فَهِيَ سَحوقٌ. وَقَالَ شَمِر: هِيَ الجرداء الطويلةُ الَّتِي لَا كربَ فِيهَا وَأنْشد: وسالفةٌ كسَحوق اللِّيانِ أَضْرَم فِيهَا الغَوِيُّ السُّعُرْ شبَّه عُنُق الْفرس بالنخلة الجرداء. وَقَالَ اللَّيْث: العيْنُ تسحق الدمعَ سَحْقاً.

(4/17)


ودُموعٌ مساحيقُ، وَأنْشد: طَلَى طرفَ عَيْنَيْهِ مساحيقُ ذُرَّفُ كَمَا تَقول: منكسِرٌ، ومكاسر. قلت: جعل المساحِيقَ جمعَ المُنْسَحِق وَهُوَ المُنْدَفق. قَالَ زُهَيْرٌ: (قِتْبٌ وغَرْبٌ إِذا مَا أُفرغ انسحقا) وَقَالَ اللَّيْث: الإسحاق: ارْتِفَاع الضَّرع ولُزُوقُه بالبطن. وَقَالَ لبيد: حَتَّى إِذا يَبِسَت وأسحق حالِقٌ لم يُبْلِه إرضاعُها وفِطامُها وَقَالَ شمر: أسحقَ الضَّرْع: ذهبَ مَا فِيهِ، وانسحقت الدَّلْوُ: ذهب مافيها، وأسحقت ضَرَّتُها: ضَمَرَت وَذهب لَبنهَا. وَقَالَ الأصمعيُّ: أسحَقَ: يَبِسَ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: أسحَقَ الضّرْع: ذهب لبنُه وبَلِي. قَالَ: والسَّوحَقُ: الطويلُ من الرِّجَال. وَقَالَ الأصمعيُّ: من الأمطار السَّحَائقُ الواحدةُ سحيقَةٌ وَهُوَ الْمَطَر الْعَظِيم الْقطر، الشَّديد الوَقْع، الْقَلِيل العَرِمُ. قَالَ: وَمِنْهَا السَّحيفةُ بِالْفَاءِ وَهِي المطرة الَّتِي تجْرُف مَا مرت بِهِ. وساحُوق: بَلد، وَقَالَ: وهُنَّ بساحُوقٍ تداركنَ ذالِقا ح ق ز حزق، قحز، قزَح: مستعملة. حزق: قَالَ اللَّيْث: الحَزْق: شدةُ جذب الرِّباطِ والوَتر، وَالرجل المُتَحَزِّقُ: المتشدِّد على مَا فِي يَده ضَنّاً بِهِ وَكَذَلِكَ الحُزُقُّ والحُزُقّة والحَزِق مثله وَأنْشد: فهْي تَفَادى من حَزارٍ ذِي حَزِق وروى ابنُ الأعرابيِّ عَن الشَّعبي بِإِسْنَاد لَهُ أنَّ عليّاً خطب أَصْحَابه فِي أَمر المارقين، وحضَّهم عَلَى قِتَالهمْ، فَلَمَّا قتلوهم جَاءُوا فَقَالُوا: أبشرْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فقد استأصلناهم. فَقَالَ عليُّ ح: (حَزْقُ عَيْر حَزْقُ عَيُرٍ قد بقيت مِنْهُم بقيَّةٌ) . قَالَ ابْن الأعرابيّ: سمعتُ المُفَضَّل يَقُول فِي قَوْله: حَزْقُ عَيْر: هَذَا مَثَلٌ تَقوله الْعَرَب للرجلِ المُخْبِرِ بِخَبر غَيْر تامّ وَلَا مُحَصَّلٍ: حَزْقُ عَيْر حَزْقُ عَيْر أَي حُصَاصُ حِمار أَي لَيْسَ الأمرُ كَمَا زعمتم. وَقَالَ أَبُو العَبَّاس: وَفِيه قَوْل آخر: أَرَادَ عليٌّ أَنَّ أمرَهُم مُحْكَم بعد كحَزْقِ حِمْلِ الحمارِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْحمار يَضْطَرب بِحِمله، فَرُبما أَلْقاه فيُحْزَقُ حَزْقاً شَدِيدا، يَقُول عليّ: فأَمْرُهُم بَعْدُ مُحْكَم. أَبُو عُبيد عَنِ الْفراء: رجلٌ حُزُقّةٌ وَهُوَ الَّذِي يُقارِبُ مِشْيَتَه. قَالَ: وَيُقَال: حَزُقّةُ. وَقَالَ شمر: الحُزُقَّةُ: الضيِّقُ القُدْرَة والرَّأْيِ، الشَّحيحُ. قَالَ: فإِنْ كَانَ قَصِيرا دميماً فَهُوَ حُزُقَّةٌ أَيْضا. ابْن السِّكِّيت عَنِ الأصمعيّ: رَجُلٌ حُزُقّةً وَهُوَ الضَّيِّقُ الرَّأْيِ من الرِّجَال والنِّسَاءِ، وَأنْشد: وأعْجَبْنِي مَشْيُ الحُزُقَّة خالدٍ كمشي الأتانِ حُلِّئَتْ بالمناهِلِ أَبُو عُبيدٍ عَنِ الْأَصْمَعِي: الحَزِيقُ: الجماعةُ من النَّاس وَقَالَ لَبيدٌ.

(4/18)


كحزِيقِ الحَبَشِيِّيْنَ الزُّجَلْ ورُوِي: يقالُ للجماعةِ: حِزْقَةٌ وحِزَقٌ. وَجمع الحَزيق حَزَائقُ وَفِي الحَدِيث (لَا رَأْي لحَازقٍ) وَقيل: هُوَ الَّذِي ضاقَ عَلَيْهِ موضعُ قدمه مِنْ خفِّه فحزَقَها كَأَنَّهُ فاعلٌ بِمعنَى مَفْعُول. ويقالُ: أحْزقتُه إحزاقاً إِذا منعتُه. وَقَالَ: أَبُو وَجْزَةَ: فمَا المالُ إِلَّا سُؤْرُ حَقِّكَ كلِّه ولكنَّه عمَّا سِوَى الحَقِّ مُحْزَق وَقَالَ أَبُو تُرابٍ: سمعتُ شمراً وأبَا سَعيدٍ يَقولانِ: رجلٌ حُزُقَّةٌ وحُزُمَّةٌ إِذا كَانَ قَصِيرا. قحز: قَالَ اللَّيْث: القَحْزُ: الوَثبَان والقَلقَ. وَقَالَ رؤبة. إِذا تَنزَّى قاحزَاتُ القَحْز يَعْنِي بِهِ شَدَائِد الْأُمُور. وَفِي حَدِيث أبي وائلٍ أنَّ الحجاجَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أحْسِبُنَا قد رَوْعْنَاكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو وائِلٍ: أما إِنِّي قد بتُّ أقْحَزُ البَارحة. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله أقحز يَعْنِي أُنزَّى: يُقَال: قد قحز الرجلُ يقحز إِذا قلق. وَهُوَ رجلٌ قاحزٌ. وَأنْشد قَول أبي كَبِير يصف طَعنة: مُسْتَنَّةٍ سَننَ الفُلُوِّ مُرِشَّة تَنفي الترابَ بِقَاحزِ مُعرَورِف يَعْنِي خُرُوج الدَّم باسْتنَانٍ. ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: قحز الرجلُ فَهُوَ قاحزٌ إِذا سَقطَ شبهَ الميِّت. وَقَالَ النَّضرُ: القَاحزُ: السهْم الطامح عَنْ كبد الْقوس ذَاهِبًا فِي السَّمَاء. يُقَال: لشَدّ مَا قحز سهمك أيْ شَخَصَ. قزَح: فِي الحَدِيث (أنَّ الله ضَرَبَ مَطْعَمَ ابْن آدم لَهُ مثلا وإِنْ قَزَّحه وَمَلَّحَهُ) . أَبُو عُبيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا جَعَلْتَ التَّوَابِلَ فِي القِدْرِ قلت: فَحَّيْتُها وَتَوبَلْتُهَا وقَزَحْتُها بالتَّخفيف قَالَ: وَهِي الأقزاحُ واحِدها قِزْح، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ القِزْحُ والقَزْحُ والفِحَا والفَحَا، قَالَ: والأَقْزَاحُ أَيْضا: خُرْءُ الْحَيَّاتِ، واحدِهَا قِزْح. قَالَ: قَزَحَ الكلبُ بِبَوْلِه قَزْحاً إِذا رفع رِجْلَه وبَال. وَقَالَ اللَّيْث: قَزَّحْتُ القِدْرَ تَقْزِيحاً إِذا بَزَرْتَها. قَالَ: وقَوْسُ قُزَحَ: طريقةٌ مُتَقَوِّسَةٌ فِي السَّمَاء غِبَّ الْمَطَر أَيَّام الرّبيع. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (لَا تَقولُوا قَوْس قُزَح فَإِن قُزَحَ مِن أَسمَاء الشَّيَاطِين، وَلَكِن قُولُوا: قَوْسُ الله) . قَالَ. وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: القُزَحُ: الطرائق الَّتِي فِيهَا، والواحدة قُزْحَه. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القُسْطَانُ: قَوْسُ قُزَحَ. وسُئِل أَبُو الْعَبَّاس عَن صَرْفِ قُزَح فَقَالَ: مَن جعله اسْم شَيْطَان ألحقهُ بزُحَل، وَقَالَ المبرِّدُ: لَا ينْصَرف زُحل لِأَن فِيهِ العِلّتين المعرِفة والعدولَ. قَالَ أَبُو العبَّاس ثَعْلَبٌ: وَيُقَال: إِن قُزَحاً جمع قُزْحَة وَهِي خطوطٌ مِن صُفْرَةٍ وحُمْرة وخُضْرَةٍ، فَإِذا كَانَ هَكَذَا أَلْحَقتَه بِزيد، قَالَ: وَيُقَال: قُزَحُ: اسْم ملك مُوكَّل بِهِ، قَالَ: فَإِذا كَانَ هَكَذَا أَلْحقْتَه بِعُمر. قلت: وَعمر لَا ينْصَرف فِي

(4/19)


الْمعرفَة وينصرف فِي النكِرة. وَقَوازِحُ المَاء: نُفَّاخاته الَّتِي تنتفخ فتذهب. قَالَ أَبُو وجْزَةَ: لَهُم حَاضر لَا يُجْهَلُونَ وَصَارِخٌ كسَيْلِ الغَوَادِي تَرْتَمِي بِالْقَوَازِحِ وَقَالَ أَبُو زيد: قَزَحَتِ القِدْرُ تَقْزَحُ قَزَحاً وقَزَحَاناً إِذا أقطَرَتْ مَا خَرَجَ مِنْهَا. اللَّيْث: التَّقْزِيحُ فِي رأسِ شجرةٍ أَو نَبْتٍ إِذا شَعَّب شُعَباً مثل بُرْثُنِ الْكَلْب. وَفِي الحَدِيث النَّهيُ عَن الصَّلَاة خلف الشَّجَرَة المُقَزَّحة. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ومِنْ غرِيب شجر الْبَرِّ: المُقَزَّحُ: وَهُوَ شجر على صُورَة التِّين لَهُ غِصْنَةٌ قِصَارٌ فِي رُؤوسِها مثل بُرْثُن الْكَلْب، وَمِنْه خبرُ الشَّعْبِيِّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَرِهَ أَن يُصَلِّي الرجل إِلَى الشَّجَرَة المُقَزَّحَةِ. وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى: فِي مُحِيلِ القِدِّ مِن صَحْبِ قُزَحْ أَرَادَ بِقُزَحَ هَاهُنَا لقباً لَهُ وَلَيْسَ باسم ح ق ط أُهمِلَت وجوهها إلَّا: قحط. قحط: الْحَرّانِي عَن ابْن السّكيت: قُحِطَ النَّاس، وَقد قَحَطَ الْمَطَرُ، وَقَالَ اللَّيْث: القَحْطُ: احْتِبَاسُ المَطَر. يُقَال: قُحِطَ القَوْمُ وأَقحطوا، وقُحِطت الأرضُ فَهِيَ مقحوطةٌ، وقَحِطَ الْمَطَر أَي احْتبسَ. ورجُلٌ قَحْطِيٌّ وَهُوَ الأَكُولُ الَّذِي لَا يُبْقِي شَيْئا من الطَّعَام. وَهَذَا من كَلَام الْحَاضِرَة ونسبوه إِلَى القَحْط لِكَثْرَة الْأكل على معنى أَنه نجا من الْقَحْط فَلذَلِك كثر أكله. وَقَالَ اللَّيْث: قحطان: أَبُو الْيمن: وَهُوَ فِي قَول نسَّابيهم قحْطَان بن هودٍ، وبعضٌ يَقُول: قحطان بن أَرْفَخْشَذْ بن سَام بن نوح. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قُحِطَ النَّاس وأُقْحِطوا وقَحَطَ، الْمَطَر. وَقَالَ شَمِرُ: قُحوط الْمَطَر: أَن يَحْتَبِس وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ. وَيُقَال: زمانٌ قاحط، وعام قاحط، وسنةٌ قَحِيطٌ، وأَزْمُنٌ قَواحِطُ. وَفِي الحَدِيث: (أَن مَنْ جامَع فأَقْحَطَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ أَن ينتشر فَيُولج، ثمَّ يَفْترُ ذَكَرُه قبل أَن يُنزلَ. والإقْحَاطُ مثل الإكسالِ، وَهَذَا مثل الحَدِيث الآخر: (الماءُ من المَاء) وَكَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نُسِخَ وأُمِرُوا بالاغتسال بعد الْإِيلَاج. وَقَالَ ابْن الْفرج: كَانَ ذَلِك فِي إقْحاط الزَّمَان وإكْحَاط الزَّمَان أَي فِي شِدَّته. ح ق د حقد، حدق، قدح، قحد، دحق: مستعملات. قحد: قَالَ اللَّيْث: القَحَدَةُ: مَا بَين المأْنَتَيْن من شَحْم السنام. وناقَةٌ مِقْحَاد: ضخمة القَحَدَة وَأنْشد: مِن كلِّ كَوْمَاءَ شَطُوطٍ مِقْحَادْ أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيِّ: المِقْحَاد: النَّاقةُ الْعَظِيمَة السَّنام: وَيُقَال للسَّنام: القَحَدَة، قَالَ: والشَّطُوطُ: الْعَظِيمَة جَنْبَتَي السَّنَام. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيِّ قَالَ: المَحْقِدُ

(4/20)


والمَحفِدُ والمحْتدُ والمَحْكِدُ كُله الأَصْل، قلت: وَلَيْسَ فِي (كتاب أبي تُرَاب) المَحْقِد مَعَ المَحْتِد وذُكر عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْفِدُ: أصل السَّنامِ بِالْفَاءِ وَعَن أبي نَصْر مثله. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَحَّاد: الرجل الفَرْدُ الَّذِي لَا أَخ لَهُ وَلَا ولد. وَيُقَال: واحدٌ قاحِدٌ وصَاخِدٌ وَهُوَ الصُّنْبُور. قلت: وروى أَبُو عَمْرو عَن أبي الْعَبَّاس هَذَا الْحَرْف بِالْفَاءِ فَقَالَ: واحِدٌ فَاحِدٌ، قلت: والصوابُ مَا روى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي. أَبُو عُبيد: قَحَدت النَّاقة وأقْحَدَتْ: صَارَت مِقْحَاداً. حقد: شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَقِدَ المَعْدِنُ وأَحْقَدَ إِذا لم يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْء وَذَهَبت منالَتُه. اللَّيْث: الحِقْد: إمساكُ الْعَدَاوَة فِي الْقلب والتَربُّص بِفُرْصتها، تقولُ: حقَد يَحْقِدُ على فلَان حَقْداً فَهُوَ حاقِدٌ فالحَقْدُ الْفِعْل، والحِقْدُ الِاسْم. قلت: وَيُقَال: رجل حَقودٌ. ومَعْدِن حاقِدٌ إِذا لم يُنل شَيْئا. وجَمْع الحِقْد أحْقَادٌ. قدح: اللَّيْث: القَدَحُ: من الْآنِية مَعْرُوف. وَجمعه أَقْدَاحٌ، ومُتَّخِذه القَدَّاح، وصناعتُه القِداحةُ. والقِدْحُ: قِدْح السَّهْم وجَمْعُه قِداح، وَصانِعُه قَدَّاح أَيْضا. قَالَ: والْقَدَّاح: أُرْآدٌ رَخْصة من الفِسْفِسَة. الْوَاحِدَة قَدَّاحة. قَالَ والقَدَّاح: الْحجر الَّذِي يُورَى مِنْهُ النَّار. وَقَالَ رُؤْبة: والْمَرْوَذَ القَدّاح مَضْبوحَ الفِلَق والقَدْحُ: قَدحُك بالزنْد وبالْقَدَّاحِ لِتُورِي والمِقْدَح: الحديدة الَّتِي يُقْدَح بهَا. والقَدْحُ: فِعْلُ القادح، وَقد قَدَحَ يَقْدَحُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للَّتِي تُضْرب فَيخرج مِنْهَا النارُ قَدّاحة. وَقَالَ اللَّيْث: القَدْح: أُكَالٌ يَقع فِي الشّجر والأسنان. والقادِحة: الدُّودَة الَّتِي تَأْكُل الشّجر والسِّنَّ، تَقول: قد أسْرَعت فِي أَسْنَانه القَوادِح، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: وَقع القادحُ فِي خَشَبَة بَيتِه يَعْنِي الْآكِل. ويُقال: عودٌ قد قُدح فِيهِ إِذا وَقع فِيهِ القادحُ، وَقَالَ جميل: رمى الله فِي عَيْنَي بُثَيْنَةَ بالقَذَى وَفِي الغُرِّ من أنيابِها بالقَوادِح وَقَالَ اللَّيْث: القِدْحَةُ: اسْم مشتقٌ مِن اقتداح النَّار بالزنْد. وَفِي الحَدِيث: (لَو شَاءَ الله لجعل للنَّاسِ قِدْحَةَ ظُلْمَة كَمَا جعل لَهُم قِدحة نُور) . قَالَ: وَالْإِنْسَان يَقْتَدِحُ الأمرَ إِذا نظر فِيهِ وَدَبَّرَه، ويروى هَذَا البيتُ لعَمْرو بن الْعَاصِ: يَا قاتَل الله وَرْدَاناً وقِدْحَتَه أَبْدَى لعَمْرُكَ مافي النَّفس وَرْدَانُ وَوَرْدَان: غُلاَمٌ كَانَ لعَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ حَصِيفاً، فاسْتشارَه عَمْرو فِي أَمر عليّ ح وَأمر مُعاوية، فَأَجَابَهُ وَرْدَان بِمَا كَانَ فِي نَفسه، وَقَالَ لَهُ: الآخرةُ مَعَ علِيّ

(4/21)


وَالدُّنْيَا مَعَ مُعَاوِيَة، وَمَا أَرَاك تخْتَار على الدُّنْيَا، فَقَالَ عَمْرو: هَذَا الْبَيْت. وَمن رَوَاهُ: وقَدْحَتَه أَرَاد بِهِ مَرَّة واحِدَة. وَقَالَ اللَّيْث: القَدِيحُ: مَا يبْقى من أَسْفَل القِدْر فيُغْرَفُ بِجهْد. وَقَالَ النابغةُ: فظل الإمَاءُ يَبْتَدِرْنَ قدِيحَها كَمَا ابْتَدَرَتْ كَلْبٌ مياه قَراقِر وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: قَدَحَ يَقْدَحُ قَدْحاً إِذا مَا غَرَف. وَيُقَال: أعْطِني قُدْحَةً من مَرقتك أَي غُرفة. والمِقْدحُ: مَا يُغْرَفُ بِهِ، وَأنْشد. لنَا مِقْدَحٌ مِنْهَا وللجَارِ مِقْدح. وَيُقَال: هُوَ يَبْذُل قَدِيح قِدْرِه يَعْنِي مَا غُرِف مِنْهَا، قَالَ: والمِقْدحَة: المِغْرفة. قَالَ: وَيُقَال: قَدَحَ فِي القِدْح يَقْدَحُ وَذَلِكَ إذَا خَزَقَ فِي السَّهْم بِسِنْخ النّصْل. وَفِي الحَدِيث (أَنَّ عُمَر كَانَ يُقَوِّمُهُم فِي الصفّ كَمَا يُقوِّمُ القَدَّاح القِدْحَ) . قَالَ: وَأول مَا يُقطع السهمُ ويُقْتَضَبُ يُسمى قِطْعاً، والجميع الْقُطُوعُ، ثمَّ يُبْرَى فَيسمّى بَرِيّاً، وَذَلِكَ قبل أَن يُقَوَّمَ، فَإِذا قُوِّم وأنَّى لَهُ أَن يُرَاش ويُنْصَل فَهُوَ القِدْح، فَإِذَا رِيشَ ورُكِّبُ نَصْلُه صَار سَهْما. الْأَصْمَعِي: قَدَّح فلانٌ فرسَه إِذا ضَمَّره فَهُوَ مُقْدَّح. وَقَدَّحَت عَيْنُه إِذا غارَتْ فَهِيَ مُقَدَّحَة. وَقَالَ أَبُو عُبيدة: وَيُقَال: قَدَحَ فِي سَاقه إِذا مَا عَمِل فِي شَيْء يكرههُ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تَقول: فلَان يَفُتُّ فِي عَضُد فلَان ويَقْدَح فِي سَاقه. قَالَ: والعَضُد: أَهلُ بَيْته، وسَاقُه: نَفسُه. وَأما قَول الشَّاعِر: ولأنْت أَطْيَشُ حِين تَغْدو سادِراً رَعِشَ الجَنَانِ من الْقَدُوحِ الأقْدَح فَإِنَّهُ أَرَادَ قَول الْعَرَب: هُوَ أَطْيَشُ من ذُبَاب وكل ذُبَاب أقدحُ، وَلَا تراهُ إِلَّا وَكَأَنَّهُ يقدَحُ بيدَيْهِ، كَمَا قَالَ عنترة: هَزِجاً يَحُكُّ ذِرَاعه بذراعه قَدْحَ المُكِبّ على الزِّناد الأَجْذَم وَيُقَال فِي مَثَل: (صَدَقني وَسْمُ قِدْحه) أَي قَالَ الحقَّ. قَالَ أَبُو زيد: وَيَقُولُونَ: أبصِرْ وَسْمَ قِدْحِك أَي اعْرِف نَفسك وَأنْشد: ولَكن رَهْطُ أُمِّكَ من شُيَيْم فأبْصِرْ وَسمِ قِدْحِكَ فِي القِدَاح وَقَالَ أَبُو زيد: من أَمْثالهم (إِقْدَحْ بِدِفْلَى فِي مَرْخ) . مثل يُضْرَب للرجل الأديب الأريب، قلت: وزنادُ الدِّفْلَى والْمَرخ كَثِيرَة النَّار لَا تَصْلِد. أَبُو عُبيد قَالَ: القَادِحُ الصَّدْعُ فِي الْعود. حدق: قَالَ اللَّيْث: الْحَدقُ: جمَاعَة الحَدَقَةَ، وَهِي فِي الظَّاهِر سوادُ العيْنِ، وَفِي الْبَاطِن خَرَزَتُها وتُجمعُ على الحِدَاقِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: فالعين بعدهمْ كَأَن حِدَاقها وَقَالَ غير اللَّيْث: السوَاد الأَعْظَمُ فِي الْعين هُوَ الحَدَقة والأصغر هُوَ النّاظِرُ وَفِيه إِنْسَان العَيْنِ، وَإِنَّمَا النَّاظر كالمِرْآةِ إِذا استقْبَلْتَها

(4/22)


رَأَيْت فِيهَا شَخْصَك. وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله: {وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً} (عَبَسَ: 30) قَالَ: كل بُسْتَان كَانَ عَلَيْهِ حائِطٌ فَهُوَ حديقة وَمَا لم يكن عَلَيْهِ حَائِط لم يُقَلْ لَهُ حَدِيقة. وَقَالَ الزَّجّاج: الحدائقُ: الْبَسَاتِين وَالشَّجر المُلْتَفّ، وَقَالَ اللَّيْث: الحَدِيقة: أَرض ذَات شجر مثمر، والحديقة من الرياض: كل رَوْضَة قد أَحْدَقَ بهَا حاجز أَو أَرض مُرْتَفِعة. وَقَالَ عَنْتَرَةُ: فَتَرَكْنَ كل حَدِيقةٍ كالدرهم قَالَ: وكل شَيْء اسْتدار بِشَيْء فقد أَحْدَق بِهِ، وَتقول: عَلَيْهِ شامةٌ سَوْداءُ قد أَحْدَقَ بهَا بَيَاض. قَالَ: والتَّحْدِيق: شدَّة النّظر. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للباذِنْجَان الحَدَقُ وَالمَغْدُ. غَيره: حَدَقَ فُلانٌ الشَّيْء بِعَيْنِه يَحْدِقُه حَدْقاً إِذا نظر إِلَيْهِ، وَحَدَقَ الميِّتُ إِذا فتح عيْنه وطرِف بهَا، والحُدُوق: الْمصدر، وَرَأَيْت المَيِّتَ يَحْدِقُ يَمْنَةً ويَسْرَةً أَي يفتح عَيْنيه ويَنْظُر. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَدِيقُ الرَّوْضِ: مَا أَعْشَبَ بِهِ والتَفّ. يُقَال: رَوْضَة بني فلَان مَا هِيَ إِلَّا حديقةٌ مَا يجوز فِيهَا شَيْء، وَقد أَحْدَقَتِ الرَّوْضَةُ عُشْباً، وَإِذا لم يكن فِيهَا عُشْبٌ فَهِيَ رَوْضَة. والحديقةُ: أرْض ذَات شجر مُثْمِر. وكل شَيْء أحَاط بِشَيْء فقد أَحْدَقَ بِهِ. دحق: الْعَرَب تسمي العَيْر الَّذِي غلب على عانَته دَحِيقاً. وَقَالَ ابْن المُظفَّر: الدَّحْقُ: أَن تَقصُر يَدُ الرَّجُل وتناوُلُه عَن الشَّيْء، تَقول: دَحَقْتُ يَدَ فُلان عَن فلَان، وَقد أَدْحَقَه الله أَي باعده عَن كل خَيْر، وَرجل دَحِيق مُدْحَق: مُنحّى عَن النَّاس والخَيْر. قَالَ: وَدَحَقَت الرَّحم إِذا رَمَتْ بِالْمَاءِ فَلم تقبله. وَقَالَ النَّابِغَة: دَحَقت عَلَيْك بِناتقٍ مِذْكارِ الْأَصْمَعِي: الدَّحُوق من الْإِبِل: الَّتِي يخرج رَحِمُها بعد نِتَاجِها. وَقَالَ ابْن هانىء: الدَّاحِق من النِّسَاء: المُخْرِجَةُ رَحِمَها شَحْماً وَلَحْمًا. رَوَاهُ شمر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَقول العربُ: قَبَّحَه الله وأمًّا رَمَعَتْ بِهِ، ودَحَقَتْ بِهِ، ودَمصت بِهِ، بِمَعْنى وَاحِد. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدَّحُوقُ من النِّسَاء: ضدُّ المَقَاليت وهنَّ المُتْمِئات. ح ق ت مهمل الْوُجُوه. ح ق ظ مهمل الْوُجُوه. (ح ق ذ) حذق، قذح، ذقح: (مستعملات) . حذق: قَالَ اللَّيْث: الحِذْقُ والحَذَاقَةُ: مهارَة فِي كل العَمَل. تَقول: حَذَق وَحَذِق فِي عمله يَحْذِقُ ويَحْذَق فَهُوَ حاذِقٌ، والغلام يَحْذِقُ الْقُرْآن حِذْقاً وحَذَاقاً، وَالِاسْم الحَذَاقَةُ.

(4/23)


ابْن السّكيت عَن أبي زيد: حَذَقَ الغلامُ الْقُرْآن وَالْعَمَل يَحْذِق حِذْقاً وحَذْقاً وحَذاقاً وحَذَاقَةً، وَقد حَذِق يَحْذَقُ لُغَة. قَالَ: وَقد حَذَقْتُ الحَبْل أَحْذِقُهُ حَذْقاً إِذا قَطَعْتَه، بِالْفَتْح لَا غَيْر. وَقد حَذَق الخَلُّ يَحْذِقُ حُذُوقاً إِذا كَانَ حَامِضاً. وَقَالَ اللَّيْث: حَذَقْتُ الشَّيْء وَأَنا أَحْذِقُه حَذْقاً، وَهو مَدُّكَ الشَّيْء تَقْطَعُه بِمِنْجَل ونَحْوِه حَتَّى لَا تُبْقِي مِنْهُ شَيْئاً، والفِعْلُ اللاَّزِمُ الانْحِذاقُ وَأَنْشَد: يَكَادُ مِنْهُ نِيَاطُ القَلْبِ يَنْحَذِقُ وأنْشَد ابْن السِّكّيت: أَنَوْراً سَرْعَ مَاذَا يَا فَرُوقُ وحَبْلُ الوَصْلِ مُنْتَكِثٌ حَذِيقُ أَي مَقْطُوع. أَبُو عُبَيْد عَن أبي زَيْد: الحُذَاقِيُّ: الفَصِيحُ اللّسَان البَيِّنُ اللَّهْجَةِ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَذَقَ الْخَلُّ يَحْذِق إِذا حَمُضَ وَخَلّ باسِلٌ، وَقد بَسَلَ بَسُولاً إِذا طَال تَرْكُه فَأَخْلف طَعْمُه وتَغَيَّر، وخَلّ مُبَسَّلٌ. قذح: قَالَ ابْن الفَرَج: سَمِعْتُ خَلِيفةَ الحُصَينيّ يَقُول: المُقاذَحَة والمُقاذَعَةُ: المُشاتَمة، وقَاذَحَنِي فُلاَنٌ وقابَحَنِي: شَاتَمنِي. ذقح: فِي (نَوَادِرِ الأَعْراب) : فُلاَنٌ مُتَذَقِّحٌ لِلشّرّ، وَمُتَفَقِّح، ومُتَنَقِّح، ومُتَقَذِّذ، ومُتَزَلِّم، ومُتَشَذِّب، ومُتَحَذِّف، ومُتَلَقِّح بِمعْنى وَاحِد. ح ق ث أهملت وجوهه. ح ق ر حقر، حرق، قرح، قحر، رقح، رحق: مستعملات. حقر: الحَقْرُ فِي كل الْمعَانِي: الذِّلَّةُ. تَقول: حَقَر يَحْقِر حَقْراً وحُقْرِيَّة وَكَذَلِكَ الاحتقار، واسْتَحْقَرَه: رَآهُ حَقِيراً، وتَحْقيرُ الْكَلِمَة: تَصْغِيرُها. والحَقِير: ضِدُّ الخَطِيرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يُقَال: حَقِير نَقِيرٌ. قحر: قَالَ اللَّيْث: القَحْرُ: المُسِنُّ وَفِيه بَقِيَّة وَجَلَدٌ. أَبُو عُبَيْد عَن أبي عَمْرو: شَيْخ قَحْر وقَهْب إِذَا أسَنَّ وكَبِرَ. الْأَصْمَعِي: إِذا ارْتَفَع الجَمل عَن العَوْدِ فَهُوَ قَحْر، والأُنْثَى قَحْرَة فِي أَسْنانِ الإبلِ، وَقَالَ غَيْره: هُوَ قُحَارِيّة. رقح: قَالَ اللَّيْث: الرَّقاحِيُّ: التَّاجِر. يُقَال: إِنَّه ليُرَقّحُ مَعِيشَتَه أَي يُصْلِحها. أَبُو عُبَيْد: التّرَقُّح: الاكتِسابُ، والاسمُ الرَّقاحَةُ، وَمِنْه قَوْلُهُم فِي التَّلْبِيَة: لم نَأْتِ لِلرَّقَّاحَةِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ دُرّة: بِكَفَّيْ رَقَاحِيَ يُرِيدُ نمَاءَها ليُبْرِزَها للْبَيْع فَهْيَ فَريجُ رحق: الرَّحِيق: من أَسْمَاء الْخَمْر مَعْرُوف. وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ} (المطفّفِين: 25) . قَالَ:

(4/24)


الرّحِيقُ: الشّرَابُ الَّذِي لَا غِشَّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: مِنْ أَسماء الخَمْر الرّحِيقُ والرّاح. قرح: قَالَ اللَّيْث: القَرْح والقُرْح لُغَتان فِي عَضّ السِّلاح ونحْوِه مِمَّا يَجْرَحُ الجَسَد، وَتقول: إِنَّه لقَرِح قَرِيح وَبِه قَرْحَة دامِيَة، وَقد قَرِحَ قَلْبُه من الحُزْنِ. وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَوْل الله جلّ وعزّ: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} (آل عِمرَان: 140) و (قُرْحٌ) قَالَ: وَأكْثر القُرّاء على فَتْحِ الْقَاف، وكأَنّ القُرْحَ أَلَمُ الجِراح بأَعْيانها. قَالَ: وَهُوَ مثل الوجْد والوُجْد. وَلَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُم وإلاّ جَهْدَهم. وَقَالَ الزّجَاج: القُرْح والقَرَح عِنْد أهل اللُّغَة بِمَعْنى وَاحِد، ومعناهما الجِراح وأَلَمُها يُقَال: قد قَرِح الرجل يقْرَح، قَرَحاً، وأصابه قَرْح، ثمَّ حكى قولَ الفَرَّاء بِعَيْنِه. أَبُو عُبَيْد: القَرِيح: الجَرِيح، وَأنْشد: لَا يُسْلِمون قَرِيحاً كَانَ وَسْطَهم يَوْم اللِّقاء وَلَا يُشْوُون مَن قَرَحوا وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: القَرِيحُ: الَّذِي بِهِ قُرُوحٌ. والقَرِيح. الخالِص. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيب: وإنّ غُلاماً نِيلَ فِي عهد كاهِل لَطِرْفٌ كنَصْل السَّمهريِّ قَرِيحُ نِيلَ أَي قُتِلَ فِي عَهْد كَاهِل أَي وَله عهد وميثاق. الليثُ: القَرْحُ: جَرَب شَدِيد يَأْخُذ الفُصْلان فَلَا تكَاد تنجو يُقَال: فَصِيل مقرُوح. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَرَح فلَان فلَانا بالحقِّ إِذا استقبلَه، وقَرَحه إِذا جَرَحه يقْرَحَه، وَقد قَرِح يَقْرَح إِذا خرجَتْ بِهِ قُرُوح. قلت: الَّذِي قَالَه اللَّيْث مِن أَن القَرْح جَرَب شَدِيد يَأْخُذ الفُصْلان غلط، إِنَّمَا القَرْحَة: داءٌ يَأْخُذ الْبَعِير فيهدَل مِشْفَرُه مِنْهُ. وَقَالَ البعيث: وَنحن منَعنا بالكُلاب نِسَاءَنَا بِضَرْب كأفواه المُقَرِّحة الهُدْلِ وَقَالَ ابْن السِّكّيت: المقرِّحة: الإبِل الَّتِي بهَا قُرُوح فِي أفواهها فتَهْدَل لذَلِك مَشافرها: قَالَ: وَإِنَّمَا سَرَق البَعِيث هَذَا الْمَعْنى من عَمْرو بن شَاس: وأسيافُهم آثارهُن كَأَنَّهَا مشافِرُ قَرْحَى فِي مَبارِكها هُدْلُ وَأَخذه الكُمَيت فَقَالَ: تُشَبِّه فِي الْهَام آثارها مَشافر قَرْحَى أَكلْنَ البريرا قلت: وقَرْحَى جَمْع قَرِيح فَعِيل بِمَعْنى مفعول: قُرِحَ الْبَعِير فَهُوَ مقروح وقريح إِذا أَصَابَته القَرْحة وقرَّحت الْإِبِل فَهِيَ مُقرِّحة، والقَرْحة لَيست من الجرَب فِي شَيْء. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء: إبِلٌ قُرْحان: وَهِي الَّتِي لم تجرب قطْ. قَالَا: والصبيُّ إِذا لم يُصبه جُدَرِيٌّ قُرحان أَيْضا. وَأَنت قُرحان من هَذَا الْأَمر وقُراحِيٌّ أَي خَارج. وَقَالَ جرير:

(4/25)


نُدافع عَنْكُم كلّ يَوْم عظيمةٍ وأنتَ قُراحِيٌّ بِسِيف الكواظِم أَي أَنْت خِلْوٌ مِنْهُ سليم. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للَّذي لم يُصبه فِي الحَرْب جِرَاحَة قُرْحانٌ. وَقَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: القُرحانُ من الأضْداد: رجلٌ قُرْحان للَّذي قد مَسَّه القُرُوحُ، وَرجل قُرحان لم يَمْسَسْه قَرْحٌ وَلَا جُدَرِيّ وَلَا حَصْبة، وَكَأَنَّهُ الخالِص الْخَالِي من ذَلِك، وَرجل قَرِيح: خَالص، وَأنْشد بَيت أبي ذُؤَيب. أَبُو عُبَيْد عَن الْفراء فِي الْبَعِير والصبيِّ القرحان مِثل مَا روى شَمِر. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي يُرْوى أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدِموا مَعَ عُمَر الشَّام وَبهَا الطَّاعُون، فَقيل لَهُ: إنّ مَن مَعَك مِن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرْحانٌ فَلَا تُدْخلهم على هَذَا الطَّاعُون. وَقَالَ شَمِر: قُرْحان إِن شِئْت نَوَّنْت وَإِن شِئْت لم تُنَوَّن. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: اقترَحْتُه واجْتَبيتُه وخَوَّصتُه وخلَّمْته واختلمتُه واستخلصتُه واستميتُه كُله بِمَعْنى اخترْتُه. وَمِنْه يُقَال: اقترح عَلَيْهِ صَوت كَذَا، وَكَذَا أَي اخْتَارَهُ. اللَّيْث: ناقَةٌ قارح، وَقد قَرَحَتْ تقْرَح قُرُوحاً إِذا لم يَظُنُّوا بهَا حَمْلاً، وَلم تُبشِّر بذنَبِها حَتَّى يَسْتبين الْحمل فِي بَطنهَا. أَبُو عُبَيْد: إِذا تمّ حملُ النَّاقة وَلم تُلْقِه فَهِيَ حِين يَستبين الحملُ بهَا قارحٌ، وَقد قَرَحَتْ قُرُوحاً. وَقَالَ اللَّيْث: اقترحْتُ الجملَ اقتراحاً أَي رَكِبتْه من قبل أَن يُرْكَبَ. قَالَ: والاقتِراحُ: ابتِداعُ الشيْء تَبْتَدِعُه وتقترِحُه من ذَات نفْسِك من غير أَن تسمَعَه. قلت: اقتِراح كل شَيْء: اخْتِيَاره ابْتِدَاء. يُقَال: قَرَحْتُه واقترحْتُه واجْتَبَيْتُه بِمَعْنى وَاحِد. وقُرْحُ كلِّ شَيْء: أَوَّله. يُقَال: فلَان فِي قُرْحِ الْأَرْبَعين أَي أَولهَا، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: وقَرِيحةُ الإنسانِ: طبيعتُه الَّتِي جُبِل عَلَيْهَا وجمْعُها قرائحُ لِأَنَّهَا أولُ خِلقتِه. والقريحةُ: أَوّل مَاء يَخرج من الْبِئْر حِين تُحفَر، رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن الأمويّ. وَأنْشد: فإنكَ كالقريحةِ عامَ تُمْهَى شَرُوبُ المَاء ثمَّ تعودُ ماجَا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الاقتِراحُ: ابتداءُ أول الشَّيْء. وَقَالَ أوْس: على حينَ أَن جَدَّ الذكاءُ وأدركَتْ قريحةُ حِسْي من شُرَيْح مُغَمِّم يَقُول: حِين جَدَّ ذكائي أَي كَبِرْتُ وأَسْنَنْتُ وَأدْركَ من ابْني قريحة حِسْي يَعْنِي شِعر ابنِه شُرَيح بن أَوْس شَبَّهه بِمَاء لَا ينقطعُ وَلَا يُغَضْغَضُ. مُغَمْمِّمٌ أَي مُغْرِق. اللَّيْث: يُقَال للصُّبْح أَقْرَحُ لِأَنَّهُ بياضٌ فِي سَواد.

(4/26)


وَقَالَ ذُو الرُّمة: وَسُوجٌ إِذا الليلُ الخُدارِيُّ شَقَّه عَن الرَّكْب معروفُ السّماوَةِ أَقْرَح يَعْنِي الصُّبْح. قَالَ: والقُرحةُ: الغُرّة فِي وَسط الجَبهة. والنعت أقرحُ وقرحاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الغُرّة: مَا فَوق الدِّرْهَم والقُرْحةُ: قَدْرُ الدِّرهم فَمَا دونه. وَقَالَ النّضرُ: القُرْحةُ: مَا بَين عَيْنَي الْفرس مثل الدِّرهم الصَّغِير. قلت: وكُلهم يَقُول: قَرِحَ الفرسُ يقْرَحُ فَهُوَ أَقْرحُ، وَأنْشد: تُباري قُرْحةً مثل الوتي رةِ لم تكن مَغْدا يصف فرسا أُنثى، والوَتيرة: الحَلْقة الصَّغِيرَة يُتَعلَّم عَلَيْهَا الطعْن والرّمْيُ. والمَغْدُ: النّتْف أخبرَ أَن قُرحتَها جِبِلَّةٌ لم تَحدث عَن علاج نَتْف. وَقَالَ اللَّيْث: رَوْضَة قرحاءُ: فِي وَسَطِها نَوْرٌ أَبْيضُ. وَقَالَ ذُو الرمة: حَوّاءُ قَرْحاءُ أَشْرَاطِيَّةٌ وَكَفَتْ فِيهَا الذِّهابُ وحَفَّتْها البَرَاعيم وَقَالَ اللَّيْث: القارح من ذِي الْحَافِر: بِمَنْزِلَة البازِلِ. يُقَال: قَرَحَ الْفرس يَقْرَحُ قُرُوحاً فَهُوَ قارح، وقَرَحَ نابُه. وَالْجمع قُرَّحٌ وقُرْحٌ وقوارحُ وَيُقَال للْأُنْثَى: قارحٌ وَلَا يُقَال قارحة. وَأنْشد: والقارِحَ العَدَّا وكلَّ طَمِرّةٍ مَا إنْ يُنَالُ يدُ الطّويلِ قَذَالَها والقارح أَيْضا: السِّنُّ الَّتِي بهَا صَار قارحاً. وَأَخْبرنِي المُنذِريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا سَقَطَتْ رَبَاعِيَةُ الْفرس ونَبَتتْ مكانَها سِنٌّ فَهُوَ رَباع، وَذَلِكَ إِذا اسْتَتمَّ الرَّابِعَة، فَإِذا حَان قروحه سَقَطت السِّنّ الَّتِي تلِي رَباعيَتَه وَنبت مكانَها نابُه، وَهُوَ قارحُه وَلَيْسَ بعد القُروح سُقوطُ سنّ وَلَا نَبَات سنَ، قَالَ: وَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ قارحٌ. وَقَالَ غَيرُ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا دخل الْفرس فِي السَّادِسَة واسْتَتمْ الْخَامِسَة فقد قَرِحَ. وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا ألقَى الْفرس آخِرَ أسنانِه قيل قد قَرَحَ. وقُروحُه: وقوعُ السنِّ الَّتِي تَلِي الرّباعِيَة. قَالَ: وَلَيْسَ قروحُه نباتَه ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ اللَّيْث: القُرْحانُ والواحدة قُرْحانة: ضرْب من الكَمْأَة بِيضٌ صغَار ذواتُ رؤوسٍ كرؤوس الفُطْرِ. وَقَالَ اللَّيْث: القَراحُ: الماءُ الَّذِي لَا يُخالطه ثُفْلٌ من سَويق وَلَا غَيره وَلَا هُوَ الماءُ الَّذِي يُشْرَبُ على أثر الطَّعَام. وَقَالَ جرير: تُعَلِّلُ وَهْي سَاغِبَةٌ بَنِيهَا بِأَنْفَاسِ من الشَّبمِ القَراح قَالَ: والقَراح من الأَرْض: كلُّ قِطْعَة على حِيالِها من منابتِ النَّخل وغَير ذَلِك. قلت: القراحُ من الأَرْض: البارزُ الظاهرُ

(4/27)


الَّذِي لَا شجرَ فِيهِ. وروى شَمِر عَن أبي عُبيد أَنه قَالَ: القَراحُ من الأَرْض: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شجرٌ وَلم يَخْتَلِط بهَا شَيْء. قَالَ: والقِرْوَاحُ مثلُه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: القِرْواح: جَلَدٌ من الأرضِ وقاعٌ لَا يَسْتَمسك فِيهِ المَاء وَفِيه إشرافٌ وظَهرُه مُستوٍ لَا يَستقرُّ بِهِ ماءٌ إلاَّ سَالَ عَنهُ يَمِينا وَشمَالًا. قَالَ: والقِرواحُ تكونُ أَرضًا عريضة نحوَ الدَّعْوة وَهُوَ لَا نبت فِيهَا وَلَا شجر: طينٌ وسمالقُ. وَقَالَ شمر: قَالَ غَيره: القِرْواح: البارزُ لَيْسَ يستُرهُ من السَّمَاء شَيْء. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القِرواحُ: الفضاءُ من الأَرْض المستوِي. قَالَ: والقَرَاحُ: الْخَالِص من كلِّ شَيْء الَّذِي لَا يُخالطه شَيْء غَيره. وَمِنْه قيل: مَاء قَراح. والقَراح من الأَرْض: الَّتِي لَيس بهَا شجر وَلم يَخْتَلِطْ بهَا شَيْء. وَأنْشد قَول ابْن أَحْمَر: عَضَّت من الشَّرِّ القراحِ بِمُعْظَمِ عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القِرْواحُ من الْإِبِل: الَّتِي تَعافُ الشرابَ مَعَ الكِبار فَإِذا جَاءَ الدَّهداه، وَهِي الصِّغارُ شَرِبَت مَعَهُنَّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَرِيحُ السَّحابة: مَاؤُهَا. وَقَالَ ابْن مُقْبل: وكأنما اصْطَبَحت قرِيحَ سَحابَة وَقَالَ الطِّرمّاح: ظَعائِنُ شِمْنَ قَرِيح الخريف مَن الأنجُم الفُرْغ والذَّابحة قَالَ: والقَريحُ: السَّحابُ أولَ مَا ينشأ. وَفُلَان يشوي القراح أَي يُسَخّنُ المَاء. شَمِر عَن أبي مَنْجوف عَن أبي عُبيدة: قَالَ: القُراحُ: سِيف القَطِيف، وَأنْشد للنّابغةِ: قُرَاحِيَّةٌ أَلْوَتْ بِليفٍ كَأَنَّهَا عِفاءُ قَلُوص طَار عَنْهَا تَوَاجر تواجر: تَنْفُقُ فِي البيع لحسنها. وَقَالَ جرير: ظعائن لم يَدِنَّ مَعَ النَّصَارَى وَلم يَدرين مَا سَمَكُ القُراح وَقَالَ فِي قَوْله: وَأَنت قُرَاحِيٌ بِسِيفِ الكَواظِم قَالَ أَبُو عَمْرو: قُرَاحٌ: قَريةٌ على شاطىء الْبَحْر نِسْبَة إِلَيْهَا. والقُراحِيُّ والقُرْحانُ: الَّذِي لم يَشهد الْحَرْب. أَبُو زيد: قُرْحَةُ الرّبيع: أَوّله، وقرحةُ الشِّتاءِ: أَوله. وَأَخْبرنِي المنذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: لَا يُقْرِّحُ البَقْلُ إِلَّا من قدر الذِّرَاع من مَاء المَطَر فَمَا زَاد. قَالَ: وتقريحه: نباتُ أَصله، وَظُهُور عُودِه. قَالَ: ويَذُرُّ البَقْلُ من مطرٍ ضَعِيف قَدْر وَضَحِ الكَفِّ وَلَا يُقَرِّحُ إِلَّا مِن قدر الذِّراع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والقُرَيحاءُ: هَنَةٌ تكون فِي بطن الْفرس مثل رَأس الرَّجُل. قَالَ: وَهِي

(4/28)


من الْبَعِير لَقَّاطَةُ الحَصَا. قَالَ: وَمن أسْنان الفَرَسِ القارِحان، وهما خلْفَ رباعِيَتَيْه العُلْيَيَيْن، وقارحان خلف رَباعِيَتَيْه السُّفْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْف قارِحَيْه الأَعْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْفَ رَباعيتَيْه السُّفْلَيَيْنِ. وطريقٌ مَقْرُوح: قد أُثِّرَ فِيهِ فَصَارَ مَلْحُوباً بَيِّناً مَوْطُوءاً. حرق: قَالَ أَبُو عبيد: الحَرْقُ: حَرْق النَّابَيْن أَحَدِهِما بِالْآخرِ، وَأنْشد: أبَى الضَّيْمَ والنُّعمانُ يحْرق نابَه عَلَيْهِ فأَفْضَى والسُّيوفُ معاقِله قَالَ: وحَرِيقُ النَّاب: صَرِيفُه. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ} (ط ? هـ: 97) وقرىء: (ثمَّ لنَحْرقَنّه) . سَلَمة عَن الْفراء: من قَرَأَ (لنَحْرقَنَّه) فَمَعْنَاه لَنَبْرُدَنَّه بالحديد بردا، من حَرَقْتُه أَحْرُقُه حَرْقاً. وَأنْشد المُفَضَّل: بِذِي فِرْقَيْن يَوْمَ بَنُو حَبِيب نُيُوبَهُم علينا يَحْرُقُونا قَالَ: قَرَأَ عَليّ ح (لنحرُقَنَّه) . وَقَالَ: الزَّجَّاجُ: مَنْ قَرَأَ (لنُحرِّقَنَّه) فَالْمَعْنى لَنَحْرِّقَنَّه مرّة بعد مرّة ومَنْ قَرَأَ (لنَحْرُقَنَّه) فتأويلُه لَنَبْرُدَنّه بالمبْرد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرَقَ عَلَيْهِ نَابَه يَحْرُقُه. وحَرَقَ نابُه يَحْرُق ويَحْرِقُ. وَقَالَ اللَّيْث: أَحْرقنا فلَان أَي بَرَّحَ بِنَا وآذانا. قَالَ: والحَرَقُ من حَرَق النَّار، وَفِي الحَدِيث: (الحَرَقُ والشَّرَقُ والْغَرَقُ شَهَادَة) . أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرَقُ النَّارِ لَهبُها. قَالَ وَهُوَ قَوْله: (ضالَّة الْمُؤمن حَرَقُ النَّار) أَي لهبُها، قلت: الْمَعْنى أَن ضَالَّة الْمُؤمن إِذا أَخذهَا إِنْسَان لِتَمَلُّكِها فَإِنَّهَا تُؤَدِّيه إِلَى حَرَق النَّار، والضَّالَّةُ من الْحَيَوَان: الْإِبِل وَالْبَقر وَمَا أشبههَا مِمَّا يُبْعِد ذِهَابَه فِي الأَرْض وَيمْتَنع من السِّباع، لَيْسَ لأحد أَن يعرض لَهَا، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْعد من عَرض لَهَا ليأخذها بالنَّار. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَحْرَقَتْه النارُ فَاحْتَرَق. قَالَ: والحَرَقُ: مَا يُصِيب الثَّوْب من حَرَق من دقِّ القَصَّار. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحَرَقُ: الثَّقْبُ فِي الثَّوْب من النَّار، والحَرَقُ مُحَرك: الثَّقْب فِي الثَّوْب من دَقِّ القَصَّارِ، جعله مثل الحَرَقِ الَّذِي هُوَ لَهب النَّار. الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَرْقُ: أَن يُصيب الثَّوْب من النَّار احْتِرَاقٌ، والحَرْقُ: مصدر حَرَق نَاب الْبَعِير يَحْرِقُ ويَحْرُقُ حَرْقاً إِذا صرف بنابه. والحَرَق فِي الثَّوب من الدِّقّ. ابْن الْأَعرَابِي: ماءٌ حُراقٌ وقُعاعٌ بِمَعْنى وَاحِد. اللَّيْث: الحَرّاقاتُ: مَوَاضِع القَلاَّئين والفَحَّامِين. قَالَ: والحَرُوق والحُرَّاقُ: الَّذِي تُورَى بِهِ النَّار. وَرَوى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَرُوق والحرُّوق والحُرّاق: مَا يُثْقَبُ بِهِ

(4/29)


النَّار من خِرقة أَو نَبْخ قَالَ: والنَّبْخُ: أصُول البَرْدِي إِذا جف. وَقَالَ اللَّيْث: المُحَارَقةُ: المُبَاضَعةُ على الْجنب. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: امْرَأَة حَارِقَة: ضيِّقة المَلاقي. قَالَ وَفِي حَدِيث عليّ أَنه سُئِل عَن امْرَأَته وَقد جمعهَا إِلَيْهِ: كَيفَ وَجدتَها؟ فَقَالَ: (وَجدتُها حَارِقة طارقَةً فَائِقةً) . قَوْله: طارِقَةً أَي طَرَقْت بِخَير، وَرُوِيَ عَن عَلّي ح أَيْضا أنّه قَالَ: (كَذَبتكم الحارِقَةُ مَا قامَ لي بهَا إلاّ أسماءُ بنت عُمَيْس) هَكَذَا رَوَاهُ شمر بِإِسْنَادِهِ، قَالَ والحارِقَةُ: النِّكاحُ على الْجنب. وَقَالَ بَعضهم: الحارِقَةُ: الإبْرَاكُ. وَأما قَول جرير: أَمَدَحْتَ وَيْحَك مِنْقَراً أَن ألزَقُوا بالحَارِقَيْن فأرْسَلُوها تَظْلَع ورَوَى ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس أَنه قَالَ: قَالَ عَلِيّ ح: (عَلَيْكُم من النِّسَاء بالحَارِقَة فَمَا ثَبت لي مِنْهُنَّ إِلَّا أَسمَاءُ) ، قلت: كأنّه قَالَ: عَلَيْكُم بِهَذَا الضَّرْب من الجِمَاع مَعَهُنَّ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا قرأتُ بخَطّه: الحارقَةُ: النِّكاحُ على الجنّب، قَالَ: وأُخِذَ من حارِقَةِ الوَرِك. وَقَالَ اللَّيْث: الحَارِقَةُ: عصبَة مُتّصلة بَين وابِلَتي الفَخِذ والعَضُد الَّتِي تَدور فِي صَدَفَة الوَرِك والكَتِف فَإِذا انفصلت لم تَلْتَئِم أبدا، يُقال عِنْدهَا: حُرِق الرجلُ فَهُوَ مَحْرُوق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَارِقَة: العَصَبَةُ الَّتِي تكون فِي الوَرِك فَإِذا انْقَطَعت مَشى صاحِبُها على أطرافِ أصابِعِه لَا يَسْتَطِيع غير ذَلِك، قَالَ: وَإِذا مَشى على أَطْرَاف أَصَابِعه اخْتِيَارا فَهُوَ مُكْتَام، وَقد اكْتَام الرَّاعِي على أطرافِ أَصَابِعه يُرِيد أَن ينَال أطرافَ الشجَرِ بعصاه لِيَهُشّ بهَا على غنمه. وَأنْشد: تَرَاه تَحْتَ الفَنَن الوَرِيقِ يشُولُ بالمِحْجن كالمَحْرُوقِ قَالَ: والحارِقَة من النِّسَاء: الَّتِي تُكثِر سَبَّ جَارَاتِها. قَالَ: والحِرْقُ، والحَروقُ، والحُروق، والحِراقُ والحُراقُ: الكُشّ الَّذِي يُلْقَح بِهِ. أَبُو عُبيد عَن أَصْحَابه: إِذا انْقَطع الشعَرُ ونَسَل: قيل: حَرِقَ يَحْرَق فَهُوَ حَرِق وَأنْشد: حَرِقَ المَفَارِقِ كالبُراء الأَعفَرِ الأَعفَر: الْأَبْيَض الَّذِي تعلوه حمرَة. اللَّيْث: الحُرقة: حَيٌّ من الْعَرَب، والحُرْقَتَان تَيْم وَسعد وهما رهطُ الْأَعْشَى. وَقَالَ ابْن السِّكيت: الحُرْقَتَان هما ابْنا قيس بن ثَعْلَبَة. وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْقَة: مَا تجِدُ فِي العيْن من الرمد وَفِي الْقلب من الوجع أَو فِي طَعم شَيْء مُحْرِق والحارِقَةُ من السّبُع: اسمٌ لَهُ. وَقَالَ ابْن السّكيت الحرِيقَة والنَّفِيتَةُ: أَن

(4/30)


يُذَرّ الدَّقِيق على مَاء أَو لبن حليب حَتَّى يَنْفِتَ ويتحسّى من نَفْتِهَا وَهِي أغْلظ من السَّخينة فيوسِّع بهَا صَاحب العيالِ لِعِيَالِهِ إِذا غَلبه الدَّهْر. وَقَالَ أَبُو مَالك: هَذِه نَار حِرَاقٌ وحُراق: تُحْرِق كُلَّ شَيْء، وَرجل حُرَاقٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْقِي شَيْئا إِلَّا أفْسدهُ، وسنَة حُراق ونَابٌ حُراق: يقطع كُلَّ شَيْء. وأَلْقَى الله الكافِرَ فِي حارقته أَي فِي نارِه. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْحِرْقُ والحُرَاق والحِرَاق: الكُشُّ الَّذِي يُلَقَّح بِهِ النَّخْلَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحَرْق: الْأكل المُسْتَقْصِي. والحُرْقُ: الْغَضَابي من النَّاس. وحَرِقَ الرجل إِذا سَاءَ خُلقه. ح ق ل حقل، حلق، قلح، قحل، لحق، لقح: مستعملات. حقل: قَالَ اللَّيْث: الحَقْلُ: الزَّرْع إِذا تَشعَّب قبل أَن يَغْلُظ سوقه. يُقَال: أَحقَلَت الأرضُ وأحقلَ الزرعُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: الْحَقْلُ: القَراحُ من الأَرْض. قَالَ: ومَثَل لَهُم: (لَا تُنبِت البقلةَ إِلَّا الحَقْلةُ) قَالَ: وَمِنْه نَهَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المُحَاقَلة قَالَ: وَهُوَ بَيْعُ الزرعِ فِي سُنْبُله بالبُر، مأخوذٌ من الْحقْل القَراح. وَأَخْبرنِي المَخْلدي عَن المُزَني عَن الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن ابْن جُرَيج، قلت لعطاء: مَا المُحَاقَلة؟ قَالَ: المُحاقلة: بَيْعُ الزَّرْع بالقَمْح قَالَ: وَهَكَذَا فسّره لي جَابر. قلت: فَإِن كَانَ مأخُوذاً من إحقَال الزرعِ إِذا تَشَعّب كَمَا قَالَ اللَّيْث فَهُوَ بيع الزَّرْع قبل صَلَاحه وَهُوَ غَرَرٌ، وَإِن كَانَ مأخوذاً من الحَقْل وَهُوَ القَرَاح، وَبَاعَ زرعا فِي سُنْبُلِه نابتاً فِي قَرَاح بالبُرّ فَهُوَ بَيْع بُرَ مَجْهُول بِبُرّ مَعْلُوم ويدخله الرِّبَا: لِأَنَّهُ لَا يؤمَن التَّفَاضل، ويدخله الغَرَرُ لِأَنَّهُ مُغَيَّب فِي أَكْمامه. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحقل بالحقل أَن يَبِيع زرعا فِي قَراح بزرع فِي قَراح، قلت: وَهَذَا قريب مِمَّا فَسّره أَبُو عُبيد. وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الحقلُ: الموضعُ الجَارِسُ وَهُوَ الموضعُ البِكْر الَّذِي لم يُزرع فِيهِ قطّ زَرْع. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: وَمن أمثالهم: (لَا تُنْبِتُ البقلةَ إِلَّا الحَقْلَةُ) ، يضْرب مثلا للكلمة الخَسِيسَة تخرج من الرجل الخسيس. وَقَالَ اللَّيْث: الحَقِيلة: مَاء الرُّطْب فِي الأمعاء، ورُبّما جعله الشَّاعِر حقْلاً وَأنْشد: إِذا الْغُرُوضُ اضْطَمَّت الحَقَائِلا قلت: أَرَادَ بالرُّطْب البقولَ الرَّطْبة من العُشْب الْأَخْضَر قبل هَيْج الأرضِ ويَجْزَأُ المالُ حِينَئِذٍ بالرُّطْب عَن المَاء وَذَلِكَ المَاء الَّذِي يَجْزَأُ بِهِ النَّعَم من البُقُول يُقَال لَهُ الحَقْل والحَقِيلَة، وَهَذَا يَدُل على أَن الحَقْل من الزَّرْع مَا كَانَ رَطْبا غَضّاً. وروى شمر عَن ابْن شُمَيل قَالَ: المُحَاقَلَة: المُزارَعة على الثُّلُث والرُّبع.

(4/31)


قَالَ: والحقلُ: الزرعُ: وَقَالَ إِذا ظهر ورقُ الزَّرع واخضرّ فَهُوَ حَقْل، وَقد أَحْقَلَ الزَّرْعُ وَنَحْو ذَلِك قَالَ الشَّيْبَانِيّ. وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبَةَ: الحقلُ: المَرعَةُ الَّتِي يزرع فِيهَا البُرُّ وَأنْشد: لَمُنْدَاحٌ من الدَّهْنَا خَصِيبٌ لتَنْفَاح الْجنُوب بهِ نَسيم أَحَبُّ إليّ من قَرَيات حِسْمَى وَمن حَقْلَيْن بَينهمَا تُخُوم وَقَالَ شمر: الْحَقْلُ: الرَّوْضَةُ، وَقَالُوا: مَوْضِع الزّرْع. والحاقِلُ: الأكَّارُ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: وَمن أَدْوَاءِ الإبِلِ الْحَقْلَةُ. يُقَال حَقِلت تَحْقَل حَقْلَةً. وَقَالَ العَجّاجُ: ذاكَ وتَشْفِي حَقْلَةَ الأمْرَاضِ وَقَالَ رؤبة: فِي بَطْنِه أَحْقَالُه وبَشَمه وَهُوَ أَن يَشرَب الماءَ مَعَ التُّراب فَيَبْشَم. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَقلة: وَجَع فِي الْبَطن يُقَال: جمل محقُول. قَالَ: وَهُوَ بمنزلَة الحَقْوَة، وَهُوَ مَغْسٌ فِي الْبَطن. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقْلَةُ: حُسافة التَّمْر وَمَا بَقِي من نُفاياتِه. قلت: لَا أَعْرِف هَذَا الحرْف وَهُوَ مُرِيب. قَالَ اللَّيْث: والحَوْقل: الشَّيْخ إِذا فَتَر عَن الْجِمَاع. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الحوقل: الرجل الَّذِي لَا يَقدر على مُجامعة النِّسَاء من الكِبر أَو الضَّعف. وَأنْشد: أَقُول قَطْباً ونِعمَّا إِن سَلَق لَحَوْقَلٍ ذِراعُه قد امّلق وَقَالَ: وَكنت قد حَوْقلْت أَو دَنَوْتُ وَبعد حِيقَال الرِّجال الموْتُ وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْقَلة: الغُرْمُول اللَّيِّن وَهُوَ الدَّوْقلة أَيْضا. قلت: وَهَذَا حرف غَلِط فِيهِ اللَّيْث فِي لَفظه وَتَفْسِيره، وَالصَّوَاب الحوْفلة بِالْفَاءِ وَهِي الكَمَرة الضخمة مَأْخُوذَة من الحفل وَهُوَ الِاجْتِمَاع والامتلاء. قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي. والحوقلة بِالْقَافِ بِهَذَا الْمَعْنى خطأ. وَقَالَ بَعضهم: المحاقلة: الْمُزَارعَة بالثّلُث والرُّبع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر، وَهُوَ مِثل المخابرة، والمحاقِلُ: المَزَارِعُ، وَالْقَوْل فِي المحاقَلة مَا رَويناه عَن عَطاء عَن جَابر وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأَبُو عُبيد. وَقَالَ اللحياني: حوْقلَ الرجل إِذا مَشى فأعْيا وضَعُف. وَقَالَ أَبُو زيد: رجل حَوْقل: مُعْيٍ، وَقد حوْقل إِذا أعْيا، وَأنْشد: مُحَوقِلٌ وَمَا بِهِ من بَاسِ إِلَّا بقايا غَيْطل النُّعاسِ وَفِي (النَّوَادِر) : أحقلَ الرجلُ فِي الرّكُوب إِذا لَزِم ظَهْرَ الراحِلة. وَيُقَال: إحقِلْ لي من الشَّرَاب وَذَلِكَ من الحِقْلة والْحُقلة، وَهُوَ مَا دُون مِلء القَدَح.

(4/32)


وَقَالَ أَبُو عُبيد: الحِقلة: الماءُ الْقَلِيل. وَقَالَ أَبُو زيد: الحِقلة: الْبَقِيَّة من اللّبنِ وَلَيْسَت بالقليلة. قحل: قَالَ اللَّيْث: القاحِل: الْيَابِس من الْجُلُود. سقاء قاحِلٌ، وشيخٌ قاحل، وَقد قَحَلَ يقْحَل قُحُولاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَحل الرجل وقَفَل قُحُولاً وقُفولاً إِذا يَبس، وقَبَّ قُبُوباً وقَفَّ قُفُوفاً. وَقَالَ الراجز فِي صفة الذِّئب: صَبَّ عَلَيْهَا فِي الظلام الغَيْطلِ كلّ رَحِيب شِدْقُه مُسْتَقْبلِ يَدُقّ أوساطَ الْعِظَام القُحَّلِ لَا يَذْخَرُ العَامَ لِعَامٍ مُقْبِلِ وَيُقَال: تَقَحَّل الشَّيْخ تقحُّلا، وتقهَّلَ تقَهُّلاً إِذا يَبس جلدهُ عَلَيْهِ من البؤْس والكِبَر. وَشَيخ إِنْقَحْلٌ من هَذَا. شمر: قَحَلَ يَقْحَل قْحُولا، وتقَحَّل، وَشَيخ قاحِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَا أَقُول قَحِلَ وَلَكِن قَحَل. قلح: قَالَ اللَّيْث: القَلَح: صُفرة تعلو الْأَسْنَان، والنعت قَلِح وأقْلَح، وَالْمَرْأَة قَلْحَاء وقَلِحَة، وجمعُها قُلْحٌ، والاسمُ القَلح. والقُلاَحُ وَهُوَ اللُّطاخُ الَّذِي يَلْزَق بالثَّغْر قَالَ: وَيُسمى الْجُعَل أقْلَح. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لأَصْحَابه: (مَالِي أَرَاكُم تدخلون عليّ قُلْحاً) . قَالَ أَبُو عُبَيْد: القَلَح: صفرَة فِي الأسنَان ووسَخ يركَبُها من طول ترك السِّواك، وَمعنى الحَدِيث أَنهم حُثُّوا على السِّوَاك. وَقَالَ شَمِر: الحَبْرُ: صُفرة فِي الْأَسْنَان فَإِذا كَثُرَت وغَلُظت واسودت أَو اخضرت فَهُوَ القَلَح. قَالَ الْأَعْشَى: وفَشَا فيهم مَعَ اللُّؤْم القَلَح وَفِي (النَّوَادِر) : تَقَلَّح فلانٌ الْبِلَاد تَقَلّحا وترقَّعها، والترقُّع فِي الخِصْب، والتقَلُّح فِي الجَدْب. لقح: اللَّيْث: اللِّقاحُ: اسمُ ماءِ الْفَحْل، واللقَّاح: مصدر قَوْلك: لَقِحَت الناقةُ تَلْقَح لَقاحاً إِذا حملت، فَإِذا استبان حَمْلُها قيل استبان لَقاحُها فَهِيَ لاقِح. قَالَ: والمَلْقَح: يكون مصدرا كاللَّقاح وَأنْشد: يشهَدُ مِنْهَا مَلْقَحاً ومَنْتَحا وَقَالَ فِي قَول أبي النَّجْم: وَقد أَجَنّتْ عَلَقا ملقوحا يَعْنِي لَقِحَتْهُ من الفَحْل أَي أخَذَته. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئل عَن رجل لَهُ امْرَأَتَانِ أرضعت إحداهُما غُلَاما، وأرضَعَت الْأُخْرَى جَارِيَة: هَل يتزوّج الْغُلَام الْجَارِيَة؟ قَالَ: لَا، اللِّقاحُ وَاحِد. قلت: قد قَالَ اللَّيْث: اللِّقاح: اسمِ لِمَاء الْفَحْل، فكأنّ ابْن عَبَّاس أَرَادَ أَن مَاء الفَحْل الَّذِي حَمَلتا مِنْهُ وَاحِد، فاللبن الَّذِي أرضَعَت كلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُرْضَعَها كَانَ أَصله مَاء الْفَحْل، فَصَارَ المُرْضعان وَلَدَين لزوجهما: لِأَنَّهُ كَانَ ألقَحَهما. قلت: وَيحْتَمل أَن يكون اللَّقاحُ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ الإلقاح. يُقَال: ألقَحَ

(4/33)


الْفَحْل النَّاقة إلقاحاً ولَقَاحاً فالإلقاح مصدر حَقِيقِيّ، واللَّقَاح اسْم يقوم مَقام الْمصدر، كَقَوْلِك أعْطَى عَطاء وَإِعْطَاء وَأصْلح إصلاحاً وصلاحاً، وَأنْبت إنباتاً ونَباتاً. قلت: وأصلُ اللَّقاح لِلْإِبِلِ، ثمَّ استُعيرَ فِي النِّسَاء، فَيُقَال: لَقِحَت إِذا حَمَلت. قَالَ ذَلِك شَمِر وَغَيره من أهل الْعَرَبيَّة. وَقَالَ اللَّيْث: أَوْلَاد الملاَقِيح والمضَامِين نُهي عَن ذَلِك فِي المُبَايَعة، لأَنهم كَانُوا يَتَبَايعون أولادَ الشَّاة فِي بطُون الأمَّهات وأصلابِ الْآبَاء، قَالَ: فالملاَقِيح فِي بطُون الأمَّهات، والمضامين فِي أصلاب الفحول. وَقَالَ أَبُو عُبيد: الملاَقِيح: مَا فِي الْبُطُون وَهِي الأَجِنَّة، الْوَاحِدَة مِنْهَا مَلْقُوحَة، قَالَ وأنشدني الأصمعيّ: إنَّا وجدنَا طَرَدَ الهَوَامِل خيرا من التَّأَنَانِ والمسائِل وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ ملقُوحَةً فِي بَطْن نابٍ حَائِلِ يَقُول: هِيَ مَلْقُوحة فِيمَا يُظْهر لي صاحبُها، وَإِنَّمَا أُمها حائِل. قَالَ: فالملقوحُ هِيَ الأجِنَّة الَّتِي فِي بطونها، وَأما المضامين فَمَا فِي أصلاب الفُحُول. وَكَانُوا يبيعون الْجَنِين فِي بطن النَّاقة، ويبيعون مَا يَضْرِب الفحلُ فِي عَامه أَو فِي أَعْوَام. قلت: وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن المُسَيّب أَنه قَالَ: لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان، وَإِنَّمَا نُهَي من الْحَيَوَان عَن ثَلَاث: عَن المضامين والملاقِيح، وحَبَلِ الحَبَلة. قَالَ سعيد: والملاقيحُ: مَا فِي ظُهُور الْجمال، والمضامينُ: مَا فِي بطُون الْإِنَاث. وَقَالَ المُزَنيُّ: أَنا أحفظ أَن الشافعيّ يَقُول: المضامين: مافي ظُهُورِ الجِمال، والملاقيحُ: مافي بُطُون إناثِ الْإِبِل. قَالَ المُزَني: وأَعْلَمْتُ بقوله عبد الْملك بن هِشَام فأنشدني شَاهدا لَهُ من شعر الْعَرَب: إنَّ المَضَامِينَ الَّتِي فِي الصُّلْب ماءَ الفُحُول فِي الظُّهُور الحُدْب لَسْنَ بمُغْنٍ عَنْك جُهْدَ اللَّزْبِ وَأنْشد فِي الملاقيح: مَنَّيْتَني ملاقِحا فِي الأبْطُن تُنتَج مَا تَلْقَح بعد أَزْمُن قلت: وَهَذَا هُوَ الصُّواب. وَأَخْبرنِي المُنذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا كَانَ فِي بطن النَّاقة حَمْل فَهِيَ ضامِن ومِضْمان وَهن ضَوَامِنُ ومَضَامِينُ، وَالَّذِي فِي بَطنهَا مَلْقُوح ومَلْقُوحَة. قلت: وَمعنى المَلْقُوح المَحْمُول، وَمعنى اللاَّقح الحامِل. وَقَالَ اللَّيْث: أَلْقَحَ الفحلُ الناقَة. واللِّقْحَةُ: النَّاقة الحَلُوب، فَإِذا جعلته نعتاً قلت: نَاقةٌ لَقُوحٌ، وَلَا يُقَال نَاقَة لِقْحَة، إِلَّا أَنَّك تَقول: هَذِه لِقْحَة فُلان. قَالَ: واللِّقَاحُ جمع اللِّقْحَة، واللُّقُح جَمْع لَقُوح. قَالَ: وَإِذا نُتِجت الْإِبِل فَبَعْضُها قد وَضَع وبَعْضُها لم يَضَعْ فَهِيَ عِشار، فَإِذا وضعت

(4/34)


كلهَا فَهِيَ لِقَاحٌ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: لَقِحَت النَّاقة تَلْقَح لَقَاحاً ولَقْحاً، وناقة لاقِح وإبِل لواقِحُ ولُقَّح. واللَّقُوح: اللَّبُون، وَإِنَّمَا تكون لَقُوحاً أوَّل نَتاجِها شَهْرين أَو ثَلَاثَة أشهر، ثمَّ يَقَع عَنْهَا اسْم اللَّقُوح، فَيُقَال: لَبُون. قَالَ: وَيُقَال: نَاقَة لَقُوح ولِقْحة. وَجمع لَقُوح لُقُح ولِقَاحٌ ولَقائحُ، وَمن قَالَ لِقْحَة جمعهَا لِقَحاً. قَالَ: وحيّ لَقاح: إِذا لم يُمْلَكُوا وَلم يَدِينُوا للمُلُوك. وَرُوِيَ عَن عمر أَنه أوصى عُمَّاله إذْ بَعثهمْ فَقَالَ: وأَدِرُّوا لِقْحَة الْمُسلمين. قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: أرادَ بلِقْحة الْمُسلمين عطاءهم. قلت: أرَاهُ أَرَادَ بلِقْحة الْمُسلمين دِرَّةَ الفَيْء وَالْخَرَاج الَّذِي مِنْهُ عطاؤُهم وَمَا فُرِض لَهُم، وإدراره: جِبايَتُه وتَحَلُّبه وجمعُه مَعَ الْعدْل فِي أهل الفَيْء حَتَّى تَحْسُن حالُهم، وَلَا تَنْقَطِع مادّةُ جِبايتهِم. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: لِقْحَة ولِقَح ولَقُوح ولَقَائحُ. واللِّقاح: ذواتُ الألْبَان من النُّوق، وَاحِدهَا لَقُوح ولِقْحة. قَالَ عديّ بن زيد: من يَكُنْ ذَا لِقَحٍ راخيات فلِقاحي مَا تَذُوقُ الشَّعِيرا بل حوابٍ فِي ظِلالِ فَسِيلٍ مُلِئَتْ أَجْوافُهُن عَصِيرا فتهادَرْن كَذَاك زَمَانا ثمَّ مَوَّتن فكُنَّ قُبُورا قَالَ شمر: وَتقول الْعَرَب: إنّ لي لقْحَة تُخْبِرني عَن لِقاح النَّاس. يَقُول: نَفسِي تُخْبِرُني فَتَصْدُقُني عَن نفوس النَّاس: إنْ أحْبَبْتُ لَهُم خَيْراً أَحَبُّوا لي خيرا. وَإِن أَحْبَبْت لَهُم شرا أَحبُّوا لي شرا. وَقَالَ زيد بن كَثْوة: الْمَعْنى: أنِّي أعرف مَا يصير إِلَيْهِ لِقَاحُ النَّاس بِمَا أرى من لِقْحَتِي، يُقَال: عِنْد التأْكيد للبَصَرِ بخاصِّ أُمُور النَّاس أَو عَوَامّها. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: تُنْتَجُ الإبلُ فِي أوَّل الرَّبيع فَتكون لِقاحاً واحدتها لِقْحَة ولَقْحة ولَقُوح فجَمْع لَقُوح لقائح ولُقُح، وَجمع اللِّقْحَة لِقَاح، فَلَا تزَال لِقَاحا حَتَّى يُدْبِرَ الصيفُ عَنْهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: نَاقَة لاقِح وقارح يَوْم تَحْمِل، فَإِذا استبان حَمْلُها فَهِيَ خَلِفَة. قَالَ: وقَرَحَت تَقْرَحَ قُرُوحاً، ولَقِحَت تَلْقَح لَقَاحا ولَقْحا وَهِي أَيَّام نتَاجِها عائذٌ. اللَّيْث: اللَّقَاح: مَا يُلْقَح بِهِ النَّخْلة من الفُحَّال، تَقول: أَلْقَحَ القومُ النخلَ إلْقَاحا، ولَقَّحُوها تَلْقِيحاً، واستَلْقَحت النَّخْلة أَي أَنَى لَهَا أَن تُلْقَح. قَالَ: وأَلْقَحَت الرِّيحُ الشَّجَرَة وَنَحْو ذَلِك فِي كل شَيْء يُحْمل. قَالَ: واللَّواقحُ من الرِّياح: الَّتِي تَحْمل النَّدَى ثمَّ تَمُجُّه فِي السَّحاب فَإِذا اجْتَمَع فِي السحابِ صَار مَطَرا. وحربٌ لاقحُ: مُشبَّهة بِالْأُنْثَى الحامِل. وَقَالَ الفرّاء: فِي قَول الله جلّ وعزّ:

(4/35)


{وَأَرْسَلْنَا ? لرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الحِجر: 22) ، قَرَأَهَا حَمْزَة (وأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ) لِأَن الريحَ فِي معنى جمع، قَالَ: وَمن قَرَأَ (الرِّياحَ لَواقِحَ) فَهُوَ بَيِّن، وَلَكِن يُقالُ: إِنَّمَا الرِّيحُ مُلْقِحة تُلْقح الشّجر فَكيف قِيلَ لواقِح؟ فَفِي ذَلِك مَعْنيانِ أحدُهما أَن تجْعَل الريحَ هِيَ الَّتِي تَلْقَح بمرورِها على التُّرابِ والماءِ فَيكون فِيهَا اللِّقاحُ فَيُقَال رِيحٌ لاقِح كَمَا يُقَال: نَاقَة لاقِحٌ، ويَشْهَد على ذَلِك أَنه وصف رِيحَ الْعَذَاب بالعقِيم فَجَعلهَا عَقِيماً إِذْ لم تَلْقَح. قَالَ: والوجهُ الآخر أَن يكون وَصَفَها باللَّقْح وَإِن كَانَت تُلْقح كَمَا قيل: ليل نَائِم والنَّوْم فِيهِ، وسرٌّ كاتمٌ، وكما قيل: المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ فَجعله مَبْرُوزاً وَلم يقل مُبْرِزاً، فَجَاز مَفْعُول لمُفْعَل، كَمَا جَازَ فاعِل لِمَفْعُول إِذْ لم يزدِ البِناءُ على الفِعْل، كَمَا قيل مَاء دافِق. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن الحَرَّانِي عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: لواقِحُ: حَوَامل، واحدتها لاقِح. قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَم يَقُول: ريحٌ لاقِحٌ أَي ذاتُ لِقاح كَمَا يُقال: دِرْهَم وازِنٌ أَي ذُو وَزْنٍ، وَرجل رامِحٌ وسائِفٌ ونابِل، وَلَا يُقَال: رَمَح وَلَا سافَ وَلَا نَبَل، يُرادُ ذُو رُمْح وَذُو سَيْفٍ وَذُو نَيْل. قلت: وَقيل: معنى قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا ? لرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الحِجر: 22) أَي حوامِل جعل الرّيح لاقحاً لِأَنَّهَا تحمل المَاء والسحاب وتقلّبه وتصرّفه ثمَّ تَسْتَدِرّه، فالرياح لَوَاقِح أَي حوامل على هَذَا الْمَعْنى، وَمِنْه قولُ أبي وَجْزَة: حَتَّى سَلَكْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ فِي مَسَك من نَسْلِ جَوَّابَةِ الْآفَاق مِهْدَاج سلكْنَ يعنِي الأُتُن أدخلن شَواهُنَّ أَي قوائمهن فِي مَسَك أَي فِي مَاء صَار كالمَسَك لأيديها، ثمَّ جعل ذَلِك المَاء من نَسْلِ ريح تجوب الْبِلَاد، فَجعل المَاء للريح كَالْوَلَدِ: لِأَنَّهَا حَملته. وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك قولُ الله جلّ وعزّ: {يُرْسِلُ ? لرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى ? إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً} (الأعرَاف: 57) أَي حَمَلَت، فَهَذَا على الْمَعْنى لَا يحْتَاج إِلَى أَن يكون لاقِحٌ بِمَعْنى ذِي لَقْح، وَلكنهَا حاملة تحمِلُ السَّحَاب وَالْمَاء. وَيُقَال للرجل إِذا تكلم فَأَشَارَ بيدَيْهِ: تلقَّحَتْ يَدَاهُ، يُشَبَّه بالناقة إِذا شالت بذنبها تُرِي أَنَّهَا لاقح لئِلاَّ يدنو مِنْهَا الفَحْلُ فَيُقَال تلقَّحت، وَأنْشد: تَلَقَّحُ أيدِيهم كأَنّ زَبِيبَهُم زبيبُ الفُحُول الصِّيدِ وَهِي تَلَمَّحُ أَي أَنهم يُشيرون بِأَيْدِيهِم إِذا خطبوا، والزَّبيبُ: شِبْه الزَّبَدِ يظْهر فِي صامِغَي الْخَطِيب إِذا زَبَّبَ شِدْقاه. لحق: اللَّيْث: اللّحَق: كلّ شَيْء لَحِق شَيْئا أَو أَلْحَقْتَهُ بِهِ من النَّبَات وَمن حَمْلِ النَّخْل، وَذَلِكَ أَن يُرْطِبَ ويُثْمِر، ثمَّ يخرُج فِي بعضه شَيْء يكون أَخْضَر قَلَّ مَا يُرْطِب حَتَّى يُدْرِكه الشِّتَاء وَيكون نَحْو ذَلِك فِي

(4/36)


الكَرْم يُسَمَّى لَحَقا، قلت: وَقد قَالَ الطِّرِمَّاح فِي مثل ذَلِك يصف نَخْلَة أَطْلَعَت بعد يَنْع مَا كَانَ خرج مِنْهَا فِي وقته فَقَالَ: أَلْحَقتْ مَا اسْتَلْعَبَت بِالَّذِي قد أَنَى إذْ حَانَ حِينُ الصِّرامْ أَي ألحقَت طَلْعا غَرِيضاً كَأَنَّهَا لعِبَت بِهِ إِذْ أَطْلَعَته فِي غير حِينه: وَذَلِكَ أَن النَّخلة إِنَّمَا تُطلِعُ فِي الرّبيع، فَإِذا أخْرَجت فِي آخِرِ الصَّيف مَا لَا يكون لَهُ يَنْع فَكَأَنَّهَا غير جَادّة فِيمَا أَطْلَعَت. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَقُ من النَّاس: قومٌ يَلْحَقُون بِقوم بعد مُضِيِّهم، وَأنْشد: يُغنيك عَن بُصْرَى وَعَن أبوابِها وَعَن حِصارِ الرُّومِ واغتِرَابها ولَحَقٍ يَلْحَقُ من أعرابها تَحت لواءِ المَوْتِ أَو عُقَابها قلت: يجوز أَن يكون اللَّحَقُ مصدرا للَحِقَ، وَيجوز أَن يكون جمعا للاحِق كَمَا يُقَال: خادِم وخَدَم وعَاسّ وعَسَس. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَق: الدّعِيُّ المُوَصَّل بِغَيْر أَبِيه، قلت: وسَمِعْتُ بعضَهُمْ يقولُ لَهُ: المُلْحَق. وأخبرَني المُنْذِرِي عَن ثَعلب عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ الكِسائِيّ: يُقَال: زرعُوا الألحاقَ وَالْوَاحد لَحَق وَذَلِكَ أَنّ الوادِي يَنْضُب فيُلْقَى البَذْرُ فِي كل مَوضِعٍ نَضَب عَنهُ الماءُ فَيُقَال: اسْتَلْحَقُوا إِذا زَرَعُوا. وَقَالَ أَبو العبّاس: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: اللَّحَقُ أَن يَزْرَعَ القومُ فِي جوانِبِ الوادِي. يُقَال: قد زَرَعُوا الألْحَاقَ. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَاق: مصدر لَحِق يلحَقُ لَحَاقا. قَالَ: والمِلْحاقُ: الناقَةُ الَّتِي لَا تكادُ الإبِل تَفُوقُها فِي السيْر. قَالَ: رُؤْبَة: فَهِيَ ضَرُوحُ الرّكْضِ مِلْحاقُ اللَّحَق وتلاَحَقَتِ الرِّكاب وَأنْشد: أَقُولُ وَقد تَلاحَقَتِ المَطَايا كفَاكَ القَوْل إنّ عَلَيْك عينا كَفاك القَوْل: أَي ارفُق وَأَمْسِك عَن القَوْل. لاحِقٌ: اسْم فرس مَعْرُوف من خَيْل العَرَب. أَبُو عُبَيْد عَن الكسائِيّ: لَحِقْتُه وأَلْحَقْتُه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وَمِنْه مَا جَاءَ فِي دُعاء الوِتْرِ: (إِن عذابك بالكفار مُلْحق) بِمَعْنى لَاحق وَمِنْهُم من يَقُول: إنَّ عَذابك بالكُفَّارِ مُلْحَق. قلت: واللَّحَق: مَا يُلْحَق بِالْكتاب بعد الفَراغ مِنْهُ فَتُلحِق بِهِ مَا سقط عَنهُ. ويُجْمَع أَلْحاقاً وَإِن خُفِّف فَقِيل لَحْق كَانَ جائِزاً. وَيُقَال: فرَسٌ لاحِق الأيْطَل وخيل لُحْق الأياطِل إِذا ضُمِّرَتْ. ابْن شُمَيل عَن الجَعْدي: اللَّحَقُ: مَا زُرِع بِمَاء السَّمَاء وجَمْعُه الألحاقُ: وَقَالَ يَعْقُوب: اللَّحَق: الزَّرْعُ العِذْيُ. وَقَالَ: لَحَقُ الغَنَمِ: أَولادها. حلق: قَالَ اللَّيْث: الْحَلْق: مَساغُ الطَّعامِ والشَّرَاب فِي المَرِيءِ. قَالَ: ومَخْرَجُ النَّفَسِ من الحُلْقُوم، ومَوْضِعُ الذَّبْح هُوَ أَيْضاً من الْحَلْق وجَمْعُه حُلُوق، وَقَالَ أَبُو

(4/37)


زَيْد: الْحَلْقُ: مَوضِع الغَلْصَمَة والمَذْبَح. ثَعْلَب عَن ابْنِ الْأَعرَابِي قَالَ: الْحَلق: الشُّؤْمُ. وَيُقَال: حَلَقَ فلَان فُلاَناً إِذا ضَرَبَه فأَصاب حَلْقَه، وَجَاء فِي الحدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ لِصَفِيّةَ بنتِ حُيَيّ حِين قِيلَ لَهُ يَوْمَ النَّفْر: إنّها نَفِست فَقَالَ: (عقرى حلقى مَا أَرَاهَا إِلَّا حابستنا) . قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاه عَقَرَها الله وحَلَقَها أَي أَصَابها الله بِوَجَع فِي حَلْقِها كَمَا يُقَال: رأَسَه إذَا أصَابَ رَأْسَه. قَالَ: وأَصْلُه عَقْراً حَلْقاً وأَصْحابُ الحَدِيثِ يَقُولُونَ: عَقْرَى حَلْقَى. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عِنْد الأمْر يُعْجَبُ مِنْهُ خَمْشَى وعَقْرَى وحَلْقَى كأَنه من العَقْرِ والحَلْق والخَمْش، وَأنْشد: أَلاَ قَوْمِي أُولُو عَقْرَى وحَلُقَى لِمَا لاقَتْ سَلامانُ بن غَنْمِ وَمَعْنَاهُ قَوْمي أولُوا نِسَاء قد عَقَرْنَ وُجُوههن فَخَدَشْنَها وَحَلَقْن شُعُورَهن مُتَسَلِّبَاتٍ على مَنْ قُتِلَ من رِجالها. وَقَالَ شَمِر: روى أَبُو عُبَيْد: عَقْراً حَلْقاً فَقلت لَهُ: لَمْ أَسْمَع هَذَا إلاْ عَقْرَى حَلْقَى فَقَالَ: لكِنّي لم أسْمَع فَعْلَى على الدُّعاء. قَالَ شمر: فقُلْت لَهُ: قَالَ ابْنُ شُمَيْل: إِن صِبْيان البَادِيَة يَلْعَبُون وَيَقُولُونَ: مُطَّيْرى على فُعَّيْلَى وَهُوَ أَثْقَل من حَلْقى، قَالَ: فَصَيَّره فِي كِتابه على وَجْهَيْن مُنَوَّناً وَغير مُنَوَّنٍ. وَفِي حديثٍ آخر (ليْسَ مِنَّا من سَلَق أَو حَلَق أَو خَرَق) أَي لَيْسَ من سُنَّتِنَا رَفْعُ الصَّوْت فِي المَصائبِ وَلَا حَلْقُ الشَّعَر وَلَا خَرْق الثِّياب. وَقَالَ اللَّيْث: الحالقُ: المَشْؤُومُ. يَقُول: يَحْلِقُ أهلَه ويَقْشِرُهم قَالَ: وَيُقَال: للْمَرْأَة: حَلْقى عَقْرَى: مَشْؤومة مؤذِيَةٌ: قلت: وَالْقَوْل فِي تَفْسِيرهما مَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي عُبَيد وشَمِر. وَمِنْه قَول الرَّاجِز: يومُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ أَفْضَلُ من يومِ احْلِقي وقُومِي وَقَالَ اللَّيْث: الحَلْقُ: حَلْق الشَّعَرِ، والمُحَلَّقُ: موضِعُ حَلْقِ الرَّأسِ بِمِنًى وَأنْشد: كَلاَّ وَرَبِّ البَيْتِ والمُحَلَّقِ وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (الفَتْح: 27) . وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: اشتريتُ كِساءً مِحْلَقاً إِذا كَانَ خَشِناً يَحْلِقُ الشَّعَر من الجَسَد. وَقَالَ الرَّاجِز يَصِف إبِلا تَرِدُ الماءَ فَتَشْرَب: يَنْفُضْن بالمشَافِر الهَدالِقِ نَفْضَكَ بِالْمَحاشِىء الْمَحالِقِ قَالَ والمحاشىء: أكْسِيَة خَشِنة تحلِق الْجَسَد واحِدُها مَحْشأ بِالْهَمْز، وَيُقَال: مِحْشاة بِغَيْر همز. وَيُقَال: حَلَق مِعزاه إِذا أَخذ شعرهَا وجَزّ ضأنَه، وَهِي مِعْزى محلوقةٌ وحَلِيق. وَقَالَ اللَّيْث: الحَلَقُ: نَبَات لورقه حُمُوضة يُخْلَط بالوسمة للخِضاب والواحدة حَلَقة. قَالَ: والمحلَّق من الْإِبِل: الموْسُوم بِحَلقَة فِي فَخِذِه أَو فِي أصل أُذُنه وَيُقَال لِلْإِبِلِ المُحَلَّقة حَلَق.

(4/38)


وَقَالَ جَنْدَل الطُّهَوِيّ: قد خرّب الأنضاد تنشَادُ الحَلَقْ من كلِّ بالٍ وجهُه بِلَى الخَلَقْ يَقُول: خرّبوا أنضاد بيوتِنا من أمْتِعتنا بِطَلَب الضَّوَالّ. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حَلِق قَضيب الْحمار يحْلَق حَلَقا إِذا احْمَرَّ وتقشَّر. قَالَ: وَقَالَ ثَوْرٌ النَّمِرِيّ: يكون ذَلِك من دَاء لَيْسَ لَهُ دَوَاء إِلَّا أَن يُخْصَى وَرُبمَا سَلِم وَرُبمَا مَاتَ، وَأنْشد: خَصَيْتُك يَا ابْن حَمْزة بالقوافي كَمَا يُخْصى من الحَلَق الْحمار وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يكون ذَلِك من كَثْرَة السِّفادِ. وَقَالَ شَمِر: يُقَال: أَتان حَلَقِيَّة إِذا تداولتها الحُمُر فأصابها داءٌ فِي رَحِمِها. وَقَالَ اللَّيْث الْحَلقة بِالتَّخْفِيفِ: من الْقَوْم والجميع الحَلَق، قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول: حَلَقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حلْقة من النَّاس وَمن حَدِيد والجميع حِلَق. مثل بَدْرَة وبِدَر وقَصْعَة وقِصَع: وَقَالَ أَبُو عُبيد: أَختارُ فِي حَلَقة الْحَدِيد فتح اللَّام ويَجُوزُ الْجَزْم وأختار فِي حَلْقةِ الْقَوْم الجَزْم وَيجوز التّثْقِيل. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: أخْتَار فِي حَلْقَةِ الْحَدِيد وحلْقة النَّاس التَّخْفِيف، وَيجوز فيهمَا التّثْقِيل. وَالْجمع عِنْده حَلَق. وَقَالَ ابْن السِّكيت: هِيَ حَلْقَة الْبَاب وحَلْقَةُ الْقَوْم، وَالْجمع حَلَقٌ وحِلاقٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: لَيْسَ فِي الْكَلَام حَلَقة إِلَّا قَوْلهم: حَلَقة للَّذين يحلقون المِعْزَى. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَلَقَةُ: الضُّرُوعُ المُرْتَفِعة. وَقَالَ أَبُو زيد فِيمَا رَوى ابْن هانىء عَنهُ: يُقَال: وفّيْتُ حَلْقَةَ الْحَوْض تَوْفِيَة والإناء كَذَلِك. وحَلْقَةُ الإنَاءِ: مَا بَقِي بعد أَن تجْعَل فِيهِ من الشَّرَاب وَالطَّعَام إِلَى نصفه، فَمَا كَانَ فَوق النّصْف إِلَى أَعْلَاهُ فَهُوَ الْحَلْقة وَأنْشد: قَامَ يُوَفِّى حَلْقَةَ الْحَوْضِ فَلَجْ وَقَالَ أَبُو مَالك: حَلْقَة الْحَوْضِ: امتلاؤه. وحَلْقَتُه أَيْضا: دون الامتلاء وَأنْشد: فَوَافٍ كَيْلُها ومُحَلِّقُ والمُحَلِّق: دون المِلْءِ. وَقَالَ الفرزدق: أَخَاف بِأَن أُدْعَى وحَوْضِي مُحَلِّق إِذا كَانَ يَوْمُ الْحَتفِ يَوْمَ حِمَامِي وَقَالَ اللَّيْث: الْحِلق: الخاتَم من فضَّة بِلَا فصّ. أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: الْحِلقُ: المَال الْكثير: يُقَال: جَاءَ فلَان بالحِلْق. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أُعطِي فلانٌ الحِلْقَ أَي خَاتم المُلك يكون فِي يَده. وَأنْشد: وأُعطِي منا الْحِلقَ أبيضُ مَاجِدٌ ردِيفُ مُلُوكٍ مَا تُغِبُّ نَوَافِلُه وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الحالقُ: الجَبَلُ المُنِيفُ المُشرِفُ.

(4/39)


أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُلُقُ: الأَهْوِيةُ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، واحِدُها حَالقٌ. والحُلَّقُ: الضُّروع المرتفعة. وَقَالَ اللَّيْث: حلَق الضَّرعُ يَحْلُق حُلُوقاً فَهُوَ حالق يُرِيد ارتفاعه إِلَى الْبَطن وانضمامَه. وَفِي قَول آخر: كثْرَة لَبَنِه. أَبُو عُبيد: عَن الْأَصْمَعِي أَنه أنْشدهُ قَول الحُطَيْئَة يصف الْإِبِل: إِذا لم تكن إلاَّ الأَمَاليسُ أَصْبَحَتْ لَهَا حُلَّق ضَرَّاتُها شَكِرَات قَالَ: حُلَّق جَمْع حالق، وَرَواهُ غَيره: إِذا لم تكن إِلَّا الأَمَاليس رُوِّحَتْ مُحلَّقَةً ضَرَّاتُها شَكِرات قَالَ: محلَّقة: حُفَّلا كَثِيرَة اللَّبن وَكَذَلِكَ حُلَّق: ممْتلئة، وضرعٌ حالق: ممتلىء. وَقَالَ النَّضر: الحالق من الْإِبِل: الشَّدِيدَة الحَفْل الْعَظِيمَة الضَّرّةُ وَقد حَلَقت تَحْلِق حَلْقاً. قلت. الحالق من نَعْت الضُّرُوع جَاءَ بمَعْنَيْين مُتَضادّين: فالحالق المُرْتفع المُنْضَمّ إِلَى الْبَطن لقِلَّة لَبنِه، وَمِنْه قَوْلُ لبيد: حَتَّى إِذا يَئِسَت وأَسْحَق حالق لم يُبْلِه إرْضَاعُها وفِطَامُها فالحالق فِي بَيت لبيد الضّرْعُ المُرتفع الَّذِي قَلَّ لَبَنُه، وإسْحَاقُه دَليلٌ على هَذَا الْمَعْنى. والحَالق: الضَّرْعُ الممتلىء. وشاهدهُ قَول الحُطَيْئَة. وَقَوله: شَكِرات، يَدُل على كَثْرَة اللَّبن. شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: (هم كالحلقة المُفْرَغَة لَا يُدْرَى أَيهَا طرفها) . يضْرب مثلا للْقَوْم إِذا كَانُوا مُجْتَمعين مُؤتلفين، كلمتهم وأَيديهم واحِدَة، لَا يطْمع عَدُوُّهم فيهم وَلَا ينَال مِنْهُم. وَقَالَ اللَّيْث: الحالِق من الْكَرم والشَّرْى وَنَحْوهمَا: مَا الْتَوى مِنْهُ وَتعلق بالقُضبان. قَالَ: والمحالق من تعريش الكَرْم. قلت: كلُّ ذَلِك مَأخوذٌ من استدارته كالحلْقَةِ. وحَلَّقَت عينُ الْبَعِير إِذا غَارت. وحَلَّق الإناءُ من الشَّرَابِ إِذا امْتَلَأَ إلاّ قَلِيلا. ورُوي عَن أَنس بن مَالك أَنَّه قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي العَصْر، والشَّمسُ بَيْضاء محلِّقة، فأرْجع إِلَى أَهْلي فأقُول: صَلُّوا) . قَالَ شمر: مُحَلِّقَة قَالَ أَسِيدُ: تَحْلِيق الشَّمْسِ من أوّل النهارِ: ارْتفاعها من المَشْرِق وَمن آخر النَّهَار: انحدارُها. وَقَالَ شَمِر: لَا أرى التَّحْلِيق إِلَّا الارتفاعَ فِي الْهَوَاء. يُقَال: حَلَّق النجمُ إِذا ارْتَفع، وحَلَّق الطَّائِر فِي كَبِد السَّماء إِذا ارْتَفع وَقَالَ ابْن الزُّبِير الأَسَدِي فِي النَّجْم: رُبَ مَنْهلٍ طَامٍ وردْتُ وَقد خَوَى نَجْمٌ وحَلَّق فِي السَّماء نُجُوم خَوَى: غَابَ. وَقَالَ أَبُو عُبيدة: حَلَّق ماءٌ لحوض إِذا قَلَّ وذهَب. وَفِي حَدِيث آخر: فحلَّق ببصره إِلَى السَّمَاء. قَالَ شمر أَي رَفَعَ الْبَصَر إِلَى السَّمَاء كَمَا

(4/40)


يُحَلّق الطائِرُ إِذا ارْتَفع فِي الْهَوَاء، وَمِنْه: الحَالق: الجبَلُ المُشرِفُ. قَالَ: وحَلّق الحوضُ: ذهبَ مَاؤُهُ، وحَلّقت عينُ البَعيرِ إِذا غارَتْ. وَقَالَ الزَّفَيانُ: ودُونَ مَسْرَاهَا فَلاَةٌ خَيْفَق نائي الميَاهِ ناضِبٌ مُحَلِّق وحَلَّق الطَّائِر إِذا ارْتَفع فِي الْهَوَاء. وَقَالَ النّابغة: إِذا مَا الْتَقَى الجَمْعان حَلَّق فَوْقهم عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعصائب وَقَالَ اللَّيْث: تَحَلَّق الْقَمَر إِذا صارَتْ حوله دارَةٌ. ومُحَلِّق: اسْم رَجُل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَصبَحت ضَرَّة الناقةِ حالِقاً إِذا قَاربت الملء وَلم تفعل. وَيُقَال: لَا تفعل ذَاك أمُّك حَالِقٌ، أَي أَثْكل الله أُمّك بك حَتَّى تَحْلق شعرهَا. وَيُقَال: لِحْيةٌ حَلِيقٌ، وَلَا يُقَال حَلِيقَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَلَّق إِذا أَوجع، وحَلِق إِذا وَجِعَ. وَرُوِيَ فِي الحَدِيث (دبَّ إِلَيْكُم داءُ الْأُمَم البغضاءُ وَهِي الحَالِقَةُ) ، قَالَ شمر، وَقَالَ خَالِد بن جَنْبَة: الحَالِقَةُ: قطيعةُ الرَّحِم والتَّظالم وَالْقَوْل السَّيء. وَيُقَال: وَقعت فيهم حالِقَة لَا تدع شَيْئا إِلَّا أَهْلَكَتْهُ. قَالَ: والحالِقَةُ: السّنةُ الَّتِي تَحْلِق كل شَيْء، والقومُ يحلِقُ بَعضهم بَعْضًا إِذا قَتَلَ بَعضهم بَعْضًا، وَالْمَرْأَة إِذا حَلَقت شعرهَا عِنْد المُصِيبَة حالِقَةٌ وحَلْقى. وَمثل للْعَرَب: (لأُمِّك الحَلْق ولعينِك العُبْرُ) . والحالِقَةُ: المَنِيَّة، وَتسَمى حَلاَقِ. أَبُو عُبيد: الحَلْقَة: اسمٌ يجمع السِّلاح والدُّروع وَمَا أَشْبهها. وسِكِّين حالِقٌ وحَاذِقٌ أَي حَدِيد. وحَلَّق المكُّوك إِذا بلغ مَا يُجعل فِيهِ حَلقَة، والدُّروع تسمى حَلْقَة. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: قد أَكْثَرَ فلَان من الحَوْلَقَة إِذا أَكْثر من قَول: لَا حَوْل وَلَا قُوْةَ إِلَّا بِاللَّه. ح ق ن حقن، حنق، قنح، نقح: مستعملة. حقن: قَالَ اللَّيْث: الحَقِينُ: لَبنٌ مَحْقونٌ فِي مِحْقن. قلت: الحَقِين: اللبنُ الَّذِي قد حُقِنَ فِي السِّقَاء، وَيجوز أَن يُقال للسِّقَاء نَفسه مِحْقن، كَمَا يُقال لَهُ مِصْرَبٌ ومِجزَم. وكل ذَلِك مَحْفُوظ عَن الْعَرَب. وَمن أمثالهم: (أَبى الْحَقِينُ العِذْرَة) يضْرب مثلا للرجل يَعْتَذر وَلَا عُذْرَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: أَصْلُ ذَلِك أَن رجلا ضاف قوما فاستسْقَاهم لَبناً وَعِنْدهم لبنٌ قد حَقَنُوه فِي وَطْب فاعْتَلُّوا عَلَيْهِ وَاعْتَذَرُوا فَقَالَ: أَبى الحَقِين العِذْرَةَ أَي هَذَا الحَقين يُكَذِّبُكم. وَقَالَ المُفَضَّل: كُلّ مَا ملأتَ شَيْئا أَو دَسَسْتَه فِيهِ فقد حَقَنْتَه. وَمِنْه سُمِّيت الْحُقْنَة. قَالَ: وحَقَن الله دَمه: حَبسه فِي جلْده وملأَه بِهِ، وَأنْشد فِي نعت إبل امتلأَت أَجوافُها: جُرْداً تحقَّنَت النَّجِيلَ كأنّمَا بجُلُودِهِنّ مَدَارِجُ الأَنْبَار وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اجْتمع الدَّمُ فِي الْجوف

(4/41)


من طَعْنة جائِفَة تَقول: احتَقَنَ الدَّمُ فِي جوفِه. واحْتَقَنَ الْمَرِيض بالحُقْنَةِ. قَالَ وبعير مِحْقَان: وَهُوَ الَّذِي يَحْقِنُ الْبَوْل فَإِذا بَال أَكثر. قَالَ: والحاقِنَتان: نُقْرَتَا التَّرْقُوَتين والجميع الحَوَاقِنُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَول عَائِشَة: (تُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سَحْرِي ونَحْرِي وحاقِنَتِي وذَاقِنَتي) . قَالَ أَبُو عَمْرو: الحَاقِنَة: النُّقرة الَّتِي بَين التَّرقُوة وحَبْلِ العاتِق وهما الحاقِنَتَان. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال فِي مَثَل: (لأُلحِقَنَّ حَوَاقِنَك بَذَواقِنك) . ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَاقِنَة المَعِدة، والذَّاقِنَة: الذَّقَنُ. قَالَ: وأحقَنَ الرجل إِذا جمع أَلوان اللبَن حَتَّى تطيب. وأَحقَن بَوْله إِذا حبَسَه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: المُحْتَقِنَ من الضُّرُوع: الواسعُ الفسيح وَهُوَ أَحْسَنُهَا قَدْراً كَأَنَّمَا هُوَ قَلْتٌ مُجْتَمع مُتَصَعِّد حسَن، وَإِنَّهَا لمُحْتَقِنَة الضَّرْع. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَلْقَةُ والْحَقْنَةُ: وَجَع يكون فِي الْبَطن، والجميع أَحْقَالٌ وَأَحْقَانٌ، رَوَاهُ أَبُو تُرَاب. وَفِي الحَدِيث: (لَا رَأْي لِحاقِب وَلَا حاقِن) والحاقِنُ فِي البوْلِ والحاقِبُ فِي الغَائِطِ. نقح: اللَّيْث: النَّقْحُ: تَشْذِيبُك عَن الْعَصَا أُبَنَها وَكَذَلِكَ فِي كل شَيْء من أَذَى نحَّيْتَهُ عَن شَيْء فقد نَقَحْتَه. قَالَ: وَالمُنَقِّح للْكَلَام: الَّذِي يُنَقِّش عَنهُ وَيحسن النَّظر فِيهِ، وَقد نَقَّحتُ الْكَلَام. ورُوَي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّه قَالَ فِي مَثَل: (استغْنَت السُّلاَّءَة عَن التَّنْقِيح) ، وَذَلِكَ أَن الْعَصَا إِنَّما تُنَقَّح لتَمْلُسَ وتَخْلُق، والسُّلاَّءة: شَوْكَةُ النَّخْلَة وَهِي فِي غَايَة الاسْتوَاء والمَلاَسَة فَإِن ذهبتَ تَقْشِرُ مِنْهَا قِشْرَها خَشُنَت، يُضرب مثلا لمن يُريد تَقْوِيم مَا هُوَ مُسْتَقِيم. وَقَالَ أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيّ: طَوْراً وَطَوْراً يَجُوبُ العُقْرَ من نَقَحٍ كالسَّنْدِ أَكْبَادُه هِيمٌ هراكِيلُ والنقحُ: الخالصُ من الرَّمل، والسّنْدُ: ثِيَاب بيض، وأكبادُ الرَّملِ: أوساطه. والهَراكيلُ: الضِّخامُ من كُثْبَانِه. أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أنقَحَ الرجُلُ إِذا قلعَ حِلية سيفِهِ فِي الجَدْبِ والفَقْرِ. وأَنْقَح شِعْرَه إِذا نَقَّحَه وحَكَّكَه. قنح: قَالَ اللَّيْث: القَنْحُ: اتِّخاذُك قُنَّاحَة تَشُدُّ بهَا عِضادة بَاب وَنَحْوه تُسَمِّيه الفُرْسُ قَانَه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِدَرْوَنْدِ البابِ النِّجافُ والنَّجْرانُ، ولمِتْرَسِه القُنَّاحُ، ولِعتبتِه النَّهضةُ. وَفِي حَدِيث أُمِّ زرع: (وَعِنْده أقولُ فَلَا أُقَبِّح وأشرب فأَتقنَّح) وَبَعْضهمْ يرويهِ (فأتَقَمَّح) . قَالَ ابْن جَبَلة: قَالَ شمر: سمعتُ أَبَا عُبيد يسأَلُ أَبَا عبد الله الطُّوالَ النَّحْوِي عَن معنى قَوْله فَأَتَقَنَّحَ؟ فَقَالَ أَبُو عبد الله: أظُنّها تُريد أشربُ قَلِيلا قَلِيلاً. قَالَ شمر: فَقلت: لَيْسَ التَّفسيرُ هَكَذَا، وَلَكِن التّقَنُّح أَن يشرب فَوق الرِّيِّ، وَهُوَ حَرْفٌ رُوي عَن أبي زيد فأعجَبَ ذَلِك أَبَا

(4/42)


عُبيد، قُلْتُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ شمر، وَهُوَ التَّقَنُّج والتَرْنُّح، سَمِعْتُ ذَلِك من أعرابِ بني أَسد، وَقَالَ أَبُو زيد: قَنَحْتُ من الشَّرَاب أَقْنَحُ قَنْحاً إِذا تكارهت على شَرْبه بعد الرِّيِّ، وتَقَنَّحْتُ مِنْهُ تَقَنُّحاً وَهُوَ الغالبُ على كَلَامهم. وَقَالَ أَبُو الصَّقر: قنِحْتُ أَقْنَح قَنَحاً. وَقَالَ غَيره: قَنَحْتُ الْبَاب قَنْحاً فَهُوَ مَقْنوحٌ: وَهُوَ أَن تَنْحِتَ خَشَبَة ثمَّ ترفع الْبَاب بهَا. تقولُ للنَّجَّارِ: اقنَحْ بَاب دارِنا فيصنعُ ذَلِك، وَتلك الْخَشَبَة هِيَ القُنَّاحَة وَكَذَلِكَ كلُّ خَشَبَة تُدْخِلُها تَحت أُخْرَى لتُحَرِّكَها. حنق: الحَنَق: شِدّة الاغتياظ. تَقول: حَنِقَ يَحْنَق حَنَقاً والنعت حَنِق. قَالَ: والإحْنَاقُ: لُزوقُ الْبَطن بالصُّلْب وَقَالَ لَبِيد: فأحنَقَ صُلبُها وَسَنَامُها وَقَالَ أَبُو عُبيد: المُحْنِق: الْقَلِيل اللَّحْم، واللاَّحِق مثلُه. وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ: المُحْنِق: الضّامِرُ، وَأنْشد: قد قَالَتِ الأَنْسَاعُ للبَطْنِ الْحَق قِدْماً فَآضَتْ كالفَنِيق المُحْنِق وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ الرِّكَابَ فِي السَّفَر: مَحَانِيق تُضْحي وَهِي عُوجٌ كَأَنَّهَا بِجَوْزِ الفَلاَ مُسْتَأْجَرَاتٌ نَوَائح قَالَ: المَحَانِيق: الضُّمَّر. وروى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُق: السِّمانُ من الإبِلِ. قَالَ: وأَحْنَق إِذا سَمِنَ فجَاء بشحم كثير. قلتُ: وَهَذَا من الأَضْدَادِ. قَالَ: وأَحْنَق الرَّجُلُ إِذا حَقَدَ حِقْداً لَا ينحلّ. قَالَ: وأَحْنَق الزّرعُ فَهُوَ مُحْنِق إِذا انْتَشَر سفا سُنْبُلِهِ بَعْدَمَا يُقَنْبِعُ. ورُوي عَن عمرَ أنَّه قَالَ: لَا يَصلح هَذَا الأمرُ إلاَّ لمن لَا يُحْنِق على جِرَّته. قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ لَا يحقد على رَعيَّته: فَضَربهُ مثلا وَلَا يُقَال للرّاعي جِرَّة. ح ق ف حقف، فقح، قحف، قفح: مستعملة. حقف: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: للرَّمل إِذا طَال واعوَجَّ: قد احقَوْقَفَ. واحْقَوقَفَ ظهرُ الْبَعِير، ويُجمَع الحِقْفُ أحقافاً وحُقُوفاً. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحِقْفُ: الرملُ المُعَوجُّ، وَمِنْه قيل لِمَا اعوجَّ: مُحْقَوْقِف. وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} (الْأَحْقَاف: 21) واحِدُها حِقْف وَهُوَ المُسْتَطِيل المُشرف. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَرّ هُوَ وَأَصْحَابه وهم مُحْرِمُون بِظَبْي حاقِفٍ فِي ظلّ شَجَرَة. قَالَ أَبُو عُبيد: يَعْنِي الَّذِي قد انحنى وتثنَّى فِي نَومه. وَلِهَذَا قيل للرمل إِذا كَانَ منحنياً حِقْفٌ، قَالَ: وَكَانَت مَنازِلُ قوم عَاد بالرمال، قَالَ: وَفِي بعض التَّفْسِير فِي قَوْله: بالأحْقَافِ قَالَ: بِالْأَرْضِ. وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب الأول وَأنْشد:

(4/43)


طَيَّ اللَّيَالي زُلَفاً فَزُلَفا سمَاوَةَ الْهلَال حَتَّى احْقَوْقَفا وَقَالَ اللَّيْث: الْأَحْقَاف فِي الْقُرْآن: جبل مُحيطٌ بالدنيا مِن زَبَرْجَدَةٍ خضراء، تلتَهِبُ يَوْم الْقِيَامَة فَتَحْشُرُ النَّاس من كلِّ أُفُق، قلت: هَذَا الجبلُ الَّذِي وَصفه يُقَال لَهُ قَافٌ، وَأما الْأَحْقَاف فَهِيَ رمال بِظَاهِر بِلَاد الْيمن، كَانَت عادٌ تنْزِل بهَا. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِقْفُ: أصلُ الرْملِ، وأصل الْجَبَل والحائط. قَالَ: والظَّبْي الحَاقفُ يكون رابضاً فِي حِقْفٍ من الرَّمْلِ، وَيكون مُنْطَوِياً كالحِقْفِ. وَقَالَ ابْن شُميْل: جَمَلٌ أَحْقَفُ: خميصٌ. قحف: قَالَ اللَّيْث: القِحْفُ: الْعظم الَّذِي فَوق الدِّماغِ مِن الجُمْجُمَةِ. والجميع الأقْحافُ والقِحَفَةُ. قَالَ: والقَحْفُ: قَطْعُ القحْف أَو كَسْرُه، ورَجُل مَقْحُوفٌ: مَقْطُوع القِحْف، وَأنْشد: يَدعْنَ هامَ الْجُمْجُمِ المَقْحُوفِ صُمَّ الصَّدَى كالحَنْظَل المنْقُوفِ قَالَ: والقَحْفُ: شِدَّةُ الشُّرْبِ. وَقَالَ امْرُؤُ القَيْس لَمَّا نُعِي إِلَيْه أبُوه وَهُوَ يَشربُ: (اليوْمَ قِحافٌ وغَداً نِقافٌ) . وقحف الْإِنَاء: إِذا شرب مَا فِيهِ. أَبُو عُبَيْد عَن الأصمَعِيّ منْ أمثالِهم فِي رمْي الرّجُل صاحبَه بالمُعْضِلات أَو بِمَا يُسْكِتُه أَنْ يَقولُوا: (رماهُ بِأَقْحَافِ رأْسِه) . قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القِحْفُ: العَظْمُ الَّذِي فَوْق الدّماغ من الْجُمْجُمَة. الحَرّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: القِحْفُ: مَا ضُرِبَ من الرّأسِ فَطَاح. وَأنْشد لِجَرِيرٍ: تَهْوِي بِذِي العَقْرِ أَقْحَافاً جَماجِمُهم كأَنَّهَا حَنْظُل الْخُطْبانِ تُنْتقَف أَبُو زيد عَن الكِلاَبِيِّين قَالُوا: قِحْفُ الرّأْسِ: كلّ مَا انفَلَقَ من جُمْجُمَتِه فبانَ، وَلَا يُدْعَى قِحْفاً حَتَّى يَبين، وجَمَاعَةُ القِحْفُ أَقْحَافٌ وقَحْفَةٌ وَقُحُوفٌ، وَلَا يَقُولُون لجَمِيع الجُمْجُمَةِ قِحْفٌ إلاَّ أَن تَنْكَسِرَ والجُمْجُمَة: الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغ. وَقَالَ غَيره: ضرَبه فاقْتَحَفَ قِحْفاً من رأسِه أَي أبان قِطْعَة من الْجُمْجُمَة، والجُمْجُمَةُ كلُّها تُسَمَّى قِحْفاً وأقْحَافاً. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القِحافُ: شِدَّةُ المَشَارَبَة بالقِحْف، وَذَلِكَ أنَّ أحدهم إِذا قَتَلَ ثَأْره شَرِب بِقِحْفِ رأْسِه يَتَشَفى بِهِ. قلتُ: القِحْفُ عِنْد العربِ: الفِلْقَةُ من فِلَقِ الْقَصعَة أَو الْقدح إِذا تَثَلَّمَتْ، ورأيتُ أهلَ النَّعَم إِذا جَربت إبِلُهم يجْعَلُونَ الخَضْخَاضَ فِي قِحْف ويَطْلُونَ الأجربَ بالهِناء الَّذِي جَعَلُوهُ فِيهِ، وأَظُنُّهم شَبَّهُوه بِقحْف الرَّأس فسَمَّوْه بِهِ. وَقَالَ اللَّيْث: القاحِفُ من الْمَطَر كالقاعفِ إِذا جَاءَ فُجَاءَةً فاقْتَحَفَ سيلُه كل شَيْء. وَمِنْه قيل: سيلٌ قُحَافٌ وقُعَافٌ وجُحَافٌ بِمَعْنى وَاحِد. أَبُو زيد: عَجَاجَةٌ قَحْفاءُ وَهِي الَّتِي تَقْحَفُ الشَّيْء وَتذهب بِهِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القُحُوفُ: المَغارِفُ. فَحق: أهمله اللَّيْث: وَحكي عَن الفَرَّاءِ أَنه

(4/44)


قَالَ: الْعَرَب تَقول: فُلاَنٌ يَتَفَيْحَقُ فِي كلامِه ويَتَفَيْهَقُ إِذا تَوَسَّعَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: انْفَحَقَ بالْكلَام انْفِحَاقاً وَطَرِيق مُنْفَحِق: واسِعٌ، وَأنْشد: والعِيسُ فَوْقَ لاَحِبٍ مُعَبَّد غُبْرِ الحَصَا مُنْفَحِقٍ عَجَرَّد فقح: اللَّيْث: التَّفَقُّح: التَّفَتُّحُ بالْكلَام قَالَ: والجِرْوُ إِذا أبْصر. قيل: قد فَقَحَ يَعْنِي فَتَح عَيْنَيْهِ. وَفِي الحَدِيث: (أَن عُبيدَ الله بن جَحْش تَنَصَّر بعد إِسْلَامه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إنَّا قد فَقَّحْنَا وَصَأْصَأْتُم) . قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد والفَرَّاء: فَقَّحَ الْجِرْوُ وجَصَّصَ إِذا فَتَح عَيْنَيْهِ، وَصَأْصَأَ إِذا لم يَفْتَحْ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث: الفُقَّاح: من العِطْر، وَقد يُجعل فِي الدَّوَاء. يُقال لَهُ: فُقَّاحُ الإِذْخِرِ، الْوَاحِدَة فُقَّاحَة، وَهُوَ من الْحَشِيش. قلت: هُوَ نَوْر الإِذْخِرِ إِذا تَفَتَّحَ بُرْعومُه، وكلُّ نَوْر تَفَتَّحَ فقد تَفَقَّح، وَكَذَلِكَ الْورْد وَمَا أشبهه من براعِيم النَّور. اللَّيْث: الفَقَحَةُ مَعْرُوفَة وَهِي الدُّبُر بجُمْعِها. قَالَ: والفَقْحَةُ: الرَّاحَة بلغةِ أهل الْيمن وَجمع الفَقْحَة فِقَاح. قفح: أَبُو بكر عَن شمر: قَالَ: قَفَح فلَان عَن الشَّيْء إِذا امْتنع عَنهُ وقَفَحَتْ نفْسُه عَن الطَّعَام إِذا تَركه وَأنْشد: يَسَفُّ خُرَاطة مَكْرِ الجِنا ب حَتَّى ترَى نفْسَه قافِحَة قَالَ شمر: قَافِحَةٌ أَي تاركة. قَالَ: والخُراطة: مَا انْخَرَط عِيدانُه وَوَرَقُه. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: قَفَحْتُ الشيءَ أَقْفَحُه إِذا اسْتَفَفْتَه. ح ق ب حقب، حبق، قبح، قحب: مستعملة. حبق: قَالَ اللَّيْث: الحَبَق: دَوَاءٌ من أدوية الصيادلة. أَبُو عُبيد عَن الأصْمَعي قَالَ: الحَبَق: الفُوذَنْجُ. اللَّيْث: الحَبْق: ضُرَاطُ المعِز. تَقول: حَبَقَت تحبِق حَبْقاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ الأصْمَعي: يُقَال: نَفَخَ بهَا، وحَبَق بهَا، إِذا ضَرَطَ. وعِذْقُ حُبَيْق ولون حُبَيق: ضَربٌ من التَّمْر رَدِيء، وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن دَفْعه فِي الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة. أَبُو عُبَيْدة: هُوَ يمشي الدِّفِقَّى والحِبِقَّى. قَالَ: والحِبقَّى: دون الدِّفِقَّى. حقب: اللَّيْث: الحَقَبُ: حَبل يُشَدُّ بِهِ الرَّحْل إِلَى بطن الْبَعِير لِئَلَّا يَجْتَذِبَه التَّصْدير فيُقَدِّمه، وَإِذا تَعَسَّر البَوْلُ على الْجمل قيل: قد حَقِبَ البَعِيرُ حَقَباً فَهُوَ بعير حَقِبٌ. أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: من أدواتِ الرَّحْل الغَرْض والحَقَبُ، فَأَما الغَرْض فَهُوَ حِزامُ الرّحْل وَأما الحقَبُ فَهُوَ حَبْلٌ يَلي الثِّيلَ. وَقَالَ أَبُو زيد: أحْقَبْت البعيرَ من الْحَقَب. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: أَخْلَفْتُ عَن الْبَعِير

(4/45)


وَذَلِكَ إِذا أصَاب حَقَبُه ثِيلَه، فيحقَبُ حَقَباً، وَهُوَ احْتِباسُ بَوْله، وَلَا يُقَال ذَلِك فِي النَّاقَة لأنَّ بَوْلَ النَّاقة مِنْ حَيائها، وَلَا يبلُغُ الحَقَبُ الحَياء، فالإخلافُ عَنهُ أَن يُحَوَّلَ الحَقَبُ فيُجْعَلَ مِمَّا يَلِي خُصْيَتِي الْبَعِير. وَيُقَال: شَكَلْتُ عَن الْبَعِير، وَهُوَ أَن تجعلَ بَين الحَقَب والتَّصديرَ خَيْطاً ثمَّ تَشُدُّه لِكَيْلاَ يدنو الحَقَبُ من الثِّيل، وَاسم ذَلِك الخيْط الشّكالُ. وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا رَأْي لحازِق وَلَا حاقب) فالحازق: الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ خُفُّه فحزق قدمَه حَزْقاً، وَكَأَنَّهُ بِمَعْنى لَا رَأْي لذِي حَزْق، وَأما الحاقبُ فَهُوَ الَّذِي احْتاج إِلَى الْخَلَاء فَلم يَتَبَرَّز وحَصر غائِطَه، وشُبِّه بالبعير الحَقِب الَّذِي دَنَا الْحَقبُ من ثَيْله فَمَنعه من أَن يَبول. اللَّيْث: الأحْقَبُ: الْحمار الوحشيُّ سُمِّي أحقبَ لبياضٍ فِي حَقْوَيْه، وَالْأُنْثَى حَقباءُ. وَقَالَ رؤبة: كَأَنَّهَا حَقباء بلقاءُ الزَّلَق والقارَةُ الحقباءُ: الدقيقة المستطيلة فِي السَّمَاء، وَأنْشد: ترى القُنَّةَ الحقباءَ مِنْهَا كَأَنَّهَا كُمَيْتٌ يُبَارِي رَعْلَةَ الخيْل فارِدُ وَقَالَ بَعضهم: لَا يُقَال لَهَا حقباءُ حَتَّى يلتوي السّرَابُ بِحَقْوِها. أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حمارٌ أحقبُ: أَبيض موضِع الحقَب. قلت: والقارةُ الحقباءُ: الَّتِي فِي وَسطهَا ترابٌ أعفرُ ترَاهُ يَبرق لبياضه مَعَ بُرْقةِ سائِرِه. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقابُ: شيءٌ تَتَّخِذُه المرأةُ تعلِّق بِهِ معاليق الحُليّ، تَشُدُّه على وَسطهَا والجميع الحُقُب. قلت: الحِقَابُ هُوَ البَرِيمُ إِلَّا أَن البريمَ يكون فِيهِ ألوانٌ من الخيوط تَشُدُّه الْمَرْأَة على حَقْوَيْها. وَقَالَ اللَّيْث: الاحتقابُ: شدُّ الحقيبة من خَلْفٍ، وَكَذَلِكَ مَا حُمِل من شَيْء من خَلْف. يُقَال: احْتُقب واستُحْقِب. قَالَ النَّابِغَة: مُسْتَحْقِبي حَلَقِ الماذِيِّ يَقْدُمُهم شُمُّ العَرانِين ضَرّابُونَ لِلْهَام وَقَالَ شمر: الحَقيبة كالبَرْذَعَة تتَّخذ لِلْحِلْس وللقَتَب، فَأَما حقيبة القتَبِ فَمن خَلْفٍ وَأما حقيبة الحِلْس فمجوَّبةٌ عَن ذِرْوَة السَّنان. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحقيبة تكون على عجُزِ الْبَعِير تَحت حِنْوَى القتب الآخَرَين. والحَقَب: حَبْلٌ يُشد بِهِ الحقيبة. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقْبة: زمانٌ من الدَّهْر لَا وَقت لَهُ، والحُقُب: ثَمَانُون سنة والجميع أحقابٌ. أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي: الحُقُب السِّنون، واحدتها حِقْبة، والحُقُب: ثَمَانُون سنة. وَقَالَ الفرَّاء: الحُقُب فِي لُغة قيس سنةٌ. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَنه ثَمَانُون سنة ذُكر ذَلِك فِي تَفْسِير قَوْله: {أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً} (الْكَهْف: 60) . وَقَالَ الزجّاج: الحُقُب: ثَمَانُون سنة.

(4/46)


وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {مَئَاباً لَّ ? بِثِينَ فِيهَآ} (النّبَأ: 23) . قَالَ: الحُقُب: ثَمَانُون سنة، السّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا، الْيَوْم مِنْهَا ألف سنة من عدد الدُّنْيَا. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا على غَايَة كَمَا يظنّ بعض النَّاس، وَإِنَّمَا يدل على الْغَايَة التَّوْقِيت خمسةُ أحْقابٍ أَو عشرَة، وَالْمعْنَى أَنهم يَلبثون فِيهَا أحقاباً كلما مضى حُقُب، تبعه حُقُب آخر. وَقَالَ الزجّاج: الْمَعْنى أَنهم يلبثُونَ أحقاباً لَا يذوقون فِي الأحقاب برْداً وَلَا شرابًا، وهم خَالدُونَ فِي النَّار أبدا كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ. وَيُقَال: حَقِبَ السماءُ حَقباً إِذا لم يُمْطِر. وحَقِب الْمَعْدن حَقَبا إِذا لم يُرْكِزْ. وحَقِب نائِلُ فلانٌ إِذا قل وانقَطع. وَالْعرب تسمِّي الثَّعْلَب مُحْقَبا لبياض بطنِه. وَأنْشد بعضُهم لأمِّ الصَّريح الكِنديَّة وَكَانَت تَحت جرير فوَقع بَينهَا وَبَين أُخت جَرِير لحاءٌ وفِخَارٌ فَقَالَت: أتعدِلين مُحْقَباً بأَوْسِ والْخَطَفَى بأشْعثَ بن قيس مَا ذَاك بالحزْم وَلَا بالكيْس عَنَتْ أنَّ رجال قومِها عِنْد رجالها كالثعلب عِنْد الذئْبِ، وأوْس هُوَ الذِّئْب، وَيُقَال لَهُ أُوَيْس. وَمن أمثالهم: (اسْتَحْقب الغَزْو أَصْحَاب البَرَاذِين) . يُقَال ذَلِك عِنْد ضِيقِ المخارج، وَيُقَال فِي مِثْله: (نَشِبَ الحديدةُ والْتوَى المِسمار) . يُقَال ذَلِك عِنْد تَأْكِيد كلِّ أَمر لَيْسَ مِنْهُ مَخْرج. قحب: اللّيث: قَحَب يَقْحُبُ قُحاباً وقَحْباً إِذا سعل. ويُقال أَخذه سُعالٌ قاحبٌ. وَأهل الْيمن يُسمُّون الْمَرْأَة المُسِنَّة قَحْبة. قَالَ: والقَحْبُ: سُعالُ الشّيخ، وسُعالُ الْكَلْب. أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: من أمراض الْإِبِل القُحابُ وَهُوَ السُّعال، وَقد قَحَبَ يقْحُبُ قَحْباً وقُحَاباً وَكَذَلِكَ نَحَبَ يَنْحِبُ وَهُوَ النُّحاب والنُّحازُ مثله. وَقَالَ اللّحيانيُّ: الْعَرَب تَقول للبغيض إِذا سَعَل: وَرْياً وقُحاباً، وللحبيب إِذا سعل: عُمْراً وشباباً. قَالَ: والقُحاب: السُّعال. قَالَ: وَيُقَال للعجوز: القحْبَةُ والقحْمَةُ، وَكَذَلِكَ يُقَال لكل كَبِيرَة من الْغنم مُسِنَّةٍ. وَقَالَ غَيره: قيل للبغِيّ قحْبَةٌ لِأَنَّهَا كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تُؤْذِنُ طُلاَّبها بقُحابها، وَهُوَ سُعالُها. وَقَالَ أَبُو زيد: عَجُوز قَحْبَة وَشَيخ قَحْب: وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذهُ السُّعال. وَأنْشد غَيره: شَيَّبَنِي قَبْل إِنَى وقْتِ الهَرَم كلُّ عجوزٍ قَحْبَة فِيهَا صَمَمْ وَيُقَال: بِتْنَ نسَاء يُقَحَّبْنَ أَي يَسْعُلْن قبح: أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: قبحْتُ لَهُ وجهَه مخفَّفَة وأقبَحْتَ يَا هَذَا: أتيت بقَبيح. قلت: معنى قبحْتُ لَهُ وَجهه أَي قلت لَهُ: قبَحهُ الله، وَهُوَ من قَول الله

(4/47)


جلّ وعزّ: {? لدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَ ? مَةِ هُمْ} (القَصَص: 42) أَي من المُبعَدين المَلْعونين، وَهُوَ من القبْح وَهُوَ الإبعاد. وَالْعرب تَقول: قبَحه الله وأُمًّا رَمعت بِهِ أَي أبعده الله وَأبْعد والدته. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: قبَح الله فُلاناً قبْحاً وقُبُوحاً أَي أقصاه وباعده من كلِّ خيْر كقُبوح الكلْب والْخِنْزِير. وَقَالَ الجَعْدِيُّ: وَلَيْسَت بَشْوَهَاءَ مَقْبُوحَةٍ تُوافي الدِّيارَ بوَجْهٍ غَبِرْ وَقَالَ أُسَيْدٌ: المَقبُوحُ: الَّذِي يُرَدُّ ويُخْسَأُ، والمَنْبُوحُ: الَّذِي يُضْرَبُ لَهُ مَثَلُ الكلْب. ورُوِي عَن عمَّار أَنه قالَ لرَجُلٍ نالَ بِحَضرَتِه من عائشَة: (اسْكتْ مَقْبُوحاً مَنْبُوحاً) . أَرَادَ هَذَا المعْنى. وَيُقَال: قبُح فُلانٌ يَقْبُح قَبَاحَةً وَقُبْحاً، فَهُوَ قَبِيح وَهُوَ نَقِيض الحُسْن عامٌّ فِي كلِّ شَيْء، وَفِي الحَدِيث: (لَا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ) مَعْنَاهُ: لَا تقُولوا، إنَّه قَبِيح فَإِن الله صَوَّره، وَقد أَحْسَن كلَّ شَيْء خَلَقَه. وَيُقَال: قَبَحَ فُلان بَثْرَةً خَرَجَت بوجْههِ: وَذَلِكَ إِذا فَضَخَها حَتَّى يَخْرجَ قَيْحُها. وكلُّ شَيْء كَسرْته فقد قبَحتَه. وروى أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أنَّه قَالَ: يُقَالُ: وَقد اسْتَمْكَتَ العُدُّ فاقْبَحْهُ، والعُدُّ: البَثْرَةُ. واستِمْكاتُه: اقْتِرَابُه للانْفِقاء. وَقَالَ اللَّيْث: القَبِيحُ: طَرفُ عَظْمِ المِرْفَق. قَالَ: والإبْرَة: عُظَيْم آخَر رَأْسُه كبيرٌ وَبقِيَّتُهُ دَقِيق مُلَزَّزٌ بالقَبيح. وروى أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوِيِّ قَالَ: يُقال لِعَظْم الساعِدِ مِمَّا يَلِي النِّصْفَ منهُ إِلَى المِرْفَق كِسْرُ قَبِيحٍ، وَأنْشد: ولَوْ كُنْتَ عَيْراً كُنْت عَيْرَ مَذَلَّةٍ وَلَوْ كُنْت كِسْراً كُنْتَ كِسْرَ قَبِيح وَأَخْبرنِي المُنْذِريّ عَن أبي الهَيْثَم أنَّه قَالَ: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الَّذِي يَلي المِرْفَق بَيْنَ القَبِيح وبَيْنَ إبْرَة الذِّرَاع، من عِنْدِها يَذْرَعُ الذَّارِعُ. قَالَ: وطَرَفُ عَظْم العَضُد الَّذي يَلي المِنْكَب يُسَمَّى الحَسَنَ لِكَثْرَة لَحْمِه، والأسْفَل: القبيحُ. وَقَالَ شَمِر: قَالَ الفَرّاءُ: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الَّذِي يَلي الذِّراع وَهُوَ أقلّ العِظام مُشاشاً ومُخّاً، ويُقال لِطَرَفِ الذِّرَاع الإبْرَةُ وَأنْشد: حَيْثُ تُلاَقي الإبْرَةُ القَبِيحا وَقَالَ الفرّاءُ: أَسْفَل العَضُد: القَبِيحُ وأعْلاَها الحَسَنُ. وَفِي (النَّوادر) : المُقَابَحَةُ والمُكابَحةُ: المشَاتَمَةُ. روى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: القبَّاحُ: الدُّبُّ الهَرِمُ. والمَقَابِحُ: مَا يُسْتَقْبَحُ من الأخْلاَق، والمَمَادِحُ: مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا. ح ق م حمق، قحم، قَمح، محق: مستعملة. قحم: قَالَ اللَّيْث: قَحَمَ الرّجلُ يَقْحَمُ قُحُوماً. وَفِي الْكَلَام العامِّ: اقْتَحَم وَهُوَ رَمْيُه بِنَفسِهِ فِي نَهرٍ أَو وهْدَة أَو فِي أَمر من غير دُرْبَة.

(4/48)


وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {? لنَّجْدَينِ فَلاَ ? قتَحَمَ} (البَلَد: 11) ثمَّ فسر اقْتِحَامَها فَقَالَ: (فَكَّ رَقَبة أَو أَطْعَمَ) . وقرىء: {? لْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ} (الْبَلَد: 13، 14) وَمعنى فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبة أَي فَلَا هُوَ اقتحم الْعقبَة، وَالْعرب إِذا نفت بِلَا فعلا كررتها كَقَوْلِه: {? لْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى ?} (القِيَامَة: 31) وَلم يُكَرِّرْها هَاهُنَا: لِأَنَّهُ أضمر لَهَا فعلا دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا آمَنَ وَلَا اقْتَحَم العَقَبَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله: {مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ ? لَّذِينَ} (الْبَلَد: 17) . وَيُقَال: تَقَحَّمَتْ بفلان دابَّتُه وَذَلِكَ إِذا نَدَّتْ بِهِ فَلم يضْبط رَأسهَا، فَرُبمَا طوَّحت بِهِ فِي وهْدَة أَو وَقَصَتْ بِهِ. وَقَالَ الراجز: أقُولُ والنَّاقةُ بِي تَقَحّمُ وَأَنا مِنْهَا مُكْلَئِزٌّ مُعْصِم ويحَكِ مَا اسمُ أُمِّها يَا عَلْكَمُ يُقَال: إِن النَّاقة إِذا تَقَحَّمَتْ براكبها نادَّةً لَا يضبِط رأسَها إِنَّه إِذا سَمّى أُمَّها وقَفَت وعَلْكَم اسْم نَاقَة. وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه وكَّل عبد الله بن جَعْفَر بالخُصُومة وَقَالَ: (إنَّ للخصومة قُحَماً) . قَالَ اللَّيْث: القُحَمُ: العِظامُ من الْأُمُور الَّتِي لَا يَرْكَبُها كلُّ أَحَد، والواحدة قُحْمَة. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد الكلابيُّ: القُحَم: المهالك. قَالَ أَبُو عُبيد: وأصلهُ من التقحم. قَالَ: وَمِنْه قُحْمَةُ الْأَعْرَاب، وَهُوَ أَن تُصيبَهم السَّنَةُ فتُهلكهم، فَذَلِك تَقَحُّمها عَلَيْهِم أَو تَقَحُّمُهُم بلادَ الرِّيفِ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يصف الْإِبِل وَشدَّة مَا تلقى من السّير حَتَّى تُجْهِضَ أَوْلَادهَا: يُطْرِّحْنَ بالأولاد أَو يَلْتَزِمْنَها عَلَى قُحَمٍ بَين الفَلاَ والمَنَاهِلِ وَقَالَ شمر: كلُّ شاقَ صَعب من الْأُمُور المُعضِلة والحُروب والدُّيون فَهِيَ قُحَمٌ. وَأنْشد لرؤبة: من قُحَم الدَّين وزُهْدِ الأرفاد قَالَ: قُحَمُ الدَّيْنِ: كثرته ومَشَقَّتُه. قَالَ ساعِدَةُ بن جُؤَيَّة: والشيبُ داءٌ نجيسٌ لَا دَوَاء بِهِ للمرء كَانَ صَحِيحا صائبَ القُحَم يَقُول: إِذا تقَحَّمَ فِي أَمر لم يطش وَلم يخطىء، قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: قومٌ إِذا حَاربُوا فِي حربهم قُحَمُ قَالَ: إقدامٌ وجرأةٌ وتقحُّم، وَقَالَ فِي قَوْله: (معنْ سَرَّه أَنْ يَتَقَحَّم جراثيمَ جَهَنَّم فَلْيَقْضِ فِي الحدِّ) . قَالَ شمر: التَّقَحُّم: التقدُّم والوقُوع فِي أُهْوِيَّة وشِدَّة بِغَيْر رَوِيَّة وَلَا تَثَبُّت. وَقَالَ العجَّاج: إذَا كَلَى واقْتُحم المَكْلِيُّ يَقُول: صُرِع الَّذِي أُصيبت كُلْيَتُه. قَالَ: واقْتَحَم النَّجْمُ إِذا غَابَ وَسقط. وَقَالَ ابْن أَحْمَر: أُراقبُ النَّجْم كَأَنِّي مُولَع بحيثُ يجْرِي النجمُ حَتَّى يَقْتَحم

(4/49)


أَي يسْقط. وَقَالَ جرير فِي التقدّم: هم الحامِلُون الخيلَ حَتَّى تَقَحَّمَتْ قَرابيسُها وازداد موجاً لُبُودُها وَقَالَ اللَّيْث: المَقاحيمُ مِنَ الْإِبِل الَّتِي تَقْتحِم فَتضْرب الشّوْلَ من غير إرْسَال فِيهَا، وَالْوَاحد مِقْحَامٌ. قلت: هَذَا من نعت الفُحُول. والمُقْحَمُ: البعيرُ الَّذِي يُرّبِعُ ويُثني فِي سنة وَاحِدَة: فَتَقْتَحِمُ سنٌّ على سنَ قبل وَقتهَا. يُقَال: أُقْحِمَ البَعِيرُ وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي إِن الْبَعِير إِذا ألقَى سِنَّيْه فِي عَام وَاحِد فَهُوَ مُقْحَم، وَذَلِكَ لَا يكون إلاَّ لابْن الهرِمين. وَقَالَ اللَّيْث: بعيرٌ مُقْحَم. وَهُوَ الَّذِي يُقْحَمُ فِي الْمَفَازَة من غير مُسِيمٍ وَلَا سائق. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: أَوْ مُقْحَمٌ أَضْعَفَ الإبْطَان حَادِجُه بالأمْس فاسْتَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ قَالَ: شبَّه بِهِ جَنَاحَي الظَّليم. قَالَ: وأعرابيٌّ مُقْحَمٌ: نَشأ فِي البَدْو والفَلَواتِ لم يُزَايلها. والتَّقْحيم: رَمْيُ الفَرَسِ فارِسَه على وَجْهِه وَأنْشد: يُقَحِّمُ الفارِسَ لَوْلا قَبْقَبُه وَفِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَقْتَحِمُه عَيْن من قِصَر) . قَالَ أَبُو عُبيد: اقْتَحَمَتْه عَيْني إِذا احْتَقَرَتْه، أَرَادَ الواصف أَنه لَا تستصغره العينُ وَلَا تزدريه لقصره، وَفُلَان مُقْحَمٌ أَي ضَعِيف. وكُلُّ شَيْء نُسب إِلَى الضَّعْف فَهُوَ مُقْحَمٌ، وَمِنْه قَول الجَعْدِي: علوْنَا وسُدْنَا سُؤْدَداً غير مُقْحَم وأصل هَذَا كُله من المُقْحَم الَّذِي يتَحَوَّل من سِنِّ إِلَى سِنَ فِي سنة وَاحِدَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شيخ قَحْرٌ وقَحْمٌ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القَحْمُ: الْكَبِير من الْإِبِل، وَلَو شُبِّه بِهِ الرجلُ كَانَ جَائِزا، والقَحْرُ مثله. وَقَالَ أَبُو العَمَيْثَل الْأَعرَابِي: القَحْمُ الَّذِي أقْحَمَتْه السِّن ترَاهُ قد هَرِم فِي غير أَوَان الهَرَم. قَمح: قَالَ اللَّيْث: القَمْحُ: البُرُّ. قَالَ: وَإِذا جَرَى الدَّقيقُ فِي السُّنْبُل من لَدُنِ الإنضاج إِلَى الاكتناز، تَقول: قد جَرى القمحُ فِي السُّنْبل، وَقد أقْمَحَ البُرُّ. قلت: وَقد أنْضَج ونَضِج، والقَمْحُ لغةٌ شاميّةٌ، وَأهل الْحجاز قد تكلمُوا بهَا. وَقَالَ اللَّيْث: الاقْتِماحُ: أخْذُك الشَّيْء فِي راحتِك ثمَّ تَقْتَمِحهُ فِي فِيك، وَالِاسْم القُمْحَةُ كاللُّقْمَةِ والأُكْلَةِ: قَالَ: والقَمِيحَةُ: اسْم الجُوَارِشِ. قلت: يُقَال: قَمِحْتُ السويقَ أَقْمَحُهُ قَمحاً إِذا سفِفْتَه. أَخْبرنِي بذلك المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والقَمِيحَة: السَّفُوفُ من السَّويقِ وَغَيره. اللَّيْث: القُمَّحان: يُقَال: وَرْس. وَيُقَال: زَعْفَران. وَقَالَ أَبُو عُبيد: القُمَّحَانُ: زَبَدُ الخَمْرِ

(4/50)


ويقالُ: طيبٌ. وَقَالَ النَّابِغَة: (يبَيسُ القُمَّحَان مِنَ المَدَام) وَقَالَ اللَّيْث: المُقامِحُ والقامِح من الْإِبِل الَّذِي قد اشْتَدَّ عطَشُه حَتَّى فَتَر لذَلِك فُتوراً شَدِيدا، وبعير مُقْمَح، وَقد قَمَحَ يَقْمَح من شِدَّةِ الْعَطش قُموحاً، وأقمحَه العطشُ فَهُوَ مُقْمَح. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} (يس: 8) : خاشعون لَا يرفعون أبصارَهم، قلت: كلُّ مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير القامِح والمُقامِح وَفِي تَفْسِير قوْله: {إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} فخطأٌ، وَأهل الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير على غيرِه، فَأَما المُقامِح فإنّ الإيَادِيّ أَقْرَأَنِي لشَمِر عَن أبي عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: بَعِيرٌ مُقامحٌ وَكَذَلِكَ الناقةُ بِغَيْر هَاء إِذا رَفَع رأسَه عَن الحوضِ وَلم يشرَب. قَالَ وَجمعه قِمَاحٌ. وَقَالَ بِشْر بن أبي خازم يَذْكر سفينة ورُكبانَها: ونحنُ عَلَى جَوانِبها قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإبلِ القِماح قَالَ أَبُو عُبيد: قَمَحَ البعيرُ يَقْمَحُ قُموحاً وقَمَه يَقْمَه قُموها: إِذا رفع رأسَه وَلم يشرَب المَاء. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيِّ أَنه قَالَ: التقَمُّحُ: كراهةُ الشُّرْبِ. وَقَالَ الهُذَليّ: فَتى مَا ابنُ الأغَرِّ إِذا شَتَوْنا وحُبّ الزَّاد فِي شَهْرَيْ قُماح رَوَاهُ بضمِّ القافِ قُماح وَرَوَاهُ ابنُ السِّكِّيت فِي شَهْري قِماح بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ. وشَهْرا قُماح هما الكانونانِ أشدُّ الشتاءِ بردا: سُمِّيا شهرَي قِماح لكَراهةِ كلِّ ذِي كَبِدٍ شُرْبَ المَاء فيهمَا: وَلِأَن الإبِلَ لَا تشربُ الماءَ فيهمَا إِلَّا تَعْذيراً. وَقَالَ أَبُو زَيد: تَقَمَّحَ فلَان من المَاء: إِذا شرِبَ المَاء وَهُوَ متكاره. وَقَالَ شمر: يُقَال لشَهْرَي قِماح: شَيْبَانُ ومَلْحانُ. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} (يس: 8) فَإِن سَلَمة روى عَن الْفراء أَنه قَالَ: المُقْمَحُ: الغاضُّ بصرَه بعد رفعِ رأسِه. وَقَالَ الزَّجَّاج: المُقْمَحُ: الرافع رأسَه الغاضُّ بصرَه. قَالَ: وقيلَ للكانونَيْنِ شَهْرا قُمَاح: لِأَن الإبلَ إِذا وَرَدَت الماءَ فيهمَا ترفعُ رؤوسها لشِدَّة بَرْده. قَالَ: وقولُه: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ} هِيَ كِنَايَة عَن الْأَيْدِي لَا عَن الأعناقِ لأنَّ الغُلَّ يجعَلُ اليدَ تَلِي الذَّقَنَ والعُنُقَ وَهُوَ مقاربٌ للذَّقن. قلتُ: وَأَرَادَ جلّ وعزّ أنَّ أيديَهم لمّا غُلَّت عِنْد أعناقِهم رَفَعَتِ الأغلالُ أذقانَهم ورؤوسهم صُعُداً كَالْإِبِلِ الرافعةِ رؤوسها. وَقَالَ اللّيثُ: يُقَال فِي مَثَل: (الظَّمَأُ القامحُ خَيرٌ من الرِّيِّ الفاضح) . قلتُ: وَهَذَا خلاف مَا سمِعناه من العربِ، والمسموع مِنْهُم: (الظمأ الفادحُ خَيرٌ من الرِّيِّ الفاضح) وَمَعْنَاهُ العطشُ الشاقُّ خيرٌ من

(4/51)


رِيَ يَفضحُ صاحبَه. وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَوْل أُمِّ زَرْع: (وعِنده أقولُ فَلَا أُقَبَّحُ وأشربُ فأَتَقَمَّح) أَي أرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشربَ من شِدة الرِّي: قلتُ: وأصْلُ التقَمُّح فِي المَاء فاستعارتْه فِي اللَّبن، أَرَادَت أَنَّهَا تَرْوى من اللَّبن حَتَّى ترفع رَأسهَا عَن شُرْبه كَمَا يفعل البعيرُ إِذا كَرِه شُرْبَ المَاء. قَالَ ابْن شُمَيل: إنَّ فلَانا لَقَموح للنَّبِيذ أَي شَرُوبٌ لَهُ وَإنَّهُ لَقَحوف للنبيذ. وَقد قَمَحَ الشرابَ والنبيذَ وَالْمَاء واللَّبَن واقْتَمَحَه وَهُوَ شُرْبه إيّاه. وقَمِح السَّوِيقَ قَمْحاً، وَأما الخبزُ والتّمرُ فَلَا يُقَال فيهمَا: قمِحَ، إِنَّمَا يُقَال الْقَمْح فِيمَا يُسَفّ. محق: قَالَ اللَّيْث: المَحْقُ: النُّقصانُ وذَهابُ الْبركَة. قَالَ: والمَحاقُ: آخر الشَّهْر إِذا امَّحَق الْهلَال. وَأنْشد: يزدادُ حَتَّى إِذا مَا تَمَّ أَعْقَبَهُ كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ مِنْهُ ثمَّ يَمَّحِق قَالَ: وَتقول: مَحَقَه الله فامَّحق وامْتَحَق أَي ذهبَ خيرُه وبركتُه. وأَنشد لِرُؤبةَ: بِلالُ يَا ابنَ الأنجُم الأطْلاقِ لَسْنَ بنَحْسَاتٍ وَلَا أَمْحَاقِ قلت: واختلفَ أهل الْعَرَبيَّة فِي اللَّيالِي المحاقِ، فَمنهمْ من جَعَلها الثلاثَ الَّتِي هِيَ آخرُ الشهرِ وفيهَا السِّرارُ وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو عُبيد وَابْن الْأَعرَابِي، وَمِنْهُم من جَعَلها ليْلةَ خمسٍ وستَ وسبعٍ وَعشْرين لِأَن القمرَ يطلُع فِي أخيرِها ثمَّ يَأْتِي الصّبحُ فيَمْحَقُ ضوءَ الْقَمَر، والثلاثُ الَّتِي بعْدهَا هِيَ الدَّآدِىء وَهَذَا قَول الأصمعيّ وَابْن شُمَيل وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الهيْثَم والمبرِّد والرِّياشي، وَهُوَ أصحُّ القولَيْن عِندي. ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: الإمْحَاقُ: أَن يَهِلك المَال كمَحاقِ الهلالِ وَأنْشد: أَبوك الَّذِي يَكْوِى أُنوفَ عُنُوقِه بأظفارِه حَتَّى أنَسَّ وأَمْحَقَا قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَاءَ فِي ماحقِ الصَّيف أَي فِي شدَّةِ حَرِّه. وَقَالَ ساعِدةُ الهُذَليُّ: ظلَّتْ صَوَافِنَ بالأرْزَانِ صادِيَةً فِي ماحِقٍ من نَهَار الصَّيْف مُحْتَدِم وَيُقَال: يَوْم ماحِقٌ: إِذا كَانَ شديدَ الحَرِّ أَي أَنه يَمْحَقُ كلّ شَيْء ويَحْرِقُه وَقد مَحقْتُ الشيءَ أَمْحَقُه. وقَرْنٌ مَحِيقٌ: إِذا دُلِك فَذهب حَدّه ومَلُسَ. وَمن المَحْقِ الخَفي عِنْد الْعَرَب أَن تَلِدَ الإبلُ الذّكورَ وَلَا تِلدَ الإناثَ: لِأَن فِيهِ انقطاعَ النَّسِل وذِهابَ اللَّبَن. وَمن المَحْقِ الخَفِي النَّخْل المُقارَب بينَه فِي الغَرْسِ. وكلُّ شَيْء أبطَلْتَه حَتَّى لَا يبقَى مِنْهُ شيءٌ فقد مَحَقْتَه وَقد أمْحَقَ أَي بَطَلَ. قَالَ الله: {يَمْحَقُ ? للَّهُ ? لْرِّبَو ? اْ وَيُرْبِى ? لصَّدَقَ ? تِ} (البَقَرَة: 276) أَي يَستأْصِل الله الرِّبا فيُذْهِب رَيْعَه وبَركتَهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: مَحَقَه الله وأَمْحَقَه وأبَى الأصمعيّ إلاّ مَحَقَه. وَيُقَال: مُحَاقُ الْقَمَر وَمِحاقُه. ومَحَّق فلانٌ بفلان تَمْحِيقاً: وَذَلِكَ أنَّ

(4/52)


الْعَرَب فِي الجاهِلية إِذا كَانَ يَوْمُ المُحاق من الشَّهر، بدَرَ الرجل إِلَى مَاء الرجل إِذا غَابَ عَنهُ فيَنْزِل عَلَيه ويَسْقِي بِهِ مالَه، فَلَا يَزال قَيِّمَ المَاء ذَلِك الشَّهْر ورَبَّه حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَإِذا انْسَلَخ كَانَ رَبُّه الأوَّلُ أحَقَّ بِه، وَكَانَت الْعَرَب تَدْعُو ذَلِك المَحِيقَ. أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعْرابيّ قَالَ: المَحْقُ: أَن يَذْهَب الشَّيْء كُلُّه حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَمِنْه قَول الله: {يَمْحَقُ ? للَّهُ ? لْرِّبَو ? اْ} أَي يَسْتأْصِلُ الله. حمق: قَالَ اللَّيْث: حَمُقَ الرجلُ يَحْمُقُ حَماقَة وحُمْقاً، واسْتَحْمَق الرجُل إِذا فَعَل فِعْل الحَمْقَى. وامْرأةٌ مُحْمِقٌ: تَلِدُ الحَمْقَى. ويُقال مُحْمِقَةٌ. وَقَالَت امْرَأَةٌ من الْعَرَب: لستُ أُبالي أَن أكون مُحْمِقَهْ إِذا رأيتُ خُصْيَةً مُعَلَّقَهْ وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس عَن قَول الشَّاعِر: إِن للحُمْقِ نعْمَةً فِي رِقَابِ الْنَ اسِ تَخْفَى عَلَى ذَوِي الألْبَابِ فَقَالَ: سُئل بعضُ البُلغَاءِ عَن الْحُمقِ فَقَالَ: أَجْودُه خَيْرُه قَالَ: ومَعناه أَن الأحْمَق الَّذِي فِيهِ بُلْغَةٌ يطاوِلُك بحُمْقِه فَلَا تعثُر على حُمْقه إلاّ بعد مِرَاس طَوِيل، والأحْمَق: الَّذِي لَا مُلاَوَمَ فِيهِ ينْكَشف حُمقُه سَرِيعا فتستريح مِنْهُ وَمن صُحبتِه. قَالَ: ومعْنى البيْت مُقَدَّم ومؤخَّر، كَأَنَّهُ قَالَ: إِن للحُمق نعْمَة فِي رِقابِ العُقَلاءِ تَغِيبُ وتَخْفَى على غَيرهم من سَائِر النَّاس لأَنهم أفطَن وأذكَى من غَيره. قَالَ: والأحْمَق: مأخوذٌ من انحماق السوقِ إِذا كسدَت فَكَأَنَّهُ فَسَد عَقلُه حَتَّى كَسد. أَبُو عُبيد عَن الْأَحْمَر: نَام الثَّوْبُ وانحمق إِذا خَلُق. قالَ: وانْحمقَت السّوقُ إِذا كَسَدت. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: الحُمَاقُ: الجُدَرِيُّ يُقَال منْه رجل مَحْموق. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: انحمق الرجُل إِذا ضَعُفَ عَن الْأَمر. قَالَ: والحَمِق: الْخَفِيف اللِّحية، وَقَالَ غَيره: يُقَال رَجُلٌ أحْمَق وحَمِقٌ بِمَعْنى واحِد. والحُمَيقَاءُ: الجُدَرِيُّ الَّذِي يصيبُ الصِّبيانَ. والبَقْلَةُ الحَمقاءُ: هِيَ الفَرْفَخَةُ. قَالَ: والحَمَاق: نَبْتٌ ذكَرَتْه أمُّ الْهَيْثَم قَالَ: وذَكَر بعضُهم أَن الحَمَقِيق نَبْتٌ. وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ الهَمَقِيق. وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ مُحْمِق إِذا كَانَ نِتاجُها لَا يَسبِق. قلت: لَا أَعْرِفُ المُحْمِق بِهَذَا المعْنى. وَقَالَ أَبُو زيد: انْحمق الطَّعام انْحماقاً. ومَأقَ مُؤُوقاً إِذا رَخُص. ابْن السِّكِّيت: يُقَال: لِلَّيَالي الَّتِي يطلُع القمرُ فِيهَا لَيلَه كلَّه فَيكون فِي السَّمَاء وَمن دونِه غَيْمٌ فترَى ضَوْءاً وَلَا ترى قمراً فتَظُن أَنَّك قد أصْبَحْت وَعَلَيْك لَيْل: المُحْمِقات. يُقَال: غَرَّنِي غُرورَ المُحْمِقات. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قالَ: الحُمْق أصلُه

(4/53)


الكسادُ. وَيُقَال للأَحْمَق: الكاسِد العَقْل. قَالَ: والحُمْق أَيْضا: الغُرور. يُقَال: سِرْنا فِي لَيَال مُحْمِقاتٍ إِذا اسْتَتر الْقَمَر فِيهَا بغَيْم أبْيضَ رَقِيق فيَسير الرَّاكِبُ وَهُوَ يَظُن أَنه قد أصبح حَتَّى يملَّ، قَالَ: وَمِنْه أَخذ اسْم الأحمق لِأَنَّهُ يغرك فِي أول مَجْلِسه بتعاقله، فَإِذا انْتهى إِلَى آخر كَلَامه بيَّن حمقه فقد غَرَّك بِأول كَلَامه.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالْكَاف
ح ك ج: مهمل. ح ك ش
حشك، حكش، شحك، كشح: (مستعملات) .
حشك: قَالَ اللَّيْث: الحَشَك: تَرْكُكَ الناقةَ لَا تَحْلُبها حَتَّى يجْتَمع لبنُها، فَهِيَ محشوكة. قَالَ: والحَشَك الِاسْم للدِّرَّة المجتمعة وَأنْشد:
غَدتْ وَهِي محشوكَةٌ حَافلٌ
فراحَ الذِّئارُ عَلَيْهَا صَحِيحا
الذِّئَارُ: البَعَر الَّذِي يُلْطَخ بِهِ أَطْبَاءُ النَّاقة لِئَلَّا يؤثِّر الصِّرَارُ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحَشَكُ: الدِّرَّةُ. حَشَكَت النَّاقة تَحْشِك حَشَكاً.
وَقَالَ زُهير:
كَمَا اسْتَغَاثَ بِسَيْءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ
خَافَ الْعُيُون وَلم يُنْظَرْ بِهِ الحَشَكُ
قَالَ ابْن السّكيت: أَرَادَ الحَشْكَ فحركه للضَّرُورَة. أَبُو عبيد عَن الْفراء: حَشَكَ القَوْم وحشدوا بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَشَكَتِ النخلةُ إِذا كَثُر حَمْلُها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: مِن دُعائهم: (اللَّهُمَّ اغْفِر لي قبل حشك النَّفس وأزِّ الْعُرُوق) . قَالَ: الحَشْكُ: النَّزْعُ الشَّديد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّياحُ الحَوَاشِكُ: الْمُخْتَلفَة، وَيُقَال: الشَّدِيدَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَشَكَتِ الرِّيحُ تَحْشِك حَشْكاً إِذا ضَعُفَت.
وَقَالَ غَيره: قَوْسٌ حاشِكٌ وحاشكةٌ إِذا كَانَت مُواتية للرَّامي فِيمَا يُرِيد.
وَقَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ:
لَهُ أسهمٌ قد طَرَّهُنَّ سَنِينُه
وحاشِكةٌ تَمْتَدُّ فِيهَا السَّواعد
والحَشْك. النَّزعُ الشَّدِيد. وَيُقَال: أَحْشَكْتُ الدَّابة إِذا أقْضَمْتَها فَحَشِكَتْ أَي قَضَمتْ.
حكش: قَالَ ابْن دُرَيْد: رجل حَكِشٌ مثل قَوْلهم حَكِر وَهُوَ اللَّجوجُ والحَكِشُ والعَكِشُ: الَّذِي فِيهِ الْتِوَاءٌ على خَصْمِه.
كشح: قَالَ ابْن السّكيت: مرَّ فلانٌ يَشُلُّهم ومرَّ يَشْحَنُهم ومرَّ يَكْشَحُهُم أَي يطردُهم. قَالَ والكاشح: المتولِّي عَنْك بوُدِّه. يُقَال: كَشَحَ عَن المَاء إِذا أَدْبَرَ عَنهُ. أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: كَشَحَ الرّجلُ وَالْقَوْم عَن المَاء إِذا ذَهَبُوا عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَشْحُ: مَا بَين الخاصرة إِلَى الضِّلَعِ الْخَلْفِ، وَهُوَ من لَدُن السُّرَّة إِلَى المَتْن، وهما كَشْحان وَهُوَ موقع السَّيْف من المُتَقَلِّد، وَيُقَال: طوى فُلانٌ

(4/54)


كشحَه عَلَى أمرٍ إِذا اسْتمرّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الذَّاهِبُ الْقَاطِع. يُقَال: طوى عنِّي كَشْحَه. إِذا قِطْعَة وعاداك. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وأَبَّ لِيَذّهَبا
قلت يحْتَمل قَوْله وَكَانَ طوى كَشْحاً أَي عزم على أمْر واستمرت عزيمته.
وَيُقَال: طوى كَشْحاً على ضِغْنٍ إِذا أضْمَرَهُ، وَمِنْه قَول زُهَيْر:
وكَان طوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ
فَلَا هُوَ أبداها وَلم يتقَدَّم
وَيُقَال: طوَى كَشْحَه عَنهُ إِذا أعْرَض عَنهُ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الكاشِحُ: العَدُوُّ المُبْغِضُ.
وروى أَبُو نصر عَنهُ: سُمِّي العَدُوُّ كَاشِحاً: لِأَنَّهُ وَلاَّكَ كَشْحَه وَأعْرض عَنْك.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ المُفَضَّل: الكَاشِحُ لصَاحبه مَأْخُوذ من المِكْشَاحِ، وَهُوَ الفأْسُ.
والكُشاحَةُ: المُقَاطَعَةُ: وَقَالَ بَعضهم: سُمِّي العَدُوُّ كَاشِحاً لِأَنَّهُ يَخْبَأُ الْعَدَاوَة فِي كَشْحه وَفِيه كبِدُه، والكَبِدُ: بَيْتُ الْعَدَاوَة والبغْضَاءِ: وَمِنْه قيل للعدُوِّ: أَسْوَدُ الكبد كأنَّ الْعَدَاوَة أحرقت كَبِدَه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَمَا أَجَشَمْتُ مِن إتْيَان قومٍ
هْمُ الأعداءُ والأكْبَادُ سُودُ
وجَمَلٌ مكْشُوحٌ: وُسِم بالكُشَاحِ فِي أسْفَلِ الضُّلوع وإبِلٌ مُكَشَّحَةٌ ومُجَنَّبَةٌ.
شحك: اللَّيْث: الشِّحَاكُ والشَّحْكُ. يُقَال: شَحَكْتُ الجَدْي، وَهُوَ عودٌ يُعَرَّضُ فِي فَمِ الجَدْي يَمْنَعُه من الرَّضَاع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقال لِلْعُوْد الَّذِي يدْخل فِي فَم الفصيلِ لِئَلاَّ يَرْضَع أُمَّه: شِحَاكٌ وحِناكٌ وشِبَامٌ وشِجارٌ، وَقَالَ غَيره: شَحَكَت الدَّابة إِذا أدخلتْ ذَنَبَها بَين رِجْلَيْهَا، وَأنْشد:
يأوِي إِذا شَحَكت إِلَى أطْبَائِهَا
سَلِبُ العَسِيب كَأَنَّه ذُعْلُوق
ح ك ض
استُعمل من وجوهه: (ضحك)
ضحك: قَالَ اللَّيْث: الضَّحِك: معروفٌ، تقولُ: ضَحِك يَضْحَك ضَحِكاً وَلَو قيل ضَحَكاً لَكَانَ قِيَاساً، لِأَن مصدر فَعِلَ فَعَلٌ.
قلت: وَقد جَاءَت أَحْرُفٌ من المصادر على فَعِلَ. مِنْهَا ضَحِكَ ضَحِكاً، وخَنَقَه خَنِقاً، وخَضَف خَضِفاً وضَرِطَ ضرِطاً وسَرَق سَرِقاً، قَالَ ذَلِك الفراءُ وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّحْكَة: الشّيءُ الَّذِي يُضْحَك مِنْهُ، قَالَ والضَّحَكَة: الرّجلُ الْكثير الضَّحِك يُعابُ بِهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي رجلٌ ضُحَكةٌ: كَثِيرُ الضَّحك، ورجلٌ ضُحْكَةٌ. يُضْحَكُ مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ ضَحَّاك نَعْتٌ على فَعَّال، قَالَ: والضَّحَّاك بن عَدْنَان زَعَمَ ابْنُ دَأْبٍ المَدَنيُّ أَنه الَّذِي يُقَال إِنَّه ملك الأَرْض، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ المُذْهب وَكَانَت أمه جِنِّيَّة فلحق بالجِنِّ ويتبَدَّى للقُرَّاء، وَتقول العَجمُ: إِنَّه لَمَّا عَمِل السِّحر وَأظْهر الْفساد أُخِذ فشُدَّ فِي جبل

(4/55)


دُنْبَاوَنْد، وَيُقَال: إِن الَّذِي شدَّه أفْرِيذُون الَّذِي كَانَ مسح الدُّنْيَا فبلغت أَرْبَعَة وَعشْرين ألف فَرْسخ.
قلت: وَهَذَا كلُّه بَاطِل لَا يؤمِنُ بِمثلِهِ إِلَّا أَحمَق لَا عَقْلَ لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} (هُود: 71) أَي طَمَثت. قلت: وروى سَلَمة عَن الفَرّاء فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة، لمّا قَالَ رُسُل الله جلّ وعزّ لِعبدِه وخَلِيله إِبْرَاهِيم: {لاَ تَخَفْ} (هود: 70) ضَحِكَتْ عِنْد ذَلِك امرأَتُه وَكَانَت قَائِمَة عَلَيْهِم وَهُوَ قَاعد فضَحِكت فبُشِّرَت بعد الضحِك بإسْحاق وَإِنَّمَا ضَحِكت سُرُورًا بالأمن لِأَنَّهَا خَافت كَمَا خَافَ إِبْرَاهِيم.
وَقَالَ بعض أهل التَّفْسِير: هَذَا مُقَدَّم ومؤخَّر، الْمَعْنى فِيهِ عِنْدهم فبَشَّرْنَاها بإسْحاق فَضَحكت بالبِشَارة.
قَالَ الفَرّاءُ: وَهُوَ مِمَّا يحْتَملهُ الْكَلَام وَالله أعلم بصوابه.
قَالَ الفَرّاءُ: وَأما قَوْلهم فضحِكت: حَاضَت فَلم نَسْمَعهُ من ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَمِعت أَبَا مُوسَى الحَامِض يسْأَل أَبَا الْعَبَّاس عَن قَوْله (فَضَحِكَت) أَي حَاضت، وَقَالَ: إِنَّه قد جَاءَ فِي التَّفْسِير فَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب، والتَّفْسِير مُسَلَّمٌ لأهل التَّفْسِير، فَقَالَ لَهُ: فَأَنت أنشدتنا:
تَضْحَكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَي هُذَيلٍ
وَتَرَى الذِّئْبَ بِهَا يَسْتَهلّ
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: تَضْحَك هَهُنا تَكْشِر، وَذَلِكَ أَن الذِّئْب ينازعها على الْقَتِيل فتَكْشِر فِي وَجْهه وعِيداً فيتركها مَعَ لحم الْقَتِيل ويَمُر.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِي عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: قَالَ بَعضهم فِي قَوْله فَضَحِكت: حَاضَتْ. قَالَ: وَيُقَال: إِن أَصله من ضَحَّاك الطَّلْعة إِذا انْشَقَّت. قَالَ: وَقَالَ الأَخْطَلُ فِيهِ بِمَعْنى الْحَيْض.
تَضْحَك الضبْع من دِماءِ سُلَيْم
إذْ رأَتْها على الحِدَاب تَمور
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: ضحِكَت: عَجِبت من فزع إِبْرَاهِيم.
وَقَالَ الكُميْت:
وأَضْحَكَتِ الضِّبَاعَ سُيُوفُ سَعْد
بِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلاَ وُدينَا
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الضَّحِك: الطَّلْع. قَالَ: وَسَمعنَا من يَقُول: أَضْحَكْتَ حَوْضَك إِذا ملأته حَتَّى يفِيض.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فجَاء بِمزْج لم يَرَ الناسُ مثلَه
هُوَ الضَّحْك إِلَّا أَنه عمل النَّحْل
قَالُوا: هُوَ العَجَب وَهَذَا يُقَوِّي مَا رُوي عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو إسْحاق فِي قَوْله: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ} (هود: 71) يُروَى أنّها ضَحِكت لأنَّهَا كَانَت قَالَت لإِبْرَاهِيم: اضمُمْ لُوطاً ابْن أَخِيك إِلَيْك فإنِّي أَعْلَم أَنّه سَيَنْزِل بهؤلاء الْقَوْم عذابٌ، فَضَحِكَت سُرُوراً لمَّا أَتى الْأَمر على مَا توهَّمَت. قَالَ: فَأَما من

(4/56)


قَالَ فِي تَفْسِير: ضَحِكَت: حَاضَتْ فَلَيْسَ بشيءٍ. قلت: وَقد رُوِي ذَلِك عَن مُجَاهِد وعِكْرِمة فَالله أَعْلم.
وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ بَعضهم: فِي الضَّحِك الَّذِي فِي بَيت أبي ذُؤَيْبٍ: إِنَّه الثَّلْجُ، وَقيل: هُوَ الشَّهْدُ، وَقيل: هُوَ الزُّبْد.
عَمْرو عَن أَبِيه: الضَّحْك والضَّحَّاكُ: وليعُ الطَّلْعَةِ الَّذِي يُؤكل.
والضَّحْك: العَسَل.
والضَّحْك: النَّورُ.
والضَّحْك: المحجَّةُ.
والضَّحْك: ظُهُور الثَّنايا من الْفَرح.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل أربعُ ثنايا وأربُع رُباعيَات وأَرْبعة ضَوَاحِكُ وَالْوَاحد ضَاحِكٌ وثِنْتا عشرةَ رَحًى فِي كل شِقَ سِتُّ وَهِي الطواحنُ ثمَّ النَّواجذُ بعْدهَا وَهِي أَقْصَى الأضْراس.
اللَّيْث: الضَّحُوكُ من الطّرق: مَا وَضَح واسْتبان، وَأنْشد:
على ضَحُوك النَّقْبِ مُجْرَهِدِّ
أَبُو سعيد: ضَحِكاتُ القُلوب من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد: خِيَارُها الَّتِي تَضْحَكُ القُلوبُ إِلَيْهَا. وضَحِكاتُ كل شَيْء: خِياره.
ورأْيٌ ضَاحِكٌ: ظاهِرٌ غير مُلْتَبِسٍ. وَيُقَال: إِن رَأْيك لَيُضَاحِكُ المشكلات أَي تظهر عِنْده المشكلات حَتَّى تُعْرَف. وطريقٌ ضَحَّاك: مُسْتبين.
وَقَالَ الفَرَزدق:
إِذا هِيَ بالرّكْب العِجالِ تَرَدَّفَتْ
نَحَائِزَ ضَحَّاك المَطَالع فِي نَقْب
نَحائِزُ الطَّرِيق: جَوادُّه.
وبُرْقَةُ ضَاحِك: فِي ديار تَميم، ورَوْضَةُ ضَاحِك بالصَّمَّانِ مَعْرُوفَة.
ح ك ص
اسْتعْمل من وجوهه: حكص، كحص.
حكص: اللَّيْث: الحِكيصُ: المَرْميُّ بالرِّيبَةِ وَأنْشد:
فَلَنْ تَرَاني أَبداً حَكِيصا
معَ المُرِيبينَ ولَنْ أَلُوصَا
قلت: لَا أعرف الحَكِيصَ وَلم أَسْمَعهُ لغير اللَّيْث.
كحص: قَالَ: الكاحِصُ: الضَّارِبُ بِرجْلِه.
سَلَمَةَ عَن الفَرّاءِ: فَحَص بِرجلِهِ وكَحَصَ بِرجْله.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كَحَصَ الأثرُ كُحُوصاً إِذا دَثَرَ، وَقد كَحَصَه البِلَى، وَأنْشد:
والدِّيَارُ الكَوَاحِص
وكَحَص الظَّلِيمُ إِذا مَرّ فِي الأَرْض لَا يُرَى فَهُوَ كاحِص.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَحْصُ: نَبْت لَهُ حَبٌّ أَسْود يُشبَّه بعيون الجَرادِ، وَأنْشد فِي صِفَة الدُّرُوعِ:
كأنَّ جَنى الكَحْصِ اليبيس قَتيرُها
إِذا نُثِلَت سَالَتْ وَلم تَتَجَمّعِ
ح ك س
حسك، سحك، كسح: (مستعملات) .
حسك: قَالَ اللَّيْث: الحسَكُ: نباتٌ لَهُ ثَمر خَشِن يتعلَّقُ بأصواف الغَنَم. قَالَ: وكل ثمَرَة يُشْبهها نَحْو ثَمَرَةِ القُطْب والسَّعْدان

(4/57)


والهَراس فَهُوَ حَسَك، والواحدة حَسَكةٌ، قَالَ: والحَسَكُ من أدوات الْحَرْب رُبما اتُّخِذَ من حَدِيد فَصُبّ حول العَسْكر.
وحَسكُ الصَّدْر: حِقْدُ الْعَدَاوَة.
يُقَال: إِنَّه لَحَسِكُ الصَّدر على فُلانٍ.
قَالَ: والحِسْكِكُ: القُنْفُذُ الضَّخْمُ.
أَبُو عبيد: فِي قلبه عَلَيْك حَسِيكةٌ وحَسِيفَةٌ وسخِيمةٌ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للْقَوْم الأشِدّاء: إِنَّهُم لَحَسَكٌ أَمْرَاسٌ، الْوَاحِد حَسَكةٌ مَرِسٌ.
سحك: أَخْبرنِي المُنْذري عَن الحَرَّانِي عَن ابْن السِّكِّيت. قَالَ: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: أَسْوَدُ سُحْكُوكٌ وحُلْكُوكٌ.
قلت: ومُسْحَنْكَك مثله مُفْعَنْلَلٌ من سَحَك.
كسح: اللَّيْث: الكَسْحُ: الكَنْسُ. والكُسَاحَةُ: تُرابٌ مَجموعٌ كُسِحَ بالمِكْسَح.
والمُكاسَحَةُ: المُشَارَّةُ الشديدةُ.
قَالَ: والكَسَحُ ثِقَل فِي إِحْدَى الرِّجلين إِذا مَشَى جَرّها جَرّاً. ورجلٌ كَسْحَانُ، وَقد كَسِحَ كَسَحاً.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنَّه ذكر الصَّدَقَة فَقَالَ: هِيَ مَالُ الكُسْحَان والعُوران، واحِدُهُم أَكْسَحُ وَهُوَ المُقْعدُ يُقَال مِنْهُ: كَسِحَ كَسَحاً. وَأنْشد:
بَين مخذولٍ كَرِيمٍ جَدُّهُ
وخَذُولِ الرِّجْلِ من غير كَسَحْ
وَمعنى الحَدِيث: أَنّه كره الصَّدقة إِلَّا لأهْلِ الزَّمَانَةِ، وَأنْشد اللَّيْث بَيْتاً آخَرَ لِلأَعْشَى:
وَلَقَد أَمْنَحُ مَنْ عَادَيْتُه
كُلَّ مَا يَقْطَعُ من دَاء الكَسَحْ
قَالَ: ويروى بالشِّين.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الكُسَاحُ: من أَدْوَاءِ الْإِبِل، جَمَل مَكْسُوح: لَا يَمْشِي من شِدة الظَّلْع.
قَالَ: وعُودٌ مُكَسَّحٌ ومُكشّح أَي مَقشورٌ مُسوًّى.
قَالَ: وَمِنْه قَول الطِّرِمَّاح:
جُمَالِيَّةٌ تَغْتَالُ فَضلَ جَدِيلها
شَنَاحٍ كَصَقْبِ الطائفِيِّ المُكَسَّحِ
ويروى المُكَشَّحِ، أَرَادَ بالشَّنَاحِي عُنُقَها لطوله.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: أَتينَا بني فُلانٍ فاكتسحنا مَالهم أَي لم نُبْقِ لَهُم شَيْئا.
وَقَالَ المُفضَّلُ: كسَحَ وكَثَحَ بِمَعْنى وَاحِد حكاهُ أَبُو تُرَاب.
ح ك ز
اسْتعْمل من وجوهه: حَزَكَ، زَحَكَ.
حزك: قَالَ الفراءُ: حَزَكْتُه بالحبلِ أحْزِكُه مثل حَزَقْتُه سَواء.
قَالَ: وحَزَكه وحَزَقَهُ إذَا شدّه بحبلٍ جَمَع بِهِ يَدَيْهِ ورِجْلَيْه.
أَبُو عُبيد: عَن الْأَصْمَعِي: الاحْتِزَاكُ هُوَ الاحْتِزَامُ بالثَّوْبِ.
زحك: يُقَال: زَحَكَ فلَان عَنِّي وزحَلَ إِذا تَنَحَّى.
قَالَ: رُؤْبَةُ:
كَأَنَّهُ إذْ عادَ فِيهَا وَزحَكْ
حُمَّى قَطِيفِ الخَطِّ أَوْ حُمَّى فَدَكْ

(4/58)


كَأَنَّهُ يَعْنِي الهَمَّ إذْ عَاد إلَيّ أَوْزحَكَ إِذا تَنَحَّى عَنِّي.
ابْن الْفرج عَن عُرَام: أزْحَفَ الرجل وأَزْحَكَ إِذا أعْيَتْ بِهِ دابَّتُه.
ح ك ط
حكط: يُقَال: كحطَ المطرُ وقَحَطَ.
ح ك د
حكد، كدح: مستعملان.
حكد: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ فِي مَحْكِد صدق ومَحْتِد صِدْق.
كدح: اللَّيْث: الكدْحُ: عملُ الْإِنْسَان من الخيْرِ والشَّرِّ يكدَح لنَفسِهِ بِمَعْنى يسْعَى لنَفسِهِ، وَمِنْه قولُ الله جلّ وعزّ: {الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ} (الانشقاق: 6) أَي ناصبٌ إِلَى رَبك نصْباً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير: إِنَّك عاملٌ لِربكَ عملا وَجَاء أَيْضا: ساعٍ إِلَى ربِّك سعياً فملاقِيه.
والكَدْحُ فِي اللُّغَة: السَّعْي والدُّؤوبُ فِي الْعَمَل فِي بابِ الدُّنْيَا، وَفِي بَاب الْآخِرَة، وقَالَ ابْن مُقْبل:
وَمَا الدهرُ إِلَّا تارتانِ فمنهما
أَمُوت وأخرَى أَبْتَغِي العيشَ أكدحُ
أَي تَارَة أسعى فِي طلب الْعَيْش وأَدْأَبُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الكدْحُ: دون الكَدْم بالأسنان. والكدْحُ بِالْحجرِ والحافِر.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَنْ سأَلَ وَهُوَ غنِيٌّ جَاءَت مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خُدوشاً أَو خُمُوشاً أَو كُدُوحاً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: الكُدُوحُ: أَثرُ الخُدُوش وكلُّ أَثَرٍ من خَدْشٍ أَو عَضَ فَهُوَ كدْحٌ وَمِنْه قيلَ للحمار الوَحْشِي: مُكدَّح لِأَن الحُمُرَ يَعْضَضْنَه، وَأنْشد:
يَمْشونَ حوْلَ مُكَدَّمٍ قد كدَّحَت
مَتْنَيْهِ حَمْلُ حَناتِمٍ وقِلالِ
وَيُقَال: كدَحَ فُلاَنٌ وَجْه فلَان إِذا مَا عَمِل بِهِ مَا يَشِينُه، وكَدَحَ وَجْهَ أَمْرِه إِذا أفْسَدَه.
ح ك ت
اسْتعْمل من وجوهه: حتك، كتح.
حتك: قَالَ اللَّيْث: الْحَتكُ وَالحَتَكانُ شبه الرَّتَكان فِي المَشْي إِلَّا أَنَّ الرَّتَكانَ للإبِل خاصَّة، والحَتْك للْإنْسَان وغَيْره.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَتْك ساكِنُ التَّاء: أَنْ يُقارِبَ الخَطوَ ويُسْرِع رَفْعَ الرِّجْل وَوَضْعها.
شَمِر: قَالَ ابنُ حبيب: رجل حَتَكة وَهُوَ القَمِىءُ، وَكَذَلِكَ الحَوْتَكُ والحوْتَكيُّ هُوَ القصيرُ القَريبُ الخَطْوِ، قَالَ: والحاتِكُ: القَطُوفُ العاجزُ قَالَ: والقَطوفُ: القريبُ الخَطْو. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لنا وَلكم يَا مَيُّ أَمْسَتْ نِعاجُها
يُماشِينَ أُمَّاتِ الرِّئالِ الحوَاتِك
وَقَالَ الرَّاجزُ:
وساقِيَيْن لم يكُونَا حَتَكا
إِذا أَقُولُ وَنَيَا تَمَهَّكا
أَي تَمَدَّدا بالدَّلْو.
والحَوْتَكُ: الصَّغِير الجِسْم اللَّئيم.
كتح: قَالَ اللَّيْث: الكَتحُ: دُون الكَدْحِ من

(4/59)


الْحَصَى. والشيءُ يُصِيبُ الجِلْدَ فيُؤَثِّرُ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يَصِفُ الحَمير:
يلتَحْنَ وَجْهاً بالحَصَى مَلْتُوحا
ومَرَّةً بِحَافِر مَكْتُوحا
وَقَالَ الآخر:
فأهْوِنْ بِذِئْب يكْتَحُ الرِّيحُ باسْتِه
أَي يضْربهُ الرِّيحُ بالحَصى قَالَ: ومَنْ روى تَكثح الرِّيحُ الثَّاء فَمَعْنَاه تَكْشِف
وَقَالَ ابنُ دُرَيْدٍ: كَتَحَ الدَّبا الأرْضَ إِذا أكل مَا عَلَيْهَا من نَبات أوْ شَجَر. وَأنْشد:
لهُمْ أشَدُّ عَلَيْكُم يَوْم ذُلِّكُمُ
من الكَواتِح من ذَاك الدَّبا السُّودِ
قَالَ: وكَتَحَتْه الرِّيحُ وكَثَحَتْه إِذا سَفَتْ عَلَيْهِ الترابَ.
ح ك ظ ح ك ذ: أهملت وجوهها
ح ك ث
كثح، كحث: مستعملان.
كثح: قَالَ اللَّيْث: الكَثْحُ: كَشْف الرِّيح الشَّيْء عَن الشَّيْء.
قَالَ: ويَكْثَحُ بالتُّراب وبالْحَصَى أَي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ المُفَضَّل: كَثَحَ من المَال مَا شَاءَ مثل كسحَ.
كحث: قَالَ اللَّيْث: كَحَث لَهُ من المَال كَحْثاً إِذا غرَفَ لهُ منهُ غَرْفاً بيدَيْهِ.
ح ك ر
حرك، حكر، ركح: مستعملة.
حكر: اللَّيْث: الحَكْر: الظُّلْمُ والتَّنَقُّصُ وسُوء العِشْرَةِ. يُقَال: فلَان يَحْكِر فلَانا إِذا أَدْخَلَ عَلَيْهِ مَشَقّة ومَضَرَّة فِي مُعاشَرَته ومُعايَشَته، والنَّعْتُ حَكِر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَكْر: اللِّجاجَة. والحَكْرُ: ادّخارُ الطَّعام للتّرَبُّص.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَكْرُ: مَا احْتَكَرْت من طَعَام ونَحْوه ممَّا يُؤْكَلُ. وَمَعْنَاهُ الجَمْعُ. وصاحِبُه مُحْتَكِر وَهُوَ احتِباسُه انتِظارَ الغَلاء، وأَنْشَد:
نَعَّمَتْها أُمُّ صِدْق بَرَّةٌ
وأَبٌ يُكْرِمُها غَيْرُ حَكِرْ
ابْن شُمَيل: إنَّهم لَيَتَحَكَّرُون فِي بَيْعهم: ينظُرون ويَتَربَّصُون. وإنَّه لَحَكِر لَا يزَال يحبِس سِلعتَه. والسوق مادَّةٌ حَتَّى يبيعَ بالكثِير من شِدَّة حَكْرِه أَي من شِدة احتباسه وترَبُّصِة. قَالَ: والسوق مَادَّة أَي مُلأى رجَالًا وبيُوعاً. وَقد مدَّت السُّوق تمُدُّ مدّاً.
حرك: اللَّيْث: تَقول: حَرَكَ الشيءُ يحرُك حَرَكاً وحَرَكَة وَكَذَلِكَ يتحرَّك وَتقول: قد أعْيا فَمَا بِهِ حَراكٌ. قَالَ. وَتقول: حركْت مَحْركَه بِالسَّيْفِ حَرْكا، والمَحْرَك: مُنتهى العُنُقِ عِنْد مِفْصل الرّأس. والحاركُ: أَعلَى الكاهِل، وَقَالَ لَبيد:
مُغْبِطُ الحارِكِ مَحْبُوك الكَفَل
أَبُو زَيْد: حَرَكَه بِالسيف حَرْكاً إِذا ضرب عُنقَه قَالَ: والمَحْرَكُ: أَصْلُ العُنُق من أعْلاَها.
وَيُقَال لِلْحَارك: مَحْرَك بِفَتْح الرَّاء: وَهُوَ

(4/60)


مَفْصِل مَا بيْن الكاهِلِ والعُنُق ثمَّ الْكَاهِل: وَهُوَ بَين المَحْرَك والمَلْحاء، والظَّهْرُ: مَا بَين المَحْرَك إِلَى الذَّنَب.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَاكِيكُ هِيَ الحَرَاقِفُ وَاحِدهَا حَرْكَكَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأَعرابِي: حَرَكَ إِذا منع من الحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ.
وحَرِكَ إِذا عُنَّ عَن النِّساء. والحَرِيكُ: العِنِّين.
وَقَالَ الفرّاء: حَركْتُ حَارِكَه: قَطَعْتُه فَهُوَ مَحْرُوك، ورُوِي عَن أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ: (آمَنْتُ بِمُحرِّف القُلُوبِ) ورَوَاهُ بَعْضُهم آمَنْتُ بمُحَرِّك القُلُوبِ، قَالَ الفرّاء: المُحَرِّفُ: المُزِيل، والمُحَرِّكُ: المُقَلِّب، وَقَالَ العَبَّاس: والمُحَرِّكُ أجْوَدُ لأَنَّ السُّنَّة تُؤيِّدُه: (يَا مُقَلِّب القُلُوب) .
ركح: أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوِيّ: أركَحْتُ إِلَيْهِ أَي اسْتَنَدْتُ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْفراء: لَجَأْتُ إِلَيْهِ.
اللَّيْث: الرُّكْحُ: رُكْن من الجَبَل مُنِيفٌ صَعْبٌ، وَأنْشد:
كأنَّ فاهُ واللِّجَامُ شَاحِي
شَرْجَا غَبِيطٍ سَلِسٍ مِرْكاحِ
أَي كَأَنَّهُ رُكْح جَبَل. قلت: والمِرْكاحُ من الأقْتاب غَيْر مَا فَسَّرَه اللَّيْثُ.
أقْرَأنِي الإيادِيُّ لأَبي عُبَيْد عَن الأصْمَعِي قَالَ: المِرْكاح: القَتَب الَّذِي يَتَأخَّر فَيكون مَرْكَبُ الرَّجُل فِيهِ على آخِرةِ الرَّحْل، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: رُكْحُ الْجَبَل: جانِبه وحرْفُه، ورُكْحُ كلِّ شَيْء: جانبُه.
وَيُقَال: أركحْتُ ظَهْري إِلَيْهِ أَي ألْجأْت ظَهْري إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو كَبِيرٍ الهُذَلِيّ:
وَلَقَد نُقِيمُ إِذا الخُصوم تنَافَدُوا
أحلامَهم صَعَر الخَصيم المُجْنِفِ
حَتَّى يظلَّ كأنَّه مُتَثَبِّت
بُركُوحِ أمْعَزَ ذِي رُيودٍ مُشْرف
قَالَ: مَعْنَاهُ يظَلُّ من فَرَقي أَن يتكلَّم فيُخطىءَ ويزلّ كَأَنَّهُ يمشي بِرُكْح جبل: وَهُوَ جانبُه وحرْفه فيخافُ أَن يزِلَّ ويسقُط.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: الرَّكْحاءُ: الأرضُ الغلِيظة المُرْتفعة. وَفِي الحَدِيث: (لَا شُفعةَ فِي فنَاء وَلَا طَريق وَلَا رُكْح) . قَالَ أَبُو عُبيْد: الرُّكْحُ: ناحيةُ البيْت من ورائِه، وَرُبمَا كَانَ فضَاءً لَا بِناءَ فِيهِ. وَقَالَ القُطَامِيُّ:
أما ترى مَا غَشِيَ الأرْكاحَا
وَقَالَ ابنُ ميَّادة:
ومُضَبَّر عَرِد الزِّجاجِ كأنَّه
إرَمٌ لِعَادَ مُلَزَّزُ الأرْكاح
وإرَم: قبر عَلَيْهِ حِجَارَة. ومُضَبَّر يَعْنِي رأسَهَا كَأَنَّهُ قبْر. والأرْكاح: الآساس والأركانُ والنَّواحي.
قَالَ: وَرَوَاهُ بعْضُهم:
أَلا تَرَى مَا غَشِيَ الأكْراحا
قَالَ: وَهِي بيُوت الرُّهْبان قُلت: وَيُقَال لَهَا: الأُكْيَراحُ، وَمَا أَرَاهَا عربيَّة.
أَبُو عُبيد عَن أبي عُبيْدة: الرُّكْحة: البقِيَّة من الثَّرِيد تبْقى فِي الجفْنة، وَمِنْه قيل للجَفنة المُرْتَكِحة إِذا اكْتَنَزَت بِالثَّريد.

(4/61)


وَيُقَال: إنَّ لفُلَان ساحةً يتَرَكَّحُ فِيهَا أَي يَتوسَّع.
وَفِي النودار: تَرَكَّح فلَان فِي المعِيشة إِذا تَصَرّف فِيهَا.
وتَرَكَّح بِالْمَكَانِ تَلبَّث بِهِ.
وركَحَ الساقي على الدَّلْوِ إِذا اعْتَمد عَلَيْهَا نَزْعاً، والرّكْحُ: الاعْتماد.
وأنْشَدَ الأصْمَعِيّ:
فصادفْتَ أهْيَفَ مثل القِدْحِ
أجْرَدَ بالدَّلْو شَديد الرّكْحِ
ح ك ل
حكل، حلك، كلح، كحل، لحك، لكح: مستعملات.
كحل: قَالَ الليْث: الكُحْل: مَا يُكْتَحل بِهِ. والمِكْحال: المِيلُ تُكْحلُ بِهِ العيْنُ من المُكْحُلة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا كَانَ على مِفْعَل ومِفْعَلة مِمَّا يُعتمَل بِهِ فَهُوَ مكسور الْمِيم مثل مِخْرز ومِبضع ومِسلّة ومِرْدَعة ومِخلاة إلاَّ أَحْرفاً جاءتْ نَوَادِر بضمِّ الْمِيم وَالْعين وَهِي: مُسْعُط ومُنْخُل ومُدْهُن ومُكحُلة ومُنْصُل.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَحَل: مصدر الأكْحَل والكَحْلاء من الرِّجَال وَالنِّسَاء: وَهُوَ الَّذِي يعلُو مَنابتَ أَشْفَاره سوادٌ خِلقة من غير كُحْل وَأنْشد:
كَأَن بهَا كُحْلاً وَإِن لم تُكَحَّلِ
والأكحلُ: عِرْقُ الْيَد يسمَّى أكحَلاً وَفِي كلِّ عُضْو مِنْهُ شُعبة لَهُ اسْم على حِدةٍ، فَإِذا قُطع فِي الْيَد لم يرقأ الدَّمُ.
قَالَ: والكَحْل: شِدة المَحْل، يُقَال: أَصَابَهُم كَحْل ومَحْل.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: صَرَّحَت كَحْلُ غَير مُجْرًى، وكَحَلَتهم السنون.
وَأنْشد:
قومٌ إِذا صرَّحَتْ كَحْلٌ بيوتُهم
مأْوَى الضَّرِيكِ ومأْوَى كلِّ قُرضوبِ
فأجراه الشَّاعِر لِحَاجَتِهِ إِلَى إجرائه.
ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء: اكتَحَل الرجل إِذا وَقع فِي شِدة بعد رخاء.
اللَّيْث: الكُحَيْل: ضرب من القَطِران.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: الكُحَيْل: الَّذِي يُطلَى بِهِ الْإِبِل للجرَب هُوَ النِّفْط. قَالَ: والقَطِران إِنَّمَا هُوَ للدَّبَر والقِرْدان.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال: عَيْن كَحِيل بِغَيْر هَاء: مكحولة.
والكحلاء: نَبْتٌ من العُشب معروفٌ. أَبُو عُبيد: يُقَال لفُلَان كُحْل وَلفُلَان سَوادٌ أَي مَال كثير. قَالَ: وَكَانَ الأصمعيّ: يتأوَّلُ فِي سَواد الْعرَاق أَنه سُمي بِهِ للكثرة. وَأما أَنا فأحسبُه للخُضْرة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب الْقَدِيمَة قولُهم فِي التَّساوِي (باءَتْ عَرَارِ بكَحْل) وهما بقرتانِ كَانَتَا فِي بني إِسْرَائِيل وَقد مر تفسيرُهما.
حكل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: فِي لِسَانه حُكْلَة: أَي عُجْمة وَقد أَحكَل الرجل على القَوْم إِذا أَبَّرَ عَلَيْهِم شرّاً. وَأنْشد:
أَبَوْا على النَّاس أبَوْا فأحْكَلوا
تأْبَي لَهُم أُرُومة وأوَّلُ

(4/62)


يبْلَى الحديدُ قبلهَا والجَنْدَلُ
سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: أَشْكَلت عَلَيَّ الأخبارُ وأَحْكلَت وأعْكلَتْ واحْتكلَتْ أَي أشكلَتْ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: حَكَل وأَحْكل وعَكل وأَعْكَل واعْتكل واحْتكَل بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: فِي لسانِه حُكلَةٌ أَي عُجمةٌ.
وَقَالَ شمر: الحُكلُ: العُجمُ من الطُّيُور والبهائم. وَقَالَ رؤبة:
لَو أنني أُعْطِيتُ عِلمَ الحُكْلِ
عِلْمَ سلَيمان كلامَ النَّمل
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحاكِل: المُخمِّن.
لحك: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْك: شدَّة لأْم الشَّيْء بالشَّيْء. تَقول: لُوحِكَت فَقار هَذِه النَّاقة. أَي دُوخِل بعضُها فِي بعض، والملاحَكة فِي البُنيان وَغَيره ملاءَمة. وَقَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة:
ودَأْيَاً تَلاحَك مثل الفُؤو
س لاَحَمَ فِيهِ السَّليلُ الفَقَارا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: لَحِكَ العسلَ يلْحَكه إِذا لَعِقه. وَأنْشد:
كَأَنَّمَا ألحَك فَاه الرُّبا
وَسمعت الْعَرَب تَقول: الدابَّة تكونُ فِي الرمل تشبه السَّمكة البَيْضاء كَأَنَّهَا شَحْمة مُشربة حُمْرة فَإِذا أحَسَّت بِإِنْسَان دارت فِي مَكَانهَا وَغَابَتْ. وَيُقَال لَهَا: بِنْت النَّقَا وَيُشبه بهَا بَنانُ العذارَى، وَتسَمى الحُلَكة واللُّحَكة، وَرُبمَا قَالُوا لَهَا اللُّحَكاء وَيُقَال لَهَا الحُلَكاء.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المُتلاحِكة: النَّاقة الشديدةُ الخَلْق، والمحبوكة مِثلُها لِأَنَّهَا أُدْمِجَت إدماجاً.
حلك: قَالَ اللَّيْث: الحَلَك: شدَّة السّوادِ كلَون الغُرابِ. تَقول: إِنَّه لأشدُّ سواداً من حَلَك الغُراب. وَيُقَال للأسود الشَّديد السوَاد: حالكٌ وحُلْكوك، وَقد حَلَك يحلُك حُلوكا.
ابْن السكت عَن ابْن الْأَعرَابِي: أسْوَد حالك وحانِك ومُحْلَوْلك. وأسْودُ مثلُ حَلَكِ الغُراب وحَنكِ الْغُرَاب، وحُلْكوك ومُحْلَنْكك، والحُلَك: دابَّة قد مرَّ تفسيرُها.
كلح: اللَّيْث: الكُلوح: بُدوّ الْأَسْنَان عِنْد العبوس، وَقد كلَح كُلوحاً، وأكلَحَه الأمرُ وَقَالَ الله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 104) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الكالحُ: الَّذِي قد قَلَصَت شَفَتُه عَن أَسْنَانه نَحْو مَا ترى من رُؤُوس الغَنم إِذا بَرَزت الأسنانُ وتشمَّرَتِ الشِّفاه.
قلت: وَفِي بَيْضاء بني جَذِيمة ماءٌ يُقَال لَهُ كلح وَهُوَ شَروب عَلَيْهِ نَخل بَعْل قد رَسَخَتْ عروقُها فِي المَاء.
ودَهْر كالِح وكُلاح: شَدِيد. وَقَالَ لبيد:
وعِصْمةً فِي السَّنَة الكُلاح
وسَنةٌ كَلاحِ على فَعَالِ بِالْكَسْرِ إِذا كَانَت مُجْدبة.
وسمِعْتُ أعرابيّاً يَقُول لجمل رَغُوَ قد كَشَّر عَن أنيابه: (قَبَحَ الله كلَحَته) . يَعْنِي فَمَه

(4/63)


وأنيابَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَكَلَّحَ البرْقُ تَكلُّحا وَهُوَ دوامُ برقِه واسْتِسْراره فِي الغَمامة البَيْضاء وَهَذَا مثل قَوْلهم: تَكلَّح إِذا تبسَّم، وتبسَّمَ البرْقُ مثلُه.
لكح: ابْن دُريد: لَكَحَه يلكَحُه لكحاً إِذا ضربَه بيدِه شَبيهٌ بالوَكْز. وَأنْشد:
يَلْهَزُه طَوْراً وطَوْراً يَلكَحُ
حَتَّى تراهُ مائلاً يُرَنَّح
ح ك ن
حنك، نكح: (مستعملات) .
نكح: قَالَ اللَّيْث: تَقول: نكحَ فلَان امّرأة يَنكِحُها نِكاحاً إِذا تزوَّجَها، ونكَحَها إِذا باضَعَها ينكِحُها أَيْضا، وَكَذَلِكَ دَحَمَها وخَجَأَها وَقَالَ الْأَعْشَى فِي نَكَحَ بِمَعْنى تزوَّج:
وَلَا تَقَرَبَنَّ جَارة إنَّ سِرَّها
عَلَيْك حرامٌ فانكِحَن أَو تأَبَّدَا
قَالَ: وامرأةٌ ناكحٌ بِغَيْر هَاء: ذاتُ زَوْج. وَأنْشد:
أحاطت بخُطَّاب الأيامَى فَطُلِّقت
غداتَئِذٍ مِنْهُنَّ مَن كَانَ ناكحا
وَيجوز فِي الشّعْر ناكحة.
وَقَالَ الطِّرِماح:
ومِثلُكَ ناحت عَلَيْهِ النسا
ءُ من بَينِ بِكْرٍ إِلَى ناكحه
قَالَ: وَكَانَ الرجل يأتى الحَيَّ خاطباً فَيقوم فِي نادِيهم فَيَقُول: خِطْبٌ أَي جِئْت خاطباً، فَيُقَال لَهُ: نِكْحٌ أَي قد أنكَحْناك.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ} (النُّور: 3) تأوِيلُه لَا يتزوجُ الزَّانِي إِلَّا زَانِيَة وَكَذَلِكَ الزَّانِيَة لَا يتزَوَّجُها إِلَّا زانٍ.
وَقد قَالَ قوم: معنى النِّكاح هَاهُنَا الْوَطْء، فَالْمَعْنى عِنْدهم الزّاني لَا يطَأ إِلَّا زَانِيَة، والزانيةُ لَا يَطَؤُهَا إلاّ زانٍ، قَالَ: وَهَذَا القَوْل يَبْعُد، لِأَنَّهُ لَا يُعرفُ شيءٌ من ذِكْر النِّكاح فِي كتاب الله إِلَّا على معنى التَّزْوِيج. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ} (النُّور: 32) . فَهَذَا تزوِيجٌ لَا شكَّ فِيهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {بِاللَّهِ وَكِيلاً ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن} (الأحزَاب: 49) فَأعْلم أنَّ عقد التَّزْوِيج يُسمى النِّكاح، وأكثرُ التَّفْسِير أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي قوم من الْمُسلمين فُقَرَاء بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ بهَا بَغَايا يَزْنين ويأخُذْن الأُجْرة فأرادُوا التزوُّج بِهن وعَوْلَهن فَأنْزل الله تَحْرِيم ذَلِك.
وَيُقَال: رجل نُكَحَةٌ إِذا كَانَ كثير النِّكاح. قلت: أصلُ النِّكاح فِي كَلَام الْعَرَب الوطْء، وَقيل للتزوُّج نِكاح لِأَنَّهُ سببُ الْوَطْء المُباح.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّه لنُكَحَة من قوم نُكَحاتٍ إِذا كَانَ شَدِيد النِّكاح.
وَيُقَال: نَكَحَ المطَرُ الأرضَ إِذا اعْتَمد عَلَيْهَا. ونَكَحَ النّعاسُ عَيْنه وناكَ المطرُ الأَرْض. وناكَ النعاسُ عينَه إِذا غلب عَلَيْهَا.
حنك: يُقَال: أَسْود حانِكٌ وحالِكٌ أَيْ شَديدُ السَّوادِ. وحَنَكُ الغُراب منقارُهُ.

(4/64)


والحَنَك: الْجَمَاعَة من الناسِ ينتجِعون بَلَدا يَرْعَوْنه. يُقَال: مَا ترك الأحْنَاكُ فِي أَرْضِنا شَيْئا يَعْنُون الْجَمَاعَات الْمَارَّة.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلَة:
إِنَّا وكُنَّا حَنَكاً نَجْدِيّا
لمَّا انْتَجَعْنا الوَرَقَ المَرْعِيَّا
فَلم نجد رُطْباً وَلَا لَوِيّا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحَنَكُ: الأسفَلُ، والفُقْمُ: الأعْلَى مِن الْفَم. يُقَال: أَخذ بفُقْمِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنَكانِ للأعْلى والأسفل. فَإِذا فَصَلُوهُما لم يكادوا يَقُولُونَ للأعْلَى حَنَك.
وَقَالَ حُمَيْدٌ يصف الفيلَ:
فالحَنَكُ الأعْلى طُوالٌ سَرْطَمُ
والحَنَكُ الْأَسْفَل مِنْهُ أَفْقَمُ
يُرِيد بِهِ الحَنَكَيْنِ.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} (الإسرَاء: 62) .
قَالَ الْفراء: يَقُول: لأسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِم إِلَّا قَلِيلا، يَعْنِي المعصومين.
وَقَالَ مُحَمَّد بنُ سَلاَّم: سألتُ يونُسَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: يُقَال: كَأَن فِي الأَرْض كَلأً فاحتنَكه الجَرادُ أَي أَتَى عَلَيْهِ. وَيَقُول أحَدُهُم: لم أجد لِجاماً فاحْتَنَكتُ دَابَّتِي أَي ألقيتُ فِي حَنَكها حَبْلا وقدته بِهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} . قَالَ: لأستأصِلَنَّهُم ولأستَمِيلَنَّهُمْ. واحتنَك فلانٌ مَا عِنْد فلانٍ أَي أَخذه كُله.
وَأَخْبرنِي المُنذرِيُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أنْشدهُ لزَبَّان بن سَيَّار الفزَاري:
فَإِن كنتَ تُشْكَى بالجِماحِ بن جَعْفَر
فإنَّ لدَينا مُلْجِمِينَ وحانِك
قَالَ تُشْكى: تُزَنّ. وحانك: مَن يدقّ حنَكه باللِّجَام.
سَلَمةُ عَن الْفراء: رجل حُنُك وَامْرَأَة حُنُكَة إِذا كَانَا لبيبَين عاقلين.
وَقَالَ: رجل مُحَنَّك وَهُوَ الَّذِي لَا يُسْتقلُّ مِنْهُ شَيْء مِمَّا قد عضَّته الْأُمُور.
والمُحْتَنِك: الرجل المتناهِي عقلُه وسِنُّه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُك: العُقلاء.
والحُنُك: الأكَلَة من النَّاس.
والحُنُك: خشب الرَّحْل.
قلت: الحُنُك: العقلاءُ، جمع حَنِيكٍ. يُقَال: رجل مَحْنوك وحَنِيك ومُحْتَنِك، ومُحْتَنَك إِذا كَانَ عَاقِلا. وَقَوله: الحُنُك: الْأكلَة من النَّاس جَمْع حانك وَهُوَ الآكِلُ بحَنَكه. وَأما الحُنُك: خشب الرّحْل فجَمْع حِناكٍ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال للقِدَّةِ الَّتِي تَضُمُّ العَرَاصيفَ: حُنْكة وحِناك.
اللَّيْث: يُقَال حَنَكَتُه السِّن إِذا نَبتَت أسنانُه الَّتِي تسمى أَسْنَان الْعقل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جرَّذَه الدَّهْر ودَلَكَه ووَعَسَه وحَنَّكه وعَرَكه ونَجَّذَه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُولُونَ: هم أهل الحُنْك والحِنْك والحَنَك والحُنْكة أَي أهل السن

(4/65)


والتجارب. قَالَ: والتَّحْنيك: أَن تُحَنَّك الدابةَ: تَغرِز عوداً فِي حَنَكه الْأَعْلَى أَو طرَف قرن حَتَّى يُدْميه لحَدَثٍ يحدث فِيهِ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُحنِّك أَوْلَاد الْأَنْصَار. قَالَ: والتَّحْنِيك أَن يَمْضُغ التَّمْر ثمَّ يَدْلِكه بحَنك الصبيّ داخلَ فِيهِ، يُقَال مِنْهُ حَنَّكْتُه وحَنَكتُه فَهُوَ مَحْنوك ومُحَنَّك. قَالَ ذَلِك شَمِر.
وَيُقَال: اسْتَحْنك الرجل إِذا اشْتَدَّ أكْله بعد قِلَّة.
والحِناك: وثاق يُرْبَط بِهِ الْأَسير وَهُوَ غلٌّ كلما جُذِب أصَاب حَنَكه.
وَقَالَ الرَّاعِي يَذكر رجلا مأسوراً:
إِذا مَا اشْتَكَى ظُلْمَ الْعَشِيرَة عَضَّه
حِناكٌ وقَرّاصٌ شَدِيد الشكائم
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: أحنَكهم عَن هَذَا الْأَمر إحناكا وأحكمَهم أَي رَدَّهم.
قَالَ: والحَنَكة: الرابية المشرفة من القُفِّ يُقَال: أَشرِف على هاتيك الحنكة، وَهِي نَحْو الفَلَكَة فِي الغِلَظ.
وَقَالَ أَبُو خيرة: الحَنَك: آكام صغَار مُرْتَفعَة كرِفعةِ الدّار المرتفعة، وَفِي حجارتها رَخاوة وبياضٌ كالكَذَّان.
وَقَالَ النَّضر: الحَنَكة: تَلٌّ غليظ وَطوله فِي السَّمَاء على وَجه الأَرْض مثل طول الرَّزن وهما شيءٌ وَاحِد.

(بَاب الْحَاء وَالْكَاف مَعَ الْفَاء)
ح ك ف
اسْتعْمل من وجوهه: كفح، كحف، حكف.
كفح: قَالَ اللَّيْث: المُكافَحَة: مُصادَفَة الوَجْه مُفاجأة وَأنْشد:
أَعاذِلَ مَنْ تُكْتَبْ لَهُ النّارُ يَلْقَهَا
كِفاحاً ومَنْ يُكْتَب لَهُ الخُلْدُ يَسْعَد
قَالَ وَتقول فِي التَّقْبِيل: كافَحَها كِفاحاً غَفْلَةً وِجاهاً. قَالَ: المُكافَحَةُ فِي الحَرْبِ: المضارَبَة تِلْقاءَ الوُجُوه. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيرة أنَّه سُئِل: أَتُقَبِّلُ وَأَنت صَائِم؟ فَقَالَ: نعم وأَكْفَحُها، وَبَعْضهمْ يَرْويه وأَقْحَفُها. قَالَ أَبُو عُبَيْد: مَنْ رَوَاهُ أَكْفَحُها أَرَادَ بالكَفْح اللِّقاءَ والمُباشرة لِلْجِلْد.
وكلّ مَنْ واجَهْتَه ولَقيته كَفَّةَ كَفَّة فقد كافَحْتَه كِفاحاً ومُكافَحَة.
وَقَالَ ابْنُ الرِّقاع:
تكافِحُ لَوْحاتِ الهَواجِر والضُّحَى
مكافَحَةً للمَنْخَرَيْنِ ولِلْفَم
قَالَ: ومَنْ رَوَى أَقْحَفُها أَرادَ: شُرْبَ الرِّيق. من قَحَفَ الرجلُ مَا فِي الْإِنَاء إِذا شَرِبَ مَا فِيهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: لقِيتُه كِفاحاً أَي مُواجَهَة.
وَقَالَ شمر: كَفِحَ فلانٌ عَنِّي أَي جَبُن.
والمُكافحة: المُواجهة بضَرْب أَو بِشيء. تَقول: كافَحْتُ فلَانا بالسَّيف أَي واجَهْتُه. وكافَحْتُه أَي قبَّلْتُه. وأَكْفَحْتُه عَنِّي أَي رَدَدْتُه وجَبَّنْتُه عَن الإقْدامِ عَلَيّ.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: كفَحْتُه بالعَصا بِالْحَاء أَي ضَرَبتُه. وَقَالَ شَمِر: الصّوابُ كفَخْته بِالْخَاءِ. قلت أَنا: كفَحْتُه بالعصا والسَّيْف

(4/66)


إِذا ضربْتُه مُواجَهَة، صَحِيحٌ، وكَفَخْتُه بالعصا إذَا ضَرَبْتَه لَا غير.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: أكْفَحْتُ الدَّابَّة إِذا تَلَقَّيْتَ فاهَا باللِّجام تَضْربُه بِهِ، وَهُوَ من قَوْلهم: لَقِيتُه كِفاحاً أَي اسْتَقْبَلْته كَفَّة كَفَّة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كَفَحْت الشيءَ، وكَثَحْتُه إِذا كشفت عَنهُ غِطاءه.
وَقَالَ ابْن شُمَيلٍ فِي تَفْسِير قَوْله: (أَعْطَيْت مُحَمَّدًا كفاحاً أَي كثيرا من الْأَشْيَاء من الدُّنْيَا والآخِرَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : كَفْحَةٌ من النَّاس وكَثْحَةٌ أَي جَماعة ليْسَت بِكَثِيرَة.
حكف: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو عَمْرو عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُكوفُ: الاسْتِرْخاءُ فِي العَمَل.
كحف: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: الكُحوفُ: الأعْضاء وَهِي القُحُوف.
ح ك ب
حبك، كحب، كبح: (مستعملات) .
حبك: قَالَ اللَّيْث: حَبَكْتُه بالسّيْف حَبْكا وَهُوَ ضَرْب فِي اللَّحْم دُونَ العَظْم.
ابْن هانىء عَن أبي زيد: يُقَال حَبَكْتُه بالسَّيْف حَبْكاً إِذا ضَرَبْتَه بِهِ.
اللَّيْث: إنَّه لمَحْبوكُ المَتْن والعَجُز إِذا كَانَ فِيهِ اسْتِوَاء مَعَ ارتِفَاع، وَأنْشد:
على كُل مَحْبوك السَّرَاةِ كأَنَّه
عُقابٌ هَوَتْ من مَرْقَبٍ وتَعَلَّتِ
وَقَالَ غَيره: فرسٌ مَحْبوكُ الكَفَلِ أَي مُدْمَجُه. قَالَ لبيد:
مُشْرِفُ الحارِكِ مَحْبوكُ الكَفَل
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لَوَاقِعٌ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} (الذّاريَات: 7) . قَالَ: الحُبُك: تَكسُّر كلِّ شَيْء كالرَّمْلة إِذا مَرَّت عليْهَا الرِّيحُ الساكنةُ وَالْمَاء القَائم، والدِّرْع من الحَدِيد لَهَا حُبُك أَيْضا. قَالَ: والشَّعْرَةُ الْجَعدة تكسُّرها حُبُك، وَوَاحِدُ الحُبُك حِباك وَحَبِيكَةٌ. وروى الثورِيُّ عَن عطَاء عَن سَعيد بن جُبَيْر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَوَاقِعٌ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} (الذّاريَات: 7) : ذَات الخَلْق الْحسن. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأهل اللّغة يَقُولُونَ: ذَات الطرائق الْحَسَنَة.
قَالَ: والمَحْبوك: مَا أُجيد عَمَلُه. وَقَالَ شَمِر: دابّة مَحْبوكَة إِذا كَانَت مُدْمَجَة الخَلْق.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِبَاكُ: ربَاطُ الحظيرة بقصبات تُعَرَّضُ ثمَّ تُشَدّ. تَقول: حَبَكْتُ الحَظِيرَةَ كَمَا تُحْبَك عُرُوش الكرْم بالحِبَالِ.
قَالَ: وحَبِيكُ البَيْضِ للرأس: طرائق حَدِيده، وَأنْشد:
والضارِبُون حَبِيكَ البَيْضِ إذْ لَحِقُوا
لَا يَنْكُصُون إِذا مَا استُلحِمُوا وحَموا
وَكَذَلِكَ طَرائِقُ الرَّمْلِ مِمَّا تَحْبكه الرِّيَاحُ إِذا جَرَت عَلَيْهِ.
ورُوِي عَن عائِشَة أنَّها كَانَت تَحْتَبِك تَحت دِرْعها فِي الصَّلاة. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الاحتباك: الاحتِباءُ لم يُعرف إِلَّا هَذَا. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَلَيْسَ للاحْتِبَاء

(4/67)


هَهُنَا معنى، وَلَكِن الاحْتِباك شَدُّ الْإِزَار وإحكامه، أرَادَ أَنَّهَا كَانَت لَا تُصلّي إلاّ مُؤْتَزِرَة.
قَالَ: وكلُّ شَيْء أَحْكَمْتَه وأَحْسَنْتَ عَمَلَه فقد احْتَبَكْتَه. قَالَ: وَيُقَال: للدَّابَّة إِذا كَانَ شَدِيد الْخلْق مَحْبُوك.
قلت: الَّذِي روَاهُ أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي الاحْتِباك أَنه الاحْتِباءُ غَلَطٌ وَالصَّوَاب الاحْتِياك باليَاءِ. يُقَال: احْتَاكَ يَحْتَاكَ احْتِياكاً وتَحَوَّكَ بِثَوْبِهِ إِذا احْتَبَى بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْن السّكيت وَغَيره عَن الْأَصْمَعِي بِالْيَاءِ.
قلت: الَّذِي يسبِقُ إِلَى وهمي أَن أَبَا عبيد كتب هَذَا الْحَرْف عَن الْأَصْمَعِي بِالْيَاءِ، فزلّ فِي النقط وتَوهَّمَه بَاء، والعالم وَإِن كَانَ غَايَة فِي الضَّبْط والإتقان فَإِنَّهُ لَا يكَاد يَخْلُو من زلَّة، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.
وَقَالَ شمر: الحُبْكَةُ. الحُجْزَةُ وَمِنْهَا أُخِذَ الاحْتِبَاكُ بِالْبَاء وَهُوَ شَدُّ الْإِزَار.
وَحكى عَن ابْن الْمُبَارك: أَنه قَالَ: جعلت سِوَاكي فِي حُبْكَتِي. أَي فِي حُجْزَتي. وَقَالَ غَيره: التَّحْبِيكُ: التوثيق وَقد حَبَّكْتُ الْعقْدَة أَي وثَّقْتُها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَا طَعِمْنَا عِنْده حَبَكة وَلَا لَبَكة. قَالَ وَبَعض يَقُول: عَبَكة قَالَ: والعَبَكة والحَبَكةَ: الحَبَّة من السَّوِيق. واللَّبَكَة: اللُّقْمَة من الثَّرِيدِ. قلت: وَلم أسمع حبكة بِمَعْنى عَبَكة لغير اللَّيْث، وَقد طلبته فِي بَاب الْعين والحاء لأبي تُرَاب فَلم أَجِدهُ. وَالْمَعْرُوف: مَا فِي نِحْيِه عبكة وَلَا عَبَقَة أَي لَطْخ من السّمن أَو الزَّيْت من عَبِقَ بِهِ وعَبِكَ بِهِ أَي لصق بِهِ.
كحب: قَالَ اللَّيْث: الكَحَب بلُغَة أهل الْيمن النَّوْرَة.
والحَبَّةُ مِنْهُ كَحْبَةٌ. قلت: هَذَا حرف صَحِيح. وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَيُقَال: كحَّب العِنَبُ إِذا انْعَقَد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَحْبُ والكَحْمُ: الحِصْرِمُ لُغَة يَمَانِية.
وروى سَلَمة عَن الْفراء: يُقَال: الدَّرَاهِم بَين يَدَيْهِ كاحِبَة إِذا واجهتك كَثِيرَة. قَالَ: وَالنَّار إِذا ارْتَفع لهبُهَا فَهِيَ كاحِبة.
كبح: قَالَ اللَّيْث: الكَبْح: كَبْحُك الدابةَ باللجام. وَقَالَ غَيره: كَبَحه عَن حَاجته كَبْحاً إِذا ردَّه عَنْهَا، وكبح الحائطُ السهمَ كَبْحاً إِذا أصَاب الْحَائِط حِين رمى بِهِ فَرده عَن وَجهه وَلم يَرْتَزَّ فِيهِ.
وَقيل لأعرابي: مَا للصَّقرِ يُحِبّ الأرنب مَا لَا يحب الخَرَب؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يكْبَحُ سَبَلَته بذَرْقِهِ فَيَرُدّه.
حكى ذَلِك الْأَصْمَعِي، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت صقراً كأَنما صُبَّ عَلَيْهِ وِخاف خِطْمِيٌّ من ذَرْق الحُبَارَى.
قَالَ: والكابحُ: مَن استقبلك مِمَّا يُتَطَيَّرُ مِنْهُ من تَيْسٍ وَغَيره، وَجمعه كوابِحُ. قَالَ البَعِيثُ:
ومُغْتدياتٍ بالنُّحوس كَوَابِح
ح ك م
حكم، حمك، كمح، كحم، محك: مستعملات.

(4/68)


حكم: قَالَ اللَّيْث: الحَكَم: الله تبَارك وَتَعَالَى، وَهُوَ أحكم الْحَاكِمين، وَهُوَ الْحَكِيم لَهُ الحُكْم.
قَالَ: والحُكم: العِلم والفِقْه {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} (مريَم: 12) أَي عِلْماً وفِقهاً، هَذَا لِيَحْيَى بن زكريَّا. وَكَذَلِكَ قَوْله:
الصَّمت حُكم وَقَلِيل فَاعله
والحُكم أَيْضا: القضاءُ بِالْعَدْلِ. وَقَالَ النَّابِغَة:
واحكُم كحُكْم فتاة الحيِّ إِذْ نظرت
إِلَى حَمام سِراعٍ وارِدِ الثَّمَد
قلت: وَمن صِفَات الله: الحَكَم، والحَكِيم والحاكِمُ وَهُوَ أَحكُم الْحَاكِمين، ومعاني هَذِه الْأَسْمَاء مُتَقَارِبَة وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ بهَا، وعلينا الْإِيمَان بِأَنَّهَا من أَسْمَائِهِ، والحكيم يجوز أَن يكون بِمَعْنى حاكِم، مثل قدير بِمَعْنى قَادر وَعَلِيم بِمَعْنى عَالم.
وَالْعرب تَقول: حَكَمْت وأَحْكمتُ وحكَّمت بِمَعْنى مَنَعْت ورددت، وَمن هَذَا قيل للْحَاكِم بَين النَّاس حَاكم: لِأَنَّهُ يمْنَع الظَّالِم من الظُّلم. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: حَكَم الله بَيْننَا، قَالَ الْأَصْمَعِي: أصل الحُكومة ردُّ الرجُل عَن الظُّلم، وَمِنْه سُمِّيت حَكَمةُ اللِّجام: لِأَنَّهَا تَرُدُّ الدَّابَّة. وَمِنْه قَول لبيد:
أحكمَ الجِنْثِيَّ من عَوْراتِها
كلُّ حِرْباءٍ إِذا أُكْرِه صَلّ
والجِنْثِيُّ: السَّيْف، الْمَعْنى ردَّ السيفَ عَن عَوْرَاتِ الدِّرع وَهِي فُرَجُها كلُّ حِرْباء، وَهُوَ المِسْمار الَّذِي يُسَمّر بِهِ حَلْقُها. وَرَوَاهُ غَيره:
أحكم الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها
كُل حِرباء ... ... .
الْمَعْنى أحرَزَ الجِنْثِيُّ وَهُوَ الزَّرَّاد مساميرها وَمعنى الإحكام حينئذٍ الإحْرازُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: حَكَم فلانٌ عَن الشَّيْء أَي رَجَعَ، وأحْكَمْتُه أَنا أَي رَجَعْتُه قلتُ: جعل ابْن الْأَعرَابِي حكم لَازِما كَمَا ترى كَمَا يُقَال: رَجَعتُه فرجعَ ونقصتُه فنقصَ، وَمَا سَمِعت حكم بِمَعْنى رَجَعَ لغير ابْن الْأَعرَابِي، وَهُوَ الثِّقَةُ الْمَأْمُون.
أَبُو عُبيد: عَن أبي عُبيدة: حَكَمتُ الْفرس وأَحْكمتُه بالْحكَمة، وروينا عَن إِبْرَاهِيم النَّخَعِي أَنه قَالَ: حكِّم الْيَتِيم كَمَا تُحكِّم وَلَدَك.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: حَكِّم الْيَتِيم أَي امْنَعْه من الْفساد وأصلِحْه كَمَا تُصْلِح ولدَك وكما تَمنعهُ من الْفساد.
قَالَ: وكلُّ مَنْ منعتَه من شَيْء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه.
قَالَ جرير:
بني حنيفَة أَحْكِمُوا سُفهاءَكم
إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم أنْ أَغْضبا
يَقُول: امْنَعوهم من التعرُّض.
قَالَ: ونَرى أنَّ حَكَمَة الدَّابَّة سُمِّيت بِهَذَا الْمَعْنى: لِأَنَّهَا تمنع الدَّابَّة من كثير من الْجَهْل.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هُود: 1) فَإِن التَّفْسِير جَاءَ أَنه أُحْكِمَت آيَاته

(4/69)


بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام، ثمَّ فُصلت بالوعد والوعيد، وَالْمعْنَى وَالله أعلم أَن آيَاته أُحْكِمَت وفُصِّلت بِجَمِيعِ مَا يُحتاج إِلَيْهِ من الدّلالة على تَوْحِيد الله وتثبيت نُبُوّة الْأَنْبِيَاء وَشَرَائِع الْإِسْلَام، والدليلُ على ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ} (الأنعَام: 38) .
وَقَالَ بَعضهم: الْحَكِيم فِي قَول الله: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (يُونس: 1) إنّه فَعِيل بِمَعْنى مُفْعَل واسْتَدل بقوله جلّ وعزّ: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ} .
قلت: وَهَذَا إِن شَاءَ الله كَمَا قيل: وَالْقُرْآن يُوضِّح بعضُه بَعْضًا، وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك وصوبناه: لِأَن حَكَمْتُ يكون بِمَعْنى أَحْكَمْت فرُدَّ إِلَى الأَصْل وَالله أعلم.
وروى شمر عَن أبي سعيد الضَّرير أَنه قَالَ فِي قَول النَّخَعِيِّ: حَكِّم الْيَتِيم كَمَا تُحَكِّم ولدَك مَعْنَاهُ حَكِّمْه فِي مَاله ومِلْكهِ إِذا صَلَح كَمَا تُحَكِّم ولدَك فِي مِلْكه.
قَالَ: وَلَا يكون حَكَّم بِمَعْنى أحكم لِأَنَّهُمَا ضدَّان.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو عُبيد، وَقَول الضَّرِير لَيْسَ بالمَرْضِيّ.
وَأما قولُ النَّابِغَة:
واحكم كَحكم فتاةِ الحَيِّ
فَإِن يَعْقُوب بن السِّكِّيت حكى عَن الرُّواة أَن مَعْنَاهُ كُنْ حَكِيماً كفتاة الحَيِّ أَي إِذا قُلت فأَصِبْ كَمَا أَصَابَت هَذِه المرأةُ إذْ نظرتْ إِلَى الحمَام فأَحْصَتْها وَلم تُخْطِىء فِي عَدَدها.
قَالَ: ويَدُلّك على أَن معنى احكم أَي كُن حكيماً قولُ النَّمِر بن تَوْلَب:
وأبغِضْ بغِيضَك بُغْضاً رُوَيداً
إِذا أَنْت حاولت أَن تَحْكُما
يُرِيد إِذا أردْت أَن تكون حكيما فَكُن كَذَا وَلَيْسَ من الحُكم فِي الْقَضَاء فِي شَيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا كَانَ حكيما: قد أَحْكَمَتْه التجارب.
قَالَ: واسْتَحْكَمَ فُلانٌ فِي مَال فلَان إِذا جَاز فِيهِ حُكْمه. وَالِاسْم الحُكومة والأُحْكُومةُ وَأنْشد:
ولَمِثلُ الَّذِي جَمَعت لريبِ الده
ر يَأْبَى حكومةَ المُقتالِ
أَي يَأْبَى حُكومةَ المُحْتكِم عَلَيْك وَهُوَ المُقْتَال.
قلت: وَمعنى الحُكومة فِي أَرْش الْجِرَاحَات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دِيَةٌ مَعْلُومَة أَن يُجْرحَ الإنسانُ فِي مَوضِع من بدنه بِمَا يبْقى شَيْنُه وَلَا يُبطِل العُضوَ فيقتاسُ الْحَاكِم أرْشَه بِأَن يَقُول: هَذَا الْمَجْرُوح لَو كَانَ عبدا غير مَشِين هَذَا الشَّيْنَ بِهَذِهِ الْجراحَة كَانَ قِيمَته ألفَ دِرْهَم، وَهُوَ مَعَ هَذَا الشَّيْن قِيمَتُه تِسْعُ مائَة دِرْهَم، فقد نَقصه الشَّيْنُ عُشْرَ قِيمَته فيجبُ على الْجَارِح فِي الحُرّ عُشرُ دِيَتِه. وَهَذَا وَمَا أشبهه معنى الحُكومة الَّتِي يستعملها الفُقَهاءُ فِي أرش الجِراحات فاعْلَمه.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحكيمُ: قَول الحَرُورِيَّة لَا حُكْمَ إِلَّا لله وَلَا حَكَمَ إِلَّا الله. وَيُقَال:

(4/70)


حَكَّمْنَا فلَانا بَيْننَا أَي أَجَزْنا حكمه بَيْننَا. وحاكمنا فلَانا إِلَى الله أَي دعوناه إِلَى حكم الله.
قَالَ اللَّيْث: وَبَلغنِي أَنه نُهِي أَن يُسَمَّى الرجلُ حَكَماً. قلت: وَقد سمَّى النَّاس حكيماً وَحَكَماً وَمَا علمت النَّهي عَن التَّسْمِيَة بهما صَحِيحا.
وَقَالَ اللَّيْث: حَكَمةُ اللِّجامِ: مَا أَحاطَ بحَنَكَيْه وَفِيهِمَا العِذَاران سُمِّي حَكَمَةً: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الدّابة من الجَرْي الشَّدِيد.
قَالَ: وفَرسٌ مَحْكومةٌ: فِي رَأسها حَكَمَة، وَأنْشد:
محكومة حَكمات القِدِّ والأَبَقَا
وَرَوَاهُ غيرُه:
قد أُحْكِمَت حَكماتِ القِدِّ والأبَقَا
وَهَذَا يدل على جَواز حَكَمْتُ الفَرَس وأَحْكَمْتُه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: وسَمَّى الأعْشى القَصِيدَة المُحْكَمة حَكيمة، فَقَالَ:
وغَرِيبَةٍ تَأتي المُلوكَ حَكِيمةً
قد قُلْتُها ليُقالَ مَنْ ذَا قالَها
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَكَمة: حَلْقة تكون على فَمِ الْفرس.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي: قِيلَ للْحاكم حاكِمٌ لأنّه يَمْنَعُ من الظُّلْمِ.
قَالَ: وحكَمْتُ الرَّجل وأَحْكَمْتُه وحَكَّمْتُه إِذا مَنَعْتَه.
قَالَ: وحَكَم الرجلُ يَحْكُم حُكْماً إِذا بَلَغ النِّهايَة فِي مَعْناه مَدْحاً لازِماً وَقَالَ مُرَقِّش:
يأتِي الشَّبابُ الأَقْوَرِين وَلاَ
تغْبِط أخاكَ أَنْ يُقَالَ حَكَم
أَي بَلَغ النِّهَايَة فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ: والمُحَكِّم الشَّارِي. والمُحَكِّم: الَّذِي يحكم فِي نَفْسه.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو عَدْنان: اسْتَحْكَم الرجل إِذا تَناهَى عَمَّا يَضُرُّه فِي دينه أَوْ دُنْياه وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لَمُسْتَحْكِمٌ جَزْلُ المُروءَةِ مُؤْمِنٌ
من القوْم لَا يَهْوَى الكلاَمَ اللَّواغِيا
قَالَ: وَيُقَال: حَكَّمْتُ فُلانا أَي أَطْلَقْتُ يَدَه فِيمَا شَاءَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَكَمَةُ: القُضَاةُ، والحَكَمَةُ: المُسْتَهْزِئون.
حمك: قَالَ اللَّيْث: الحَمَكُ من نعت الأَدِلاَّءِ تَقول: حَمِك يَحْمَكُ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: الحَمَكَة: القَمْلَة، وَجَمعهَا حَمَك.
وَقَالَ: قد يُقْتاسُ ذَلِك لِلذَّرَّة وَمن ذَلِك قِيلَ للصبيان: حَمَك صِغار.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إنَّه لمن حَمَكِهم أَي من أَنْذَالِهم وضُعَفائهم.
والفراخ تدعى حَمَكاً.
وَقَالَ الرَّاعي يصف فِراخَ القطا:
صَيْفِيَّةٌ حَمَكٌ حُمْرٌ حَواصِلُها
فَمَا تكادُ إلَى النَّقْناقِ تَرْتفِع
أَي لَا تَرْتَفِعُ إِلَى أُمَّهاتِها إِذا نَقْنَقَتْ.
وقَوْل الطِّرِمَّاحِ:

(4/71)


وَابْن سَبيلٍ قَرَّبْتُه أُصُلاً
من فَوْز حَمْكٍ مَنْسُوبَةٌ تُلُدُه
أَرَادَ من فوز قِداح حَمكٍ فَخَفَّفَه لِحَاجَتِهِ إِلَى الوَزْن، والرِّواية المَعْرُوفَة من فَوْز بُحَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَمَكَةُ: الصَّبِيَّةُ الصغيرةُ، وَهِي القَمْلَةُ الصغيرةُ.
محك: اللَّيْث: المَحْك: التَّمَادي واللِّجاجَة. يُقَال: تَماحَك البَيِّعان.
وَقَالَ غَيره: رَحل مَحِك ومُماحِك ومَحْكانُ إِذا كَانَ لَجُوجاً عَسِرَ الْخُلُق.
وَفِي (النَّوادِر) : رجل مُمْتَحِك وَرجل مُسْتَلْحِك ومُتَلاحِكٌ فِي الغَضَب، وَقد أَمْحَكَ وألكَدَ يكون ذَلِك فِي الغَضَب وَفِي البُخْل.
كمح: قَالَ اللَّيْث: الكَمْحُ: رَدُّ الفَرَسِ بِاللِّجام.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الكَمَحَة: الرَّاضَةُ.
وَقَالَ اللِّحياني: كَبَحْتُه باللِّجان وأَكْبَحْتُه وكَمَحْتُه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَكْمَحْتُ الدَّابَّة إِذا جَذَبْتَ عِنانَها حَتَّى تصيرَ مُنْتَصِبَةَ الرَّأْس.
قَالَ ذُو الرُّمَّة:
... والرأسُ مُكْمَح
قَالَ: وكبَحْتُها باللِّجام بِغَيْر ألف، وَهُوَ أنْ تَجْذِبَها إِلَيْك، فتَضْرِبَ فاها باللِّجامِ لكيلاَ تَجْرِي.
وَقَالَ اللِّحياني: إنَّه لمُكْمَح ومُكْبح أَي شامخٌ. وَقد أُكْبِح وأُكْمِح إِذا كَانَ كَذَلِك.
ابْن شُمَيْل: أكْمَحَت الزَّمَعَة إِذا مَا ابيَضَّت وخَرَجَ عَلَيْهَا مثلُ القُطْن فَذَلِك الإكماحُ، والزَّمَعُ: الأُبَنُ فِي مَخارج العناقيد. ذَكَرَهُ عَن الطَّائِفي.
أَبُو زَيْد: الكَيْمُوحُ، والكِيحُ: التُّرابُ.
يُقَال: لِفُلاَن الكِيحُ والكَيْمُوح، قَالَ: الكِيحُ: التُّرَابُ. والكَيْمُوح: المُشْرِفُ.
وَقَالَ غَيره: الكَوْمَحان: هما حَبْلاَن من حِبال الرَّمْل معروفان. قَالَ ابنُ مُقْبل:
أناخَ برَمْل الكومَحَيْن إنَاخَة الْ
يَمانِي قِلاَصاً حَطّ عَنْهُنْ أَكْوُرا
يصِفُ سحابا. وَالْعرب تَقول: احْثُ فِي فِيه الكَوْمَح يَعْنُون التُّراب.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَوْمَح: الرجل المُتراكِبُ الأسنَانِ فِي الفمِ حَتَّى كأنَّ فاهُ قد ضاقَ بأسنانِه. وَأنْشد:
أُهْجُ القُلاخَ واحْشُ فَاهُ الكَوْمَحا
تُرْباً فأَهْلٌ هُوَ أَنْ يُقَلَّحَا

(أَبْوَاب الْحَاء وَالْجِيم)
ح ج ش
شحج، جحش: (مستعملات) .
شحج: قَالَ اللَّيْث: الشِّحيجُ: صَوت البغلِ وبعضُ أصوات الحِمار تَقول: شَحَجَ البغلُ يَشْحَجُ شَحِيجاً، والغُراب يَشْحَجُ شَحَجاناً، وَهُوَ ترجِيعُه الصَّوتَ فَإِذا مَدَّ رَأسه قلت: نَعَب. وَيُقَال للبِغال: بنَاتُ شاحِجٍ وَبَنَات شحَّاج، وَيُقَال لحِمار الْوَحْش: مِشْحَج وشَحَّاج. وَقَالَ لَبِيد:

(4/72)


فَهُوَ شَحَّاجٌ مُدِلٌّ سَنِق
لَاحق البَطْنِ إِذا يَعْدُو زَمَل
وَقَالَ غَيره: يُقَال للعربان: مُسْتَشْحَجَات ومُسْتَشْحِجَات بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَالَ ذُو الرُّمَّة:
ومُسْتَشْحَجاتٍ بالفِراقِ كأنّها
مَثَاكِيلُ من صُيَّابَةِ النُّوبِ نُوَّحُ
وَهُوَ الشُّحَاجُ والشَّحِيجُ، والنُّهاقُ والنَّهِيقُ.
جحش: اللَّيْث: الجَحْشُ: من أَوْلَاد الْحمار كالمُهْرِ من الخَيْل والجميعُ الجِحَاش، وَالْعدَد جِحَشَة. الْأَصْمَعِي: الجَحْشُ: من أَوْلَاد الحَمِير من حِين تَضَعُه أُمُّه إِلَى أَن يُفْطَمَ من الرَّضاع، فَإِذا اسْتكْمل الحَوْلَ فَهُوَ تَوْلَب. وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْشَةُ يَتَّخِذُها الرَّاعي من صُوفة كالحَلْقة يُلقيها فِي يَده ليَغْزِلها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْشَةُ: الحَلْقَةُ من الوَبَر تكون فِي يَدِ الرَّاعي يَغْزِلُ مِنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الجِحاشُ: مُدَافَعَة الْإِنْسَان الشَّيْء عَن نَفسه وَعَن غَيره. وَقَالَ غَيره: هُوَ الجِحاشُ والجِحاسُ، وَقد جاحَشَه وجاحَسَه مُجاحَشَةً ومْجاحَسَةً إِذا قاتَلَه.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه سَقَطَ من فرس فجُحِش شِقُّه. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْكسَائي فِي (جَحَش) : هُوَ أَن يُصِيبَه شَيْء فَيَنْسَحِج مِنْهُ جلدُه وَهُوَ كالخَدْش أَو أَكْبَر من ذَلِك. يُقَال: جُحِش يُجْحَشُ فَهُوَ مَجْحُوش.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْش: الجِهادُ، قَالَ: وتُحوَّل الشين سِيناً، وَأنْشد:
يَوْمًا تَرَانا فِي عِراكِ الجَحْشِ
نَنْبُو بأجْلالِ الأُمُور الرُّبْشِ
أَي الدَّوَاهِي الْعِظَام.
والجَحْيش: الفريد. يُقَال: نزل فُلاَنٌ جَحِيشاً إِذا نزل حَرِيداً فريدا.
وَقَالَ شمر: الجَحِيشُ: الشِّقّ والنَّاحيةُ، يُقَال: نَزَل فلَان الجَحيشَ. قَالَ الْأَعْشَى:
إِذا نَزَل الحَيُّ حَلَّ الجَحِيشُ
شَقِيّاً مُبِيناً غَوِيّاً غَيُورا
قَالَ: وَيكون الرجل مَجْحُوشا إِذا أُصيب شِقُّه مُشْتَقّاً من هَذَا. قَالَ: وَلَا يكون الجَحْشُ فِي الْوَجْه وَلَا فِي الْبدن، وَأنْشد:
لجارتنا الجَنْبُ الجَحِيشُ وَلَا يُرَى
لجارَتِنَا منا أخٌ وصَدِيقُ
وَقَالَ الآخر:
إِذا الضَّيْفُ أَلْقَى نَعْلَه عَن شمَالِه
جَحِيشاً وصَلَّى النارَ حَقّاً مُلَثَّما
قَالَ: جَحِيشا أَي جانباً بَعيدا.
ح ج ض
اسْتعْمل من وجوهه: (حضج) .
حضج: قَالَ اللَّيْث: انْحَضَجَ الرجل إِذا ضَرَبَ بِنَفسِهِ الأرضَ، وَيُقَال ذَلِك إِذا اتَّسَع بَطْنُه، فَإِذا فعلتَ أَنْت بِهِ ذَلِك قلتَ: حضجتُه كأنّك أدخلت عَلَيْهِ مَا كَاد يَنْشَقُّ مِنْهُ. ورُوِي عَن أبي الدّرْداءِ أَنّه قَالَ فِي الرَّكعتين بعد الْعَصْر: (أَمَّا أَنا فَلَا أدَعهُما، فَمن شَاءَ أَنْ يَنْحَضِج فَلْيَنْحَضج) قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: أَن ينحضج يَعْنِي أَن يَنْقَدَّ من الغَيْظ ويَنْشَقَّ. وَمِنْه قيل للرّجل إِذا اتَّسَع

(4/73)


بطنُه وتَفَتَّقَ: قد انْحَضَج. وَيُقَال ذَلِك أَيْضا إِذا ضَرَب بِنَفسِهِ الأرضَ، فَإِذا فعلت بِهِ أنتَ ذَلِك، قلت: حَضَجْتُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يَنْحَضِجُ: يَضْطَجعُ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: أخذتُه فحَضَجْتُ بِهِ الأرضَ، أَي ضَرَبْتُ بِهِ الأَرْض. وَقَالَ مُزاحم:
إِذا مَا السوْطُ شَمَّر حالِبيْه
وقلَّص بُدْنُه بعد انْحضَاج
الحَالِبان: عِرْقان يكُونان من الخَصْرين يَعْنِي بعد انتِفاح وسِمَن. وَامْرَأَة مِحْضاج: واسعَةُ البَطْن.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضيجُ: المَاء الْقَلِيل. يُقَال: حِضْج وحَضْج. قَالَ أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: الحِضْجُ: الماءُ الَّذِي فِيهِ الطِّين يَتَمَطَّطُ. قَالَ: وأخبَرني أَبُو مَهْدِيّ قَالَ: سَمِعت هِمْيان بن قُحافة ينشده:
فأسْأرَتْ فِي الْحَوْض حِضْجاً حاضِجا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول رُؤْبة:
فِي ذِي عُبابٍ مالىء الأحضَاجِ
قَالَ: الأحضاجُ: الحِياضُ وَيُقَال: حِضْجُ الْوَادي: ناحِيَتُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: حَضَجَ إِذا عدا والمُحْضَجُ: الحائِدُ عَن السَّبِيل.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء قَالَ: المِحْضَبُ والمِحْضج والمِسْعَر: مَا يُحرَّك بِهِ النَّار. يُقَال: حَضَجْتُ النارَ وحَضبْتها.
أَبُو زيْد: حَضَجَ البعِيرُ بِحمْله وانْحضَجَت عَنهُ أداتُه انْحضاجا.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء: حَضَجتُ فلَانا ومغَثْتُه ومثْمَثْتُه وبرْطَلْته كُله بِمَعْنى غَرَّقْته. وَفِي الحَدِيث أنَّ بَغْلَةَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا تنَاول الْحَصَى ليَرْمِي بِهِ يَوْم حُنَيْن فَهِمَت مَا أَرَادَ فانْحضجَت أَي انْبسطَت، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا رَوى عَنهُ أَبُو العبَّاس، وَأنْشد:
ومُقَتَّتٍ حضجَتْ بِهِ أيّامُه
قد قاد بعْدُ قلائِصا وعِشارا
قَالَ: مُقَتِّتٌ: فَقير. حَضَجَت: قَالَ: انْبسطَت أَيَّامه فِي الفقّرِ فأغناه الله وَصَارَ ذَا مَال.
ح ج ص
أهملت وجوهه.
ح ج س
اسْتعْمل من وجوهه: سحج، سجح، جحس.
سحج: قَالَ اللَّيْث: سَحجْتُ رَأْسِي بالمُشْط سَحْجا وَهُوَ تسريحٌ لَيّن على فرْوة الرَّأْس.
قَالَ: والسَّحْجُ: أَن يُصِيب الشيءُ الشيءَ فيَسْحجُه أَي يقشِر مِنْهُ شَيْئا قَلِيلا كَمَا يُصيبُ الحافِرَ قبل الوَجَى سَحجٌ.
وانْسحج جِلدُه من شَيْء مرَّ بِهِ إِذا تَقشَّر الجلدُ الْأَعْلَى.
قَالَ: والسَّحْجُ فِي جرْي الدَّوابّ: دون الشَّدِيد. يُقَال: حمارٌ مِسْحجٌ ومِسحاجٌ. وَقَالَ النابِغة:
رَباعِيَةٌ أضَرَّ بهَا رَباعٌ
بِذاتِ الجِذْع مِسحاجٌ شَنُون
وَقَالَ غَيره: مَرَّ يسحَجُ أَي يُسْرع. وَقَالَ

(4/74)


مُزَاحِم:
على أثر الجُعْفِيِّ دهْرٌ وَقد أَتَى
لَهُ مُنْذُ ولَّى يَسْحَجُ السّير أرْبَعُ
وَقَالَ اللَّيْث: التَّسْحِيج: الكَدْمُ وَأنْشد:
قِلْواً ترى بِليتِه مُسحَّجاً
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ تَرَى بِليتِه تَسْحيجاً فَجعل مُسَحَّجاً مصدرا. والمُسحَّجُ: المُعضَّضُ وَهُوَ من سَحَج الْجلد.
سجح: قَالَ اللَّيْث: الإسجاح: حُسن العَفْو. وَمِنْه الْمثل السائر (ملكْتَ فأسْجِحْ) وَقَالَ أَبُو عُبيد: من أمثالِهم فِي العفْو عِنْد الْقُدْرَة: (مَلكْت فأسْجِح) قَالَ: هَذَا يُرْوى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قالته لِعلِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا يَوْم الْجمل حِين ظَهَر على النَّاس فدَنَا من هَوْدَجِها، ثمَّ كَلَّمها بِكَلَام، فأجابتْه: ملكْت فأسجِح أيْ ظفِرْت فأحْسِن، فجهَّزها عِنْد ذَلِك بأحْسن الْجِهازِ إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الأسْجحُ: الخَلْق المُعتَدِل الحَسَنُ. وَقَالَ اللَّيْث: (السَجَحُ) ليِّنُ الخدِّ، والنَّعت أسْجَح، وَأنْشد:
وخَدٌّ كمِرآة الغَرِيبة أسْجَح
قَالَ: وَيُقَال: مَشى فلانٌ مشْياً سجيحاً وسُجُحاً. وأنْشَدَ:
ذَرُوا التَّخاجى وامشوا مِشْيةً سُجُحاً
إنَّ الرِّجالَ أُولُو عَصْبٍ وتذْكيرِ
اللَّيْث: سَجَحَتِ الحَمامة وسَجَعَت قَالَ: ورُبما قَالُوا مُزْجِح فِي مُسْجِح كالأَزْدِ والأَسْد.
الأصمعيّ: بَنَى القومُ دُورَهم على سَجِيحَة وَاحِدَة وغِرارٍ وَاحِد أَي على قَدْرٍ وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: السَّجِيحَة: السَّجِيَّةُ والطَّبيعَةُ، قَالَه أَبُو زيد. قَالَ: وَيُقَال: خلّ عَن سُجْحِ الطَّرِيق أَي عَن سَنَنِه.
وَكَانَت فِي تَمِيم امْرَأَةٌ كَذَّابة أَيَّامَ مُسَيْلِمَة المْتَنَبِّىء فَتَنَبَّتْ هِيَ واسْمُها سَجاح. وبَلَغَني أنَّ مُسَيْلِمة لَعنه الله خطبَها. فتزوَّجَتْه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رَكِبَ فلَان سَجِيحَة رأيِه وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ لنَفسِهِ من الرّأْي فَرَكِبه.
وَفِي (النَّوادِرِ) : يُقَال: سَجَحْت لَهُ بِشَيْء من الْكَلَام، وسَرَحْتُ وسَجَّحْتُ، وسَرَّحْتُ، وسَنَحْتُ، وسَنَّحْتُ، إِذا كَانَ كلامٌ فِيهِ تَعْرِيض بِمَعْنى من المَعَانِي.
جحس: قَالَ ابْن السِّكِّيت: جاحَسَه وجاحَشَه إِذا قاتَلَه، وَأنْشد:
لَوْ عَاشَ قاسَى لكَ مَا أُقاسِي
وَالضَّرْب فِي يَوْم الوَغى الجِحاسِ
ح ج ز
اسْتعْمل من وجوهه: حجز، جزح.
حجز: قَالَ اللَّيْث: الحَجْزُ: أَن تَحْجِزَ بَين مُقَاتِلَيْن، والحِجازُ: الِاسْم وَكَذَلِكَ الحاجِزُ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} (النَّمل: 61) أَي حِجَازاً بَين مَاء مِلْحٍ وَمَاء عذب

(4/75)


لَا يَخْتلطان، وَذَلِكَ الْحجاز قُدرَةُ الله، قَالَ: وسُمِّي الحجَازُ حِجازاً، لِأَنَّهُ فَصَل بَين الغَوْر والشّأم وَبَين البادِية. قلت: سُمِّي الحِجَازُ حِجَازاً لأنّ الحِرارَ حَجزَت بَينه وَبَين عالِيَة نَجْد. وَقَالَ ابْن السِّكَّيت: مَا ارْتَفع عَن بطن الرُّمَّة فَهُوَ نجد، قَالَ: والرُّمة: وادٍ معْلُوم، قَالَ: وَهُوَ نَجْد إِلَى ثَنايَا ذاتِ عِرْق، قَالَ: وَمَا احْتَزَمَت بِهِ الحرَار حرَّة شَوْران وعامَّة منازِل بني سُلَيْم إِلَى الْمَدِينَة، فَمَا احتاز فِي ذَلِك الشق كُله حِجَاز. قَالَ: وطَرَف تِهامة من قِبَل الْحجاز: مَدارِج العَرْج، وأولها من قِبَل نَجْد مَدارج ذاتُ عِرْق. وَأَخْبرنِي المُنذِرِيّ عَن الصَّيداويّ عَن الرِّياشِيّ عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا عَرضَت لَك الحِرارُ بنَجْد فَذَلِك الْحجاز وَأنْشد:
وفَرُّوا بالحجازِ ليُعْجِزُوني
أَرَادَ بالحجاز الحِرارَ.
وَيُقَال للجِبالِ أَيْضا حِجاز، وَمِنْه قَوْلُه:
ونَحْن أُنَاسٌ لَا حِجاز بأرضنا
وَقَالَ أَبُو عُبيد: كَانَت بَين الْقَوْم رِمِّيَّا ثمَّ حجزت بَينهم حِجِّيزَى. يُرِيدُونَ كَانَ بَينهم رمي ثمَّ صَارُوا إِلَى المحاجزة قَالَ: والحِجِّيزَى من الحَجْزِ بَين اثْنَيْنِ. وَمن أمثالهم (إِن أردْت المُحَاجزة فَقبل المُناجزة) قَالَ: والمحاجزة: المسالمة، والمناجزة: الْقِتَال.
اللَّيْث: الحِجاز: حَبْل يُلقى للبعير من قِبَل رجلَيْهِ ثمَّ يُناخُ عَلَيْهِ يُشَدُّ بِهِ رُسغا رجلَيْهِ إِلَى حِقْوَيْه وعَجُزِه.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَجَزْت الْبَعِير أحْجِزُه حَجْزاً وَهُوَ أَن يُنِيخه ثمَّ يَشُدَّ حبلاً فِي أصل خُفّيْه جَمِيعًا من رِجْليه ثمَّ يرفع الْحَبل من تَحْتَهُ حَتَّى يَشُده على حِقْوَيْه وَذَلِكَ إِذا أَرَادَ أَن يرْتَفع خُفّه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
فهُنّ من بَين مَحْجُوزٍ بنافذةٍ
وقَائِظٍ وكِلاَ رَوْقَيْه مُخْتَضِبُ
الْأمَوِي: فِي الحَجْز مثله أَو نَحوه.
وَقَالَ شمر: المُحْتَجِزُ: الَّذِي قد شَدَّ وسَطه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال لكلِّ شَيْء يَشُدُّ بِهِ الرجُل وَسطه ليشمر ثِيَابه حِجاز قَالَ: وَقَالَ الإيادِي الاحْتِجازُ بِالثَّوْبِ: أَن يُدْرِجه الْإِنْسَان فيَشُدُّ بِهِ وَسطه، وَمِنْه أُخِذَتْ الحُجْزَة، وَقَالَت أُمُّ الرَّحَّال: إِن الْكَلَام لَا يُحْجَز فِي العِكْم كَمَا يُحْجَزُ العَباء. وَقَالَت: الحَجْزُ. أَن يُدْرج الحَبْل على العِكْم ثمَّ يُشَدُّ. والحَبْل هُوَ الحِجازُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُجْزَةُ: حَيْثُ يُثْنَى طَرَفُ الْإِزَار فِي لَوْثِ الْإِزَار، وَجمعه حُجُزَات.
قَالَ: وحُجْز الرجل: مَنْبتُه وأصْلُه، وحُجْزُه أَيْضا: فَصلُ مَا بَين فَخِذه والفَخِذ الْأُخْرَى من عشيرته، وَقَالَ رؤبة:
فامْدَح كريمَ المُنْتَمَى والحُجْز
وَقَالَ أَبُو عمر: الحُجْز: الأَصْل والنَّاحية، وَقَالَ غَيره: الحُجْز: الْعَشِيرَة يَحْتَجِز بهم، وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي:
كَرِيم المُنْتمَى والحُجْزِ
أَرَادَ أنَّه عفيف طَاهِر، كَقَوْل النَّابغة:
رِقَاقُ النِّعال طَيِّب حُجُزَاتهم

(4/76)


يُرِيد أَنهم أَعِفّاء عَن الْفُجُور.
ابْن السّكيت: انحجز الْقَوْم واحتَجَزوا إِذا أَتَوا الْحجاز.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الحَجَزُ والزَّنَجُ وَاحِد. يُقَال: حَجِزَ وزنِجَ وَهُوَ أَن تَقَبَّضَ أَمْعَاءُ الرَّجُل ومصارينُه من الظَّمأ، فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُكْثِر الشُّرْب وَلَا الطُّعْم.
جزح: أَبُو عبيد عَن أبي عمْرو: الجَزْحُ: العَطِيَّة يُقَال: جَزحْت لَهُ أَي أَعْطَيْتُه. وَأنْشد أَبُو عَمْرو لِابْنِ مُقْبل:
وإنِّي إذَا ضَنَّ الرَّفُود بِرِفْده
لمُخْتَبِط من تالد المالِ جازِحُ
وَقَالَ بَعضهم: جازحٌ أَي قاطعٌ أَي أَقْطَع لَهُ مِنْ مَالِي قِطعةً.
ح ج ط
جطح: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب للعنز إِذا استصْعَبَت على حالِبها: جِطِحْ أَي قِرِّي فتَقِرُّ.
ح ج د
حدج، جدح، جحد، دحج: مستعملة.
دحج: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: دَحَج إِذا جَامع.
جحد: قَالَ اللَّيْث: الجُحود: ضِدُّ الإقرارِ كالإنكار والمعرفة.
قَالَ: والجَحَد من الضِّيق والشُّحِّ. يُقَال: رجل جَحِد: قَليلُ الخَيْر.
وَقَالَ الْفراء: الجَحْد والجُحْد: الضِّيقُ فِي الْمَعيشَة. يُقَال: جَحِد عَيْشُهم جَحَداً إِذا ضاقَ واشتدَّ. وأنشدني بعضُ العرَب فِي الجُحْد:
لئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيْدَيْنِ مائِراً
لقد غَنِيَتْ فِي غير بُؤسٍ وَلَا جُحْد
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: أَجْحد الرجل وجَحَد إِذا أنْفَضَ وذَهَب مَالُه. وَأنْشد:
وبيضاءَ من أهل الْمَدِينَة لم تَذُقْ
يبيساً وَلم تَتْبَع حَمُولَةَ مُجْحِدقِ
أَبُو عُبَيد: فرس جَحْد، والأُنثى جَحْدَة والجميع جِحاد وَهُوَ الغليظُ القصيرُ.
وَقَالَ شمر: الجُحادِيَّة: قِرْبَةٌ مُلِئت لَبَناً أَو غرارة مُلِئَت تَمرا أَو حِنْطَةً. وَأنْشد:
وَحَتَّى تَرَى أنّ العَلاَةَ تُمِدّها
جُحَاديَّة والرائحاتُ الرَّواسم
وَقد مَرّ تَفْسِير الْبَيْت فِي مُعْتَلِّ العَيْنِ.
حدج: اللَّيْث: الحَدَج: حَمْلُ البِطِّيخ والحَنْظل مَا دَامَ رَطْباً، والواحدة حَدَجَة.
قَالَ: وَيُقَال: ذَلِك لحَسَك القُطْب مَا دَامَ رَطْباً، والحُدْج لُغَة فِيهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا اشْتَدَّ الْحَنْظَلُ وصَلُب فَهُوَ الحَدَجُ، وَاحِدهَا حَدَجَة، وَقد أحْدَجَت الشَّجَرَة قَالَ: ونحْوَ ذَلِك قَالَ أبُو الوَلِيد الْأَعرَابِي.
اللَّيْث: التَّحْديج: شِدَّة النَّظَر بَعْدَ رَوْعَة وفَزْعَة.
ورُوي عَن ابْن مَسْعُود أَنَّه قَالَ: (حَدِّثِ القَوْمَ مَا حَدَجُوك بأَبْصَارهم) .
قَالَ أَبُو عُبيد: يَعْنِي مَا أحدُّوا النّظر إِلَيْك. يُقَال: حدَجَني بِبَصره إِذا أحد النظَر إِلَيْهِ. قَالَ وَمِنْه حديثٌ يُروَى فِي المِعْراج (ألم

(4/77)


تَرَوْا إِلَى مَيِّتِكم حِين يَحْدِج ببصره فَإِنَّمَا يَنظُر إِلَى المِعْراج من حُسْنه) .
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
تُقَتِّلُنا مِنْهَا عُيونٌ كأَنها
عُيون المهَا مَا طَرْفُهن بحادِجِ
يُرِيد أَنَّهَا ساجِيَةُ الطَّرْف. قَالَ: وَالَّذِي يُرادُ من الحَدِيث أنَّه يَقُول: حدِّثهم مَا داموا يَشتهُون حَدِيثك ويَرمُونك بأَبصَارِهم. فَإِذا رَأيتَهُم مَلُّوا فَدَعهُم. قلت: وَهَذَا يَدلُّ على أنَّ الحَدِيث يكونُ فِي النَّظَر بِلَا رَوْعٍ وَلَا فَزَع.
ابْن السّكيت: حَدَجَه بسَهْم إِذا رَمَاه بِهِ. يُقَال: حَدَجَه بذَنْب غَيْره حَمَلَه عَلَيْه وَرَمَاه بِه، قَالَ: وَحَدج البعيرَ حَدْجاً إِذا شَدَّ عَلَيْهِ أَداته. وحَدَجَه ببصره إِذا رَمَاه بِهِ حَدْجاً وَقَالَ ابْن الفَرَج: حَدَجَه بالْعَصا حَدْجاً وحَبَجَه بهَا حَبْجاً إِذا ضَرَبُه بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِدْجُ: مركب لَيْسَ بِرَحْلٍ وَلَا هَوْدَج يركبه نساءُ الْأَعْرَاب، قَالَ: وحَدَجْتُ النَّاقَةَ أَحْدِجُها حَدْجاً، وَالْجمع حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ.
وَقَالَ شمر: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: أُنظر إِلَى هَذَا الْبَعِير الغُرْنُوقِ الَّذِي عليهِ الحِدَاجَةُ، قَالَ: وَلَا يُحْدَجُ الْبَعِير حَتَّى يكمُل فِيهِ الأداةُ وَهِي البِدادان والبِطانُ والحَقَبُ.
قلت: وسمعتُ العربَ تقولُ: حَدَجْتُ البعيرَ. إِذا شددتَ عَلَيْهِ حِدَاجَتَه، وَجمع الحِدَاجَةِ حَدائجُ، والعربُ تسمِّي مخالي القَتَب أَبِدَّةٌ واحِدُها بِدَادٌ، فَإِذا ضُمَّتْ وأُسِرَتْ وشُدَّتْ إِلَى أَقْتَابها مَحْشُوَّةً فَهِيَ حينئذٍ حِدَاجَة ويُسَمَّى الهَوْدَجُ المشدود فَوق القَتَب حَتَّى يُشَدُّ عَلَى الْبَعِير شَدّاً وَاحِدًا بِجَمِيعِ أَداته حِدْجاً وَجمعه حُدوج. وَيُقَال: أَحْدِج بعيرَك، أَي شُدَّ عَلَيْهِ قَتَبَهُ بأَداته.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم لِابْنِ السّكيت قَالَ: الحُدوجُ والأَحْداجُ والحَدَائجُ: مراكب النِّسَاء، وَاحِدهَا حِدْجٌ وحِداجةٌ. قلت وَالصَّوَاب: مَا فسَّرْتُه لَك وَلم يُفَرِّق ابنُ السّكيت: بَين الحِدْج والحِداجَة وَبَينهمَا فرق عِنْد الْعَرَب كَمَا بَينته لَك.
وَقَالَ ابْن السّكيت: سَمِعت أَبَا صاعد الْكلابِي يَقُول: قَالَ رجل من الْعَرَب لصاحبِه فِي أَتانٍ شَرُودٍ: إلْزَمْها رَمَاهَا الله بِرَاكِب قَلِيل الْحِداجَة بعيد الْحَاجة، أَرَادَ بالحِداجة أَدَاة القَتَب.
ورُوي عَن عمر أنهُ قَالَ: (حَجَّةً هَاهُنَا ثمَّ احْدِجْ هَاهُنَا حَتَّى تفْنَى) . قَالَ أَبُو عُبَيد: أحْدج هَهُنَا يَعْنِي إِلَى الْغَزْو. قَالَ والحَدْجُ شَدُّ الأحْمَالِ وتوسيقها يُقَال: حَدَجْتُ الْأَحْمَال أَحْدِجُها حَدْجاً وَالْوَاحد مِنْهَا حِدْج وَجَمعهَا حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
أَلاَ قُلْ لِمَيْثَاء مَا بالها
أَلِلْبَيْنِ تُحْدَجُ أَحمَالُهَا
قَالَ: ويُرْوى تُحْدَجُ أجمالُها أَي يُشَدُّ عَلَيْهَا قلت: معنى قَول عمر: ثمَّ أحْدِج هَهُنَا أَي شُدَّ الحِدَاجَةَ وَهُوَ القَتَب بأداته على الْبَعِير للغزو. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة

(4/78)


تُحدَجُ أَحمالُها وَأما حَدْجُ الأحمالِ بِمَعْنى توسيقها فَغير مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب وَهُوَ غلط. وَأما الحِدْجُ بِكَسْر الْحَاء، فَهُوَ مركَب من مراكب النِّسَاء نَحْو الهودج والمحفَّةُ ومنهُ الْبَيْت السائر:
شَرَّ يَوْمَيْها وأَغْوَاهُ لَهَا
ركِبَتْ عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلاَ
وَقَالَ الآخر:
فَخْرَ البَغِيّ بِحِدْج رَبَّ
تها إِذا مَا النَّاس شَلُّوا
شمر عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال: حَدَجْتُهُ بِبيع سوء إِذا فعلتَ ذَلِك بِهِ. قَالَ: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
حَدَجْتُ ابْن محدوج بستين بَكْرَةً
فلمَّا استَوَتْ رِجْلاهُ ضجَّ من الوِقر
قَالَ: وَهَذَا شعر امْرَأَة تزَوجهَا رجل عَلَى ستِّين بكْرة. وَقَالَ غَيره. حَدَجْتُه بِبيع سَوْء ومتاع سَوْء إِذا ألزمته بيعا غبنتَه فِيهِ. ومنهُ قَول الشَّاعِر:
يَعِجُّ ابنُ خِرْباقٍ من البيع بعد مَا
حَدَجْتُ ابْن خرباقٍ بجَرْباء نازعِ
قلت: جعله كبعير شُدَّ عليهِ حِداجته حِين ألزمهُ بَيْعاً لَا يقَالُ منهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: أهل اليمامةِ يُسمُّون بطيخاً عِنْدهم أخضرَ مثل مَا يكون عندنَا أَيَّام التِّيرمَاه بِالْبَصْرَةِ الحَدَج.
قَالَ. والحَدَجَةُ أَيْضا. طَائِر شَبيه بالقطَا وَأهل الْعرَاق يسمون هَذَا الطَّائِر الَّذِي نُسَمِّيهِ اللَّقْلقَ أَبَا حُدَيجٍ.
جدح: اللَّيْث: جَدَحَ السويقَ فِي اللَّبن وَنَحْوه إِذَا خاضه بالْمِجْدَح حَتَّى يختَلِط.
قَالَ: والْمِجْدَح: خَشَبَة فِي رَأْسها خشبتان مُعتَرِضتان.
قَالَ: وَالْمِجْدَح فِي أَمْر السَّماء يُقَال: تردُّدُ رَيِّق المَاء فِي السَّحَاب. يُقَال: أرْسلت السَّمَاء مَجَاديحَها. وَرُوِيَ عَن عُمَرَ أَنه خرج إِلَى الاسْتِسْقَاء فَصَعدَ الْمِنبر فَلم يزدْ على الاسْتِغْفَار حَتَّى نزل، فَقيل لَهُ: إِنَّك لم تسْتَسْقِ، فَقَالَ: لقد استسقَيْتُ بِمَجَادِيح السَّماء. قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ أَبُو عمْرو: الْمَجَاديحُ وَاحِدهَا مِجْدح وَهُوَ نَجْم من النُّجُوم كَانَت الْعَرَب تزْعم أَنه يُمْطَر بِهِ كَقَوْلِهِم فِي الأَنْوَاء، وَقَالَ الأُمَوِيّ: هُوَ الْمُجْدَحُ أَيْضا بالضَّم، وأنشدنا:
وأَطْعُنُ بالقوم شطر الْمُلو
ك حَتَّى إِذا خَفَقَ الْمِجْدَحُ
قَالَ: وَالَّذِي يُراد من الحَدِيث أَنه جعل الاسْتِغْفَار استسْقَاء، يتَأَوَّلُ قَول الله جلّ وعزّ: {لله فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ} (نوح: 10، 11) وَأَرَادَ عُمَرُ إبِْطَال الأنواء والتكذيبَ بهَا، لِأَنَّهُ جعل الاسْتِغْفَار هُوَ الَّذِي يُسْتَسْقَى بِهِ لَا الْمَجَاديحَ والأنواء الَّتِي كَانُوا يسْتَسْقُون بِها. وأَخبرني المُنْذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي قَالَ: المِجْدَحُ: نَجْم صَغِير بَين الدَّبَران والثُّريَّا. وَقَالَ شَمِر: الدَّبَران يُقَال لَهُ المِجْدَحُ

(4/79)


والتَّالي والتَّابع، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: نَدْعُو جَناحَي الجَوْزاء المِجْدَحَين. وَيُقَال: هِيَ ثَلَاثَة كَواكِب كَأَنَّهَا مِجْدح يُعْتبر بطلوعِها الْحَرُّ، وَمِنْه قَول الرَّاجز:
يَلْفَحُها المِجْدَحُ أَيَّ لفح
تلوذ مِنْهُ بجَنَاء الطَّلْح
قلت: وَأما مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير المجاديح أَنَّها تَرَدُّدُ رَيِّقِ المَاء فِي السَّحَاب فَبَاطِل، وَالْعرب لَا تعرفه.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: المَجْدوح: من أَطْعِمَة أهل الْجَاهِلِيَّة: كَانَ أحدهم يَعْمِد إِلَى النَّاقة فتُقْصَد لَهُ، ويأْخذ دَمَها فِي إِنَاء فيشربه.
ج ح ظ
أهملت وجوهه إِلَّا: جَحَظَ.
جحظ: قَالَ اللَّيْث: الجَحاظان: حدقتا العَين إِذا كَانَتَا خارجتين، وَقَالَ: عين جاحظة.
وَقَالَ غَيره: الجُحوظ: خروجُ المُقْلَة ونُتُوُّهَا من الحِجاج.
وَالْعرب تَقول: لأَجْحَظَنَّ إِلَيْك أَثر يدك، يعْنون بِهِ لأُرِيَنَّك سوء أثر يَدِك، وَيُقَال: جَحَظَ إِلَيْهِ عمله يُرَاد بِهِ أَنَّ عمله نظر فِي وَجهه فَذَكَّره سُوءَ صَنِيعه. وَيُقَال: رجل جاحِظُ الْعَينَيْنِ إِذا كَانَت حَدَقَتَاه خارجَتَيْن.
ح ج ذ
أهمل اللَّيْث هَذَا الْبَاب كلّه، وَقد استعمِل مِنْهُ: ذَحَجَ.
ذحج: أَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي العَبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: وَلَدَ أُدَدُ بن زيد بن مُرَّةَ بن يَشْجُب مُرَّةَ والأشعَر. وأمهما دَلَّةُ بنت ذِي مَنْجِشَان الحِمْيرَي فَهَلَكت فخلف على أُخْتها مُدِلَّة بنت ذِي مَنْجِشَان فَولدت مَالِكًا وطيِّئاً واسْمه جَلْهَمَة، ثمَّ هلك أُدَدُ فَلَنْ تتَزَوَّج مُدِلَّةُ وأقامت على ولديها مَالك وطَيء، فَقيل: أذْحَجَت على ولدِيها أَي أَقَامَت، فسُمِّي مَالك وطيِّءٌ مَذْحِجاً.
وَقَالَ غَيره: مَذْحِجٌ: أكَمة ولدتْهُما عِنْدهَا فسُمُّوا مَذْحجاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: ذَحَجَه وَسَحَجَه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وذَحَجَتْه الرّيح أَي جرَّتْه.
(ح ج ث)
أُهمِلت وجوهه، وَقد قَالَ بَعضهم:
(ثحج) : سَحَجَه وثَحَجَه إِذا جَرّه جرّاً شَدِيدا.
ح ج ر
حجر، حرج، جرح، جُحر، رجح: (مستعملات) .
حجر: قَالَ اللَّيْث: الحَجَر وجَمْعُهُ الحِجارة وَلَيْسَ بِقِيَاس، لِأَن الْحجر وَمَا أشبهه يُجْمَع على أَحْجَار، وَلَكِن يجوز الاستِحْسان فِي العربيَّة كَمَا أَنه يجوز فِي الفِقْه وتَرْكُ الْقيَاس لَهُ: كَمَا قَالَ الأعْشَى يمدح قوما:
لَا ناقِصِي حسبٍ وَلَا
أَيْدٍ إِذا مُدَّتْ قِصَارَه
قَالَ: وَمثله المِهارة والبكارة لجمع الْمهْر والبَكر، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَرَب تدخل الْهَاء فِي كل جمع على فِعَالٍ أَو فُعُول، وَإِنَّمَا زادوا هَذِه الْهَاء فِيهَا، لِأَنَّهُ إِذا سُكِت عَلَيْهِ اجْتمع فِيهِ عِنْد السَّكْتِ ساكنان، أَحدهمَا الْألف الَّتِي تنحَرُ آخر حرف فِي فِعال، وَالثَّانِي آخِر

(4/80)


فِعال المَسْكُوتُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: عِظَام وعِظَامَهُ ونِقادٌ ونِقَادَة، وَقَالُوا: فِحَالَة وحِبَالَة وذِكَارةٌ وذُكورَةٌ وفُحُولَةٌ وحُمُولَةٌ، قلتُ: وَهَذَا هُوَ العِلّةُ الَّتِي عَلَّلَها النحويون، فأَمّا الِاسْتِحْسَان الَّذِي شَبَّهَه بالاستحسان فِي الْفِقْه فَإِنَّهُ بَاطل.
وَيُقَال: رُمِي فلانٌ بِحجر الأَرْض إِذا رُمِي بِداهِيَة من الرِّجَال، ويُرْوَى عَن الأحْنَفِ بن قيس أَنه قَالَ لعَلي ح حِين سَمَّى مُعاوِيَةُ أحدَ الْحكمَيْنِ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِنَّك قد رُمِيت بِحجر الأَرْض فَاجْعَلْ مَعَه ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ لَا يَعْقِد عُقْدَةً إِلَّا حَلَّها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِجْر: حَطِيم مَكَّة كَأَنَّهُ حُجْرة مِمَّا يَلِي المَثْعَبَ من الْبَيْت.
قَالَ: وحِجْرٌ: مَوضِع ثَمُود الَّذِي كَانُوا ينزلونه.
قَالَ: وقَصَبَةُ الْيَمَامَة: حجْر بِفَتْح الْحَاء.
قَالَ: والحِجْرُ: اللُّبُّ والعَقْل.
قَالَ: والحِجْرُ والحُجْرُ لُغَتَانِ وَهُوَ الحَرام، قَالَ: وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يلقى الرجل يخافُه فِي الشَّهْر الْحَرَام فَيَقُول: حِجْراً مَحْجُوراً أَي حرامٌ مُحَرَّم عَلَيْك فِي هَذَا الشَّهْر فَلَا يَنْدَاهُ مِنْهُ شَرّ، قَالَ: فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رَأَى الْمُشْركُونَ الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: حِجْراً مَحْجُوراً، وظنوا أَن ذَلِك يَنْفَعهُمْ عِنْدهم كفعلهم فِي الدُّنْيَا وَأنْشد:
حَتَّى دَعَوْنا بأَرْحامٍ لَهُم سَلَفَتْ
وَقَالَ قائِلهُم إِنِّي بحاجُور
يَعْنِي بمعاذٍ.
يُقَال: أَنا مُسْتَمْسِك بِمَا يعيذني مِنْك ويَحْجُرُك عني، قَالَ: وعَلى قِيَاسه العاثُورُ وَهُوَ المَتْلَفُ.
قلت: أما مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير قَوْله جلّ وعزّ: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} (الفُرقان: 22) إِنَّه من قَول الْمُشْركين للْمَلَائكَة يَوْم الْقِيَامَة، فَإِن أهل التَّفْسِير الَّذين يُعتمدون مثل ابْن عَبَّاس وَأَصْحَابه فَسَّروه على غير مَا فَسَّرَهُ اللَّيْث، قَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا كُلّه من قَول الْمَلَائِكَة، قَالُوا للْمُشْرِكين: حِجْراً مَحْجُوراً أَي حُجِرَتْ عَلَيْكُم الْبُشْرَى فَلَا تُبَشَّرون بِخَير.
وأَخْبَرني المُنْذِريُّ عَن اليَزِيدِيِّ قَالَ: سمعتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُول فِي قَوْله: وَيَقُولُونَ حِجْراً. . تَم الْكَلَام، قَالَ الْحسن: هَذَا من قَول الْمُجْرمين، فَقَالَ الله: مَحْجُوراً عَلَيْهِم أَن يُعَاذُوا وَأَن يُجارُوا كَمَا كَانُوا يُعَاذُون فِي الدُّنْيَا ويُجارُون، فحجر الله ذَلِك عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقَالَ أحْمَد اللُّؤْلُؤيّ: بلغَني أَنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ: هَذَا كُله من قَول الْمَلَائِكَة، قلت: وَهَذَا أَشْبَهُ بِنظْم القُرآن المُنَزَّل بِلِسَان الْعَرَب، وأَحْرَى أَن يكون قولُه: (حِجْراً مَحْجُوراً) كلَاما وَاحِدًا لَا كَلاَمَيْن مَعَ إِضْمَار كَلَام لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وروى سَلَمَة عَن الفرّاء فِي قَوْله (حِجْراً مَحْجُوراً) أَي حَرَاماً مُحَرَّماً كَمَا تَقول: حَجَر التاجِرُ على غُلَامه، وحَجَر الرجل على أَهْله.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً، وقرئت (حُجْرا مَحْجُوراً) بضَمِّ الْحَاء، وَالْمعْنَى وَتقول

(4/81)


الْمَلَائِكَة: حجْراً مَحْجُوراً أَي حَرَاماً مُحَرَّماً عَلَيْهِم الْبُشْرَى.
قَالَ: وأصْلُ الحِجْرِ فِي اللُّغة مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ أَي منعتَه من أَن يوصَلَ إِلَيْهِ وكل مَا مَنَعْتَ مِنْهُ فقد حَجَرْت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَجْرُ الْحُكَّام على الأَيْتَام مَنْعُهم. وَكَذَلِكَ الحُجْرة الَّتِي يَنْزِلُها النَّاس وَهُوَ مَا حَوَّطُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقَال: حِجْراً مَحْجُوراً وحَجْراً مَحْجُوراً، قَالَ: وحَجْرُ الْإِنْسَان وحِجْرهُ بِالْفَتْح وَالْكَسْر.
وأَخْبَرَني المُنْذِرِيُّ عَن اليزيديِّ عَن أبي زَيْد فِي قَوْله: وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (الْأَنْعَام: 138) : حرامٌ. وَيَقُولُونَ: حِجْراً: حَرَامًا، قَالَ: والحاءُ فِي الحرفين بِالضَّمِّ وَالْكَسْر لُغتان. قَالَ: وقولُه: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ} (الحِجر: 80) بِلَاد ثَمُود يُقَال لَهَا حِجرٌ. وَفِي سُورَة النِّسَاء {فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ} (النِّساء: 23) وَاحِدهَا حَجْر بِفَتْح الْحَاء.
وَقَالَ غَيره: حَجْرُ المرأَةِ وحِجْرُهَا: حِضْنُها. قلت: وَيُقَال: فلَان حَجْر فلانٍ أَي فِي كَنَفَهِ ومَنَعَتِه ومَنْعِه، كُله وَاحِد، قَالَه أَبُو زيد، وَأنْشد لحَسّان بن ثَابت:
أُولَئِكَ قَوْمٌ لَوْ لَهُمْ قِيل أَنْقذُوا
أميرَكم أَلْفَيْتُموهُم أُولي حَجْر
أَي أُولي مَنَعَة.
ابْن السكِّيت: الحِجْر: الْفرس الأُنْثى، قلت: وَتجمع حُجُوراً وحُجُورَةً وأَحْجاراً، وَقيل: أَحجار الخَيْلِ: مَا اتُّخِذَ مِنْهَا لِلنَّسْل وَلَا يكادون يُفْردون الْوَاحِدَة، قلت: بَلَى، يُقَال: هَذِه حِجرٌ من أَحْجار خَيْلي يُرَاد بالحِجْر الفرسُ الْأُنْثَى خاصَّة جعلوها كالمُحرّمَة الرَّحِم إلاَّ على حِصان كريم. وَقَالَ لي أَعْرَابيٌّ من بني مُضَرِّس وأَشار إِلَى فرس لَهُ أُنثى فَقَالَ: هَذِه الحِجْر من جِياد خَيْلِنا.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحْجَر: المَحْرَم، والمَحْجِر من الوَجْه: حَيْثُ يَقع عَلَيْهِ النِّقَاب، وَقَالَ: مَا بَدَا لَك من النقاب مَحْجِر، وَأنْشد:
وكَأَنَّ مَحْجِرَها سِراجُ المُوقِدِ
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: المحجر: الحَرامُ وَأنْشد بَيت حُمَيد:
فهمَمْتُ أَنْ أَغْشَى إِلَيْهَا مَحْجِراً
ولَمَثْلُها يُغُشَى إِلَيْهِ المَحْجِرُ
يَقُول: لَمَثْلُها يُؤْتى إِلَيْهِ الحرامُ.
وَأَخْبرنِي المُنْذِريّ عَن الصَّيّداوِيّ أَنَّه سَمع عَبُّويَة يَقُول: المَحْجَر (بِفَتْح الْجِيم) : الحُرمَة وَأنْشد:
وَهَمَمْتُ أَن أَغْشَى إِلَيْهَا مَحْجَراً
قَالَ: والمَحْجِر: الْعين.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المَحْجِر: المرعى المنخفض.
قَالَ وَقيل لبَعْضهِم: أيُّ الْإِبِل أبقى على السَّنَة؟ فَقَالَ: ابْنَةُ لَبُون، قيل: لِمَه؟ قَالَ: لِأَنَّهَا ترعى مَحْجِراً وتَتْرُك وسطا.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: المَحْجِر هَهُنَا النَّاحِيَة.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: المحاجِرُ.

(4/82)


الحدائق وَاحِدهَا مَحْجِر. قَالَ لَبيدٌ:
تَرْوِي المحاجِرَ بازِلٌ عُلْكُوم
العُلْكُومُ: الضخمة من الْإِبِل القوية.
قَالَ: والحاجِرُ مِنْ مسايل الْمِيَاه ومنابت العُشْبِ: مَا اسْتَدَارَ بِهِ سَنَدٌ أَو نهرٌ مُرْتَفع والجميع الحُجْرانُ، وَقَالَ رؤبة:
حَتَّى إِذا مَا هاج حُجْران الذَّرَقْ
قلت: وَمن هَذَا قيل لهَذَا الْمنزل الَّذِي فِي طَرِيق مَكَّة حاجِرٌ. وَأما قَول العجَّاج:
وجارةُ البيتِ لَهَا حُجْرِيُّ
فَمَعْنَاه: لَهَا حُرْمَة
والحَجْرَة: النَّاحِيَة، ومَثَل للْعَرَب (فُلانٌ يَرْعَى وسطا ويَرْبِضُ حَجْرةً) . وَمِنْه قَول الْحَارِث بن حِلِّزة:
عَنَناً باطِلاً وظُلْماً كَمَا تُعْ
تَرُ عَن حَجْرَة الرَّبِيض الظِّباءُ
وحَجْرَتَا العَسْكر: جانباه من المَيْمَنة والمَيْسَرة. وَقَالَ:
إِذا اجْتَمعُوا فَضَضْنَا حَجْرَتَيْهِم
ونَجْمَعَهُم إِذا كَانُوا بَدادِ
وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول للحَجَر الأُحْجُرّ على أُفعلّ. وَأنْشد:
يرْمِينِي الضَّعيفُ بالأُحْجُرّ
قَالَ: ومِثْلُه. هُوَ أُكْبُرّهُمُ أَي أَكْبَرَهُم. وَفرس أُطْمُرٌّ وأُتْرُجٌّ يشدِّدون آخر الْحَرْف.
وَيُقَال: تَحَجَّرَ عَلَيَّ مَا وسَّعَهُ الله أَي حَرَّمه وضَيَّقه. وَفِي الحَدِيث: (لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) .
وَفِي النَّوَادِر يُقَال: أَمْسَى المالُ مُحْتَجِرة بُطُونُه وتَجَبَّرتْ. ومالٌ مُتَشَدِّد ومُتَجَبِّر وَيُقَال: احتجر الْبَعِير احتجاراً، واحتجر من المالِ كُلُّ مَا كَرَّشَ وَبلغ نِصْف البِطْنَة وَلم يبلغ الشِّبَع كُله، فَإِذا بلغ نِصْف البِطْنَة لم يُقَلْ، فَإِذا رَجَعَ بعد سُوء حَال وعَجَفٍ فقد اجْرَوَّش وناس مَجْرَوِّشون.
وَمن أَسمَاء الْعَرَب: حُجْرٌ، وحَجَر، وحَجَّار. ومُحَجِّر: اسْم مَوضِع بِعَيْنِه.
ومَحْجِرُ القَيْل: من أقْيَال اليَمَنَ: حَوْزَتُه وناحيته الَّتِي لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهَا غَيره. وَتجمع الحُجْرة حُجْرات وحُجُراتٍ وحُجَراتِ لُغَات كلهَا.
وَقَالَ ابْن السكِّيت: يُقَال لِلرَّجل إِذا كثُر مَاله وعدده: قد انتشرت حَجْرَتُه وَقد ارْتَعَجَ مَاله وارْتَعَجَ عدده.
جُحر: قَالَ اللَّيْث: الجُحْرُ لكل شَيْء يُحْتَفر فِي الأَرْض إِذا لم يكن من عِظام الْخلق والجميع الجِحَرَةُ. وَتقول: أَجْحَرْتُه فانجحر أَي أدخلته الجُحْر، وَيُقَال: اجْتحر لنَفسِهِ جُحْراً. قَالَ: وَيجوز فِي الشِّعر. جَحَرَتِ الهَناةُ فِي جِحَرَتها. وَأنْشد:
جَواحِرُها فِي صَرَّةٍ لم تَزَيَّل
وَقَالَ أَبُو عُبيد: جَواحِرُها: مُتَخَلِّفاتُها.
قَالَ والْجَحْرَة: السَّنَة الشَّديدة.
وَقَالَ زُهَيْر:
ونالَ كِرَامَ النَّاس فِي الْجَحْرَة الأكْلُ
وَقَالَ اللَّيْث: قيل لَهَا جَحْرة لِأَنَّهَا تَجْحرُ النَّاس. وَيُقَال: أَجْحَرَت نُجُومُ الشِّتاء إِذا لم تمْطُر. وَقَالَ الراجز:

(4/83)


إِذا الشِّتَاءُ أَجْحَرَتْ نُجُومُه
واشْتَدَّ فِي غير ثَرًى أُرُومُه
والمُجْحَر: المُضْطَرّ المُلْجَأ، وَأنْشد:
... نحْمِي المُجْحَرِينا
وَيُقَال: جَحَرَ عَنَّا خَيْرُك أَي تَخَلَّف فَلم يُصِبنا.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: جَحَرَت الشَّمْس للغروب. قَالَ: وجَحَرَت الشمسُ إِذا ارْتَفَعت فأَزا الظِّلُّ. وجَحَرَ الربيعُ إِذا لم يُصِبْك مَطَرُه.
والجَحْرَة: السَّنَة.
ورُوِي عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: إِذا حاضَتِ الْمَرْأَة حَرُمَ الجُحْرَانِ، هَكَذَا رَوَاهُ بعض النَّاس بِكَسْر النُّون وَذهب بِمَعْنَاهُ إِلَى فَرْجِها ودُبُرها. (وَقَالَ) بعضُ أهل الْعلم: إِنَّمَا هُوَ الجُحْرانُ بِضَم النُّون اسْم للقُبُل خَاصَّة.
حرج: الحَرَجُ: المَأْثَم، وَرجل حَارِجٌ: آثِم، وَرجل حَرَج وحَرِج: ضَيِّقُ الصَّدْر، وَأنْشد:
لَا حَرِجُ الصَدْرِ وَلَا عَنِيفُ
وقَوْلُ الله: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} (الأنعَام: 125) وَقد حَرِجَ صَدْرُه أَي ضَاقَ فَلم يَنْشَرِح لخِير.
وَرجل مُتَحَرِّج: كافٌّ عَن الإِثْم. وَقَالَ الفَرّاء: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس وَعمر {ضَيِّقاً حَرَجاً وَقرأَهَا النَّاس (حَرِجاً) ، قَالَ: والحَرَج فِيمَا فَسّر ابنُ عَبَّاس هُوَ المَوْضِع الْكثير الشَّجَر الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الرّاعِيَة، قَالَ: وَكَذَلِكَ صَدْرُ الكافِرِ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الحِكْمَةُ، قَالَ: وَهُوَ فِي كَسره ونصبه بِمَنْزِلَة الوَحَدِ والوَحِد، والفَرَد والفَرِد، والدَّنَفِ والدَّنِف. وَقَالَ الزّجاج: الحَرَجُ فِي اللُّغَة: أَضْيَق الضِّيق، وَمَعْنَاهُ أَنه ضَيِّقٌ جِدّاً، ومَنْ قَالَ: رَجُل حَرَجُ الصَّدْرِ فَمَعْنَاه ذُو حَرَج فِي صَدره، ومَنْ قَالَ: حَرِج جَعَلَه فَاعِلا، وَكَذَلِكَ رَجُل دَنَفٌ ذُو دَنَفٍ ودَنِفٌ نَعْتٌ.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: الحِراجُ: غِياضٌ من شجر السّلَم مُلْتَفَّة، واحدتها حَرَجَة، والحَرَجَة من شدَّة التفافها لَا يَقْدِرُ أَحَد أَن يَنْفُذَ فِيهَا، وَقَالَ العَجَّاجُ:
عايَنَ حَيّاً كالحِراج نَعَمُهُ
وَقَالَ اللَّيْث: أَحْرَجْتُ فلَانا: صَيَّرْتُه إِلَى الحَرَج، وَهُوَ الضِّيقُ، وَقَالَ غَيْرُه: أَحْرَجْتُ فلَانا أَي أَلْجَأْتُه إِلَى مَضِيق، وَكَذَلِكَ أَجْحَرْته وأَجْرَذْتُه بِمَعْنى وَاحِد. وَقَوْلهمْ: رجل مُتَحَرِّج كَقَوْلِك: رجل مُتأثِّم ومُتَحوّب ومْتَحَنِّث: يُلْقِي الحَرَجَ والإِثْمَ والحُوبَ والحِنْثَ عَن نَفسه، وَرجل مُتَلَوِّم إِذا تَرَبَّصَ بِالْأَمر يُرِيغُ إلْقاء المَلاَمة عَن نَفسه، وَهَذِه حُروف جَاءَت مَعَانِيهَا مُخَالفَة لألْفاظها قَالَ ذَلِك أَحْمد بن يحيى.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لِلْغُبارِ السّاطع المُنْضم إِلَى حائِط أَو سَنَد قد حَرِجَ إِلَيْهِ وَأنْشد:
وغارَةٍ يَحْرَجُ القَتامُ لَهَا
يَهْلِكُ فِيهَا المُنَاجِدُ البَطَلُ

(4/84)


وَيُقَال: أَحْرَجَنِي إِلَى كَذَا وَكَذَا فحَرِجْت إِلَيْهِ أَي انْضَمَمْت، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: تَحْرَجُ العَيْن أَي تَحار، وَقَالَ اللَّيْث: معنى تَحْرَجُ العَيْن: لَا تَطْرِف وَلَا تَنْصَرِف، وَأنْشد قَوْلَ ذِي الرُّمّة:
وتَحْرَجُ العَيْنُ فِيهَا حِين تَنْتَقِبُ
قَالَ: والحِرْجُ: قِلادَةُ كلب، وثَلاثَةُ أَحْرِجَة، وتُجْمَع على أَحْراج وكِلابٌ مُحرَّجَة أَي مُقَلَّدَة، وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوله يصف الثور وَالْكلاب:
طاوِي الحَشَا قَصَرَتْ عَنهُ مُحَرَّجَة)
قَالَ: مُحَرَّجة: فِي أعناقها حِرْجٌ، وَهُوَ الوَدَع، والوَدَع: خَرَز يُعَلَّق فِي أعناقها. وَقَالَ أَبُو سَعِيد: الحِرْجُ بِكَسْر الْحَاء: نَصِيب الكَلْب من الصَّيْد، وَهُوَ مَا أَشْبَه الْأَطْرَاف من الرَّأْس والكُراع والبَطْن، وَالْكلاب تطمع فِيهَا، وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
يَبْتَدِرْنَ الأَحْراج كَالثَّوْل والحِرْ
جُ لِرَبِّ الكِلاب يَصْطَفِدُهْ
يَصْطَفِدُه أَي يَدَّخِره ويَجْعَله صَفَداً لنَفسِهِ ويَخْتارُه، شَبَّه الْكلاب فِي سُرْعتها بالزنابير وَهِي الثَّوْلُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أَحْرِجْ لِكَلْبك من صَيْده فَإِنَّهُ أَدْعَى لَهُ إِلَى الصَّيْد.
وَقَالَ المُفَضَّل: الحِرْج: حِبال تُنْصَبُ للسَّبُع، وَقَالَ الشَّاعِر:
وشَرُّ النَّدامَى مَنْ تَبِيتُ ثِيابُه
مُخَفَّفَةً كأَنها حِرْجُ حابِلِ
وَيُقَال: حَرِجَ عَلَيَّ ظُلمك أَي حَرُم، وَيُقَال: أَحْرَجَ امْرَأَتَه بطَلْقَة أَي حَرَّمَها وَيُقَال: أكْسَعَها بالمُحْرِجات، يُرِيد بِثَلاَث تَطْلِيقَات.
والحَرَج: سَرِير الميِّت.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَرَج: خشب يُشَدّ بعضُه إِلَى بعض يُحمل فِيهِ المَوْتَى.
وَقَالَ امرُؤُ الْقَيْس:
على حَرَج كالقَرّ تَخْفِقُ أكفانِي
وَأما قَول عنترة:
يَتْبَعْن قُلَّةَ رَأسه وكأنَّه
حَرَجٌ على نَعْش لَهُنَّ مُخَيَّمُ
فَإِنَّهُ وصف نَعامَةً يَتْبَعُها رِئالُها وَهِي تَبْسُط جناحيها وتَجْعَلُها تحتهَا.
وحَرَجُ النَّعْش: شِجارٌ من خَشَب جُعِلَ فَوق نَعْش الميِّت: وَهُوَ سَرِيره.
والحَرَجُ أَيْضا: مَرْكَبٌ من مراكب النِّسَاء كالهَوْدَج.
والحَرَج: الضّامر من الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُرْجوج: الضامر من الْإِبِل وَجمعه حَرَاجيحُ، والحَرَجُ مثلهَا. والحَرَجُ: أَن يَنْظُر الرجل فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَتَحَرَّك من مَكَانَهُ فَرَقا وغَيْظا. وَأَجَازَ بَعضهم: نَاقَة حُرْجُجٌ بِمَعْنى الحُرْجوج.
وَقَالَ غَيره: حِراجُ الظَّلْماء: مَا كَثُف والْتَفّ. وَقَالَ ابْن ميّادة:
أَلا طَرَقَتْنا أُمُّ أَوْس ودونها
حِراجٌ من الظَّلماء يَعْشَى غُرابُها
خص الغُراب لحدّة بَصَره، يَقُول: فَإِذا لم يُبْصر فِيهَا الْغُرَاب مَعَ حدَّة بَصَره فَمَا ظنُّك بِغَيْرِهِ.

(4/85)


وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْجوجُ: النَّاقة الوقَّادة الْقلب، قَالَ: والحَرَج من الْإِبِل: الَّتِي لَا تُركب وَلَا يَضْرِبها الْفَحْل ليَكُون أسمن لَهَا، إِنَّمَا هِيَ مُعَدّة. قلت: وَالْقَوْل فِي الحُرْجوج والحَرَج مَا قَالَه أَبُو عُبيد رِوَايَة عَن أبي عَمْرو، وَقَول اللَّيْث مَدْخُول.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: (وحَرْثٌ حِرْجٌ) وَقَرَأَ النَّاس: {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (الأنعَام: 138) ، حَدثنَا حَاتِم بن مَحْبُوب عَن عبد الجبَّار عَن سُفيان عَن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (وحَرْث حِرْجٌ) أَي حرَام.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِرْج: الودَعَة، والحِرْجُ بِمَعْنى الحِجْر: الْحَرَام، والحِرْج: مَا يلقَى للكلب من صَيْده، والحِرْجُ: القِلاَدة لكل حَيَوَان، والحِرْجُ: الثِّيَاب الَّتِي تُبْسَط على حَبْل لتجِفّ وجمعُها حِراجٌ فِي جَمِيعهَا.
وحَرَّجَ فُلان على فلَان إِذا ضيّق عَلَيْهِ.
جرح: اللَّيْث: الجَرْح: الفِعْل، تَقول: جَرَحْتُه جَرْحا، وَأَنا أجْرَحه، والجُرْح: الِاسْم، والجِراحة: الْوَاحِدَة من طَعْنَة أَو ضَرْبة، وقولُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (العجماء جَرْحُها جُبار) بِفَتْح الْجِيم لَا غير.
وَقَول اللَّيْث: الجِراحة الْوَاحِدَة خطأ، وَلَكِن يُقَال: جُرْح وجِراح وجِراحة، كَمَا يُقَال: حِجارة وجمالة وحِبالة لجَمْع الحَجَر والحَبْل والجمل.
وَقَالَ اللَّيْث: جوارِح الْإِنْسَان: عوامِل جسده من يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، واحدتها جارحة. والجوارِحُ من الطير والسِّباع: ذواتُ الصَّيْد، الْوَاحِدَة جارحة: فالبازي جارحة، وَالْكَلب الضَّاري جارحة: سُمِّيت جوارِح لِأَنَّهَا كواسِبُ أنفُسِها من قَوْلك: جَرَحَ واجتَرَح إِذا اكْتسب.
قَالَ الله: {يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ} (الجاثية: 21) .
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ} (المَائدة: 4) فَفِيهِ مَحْذوف أَرَادَ جلّ وعزّ: وأحلَّ لكم صيد مَا عَلَّمْتم من الجَوارِح فَحذف لِأَن فِي الْكَلَام دَلِيلا عَلَيْهِ، وَيُقَال: جَرَحَ الْحَاكِم الشَّاهِد إِذا عثَر مِنْهُ على مَا تسقُطُ بِهِ عَدَالَته من كذب وَغَيره، وَقد استُجْرِح الشَّاهِدُ.
ورُوِي عَن بعض التَّابِعِين أَنه قَالَ: كثُرت هَذِه الأحاديثُ واسْتَجْرَحتْ أَي فَسدتْ وقَلَّ صِحاحُها.
وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان: وعَظْتكم فَلم تزدادوا بِالْمَوْعِظَةِ إِلَّا اسْتِجْراحاً أَي فَسَادًا.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: يُقال: لإناث الخَيْل جوارحُ، واحدتُها جارحة: لِأَنَّهَا تُكْسِبُ أَرْبَابهَا نِتَاجَها. وَيُقَال: مَا لَهُ جارِحَة أَي مَا لَهُ أُنْثَى ذاتُ رَحِم تحمِل، وَمَا لَهُ جارِحَة أَي مَا لَهُ كاسِب. وَفُلَان يَجْرَحُ لِعِيَالِهِ ويَجْتَرِح، ويَقْرِش ويَقْتَرِش بِمَعْنى وَاحِد.
ابْن شُمَيل: جوارح المَال: مَا وَلَد يُقَال: هَذِه الْجَارِيَة، وَهَذِه الْفرس والنَّاقة والأتان من جوارح المَال أَي أَنَّهَا شابَّةٌ مُقْبلة الرَّحم والشَّباب، يُرْجَى ولَدُها.
رجح: قَالَ اللَّيْث: الراجِح: الوازِن. يُقَال:

(4/86)


رَجَحتُ الشيءَ بيَدي أَي وزنتُه وَنظرت مَا ثِقْلُه، وأرْجَحتُ الْمِيزَان أَي أثقَلتُه حَتَّى مَال، ورَجَح الشيءُ نفسُه يَرْجَح رُجْحانا ورُجُوحا وَيُقَال: زِنْ وأرْجِح وأَعْطِ راجحا، وحِلْم راجِح: يَرْزُن بِصَاحِبِهِ فَلَا يُخِفُّه شَيْء.
والأُرْجُوحة هِيَ المَرْجوحة الَّتِي يُلْعَب بهَا. وأراجيح الإبِل: اهتزازُها فِي رَتَكانها، وَأنْشد:
على رَبِذٍ سَهْوِ الأراجيح مِرْجَم
وَالْفِعْل الارتِجاح والتَّرجُّح، وَهُوَ التَّذَبْذُب بَين شَيْئَيْنِ.
والمِرجاحُ من الْإِبِل: ذُو الأراجيح.
وَقوم مراجيحُ: حُلماءُ، واحدهم مِرْجاح ومِرْجَح.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
من شباب تراهُمُ غيرَ مِيلٍ
وكُهُولا مراجِحاً أحلاما
غَيره: كتائِبُ رجُحٌ: جرّارة ثَقيلَة. وجِفان رُجُحٌ: مَمْلُوءَة من الثَّريد وَاللَّحم.
قَالَ لبيد:
وَإِذا شَتَوْا عادَتْ على جِيرانهم
رُجُحٌ يُوَفِّيها مَرابِعُ كُومُ
أَي قِصاعٌ يَمْلَؤُها نوقٌ مَرابِع، وَقَالَ فِي الكتائِبِ:
بِكَتائبٍ رُجُحٍ تَعَوَّدَ كَبْشُها
نَطْحَ الكِباش كَأَنَّهُن نُجومُ
ونخيلٌ مَراجيح إِذا كَانَت مَواقِيرَ، وَقَالَ الطِرمَّاح:
نَخْل القُرى شالَتْ مراجِيحُه
بالوِقْر فانْدالَتْ بِأَكْمامِها
اندالت: تدلت أكمامها حِين ثقل ثمارها عَلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَراجِيحُ: الفَلَوات كَأَنَّهَا تَتَرَجَّح بمَنْ سَار فِيهَا أَي تُطَوِّح بِهِ يَمِينا وَشمَالًا وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
بِلاَلٍ أَبي عَمْرو وَقد كَانَ بَيْننَا
أراجِيحُ يَحْسِرْنَ القِلاَص النَّواجِيا
أَي فيافٍ تَرَجَّح برُكْبانها
قلت: وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا ثَقُلت روادِفُها فتَذَبْذَبَت هِيَ تَرْتَجِح عَلَيْهَا، وَمِنْه قَوْله:
ومَأْكَماتٍ يَرْتَجِحْن وُرَّمَا
وَيُقَال للحبل الَّذِي يُتَرجَّح فِيهِ: الرُّجّاحة والنُّوّاعة والنُّوّاطة والطُّوّاحة.
ح ج ل
حجل، جحل، حلج، لحج، جلح، لجح: مستعملات.
حجل: قَالَ اللَّيْث: الحَجَلُ: القَبَج، الْوَاحِدَة حَجَلة. وسمعتُ بعض الْعَرَب يَقُول: قَالَت القَطا للحَجَل: حَجَلْ حَجَلْ، تَفِرُّ فِي الْجَبَل، من خشيَة الرَّجل. فَقَالَت الحجَل للقطا: قَطَاقَطَا، بَيْضُكِ ثِنْتا، وبَيْضِي مِائَتا. قلت: الحَجَل: إناث اليَعاقِيب، واليَعاقِيبُ: ذُكورها، ورَوى ابنُ شُمَيْل حَدِيثا أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (اللَّهُمّ إِنِّي أَدعو قُريْشًا وَقد جعَلوا طَعَامي كطعام الحَجَل) . قَالَ النَّضْر: الحَجَل هُوَ القَبَج يَأْكُل الحبّة بعد الحبّة لَا يَجِدّ. قلت: أَرَادَ أَنهم لَا يَجِدّون فِي إجَابَتِي، وَلَا يَدْخُل

(4/87)


مِنْهُم فِي دين الله إِلَّا الخَطِيئَةُ بعد الْخَطِيئَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَجَلَة للعَرُوس، والجميع الحِجال. وَقَالَ الفرزدق:
رَقَدْن عَلَيْهِنَّ الحِجالُ المُسَجَّف
قَالَ: الحِجال وَهِي جمَاعَة، ثمَّ قَالَ: المُسَجَّف فذَكَّر: لِأَن لفظ الحِجال لفظُ الْوَاحِد مثل الجِدار والجِراب، وَمثله قَول الله: {وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ} (يس: 78) وَلم يَقُل: رَمِيمة.
اللَّيْث: الحَجْل: مشي المُقَيَّد، قَالَ: وَالْإِنْسَان إِذا رفع رجلا وتوثَّب فِي مَشْيه على رِجْل فقد حَجَلَ، ونَزَوان الغُراب: حَجْلُه. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد: أَنْت مَوْلَانَا فحَجَلَ. قَالَ أَبُو عُبيد: الحَجْل: أَن يَرْفَع رِجْلاً ويقفِزَ على الْأُخْرَى من الْفَرح، وَقد يكون بالرِّجْلَين جَمِيعًا إِلَّا أَنه قَفزٌ وَلَيْسَ بمَشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَجْل والحِجْل لُغَتَانِ، وَهُوَ الخَلْخال، قَالَ: وحِجْلا القَيْدِ: حَلْقَتاه. الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: الحِجْل: الْخَلْخال: وَجمعه حُجُول، وَنَحْو ذَلِك رَوَى أَبُو عُبيد عَن أَصْحَابه حِجْل بِكَسْر الْحَاء، وَمَا علمتُ أحدا أجَاز الحِجْل غير مَا قَالَه اللَّيْث وَهُوَ غَلَط. وَقَالَ عَدِيّ:
أعاذِلُ قد لاقيتُ مَا يَزَعُ الفَتَى
وطابقتُ فِي الحِجْلين مَشْيَ المُقَيَّد
وَقَالَ ابْن السّكّيت: حَجَل يَحْجُلُ حَجْلاً إِذا مَشَى فِي القَيْد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَن المُفَضَّل أنْشدهُ:
إِذا حُجِّلَ المِقْرَى يكون وفاؤُه
تَمامَ الَّذِي تَهْوِي إِلَيْهِ المَوَارِد
قَالَ: المِقْرى: القَدَح الَّذِي يُقْرَى فِيهِ، وتَحْجِيلُه: أَن تَصُبَّ فِيهِ لُبَيْنَة قَليلَة قَدْر تَحْجِيل الْفرس ثمَّ يُوَفَّى المِقْرى بِالْمَاءِ، وَذَلِكَ فِي الجُدُوبة وعَوَز اللّبن. وَقَالَ أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: إِذا حُجِّل المِقْرى أَي سُتِر بالحَجَلة ضَنّاً بِهِ ليشربوه هم.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحْجِيل: بَيَاض فِي قَوائم الفرَسِ. تَقول: فرس مُحَجَّل، وَفرس بادٍ حُجولُه، قَالَ الْأَعْشَى:
تَعَالَوْا فإنّ العِلْمَ عِنْد ذَوي النُّهى
من النَّاس كالبَلْقَاء بادٍ حُجُولُها
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُحَجَّلُ من الْخَيل: أَن تكون قوائمه الْأَرْبَع بِيضاً يبلغ الْبيَاض مِنْهَا ثُلُث الوَظِيف وَنصفه أَو ثُلثَيْهِ بعد أَن يتَجَاوَز الأَرْساغ، وَلَا يَبْلُغ الرُّكْبَتَين والعُرْقُوبين، فَيُقَال: مُحَجَّل القوائم فَإِن بلغ البياضُ من التحجيل رُكبَة الْيَد وعُرْقُوبَ الرِّجْل فَهُوَ فرس مُجَبَّب، فَإِن كَانَ الْبيَاض بِرِجْليه دون الْيَد فَهُوَ مُحَجَّل إِن جَاوز الأرساغ، وَإِن كَانَ البَيَاضُ بِيَدَيْه دون رجلَيْهِ فَهُوَ أَعْصَمُ، فَإِن كَانَ فِي ثلاثِ قوائمَ دون رِجْل أَو دون يَدٍ فَهُوَ مُحَجَّل الثَّلَاث مُطْلَق الْيَد أَو الرِّجل، وَلَا يكون التَّحْجِيل وَاقعا بِيَدٍ وَلَا يَدَيْن إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو مَعَهُمَا رجل أَو رجلَانِ.
قلت: وأُخِذ تحجيلُ الْخَيل من الحِجْل وَهُوَ حَلْقة القَيْد، جُعِلَ ذَلِك الْبيَاض فِي

(4/88)


قَوَائِمهَا بِمَنْزِلَة القُيُود، وجَمْع الحِجْل حُجُول.
وَيُقَال: أَحْجَلَ الرَّجُلُ بَعِيرَه إحجالا إِذا أطلق قيدَه من يَده اليُمنى وشَدّه فِي الأُخْرى. وحَجَّل فلَان أمرَه تَحْجِيلا إِذا شَهَرَه، وَمِنْه قَول الْجَعدِيّ يهجو لَيْلَى الأَخْيَليَّة:
أَلاَ حَيِّيَا ليلَى وقولا لَهَا هَلاَ
فقد رَكِبتْ أَمراً أَغَرّ مُحَجَّلا
وضَرْع مُحجَّل: بِهِ تَحجيل من أثر الصِّرار، وَقَالَ أَبُو النَّجم:
عَن ذِي قَرَاميصَ لَهَا مُحَجَّلِ
وحَجَّلَتِ المرأَةُ بنانَها إِذا لَوَّنَت خضابها.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: نَعجةٌ حَجْلاء، وَهِي البيضاءُ الأَوْظِفة وسائرها أَسْود.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحُجَيْلاَءُ: المَاء الَّذِي لَا تصيبه الشَّمْس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْجَلة: مَا كَانَ من القوارِير من صغارها واسعَ الرَّأْس، وَأنْشد:
كأنَّ عَيْنَيْهِ من الغُؤُورِ
قَلْتَان أَوْ حَوْجَلَتا قَارُور
أَبُو الْعَبَّاس: عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَواجِل: القوارِيرُ، والسَّواجِل: غُلُفها، وَأنْشد ابْن الْأَنْبَارِي:
نَهْج تَرَى حوله بَيْضَ القَطَا قَبَصاً
كأنّه بالأفاحِيص الحَواجيلُ
حواجِلٌ مُلِئَت زَيتاً مُجَرَّدَة
لَيست عليهنّ من خُوص سَواجِيلُ
قَالَ: القَبَصُ: الجماعاتُ والقِطَع، والسّواجيلُ: الغُلُف، وَاحِدهَا ساجُول وسَوْجَل.
قَالَ: وحَجَل الإبِل: صِغارُ أَوْلَادهَا وحَشْوُها، قَالَ لَبِيد:
لَهَا حَجَلٌ قد قرّعَت من رُؤوسه
لَهَا فوقَه ممّا تَحلَّب واشل
قَالَ ابْن السِّكِّيت: اسْتعَار الحَجل فَجَعلهَا صِغار الْإِبِل.
والتَّحجيل والصّليبُ: سِمَتان من سِماتِ الْإِبِل.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يصف إبِلا:
يَلُوحُ بهَا تَحجيلُها وصَليبُها
وَأما قَول الشَّاعِر:
ألم تَعْلَمي أنّا إِذا القِدْر حُجِّلَت
وأُلْقِي عَن وَجْه الفَتاةِ سُتُورُها
حُجّلت القِدْر أَي سُتِرت كَمَا تُسْتَر العَرُوس فَلَا تَبْرُز.
وَيُقَال: حَجَلَتْ عينُه وحَجَّلَت إِذا غارت، وَأنْشد أَبُو عُبيدة:
حَواجِلُ العُيون كالقِداح
وَقَالَ آخر فِي الْإِفْرَاد دون الْإِضَافَة:
حَواجِلٌ غائِرَة العُيون
جحل: اللَّيْث: الجَحْل: ضرب من اليعاسِيب من صغارها، والجميع الجِحْلان.
أَبُو عُبيد عَن الفرّاء: الجَحْلُ: ضَرْب من الحِرْباء.
الحرّاني عَن ابْن السّكّيت قَالَ: الجَحْل هُوَ من الضِّبابِ: الضَّخم.

(4/89)


أَبُو زيد: الجَحْلُ السِّقاء الضَّخْم أَو الزّقّ، قَالَ: والجَحْل: صَرْعُ الرجلِ صَاحبه. يُقَال: جَحَلَه جَحْلا إِذا صَرَعَه.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: ضَرَبَه ضَرْبا فجَحَلَه، وَيُقَال بِالتَّشْدِيدِ: جَحَّله إِذا صَرَعَه.
ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْلاء من النوق: الْعَظِيمَة الْخلق.
قَالَ: والجُحال: السُّمُّ.
والجَحْلُ: السَّيِّد من الرِّجَال. والجَحْل: ولدُ الضَّبّ. والجَحْل: يَعْسُوب النَّحْل.
لحج: قَالَ اللَّيْث: اللَّحَجُ: الغَمَصُ نَفسه.
واللحْج مجزوم هُوَ المَيْلُولة، وَيُقَال: التَحَجُوا إِلَى كَذَا وَكَذَا، وألْحَجَهُم إِلَيْهِ كَذَا أَي أمالهم وَأنْشد قَول العجاج:
أَوْ تَلْحَجُ الألسُنُ فِينَا مَلْحَجا
أَي تَقول فِينَا فتميل عَن الحَسَنِ إِلَى الْقَبِيح.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: لَحْوَجْتُ الخبَر لَحْوجة: خَلَّطْتُه عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْفراء: لَحّجَهُ تلْحِيجاً إِذا أظهر غير مَا فِي نَفسه.
الْأَصْمَعِي وَغَيره: أَتَى فلَان فلَانا فَلم يجد عِنْده مَوئِلا وَلَا مُلْتَحجاً وَأنْشد:
حُبَّ الضَّرِيكِ تِلاَدَ المالَ زَرَّمَه
فَقْرٌ وَلم يتَّخِذ فِي النَّاس مُلْتَحَجَا
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: ألحاجُ الْوَادي: نواحيه وأطرافه، وَاحِدهَا لُحْجُ.
غَيره: لَحِجَ الشَّيْء إِذا ضَاقَ، ولحِجَتْ عينُه، وَقَالَ الشَّمّاخ:
بخَوْصَاوَيْنِ فِي لُحْجٍ كَنينِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لزوايا الْبَيْت: الألْحاجُ والأدْحال والجوازي والحراسم والأخصام والأكسار والمَزْوِيّاتُ.
قَالَ: والملاحِيج: الطّرق الضيقة فِي الْجبَال.
وَفِي (النَّوَادِر) : لحجه بالعصا إِذا ضربه، ولحجَه بِعَيْنِه.
لجح: أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: اللُّجْحُ الْجِيم قبل الْحَاء: الشَّيْء يكون فِي الْوَادي نحوٌ من الدَّحْل فِي أَسْفَله وأسفل الْبِئْر والجبل كَأَنَّهُ نَقْب.
قَالَ شمر: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
بادٍ نواحِيه شَطُون اللُّجْح
قَالَ: وَالْقَصِيدَة على الْحَاء. وَأَصله اللحج الْحَاء قبل الْجِيم فقُلِب.
جلح: الجَلحُ: ذهَاب الشّعْر من مُقدَّم الرَّأْس، والنعت أَجْلَج وجَلْحَاءُ. أَبُو عُبيد: إِذا انحسر الشّعْر عَن جَانِبي الْجَبْهَة فَهُوَ أنْزَع، فَإِن زَاد قَلِيلا فَهُوَ أَجْلَحُ، فَإِذا بلغ النّصْف وَنَحْوه فَهُوَ أجْلَى ثمَّ هُوَ أَجْلَه، وَجمع الأَجْلح جُلْحٌ وجُلْحان.
اللَّيْث: جُلاح: اسمُ أبي أُحَيْحة بن الجُلاح الخزرجي.
قَالَ: والتَّجْليح: التَّصْميم فِي الأمْر والمُضِيُّ، يُقَال: جَلَّح فِي الْأَمر فَهُوَ مُجَلِّح.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَلَّح على الْقَوْم تَجْليحا إِذا

(4/90)


حَمَل عَلَيْهِم، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
عصافِيرٌ وذِبَّان ودُودٌ
وأَجْرَأُ من مُجَلِّحَة الذِّئَاب
وَقَالَ لبِيد يصف فَلاةً:
فكُنَّ سفينَها وضَرَبْنَ جَأْشاً
لخَمْسٍ فِي مُجَلِّحة أَزُومِ
أَي مفازة مُنكَشِفة بالشرّ.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المُجَلِّح: الْكثير الْأكل، والمُجَلَّح: المأْكُول، وَقَالَ ابْن مُقْبل:
... إِذا اغْبَرَّ العِضاهُ المُجَلَّحُ
وَهُوَ الَّذِي أُكِل حَتَّى لم يُتْرَك مِنْهُ شَيْء.
قَالَ ابْن السّكيت: جَلَحَ المالُ الشجرَ يَجْلَحُه جَلْحاً إِذا أكل أَعْلَاهُ. قَالَ: والمجلوح: الْمَأْكُول رأسُه وَأنْشد:
أَلا ازْحَمِيه زَحْمةً فَرُوحي
وجاوِزِي ذَا السَّحَمِ المجلُوح
المأْكُول رَأسه.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّاقة المجْلاحُ هُوَ المُجَلَّحَة على السَّنَة الشَّدِيدة فِي بَقَاء لَبنهَا، والجمِيعُ المجاليح، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
المانِحُ الأَدَمَ والخُورَ الهِلابَ إِذا
مَا حارد الخُورُ واجْتُثَّ المجاليحُ
قَالَ: المجاليح: الَّتِي لَا تُبَالي قُحوطَ الْمَطَر، قلت: مجاليح الْإِبِل: الَّتِي تقضم العِيدان إِذا أقحطت السَّنَةُ فتَسْمَنُ عَلَيْهَا.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المجاليحُ من النوق: الَّتِي تَدِرُّ فِي الشتَاء.
والتّجليح: السَّيْر الشّديدُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَلَّح علينا أَي أَتَى علينا.
اللَّيْث: الجالحة، والجوالح: مَا تطاير من رُؤوس النَّباتِ شِبْه القُطْن فِي الرِّيح وَمَا أشبه ذَلِك من نَسْج العنكبوت، وَكَذَلِكَ الثَّلج إِذا تهافت.
قَالَ: والجلْحَاء من البَقَر: الَّتِي تَذْهَب قرناها أُخُرا.
وقرية جَلْحاءُ: لَا حِصْن لَهَا، وقُرى جُلْح، وبقر جُلْح: لَا قُرون لَهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَنْشدني ابْن أبي طَرَفة:
فسكَّنتُهم بالْقَوْل حَتَّى كأنَّهم
بَوَاقِرُ جُلْحٌ سَكَّنَتْها المراتِعُ
وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب: (مَنْ بَات على سطح أَجْلح فَلَا ذِمَّة لَهُ) .
قَالَ شمر: هُوَ السَّطْح الَّذِي لم يُحجَّر بجدار وَلَا غَيره مِمَّا يَرُدُّ الرجل، قَالَ: والأَجْلَح من الثَّيران: الَّذِي لَا قَرْن لَهُ.
وبقرة جَلْحَاء، وهودج أَجْلَح: لَا رَأْس لَهُ. وأكمة جَلْحَاء: إِذا لم تكن محددة الرَّأْس، وَفِي الحَدِيث: (إِن الله ليُؤدِّي الْحُقوق إِلَى أَهلهَا حَتَّى يَقُصَّ للشاة الجَلْجاء من الشَّاة القرناء نَطْحَتْها، قلت: وَهَذَا يبين لَك أَن الجلحاءَ من الشاءِ وَالْبَقر بِمَنْزِلَة الْجَمَّاء الَّتِي لَا قرن لَهَا.
حلج: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: حَلَج إِذا مَشى قَلِيلا قَلِيلا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَلَج الديكُ يَحلِجُ حلْجاً إِذا نشر جنَاحيه وَمَشى إِلَى أُنثاه ليَسْفِدها.

(4/91)


قَالَ: والحُلُج: عُصَارا الحِنَّاء. والحُلُج هِيَ التُّمور بالألْبان: والحُلُج أَيْضا: الكثيرو الْأكل.
ابْن السّكيت: الْحلِيجة: عُصارة نِحْيٍ أَو لبَن أُنْقِعَ فِيهِ تمر.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: حَجَنْت إِلَى كَذَا حُجونا، وحاجَنْتُ وأَحْجَنْتُ وأَحْلَجْتُ، وحالجْتُ، ولاحَجْتُ ولَحَجْتُ لُحُوجاً وَتَفْسِيره لُصوقُك بالشَّيْء ودخولك فِي أضعافه.
اللَّيْث: الْحَلجُ: حَلْج الْقطن بالمحلاج على المِحلَج.
وَقَالَ: والْحَلْجُ فِي السّير كَقَوْلِك: بَيْننَا وَبينهمْ حَلْجَةٌ صَالِحَة وحَلْجَةٌ بعيدَة. قلت: الَّذِي سمعتُه من الْعَرَب: الْخَلْجُ فِي السّير بِالْخَاءِ، يُقَال: بَيْننَا وَبينهمْ خَلْجة بعيدَة، وَلَا أُنْكر الْحَاء بِهَذَا الْمَعْنى، غير أَن الْخلْجَ بِالْخَاءِ أَكثر وَأفْشى من الحلْج.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: دَعْ مَا تَحَلَّج فِي صدرك وتَخَلَّج أَي شَككت فِيهِ.
قَالَ شمر: وهما قريبان من السّواء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَحَلّج فِي صَدْرِي وتَخَلَّج أَي شككتُ فِيهِ، وَفِي حَدِيث عَدِيّ بن حَاتِم (لَا يَتَحَلَّجَنَّ فِي صدرك طَعَام ضارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانيّة) .
قَالَ شمر: معنى لايَتَحَلَّجَنَّ أَي لَا يدخُلَنَّ قلبَك مِنْهُ شيءٌ يَعْنِي أَنه نظيف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للحِمار الْخَفِيف: مِحْلج ومِحْلاج، وَجمعه المَحاليج. والحَلِيجة: عُصارَة الْحِنّاء.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: المحاليج: الحُمُر الطِّوالُ.
ح ج ن
حجن، حنج، جنح، جحن، نجح: مستعملات.
حجن: قَالَ اللَّيْث: الحَجَن: اعْوِجَاج الشَّيْء الأَحْجَن، والصقر أحجن المنقار، وَمن الأنوف أَحْجَن وَهُوَ مَا أَقبلت رَوْثَتُه نَحْو الْفَم، واستأْخَرَت ناشزتاه قُبْحاً، والناشِزَة: حرف المَنْخَر.
والحُجْنة: مصدر كالْحَجَن وَهُوَ الشَّعَر الَّذِي جُعودتُه فِي أَطْرَافه، والْحُجْنَةُ أَيْضا: مَوضِع أَصَابَهُ اعْوِجاج من الْعَصَا.
والمِحْجَن: عَصا فِي طرفها عُقَّافة، وَالْفِعْل بهَا الاحتجان، وَمن ذَلِك يُقَال للرجل إِذا اخْتَص بِشَيْء لنَفسِهِ: قد احْتجنه لنَفسِهِ دون أَصْحَابه.
وَتقول: حَجَنتُه عَنهُ أَي صَدَدتُه وصرفته وَمِنْه قَوْله:
وَلَا بدَّ للمشعُوفِ من تَبَعِ الْهوى
إِذا لم يَزَعْه من هوى النَّفس حاجن
والغَزوة الحَجُون: الَّتِي يُظْهَرُ غَيرهَا ثمَّ يُخالَف إِلَى غير ذَلِك الْموضع) ، ويُقْصدُ إِلَيْهَا يُقَال: غزاهم غَزْوَة حَجُونا، وَيُقَال هِيَ الْبَعِيدَة.
والحَجُون: مَوضِع بِمَكَّة، وَمِنْه قَوْله:
فَمَا أَنْت من أهل الحَجُون وَلَا الصَّفَا
وَلَا لَك حَقُّ الشِّرْبِ فِي مَاء زَمْزَم
وَقَالَ غَيره: حَجَنْتُ الْبَعِير فَأَنا أَحْجنِهُ وَهُوَ بعير محجون إِذا وُسِم بسمة المِحْجن،

(4/92)


وَهُوَ خطّ فِي طرفه عَقْفة مثل مِحْجَن الْعَصَا.
أَبُو عبيد التَّحْجِين: سِمَةٌ مُعْوَجَّة.
وَفُلَان مِحْجَنُ مَال أَي حسن الْقيام على المَال وَأنْشد:
مِحْجَنَ مالٍ حَيْثُما تَصرَّفا
وَفِي الحَدِيث: (تُوضَع الرّحِمُ يَوْم الْقِيَامَة لَهَا حُجْنَةٌ كحُجْنة المِغْزَل. قيل: حُجْنة المغزل صِنَّارَتُها. وَهِي الحديدة العقْفَاءُ الَّتِي يُعلَّق بهَا الْخَيط، ثمَّ يفتل الغَزْل، وكل مُنْعَقِف أَحْجَن.
واحْتجانُ المَال: إِصْلَاحه وَجمعه وضمُّ مَا انْتَشَر مِنْهُ. واحتجان مَال غَيْرك: اقتِطاعه وسَرِقَتهُ.
وَصَاحب المِحْجَن فِي الْجَاهِلِيَّة: رجل كَانَ مَعَه مِحْجَن وَكَانَ يقعدُ فِي جادَّة الطَّرِيق فيأخُذُ بمحْجَنه الشَّيْء بعد الشَّيْء من أثاث الْمَارَّة، فَإِن عُثِر عَلَيْهِ اعْتَلَّ بِأَنَّهُ تعلق بِمِحْجَنِهِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الأحْجَن: الشعَرُ الرَّجِلُ والحُجنة: الرَّجَل والسبِطُ الَّذِي لَيست فِيهِ حِجْنة، وسرتُ عَقَبَة حجوناً أَي بعيدَة.
جحن: أَبُو عُبيد عَن الكِسائي: الجَحِن: السّيِّء الغِذاء وَقد أجحَنَتْه أُمُّه، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فِي المُجْحَن مِثْلَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: الجَحِن: البطيء الشَّباب. وَقَالَ الشَّمّاخ:
وَقد عرِقت مَغابِنُهَا وجادت
بِدرَّتها قِرَى جَحِنٍ قَتِينِ
يَعْنِي أَنَّهَا عَرِقَت فَسَار عرقها قِرًى للقُراد. ومَثَلٌ من الْأَمْثَال: (عجِبْتُ أَن يَجِيء من جَحِنٍ خَيْرٌ) .
اللَّيْث: جَيْحون، وجيْحان: اسْم نهر جَاءَ فيهمَا حَدِيث.
وَقَالَ غَيره: نَبْت جَحِنٌ: زَمِرٌ صَغِير مُعَطَّش، وكل نَبْتٍ ضَعُفَ فَهُوَ جَحِن.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال جحَن وأجحَنَ وجَحَّن، وحَجَنَ وأحجَن وحجَّن، وجحَدَ وأجْحَدَ وجَحَّد كُله مَعْنَاهُ إِذا ضَيَّق على عِياله فَقْراً أَو بُخْلاً.
وَيُقَال: حُجيْناء قلبِي ولُوَيْحاء قلبِي ولُوَيْذَاءُ قلبِي يَعْنِي مَا لزم القلبَ.
جنح: اللَّيْث: جَنَحَ الطائِرُ جُنوحاً إِذا كَسَر من جناحَيْه ثمَّ أقبل كالواقع اللاّجِىء إِلَى مَوضِع.
وَقَالَ الشَّاعِر:
تَرَى الطيرَ العِتاق يَظَلْن مِنْهُ
جُنُوحاً إِن سَمِعْن لَهُ حسِيسَا
والرجلُ يَجْنح إِذا أقبل على الشَّيْء يعمله بيدَيْهِ، وَقد حَنَى عَلَيْهِ صدرَه، وَقَالَ لَبِيد:
جُنُوحَ الهالِكِيّ على يَدَيْهِ
مُكِبّاً يَجْتَلي نُقَب النِّصالِ
والسفينةُ تجنَح جُنُوحاً إِذا انْتَهَت إِلَى المَاء الْقَلِيل فلَزِقت بِالْأَرْضِ فَلم تمْضِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: جَنَح الرّجلُ إِلَى الْحَرورِيّة، وجَنَح لَهُم إِذا تَابعهمْ وخضع لَهُم.
وَقَالَ اللَّيْث: اجتنح الرّجل على رِجْله فِي مَقْعدِه إِذا انكَبّ على يديْه كالمتكىء على يَدٍ وَاحِدَة.

(4/93)


وروى أَبُو صَالح السَّمَّان عَن أبي هُرَيْرة أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَرَ بالتَّجَنُّح فِي الصَّلَاة فشَكا ناسٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّعْفَ فَأَمرهمْ أَن يستعينوا بالرُّكَب. قَالَ شمر: التّجنُّح والاجْتِناح كَأَنَّهُ الِاعْتِمَاد فِي السُّجود على الكَفّيْن والادِّعامُ على الرّاحتيْن وتَرْكُ الافْتراشِ للذِّرَاعين، قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَنَح الرجلُ على مَرْفِقَيْه إِذا اعْتمد عَلَيْهِمَا وَقد وضعهما بِالْأَرْضِ أَو على الوِسادة يَجْنحُ جُنوحاً وجَنْحاً.
قَالَ شمر: وَمِمَّا يُصَدِّق ذَلِك حَديثُ النُّعْمان بن أبي عَيّاش قَالَ: شكا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ الاعتمادَ فِي السُّجود، فرخَّص لَهُم أَن يستعينُوا بمرافِقِهم على رُكَبهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الاجْتِناحُ فِي النَّاقة: كَأنّ مُؤَخّرها يُسْنَد إِلَى مُقَدَّمها من شدَّة اندفاعها يَحْفِزُها رِجْلاها إِلَى صدرها.
وَقَالَ شمر: اجتنَحَتِ النّاقةُ فِي سَيْرها إِذا أَسْرَعَت وَأنْشد:
من كُلِّ وَرْقاء لَهَا دَفٌّ قَرِحْ
إِذا تَبادَرْنَ الطريقَ تجْتَنِحْ
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُجْتَنِح من الخيْل: الَّذِي يكون حُضْرُه وَاحِدًا لأحد شِقَّيْه يَجْتنِح عَلَيْهِ أَي يعْتَمِدُه فِي حُضْره.
وَقَالَ اللَّيْث: جَنَح الظَّلامُ جنوحاً إِذا أقبل اللَّيْل. وجنحُ الظلام وجُنْحهُ لُغَتَانِ، وَيُقَال: كَأَنَّهُ جِنْحُ ليل يُشَبَّه بِهِ العسكرُ الجرار.
غَيْرِ سُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} (القَصَص: 32) معنى جَنَاحك هُنَا العَضُد، وَيُقَال: اليدُ كُلّه جَناحٌ، وَقَالَ فِي قَوْله جَلّ وَعز: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسرَاء: 24) أَي أَلِنْ لَهما جانِبَك.
اللَّيْث: جَنَحَتِ الْإِبِل فِي سَيرهَا إِذا أسرعت، والنَّاقةُ الباركةُ إِذا مَالَتْ على أحد شِقَّيها يُقَال: جَنَحَت، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
إِذا مَال فَوق الرَّحْل أَحْييْتِ نَفْسه
بِذِكْراك والعِيسُ المَراسيلُ جُنَّحُ
وَيُقَال للناقة إِذا كَانَت واسِعةَ الْجَنْبَيْن إِنَّهَا لمجنحة الْجَنْبَين.
وجَوَانِح الصَّدْر من الأضلاعِ: المتصلةُ رُؤوسُها فِي وَسْطِ الزَّوْر، الْوَاحِدَة جانِحَة.
وَيُقَال: أقمتُ الشيءَ فاستقَام، وأجنحتُ الشيءَ أَي أَمَلْته فجنح أَي مَال، وَقَالَ الله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (الأنفَال: 61) أَي إِن مالوا إِلَيْك للصلح فمِلْ إِلَيْهَا، والسِّلْمُ: المُصَالَحة، وَلذَلِك أُنِّثَتْ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ} (البَقَرَة: 235) الْجُنَاحُ: الْجِنَايَة والْجُرْمُ، وَأنْشد قولَ ابْن حِلِّزَةَ:
أَعلينا جُناحُ كِنْدَةَ أَنْ يَغْ
نَمَ غَازِيهُمُ ومِنَّا الجَزَاءُ

(4/94)


وصف كِنْدَةَ بِأَنَّهُم جَنَوْا على بني تَغْلِبَ جِنَايَة، ثمَّ فسر الْجِنَايَة أَن يَغْنَم غَازِيهم بأَنهم غَزَوْكم فَقَتَلُوكم، وتحمِّلُونَنَا جَزَاء فِعْلهم أَي عِقابَ فعلهم، وَالْجَزَاء يكون ثَوابًا وعِقَابا، وَقيل فِي قَوْله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (الْبَقَرَة: 235) أَي لَا إثْمَ عَلَيْكُم وَلَا تضييق.
وَأَخْبرنِي المُنْذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْعَرَب تَقول: أَنا إِلَيْك بِجُناح أَي مُتَشَوِّق وأنشدنا:
يَا لَهْفَ نَفِسي بعد أُسْرَةِ واهِبٍ
ذَهَبُوا وكُنْتُ إِلَيْهِم بجُناح
وجَناحُ الشَّيْء: نَفسه، وَمِنْه قَول عَدِيّ بن زَيد:
وأَحْوَرُ العَيْن مرْبُوب لَهُ غُسَنٌ
مُقَلَّدٌ من جَنَاحِ الدُّرِّ تَقْصَارا
وَقيل: جَنَاحُ الدُّرِّ: نَظْمٌ مِنْهُ يُعَرَّض.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كلُّ شَيْء جعلتَه فِي نظام فَهُوَ جَنَاحٌ. وللعرب فِي الجَناح أمثالٌ مِنْهَا قَوْلهم للرجل إِذا جَدَّ فِي الْأَمر واحتفَل: (رَكِبَ فلانٌ جَنَاحَيْ نَعَامة) .
وَقَالَ الشَّمَّاخ:
فَمن يَسْع أَو يَركَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَة
ليُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بالأَمْسِ يُسْبَقُ
وَيُقَال: ركب القومُ جَنَاحَي الطَّائِر إِذا فارقوا أوطانهم، وَأنْشد الفَرَّاءُ:
كأَنما بجناحي طَائِر طاروا
وَيُقَال: فلَان فِي جَنَاحَي طَائِر إِذا كَانَ قلِقاً دهشاً كَمَا يُقَال: كأَنه على قرن أَعفَر، وَيُقَال: نَحن على جنَاح سَفَر أَي نُرِيد السَّفَر. وَفُلَان فِي جنَاح فلَان أَي فِي ذَراه وكَنَفِه، وَأما قَول الطرمّاح:
يَبُلّ بمَعْصُورٍ جَنَاحيْ ضَئيلَةٍ
أَفَاوِيقَ مِنْهَا هَلَّةٌ ونُقوعُ
فإنّه يُرِيد بالجناحين الشَّفَتين. وَيُقَال: أَرَادَ بهما جَانِبي اللَّهاةِ والحَلْق.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف سحابا:
وَسَحَّ كلَّ مُدْجِنٍ سَحَّاحِ
يَرْعُدُ فِي بِيض الذُّرى جُنَّاح
قَالَ الْأَصْمَعِي: جُنّاحٌ: دَانِيةٌ من الأَرْض، وَقَالَ غَيره: جُنّاحٌ: مائلة عَن القَصْد.
حنج: قَالَ اللَّيْث: الْحَنجُ: إمالة الشَّيْء عَن وَجهه، يُقَال: حَنَجْتُه أَي أَمَلْتُهُ فاحْتَنَج فعل لَازم، وَيُقَال أَيْضا: أحنَجْتهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الإحْناجُ أَن يَلْوِي الْخَبَر عَن وجههِ، وَقَالَ العجَّاج:
فتَحْمِلُ الأرواحُ وحْياً مُحْنَجاً
قَالَ: والمُحْنَج: الْكَلَام المَلْوِيّ عَن جِهَته كَيْلا يُفْطَن لَهُ، يُقَال: أَحْنَجَ عنِّي أمرَه أَي لواه. وَقَالَ اللَّيْث: المِحْنجَةُ: شَيْء من الأدوات.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال: رَجَعَ فلَان إِلَى حِنجه وبِنْجه أَي رَجَعَ إِلَى أَصله.
أَبُو عُبيد عَن أبي عُبيدة: هُوَ الحِنْجُ والبِنْجُ للأصْل. سَلَمة عَن الْفراء: هُوَ السِّرَارُ، والإحْنَاجُ، والنَّسِيفُ، والمُهَالَسَةُ، والمُعامَسةُ وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحِنَاجُ: الْأُصُول، واحدُها حِنْج.
نجح: اللَّيْث: نجَحَتْ حَاجَتُك وأَنجحتُها

(4/95)


لَك. وَسَار فلَان سيراً ناجحاً ونَجِيحاً، وَقَالَ لبيد:
فمضَيْنَا فقَضَيْنَا ناجِحاً
مَوْطِناً يُسأَل عَنهُ مَا فَعَلْ
ورأي نجيحٌ: صوابٌ، وَرجل نجيح: مُنْجِح للحاجات، وَقَالَ أَوْسٌ:
نَجيحٌ جَوَادٌ أَخُو مَأْقِطٍ
نِقَابٌ يُحدِّثُ بالغائِبِ
وَيُقَال للنائم إِذا تتَابعت عَلَيْهِ رُؤَى صدق: تناجَحت أحلامه.
وَقَالَ شمر: أنجَحَ بك الباطِلُ أَي غلبك الْبَاطِل، وكل شَيْء غلبك فقد أنجحَ بك، وَإِذا غلبته فقد أَنجحت بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو. النَّجاحةُ: الصَّبر.
وَيُقَال: مَا نَفْسي عَنهُ بنجيحة أَي بصابرة، وَقَالَ ابْن مَيَّادة:
وَمَا هَجْرُ ليلَى أَن تكون تَبَاعَدت
عَلَيْك وَلَا أَنْ أَحْصَرتك شغُولي
وَلَا أَن تكون النفسُ عَنْهَا نجيحةً
بِشَيْء وَلَا مُلْتَاقَةً ببديل
ح ج ف
حجف، حفج، جحف، فحج: مستعملة.
حجف: اللَّيْث. الحَجَفُ: ضربٌ من التِّرَسَة، تُتَّخَذ من جُلُود الْإِبِل مُقَوَّرة، والواحدة جَحَفَة. ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبيد فِي الحَجَفِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُجَافُ: مَا يَعتَري من كَثْرَة الْأكل أَو من شَيْء لَا يلائمهُ فيأخذُه الْبَطن استِطْلاقاً، وَرجل مَحْجُوفٌ. وَقَالَ الراجز:
يَا أَيهَا الدّارِىءُ كالمَنْكُوفِ
والمُتَشَكِّي مَغْلَةَ المحجوفِ
هَكَذَا أنشدنيه المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والمحجُوفُ والمجحوفُ وَاحِد، وَهُوَ الجُحافُ والحُجافُ: مَغْسٌ فِي الْبَطن شَدِيد. والمَنْكوف: الَّذِي يشتكي نكْفَتهُ، وَهُوَ أصل اللِّهْزِمة. وَقَالَ بعض الجعفريِّين: احْتَجَفْتُ نَفسِي واحتجَنتُها إِذا ظَلَفتُها.
جحف: أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجُحْفَة: مِلْء الْيَد وَجَمعهَا جُحَف.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْفُ: شدَّة الجَرْف إِلَّا أَن الجَرْف للشَّيْء الْكثير، والجَحْفَ للْمَاء. تَقول: اجتحفْنا مَاء الْبِئْر إِلَّا جُحفةً وَاحِدَة بالكَفِّ أَو بِالْإِنَاءِ.
والفِتْيان يتجاحفون الكرة بَينهم بالصَّوالجة. قَالَ: والتَّجاحف أَيْضا فِي الْقِتَال: تنَاول بَعضهم بَعْضًا بِالْعِصِيِّ والسُّيوف، وَقَالَ العجَّاج:
وَكَانَ مَا اهْتَضَّ الْجِحافُ بَهْرَجا
يَعْنِي مَا كَسره التَّجاحُف بَينهم، يُرِيد بِهِ الْقَتْل.

(4/96)


وَالسّنة المُجحِفة: الَّتِي تُجْحِف بالقوم قتلا وإفساداً للأَموال.
وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: من آثر الدُّنْيَا أجْحفت بآخِرته.
والْجُحفَة: مِيقَات أهل الشَّام: قَرْيَة تقرب من سِيفِ الْبَحْر.
أَبُو عُبيد عَن الْفراء: الْجِحافُ: أَن يستقِيَ الرجل فَيُصِيب الدَّلْو فَم الْبِئْر فَيَنْخَرِق وَأنْشد:
قد عَلِمَتْ دلوُ بني منَافِ
تَقْوِيمَ فَرْغَيْهَا عَن الْجِحاف
الْأَصْمَعِي والفّراء: سيل جُحاف وجُرافٌ وَهُوَ الَّذِي يذهب بِكُل شَيْء، وَأنْشد.
أَبْرز عَنْهَا جُحافٌ مُضِرّ
ورُوِي عَن الأصْمَعي أَنه قَالَ: الجَحْف: أكل الثَّريد، والجَحْفُ: الضَّرْب بِالسَّيْفِ، وَأنْشد:
(و) لَا يَسْتَوِي الْجحفَان جَحْفُ ثَرِيدَة
وجَحفُ حرُوريَة بأبيض صارم
والجَحَّاف السُّلَمي: رجل من الْعَرَب مَعْرُوف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَحُوف: الثَّريد يبْقى فِي وسط الجَفْنة.
فحج: قَالَ اللَّيْث: الفَحَجُ: تبَاعد مَا بَين أوساط السَّاقين فِي الْإِنْسَان والدَّابة، والنعت أفْحَجُ وفَحْجاء. أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: الأفحج: الَّذِي فِي رجلَيْهِ اعوجاج.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفْحَج فلَان عنَّا، وأحجم وأفَّج إِذا تبَاعد.
ح ج ب
حجب، حبج، جبح، جحب، بجح: (مستعملات) .
حجب: قَالَ اللَّيْث: حَجَب: يَحجُب حَجْباً. والحِجابة: ولَايَة الْحَاجِب. والحِجاب: اسْم مَا حجبت بِهِ بَين شَيْئَيْنِ. وَكُلُّ شَيْء منع شَيْئا فقد حجَبَه، كَمَا تحجب الأمَّ الإخوةُ عَن فريضتها وَجَمَاعَة الْحِجاب حُجُب. وَجَمَاعَة الحَاجِب حَجَبَة.
واحتجب فلَان إِذا اكْتَنَّ من وَرَاء الْحجاب.
وحِجاب الْجوف: جلدَة بَين الْفُؤَاد وَسَائِر الْبَطن.
والحاجِبان: العظمان فَوق الْعَينَيْنِ بشَعَره ولَحْمه وَثَلَاثَة حواجب.
والحَجَبَتان: رُؤُوس عظمي الوَرِكَيْن مِمَّا يَلِي الْحَرقَفَتين، والجميع الحَجَب، وَثَلَاث حجبات، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَهُ حَجَباتٌ مُشرفاتٌ على الفالِ
وَقَالَ آخر.
وَلم تُوقَّع برُكُوبٍ حَجَبُهْ
وحاجِبُ الْفِيل كَانَ شَاعِرًا من الشُّعَرَاء.

(4/97)


وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: الْحِجابُ: مَا أشرف من الْجَبَل.
وَقَالَ غَيره: الحِجابُ: الحَرَّة وَقَالَ أَبُو ذُؤَيب:
شَرَفُ الحِجابِ ورَيْبُ قَرْعٍ يُقرَع
وَقَالَ غَيره: احتجبَت الْحَامِل بِيَوْم من تاسعها. وبيومين من تاسعها يُقَال ذَلِك للْمَرْأَة الْحَامِل إِذا مضى يَوْم من تاسِعها.
يَقُولُونَ: أَصبَحت مُحْتَجِبَة بِيَوْم من تاسعها، هَذَا كَلَام الْعَرَب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَاجِب الشَّمْس: قرْنها، وَهُوَ نَاحيَة من قُرصها حِين تبدأ فِي الطُّلُوع. يُقَال: بدا حَاجِب الشَّمْس وَالْقَمَر.
قَالَ: وَنظر أَعْرَابِي إِلَى آخر يَأْكُل من وَسَط الرّغيف، فَقَالَ: عَليْك بحَواجبه أَي بحُروفه.
وَفِي حَدِيث أبي ذَرَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن الله يغْفر للعبْد مَا لم يقَع الحِجابُ، قيل: يَا رَسُول الله: وَمَا الحجابُ؟ قَالَ: أَن تَمُوت النفسُ وَهِي مُشركَة) .
قَالَ شمر وَقَالَ ابْن شُمَيل فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود ح: (من اطَّلَع الحِجابَ وَاقع مَا وَرَاءه، قَالَ: إِذا مَاتَ الْإِنْسَان وَاقع مَا وراءَ الحِجابين: حجابِ الجنّة، وحجابِ النَّار: لِأَنَّهُمَا قد خَفِيا.
وأنشدنا الغَنَوِيّ:
إِذا مَا غَضِبْنا غَضْبَة مُضَرِيَّةً
هَتَكنا حِجابَ الشَّمْس أَو مَطَرَتْ دمَا
قَالَ: حِجابُها: ضوؤها هَاهُنَا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عدنان عَن خَالِد فِي قَوْل ابنِ مَسْعُود: من اطَّلعَ الحِجابَ وَاقع مَا وَرَاءه. قَالَ: اطِّلاَعُ الحِجاب: مَدُّ الرأْس، والمُطالع يَمُدُّ رأسَه ينظر من وَرَاء السِّترِ، قَالَ: والْحِجابُ السِّترِ. وَامْرَأَة محجوبة. قد سُتِرت بِستر.
قَالَ أَبُو عَمْرو وشَمِر: وَحَدِيث أبي ذرّ يدلّ على أَنه لَا ذنبَ يحجُب عَن العَبْد الرَّحْمَة فِيمَا دون الشِّرك.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: فِي الجَبين الحاجبان وهما مَنْبِت شَعَر الحاجبين من الْعظم والجميع الحواجبُ.
حبج: قَالَ اللَّيْث: أحْبَجَتْ لنا النارُ إِذا بَدَت بَغْتَة، وأحبج العَلَم، وَقَالَ العَجَّاج:
عَلَوْتُ أحْشاه إِذا مَا أَحْبَجا
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: إِذا أكلت الإبِلُ العَرْفَجَ فَاجْتمع فِي بطونها عُجَر مِنْهُ حَتَّى تَشْتَكِي مِنْهُ قيل: حَبِجَت حَبَجاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَبَجُ: أَن يَأْكُل البَعيرُ لِحاءَ العَرْفَج فيَسْمَنَ على ذَلِك، ويَصِيرَ فِي بَطْنه مِثلَ الأفهار، وَرُبمَا قَتله ذَلِك.
والحَبِجُ: السمينُ الْكثير الأعْفاج، قَالَ: وَقَالَ ابْن الزبير: (إِنَّا وَالله مَا نموت على مضاجعنا حَبَجا كَمَا يَمُوت بَنو مَرْوَان، وَلَكنَّا نموت قَعْصاً بِالرِّمَاحِ وموْتاً تَحت ظلالِ السيوفِ.
وَقَالَ غَيره: أَحْبَج لَك الأمرُ إِذا أعرضَ

(4/98)


فأمكَن.
والحَبْجُ: مُجْتَمَع الحيِّ ومُعظمُه.
وَيُقَال: حَبَجَه بالعصا حَبْجاً، وَقد حَبَجَه بهَا حَبجاتٍ، قَالَه ابْن السّكّيت، قَالَ: وَكَذَلِكَ خَلَجه بالعصا إِذا ضربه بهَا.
قَالَ: وإبِل حَبَاجَى إِذا انتفخَتْ بطونها عَن أكل العَرْفَج فتعَقَّد فِي بطونها وتمرَّغَت من الوجَع.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَج يَحْبِج، وخَبَج يَخبِج إِذا ضَرط.
وَقَالَ شمر: حَبَجَ الرجلُ يَحبج حَبجاً إِذا انْتَفخ بطنُه عَن بَشم، وحَبِج البعيرُ إِذا أكلَ العرْفَج فتكبَّب فِي بَطْنه وضاق مَبْعَرُه عَنهُ وَلم يَخرج من جَوْفه وَرُبمَا هَلك وَرُبمَا نَجَا، قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الرحمان:
أشبعتُ راعِيَّ من اليَهْيَرِّ
فظَلَّ يبْكي حَبجاً بشَرِّ
خلْف اسْتِه مثلَ نَقيقِ الهِرِّ
وَقَالَ أَبُو زيد: الحَبَجُ للبعير منزلَة اللَّوَى للْإنْسَان فَإِن سَلَح أَفَاق وإلاَّ مَاتَ.
بجح: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: فلَان يَتَبَجَّحُ بفلان ويتمجَّح إِذا كَانَ يَهذي بِهِ إعْجاباً، وَكَذَلِكَ إِذا تَمزَّح بِهِ.
وَقَالَ اللحياني: فلَان يتبجَّح ويَتمجَّح أَي يفتخر ويباهي بِشَيْء مّا.
وَفِي حَدِيث أم زرع: (وبَجَّحَني فبجَحْتُ) أَي فرَّحَني فَفَرِحت وَقد بَجِح يَبجَحُ وبَجَحَ يَبجَحُ قَالَ الرَّاعِي:
وَمَا الفَقرُ من أَرض العَشيرة ساقَنا
إِلَيْك ولكنّا بقُرْباك نَبجَحُ
جبح: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَبَح القومُ بِكعابهم وجَبَخوا بهَا إِذا رَمَوْا بهَا لينظروا أَيهَا يَخرج فائزاً، وَأنْشد:
فأجْبَح القومَ مثلَ جَبْح الكِعاب
وَقَالَ اللَّيْث فِي جبَحَ القومُ بكِعابهم مثله.
أَبُو عَمْرو: الجِبْحُ والجَبْح: خَلِيّة الْعَسَل، وَثَلَاثَة أَجْبُح وأجباحٌ كَثِيرَة.
قَالَ الطِّرِمَّاح يُخَاطب ابْنه:
وَإِن كنتَ عِنْدِي أنتَ أحلَى من الجَنَى
جَنَى النحلِ أضحَى وَاتناً بَين أَجْبُح
واتِناً: مُقيما.
ح ج م
حجم، حمج، جحم، جمح، مجح، محج: (مستعملات) .
حجم: قَالَ اللَّيْث: الحَجْم: فِعلُ الحاجم، وَهُوَ الحَجَّام، وَفعله وحرفته الحِجامة.
وَفِي الحَدِيث: (أفْطَرَ الحاجمُ والمَحْجومُ) . والمِحْجَمة: قارورتُه، وتطرح الْهَاء فَيُقَال: مِحْجَم وَجمعه مَحاجمُ. وَقَالَ زُهَيْر:
وَلم يُهريقوا بَينهم مِلْءَ مِحْجَم
والمَحْجَم من الْعُنُق: مَوضِع المِحْجمة، وَقَالَ غَيره: أصل الحَجْم المَصُّ، وَقيل للحاجم حَجَّام لامتصاصه فَم المِحْجمة. يُقَال: حَجَم الصبيُّ ثديَ أُمِّه إِذا مَصَّه، وثديٌ محجوم أَي ممصوص.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: أَحْجَمتِ المرأةُ للمولود إحجاماً، وَهُوَ أولُ رَضعة تُرضِعُه أُمُّه.

(4/99)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَجْم أَيْضا: وِجْدانُك مَسَّ شَيْء تَحت ثوب، تَقول: مَسِسْتُ بطن الْحُبْلَى فَوجدت حجم الصَّبِيِّ فِي بَطنهَا.
وَقد أحجم الثديُ على نحرِ الْجَارِيَة إِذا نتأ ونَهَد، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
قد أَحْجَم الثديُ على نحرِها
فِي مُشْرِقٍ ذِي بهجَةٍ نائر
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَجَّمَ وبجَّمَ إِذا نظر نظرا شَدِيدا، قلت: وحَمَّجَ مثلُه.
وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا غطى اللحمُ رُؤوس عظامها فَسَمنت مَا يَبْدُو لعظامها حَجْم.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الحِجامُ: شَيْء يُجْعَل على خَطْم الْبَعِير لكيلا يَعَضّ، وَهُوَ بعير محجوم.
قَالَ: والحَجْمُ: كَفُّك إنْسَانا عَن أَمر يُريده. يُقَال: أحجم الرجلُ عَن قِرْنه، وأحْجَم إِذا جَبُن وكَفّ. قَالَه الْأَصْمَعِي وَغَيره، والإحْجامُ ضدّ الإقْدامِ.
وَقَالَ مُبْتَكِرٌ الْأَعرَابِي: حَجَمْتُه عَن حَاجته: منعته عَنْهَا.
وَقَالَ غَيره: حَجَوْتُه عَن حَاجته: مثله.
حمج: اللَّيْث: حَمَّجَت العينُ إِذا غارت، وَأنْشد:
وَلَقَد تقودُ الخيْلَ لم تُحمَّجِ
قَالَ: وَيُقَال: تحميجُها: هُزالها.
قَالَ: والتَّحْمِيج: النّظر بخوف، والتَّحميج: التَّغَيُّر فِي الْوَجْه من الْغَضَب وَنَحْوه.
وَفِي الحَدِيث أَن عمر قَالَ لرجل: (مَالِي أَرَاك مُحَمِّجا؟ .
قلت: التَّحميجُ عِنْد الْعَرَب: نظرٌ بتحديق.
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 43) قَالَ: مُحَمِّجين مُديمي النّظر، وَأنْشد أَبُو عُبيدة:
آأنْ رَأَيْت بَنِي أَبِي
ك مُحَمِّجِين إليّ شُوسَا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التحميجُ: فتحُ الْعين فَزَعاً أَو وعيداً، وَأنْشد قَول الْهُذلِيّ:
وحَمّجَ للجَبَان المو
تُ حَتَّى قَلْبُه يَجِبُ
قَالَ: أَرَادَ: حَمّج الجَبانُ للْمَوْت فَقَلَبه.
قلت: وَأما قولُ اللَّيْث فِي تَحميج العينِ أَنه بِمَنْزِلَة الغُثُور فَلَا يُعرف، وَكَذَلِكَ التَّحْميج بِمَعْنى الهُزال مُنكر.
جمح: قَالَ اللَّيْث: جَمَح الفرسُ بِصَاحِبِهِ جِماحاً إِذا جَرَى بِهِ جَرْيا غَالِبا، وكل شَيْء إِذا مضى لِوَجْهه على أَمر فقد جمح بِهِ. وَفرس جَمُوح وجامح، الذكرُ وَالْأُنْثَى فِي النعتين سَوَاء. وجَمَحت السفينةُ فَهِيَ تَجْمَح إِذا تركت قصدَها فَلم يضبطها الملاحون. وجَمَحوا بِكِعابِهم مثل جَبَحوا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (التّوبَة: 57) أَي وَلَّوْا إِلَيْهِ مُسْرِعين.
وَقَالَ الزّجاج: وهم يَجْمَحُون. قَالَ: يسرعون إسراعاً لَا يَرُدُّ وجوهَهم شَيْء، وَمن هَذَا قيل: فرس جَمُوح وَهُوَ الَّذِي إِذا حَمَل لم يَردّه اللِّجَام. وَيُقَال: جَمَح

(4/100)


وطَمَح إِذا أسْرع وَلم يَردّ وجْهَه شيءٌ.
قُلت: فرس جَمَوح لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: يوضع مَوضِع العَيْب. وَذَلِكَ إِذا كَانَ من عَادَته ركوبُ الرَّأْس لَا يَثْنِيه رَاكِبه، وَهَذَا من الجماح الَّذِي يُرَدُّ مِنْهُ بِالْعَيْبِ.
وَالْمعْنَى الثَّانِي فِي الْفرس الجَمُوح أَي يكون سَرِيعا نشيطاً مَرُوحاً، وَلَيْسَ بعيبٍ يُرَدُّ مِنْهُ ومصدره الجُموحُ، وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
جَمُوحاً مَرُوحاً وإِحْضارُها
كمَعْمَعَة السَّعَف المُوقَدِ
وَإِنَّمَا مَدَحَها فَقَالَ:
وأعددْتُ للحرْب وَثَّابَةً
جَوَادَ المَحثَّةِ والمُرْوَدِ
ثمَّ وصَفها فَقَالَ: جَمُوحاً مَرُوحاً أَو سَبُوحاً أَي تُسْرِعُ براكبها.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَمَحت المرأةُ من زَوجهَا تَجْمَح جِماحاً وَهُوَ خُرُوجهَا من بَيته إِلَى أَهلهَا قبل أَن يُطلِّقَها، وَمثله طَمَحَت طِماحاً. وَأنْشد:
إِذا رأتني ذَاتُ ضِغْنٍ حَنَّتِ
وجَمَحت من زَوْجها وأَنَّتِ
وَقَالَ اللَّيْث: الجُمَّاحَةُ والجَمَامِيحُ هِيَ رُؤوس الحَلِيِّ والصِّلِّيان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخرج على أَطْرَافه شِبْهُ سُنْبُل غير أَنه لَيِّنٌ كأَذْنَاب الثَّعَالِب.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوي: الجُمَّاح: ثَمَرَة تُجْعَل على رَأس خَشبة يلْعَب بهَا الصّبيان.
وَقَالَ شمر: الجُمَّاح: سهمٌ لَا ريشَ لَهُ أَمْلَس فِي مَوضِع النَّصْل مِنْهُ تمر أَو طين يُرْمَى بِهِ الطَّائِر فيُلْقِيه وَلَا يقتُله حَتَّى يأخُذَه رامِيه يُقَال لَهُ الجُمَّاح والجُبَّاح، وَقَالَ الراجز:
هَل يُبْلِغَنِّيهم إِلَى الصَّباحْ
هِقْلٌ كأنّ رأسَه جُمَّاحْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُمَّاح: المنهزمون من الْحَرْب. والجُمَّاحُ: سهم صَغِير يلْعَب بِهِ الصّبيان. قَالَ: وَفرس جَمُوح: سريع وَفرس جموح إِذا لم يُثْن رأسُه.
وَأَخْبرنِي المُنذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُمَّاح: سهم أَو قَصَبَة يُجْعَل عَلَيْهِ طين ثمَّ يُرْمى بِهِ الطير، وَأنْشد لرُقَيْعٍ الوَالِبِيّ:
حَلَقَ الحوادثُ لِمَّتي فَتَرَكْن لي
رَأْسا يَصِلُّ كَأَنَّهُ جُمَّاحُ
أَي يُصَوِّت من امّلاسه، وَقَالَ الحطيئة:
بزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصَى كالجَمامِح
وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تسمي ذَكَر الرجل جُمَيْحاً ورُمَيْحا، وتسمِّي هَنَ الْمَرْأَة شُرَيْحا: لِأَنَّهُ من الرجل يَجْمَح فيرفع رأْسه، وَهُوَ مِنْهَا يكون مَشْروحاً أَي مَفْتُوحًا.
جحم: قَالَ اللَّيْث: الجَحيم: النَّار الشَّدِيدَة التَّأجّج كَمَا أجَّجوا نَارا لإِبْرَاهِيم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَهِيَ تَجْحَم جُحوما أَي تَوَقَّد تَوَقُّدا. وجاحم الْحَرْب: شدَّة الْقَتْل فِي مُعْتَركِها، وَأنْشد:
حَتَّى إِذا ذاق مِنْهَا جَاحِماً برَدَا

(4/101)


وَقَالَ الآخر:
وَالْحَرب لَا يَبْقى لِجا
حِمها التخيُّل والمِراح
وَقَالَ: كلُّ نَار تُوقد على نَار جَحِيمٌ. والجَمرُ بعضُه على بعض جَحيم، وَهِي نَار جاحِمَة، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
وضالّةٍ مِثْل الْجَحِيم المُوقَدِ
شبّه النِّصال وحِدّتها بالنَّار، وَنَحْو مِنْهُ قَول الْهُذلِيّ:
كأنّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعِيجُ
وَيُقَال للنار جاحم أَي تَوَقُّد والتهاب، وَرَأَيْت جُحْمَة النَّار أَي تَوقُّدها.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْمَة هِيَ الْعين بلغَة حِمْير، وَأنْشد:
فياجَحْمَتا بَكِّي على أُمِّ مَالك
أكِيلَةَ قِلِّيب بِبَعْض المذانب
قَالَ: وجَحْمتا الْأسد: عَيناهُ بِكُل لُغَة.
والأجْحَمُ: الشديدُ حُمْرة الْعين مَعَ سَعَتها، وَالْمَرْأَة جحماء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجُحام: دَاء مَعْرُوف.
والْجُحْمُ: القَلِيلُو الحياءِ.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي طَالب فِي قَوْلهم: فلَان جَحَّام، وَهُوَ يتجاحم علينا أَي يتضايق، وَهُوَ مَأْخُوذ من جاحم الْحَرْب، وَهُوَ ضيقها وشدّتها، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ يتجاحم أَي يتحرق حِرْصا وبُخْلاً وَهُوَ من الْجَحِيم.
وَفِي الحَدِيث أَن كَلْبا كَانَ لمَيْمُونة فَأَخذه دَاء يُقَال لَهُ: الجُحامُ، فَقَالَت: وارَحْمَتا لمِسْمار تَعْنِي كلبها.
قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّبي عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: جَحَمَتْ نارُكم تَجْحَم إِذا كثر جمرها، وَهِي جحيم وجاحمة.
محج: اللَّيْث: المَحْجُ: مسح شَيْء عَن شَيْء، وَالرِّيح تمْحَجُ الأَرْض: تذْهب بالتّراب حَتَّى تتَنَاوَل من أَدَمَة الأَرْض ترابها، وَقَالَ العجَّاج:
ومحجُ أَرْوَاح يُبارينَ الصَّبَا
أَغْشَيْن معروفَ الدِّيارِ التَّيْرَبا
والثَّيْرَب والتّوْرَب والتّوْراب أَرَادَ التُّرَاب.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: اخْتصم شَيْخَانِ غَنَوِيّ وباهِلِيّ، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: الْكَاذِب مَحَج أُمَّه، وَقَالَ الآخر: انْظُرُوا مَا قَالَ لي الْكَاذِب: مَحَجَ أُمّه أَي نَاكَ أُمَّه، فَقَالَ الغَنوِيّ: كذب، مَا قُلْتُ لَهُ هَكَذَا، وَلَكِنِّي قلت: الْكَاذِب مَلَجَ أمَّه أَي رضعها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المحَّاجُ: الْكذَّاب أَيْضا، وَأنْشد:
ومجَّاج إِذا كثر التجَنّي
قلت: فمحج عِنْد ابْن الْأَعرَابِي لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا الجِماعُ، وَالْآخر الكَذِب.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: مَحَج الْمَرْأَة ومَخَجَها إِذا نَكَحَهَا، ومَحَج اللبنَ ومَخَجَه إِذا مَخَضه.
مجح: قَالَ غير وَاحِد: التَّمَجُّح والتبجج بِالْمِيم وَالْبَاء: البَذَخُ وَالْفَخْر. هُوَ يَتَمَجّح ويَتَبَجّح وَقد مرّ تَفْسِيره.

(4/102)


(أَبْوَاب الْحَاء والشين)
ح ش ض: أهملت وجوهها:)
ح ش ص: اسْتعْمل من وجوهه: (شخص) .
شحص: قَالَ اللَّيْث: الشّحْصاءُ: الشَّاة الَّتِي لَا لبن لَهَا. أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الشَّحاصَة والشَّحَص جَمِيعًا: الَّتِي لَا لبن لَهَا، والواحدة والجميع فِي ذَلِك سَوَاء. شَمِر: جمع شَحَص أشْحُص، وَأنْشد:
بأَشْحُص مُسْتَأْخِر مَسافدُه
العَدَبَّس الكِنانِّي: الشحَصُ: الَّتِي لم يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْل قطّ. وَقَالَ الْكسَائي: إِذا ذهب لبن الشاةِ كلُّه فَهُوَ شَحْص.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: أَشْحَصْتُه عَن كَذَا وشَحَّصْته، وأَقْحَصْته وقَحَّصْته، وأَمْحَصْته ومَحَّصْته إِذا أبعدته، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَّعْدِيّ:
ظعائِنُ من قيس بن عيلانَ أشْحَصَت
بِهن النَّوَى إِن النَّوَى ذَاتُ مِغْولِ
أَشْحَصَت بِهن أَي باعدتْهن.
ح ش س: أهملت وجوهها.
ح ش ز: مهمل.
ح ش ط
اسْتعْمل من وجوهها: شحط، حشط.
شحط: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الشّحط: البُعْد، يُقَال: شَحَطَت الدَّار تَشْحَط شَحْطاٍ وشُحوطاً، قَالَ: والشحْطُ: البُعْد فِي الْحَالَات كلهَا يُثَقَّل ويُخَفَّف، وَأنْشد:
والشَّحْطُ قَطَّاعٌ رَجَاءَ مَنْ رَجَا
وَقَالَ اللَّيْث: الشحْطَةُ: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي صُدُورها لَا تكَاد تنجو مِنْهُ. وَيُقَال لأَثَر سحْج يُصِيب جَنْباً أوْ فَخِذاً وَنَحْو ذَلِك. أَصَابَته شَحْطَة.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: شَحَطه وسَحَطه أَي ذبحه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَحَطَتْه الْعَقْرَب وَوَكَعَتْه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَيُقَال: شَحَط الطَّائِر وَصَامَ، ومزَقَ ومَرَقَ وسَقْسَق، وَهُوَ الشَّحْط وَالصَّوْم.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّوْحَطُ: ضرب من النَّبْع، وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن المُبَرِّد قَالَ: يُقَال إِن النَّبْع والشَّوْحَط والشَّرْيَان شَجَرَة وَاحِدَة وَلكنهَا تخْتَلف أسماؤها بكرم منابتها، فَمَا كَانَ فِي قُلّة الْجَبَل فَهُوَ النَّبْع، وَمَا كَانَ فِي سفحه فَهُوَ الشَّرْيَان، وَمَا كَانَ فِي الحضيض فَهُوَ الشَّوْحَطُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: من أَشجَار الْجبَال النَّبْع والشَّوْحَط والتَّأْلَب.
وَقَالَ اللَّيْث: المِشْحَطُ: عود يُوضَع عِنْد الْقَضِيب من قُضْبان الكرمْ يَقِيه من الأَرْض.
النَّضْر عَن الطَّائِفِي أَنه قَالَ: الشَّحْطُ: عود يُرْفَعُ بِهِ الحَبَلة حَتَّى تستقلّ إِلَى الْعَريش قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْخطاب: شَحَطْتُها أَي وضعت إِلَى جَانبهَا خَشَبَة حَتَّى ترْتَفع إِلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّشحُّطُ: الِاضْطِرَاب فِي الدّم، وَالْولد يَتَشَحّط فِي السَّلَى أَي يضطرب فِيهِ، وأنشدَ بَيت النَّابِغَة:

(4/103)


ويَقْذِفْن بالأَوْلاَد فِي كل منزل
تَشَحَّطُ فِي أسْلائها كالوصائِل
وَقَالَ غَيره: يُقَال: جَاءَ فلَان سَابِقًا قد شَحَطَ الخيلَ شَحْطاً أَي فاتها، وَيُقَال: شَحَطَتْ بَنو هَاشم الْعَرَب أَي فاتوهم فضلا وسبقوهم. وَيُقَال: شَحَط فِي السَّوْم وأَبْعَط إِذا طَمَح فِيهِ.
حشط: أهلمه اللَّيْث، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَشْط: الكشط، ثَعْلَب عَنهُ.
ح ش د
اسْتعْمل من وجوهه: حشد، شحد، شدح.
حشد: قَالَ اللَّيْث: حَشَد الْقَوْم إِذا خَقُّوا فِي التَّعاون وَكَذَلِكَ إِذا دُعُوا فَأَسْرعُوا للإجابة قَالَ: وَهَذَا فعل يسْتَعْمل فِي الْجَمِيع، وقَلَّما يُقَال للْوَاحِد حَشَد إِلَّا أَنهم يَقُولُونَ لِلْإِبِلِ: لَهَا حالبٌ حاشد، وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْتُر عَن حَلْبها، وَالْقِيَام بذلك. قلت: الْمَعْرُوف فِي حلْب الْإِبِل حاشِك بِالْكَاف لَا حاشِد بالدّال، وَقد مرّ تَفْسِيره فِي بَاب حَشَك إِلَّا أَن أَبَا عُبيد قَالَ: يُقَال: حَشَد القومُ، وحَشَكُوا، وتَحتْرشُوا بِمَعْنى وَاحِد فَجمع بَين الدَّال وَالْكَاف فِي هَذَا الْمَعْنى وَفِي حَدِيث صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يُروى عَن أُمِّ معْبد الخُزاعِية: (مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ أَرَادَت أَن أَصْحَابه يخدمونه ويجتمعون عَلَيْهِ. وَيُقَال: احتشد القومُ لفُلَان إِذا أردتَ أَنهم تَحَمَّعوا لَهُ وتَأَهّبوا، وَعند فلَان حَشَدٌ من النَّاس أَي جمَاعَة قد احتشدوا لَهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للرجل إِذا نزل بِقوم وأكرموه وأحسنوا ضيافته قد حشدوا لَهُ، وَقَالَ الفرّاء: حشدوا لَهُ وحَفَلوا لَهُ إِذا اختلطوا لَهُ وبالغوا لَهُ فِي إلْطافه وإكرامه.
الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيب:
أَرض نَزْلَة: تَسِيلُ من أدنى مَطَر، وَكَذَلِكَ أَرْضٌ حَشاد وزَهادٌ، وَأَرْض شَحاح.
وَقَالَ النَّضر: الحَشادُ من المسايل إِذا كَانَت أرضٌ صُلْبة سريعةُ السَّيْل وَكَثُرت شِعابُها فِي الرَّحْبَة وحَشَد بَعْضهَا بَعْضًا.
قَالَ: وَرجل محشود: عِنْده حَشْدٌ من النَّاس.
شحد: قَالَ اللَّيْث: الشُّحْدودُ: السيءُ الخُلُق، وَقَالَت أَعرابية وأرادت أَن تركب بَغْلاً: لَعَلَّه حَيُوص أَو قَمُوص أَو شُحْدودٌ، وَجَاء بِهِ غير اللَّيْث.
شدح: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو عُبيد عَن الْفراء: انشدح الرجل انشداحاً إِذا استلقَى وفَرَّج رِجْلَيْه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة شَوْدَح: طَوِيلَة على وَجه الأَرْض، وَأنْشد:
قَطَعتُ إِلَى مَعْرُوفِها مُنكراتِها
بِفَتْلاءِ إمْرارِ الذِّراعَيْن شَوْدَح
وَيُقَال: لَك عَن هَذَا الْأَمر مُشْتدَح ومُرْتَدَح ومُرْتَكَح ومُنْتَدَح، وشُدْحَةٌ وبُدْحَة ورُكْحة ورُدْحَة وفُسْحة بِمَعْنى وَاحِد.
وكلأ شادِح وسادِح ورادِح أَي وَاسع كثير.
ح ش ت
حتش: قَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: حَتَش يَنْظُر فِيهِ،

(4/104)


وَقَالَ غَيره: حَتَش إِذا أدام النَّظَر. وَقيل: حَتَش الْقَوْم وتَحَتْرَشوا إِذا حَشَدوا.
تشح: قَالَ الطرماح يصف ثورا:
مَلاً بائِصاً ثمَّ اعتَرَتْهُ حَمِيَّةٌ
على تُشْحةٍ من زائِدٍ غيرِ واهِن
(ح ش ظ: مهمل) .
قَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَوْله: على تُشْحَة أَي على جِدَ وحَمِيَّة. قلت: أَنا أَظن التشحة فِي الأَصْل أُشْحة فقُلِبت الهمزَةُ واواً ثمَّ قلبت تَاء كَمَا قَالُوا: تُراث وتَقَوى.
وَقَالَ شمر: يُقَال: أَشِحَ يَأْشَح إِذا غضب، وَرجل أَشْحانُ أَي غَضْبَان. قلت: وأصل تُشْحة أُشْحة من قَوْلك: أَشِحَ.
ح ش ذ
اسْتعْمل من وجوهه:
شحذ: قَالَ اللَّيْث: الشَّحْذُ: التَّحْدِيد. تَقول: شَحَذْت السكّين شَحْذا إِذا أَحْدَدْته فَهُوَ مشحوذ وشحِيذ، وَأنْشد:
يَشْحَذ لَحْيَيْه بنابٍ أَعْصَلِ
أَبُو عُبيد عَن الْأَحْمَر: الشَّحَذانُ: الجائِع.
وَقَالَ اللحياني: شَحَذْتُه بعيني: أَحَدَدتُها فرميته بهَا حَتَّى أصبتُه بهَا وَكَذَلِكَ زَرَقْته وحدجْته قَالَ: وشَحَذْتُه أَي سُقْته سوقاً شَدِيدا، وسائق مِشحذ.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلة:
قلت لإبليسَ وهامان خُذَا
سُوقا بني الجَعْراء سَوْقاً مِشْحَذا
واكْتَنِفاهم من كَذَا وَمن كَذَا
تَكَنُّفَ الرّيح الجَهام الرُّذَّذَا
وَفُلَان مَشْحُوذ عَلَيْهِ أَي مغضوب عَلَيْهِ.
وَقَالَ الأخْطَل:
خيالٌ لأرْوَى والرَّباب وَمن يكن
لَهُ عِنْد أَرْوَى والرَّباب تُبُولُ
يَبِتْ وَهُوَ مَشْحُوذٌ عَلَيْهِ وَلَا يُرَى
إِلَى بَيْضَتَي وَكْرِ الأُنوقِ سَبِيل
شمِر عَن ابْن شُميل: المِشْحاذ: الأَرْض المستوية فِيهَا حَصًى نَحْو حَصَى الْمَسْجِد وَلَا جَبَل فِيهَا، قَالَ: وَأنكر أَبُو الدُّقَيْش المِشْحاذَ.
وَقَالَ غَيره: المِشْحاذ: الأكمة القَرْواء الَّتِي لَيست بضَرِسَة الْحِجَارَة وَلكنهَا مستطيلة فِي الأَرْض، وَلَيْسَ فِيهَا شَجَر وَلَا سَهْل.
أَبُو زيد: شَحَذَت السَّمَاء تَشْحَذُ شَحْذاً، وحَلَبَت حَلْباً وَهِي فَوق البَغْشَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : تَشَحَّذَنِي فلَان وتَزَعَّقَني أَي طردني وعَنَّاني.
ح ش ث
أهملت وجوهه.
ح ش ر
حشر، حرش، شرح، شحر، رشح: (مستعملات) .
حشر: قَالَ اللَّيْث: الْحَشر: حَشْرُ يَوْم الْقِيَامَة، والمَحْشَر: المجمَع الَّذِي يُحْشر إِلَيْهِ الْقَوْم وَكَذَلِكَ إِذا حُشِروا إِلَى بلد أَو

(4/105)


معسكر وَنَحْوه.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {دِيَارِهِمْ لاَِوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن} (الحَشر: 2) نزلت فِي بني النَّضِير، وَكَانُوا قوما من الْيَهُود عاقدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل الْمَدِينَة أَلا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، ثمَّ نَقَضُوا الْعَهْد وَمَا يلوا كُفَّار أهل مَكَّة فقصدهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففارَقُوه على الْجَلاء من مَنَازِلهمْ فجلَوْا إِلَى الشّام، وَهُوَ أوَّلُ حَشْر حُشِر إِلَى أَرض المَحْشَرِ، ثمَّ يُحْشَر الخَلْق يَوْم الْقِيَامَة إِلَيْهَا، وَلذَلِك قيل: لأوّل الْحَشر، وَقيل: إِنَّهُم أول من أُجْلِي من أهل الذِّمّة من جَزِيرَة الْعَرَب، ثمَّ أُجْلِي آخِرهم أيَّامَ عمر بن الْخطاب ح، مِنْهُم نَصَارى نَجْران ويهودُ خَيْبَر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} (التّكوير: 5) ، وَقَالَ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الأنعَام: 38) ، وَأكْثر الْمُفَسّرين قَالُوا: تُحْشَر الوحوشُ كلهَا وَسَائِر الدّواب حَتَّى الذُّباب للْقصَاص، وأُسْنِد ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم: حشرُها: مَوتهَا فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أَصَابَت الناسَ سَنَةٌ شَدِيدَة فأجْحَفَت بِالْمَالِ وأهلكت ذَوَات الْأَرْبَع قيل: قد حشرتْهُم السّنة تحشُرُهم وتحشِرُهم وَذَلِكَ أَنه تُضمُّهم من النواحي إِلَى الْأَمْصَار. وَقَالَ رؤبة:
وَمَا نَجَا من حَشْرِهَا المحْشُوشِ
وحْشٌ وَلَا طَمْشٌ من الطُّمُوشِ
قَالَ: والحَشَرَةُ: مَا كَانَ من صغَار دوابِّ الأَرْض مثل اليَرابِيع والقنافِذِ والضِّبَاب وَنَحْوهَا وَهُوَ اسْم جَامع لَا يُفْرَد الْوَاحِد إِلَّا أَن يَقُولُوا هَذَا من الحَشَرة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحشرات والأحْراشُ والأحْناش وَاحِد وَهِي هوامُّ الأَرْض.
وَفِي (النَّوَادِر) : حُشِر فلانٌ فِي ذَكَره وَفِي بَطْنه وأُحْثِل فيهمَا إِذا كَانَا ضخْمَين من بَين يَدَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَشوَر من الدَّوَابّ: كل مُلَزَّز الخَلْق شديده، وَمن الرِّجَال: العظيمُ البَطْن
أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: الحَشْوَرُ: الْعَظِيم الْبَطن، وَأنْشد غَيره:
حَشْوَرَةُ الْجَنبَيْن مَعْطاءُ القَفَا
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَشر من الآذان وَمن قُذَذِ ريش السِّهام: مَا لَطُف كَأَنَّمَا بُرِي بَرْياً، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي صفة نَاقَة:
لَهَا أُذُن حَشْر وذِفْرَى أَسِيلَة
وخَدٌّ كمِرْآة الغريبة أسْجَحُ
وَقَالَ اللَّيْث: حَشَرْت السِّنان فَهُوَ مَحْشُور أَي دقَّقْتُه وأَلْطَفْته.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن أبي الخَطَّاب: الحَبَّة عَلَيْهَا قِشْرَتان، فالتي تلِي الحَبَّةَ الحَشَرَة والجميع الحَشَر، وَالَّتِي فَوق الحشرة القَصَرَة، قَالَ: والمَحْشَرة فِي لُغَة أهل الْيمن: مَا بَقِي فِي الأَرْض وَمَا فِيهَا من نَبَات بَعْدَمَا يُحْصَد الزرعُ فَرُبمَا ظهر من تَحْتَهُ نَبَات أخْضَر فَذَلِك المَحْشَرَة. يُقَال: أرسلُوا دَوَابَّهم فِي المَحْشَرة.
شحر: قَالَ اللَّيْث: الشِّحْر: سَاحل الْيمن فِي أقصاها، وَأنْشد:
رَحَلْتُ من أقْصَى بِلَاد الرُّحَّلِ
من قُلَل الشِّحْرِ فجَنْبَي مَوْكَلِ

(4/106)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشِّحْرَةُ: الشَّطّ الضَّيِّق، والشِّحْر: الشَّطّ.
شرح: قَالَ اللَّيْث: الشَّرْح والتَّشريح: قَطْع اللَّحْم عَن العُضْو قَطْعاً، وكلُّ قطْعة مِنْهَا شَرْحَةٌ.
وَيُقَال: شَرَح الله صدرَه فانشرَح أَي وَسَّع صدرَه لقَبول الحقِّ فاتَّسع.
وَيُقَال: شرحَ فلانٌ أَمْرَه أَي أوضحه. وَشرح مَسْأَلَة مُشْكِلة إِذا بَيَّنها.
وَشرح جَارِيته إِذا سَلَقَها على قَفاها ثمَّ غَشِيَها.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ أَهْل الْكتاب لَا يَأْتُون نساءَهم إِلَّا على حَرْفٍ، وَكَانَ هَذَا الحيُّ من قُرَيش يَشْرحون النساءَ شَرْحاً.
وَسَأَلَ رجل الحَسن: أَكَانَ الأنبياءُ يَشْرحون إِلَى الدُّنيا مَعَ علمهمْ برَبهمْ، يُرِيد كَانُوا يَنْبَسِطُون إِلَيْهَا ويرغبون فِي اقْتِنائها رَغْبَةً وَاسِعَة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رجُل من الْعَرَب لفَتَاه: أَبْغني شارحاً فإنَّ أَشَاءَنا مُغَوَّسٌ، وإنّي أخافُ عَلَيْهِ الطَّمْلَ.
قَالَ أَبُو عَمْرو: الشَّارِح: الْحَافِظ، والمُغَوَّسُ: المُشَنَّخُ. قلتُ: تَشْنِيخُ النَّخْل: تَنْقِيحُه من السُّلاَّء. والأشَاءُ: صغَار النّخل.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الشّرْحُ: الحِفْظُ، والشَّرح: الفَتْحُ، والشَّرْحُ: البيانُ، والشَّرْح: الْفَهم، والشَّرْح: افْتِضاض الْأَبْكَار، وَأنْشد غَيره فِي الشَّارح بِمَعْنى الْحَافِظ:
وَمَا شاكِرٌ إِلَّا عَصافيرُ قَرْيَةٍ
يقومُ إِلَيْهَا شارِحٌ فَيُطِيرُها
وَالشَّارِح فِي كَلَام أهل الْيمن: الَّذِي يحفظ الزرعَ من الطُّيُور وَغَيرهَا.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الشَّرْحَة من الظِّبَاء: الَّذِي يُجاءُ بِهِ يَابسا كَمَا هُوَ لم يُقَدّد. يُقَال: خُذْ لنا شَرْحَةً من الظِّباء، وَهُوَ لحم مَشْرُوح، وَقد شَرَحْته وشَرَّحْتُه.
والتَّصْفِيف نَحْو من التَّشْريح وَهُوَ تَرْقِيق البَضْعَةِ من اللّحم حَتَّى يَشِفَّ من رِقَّته ثمَّ يُلْقَى على الجَمْر.
رشح: قَالَ ابْن المظفّر: الرَّشْح: نَدَى العَرَق على الْجَسَد. يُقَال: رشح فلَان عَرَقاً، والرَّشح: اسْم لذَلِك الْعرق، وسُمِّيت البطانة الَّتِي تَحت لِبد السَّرْجِ مِرْشحة لِأَنَّهَا تُنَشِّف الرَّشحَ يَعْنِي العَرَق.
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمَة عَن الْفراء يُقَال: أَرْشَح عَرَقاً ورَشَح عَرَقاً بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَّشْح: العَرَق.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّرْشيح: أَن تُرَشِّحَ الأمُّ وَلَدهَا باللَّبن الْقَلِيل تجعلُه فِي فِيه شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى يَقْوَى لِلْمَصِّ، قَالَ: والتَّرْشيح أَيْضا: لَحْسُ الأُمّ مَا على طفلها من النُّدُوَّةِ حِين تَلِدُهُ وَأنْشد:
أُمُّ الظِّبَاء تُرَشَّح الأطْفالاَ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا وضعت النَّاقة وَلَدهَا فَهُوَ سَلِيل، فَإِذا قَوِي وَمَشى فَهُوَ راشِح، وَأمه مُرْشِح، فَإِذا ارْتَفع عَن الرّاشح فَهُوَ جادِل.

(4/107)


وَقَالَ اللَّيْث: الراشِح والرَّواشِح: جبال تَنْدَى، فَرُبمَا اجْتمع فِي أُصُولهَا مَاء قَلِيل، فَإِن كثُر سُمِّي وَشَلاً، وَإِن رَأَيْته كالعرق يجْرِي خلال الْحِجَارَة سُمِّى راشِحا.
وَقَالَ غَيره: بَنو فلَان يَسْتَرْشحون البقلَ أَي يَنْتَظِرون أَن يَطُول فَيَرْعَوْه ويَستَرْشحون البُهْمَى يُرَبّونه ليَكْبُر، وَذَلِكَ الْموضع مُسْتَرْشَح، وَقَالَ ذُو الرُّمة يصف الْحمير:
يُقَلِّبُ أَشْبَاها كَأَن مُتُونَها
بمُستَرْشَح البُهمى من الصّخْر صَرْدَحُ
وَيُقَال: فلانُ يُرَشَّحُ للخلافة إِذا جُعِل وَلِيَّ العَهْد.
حرش: اللَّيْث: الحَرْش والتَّحْرِيش: إغراؤك الْإِنْسَان والأسدَ ليَقَع بِقِرْنه.
والأحْرَش من الدَّنانير: الخَشِن لجدَّته، والضَّبُّ أَحْرَشُ: خَشِنُ الْجلد كأنّه مُحَزَّز.
وَتقول: أَحْرَشْتُ الضَّبَّ وَهُوَ أَن تُحَرِّشَه فِي جُحْره فتُهَيِّجه فَإِذا خرج قَرِيبا مِنْك هَدَمتَ عَلَيْهِ بَقِيَّة الْجُحر وَرُبمَا حدشَ الضَّبُّ الأفْعى إِذا أَرَادَت أَن تَدْخُل عَلَيْهِ قاتلها.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيل: يُقَال: قد احترشُوا الضِّباب.
قَالَ: والحَرْش: أَن يُقَعْقِع الرجلُ الحِجارةَ على رَأس جُحرِه، أَو يُحرّكَ عَصاً أَو حَصًى على قَفَا جُحره فيحسِبُه دابّة تُرِيدُ أَن تدخل عَلَيْهِ فَيَجِيء ويَزْحَل على رِجْليه لِيُقَاتل فيناهِزه الرجلُ فيأخُذَ بِذَنبِهِ فيُضَبِّب عَلَيْهِ فَلَا يَقْدر أَن يَفيضَ ذَنَبُه أَن يُفْلِتَه أَي لَا يقدر أَن يَنْفلِت مِنْهُ.
قَالَ شَمِر: والتَّضْبيب: شدّة الْقَبْض، قَالَ والمُنَاهَزَة: المُبادَرة، قَالَ: وأَفْعَى حَرْشاء: خشنة الْجلْدَة، وَهِي الْحَرِيش أَيْضا. وَأنْشد:
تَضْحَكُ مِنّى أَن رَأَتْني أحْتَرِشْ
وَلَو حَرَشْتِ لكَشَفْت عَن حِرْش
أَرَادَ عَن حِرِك يقلبون كَاف المخاطبة للتأنيث شِينا.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: من أمثالهم فِي مُخاطبة الْعَالم بالشيءِ مَنْ يُريد تعليمَه: (أَتُعْلِمُني بضَبَ أَنا حَرَشتُه) ونحوٌ مِنْهُ قَوْلهم: (كمعلِّمَة أمَّها البِضَاعَ) .
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرِيشُ، يُقَال هُوَ دابّة لَهُ مَخالب كمخالب الْأسد، وَله قَرْنٌ وَاحِد فِي وسطِ هامته، وَأنْشد:
بهَا الحَرِيش وضِغْزٌ مائل ضَئْزٌ
يأوي إِلَى رَشحٍ مِنْهَا وتَقْلِيص
قلت: وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا الْبَيْت، وَلَا أعرف قَائِله، وَقَالَ غير اللَّيْث:
وَذُو قَرْنٍ يقالُ لَهُ حَرِيش
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا أَقْرَأَنِيهِ الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى لَهُ: الهِرْمِيس: الكرْكَدَّنُ: شَيْء أعظم من الْفِيل لَهُ قرن يكون فِي الْبَحْر أَو على شاطئه، قلت: وكأنّ الحَرِيش والهِرْمِيس شَيْء وَاحِد وَالله أعلم.
أَبُو عُبيد: الحَرْشُ: الأثَر، وَجمعه حِراشٌ، وَبِه سُمِّي الرجل حِراشاً.
وَسمعت غير وَاحِد من الْأَعْرَاب يَقُول للبعير الَّذِي أَجْلَبَ دَبَرُه فِي ظَهره: هَذَا بعير أَحْرَش، وَبِه حَرَش، وَقَالَ الشَّاعِر:

(4/108)


فطارَ بكَفِّي ذُو حِراش مُشَمِّرٌ
أحَذُّ ذَلاَذِيلِ العَسيب قصير
أَرَادَ بِذِي حِراش جَمَلا بِهِ أثر الدّبَر. وَيُقَال: حَرَشْتُ جَرَب الْبَعِير أَحْرِشه حَرْشاً وخَرَشْتُه خَرْشاً إِذا حكَّكتَه حَتَّى تَقَشَّر الجلدُ الأعْلى فيَدْمى ثمَّ يُطْلى حينئذٍ بالهِناء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَرْشاءُ من الجُرْب: الَّتِي لم تُطْل، قلت: سُمّيت حَرْشاء لخشونة جلدهَا، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَحَتَّى كأَنِّي يَتَّقِي بِي مُعَبَّد
بِهِ نُقْبَةٌ حرشاءُ لم تَلْقَ طاليا
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: وَمن نَباتِ السَّهْل: الحَرْشاءُ والصَّفراء والغَبْراء، وَهِي أعشاب مَعْرُوفَة تَسْتَطيبُها الرّاعية.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْشُ، ضَرْب من البَضْع وَهِي مُسْتَلْقِية.
أَبُو سعيد: دَرَاهِم حُرْشٌ: جِيادٌ خُشْن حَدِيثَة الْعَهْد بالسِّكّة.
ح ش ل
أهملت وجوهها غير حرف وَاحِد:
شلح: قَالَ اللَّيْث: الشَّلْحاء: هُوَ السيفُ بلُغة أهل الشَّحْر وهم بأقصى الْيمن، وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الشُّلْح: السيوف الحِدادُ.
قلتُ: مَا أُرَى الشَّلْحاء والشلْحَ عَرَبِيَّة صَحِيحَة، وَكَذَلِكَ التشليح الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ أهل السوَاد، سمعتهم يَقُولُونَ: شُلَّح فلَان إِذا خرج عَلَيْهِ قُطَّاع الطَّرِيق فسلبوه ثِيَابه وعَرَّوْه، وأحسِبُها نَبَطِيَّة.
ح ش ن
حشن، حَنش، شحن، نشح، نحش، شنح: (مستعملات) .
حشن: قَالَ ابْن المُظَفّر وَغَيره: حَشِنَ السقاءُ يَحْشَن حَشناً وأَحْشَنْتُه أَنا إحْشَانا إِذا أكثرت استعمالَه بِحَقْن اللَّبن فِيهِ وَلم تتعهّده بِمَا يُنظّفه من الوَضَر والدّرَن فأرْوَحَ وتغيّر بَاطِنه ولَزِق بِهِ وسخ اللَّبن.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَويّ: الحِشْنة: الحِقدُ، وأنشدنا.
أَلا لَا أَرَى ذَا حِشْنَةٍ فِي فَؤاده
يُجَمْجِمُها إِلَّا سَيَبْدو دفِينُها
وَقَالَ شَمِر: لَا أعرف الْحِشْنَة، قَالَ: وأراهُ مأخوذاً من حَشِن السقاء إِذا لزِق بِهِ وضَر اللبنِ ودَرِن، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وَإِن أتَاها ذُو فِلاَقٍ وحَشَن
يَعْنِي وَطْبا تَفَلَّقَ لَبَنه وَوَسِخَ فَمُه
شحن: قَالَ اللَّيْث: الشَّحْنُ: مَلْؤُك السفينةَ وإتمامُك جهازَها كُلّه فَهِيَ مشحونة: مَمْلُوءَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الاَْرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (الشُّعَرَاء: 119) يُرِيد المملُوء.
قلت: والشِّحْنةُ: مَا يُقامُ للدّواب من العَلَفِ الَّذِي يكفيها يومَها وليلتَها هُوَ شِحْنَتها.
وشِحْنَةُ الكُورة: مَنْ فيهم الْكِفَايَة لضبْطها من أَوْلِيَاء السُّلْطَان.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّحْناء: الْعَدَاوَة، وَهُوَ مُشاحن لَك، وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال:

(4/109)


شاحَنْتُه مشاحنةً من الشحناء، وآحنتُه مُؤاحنة من الإحْنة.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ وَأبي زيد: أشحَنَ الرجلُ إشحاناً، وأجْهَشَ إجهاشاً إِذا تهَيَّأ للبكاء، قَالَ الخُذَلِيّ.
... وَقد هَمَّت بإشحانِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سيوف مُشْحَنةٌ فِي أغْمادِها، وَأنْشد:
إِذْ عارَتِ النَّبْل والْتَفَّ اللُّفُوفُ وَإذْ
سَلُّوا السيوفَ عُرَاةً بعد إشحَان
وَسمعت أعْرَابِيّاً يَقُول لآخر: اشحَنْ عَنْك فلَانا أَي نحّه وأبْعِده، وَقد شحنه يَشْحَنُه شَحْناً إِذا طرده.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ الشَّيباني: الشّاحن من الْكلاب: الَّذِي يُبْعد الطريدَ وَلَا يَصِيد، وَفِي الحَدِيث (يغْفر الله لكل بشر، مَا خلا مُشْركًا أَو مُشاحِناً) .
قَالَ شَمِر: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هُوَ صاحبُ البِدْعة المفارق للْجَمَاعَة والأُمَّة.
وَقيل المُشاحنة: مَا دُون الْقِتَال من السَّبِّ والتَّعاير، مَأْخُوذ من الشَّحناء. وَهِي الْعَدَاوَة.
شنح: اللَّيْث: الشناحيّ: يُنعت بِهِ الجَمل فِي تَمام خَلْقه، وَأنْشد:
أَعَدُّوا كلَّ يَعْمَلَةٍ ذَمُولٍ
وأَعْيَسَ بازلٍ قَطِمٍ شَناحِي
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الشَّناحيُّ: الطّويل، وَيُقَال: هُوَ شَناحٌ كَمَا ترى.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الشُّنُح: الطِّوالُ. والشُّنُح: السُّكارى.
نشح: قَالَ اللَّيْث: نَشَحَ الشارِبُ إِذا شَرِب حَتَّى امْتَلَأَ.
وسِقاء نَشَّاح: نَضَّاح.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النُّشُح السُّكَارَى.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: النَّشوح من قَوْلك: نَشَحَ إِذا شَرِب شُرْباً دون الرِّيِّ.
وَقَالَ أَبُو النّجْم:
حتَّى إِذا مَا غَيَّبَتْ نَشُوحا
وسمعتُ أعرابيّاً يَقُول لأَصْحَابه: أَلا وانْشَحُوا خيلَكم نَشْحاً أَي اسقوها سَقْياً يَفْثأ غُلَّتَها وَإِن لم يُرْوِها، وَقَالَ الرَّاعي يذكر مَاء ورده:
نَشحْتُ بهَا عَنْساً تَجافَى أظَلُّها
عَن الأُكْم إِلَّا مَا وَقَتْها السَّرائح
حَنش: اللَّيْث: الحَنشُ: مَا أَشْبه رُؤوسه رُؤُوس الحيّات من الحَرابِي وسَوَامِّ أَبْرَصَ ونحوِها، وَأنْشد:
تَرَى قِطَعاً من الأحْناشِ فِيهِ
جَماجِمُهُن كالخَشَلِ النَّزِيعِ
وَقَالَ شمر: الحنَش: الحَيَّة، وَقَالَ غَيره: الأَفْعَى، قَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَكم حَنَشٍ ذَعْفِ اللُّعابِ كأنّه
على الشَّرَك العَادِيِّ نِضْوُ عِصَامِ
والذَّعْفُ: الْقَاتِل، وَمِنْه قيل: مَوت ذُعافٌ.
قَالَ شمر: وَيُقَال للضَّباب واليَرابِيع: قد

(4/110)


احْتَنَشَت فِي الظَّلَم أَي اطَّرَدَت وَذَهَبت فِيهِ، وَأنْشد شمر فِي الحَنَش:
فاقْدُرْ لَهُ فِي بعض أَعْرَاض اللِّمَمْ
لَمِيمَةً من حَنَشٍ أعْمَى أَصَمْ
فالحنَشُ هَاهُنَا الحيّة، وَقَالَ الكُمَيْتُ:
فَلَا ترأمُ الْحِيتانُ أَحْنَاش قَفْرةٍ
وَلَا تَحْسَب النِّيبُ الحِجاشَ فِصَالَها
فَجعل الحَنَش دَوابَّ الأَرْض من الحيَّات وَغَيرهَا. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحَنَشُ: الحيّة، والحَنَشُ كُلّ شَيْء يُصادُ من الطَّير والهَوامِّ. يُقَال مِنْهُ: حَنَشْتُ الصيدَ أحْنِشُه وأَحْنُشُه إِذا صِدْتَه، وَقيل: المَحْنُوشُ: الَّذِي لسَعَتْه الحَنَش، وَهِي الحَيَّة، وَقَالَ رُؤْبة:
فقُلْ لذاكَ المُزْعَج المَحْنُوش
أَي فَقل لذاك الَّذِي أقلقه الحَسَد وأزعجه، وَبِه مِثْلُ مَا باللَّسِيع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَحْنُوش: المَسُوق جِئْت بِهِ تَحْنِشُه أَي تسوقه مُكْرَهاً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حَنَشْتُه عَنهُ: عطفته. قلت: هُوَ بِمَعْنى طَرَدْته، يُقَال: حَنَشه وعَنَشه إِذا سَاقه وطرده، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المحنوش: المَغْموزُ فِي حَسَبه.
نحش: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ شَمِر فِيمَا قَرَأت بخَطّه: سَمِعْتُ أَعْرَابِياً يَقُول: الشِّظْفَةُ والنِّحَاشَةُ: الخُبْزُ المُحْتَرِق، وَكَذَلِكَ الجِلْفَةُ: والقِرْفَةُ.
ح ش ف
حشف، حفش، فشح، فحش: مستعملة.
حشف: قَالَ اللَّيْث: الحَشَفُ من التَمْر: مَا لم يُنْوِ، فَإِذا يَبِس صَلُب وفَسَد لَا طعم لَهُ وَلَا لحاء، وَلَا حلاوة.
وَيُقَال: قد أحشف ضَرْعُ النّاقة إِذا انقبض يَسْتَشنّ أَي يصير كالشَّنِّ.
قَالَ: والحَشَفَةُ: مَا فَوق الخِتَان.
ابْن السّكيت: الحَشِيفُ: الثَّوْب الخَلَق وَأنْشد:
أُتِيحَ لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشِيفٍ
إِذا سامَت على المَلَقَاتِ سامَا
وَيُقَال لأُذُن الْإِنْسَان إِذا يَبِس فَتَقبَّض قد استَحْشَفَ وَكَذَلِكَ ضَرْعُ الأُنثى إِذا قَلَص وتَقَبَّضَ، يُقَال لَهُ: حَشَفٌ، وَقَالَ طرفَة:
على حَشَفٍ كالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّد
وَيُقَال للجزيرة فِي الْبَحْر لَا يَعْلُوها المَاء حَشَفَةٌ وَجَمعهَا حِشافٌ إِذا كَانَت صَغِيرَة مُسْتَديرة، وَجَاء فِي الحَدِيث أنَّ موضِعَ بيتِ الله كَانَت حَشَفَة فَدَحَا الله الأَرْض عَنْهَا.
وَيُقَال: رأيتُ فلَانا مُتَحشِّفاً إِذا رَأَيْته سيِّىء الْحَال مُتَقَهِّلاً رَثَّ الْهَيئَة.
وَقَالَ شمر: الحُسَافَةُ والحُشافَةُ، بِالسِّين والشين: المَاء الْقَلِيل.
فحش: اللَّيْث: الفُحْشُ: مَعْرُوف، والفَحْشاءُ: اسْم الفاحِشَة، وكل شَيْء جَاوز حدّه وقدرَه فَهُوَ فَاحش. وأَفْحشَ الرجلُ إِذا قَالَ قولا فاحِشاً، وَقد فَحُش علينا فلَان، وَإنَّهُ لفَحَّاش، وكل أَمر لَا يكون مُوافِقاً للحق فَهُوَ فاحِشَة، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (النِّساء: 19) قيل: الفاحِشَة المَبَيِّنَةُ: أَن تَزْنِي فَتُخرَجَ للحَدِّ، وَقيل: الفاحِشَةُ: خُرُوجهَا من بَيتهَا من غير إذْن

(4/111)


زَوْجها.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَن تَبْذَأَ على أَحْمائها بذَرَابة لِسانِها فَتُؤْذِيهَم، وتأوَّل ذَلِك فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قَيْس أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَذكر أَنه نقلهَا إِلَى بَيت ابنِ أُمِّ مَكتُوم لِبَذاءتها وسَلاطَة لسانها، وَلم يُبْطِلْ سُكْناها لقولِ الله جلّ وعزّ: {رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} (الطّلَاق: 1) . وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ} (البَقَرَة: 268) : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ يَأْمُركُمْ بِأَن لَا تَتَصَدَّقُوا، وَقيل: الفَحْشَاءُ هَاهُنَا البُخْل، وَالْعرب تسمي البَخِيل فاحِشاً، وَقَالَ طرفَة:
أرى الموتَ يَعْتَامُ الكِرامَ ويَصْطفِي
عَقِيلةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
وَفِي الحَدِيث: (إِن الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّش، فالفَاحِشُ هُوَ ذُو الفُحْشِ والخَنَا من قَول وفِعْل، والمتفحِّش: الَّذِي يَتكلَّف سَبَّ النّاس ويُفْحِش عَلَيْهِم بِلِسَانِهِ، وَيكون المُتَفَحِّش: الَّذِي يَأْتِي الفاحِشَة المَنْهِيَّ عَنْهَا وَجَمعهَا الفواحِش.
حفش: قَالَ اللَّيْث: الحِفْش: مَا كَانَ من أَسْقاط الْأَوَانِي الَّتِي تكون أوعيةً فِي الْبَيْت للطِّيب وَنَحْوه، وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ رجلا من أَصْحَابه ساعياً، فقَدِم بِمَال وَقَالَ: أمَّا كَذَا فَهُوَ من الصَّدقَات، وَأما كَذَا وَكَذَا فإنّه مِمَّا أُهْدِيَ لي، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَلاَّ جلس فِي حِفْشِ أُمِّه فينْظُرَ: هَل يُهدى لَهُ) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحِفْشُ: الدُّرْجُ وَجمعه أَحْفَاش، قَالَ أَبُو عُبَيد: شَبَّه بيتَ أمه فِي صِغَره بالدُّرْجِ.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أنّه قَالَ: الحِفْشُ: الْبَيْت الذَّليل القَرِيب السَّمْكِ من الأَرْض ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قلت: وأصل الحِفْش: الدُّرْج، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيد، وشَبَّه الْبَيْت الصَّغِير بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفْش مصدر قَوْلك: حَفَش السيلُ حَفْشاً إِذا جَمَع المَاء من كلِّ جانِب إِلَى مُسْتَنْقَعٍ وَاحِد، فَتلك المسايل الَّتِي تَنْصَبُّ إِلَى المَسيل الْأَعْظَم هِيَ الحَوافِشُ، واحدتها حافِشة، وَأنْشد:
عَشِيَّةَ رُحْنَا وَرَاحوا إِلَيْنَا
كَمَا مَلأ الحافِشاتُ المَسِيلا
وَيُقَال للْفرس: يَحْفِشُ الجريَ أَي يُعقب جَرْياً بعد جَرْي وَلَا يزدادُ إِلَّا جَوْدة، وَقَالَ الكُمَيْتُ يَصِفُ غَيْثاً:
بكُلِّ مُلِثَ يَحْفِشُ الأُكْمَ وَدْقُه
كأنّ التِّجارَ اسْتَبْضَعَتْه الطيالِسا
قَالَ شمر: يحفش: يَسِيل، وَيُقَال: يَقْشِر. يَقُول: اخْضَرَّ ونَضر، فشبَّهه بالطّيالِسة.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوي: يُقَال: هم يَحْفِشون عَلَيْك ويَجْلِبُون عَلَيْك أَي يَجْتَمعُونَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفش: الْجَرْيُ.
وَيُقَال: حَفَشَتِ الْمَرْأَة لزَوجهَا الوُدَّ إِذا اجتهدت فِيهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَفَشَت الأوْدِية إِذا سَالَتْ كلّها.

(4/112)


وتَحَفَّشَتِ الْمَرْأَة على زَوجهَا إِذا أَقَامَت ولَزِمَته وأكَبَّتْ عَلَيْهِ.
أَبُو زيد: يُقَال: حَفَشت السماءُ تَحْفِش حَفْشاً، وحشَكَت تَحْشِك حشْكاً، وأغْبَت تُغْبي إغْباء فَهِيَ مُغْبِيةٌ وَهِي الغَبْيَةُ والْحَفْشَة والحَشْكَةُ من الْمَطَر بِمَعْنى واحِد.
ابْن شُميل قَالَ: الحَفَشُ: أَن تأخذَ الدَّبَرَة فِي مُقدَّم السّنام فتأكُلَه حَتَّى يَذهَب مُقدَّمُه فِي أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ فَيبقى مُؤخَّرُه مِمَّا يلى عَجُزُه قَائِما صَحِيحا، وَيذْهَب مُقَدّمُه مِمَّا يَلِي غارِبَه. يُقَال: قد حَفِش سَنَام الْبَعِير، وبعير حَفِشُ السَّنامِ، وجمل أحفَش وناقة حَفْشاء وحفِشَة، وَقَالَ شُجاعٌ الْأَعرَابِي: حَفَزوا علينا الْخَيل والرِّكابَ وحفَشوها إِذا صَبُّوها عَلَيْهِم.
وتَحَفَّشَت الْمَرْأَة فِي بَيتهَا إِذا لَزِمته فَلم تَبَرحْه.
فشح: أهْمَله الليثُ: وأخْبَرني المُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: فَشَجَ وفَشَّج، وفَشح وفَشَّحَ إِذا فَرَّج مَا بَين رِجْلَيه بِالْحَاء وَالْجِيم.
ح ش ب
حشب، حبش، شحب، شبح: مستعملة.
حشب: قَالَ اللَّيْث: الحوْشَب: عَظْمٌ فِي بَاطِن الْحَافِر بَين العَصَبِ والوَظِيفِ، قَالَ: والحَوْشَبُ: العَظِيم الْبَطن مثله، وَأنْشد بَيْتَ الأَعْلَم الهُذَلي:
وتَجُرُّ مُجْرِيةٌ لَهَا
لَحْمِي إِلَى أَجْرٍ حواشِبْ
أَجْرٍ جمع جِرْوٍ على أَفْعُل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَوْشبُ: حَشْوُ الحافرِ، والجُبَّةُ الَّذِي فِيهِ الحَوْشَبُ، قَالَ والدَّخِيس: بَين اللَّحْمِ والعَصَب، وَأنْشد:
فِي رُسُغٍ لَا يَتَشَكّى الحوْشَبا
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الحوْشَب: مَوْصِل الوَظيف فِي الرُّسْغ، وَقَالَ: الحوْشبانِ: عَظْما الرُّسغَيْن. وَمِمَّا يذكر من شعر أَسَد بن ناعِصَة:
وخَرْقٍ تَبَهْنَسُ ظِلْمانُه
يُجَاوِبُ حوْشَبَه القَعْنَبُ
قيل: القَعْنَبُ: الثَّعْلَب الذَّكَر، والحوْشَب: الأرنَب الذَّكَر، وَقيل: الحَوْشَبُ: العِجْل: وَهُوَ وَلَد الْبَقر.
وَقَالَ الآخر:
كأنَّها لما أزْلأَمّ الضُّحى
أُدْمانَةٌ يَتْبَعُها حوْشَبُ
وَقَالَ بَعضهم: الحَوْشَبُ: الضامرُ والحوْشبُ: الْعَظِيم الْبَطن، فَجعله من الأَضْداد، وَأنْشد:
فِي البُدْن عِفْضَاجٌ إِذا بدَّنْتَه
وإِذا تُضَمِّره فحَشْرٌ حوْشَبُ
فالحشْر: الدَّقِيق، والحوْشَب: الضَّامر.
وَقَالَ المؤرّج: احتَشب القومُ احتِشاباً إِذا اجْتَمعُوا.
وَقَالَ أَبُو السَّمَيْدع الأعْرابي: الحَشيب من الثِّيَاب والخَشِيب والجَشِيب: الغليظ.
وَقَالَ المُؤرّج: الْحَوْشَبُ والْحَوْشَبَة: الْجَمَاعَة من النّاس.
شبح: قَالَ اللَّيْث: الشَّبحُ: مَا بدا لَك شخصُه

(4/113)


من النَّاس وَغَيرهم من الْخَلق، يُقَال: شَبَح لنا أَي مَثَل، وَأنْشد:
رَمَقْتُ بِعَيْنِي كلَّ شَبْح وحائِل
والجميع الأشباح. وَيُقَال فِي التصريف: أَسمَاء الأشباح: وَهُوَ مَا أَدْرَكته الرُّؤْية والْحِسُّ.
قَالَ: والشَّبْح: مَدُّكَ شَيْئا بَين أَوتاد. والمضروب يُشبَحُ إِذا مُدَّ للجَلْد.
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ مشبوح الذِّراعين أَي عريض الذِّراعين، وَقَالَ اللَّيْث أَي طويلَها.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كَانَ شَبْحَ الذِّراعين.
وَيُقَال: شبحتُ الْعود شَبْحاً إِذا نَحَتَّهُ حَتَّى تُعَرِّضَه.
وَيُقَال: هلك أشباحُ مَاله أَي هلك مَا يُعرف من إبِله وغنمه وَسَائِر مواشيه، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَلَا تذْهب الأحسابُ من عُقْرِ دَارنَا
وَلَكِن أشباحاً من المَال تَذْهَب
وَيُقَال: شَبَح الدَّاعِي إِذا مد يَده للدُّعَاء وَقَالَ جرير:
وعليكِ من صلوَات ربِّك كلَّما
شبَح الْحَجيجُ الملْبِدونَ وغاروا
شحب: اللَّيْث: شحَب يَشْحَب لونُ الرجل شُحوباً إِذا تغير من هُزال أَو عمل أَو سفر. أَبُو زيد: شحَب لَونه يشْحُب ويشحَب، وَيُقَال: شَحَب وشَحُب، وَقَالَ لَبِيد:
رأَتني قد شَحَبْت وسَلَّ جسمي
طِلاَبُ النَّازِحات من الهموم
حبش: قَالَ اللَّيْث: الحَبَش: جنس من السودَان، وهم الحَبيشُ والحُبْشان، وَيُقَال الحَبَشَة على بِنَاء سَفَرَة، قَالَ: وَهَذَا خطأ فِي الْقيَاس، لِأَنَّك لَا تَقول للْوَاحِد حابش مثل فَاسِق وفَسَقَه وَلَكِن لما تُكُلِّمَ بِهِ سَار فِي اللُّغَات وَهُوَ فِي اضطرار الشّعْر جَائِز.
قَالَ: والأُحْبُوش: جمَاعَة كالحَبَش، وَقَالَ العجّاج:
كأَنَّ صِيران المَها الأخْلاطِ
بالرَّمْل أُحْبُوشٌ من الأنباطِ
قَالَ: وَأما الْأَحَابِيش فَكَانُوا أَحيَاء من القارَة انضمُّوا إِلَى بني لَيْثٍ فِي الْحَرْب الَّتِي وَقعت بَينهم وَبَين قُرَيْش قبل الْإِسْلَام، فَقَالَ إِبْلِيس لقريش: إِنِّي جَار لكم من بني لَيْث فواقعوا محمَّدا، وَفِيه يَقُول الْقَائِل:
لَيْثٌ ودِيلٌ وكَعْبٌ وَالَّتِي ظَأَرت
جُمْعَ الْأَحَابِيش لمَّا احمَرّت الْحَدَقُ
قَالَ: فَلَمَّا سميت تِلْكَ الْأَحْيَاء بالأحابيش من قبل تَجمُّعها صَار التحبيش فِي الْكَلَام كالتَّجميع، وَقَالَ رُؤْبةُ:
أولاكِ حَبَّشْتُ لَهُم تحبيشي
وَقَالَ غَيره: حَبَّشتُ لِعِيَالِي وهَبَّشت أَي كسبت وجمعت، وَهِي الحُباشة والهُباشة وَأنْشد:
لَوْلَا حُباشاتٌ من التَّحبيش
وتحبَّش الْقَوْم وتهبشوا إِذا تجمعُوا.

(4/114)


قَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَالَ اللِّحياني: إِن الْمجْلس ليجمع حُباشات وهُباشات أَي نَاسا لَيْسُوا من قَبيلَة وَاحِدَة.
اللَّيْث: الْحُبشِيَّة: ضرب من النَّمْل سُود عِظام، لمَّا جُعل ذَلِك اسْما لَهَا غيَّروا اللَّفْظ ليَكُون فرقا بَين النِّسْبَة وَالِاسْم، فالاسم حُبْشِيَّة، وَالنِّسْبَة حَبَشِيّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: من أَسمَاء العُقاب الحُباشِيَّة، والنُّساريَّة تُشبَّه بالنِّسر.
ح ش م
حشم، حمش، شَحم، محش: مستعملة.
حشم: اللَّيْث: الحَشَم. خَدَم الرجل. وَقَالَ غَيره: حَشَمُ الرجل. مَنْ يغْضب لَهُ إِذا أَصَابَهُ أَمر. وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: حَشَمتُ الرجلَ أَحْشِمه حَشْماً إِذا أَغْضَبْته، قَالَ ذَلِك الْفراء وَغَيره، وَأنْشد فِي ذَلِك:
لعَمرُك إنَّ قُرْصَ أبي خُبَيْبٍ
بطيءُ النُّضْج محشوم الأكيل
أَي مُغضَب.
قَالَ: وحَشَمُ الرجل: قَرَابته وَعِيَاله ومَنْ يغْضب لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِشْمة: الانقباض عَن أَخِيك فِي المَطعم وَطلب الْحَاجة. تَقول: احْتَشَمْتَ، وَمَا الَّذِي أحشمك وَيُقَال حَشَمك.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُشوم: الإقبال بعد الهزال يُقَال: حشَم يحشِم حُشوماً، وَرجل حاشم وَقد حَشَمت الدَّوابُّ فِي أول الرّبيع، وَذَلِكَ إِذا أَصَابَت مِنْهُ شَيْئا فَحَسُنت بطونها وعَظُمت.
وَقَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب: الحُسوم يُورث الحُشوم، قَالَ: والحسوم: الدُّؤوب، والحُشوم: الإعياء. وَقَالَ فِي قَول مُزاحِم:
فعنَّت عُنوناً وَهِي صغْواءٌ مَا بهَا
وَلَا بالخوافي الضاربات حشُوم
أَي إعياء، وَقد حُشِم حَشما.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فِي يَدَيْهِ حُشوم أَي انقباض، وروى الْبَيْت:
وَلَا بالخوافي الخافقات حُشُوم
وَقَالَ اللِّحياني: الحُشْمة بالضَّم: الْقَرَابَة يُقَال: لي فيهم حُشْمة أَي قَرابة. وَهَؤُلَاء أحشامي أَي جيراني وأضيافي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ بعض الْعَرَب: إِنَّه لمُحْتَشِم بأَمْري أَي مهتم بِهِ.
قَالَ: وأحشمتُ الرجلَ: أغضبتُه. والاحتِشام. التَغَضُّب.
شمر: وَقَالَ يُونُس: لَهُ الحُشمة: الذِّمام وَهِي الحُشْم، قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: الحُشْمة والحَشَم. وَإِنِّي لأتحشَّم مِنْهُ تحشُّماً أَي أتذمم وأستحي، قَالَ: وحَشَمت فلَانا وأحْشمته أَي أغضبته.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: حَشَمت الرجلَ وأحشمته وَهُوَ يجلس إِلَيْك فتُؤذيه وتُسْمِعُه مَا يكره.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُشُم. ذَوُو الْحيَاء التَّام، والْحُسُم بِالسِّين: الأطبّاء.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحُشُم: المماليك، والحُشُم: الأتباع، مماليك كَانُوا أَو أحراراً. والحَشَم: الاستحياء.

(4/115)


حمش: قَالَ اللَّيْث: الحَمْش: الدَّقيق القوائم.
وأَوْتَار حَمْشَة، وَوَتَر حَمْش: مُسْتَحْمِش. والاسْتِحْماش فِي الْوتر أَحْسَن، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
كَأَنَّمَا ضُرِبَتْ قُدَامَ أَعْيُنِها
قُطْنٌ لِمُسْتَحْمِشِ الأوْتارِ مَحْلوجُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: رَوَاهُ الفرّاء:
كأَنما ضُرِبَت قُدّام أعْيُنها
قُطْناً ... .
وَقَالَ اللَّيْث: سَاق حَمْشَة: جَزْمٌ والجميع حَمْش وحِماش، وَقد حَمُشت ساقُه تَحمُش حُمُوشَة إِذا دَقَّت، وَكَانَ عبد الله بن مَسْعُود حَمْشَ السَّاقَيْن.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا اشتدَّ غضبُه قد اسْتَحْمش غَضباً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أحمشت فُلاناً وحَمَّشتهُ إِذا أَغْضَبْتَه، وَأنْشد شمر:
إِنِّي إِذا حَمَّشني تَحْمِيشى
اللِّحياني: احْتَمَش الدِّيكان واحْتَمسا إِذا اقتتلا. وحَمِش الشّرُّ وحَمِس إِذا اشتدَّ.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَمِيش: الشَّحْمُ المُذابُ.
أَبُو عُبَيد: حَشَشْت النَّار وأَحْمَشْتُها، وَقَالَ:
... إِحْماشُ الوَلِيدة بالقِدْر
محش: المَحْش: تناوُلٌ من لَهَب يُحرِق الْجلد ويُبْدي الْعظم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: المَحَاش: الْمَتَاع، والأثاث، بِفَتْح الْمِيم.
والمِحَاش: القومُ يحالفون غَيرهم من الحِلف عِنْد النَّار قَالَ النَّابغةُ:
جَمِّعْ مِحاشَك يَا يزيدُ فإنّني
أعددتُ يربُوعاً لكم وتَمِيماً
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: جَمِّع مِحاشَك سَبَّ قبائل فصيَّرهم كالشيء الَّذِي أحرقَتْه النارُ، يُقَال: مَحشَتْه النارُ وأَمْحَشَتُه.
وَقَالَ أَعْرَابِي: (مِنْ حَرَ كَاد أَن يَمحَش عِمامتي) ، قَالَ: وَكَانُوا يوقدون نَارا لَدَى الحِلف ليَكُون أوكدَ لَهُم.
وَيُقَال: مَا أَعْطَانِي إِلَّا مِحْشى خِناقٍ قَمِلٍ وَإِلَّا مَحْشاً خِناقَ قَمِلٍ فَأَما المِحْشَى فَهُوَ ثوب يُلْبَس تَحت الثِّياب ويُحْتَشى بِهِ، وَأما مَحْشاً فَهُوَ الَّذِي يَمْحَشُ البَدَنَ بِكَثْرَة وسخه وأخلاقه.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يخرج نَاس من النَّار قد امْتحَشُوا وصاروا حُمَماً) مَعْنَاهُ: قد احترقوا وصاروا فحماً.
وَيُقَال للخبز الَّذِي قد احْتَرَقَ قد امْتَحَش، وَهُوَ خُبْزٌ مُحاشٌ.
وَقَالَ بَعضهم: مَرَّ بِي حِمْلٌ فَمَحَشَني مَحْشاً وَذَلِكَ إِذا سَحَجَ جلدَه من غير أَن يَسْلُخَه.
شَحم: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَّحَم: البَطَر والحَشَم: الاستحياء.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّحْمُ، والقطعة مِنْهُ شَحْمَة، وَرجل شاحِمٌ لاحِم إِذا أطْعَم النَّاس الشحمَ واللحَم، وَقد شَحَمَهُم يَشْحَمُهُم.

(4/116)


الحرّاني عَن ابْن السِّكّيت: رجل شحيم لحيم أَي سمين، وَرجل شَحِمٌ لَحِمٌ إِذا كَانَ قَرِما إِلَى اللَّحم والشحْم وَهُوَ يشتهيهما.
وَقَالَ غَيره: رجل شاحم لاحم: ذُو شَحْم ولَحم، وَكَذَلِكَ لابِنٌ وتامِرٌ. وَيُقَال: هُوَ شاحِم ولاحِم إِذا كَانَ يُطْعِم النَّاس الشَّحْم واللَّحْم.
وَالْعرب تُسَمي سنامَ الْبَعِير شَحْما، وبياضَ الْبَطن شَحْماً.
والشَّحّامُ: الَّذِي يُكثِر إطْعَام النَّاس الشَّحْمَ: وَكَذَلِكَ بيَّاعُ الشَّحْم يُقَال لَهُ: شَحّام.
وشَحْمُ الْحَنْظَل: مَا فِي جَوْفه سِوَى حبِّه. وشَحْمُ الرُّمانة الْأَصْفَر بَين ظَهْرانَي الحبِّ.
وشَحْمةُ العَيْن: حَدَقَتها، وَيُقَال: هِيَ الشَّحْمة الَّتِي تَحت الحَدَقَة:
وطَعام مَشْحوم، وخبز مشحوم: قد جُعِلَ فِيهِ الشحْم.
وأَشْحَم الرجلُ إِذا كَثُر عِنْده الشَّحْم وَكَذَلِكَ ألحَم فَهُوَ مُلْحِم.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالضَّاد)
ح ض ص ح ض س ح ض ز
ح ض ط: أهملت وجوهها. ح ض د
اسْتعْمل من وجوهه: (دحض) .
دحض: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْضُ: الزَّلَق. يُقَال: دَحَضتْ رِجْلُ الْبَعِير إِذا زَلِقَت.
قَالَ: والدَّحْضُ: المَاء الَّذِي تكون مِنْهُ المَزْلَقَة.
قَالَ: ودَحَضَت الشّمس عَن بطن السّماء إِذا زَالَت.
ودَحَضَت حُجَّتُه إِذا بطلت، وأدحض حُجَّتَه إِذا أَبْطَلها.
وَيُقَال: مكَان دَحْض إِذا كَانَ مَزَلّة لَا تَثْبُت عَلَيْهِ الْأَقْدَام.
ودَحِيضَةُ: ماءٌ لبني تَمِيم.
أَبُو سعيد: دحَضَ بِرجلِهِ ودَحَصَ إِذا فحص بِرجلِهِ.
ح ض ت: مهمل.
(ح ض ظ)
حضظ: قَالَ اللَّيْث: الحُضَظُ: لُغَة فِي الحُضَض: وَهُوَ دَوَاء يتَّخذ من أَبْوَال الْإِبِل.
أَبُو عُبَيد عَن اليزيدي قَالَ: الحُضَظُ، قَالَ شمر: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب ضاد مَعَ الظَّاء غير الحُضَظ.
ح ض ذ ح ض ث: أهملت وجوهها.
ح ض ر
حضر، حرض، ضرح، رحض، رضح: مستعملة.
حضر: قَالَ اللَّيْث: الحَضَر: خِلافُ البَدْو، والحاضرة: خِلافُ البادِيَة، وَأهل الحَضَر، وأَهْل البدو، والحاضِرَة: الَّذين حَضَرُوا الْأَمْصَار ومساكن الدِّيارِ الَّتِي يكون لَهُم بهَا قَرَار.
قلت: المَحْضَر عِنْد الْعَرَب: المرْجِع إِلَى

(4/117)


أعداد الْمِيَاه، والمنْتجَع: المَذْهَب فِي طلب الْكلأ، وكل مُنْتَجع مَبْدًى، وَجمع المَبْدَى مَبادٍ، وَهُوَ البدو أَيْضا، فالبادية: الَّذين يتباعدون عَن أعْداد الْمِيَاه ذَاهِبين فِي النُّجَع إِلَى مساقط الْغَيْث ومنابت الْكلأ، والحاضرة: الَّذين يرجعُونَ إِلَى المحاضر فِي القيظ وينزلون على المَاء العِدِّ، وَلَا يُفارقونها إِلَى أنْ يَقع ربيع الأَرْض يمْلأ الغُدرانَ فينتجعونه.
وَقوم ناجِعَة ونَواجِعُ، وباديةٌ وبَوادٍ بِمَعْنى وَاحِد. وكل مَنْ نَزَل على مَاء عِدَ، وَلم يتَحَوَّل عَنهُ شتاء وَلَا صيفا فَهُوَ حاضِر، سَوَاء نزلُوا فِي القُرَى والأَرْياف والدُّورِ المَدَرِيَّة أَو بنوا الأَخْبِيَة على الْمِيَاه فقَرُّوا بهَا ورَعَوْا مَا حواليْها من الْكلأ، فأمَّا الأعرابُ الَّذين هم بادِيَة فَإِنَّمَا يحْضرون الماءَ العِدَّ شُهُورَ القيْظ لحَاجَة النَّعَم إِلَى الوِرْدِ غِبّاً وَرَفْهاً وربعا فِي هَذَا الْفَصْل، فَإِذا انْقَضتْ أَيَّام القيظ بدوا فتَوزَّعَتْهُم النُّجَع وافْتَلوا الفَلَوات المُكلِئَة، فَإِن وَقع لَهُم رَبيع بِالْأَرْضِ شربوا مِنْهُ فِي مُبْداهم الَّذِي انْتَوَوْه، وَإِن اسْتَأْخَرَ القَطْرُ ارْتَوَوْا على ظُهُور الْإِبِل لشفاههم وخيلهم من مَاء عِدَ يليهم، وَرفعُوا أَظْماءَهم إِلَى السِّبع والثِّمْن والعِشْر، فَإِن كَثُرت الأمطارُ والتف العُشْب وأَخْصَبت الرياضُ وأَمْرَعَتِ الْبِلَاد جزأ النَّعَم بالرُّطْبِ، وَاسْتغْنى عَن المَاء، وَإِذا عَطِش المالُ فِي هَذِه الْحَال وَردت الغُدْرانَ والتَّنَاهِي فَشَرِبت كَرْعا، وَرُبمَا سَقَوْها من الدُّحْلان.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُضور جمع الْحَاضِر، قلت: وَالْعرب تَقول: حَيٌّ حَاضر بِغَيْر هَاء إِذا كَانُوا نازلين على مَاء عدَ، يُقَال: حَاضِرُ بني فلَان على مَاء كَذَا وَكَذَا، وَيُقَال للمقيم على المَاء حَاضر وَجمعه حُضُور وَهُوَ ضد الْمُسَافِر، وَكَذَلِكَ يُقَال للمقيم شَاهد وخافض.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضْرة: قُرْبُ الشَّيْء، تَقول: كنت بِحَضْرَة الدَّار، وَأنْشد:
فَشَلَّتْ يَدَاه يَوْم يَحْمِلُ رأْسه
إِلَى نَهشلٍ والقَوْم حَضْرَةَ نَهْشَلِ
وَيُقَال: ضربت فلَانا بحَضرة فلَان بِمَحْضَره.
وَقَالَ اللَّيْث: الحاضِرُ الْقَوْم الَّذين حَضَرُوا الدَّار الَّتِي بهَا مُجْتَمعُهم، وَقَالَ الشَّاعِر:
فِي حاضِرٍ لَجِبٍ باللَّيْلِ سَامِرُه
فِيهِ الصواهَلُ والرَّاياتُ والعَكَر
قَالَ: فَصَارَ الحاضِرُ اسْماً جَامعا كالحاجِّ والسّامر والجَامل وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: والحُضْر والحِضارُ: من عَدْوِ الدوابِّ وَالْفِعْل الإحْضار، وَفرس مِحْضير ومِحْضار بِغَيْر هَاء للْأُنْثَى إِذا كَانَ شَدِيد الحُضر، وَهُوَ العَدْو، وَيُقَال عَنهُ أحضر الدَّابّةُ يُحضر إحضارا، وَالِاسْم الحُضْر وَهُوَ العَدْو.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضِير: مَا اجْتمع من جايِئَة المِدَّة فِي الْجُرْح، وَمَا اجْتمع من السّخْدِ فِي السَّلَى وَنَحْوه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَلْقَتِ الشَّاةُ حَضِيرتَها وَهُوَ مَا ألْقَت بعد الْولادَة من القَذَى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الحَضِيرة: الصَّاءة تتبع

(4/118)


السَّلَى: وَهِي لِفافة الْوَلَد.
وَقَالَ اللَّيْث: المحاضرة: أَن يُحاضِرك إِنْسَان بحَقِّك فَيذْهب بِهِ مُغَالبة أَو مُكَابَرَة.
قَالَ: والحِضارُ من الْإِبِل: البِيضُ اسْم جَامع كالهِجان، وَالْوَاحد والجميع فِي الحِضار سَوَاء.
أَبُو عُبَيد عَن الأمَوِي: نَاقَة حِضار إِذا جمعت قُوَّة ورُحْلَةً يَعْني جودة الْمَشْي.
وَقَالَ شمر: لم أسمع الحِضارَ بِهَذَا الْمَعْنى، إِنَّمَا الحِضارُ بِيضُ الْإِبِل، وَأنْشد بَيت أَي ذُؤَيْب:
بناتُ المخاضِ شِيمُها وحِضَارها
أَي سودها وبيضها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَضار بِمَعْنى احضر. وحضَارِ: اسْم كَوكب مجرور أبدا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: يُقَال: طلعَتْ حَضارِ والوَزْن، وهما كوكبان يطلعان قبل سُهَيل، فَإِذا طلع أَحدهمَا ظُنَّ أَنه سُهَيل، وَكَذَلِكَ الوزْنُ إِذا طلع، وهما مُحَلِّفان عِنْد الْعَرَب سُمِّيا مُحَلِّفين لاخْتِلَاف الناظِرَيْنِ إِلَيْهِمَا إِذا طلعا فيحْلِف أَحدهمَا أنّهُ سُهَيْل، وَيحلف الآخر أَنه لَيْسَ بِهِ، قَالَ ذَلِك كُله أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِيمَا روى أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: حضرت الصَّلَاة، وَأهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: حَضِرت، وَكلهمْ يَقُول: تَحْضُر.
وَقَالَ شمر: يُقَال: حَضِر القَاضِي امرأَةٌ تَحْضُر، قَالَ وَإِنَّمَا أُنْدِرت التّاءُ لوُقُوع القَاضِي بَين الْفِعْل وَالْمَرْأَة، قلت: واللغة الجيدة حَضَرت تَحْضُر.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: كَلمته بحَضْرة فلَان وحِضْرَة فلَان وحُضْرة فلَان، وَكلهمْ يَقُول: بحَضَر فلَان.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت عَن الْبَاهِلِيّ: الحَضِيرة مَوضِع التَّمْر، قَالَ: وَأهل الفَلْج يسمونها الصُّوبةَ وتُسَمَّى أَيْضا الْجُرنَ والْجَرِين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول: اللَّبن مُحْتَضَر فغطِّه يَعْنِي تَحْضُره الدَّوَابُّ وَغَيرهَا من أهل الأَرْض.
وحُضِر الْمَرِيض واحْتُضِر إِذا نزل بِهِ الْمَوْت، وحضرني الهمُّ واحْتَضرني وتحضَّرني.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: فِي قَول الجُهَنِيَّة تمدح رجلا:
يَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً
وِرْدَ القَطاةِ إِذا اسْمأَلَّ التُّبَّعُ
قَالَ: الحَضيرة: مَا بَين سَبْعَة رجال إِلَى ثَمَانِيَة، والنَّفِيضة: الْجَمَاعَة، وهم الَّذين يَنْفضونَ الطَّرِيق.
وروى سَلَمَة عَن الفرّاء قَالَ: حضيرة النَّاس وَهِي الْجَمَاعَة، ونفيضتهم وَهِي الْجَمَاعَة.
وَقَالَ ابْن السّكّيت: الحَضِيرة: الْخَمْسَة وَالْأَرْبَعَة يَغْزُون، وَأنْشد:
... وحَلْقةٌ
من الدَّارِ لَا تَأتي عَلَيْهَا الحَضائِر
وَأَخْبرنِي الإيادِيّ عَن شَمِر فِي تَفْسِير قَوْله: حَضِيرةً ونَفِيضَةً، قَالَ حَضِيرَة: يَحْضُرها النَّاس يَعْنِي المِياه، ونَفِيضَة: لَيْسَ عَلَيْهَا

(4/119)


أحد، حُكيَ ذَلِك عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَنصب حَضِيرَة ونَفِيضة على الْحَال أَي خَارِجَة من الْمِيَاه.
وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: الحَضيرَة: الَّذين يَحْضُرون المَاء، والنَّفِيضَة: الَّذين يتقدمون الخَيْل وهم الطَّلائع. قلت: وَقَول ابْن الْأَعرَابِي أَحْسَن.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل يصيبُه اللَّمَم والجنُون: فلَان مُحْتَضَر، وَمِنْه قَول الرّاجز:
وانْهَم بدَلْوَيْك نَهِيمَ المُحْتَضَر
فقد أَتَتْك زُمَراً بَعْدَ زُمَر
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لأُذُن الفِيلِ الحاضِرَةُ، ولعيْنِه الهاصَّة.
قَالَ: والْحَضْراء من النّوق وَغَيرهَا: المُبادِرة فِي الْأكل وَالشرب.
والحَضْر: مَدِينَة بُنِيت قَدِيماً بَين دَجْلة والفُرات.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحَضر: التَّطْفيل، وَهُوَ الشَّوْلَقِيّ، وَهُوَ القِرْواش، والواغلُ، قَالَ: والحَضْرُ: الرجل الواغِلُ الرَّاشِنُ. والحُضْرَة: الشِّدّة.
أَبُو زيد: رجل حَضِر إِذا حضر بِخَير.
قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه ليعرف مَنْ بِحَضْرَته ومَن بِعَقْوته.
رحض: الرَّحْضُ: الغَسْل. ثوب رَحِيض مَرحوض: مغسول.
قَالَ: والمِرْحضَة: شَيْء يُتَوَضَّأ فِيهِ مثلُ كَنِيفٍ.
وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب (قَدِمْنا الشَّام فَوَجَدنَا بهَا مراحيض قد استُقْبِل بهَا القِبْلَة، فَكُنَّا نَتَحَرَّف ونَسْتَغْفر الله) ، أَرَادَ بالمراحِيض مَوَاضِعَ قد بُنِيتْ للغائط، وَاحِدهَا مِرْحاض، أُخِذ من الرَّحْض، وَهُوَ الغَسْل.
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت فِي عُثْمَان ح: استتابوه حَتَّى إِذا مَا تَرَكُوهُ كالثَّوب الرَّحيض أحالوا عَلَيه فَقَتَلُوهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِرْحاض: المُتَوضَّأ، وَقَالَ ابْن شُمَيل: هُوَ المُغْتَسَلُ.
قَالَ: والمِرْحاضَةُ: شَيْء يُتَوضَّأُ بِهِ كالتَّوْر.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: إِذا عَرِق المحموم من الحُمَّى فَهِيَ الرُّحَضاء. وَقَالَ اللَّيْث: الرُّحَضاء: عَرَقُ الحُمّى، وَقد رُحِضَ إِذا أَخَذته الرُّحَضاء.
حرض: قَالَ اللَّيْث: التَّحْرِيض: التَحْضِيض، قلت: وَمِنْه قولُ الله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (الأنفَال: 65) . قَالَ الزّجّاج: تَأوِيله حُثّهم على الْقِتَال، قَالَ: وَتَأْويل التَّحْريض فِي اللُّغَة: أَن تَحُثَّ الإنسانَ حَثّاً يعلم مَعَه أَنَّه حَارِض إنْ تَخَلَّف عَنهُ.
قَالَ: والحارض: الَّذي قد قَارب الْهَلَاك.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال: حَارَض فلانٌ على العَمَل، وَوَاكب عَلَيْهِ، وَواظب عَلَيْهِ، وواصَبَ عَلَيْهِ إِذا داوم عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَارِض.
قلت: وَجَائِز أَن يكون تَأْوِيل قَوْله: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (الأنفَال: 65) بِمَعْنى حُثَّهم على أَن يحارضوا أَي

(4/120)


يُداوموا على الْقِتَال حَتَّى يُثْخِنوهم.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (يُوسُف: 85) . يُقَال: رجل حَرَض، وَقوم حَرَض وَامْرَأَة حَرَض، يكون مُوَحَّداً على كلِّ حَال، الذّكر وَالْأُنْثَى والجميع فِيهِ سَوَاء، قَالَ: وَمن الْعَرَب مَنْ يَقُول للذَّكَر حارِض، ولِلأنْثَى حارضة، ويُثَنَّى هَا هُنَا ويُجْمع: لأنّه قد خرج على صُورَة فاعِل، وفَاعِل يُجمَع.
قَالَ: والحارض: الْفَاسِد فِي جِسْمه وعقله.
قَالَ: وَأما الحَرَضُ فتُرِك جَمْعُه لِأَنَّهُ مَصْدر بِمَنْزِلَة دَنَفٍ وضَنًى، يُقَال: قومٌ دَنَفٌ وضَنًى، وَرجل دَنَف وضَنًى.
وَقَالَ الزجّاج: مَنْ قَالَ رجل حَرَضٌ فَمَعْنَاه ذُو حَرَض: وَلذَلِك لَا يُثنّى وَلَا يُجْمع، وَكَذَلِكَ رجل دَنَفٌ ذُو دَنَف، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا نُعِت بِالْمَصْدَرِ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ الْأَصْمَعِي: رجُل حارِضَةٌ: لِلّذي لَا خير فِيهِ.
وَيُقَال: كَذَب كَذْبَةً فأحرَضَ نَفسه أَي أهلكها، وَجَاء بقَوْل حَرَض أَي هَالك. وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَوْله: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} أَي مُدْنَفاً، وَهُوَ مُحْرَض، وَأنْشد:
أمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى غَرْبَةً أَنْ نَأَتْ بهَا
كأنّك حَمٌّ للأطبّاء مُحْرَض
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأَعْرابي أَنّ بعض الْعَرَب قَالَ: إِذا لم يعلم الْقَوْم مَكَان سيّدهم فهم حُرْضانٌ كلهم.
قَالَ: والحارِضُ: السَّاقِط الَّذِي لَا خير فِيهِ. وَقَالَ: جمل حُرْضانٌ وناقة حُرْضانٌ: سَاقِط.
قَالَ: وَقَالَ أكثَمُ بنُ صَيْفي: سُوءُ حَمْل الفاقَة يُحرِض الحَسَب، ويُذْئِر العَدُوّ، ويُقَوِّي الضَّرورَة.
قَالَ: يُحْرِضه أَي يُسْقِطه.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: الحُرْضَة: الرجل الَّذِي لَا يَشْتري اللَّحْم وَلَا يَأْكُلهُ بِثمن إِلَّا أَن يجده عِنْد غَيره.
وَقَالَ الطّرماح يصف العَيْر:
وَيَظَلُّ المَلِيءُ يُوفى على القِرْ
نِ عَذُوباً كالحُرضَة المُسْتَفَاضِ
أَي الْوَقْت الطَّوِيل عَذُوباً لَا يَأْكُل شَيْئا.
قَالَ: والمُحْرض: الْهَالِك مَرضا الَّذِي لَا حيٌّ فيُرجَى، وَلَا ميّت فَيُوأس مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل حَرَض: لَا خيرَ فِيهِ وَجمعه أحْراض، وَالْفِعْل حَرُض يَحْرُض حُرُوضاً. وناقَةٌ حَرَض وكل شَيْء ضاوِي حَرَضٌ.
قَالَ: والحُرُض: الأُشْنان تُغسَل بِهِ الْأَيْدِي على أَثَر الطَّعَام.
والمِحْرَضَة: الوِعاء الَّذِي فِيهِ الحُرُض، وَهُوَ النَّوْفلة.
وَقَالَ غَيره: الحَرَّاضة: سُوقُ الأُشْنان:
والحَرّاض: الَّذِي يُوقد على الْجِصّ، قَالَ عَدِيُّ بن زَيْد:
مثل نَار الحَرّاض يَجْلُو ذُرَى المُزْ
ن لمنْ شَامَه إِذا يَسْتَنِير

(4/121)


قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شبّه البرقَ فِي سرعَة وميضه بالنَّار فِي الأشْنان لسرعتها فِيهِ. وَقَالَ غَيره: الحَرّاض: الَّذِي يُعَالجُ القِلْى. وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ الَّذِي يُحرِق الأُشْنان، قُلْتُ: وشَجَر الأُشْنان يُقَال لَهُ: الحَرْض وَهُوَ من الحَمْض، وَمِنْه يُسَوَّى القِلْي الَّذِي يُغْسل بِهِ الثِّياب ويُحْرَق الحَمْضُ رَطْباً، ثمَّ يُرَشُّ الماءُ على رماده فينعَقِد ويَصِيرُ قِلياً.
وحَرَض: مَاء مَعْرُوف فِي الْبَادِيَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الإحْريضُ العُصْفر. وثوب مُحَرَّض: مصبوغٌ بالعصفر.
ضرح: الضَّرْح: حَفْرُك الضَّريحَ للميِّت. يُقَال: ضَرّحوا لَهُ ضَريحاً، وَهُوَ قبر بِلَا لَحْد، قلتُ: سُمِّي ضريحاً، لِأَنَّهُ يُشَقّ فِي الأَرْض شَقّاً، والضَّرح والضَّرْج بِالْحَاء وَالْجِيم: الشَّقُّ، وَقد انْضَرَحَ إِذا انشَقَّ.
ورُوِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: انضرح مَا بَين القومِ وانضَرج، إِذا تبَاعد مَا بَينهم، وَقَالَ المُؤرِّج: الانْضِراحُ: الاتِّساع.
وَقَالَ اللَّيْث: الضَّرْح: أَن تأخُذ شَيْئا فَتَرْمِي بِهِ، وَيُقَال: اضْطَرَحُوا فلَانا أَي رَمَوْا بِهِ فِي نَاحيَة، والعامة تَقول: اطَّرَحُوه، يظنون أَنه من الطَّرْح، وَإِنَّمَا هُوَ الضرْح، قلت: وَجَائِز أَن يكون اطرحوه افتعالا من الضرح قُلِبَت التَّاءُ طاء ثمَّ أُدْغِمَتْ الضَّاد فِيهَا فَقيل: اطَّرَح.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّرَاح: بَيْت فِي السَّمَاء بِحِيال الْكَعْبَة فِي الأَرْض.
قَالَ: والمضْرَحِيُّ من الصُّقور: مَا طَال جناحاه.
وَقَالَ غَيره: المَضْرَحِيُّ: النّسْر، وبجناحيه شَبّه طَرَفَةُ ذَنَبَ نَاقَته وَمَا عَلَيْهِ من الهُلْب فَقَالَ:
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيَ تَكَنَّفَا
حِفافيهْ شُكَّا فِي العَسِيب بِمِسْرَدِ
مَضْرَحِي: نَسْر أَبيض. حِفَافَيه: ناحيتيه. شُكَّا: خُرِزا.
وَيُقَال للرجل السَّيِّد السَّرِيّ مَضْرَحيّ. والمَضْرحِيّ: الْأَبْيَض من كل شَيْء.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: ضَرَحْتُ عَنّي شِهادةَ الْقَوْم أضْرَحُها ضَرْحاً إِذا جَرَّحتْها وألقَيْتَها عَنْك. وضَرَحَتِ الدَّابَّةُ برجلها إِذا رَمَحَت.
وضَرَحْتُ الضرِيحَ للميِّت أَضْرَحه ضَرْحاً
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول ذِي الرُّمَّة:
ضَرَحْنَ البُرُودَ عَن ترَائِب حُرَّةٍ
أَي ألْقَيْن، وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه شققْنَ وَفِي ذَلِك تَغَاير.
وَقَالَ المؤرِّج: فلَان ضَرَحٌ من الرِّجَال أَي فاسِد، وأضْرَحْتُ فلَانا أَي أفسدتُه، قَالَ: وأضرح فلانٌ السُّوقَ حَتَّى ضَرَحَتْ ضُرُوحاً وضَرْحاً أَي أكسَدَها حَتَّى كَسَدَت.
قَالَ: وبيني وَبينهمْ ضَرْح أَي تباعُد وَوَحْشَة، وَقَالَ: ضارَحْتُه ورَامَيْته وسابَبْتُه واحدٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الأجْدل، والمَضرَحيّ، والصَّقر، والقَطَامِيّ وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: رجل مَضْرَحيّ: عَتِيقُ النِّجار.

(4/122)


وَقَالَ عرّامٌ: نِيّة ضَرَح وطَرَح أَي بعيدَة.
وَقَالَ غَيره: ضَرَحه وطَرَحه بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: نِيّة تَرَح ونَفَح وطَوَح وضَرَح ومَصَح وطَمَح وطَرَح أَي بعيدَة، فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) .
رضح: اللَّيْث: الرّضْحُ: رَضْحُك النَّوَى بالمِرْضاح أَي بالحَجَر، وقلَّما يُقال بِالْحَاء، وَالْخَاء لُغَة فِيهِ، وَأنْشد:
خَبَطْناهُم بِكُلِّ أرَحَّ لأْمٍ
كمِرْضاح النَّوى عَبْلٍ وَقاحِ
والرّضِيح: النَّوَى المَرْضوح
ح ض ل
اسْتعْمل من وجوهه: حضل، ضحل.
ضحل: قَالَ اللَّيْث: الضّحْل: المَاء الْقَرِيب القعر: هُوَ الضَّحْضاحُ إلاّ أنّ الضَّحْضاح أعمُّ مِنْهُ. لِأَنَّهُ فِيمَا قلّ مِنْهُ أَو كَثُر.
قَالَ: وأَتانُ الضَّحْل: الصَّخْرَة بَعْضهَا غمرَه الماءُ، وَبَعضهَا ظَاهر.
والمَضْحَل: مَكَان يقل فِيهِ المَاء من الضَّحْل، وَبِه يُشَبَّه السّرابُ.
وَقَالَ رُؤْبَة:
يَنْسُجُ عُذْراناً على مَضاحِلاَ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الضَّحْل: المَاء الْقَلِيل يكون فِي الغدير وَغَيره، وَهُوَ الضَّحْضاحُ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: إنّ خيرَك لضَحْل أَي قَلِيل، وَمَا أَضْحَل خَيْرَك أَي مَا أَقَلّه.
وَقَالَ شمر: غَدِير ضاحِل، إِذا رَقّ ماؤُه فَذهب، والضَّحْل يكون فِي الْبَحْر والبِئْرِ والعَيْن وَغَيرهَا.
حضل: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للنَّخْلة إِذا فسد أصُول سَعَفِها قد حَضِلَت وحَظِلَت بالضاد والظَّاء. قَالَ: وصلاحها أَن تُشْعَل النارُ فِي كَرَبِها حَتَّى يَحْتَرِق مَا فسد من لِيفها وسَعفها ثمَّ تجودُ بعد ذَلِك.
ح ض ن
اسْتعْمل من وجوهه: حضن، نضح، نحض.
حضن: قَالَ اللَّيْث: الحِضْن: مَا دون الإبْطِ إِلَى الكَشْح، وَمِنْه الاحتضان وَهُوَ احتمالُك الشَّيْء وجعلُه فِي حِضْنك، كَمَا تَحْتَضن المرأةُ ولدَها فتحتمله فِي أحد شِقَّيْها. والمُحْتَضَن: الحِضْن، وَأنْشد للأَعْشى.
عَرِيضةُ بُوصٍ إِذا أَدْبرت
هضيمُ الحشا شَخْتَةُ المُحْتَضَنْ
وحِضْنا الْجَبَل: ناحيتاه، وحِضْنا الرجل: جَنْباه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: حِضْنُ الجَبَل وحُضْنُه: مَا أطاف بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُضْنُ: أصل الْجَبَل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضانة: مصدر الحاضِن والحاضنة، وهما المُوَكّلان بالصّبي يرفعانه ويُربِّيانه. قَالَ: ناحيتا الفلاة: حِضْناها، وَأنْشد:
أَجَزْتُ حِضْنَيْه هِبَلاًّ وَغْبَا
هِبَلاًّ: جَمَلاً ثقيلا. قَالَ: والحِضان: أَن تَقْصر إِحْدَى طُبْيَى العَنْز وتطول الْأُخْرَى جدا فَهِيَ عَنْز حَضون.

(4/123)


وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ أَبُو زيد وَالْكسَائِيّ: الحَضون من المِعْزَى: الَّتِي قد ذهب أحد طُبْيَيْها، وَالِاسْم الحِضان.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَمَامَة تحضُن على بيضها حُضوناً إِذا رجَنَتْ عَلَيْهِ للتَّفريخ فِيهِ حاضن هَكَذَا يُقَال بِغَيْر هَاء.
وَيُقَال للأثافي: سُفْعٌ حواضِنُ أَي جواثِمُ
وَقَالَ النَّابِغَة:
وسُفْعٌ على مَا بَينهُنَّ حواضِن
يَعْنِي الأثافيّ والرماد.
قَالَ والمحَاضِن: الْمَوَاضِع الَّتِي تحضُن فِيهَا الْحَمَامَة على بيضها، وَالْوَاحد مِحْضَن.
قَالَ: والمِحْضَنَة: المَعْمُولَة من الطِّين للحمامة كالقصعة الرَّوحاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحاضنة: النَّخْلَة إِذا كَانَت قَصِيرَة العُذوق، قَالَ: فَإِذا كَانَت طَوِيلَة العُذوق فَهِيَ بائِنة، وَأنْشد:
من كل بائنةٍ تُبِينُ عُذُوقَها
مِنْهَا وحاضنةٍ لَهَا مِيقار
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: احْتَجَنَ فلَان بِأَمْر دوني، واحتضنني مِنْهُ أَي أخرجني مِنْهُ فِي نَاحيَة.
وَقَالَ اللَّيْث: جَاءَ فِي الحَدِيث أَن بعض الْأَنْصَار قَالَ يَوْم بُويع أَبُو بكر: تُرِيدون أَن تُحْضِنُونا من هَذَا الْأَمر. قلت: هَكَذَا وجدته فِي كتاب اللَّيْث: أَحْضَنني بِالْألف، وَالصَّوَاب حَضَنَني، وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود حِين أوصى فَقَالَ: وَلَا تُحْضَن زَيْنَبُ امرأتُه عَن ذَلِك، يَعْنِي عَن النَّظر فِي وصيّته وإنفاذها.
قَالَ أَبُو عُبَيد: لاتُحْضَن: لَا تُحْجَب عَنهُ وَلَا يُقطع أمرٌ دونهَا. يُقَال: حضنتُ الرجلَ عَن الشَّيْء إِذا اخْتَزَلْتَه دونه. قَالَ: وَمِنْه حَدِيث عُمَرَ يَوْم أَتَى سَقيفَة بني ساعِدَة للبَيْعة قَالَ: فَإِذا إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار يُرِيدون أَن يَخْتَزِلوا الأمرَ دُوننَا ويَحْضُنونا عَنهُ. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جَبَلَة وعليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عُبَيد بِفَتْح اليَاءِ وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ اللَّيْث، لِأَن اللَّيْث جعل هَذَا الْكَلَام للْأَنْصَار، وَجَاء بِهِ أَبُو عُبَيْد لعُمَر وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الرِّوَايَات الَّتِي دَار الحَدِيث عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو زيد: أَحْضَنْتُ بالرّجُل إحْضانا وأَلْهَدت بِهِ إلهاداً أَي أَزْرَيْتُ بِهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: حَضَنْتُ فلَانا عمّا يُرِيد أَحْضُنُه وحَضَانَةً، واحتَضَنْتُه عَنهُ إِذا منعتَه عمّا يُرِيد.
وَقَالَ ابْن السّكّيت: حضن الطَّائِر بيضه يحضنه حضناً.
وحَضَنَ: اسْم جَبَل بِأَعْلَى نَجْد، وَمِنْه الْمثل السائر: (أَنْجَدَ مَنْ رَأَى حَضَنا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحَضَنُ: نَاب الْفِيل، وَقَالَ غَيره: الحَضَن: العاج.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعْنُز الحَضَنِيَّات: ضَرْب مِنْهَا شَدِيد الحُمرة، وضربٌ سود شَدِيدَة السَّواد، قلت: كَأَنَّهَا نسبت إِلَى حَضَن، وَهُوَ جبل بقُنّة نجدٍ مَعْرُوف.

(4/124)


نضح: قَالَ اللَّيْث: النّضْح كالنَّضْخ رُبمَا اتّفقا وَرُبمَا اخْتلفَا، وَيَقُولُونَ: النّضْخ: مَا بَقِي لَهُ أثر كَقَوْلِك: على ثوبِه نَضْخُ دم، والعينُ تَنْضَح بِالْمَاءِ نَضْحاً إِذا رَأَيْتهَا تَنُور، وَكَذَلِكَ تَنْضَخ العَيْن.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نَضَخَ عَلَيْهِ الماءُ يَنْضَخُ فَهُوَ ناضخ، وَفِي الحَدِيث (يَنْضَخُ البَحْرُ ساحِله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يُقال من الْخَاء فَعَلْتُ، إِنَّمَا يُقَال: أَصَابَهُ نَضخٌ من كَذَا.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: قَوْلُ أبي زَيْد أَصَحُّ، والقرآنُ يَدُلّ عَلَيْهِ، قَالَ الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (الرَّحمان: 66) فَهَذَا يشْهد بِهِ يُقَال: نضخ عَلَيْهِ المَاء، لِأَن الْعين النَّضّاخة هِيَ الفَعّالة، وَلَا يُقَال لَهَا نَضّاخة حَتَّى تكون ناضحة.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سَمِعْت جمَاعَة من قَيْس يَقُولُونَ: النَّضْح والنَّضْخ وَاحِد، قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: نَصَحْتُه. ونَضختُه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وسمعتُ الغَنَوِيّ يَقُول: النَّضْح والنَّضْخ وَهُوَ فِيمَا بَان أَثَره وَمَا رَقَّ بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّضْخ: الَّذِي لَيْسَ بَينه فُرَج، والنَّضْح أرقّ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّضح: مَا نَضحْتَه بِيَدِك مُعْتَمد، والناقةُ تَنْضح ببولها، والقِرْبة تَنضحُ، والنَّضح مِن غير اعْتِمَاد: إِذا مَرَّ فوطىء على مَاءٍ، فَنَضَح عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُريد ذَلِك وَمِنْه نَضْحُ البَوْل فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم. أَنه لم يكن يَرَى بِنضْح البَوْل بأْساً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو لَيْلى: النَّضْح والنَّضْخ: مَا رَقَّ وثَخُن بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اليزيديّ: نَضَحْناهم بالنَّبْل نَضْحا، ونَضَخْناهم نَضْخاً وَذَلِكَ إِذا فَرَّقوها فيهم.
وَقَالَ شمر: يُقَال: نَضحْتُ الأديمَ: بَلَّلته ألاّ يَنْكسِر، وَقَالَ الكُمَيْت:
نَضحْتُ أَدِيمَ الوُدِّ بيني وَبَيْنكُم
بآصِرَة الأرْحام لَو يَتَبلَّلُ
نَضحْت أَي وصلتُ.
قَالَ: وَقد قَالُوا فِي نَضْح الْمَطَر بِالْحَاء وَالْخَاء. والنّاضحُ: الْمَطَر، وَقد نضحْتنا السماءُ. والنَّضْحُ أَمْثَل من الطّلّ، وَهُوَ قَطْر بَين قَطْرَيْن، قَالَ: وَيُقَال لكل شَيْء يتحلب من عرق أَو ماءٍ أَو بَوْل يَنْضَح، وَأنْشد:
يَنْضَحْن فِي حَافَّاته بالأبوالِ
وَقَالَ: عَيناهُ تَنْضَحَانِ.
وَقَالَ: النَّضْح يَدْعُوه الهَمَلاَن، وَهُوَ أَنْ تمتلىء الْعين دمعاً ثمَّ تَنفضخ هَمَلاَناً لَا يَنْقَطِع، والجَرَّة تَنْضح ونَضَحَت ذِفْرَى البَعير بالعَرَق نَضْحاً ونَضْخاً، وَقَالَ الْقطَامِي:
حَرَجاً كَأَن من الكُحَيْلِ صُبابةً
نَضَحَت مَغابِنُها بِهِ نَضحَانا

(4/125)


قَالَ: وَرَوَاهُ المُؤرّج: نُضِخَت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: نَضحْتُ الرِّيّ بالضّاد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَإِن شَرِب حَتَّى يَرْوَى، قَالَ: نَصحْتُ بالصّاد الرِّيّ نَصْحا ونَصعْت بِهِ ونَقَعت، قَالَ: والنَّضح والنَّشْح وَاحِد: وَهُوَ أَن يَشرب دون الرِّيّ.
وَقَالَ غَيرهم: نضحوهم بالنَّبْل أَي رَشقوهم ورمَوْهم.
وَيُقَال: هُوَ يُناضِح عَن قومه وينافح عَن قومه أَي يذُب عَنْهُم، وَأنْشد:
وَلَو بَلاَ، فِي مَحفِلٍ، نِضَاحي
أَي ذَبيِّ ونَضْحِي عَنهُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: نَضَحتُ المَاء نضْحاً، ونَضَح الرجلُ بالعرق مثله إِذا عَرِقَ، وَقَالَ الكِسَائي مثله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: نَضَح الشجرُ إِذا تَفَطَّر بالنبات.
وَقَالَ أَبُو طَالب بن عبد الْمطلب:
بُورِكَ الميِّت الغَريبُ كَمَا بور
ك نَضْحُ الرُّمَّانِ والزَّيتُون
قَالَ: والنَّضَح بِفَتْح الضّاد: الحَوْضُ الصَّغِير وَجمعه أنضَاح: قُلْتُ: ويُسمَّى نضيحاً أَيْضا قَالَه أَبُو عُبَيد.
قَالَ: والنّاضِحُ: البَعير الَّذِي يَستَقِي المَاء والأُنْثى ناضحة، وَفِي الحَدِيث (مَا سُقي من الزَّرْع نَضْحاً فَفِيهِ نصفُ العُشْر) يُرِيد مَا سُقِي بالدِّلاء والغُروب والسَّواني وَلم يُسْقَ فَتحاً.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَدَّ عشر خلال من السُّنّة، وَذكر فِيهَا الانتضاح بِالْمَاءِ، وَهُوَ أَن يَأْخُذ مَاء قَلِيلا فَينْضَحَ بِهِ مذاكيره ومؤتَزَره بعد فَرَاغه من الْوضُوء لينفي بذلك عَنهُ الوَسْواس، وَهُوَ فِي خبر آخر انتفاض المَاء ومعناهما وَاحِد.
وَالرجل يُرْمَى بِأَمْر أَو يُقْرَف بتهمة فَينْتَضِح مِنْهُ أَي يُظهر التبرُّؤ مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّضِيح من الحُيَاض: مَا قَرُب من الْبِئْر حَتَّى يكون الإفراغ فِيهِ من الدَّلْو وَيكون عَظِيما، وَقَالَ الأعْشى:
فَغَدَونا عَلَيْهِم بكرةَ الوِرْ
دِ كَمَا تُورِدُ النَّضيحَ الهِيامَا
قَالَ: وَإِذا ابْتَدَأَ الدَّقيق فِي حب السُّنْبُل وَهُوَ رَطْب فقد نَضحَ وأَنْضح لُغَتَانِ.
قَالَ: والنَّضُوح: الطِّيبُ.
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت: النَّضوحُ: الوَجور فِي أَيِّ الْفَم كَانَ، وَقَالَ أَبُو النَّجم يصف راميا:
أنْحى شِمَالا هَمَزَى نَضُوحا
أَي مَدَّ شِماله فِي الْقوس هَمَزى يَعْنِي الْقوس أَنَّهَا شَدِيدَة.
والنَّضوح أَيْضا من أَسمَاء القَوْس كَأَنَّهَا تَنْضَحُ بالنّبْل.
والنَّضَّاحة: الْآلَة الَّتِي تُسَوَّى من النُّحاس أَو الصُّفْر للنِّفْط وزَرْقه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِنْضحة والمِنْضخة بِالْحَاء وَالْخَاء: الزَّرّاقَةُ. قلت: وَهِي عِنْد عوام النَّاس النَّضاحة ومعناهما وَاحِد.
قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت شُجاعاً السُّلَمي

(4/126)


يَقُول: أمضَحْتُ عِرْضي وأَنضَحته إِذا أفْسَدْته، وَقَالَ خَليفَة: أَمضَحْتُه إِذا أَنْهَبْته النَّاس.
وَقَالَ شُجاع: مَضَح عَن الرجل، ونَضَح عَنهُ، وذَبَّ عَنهُ بِمَعْنى وَاحِد.
نحض: قَالَ ابْن المُظَفِّر: النَّحْض: اللَّحمُ نَفسه، والقطعة الضخمة مِنْهُ تسمى نَحْضة.
وَرجل نَحِيض وَامْرَأَة نَحِيضة، وَقد نَحُضا، ونحَاضَتُهما: كَثْرَة لحمهما، فَإِذا قلت: نُحِضت الْمَرْأَة فَمَعْنَاه ذهَاب لَحمهَا وَهِي مَنْحوضة ونَحِيض.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّحِيضُ من الأضداد يكون الكثيرَ اللحمِ، وَيكون القليلَ اللَّحْم كَأَنَّهُ نُحِض نَحضاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد وَغَيره: نَحضْتُ السِّنان فَهُوَ منحوض ونَحِيض إِذا رَقَّقْته وَأنْشد:
كموْقِفِ الأشْقَرِ إِن تقدَّما
باشَرَ منْحُوض السنَان لَهْذَما
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
يُبَارى شَباةَ الرُّمْح خَدٌّ مُذَلَّق
كَحَد السِّنان الصُّلَّبِيِّ النَّحِيضِ
وَقَالَ غَيره: يُقَال: نَحَضْت الْعظم أَنْحَضَه نَحْضاً إِذا أخذتَ اللَّحْم الَّذِي عَلَيْهِ عَنهُ.
ونَحضْتُ فلَانا إِذا أَلْححْت عَلَيْهِ فِي السُّؤَال.
ونَحضْت السنان إِذا رقَّقْته وأَحدَدْته.
ح ض ف
اسْتعْمل من وجوهها: حفض، فَضَح.
فَضَح: قَالَ اللَّيْث: الفَضْحُ: فعل مجاوز من الفاضح إِلَى المفضوح، وَالِاسْم الفضيحة، وَيُقَال للمُفْتَضِح يَا فضوح، وَقَالَ الراجز:
قومٌ إِذا مَا رَهِبوا الفَضائحا
على النِّسَاء لَبِسوا الصَّفائحَا
قَالَ: والفُضْحَة: غُبْرة فِي طُحْلة يخالِطَها لونٌ قَبِيح، يكون فِي ألوان الْإِبِل وَالْحمام، والنعت أفضح وفَضحاء وَالْفِعْل فَضِح يَفْضَح فَضَحاً، فَهُوَ أفْضح.
وأَفضح البُسْر إِذا بَدَت فِيهِ الْحمرَة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: أَفضَح النّخل إِذا احْمَرَّ أَو اصْفَرّ.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الهُذَليّ:
يَا هَلْ أُريكَ حُمُولَ الحَيِّ عادِيَةً
كالنَّخْل زيَّنَها يَنْعٌ وإفضاحُ
وَقَالَ أَبُو عمْرو: سَأَلت أعرابيّاً عَن الأفَضَح فَقَالَ: هُوَ لونُ اللحمِ المَطْبُوخ:
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الأفْضَح: الْأَبْيَض وَلَيْسَ بشديد الْبيَاض، وَمِنْه قَول ابْن مُقْبل يصف السَّحَاب:
أَجَشُّ سِمَاكِيٌّ من الوَبْل أفضَحُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال للنائم وقْتَ الصَّباح: فَضَحَك الصُّبح فَقُم، مَعْنَاهُ أَن الصَّبحَ قد استنارَ وتَبَيَّن حَتَّى بيَّنك لمَنْ يراك وشَهَّرك، وَقد يُقَال: فصَحَك الصُّبْح بالصَّاد ومعناهما مُتَقَارب.
وسُئِل بعض الْفُقَهَاء عَن فَضِيخ البُسر، فَقَالَ: لَيْسَ بالفَضِيخ، وَلكنه الفَضُوح، أَرَادَ أَنه يُسْكِر فيَفْضَح شَاربه إِذا سَكِر مِنْهُ. والفضيحة اسْم من هَذَا لكل أَمر سِيِّىء

(4/127)


يَشْهَر صاحِبَه بِمَا يسوءُ. وَيُقَال: افتضح الرجل افتضاحاً إِذا ركب أمرا سَيِّئاً فاشْتَهَرَ بِهِ.
حفض: قَالَ ابْن المُظَفَّر: الحَفَضُ: قَالُوا: هُوَ القَعود بِمَا عَلَيْهِ: وَقَالَ آخر: بل الحَفَضُ كل جُوالِق فِيهِ مَتَاع الْقَوْم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحَفَض: مَتَاع الْبَيْت، قَالَ غَيره: فسُمِّي البعيرُ الَّذِي يحملهُ حَفَضاً بِهِ، وَمِنْه قولُ عَمْرو بن كُلْثُوم:
ونحنُ إِذْ عِمادُ الحَيّ خَرّتْ
على الأَحْفاض نمْنَع مَا يَلِينا
فَهِيَ هَاهُنَا الْإِبِل، وَإِنَّمَا هِيَ مَا عَلَيْهَا من الْأَحْمَال.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الْحَفْض: مصدر حَفَضْتُ العُودَ أحفِضُه حَفْضاً إِذا حنيته وَأنْشد:
إِمَّا تَرَى دَهْراً حَنَاني حَفْضَا
قَالَ: والحَفَض: الْبَعِير الَّذِي يحمل خُرْثِيَّ الْمَتَاع، والجميع أَحْفَاض، وَأنْشد:
يَا ابْن القُرُومِ لَسْن بالأَحْفاض
قَالَ: والحَفَض أَيْضا: مَتَاع الْبَيْت، ورُوِي بيتُ عَمْرو بن كُلْثُوم:
ونحنُ إِذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّت
على الأحفاض نَمنع مَنْ يَلِينا
أَي خَرَّت الأحفاض عَن الْإِبِل الَّتِي تحمل خُرْثيّ المَتاع، فَيُقال: خَرّت العُمُد على الأحْفَاض أَي خَرَّت على الْمَتَاع، وَمن رَوَاهُ خَرَّت عَن الأَحْفَاضِ أَرَادَ خَرَّت عَن الْإِبِل هَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت.
وَقَالَ شمر: حَفّضتُ الشَّيْء وحَفَضْتُه إِذا أَلْقَيْتَه، وَقَالَ فِي قَول رؤبة:
... حَنَانِي حَفْضَا
أَي أَلْقَانِي، وَمِنْه قَول أُمَيَّة:
وحُفِّضَتِ النُّذُورُ وأردَفَتْهُم
فُضُولُ الله وانْتَهَت القُسوم
قَالَ: القُسومُ: الأيْمان، وَالْبَيْت فِي صفة الجَنَّة، قَالَ: وحُفِّضَتْ: طُومِنَت وطُرِحَت، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَول رؤبة:
... حَنَانِي حَفْضَا
أَي طامَن مِنِّي، قَالَ رَوَاهُ بَعضهم: حُفّضت البُدُور، قَالَ شمر: وَالصَّوَاب النُّذُور.
فَقَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَفَضُ: قُماش الْبَيْت وَرَدِيء الْمَتَاع ورُذاله، وَالَّذِي يُحْمَل عَلَيْهِ ذَلِك من الْإِبِل حَفَضَ، وَلَا يكَاد يكون ذَلِك إِلَّا رُذال الْإِبِل.
قَالَ: وَيُقَال: نِعْمَ حَفَضُ العِلْم هَذَا أَي حاملُه:
قَالَ شمر: وَقَالَ يُونُس. رَبِيعةُ كلهَا تجْعَل الحَفَض: البَعيرَ، وَقيس تجْعَل الحَفَض: المَتاعَ. .
قَالَ شمر: وَبَلغنِي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ يَوْمًا وَقد اجْتمع عِنْده جمَاعَة فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَحفاضُ علم، وَإِنَّمَا أخِذ من الْإِبِل الصغار، يُقَال: إبِل أَحفاض: ضَعِيفَة. وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: (يَوْمٌ بِيَوْمِ الحَفَضِ المُجَوَّر) يضْرب للمُجازاة بالسوء، والمُجَوَّرُ: المُطَرَّح. وَالْأَصْل فِي

(4/128)


هَذَا الْمثل أَن رجلا كَانَ بنُو أَخِيه يُؤْذُونَه، فَدَخَلُوا بَيْته وقلبوا مَتاعه، فَلَمَّا أدْرك بنوه صَنَعُوا بأَخيه مثل ذَلِك، فَشَكَاهُمْ، فَقَالَ: يَومٌ بِيَوْمِ الحَفَض المُجَوّر.
وَفِي (النَّوَادِر) : حَفَّضَ الله عَنْه، وحَبَّضَ عَنْه أَي سَبَّخَ عَنهُ وخَفَّفَ.
ح ض ب
اسْتعْمل من وجوهها: حبض، حضب، ضبح.
ضبح: قَالَ اللَّيْث: ضبحتُ العودَ فِي النَّار إِذا أَحْرَقْت من أعاليه شَيْئا، وَكَذَلِكَ حِجارةُ القدّاحة إِذا طلعت كَأَنَّهَا مُتَحَرِّقة مَضبُوحة، وَقَالَ رؤبة:
والمَرْوَذَا القَدَّاحِ مَضْبُوحَ الفِلَقْ
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: ضَبَحَتْه الشمسُ وضَبَتْه إِذا غَيَّرت لَوْنَه ولَوَّحته، وَكَذَلِكَ النَّار، وَأنْشد:
عُلِّقْتُها قبل انْضباح لَوْني
وجُبْتُ لَمَّاعاً بعيدَ البَوْنِ
قَالَ: الانْضِباح: تَغَيُّر اللَّوْن.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّباحُ: صَوْتُ الثَّعالِب وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
سَبَارِيتُ يَخْلُو سَمْعُ مُجْتَازِ رَكْبها
من الصَّوْت إِلَّا من ضُباحِ الثّعالبِ
قَالَ: والهام تَضْبَحُ أَيْضا ضُباحا، وَمِنْه قَول العَجَّاج:
من ضابِح الْهَام وبُومٍ بَوَّامِ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {} (العَاديَات: 1) . قَالَ بَعضهم: يَعْنِي الْخَيْل تَضْبَح فِي عَدْوها ضَبْحاً تسمع من أفواهها صَوتا لَيْسَ بِصَهِيل وَلَا حَمْحَمة. وَقَالَ الفرّاء فِيمَا روى سَلَمة عَنهُ: الضّبح: أصوات أنفاس الْخَيل إِذا عَدَوْن، وَكَانَ ابْن عبّاس يَقُول: هِيَ الخَيْلُ تَضْبَح، وَكَانَ عَلِيٌّ يَجْعَل و {الْعادِيَتِ ضَبْحًا الإبِلَ. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَنْ جعلهَا الْإِبِل جعل ضَبْحاً بِمَعْنى ضَبْعاً، يُقَال: ضبحت النَّاقة فِي سَيرهَا، وضَبَعَت إِذا مَدّتْ ضَبْعَيْها فِي السَّير.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: ضَبْح الخَيْلِ وصَوْتُ أجوافها إِذا عَدت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: ضَبَحَت الخيلُ وضَبَعَت إِذا عَدَتْ وَهُوَ السَّيْر، وَقَالَ فِي (كتاب الْخَيل) : هُوَ أَن يَمُدَّ الفَرَسُ ضَبْعيه إِذا عَدَا حَتَّى كَأَنَّهُ على الأَرْض طُولاً، يُقَال: ضَبَحَتْ وضَبَعَتْ، وَأنْشد:
إنّ الجِيادَ الضَّابِحَاتِ فِي الغَدَرْ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: الضَّبْح: الرَّماد، قلتُ: أَصله من ضَبَحته النَّارُ.
حضب: قَالَ ابْن المظفّر: قَرَأَ بعض القرّاء: حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الْأَنْبِيَاء: 98) ، وَأنْشد:
فَلَا تَكُ فِي حَربنا مِحْضَباً
فتَجْعَلَ قومَك شَتّى شُعُوبا
وَقَالَ الفرّاء: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّه قَالَ: (حَضَب جَهَنّم) مَنْقُوطة، قَالَ: وكل مَا هَيَّجْتَ بِهِ النَّار أَو أَوقَدْتها بِهِ فَهُوَ حَضَب.
وَقَالَ الْكسَائي: حَضَبتُ النارَ إِذا خَبَتْ فألقيتَ عَلَيْهَا الحَطَب لتَقِد.

(4/129)


وَقَالَ الفرّاء: هُوَ المَحْضَب والمحْضَأ والمِحْضَجُ والمِسْعر بِمَعْنى وَاحِد.
وَحكى ابْن دُرَيْد عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: تُسمّى المِقْلَى المِحْضَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أحضاب الجَبل: جَوَانِبه، وَاحِدهَا حِضْب، وَهُوَ سَفْحُه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحِضْبُ: صَوت القَوْسِ وَجمعه أَحْضابٌ.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال: حِضْب وحَبْض، وَهُوَ صَوْتُ الْقوس وَجمعه أحضاب قَالَ: والحِضْب: الحيّة، وَقَالَ رُؤْبَة:
جَاءَتْ تَصَدَّى خَوْفَ حِضْبِ الاَّحْضاب
وَقَالَ فِي كِتَابه فِي (الحَيّات) : الحِضْب: الضَّخم من الحَيَّات الذَّكر، وَقَالَ: كل ذكر من الحَيَّات حِضْب مثل الْأسود والحُفَّاثِ وَنَحْوهَا، وَقَالَ رؤبة:
وَقد تَطَوَّيْتُ انْطِوَاء الحِضْبِ
بَيْنَ قَتَادِ رَدْهَةٍ وشِقْبِ
أَبُو العَباس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: الحَضْب بِالْفَتْح: سُرعة أَخْذِ الطَّرْقِ الرَّهْدَنَ إِذا نَقَرَ الحَبَّةَ. الطَّرقُ: الفَخّ، والرَّهْدَنُ: العُصْفُورُ إِذا نَقَر الحَبَّة.
قَالَ: والحَضْب أَيْضا: انقلاب الْحَبْل حَتَّى يسْقط. والحَضْبُ أَيْضا: دُخُول الحَبْل بَين القَعْو والبَكْرة، وَهُوَ مثل المَرَس، تَقول: حَضِبَت البَكْرَةُ ومَرِسَت، وتأْمُر فَتَقول: أَحْضِبْ بِمَعْنى أَمْرِس أَي رُدَّ الحَبْل إِلَى مجْرَاه.
حبض: قَالَ اللَّيْث: حَبَض القلبُ فَهُوَ يَحْبِض حَبْضاً أَي يضْرب ضَرَباناً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ العِرْق يَحْبِض ثمَّ يَسْكن، وَهُوَ أشدُّ من النَّبْض، قَالَ: وتَمُدّ الوتَر ثمَّ ترسله فيحبض، والسهمُ إِذا مَا وَقع بالرّميّة وَقْعاً غير شَدِيد، يُقَال: حَبِضَ السَّهْمُ، وَأنْشد:
والنَّبْلُ يَهْوِي خطأ وحَبْضا
قَالَ: وَيُقَال: أصَاب القومَ داهية من حَبَضِ الدَّهْر.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحابِضُ من السّهام: الَّذِي يَقع بَين يَدي الرّامي.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثْلَه، قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، فأمَّا مَا قَالَه اللَّيْث: إِن الحابِضَ الَّذِي يَقع بالرّمِيّة وقْعاً غير شَدِيد فَلَيْسَ بصواب.
وَجعل ابنُ مقبل المحابِضَ أوتارَ الْعود فِي قَوْله يذكر مُغَنِّيَة تحرّك أوتار العُودِ مَعَ غِنائها:
فُضُلاً يُنَازِعُها المحابضُ
رجعَهابِأَحَذَّ لَا قَطِعٍ وَلَا مِصْحالِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: المحابِضُ: الأوتار فِي هَذَا الْبَيْت.
وَقَالَ ابنُ مُقْبِل أَيْضا فِي محابض الْعَسَل:
كأنّ أصواتَها من حَيْثُ تَسْمَعُها
صَوْتُ المحابِض يَنْزِعْن المَحارِينا
قَالَ الْأَصْمَعِي: المحابِضُ: المَشاوِرُ، وَهِي عِيدان يُشَارُ بهَا العَسَل. وَقَالَ الشَّنفَري:
أَو الخَشْرَمُ المَبْثُوثُ حَثْحَث دَبْرَه
محابيضُ أَرْساهنَّ شارٍ مُعَسِّلُ
أَرَادَ بالشّاري الشّائرَ فَقَلَبه، والمحارين: مَا تساقط من الدَّبْر فِي الْعَسَل فَمَاتَ فِيهِ.

(4/130)


أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: أحبَضْتُ حَقَّه إِحْباضاً أَي أبطَلْته فحبَضَ حُبُوضاً. أَي بَطَل وَذهب.
شَمِر: مَا لَهُ حَبْضٌ وَلَا نَبْض أَي حَرَكة.
قَالَ: وَيُقَال: الحبْضُ: حَبْضُ الْحَيَاة، والنَّبْضُ: نَبْضُ العِرْق.
وروى أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر فِي بَاب الإتباع: (مَا بِهِ حَبَض وَلَا نَبَض) محرّك الْبَاء أَي مَا يَتَحَرَّك، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السّكيت: مَا بِهِ حَبَضٌ وَلَا نَبَضٌ أَي مَا بِهِ حَرَاك، وَالْقِيَاس مَا قَالَه شَمِر.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَض ماءُ الرَكِيَّة إِذا انحدَرَ وَنقص
قَالَ أَبُو زيد: وَمِنْه يُقَال: حَبَضَ حَقُّ الرجل إِذا بَطَل.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: قَالَ أَبُو عَمْرو: الإحْباضُ: أَن يكُدّ الرجل رَكِيَّتَه فَلَا يَدَعُ فِيهَا مَاء، قَالَ: والإحباط: أَن يذهب ماؤُها فَلَا يعود كَمَا كَانَ، قَالَ وَسَأَلت الحُصَيْنيّ عَنهُ، فَقَالَ: هما بِمَعْنى وَاحِد.
ح ض م
اسْتعْمل مِنْهُ: حمض، مضح، مَحْض.
حمض: قَالَ اللَّيْث: الْحمْضُ كلُّ نباتٍ لَا يَهيجُ فِي الرّبيع ويَبْقَى على القَيْظ، وَفِيه مُلوحة إِذا أكلت مِنْهُ الْإِبِل شَرِبَتْ عَلَيْهِ وَإِذا لم تجدْه رَقَّت وضَعُفَت.
وَيُقَال: حَمَضَت الْإِبِل تَحْمُضُ حُمُوضاً إِذا رَعَت الحَمْض، وَهِي إبل حوامض، وَقد أَحْمَضْناها، وَأنْشد:
قَرَيبَةٍ نُدْوَتُهُ من مَحْمَضِهْ
أَي من مَوْضِعه الَّذِي يَحْمُض فِيهِ، قَالَ: وَمن الأعْرَابِ مَنْ يُسمِّي كلَّ نَبْتٍ فِيهِ مُلُوَحة حَمْضاً.
قَالَ: واللَّحْم: حَمْض الرِّجَال.
وَإِذا حَوَّلْتَ رجلا عَن أَمْر يُقَال قد أَحْمَضْته، وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
لَا يَنِي يُحْمِض العدُوّ وَذُو الخُلْ
لَة يُشْفَى صَدَاه بالإحماضِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: حَمَضَت الْإِبِل فَهِيَ حامضة إِذا كَانَت ترعى الخُلَّة، وَهُوَ من النبت مَا كَانَ حُلْواً، ثمَّ صَارَت إِلَى الْحَمض ترعاه، وَهُوَ مَا كَانَ من النبت مالحاً أَو مِلْحاً وأَحْمَضْتها أَنا. قَالَ: فَإِذا كَانَت مُقِيمَة فِي الحَمْض، قيل إبل حَمِيضة، وَكَذَلِكَ إبل وَاضِعَة وآركة: مُقِيمَة فِي الحَمْض.
قَالَ: وإبل زاهية: لَا تَرَى الحَمْض وَكَذَلِكَ إبل عَادِية.
قلت: وَشَجر الحَمض كثير، مِنْهَا النّجِيل والرُّغْل، والرّمث، والخِذْراف، والإخريطُ، والهرْمُ، والقُلاّمُ.
والعرَب تَقول: الخُلّة خُبْز الْإِبِل، والحَمْض فاكهتها.
وَقَالَ ابْن السّكّيت فِي كتاب (الْمعَانِي) حَمَضتُها الْإِبِل أَي رَعَيْتُها الحَمْض، وأَحمَضْتُها: صَيَّرتُها تَأْكُل الحَمْض وَقَالَ الْجَعدِيُّ:
وكَلْباً ولَخْماً لم تَزَل مُنْذُ أَحمضت
بحَمضَتِنَا أَهْلَ الجَناب وخَيْبَرا
أَي طردناهم ونفيناهم عَن مَنَازِلهمْ إِلَى

(4/131)


الجناب وخيبرا.
قَالَ: وَمثله قَوْلهم:
جَاءُوا مُخِلّين فَلاَقَوْا حَمْضَا
أَي جَاءُوا يشتهون الشَّرَّ فوجدوا مَنْ شفاهم مِمّا بهم، وَقَالَ رؤبة:
ونُورِدُ المُستَوْرِدين الحَمْضا
أَي من أَتَانَا يَطْلب عندنَا شَرّاً شَفَيْناه من دائه، وَذَلِكَ أَن الْإِبِل إِذا شَبِعت من الخُلَّة اشتهت الحَمْض.
وَقَالَ بعض النَّاس: إِذا أَتَى الرجل الْمَرْأَة فِي غير مأْتاها الَّذِي يكون موضعا للْوَلَد فقد حَمَّض تحْميضاً، كَأَنَّهُ تحوّل من خير المكانين إِلَى شرِّهما شَهْوَة معكُوسَة، كفِعْل قوم لُوط الَّذين أهلكهم الله بحجارة من سجِّيل.
وَيُقَال: قد أحمض الْقَوْم إِحْماضا إِذا أفاضوا فِيمَا يؤنِسهم من الحَدِيث، كَمَا يُقَال: فلَان فكِهٌ ومُتفكِّه:
والحُمَّاض: بَقْلة بَرِّية تَنْبُتُ أَيَّام الرّبيع فِي مَسايل المَاء، وَلها ثمرةٌ حمراءُ، وَهِي من ذُكُور الْبُقُول، وَقَالَ رؤبة:
كثَمَرِ الحُمّاضِ من هَفْت العَلَق
ومَنابت الحُمّاض: الشُّعَيْبات وملاجىء الأُوْدِية وفيهَا حُموضَة، وَرُبمَا نَبَّتها الحاضِرَةُ فِي بساتينهم وسَقَوْها وربَّوها فَلَا تَهِيج وَقت هَيْج البُقُول البَرِّيّة.
وَيُقَال للَّذي فِي جَوف الأُتْرُجِّ حُمّاض، والواحدة حُمّاضة.
ولَبن حامض، وَقد حَمُض يَحْمُض حُمُوضَةً فَهُوَ حامض وَإنَّهُ لَشَدِيد الحَمض والحُموضَة.
وروى أَبُو عُبَيْد فِي كِتَابه حَدِيثا لبَعض التَّابِعين أَنه قَالَ: الأُذُنُ مجَّاجة وللنَّفْس حَمْضة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المجَّاجة: الَّتِي تَمُجُّ مَا تسمع، يَعْني أَنَّهَا تُلْقيه وَلَا تَعِيه إِذا وُعِظت بِشَيْء أَو نُهِيت عَنهُ، وَقَوله: وللنّفس حَمْضة، أَرَادَ بالحَمْضة الشَّهوَة، أُخِذت من شَهْوَة الْإِبِل للحَمْض إِذا ملَّت الخُلَّة.
قلت: وَالْمعْنَى أَن الآذان لَا تَعِي كُلّ مَا تسمعه، وَهِي مَعَ ذَلِك ذَات شَهْوَة لما تَسْتَطْرِفُه من غرائب الحَدِيث ونوادر الْكَلَام.
وحَمْضٌ: مَاء مَعْرُوف لبني تَمِيم.
وحُمَيْضة: اسْم رجل مَشْهُور من بني عَامر بن صَعْصَعَة: وَقَالَ ابْن شُمَيل: أَرض حَمِيضَةٌ أَي كثيرةُ أَحَمْض من الرِّمْتِ وَغَيره، وَقد أحْمَض القومُ إِذا أصابُوا حَمْضاً، ووطِئْنَا حُموضاً من الأَرْض أَي ذَوات حَمْض، قَالَ: والملُوحَة تُسَمّى الحمُوضة.
مَحْض: قَالَ اللَّيْث: المَحضُ: اللبنُ الْخَالِص بِلَا رَغْوة، وكلّ شَيْء خَلَص حَتَّى لَا يَشُوبة شَيْء يُخَالِطه فَهُوَ مَحْضٌ.
وَرجل مَمْحُوض الضَّرِيبة أَي مُخَلَّص. قلت: كَلَام الْعَرَب: رجل مَمْحوص الضَّرِيبة بالصَّاد إِذا كَانَ مُنَقَّحاً مُهَذَّباً، وَيُقَال: فِضَّة مَحْضةٌ، فَإِذا قلتَ: هَذِه الفِضَّة مَحْضاً، قلتَه بِالنّصب اعْتماداً على

(4/132)


المَصْدَر.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ غير وَاحِد: هُوَ عَرَبيّ مَحْض، وَامْرَأَة عربيّة مَحْضة ومَحْض، وبَحتٌ وبَحْتَة، وقَلْب وقَلبة، وَإِن شِئْت ثَنَّيتَ وجَمَعْت.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَبُو زَيد: أمحضتُه الحَدِيث إمْحاضاً أَي صَدَقْتُه، وَكَذَلِكَ أمْحضتُه النصح، وَأنْشد:
قل للغواني أمَا فيكُنَّ فاتِكةٌ
تَعْلُو اللئيمَ بضَرْبٍ فِيهِ إِمْحَاضُ
وروى ابْن هانىء عَنهُ: أمْحَضْتُ لَهُ النُّصْح إِذا أَخْلَصْته، قلت: وَقد قَالَ غَيره: مَحْضتُك نُصحي بِغَيْر ألف، ومَحَضْتُك مَوَدَّتي، وَيُقَال: مَحَضتُ فلَانا إِذا سَقَيْتَه لَبَنًا مَحْضا لَا مَاء فِيهِ، وَقد امتحضه شاربُه، وَمِنْه قَول الرّاجز:
فامْتَحَضا وسَقَّياني ضَيْحَا
مضح: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَضَح الرجلُ عِرْض فلَان وأَمْضَحَه إِذا شانه وعابه. أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: مَضح الرجل عِرضه وأمْضحه إِذا شانه، وَقَالَ الفَرَزْذق:
وأمضحتِ عِرضي فِي الْحَيَاة وشِنْتِني
وأوْقَدْتِ لي نَارا بِكُل مَكَان
وأنشدنا أَبُو عَمْرو:
لَا تمْضَحَن عِرضي فَإِنِّي ماضِحُ
عِرضَك إِن شاتَمتني وقادِحُ
فِي ساقِ مَنْ شاتمنِي وجارحُ
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : مَضَحَت الْإِبِل ونضحت ورفَضَت إِذا انتشرت. ومَضحت الشَّمْس ونضَحَت إِذا انْتَشَر شُعاعها على الأرْض.
أَبْوَاب الْحَاء وَالصَّاد ح ص س، ح ص ز، ح ص ط: أهملت وجوهها. ح ص د اسْتعْمل من وجوهها: حصد، صدح، دحص. حصد: قَالَ اللَّيْث: الحَصْد: جَزُّك البُرّ وَنَحْوه من النَّبات، وقَتْلُ النَّاس حَصْدٌ أَيْضا، قَالَ الله جلّ وعزّ: {حَتَّى ? جَعَلْنَ ? هُمْ حَصِيداً خَ ? مِدِينَ} (الأنبيَاء: 15) هَؤُلَاءِ قوم قتلوا رَسُولا بُعِث إِلَيْهِم فعاقبهم الله وقتلهم مَلِكٌ من مُلُوك الْأَعَاجِم، فَقَالَ الله جلّ وعزّ: {حَتَّى ? جَعَلْنَ ? هُمْ حَصِيداً خَ ? مِدِينَ} أَي كالزرع المحصود. وَقَالَ الْأَعْشَى: قَالُوا البقِيَّةَ والهِنْديُّ يَحْصُدُهم وَلَا بقيَّة إِلَّا الثَّأرُ فانكَشَفوا قَالَ: والحَصِيدة: المزرعة إِذا حُصِدت كلّها، والجميع الحصائد، وأحصدَ البُرُّ إِذا أَتَى حَصادُه. والحَصاد: اسْم للبُرِّ المحصود بَعْدَمَا يُحْصَد، وَأنْشد: إِلَى مُقْعَدات تَطْرَحُ الريحُ بالضُّحى عَلَيْهِنَّ رَفْضاً من حَصادِ القُلاقل قلت: وحَصاد كل شَجَرَة: ثَمَرَتهَا، وحَصاد الْبُقُول البَرِّيَّة: مَا تناثر مِنْ حِبتها عِنْد هَيْجِها والقُلاقِل: بقلة بَرِّية يُشْبِه حَبُّها حَبّ السِّمْسِم، وَلها أكمام كأكمامها، وَأَرَادَ بحصاد القُلاقل: مَا تناثر مِنْهُ بعد هَيْجه. وحصاد البَرْوَقِ: حَبَّة

(4/133)


سَوْدَاء، وَمِنْه قَول ابْن فَسْوة: كَأَن حَصاد البَرْوَق الجَعْدِ جائِلٌ بِذِفْرى عِفِرْناةٍ خلافَ المَعَذَّر شبَّه مَا يَقطُر من ذِفْراها إِذا عَرِقت بحب البَرْوَق الَّذِي جعله حَصَاده، لِأَن ذَلِك العَرَق يتحبَّب فيقطُر أسوَد. وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعَام: 141) يُرِيد وَالله أعلم يَوْم حَصْدِه وجَزارِه، يُقَال: حِصاد وحَصاد، وجِزاز وجَزاز، وجِداد وجَداد، وقِطاف وقَطاف. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن حَصاد اللَّيْل وَعَن جَداده. قَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: إِنَّه إِنَّمَا نهى عَن ذَلِك لَيْلًا من أجل الْمَسَاكِين أَنهم كَانُوا يَحْضُرُونه فَيتُصدَّقُ عَلَيْهِم، وَمِنْه قَوْله: {وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، وَإِذا فُعِل ذَلِك لَيْلًا فَهُوَ فِرَارٌ من الصَّدقة، وَيُقَال: بل نُهِي عَنهُ لمَكَان الهوامِّ أَلا تصيب النَّاس إِذا حَصَدوا لَيْلًا. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَالْقَوْل الأول أحبُّ إليّ. وَقَول الله جلّ وعزّ: {جَنَّ ? تٍ وَحَبَّ} (ق: 9) قَالَ الفرّاء: هَذَا مِمَّا أُضيف إِلَى نَفسه، وَهُوَ مثل قَوْله: {جَحِيمٍ إِنَّ هَ ? ذَا} (الواقِعَة: 95) وَمثله قَوْله: {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ} (ق: 16) والحبْلُ هُوَ الوريد نَفسه فأُضيف إِلَى نَفسه، لاخْتِلَاف لفظ الإسمين. وَقَالَ الزَّجَّاج: نصب قولَه: وحَبَّ الحصيد أَي وأنبَتْنا فِيهَا حَبَّ الحَصِيد، فَجمع بذلك جَمِيع مَا يُقْتات من حَبِّ الحِنْطة وَالشعِير وكلِّ مَا حُصِد، كَأَنَّهُ قَالَ: وحَبَّ النبْتِ الحَصِيد. وَقَالَ اللَّيْث: أَرَادَ حَبّ البُرّ المحصود. وقولُ الزجّاج أصح لِأَنَّهُ أعَمّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحَصَدُ: مصدر الشَّيْء الأَحْصَد، وَهُوَ المُحْكم فَتْله وصَنْعته من الحبال والأوتار والدُّروع قَالَ: وَيُقَال للخَلْق الشَّديد أحْصَدُ مُحْصَد، حَصِدٌ مُسْتَحْصِد، وَكَذَلِكَ وَتر أَحْصَدُ: شَدِيد الفَتْل. وَقَالَ الجعْدِيُّ: مِنْ نَزْعِ أَحْصدَ مُسْتَأْرِب أَي شَدِيد مُحكَم. وَقَالَ آخر: خُلِقْتُ مشروراً مُمَرّاً مُحْصَدا قَالَ: والدِّرْع الحَصْداء: المُحْكَمة، قلت: ورأْي مُستحصِد: مُحْكَم. وَقَالَ لَبِيد: وخَصْمٍ كَنادِي الجِنّ أَسْقَطْت شأوَهم بمستحْصِدٍ ذِي مِرَّة وضُرُوع أَي بِرَأْي مُحْكم وثيق، والصُّرُوع والضُّرُوع: الضُّروب والقُوَى. واستحصد أمْرُ الْقَوْم واستَحْصفَ إِذا استحكم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحَصادُ: نَبْتٌ لَهُ قَصَب يَنبَسِط فِي الأَرْض، لَهُ وُرَيْقَه على طرف قَصَبه. وَقَالَ ذُو الرمّة: قادَ الحَصادَ والنَّصِيَّ الأغْيَدَا شمر: الحَصْد: شجر، وَأنْشد: فِيهِ حُطامٌ مِن اليَنْبُوتِ والحَصَد

(4/134)


ويروى: والخضد، وَهُوَ مَا تثنى وتكسر وخُضِد، وَفِي الحَدِيث: (وَهل يَكُبُّ النَّاس على مناخِرهم فِي النارِ إلاّ حَصائِدُ أَلْسنتهم. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ بالحصائد مَا قالَتْه الألسنةُ، شُبِّه بِمَا يُحصد من الزَّرْع إِذا جُزَّ، وَيُقَال: أَحْصَد الزرعُ إِذا آن حَصَاده: وحَصَدَه واحتصده بِمَعْنى وَاحِد واستحصَدَ الزرعُ وأَحصَدَ واحِد. صدح: قَالَ اللَّيْث: الصَّدْحُ: من شدَّة صوْتِ الدِّيك والغراب وَنَحْوهمَا. وَقَالَ أَبُو النَّجْم: مُحَشرِجاً ومَرَّةً صَدُوحَا قَالَ: القَيْنة الصادحةُ: المُغَنِّيَة. وصَيْدح: اسْم نَاقَة ذِي الرّمّة، وفيهَا يَقُول: فقلتُ: لِصَيْدَحَ انتَجِعي بِلاَلاً شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الصَّدَحُ: الأسوَدُ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّدَح أنشزُ من العُنَّاب قَلِيلا وأشدُّ حُمْرة، وحُمْرتُه تضرب إِلَى السوَاد. وَقَالَ غَيره: الصِّدْحَانُ: آكامٌ صغَار صِلاَبُ الحِجَارَةِ، وَاحِدُها صَدَحٌ. دحص: أهمله اللَّيْث، وَهُوَ مُسْتَعْمل، يُقَال: دَحَصَتِ الذَّبِيحَةُ بِرِجْلَيْها عِنْد الذَّبْح إِذا فحصت. وَقَالَ علْقَمَة بن عَبْدة: رغَا فَوْقَهُم سَقْبُ السَّمَاءِ فَدَاحِصٌ بِشِكَّتِه لم يُسْتَلَبْ وسَلِيبُ قَالَ: أَصَابَهُم مَا أصَاب قوم ثَمُود حِين عقروا النَّاقة فَرَغَا سَقْبُها، وَجعله سقب السَّماء. لِأَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاء لمَّا عُقِرَت أُمُّه. والدَّاحِصُ: الَّذِي يبْحَث بيدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ كالمَذْبُوحِ. (ح ص ت) ح ص ظ ح ص ذ ح ص ث: أهملت وجوهها. ح ص ر حصر، حرص، صرح، صحر، رصح: مستعملة. حصر: قَالَ اللَّيْث: الحَصَرُ: ضرْبٌ من العِيّ، تَقول: حَصِرَ فلانٌ فَلم يقدر على الْكَلَام، وَإِذا ضَاقَ صدرُ الْمَرْء من أَمْرٍ قيل: حَصِرَ صَدْرُ الْمَرْء عَن أمره يحصَر حَصَراً. قَالَ الله: {إِلاَّ ? لَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى ? قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَ ? قٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَ ? تِلُونَكُمْ} (النِّساء: 90) مَعْنَاهُ: ضَاقَت صُدُورَهُم عَن قتالكم وقتال قَومهمْ. وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (النِّساء: 90) . الْعَرَب تَقول: أَتَانِي فلانٌ ذَهَبَ عَقْلُه يُرِيدُونَ قَدْ ذَهَب عَقْلُه. قَالَ: وَسمع الكِسَائيُّ رجلا يَقُول: فأصبحتُ نظرتُ إِلَى

(4/135)


ذَات التَّنَانِير. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جعل الفرّاء قَوْله حَصِرَت حَالاً وَلَا تكون حَالاً إِلَّا بِقَدْ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: حَصِرَت صُدُورُهم خَبَرٌ بعد خبر كَأَنَّهُ قَالَ: أَو جَاءُوكُم، ثمَّ أخبر بَعْدُ، فَقَالَ: حصرت صُدُورُهم أَن يُقَاتِلُوكُمْ. وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: إِذا أضمرتَ قد قَرُبَتْ من الْحَال وَصَارَت كالاسم، وَبهَا قَرَأَ من قَرَأَ: (حَصِرَةً صُدُورُهُم) . وَقَالَ أَبُو زيد: وَلَا يكون جَاءَني القَوْمُ ضَاقَتْ صُدُورهمْ إِلَّا أَن تصله بواو أَو بقد، كَأَنَّك قلت: جَاءَنِي القَوْمُ وضَاقَت صُدُورُهم. وَقَالَ غَيره: كلّ من ضَاقَ صَدْرُه بِأَمْر فقد حَصِرَ، وَمِنْه قَول لبيد: جرداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرَّامها يصف نَخْلَة طَالَتْ فحَصِرَ صَدْرُ صَارِمِ ثَمَرهَا حِين نظر إِلَى أعاليها، وضاق صَدْرُه أَن رَقِيَ إِلَيْهَا لطولها. وَقَالَ اللَّيْث: الْحَصرُ: اعتقال البَطْن، وَصَاحبه مَحْصُور. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي واليزيدي: الحُصْرُ: من الغَائِط، والأُسْرُ: من البَوْلِ. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ الْكسَائي: حُصِرَ بغائطه، وأُحْصِرَ. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال: للَّذي بِهِ الْحُصرِ مَحْصُور، وَقد حُصِرَ عَلَيْهِ بَوْلُه يُحْصَر حَصْراً أَشَدَّ الحَصْر، وَقد أَخذه الحُصْرُ وَأَخذه الأُسْرُ شَيْء واحدٌ، وَهُوَ أَن يَمْسِك ببوله فَلَا يَبُول، قَالَ: وَيَقُولُونَ: حُصِرَ عَلَيْهِ بَولُه وخَلاَؤُه، وَرجل حَصِرٌ بالعَطَاء. قَالَ: وَيُقَال: قومٌ مُحْصَرون إِذا حُوصِرُوا فِي حِصْنٍ وَكَذَلِكَ هم مُحْصَرُون فِي الحَجِّ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} (البَقَرَة: 196) قَالَ: وَرجل حَصُورٌ إِذا حُصِرَ عَن النِّسَاء فَلَا يَسْتَطِيعُهنّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحِصَارُ: الْموضع الَّذِي يُحْصَر فِيهِ الْإِنْسَان، تَقول: حَصَرُوه حَصْراً، وحاصَرُوه وَكَذَلِكَ قَالَ رؤبة: مِدْحَة مَحْصورٍ تَشَكَّى الحَصْرا قَالَ: يَعْنِي بالمحصور: الْمَحْبُوس، قَالَ: والإحْصَارُ: أَن يُحْصَر الحاجُّ عَن بُلُوغ المَنَاسِكِ بِمَرَض أَو نَحوه. قَالَ: والحَصور: الَّذِي لَا أرَبَ لَهُ فِي النِّسَاء: والحَصورُ كالهَيُوب: المُحْجِمُ عَن الشَّيْء، وَأنْشد: لَا بالحَصُور وَلَا فِيهَا بِسَوّار وَقَالَ غيرُه: أَرَادَ الحَصور الْبَخِيل هَاهُنَا، وَقَالَ الفرّاء: الْعَرَب تَقول للَّذي يمنعهُ خوف أَو مرض من الْوُصُول إِلَى إتْمَام حَجِّه أَو عُمْرته وكل مالم يكن مقهوراً كالحَبْس والسِّجْنِ وَأَشْبَاه ذَلِك. يُقَال فِي الْمَرَض: قد أُحْصِر، وَفِي الْحَبْس إِذْ حَبَسه سُلْطَان أَو قاهِرٌ مَانع قد حُصِر، فَهَذَا فَرْقٌ بَينهمَا، وَلَو نويْتَ بقهر السُّلْطَان أَنَّهَا عِلَّة مانِعةٌ، وَلم تذْهب إِلَى فعل الْفَاعِل جَازَ لَك أَن تَقول: قد أُحْصِر الرجلُ، وَلَو قُلْت فِي أُحْصِر من الوجَع وَالْمَرَض إِن الْمَرَض حَصَره. أَو الخَوْف

(4/136)


جَازَ أَن يَقُول: حُصر، قَالَ: وَقَوله عَزَّ وَجَلٌ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عِمرَان: 39) يُقَال: إِنَّه المُحْصَر عَن النِّسَاء لِأَنَّهَا عِلّة، وَلَيْسَ بمحبوس فعلى هَذَا فابْنِ. وأخْبَرني الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن فَهْم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس أَنه قَالَ: إِذا رُدَّ الرجل عَن وَجه يُريدهُ فقد أُحْصِر. أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدة: حُصِر الرجلُ فِي الحَبْس، وأُحْصِرَ فِي السّفر من مَرَضٍ أَو انْقِطَاع بِهِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: أحَصَرَهُ المرضُ إِذا مَنعه من السّفر أَو من حَاجَة يُريدُها، وحَصَرَه العدُوّ إِذا ضَيّق عَلَيْهِ فحُصِر أَي ضاقَ صدرُه، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النحويّ: الرِّواية عَن أهل اللُّغَة أَن يُقال للَّذي يَمْنعُه الخوْف وَالْمَرَض أُحْصِر، قَالَ: وَيُقَال للمحبوس حُصِر، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك: لِأَن الرجل إِذا امْتنع من التَّصَرُّف فقد حَصَر نفْسه، فكأَن الْمَرَض أحْبَسه أَي جعله يَحْبس نَفْسَه، وقولك: حَصَرْتُه إنَّما هُوَ حَبَسْتُه لَا لأَنَّه حبَس نَفسه فَلَا يجوز فِيهِ أُحْصِر، قلت: وَقد صحَّت الرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لاحَصْر إِلَّا حصْر الْعَدو فَجعله بِغَيْر ألف جَائِزا بِمَعْنى قَول الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ? سْتَيْسَرَ مِنَ ? لْهَدْىِ} (البَقَرَة: 196) وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) . قَالَ أَبُو الْحسن الأخْفَشُ: حَصِيرا أَي مَحْبِساً ومَحْصِرا، قَالَ: وَيُقَال للْملك حَصِيرٌ لِأَنَّهُ مَحْجُوب. والحَصيرُ: الجَنْبُ. قَالَ: والحصيرُ: الْبسَاط الصَّغِير من النَّبَات. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) ، قَالَ: الحَصيرُ المَحْبِسُ: ثمَّ ذَكَرَ نَحْواً من تَفْسِير الْأَخْفَش. الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَصيرُ: المَحْبِس، وَيُقَال: رجل حَصُور وحصيرٌ إِذا كَانَ ضَيِّقاً، حَكَاهُمَا لنا أَبُو عَمْرو، قَالَ: وَيُقَال: قد حَصَرْتُ القومَ فِي مَدِينَة بِغَيْر ألف، وَقد أحْصَرهُ المرضُ أَي مَنعه من السّفر، قَالَ: والحَصُور: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء، وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله عز وجلّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) يُفَسَّر على وَجْهَيْن على أَنهم يحصرون فِيهَا. قَالَ: وحَصِيرُ الأَرْض: وجْهُهَا. قَالَ: والحَصِيرُ: سَفِيفَةٌ من بَرْدِيَ أَو أَسَل. وَقَالَ القُتَيْبِيّ فِي تَفْسِير قَوْله: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) من حَصَرْتُه أَي حَبَسْتُه، فعيل بِمَعْنى فَاعل. وَقَالَ الزّجاج: حَصِيرا مَعْنَاهُ حبْساً من حَصَرتُه أَي حَبَسْتُه فَهُوَ مَحْصُور، وَهَذَا حصيرُه أَي مَحْبسه. قَالَ: والْحَصيرُ: المنسوج: سُمِّي حَصِيرا لِأَنَّهُ حُصِرَت طاقاتُه بعضُها مَعَ بعض، وَقَالَ: والْجَنبُ يُقَال لَهُ الْحَصِير، لِأَن بعض الأضلاع مَحْصورٌ مَعَ بعض. أَبُو عُبَيْد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الحَصيرُ:

(4/137)


الْجَنبُ. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَصِير: مَا بَين العِرْق الَّذِي يظْهر فِي جَنْب الْبَعِير وَالْفرس مُعْتَرضًا فَمَا فَوْقه إِلَى مُنْقَطَعِ الْجَنْب. فَهُوَ الحَصير. وَقَالَ شَمِر: الحَصيرُ: لحم مَا بَين الكَتِف إِلَى الخاصِرة. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: الحصور: النَّاقة الضّيِّقَةُ الإحليل، وَقد حَصُرت وأَحصَرَت. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحِصَارُ: حَقِيبَة تُلْقى على الْبَعِير وَيرْفَع مؤخرها فَيجْعَل كآخرة الرَّحْل، ويُحْشَى مُقَدَّمُها فَيكون كقادمة الرَّحل، يُقَال مِنْهُ: قد احتَصَرْتُ الْبَعِير احتِصاراً. وَأما قَول الْهُذلِيّ: وَقَالُوا تَرَكْنا القومَ قد حَصَروا بِهِ وَلَا غَرْوَ أَن قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ قَالَ معنى حَصَروا بِهِ أَي أَحَاطُوا بِهِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: امرأةٌ حَصْراء أَي رَتْقَاء. وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عِمرَان: 39) أَي لَا يَأْتِي النِّسَاء، وَقيل لَهُ حَصُور: لِأَنَّهُ حُصِرَ عَمَّا يكون من الرِّجَال. قَالَ: والحَصُورُ: الَّذِي لَا ينْفق على الندامى، وهم مِمَّن يُفَضِّلون الحَصور الَّذِي يكتم السرّ فِي نَفسه وَهُوَ الحَصِر، وَقَالَ جرير: وَلَقَد تَسقَّطَني الوُشَاةُ فَصَادَفُوا حَصِراً بِسِرِّك يَا أُمَيْمَ ضَنِينَا وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: أصل الحَصْر والإحصار: المَنْعُ، قَالَ: وأَحصَرَه الْمَرَض، وحُصِر فِي الحبْس أقوى من أُحصِر، لِأَن القرآنَ جَاءَ بِهَا، قَالَ: وأحصَرْت الجَمل وحصَّرْتُه وَحَصَرْتُه: جعَلْتُ لَهُ حِصَاراً وَهُوَ كِسَاء يُجعَلُ حول سَنَامه. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرض مَحْصُورَةٌ وَمَنْصورة ومَضْبُوطَة أَي مَمْطُورَةٌ. وَقَالَ شَمِر: يُقَال للناقة: إِنَّهَا لَحَصِرة الشُّخْب نَشِبَةُ الدَّرِّ. والحَصَرُ: نَشَبُ الدِّرَّة فِي الْعُرُوق من خُبْثِ النَّفْس وكَرَاهَة الدِّرَّة. وَيُقَال للحِصار مِحْصَرَة للكساء حوْلَ السَّنَام. صحر: قَالَ اللَّيْث: الصَّحرَاء: الفَضَاءُ الْوَاسِع وأَصْحَرَ القومُ إِذا بَرَزُوا إِلَى فَضَاءٍ لَا يُوَارِيهم شيءٌ وَجَمعهَا الصَّحارَى والصَّحَارِي، وَلَا يجمع على الصُّحْر لِأَنَّهُ لَيْسَ بنَعْت. وحمارٌ أَصْحَرُ اللَّوْن، وَجمعه صُحْرٌ. والصُّحْرَةُ: اسْم اللَّوْنِ، والصَّحَر المَصْدَر، وَهُوَ لون غُبْرَة فِيهِ حُمْرَةٌ خفيفةٌ إِلَى بَيَاض قَلِيل، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: صُحْرَ السَّرَابِيل فِي أحشائِهَا قَبَبُ قَالَ: وَرجل أَصْحَرُ، وَامْرَأَة صَحْراءُ: فِي لونهما صُفْرَة. وَيُقَال للنبات إِذا أخذت فِيهِ الصُّفْرَةُ غير الْخَالِصَة قد اصحارَّ النَّبَات ثمَّ يهيجُ بَعْدُ فيَصْفَرُّ. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الأصْحَرُ نحوُ الأصْبَح، والأنْثَى صَحْرَاء.

(4/138)


أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: لَقِيتُه صَحْرَةَ بَحْرَةَ إِذا لم يكن بَيْنَك وَبَينه شَيءٌ، وَقيل: لَمْ يُجْريا لِأَنَّهُمَا إسمان جعلا إسماً وَاحِدًا. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّحِيرُ من صَوْت الحَمِير أشَدُّ من الصَّهيل فِي الخَيْل، يُقَال: صَحَرَ يَصْحَرُ صَحِيراً. ابْن السِّكّيت عَن أبي عَمْرو: الصَّحِيرَةُ: لَبَنٌ حليبٌ يُغْلَى، ثمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ السَّمنُ فَيُشْرَبُ. وَقَالَ الكِلاَبيُّ: الصَّحيرةُ: اللبَنُ الحليبُ يُسَخَّنُ، ثمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ الدَّقِيق ويُتَحَسَّى. وَقَالَ غَنِيَّةُ: الصَّحيرَةُ: الحَليب يَصْحَر، وَهُوَ أَن يُلْقَى فِيهِ الرَّضْفُ أَو يجعلَ فِي القِدْر فيُغْلَى بِهِ فَوْرٌ واحدٌ حَتَّى يحتَرِق. قَالَ: والاحْتِراقُ: قَبّلَ الغَلْي. وَقَالَت أُمُّ سَلَمَة لعائشةَ: سكَّنَ الله عُقَيْرَاكِ فَلَا تُصْحِريه، مَعْنَاهُ لَا تُبْرِزيه إِلَى الصَّحْراء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصّحْرَةُ: جَوْبَةٌ تَنْفَتِقُ بينَ جِبَال. وروى عَنهُ أَبُو عُبَيد: الصُّحْرةُ تَنْجَابُ فِي الحَرَّة تكون أَيْضا ليّنة تُطِيفُ بهَا حِجَارَة. وَقَالَ أَبُو ذَؤَيْب: أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّحرَاء من الأَرْض: مِثْلُ ظهر الدَّابة الأجْرَد، لَيْسَ بهَا شَجَرٌ وَلَا إكامٌ وَلَا جبال مَلْسَاء، يُقَال صَحْرَاءُ بَيِّنَةُ الصَّحَر والصُّحْرَة. وَقَالَ شَمِر: يُقَال: أصْحَر المكانُ أَي اتَّسَع، وأصحَرَ الرجلُ: نَزَلَ الصَّحْرَاء. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ صُحَارِيِّيْن. صرح: أَبُو الْهَيْثَم عَن نُصَيْر: يُقَال للناقة الَّتِي لَا تُرَغِّي أَي لَا يكون للبنها رغْوَةٌ مِصْرَاحٌ يَشْفَتِرُّ شُخْبُهَا وَلَا يُرَغِّى أبدا. أَبُو عُبَيْد: الصَّرْحُ: كلّ بِنَاء عَال مُرْتَفع، وَجمعه صُرُوحٌ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: تَحْسِبُ آرامَهُنَّ الصُّرُوحا وَقَالَ الزَّجّاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {كَ ? فِرِينَ قِيلَ لَهَا ? دْخُلِى ? لصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ} (النَّمل: 44) قَالَ: الصَّرْحُ فِي اللُّغَة: القَصْرُ، والصَّحْنُ، يُقَال: هَذِه صَرْحَةُ الدَّار وقارِعَتُها أَي ساحَتُها. وَقَالَ بعض المفسّرين: الصَّرْحُ: بلاط اتُّخِذَ لَهَا من قَوَارِيرَ. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّرْحُ: بَيت وَاحِد يُبْنَى مُنْفَرِداً ضَخْماً طَويلا فِي السَّمَاء وَجمعه صُرُوح. قَالَ: والصَّريحُ: المَحْضُ الخالِصُ من كل شَيْء، وَيُقَال للّبن والبَوْل صَريح إِذا لم يكن فِيهِ رُغوة. وَقَالَ أَبُو النَّجم: يَسُوفُ من أَبْوَالِها الصَّرِيحَا قَالَ: والصَّرِيح من الرِّجال وَالْخَيْل: المحضُ، ويجمعُ الرجالُ على الصُّرَحاء وَالْخَيْل على الصَّرَائح. قُلْتُ: والصَّرِيح: فَحْلٌ من خَيل الْعَرَب مَعْرُوف، وَمِنْه قَول طُفَيْل: عَناجِيجُ من آلِ الصّريح وأَعْوَجٍ مَغَاوِيرُ فِيها للأرِيبِ مُعَقِّب وصَرِيحُ النُّصْحِ: مَحْضُه.

(4/139)


أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: صَرَحَ الشيءَ وصَرّحَه وأَصْرَحَه إِذا بَيَّنَهُ وأَظْهَرَه، وَقَالَ الهُذَلي: وكَرّمَ مَاء صَرِيحاً أَي خَالِصا، وَأَرَادَ بالتكريم التكثير، وَهِي لُغَة هُذَلِيَّة. وَيُقَال: صَرّحَ فلَان مَا فِي نَفسه تَصْريحا إِذا أَبْدَاه، وصَرّحَتِ الخمرُ تَصْريحاً إِذا ذهب مِنْهَا الزّبَدُ وَقَالَ الْأَعْشَى: كُمَيْتاً تكَشَّفُ عَن حُمْرَةٍ إِذا صَرّحَتْ بَعْدَ إزبَادِهَا وَيُقَال: جَاءَ بالكُفْر صُرَاحاً أَي جِهَاراً قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ صَرِيحاً. أَبُو عُبَيْد عَن الفرّاء: لَقِيتُه مُصارحَةً ومُقَارَحَةً، وصِرَاحاً وكِفَاحاً بِمَعْنى وَاحِد، وَذَلِكَ إِذا لَقِيتُه مُوَاجَهَةً. وَيُقَال: صَرّحَتِ السنَةُ إِذا ظهَرَتْ جُدُوبَتُها، وَقَالَ سَلامةُ بن جَنْدل: قومٌ إِذا صَرّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتَهُم مَأْوَى الضُّيُوفِ ومأْوى كلِّ قُرْضُوب وَمن أَمْثَال الْعَرَب: صَرّحَتْ بِجِدّانٍ وجِلْدَانٍ إِذا أَبْدَى الرجُلُ أَقْصَى مَا يُرِيدُه. والصَّرِيحُ: الخالِصُ، والصَّرَحُ مِثْلُه. وَأنْشد ابْن السِّكّيت قولَه: تعلو السيوفُ بأَيْدِيهم جَمَاجِمَهُم كَمَا يُفَلَّق مَرْوُ الأمْعَزِ القَرَح ويومٌ مصرِّحٌ: لَا سَحَاب فِيهِ وَلَا رِيح، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ: إِذا امْتَلَّ يهوِي قلتَ ظِلُّ طَخَاءَة ذرا الرِّيحُ فِي أعقاب يَوْم مُصَرِّحِ أَي ذراه الرّيح فِي يَوْم مُصْحٍ. اللَّيْث: خَمْرٌ صُرَاح وصُرَاحِيَةٌ، وكأسُ صُرَاح: غير ممزوجة، وَجَاء بالْكفْر صُراحاً أَي خَالِصا جهاراً. شمر عَن ابْن شُمَيْل: الصَّرْحَةُ من الأَرْض: مَا اسْتَوَى وَظهر، يُقَال: هم فِي صَرْحَةِ المِرْبَدِ، وصرْحَةِ الدَّار، وَهُوَ مَا اسْتَوَى وَظهر، وَإِن لم يظْهر فَهُوَ صرحة بعد أَن يكون مُسْتَوِياً حَسَناً. قَالَ: وَهِي الصَّحرَاء فِيمَا زعم أَبُو أَسْلَم، وَأنْشد: كَأَنَّهَا حِين فاض الماءُ واخْتَلَفَتْ فَتْخَاءُ لاحَ لَهَا بالصرْحة الذّيبُ حرص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَرْصَةُ والشَّقْفَة والرَّعْلَةُ والسَّلعَة: الشَّجَّةُ. اللَّيْث: حَرَصَ يحْرِصُ حِرْصاً، وَقَول الْعَرَب: حَرِيصٌ عَلَيْك مَعْنَاهُ حَرِيصٌ على نفعك. وَقوم حُرَصاء وحِرَاصٌ. قلت: اللُّغَة الْعَالِيَة حَرَصَ يحرِص، وأمَّا حَرِصَ يَحْرَص فلغة رَدِيئَة والقراء مجمعون على: {: ُ: ِوَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يُوسُف: 103) . وَقَالَ اللَّيْث: الْحَرْصةُ مِثل العَرْصة إِلَّا أَن الحَرْصة مُستقَر وسط كل شَيْء، والعَرْصةُ: الدَّار، قلت: لم أسمع حَرْصة بِمَعْنى العَرصة لغير اللَّيْث: وَأما الصرحةُ فمعروفة. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره قَالَ: أول الشِّجَاج الحارصة، وَهِي الَّتِي تحرِصُ الْجلد أَي تَشُقّه قَلِيلا، وَمِنْه قيل: حَرَصَ

(4/140)


القَصّارُ الثوبَ إِذا شَقَّه، وَقد يُقَال لَهَا: الحَرْصةُ. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحريصةُ: سَحَابَة تَقْشِر وَجه الأَرْض وتُؤثر فِيهِ من شدَّة وَقْعها وَنَحْو ذَلِك روى أَبُو عُبَيد عَنهُ، وأصل الحَرْصُ: القشر، وَبِه سُمِّيَت الشَّجّة حارِصة، وَقيل للشرِه حَرِيص، لِأَنَّهُ يَقْشِر بحرصه وَجُوه النَّاس يسألهم. والحِرْصِيانُ فِعْليَانٌ من الحَرْصِ وَهُوَ القَشْرُ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال لباطن جِلْدِ الْفِيل حِرْصيان، وَقيل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {خَلْقٍ فِى ظُلُمَ ? تٍ} (الزُّمَر: 6) هِيَ الحِرْصيان والغِرْس والبطن، قَالَ: والحِرْصِيان: بَاطِن جلد الْبَطن، والغِرْسُ: مَا يكون فِيهِ الْوَلَد. وَقَالَ فِي قَول الطرمَّاح: وَقد ضُمِّرتْ حَتَّى انْطَوَى ذُو ثَلاثِها إِلَى أَبْهَرَي دَرْمَاء شَعْبِ السَّنَاسِن قَالَ: ذُو ثلاثها أَرَادَ الحِرْصِيان والغِرْسَ والبَطن. وَقَالَ ابْن السّكيت: الحرصِيَانُ: جِلدةٌ حمراءُ بَين الْجلد الْأَعْلَى وَاللَّحم تُقْشَرُ بعد السَّلْخ، وَالْجمع الحِرْصِيَانَات، وَذُو ثَلاَثها عَنَى بِهِ بَطنهَا، والثلاثُ: الحِرْصِيانُ، والرَّحِم، والسابِيَاءُ. قلت: الحرصِيان فِعْلِيَانٌ من الْحَرْصِ، وعَلى مِثَاله حِذْريان وصِلِّيَان. رصح: أهمله اللَّيْث. وروى ابْن الْفرج عَن أبي سعيد الضَّريرِ أَنه قَالَ: الأرْصَح والأرصَعُ والأزَلُّ. وَاحِد. قَالَ: وَقَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو، وَيُقَال: الرَّصَعُ: قُرْبُ مَا بَين الوَرِكَيْن، وَكَذَلِكَ الرَّصَح والرَّسَحُ والزَّللُ. ح ص ل حصل، لحص، صلح، صَحِلَ: مستعملة. حصل: قَالَ اللَّيْث: تَقول: حَصَلَ الشيءُ يحصلُ حُصولاً، قَالَ: والحاصِل من كل شيءٍ: مَا بَقِي وثبَتَ وَذهب مَا سواهُ يكون من الْحساب والأعمال ونحوِها. والتحصيل: تَمْيِيز مَا يَحصُل، وَالِاسْم الحَصِيلَةُ. وَقَالَ لبيد: وكل امرىءٍ يَوْماً سَيُعْلم سَعْيُه إِذا حُصِّلت عِنْد الْإِلَه الحصائِلُ وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {? لْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِى ? لصُّدُورِ} (العَاديَات: 10) أَي بُيِّن. وَقَالَ غَيره: مُيِّزَ. وَقَالَ بَعضهم: جُمِعَ. اللَّيْث: الحَوْصَلة: حَوْصَلَة الطَّائر، وَيُقَال للشاة الَّتِي عَظُم من بَطنهَا مَا فَوق سُرَّتها حَوْصلٌ وَأنْشد: أَو ذَات أَوْنَيْن لَهَا حَوْصلُ قَالَ: والطائر إِذا ثَنَى عُنُقه وَأخرج حَوْصَلَته يُقَال: قد احوَنْصَل. وَقَالَ أَبُو النَّجم: وأصبَح: الروضُ لَوِيّاً حَوْصَلهُ وحَوْصلُ الرَّوْض: قَرَارُه، وَهُوَ أبطؤها هَيْجاً، وَبِه سُمِّيت حوصلةُ الطَّائِر، لِأَنَّهَا قَرَار مَا يَأْكُلهُ.

(4/141)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: زَاوِرةُ القَطَاة: مَا تحمل فِيهِ المَاء لفراخها، وَهِي حَوْصَلتها، قَالَ: والغَرَاغِرُ: الحَوَاصِلُ، وَيُقَال: حَوْصلَة وحَوْصلَّة وحَوْصِلاء مَمْدُود بِمَعْنى وَاحِد. أَبُو زيد: الحَوْصلَّةُ للطير بِمَنْزِلَة الْمعدة للإسنان، وَهِي المصارين لِذي الظِّلْفِ والخُفِّ، والقانصةُ من الطير تُدْعَى الْجِرِّيئَةُ مَهْمُوزَة على فِعِّيلَة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من أدواء الْخَيل: الحَصَلُ والقَصَلُ، قَالَ: والحَصَلُ: سَفُّ الفرسِ التُّرابَ من البَقْل فيجتمِعُ مِنْهُ ترابٌ فِي بَطْنه فيقتله، قَالَ: فَإِن قَتَله الحصَلُ قيل: إِنَّه لَحَصِلٌ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَصلُ فِي أَوْلَاد الْإِبِل: أَن تَأْكُل التُّرَاب، وَلَا تُخرِجَ الجِرَّة وَرُبمَا قتَلها ذَلِك. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَفِي الطَّعَام مُرَيْرَاؤه وحَصَلُه وغَفَاه وفَغَاهُ وحُثَالتُه وحُفالتُه بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وحصَّلَ النّخل إِذا اسْتَدَارَ بلَحُه. وَقَالَ غَيره: أحصل القومُ فهم مُحْصِلون إِذا حصَّلَ نخْلُهم: وَذَلِكَ إِذا استبان البُسْرُ وتدحْرَج. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْحَاصِل: مَا خَلَصَ من الفِضَّة من حِجَارَة المَعْدِن، وَيُقَال للَّذي يُخَلِّصه مُحَصِّل، وَأنْشد: أَلاَ رَجُلٌ جَزَاهُ الله خيرا يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلةٍ تُبِيتُ أَي تُبِيتُني عِنْدهَا لأُجَامِعها صَحِلَ: قَالَ اللَّيْث: الصّحَل. صَوتٌ فِيهِ بُحَّة، يُقَال: صَحِلَ صوتُه صَحَلاً فَهُوَ صَحِلُ الصَّوْت. وَفِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين وصَفَتْه بهَا أُمُّ مَعْبَد: (وَفِي صوتِه صَحَلٌ) أَرَادَت أنَّ فِيهِ كالبُحّة، وَهُوَ ألاّ يكون حادّاً. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الأصْحَل: دون الأبَحّ، إِنَّمَا الصَّحَل: جُشوءٌ فِي الصَّوْت إِذا لم يكن صافياً وَلَيْسَ بالشديد، وَلكنه حَسَنٌ، يُوصف بِهِ الظِّباء، وَأنْشد: إِن لَهَا لَسَائقاً إِن صَحَّا لَا صَحِلَ الصوتِ وَلَا أَبَحّا إِذا السُّقَاةُ عَرَّدُوا أَلَحَّا صلح: اللَّيْث: الصُّلْح: تَصالُح الْقَوْم بَينهم، والصَّلاَح: نقيض الْفساد، والإصلاح: نقيض الْإِفْسَاد، ورجُلٌ صَالح: مُصلحٌ، والصالح فِي نَفسه، والمصلح فِي أَعماله وأُموره، وَتقول: أصلحتُ إِلَى الدَّابَّة إِذا أحسنتَ إِلَيْهَا. والصِّلْحُ: نهر بمَيْسان. وَيُقَال: صلَح فلانٌ صُلُوحاً وصَلاحاً، وَأنْشد أَبُو زيد: فكيفَ بأطرافي إِذا ماشَتَمْتَني وَمَا بعد شَتْم الْوَالِدين صُلُوح والصِّلاَح بِمَعْنى الْمُصَالحَة، وَالْعرب تؤنِّثها، وَمِنْه قَول بِشْر بن أبي خازم: يَسُومون الصِّلاح بذاتِ كَهْفٍ وَمَا فِيهَا لَهُم سَلَعٌ وَقَارُ وَقَوله: وَمَا فِيهَا أَي فِي الْمُصَالحَة وَلذَلِك أنّث الصِّلاَح.

(4/142)


وصَلاَحِ: اسْم لِمَكَّة على فَعَالِ. والمصْلَحَةُ: الصَّلاَح. وتصالح الْقَوْم واصّالحوا واصطلحوا بِمَعْنى وَاحِد. لحص: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْص والتَّلْحِيص: استقصاءُ خبر الشَّيْء وَبَيَانه، تَقول: قد لحص لي فلَان خبرَك وأمرَك إِذا بيّن ذَلِك كُله شَيْئا بعد شَيْء، وَكتب بعض الفصحاء إِلَى بعض إخوانه كتابا فِي بعض الْوَصْف فَقَالَ: وَقد كتبت كتابي هَذَا إِلَيْك وَقد حَصَّلتُه ولَحّصْتُه وفَصَّلته ووصّلْتُه وَبَعض يَقُول: لَخَّصتُه بِالْخَاءِ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ أَنه سَأَلَ أَبَا الْهَيْثَم عَن قَول أُمَيَّة بن أبي عَائِذ الهُذَليّ: قد كنتُ ولاَّجاً خُرُوجًا صَيْرَفا لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لحَاص فَقَالَ: لحَاص أخرجه مُخْرَجَ قَطَام وحَذَامِ، قَالَ وَقَوله: لم تَلْتَحِصْنِي أَي لم تُثَبِّطْنِي. يُقَال: لحصتُ فلَانا عَن كَذَا، والْتَحصْتُه أَي حَبَسْتُه وثَبَّطْتُه. قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّاني عَن ابْن السّكيت فِي قَوْله: لم تَلْتَحِصْني أَي لم أَنْشَب فِيهَا. ولَحَاصِ فَعَال مِنْهُ. غَيره: لَحِصَتْ عينُه والْتَحَصَتْ إِذا الْتَزَقَت من الرَّمَص. وَقَالَ اللِّحياني: الْتَحَصَ فُلانٌ البيضَةَ إِذا تَحَسَّاها، والتحصَ الذئبُ عينَ الشَّاة، والْتَحَصَ بيضَ النَّعَام إِذا شَرِبَ مَا فِيهَا من المحِّ والبياضِ. ح ص ن حصن، حنص، صحن، نحص، نصح: مستعملة. حصن: قَالَ اللَّيْث: الحِصْنُ: كل مَوضِع حَصِين لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِي جَوْفه، تَقول: حَصُنَ يَحْصُن حَصَانَة، وحَصَّنَه صاحِبُه وأَحْصَنُه، والدِّرْعُ الحَصِينَةُ: المُحْكَمَةُ، وَقَالَ الْأَعْشَى: وكل دِلاصٍ كالأضَاةِ حَصِينَةٍ ترى فَضلهَا عَن رَيْعها يَتَذَبْذَبُ قَالَ شمر: الحَصينَة من الدُّرُوعِ: الأمِينَةُ المُتَدَانِيَةُ الحَلَق الَّتِي لَا يَحِيكُ فِيهَا السِّلَاح. وَقَالَ عنْتَرَةُ العبسيَّ. فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حصيناً وَعَطْعَطَ مَا أَعَدَّ من السِّهَام وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة دَاوُد: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ} (الأنبيَاء: 80) ، قَالَ الفرّاء: قرىء (ليُحْصِنَكم) وَ (لتُحْصِنَكم) و (لنُحْصِنَكُم) ، فَمن قَرَأَ (ليُحْصِنَكُم) فالتذكير لِلَّبُوسِ، وَمن قَرَأَ (لتُحْصِنَكُم) ذهب إِلَى الصّنْعَة، وَإِن شئْتَ جعلتَه للدِّرْع لِأَنَّهَا هِيَ اللَّبُوس وَهِي مُؤَنَّثَة، وَمعنى (ليُحْصِنَكُم) لِيَمْنَعكُم ويُحْرِزَكُم، وَمن قَرَأَ (لنُحْصِنَكُم) بالنُّون فَمَعْنَاه (لنُحصِنَكم) نَحن والفِعْل لله عزّ وجلّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحِصَانُ: الفَحْلُ من الخَيلِ وَجمعه حُصُن. وتَحَصَّن إِذا تكلَّف ذَلِك. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: فرس حِصَانٌ بيَّن التَّحَصَّن، وامرأَةٌ حَصَانٌ بِفَتْح الْحَاء بَيِّنَةُ الحَصَانَةِ والحُصْنِ.

(4/143)


وَقَالَ شمر: امْرَأَة حَصَانٌ وحاصِنٌ وَهِي العَفيفَةُ، وَأنْشد: وحاصِنٍ من حاصِنَاتٍ مُلْسِ من الْأَذَى ومِنْ قِرَافِ الوَقْسِ الوَقْسُ: الجَرب. مُلْسٌ: لاعيب بِهن. وَقَالَ اللَّيْث: حَصُنَت المرأةُ تَحْصُن إِذا عَفَّت عَن الرِّيبَةِ فَهِيَ حَصَانٌ، قَالَ: والمُحْصَنَةُ: الَّتِي أحْصنهَا زَوجها، وَهِي الْمُحْصنَات، فَالْمَعْنى أَنَّهُنَّ أُحْصِنّ بأزواجهن. وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي وَالْمُنْذِرِي عَن ثَعْلَب عَنهُ أَنه قَالَ: كَلَام الْعَرَب كُله على أفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِل إِلَّا ثَلَاثَة أحرف أحْصَن فَهُوَ مُحْصَنٌ، وألْفَجَ فَهُوَ مُلْفَج، وأسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَب. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: أجمع الْقُرَّاء: على نَصْبِ الصَّاد فِي الْحَرْف الأول من النِّسَاء فَلم يَخْتَلِفُوا فِي فتح هَذِه، لِأَن تَأْوِيلهَا ذواتُ الْأزْوَاج يُسْبَيْن فيُحِلُّهُنَّ السِّبَاءُ لمنْ وَطئهَا من المالِكين لَهَا، وتنقطع العِصْمَة بَينهُنَّ وَبَين أَزوَاجهنَّ بِأَن يَحِضْن حَيْضَة ويَطْهُرن مِنْهَا، فَأَما مَا سِوَى الْحَرْف الأول فالقُرّاء مُخْتَلفُونَ، فَمنهمْ من يكسر الصَّاد، وَمِنْهُم من يفتحها، فَمن نصب ذهب إِلَى ذَوَات الْأزْوَاج، وَمن كسر ذهب إِلَى أَنَّهُنَّ أسلَمْن فأَحْصَنَّ أنْفُسَهن فهن مُحْصِنَات. قلت: وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَ ? حِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ? لْمُحْصَنَ ? تِ مِنَ ? لْعَذَابِ} (النِّساء: 25) فَإِن ابْن مَسْعُود قَرَأَ: (فَإِذا أحْصَنَّ) وَقَالَ: إحْصَانُ الأَمَةِ: إسْلامُها، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا {فَإِذَآ أُحْصِنَّ} (النِّساء: 25) على مَا لم يُسَمّ فَاعله. ويفسره فَإِذا أُحْصِنّ بِزَوْج، وَكَانَ لَا يَرَى على الأَمَةِ حَدّاً مَا لم تتَزَوَّج، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يرى عَلَيْهَا نِصْفَ حَدِّ الحُرَّة إِذا أسلمت وَإِن لم تُزَوّج وبِقَوْله يَقُول فُقَهاءُ الأمْصَارِ، وَهُوَ الصَّوَاب، وَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعبد الله بن عَامر وَيَعْقُوب فَإِذا أُحْصِنّ بضمّ الْألف، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَن عَاصِم مثلَه، وَأما أَبُو بكر عَن عَاصِم فقد فتح الْألف وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ (فَإِذا أحْصنَّ) بفَتْح الْألف. وَقَالَ شمر: أَصْلُ الحَصانَة المَنْعُ، وَلذَلِك قيل: مَدِينةٌ حَصِينَةٌ، ودِرْعٌ حَصينَةٌ، وَأنْشد يُونُس: زَوْجُ حَصَانٍ حُصْنُها لم يُعْقَم وَقَالَ: حُصْنُها: تَحْصِينُها نفسَها. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَصَنَتِ المرأةُ نفسَها، وامرأةٌ حَصَانٌ وَحَاصِنٌ. سَلَمَةُ عَن الفرّاء فِي قَوْله: {وَ ? لْمُحْصَنَ ? تُ مِنَ ? لنِّسَآءِ} (النِّساء: 24) . قَالَ: المُحْصَنَاتُ: العَفَائِفُ من النِّسَاء، المُحْصنات: ذَوَات الأزْوَاج اللَّاتِي قد أَحْصَنَهُن أَزْوَاجُهُنّ. قَالَ: والمُحْصَنَات بِنَصْبِ الصَّادِ أكثرُ فِي كَلَام العَرَب. وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَ ? فِحِينَ} (النِّساء: 24) . قَالَ: مُتَزَوِّجِينَ غَيْرَ زُنَاة.

(4/144)


قَالَ: والإِحْصَانُ: إحْصَانُ الفَرْج وَهُوَ إعْفَافُه، وَمِنْه قَوْله: {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} (الأنبيَاء: 91) أَي أعَفَّتْه، قلت: والأمَةُ إِذا زُوِّجَت جَازَ أَن يُقَال: قد أُحْصِنَتْ لِأَن تَزْويجها قد أَحْصَنَها وَكَذَلِكَ إِذا أُعْتِقَت فَهِيَ مُحْصَنَة لِأَن عِتْقَها قد أَعَفَّها، وَكَذَلِكَ إِذا أَسْلَمَت فَإِن إسْلاَمَها إِحْصَانٌ لَهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِحْصَن: القُفْلُ. وخَيْلُ الْعَرَب: حُصُونُها، وهم إِلَى الْيَوْم يُسَمُّونَها حُصُوناً ذُكُورَها وإنَاثَها. وسُئِل بعضُ الحُكّام عَن رَجُل جَعَل مَالاً لَهُ فِي الحُصُون، فَقَالَ: اشْتَروا خَيْلاً واحْمِلُوا عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله ذَهَب إِلَى قَولِ الجُعْفِيّ: وَلَقَد عَلِمْتُ عَلَى تَوَقِّيَّ الرَّدَى أَنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لَا مَدَرُ القُرَى وَالْعرب تسمي السِّلَاح كُلَّه حِصْنا، وَجعل سَاعِدَةُ الهُذَلِيُّ النِّصالَ أَحْصِنَةً فَقَالَ: وأَحْصِنَةٌ ثُجْرُ الظُّبَاتِ كأنَّها إِذا لم يُغَيِّبْها الجَفِيرُ جَحِيمُ الثُّجْرُ: العِرَاض، ويروى: وأَحْصَنَه ثُجْرُ الظُّبَاتِ أَي أَحْرَزَهُ. صحن: قَالَ اللَّيْث: الصَّحْنُ: سَاحَةُ وَسَطِ الدَّار، وساحة وسَط الفَلاة وَنَحْوهَا من متون الأَرْض وسَعَة بُطُونِها، وَأنْشد: ومَهْمَهٍ أَغْبَر ذِي صُحُونِ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الصَّحْنُ: المُسْتَوِي من الأرضِ. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الصَّحْن: صَحْن الوَادِي، وَهُوَ سَنَده، وَفِيه شَيْء من إشْرافٍ عَن الأرضِ يُشْرِفُ الأولَ فالأوَّلَ كَأَنَّهُ مُسْنَدٌ إِسْنَادًا، وصَحْنُ الجَبَل، وصَحْنُ الأكمة مثله، وصُحُونُ الأرضِ: دُفُوفُها وَهُوَ مُنْجَرِدٌ يَسِيلُ وَإِن لم يكن مُنْجَرداً فَلَيْسَ بِصَحْن، وَإِن كَانَ فِيهِ شَجَرٌ فَلَيْسَ بِصَحْنٍ حَتَّى يَسْتَوِي. قَالَ: والأرضُ المُسْتَوِيَةُ أَيْضا مِثلُ عَرْصَة المِرْبَد صَحْنٌ. وَقَالَ الفرّاء الصَّحْنُ والصَّرْحَةُ: ساحة الدَّار وأَوْسَعُها. عَمْرو عَن أَبِيه: الصَّحْنُ: العَطِيَّةُ، يُقَال: صَحَنَه دِينَارا أَي أَعْطاهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: خَرَجَ فلَان يَتَصَحَّن الناسَ أَي يسأَلُهُم. وَقَالَ أَبُو عَمرو: الصَّحْنُ: الضَّرْبُ، يُقَال: صَحَنَه عِشرين سَوْطاً أَي ضَرَبه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَوَّلُ الأقداحِ الغُمَرُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُرْوِي الْوَاحِد، ثمَّ القَعْب يُرْوِي الرَّجلَ، ثمَّ العُسُّ، ثمَّ الرِّفْد، ثمَّ الصَّحْنُ، ثمَّ التِّبْنُ، ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو زَيْد فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عُبَيد. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَالُ للسَّائِلِ: هُوَ يتصحَّن الناسَ إِذا سَأَلَهُمْ فِي قَصْعَةٍ ونَحْوها. قَالَ: والصِّحْنَاةُ بِوَزْن فِعْلاة إِذا ذَهَبَت عَنْهَا الْهَاء دَخلهَا التَّنْوِين وَتجمع على الصِّحْنَى بطرح الْهَاء. وَقَالَ ابْن هانىء: سمعتُ أَبَا زَيْد يَقُول: الصِّحْنَاةُ: فارِسيَّة وتسميها الْعَرَب: الصِّيْر، قَالَ: وَسَأَلَ رجل الحَسَنَ عَن

(4/145)


الصِّحْنَاة؟ فَقَالَ وَهل يَأْكُل الْمُسلمُونَ الصِّحْنَاة قَالَ: وَلم يعرفهَا الحَسَنُ، لِأَنَّهَا فارِسِيَّة، وَلَو سَأَلَهُ عَن الصِّيرِ لأجابَه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة فِي كتاب (الْخَيل) : صَحْنا الأذُنَيْن من الفَرَس: مُسْتَقَرُّ داخِل الأذُنَيْن، قَالَ: والصَّحْنُ: جَوْفُ الْحَافِر، والجميع أَصْحَانٌ. وَقَالَ الأصْمَعي: الصَّحْنُ: الرَّمْح، يُقَال: صَحَنَه برجْله إِذا رَمَحَه بهَا، وَأنْشد قولَه يصف عَيْراً وأَتَانه: قوداءُ لَا تَضَغْن أَو ضَغُونُ مُلِحَّةٌ لنَحْرِه صَحُونُ يَقُول: كُلَّما دَنَا الحِمَارُ مِنْهَا صَحَنَتْه أَي رَمَحَتْه. نصح: قَالَ اللَّيْث: فلانٌ ناصِحُ الجَيْبِ مَعْنَاهُ ناصِحُ القلبِ لَيْسَ فِيهِ غِشٌّ. قَالَ: وَيُقَال: نَصَحْتُ فلَانا ونَصَحْتُ لَهُ نُصْحاً ونَصِيحةً، وإنّ فلَانا لَنَاصِحُ الجيْب، مثل قَوْلهم: طَاهِر الثِّيَاب. يُرِيدُونَ بِهِ نَاصح الصَّدْر. وَقَالَ اللَّيْث: النِّصاحَةُ: السُّلُوكُ الَّتِي يُخَاطُ بهَا، وتصغيرها نُصَيِّحَةٌ، وقميص منصوح أَي مَخِيط. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمرو قَالَ: النِّصَاحات الجُلُودُ، وَقَالَ فِيهِ الأعْشى: فَتَرَى القومَ نَشَاوَى كُلَّهُم مِثْلَما مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ والرُّبَحُ، قَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الرُّبَع. وَقَالَ المؤرّج: النِّصَاحَاتُ: حِبَال يُجْعَل لَهَا حَلَق وتنصب للقُرُودِ إِذا أَرَادوا صيدها، يَعْمِد رجل فَيجْعَل عِدَّةَ حِبَالٍ، ثمَّ يَأْخُذ قِرْداً فَيَجْعَلهُ فِي حَبل مِنْهَا، والقرود تنظر إِلَيْهِ من فَوق الْجَبَل، ثمَّ يَتَنَحّى الحابِلُ فتنزل القرودُ فَتدخل فِي تِلْكَ الحبال، وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا من حَيْثُ لَا ترَاهُ، ثمَّ ينزل إِلَيْهَا فَيَأْخُذ مَا نشب فِي الحبال، وَهُوَ قَول الْأَعْشَى: مِثْلَما مُدَّت نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ قَالَت: والرُّبَحُ: القُرُودُ، وأَصْلُه الرُّباحُ. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي زيد: نصَحْتُ القيمصَ أَنْصَحُه نَصْحاً إِذا خِطْتَه، قَالَ: والنِّصَاحُ: الخَيْطُ، وَبِه سُمِّي الرَّجُلُ نِصَاحاً. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُتَنَصَّحُ: المُخَيَّطُ وَقَالَ ابْن مقبل: غَدَاةَ الشَّمال الشُّمْرُخُ المُتَنَصَّحُ وروى عَن أَكْثَم بن صَيْفي أَنه قَالَ: (إيَّاكُمْ وَكَثْرَة التنصح فَإِنَّهُ يُورِثُ التُّهمَة. وَقَالَ الفَرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {? للَّهِ تَوْبَةً} (التّحْريم: 8) قَرَأَهَا أَهْلُ الْمَدِينَة بِفَتْح النُّون. وَذكر عَن عَاصِم (نُصُوحاً) بِضَم النُّون. قَالَ الفرَّاء: وَكَانَ الَّذين قرأوا (نُصُوحاً) أَرَادوا الْمصدر مثل القُعود، وَالَّذين قرأوا (نَصُوحاً) جَعَلُوهُ من صفة التَّوْبَة، وَالْمعْنَى أَن يُحَدِّثَ نَفسه إِذا تَابَ من ذَلِك الذَّنب ألاَّ يعود إِلَيْهِ أبدا. وسُئِل أَبُو عَمْرو عَن نُصوحاً فَقَالَ: لَا أعرفهُ. قَالَ الفرّاء: قَالَ المُفَضَّل: بَات عَذُوباً

(4/146)


وعُذوباً، وعَرُوساً وعُرُوساً. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: تَوْبَةٌ نَصُوحٌ: بالِغَةٌ فِي النُّصْح. قَالَ: وَمن قَرَأَ نُصُوحاً فَمَعْنَاه يَنْصَحُون فِيهَا نُصُوحاً. وَقَالَ غَيره: النَّاصِحُ: الخالِصُ، وَقَالَ الهُذَلِيُّ: فأَزَالَ نَاصِحَها بأَبْيض مُفْرَطٍ من مَاء أَلْخَابٍ عَلَيْهِ التَّأْلَبُ يصف رجلا مَزَجَ عسلا صافياً بِمَاء حَتَّى تَفَرَّقَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو زيد: نَصَحْتُه أَي صَدَقْتُه، وتَوْبَةٌ نَصُوحٌ: صادِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَّاصِحُ: النَّاصِعُ فِي بَيت سَاعِدَة الهُذَلِيّ، حَكَاهُ أَبُو تُرَاب، قَالَ: وَقَالَ النَّضْرُ: أَرَادَ أنَّه فرّق بَين خالصها ورديئها بأبيض مُفْرَط أَي بِمَاء غَدِير مَمْلُوء. أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: إِذا شَرِبَ حَتَّى يَرْوَى قَالَ: نَصَحْتُ الرِّيّ بالصَّاد وبَضَعْتُ ونَقَعْتُ مثله. وَيُقَال: إِن فِي ثَوْبك مُتَنَصَّحاً أَي مَوضعَ خِياطة وَإِصْلَاح، كَمَا يُقَال: إِن فِيهِ مُتَرَقَّعاً. وَقَالَ النَّضر: نَصَح الغيْثُ الْبِلَاد نَصْحاً إِذا اتَّصل نَبْتُها فَلم يكن فِيهِ فضاءٌ وَلَا خَلَلٌ، وَقَالَ غَيره: نَصَح الغيثُ البلادَ ونصَرَها بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو زيد: الأرضُ المنصوحةُ هِيَ المَجُودَةُ نُصِحت نَصحاً. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للإِبْرَة: المنْصَحَة فَإِذا غَلُظَت فَهِيَ الشَّغِيزَةُ. وَيُقَال: انْتَصَحْتُ فلَانا وَهُوَ ضد اغْتَشَشْته وَمِنْه قَوْله: أَلا رُبّ من تَغْتَشُّه لَك ناصحٌ ومُنتَصِحٍ بادٍ عَلَيْك غَوائلُهْ تَغْتَشُّه: تعُدُّه غاشًّا لَك، وتَنْتَصِحُه: تعدُّه ناصحاً لَك. وَيُقَال: نصَحْتُ فلَانا نصْحاً، وَقد نصَحْتُ لَهُ نصيحتي نُصوحاً أَي أَخْلَصتُ وصَدَقْتُ. نحص: قَالَ اللَّيْث: النَّحُوصُ: الأتَان الوحشيَّة الحائلُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصمعيّ: النَّحُوصُ من الأُتُنِ: الَّتِي لَا لَبنَ لَهَا. وَقَالَ شمر: النَّحُوصُ: الَّتِي مَنعَها السِّمَنُ من الحَمْل، وَيُقَال: هِيَ الَّتِي لَا لَبَنَ لَهَا وَلَا وَلدَ لَهَا. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: يَا لَيْتَني غُودِرْت مَعَ أصحابِ نُحْصِ الجَبَل، أَرَادَ يَا لَيْتَني غُودِرْتُ شَهِيدا مَعَ شُهَدَاء أُحُد. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: النُّحْصُ: أصلُ الْجَبَل وسَفْحُه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: المِنْحاصُ: المرأةُ الدقيقة الطَّوِيلَة. حنص: قَالَ اللَّيْث: الحِنْصَأوَةُ من الرِّجَال: الضَّعِيف، يُقَال: رأيتُ رجلا حِنْصَأْوَةً أَي ضَعِيفا، وَقَالَ شمر نَحوه، وَأنْشد: حَتَّى ترى الحِنْصَأْوَةَ الفَرُوقَا مُتَّكِئاً يَقْتَمِحُ السَّوِيقَا

(4/147)


ح ص ف حصف، حَفْص، صفح، صحف، فصح، فحص: (مستعملة) . حصف: يُقَال: رجل حَصِيفٌ بَيّن الحَصافة، وَقد حَصُفَ حَصافة إِذا كَانَ جَيِّد الرَّأْي مُحْكَم العَقِل. وثوْبٌ حَصِيفٌ إِذا كَانَ مُحْكَمَ النسج صفيقَهُ. ورَأْيٌ مُسْتَحْصِفٌ، وَقد استَحْصَفَ رأيُه إِذا استحكم، وَكَذَلِكَ المُسْتَحْصِد. وَيُقَال للْفرس وَغَيره: أَحْصَفَ إحْصَافاً إِذا عَدَا فأَسرَعَ وَفِيه تقارُب، وَمِنْه قَول العَجّاج: ذَارٍ إِذا لاَقَى العَزَازَ أَحْصَفَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه. وَقَالَ الليثُ: الحَصَفُ: بَثْرٌ صغَار يَقِيحُ وَلَا يَعْظُم وَرُبمَا خرجَ فِي مَرَاقّ البَطن أيامَ الحرِّ. يُقَال: حَصِف جِلْدُه حَصفاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: حَصِفَ فلانٌ يَحْصَفُ حَصَفاً، وبَثِرَ وَجهُه يَبْثَرُ بَثَراً. وَقَالَ اللَّيْث: الحَصَافَةُ: ثَخَانَة الْعقل ورجلٌ حَصِيفٌ وحَصِفٌ. وأَحْصَفَ الناسجُ نَسْجَه، وَيُقَال: اسْتَحْصَفَ القومُ واستَحصَدُوا إِذا اجْتَمعُوا، قَالَ الْأَعْشَى: تأْوِي طوائِفُها إِلَى مَحْصوفَةٍ مَكْروهةٍ يَخشَى الكُمَاةُ نِزالَها قلتُ: أَرَادَ بالمحصوفة كَتِيبَة مَجْمُوعَة، وَجعلهَا مَحْصوفة من حُصِفَت فَهِيَ مَحصوفة. وَفِي (النَّوَادِر) : حَصبْتُه عَن كَذَا وَكَذَا، وأَحْصَبَتْهُ وحَصفْتُه وأحْصفْتُه، وحَصَيتُه وأَحصَيتُه إِذا أقْصَيتَه. فصح: الليثُ: الفِصحُ: فِطْر النَّصَارَى. قَالَ: والمُفْصِحُ من اللَّبَنِ إِذا ذهب عَنهُ اللِّبَأُ وكثُر مَحْضُه وقلَّت رَغْوته، وَيُقَال: فَصَّحَ اللبنُ تَفْصيحاً. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: أولُ اللَّبَن اللِّبَأُ ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ المُفصِح. يُقَال: أفْصح اللَّبنُ إِذا ذهب عَنهُ اللِّبأُ. وَقَالَ اللَّيْث: رجل فَصِيحٌ، وَقد فَصُحَ فصاحةً، وَقد أفْصح الرجلُ القولَ، فَلَمَّا كثُر وعُرِف أضمروا القَوْل واكتفوا بِالْفِعْلِ، كَمَا تَقول: أَحْسَن، وأَسرع، وأَبْطأ، وَإِنَّمَا هُوَ أَحْسَنَ الشيءَ وأسرعَ، الْعَمَل. قَالَ: وَقد يَجِيء فِي الشّعرِ فِي وصف العُجْم أفْصح يرادُ بِهِ بَيَان القَوْل، وَإِن كَانَ بِغَيْر الْعَرَبيَّة كَقَوْل أبي النَّجْم: أَعْجَم فِي آذانها فصيحاً يَعْنِي صَوت الْحمار أَنه أعْجَمُ وَهُوَ فِي آذان الأَتنِ فصيح بَيِّن. وَيُقَال: أَفْصِحْ لي يَا فلَان وَلَا تُجَمْجِم قَالَ: والفَصِيحُ فِي كَلَام الْعَامَّة المُعْرِبُ. وَقَالَ غَيره: يُقَال: قد فَصَحَك الصُّبْحُ أَي بَانَ لَك وغَلَبَك ضَوْؤُه، وَمِنْهُم مَن يَقُول: فَضَحَك. وَقَالَ أَبُو زيد: مَا كَانَ فُلانٌ فَصِيحاً، وَلَقَد فَصُح فَصاحَةً، وَهُوَ البيِّن فِي اللِّسَان

(4/148)


والبلاغة، وَيُقَال أفْصح الصبيُّ فِي مَنْطِقه إفْصَاحاً إِذا فهمتَ مَا يَقُول فِي أول مَا يتَكَلَّم: وأفصح الأغْتَمُ إِذا فهمتَ كَلَامه بعد غُتْمَتِه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: هَذَا يومٌ فِصْحٌ كَمَا ترى، والفِصْحُ: الصَّحْوُ من القُرِّ إِذا لم يكن فِيهِ قُرّ فَهُوَ فِصْح وَإِن كَانَ فِيهِ غَيمٌ ومَطَرٌ وريحٌ بعد ألاّ يكون فِيهِ قُرّ، وَكَذَلِكَ الفَصْيَةُ، وَهَذَا يَوْم فَصْيَةٍ كَمَا ترى، وَقد أفْصَينَا من هَذَا القُرِّ أَي خرجنَا مِنْهُ وَقد أفْصى يَومنا. وأفْصَى القُرُّ إِذا ذهب قَالَه ابْن شُمَيْل. صحف: قَالَ اللَّيْث: الصُّحُفُ: جماعةُ الصَّحِيفة، وَهَذَا من (النَّوَادِر) ، وَهُوَ أَن تجْمَع فَعِيلَة على فُعُل، قَالَ: وَمثله سفينة وسُفُن، وَكَانَ قياسُهما صحائفُ وسَفائن، قَالَ: وَقَول الله جلّ وعزّ: {? لاُْولَى ? صُحُفِ إِبْرَ ? هِيمَ وَمُوسَى ?} (الْأَعْلَى: 19) يَعْنِي الْكتب الَّتِي أنزلت عَلَيْهِمَا، قَالَ: وصحيفةُ الوَجْه: بَشَرَةُ جِلده. وَأنْشد: إِذا بَدَا من وَجهك الصَّحِيفُ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي المُصْحَفُ مُصْحَفاً لِأَنَّهُ أُصْحِفَ أَي جعل جَامعا للصُّحُف الْمَكْتُوبَة بَين الدَّفَّتَيْن. وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: مُصحفٌ ومِصْحَف، كَمَا يُقَال: مُطرَفٌ ومِطرَفٌ قَالَ: وَقَوله: مُصحف من أُصْحِفَ أَي جُمِعت فِيهِ الصُّحُف، قَالَ: وأُطرِف: جُعل فِي طرَفيْه العَلَمان، قَالَ: فاستثقلت العربُ الضمة فِي حُرُوف فَكسرت الْمِيم، وَأَصلهَا الضَّم، فَمن ضَمّ جَاءَ بِهِ على أَصله، وَمن كَسره فلاستثقاله الضمة، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي المُغزَل مِغْزَلاً، والأصلُ مُغْزَل من أُغْزِل أَي أُدِير. وَقَالَ أَبُو زيد: تَمِيم تَقول: المِغْزَلُ والمِطْرَفُ والمِصحف، وَقيس تَقول: المُطرَف والمُغْزَل والمُصحَف. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّحْفة: شبه قَصْعة مُسْلَنْطِحَة عريضة وجَمْعُها صِحَاف. وَأنْشد: والمَكَاكِيك والصِّحَاف من الفِ ضةِ والضامِزاتُ تَحت الرِّحَالِ وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَ ? فٍ مِّن ذَهَبٍ} (الزّخرُف: 71) . أَبُو عُبَيد عَن الكِسائي: أعظَمُ القِصَاع الجَفْنة، ثمَّ القَصْعةُ تَلِيهَا تُشْبع العَشَرَة، ثمَّ الصَّحْفَة تشبع الْخَمْسَة وَنَحْوهم، ثمَّ المِئكَلَة تُشْبع الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة، ثمَّ الصُّحَيْفة تُشْبِعُ الرجل. قَالَ اللَّيْث: وَالَّذِي يَرْوِي الْخَطَأ على قِرَاءَة الصُّحُف هُوَ المُصَحِّف والصَّحَفِيُّ. صفح: قَالَ اللَّيْث: الصَّفْحُ: الْجَنب، وصفْحا كلِّ شيءٍ جانباه، قَالَ: وصَفْحَتا السَّيْف: وجهاه. وصفْحةُ الرجل: عُرْضُ وَجهه، وسَيفٌ مُصْفَحٌ: عريض، والصَّدْر المُصفَح كَذَلِك، وَأنْشد للأعشَى: أَلسنا نَحن أكرَمَ إِن نُسِبنا وأَضرَبَ بالمُهَنَّدَةِ الصِّفاح يَعْنِي العِراض، وَأنْشد: وصدرِي مُصْفَحٌ للْمَوْت نَهْدٌ إِذا ضاقَتْ عَن الموْتِ الصُّدُور

(4/149)


وَفِي حَدِيث حُذَيفة أَنه قَالَ: (القُلوبُ أَرْبَعَة: فقلْبٌ أغلفُ، فَذَاك قلب الْكَافِر، وقلبٌ مَنكوسٌ فَذَاك قلب رَجَعَ إِلَى الكُفر بعد الْإِيمَان، وقلبٌ أَجْرَدٌ مثل السِّرَاج يَزْهَر فَذَاك قلب المؤمِن، وقلب مُصْفح اجتمعَ فِيهِ النِّفاق والإيمانُ، فَمَثَل الْإِيمَان فِيهِ كمَثلِ بَقْلَةٍ يُمِدُّها الماءُ العَذْب، ومثَل النِّفَاق فِيهِ كَمثل قَرْحَة يُمِدُّها القَيْحُ والدّم، وَهُوَ لأيِّهما غَلَب) . وَقَالَ شمر فِيمَا قرأتُ بخطِّه: الْقلب المُصْفَح، زعم خَالِد أَنه المُضْجع الَّذِي فِيهِ غلّ، الَّذِي لَيْسَ بخالص الدِّين. وَقَالَ ابْن بُزرْج: المُصفَح: المقلوب. يُقَال: قلبْتُ السَّيْف وأَصْفَحْتُه وصابَيْتُه. فالمُصفَحُ والمُصابَى: الَّذِي يُحَرَّف عَن حَدِّه إِذا ضُرِب بِهِ ويُمَال إِذا أَرَادوا أَن يغمدوه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيره: ضَرَبه بِالسَّيْفِ مُصْفَحاً إِذا ضَرَبه بعُرْضه. وَقَالَ الطِّرِمَّاح: فلمَّا تناهتْ وَهِي عَجْلَى كَأَنَّهَا على حَرْفِ سيفٍ حَدُّه غير مُصْفَح قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: المُصْفَح: العَرِيض الَّذِي لَهُ صفحاتٌ لم تستقم على وَجْه وَاحِد كالمُصْفَح من الرُّؤُوسِ لَهُ جوانِب. قلت: وَالَّذِي عِنْدِي فِي الْقلب المُصْفَح أنَّ مَعْنَاهُ الَّذِي لَهُ صَفْحَان أَي وَجْهَان يَلقى أهل الكُفْرِ بِوَجْه، ويلقى الْمُؤمنِينَ بِوَجْه. وصَفْحُ كلِّ شَيْء: وَجهه وناحيتُه، وَهُوَ معنى الحَدِيث الآخر: (من شَرِّ الرِّجَال ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه) وَهُوَ الْمُنَافِق. وَيُقَال: صَفَحَ فلانٌ عنِّي أَي أَعْرَضَ بوجههِ وَوَلاَّني وَجه قَفاه. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم: يَصْفَحُ للقِنَّة وَجها جَأْبا صَفْحَ ذِرَاعَيْه لِعَظْمٍ كَلْبَا قَالَ: وصف حبلا عرّضه فاتِلُه حِين فتله فَصَارَ لَهُ وَجْهَان، فَهُوَ مَصْفُوحٌ أَي عريضٌ، وَقَوله: صَفْح ذِرَاعَيْهِ أَي كَمَا يبْسُط الْكَلْب ذِراعيْه على عَرْقٍ يُوَتِّدُه على الأَرْض بذراعيه يَتَعَرَّقه، وَنصب كَلْبا على التَّفْسِير. قَالَ: وصَفْحَتا العُنُق: ناحيتاه، وصَفْحَتا الوَرَق: وجهاه اللَّذَان يُكْتَبُ فيهمَا فَجعل حُذَيفَة قلب الْمُنَافِق الَّذِي يَأْتِي الكُفار بِوَجْه وَأهل الْإِيمَان بِوَجْه آخر ذَا وَجْهَيْن. وَقَالَ رجل من الْخَوَارِج: (لنَضْرِبَنَّكم بِالسُّيُوفِ غير مُصْفَحات) يَقُول: نضْرِبُكم بحدّها لَا بِعُرْضها. وَقَالَ الشَّاعِر: تُحَيْتَ مناطِ القُرْط من غير مُصْفَحٍ أَجَاد بِهِ خَدّ المُقَلَّد ضَارِبُه وَيُقَال: أَتَانِي فلَان فِي حَاجَة فأصفَحْتُه عَنْهَا إصفَاحاً إِذا طلبَهَا فمنَعْتُه. والمُصَفَّحَات: السيوف العريضة وَهِي الصَّفائحُ واحدتُها صفيحة. وَقَالَ لبيد يصف السَّحَاب: كأنَّ مُصفَّحَاتٍ فِي ذُراه وأَنْوَاحاً عَلَيهن المآلي

(4/150)


شَبّه الْبَرْق فِي ظلمَة السَّحَاب بسيوف عِرَاضٍ، وَوَاحِد الصَّفائح صفيحة. وَيُقَال للحجارة العريضة صَفَائِح أَيْضا، واحدتها صَفيحَة وصفيح. وَقَالَ لبِيد: وصَفَائِحاً صُمّاً روا سِيها يُسَدِّدْن الغُضونا وَهِي الصُّفَّاح أَيْضا الْوَاحِدَة صُفَّاحة، وَمِنْه قَول النَّابِغَة: ويُوقِدْن بالصُّفَّاحِ نَار الحُباحِبِ وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) الْمَعْنى أفَنُعْرِض عَن تذكيركم إعْرَاضًا من أجل إسرَافِكم على أنفُسِكم فِي كفركم، يُقَال: صَفَح عَن فلَان أَي أعرض عَنهُ مُوَلِّيا، وَمِنْه قَول كُثَيِّر يصف امْرَأَة أعرَضَتْ عَنهُ. صفُوحاً فَمَا تَلْقاك إِلَّا بَخيلَةً فَمَنْ مَلّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل مَلَّتِ وَأما الصَّفوح من صِفَات الله جلّ وعزّ فَمَعْنَاه العَفُوّ. يُقَال: صَفَحْتُ عَن ذَنْبِ فلَان أَي أعْرَضت عَنهُ فَلم أُؤاخِذه بِهِ. قلت: فالصَّفُوحُ فِي نعت الْمَرْأَة المُعْرِضَةُ صَادَّةً هاجِرة والصَّفُوحُ فِي صفة الله العَفُوّ عَن ذَنْب عَبده معرِضاً عَن مجازاته تَكَرُّماً، فأحدهما ضد الآخر وَنصب قَوْله: صَفْحاً فِي قَوْله: {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) على الْمصدر: لأنّ معنى قَوْله {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) أَنُعْرِض عَنْكُم ونصفح وضَرْبُ الذِّكْر: رَدُّه وكَفُّه، وَقد أضْرب عَن كَذَا أَي كفَّ عَنهُ وَتَركه. وَقَالَ اللَّيْث: صفَحْتُ وَرَق الْمُصحف صَفْحاً وصَفَحْتُ القومَ إِذا عَرَضْتَهم وَاحِدًا وَاحِدًا، وتَصَفَّحْتُ وُجُوهَ الْقَوْم إِذا تأملتَ وُجُوههم تنظر إِلَى حُلاهم وصورهم وتَتَعَرَّف أَمرهم. قَالَ والصُّفَّاح من الْإِبِل الَّتِي عَظُمَت أسْنِمتُها، فَكَأَن سَنام النَّاقة يأْخُذُ قَرَاها، وجَمْعُها صُفَّاحات وصَفَافِيح. أَبُو عُبَيد: من أَسمَاء قِداح المَيْسر المُصْفَحُ والمُعَلَّى. قَالَ أَبُو عُبَيد، وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا سقَى الرجلُ غيرَه أيَّ شراب كَانَ وَمَتى كَانَ قَالَ: صَفَحْتُ الرجلَ أصْفَحُه صَفْحاً، قَالَ: وصَفَحْتُ الرجلَ وأصْفَحْتُه كِلَاهُمَا إِذا سأَلَكَ فَمَنَعْته. وَفِي الحَدِيث: (التَّسْبِيحُ للرِّجال، والتَّصْفِيحُ للنِّسَاء) ، ويروى التَّصْفِيق ومعناهما وَاحِد، يُقَال: صَفَّح وصَفَّق بيدَيْهِ، وروى بَيت لبيد فِي صفة السَّحَاب: كأنَّ مُصَفِّحَاتٍ فِي ذُرَاه جعل المُصَفِّحَاتِ نسَاء يُصَفِّقْنَ بأيديهن فِي مأتم، شبّه صَوت الرَّعْد بتصفيقهن، وَمن رَوَاهُ: مُصَفَّحَات، أَرَادَ السيوف العَريضة، شبَّه بريق الْبَرْق بَبرِيقها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الصَّافح: الناقةُ الَّتِي فقدت وَلَدهَا فَغَرَزَتْ وَذهب لَبنهَا وَقد صَفَحت صُفُوحاً. وَالرجل يصافحُ الرجل إِذا وضع صُفْحَ كَفِّه فِي صُفْح كَفّه وصُفْحا

(4/151)


كَفَّيْهما: وَجْهَاهُما. وصفْحٌ: اسْم رجل من كَلْب بن وَبْرَة، وَله حديثٌ عِنْد الْعَرَب مَعْرُوف. وصِفَاحُ نَعْمَانَ: جِبال تُتَاخِمُ هَذَا الْجَبَل وتُصَادفه. ونَعْمانُ: جَبل بَين مَكَّة والطائف. أَبُو زيد: من الرؤوس: المُصَفَح، وَهُوَ الَّذِي مُسِحَ جنبا رَأسه ونتأ جَبينُه فَخرج وَظَهَرت قَمَحْدُوَتُه، والأَرْأَسُ مِثْلُ المُصْفَح وَلَا يُقَال رؤاسِي. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فِي جَبهته صَفَحٌ أَي عُرْضٌ فاحِشٌ. قَالَ: وناقَةٌ مُصَفَّحَةٌ ومُصَرَّاةٌ ومُصَوَّاة ومُصَرّبَةٌ بِمَعْنى وَاحِد. فحص: قَالَ اللَّيْث: الفَحْصُ: شِدَّةُ الطَّلَب خلال كلِّ شَيْء، تَقول: فَحَصْتُ عَن فُلانٍ، وفَحَصْتُ عَن أمْرِه لأعْلَم كُنْهَ حالِه، والدَّجاجَة تَفْحَص برجليها وجَناحيها فِي التُّرَاب تَتَّخِذ لنَفسهَا أُفْحُوصةً تبيض أَو تَجْثُم فِيهَا. وأَفاحيصُ القَطَا: الَّتِي تُفَرِّخُ فِيهَا، وَمِنْه اشْتُقَّ قَول أبي بكر: فحَصُوا عَن أوساط الرءُوس أَي عملُوها مثل أفاحِيص القَطَا. وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع: (مَنْ بَنَى لله مَسْجداً، ولَوْ مثل مَفْحَص قَطَاةٍ بَنَى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، ومَفْحَصُ القطاة حَيْثُ تُفَرِّخ فِيهِ من الأَرْض، والمطر يفحصُ الحَصَى إِذا اشْتَدَّ وقْعُ غَبْيَتِه فَقلب الحَصَى ونحَّى بعضه عَن بعض، وغَبْيَةُ الْمَطَر: دَفْعَتُه الشَّدِيدَة بوابل من الْمَطَر. وَيُقَال: بَينهمَا فِحاصٌ أَي عَدَاوَة، وَقد فاحَصَني فلانٌ فِحَاصاً: كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَفْحَصُ عَن عيب صَاحبه وَعَن سِرِّه. وفلانٌ فَحِيصي ومُفَاحِصِي بِمَعْنى وَاحِد. حَفْص: قَالَ اللَّيْث: الدَّجاجةُ تُكَنى أُمّ حَفْصَة، وَولد الْأسد يُسمى حَفْصاً. وروى ابْن شُمَيْل عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ: يُسمى ولد الْأسد حَفْصا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ السَّبع أَيْضا. والزَّبِيلُ يُسمى حَفْصاً. وَجمعه أحْفاصٌ، وَهِي المِحْفَصَةُ أَيْضا. ح ص ب حصب، حبص، صبح، صحب: مستعملة. حصب: قَالَ اللَّيْث: الحَصَبُ: الحَطَبُ الَّذِي يُلْقَى فِي تَنُّور أَو فِي وَقُودٍ، فأمَّا مَا دَامَ غير مُسْتَعْمل لِلسُّجُورِ فَلَا يُسمَّى حَصَباً، قَالَ: والحَصْبُ: رَمْيُك بالحَصْبَاء: والحَصْبَاءُ: صغارُها وكِبَارُها. وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي مقتل عُثمان ح قَالَ: (تَحاصبُوا فِي الْمَسْجِد حَتَّى مَا أُبْصِرَ أَديمُ السَّمَاء) أَي ترامَوْا بالحصْباء. وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ? للَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبيَاء: 98) ذُكِرَ أنَّ الحَصَبَ فِي لُغَة أهلِ اليمنِ الحَطَب، وَرُوِيَ عَن عَلِيّ أَنه قَرَأَ

(4/152)


(حَطَبُ جَهَنَّم) . قلت: وَيُقَال: حَصَبْتُه أحْصِبُه حَصْباً إِذا رَمَيْتَه بالحصْباء، والحجَرُ المرْمِيّ بِهِ حَصَب، كَمَا يُقَال: نَفَضْتُ الشَّيْء نَفْضاً، والمنْفُوضُ نَفَضٌ فَمَعْنَى قَوْله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبيَاء: 98) أَي يُلْقَوْنَ فِيهَا كَمَا يُلْقَى الحَطَبُ فِي النَّار. وَقَالَ الفرّاء: الحَصَبُ فِي لُغَة أهل نجد: مَا رَمَيْتَ بِهِ فِي النَّار، وحَصَبْتُ الرجلَ حصْباً إِذا رمَيْتَه، وَقَول الله: {بِ ? لنُّذُرِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَ ? صِباً} (القَمَر: 34) أَي عذَابا يَحْصِبهم أَي يَرْميهم بحِجارة من سِجِّيل. وَيُقَال للريح الَّتِي تَحْمِل التُّرابَ والحَصى حَاصِبٌ، وللسَّحَابِ يَرْمي بالبَرَد والثَّلْج حاصِبٌ لِأَنَّهُ يَرْمِي بهما رَمْياً، وَقَالَ الأعْشَى: لَنَا حَاصِبٌ مثلُ رِجْل الدَّبَى وجَأْواءُ تُبْرِقُ عنْهَا الهَيوبَا أَرَادَ بالحاصِبِ الرُّماة. وَفِي الحَدِيث أنَّ عُمَرَ أمَرَ بِتَحْصيبِ المَسْجِدِ وَذَلِكَ أَن يُلْقَى فِيهِ الحَصى الصغار، ليَكُون أَوْثَر للمُصلِّي وأغْفَرَ لِما يُلْقَى فِيهِ من الأقْشَاب والخَراشِيِّ والأقْذَار. وَيُقَال لموْضِع الجِمَارِ بمِنى المُحَصَّب. وَأما التَّحْصِيب فَهُوَ النَّوْمُ بالشِّعْبِ الَّذِي مَخْرَجُه إِلَى الأبْطَح سَاعَة من اللَّيْل ثمَّ يَخْرُجُ إِلَى مكَّة، وَكَانَ مَوْضِعاً نَزَل بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَنْ يَسُنَّه للنَّاس، فَمن شَاء حَصَّبَ وَمن شَاءَ لم يُحصِّب. والحَصْبَةُ: بَثْرَةٌ تَخْرُج بالإنسان وَيجوز الحَصَبَة، وهُما لُغتان قالهما الفرَّاء، وَقد حُصِبَ الرجلُ فَهُوَ مَحْصوب. وروى أَبُو عُبَيد عَن اليَزيدي: أرضٌ مَحْصَبةٌ: ذاتُ حَصْبَاء ومَحصاةٌ: ذاتُ حَصى. قَالَ أَبُو عُبَيد: وأرضٌ مَحْصَبَةٌ: ذاتُ حَصْبَة ومَجْدَرَةٌ: ذاتُ جُدَرِيّ. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيُّ: الإحْصَابُ أَن يُثِيرَ الحَصَى فِي عَدْوه. وَمَكَان حاصِبٌ: ذُو حَصْبَاء، والحاصِبُ: العددُ الكثيرُ من الرَّحَّالَة، وَهُوَ معنى قَوْله: لَنَا حاصِبٌ مِثلُ رِجْلِ الدَّبَى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَاصِبُ من التُّراب: مَا كَانَ فِيهِ الحَصْبَاء. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَاصبُ: الحَصْباءُ فِي الرّيح يُقَال: كَانَ يوْمُنا ذَا حاصِبٍ، وريحٌ حاصِبٌ، وَقد حَصَبَتْنا تَحْصِبُنا. وريحٌ حَصِبَةٌ: فِيهَا حَصْبَاء، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: حَفِيفُ نافِجَة عُثْنونُها حَصِب صحب: قَالَ اللَّيْث: الصَّحْبُ جمع الصاحب، والأصحابُ: جماعةُ الصَّحْب، وَيجمع الصاحِبُ أَيْضاً صُحْباناً وصُحْبَةً وصِحَاباً وصَحَابةً، قَالَ: والصَّحَابة مصدر قَوْلك: صاحَبَك الله وأحْسَن صَحَابتك. وَتقول للرّجُل: عِنْد التوديع: مُعاناً مُصاحَباً، وَمن قَالَ: مُعانٌ مُصَاحَبٌ فَمَعْنَاه أنْتَ مُعانٌ مُصاحَبٌ. قَالَ: والصُّحْبةُ: مصدر قَوْلك: صَحِب

(4/153)


يَصْحَبُ. وَقَالَ غيرُه: يُقَال: صاحِبٌ وأَصْحَابٌ كَمَا يُقَال شَاهِدٌ وأشْهاد، وناصِرٌ وأنصَارٌ، ومَنْ قَالَ: صاحِبٌ وصُحْبة فَهُوَ كَقَوْلِك: فَارِهٌ وفُرْهَة، وغُلامٌ رائِقٌ، والجميعُ رُوقة. ويُقَال: إنَّه لمِصْحابٌ لنا بِمَا يُحَبُّ وَقَالَ الأعْشَى: فَقَدْ أراكِ لنا بالوُدِّ مِصْحَاباً وَقد أَصْحَبَ الرجلُ إِذا كَانَ ذَا أَصْحاب، أَصْحَب إِذا انْقَادَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: صَحِبْتُ الرجلَ من الصُّحْبة، وأصْحَبْتُ أَي انْقَدْتُ لَهُ، وَأنْشد: تَوالِيَ رِبْعِيِّ السِّقابِ فأَصْحَبَا وكل شَيْء لَازم شَيْئا فقد استصحبه، وَمِنْه قَوْله: إنّ لَك الْفضل على صاحبِي والمسك قد يَسْتَصْحِبُ الرَّامِكا وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} (الأنبيَاء: 43) قَالَ: يَعْنِي الْآلهَة لَا تمنع أَنْفسهَا وَلَا هم منا يُصْحَبُون يَعْني يُجَارون أَي الْكفَّار، أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول: أَنا جارٌ لَك، وَمَعْنَاهُ أُجِيرُك وأمْنَعُك، فَقَالَ: يُصْحبون بالإجارَة، وَقَالَ قَتادة: لَا يُصْحَبون من الله بِخَير. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: أصْحَبْتُ الرجلَ أَي مَنْعتُه، وَأنْشد قولَ الهُذَليّ: يَرْعَى برَوْض الحَزْنِ من أَبِّه قُرْبانَه فِي عانةٍ تُصْحَبُ أبُّه: كَلَؤُه. قُرْيانه: مجارى المَاء إِلَى الرياض، الْوَاحِد قَرِيّ، قَالَ: تُصْحَبُ: تُمْنَع وتُحْفَظَ، وَهُوَ من قَول الله: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} (الأنبيَاء: 43) أَي يمْنَعُونَ، وَقَالَ غَيره: هُوَ من قَوْلك صَحِبَك الله أَي حفظك وَكَانَ لكَ جارا. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو: أدِيمٌ مُصْحِب إِذا كَانَ على الْجلد شَعْرُه أَو صُوفُه أَو وَبَرُه، وَقَالَ ابْن بُزُرْج: إِنَّه يَتَصحَّب من مجالستنا أَي يستحي مِنْهَا، وَإِذا قيل: فلَان يَتَسحَّبُ علينا بِالسِّين فَمَعْنَاه أَنه يتمادخ ويَتَدَلَّل. وَيُقَال: أصْحَبَ الماءُ إِذا عَلاه العَرْمَضُ فَهُوَ ماءٌ مُصْحِبٌ. وفُلانٌ صاحِبُ صِدْق. صبح: قَالَ اللَّيْث: الصُّبح والصَّبَاح هما أوّل النَّهَار، وَهُوَ الإصباح أَيْضا، قَالَ الله: {فَالِقُ ? لإِصْبَاحِ} (الأنعَام: 96) يَعْنِي الصُّبْحَ، وَأنْشد: أفْنَى رَباحاً وَذَوي رَباحِ تَنَاسُخُ الإمساءِ والإصْبَاح يُرِيدُ بِهِ المَسَاءَ والصَّبَاح. وَقَالَ الفرّاءُ مثله وَزَاد: فَإِن قَالَ الإمساء والأصْبَاح فَهُوَ جمع المسَاءِ والصُّبْح وَمثله الإبكار والأبْكار. وَقَالَ اللَّيْث: التَّصبُّح: النومُ بِالْغَدَاةِ، وَفِي حَدِيث أم زرع أَنَّهَا قَالَت: (وَعِنْده أَقُول فَلَا أُقَبَّح، وأَرْقُدُ فأَتصَبَّح) والرَّقْدَةُ تُسمّى الصَّبْحَة والصُّبْحَة، وَقد كرهها بعْضهُم. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المِصبَاح: الناقةُ الَّتِي تُصبِح فِي مَبْركها وَلَا تَرْتَعُ حَتَّى يرْتَفع النَّهار.

(4/154)


قَالَ: وَهَذَا مِمّا يُسْتَحَبُّ من الْإِبِل. وَقَالَ اللَّيْث: المِصبَاح من الْإِبِل: مَا يَبْرك فِي مُعَرَّسِه فَلَا يثُور وَإِن أُثيرَ حَتَّى يُصبِح. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبُوحُ: الخَمْرُ، وَأنْشد: وَلَقَد غدوتُ إِلَى الصَّبُوح مَعِي شَرْبٌ كِرَامٌ من بني رُهْمِ والصَّبْحُ: سَقْيُك أَخَاك صَبُوحاً من لبن، قَالَ: والصَّبُوحُ: مَا شُرِبَ بِالْغَدَاةِ فَمَا دون القَائلَة، وفعلك الاصْطِبَاحُ. وَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى تَحِلّ لنا المَيْتَة؟ فَقَالَ: (مَا لم تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَجْتَفِئُوا بَقْلاً فشَأْنَكم بهَا) . قَالَ: أَبُو عُبَيد: مَعْنَاهُ إِنَّمَا لكم مِنْهَا الصَّبُوح، وَهُوَ الْغَدَاء، والغَبُوق وَهُوَ العَشَاء، يَقُول: فَلَيْسَ لكم أَن تجمعوهما من الميْتَة. قَالَ: وَمِنْه قَول سَمُرَة لِبَنِيهِ: يُجزىء من الضَّارُورَةِ صَبُوحٌ أَو غَبُوقٌ. قلت: وَقَالَ غير أبي عُبَيد فِي تَفْسِيره: مَعْنَاهُ: سُئِل مَتى تحل لنا المَيْتَة؟ أجابهم، فَقَالَ: إِذا لم تَجدوا من اللَّبن صَبُوحاً تَتَبَلَّغُونَ بِهِ وَلَا غَبُوقاً تَجْتَزِئُونَ بِهِ، وَلم تَجِدُوا مَعَ عَدَمكم الصَّبُوحَ والغَبُوقَ بَقْلَةً تأكلُونها وتَهْجَأ غَرَثَكم حَلَّت لكم المَيْتَةُ حينئذٍ، وَكَذَلِكَ إِذا وجدَ الرجلُ غَداء أَو عَشَاءً من الطَّعَام لم تحلّ لَهُ. وَهَذَا التَّفْسِير وَاضح بَيِّن الصَّوَاب إِن شَاءَ الله. وَيُقَال: صَبَحْتُ فُلاَناً أَي أَتَيْتُه صباحاً، وَأما قَول بُجَيْر بن زُهَيْر المُزَني وَكَانَ أسلم: صَبَحَناهم بأَلفٍ من سُلَيْمٍ وسَبْعٍ من بني عُثمان وَافي فَمَعْنَاه أَتَيْنَاهم صبَاحاً بِأَلف رجل من سُلَيْم. وَقَالَ الرَّاجز: نَحنُ صَبَحْنَا عامِراً فِي دَارِها جُرْداً تَعَادَى طَرفَيْ نَهَارها يُرِيد أتيناها صباحاً بخيل جُرْدٍ. وَيُقَال: صَبَحْتُ فُلاَناً أَي ناولتُه صَبُوحاً من لَبَنٍ أَو خَمْر أَصْبَحُه صَبْحاً، وَمِنْه قَول طَرَفَة: مَتى تأْتِني أَصْبَحْك كأساً رَوِيَّةً أَي أَسقِيك كَأْساً. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: أَصْبَحْنا وأَمْسَيْنَا أَي صِرْنا فِي حِين ذَاك، وَأما صَبَّحْنَا ومَسَّيْنا فَمَعْنَاه أَتَيْنَاهُ صَبَاحاً وَمَساءً. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: الفرقُ بَين صَبَّحنَا وصَبَحْنَا أَنه يُقَال: صبَّحْنَا بَلَدَ كَذَا وَكَذَا، وصَبَّحْنَا فُلاَناً فَهَذِهِ مُشَدّدَة، وصَبَحْنَا أَهلهَا خَيْراً أَو شَرّاً، وَأنْشد: صَبَحْناهُم هِنْدِيَّةً بأكُفِّنا محرّبةً تذري سَوَاعِدُهُم صُعْدَا وَيُقَال أَيْضا: صَبَّحتُه خيرا أَو شرّاً. وَقَالَ النَّابِغَة: وصَبَّحَه فَلْجاً فَلَا زَالَ كَعْبُه على كل مَنْ عَادَى من النَّاس عَالِيا وَيُقَال: صَبَّحه بِكَذَا ومسّاه بِكَذَا كل ذَلِك جَائِز.

(4/155)


والتَّصْبِيحُ على وُجُوه، يُقَال: صَبَّحْتُ الْقَوْم المَاء إِذا سَرَيْتَ بهم حَتَّى تُورِدَهم الماءَ صبَاحاً، وَمِنْه قَوْله: وصَبَّحْتُهم مَاء بفَيْفَاءِ قَفْرَةٍ وَقد حَلَّقِ النَّجمُ اليَمَانِيُّ فاسْتَوى أَرَادَ سَرَيْتُ بهم حَتَّى انتهيتُ بهم إِلَى ذَلِك المَاء صَبَاحاً. وَتقول: صَبَّحْتُ الْقَوْم تَصْبِيحاً إِذا أتيتهم مَعَ الصَّباح، وَمِنْه قَول عَنْتَرَة يصفُ خَيْلاً: وَغداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوَابِساً يَهْدي أَوَائِلَهُنَّ شُعث شُزَّبُ أَي أَتَيْنِ الجِفارَ صباحاً يَعْنِي خَيْلاً عَلَيْهَا فُرْسَانها. وَيُقَال: صَبَّحْتُ القومَ إِذا سَقَيْتَهم الصَّبُوح. والتَّصْبِيحُ: الغَداء. يُقَال: قَرِّب إِلَى تَصْبِيحي. وَفِي حَدِيث المَبْعَث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتِيما فِي حِجْر أبي طَالب، وَكَانَ يُقَرَّبُ إِلَى الصِّبْيَان تَصْبِيحُهم فيختلسون ويَكُفَّ أَي يُقَرّبُ إِلَيْهِم غداؤهم، وَهُوَ اسْم بُنِي على تَفْعيل مثل التَّرعيب للسنام المُقَطَّع، والتنبيتُ: اسْم لِمَا نبت من الغِرَاس، والتَّنوير: اسْم لنَوْرِ الشّجر. والصَّابِحُ: الَّذِي يَصْبَح إبِلَه المَاء أَي يسقيها صباحاً، وَمِنْه قَول أبي زُبَيْد: حِين لاحَتْ للصَّابح الجوزاء وَتلك السّقْيَةُ تسميها الْعَرَب الصُّبْحة وَلَيْسَت بناجعة عِنْد الْعَرَب. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الصَّبُوحُ: اللَّبَنُ يُصْطَبَحُ، والنَّاقة الَّتِي تُحْلَبُ فِي ذَلِك الْوَقْت صَبُوح أَيْضا، يُقَال: هَذِه النَّاقة صَبُوحِي وغَبُوقِي، قَالَ: وأنشدنا أَبُو لَيْلَى الْأَعرَابِي: مَالِي لَا أَسْقِي حُبَيِّبَاتي صَبَائِحِي غَبَائِقِي قَيْلاَتِي قَالَ: والقَيْلُ: اللَّبن الَّذِي يُشْرَبُ وَقْتَ الظهيرة، والقَيْلُ والْقَالَةُ: النَّاقة الَّتِي تُحْلَبُ فِي ذَلِك الْوَقْت، وقَيَّلْتُ القومَ إِذا سَقَيْتَهم القَيْل، قَالَ: واقْتَلْتُ اقْتِيالا إِذا شَرِبْتَ القَيْلَ. وَالْعرب تَقول إِذا نَذِرَتْ بغارة من الْخَيل تفجؤهم صباحاً: يَا صَبَاحَاه، يُنْذِرُون الحَيَّ أَجْمَعَ بالنداء العالي. وَقَالَ اللَّيْث: المِصْبَاحُ: السِّرَاجُ بالمِسْرَجة، والمِصْبَاح نَفْسُ السِّرَاج، وَهُوَ قُرْطُه الَّذِي ترَاهُ فِي القِنْدِيل وَغَيره، والقِرَاطُ لُغَة، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {? لْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ? لزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ} (النُّور: 35) . ومصَابيحُ النُّجُوم: أعلامُ الْكَوَاكِب، وَاحِدهَا مِصْباح، وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَأَخَذَتْهُمُ ? لصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} (الحِجر: 83) أَي أخذتهم الهَلكَةُ وَقت دُخُولهمْ فِي الصَّباح. والمُصْبَح: الْموضع الَّذِي تُصْبِح فِيهِ، والمُمْسى: الْمَكَان الَّذِي تُمْسي فِيهِ، وَقَوله: قَرِيبَةُ المُصْبَح من مُمْسَاها والمُصْبَحُ أَيْضا: الإصْبَاحُ، يُقَال: أصْبَحْنَا إصْبَاحاً ومُصْبَحاً، وَمن أَمْثَال الْعَرَب:

(4/156)


(أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّقُ) يُضْرَبُ مثلا لمن يُجَمْجِمُ وَلَا يُصَرِّح، وَقد يُضْرَبُ أَيْضا لمنْ يُوَرِّي عَن الخَطْبِ الْعَظِيم بكناية عَنهُ، وَلمن يُوجِبُ عَلَيْك مَا لَا يجب بِكَلَام يُلَطِّفه، وَأَصله أَن رجلا من الْعَرَب نزل بِرَجُل من الْعَرَب عشَاء فَغَبَقَه لَبَنًا، فَلَمَّا روى عَلِقَ يُحَدِّثُ أُمَّ مَثْواه بِحَدِيث يُرَقِّقُهُ، وَقَالَ فِي خلال كَلَامه: إِذا كَانَ غَدا اصطبحنا وَفعلنَا، فَفَطِن لَهُ المَنْزولُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّق. وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أنَّ رجلا سَأَلَهُ عَن رجل قبَّل أمّ امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِي: أَعَن صَبُوحٍ تُرَقِّق حَرُمَت عَلَيْهِ امرأتُه، ظنّ الشَّعْبِي أَنه كنى بتقبيله إيّاها عَن جِمَاعها. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: السِّيَاطُ الأصْبَحِيَّة منسوبة إِلَى ذِي أَصْبَح: ملك من مُلُوك حِمْيَر. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبَح: شدَّة الحُمرة فِي الشَّعَر. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الاَّصْبَحُ: قريب من الأَصْهَب. وروى شمر عَن أبي نصْر قَالَ: فِي الشَّعر الصُّبْحَةُ والمُلْحَةُ، وَرجل أَصْبَحُ اللِّحية: للَّذي يَعْلُو شَعر لِحيته بَيَاض مُشْربٌ حُمرة، وَرجل أصبح بَيِّن الصُّبحة، وَقد اصْبَاحَّ شعره، وَمن ذَلِك قيل: دَمٌ صُبَاحِيٌّ لِشَدّة حمرته، قَالَ أَبُو زُبيد: عَبِيطٌ صُبَاحِيٌّ من الجَوْفِ أَشْقَرا وَقَالَ شمر: الأَصْبَحُ. الَّذِي يكون فِي سَوَادِ شعرَه حُمْرَة، وَمِنْه صُبْحُ النَّهارِ مُشْتَقٌّ من الأَصْبَح. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبِيحُ: الوضيء الْوَجْه، وَقد صَبُخَ يَصْبُح صَباحَةً، وَأما مِن الأصْبَح فَيُقَال صَبِحَ يَصْبَح صَبَحاً فَهُوَ أصْبَح الشَّعَر. قلت: ولون الصُّبْح الصادِق يَضربُ إِلَى الحُمْرَة قَلِيلا كَأَنَّهَا لونُ الشَّفق الأول فِي أول اللَّيْل. وَيُقَال للرَّجُل يُنَبَّه من سِنَةِ الغَفْلَةِ أَصْبِحْ أَي انْتبه وأَبْصِر رُشدَك وَمَا يُصْلِحُك، وَقَالَ رؤبة: أَصْبِحْ فَمَا مِنْ بَشَرٍ مَأْرُوشِ أَي بَشَرٍ مَعِيب، وقولُ الشَّمَّاخ: وتَشْكُو بِعَيْنٍ مَا أَكَلَّ رِكَابَها وقِيل المُنَادِي أَصْبَح القومُ أَدْلجِي يسْأَل السَّائِل عَنهُ فَيَقُول: الإِدْلاَجُ: سَيْرُ اللَّيْل، فَكيف يَقُول: أصبح الْقَوْم وَهُوَ يأمُر بالإدْلاَج، وَالْجَوَاب فِيهِ أَن الْعَرَب إِذا قَرَّبَتْ المكانَ تُرِيدُه تَقول: قد بَلَغْنَاه، وَإِذا قرَّبت للسَّارِي طلوعَ الصُّبْح وَإِن كَانَ غَيْرَ طالع تَقول: أَصْبَحْنَا، وَأَرَادَ بقوله: أصْبَح القومُ: دنا وقتُ دُخُولهمْ فِي الصَّباح: وَإِنَّمَا فسّرت هَذَا الْبَيْت لِأَن بعض النَّاس فَسَّره بِعَيْنِه على غير مَا هُوَ عَلَيْهِ. وصَبَاح: حَيّ من الْعَرَب، وَمن أَسمَاء الْعَرَب صُبح وصُبَيْح ومُصَبِّح وصَباحٌ وصَبيحٌ. وَمن أمثالهم السائرة فِي وصف الكذّاب قَوْلهم: (أكذب من الآخِذِ الصَّبْحان) . قَالَ شمر: هَكَذَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَهُوَ الحُوار الَّذِي قد شرب فروِي فَإِذا أردْت

(4/157)


أَن تستدر بِهِ أمَّه لم يشرب لريِّه درتها، قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: فلَان أكذَبُ من الأَخِيذَ الصبْحَان. قَالَ أَبُو عَدْنان: الأخِيذُ: الأسِيرُ، والصَّبْحَانُ: الَّذِي قد اصطبح فروى، وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: هُوَ رجل كَانَ عِنْد قوم فصَبَحُوه حِين نَهَضَ عَنْهُم شاخصاً، فَأَخذه قوم وَقَالُوا: دُلّنا على حَيْثُ كنت فَقَالَ: إنّما بِتُّ القَفْر، فبَيْنَا هُم كَذَلِك إِذْ قعد يَبُول فَعَلمُوا أَنه بَات قَرِيبا عِنْد قوم فاستدلوا بِهِ عَلَيْهِم واسْتَبَاحُوهم. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أتيتُه ذَاتَ الصَّبُوح وذَاتَ الغَبُوق إِذا أَتَاهُ غُدْوَة وعَشِيَّةً، وذَا صَبَاح وَذَا مَسَاء، وذَاتَ الزُّمَيْن وذَاتَ العُوَيْم أَي مذ ثَلَاثَة أزمان وأَعْوَام. ح ص م حصم، حمص، صحم، صمح، مصح، محص: مستعملات. حصم: قَالَ اللَّيْث: حَصَم الفرَسُ، والحَصُومُ: الضَّرُوط. أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: حَصَم بهَا، ومَحَصَ بهَا، وحَبَجَ بهَا وخَبَجَ بهَا بِمَعْنى وَاحِد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِحْصَمَةُ: مِدَقَّةُ الْحَدِيد، قَالَ: والحَصْمَاءُ: الأَتَانُ الخَضَّافَةُ، وَهِي الضَّرَّاطة. حمص: قَالَ اللَّيْث: الحِمَّصَةُ: حَبَّةُ القِدْرِ، والجميع الحِمَّص. وروى أَبُو العَبّاس عَن سَلَمَة عَن الفرّاء قَالَ: لم يَأْتِ على فِعَّل بِفَتْح العَيْن وَكسر الفَاءِ إِلَّا قِنَّفٌ وقِلَّفٌ، وَهُوَ الطين المُتَشَقِّق إِذا نَضَبَ عَنهُ المَاء وحِمَّصٌ وقِنَّبٌ، وَرجل خِنَّبٌ وخِنّابٌ: طَوِيل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ المبرّد: جَاءَ على فِعِّل جِلّقٌ وحِمَّصٌ، قَالَ: وَأهل الْبَصْرَة اخْتَارُوا حمِّصاً، وَأهل الْكُوفَة اخْتَارُوا حِمَّصاً. وَقَالَ اللَّيْث: حَمَصِيص: بَقْلة دُون الحُمَّاض فِي الحُمُوضَة، طيّبةُ الطَّعْم، تنبُت فِي رَمْل عالجٍ من أَحْرَار البُقُول. قلت: رَأَيْت الحَمَصِيصَ فِي جبال الدَّهْنَاءِ وَمَا يَليها، وَهِي بَقْلَة جَعْدَةُ الوَرَقِ حامضةٌ وَلها ثَمَرَة كثمرة الحُمَّاض، وطعمُها كطَعْمِه، وسمعتهم يُشَدِّدُونَ المِيمَ من الحَمصِيصِ، وكنَّا نأكلُه إذَا أجَمْنَا التمرَ وحلاوَتَه نَتَحَمَّضُ بِهِ ونَسْتَطِيبُه، وقرأت فِي كتب الأطِبَّاء: حَبٌّ مُحَمَّصٌ يُرِيدُونَ بِهِ المقْلُوَّ، قلت: كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الحَمْصِ، وَهُوَ التَّرَجُّح. قَالَ اللَّيْث: الْحَمْصُ أَن يَتَرَجَّحَ الغلامُ على الأُرْجُوحَة من غير أَن يُرَجِّحَه أَحَدٌ، يُقَال: حَمَص حَمْصاً، قلت: وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف لغير اللَّيْث. وَقَالَ: الوَرَمُ إِذا سكن يُقَال: قد انْحَمَصَ، وحَمَّصه الدواءُ. وَقَالَ غَيره: حمَّزَهُ الدَّوَاء وحَمَّصَه إِذا أَخْرَجَ مَا فِيهِ. وَفِي حَدِيث ذِي الثُّدَيَّةِ الْمَقْتُول بالنَّهْرَوانِ أَنه كَانَت لَهُ ثُدَيَّة مثلُ ثَدْي الْمَرْأَة، إِذا مُدَّتِ امْتَدَّت، وَإِذا تُرِكَتْ تَحَمَّصَت، قلت: معنى تَحَمَّصَت أَي تَقَبَّضَت، وَمِنْه

(4/158)


قيل للورم إِذا انْفَشَّ قد حَمَص وَقد حَمَّصَه الدواءُ. وروى أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: إِذا سكن وَرَمُ الْجرْح قيل حَمَص يَحْمُص حُمُوصاً، وانْحَمَصَ انْحِمَاصاً. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا وَقعت قَذَاةٌ فِي العَيْن فَرَفَقْتَ بإخْرَاجِها مَسْحاً رُوَيْداً. قلت: حَمَصْتُها بيَدي. قَالَ: وحِمْصُ: كورَةٌ من كُوَر الشأم. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَحْمَصُ: اللِّصُّ الَّذِي يسرقُ الحَمائص، واحِدُها حَمِيصَة، وَهِي الشَّاة المسروقة، وَهِي المَحْموصة والحرِيسة. سَلَمَة عَن الفرّاء: حمَّص الرجلُ إِذا اصطادَ الظِّبَاءَ نصفَ النهارِ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِحْماصُ من النِّسَاء: اللِّصَّةُ الحاذِقةُ. محص: قَالَ اللَّيْث: المَحْصُ: خُلوصُ الشَّيْء. تَقول: مَحَصْتُه مَحْصاً إِذا خَلَّصتَه من كل عَيْب وَقَالَ رؤبة يصفُ فرَساً: شديدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوَى أَرَادَ باللَّوَى العِوَج، قَالَ: والتَّحميص: التَّطْهيرُ من الذُّنُوب. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) يَعْنِي يُمَحِّص الذُّنُوب عَن الَّذين آمنُوا، وَلم يزدْ الفرَّاء على هَذَا. وَقَالَ أَبُو إِسحاق: جعل الله جلّ وعزّ الْأَيَّام دُوَلاً بَين النَّاس ليُمَحِّص الْمُؤمنِينَ بِمَا يَقع عَلَيْهِم من قتل أَو ألم أَو ذهَاب مَال، ويَمْحَق الْكَافرين أَي يَستأْصِلُهم. قَالَ: والمَحْصُ فِي اللُّغَة: التخليص والتَّنْقيَةُ. قَالَ: وسمِعتُ المبرّد يَقُول: مَحِصَ الحبلُ يَمْحَص مَحْصاً إِذا ذهب وبَرُه حَتَّى يَمَّلِصَ، وحَبْلٌ محِصٌ ومَلِصٌ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَتَأْويل قَول النَّاس: محِّص عَنَّا ذنوبنا أَي أَذْهِبْ مَا تَعلَّق بِنَا من الذُّنُوب، قَالَ: فَمَعْنَى قَوْله: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) أَي يخلصهم من الذُّنُوب. قَالَ: ومَحَصَ الظبي يَمْحَصُ إِذا عَدَا عَدْواً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ فَحَص الظَّبيُ. قَالَ ويُستحَبُّ من الفرَسِ أَن تَمْحَص قوائمُه أَي تَخْلُص من الرَّهَلِ. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: التَّمْحِيص: الاختبارُ والابتِلاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: من صفاتِ الخَيْلِ المُمَحَّصُ والمَحْصُ، فَأَما المُمَحَّصُ فالشديد الخَلْق، والأثنَى مُمَحَّصةٌ. وَأنْشد: مُمَحَّصُ الخَلْقِ وأًى فُرافِصَهْ كلُّ شديدٍ أَسْرَه مُصامِصهْ قَالَ: والمُمَحَّصُ والفُرافِصةُ سَوَاء، قَالَ: والمَحْصُ بِمَنْزِلَة المُمَحَّصِ، والجميع مِحَاصٌ ومَحَصَاتٌ. وَأنْشد: مَحْصُ الشَّوَى مَعْصوبَةٌ قوائمُه قَالَ: وَمعنى مَحْصُ الشَّوَى: قَلِيل اللَّحْم إِذا قلت: مَحِصَ كَذَا، وَأنْشد فِي صفَةِ

(4/159)


فرَس: مَحْصُ المُعَذَّرِ أشْرفَتْ حَجَباتُه ينْضُو السوابقَ زاهِقٌ فَرِدُ وَقَالَ غَيره: المَمْحوصُ: السِّنانُ المَجْلُوُّ، وَقَالَ أُسامة الهذَليّ: أَشَفُّوا بمَمحوصِ القِطاع فؤادَه والقِطاع: النِّصَال: يصف عَيْراً رُمِيَ بالنصال حَتَّى رقّ فؤادُه من الفزَع. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: المَمحُوصُ والمَحِيصُ: البعيرُ الشَّديدُ الخَلْقِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأمْحَصُ: الَّذِي يقبل اعتِذارَ الصّادقِ والكاذب. وَيُقَال للزِّمام الجيِّد الفَتْل مَحِصٌ ومَحْصٌ فِي الشِّعر، وَأنْشد: ومَحصٍ كاسق السَّوْذَقَانِيّ نازَعَت بكَفِّي جَشَّاءُ البُغَامِ خَفوقُ أَرَادَ مَحِصَ فخَفّفه، وَهُوَ الزِّمام الشَّديد الفَتْل، قَالَ: والخفَوق: الَّتِي يَخْفِق مِشفَراها إِذا عَدَت. قَالَ ابْن عَرَفة: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) أَي يَبتليهم. قَالَ: وَمعنى التمحيص النَّقْص. يُقَال محَّص الله عَنْك ذُنوبَك أَي نقَّصَها: فسمَّى الله مَا أصَاب الْمُسلمين من بلَاء تمحيصاً، لِأَنَّهُ ينْقُصُ بِهِ ذنوبهم، وَسَماهُ الله من الْكَافرين مَحْقاً. قَالَ أَبُو مَنْصُور: مَحَصْتُ العَقَبَ من الشّحْم إِذا نَقّيتَه مِنْهُ لِتَفْتله وتَرا وَأَرَادَ أَنه يخلصهم من الذُّنُوب. قَالَ: وَيُقَال: مَحَصتُ الذهبَ بالنَّار. وَفرس ممحوص القوائم: إِذا خلص من الرَّهَل. صحم: قَالَ اللَّيْث: الصُّحْمَةُ: لون من الغُبرة إِلَى سَواد قَلِيل. وبلدة صَحْماء: ذَات اغبرار، وَإِذا أخذت البَقْلَةُ رِيَّها، واشتدت خُضْرتها، قيل: اصحامّت فَهِيَ مُصحامَّة. قَالَ: والصحماء: بقلة لَيست بشديدة الخُضْرة. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: سَواد إِلَى الصُّفرَة وَقَالَ شمر فِي بَاب الفيافي: الغَبْراءُ والصَّحماءُ: فِي ألوانها بَين الغُبْرَة والصّحْمَة: قَالَ والصُّحْمةُ حُمرةٌ فِي بَيَاض وَيُقَال: صُفْرَةٌ فِي بَيَاض وَقَالَ الطِّرمّاح يصف فَلاَة: وصحماءَ أشباهِ الحَزَابيّ مَا يُرَى بهَا ساربٌ غيرُ القَطَا المُتَرَاطِنِ عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأصْحَمُ: الْأسود الحالكُ. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: حَنَأَت الأَرْض تَحنأ، وَهِي حانئة إِذا اخضَرَّت والتَفَّ نَبْتُها. قَالَ: وَإِذا أدبر الْمَطَر وتَغَيَّر نَبْتُها قيل اصْحَامَّت فَهِيَ مُصحامَّة. قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَهَذَا أصح مِمَّا قَالَه اللَّيْث، وَقَالَ لبيد فِي نعت الحَمير: وصُحْمٍ صِيَامٍ بَين صَمْدٍ ورِجْلَةٍ صمح: قَالَ اللَّيْث: صَمَحَهُ الصَّيف إِذا كَاد يذيب دماغه من شدَّة الحرِّ.

(4/160)


وَقَالَ الطرماح يصف كانِساً من البَقَر: يَذِيلُ إِذا نَسَمَ الأَبْرَدانْ ويُخْدِرُ بالصَّرَّة الصامِحَه والصَّرَّةُ: شِدَّة الحَرِّ، والصَّامِحَةُ: الَّتِي تؤلم الدِّماغَ بِشِدَّة حَرِّها. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الصَّمَحْمَحُ من الرِّجَال: الشَّديد، وَكَذَلِكَ الدَّمَكْمَكُ، وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الْمُجْتَمع ذُو الألْوَاحِ وَهُوَ فِي السِّنِّ مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين. وَقَالَ غَيره: حافِرٌ صَمُوحٌ أَي شديدٌ، وَقد صمَح صُمُوحاً، وَقَالَ أَبُو النَّجم: لَا يتَشَكَّى الحافِرَ الصّمُوحا يَلْتَحْن وجْهاً بالحصَى مَلْتُوَحا وَقَالَ أَبُو وَجْزَةَ: زِبَنّون صَمَّاحون رَكْزَ المُصامح يَقُول: مَن شادّهم شادّوه فغلبوه. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الصِّمْحَاءَةُ والحِزْباءَةُ: الأرضُ الغَليظَةُ، وَجَمعهَا الصِّمْحاءُ والحِزْباءُ. ثَعْلَب عَن سَلَمَة عَن الْفراء قَالَ: الصُّمَاحِيُّ مَأْخُوذ من الصَّمَاحِ: وَهُوَ الصُّنَان وَأنْشد: ساكِنَاتُ العقيق أشْهَى إِلَى النَّف سِ من الساكِنَاتِ دُورَ دِمَشْقِ يَتَضَوَّعْنَ لَو تَضَمَّخْن بالمِسْ ك صُمَاحاً كأنّه رِيحُ مَرْقِ والمَرْقُ: الإهابُ المُنْتِن، وأَنشد الْأَصْمَعِي فِي صفة ماتح: إِذا بَدَا مِنْهُ صُماحُ الصَّمح وفاض عِطْفَاه بِماءٍ سَفْح وَقَالَ: صَمَحْتُ فلَانا أصْمَحُه صَمْحاً إِذا غلَّظت لَهُ فِي مسئلة أَو غير ذَلِك. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأصْمَح: الَّذِي يتعمَّد رُؤُوس الْأَبْطَال بالنَّقْفِ والضَّرْب لشجاعته: وَقَالَ العجّاج: ذُوقي عُقَيْدُ وقْعَةَ السِّلاحِ والدَّاءُ قد يُطلَبُ بالصُّماحِ ويروي: يُبْرَأُ فِي تَفْسِيره. عُقَيْد: قَبيلَة من بَجيلَة فِي بكر بن وَائِل، وَقَوله: بالصُّماح أَي بالكَيّ، يَقُول: آخر الدَّوَاء الكَي. قَالَ أَبُو مَنْصُور: الصُّماحُ أَخذ من قَوْلهم: صَمَحَتْهُ الشَّمْسُ إِذا آلمت دماغه بشِدَّة حَرَّها. مصح: قَالَ اللَّيْث: مَصَحَ النَّدى يَمْصَحُ مُصوحاً إِذا رسخ فِي الثَّرى، والدَّارُ تمصَحُ مُصوحاً أَي تَدْرُسُ، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ: قِفَا نَسَلُ الدِّمَنَ المَاصِحَه وَهل هِيَ إِن سُئِلَتْ بائحه ومَصَحَت أَشَاعِرُ الفَرَسِ إِذا رَسَخَت أُصُولهَا حَتَّى أُمِنَت أَن تُنْتَتَفَ أَو تَنْحَصَّ، وَأنْشد: عَبْلُ الشَّوَى ماصِحَةٌ أَشَاعره ابْن الْأَعرَابِي: مَصَحَ الضَّرْع مُصُوحاً إِذا ذهب لَبَنُه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: ... والهَجْرُ بالآل يَمْصَحُ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَصَعَ لَبَنُ النَّاقَة ومصح إِذا ولَّى مُصُوحاً ومُصُوعاً. قَالَ: والأَمْصَحُ: الظّلُّ النَّاقِصُ.

(4/161)


وَقَالَ أَبُو زيد: مَصَحَ الثَّرى مُصُوحاً إِذا رسخ فِي الأَرْض. أَبُو عُبَيْد عَن الأصْمعي: محِص بِهَا وحَصَمَ بِهَا إِذا ضَرِط.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالسِّين
(ح س ز: مهمل)
ح س ط
اسْتعْمل مِنْهُ: سطح، سحط، طحس.
سطح: قَالَ اللَّيْث: السَّطْحُ: سَطْحُك الشيءَ على وَجه الأَرْض، كَمَا تَقول فِي الْحَرْب: سَطَحُوهُم أَي أَضْجَعُوهُم على الأَرْضِ، والسَّطِيحُ المسطوح هُوَ القَتِيلُ، وَأنْشد:
حَتَّى تَراهُ وَسْطَهَا سَطيحاً
وسَطِيحٌ الذِّئْبِيُّ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يتكَهَّنُ سُمِّي سطيحاً، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ بَين مَفَاصِلِه قَصَبٌ فَكَانَ لَا يقدر على قيام وَلَا قعُود، وَكَانَ مُنْسَطِحاً على الأَرْض، وحَدَّثنا بِقِصَّتِهِ محمدُ ابنُ إسْحَاق السّعْدِيّ قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب المَوْصِليّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب يَعْلَى بن عمْران البَجَلِيّ، قَالَ: حَدثنِي مَخْزُوم بن هانىء المَخْزُومِي عَن أَبِيه، وأَتَتْ لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَة سنة قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة ولد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَجَس إيوانُ كِسْرَى، وَسَقَطت مِنْهُ أربعَ عشرَة شُرْفَةً، وخَمِدَت نارُ فارِس، وَلم تَخْمَد قبل ذَلِك مائَة عَام، وغاضت بُحَيْرَة سَاوَةَ، وَرَأى المُوبِذَان إِبِلاً صِعاباً تقود خَيْلاً عِراباً قد قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وانتشرت فِي بلادها فلمّا أصبح كسْرَى أفزعه مَا رأى، فلَبِس تاجه وَأخْبر مَرازِبَتَه بِمَا رأى، فورد عَلَيْهِ كتَابٌ بخمود النَّار، فَقَالَ المُوبِذَانُ: وَأَنا رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة وقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِل، فَقَالَ لَهُ الْملك: وأيُّ شَيْء يكون هَذَا؟ قَالَ: حَادث من نَاحيَة الْعَرَب، فَبعث كسْرَى إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر أَن ابْعَثْ إليّ بِرَجُل عَالِمٍ ليخبرني عمَّا أسأله، فَوجه إِلَيْهِ بِعَبْد الْمَسِيح بن عَمْرو بن نُفَيْلَة الغَسَّانِي، فَأخْبرهُ بِمَا رأى، فَقَالَ: عِلْم هَذَا عِنْد خَالِي سَطِيح، قَالَ: فأته وسَلْه وأتِني بجوابه، فَقدم على سَطِيح وَقد أَشْفَى على الْمَوْت فأنْشَأَ يَقُول:
أَصَمُّ أم يَسْمَعُ غِطْرِيفُ اليمَن
أم فَادَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَنَن
يَا فَاصِلَ الْخُطَّة أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
أَتَاكَ شَيْخُ الحَيِّ من آل سَنَنْ
رَسُولُ قَيْل العُجْم يَسْرِي لِلْوَسَن
وأمّه من آل ذئْب بن حَجَن
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّداء والبَدَنْ
تَجُوبُ بِي الأرضَ عَلَى ذَات شَجَن
تَرْفَعُني وَجْنَاءُ تَهْوِي من وَجَن
حَتَّى أَتَى عاري الجبين والقَطَن
لَا يَرْهَبُ الرَّعدَ وَلَا ريْبَ الزَّمن
تَلُفُّهُ فِي الرِّيح بَوْغَاءٌ الدِّمَن
كأَنَّما حُثْحِثَ من حِضْنَي ثَكَن

(4/162)


فَلَمَّا سمع سَطِيح شِعْرَه رفع رأسَه فَقَالَ: عبد الْمَسِيح على جَمَلٍ مُشيح يهوي إِلَى سَطيح وَقد أوفى على الضَّرِيح، بَعَثَكَ مَلِك من بني سَاسَان لارْتجَاسِ الإيوان وخمود النيرَان ورُؤْيا المُوبِذان، رأى إبِلاً صِعَاباً تقود خَيْلاً عِرَاباً. يَا عبدَ الْمَسِيح، إِذا كَثُرَت التِّلاوة، وبُعِثَ صاحبُ الهِرَاوَة، وغاضت بُحَيرةُ سَاوَة، فَلَيْسَ الشأم لِسَطيح شَأماً، يَمْلكُ مِنْهُم مُلُوك ومَلِكات على عَدَدِ الشُّرُفات، وكلّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثمَّ قُبِضَ سَطِيحٌ مَكَانَهُ، ونهض عبد الْمَسِيح إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول:
شَمِّر فَإنَّك مَا عُمِّرْتَ شِمِّيرُ
لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وتَغْيِيرُ
إِن يُمْسِ مُلْكُ بني ساسان أفرطهم
فإنَّ ذَا الدَّهْرِ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فرُبَّما رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ
تخَافُ صَوْلَهُم أُسْدٌ مَهَاصِير
مِنْهُم أَخُو الصَّرْح بَهْرَامٌ وإخْوَتهُم
وهْرْمُزَانٌ وسَابُورٌ وسَابُورُ
والناسُ أَوْلَاد عَلاَّتٍ فَمن عَلِمُوا
أَنْ قد أقلَّ فَمَهْجُورٌ ومَحْقُورُ
وهُم بَنُو الأُمِّ لَمَّا أَن رَأَوْا نَشَباً
فَذَاك بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَنْصُورُ
والخيرُ والشَّرُّ مقرونان فِي قَرَنٍ
فالخيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ
فلمّا قدم على كِسْرى أخبرهُ بقول سطيح فَقَالَ كِسْرى: إِلَى أَن يَمْلِكَ مِنَّا أربعةَ عشرَ مَلِكاً تكون أمُورٌ، فَملك مِنْهُم عَشَرَة فِي أَربع سِنِين، ومَلَك الْبَاقُونَ إِلَى زَمَن عُثمان.
قلت: وَهَذَا الْخَبَر فِيهِ ذكر آيَة من آيَات نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مبعثه، وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّطحُ: ظَهْرُ الْبَيْت إِذا كَانَ مُسْتَوِياً، وفِعْلُكه التَّسْطِيح.
قَالَ: والمِسْطَح والمِسْطَحَةُ: شبه مِطْهَرَة لَيست بمُربَّعة، قَالَ: ويُسَمَّى هَذَا الكوزُ الَّذِي يُتَّخَذُ للسَّفر ذُو الجَنْبِ الواحِدِ مِسْطَحاً.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ حَمَلَ بن مَالك قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنتُ بَين جَارَتَين لي فضَرَبَت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمِسْطح فَأَلْقَت جَنيناً ميِّتاً وَمَاتَتْ، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدية المقتولة على عَاقِلَة القاتلة، وَجعل فِي الْجَنِين غُرَّة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المِسْطح: عُودٌ من عِيدان الخِباءِ أَو الفُسْطاط. وَأنْشد قَول عَوْف بن مَالك النَّضْرِيّ:
تَعرَّض ضَيْطَارُو فُعَالة دُوننَا
وَمَا خَيْرُ ضَيْطَارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحا
يَقُول: لَيْسَ لَهُ سلَاح يُقَاتل بِهِ غير مِسْطح.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي بعض أَسْفَاره، ففقدوا المَاء، فَأرْسل عَلِيّاً وَفُلَانًا يبغيان المَاء فَإِذا هما بِامْرَأَة بَين سطيحتين.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي والكِسَائي: السَّطِيحةُ: المزادَةُ تكون من جلدين، والمزادة أكبر مِنْهَا.

(4/163)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَّطِيحة من المزاد: إِذا كَانَت من جلدين قُوبِل أَحدهمَا بِالْآخرِ فَسُطح عَلَيْهِ فَهِيَ سطيحة.
وَقَالَ غَيره: المِسْطحُ: حصيرٌ يُسَفُّ من خُوصِ الدَّوْمِ، وَمِنْه قولُ تَمِيم بن مُقبل:
إِذا الأمْعَزُ المَحْزُوُّ آضَ كَأَنَّهُ
من الحَرِّ فِي حَدِّ الظهيرة مِسطَحُ
والمِسْطَح: أَيْضا: صفيحة عريضة من الصخر يُحَوَّط عَلَيْهِ لماء السَّمَاء، ورُبما خلق الله عِنْد فَم الرَّكِيَّة صفَاةً ملساء مستويةً فيُحَوَّط عَلَيْهَا بِالْحِجَارَةِ، ويُسقَى فِيهَا لِلْإِبِلِ شبه الْحَوْض، وَمِنْه قَول الطّرمّاح:
... فِي جَنْبَيْ مَدِيَ ومِسْطَح
والمِسْطَح أَيْضا: مَكَان مُسْتَوٍ يُجَفَّفُ عَلَيْهِ التَّمْر ويُسَمَّى الجَرِين.
والسُّطَّاحَة: بقلة ترعاها الْمَاشِيَة، ويُغسَل بورقها الرؤوس.
وَقَالَ الفرّاء: هُوَ المِسْطح والمِحْورُ والشُّوبق.
قَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا عُرِّش الكرْمُ عُمِدَ إِلَى دعائم يُحْفَر لَهَا فِي الأَرْض، لكل دعامة شُعْبَتان، ثمَّ تؤخَذُ خَشَبَةٌ فَتُعَرَّضُ على الدّعامَتَيْن، وتُسَمَّى هَذِه الْخَشَبَة المعروضة المِسْطح، وَيجْعَل على المساطِح أُطُرٌ من أدناها إِلَى أقصاها تُسمَّى المساطِح بالأُطُر مساطِح.
طحس: قَالَ ابْن دُرَيْد: الطَّحْس يُكْنى بِهِ عَن الْجِمَاع. يُقَال: طَحَسَهاوطَحَزَها، قلت: وَهَذَا من مَناكِير ابْن دُرَيْد.
سحط: أَبُو عَمْرو والأصمعي: سَحَطه وشَحَطه إِذا ذَبَحه.
وَقَالَ اللَّيْث: سَحَط الشَّاةَ وَهُوَ ذَبْحٌ وَحِيٌّ.
وَقَالَ المُفَضَّل: المَسْحُوط من الشَّرَاب كلِّه: الممْزُوج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَكلَ طَعَاما فَسَحَطه أَي أَشرقَه، وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
كَاد اللُّعاعُ من الحَوْذَان يَسْحطُها
ورِجْرِجٌ بَين لَحْيَيْها خَناطِيلُ
ح س د
حسد، حدس، دحس، سدح: مستعملة.
حسد: قَالَ اللَّيْث: الحَسَدُ مَعْرُوف، وَالْفِعْل حَسدَ يَحْسُدُ حَسَداً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَسْدَلُ: القُرَادُ، قَالَ: وَمِنْه أُخِذ الْحَسَد لِأَنَّهُ يَقْشِرُ القَلْبَ كَمَا يَقْشِر القُرادُ الْجلد فيمتصّ دَمَهُ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا حسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَين، رجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَرجل آتَاهُ الله قُرْآنًا فَهُوَ يتلُوه) . أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه سُئل عَن معنى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا حَسَد لَا يضر إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، قَالَ: والحَسَدُ أَن يَرَى الْإِنْسَان لِأَخِيهِ نِعْمةً فيتمنَّى أَن تُزْوَى عَنهُ وَتَكون لَهُ، قَالَ: والغَبْطُ: أَن يتَمَنَّى أَن يكون لَهُ مثلهَا من غبر أَن تُزْوَى عَنهُ، قلت: فالغَبْطُ ضرب من الْحَسَد، وَهُوَ أخَفّ مِنْهُ، أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا سُئل: هَل يضر الغَبْط؟ فَقَالَ: نعم، كَمَا

(4/164)


يضُرّ الخبْطُ، فَأخْبر أَنه ضَارٌّ وَلَيْسَ كضرر الْحَسَد الَّذِي يتَمَنَّى صَاحبه زَيَّ النِّعْمَة عَن أَخِيه، والخَبْطُ: ضَرْبُ ورق الشّجر حَتَّى يَتَحَاتَّ عَنهُ، ثمَّ يَسْتَخلف من غير أَن يَضُرّ ذَلِك بِأَصْل الشَّجَرَة وَأَغْصَانهَا.
وَقَوله ج: (لَا حق إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) هُوَ أَن يتَمَنَّى أَن يرزقه الله مَالا ينْفق مِنْهُ فِي سُبُل الْخَيْر، أَو يَتمنَّى أَن يكون حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى فيتلُوه آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَلَا يتَمَنَّى أَن يُرْزَأ صاحِبُ المَال فِي مَاله أَو تَالِي الْقُرْآن فِي حفظه.
وأَصْلُ الحَسَدِ القَشر كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
سدح: قَالَ اللَّيْث: السَّدْحُ: ذَبْحُك الحيوانَ ممدوداً على وَجه الأَرْض وَقد يكون إضْجاعُك الشيءَ على وَجه الأَرْض سَدْحاً نَحْو القِرْبَة المملُوءَة المسْدُوحَة.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف الْحَيَّة:
يأْخذ فِيهِ الحَيَّةَ النَّبُوحا
ثمَّ يَبِيتُ عِنْده مذبُوحا
مُشَدَّخَ الهامةِ أَو مَسْدُوحا
قلت: السَّدْح والسَّطْحُ وَاحِد أبدلت الطاءُ فِيهِ دَالا، كَمَا يُقَال: مَطَّ ومَدَّ وَمَا أشبهه.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَدَحَ بِالْمَكَانِ وردَحَ إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ أَو المَرْعَى، قَالَ: وسَدَحْتُه أَي صَرَعْتُه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: سَدَحت الْمَرْأَة ورَدَحَت إِذا حَظِيت عِنْد زَوجهَا ورَضِيَت.
حدس: قَالَ اللَّيْث: الحَدْسُ: التّوَهُّم فِي مَعَاني الْكَلَام والأمُور. بَلغنِي عَن فلَان أمْرٌ فَأَنا أَحْدِسُ فِيهِ أَي أَقُول بالظَّنِّ والتَّوَهُّم.
قَالَ: والحَدْس فِي السّير: سُرعَةٌ ومُضِيٌّ على طَريقَة مُسْتَمِرَّة. وَأنْشد:
كَأَنَّهَا من بَعْدِ سَيْرٍ حَدْسٍ
وحُدَسُ: اسْم أبي حَيَ من العرَب.
والعرَب تختلِفُ فِي زجر البغال فبعضٌ يَقُول: عَدَس. وَبَعض يَقُول: حَدَس. قلت: وعَدَس أَكثر من حَدَس. وَمِنْه قَول ابْن مُفَرِّغٍ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْك إمارَةٌ
نَجَوْتِ وهَذَا تَحمِلين طَلِيقُ
جعل عَدَسْ اسْما للبغلة، سَمَّاهَا بالزَّجر عَدسْ.
وَقَالَ ابْن أَرقم الكُوفيُّ: حَدَسْ: قوم كَانُوا على عهد سُلَيْمَان بن دَاوُد ث وَكَانُوا يَعْنُفُون على البغال، فَإِذا ذُكِرُوا نَفَرت البِغالُ خوفًا لما كَانَت لَقِيَتْ مِنْهُم.
وَقَالَ اللِّحياني: حَدَسْتُ الشَّاة حَدْساً إِذا أضجعتها لتذبحها، وَمِنْه المثَلُ السَّائر: (حَدَسَهم بِمُطْفِئَة الرَّضْف) .
وَقَالَ ابْن كُناسَة: تَقول الْعَرَب: إِذا أمْسَى النَّجمُ قِمَّ الرَّأْس فَعُظْمَاها فاحْدِس، مَعْنَاهُ انْحَرْ أعْظَم الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو زيد حَدَسْتُ بالناقة: إِذا أَنَخْتها.
وَقَالَ غَيره: أصلُ الحَدْس: الرَّمْيُ، وَمِنْه حَدْسُ الظَّن إِنَّمَا هُوَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ.
الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: بَلَغْتُ بِهِ الحِداسَ أَي الْغَايَة الَّتِي يُجْرَى إِلَيْهَا

(4/165)


وأبْعَدَ، وَلَا تَقُل الإدَاسَ.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوِي: حَدَس فِي الأَرْض وعَدَسَ يَحْدِسُ ويَعْدِس إِذا ذهب فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَحَدَّسْتُ عَن الْأَخْبَار تَحدُّساً، وتَنَدَّسْتُ عَنْهَا تَنَدُّساً، وتَوَجَّسْتُ إِذا كنتَ تُرِيغُ أخبارَ النَّاس لتعلمها من حَيْثُ لَا يعلمُونَ.
وَيُقَال: حَدَسْتُ عَلَيْهِ ظَنِّي ونَدَسْتُه إِذا ظَنَنْتَ الظَّنَّ وَلم تَحُقَّه.
وَمعنى الْمثل: حَدَسَهم بمُطْفِئَة الرَّضْف أَنه ذبح لأضيافه شَاة سَمِينَة أطفَأَت من شحمها ذَلِك الرَّضْف.
وَيُقَال: دحَسَ بناقته إِذا وجأ فِي سَبَلَتِها أَي أناخها فوجأها فِي نحرها، والسَّبَلَةُ هَاهُنَا نحرُها. يُقَال: مَلأ الدَّلوَ إِلَى أسْبالها أَي إِلَى شِفَاهِها.
دحس: اللَّيْث: الدَّحْسُ: التَدّسِيسُ للأمور تستبطنها وتطلُبُها أخْفى مَا تَقْدِر عَلَيْهِ: وَلذَلِك سُمِّيت دودةً تَحت التُّرَاب دَحّاسَةً، وَهِي صفراءُ صَافِيَة، لَهَا رَأس مُشَعَّبُ يَشُدّها الصِّبيان فِي الفِخاخ لصيد العصافير، لَا تُؤْذِي، وَأنْشد فِي الدَّحْس بِمَعْنى الاستبطان:
وَيعْتِلُون مَنْ مَأَى فِي الدَّحْس
وَقَالَ بعض بني سُلَيْم: وِعاءٌ مَدْحُوسٌ ومَدْكُوسٌ ومَكْبُوسٌ بِمَعْنى وَاحِد، وَهَذَا يدل على أَن الدَّيْحَسَ مثل الدَّيْكَس: وَهُوَ الشيءُ الْكثير.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: دَحَسْتُ بَين الْقَوْم دَحْساً: أفسدتُ بَينهم، وَكَذَلِكَ مَأَسْتُ وأرشْتُ.
وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي:
وَإِن دَحَسُوا بالشَّرِّ فاعْفُ تَكَرُّما
وَإِن خَنَسُوا عَنْك الحديثَ فَلَا تَسَلْ
النَّضْرُ: الدَّحَّاسُ: دُودٌ يُشَدُّ فِي الفَخِّ، وَجمعه دَحَاحِيس.
سُئل الْأَزْهَرِي عَن الدَّاحس فَقَالَ: الدَّاحِسُ: قَرْحَةٌ تخرج بِالْيَدِ تسمى بِالْفَارِسِيَّةِ بَرْوَرَهْ.
وداحس: اسْم فرس مَعْرُوف.
ح س ت
اسْتعْمل من وجوهه: (سحت) .
سحت: اللَّيْث: السُّحْتُ: كلُّ حَرام قَبِيح الذِّكر يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَار نَحْو ثمن الكَلْب وَالْخمر والخِنْزِير: وَإِذا وَقع الرجل فِيهَا قيل: قد أسْحَت الرجل. قَالَ: والسُّحْتُ: العَذَابُ، قَالَ: وسَحَتْنَاهم بلغنَا مجهودَهم فِي المَشَقَّة عَلَيْهِم، وأَسْحَتْنَاهم لُغَةٌ.
وَقَالَ الفرّاء: قُرىءَ قَوْلُ الله جلّ وعزّ: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) وقرىء: (فيَسْحَتَكم) بِفَتْح الْيَاء والحاء، قَالَ: ويَسْحَتُ أَكثر وَهُوَ الاستئصال. وَأنْشد قَول الفرزدق:
وعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْن مَرْوَان لم يَدَعْ
من المَال إِلَّا مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفُ
قَالَ: وَالْعرب تَقول: سَحَت وأَسْحَتَ.
ويُروَى: إِلَّا مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّفُ. ومَنْ رَوَاهُ كَذَلِك جعل معنى لم يدع: لم يَتَقَارّ، وَمن رَوَاهُ: إِلَّا مُسْحَتاً، جعل لم يَدَعْ بِمَعْنى لم

(4/166)


يتْرك وَرفع قَوْله: أَو مُجَلَّفُ بإضمارٍ كأنَّه قَالَ: أَو هُوَ مُجَلَّفٌ كَذَلِك. وَهَذَا قَول الْكسَائي.
وَيُقَال: أَسْحَت الحالِقُ شَعَرَه إِذا استأصله، وأسْحَت الخاتِنُ فِي خِتَان الصَّبِي إِذا استأصله. وَكَذَلِكَ أغْدَفَهُ. يُقَال: إِذا ختنت فَلَا تُغْدِف وَلَا تُسْحِت.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ شُجَاعاً السُّلَمِي يَقُول: بَرْدٌ بَحْتٌ وسَحْتٌ ولَحْتٌ أَي صَادِقٌ، مثل سَاحَة الدَّار وَبَاحَتها، وَيُقَال: مالُ فلَان سُحْتٌ أَي لَا شَيْءَ على من اسْتَهْلكهُ.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحمى بجُرَش حِمًى، وَكتب لَهُم بذلك كتابا فِيهِ: (فَمَنْ رعاه من النَّاس فَمَاله سُحْتٌ) أَي من أصَاب مالَ مَنْ رَعَى الحِمَى فقد أهدرْتُه ودَمُه سُحْتٌ أَي هَدَرٌ.
وقُرىءَ (أَكَّالُون للسُّحُتِ) مُثَقَّلا، و {لِلسُّحْتِ} (الْمَائِدَة: 42) مُخَفَّفا، وتأويله أنّ الرُّشَا الَّتِي يأكلونها يُعْقِبُهم الله بهَا أَن يُسْحِتَهم بِعَذَاب، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) .
أَبُو عُبَيد عَن الأحْمر: المَسْحُوتُ: الجائعُ، وامرأةٌ مَسْحُوتَةٌ.
وَقَالَ رُؤبة يصفُ يُونُس والحُوتَ الَّذِي الْتَهَمَه.
يُدْفَعُ عَنهُ جَوْفُه المَسْحُوتُ
يَقُول: نَحَّى الله جلّ وعزّ جوَانِبَ جَوْفِ الْحُوت عَن يُونُس، وجافاه عَنهُ فَلَا يُصِيبُه مِنْهُ أَذَى. وَمن رَوَاهُ:
يَدْفعُ عَنهُ جوفُه المَسْحوتُ
يُرِيد أَن جوفَ الحوتِ صَار وِقاية لَهُ منَ الغَرَق، وَإِنَّمَا دفع الله جلّ وعزّ عَنهُ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أسْحَتَ الرجلُ فِي تِجَارَته إِذا اكْتَسَبَ السُّحْتَ.
ح س ظ ح س ذ ح س ث: أهملت وجوهها.
ح س ر
حسر، حرس، سحر، سرح، رسح: مستعملة.
حسر: قَالَ اللَّيْث: الْحَسْرُ: كَشْطُكَ الشَّيءَ عَن الشيءِ. يُقَال: حَسَرَ عَن ذِراعيه، وحَسَرَ البَيْضَة عَن رَأسه، وحَسَرَت الرِّيحُ السّحابَ حَسْراً. وانْحَسَرَ الشيءُ إِذا طاوَع. وَقد يَجِيء فِي الشِّعر حَسَرَ لَازِما مثل انْحَسَر.
وَقَالَ اللَّيْث: حَسَرَ البَحرُ عَن السَّاحِل إِذا نَضِبَ عَنهُ حَتَّى بدا مَا تَحت المَاء من الأَرْض، وَلَا يُقالُ: انحسَرَ البَحْرُ.
وَقَالَ ابْن السَّكِّيت: حَسَرَ الماءُ ونَضَبَ وجَزَرَ بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد أَبُو عُبَيد فِي الحُسُورِ بِمَعْنى الانكشافِ:
إِذا مَا القَلاَسِي والعَمائمُ أُخْنِسَتْ
فَفِيهن عَن صُلْعِ الرِّجال حُسُور
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْرُ والحُسُور: الإعياء، تَقول حَسَرَت الدَّابَّةُ والعَيْنُ، وحَسَرَها بُعْدُ الشَّيْء الَّذِي حَدَّقَتْ نَحوه، وَقَالَ رؤبة:
يَحْسُرُ طَرْفَ عَيْنِه فَضَاؤُه

(4/167)


وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ} (المُلك: 4) يُرِيد يَنْقَلِب صاغِراً وَهُوَ حَسِيرٌ أَي كليلٌ كَمَا تَحْسِرُ الإبِل إِذا قُوِّمَتْ عَن هُزَال وَكَلال، وَهِي الحَسْرَى، وَاحِدهَا حَسِيرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً} (الإسرَاء: 29) .
قَالَ: نَهَاه أَن يُعْطِيَ كُلَّ مَا عِنْده حَتَّى يَبْقَى مَحْسُوراً لَا شَيْء عِنْده.
قَالَ: والعَرَبُ تَقول: حَسَرْتُ الدَّابَّة إِذا سَيّرْتَها حَتَّى يَنْقَطِع سَيْرُها، وَأما البَصَرُ فَإِنَّهُ يَحْسُرُ عِنْد أقْصَى بُلُوغ النّظر.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: حُسِرَت الدَّابَّةُ حَسْراً إِذا أُتْعِبَتْ حَتَّى تَبْقَى، واستحسرت إِذا أَعْيَتْ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} (الأنبيَاء: 19)
وَفِي الحَدِيث: (الحسير لَا يعقر) لَا يجوز للغَازِي إِذا حُسِرَت دابَّتُه وقَوَّمَتْ أَن يَعْقِرها مخافَةَ أَن يَأْخُذهَا العَدُوُّ، وَلَكِن يُسَيِّبُها.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرّجَّالة فِي الْحَرْب الحُسَّر، وَذَلِكَ أَنهم يَحْسِرونَ عَن أَيْدِيهم وأَرْجُلِهم.
وَقَالَ بَعضهم: سُمُّوا حُسَّرا لِأَنَّهُ لَا دُرُوعَ عَلَيْهِم وَلَا بَيْض، والحَاسِرُ: الَّذِي لَا بَيْضَةَ على رأسِه، وَقَالَ الأعْشى: يصف الدَّارعَ والحاسِر:
تَعْصِفُ بالدَّارِع والحَاسِرِ
وَفِي فتح مَكَّة أَن أَبَا عُبَيدة كَانَ يومئذٍ على الحُسَّر وهم الرَّجَّالَة، وَيُقَال للَّذين لَا دروع لَهُم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله عزّ وجلّ: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) هَذَا أَصْعَب مَسْأَلَة فِي الْقُرْآن إِذا قَالَ الْقَائِل: مَا الْفَائِدَة فِي مُناداة الحَسْرة، والحَسْرةُ مِمَّا لَا تُجِيب، قَالَ: والفائدة فِي مناداتها كالفائدة فِي مُناداة مَا يعقل، لِأَن النِّداءَ بابُ تَنْبِيه. إِذا قلت: يَا زَيْدُ، فَإِن لم تكن دَعوته لتخاطبه بِغَيْر النداء فَلَا معنى للْكَلَام، إِنَّمَا تَقول: يَا زيد لتنبهه بالنداء، ثمَّ تَقول لَهُ: فعلت كَذَا، أَلا تَرَى أَنَّك إِذا قلت لمن هُوَ مقبل عَلَيْك: يَا زيدُ، مَا أَحسنَ مَا صَنَعْتَ فَهُوَ أوكَدُ من أَن تَقول لَهُ: مَا أحسنَ مَا صنعت بِغَيْر نِدَاء، وَكَذَلِكَ إِذا قلت للمخاطب: أَنَا أعجَبُ مِمَّا فعلت، فقد أفدته أَنَّك مُتَعَجِّب، وَلَو قلت: واعَجَبَاهُ ممَّا فَعَلْت، وَيَا عجباه أتفعل كَذَا كَانَ دُعَاؤُك العَجَب أبلغ فِي الْفَائِدَة، وَالْمعْنَى يَا عَجَبَا أَقْبِلْ فَإِنَّهُ من أَوْقَاتِك، وَإِنَّمَا النداء تَنْبِيه للمتعَجَّب مِنْهُ لَا للعَجَب، والحَسْرَةُ أَشَدُّ النَّدَم حَتَّى يبْقى النَادِمُ كالحَسِيرِ من الدوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} (فَاطِر: 8) . وَهَذَا نَهْيٌ مَعْنَاهُ الْخَبَر، المَعْنَى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سوء عمله فأضله الله ذَهَبَتْ نَفْسُك عَلَيْهِم حَسْرةً وتَحسُّراً، وَيُقَال حَسِر فلَان يحسَر حَسْرَةً وحَسَراً إِذا اشتدت ندامتُه على أمرٍ فَاتَهُ، وَقَالَ المَرَّار:
مَا أَنَا اليومَ على شيْء خَلاَ
يَا ابْنَةَ القَيْن تَوَلَّى بِحَسِرْ

(4/168)


وَقَالَ اللَّيْث: الطيرُ تتحَسَّر إِذا خَرَجَتْ من الرِّيش العَتِيقِ إِلَى الحَدِيث، وحَسّرها إبَّان التَّحْسِير ثَقَّلَه: لِأَنَّهُ فُعِلَ فِي مُهْلَة.
قلت: والبَّازِي يُكَرِّز للتَّحْسِير، وَكَذَلِكَ سَائِر الْجَوَارِح تَتَحَسّر.
وتَحَسَّر الوَبَرُ عَن البَعِير والشَّعَر عَن الْحمار إِذا سَقَطَ. وَمِنْه قَوْله:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنهُ فأَنْسَلَها
واجْتَابَ أُخرى جَدِيدا بعد مَا ابْتَقَلاَ
وَقَالَ اللَّيْث: الْجَارِيَة تَتحَسَّر إِذا صَارَ لحمُها فِي موَاضعه، وَكَذَلِكَ البَعيرُ. وَقَالَ لبيد:
فَإِذا تَغَالَي لَحمُها وتَحَسَّرَتْ
وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلاَلِ خِدَامُها
قلت: وتحسُّرُ لحم الْبَعِير أَن يكون الربيعُ سَمَّنه حَتَّى كثُر شحمه وتَمَكَ سَنَامه، فَإِذا رُكِبَ أَيّاماً فَذهب رَهَلُ لَحْمه، واشْتَدَّ مَا تَزَيَّم مِنْهُ فِي موَاضعه فقد تَحسّر.
وَرجل حاسِرٌ: لَا عِمامَةَ على رَأسه، وامرأةٌ حاسِرٌ بِغَيْر هَاء إِذا حَسَرَتْ عنهَا ثِيابها، ورجُلٌ حاسِرٌ: لَا دِرْعَ عَلَيْهِ وَلَا بَيْضَة على رأْسِه.
وَقَالَ الليثُ: الحَسَارُ: ضَرْبٌ من النَّباتِ يُسلِّح الإبِلَ.
ورجُلٌ مُحَسَّر: مُحَقَّرٌ مُؤْذًى.
وَفِي الحَدِيث (يخرج فِي آخر الزّمان رجُلٌ يُسَمَّى أمِيرَ العُصَبِ، أَصْحَابُه مُحَسَّرُون مُحَقَّرُون مُقْصَوْن عَن أَبْوَاب السُّلْطَان، يأتونه من كل أَوْبِ كَأَنَّهُمْ قَزَعُ الخَريفِ يُوَرِّثُهُم الله مَشارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبها) .
أَبُو زيد فَحْلٌ حاسرٌ وفادِرٌ وجَافِرٌ إِذا أَلْقَح شَوْلَه فَعَدَلَ عَنْهَا وتَركها.
وَفِي الحَدِيث: (ادعوا الله وَلَا تستحسروا) . قَالَ النَّضْرُ: مَعْنَاهُ لَا تَمَلُّوا.
قَالَ الشَّيْخُ: رُوِي هَذَا الْحَرْف: فَحْلٌ جاسرٌ بِالْجِيم أَي فادِر، وَأَظنهُ الصَّوَاب، وَقَول العَجَّاج:
كَجَمَلِ البَحْرِ إِذا خَاضَ جَسَرْ
غَوَارِبَ اليَمِّ إِذا اليَمُّ هَدَر.
حَتَّى يُقَال حَاسِرٌ وَمَا انْحَسَرَ
يَعْنِي اليَمّ، يُقَال: حاسِرٌ إِذا جَزَر، وَقد حَسَر البَحْرُ وجَزَر وَاحِد.
وَقَوله: إِذا خَاضَ جَسَر بِالْجِيم أَي اجترأ وخاض مُعْظَمَ الْبَحْر، وَلم تَهُلْه اللُّجَحُ.
الحَسَارُ من العُشْبِ ينْبت فِي الرِّياض، الواحِدَةُ حَسَارَة.
ورِجْلُ الغُرَاب: نَبْتٌ آخر، وَدم الغزال: نبت آخر: والتأويلُ: عُشْب آخر.
سحر: قَالَ اللَّيْث: السِّحْرُ: عمل يُقْرَبُ فِيهِ إِلَى الشَّيْطَان وبمَعُونَةٍ مِنْهُ، كل ذَلِك الأمْرِ كَيْنُونَتُه السِّحْر، وَمن السِّحْر الأخْذَةُ الَّتِي تأْخُذُ العَيْنَ حَتَّى تَظُنَّ أنَّ الأمرَ كَمَا تَرى وَلَيْسَ الأصْلُ على مَا تَرَى.
وَفِي الحَدِيث أنّ قيسَ بنَ عَاصمٍ المِنْقَرِيَّ والزِّبرقان بن بدر وَعَمْرو بن الأصمِّ قَدِمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ النبيُّ عَمْراً عَن الزِّبْرِقَان فأَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، فَلم يَرْضَ الزّبرِقَانُ بذلك، وَقَالَ: وَالله يَا رَسُول الله إِنَّه ليعلم أَنّي أفضل مِمَّا قَالَ، وَلكنه حَسَدَ

(4/169)


مكانِي مِنْك، فأَثْنَى عَلَيْهِ عَمْرو شَرّاً، ثمَّ قَالَ: وَالله مَا كَذَبْتُ عَلَيْهِ فِي الأُولى وَلَا فِي الْآخِرَة، وَلكنه أرضاني فَقلت بالرِّضا، ثمَّ أَسْخَطَني فَقلت بالسُّخْطِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ من البَيَان لسِحْراً) : / /
قَالَ أَبُو عُبَيد: كأنّ الْمَعْنى وَالله أعلم أَنه يَبْلُغُ من بَيَانِه أَنَّه يَمْدَحُ الإنسانَ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوب إِلَى قَوْله، ثمَّ يَذُمُّهُ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قولِه الآخر، فكأنّه قد سَحَر السامعين بذلك. قلت: وأصل السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيْء عَن حَقِيقَتِه إِلَى غَيره.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) مَعْنَاهُ فأَنَّى تُصْرَفُون، ومِثْلُه {إِلاَّ هُوَ} (فَاطِر: 3) ، أُفِكَ وسُحِرَ سَوَاء.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سَلاَّم عَن يُونُسَ فِي قَوْله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) قَالَ: تُصْرَفُون.
قَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب للرّجل: مَا سَحَرَكَ عَن وَجْه كَذَا وَكَذَا، أَي مَا صَرَفَك عَنهُ.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابْن عَائِشَة: العَرَبُ إِنَّمَا سَمَّت السِّحْرَ سِحْراً لِأَنَّهُ يُزِيلُ الصِّحَّة إِلَى الْمَرَض، وَإِنَّمَا يُقَال: سَحَرَه أَي أزاله عَنِ البُغْضِ إِلَى الْحبّ. وَقَالَ الكُمَيْت:
وقَادَ إِلَيْهَا الحُبَّ فانْقَادَ صَعْبُه
بِحُبَ من السِّحْرِ الحَلاَل التَّحَبُّبُ
يُرِيد أنّ غَلَبَةَ حُبّها كالسّحر ولَيْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ حُبٌّ حَلاَلٌ، والحَلاَلُ لَا يكون سحرًا، لِأَن السِّحْرَ فِيهِ كالْخِدَاعِ. قَالَ شَمِر: وأَقْرَأَني ابْن الأعرابيّ للنَّابِغَةِ:
فَقَالَت يَمِينُ الله أَفْعَلُ إنَّني
رأَيْتُك مَسْحُوراً يَمِينُك فاجِرَه
قَالَ: مسحوراً: ذَاهِبَ العَقْلِ مُفسَداً.
قَالَ: وطعَامٌ مَسْحُورٌ إِذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وأرضٌ مَسْحُورَة: أصَابَهَا من المَطَرِ أكثَرُ مِمَّا يَنْبَغِي فأفْسَدَها، وغَيْثٌ ذُو سِحْرِ إِذا كَانَ ماؤُه أكثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي.
وَقَالَ ابْن شُميل: يقالُ للْأَرْض الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نبت، إِنَّمَا هِيَ قاعٌ قَرَقُوسٌ. أَرض مَسْحُورَة: لَا تنْبت، وعَنْزٌ مَسحُورَةٌ: قليلَةُ اللَّبَن. وَقَالَ: إِنَّ البَسْقَ يَسْحَرُ أَلْبَانَ الغَنَم، وَهُوَ أَن يَنْزِلَ اللَّبَنُ قَبْلَ الوِلاَدِ.
وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) قَالُوا لنَبِيّ الله: لستَ بمَلَكٍ إِنَّمَا إنت بشرٌ مثلُنا.
قَالَ: والمُسَحَّرُ: المُجَوَّفُ، كَأَنَّهُ وَالله أَعْلم أُخِذَ من قَولِك: انْتَفَخَ سَحْرُك أَي أَنَّك تَأْكُلُ الطَّعامَ والشَّرابَ فَتُعَلَّلُ بِهِ، وَقَالَ لَبِيدٌ:
فإنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحن فإنَّنَا
عَصَافِيرُ من هَذَا الأَنَامِ المُسَحَّرِ
يُرِيد المُعَلَّل المخدوع، قَالَ: ونرى أنّ السَّاحر من ذَلِك أُخِذَ لِأَن كالخديعة.
وَقَالَ غَيره: {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) أَي مِمّن سُحِرَ مَرَّةً بعد مَرَّة. والسِّحْرُ سُمِّي سِحْراً: لِأَنَّهُ صَرْفُ الشيءِ عَن

(4/170)


جِهتهِ، فكأنَّ الساحِرَ لمّا أَرَى البَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحق، وخَيَّلَ الشيءَ على غير حَقِيقَته، فقد سَحَر الشيءَ عَن وَجهه أَي صَرَفَه. وَقَالَ بعضُ أهل اللُّغَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (الإسرَاء: 47) قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا أَنه ذُو سَحْرٍ مِثْلُنا، وَالثَّانِي أَنه سُحِرَ وأزيل عَن حد الاسْتوَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السِّحْرُ: الخَدِيعَةُ، والسَّحَرُ، قِطْعةٌ من اللَّيْل. وَقَوله عزّ وجلّ: {وَقَالُواْ ياأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا} (الزّخرُف: 49) . يَقُول الْقَائِل: كَيفَ قَالُوا لمُوسَى: يَا أَيهَا السَّاحر وهم يَزْعمُونَ أَنهم مهتدون، فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن السَّاحر عِنْدهم كَانَ نَعْتاً مَحْمُودًا، والسِّحْرُ كَانَ عِلْماً مرغوباً فِيهِ: فَقَالُوا: يَا أَيهَا السَّاحر على جِهَة التَّعْظِيم لَهُ، وخاطبوه بِمَا تَقدّم لَهُ عِنْدهم من التَّسْمِيَة بالساحر إِذْ جَاءَ بالمعجزات الَّتِي لم يعهدوا مثلهَا وَلم يكن السحر عِنْدهم كفرا وَلَا كَانَ مِمَّا يتَعايَرون بِهِ، وَلذَلِك قَالُوا لَهُ: يَا أَيهَا السَّاحر.
وَقَالَ اللَّيْث: وَشَيْء يَلْعَبُ بِهِ الصِّبيان إِذا مُدَّ خرجَ على لَوْن وَإِذا مُدَّ من جانِبٍ آخر خرج على لون آخر مُخَالف للْأولِ ويُسمَّى السَّحَّارَةَ، قَالَ: والسِّحْرُ: الغِذَاءُ، وَأنْشد:
أرانا مُوضِعِين لحَتْم غَيْبٍ
ونُسْحَرُ بالطَّعَام وبالشَّرَاب
وَقَالَ غَيره: معنى نُسْحَرُ بِالطَّعَامِ أَي نُعَلَّلُ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحَرُ: آخِرُ اللَّيْل، تَقول: لَقيتُه سُحْرةَ يَا هَذَا، وسُحرَةً بِالتَّنْوِينِ، ولَقيتُه سَحَراً وسَحَرَ بِلَا تَنْوِين، ولَقيتُه بالسَّحرِ الْأَعْلَى ولقِيتُه بِأَعْلَى سَحَرينِ ولقِيتُه بِأَعْلَى السَّحَرَين، وَقَالَ العجّاج:
غَدَا بأَعْلَى سَحَرٍ وأَحْرَسا
قَالَ: وَهُوَ خطأ، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: بأَعلى سَحَرَيْن، لِأَنَّهُ أولُ تنفُّس الصُّبْح، كَمَا قَالَ:
مَرَّتْ بأَعلى سحَريْنِ تَدْأَلُ
قَالَ: وَتقول: سحَرِيَّ هَذِه اللَّيْلَة. وَأنْشد:
فِي لَيْلةٍ لَا نَحْسَ فِي
سحَرِيِّها وعِشائها
وبعضٌ يَقُول: سحريَّة هَذِه اللَّيْلة.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء، فِي قَول الله عزّ وجلّ: {لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم} (القَمَر: 34) ، أجْرى سَحراً هَاهُنَا لِأَنَّهُ نكرَة، كَقَوْلِك: نجيناهم بلَيْلٍ، قَالَ: فَإِذا أَلْقَت الْعَرَب مِنْهُ الْبَاء لم يُجْرُوه فَقَالُوا: فعلتُ هَذَا سَحرَ يَا فتَى، وَكَأَنَّهُم فِي تَركهم إجراءَه أَن كَلَامهم كَانَ فِيهِ بِالْألف وَاللَّام فَجرى على ذَلِك، فَلَمَّا حُذفَت مِنْهُ الْألف وَاللَّام وَفِيه نِيَّتُهما لم يُصرَف، كَلَام الْعَرَب أَن يَقُولُوا: مَا زَالَ عندنَا مُنْذُ السَّحَر لَا يكادون يَقُولُونَ غَيره.
وَقَالَ الزّجاج وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ: سَحَرٌ إِذا كَانَ نكرَة يَرادُ بِهِ سَحَرٌ من الأسْحارِ انْصَرف، تَقول: أَتيتُ زيدا سَحراً من الأسحار. فَإِذا أردْت سَحَر يومِك قلت: أَتَيتُهُ سَحَرَ يَا هَذَا، وأَتَيْتُه بِسحَرَ يَا هَذَا، قلت: والقياسُ مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ.
والسَّحُورُ: مَا يُتَسحَّرُ بِهِ وَقت السَّحَر من

(4/171)


طَعام أَو لَبَنٍ أَو سَوِيق، وُضِعَ اسْما لمَا يُؤكَل ذَلِك الْوَقْت، وَقد تسحَّر الرجلُ ذَلِك الطعامَ أَي أَكَلَهُ.
وَيُقَال: أسْحَرْنا أَي دخَلنَا فِي وَقت السَّحَر، واستَحَرنا أَي سِرنا فِي وَقت السَّحَرِ ونهَضْنا للسير فِي ذَلِك الْوَقْت، وَمِنْه قَول زُهَير:
بَكَرْنَ بُكُوراً واستَحَرْنَ بسُحْرَة
وَقَالَ ابنُ شُميْل فِي بَاب الأرنب: يُقَال للأرنب مُقَطَّعَةُ الأسْحار ومُقَطِّعة الْقُلُوب لِأَنَّهَا تُقَطِّع أَسْحارَ الكلابِ بشدَّة عَدْوِها، وتُقَطِّعُ أسحارَ مَنْ يطلبُها.
وَقَالَ اللَّيْث: الإسْحارَّةُ بقلة يَسْمَنُ عَلَيْهَا المالُ.
وَقَالَ النَّضْر: الإسْحارَّةُ: بَقْلَةٌ حارَّة تَنْبُتُ على سَاق لَهَا وَرَقٌ صِغَارٌ، لَهَا حبْة سَوْدَاء كالشَّهْنِيزَة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: السَّحْر خَفيفٌ: مَا لَصِق بالحلقوم وبالمريء من أَعلَى الْبَطن، وَقَالَ الفرَّاء فِيمَا روَى عَنهُ سَلَمة هُوَ السَّحْر والسُّحْر والسَّحَر.
وَقَالَ الليثُ: إِذا نَزَت بِالرجلِ البِطْنَةُ يُقَال: انْتَفَخَ سَحْرُه مَعْنَاهُ عدا طَوْرَه وَجَاوَزَ قدرَه.
قُلتُ: هَذَا خطأ إِنَّمَا يُقَال: انتفَخَ سَحْرُه للجبان الَّذِي مَلاَءَ الخَوفُ جوفَه فانتفَخَ السحْرُ وَهُوَ الرِّئَةُ حَتَّى رفع القلبَ إِلَى الحُلْقوم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ} (الأحزَاب: 10) وَكَذَلِكَ قَوْله: {الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاَْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ} (غَافر: 18) . كل هَذَا يدل على أنّ انتِفَاخ السَّحْرِ مَثَلٌ لشدّة الخَوْف وتمكّن الْفَزع وَأَنه لَا يكون من البِطْنَة.
والسَّحَرُ والسُّحْرَةُ: بَيَاض يعْلو السَّواد، يُقَال بِالسِّين وَالصَّاد إِلَّا أَن السِّين أَكثر مَا تُسْتعمَل فِي سَحَر الصُّبح، والصادَ فِي الألوان، يُقَال: حِمارٌ أَصْحرُ وأَتَانٌ صَحرَاء.
وَقَول ذِي الرُّمّةِ يصفُ فَلاَة:
مُغَمِّضُ أَسْحارِ الخُبوتِ إِذا اكتَسَى
من الْآل جُلاًّ نَازِحَ المَاء مُقْفِر
قيل: أَسحارُ الفَلاَة: أَطرافُها، وسَحَرُ كل شيءٍ: طرَفُه، شُبِّه بأَسحار اللَّيَالِي، وَهِي أطْراف مآخيرِها، أَرَادَ مُغَمِّضَ أَطْرَاف خُبُوتِه، فَأدْخل الْألف وَاللَّام فقاما مقَام الْإِضَافَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأسحارُ واحدُها سَحْر، قَالَ: وسَحْرُ الْوَادي: أَعْلَاهُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للَّذي يَشْتَكي سَحْرَه سَحِيرٌ فَإِذا أَصَابَهُ مِنْهُ السِّلُّ فَهُوَ بَحِيرٌ وبَحِرٌ.
وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وقائمٌ من جَذْبِ دَلْوَيها هَجِرْ
قَالَ: وسحَر إِذا تبَاعد، وسَحَر: خَدَع، وسَحَر إِذا بَكَّر.
وروى الطُّوسِيُّ عَن الخَزَّاز قَالَ: السَّحِير الَّذِي انقطَع سَحْرُه، وَهُوَ رِئتُه، والبَحِر:

(4/172)


الَّذِي سُلَّ جسمُه وَذهب لحمُه، وهَجِرٌ وهَجيرٌ يَمشِي مُثْقَلاً مُتقارِبَ الخَطْو كأنّ بِهِ هِجاراً لَا يَنْشَطُ مِمَّا بِهِ من الشِّرَّةِ والبَلاءِ.
حرس: الليثُ: الحَرْسُ: وَقتٌ من الدهرِ دون الحُقْبِ. أَبُو عُبَيد: الحَرْسُ: الدَّهرُ، والمُسْنَدُ: الدَّهرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَسُ هم الحُرَّاسُ والأحْرَاسُ، وَالْفِعْل حَرَس يَحْرُس، وَالْفِعْل اللَّازِم يَحْتَرِسُ كَأَنَّهُ يَحْتَرِزُ. قلتُ: وَيُقَال حارِسٌ وحَرَسٌ للْجَمِيع، كَمَا يُقَال: خادِمٌ وخَدَمٌ، وعاسٌّ وعَسَسٌ.
وَقَالَ الليثُ: البِناءُ الأحْرَسُ هُوَ الأصَمُّ الْبُنيان. قلت: البناءُ الأحْرَسُ هُوَ القَدِيمُ العَادِيُّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ الحَرْسُ وَهُوَ الدَّهْرُ، وَمِنْه قوْلُ رُؤْبَة:
وأَيْرَمٍ أَحْرَسَ فوْقَ عَنْزِ
والأيْرَم: شبه عَلَمٍ يُبْنَى فَوق القَارَة يُسْتَدَلُّ بِهِ على الطَّرِيق، والعَنْزُ قَارَةٌ سَوْدَاء، ويروى:
وإرَمٍ أَعْيَسَ فَوق عَنْزِ
وَفِي الحَدِيث أَنَّ غِلْمةً لحاطِب بنِ أبي بَلْتَعَةَ: احْتَرَسوا ناقَةً لِرَجُلٍ فانْتَحَرُوها.
وَفِي حَدِيث آخر: جَاءَ فِي حَرِيسَةِ الجَبَلِ قَالَ: لَا قَطْعَ فِيهَا.
قَالَ شَمِر: الاحتِرَاسُ: أَن يُؤْخَذَ الشيءُ من المَرْعَى.
وَقَالَ ابْن الأعرَابي: يُقَال للَّذي يَسْرِقُ الْغنم مُحْتَرِسٌ، وَيُقَال للشَّاةِ الَّتِي تُسْرَقُ حَرِيسَةٌ. وفُلاَنٌ يأْكُلُ الحَرِيساتِ إِذا تَسَرَّقَ غَنَمَ النَّاس فَأكلهَا، وَهِي الحَرائِسُ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرَّجل الَّذِي يُؤْتَمَنُ على حفظ شيءٍ لَا يُؤْمَنُ أَن يخون فِيهِ. مُحْتَرِسٌ من مِثْلِه وَهُوَ حارِسٌ.
والحَرْسان: جَبلان يُقَال لأَحَدهمَا: حَرْسُ قَساً وَفِيه هَضْبة يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء، وَقَالَ:
هُمُ ضَرَبُوا عَن وَجْهِهَا بكَتيبَةٍ
كبيضاء حَرْسٍ فِي طَرَائِقها الرَّجْل
الْبَيْضَاء: هَضْبةٌ فِي الجبَل.
سرح: قَالَ اللَّيْث: السَّرْح: المالُ يُسَامُ فِي المَرْعَى من الأنْعَامِ.
يُقَال: سَرَح القومُ إبِلَهم سَرْحاً، وسرَحَتِ الإبلُ سَرْحاً، والمسرَحُ: مَرْعَى السَّرْح، وَلَا يُسَمَّى سَرْحاً إِلَّا بعد مَا يُغْدَى بِهِ ويُرَاح، والجميع السُّرُوحُ.
قَالَ: والسَّارح يكون اسْما للرَّاعي الَّذِي يَسْرَحُها، وَيكون السَّارح اسْما للْقَوْم لَهُم السَّرْح نَحْو الْحَاضِر والسامر وهُما جَمِيعٌ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ فِي قَول الله عزّ وجلّ: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (النّحل: 6) . يُقَال: سَرَحْتُ الماشيةَ أَي أخْرَجْتُها بِالْغَدَاةِ إِلَى المَرْعَى، وسَرَح المالُ نَفسه إِذا رَعَى بالغَدَاة إِلَى الضُّحَى.
وَيُقَال: سَرَحْتُ أَنا أَسرَحُ سُرُوحاً أَي غَدَوْتُ، وَأنْشد لجرير:
وَإِذا غَدَوْتِ فَصَبَّحَتْكِ تَحِيَّةٌ
سبَقَتْ سُرُوحَ الشَّاحِجَاتِ الحُجَّلِ
قَالَ والسَّرْحُ: المالُ الرَّاعي.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: شجرٌ لَهُ حَمْلٌ، وَهِي الأَلاَءَةُ، الواحِدَةُ سَرْحة.

(4/173)


قلت: هَذَا غلط. لَيْسَ السَّرْح من الألاءَة فِي شَيْء.
قَالَ أَبُو عُبَيد: السَّرْحَةُ: ضرْبٌ من الشجَرِ مَعْرُوف، وَأنْشد: قَول عَنْتَرَة:
بَطَلٍ كأنَّ ثِيابَهُ فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمِ
يصفه بطول القامةِ فقَدْ بَيَّنَ لكَ أَنَّ السَّرْحَةَ من كِبَارِ الشَّجَر، أَلا ترى أَنه شَبَّه بِهِ الرجلَ لِطوله، والآلاء لَا ساقَ لَهُ، وَلَا طُول.
وأَخْبَرني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: السَّرْح: كُلُّ شَجَرٍ لَا شوكَ فِيهَا.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنه قَالَ: (إنَّ بمَكَان كَذَا وَكَذَا سَرْحَةً لم تُجْرَدْ وَلم تُعْبَلْ، سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُون نَبِيّاً) ، وَهَذَا يدل على أَنَّ السَّرْحَة من عِظامِ الشَّجَر.
وَالْعرب تَكْنى عَن الْمَرْأَة بالسَّرْحةِ النَّابتَة على المَاء، وَمِنْه قَوْله:
يَا سَرْحَةَ المَاء قَدْ سُدّتْ مَوَارِدُه
أَمَا إِلَيْك طريقٌ غَيْرُ مَسْدُود
لِحَائِمٍ حامَ حَتَّى لَا حَراك بِهِ
مُحَلإٍ عَن طريقِ الوِرْدِ مَرْدُودِ
كنى بالسَّرْحَةِ، النَّابتَة على المَاء، عَن الْمَرْأَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أحسن مَا تكون.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي: السَّرْحُ: كِبَارُ الذَّكْوَانِ، والذَّكْوَانُ: شَجَرٌ حَسَنٌ العَسَالِيج.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: انْفِجَارُ البَوْلِ بعدَ احتباسه.
وَرَجُلٌ مُنْسَرِح الثِّيابِ إِذا كَانَ قَليلَها خَفيفاً فِيهَا وَقَالَ رؤبة.
مُنْسرِحٌ إلاَّ ذَعاليبَ الخِرَقْ
الذَّعاليبُ: مَا تَقَطَّع من الثِّيَاب.
قَالَ: وكل قِطْعَة من خرقَة مُتَمَزِّقَة أَو دمٍ سَائل مستطيل يابِسٍ فَهِيَ وَمَا أشبههَا سريحَة وَجَمعهَا سَرائح، وَقَالَ لبيد:
بِلَبَّتِه سَرائِحُ كالعَصيمِ
قَالَ: والسَّرِيح: السَّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الخَدَمَةُ فَوق الرُّسْغِ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: المُنْسَرِحُ: الْخَارِج من ثِيابِه، قلت وَهَذَا هُوَ الصَّواب لَا مَا قَالَه اللَّيْث. وَأما السَّرائح فَهِيَ سُيُورُ نِعال الْإِبِل، كلّ سَيْرٍ مِنْهَا سريحَة. والْخِدَامُ: سُيورٌ تُشَدُّ فِي الأرْساغِ، والسرائِحُ تُشدُّ إِلَى الخدَم. والسَّريحةُ: الطريقَةُ من الدَّمِ إِذا كَانَت مستطيلة.
أَبُو سعيد: سَرَحَ السَّيلُ يَسْرَحُ سُرُوحاً وسَرْحاً إِذا جَرَى جَرْياً سهلاً، فَهُوَ سَيْلٌ سارح وَأنْشد:
ورُبَّ كلِّ شُوْذَبِيَ مُنْسرِحْ
من اللِّباسِ غَيْرَ جَرْدٍ مَا نُصِحْ
والجَرْدُ: الخَلَقُ من الثِّيَاب. مَا نُصِح أَي مَا خِيط.
وَقَالَ النّضرُ: السَّريحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرةُ المسْتوِيةُ، وَهِي أكثرُ نَبْتاً وشجراً مِمَّا حولَها، وَهِي مُشْرِفةٌ على مَا حوْلها، والجميع السَّرائحُ.
وسُرُحٌ: مَاء لبني عَجْلان ذكره ابْن مُقْبِل فَقَالَ:

(4/174)


قالَتْ سُلَيْمَى بِبَطْنِ القاع من سُرُحٍ
وَالْعرب تَقول: إنَّ خَيْرَك لَفي سَرِيح، وإنَّ خيْرك لسَريح وَهُوَ ضِدُّ البطِيء، وفَرَسٌ سِرياحٌ: سَرِيعٌ، وَقَالَ ابْن مُقْبِل يصفُ الخيْل:
مِنْ كلِّ أهْوجَ سِرياحٍ ومُقْرَبةٍ
تُقَاتُ يومَ لِكَاكِ الوِرْدِ فِي الغُمَرِ
قَالَ: وَإِنَّمَا خص الغُمَرَ وسَقْيها فِيهِ لِأَنَّهُ وصفهَا بالعتْقِ وسُبوطَة الخُدود ولَطَافَةِ الأفْواه كَمَا قَالَ:
وتَشربُ فِي القَعْبِ الصَّغِير وَإِن تُقَدْ
بِمشْفَرِها يَوْمًا إِلَى الماءِ تَنْقَدِ
قَالَ اللَّيْث: وَإِذا ضاقَ شيءٌ فَفَرَّجْتَ عَنهُ قلت: سَرّحتُ عَنهُ تَسْرِيحاً، وَقَالَ العَجّاجُ:
وسرّحَتْ عَنهُ إِذا تَحَوَّبا
روَاجِبُ الْجَوْفِ الصَّهِيلَ الصُّلَّبا
وتَسريحُ الشعْرِ: تَرجِيلُه وتَخْليصُ بعضه من بعض بالمُشْط، والمُشْط يُقَال لَهُ: المِرْجَلُ والمِسرح.
وأمَّا المَسرحُ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ المَرْعَى الَّذِي تَسْرَحُ فِيهِ الدّوَابّ للرَّعْي وَجمعه المسارح وَمِنْه قَوْله:
إِذا عَادَ المَسَارِحُ كالسِّبَاح
وتَسريحُ دَمِ العِرْق المفصود: إرْسالُه بَعْدَمَا يسيل مِنْهُ حِين يُفْصدُ مرّةً ثَانِيَة وسَمّى الله جلّ وعزّ الطّلاقَ سَراحاً فَقَالَ: {تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (الأحزَاب: 49) كَمَا سَمّاهُ طَلاقاً من طَلّق المرأةَ، وسَمّاه الفِرَاقَ، فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ ألْفَاظ تَجمَعُ صَرِيحَ الطّلاق الَّذِي لَا يُدَيَّنُ فِيهَا المُطَلِّق بهَا، إِذا أنكر أَن يكون عَنَى بهَا طَلاَقاً. وأمّا الكِناياتُ عَنْهَا بغَيْرهَا مثل البائنة والبَتّة والحَرَام وَمَا أشْبَهَها فَإِنَّهُ يُصدَّق فِيهَا مَعَ الْيَمين أَنه لم يُرِد بهَا طَلاقاً.
وَقَالَ اللَّيْث: ناقَةٌ سُرُحٌ، وَهِي المنْسرِحةُ فِي سيرِها السريعة، وَأنْشد قولَ الْأَعْشَى:
بجُلاَلةٍ سُرُحٍ كَأَن بِغَرْزِها
هِرّاً إِذا انْتَعل المَطِيُّ ظِلاَلها
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: مِلاطٌ سُرُحُ الجَنْبِ هُوَ المُنْسَرِح للذهاب والمجيء، وَأَرَادَ بالملاط العَضُد.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: ابْنا مِلاَطَى البعيرِ هما العَضُدان، قَالَ: والمِلاَطان: مَا عَن يَمِين الكِرْكِرَة وشَمالها.
اللَّيْث: السِّرْحان: الذِّئْبُ ويُجْمَع على السِّرَاح، قَالَ: والسِّرْحانِ فِعْلان من سَرَح يَسرَح.
قلت: وَيجمع السِّرْحان سَرَاحينَ وسَرَاحِي بِغَيْر نون، كَمَا يُقَال: ثعَالِبُ وثَعَالِي، وَأما السِّرَاحُ فِي جمع السِّرْحان فَغير مَحْفُوظ عِنْدِي. وسِرْحانٌ يُجْرى من أَسمَاء الذِّئْب، وَمِنْه قَوْله:
وغارَةُ سِرْحانٍ وتَقْرِيبُ تُفَّل
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: السِّرْحَانُ والسيِّد فِي لُغَة هُذَيْل: الأسَدُ. وَفِي لُغَة غَيرهم الذِّئْبُ. قَالَ أَبُو المُثَلَّم يَرْثِي رَجُلاً:
شِهَابُ أَنْدِيَةٍ حَمَّالُ أَلْوِيَةٍ
هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ سِرْحَانُ فِتيان
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم لِطُفَيْل:

(4/175)


وخَيْلٍ كأمثَالِ السِّراحِ مَصُونَةٍ
ذَخَائرَ مَا أَبْقَى الغُرابُ ومُذْهَبُ
قَالَ: وَيُقَال: سِرْحان وسَرَاحِين وسِرَاح.
اللَّيْث: السِّرْحَانُ: الذِّئْب. وَيجمع على السَّرَاح. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيجمع سَراحِين وسَرَاحِي بِغَيْر نون كَمَا يُقَال: ثَعَالِب وثَعَالي فَأَما السِّراحُ فِي جمع السِّرْحان فَهُوَ مسموع من الْعَرَب وَلَيْسَ بِقِيَاس. وَقد جَاءَ فِي شعر الكاهِليّ: وقِيسَ عَلَى ضِبْعَان وضِبَاع. وَلَا أعرف لَهما نظيرا.
وَقَالَ اللَّيْث: المُنْسَرِح: ضربٌ من الشّعْر على مستفعلن مفعولات مستفعلن سِتّ مرّات.
وَفِي كتاب كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُكَيْدر دُومَةِ الجَنْدلِ: (لَا تُعْدَل سارِحَتُكم وَلَا تُعَدُّ فارِدتكم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ أنَّ ماشِيَتَهم لَا تُصْرفُ عَن مَرْعىً تُرِيدُه، والسارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها.
شَمِر عَن ابْن شُمَيل: السَّرِيحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرَة المستوية بِالْأَرْضِ الضّيِّقَة، وَهِي أَكثر شَجرا مِمّا حولهَا، فَتَراها مستطيلة شَجِيرَةً، وَمَا حولهَا قليلُ الشّجر، وَرُبمَا كَانَت عَقَبة وجَمْعُها سَرَائِح.
أَبُو عُبَيد عَن الكِسَائي: سَرّحَهُ الله وسَرحَه أَي وفّقَه الله، قلت: وَهَذَا حَرْفٌ غَرِيب سمعته بِالْحَاء فِي (الْمُؤلف) عَن الْإِيَادِي.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبَة: السارحة: الْإِبِل وَالْغنم، قَالَ: والسارحة: الدَّابَّة الْوَاحِدَة. قَالَ: وَهِي أَيْضا الْجَمَاعَة.
وَيُقَال: تَسَرَّح فلَان من هَذَا الْمَكَان أَي ذَهَبَ وَخرج، وسَرَحْت مَا فِي صَدْرِي سَرْحاً أَي أخْرَجْته. وسُمَّى السَّرْحُ سَرْحاً لِأَنَّهُ يُسرَح فيخرجُ. وَأنْشد:
وسرَحْنَا كلَّ ضَبَ مُكْتَمِنْ
وَقَالَ فِي قَوْله: لَا تُعْدَلُ سارحتكم أَي لَا تُصرف عَن مرعىً تُرِيده. يُقَال: عَدَلْتُه أَي صَرَفْته فَعدل أَي انْصَرف.
رسح: قَالَ اللَّيْث: الرَّسَحُ: أَلا تكون للْمَرْأَة عَجِيزةٌ. فَهِيَ رَسْحاءُ. وَقد رَسِحَتْ رسَحاً. وَهِي الزَّلاَّء والمِزلاجُ. وَيُقَال للسِّمع الأزَلِّ أَرْسَح.
والرَّسْحاءُ: القَبَيحة من النِّسَاء. والجمعُ رُسْحٌ.
ح س ل
حَسَلَ، حلْس، سلح، سحل، لحس: مستعملات.
حسل: قَالَ اللَّيْث: الحِسْلُ: وَلَدُ الضَّبِّ، ويُكْنى الضَّبُّ أَبَا حِسْل.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: تَقول الْعَرَب للضَّبّ: إِنَّه قَاضِي الدَّوَابِّ والطَّيْرِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمِمَّا يُحَقّق قولُه مَا حَدَّثَنَاه المُنْذِرِيّ عَن عُثْمَان بن سعيد عَن نُعَيم بن حَمَّادٍ عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن عَمْرو عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير على الْمِنْبَر يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، إِنِّي مَا وجدت لي وَلكم مَثَلاً إِلَّا الضَّبُع والثعلب، أَتَيَا الضَّبّ فِي جُحْرِه،

(4/176)


فَقَالَا: أَبَا حِسْل، قَالَ: أُجِبْتُما، قَالَا: جِئْناك نَحْتِكم. قَالَ: فِي بَيته يُؤْتى الحَكَمُ، فِي حَدِيث فِيهِ طول.
وَقَالَ اللَّيْث: جَمْعُ الحِسْل حِسَلة، قلت: ويُجْمَعُ حُسُولاً.
وروى أَبُو عُبَيْد عَن أبي زيد والأحمر أَنَّهما قَالَا: يُقَال لفَرْخِ الضَّبِّ حِين يخرج من بَيْضه حِسْل، فَإِذا كبِر فَهُوَ غَيْدَاقٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: المَحْسُول والمَخْسولُ بِالْحَاء وَالْخَاء: المرذُول، وَقد حَسَلْتُه وخَسَلْتُه.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: الحُسالة: الرَّذْلُ من كل شَيْء.
وَقَالَ بعض العَبْسِيِّينَ:
قَتَلْتُ سَرَاتكم وحَسَلت مِنْكُم
حَسِيلاً مثلَ مَا حُسِل الوَبَارُ
قَالَ شمِر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَسَلْتُ: أبقَيتُ مِنْكُم بَقِيَّةً رُذَالاً، قَالَ: والحَسِيل: الرُّذَال.
وَقَالَ اللِّحْياني: سُحالة الفِضَّة وحُسالَتُها.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: قَالَ الطَّائي: الحَسِيلة: حَشَفُ النّخل الَّذِي لم يكن حَلاَ بُسْرُه فيُيَبِّسونه حَتَّى يَيْبَس، فَإِذا ضُرِبَ انْفَتَّ عَن نَوَاه فَيَدِنُونَه بِاللَّبنِ ويمْرُدُون لَهُ تَمرا حَتَّى يُحَلِّيه فيأكلونه لَقِيماً. يُقَال: بُلُّوا لنا من تِلْكَ الحَسيلةِ، وَرُبمَا وُدِنَ بِالْمَاءِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: وَلَدُ البَقَرَة يُقَال لَهُ: الحَسِيل، وَالْأُنْثَى حَسِيلة.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للبقرة لحَسيلة: والخَائِرَةُ والعجوز واليَفنَةُ، وَأنْشد غَيره:
عَلَيَّ الحَشِيشُ ورِيٌّ لَهَا
وَيَوْم الغُوَارِ لِحسْل بن ضَبّ
يَقُولهَا المستَأْثَرُ عَلَيْهِ مَزْرِيةً على الَّذِي يفعلُه.
قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال لولد الْبَقَرَة إِذا قرمَ أَي أَكلَ من نَبَات الأَرْض حَسِيلٌ، والجميع حِسْلاَن، قَالَ: والحسيلُ إِذا هَلَكت أمه أَو ذَأَرَتْه أَي نفرت مِنْهُ فأُوجِر لَبَنًا أَو دَقِيقًا فَهُوَ مَحْسول، وَأنْشد:
لَا تَفْخَرنَّ بلحيةٍ
كَثُرَتْ منابِتُها طويلهْ
تهوَى تُفَرِّقها الريا
حُ كأَنها ذَنَبُ الحَسِيلهْ
والحَسْل: السَّوْقُ الشَّديد. يُقَال: حسْلتُها حَسْلاً إِذا ضبَطتها سَوْقاً، وَقيل لولد الْبَقَرَة حَسِيلٌ وحَسِيلةٌ، لأنَّ أمَّه تُزَجِّيه مَعهَا وَقَالَ:
كَيفَ رأيتَ نُجْعتي وحَسْلِي
سحل: قَالَ اللَّيْث: السَّحِيلُ، والجميع السُّحُل: ثوب لَا يُبرَم غزلُه أَي لَا يُفْتَل طَاقيْن طَاقيْن، يُقَال: سَحَلوهُ أَي لم يَفْتِلُوا سَداه. وَقَالَ زُهَيْر:
على كل حَالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَم
وَقَالَ غَيره: السّحِيلُ: الغَزْل الَّذِي لم يُبْرَم، فَأَما الثَّوبُ فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَحِيلاً، وَلَكِن يُقَال للثوب سَحْل.
روى أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: السّحْلُ: ثوبٌ أَبيض من قطن وَجمعه

(4/177)


سُحُلٌ. وَقَالَ المُتَنخِّل الهُذَليّ:
كالسُّحُل الْبيض جَلاَ لَوْنَها
هَطْلُ نِجاء الحَمَل الأَسْوَلِ
قَالَ: وَوَاحِد السُّحُل سَحْلٌ.
وسُحُولٌ: قَرْيَةٌ من قُرَى الْيمن يحمل مِنْهَا ثِيَاب قطن بيض تدعى السُّحُوليَّة بِضَم السِّين. وَقَالَ طرفَة:
وبالسَّفْح آياتٌ كأنَّ رُسُومَها
يَمَانٍ وشَتْه رَيْدَةٌ وسُحُولُ
ريدة وسُحُول: قَرْيَتَانِ، أَرَادَ وَشْتْه أهل ريدة وسُحول.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المُسَحَّلَةُ: كُبَّةُ الغَزْل. وَهِي الوشيعة والمُسْمَّطَة.
وَقَالَ اللَّيْث: المِسْحَلُ: الْحمار الوَحْشِي وسَحِيلُه: أَشَدُّ نَهِيقِه.
والمِسْحَلُ: من أَسمَاء اللِّسَان، والمِسْحَلُ من الرِّجَال: الْخَطِيب، قَالَ: والمِسْحَلاَن: حَلْقَتانِ. إِحْدَاهمَا مُدْخَلَةٌ فِي الأُخْرَى على طرف شَكِيم اللِّجام. وَأنْشد قولَ رُؤبة:
لَوْلَا شَكِيم المِسْحَلَيْن انْدَقّا
والجميع المَسَاحِلُ، وَمِنْه قولُ الأَعشَى:
صددتَ عَن الْأَعْدَاء يَوْم عُبَاعِبٍ
صُدودَ المَذاكِي أَفْرَعَتْها المَسَاحِلُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِسْحَلُ: المِبْرَد، وَمِنْه سُحَالَةُ الفِضَّة. والمِسْحَلُ: فاسُ اللِّجام، والمِسْحَلُ: المطرُ الجَوْدُ. والمِسْحَل: الْغَايَة فِي السَّخاء. والمِسْحَل: الجَلاَّدُ الَّذِي يُقيمُ الحدودَ بَين يدَي السُّلْطان. والمِسْحَل: الساقي النشيط. والمِسْحَلُ: المُنْخُل، والمِسْحَلُ فمُ المَزَادَة. والمِسْحَل: الماهر بِالْقُرْآنِ. والمِسْحَلُ: الْخَطِيب والمِسْحَلُ: الثوبُ النقي من الْقطن. والمِسْحَل: الشجاع الَّذِي يعْمل وَحده. والمِسْحَلُ: الْخَيط الَّذِي يُفْتَل وَحده. والمِسحَلُ: المِيزابُ الَّذِي لَا يطاقُ ماؤُه. قَالَ: والمِسْحَلُ: الْعَزْم الصارم. يُقَال: قد ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا عزم على الْأَمر وجَدَّ فِيهِ. وَأنْشد:
وإنَّ عِنْدِي لَو رَكِبْتُ مِسْحَلي
قَالَ: وَأما قَوْله:
الْآن لَمَّا ابْيَضَّ أعْلَى مِسْحَلِي
فالمِسْحَلاَن هَاهُنَا الصُّدْغان، وهما من اللِّجَام الخَدَّان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مِسْحَلُ اللِّجام: الحديدة الَّتِي تَحْتَ الحَنَك. قَالَ: والفأسُ: الحديدة الْقَائِمَة فِي الشَّكِيمَة. والشّكِيمَةُ: الحديدةُ المُعْترَضةُ فِي الْفَم.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْلُ: نَحْتُك الخشَبةَ بالمِسْحَل، وَهُوَ المِبْرَد. قَالَ: وسَحَلَه بِلِسَانِهِ إِذا شَتمه، والرِّياح تَسْحَلُ الأَرضَ سَحْلاً إِذا كَشَطت عَنْهَا أَدَمَتها.
والسُّحَالَةُ: مَا تحَاتّ من الْحَدِيد وبُرِدَ من الموازين. وَقَالَ: وَمَا تحاتّ من الرُّزِّ والذُّرَة إِذا دُقّ شِبْهُ النُّخَالة فَهِيَ أَيْضا سُحالة.
قَالَ: والسَّحْلُ: الضَّربُ بالسياط يَكْشِطُ الجِلْدَ.
والسّاحِل: شاطىءُ الْبَحْر.

(4/178)


وَقَالَ غَيره: سُمِّي ساحِلا: لِأَن المَاء يَسْحَلُه أَي يَقْشِرُه إِذا عَلاَهُ فَهُوَ فاعِلٌ مَعْنَاهُ مفْعُول، وَحَقِيقَته أَنه ذُو سَاحِلٍ من المَاء إِذا ارْتَفع المَدُّ ثمَّ جَزَر فَجَرَف مَا مرَّ عَلَيْهِ، والإسْحِلُ: شَجَرة من شجر المَساويك. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
أسَارِيعُ ظَبْي أَو مساوِيك إسْحِل
ومُسْحُلاَنُ. اسْم وادٍ ذكره النَّابِغَة فِي شعره فَقَالَ:
فأَعْلَي مُسحُلاَن فحامِرَا
وشابٌ مُسْحُلانيّ يُوصف بالطول وَحسن القوام.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: باتت السَّمَاء تَسْحَلُ لَيْلَتَها أَي تَصبُّ الماءَ.
قَالَ: وانسِحَالُ النَّاقة: إسراعُها فِي سَيرهَا.
وَيُقَال: سَحَلَه مائةَ دِرْهَم إِذا نَقَدَه، والسَّحْلُ النَّقْدُ. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فأَصْبَح رَأْداً يَبْتَغِي المَزْج بالسّحْل
وسَحَلَه مائَةَ سَوْطٍ أَي ضَرَبَه، وانْسَحَلَت الدَّرَاهمُ إِذا امْلاَسَّت، وانسَحَل الخَطِيبُ إِذا اسْحَنْفَرَ فِي كَلَامه، وَركب مِسْحَلَه إِذا مَضَى فِي خُطْبَته.
وَفِي الحَدِيث أَنَّ ابْن مَسْعُود افْتَتَحَ سُورَةً فسحَلَها أَي قَرَأَها كلَّها.
والسِّحَالُ والمُسَاحَلَةُ: المُلاَحَاةُ بَيْنَ الرَّجُلَين، يُقَال: هُوَ يُساحِله أَي يُلاَحِيه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السّحَلَةُ: الأرنَبُ الصَّغِيرَة الَّتِي قد ارْتَفَعت عَن الخِرْنِق وَفَارَقت أُمَّها.
وَقَالُوا: مِسْحَلٌ: اسْم شَيْطَان فِي قَول الْأَعْشَى:
دعوتُ خَلِيلي مِسْحَلاً ودَعْوَا لَهُ
جُهُنَّامَ جَدْعا للهجين المُذَمَّم
والمِسْحَلُ: مَوضِع العِذار فِي قَول جَنْدَل الطُّهَوِيُّ الرَّجّاز:
عُلِّقْتُهَا وَقد نَزَا فِي مِسْحَلي
أَي فِي مَوضِع عِذَارَيْ من لِحْيَتِي، يَعْنِي الشيب.
وَيُقَال: ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا ركب غَيَّه وَلم يَنْتَه عَنهُ، وأصل ذَلِك الفَرَسُ الجموح يركب رَأسه ويَعَضُّ على لجَامِه.
وَقَالَ شمر: يُقَال: سَحَلَه بالسَّوْطِ إِذا ضَرَبَه فقَشَرَ جِلْدَه، وسَحَلَه بِلِسَانِهِ، وَمِنْه قيل للسان مِسْحل وَقَالَ ابنُ أَحْمر:
وَمن خَطيبٍ إِذا مَا انساح مِسْحَلُه
مُفَرِّجُ القولِ مَيْسُوراً ومَعْسُورا
وَقَالَ بعض الْعَرَب وَذكر الشّعْر فَقَالَ: الوقْفُ والسَّحْلُ، قَالَ: والسَّحْل: أَن يتبعَ بعضُه بَعْضًا وَهُوَ السَّرْدُ قَالَ: وَلَا يَجِيء الْكتاب إِلَّا على الْوَقْف.
وَقَالَ أَبُو زيد: السِّحْلِيلُ: النَّاقة الْعَظِيمَة الضُّرْعِ الَّتِي لَيْسَ فِي الْإِبِل مِثْلُها فَتلك نَاقَة سِحْلِيلٌ. وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
وتَجُرُّ مُجْرِيَةٌ لَهَا
لَحْمِي إِلَى أَجْرٍ حَوَاشب
سُودٍ سَحَاليلٍ كأَ
نَ جُلُودَهُنَّ ثِيابُ راهِب
قَالَ: سَحَالِيل: عِظَام الْبُطُون. يُقَال: إِنَّه لِسِحْلال الْبَطن أَي عَظِيم الْبَطن.

(4/179)


وَفِي الحَدِيث أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ لأَيَّوبَ ج: (إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يُخَاصِمَني إِلَّا من يَجْعَلُ الزَّيارَ فِي فَم الْأسد، والسِّحَالَ فِي فَم العَنْقَاء) السِّحَالُ والمِسْحلُ: وَاحِد، كَمَا تَقول: مِنْطَقٌ ونِطَاقٌ، ومِئزَرٌ وإزَارٌ، وَهِي الحديدة الَّتِي تكون على طَرَفَي شَكِيمِ اللِّجام.
وَفِي الحَدِيث أَن أُمَّ حَكِيم أَتَته بِكَتِفٍ، فَجعلت تَسْحَلُها لَهُ أَي تَكْشِطُ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم، وَمِنْه قيل للمِبْرَد مِسْحَلٌ، ويروى: فَجعلت تَسْحاها أَي تَقْشِرُهَا.
والسّاحِيَةُ: المَطْرَةُ الَّتِي تَقْشِر الأَرْض، وسَحَوْتُ الشيءَ أَسْحَاهُ وأَسْحُوه.
وَفِي حَدِيث عَليّ صلوَات الله عَلَيْهِ أَن بني أُمَيَّة لَا يزالون يَطْعُنُون فِي مِسْحَل ضَلاَلة، قَالَ القُتَيْبِيّ: هُوَ من قَوْلهم: ركب مِسْحَله إِذا أَخذ فِي أَمر فِيهِ كَلَام وَمضى فِيهِ مُجِدّاً، وَقَالَ غَيره: أَرَادَ أَنهم يُسْرِعُون فِي الضَّلَالَة ويُجِدّون فِيهَا.
يُقَال: طَعَن فِي العِنان يَطْعُنُ، وطَعَنَ فِي مِسْحَلهِ يَطعُنُ، وَيُقَال: يَطْعَنُ بِاللِّسَانِ ويَطْعُنُ بالسِّنَان.
سلح: اللَّيْث: السَّلْح والغالِب مِنْهُ السُّلاَح. وَيُقَال: هَذَا الحَشِيشَةُ تُسَلِّح الإبِلَ تَسْلِيحاً. قلت: والإسْلِيحُ: بَقْلَة من أَحْرَار الْبُقُول تَنْبُتُ فِي الشتَاء تُسَلِّح الْإِبِل. إِذا استكثرت مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَت أعرابية: وَقيل لَهَا: مَا شَجَرَة أَبِيك؟ فَقَالَت: الإسْلِيحُ رُغْوَةٌ وصَرِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّلاَحُ: مَا يُعَدّ للحرب من آلَة الْحَدِيد، والسيفُ وَحده يُسَمَّى سِلاَحاً، وَأنْشد:
ثَلاَثاً وشَهْراً ثمَّ صَارَت رَذِيَّةً
طَلِيحَ سِفَارٍ كالسِّلاَحِ المُفَرَّد
يَعْنِي السَّيْف وَحده.
قلت: وَالْعرب تؤنث السِّلاَح وتُذَكِّرُه، قَالَ ذَلِك الفرّاء وَابْن السّكيت. والعصا تُسَمَّى سِلَاحا. وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
ولستُ بِعِرْنَةٍ عَرِكٍ سِلاَحي
عَصًى مَثْقُوبةٌ تَقِصُ الحِمارا
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْلَحَةُ: قوم فِي عُدَّة بِموْضِعٍ مَرْصَدٍ قد وُكِّلُوا بِهِ بإزَاءِ ثَغْر، والجميعُ المسالِحُ. والمَسْلَحِيّ الوَاحِدُ المُوَكّلُ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَسْلَحة الجُند: خطاطيف لَهُم بَين أَيْديهم يَنْفضونَ لَهُم الطَّرِيق ويَتَحَسَّسُون خبر الْعَدو ويَعْلَمُون عِلْمَهم لِئَلَّا يُهجَمَ عَلَيْهِم وَلَا يَدَعُون وَاحِدًا من الْعَدو يدْخل عَلَيْهِم بِلَاد الْمُسلمين وَإِن جَاءَ جَيش أنذروا الْمُسلمين.
وَقَالَ اللَّيْث: سَيْلَحِينُ: أَرض تسمى كَذَلِك، يُقَال: هَذِه سَيْلَحُونُ، وَهَذِه سَيْلَحِينُ. وَمثله صَرِيفُونُ وصَرِيفِينُ، وَأكْثر مَا يُقَال: هَذِه سيلحونَ، وَرَأَيْت سَيْلَحينَ: وَكَذَلِكَ هَذِه قِنَّسْرُونَ، وَرَأَيْت قِنَّسْرينَ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو سعيد فِي بَاب الْحَاء وَالْكَاف: السُّلَحَة والسُّلَكَة: فَرْخُ الحَجَل، وَجمعه سِلْحَانٌ

(4/180)


وسِلْكَانٌ.
وَالْعرب تسمي السمَاكَ الرَّامحَ ذَا السِّلَاح، وَالْآخر الأعزل.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: السَّلَحُ: ماءُ السَّمَاء فِي الغُدْرَان، وَحَيْثُ مَا كَانَ يُقَال: مَاء العِدِّ وَمَاء السِّلَحِ. قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لماء السَّمَاء مَاء الكَرَع، وَلم أَسْمَع السَّلَحَ.
حلْس: شمر عَن العِتْرِيفي: يُقَال: فلَان حِلْسٌ من أَحْلاَس الْبَيْت: للّذي لَا يبرح الْبَيْت، قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم ذمّ أَي أَنه لَا يصلح إِلَّا للُزُوم الْبَيْت، قَالَ: وَيُقَال: فلانٌ من أَحْلاَس الْبِلَاد: للَّذي لَا يزايلها من حُبِّه إيّاها، وَهَذَا مدح أَي أَنه ذُو عِزّة وشِدَّة أَي أنّه لَا يبرحها لَا يُبَالِي ذِئباً وَلَا سَنَةً حَتَّى تُخْصِبَ الْبِلَاد، فَيُقَال: هُوَ مُتَحَلِّس بهَا أَي مُقِيم، وَقَالَ غَيره: هُوَ حِلْسٌ بهَا، قَالَ: والحَلِسُ والحُلاَبِسُ: الَّذِي لَا يَبْرَح ويُلاَزِمُ قِرْنَه، وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
فَقُلْتُ لَهَا كأيِّنْ من جَبَانٍ
يُصَابُ وَيُخْطَأُ الحَلِسُ المُحَامي
كأيّن معنى كم.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِلْسُ: كُلُّ شَيءٍ وَلِيَ ظهر الْبَعِير تَحت الرَّحْلِ والقَتَبِ، وَكَذَلِكَ حِلْس الدَّابّة بِمَنْزِلَة المِرْشَحَة تكون تَحت اللِّبْد، وَيُقَال: فلَان من أَحْلاَس الْخَيل أَي يلْزم ظُهُور الْخَيْلِ كالحِلْس اللَّازِم لظَهْرِ الْفرس. والحِلْسُ: الْوَاحِد من أَحْلاَسِ الْبَيْت، وَهُوَ مَا بُسِط تَحت حُرِّ المَتَاع من مِسْحٍ وَنَحْوه.
وَفِي الحَدِيث (كُنْ حِلْساً من أَحْلاَسِ بَيْتك فِي الفِتْنَة حَتّى تأتِيَك يَدٌ خاطِئَة أَو مَنِيَّةٌ قاضية) أمره بِلُزُوم بَيته وَترك الْقِتَال فِي الفِتْنَة.
وَتقول: حَلَسْتُ البعيرَ فَأَنا أَحْلِسُه حَلْساً إِذا غَشَّيْتَه بِحِلْس.
وَتقول: حَلَسَتِ السَّمَاء إِذا دَامَ مَطَرُها، وَهُوَ غَيْرُ وَابِل.
وَقَالَ شَمِر: أَحْلَسْتُ بعير إِذا جعلتَ عَلَيْهِ الحِلْسَ.
وَأَرْض مُحْلِسَةٌ إِذا اخْضَرَّت كلهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: عُشْبٌ مُسْتَحْلِسٌ تَرَى لَهُ طَرَائق بعضُها تَحت بعض من تراكُمُه وسَوَاده.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا غَطَّى النباتُ الأرضَ بكثْرَته قيل: قد اسْتَحْلَس، فَإِذا بَلَغ وَالتَفَّ قيل قد اسْتَأْسَد.
وَقَالَ اللَّيْث: اسْتَحْلَسَ السَّنَامُ إِذا ركبته رَوَادِفُ الشَّحْم وروَاكبُه.
اللِّحياني: الرَّابِع من قداح المَيْسَر يُقَال لَهُ: الحِلْسُ، وَفِيه أَرْبَعَة فروض، وَله غُنْمُ أَرْبَعَة أنصباء إِن فَازَ، وَعَلِيهِ غرم أَرْبَعَة أنصباء إِن لم يَفُز.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَلْسُ: أَن يَأْخُذ المُصَدِّقُ النَّقدَ مَكَان الفَرِيضة.
قَالَ: والحَلِس: الشجاع الَّذِي يلازِم قِرْنه، وَأنْشد:
إِذا اسْمَهَرَّ الحَلِسُ المُغَالِثُ
المغَالِثُ: الملزم لقرنه لَا يُفَارِقهُ، وَقد حَلِسَ حَلَساً.

(4/181)


أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: فِي شيات المِعْزَى: الحَلْساءُ: بَين السَّوَادِ والحُمْرَة، لون بَطنهَا كلون ظهرهَا.
وَالْعرب تَقول للرجل يُكرَه على عَمَل أَو أَمر: هُوَ مَحْلُوسٌ على الدَّبَر أَي مُلزَمٌ هَذَا الْأَمر إِلْزَام الحِلْس الدَّبَر
وسَيْرٌ مُحْلَسٌ: لَا يُفْتَرُ.
وَفِي (النَّوَادِر) : تَحَلّس فلَان لكذا وَكَذَا. أَي طَاف لَهُ وَحَام بِهِ، وتَحَلّس بِالْمَكَانِ وتَحَلَّزَ بِهِ، إِذا أَقَامَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سعيد: حَلِس الرجلُ بالشَّيْء وحَمِس بِهِ إِذا تَوَلّع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِبِسَاطِ الْبَيْت: الحِلْسُ ولحُصُرِه الفَحُولُ.
والحَلْسُ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا هُوَ العهدُ الوَثيق، تَقول: أَحْلَسْتُ فُلاناً، إِذا أَعْطَيْتَه حِلْساً أَي عَهْداً يأمَن بِهِ قومَك، وَذَلِكَ مثل سَهْم يَأْمَن بِهِ الرجل مَا دَامَ فِي يَده.
واسْتَحْلَس فلانٌ الخوْفَ، إِذا لم يُفَارِقهُ الخوفُ وَلم يَأْمَن.
وَرُوِيَ عَن الشَّعبي أَنه دخل على الحجَّاج فَعَاتَبَهُ فِي خُرُوجه مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّا قد اسْتَحْلَسْنَا الْخوْفَ واكْتَحَلْنا السهرَ وأصابَتْنَا خِزْيَةٌ لم نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أتقياء، وَلَا فَجَرَةً أقوياء.
قَالَ: لله أَبُوكَ يَا شَعْبيّ. ثمَّ عَفَا عَنه.
لحس: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْسُ: أكل الدودِ الصوفَ، وَأكل الْجَرَاد الخَضِر والشَّجَر.
واللاَّحُوسُ: المَشْئُوم وَكَذَلِكَ الحاسوس.
واللَّحُوسُ من النَّاس: الَّذِي يَتَّبِعُ الحلاوةَ كالذُّباب.
قَالَ: والمِلْحَسُ: الشُّجَاعُ. يُقَال: فلَان أَلَدُّ مِلْحَسٌ أَحْوَسُ أَهْيَسُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: لَحِسْتُ الشيءَ أَلحَسُه لَحْساً بِكَسْر الْحَاء من لَحِسْتُ لَا غير.
وَيُقَال: أَصَابَتْهُم لَوَاحِسُ، أَي سِنُون شِدَاد تَلْحَسُ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ الكُمَيْتُ:
وأَنْتَ رَبيعُ الناسِ وابنُ رَبيعهم
إِذا لُقِّبَتْ فِيهَا السُّنونَ اللَّوَاحِسَا
ح س ن
حسن، حنس، سحن، سنح، نحس، نسح: (مستعملات) .
حسن: قَالَ اللَّيْث: الحَسَنُ: نعت لما حَسُنَ، تَقول: حَسُنَ الشيءُ حُسْناً، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) وقُرِىء (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنا) .
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: اخْتَرْنَا حَسَناً: لِأَنَّهُ يُرِيد قولا حَسَنَا.
قَالَ: والأُخْرى مصدر حَسُن يَحسُن حُسْناً.
قَالَ: وَنحن نَذْهَب إِلَى أَن الحَسَنَ شيءٌ من الحُسْنِ، والحُسْنُ: شيءٌ من الكلّ وَيجوز هَذَا فِي هَذَا، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم حُسْناً.
وَقَالَ الزَّجاج: من قَرَأَ حُسْناً بِالتَّنْوِينِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: قُولُوا للنَّاس قَوْلاً ذَا حُسْنٍ، قَالَ: وَزعم الأخْفَشُ أَنه يجوز أَن

(4/182)


يكون حُسْناً فِي معنى حَسَناً، قَالَ: وَمن قَرَأَ حُسْنَى فهوَ خطأ لَا يجوز أَن يُقْرَأَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحْسَنُ والجميع المَحَاسن يَعْنِي بِهِ الْمَوَاضِع الحَسَنة فِي البَدَن.
يُقَال: فُلاَنَةٌ كثِيرَةُ المَحَاسن، قلت: لَا تكَاد الْعَرَب تُوَحِّد المَحَاسن، والقياسُ مَحْسَن، كَمَا قَالَ اللَّيْث.
قَالَ: وَيُقَال: امْرَأَة حسناء، وَلَا يُقَال: رجل أَحْسَن، وَرجل حُسَّان، وَهُوَ الْحَسَنُ وجارِيةٌ حُسَّانة.
وأخبرَني المُنْذِري عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: أصل قَوْلهم: شيءٌ حَسَنٌ إِنَّمَا هُوَ شَيءٌ حَسينٌ: لِأَنَّهُ من حَسُنَ يَحسُن، كَمَا قَالُوا: عَظُمَ فَهُوَ عظيمٌ، وكَرُم فَهُوَ كرِيم، كَذَلِك حَسُنَ فَهُوَ حَسينٌ، إِلَّا أَنه جَاءَ نَادرا، ثمَّ قُلِبَ الفعيل فُعَالاً ثمَّ فُعَّالاً، إِذا بولِغَ فِي نَعته فَقَالُوا: حَسينٌ وحُسَانٌ وحُسَّان، وَكَذَلِكَ كَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحَاسِنُ فِي الْأَعْمَال ضِدّ المساوِىء.
وَيُقَال: أَحْسِنْ يَا هَذَا فإنّك مِحْسانٌ، أَي لَا تزَال مُحْسِناً.
وَقَالَ المفسِّرون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يُونس: 26) فالحُسْنَى هِيَ الجَنَّةُ وضِدّ الحُسنى السُّوءَى، وَالزِّيَادَة: النّظر إِلَى الله جلّ وعزّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَحْسَنَ} (الأنعَام: 154) . قَالَ: يكون تَمامًا على المُحْسِن. الْمَعْنى تَمامًا من الله على الْمُحْسِنِينَ، وَيكون تَمامًا على الَّذِي أَحْسَنَ أَي على الَّذِي أَحْسَنهُ مُوسَى من طَاعَة الله، واتَّباع أَمْرِه.
وَقَالَ الفرّاء نَحوه، وَقَالَ: يَجْعَل الَّذِي فِي معنى مَا، يُرِيد تَمامًا على مَا أَحْسَن مُوسَى.
قلتُ: والإحسانُ: ضدُّ الْإِسَاءَة، وفسَّر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإحسانَ حِين سألَه جبريلُ، فَقَالَ: هُوَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فإِنه يراك، وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ} (النّحل: 90) وَقَوله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ} (الرَّحمان: 60) أَي مَا جَزَاء من أحسن فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَن يُحْسَن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
والحَسَنُ: نَقاً فِي ديار بني تَمِيم مَعْرُوف، أُصِيب عِنْده بِسْطَامُ بن قيس يَوْم النَّقَا، وَفِيه يَقُول عبد الله بن عَنَمَةَ الضَّبِّيّ:
لأُمِّ الأرضِ وَيْلٌ مَا أَجَنَّتْ
بحيْثُ أَضرَّ بالحَسَنِ السبيلُ
والتَّحاسِينُ: جمعُ التحسين، اسمٌ بُنِي على تَفْعيل، وَمثله تكاليفُ الْأُمُور. وتَقَاصيبُ الشَّعَر: مَا جَعُد من ذوائِبه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَحْسَنَ الرجلُ إِذا جلسَ على الحَسنِ، وَهُوَ الكَثيبُ النّقيُّ العالي.
قَالَ: وَبِه سُمِّي الغلامُ حَسَنَا.
قَالَ: والحُسَيْنُ: الْجَبَل العالي، وَبِه سمِّي الغلامُ حُسَيناً. وَأنْشد:

(4/183)


تركنَا بالعُوَيْنةِ من حُسيْنٍ
نِساءَ الحيِّ يَلْقُطنَ الجُمَانَا
قَالَ: والحُسيْن هَاهُنَا جبَل.
وَفِي (النَّوَادِر) : حُسيْنَاؤُه أَن يفعل كَذَا، وحُسيْناه مثله، وَكَذَلِكَ غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه، أَي جهدهُ وغايتُه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التّوبَة: 52) يَعْنِي الظَّفَر أَو الشَّهَادَة. وأنَّثهما لِأَنَّهُ أَرَادَ الخَصلَتَيْن. وَقَوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} (التّوبَة: 100) أَي باستقامة وسلوك للطريق الَّذِي درج السَّابِقُونَ عَلَيْهِ.
{وَءاتَيْنَاهُ فِى الْدُّنْيَا حَسَنَةً} (النّحل: 122) يَعْنِي إِبْرَاهِيم آتيناه لِسَان صِدْق.
وَقَوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ} (هُود: 114) الصَّلَوَات الْخمس تكفّر مَا بَينهَا.
وَقَوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يُوسُف: 36) الَّذين يُحسنون التَّأْوِيل.
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ ينصر الضعيفَ ويُعينُ الْمَظْلُوم، وَيعود المرضى، فَذَلِك إحسانَه.
وَقَوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (الرّعد: 22) أَي يدْفَعُونَ بالْكلَام الحَسنِ مَا ورد عَلَيْهِم من سَيِّء غَيرهم.
وَقَوله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (الأنعَام: 152) قَالَ: هُوَ أَن يَأْخُذ من مَاله مَا سَتَر عَوْرتَه وسدَّ جَوْعَتَه.
وَقَوله عزّ وجلّ: {الرَّحِيمُ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ} (السَّجدَة: 7) أحسن يَعْنِي حَسَّن. يَقُول: حَسَّن خَلْقَ كلِّ شَيْء، نصب خلْقَه على البَدَل. وَمن قَرَأَ خَلَقَه فَهُوَ فعل.
وَقَوله تَعَالَى: {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} (الأعرَاف: 180) تأنيثُ الأحسنَ.
يُقَال: الِاسْم الأحسنُ والأسماءُ الحُسنَى. وَلَو قيل فِي غير الْقُرْآن الحُسَنُ لجَاز، ومثلُه قَوْله: {لِنُرِيَكَ مِنْءَايَاتِنَا الْكُبْرَى} (طاه: 23) لِأَن الْجَمَاعَة مؤنّثة.
وَفِي حَدِيث أبي رَجاء العُطَارِدِيّ وَقيل لَهُ مَا تذكُر؟ فَقَالَ: أذكرُ مَقْتَل بِسْطَام بن قيس على الحَسن. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ جبَلُ رمل.
وَقَوله تَعَالَى: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ} (العَنكبوت: 8) أَي يفعلُ بهما مَا يَحسُن حسْناً، ومثلُه {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) أَي قَولاً ذَا حُسن، والخطابُ لليهودِ، أَي اصدُقوا فِي صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَوله تَعَالَى: {تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} (الزُّمَر: 55) أَي اتَّبِعوا الْقُرْآن، وَدَلِيله قَوْله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ} (الزُّمَر: 23) .
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة ظلماء حِنْدِسٍ وَعِنْده الحَسنُ والحُسيْن ث، فَسمع تَوَلْوُل فَاطِمَة ب وَهِي تناديهما: يَا حَسَنَانُ. يَا حُسَيْنَانُ فَقَالَ: الْحَقَا بأمّكما.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: غَلَّبت اسْم أَحدهمَا على الآخر كَمَا قَالُوا: العُمَرانُ. وَيحْتَمل أَن يكون كَقَوْلِهِم: الجَلَمَانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلام وَهُوَ المِقراض. هَكَذَا روى سَلَمة عَن الفرّاء بِضَم النُّون فيهمَا جَمِيعًا: كَأَنَّهُ

(4/184)


جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا، فَأَعْطَاهُمَا حَظّ الِاسْم الْوَاحِد من الْإِعْرَاب.
وَقَوله تَعَالَى: {رَبَّنَآءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً} (البَقَرَة: 201) أَي نعْمَة، وَيُقَال: حُظوظاً حَسَنَةً وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} (النِّساء: 78) أَي نعْمَة، وَقَوله: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} (آل عِمرَان: 120) أَي غَنيمَةٌ وخِصْبٌ {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} (آل عِمرَان: 120) أَي مَحل.
وَقَوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} (الأعرَاف: 145) أَي يعملوا بِحَسَنِها، وَيجوز أَن يكون نحوَ مَا أمَرَنا بِهِ من الِانْتِصَار بعد الظُّلم، والصبرُ أحْسنُ من القِصاص، والعفْوُ أحْسنُ.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم قَالَ فِي قصَّة يُوسُف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ} (يُوسُف: 100) أَي قد أحْسنَ إليّ.
وَالْعرب تَقول: أحسنْتُ بِفُلانٍ، وأسأتُ بفُلانٍ، أَي أحسنْتُ إِلَيْهِ، وأسأْتُ إِلَيْهِ، وَتقول: أحْسِنْ بِنَا أَي أحْسِن إليْنا وَلَا تُسِيء بِنَا، وَقَالَ كُثَيِّر:
أسِيئي بِنَا أَو أحْسنِي لَا مَلُومَةٌ
لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِن تَقَلَّتِ
سحن: اللَّيْث: السَّحْنَةُ: لِينُ البَشَرَة ونَعْمتها.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: النَّعْمَةُ بِفَتْح النُّون: التَّنَعُّمُ، والنِّعْمَةُ بِكَسْر النُّون: إنعام الله على العبيد.
وَقَالَ شَمِر: إِنَّه لَحَسنُ السَّحَنَة والسَّحْنَاءِ، قَالَ: وسَحْنةُ الرجل: حُسْنُ شَعره، ودِيباجَتُه: لونُه وليطُه، وَإنَّهُ لَحَسنُ سَحْناء الوجْه. قَالَ: وَيُقَال: سَحَنَاءُ مُثَقَّلٌ، وسحْنَاءُ أجوَدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْنُ أَن تَدْلُكَ خَشَبَةً بِمسْحَن حَتَّى تَلِينَ من غير أَن تَأْخُذ من الخَشَبَة شَيْئاً.
وَقَالَ غَيره: المساحِنُ: حِجَارَة يُدَقُّ بهَا حِجَارَة الفِضَّة واحدتُهَا مِسْحَنَةٌ.
وَقَالَ الهُذَلِيّ:
كَمَا صَرفَتْ فوقَ الجُذَاذِ المسَاحِنُ
والْجُذَاذُ: مَا جُذَّ من الْحِجَارَة، أَي كُسِر فَصَار رُفَاتاً.
وَيُقَال: جَاءَت فرس فلانٍ مُسْحِنَةً، إِذا كَانَت حَسنةَ الْحَال.
والسِّحْنَاءُ: الهيئةُ والحالُ.
أَبُو عُبَيد عَن الفرَّاء: ساحَنْتُه الشيءَ مُسَاحَنةً، وسَاحَنْتُك: خالَطْتُكَ وفاوَضْتُك.
نحس: الليثُ: النَّحْسُ: ضِدّ السَّعْدِ، والجميع االنُّحُوس من النُّجُوم وغيرِها، تَقول: هَذَا يومٌ نَحِسٌ وأيَّامٌ نَحِسَات، من جعله نعتاً ثَقَّلَهُ، وَمن أضَاف اليومَ إِلَى النّحْس خَفَّفَ النَّحْسَ، يُقَال: يومُ نَحْسٍ وأَيَّامُ نحْسٍ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أيامٍ نَحَساتٍ) قلت: وَهِي جمع أيّام نَحْسَة، ثمَّ نَحْسَاتٍ جَمْعُ الْجمع، وقرئت فِي (أيامٍ نحِسَات) ، وَهِي المشئومات عَلَيْهِم فِي الْوَجْهَيْنِ.
والعرَبُ تُسَمِّي الرِّيحَ الْبَارِدَة إِذا دَبَرَتْ نَحْساً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ابْن أَحْمَر:

(4/185)


كأنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لنحسٍ
يُحِيلُ شَفِيفُها الماءَ الزُّلاَلاَ
قَالَ: لِنَحْسٍ، أَي وُضِعت فِي ريحٍ فبردت، وشَفِيفُها: برْدُها، قَالَ: وَمعنى يُحِيلُ: يَصُبّ، يَقُول: فبرْدُها يَصُبُّ الماءَ فِي الْحَلق، وَلَوْلَا بَرْدُها لم يُشْرَب الماءُ، والنَّحْسُ: الغُبارُ، يُقَال: هاج النَّحْس أَي الغُبَارْ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا هَاجَ نَحْسٌ ذُو عَثَانينَ والْتَقَت
سَباريتُ أَغفال بهَا الآلُ يمْصَحُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن} (الرَّحمان: 35) وقرىء (ونِحاسٌ) ، قَالَ: النُّحَاسُ: الدُّخان، وَأنْشد:
يُضيء كضَوْءِ سِرَاج السَّلِي
ط لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحاسا
وَهُوَ قَول جَمِيع الْمُفَسّرين.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: النُّحاسُ بِضَم النُّون: الدُّخَان والنِّحاس، بِكَسْر النُّون: الطَّبيعةُ وَالْأَصْل: وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحوه.
والنُّحَاس: الصُّفرُ والآنية.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النِّحاسُ والنَّحَاس جَمِيعًا: الطبيعة. وَأنْشد بَيت لبيد:
وَكم فِينَا إِذا مَا المَحْلُ أَبْدَى
نِحاسَ القومِ من سَمْحٍ هَضُوم
وَقَالَ آخر:
يَا أَيهَا السائلُ عَنْ نِحَاسي
قَالَ: النحّاس: مبلغ أصل الشَّيْء.
أَبُو عُبَيد: اسْتَنْحَسْت، الخَبرَ إِذا تَنَدَّسْته وتَحسَّسْتَه.
ابْن بُزُرْج: نُحاسُ الرجل ونِحَاسه: سجِيَّتُه وطبيعتُه. قَالَ: وَيَقُولُونَ النُّحاس بِالضَّمِّ: الصُّفر نَفسه، والنِّحاس مكسور: دُخانه. وَغَيره يَقُول للدخان نُحاس.
حنس: قَالَ شمر: الحَوَنَّس من الرِّجَال: الَّذِي لَا يَضيمُه أحَدٌ إِذا قَامَ فِي مَكَان لَا يُحَلْحِله أحدٌ. وَأنْشد:
يَجْرِي النَّفِيُّ فَوق أنفٍ أفْطَسِ
مِنْهُ وعَيْنَيْ مُقْرِفٍ حَوَنَّس
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحنَسُ: لُزُوم وسط المعركة شَجاعةً. قَالَ: والحُنُس: الوَرِعُون.
سنح: قَالَ اللَّيْث: السانِحُ: مَا أتاكَ عَن يمينِك من طَائِر أَو ظَبْي أَو غير ذَلِك يُتَيَمَّن بِهِ تَقول: سنح لنا سُنُوحاً. وَأنْشد:
جَرَتْ لَك فِيهَا السانحاتُ بأسْعُد
قَالَ: وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة امْرَأَة تقوم بسوق عُكاظ: فتُنشد الْأَقْوَال وتضرِبُ الْأَمْثَال. وتُخْجِلُ الرِّجَال. فانْتَدَبَ لَهَا رجل: فَقَالَت الْمَرْأَة مَا قَالَت، فأجابها الرجل فَقَالَ:
وَأَسْكَتَاكِ جامِحٌ ورامحُ
كالظَّبْيَتَيْنِ سانحٌ وبَارِحُ
فَخَجِلَتْ وهربت.
قَالَ: وَيُقَال: سانح وسَنِيحٌ. وَيُقَال: سَنَح لي رأيٌ بِمَعْنى عَرَضَ لي وَكَذَلِكَ سنَح لي قَولٌ وقَرِيضٌ.

(4/186)


وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عُبَيدة: سَأَلَ يونُسُ رُؤْبة وَأَنا شَاهد عَن السَّانح والبارح. فَقَالَ: السَّانحُ: مَا وَلاَّك ميامِنَه. والبارحُ: مَا وَلاَّك مَيَاسِره.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ: مَا جَاءَ عَن يمينِك إِلَى يسارك. وَهُوَ إِذا وَلاَّك جانِبَه الْأَيْسَر. وَهُوَ إنْسِيُّه فَهُوَ سانح. وَمَا جَاءَ عَن يسارك إِلَى يَمينك. وَوَلاَّك جَانِبه الأيمَن. وَهُوَ وَحْشِيُّه فَهُوَ بارح. قَالَ: والسانح أحْسَنُ حَالا عِنْدهم فِي التَّيَمُّن من البارح. وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
أرِبْتُ لإرْبتِه فانطلقْ
تُ أُرَجِّي لِحُبّ اللقاءِ السَّنيحَا
يُرِيد: لَا أتَطَيّر من سانح وَلَا بارح. وَيُقَال: أَرَادَ أتَيَمَّن بِهِ. قَالَ: وَبَعْضهمْ يتشاءَمُ بالسَّانح.
وَقَالَ عَمْرو بن قَمِيئة:
وأشأَمُ طيْرِ الزَّاجرِين سَنِيحُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:
أجارَهُما بِشْرٌ من الموْتِ بَعْدَمَا
جرت لَهما طَيْرُ السَّنِيح بأَشْأَم
وَقَالَ رؤبة:
فكم جَرَى من سانحِ بِسَنْحِ
وبَارِحاتٍ لم تَجُرْ بِبَرْحِ
بِطَيْرِ تخْبِيبِ وَلَا بِتَرْحِ
وَقَالَ شمر: رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي بِسُنْحِ قَالَ: والسُّنْح: اليُمْنُ وَالْبركَة.
وَأنْشد أَبُو زيد:
أَقُول والطيرُ لنَا سانِحٌ
تجْري لنا أيْمَنهُ بالسُّعُودْ
وَقَالَ أَبُو مَالك: السَّانح يُتَبَرَّك بِهِ. والبارح يُتَشَاءم بِهِ. وَقد تشاءم زُهَيْر بالسَّانِح فَقَالَ:
جَرَت سُنُحاً فقلتُ لَهَا أَجِيزِي
نَوًى مَشْمولَةً فَمتى اللِّقاءُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السُّنُحُ: الظِّبَاءُ المَيَامِينُ، والسُّنُح: الظِّبَاءُ المَشَائيمُ. قَالَ: والسَّنِيحُ: الخَيطُ الَّذِي يُنْظَمُ فِيهِ الدُّرُّ قبل أَن ينظم فِيهِ الدُّرُّ، فَإِذا نُظِم فَهُوَ عِقْدٌ وَجمعه سُنُح.
اللِّحياني: خَلِّ عَن سُنُح الطَّرِيق وسُجُح الطَّرِيق بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ بَعضهم: السَّنِيحُ: الدُّرُّ والحُلِيُّ، وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ يذكر نِساءً:
ويُغَالِينَ بالسَّنِيح ولايَسْ
أَلنَ غِبَّ الصَّباحِ مَا الأخُبَارُ
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: اسْتَسْنَحْتُه عَن كَذَا وتَسَنَّحْتُه واسْتَنْحَسْتُه عَن كَذَا وتَنَحَّسْتُه بِمَعْنى اسْتَفْصَحْتُه.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: يُقَال: سَنَحَ لَهُ سَانِحٌ فَسَنَحه عَمَّا أَرَادَ أَي صَرَفه وَرَدَّهُ.
نسح: اللَّيْث: النَّسْحُ والنُّسَاحُ: مَا تَحَاتّ عَن التَّمْر من قِشْره وفُتَات أَقْمَاعه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يبْقى أَسْفَل الْوِعَاء.
والمِنْسَاحُ: شَيْء يُدْفَعُ بِهِ التُّرَاب ويُذَرَّى بِهِ. ونِسَاحُ: وادٍ بِالْيَمَامَةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمَا ذكره اللَّيْث فِي النَّسْح لم أسمعهُ لغيره، وَأَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا.

(4/187)


ح س ف
حسف، حفس، سحف، سفح، فسح، فحس: مستعملات.
حسف: قَالَ اللَّيْث: الحُسافَةُ: حُسَافَةُ التَّمْر: وَهِي قُشُورُه وَرَدِيئُه، تَقول: حَسَفْتُ التمرَ أَحْسِفُه حَسْفاً إِذا نَفَيْتَه.
وَقَالَ اللِّحياني وَغَيره: تَحَسَّفَت أوبارُ الْإِبِل وتَوَسَّفَت إِذا تَمَعَّطَت وتَطَايَرَت.
أَبُو زيد: رَجَع فلَان بحَسِيفَة نَفسه إِذا رَجَعَ وَلم يَقْض حاجَةَ نَفسه، وَأنْشد:
إِذا سُئِلوا المعروفَ لم يَبْخَلُوا بِهِ
وَلم يَرْجِعُوا طُلاَّبَهُ بالحَسَائِف
أَبُو عُبَيد: فِي قلبه عَلَيْهِ كَتِيفَةٌ وحَسِيفةٌ وحَسِيكَةٌ وسَخِيمة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لبَقِيَّة أقماع التَّمْر وقِشْره وكِسَرِه: الحُسَافَةُ.
وَقَالَ الْفراء: حُسِفَ فلَان أَي أُرْذِلَ وأُسْقِطَ. وحُسَافَةُ النَّاس: رُذَالُهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُسُوفُ: استقصاء الشَّيْء وتَنْقِيَتُه.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: يُقَال لجَرْس الحَيّات حَسْفٌ وحَسِيفٌ، وحَفِيفٌ، وَأنْشد:
أَبَاتُوني بِشَرِّ مَبِيتِ ضَيْف
بِهِ حَسْفُ الأفاعِي والبُرُوص
شمر: الحُسافَةُ: الماءُ الْقَلِيل، قَالَ: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي لكُثَيّر:
إِذا النَّبلُ فِي نَحْر الكُمَيْت كأنّها
شَوارِعُ دَبْرٍ فِي حُسَافَةُ مُدْهُن
قَالَ شمر: وهُوَ الحُشَافَة بالشين أَيْضا. والمُدْهن: صَخْرَةٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ.
حفس: قَالَ اللَّيْث: رجل حِيَفْسٌ وحَفَيْسأٌ إِلَى الْقصر ولؤم الخَليقَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ مَعَ الْقصر سِمَنٌ قيل رجل حِيَفْس وحَفَيْتَأ بِالتَّاءِ.
قلتُ: أرى التَّاء مُبَدَلَةً من السِّين، كَمَا قَالُوا: انْحَتَّتْ أَسْنَانه وانْحَسَّت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: رَجُلٌ حَفَيْسأٌ وحَفَيْتَأٌ بِمَعْنى وَاحِد.
سحف: اللَّيْث: السَّحْفُ: كَشْطُك الشَّعَر عَن الجِلْد حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء تَقول: سَحَفْته سَحْفاً.
والسَّحِيفَةُ والسَّحائف: طرائق الشَّحْم الَّتِي بَين طرائق الطَّفَاطف وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُرَى من شحمة عَريضَة مُلزَقة بالجِلْدة.
وناقةٌ سَحُوفٌ: كَثِيرَة السحائف وجَمَلٌ سَحُوفٌ كَذَلِك، وَقد تكون الْقطعَة مِنْهُ سَحْفَة.
قَالَ: والسَّحُوف أَيْضا من الغَنَم: الرَّقيقةُ صُوفِ البَطْن.
قَالَ أَبُو عُبَيد: والسّحافُ: السِّلُّ، وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
والسَّيْحَفُ: النَّصلُ العريض وجَمْعُه: السَّيَاحِفُ، وَأنْشد:
سَيَاحِفُ فِي الشِّرْيان يأمُلُ نَفْعَها
صِحابِي وأُوْلِي حَدَّها مَنْ تَعَرَّما
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَحَفَ رأسَه وجَلَطَه وسَلَتَه إِذا حَلَقه وكَذلك سَحَتَه.

(4/188)


الْأَصْمَعِي: السَّحِيفَةُ بِالْفَاءِ المَطْرَةُ الحديدة الَّتِي تَجْرُف كلّ شَيْء، والسَّحيقَةُ (بِالْقَافِ) : المَطْرَةُ الْعَظِيمَة القَطْر، الشَّدِيدَةُ الوَقْع، القليلةُ العَرْضِ، وجَمْعُها السَّحائفُ والسَّحائقُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ أَعْرَابِي: أتَوْنا بصِحَاف فِيهَا لِحَامٌ وسِحَافٌ أَي شُحُومٌ، وَاحِدهَا سَحْفٌ، وَقد أَسْحَفَ الرجل إِذا بَاعَ السَّحْفَ وَهُوَ الشَّحْم.
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء قَالَ: السُّحَافُ: السُّلُّ وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
ابْن شُمَيل: قَالَ أَبُو أسلم: ومَرَّ بناقَةٍ فَقَالَ: هِيَ وَالله لأُسْحُوفُ الأحاليل أَي واسِعَتُها قَالَ: فَقَالَ الْخَلِيل: هَذَا غَرِيب.
سفح: قَالَ اللّيث: السَّفْحُ: سَفْحُ الجَبَل وَهُوَ عُرْضُه المُضْطَجِع وَجمعه سُفوحٌ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: السَّفْح: أصل الْجَبَل وأسْفَله.
وَقَالَ اللَّيْث: سَفَحَ الدَّمعَ سَفَحَاناً. وَأنْشد:
سِوَى سفَحَانِ الدَّمْعِ مِنْ كلِّ مَسْفَحِ
قَالَ: والسَّفْح للدَّمِ كالصّبِّ، تَقول رَجُلٌ سَفَّاحٌ للدِّماء: سَفّاك.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيُقَال: سَفَحْتُ الدَّمعَ فَسَفَح وَهُوَ سَافِح ودمُوعٌ سَوافِحُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّفَاحُ والمُسَافَحَةُ: أَن تُقِيم امرأةٌ مَعَ رَجُل على فجور من غير تَزْوِيج صَحِيح.
قَالَ: وَيُقَال لِابْنِ البَغِيّ ابْن المُسافِحَة، قَالَ: وَفِي الحَدِيثِ (أَوَّلُه سِفَاحٌ وَآخره نِكاحٌ) وَهِي الْمَرْأَة تُسَافِحُ رَجُلاً، فَيكون بَينهمَا اجْتِمَاع على فجور، ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وكَرِه بعض الصَّحَابَة ذَلِك، وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: المُسَافِحَةُ: الفاجِرَةُ، وَقَالَ الله عَزَّ وجَلَّ {مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} (النِّساء: 25) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: المُسَافِحَةُ: الَّتِي لَا تَمْتَنِعُ عَن الزِّنى، قَالَ: وسُمِّي الزِّنى سِفَاحاً: لِأَنَّهُ كَانَ عَن غير عقد، كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة المَاء المَسْفُوح الَّذِي لَا يَحْبِسُه شَيْء، وَقَالَ غَيره: سُمِّي الزِّنَى سِفَاحًا: لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ حُرْمة نِكاحٍ وَلَا عَقْدُ تَزْوِيج، وكل وَاحِد مِنْهُمَا سَفَحَ مَنِيَّه أَي دَفقَها بِلَا حُرْمَة أباحَتْ دَفْقَها وَيُقَال: هُوَ مَأْخُوذ من سَفَحْتُ المَاء أَي صَبَبْتُه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا خطب الرجُل المرأةَ قَالَ: أنكحِينِي، فَإِذا أَرَادَ الزِّنَى قَالَ: سَافِحِينِي.
وَقَالَ النَّضْرُ: السَّفِيحُ: الكِسَاءُ الغليظ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّفِيحَانِ: جُوَالِقَان يجعَلان كالْخُرجين، وَأنْشد:
تَنْجُو إِذا مَا اضْطَرَبَ السَّفِيحان
نَجَاء هِقْلٍ جَافِلٍ بِفَيْحَان
وَقَالَ اللحياني: يُدْخَلُ فِي قِدَاح المَيْسر قِدَاحٌ يُتَكَثَّر بهَا كَرَاهَة التُّهَمَة، أَولهَا المُصَدَّر، ثُمَّ المُضَعَّف، ثمَّ المَنِيحُ، ثمَّ السَّفِيح لَيْسَ لَهَا غُنْم وَلَا عَلَيْهَا غُرْم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال لكل مَنْ عَمِل عَمَلاً لَا يُجْدِي عَلَيْهِ مُسَفِّح، وَقد سَفّح تَسْفِيحاً، شُبِّه بالقِدْح السَّفِيح، وَأنْشد:

(4/189)


ولَطَالما أَرّبتُ غيرَ مُسَفِّح
وكَشَفْتُ عَن قَمَع الذُّرَى بحُسَام
وَقَوله: أرّبتُ أَي أحْكَمْتُ، وَأَصله من الأُرْبَة وَهِي العُقْدَة، وَهِي أَيْضا خَيْر نصيب فِي المَيْسَر، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَلاَ تُرَدُّ عَلَيْهِم أُرْبَةُ اليَسَر
ويُقَالُ: ناقَةٌ مَسْفُوحَةُ الإبْطِ أَي واسِعَةُ الإبْط، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
بِمَسْفُوحَةِ الآبَاطِ عُرْيَانةِ القَرَى
نِبَالٌ تُوَاليها رِحابٌ جُنُوبُها
وجَمَلٌ مَسْفُوح الضُّلُوع: لَيْسَ بِكَزِّهَا
وَيُقَال: بَينهم سِفاحٌ أَي سَفْكٌ للدِّماء.
فسح: الليثُ: الفُسَاحَة: السَّعَةُ الواسِعَةُ فِي الأَرْض، تَقول: بَلدٌ فَسِيحٌ وَمَفَازةٌ فَسِيحَةٌ، وَأمر فَسِيحٌ، وَلَك فِيهِ فَسْحَةٌ أَي سَعَةٌ، وَالرجل يَفْسح لِأَخِيهِ فِي الْمجْلس فَسْحاً إِذا وسَّعَ لَهُ، والقومُ يتفَسَّحُون إِذا مَكَّنُوا. وَيُقَال: انْفَسَح طَرْفُك إِذا لم يَرْدُدْه شيءٌ عَن بُعْدِ النَّظَر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى الْمَجَالِسِ} (المجَادلة: 11) .
وَقَالَ الفَرَّاء: قَرَأَهَا النَّاس: (تَفَسَّحُوا) بِغَيْر ألف، وَقرأَهَا الحَسَنُ: (تَفَاسَحُوا) بِأَلف، قَالَ: وتفاسَحُوا وتَفَسَّحُوا مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنى مثل تَعَهَّدْتَه وتَعَاهَدْتُه، وَصَاعَرْتُ وصَعَّرْتُ.
قلتُ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من بني عُقَيْل يُسَمَّى شَمْلَة يَقُول لخَرّازٍ كَانَ يَخْرِزُ لَهُ قِرْبَة، فَقَالَ لَهُ: إِذا خَرَزْتَ فافسَحِ الخُطا لِئَلَّا يَنْخَرِمَ الخَرْزُ، يَقُول: باعد بَيْنَ الخُرْزَتَين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مُرَاحٌ مُنْفَسِح إِذا كَثُرت نَعَمُه، وَهُوَ ضد قَرِع المُرَاح، وَقد انْفَسَح مُرَاحُهم أَي كَثُر إِبِلُهم، وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
سأُغْنِيكُم إِذا انْفَسَحَ المُرَاحُ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَسِيحُ مَا بَين المنْكِبَيْن) أَي بَعِيدٌ مَا بَينهمَا، يصفه بسَعَةِ صَدْرِه.
وَفِي حَدِيث أم زرع (وبَيْتُها فُسَاحٌ) أَي وَاسعٌ. يُقَال: بَيْتٌ فَسيحٌ وفُسَاحٌ، ويُروى فَيَاحٌ بِمَعْنَاهُ.
وجَمَلٌ مَفْسُوح الضُّلُوع بِمَعْنى مَسْفُوحٍ يَسْفَحُ فِي الأرضِ سَفْحاً، وَقَالَ حُمَيْد بن ثَوْر:
فَقَرَّبْتُ مَسْفُوحاً لِرَحْلي كَأَنَّهُ
قَرَى ضِلَعٍ قَيْدَامُها وصَعُودُها
فحس: قَالَ اللَّيْثُ: الفَحْسُ: أخذك الشَّيْء عَن يَدِك بلسانك وفمك من المَاء وَغَيره
ح س ب
حسب، حبس، سحب، سبح: مستعملة.
حسب: قَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: الشَّرَفُ الثَّابِت فِي الْآبَاء، رجل كريم الحَسَب، وَقوم حُسَبَاء، قَالَ: وَفِي الحَدِيث: (الحَسَبُ المَالُ، والكرَمُ التَّقْوَى) وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنْكَحُ المرأةُ لِمَالِها وحَسَبِها ومِيَسَمِها ودينها فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين، تَرِبَت يداك) .
قلت: وَالْفُقَهَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى معرفَة الْحسب، لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ مَهْرُ مثل الْمَرْأَة إِذا عُقِد النِّكَاح على مهر فَاسد، فَقَالَ شَمِر

(4/190)


فِي كِتَابه (المُؤَلَّف فِي غَرِيب الحَدِيث) الحَسَبُ: الفَعَال الحَسَنُ لَهُ ولآبائه مَأْخُوذ من الحِسَاب إِذا حَسَبُوا مناقبهم، وَقَالَ المُتَلمِّس:
ومَنْ كَانَ ذَا أَصْلٍ كريم وَلم يكن
لَهُ حَسَبٌ كَانَ اللئيمَ المُذَمَّما
ففرّق بَين الحسَب والنَّسَب، فَجعل النّسَب عدد الْآبَاء والأمهات إِلَى حَيْثُ انْتهى، والحَسَبُ: الفَعَالُ مثل الشجَاعَة والجود وحُسْنِ الخُلُق وَالْوَفَاء.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه شَمِر صَحِيح، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَباً: لأَنهم كَانُوا إِذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ مِنْهُم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها، فالحَسْبُ: العَدُّ والإحصاء، والحَسَبُ: مَا عُدَّ، وَكَذَلِكَ العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ، والمعدود عددٌ.
وحدّثني مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَليّ بن خَشْرَم عَن مُجَالد عَن عَمْرو عَن مَسْرُوق عَن عُمَر أنّه قَالَ: (حَسَبُ الْمَرْء دينُه، ومروءتُه خُلُقه، وَأَصله عَقْلُه) ، قَالَ: وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عَن إِبْرَاهِيم بن شمَّاسٍ عَن مُسْلِم بن خَالِد، عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كَرَمُ الْمَرْء دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ) .
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الشرفُ وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ. يُقَال: رجل شرِيف، ورَجُلٌ ماجِد: لَهُ آبَاء متقدمون فِي الشّرف. قَالَ: والحَسَبُ وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرَّجُل وَإِن لم يكن لَهُ آبَاء لَهُم شرَفٌ. وَيُقَال: رجل حَسِيب. وَرجل كَرِيمٌ بِنَفسِهِ. قلت: أَرَادَ أَن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وَإِن لم يكن لَهُ نسب، وَإِذا كَانَ حسيب الْآبَاء فَهُوَ أكْرم لَهُ.
ابْن بزُرْج قَالَ: الحَسِيبُ عندنَا من الرِّجَال: السخِيُّ الجَوادُ فَذَلِك الحسيبُ، وَلَا يُقَال لذِي الأصْلِ والصَّليبة الْبَخِيل حسيب.
قلت: يُقَال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب. وللذي يَكْثُر أهل بَيته من الْبَنِينَ والأهل حسيب وَإِنَّمَا سُمّي حَسيباً لِكَثْرَة عدده. وسُمِّي الْجواد حسيباً لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه، وَبِكُل ذَلِك نطقت السُّنَن وَجَاءَت الْأَخْبَار، وَيبين ذَلِك مَا حدّثنا السَّعْدِيّ عَن الْجِرْجَانِيّ عَن عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَنَّ هَوَازِنَ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أَنْت أبرُّ النَّاس وأوصلُهم وَقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخْتَارُوا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا المالَ، وَإِمَّا البَنِينَ) ، فَقَالُوا: أما إِذْ خيَّرتنا بَين المَال وَبَين الحسَب فَإنَّا نَخْتَارُ الحسَب، فَاخْتَارُوا أبناءَهم ونساءَهم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّا خَيَّرنَاهُم بَين المالِ والأحْساب فَلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شَيْئا) ، فَأطلق لَهُم السَّبيَ.
قلت: وبيّن هَذَا الحَدِيث أَن عدد أهل الْبَيْت يُسَمَّى حَسَباً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: قدرُ الشيءِ كَقَوْلِك: على حسَبِ مَا أسْدَيْت إليّ

(4/191)


َ شكْرِي لَك تَقول: أشكرك على حَسَب بَلاَئِك عِنْدِي أَي على قدر ذَلِك.
قَالَ: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فَمَعْنَاه كَفَى، تَقول: حَسْبك ذَاكَ أَي كَفَاكَ ذَاكَ، وَأنْشد ابْن السّكيت:
وَلم يكن مَلَكٌ للْقَوْم يُنْزِلُهم
إِلَّا صَلاَصِلُ لَا تُلْوَى على حَسَبِ
قَالَ: قَوْله: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي يُقْسَم بَينهم بالسَّوِيَّة لَا يُؤْثَرُ بِهِ أَحَدٌ، وَقيل: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي لَا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ المَاء وقِلَّتِه.
وَيُقَال أَحْسَبَني مَا أَعْطاني أَي كفَاني.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) جَاءَ فِي التَّفْسِير: يَكْفِيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قَالَ: وَمَوْضِع الْكَاف فِي حَسْبُكَ وَمَوْضِع مَنْ: نَصْب على التَّفْسِير كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
إِذا كَانَت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا
فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد
وَقَالَ أَبُو العَبّاس: معنى الْآيَة: يَكْفِيك الله وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (النِّساء: 6) يكون بِمَعْنى مُحَاسِباً، وَيكون بِمَعْنى كَافِيا أَي يُعْطي كل شَيْء من العِلْمِ والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ مَا يُحْسِبه أَي يَكْفِيه تَقول: حَسْبُك هَذَا أَي اكتفِ بِهَذَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كَافِيا، وَإِنَّمَا سُمِّي الحِساب فِي الْمُعَامَلَات حِسَابا: لِأَنَّهُ يُعْلَم بِهِ مَا فِيهِ كِفايةٌ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ على الْمِقْدَار وَلَا نُقْصانٌ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد. حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِساباً، وحَسَبْتُ الشَّيْء أحْسَبُه حَساباً وحُسْبَاناً، وَأنْشد:
على الله حُسْبَانِي إِذا النَّفسُ أَشْرَفتْ
على طَمَعٍ أَو خافَ شَيْئا ضميرُها
وَقَالَ الْفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.
وقُرِىء قولُ الله تَعَالَى: (وَلَا تحسبن) ، وليسَ فِي بَاب السَّالِم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.
وأَمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فَمَعْنَاه بِحِسَاب.
وَأَخْبرنِي المنذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} (الأنعَام: 96) فَمَعْنَاه بِحِسَاب، فَحذف الْبَاء.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: حُسْبَاناً: مصدر، كَمَا تَقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْباناً وحِسَاباً، وَجعله الْأَخْفَش جَمْعَ حِسابٍ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وَكَذَلِكَ أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.
وَأما قَوْله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الْكَهْف: 40) فَإِن الْأَخْفَش قَالَ: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.

(4/192)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: أَرَادَ بالحُسْبَان المَرَامِي، قَالَ: والحُسْبَانَةُ: الصاعِقَةُ، والحُسْبَانَةُ: السَّحابَة، والحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الحُسْبَان: سِهَامٌ يَرْمي بهَا الرَّجلُ فِي جَوف قَصَبَةٍ ينْزِع فِي القَوْسِ ثمَّ يَرْمِي بِعِشْرين مِنْهَا، فَلَا تَمرُّ بِشَيْء إِلَّا عَقَرَتْه من صاحِب سِلاَحٍ وَغَيره، فَإِذا نَزَعَ فِي القَصَبة خَرَجَت الحُسْبَانُ كَأَنَّهَا غَيْبَةُ مَطَر فتَفَرَّقَتْ فِي النّاسواحدها حُسْبَانَةٌ، والمَرَامِي مِثْلُ المَسَالِّ رَقيقَةٌ فِيهَا شيءٌ من طول لَا حُرُوف لَهَا.
قَالَ: والقِدْحُ بالحَدِيدَة: مِرْمَاةٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ} (الْكَهْف: 40) .
قَالَ: الحُسْبَانُ فِي اللُّغة: الحِساب.
قَالَ الله عزّ وجلّ: {: ُ: ِالبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) أَي بِحِسَاب، قَالَ: فَالْمَعْنى فِي هَذِه الْآيَة أَي يُرْسِل عَلَيْهَا عَذَاب حُسْبَان، وَذَلِكَ الحُسْبَان حِسَابُ مَا كَسَبَتْ يداك.
قلت: وَالَّذِي قَالَه الزّجاج فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة بعيد، وَالْقَوْل مَا قَالَه الأخْفَشُ وَابْن الْأَعرَابِي وَابْن شُمَيْل وَالْمعْنَى وَالله أَعْلَم أَن الله يُرْسِل على جَنَّة الْكَافِر مَرَامِيَ من عَذَاب، إِمَّا بَرَدٌ وَإِمَّا حِجارة أَو غيرهُما مِما شَاءَ فَيُهْلكها ويُبْطِل غَلَّتَها وأَصْلَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ، تَقول: حَسَبْتُ الشَّيْء أَحْسُبُه حِسَابا وحِسابَةً وحِسْبَةً.
وَقَالَ النابِغَةُ:
وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِك العَددِ
وَقَول الله عزّ وجلّ: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) .
قَالَ بَعضهم: بِغَيْر تَقْدِيرٍ على آخر بِالنُّقْصَانِ، وَقيل: بِغَيْر محاسبة مَا يخَاف أحدا أَن يُحاسِبَه عَلَيْهِ، وَقيل: بغَيْر أَن حَسِبَ المُعْطَى أَنّه يُعْطِيه أعطَاهُ من حَيْث لم يَحْتسِب.
قَالَ: والحِسْبَةُ: مصدر احْتِسابك الْأجر على الله عزّ وجلّ، تَقول: فعلتُه حِسْبَةً، واحْتَسَب فِيهِ احْتِساباً.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِنَّه لَحَسَنُ الحِسْبَة فِي الْأَمر إِذا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِير فِي الْأَمر وَالنَّظَر فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ من احْتِسابِ الأجْرِ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: احْتَسَبْتُ فلَانا: اخْتَبَرْتُ مَا عِنْدَه، والنساءُ يَحْتسِبن مَا عِنْد الرِّجَالِ لَهُنَّ أَي يَختَبِرْن.
قَالَ: وَيُقَال: احْتَسَبَ فلانٌ ابْناً لَهُ وبنْتاً لَهُ إِذا ماتَا وهما كبيران، وافْتَرَط فَرَطاً إِذا مَاتَ لَهُ وَلَدٌ صَغِير لم يبلغ الْحُلُم.
قلت: وَأما قَول الله جَلَّ وَعَزَّ: {مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً} (الطّلَاق: 3) فَجَائِز أَن يكون مَعْنَاهُ من حَيْثُ لَا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَظُنّهُ كَائِنا، من حَسِبْتُ أَحْسِب أَي ظَنَنْتُ، وَجَائِز أَن يكون مأخوذاً من حَسبْتُ أَحْسُبُ، أَرَادَ من حَيْثُ لم يَحْسُبْه لنَفسِهِ رزقا وَلَا عَدَّه فِي حِسابه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ، وأَنْشَد:

(4/193)


غَدَاةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ
أَي غَيْرَ مدفون، وَيُقَال: غيرَ مُكَفَّن. قلتُ: لَا أعرف التَّحْسِيب بِمَعْنى الدَّفْن فِي الْحِجَارَة وَلَا بِمَعْنى التَّكْفِين، وَالْمعْنَى فِي قَوْله: غير مُحَسَّب أَي غير مُوَسَّد.
قَالَ أَبُو عُبَيْدة وَغَيره: الحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ الصَّغِيرَة، وقَدْ حَسَّبْتُ الرجل إِذا أَجْلَستَه عَلَيْهَا.
وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال لِبِسَاط البَيْتِ: والحِلْسُ، لِمخَادِّه المَنَابذُ ولِمساوِرِه الحُسْبَانات، ولحُصْرِه الفُحولُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الأحْسَبُ: الَّذِي ابْيَضَّت جِلْدَتُه من دَاءٍ ففسدت شَعَرَته، فَصَارَ أَحْمَرَ وأبْيَض، وَكَذَلِكَ من الْإِبِل والنَّاس، وَهُوَ الأبْرَصُ، وأَنْشَدَ قولَ امْرِىء القَيْس:
أَيَا هِنْدُ لَا تَنْكِحِي بُوهَةً
عَلَيْهِ عَقِيقَتُه أَحْسَبَا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الأحْسَبُ: الَّذِي فِي شعره حُمْرَةٌ وبَيَاض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُسْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الحُمْرَةِ، والكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضرِبُ إِلَى الحُمْرَةِ، والقُهْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الخُضْرَة، والشُّهْبَةُ: سوادٌ وبيَاضٌ، والْحُلْبَةُ: سوادٌ صِرْفٌ، والشُّرْبَةُ: بيَاضٌ مُشْرَبٌ بحمرة، واللُّهْبَةُ: بيَاضٌ ناصعٌ نَقِيّ، والنُّوبَةُ: لَوْنُ الخِلاسِيِّ والخِلاسِيُّ: الَّذِي أَخَذ من سوادٍ شَيْئا وَمن بَيَاض شَيئاً، كَأَنَّهُ وُلِد من عَرَبِيَ وحَبَشِيَّة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أَحْسَبْتُ الرجلَ أَي أَعْطيته مَا يَرْضَى، وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ: أَعْطَيْتُه حَتَّى قَالَ: حَسْبِي.
والحِسَابُ: الْكثير من قَول الله عَزَّ وجَلَّ: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كثيرا. وَيُقَال: أَتَاني حِسابٌ من النَّاس أَي جماعةٌ كَثِيرَة، وَهِي لُغَة هُذَيْل.
وَقَالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:
فَلم يَنْتَبِه حَتَّى أحَاط بِظَهْرِه
حِسَابٌ وسِرْبٌ كالجرادِ يَسُوم
وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:
باشَرْتَ بالوَجْعَاءِ طَعْنَة ثَائرٍ
بِمُثَقِّفٍ وثَوَيْتَ غيْرَ مُحَسَّب
فَإِنَّهُ يُفَسّر على وَجْهَيْن، قيل: غير مُوسَّد، وَقيل: غير مكرّم، وَمَعْنَاهُ أَنه لم يرفَعْك حَسَبُك فَيُنْجِيَكَ من الْمَوْت وَلم يُعَظَّمْ حَسَبُك.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله جَلّ وعَزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) قَالَ: بِحسَاب ومنازل لَا يَعْدُوانها. وَقَالَ الزَّجَّاج: بحُسْبَان يدل على عدد الشُّهُور والسنين وَجَمِيع الْأَوْقَات.
أَبُو عُبَيد: ذَهَبَ فلَان يَتَحَسَّبُ الأخبارَ أَي يَتَحَسّسها ويطلبها تَحَسُّباً.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: سألتُ ابنَ الْأَعرَابِي عَن قَول عُرْوَةَ بنِ الوَرْد:
ومُحْسِبَةٍ مَا أَخْطَأَ الحقُّ غَيرهَا
تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها فَهْي كالشَّوِي
قَالَ: المُحْسِبَةُ بمعنيين من الحَسَب وَهُوَ الشَّرَف، وَمن الإحساب وَهِي الكِفَاية أَي

(4/194)


أَنَّهَا تُحْسِبُ بلبنها أهلَها والضَّيْفَ، وَمَا صلَة، الْمَعْنى أَنَّهَا نُحِرَت هِيَ وسَلِمَ غَيرهَا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زِيَاد الْكلابِي: الأحْسَبُ من الْإِبِل: الَّذِي فِيهِ سَواد وحُمْرَة وبيَاض، والأَكْلَفُ نَحوه.
وَقَالَ شمر: هُوَ الَّذِي لَا لون لَهُ الَّذِي يُقَال: أَحْسِبُ كَذَا وأَحْسِبُ كَذَا.
وَقَوله تَعَالَى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (البَقَرَة: 202) أَي حِسَابُه وَاقع لَا محَالة، وكلُّ وَاقع فَهُوَ سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِساب الله أَنه لَا يَشْغَلُه حِسَابُ وَاحِد عَن مُحاسَبَة الآخر، لِأَنَّهُ لَا يشْغلهُ سَمْعٌ عَن سَمْع، وَلَا شأْنٌ عَن شأْن.
وَقَوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) . أَي كافيك الله. أَحْسَبَني الشيءُ أَي كَفَاني، وأعْطَيْتُه فأحسَبْتُه أَي أعطيتُه الكِفَايَة حَتَّى قَالَ حَسْبي، وَفِي قَوْله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) كِفَايَةٌ إِذا نَصرهم الله، وَالثَّانِي حَسْبك من اتَّبَعَك من الْمُؤمنِينَ أَي يَكْفِيكُم الله جَمِيعًا.
وَقَوله: {ُاقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} ِ (الإسرَاء: 14) أَي كفى بك لنَفسك مُحَاسِباً.
وَقَوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) أَي بِغَيرِ تَقْتِيرٍ وتضييق، كَقَوْلِك: فلَان ينْفق بِغَيْر حِسَاب أَي يُوَسِّع النّفَقَةَ وَلَا يَحْسُبُها.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} (الْكَهْف: 9) الخِطَابُ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرادُ الأُمَّةُ.
أَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن أبي بكر الخطَّابي عَن نوح بن حبيب عَن عبد الْملك بن هِشَام الذمارِي قَالَ أخبرنَا سُفْيان عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: (يَحْسِب أَن مَاله أخلده) (الهُمَزة: 3) معنى أَخْلَدَه يُخْلِدُه، وَمثله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} (الأعرَاف: 50) أَي يُنَادي، وَقَالَ الحُطَيْئَة:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِين يَلْقَى رَبَّه
أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ
سحب: اللَّيْث: السَّحْبُ: جَرُّك الشيءَ على الأَرْض تَسْحَبُه سَحْباً، كَمَا تَسحَبُ الْمَرْأَة ذيلَها، وكما تَسْحَب الريحُ الترابَ، وسُمِّي السّحابُ سحاباً لانسحابه فِي الْهَوَاء.
قَالَ: والسَّحْبُ: شِدَّةُ الْأكل والشُّرب ورَجُلٌ أُسْحوب: أَكُولٌ شَرُوب.
قُلْتُ: الَّذِي عَرَفنَاهُ وحَصَّلْناه رجلٌ أُسْحُوتٌ بِالتَّاءِ إِذا كَانَ أَكُولا شروباً، وَلَعَلَّ الأسحُوبَ بِالْبَاء بِهَذَا الْمَعْنى جَائِز.
وَيُقَال: رجل سَحْبَانُ أَي جَرَّاف يجرُف كلّ مَا مَرَّ بِهِ، وَبِه سُمِّي سَحْبَانُ وَائِل الَّذِي يضْرب بِهِ المثلُ فِي الفصاحة (أَفْصَحُ من سَحْبَانِ وائلٍ) .
وَيُقَال: فلَان يَتَسَحَّبُ علينا أَيْن يتدَلَّل وَكَذَلِكَ يَتَدَكَّلُ ويتدَعَّبُ.
والسُّحْبَةُ: فَضْلَةُ مَاء تبقى فِي الغَدِير، يُقَال: مَا بَقِي فِي الغدير إِلَّا سُحَيْبَة مَاء أَي مُوَيْهة قَليلَة.
سبح: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قِيلاً إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ

(4/195)


سَبْحَاً طَوِيلاً} (المُزمّل: 7) .
قَالَ اللَّيْث: مَعْنَاهُ فراغاً للنوم.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: وَيكون السَّبْحُ أَيْضا فراغاً بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الفرَّاء: يَقُول لَك فِي النَّهَار. مَا تقضي حوائجك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: سَبْحاً طوِيلاً، قَالَ فَرَاغاً وتَصَرُّفاً، وَمن قَرَأَ سَبْخاً فَهُوَ قَرِيبٌ من السَّبْح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: من قَرَأَ سَبْحاً فَمَعْنَاه اضطراباً ومعاشاً. وَمن قَرَأَ: سَبْخاً أَرَادَ رَاحَة وتخفيفاً للأبدان.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سمِعتُ أَبَا الجهم الجَعْفَرِي يَقُول: سَبَحْتُ فِي الأَرْض وسبَخْتُ فِيهَا إِذا تَبَاعَدت فِيهَا. قَالَ: وَسبح اليَرْبُوعُ فِي الأَرْض إِذا حفر فِيهَا، وسَبَحَ فِي الْكَلَام إِذا أكثرَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: سَبْحاً طَويلا أَي مُنْقَلَباً طَويلا.
وَقَالَ اللَّيْث: سُبْحَانَ الله: تَنْزِيه لله عَن كل مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُوصف بِهِ.
قَالَ: ونَصْبُه أَنه فِي مَوضِع فعل على معنى تَسْبِيحاً لَهُ، تَقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً أَي نَزّهْتُه تَنْزِيها. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جَلّ وعزّ: {ُ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (الإسرَاء: 1) مَنْصُوب على الْمصدر، أسبِّح الله تَسبيحاً.
قَالَ: وسُبحَان فِي اللُّغَة: تنْزِيه لله عَزّ وجَلّ عَن السوء. قلت: وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ، يُقَال: سَبّحْت الله تسبيحاً وسُبْحَاناً بِمَعْنى وَاحِد، فالمصدر تَسْبِيح، والإسم سُبْحَانَ يقوم مقَام الْمصدر.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالَ أَبُو الخَطّاب الْكَبِير: سُبْحانَ الله كَقَوْلِك: بَرَاءَة الله من السوء، كَأَنَّهُ قَالَ: أُبَرِّىء الله من السوء. وَمثله قَول الأعْشَى:
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِر
أَي بَرَاءَة مِنْهُ.
قلت: وَمعنى تَنْزِيه الله من السُّوء: تَبْعِيدُه مِنْهُ، وَكَذَلِكَ تسبيحه تبعيده، من قَوْلك: سَبَحْتُ فِي الأَرْض إِذا أَبْعَدْتَ فِيهَا، وَمِنْه قَوْله جَلَّ وعَزَّ: {سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى} (يس: 40) ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} (النَّازعَات: 3) هِيَ النُّجُوم تَسْبَحُ فِي الفَلَكِ أَي تذهَبُ فِيهَا بَسْطاً كَمَا يَسْبَحُ السابح فِي المَاء سَبْحاً، وَكَذَلِكَ السابحُ من الخَيْل يَمُدُّ يَدَيه فِي الجَرْي سَبْحاً كَمَا يسبح السابح فِي المَاء وَقَالَ الأعْشَى:
كم فيهم من شَطْبَهٍ خَيْفَقٍ
وسَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ ضَامِر
وَقَالَ اللَّيْث: النُّجُوم تسْبَح فِي الْفلك إِذا جَرَت فِي دورانه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد المَصَاحِفي: رَأَيْت فِي الْمَنَام كأنّ إنْسَانا فَسّر لي سُبْحَانَ الله فَقَالَ: أما ترى الْفرس يَسْبَحُ فِي سرعته، وَقَالَ: سُبْحَان الله: السُّرْعَة إِلَيْهِ.
قلت: والقولُ هُوَ الأوّلُ، وجِمَاعُ مَعْناه بُعْدُه تبَارك وَتَعَالَى عَن أَن يكون لَهُ مِثْلٌ أَو

(4/196)


شَرِيكٌ أَو ضِدٌّ أَو نِدٌّ.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جَلَّ وعَزّ: {الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الرُّوم: 17) الْآيَة فصلّوا لله حِين تمسون وَهِي الْمغرب والعِشَاء، وَحين تُصْبِحُون صَلاَةَ الفَجْر، وعَشِيّاً الْعَصْر، وَحين تظْهِرون الأولى. وَكَذَلِكَ قَوْله: {ُوَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ} ِ (الصَّافات: 143) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: من الْمُصَلِّين.
وَقَالَ اللَّيْث: السُّبْحَةُ من الصَّلاَةِ: التَّطَوُّع.
وَفِي الحَدِيث أَن جِبْرِيل قَالَ: (لله دون الْعَرْش سَبْعونَ حِجَاباً لَو دَنَوْنَا من أَحدهَا لأحرَقَتْنا سُبُحَاتُ وَجْه رَبنَا) قيل: يَعْنِي بالْسُبُحاتِ جَلالَه وعَظمتَه ونورَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سُبُحَاتُ وَجْهِه: نُورُ وَجْهه.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: السُّبُحات: مَواضِعُ السُّجود.
وَأما قَول الله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسرَاء: 44) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قيل: إنَّ كل مَا خلق الله يسبِّحُ بحَمْدِه، وإنَّ صَرِيرَ السَّقْفِ وصريرَ الْبَاب من التَّسْبِيح، فَيكون على هَذَا الْخطاب للْمُشْرِكين وحدهم فِي {وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، وَجَائِز أَن يكون تَسْبِيحُ هَذِه الْأَشْيَاء بِمَا الله بِهِ أعلم لَا يُفْقَهُ مِنْه إلاَّ مَا عُلِّمنا قَالَ: وَقَالَ قوم: {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} أَي مَا من شيءٍ إِلَّا وَفِيه دَلِيل أَن الله جلّ وعزّ خالِقُه، وأنَّ خالِقَه حكيمٌ مُبَرَّأٌ من الأسواء، وَلَكِنَّكُمْ أَيهَا الْكفَّار لَا تفقهون أثر الصَّنْعَةِ فِي هَذِه الْمَخْلُوقَات.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن الَّذين خوطبوا بِهَذَا كَانُوا مُقرِّين بِأَن الله خالقُهم وخالِقُ السَّمَاء وَالْأَرْض ومَنْ فِيهِنَّ، فَكيف يجهلون الخِلْقَة وهم عارفون بهَا.
قلت: وممّا يَدُلُّك على أَن تَسْبِيح هَذِه المخلوفات تَسبيحُ تُعِبِّدَتْ بِهِ قولُ الله جلّ وعزّ للجبال: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سَبَإ: 10) وَمعنى أوِّبي أَي سَبِّحي مَعَ داوُد النهارَ كلَّه إِلَى اللَّيْل، وَلَا يجوز أَن يكون معنى أَمر الله جلّ وعزّ للجبال بالتأوِيبِ إِلَّا تعبُّداً لَهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْله جلّ وعزّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الحَجّ: 18) إِلَى قَوْله: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} (الحَجّ: 18) فسُجودُ هَذِه الْمَخْلُوقَات عبادةٌ مِنْهَا لخالقها لَا نَفْقَهُها عَنْهَا كَمَا لَا نَفْقَه تسبيحَها.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البَقَرَة: 74) وَقد علِم الله هُبوطَها من خَشَيتِه، وَلم يُعرِّفْنَا ذَلِك، فَنحْن نؤمِن بِمَا أَعْلَمَنا وَلَا نَدّعي بِمَا لم نُكَلَّف بأفهامنا من عِلْمِ فِعلِها كَيفيّةً نَحُدُّها.
وَمن صِفَات الله جلّ وعزّ السُّبُّوحُ القُدُّوسُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: السُّبُّوحُ: الَّذِي تَنزَّه عَن

(4/197)


كلِّ سوءٍ، والقُدُّوسُ: الْمُبَارك، وَقيل: الطَّاهرُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب بِنَاء على فُعُّول بِضَم أَوله غير هذَيْن الإسمين الجليلين وحرف آخر وَهُوَ قَوْلهم للذّرِّيحِ وَهِي دُوَيْبَّةٌ ذُرُّوح، وَسَائِر الْأَسْمَاء تَجِيء على فَعُّول مثل: سَفُّود وقَفُّود وقَبُّور وَمَا أشبههَا.
وَيُقَال لهَذِهِ الخَرَزات الَّتِي يَعُدُّ بهَا المُسَبِّحُ تَسْبِيحَه السُّبْحَة وَهِي كلمة مولدة.
أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: السَّبْحَة بِفَتْح السِّين وَجَمعهَا سِبَاحٌ: ثِيَاب من جُلُود.
وَقَالَ مالكُ بن خَالِد الهذليّ:
إِذا عادَ المسَارِحُ كالسِّبَاح
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كِسَاءٌ مُسبَّح بِالْبَاء أَي قوي شَدِيد. قَالَ: والمُشَبَّح بِالْبَاء أَيْضا والشين: المُعَرَّض.
وَقَالَ شمر: السَّباحُ بِالْحَاء: قُمُصٌ للصبيان من جُلُود. وَأنْشد:
كَأَن زَوَائِدَ المُهُرَاتِ مِنْهَا
جَوارِي الهِندِ مُرْخِيةَ السِّبَاحِ
وَأما السُّبْجَةُ بِضَم السِّين وَالْجِيم فكِساءٌ أسود.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة المُلَقَّب بِنِفْطَوَيْه فِي قَول الله: {لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقِعَة: 74) أَي سبِّحه بأسمائه ونزِّهه عَن التَّسمِيَة بغيْرِ مَا سَمّى بِهِ نَفسه.
قَالَ: ومَنْ سَمّى الله بِغَيْر مَا سَمّى بِهِ نَفسه فَهُوَ مُلْحِد فِي أَسْمَائِهِ، وكلّ من دَعَاهُ بأسمائه فمسبِّح لَهُ بهَا إذْ كَانَت أسماؤه مدائحَ لَهُ وأوْصافاً.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {ُوَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ِ (الأعرَاف: 180) وَهِي صِفَاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه، فَكل من دَعَا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.
وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ من الله، وَلذَلِك حَرَّم الفواحِشَ وَلَيْسَ أحدٌ أحَبّ إِلَيْهِ المدحُ من الله.
حبس: قَالَ اللَّيْث: الحبْسُ والمَحْبِسُ: موضعان للمَحبوسِ. قَالَ: والمَحْبِسُ يكون سِجْناً وَيكون فعلا كالحَبْسِ. قلت: المَحبَسُ: مصدر، والمحبِسُ: اسْم للموضع.
قَالَ اللَّيْث: والحَبِيسُ: الفرسُ يُجْعَلُ حَبِيساً فِي الله سَبِيل يُغْزَى عَلَيْه.
قلت: والحُبُسُ جمع الحَبِيس، يَقع على كل شَيْء وقفَه صاحبِه وَقفا مُحَرَّماً لَا يُورَثُ وَلَا يُباع من أَرض ونخل وكَرْم ومُسْتَغَلّ يُحَبَّسُ أصلُه وَقفا مُؤبّداً وتُسَبَّلُ ثَمَرَتُه تَقَرُّبا إِلَى الله كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُمَر فِي نَخْلٍ لَهُ أَرَادَ أَن يتقرّب بِصَدَقَتِهِ إِلَى الله جلّ وعزّ، فَقَالَ لَهُ: (حَبِّس الأصلَ وسَبِّل الثّمَرَة) ، وَمعنى تَحْبِيسه: ألاّ يُورَثَ وَلَا يُبَاعَ وَلَا يُوهَبَ، وَلَكِن يُترَكُ أصلُه ويُجْعَلُ ثمرُه فِي سُبُل الْخَيْر.
وَأما مَا رُوِي عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِطْلَاق الحُبُسِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا الحُبُسَ الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَحْبِسُونها من السوائب والبَحَائِر والحام وَمَا أشبههَا، فَنزل الْقُرْآن بإحْلال مَا كَانُوا يُحرِّمون مِنْهَا وَإِطْلَاق مَا حَبَّسُوا بِغَيْر أَمر الله مِنْهَا.

(4/198)


وَأما الحُبُس الَّتِي وَردت السُّنَنُ بتَحْبِيس أَصْلهَا وتَسْبِيل ثَمَرِها فَهِيَ جاريَة على مَا سَنَّها الْمُصْطَفى ج، وعَلى مَا أُمِرَ بِهِ عُمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِبَاسُ: شيءٌ يُحْبَسُ بِهِ المَاء نَحْو الحِبَاس فِي المَزْرَفَةِ يُحْبَس بِهِ فُضُولُ الماءِ. والحُباسَةُ فِي كَلَام الْعَجم: المَزْرَفَةُ: وَهِي الحُباسَات فِي الأَرْض قد أحاطت بالدّبْرَة: وَهِي المَشَارَةُ يحْبَس فِيهَا الماءُ حَتَّى تمتلىء ثمَّ يُساقُ الماءُ إِلَى غَيرهَا. قَالَ: وَتقول: حَبَّسْتُ الفرَاش بالمِحْبَس، وَهِي المِقْرَمَةُ الَّتِي تُبَسط على وَجه الْفراش للنوم.
وَتقول: احتسبتُ الشَيْءَ إِذا اخْتَصَصْتَه لنَفسك خَاصَّة.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: جعلني فلانٌ رَبِيطَةً لكذا وحَبِيسَةً أَي يَذْهَبُ فيفعل الشَّيْء وأُوخَذُ بِهِ.
وَقَالَ المُبَرّد فِي بَاب عِلَلِ اللِّسَان: الحُبْسَةُ: تَعَذُّر الْكَلَام عِنْد إِرَادَته، والغُقْلَةُ: التواء اللِّسَان عِنْد إِرَادَة الْكَلَام.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحِبْسُ مثل المَصْنَعة وَجمعه أَحْبَاسٌ يُجْعَل للْمَاء، والحِبْسُ: المَاء المُسْتَنْقِع. وَقَالَ غَيره: الحِبْسُ: حِجارَةٌ تُبْنَى فِي مَجْرى المَاء لتَحْبِسَه للشَّارِبَة، فيُسمّى الماءُ حِبْساً كَمَا يُقَال نِهْيٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يكون الْجَبَل خَوْعاً أَي أَبيض، وَتَكون فِيهِ بُقْعَةٌ سَوْدَاء، وَيكون الْجَبَل حَبْساً أَي أسود، وَتَكون فِيهِ بقْعَة بَيْضَاء.
قَالَ: والحَبْسُ: الشَّجَاعةُ.
والحِبْس بالكَسْرِ: حِجَارَةٌ تكون فِي فُوَّهَةِ النَّهْر تَمْنَعُ طُغْيَان الماءِ.
والحِبْسُ: نِطاقُ الهَوْدَج. والحِبْسُ: المِقْرَمَةُ. والحِبْسُ: سِوَار من فِضَّة يُجْعَل فِي وسط القِرام، وَهُوَ سِتْرٌ يُجْمَعُ بِهِ ليضيءَ الْبَيْت.
ح س م
حسم، حمس، سحم، سمح، مسح، محس: (مستعملة) .
حسم: قَالَ اللَّيْث: الحَسْم: أَن تَحْسِم عرقا فتكويه بالنَّار كَيْلا يَسِيلَ دَمه.
والحَسْم: المَنْع. قَالَ: والمَحْسوم الَّذِي حُسم رَضَاعه وغِذَاؤه. تَقول حَسَمَتْه الرَّضَاعَ أمُّه تَحسِمه حَسْماً. وَتقول: أَنا أَحْسِم على فلَان الْأَمر أَي أقطعه عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَظْفَر مِنْهُ بِشَيْء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُسامُ: السَّيْف الْقَاطِع، وَقَالَ الكِسائي: حُسَام السَّيْف: طَرَفه الَّذِي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) الحُسُوم: التِّبَاع إِذا تَتَابع الشَّيْء فَلم يَنْقَطِع أوَّلُه عَن آخِره. قيل فِيهِ حُسومٌ. قَالَ وَإِنَّمَا أُخِذَ من حَسْم الدَّاء إِذا كُوِيَ صاحِبُه: لِأَنَّهُ يُحْمَى يُكْوى بالمِكواة ثمَّ يُتابع ذَلِك عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج: الَّذِي تُوجِبُه اللُّغة فِي معنى قَوْله: {حسوماً أَي تَحْسِمهم حسوماً أَي تُذْهِبهم وتُفْنِيهم.

(4/199)


قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه جَلّ وعَزَّ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} (الأنعَام: 45) .
وَقَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب: الحُسُوم يُورِث الحُشُوم. وَقَالَ: الحُسُوم. الدُّءوبُ.
قَالَ: والحُشوم. الإعياء، روى ذَلِك شمِر ليونس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُسُوم. الشُّؤْم. يُقَال. هَذِه ليَالِي الحُسُوم تَحْسِم الخَيْرَ عَن أهْلِها. كَمَا حُسِمَ عَن عَاد فِي قَول الله: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) أَي شُؤْماً عَلَيْهِم ونَحساً. وَذُو حُسُم: مَوضِع.
قَالَ: والْحَيْسُمَانُ اسْم رجل من خُزَاعَة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وعَرَّد عَنَّا الْحَيْسُمَان بن حَابِس
وَقَالَ غَيره: الحَسْمُ: الْقطع. وَفِي الحَدِيث: (عَلَيْكُم بالصَّوْم فَإِنَّهُ مَحْسَمة أَي مَجْفَرَةٌ مَقْطَعَةٌ لِلبَاءَةِ.
ابْن هانىء عَن ابْن كُثْوَة: قَالَ من أمثالهم (وَلْغُ جُرَيَ كَانَ محسوماً) يُقَال عِنْد استكثار الْحَرِيص من الشَّيْء لم يكن يَقْدِر عَلَيْهِ فقَدَر عَلَيْهِ أَو عِنْد أمره بالاستكثار حِين قَدَر. والمَحْسومُ: السّيِّءُ الغِذاء.
سحم: قَالَ اللَّيْث: السُّحْمَةُ: سَوادٌ كلون الْغُرَاب الأسْحَم. قَالَ: والأسْحَم: اللَّيْل فِي بَيت الأعْشى:
بأسحَم دَاجٍ عَوْضُ لَا نَتَفَرَّقُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد الأسْحَم: الْأسود. وَيُقَال للسحاب الْأسود الأسْحَم. وللسحابة السَّوْدَاء سَحْمَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أسْحَمَتِ السَّماء وأَثْجَمَتْ. صبَّت مَاءَها.
وَقَالَ زُهَيْر يصف بقرة وحشية وذَبَّها عَن نَفسهَا بقرنها فَقَالَ:
وتَذْبِيبُها عَنْهَا بأسْحَمَ مِذْوَدِ
أَي بقرن أسود.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّحْمَةُ: الكُتْلَةُ من الْحَدِيد وَجَمعهَا سَحَمٌ. وَأنْشد لطَرَفة فِي صفة الْخَيل:
... مُنْعَلاَتٌ بالسَّحَمْ
قَالَ: والسُّحُمُ: مَطَارِقُ الحَدَّاد.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السَّحَمُ والصُّفَارُ: نَبْتَان، وَأنْشد:
إِن العُرَيْمَة مانِعٌ أَرْماحنا
مَا كَانَ من سَحَم بهَا وصُفَارِ
سمح: قَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء. ورجُلٌ مِسْمَاحٌ، ورِجالٌ مَسَامِيحُ، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح سَمَاحَةً وجاد بِمَا لَدَيْهِ.
قَالَ: والتَّسْمِيحُ: السُّرْعَةُ، وَأنْشد:
سَمَّح واجْتابَ فَلاَةً قِيَّا
والمُسامَحَةُ فِي الطِّعان والضِّراب: المُسَاهَلَة، وَأنْشد:
وسَامَحْتُ طَعْناً بالوَشِيج المُقَوَّمِ
ورُمْحٌ مُسَمَّح: ثُقِّفَ حَتَّى لاَنَ بهَا.
أَبُو زيد: سَمَحَ لي بِذَاكَ يَسْمَحُ سَماحَةً، وَهِي الْمُوَافقَة على مَا طَلَب.
وَقَالَ غَيره: تَقول العَرَب: عَلَيْك بالحَقِّ فإنَّ فِيهِ لمَسْمَحاً أَي مُتَّسَعاً، كَمَا قَالُوا:

(4/200)


إنَّ فِيهِ لمندوحة، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَإِنِّي لأستحيي وَفِي الْحق مَسْمَحٌ
إِذا جاءَ باغِي العُرْفِ أَن أَتَعَذَّرا
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد سَمَح لي فلَان أَي أَعْطَاني، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح بِضَم الْمِيم.
وَقَالَ ابْن الْفرج حِكَايَة عَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ: السِّباحُ والسِّمَاح: بُيُوتٌ من أَدَم، وَأنْشد:
إِذا كَانَ المسَارِحُ كالسِّماحِ
وَيُقَال: سَمَّح البعيرُ بعد صعوبته إِذا ذَلَّ، قَالَ: وأَسْمَحَتْ قُرُونَتُه لذاك الْأَمر إِذا أطاعت وانْقَادَت.
وَيُقَال: فُلانٌ سَمِيحٌ لَمِيحٌ، وسَمْحٌ لَمْحٌ.
فِي الحَدِيث أنّ ابْن عبّاس سُئِل عَن رجل شَرِب لَبَناً مَحْضا أَيَتَوَضَّأ؟ فَقَالَ: (اسمح يسمح لَك) .
قَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: سَهِّل يُسَهَّل لَك وَعَلَيْك، وَأنْشد:
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الحدِيثَ وأَسْمَحَتْ
قَالَ: أسمحت: أسهلت وانقادت.
أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أَسْمَحَتْ قَرِينَتُه إِذا ذَلّ واستقام، وَقَوْلهمْ: الحَنِيفِيَّة السّمْحَةُ: لَيْسَ فِيهَا ضِيقٌ وَلَا شِدّة.
أَبُو عَدْنان عَن أبي عُبَيدة: اسْمَحْ يُسْمَحْ لَك، بالقَطْع والوصْل جَمِيعًا. وسَمَحَت النَّاقَةُ فِي سيْرِها إِذا انْقَادَت وأَسْرَعَتْ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَمَحَ لَهُ بِحاجَتِه وأَسْمَح أَي سهَّل لَهُ.
وَقَالَ الفرّاء: رجلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء، وَنسَاء مَسَامِيحُ.
مسح: قَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحُ: القولُ الحسَنُ من الرّجُل، وَهُوَ فِي ذَلِك يخدعك. يُقَال: مسحتُه بِالْمَعْرُوفِ أَي بالمعْرُوف من القَوْل، وَلَيْسَ مَعَه إِعْطَاء، وَإِذا جَاء إعْطَاء ذهب االمَسْحُ وَكَذَلِكَ مَسّحْتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْحُ: مَسْحُك الشيءَ بِيَدِك كمسْحِك الرّشْحَ عَن جبينك، وكمسْحِك رأْسَك فِي وضوئك. وَفِي الدُّعَاء للْمَرِيض: مَسَحَ الله عَنْك مَا بِك، قَالَ: ورَجُل مَمسُوح الوَجْه: مَسيح: وَذَلِكَ أَن لَا يبْقى على أحد شِقَّيْ وَجْهه عينٌ وَلَا حاجبٌ إِلَّا اسْتَوى. قَالَ: والمَسِيخ الدّجَّالُ على هَذِه الصّفة. والمسيحُ عِيسَى ابْن مَرْيَم قد أُعْرِب اسْمه فِي الْقُرْآن على مسيح. وَهُوَ فِي التورءة مَشِيحَا. وَأنْشد:
إِذا المَسيحُ يَقْتُل المسيحَا
يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم يقتل الدجّال بَنَيْزَكه.
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: قيل سُمِّي عِيسَى مَسيحاً لِسِياحَته فِي الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سُمِّي مَسيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الأَرْض أَي يَقْطعُها.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يمْسَح بِيَدِهِ ذَا عاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ، وَقَالَ غَيره: سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْل لَيْسَ لرجله أَخْمَصُ، وَقيل: سُمِّي مَسيحاً لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه مَمسُوحاً بالدُّهْن.
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أنَّ المسيحَ الصِّدِّيقُ.

(4/201)


قَالَ أَبُو بكر: واللغويون لَا يعْرفُونَ هَذَا، قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا قد كَانَ مُسْتَعْمَلاً فِي بعض الْأَزْمَان فَدَرَس فِيمَا درس من الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: قد درس من كَلَام العَرَب شيءٌ كثير.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: المسيحُ عيسَى أَصله بالعبرانية مَشِيحا، فَعُرِّب وغُيِّر، كَمَا قيل مُوسَى، وَأَصله مُوشَى.
قَالَ أَبُو بكر: ورُوِي عَن بعض الْمُحدثين: المِسِّيح بِكَسْر الْمِيم وَالتَّشْدِيد فِي الدّجّال.
قَالَ حَدثنَا إسماعيلُ بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن مَسْلَمة عَن مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَاني الله عِنْد الْكَعْبَة رجلا آدم كأحْسنِ مَن رَأَيْت، فَقيل لي: هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم، قَالَ وَإِذا أَنا بِرَجُل جَعْد قططٍ أَعور العَيْن اليُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طافية، فَسَأَلتُ عَنهُ، فَقيل لي: المِسِّيح الدَّجَّال، قَالَ: وَهُوَ فِعِّيل من المَسْح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَسِيحُ: الصِّدِّيق، وَبِه سُمَّي عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والمَسِيحُ الأَعْوَرُ، وَبِه سُمِّي الدَّجَّال، ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيد.
وَقَالَ شمر: سُمِّي عِيسَى المَسيحَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبركَةِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: المَسِيحُ بن مَرْيَم: الصِّدِّيق، وضد الصِّدِّيق المَسيحُ الدَّجّال أَي الضِّلِّيل الكَذَّاب، خلق الله المَسِيحَيْن أَحدهمَا ضد الآخر، فَكَانَ المَسِيحُ ابْن مَرْيَم يُبْرِىءُ الأكمهَ والأبرصَ ويُحيِي الموتَى بإذنِ الله، وَكَذَلِكَ الدَّجَّال يُحْيي الْمَيِّت وَيُمِيت الْحَيّ، وينشىء السَّحَاب، ويُنبت النَّبَات، فهما مَسِيحان: مَسِيحُ الهُدَى، ومَسِيحُ الضَّلَالَة، قَالَ لي المُنْذِري: فَقلت لَهُ بَلغنِي أَن عِيسَى إِنَّمَا سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مُسِح بالبَرَكَة، وسُمِّي الدَّجَّال مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ العَيْن، فَأنكرهُ وَقَالَ: إِنَّمَا المَسِيحُ ضِد المَسيح، يُقَال مَسَحَه الله أَي خَلَقَه خَلْقاً حَسَناً مُبارَكا، ومَسَحَه أَي خَلَقَه قَبِيحاً مَلْعُوناً.
قَالَ: ومَسَحْتُ النَّاقَةَ ومَسَخْتُها أَي هَزَلْتُهَا وَأَدْبَرْتُها، والعَرَبُ تَقول: بِهِ مَسْحَةٌ من هُزَال ومَسْخةٌ من هُزَال، وَبِه مَسْحَةٌ من سِمَن وجَمالٍ.
والشيءُ المَمسوحُ: القَبيحُ المَشْئوم المُغَيَّرُ عَن خَلْقِه.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي المَسْحَة بِمَعْنى الْجمال:
على وَجْه مَيَ مَسْحَةٌ من مَلاَحةٍ
وتحْتَ الثِّياب الشَّيْن لوْ كَانَ بادِيا
وَعَن جرير بن عبد الله: مَا رَآنِي رَسُول الله مُذْ أسلمت إلاَّ تَبَسَّم فِي وَجْهي، وَقَالَ: (يَطْلع عَلَيْكُم رجل من خِيَارِ ذِي يَمَنٍ على وَجْهه مَسْحَةُ مَلَكٍ) .
قَالَ شمر: الْعَرَب تَقول: هَذَا رجل عَلَيْهِ مَسْحَةُ جَمالٍ ومَسْحَةُ عِتْقٍ وكرَمٍ، لَا يُقَال إِلَّا فِي المدْحِ، وَلَا يُقَالُ: عَلَيْهِ مَسْحَةُ قَيْح وَقد مُسِحَ بالعِتْقِ والكَرَم مَسْحاً.
وَقَالَ الكُمَيتُ:

(4/202)


خَوَادِمُ أَكْفَاءٌ عَلَيْهِنّ مَسْحَةٌ
من العِتْقِ أَبْدَاهَا بَنَانٌ وَمَحْجِرُ
وَقَالَ الأَخْطَلُ يَمْدَحُ رَجُلاً من ولد العَبَّاس كَانَ يُقَال لَهُ المُذْهَبُ:
لَذَ تَقَبَّله النَّعِيمُ كأنَّما
مُسِحَتْ تَرَاِئبُه بمَاءٍ مُذْهَبِ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ) أَرَادَ أَنَّهُمَا مَلْسَاوَان: لَيْسَ فيهمَا وسَخٌ وَلَا شُقاقٌ وَلَا تَكَسُّرٌ إِذا أصابهما المَاء نَبا عَنْهُما.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: غَارة مَسْحَاء، هُوَ فعلاء من مَسَحَهم يَمْسَحهم إِذا مَرَّ بهم مَرّاً خَفِيفاً لَا يُقيم فِيهِ عِنْدهم.
قَالَ: والمَسِيحُ: الكَذاب ماسِحٌ ومِسِّيحٌ وَمِمسَحٌ وتِمْسَحٌ، وَأنْشد:
إنِّي إِذا عَنَّ مِعَنٌّ مِتْيَحُ
ذُو نَخْوَة أَو جَدِلٌ بَلَنْدَحُ
أَو كَيْذُبَانٌ مَلَذَانٌ مِمْسَحُ
وَقَالَ آخر:
بالإفْكِ والتَّكْذابِ والتَّمسَاح
قَالَ: والمَسِيحُ: سبائك الفِضَّة، والمَسِيحُ: المنديل الأخْشَنُ، والمَسِيحُ: الذِّرَاعُ، والمَسِيحُ: العَرَقُ، والمَسِيحُ: الكَثِيرُ الجِماع، وَكَذَلِكَ الماسِحُ، يُقَال: مَسَحَها أَي جَامعهَا.
قَالَ: والمَاسِحُ: القَتَّالُ، يُقَال: مسحهم أَي قَتَلَهم.
والماسِحَةُ: المَاشِطَةُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المسائح: الشّعْر.
وَقَالَ شمر: هِيَ مَا مَسَحْتَ من شعرك فِي خدِّك ورَأسِك، وَأنْشد:
مَسَائِحُ فَوْدَيْ رَأْسِه مُسْبَغَلَّةٌ
جَرَى مِسْكُ دَارِينَ الأحَمُّ خِلاَلَهَا
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) يُرِيد: أقبل يَمسَح يَضْرِبُ سُوقَها وَأَعْنَاقها، فالمسْحُ هَاهُنَا الْقطع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب أَنه سُئِل عَن قَوْله: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) وَقيل لَهُ: قَالَ قطرب: يمسحها: يُبَرِّك عَلَيْهَا، فَأنكرهُ أَبُو العَبَّاس وَقَالَ: لَيْسَ بَشَيْء، قيل لَهُ: فَإيشْ هُوَ عنْدك؟ فَقَالَ: قَالَ الفرَّاء وَغَيره: يضْرب أعناقَها وسُوقَها: لِأَنَّهَا كَانَت سَبَبَ ذَنبه.
قلتُ: ونحوَ ذَلِك قَالَ الزَّجَّاج، وَقَالَ: لم يَضْرِبْ سُوقَها وَلَا أعناقَها إِلَّا وَقد أَبَاحَ الله لَهُ ذَلِك: لِأَنَّهُ لَا يَجْعَل التَّوْبَة من الذَّنْبِ بِذَنْبٍ عَظِيم، قَالَ: وَقَالَ قوم: إِنَّه مَسَحَ أَعْنَاقَها وسُوقَها بِالْمَاءِ بِيَدِهِ، قيل: وَهَذَا لَيْسَ يُشْبِه شَغْلَها إِيَّاه عَن ذِكْرِ الله، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك قوم: لِأَن قَتْلَها كَانَ عِنْدهم مُنْكرا، وَمَا أَبَاحَهُ الله فَلَيْسَ بمُنكر، وَجَائِز أَن يُبِيح ذَلِك لسُلَيْمَان فِي وَقْتِه ويَحْظُره فِي هَذَا الوَقْتِ.
أَبُو عُبَيد: التَّمْسَحُ: الرجل المارد الْخَبِيث.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّمْسَحُ والتِّمْسَاحُ يكون فِي المَاء شَبِيه بالسلحفاة إِلَّا أَنه يكون ضخماً طَويلا قَوِيّاً.

(4/203)


قَالَ: والمُمَاسَحَةُ: المُلاَيَنَةُ والمُعَاشَرَة والقُلُوبُ غير صَافِيَة.
وَفُلَان يُتَمَسَّح بِهِ لِفَضْله وعبادته، كَأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ إِلَى الله بالدُّنُوِّ مِنْه.
وَقَالَ غَيره: مَسَحَت الإبلُ الأرضَ يومَها دَأْباً أَي سَارَتْ سيراً شدِيداً، قَالَه ابْن دُرَيْد.
أَبُو عُبَيد: المَسْحَاءُ: الأرضُ المستوية.
وَقَالَ اللَّيْث: الأمْسَحُ من المفَاوز كالأمْلَسِ وَجمعه الأَمَاسِحُ.
والمَسَاحَةُ: ذَرْعُ الأَرْض، تَقول: مَسَحَ يَمْسَح مَسْحاً.
وَقَالَ غَيره: جمع المَسْحَاء من الأَرْض مَسَاحِي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَسْحَاءُ: أَرض حَمْرَاء، والوحْفَاءُ: السَّودَاءُ.
وَقَالَ غَيره: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية كَثِيرَة الحَصَى غَلِيظَة.
وتَمَاسَحَ القومُ إِذا تَبَايَعُوا فتَصَافَقوا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا كَانَت إِحْدَى رَبْلَتي الرِّجْل تُصِيب الْأُخْرَى قيل: مَشِقَ مَشَقاً ومَسِحَ مَسَحاً.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المَائدة: 6) . قَالَ بَعضهم: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ، والسُّنَّةُ بالغَسْلُ.
وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَنْ خَفَضَ وأرجلكم فَهُوَ على الجِوَار.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الْخَفْضُ على الجِوار لَا يَجُوزُ فِي كِتَاب الله، إِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي ضَرورَة الشِّعْرِ، وَلَكِن المَسْحَ على هَذِه الْقِرَاءَة كالغَسْل، وَمِمَّا يدلّ على أَنه غَسْل أَن المَسْحَ على الرِّجل لَو كَانَ مَسْحاً كمَسْح الرأْسِ لم يَجز تحديدُه إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا جَاءَ التَّحْدِيد فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرَافِق، قَالَ الله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} (المَائدة: 6) بِغَيْر تَحْدِيد فِي الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ فِي التَّيَمُّم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} (المَائدة: 6) من غير تَحْدِيد، فَهَذَا كُله يُوجب غَسْل الرِّجلين، وَأما من قَرَأَ: (وأرْجُلَكم) ، فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن فِيهِ تَقْدِيماً وتأْخِيراً كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأرجَلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وامسحوا بُرؤسِكم وقدّم وأخرَّ ليَكُون الْوضُوء وِلاَءً شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه قوْلٌ آخَرُ: كَأَنَّهُ أَرَادَ أغسلوا أَرْجُلكُم إِلَى الكَعْبَيْن، لِأَن قَوْله إِلَى الْكَعْبَيْنِ قد دَلّ على ذَلِك كَمَا وَصفنَا، ويُنْسَقُ بالغَسْل على المَسْح كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
يَا لَيْت زَوْجَكِ قَدْ غَدَا
مُتَقَلِّدَّا سَيْفاً ورُمْحا
الْمَعْنى مُتَقَلِّداً سَيْفاً وحَامِلاً رُمْحاً.
وَقَالَ غَيره: رجُلٌ أَمْسَحُ القدَم وَالْمَرْأَة مَسْحَاء إِذا كَانَت قَدَمُه مستوية لَا أَخْمَصَ لَهَا، وَامْرَأَة مَسْحَاءُ الثَّدْي إِذا لم يكن لِثَدْيِها حجم.
والمَاسِحُ مِنَ الضَّاغِطِ إِذا مَسَحَ المِرْفَقُ الإبْطَ من غير أَن يعرُكَه عَرْكاً شَدِيدا.
والأَمْسَحُ: الأَرْسَحُ، وقومٌ مُسْحٌ رُسْح وَقَالَ الأَخْطَل:

(4/204)


دُسْمُ العَمَائِم مُسْحٌ لَا لحومَ لَهُم
إِذا أحَسُّوا بِشَخْصٍ نابىءٍ لَبَدُوا
وَيُقَال: امْتَسَحْتُ السيفَ من غِمده وامْتَسَخْتُه إِذا اسْتَللْته.
وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ الخُرْشُب يَصِف فَرَساً:
تَعَادَى من قوائِمها ثَلاثٌ
بتَحْجِيلٍ وَوَاحِدَةٌ بَهِيمُ
كَأَن مَسِيحَتَي وَرِقٍ عَلَيْهَا
نَمَت قُرْطَيهما أُذُنٌ خَذِيمُ
قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: كَأَنَّمَا أُلْبِسَتْ صَفِيحَة فِضَّة من حُسْنِ لَوْنهَا وبريقها، قَالَ: وَقَوله: نَمَتْ قُرْطَيْهما أَي نَمَتْ الْقُرْطَيْن اللَّذين من المَسِيحَتَيْن أَي رفَعَتْهُما، وَأَرَادَ أَن الْفضة مِمَّا يُتَّخَذُ لِلْحَلْي وَذَلِكَ أَصْفَى لَهَا، وأُذُنٌ خَذِيمٌ أَي مَثْقُوبَة.
وَأنْشد لعبد الله بن سَلَمَة فِي مثله:
تَعْلَى عَلَيْهِ مَسَائِحٌ من فَضَّةٍ
وتَرَى حَبَابَ المَاء غَيْرَ يَبِيس
أَرَادَ صَفَاءَ شَعْرَته وقِصَرها. يَقُول: إِذا عَرِق فَهُوَ هَكَذَا، وتَرَى المَاء أَوَّلَ مَا يَبْدُو من عَرَقه.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَمْسَحُ: الذِّئْب الأَزَلُّ، والأمْسَحُ: الأَعْوَرُ الأَبْخَقُ لَا تكون عينه بَلُّوْرَةً. والأَمْسَحُ: السَّيَّارُ فِي سِيَاحَتِه، قَالَ: والأَمْسَحُ: الكَذَّابُ:
وَفِي حَدِيث اللِّعان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ولد المُلاعَنَة: (إِن جَاءَتْ بِهِ مَمْسُوحَ الأَلْيَتَيْن) . قَالَ شمر هُوَ الَّذِي لَزِقت أَلْيَتَاه بالعَظْمِ.
رَجُلٌ أَمْسَحُ وامرأةٌ مَسْحَاء وَهِي الرَّسْحَاءُ، قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيْل.
وَقَالَ الفرّاء: المَسْحَاءُ: أرضٌ لَا نَبَات بهَا، يُقَال: مررتُ بِخَرِيقٍ بَين مَسْحاوَيْن، والخَرِيقُ: الأَرْض الَّتِي تَوَسَّطَها النَّبَات.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية جرداء كَثِيرَة الحَصَى لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا تُنبت، غَلِيظَةٌ جَلَدٌ تَضْرِبُ إِلَى الصَّلابَة مثل صَرْحَةِ المِرْبَد لَيست بقُفَ وَلَا سَهْلَة.
وخَصِيٌّ مَمْسُوحٌ إِذا سُلِتَتْ مَذَاكِيرُه.
ابْن شُمَيْل: مَسَحَه بالْقَوْل، وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ مَا يُحِبّ وَهُوَ يَخْدَعه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَسْحُ: الكَذِبُ، مَسَحَ مَسْحاً.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي بعض الْأَخْبَار: نرجو النصرَ على مَنْ خَالَفَنَا ومَسْحَةَ النِّقْمَة على مَنْ سعى عَلَى إمَامِنا. قيل: مَسْحَتُها: آيَتُها وحِلْيتُها، وَقيل مَعْنَاهُ: أنَّ أَعْنَاقهم تُمسَح أَي تُقْطَفُ.
قَول الله تَعَالَى: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} (آل عمرَان: 45) . قَالَ أَبُو مَنْصُور: سمى الله ابْتِدَاء أمره كلمة، لِأَنَّهُ ألْقى إِلَيْهَا الْكَلِمَة، ثمَّ كَون الْكَلِمَة بشرا. وَمعنى الْكَلِمَة: الْوَلَد. وَالْمعْنَى: يبشرك بِولد اسْمه الْمَسِيح. قَالَ الْحَرْبِيّ: سمي الدَّجَّال مسيحاً لِأَن عينه ممسوحة عَن أَن يبصر بهَا. وَسمي عِيسَى مسيحاً: اسْم خصّه الله بِهِ ولمسح زَكَرِيَّا إِيَّاه.
حمس: اللَّيْث: رَجُلٌ أَحْمَسُ: شُجَاعٌ، وعام

(4/205)


أَحْمسُ، وَسَنةٌ حَمْساء: شَدِيدة، ونَجْدَةٌ حَمْسَاءُ يُرِيد بِها الشَّجَاعَة، وأصابتهم سنُون أَحَامِسُ، وَلَو أَرَادوا مَحْض النَّعْت لقالوا: سِنُونَ حُمْسٌ، إِنَّمَا أَرَادوا بالسِّنين الأَحامِس على تَذْكِير الأعوام.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: التَّنُّورُ يُقَال لَهُ الوَطِيسُ والْحَمِيسُ.
قَالَ: والحُمْس: قُرَيش، وأَحْمَاسُ العَرَب: أَمَّهاتُهم من قُرَيْش، وَكَانُوا يَتَشَدَّدُون فِي دينهم، وَكَانُوا شجعان الْعَرَب لَا يُطاقُون، وَفِي قَيْس حُمْسٌ أَيْضا.
والحَمْسُ: جَرْسُ الرِّجال، وَأنْشد:
كأَنَّ صَوْتَ وَهْسِها تَحْتَ الدُّجَى
حَمْسُ رِجَالٍ سَمِعُوا صَوْتَ وَحَا
وأَخْبَرَني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: الحُمْسُ: قُرَيْش وَمن ولدت قُرَيْش وكنانة، وجَديلَةُ قيس، وهم فهْم وَعَدْوان ابْنا عَمْرو بن قَيْس عَيْلاَن، وَبَنُو عَامر بن صعصعة هَؤُلَاءِ الحُمْس، سُمُّوا حُمْساً لأَنهم تَحمَّسُوا فِي دينهم أَي تَشَدَّدوا، قَالَ: وَكَانَت الحُمْسُ سُكَّانَ الْحرم، وَكَانُوا لَا يخرجُون أَيَّام المَوْسِم إِلَى عَرَفَات، وَإِنَّمَا يقفون بالمُزْدَلِفة وَصَارَت بَنو عَامر من الحُمْس ولَيْسُوا من سَاكِني الحَرَم لِأَن أُمَّهُم قُرَشِيَّةً، وَهِي مَجْدُ بنت تَيْم بن مُرَّة.
قَالَ: وخُزَاعة سُمِّيَتْ خُزَاعَة لأَنهم كَانُوا من سكان الْحرم فَخُزِعُوا عَنهُ أَي أُخْرِجُوا، وَيُقَال: إِنَّهُم من قُرَيْش انْتَقَلُوا بِنَسَبهم إِلَى الْيمن وهم من الحُمسْ.
وأمَّا الأَحَامِسُ من الأَرْضِين فَإِن شَمِراً حكى عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: الأَحامِسُ: الأَرْض الَّتِي لَيْسَ بهَا كَلأُ وَلَا مرتَعٌ وَلَا مَطَرٌ وَلَا شَيْء.
أرضٌ أحَامِسُ، وَيُقَال: سنُون أَحَامِس، وَأنْشد:
لَنَا إبل لم نكتسِبْها بِغَدْرةٍ
وَلم يُفْنِ مَوْلاَها السِّنُون الأَحامِسُ
وَقَالَ آخر:
سَيذْهَب بِابْن العَبْدِ عَوْنُ بْنُ جَحْوَشٍ
ضَلالاً وتُقْنِيهَا السِّنونَ الأحَامِسُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: وَقع فلَان فِي هِنْد الأَحَامس إِذا وَقع فِي الداهية.
وَقَالَ شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَمْسُ: الضلال، والهَلكَة والشَّرُّ، وأنشدنا:
فإنكُم لَسْتُم بِدَارِ تُلُنَّةٍ
ولكنَّما أَنْتُم بهنْدِ الأحَامِس
وَقَالَ رؤبة:
لاقَيْن مِنْهُ حَمَساً حَمِيسا
مَعْنَاهُ: شِدَّةً وشَجَاعَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول عَمْرو:
بِتَثْلِيث مَا نَاصَيْتَ بَعْدِي الأحامِسَا
أَرَادَ قُرَيْشاً. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ بالأحامِس بني عامرٍ، لِأَن قُرَيْشاً ولدتهم، وَقيل: أَرَادَ الشجعان من جَمِيع النَّاس.
وَقَالَ اللِّحْيَاني: يُقَال: احْتَمَسَ الدِّيكان واحْتَمَشَا، وحَمِسَ الشَّرُّ وحَمِس إِذا اشْتَدَّ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَحْمَسُ: الوَرِعُ من

(4/206)


الرِّجَال الَّذِي يتشدد فِي دينه. والأَحْمَسُ: الشجاع، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
لَوْ بِي تَحمَّسْتِ الرِّكَابُ إِذا
مَا خَانَنِي حَسَبي وَلَا وَفْرِي
قَالَ شَمِر: تَحَمَّست: تَحَرَّمَتْ واستغاثت من الْحُمْسَةِ، وَقَالَ العَجَّاجُ:
وَلم يَهَبْنَ حُمْسَةً لأَحْمَسَا
وَلَا أَخَا عَقْدٍ وَلَا مُنْجَّسَا
يَقُول: لم يَهَبْنَ لذِي حُرْمَة حُرْمَة أَي رَكِبْنَ رؤوسهن.
وَفِي (النَّوَادِر) : الحَمِيسَةُ: القَلِيَّةُ، وقَدْ حَمَّسَ اللحمَ إِذا قَلاَه.
محس: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأمْحَسُ: الدَّبَّاغُ الحاذِقُ.
قلت: المَحْسُ والمَعْسُ: دَلْكُ الجِلْدِ ودِبَاغُه، أبدلت الْعين حاء.
(حسم) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَحْسَمُ: الرجلُ البازل القَاطِعُ للأمور. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَيْسَمُ: الرجلُ القَاطِعُ للأُمورِ الكَيِّسُ.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالزَّاي)
ح ز ط
أهملت وجوهه.
ح ز د
دحز: قَالَ اللَّيْث: الدَّحزُ وَهُوَ الْجِمَاع.
ح ز ت، ح ز ظ، ح زذ، ح ز ث: أهملت وجوهها.
(ح ز ر)
حزر، حرز، زحر، زرح، رزح: مستعملات.
زحر: قَالَ اللَّيْث: زَحَرَ يَزْحَرُ زَحِيراً، وَهُوَ إِخْرَاج النَّفَس بأَنِينٍ عِنْد عمل أَو شدَّة، وَكَذَلِكَ التَّزَحّر، وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا ولدت ولدا زَحَرَتْ بِهِ وتَزَحَّرَت عَنْهُ، وَأنْشد:
إِنِّي زعيم لَك أَن تَزحَّرِي
عَن وَارِمِ الْجَبْهَة ضخم المَنْخَرِ
يوقال: هُوَ يَتَزَحَّر بِمَالِه شُحّاً.
وَقَالَ ابْن السّسكيت: يُقَال: أَخذه الزَّحيرُ والزُّحَار، وَرجل زَحَّار. قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: أَنْشدني بعض كلب:
وَعند الْفقر زَحَّاراً أُنَانَا
حزر: قَالَ اللَّيْث الحَزَوَّرُ والجميع الحَزَاوِرَةُ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال للغلام إِذا راهق وَلم يدْرك بعدُ حَزَوَّرٌ، وَإِذا أدْرك وَقَوِي واشتدَّ فَهُوَ حَزَوَّرٌ أَيْضا، وَقَالَ النَّابِغَة:
نزع الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ
وَقَالَ أَرَادَ الْبَالِغ القَوِيَّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي (الأضداد) : الحَزَوَّرُ: الغلامُ إِذا اشْتَدَّ وَقَوي، والحَزَوَّرُ: الضعيفُ من الرِّجَال وَأنْشد:
وَمَا أَنا إنْ دَافَعْتُ مِصْرَاعَ بَابِه
بِذِي صَوْلة فَانٍ وَلَا بِحَزَوّر
وَقَالَ آخر:
إنَّ أحَقَّ النَّاسِ بالمَنِيَّهْ
حَزَوَّرٌ لَيْسَت لَهُ ذُرِّيَّهْ
قَالَ: أَرَادَ بالحَزَوَّر هَاهُنَا رجلا بالِغاً

(4/207)


ضَعِيفاً.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: قَالَ سَلَمَة: قَالَ الْفراء، قَالَ: أَخْبرنِي الأرْمُ عَن أبي عُبَيْدة، وَأَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي، وَابْن الْأَعرَابِي عَن المُفَضَّلُ قَالَ: الحَزَوَّرُ عِنْد العَرَب: الصَّغيرُ غَيرُ البَالغِ، وَمن العَرَب من يَجْعَل الحَزَوَّر: الْبَالِغ القَوِيّ الْبدن الَّذِي قد حمل السِّلَاح. قلتُ: وَالْقَوْل هُوَ هَذَا.
شَمِر عَن أبي عَمْرو: الحَزْوَرُ: الْمَكَان الغَلِيظُ، وَأنْشد:
فِي عَوْسَجِ الوَادِي ورَضْمِ الحَزْوَر
وَقَالَ عَبَّاسُ بن مِرْدَاسٍ:
وذابَ لُعَابُ الشَّمْس فِيهِ وأُزِّرَتْ
بِهِ قامِسَاتٌ من رِعَانٍ وحَزْوَر
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْرُ: حَزْرُك عدد الشَّيْء بالحَدْس، تَقول أَنا أَحْزِرُ هَذَا الطَّعَام كَذَا وَكَذَا قَفِيزا، قَالَ: والحَزْرُ: اللَّبنُ الحامض، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا اشتدَّت حُمُوضَة اللَّبن فَهُوَ حازر، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ حازر وحامزٌ بِمَعْنى وَاحِد.
ابْن شُمَيْل عَن المُنْتَجِع قَالَ: الحازر: دَقِيق الشَّعِير وَله ريح لَيْسَ بِطيب.
اللَّيْث: الحَزْرَةُ: خِيَارُ المَال، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث مُصَدِّقاً فَقَالَ: (لَا تأخُذ من حَزَرَات أَنْفسِ النَّاس شَيْئا، خُذِ الشَّارِفَ والبَكْر) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الْحَزرَةُ: خِيَارُ المَال: وَأنْشد:
الحَزَرَاتُ حَزَرَاتُ النّفْسِ
وَأنْشد شمر:
الحَزَرَاتُ حَزَرَاتُ القَلْبِ
اللُّبُنُ الغِزَار غيرُ اللُّجْبِ
حِقَاقُها الجِلادُ عِنْد اللَّزْبِ
قَالَ شمر: يُقَال: حَزَرات وحَزُرات.
وَقَالَ أَبُو سعيد: حَزَراتُ الأَمْوالِ: هِيَ الَّتِي يَوَدُّها أَرْبَابُها، وَلَيْسَ كل المَال الحَزَرَة، قَالَ: وَهِي العلائق، قَالَ: وَفِي مثل للْعَرَب:
واحَزْرَتِي وأبْتَغي النَّوافِلاَ
شَمِر عَن أبي عُبَيدة قَالَ: الحَزَرات: نُقَاوَةُ المالِ: الذّكر والأُنْثَى سَوَاء، يُقَال: هِيَ حَزْرَةُ مالِهِ وَهِي حَزْرَةُ قلبه، وَأنْشد شمر:
نُدَافِعُ عَنْهُم كلَّ يَوْم كَرِيهَةٍ
ونَبْذُلُ حَزْراتِ النُّفُوسِ ونَصْبِرُ
وَقيل لخيار المَال حَزْرة، لِأَن صاحِبها يَحْزُرها فِي نَفسه كلما رَآهَا، وَمن أَمْثَال الْعَرَب (عَدَا القَارِصُ فَحَزَر) يُضْرَبُ للأمْرِ إِذا بَلَغَ غايَتَه وأَفْعَمَ.
وَوَجْهٌ حازِرٌ: عَابِسٌ باسِرٌ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَزْرَةُ: النَّبِقَةُ المُرَّة، وتُصَغَّر حُزَيْرَة.
رزح: اللَّيْث: رزح البَعيرُ رُزُوحاً إِذا أَعْيَا فقَامَ. بَعيرٌ رازح وإبِلٌ رَزْحَى: وإبِلٌ مَرَازيحُ، وبَعير مِرْزَاحٌ كَذَلِك.
والمِرْزِيحُ: الصوتُ، وَأنْشد:
ذَرْ ذَا وَلَكِن تَبَصَّر هَل تَرى ظُعُناً
تُحْدَى لساقتِها بالدَّوِّ مِرْزِيحُ
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: الرَّازحُ: الْبَعِير

(4/208)


الَّذِي لَا يَتَحَرّك هُزَالاً، وَهُوَ الرازم أَيْضا. غَيره: وَقد رَزَحَ يَرزَحُ رُزوحاً ورَزاحاً.
النَّضر عَن الطَّائِفِي قَالَ: المِرْزَحَةُ: خَشبةٌ يُرْفعُ بهَا العِنَبُ إِذا سقط بعضُه على بعض.
والمِرْزَحُ: مَا اطمأنَّ من الأَرْض.
قَالَ الطِّرِمَّاح:
كَأَن الدُّجَى دونَ البلادِ مُوَكَّلٌ
ببَمَ بِجَنْبَيْ كلِّ عِلْوٍ ومِرْزَحِ
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: رزَح فلَان مَعْنَاهُ ضَعُفَ وَذهب مَا فِي يَده، وأصلُه من رَزاحِ الإبِل إِذا ضَعُفَت ولَصِقَت بِالْأَرْضِ فَلم يكن بهَا نُهوض. وَقيل: رَزَح، أُخِذَ من المَرْزَح، وَهُوَ المطمَئِنُّ من الأرضِ، كَأَنَّهُ ضَعُف عَن الارتقاء إِلَى مَا عَلاَ مِنْهَا.
زرح: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ شمر: الزَّرَاوِحُ: الرَّوابي الصغار، وَاحِدهَا زَرْوَح. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الزّرارِحُ من التلال: مُنبسِط من التلال لَا يُمسِك الماءَ رَأْسُه صَفَاة وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وتَرْجافُ أَلْحِيْهَا إِذا مَا تَنَصَّبَتْ
على رَافع الآلِ التِّلاَلُ الزَّراوحُ
قَالَ: والحَزَاوِرُ مثلهَا وَاحِدهَا حَزْورَةٌ، قَالَ: والمِزْرَحُ: المُتَطَأْطِىءُ من الأَرْض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: الزُّرَاحُ: النَّشِيطُو الحركات.
حرز: قَالَ اللَّيْث: الحِرْزُ: مَا أَحْرَزَك من موضعٍ وَغير ذَلِك. تَقول: هُوَ فِي حِرْزٍ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، واحترزتُ أَنا من فلَان أَي جعَلْتُ نَفسِي فِي حِرزٍ وَمَكَان حَريز، وَقد حَرُزَ حَرازةً وحَرَزاً.
قَالَ: والحَرَزُ هُوَ الخَطَر وَهُوَ الجَوْزُ المحكوك يَلْعَبُ بِهِ الصَّبيُّ، والجميع الأحْرازُ والأخْطَار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي (نوادره) : الحَرائِزُ من الْإِبِل: الَّتِي لَا تُبَاعُ نَفَاسَةً بهَا.
وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
يُبَاعُ إِذا بِيعَ التِّلاَدُ الحرائز
وَمن أمثالهم: (لَا حَرِيزَ من بَيْع) أَي أعطيتَنِي ثَمَناً أرضاه لم أَمْتنِع من بَيْعه.
وَقَالَ الراجز يصف فحلاً:
يَهْدِرُ فِي عَقَائلٍ حَرائِزِ
فِي مثل صُفْنِ الأَدَمِ المخَارِزِ
وَمن الأسماءَ حَرَّازٌ ومُحْرِزٌ وحَريزٌ.
رحز: مهمل.
ح ز ل
حزل، حلز، لحز، زلح، زحل: مستعملات
حزل: قَالَ اللَّيْث: الحَزْل من قَوْلك: احزألّ يَحْزَئِلُّ احزِئلالاً يُرادُ بِهِ الِارْتفَاع فِي السّير والأرضِ. قَالَ: والسحاب إِذا ارْتَفع نحوَ بَطْن السَّمَاء قيل احْزَأَلَّ، قَالَ: واحْزَأَلَّتِ الإبلُ إِذا اجْتمعت ثمَّ ارْتَفَعت عَن مَتْنٍ من الأَرْض فِي ذهابها.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المُحْزَئِلُّ:

(4/209)


الْمُرْتَفع وَأنْشد:
ذاتَ انْتِبَاذٍ عَن الحادِي إِذا بَرَكت
خَوَّتْ عَلَى ثَفِناتٍ مُحْزَئِلاَّتِ
وَقَالَ اللَّيْث: الاحتزال هُوَ الاحتزام بالثَّوْب، قلت: هَذَا تَصْحِيف، وَالصَّوَاب الاحتزاك بِالْكَاف. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي فِي بَاب ضروب اللُّبْس، وَأَصله من الحَزْكِ والحَزْق، وَهُوَ شِدَّةُ المَدِّ والشَّدِّ، وَقد مرَّ تَفْسِيره فِي بَاب الْحَاء وَالْكَاف.
وَقَالَ شمر: يُقَال للبعير إِذا بَرَك ثمَّ تَجافَى عَن الأَرْض قد احْزَأَلَّ. واحْزَأَلَّت الأكَمَةُ إِذا اجْتمعت، واحْزَأَلَّ فؤادُه إِذا انْضمَّ من الخَوْف. وَيُقَال: احْزَأَلَّ إِذا شَخَص.
زلح: قَالَ اللَّيْث: الزَّلْحُ من قَوْلك: قَصْعَة زَلَحْلَحَة، وَهِي الَّتِي لَا قَعْر لَهَا، وَأنْشد:
ثُمَّتَ جَاءُوا بقِصَاعٍ خَمْسِ
زَلَحْلَحَات ظاهِراتِ اليُبْسِ
أُخِذْنَ من السُّوقِ بِفَلْسٍ فَلْس
قَالَ: وَهِي كلمة على فعلل أَصله ثُلاثيّ أُلحِقَ بِبناء الخُماسيّ.
وَذكر ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيْرَة أَنه قَالَ: الزَّلَحْلَحَاتُ فِي بَاب القِصاع، واحدتها زَلَحْلَحَة.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الزُّلْحُ: الصِّحَافُ الكِبارُ، حذف الزِّيَادَة فِي جمعهَا.
لحز: قَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ لَحِزٌ: شحِيحُ النّفْس، وَأنْشد:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذا أُمِرَّت
عَلَيْه لِما لَهُ فِيهَا مُهِينا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: اللَّحِزُ: الضَّيِّقُ البخيلُ.
وأَخْبرني الإيادِيُّ عَن شَمِر قَالَ: يُقَال: رجُلٌ لِحْزٌ بِكَسْر اللَّام وإسْكانِ الْحَاء، ولَحِزٌ بِفَتْح اللَّام وَكسر الْحَاء أَي بخيل. قَالَ: وشَجَرٌ مُتَلاحِزٌ أَي مُتَضايِق دخل بعضه فِي بعض.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَجُلٌ لَحِزٌ. ولَحْزٌ وروى بَيت رُؤْبَة:
يُعْطِيكَ مِنْهُ الجودَ قبل اللَّحْزِ
أَي قبل أَن يَسْتَغْلِق ويَشْتَدّ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَفِي هَذِه القصيدة:
إِذا أَقَلَّ الخَيْرَ كُلُّ لِحْزِ
أَي كُلُّ لَحِز شَحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّلَحُّزُ: تَحَلُّبُ فِيك من أَكْلِ رُمَّانة أَو إجَّاصة شَهْوَةً لذَلِك.
والمَلاَحِزُ المَضَايِقُ.
حلز: قَالَ اللَّيْث: القَلْبُ يَتَحَلَّزُ عِنْد الحُزْنِ كالاعتصار فِيهِ والتَّوَجُّع.
وقَلْبٌ حَالِزٌ. وإنْسَانٌ حالِزٌ وَهُوَ ذُو (حَلْزٍ) .
ورَجُلٌ حِلِّزٌ أَي بخيل، وامرأةٌ حِلِّزَةٌ بَخِيلَةٌ.
أَبُو عُبَيْد: الحِلِّزُ والحِلِّزَةُ مِثْله وأنشدني الإيَادِيّ:

(4/210)


هيَ ابْنَةُ عَمِّ القوْمِ لَا كُلِّ حِلِّزٍ
كَصَخْرَةِ يَبْسٍ لَا يُغَيِّرُهَا البَلَلْ
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حَلَزُون: دابَّةٌ تكون فِي الرِّمْث جاءَ بِهِ فِي بَاب فَعَلُولٍ، وَذكر مَعَه الزَّرَجُون والقَرَقُوس، فَإِن كَانَت النُّون أَصْلِيَّة فالحرف رباعي، وَإِن كَانَت زَائِدَة فالحرف ثلاثي أَصْلُه حَلَزَ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ: الحِلِّزَةُ: ضَرْبٌ من النَّبَات، قَالَ: وَبِه سُمِّي الحارِثُ بن حِلِّزة.
قلت: وقُطْرب لَيْسَ من الثّقَات، وَله فِي اشتقاق الْأَسْمَاء حُرُوف مُنْفَرِدَة.
وَفِي نَوَادِر الْأَعْرَاب: احْتَلَزْتُ مِنْهُ حَقِّي أَي أَخَذْتُه. وتحَالَزْنا بالْكلَام: قَالَ لي وَقلت لَهُ. وَمثله: احْتَلَجْتُ مِنْهُ حَقِّي، وتحَالَجْنا بالْكلَام.
زحل: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للشَّيْء إِذا زَالَ عَن مَكَانَهُ زَحَل، وَمِنْه قَول لَبِيد:
لَو يقُومُ الفِيلُ أَوْ فَيَّالُه
زَلَّ عَن مِثْلِ مَقَامِي وَزَحَل
قَالَ: والناقة تَزْحَلُ زَحْلاً إِذا تأخَّرَتْ فِي سَيْرِها، وَأنْشد:
قد جَعَلَتْ نَابُ دُكَيْنٍ تَزْحَلُ
أُخْراً وَإِن صاحُوا بِهِ وحَلْحَلُوا
قَالَ: والمَزْحَلُ: الموْضِعُ الَّذِي تَزْحَلُ إِلَيْهِ، وَقَالَ الأخْطَل:
يَكُن عَن قُرَيْشٍ مُسْتَمازٌ ومَزْحَلُ
قَالَ: والزَّحُولُ من الْإِبِل: الَّتِي إِذا غَشِيتِ الحوضَ ضَرَبَ الذَّائِدُ وجْهَهَا فَوَلَّتْه عَجُزَها وَلم تَزَل تَزْحَلْ حَتَّى تَرِدَ الحوْضَ.
وَزُحَلُ: اسْم كَوكبٍ من الْكَوَاكِب الكُنَّس. وسُئِلَ مُحَمَّد بن يزِيد المُبَرَّدِ عَن صَرْفه فَقَالَ: لَا ينْصَرف لأنَّ فِيهِ العِلَّتَيْنِ: المَعْرِفَة والعُدُول.
وَقَالَ غيْرُه: قيل لهَذَا الْكَوْكَب زُحَلُ لِأَنَّهُ زَحل أَي بَعُد، وَيُقَال: إِنَّه فِي السَّمَاء السَّابِعَة وَالله أعلم.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: قيل لِابْنِهِ الخُسِّ: أيُّ الجِمالِ أَفْرَهُ؟ قَالَت: السِّبَحْلُ الزِّحَلّ، الرَّاحِلَةُ الفَحْلُ.
قَالَ: الزِّحَلُّ: الَّذِي يَزْحَلُ الإبَل، يُزَاحِمُها فِي الوِرْدِ حَتَّى يُنَحِّيها فَيَشْرَب، حَكَاهُ عَن الدُّبَيْرِي.
وَقَالَ أَبُو مَالك عَمْرو بن كِرْكِرَة: الزِّحْلِيفُ والزِّحْلِيلُ: المكانُ الضَّيِّقُ الزَّلِقُ من الصفَا وغَيْره.
ح زن
حزن، زنح، زحن، نحز، نزح: مستعملة.
حزن: قَالَ اللَّيْث: للْعَرَب فِي الحُزْن لُغَتَان، إِذا ثَقَلُوا فَتَحُوا، وَإِذا ضَمُّوا خَفَّفُوا، يُقَال: أَصَابَه حَزَنٌ شَدِيد وحُزْنٌ شَدِيد.
وروى يُونُس عَن أبي عَمْرو قَالَ: إِذا جَاءَ الحَزَنُ مَنُصُوباً فَتَحُوا، وَإِذا جَاءَ مَرْفُوعا أَو مكسوراً ضَمُّوا الْحَاء كَقَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} (يُوسُف: 84) أَي أَنَّهُ فِي مَوْضع خَفْض. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً} (التَّوْبَة: 92) أَي أَنه فِي مَوضِع النصب، وَقَالَ: {أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (يُوسُف: 86) ضمُّوا الْحَاء هَاهُنَا، قَالَ: وَفِي اسْتِعْمَال الْفِعْل

(4/211)


مِنْهُ لُغَتَانِ تَقول: حَزَنَني يَحْزُنُنِي حُزْناً فَأَنا محزون، وَيَقُولُونَ: أحزَنَني فَأَنا مُحْزَن وَهُوَ مُحْزِن، وَيَقُولُونَ: صوتٌ مُحْزِن، وأَمْرٌ مُحْزِن، وَلَا يَقُولُونَ: صَوت حَازِنٌ.
وَقَالَ غَيره: اللُّغَة الْعَالِيَة حَزَنَه يَحْزُنُه، وَأكْثر القُرَّاء قرأوا: {جُندٌ مٌّ حْضَرُونَ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا} (يس: 76) وَكَذَلِكَ قَوْله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ} (الأنعَام: 33) ، وَأما الْفِعْل اللَّازِم فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: حَزِنَ يَحْزَنُ حَزَناً لَا غير.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: لَا يَقُولُونَ: قَدْ حَزَنَه الأَمْرُ، وَيَقُولُونَ: يَحْزُنُه، فَإِذا قَالُوا أَفْعَلَه الله فَهُوَ بِالْألف.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر حِين ذكر الغَزْوَ ومنْ يَغْزُو ولاَ نِيَّةَ لهُ: (إنَّ الشيطَانَ يُحَزِّنُه) .
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ أَنه يوسوس إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ أَهْلَكَ ومالَكَ ويُنَدِّمُه حَتّى يُحَزِّنَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْنُ من الدَّوَاب وَالْأَرْض: مَا فِيهِ خُشُونَة، والأُنْثَى حَزْنة، وَالْفِعْل حَزُنَ يَحْزُنُ حُزُونة.
قلت: وَفِي بِلَاد الْعَرَب حَزْنان: أَحدهمَا: حَزْنُ بني يَرْبُوع، وَهُوَ مَرْبعٌ من مَرَابع الْعَرَب فِيهِ رِياضٌ وقِيعان، وَكَانَت الْعَرَب تَقول: مَن تَرَبَّعَ الحَزْنَ وتَشَتَّى الصَّمَّانَ وتَقَيَّظَ الشَّرَفَ فقَدْ أَخْصَبَ، والحَزْنُ الآخَرُ: مَا بَيْنَ زُبَالَةَ فَمَا فَوق ذَلِك مُصْعِداً فِي بِلَاد نجد، وَفِيه غِلَظٌ وارتفاع.
قَالَ ذَلِك أَبُو عُبَيد، وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: الْحَزنُ والحَزْمُ: الغَليظُ من الأَرْض.
وَقَالَ غَيره: الحَزْمُ من الأَرْض: مَا احْتَزَم من السَّيْلِ من نَجَوَاتِ المتُونِ والظهور، والجميع الحُزُومُ، والْحزنُ: مَا غَلُظَ من الأَرْض فِي ارْتِفَاع.
قلت: وَأَنا مُفَسِّرٌ الحَزْمَ من أَسْمَاء البِلاَد فِي بَابهَا إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أوَّلُ حُزُونِ الأَرْض قِفَافُها وجِبَالها وقَوَاقِيها وخَشِنُها ورَضْمُها، وَلَا تُعَدُّ أرضٌ طَيِّبَةٌ وَإِن جَلُدَتْ حَزْناً، وَجَمعهَا حُزُونٌ. قَالَ: وَيُقَال: حَزْنَةٌ وَحَزْنٌ. وَقد أَحْزَن الرَّجُلُ إِذا صَارَ فِي الحَزْنِ.
قَالَ: وَيُقَال للحَزْنِ حُزُنٌ لُغَتَانِ، وَأنْشد قَول ابْن مُقْبِل:
مَرَابِعُهُ الحُمْرُ من صَاحَةٍ
ومُصْطَافُهُ فِي الوُعُولِ الحُزُن
قلت: الحُزُن جَمْعُ حَزْنٍ
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُول الرجل لصاحِبِه: كَيْفَ حَشَمُك وحُزَانَتُك أَي كَيْفَ مَنْ تَتَحَزَّنُ بأَمْرِهم.
قَالَ: وتُسَمّى سَفَنْجَقَانِيّةُ الْعَرَب على الْعَجم فِي أول قُدُومهم الَّذِي استحقُّوا بِهِ من الدّور والضِّيَاع مَا اسْتَحَقُّوا حُزَانة.
قَالَ الأزْهَرِي: السَّفَنْجَقَانِيَّةُ: شَرْط كَانَ للْعَرَب على الْعَجم بخُراسان إِذا افْتَتَحُوا بَلَداً صُلْحاً أَن يَكُونُوا إِذا مَرَّ بهم الجُيُوشُ أَفْذَاذاً أَو جَمَاعات أَن يُنْزِلُوهم ويَقْرُوهُم ثمَّ يُزَوِّدُوهم إِلَى نَاحيَة أُخْرَى.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُزَانَةُ: عِيَال الرجل الَّذين يَتَحَزَّنُ لَهُم وبأَمْرِهم، قلت:

(4/212)


وَهَذَا كُله بِتَخْفِيف الزَّاي على فُعَالة.
زحن: قَالَ اللَّيْث: زَحَنَ الرَّجُلُ يَزْحَنُ زَحْناً وَكَذَلِكَ يَتَزَحَّنُ تَزَحُّناً، وَهُوَ بُطؤه عَن أَمْرِه وَعَمله.
قَالَ: وَإِذا أَرَادَ رَحِيلاً فعَرَض لَهُ شُغْلٌ فَبَطَّأَ بِهِ، قلت: لَهُ زَحْنَةٌ بَعْدُ.
قَالَ: والرَّجُلُ الزِّيْحَنَّةُ: المُتَبَاطِىء عِنْد الْحَاجة تُطْلَبُ إِلَيْهِ، وَأنْشد:
إِذا ماالْتَوَى الزِّيحَنَّةُ المتآزِفُ
وَقَالَ غَيره: التَّزَحُّنُ: التَّقَبُّض.
قلت: زَحَنٌ وَزَحَلٌ وَاحِد، وَالنُّون مُبْدَلَةٌ من اللَّام.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: الزَّحْنُ: الْحَرَكَة. قَالَ: وَيُقَال: زَحَنَه عَن مَكَانَهُ إِذا أزاله عَنهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزَّحْنَة: القَافِلَةُ بِثِقْلِها وتُبَّاعها وحَشَمِها.
قَالَ: والزُّحْنَةُ: مُنْعَطَفُ الْوَادي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رَجُلٌ زَحَنٌ وَامْرَأَة زُحَنَةٌ إِذا كَانَا قَصِيرَين.
نزح: اللَّيْث: نَزَحَتِ الدَّار فَهِيَ تَنْزَح نُزُوحاً إِذا بَعُدت، وبَلَدٌ نَازِحٌ وَوصل نَازِحٌ كل ذَلِك مَعْنَاهُ البُعْدُ، قَالَ: ونَزَحَتِ البِئْرُ ونَزَحْتُ ماءَها، وبئْرٌ نَزَحٌ يَصِفُها بِقِلَّةِ المَاءِ، وَنَزَحَتِ البئْرُ أَي قَلَّ مَاؤُها.
قَالَ: وَالصَّوَاب عِنْدنا نُزِحَت البِئْرُ أَي اسْتُقِي مَاؤُها.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: نَزَحَتِ البِئْرُ ونَكَزَت إِذا قَلَّ ماؤُها.
وَقَالَ الْكسَائي: فَهِيَ بِئْرٌ نَزَحٌ لَا مَاءَ فِيهَا، وجَمْعُها أَنْزَاحٌ.
وَقَالَ أَبُو ظَبْيَة الْأَعرَابِي: النَّزَحُ: المَاءُ الكَدِرُ.
نحز: اللَّيْث: النَّحْزُ كالنَّخْسِ. قَالَ: والنَّحْزُ: شِبْه الدَّقِّ والسَّحْقِ.
والراكب يَنْحَزُ بصدره وَاسِطَ الرَّحْلِ قَالَ ذُو الرُّمَّة:
يُنْحَزْنَ فِي جَانِبَيْهَا وَهِي تَنْسَلِبُ
قلت: معنى قَوْله: يُنْحَزْنَ فِي جانِبيها أَي يُدْفَعْن بالأعْقَاب فِي مَرَاكِلِها يَعْنِي الرِّكابَ.
قَالَ: والنُّحَازُ: سُعَال يأْخُذُ الإبِلَ والدَّوَابَّ فِي رِئاتِها، ونَاقَةٌ ناحِزٌ: بهَا نُحَازٌ.
أَبُو عُبَيْد عَنِ الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ بالبَعير سُعَال. قيل: بَعِير ناحِزٌ.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: نَاقَةٌ نحِزَة ومُنَحِّزَةٌ من النُّحَازِ.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثله وقَدْ نَحَزَ يَنْحِزُ ويَنْحَزُ.
وَقَالَ اللَّيْث: النّاحِزُ أَيْضا. أَنْ يُصِيبَ المِرْفَقُ كِرْكِرَةَ البَعير فَيُقَالُ بِهِ نَاحِزٌ.
قُلْتُ: لم أسمع النَّاحِزَ فِي بَاب الضَّاغِطِ لغير اللَّيْث، وَأرَاهُ أَرَادَ الحَازَّ فَغَيَّرَه.
وَقَالَ اللَّيْث: المِنْحازُ: مَا يُدَقُّ بِهِ، وَأنْشد.
دَقَّكَ بالمِنْحازِ حَبَّ الفُلْفُلِ
وَقَالَ الآخر:
نَحْزاً بِمِنْحَازٍ وهَرْساً هَرْسا
قَالَ: ونَحِيزَةُ الرَّجُلِ: طَبِيعَتُه، وتُجْمَع

(4/213)


على النَّحَائز.
والنَّحِيزَةُ من الأَرْضِ كالطِّبَّة مَمْدُودَة فِي بَطْنِ الأَرْض تَقُودُ الفَرَاسِخ وأقَلَّ من ذَلِك. قَالَ: ورُبّما جَاءَ فِي الشِّعر النحائز يُعْنَى بهَا طِبَبٌ كالخِرَق والأدَم إذَا قُطِعَت شُرُكاً طِوَالاً.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: النَّحِيزَةُ: طُرَّةٌ تُنْسَجُ ثُمَّ تُخَاط على شَفَةِ الشُّقَّةِ وَهِي العَرَقَةُ أَيْضا.
شَمِر عَن ابْن شُمَيْل: النَّحِيزَةُ: طَريقَة سَوْدَاء كأَنَّها خَطٌّ، مُسْتَوِية مَعَ الأَرْض خَشِنَة، لَا يكون عَرْضُها ذِراعين، وَإِنَّمَا هِيَ عَلاَمَةٌ فِي الأرضِ، وَالْجَمَاعَة النَّحَائز، وإنَّمَا هِيَ حِجَارَةٌ وَطِينٌ، والطِّينُ أَيْضاً أَسْوَد.
وَقَالَ الأصْمَعِيّ: النَّحِيزَةُ: الطَّرِيقُ بِعَيْنه شُبِّهَ بخطوط الثَّوْبِ، وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
فأقْبَلَها تَعْلُو النِّجَادَ عَشِيَّةً
عَلَى طُرُقٍ كأَنَّهُنَّ نَحَائزُ
وَقَالَ أَبُو زيد: النَّحِيزَةُ من الشَعَر: يكون عَرْضُها شِبْراً طَوِيلةٌ تُعَلَّقُ على الهَوْدَج، يُزَيّنُونَهُ بهَا، ورُبَّما رَقَمُوها بالعِهْن.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَّحِيزَةُ: النَّسِيجَةُ شِبْهُ الحَزام تكون على الفَسَاطِيط والبُيُوت تُنْسَجُ وَحْدَها فَكأَنَّ النَّحَائِزَ من الطُّرُقِ مُشَبَّهَةٌ بهَا.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: النَّحِيزَةُ: الجَبَلُ المُنْقَادُ فِي الأَرْض.
قلت: أَصْلُ النَّحِيزَة: الطّرِيقَةُ المُسْتَدِقَّة، وكل مَا قَالُوا فِيهَا فَهُوَ صَحِيح، وَلَيْسَ يُشَاكِلُ بَعْضُه بَعْضاً.
زنح: أهمله اللَّيْث.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: إِذا شَرِبَ الرجلُ المَاءَ فِي سُرْعَةِ إسَاغَةٍ فَهُوَ التَّزْنِيحُ.
قُلْتُ: وسَمَاعي من العَرَب: التَّزَنُّح. يُقَال: تَزَنَّحْتُ الماءَ تَزَنُّحاً إِذا شَرِبْتَه مَرَّة بعد أُخْرَى.
أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الأعْرَابي: زَنَّحَ الرجلُ إِذا ضَايَقَ إنْساناً فِي مُعَامَلَةٍ أَو دَيْنٍ. قَالَ: والزُّنُجُ: المُكَافِئُون على الخَيْرِ والشَّرِّ.
ح ز ف
حفز، زحف: (مستعملان) .
زحف: قَالَ اللَّيْث: الزَّحْفُ: جَمَاعَة يَزْحَفُون إِلَى عَدُوَ لَهُم بِمَرَّة، فَهُوَ الزَّحْفُ وَجمعه الزُّحُوف. والصَّبِيُّ يَتَزَحَّفُ على بَطْنه قبل أَن يَمْشِي، والبَعيرُ إِذا أَعْيا فَجَرَّ فِرْسَنَه. يُقَال: زَحَف يَزْحَفُ زَحْفاً، فَهُوَ زاحِف، والجميع الزواحف، وَقَالَ الفرزدق:
عَلَى زَوَاحِفَ تُزْجَى مُخُّهارِيرُ
قَالَ: وأَزْحَفَها طولُ السَّفَر، ويَزْدَحِفُون فِي معنى يَتَزَاحَفُونَ وَكَذَلِكَ يَتَزَحَّفُونَ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} (الأنفَال: 15) .
قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَال: أَزْحَفْتُ للْقَوْم إِذا ثَبَتَّ لَهُم، قَالَ: فَالْمَعْنى: إِذا واقَفْتُمُوهم لِلْقِتَالِ فَلَا تُوَلُّوهم الأدبار.
قُلتُ: أصل الزَّحْفِ لِلصَّبيِّ، وَهُوَ أَن يَزْحَفَ على إسته قبل أَن يقوم وَإِذا فعل ذَلِك على بَطْنه قيل قَدْ حَبَا، وشُبِّه بِزَحْف

(4/214)


ِ الصّبيان مَشْيُ الفِئَتَيْن تَلْتَقِيَان لِلْقِتَال فتمشي كل فِئَةٍ مَشْياً رُوَيْداً إِلَى الفئة الْأُخْرَى قبل التَّدَاني للضِّرَاب، وَهِي مَزَاحِفُ أهل الحَرْب، وَرُبمَا اسْتَجَنَّت الرَّجَّالَةُ بِجُنَبِها وتَزَاحَفَت من قُعُودٍ إِلَى أَن يَعْرِض لَهَا الضِّرابُ أَو الطِّعَان.
وَيُقَال: ناقَةٌ زَحُوف ومِزْحَافٌ وَهِي الَّتِي تَجُر فراسنها، قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي.
وَيُقَال أَزْحَفَ البَعِيرُ إِذا أَعْيَا فَقامَ على صَاحِبِه. وإبِلٌ مَزَاحِيفُ، وَقَالَ أبُو زُبَيْد الطَّائِي:
كَأَنَّ أوْبَ مَساحِي القَوْم فَوْقَهُم
طَيْرٌ تَعِيفُ عَلَى جُونٍ مَزَاحِيف
يصف حُفْرَة قبر عُثْمَان، وَكَانُوا حَفَروا لَهُ فِي الحَرّة فَشَبَّه الْمساحِي الَّتِي تُضْرَبُ بهَا الأَرْض بِطَيْرٍ عائِفَةٍ على إبِلٍ سود معايا، قد اسودَّت من العَرَق.
وَيُقَال: أزْحَفَ لَنَا عَدُوُّنا إزْحَافاً أَي صَارُوا يزْحَفُون إِلَيْنَا زَحْفاً ليقاتلونا، وَقَالَ العَجَّاجُ يصف الثور والكلابَ:
وانْشَمْن فِي غُبَارِه وَخَذْرَفا
مَعاً وشَتَّى فِي الغُبَارِ كالسَّفَا
مِثْلَيْن ثُمَّ أَزْحَفَت وأَزْحَفَا
أَي أَسْرَع، وأَصْلُه من حُذروف الصَّبي وازْدحَفَ القومُ ازدحافاً إِذا مَشَى بعْضُهم إِلَى بعض.
وَقَالَ أَبُو زيد: زَحَفَ المُعْيي يَزْحَفُ زَحْفاً وزُحُوفاً، وَيُقَال لكلِّ مُعْي زَاحِف مَهْزُولاً كَانَ أَو سميناً.
وَقَالَ أَبُو الصَّقْر: أَزْحَفَ البَعِيرُ فهُوَ مُزْحِف، قَالَ: وأزحَف الرجلُ إزْحَافاً إِذا انْتهى إِلَى غَايَة مَا طَلَبَ وأَرَادَ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: زَحِفْتُ فِي المَشْي وأَزْحَفْتُ إِذا أَعْيَيْتَ.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: الزَّاحفُ والزَّاحكُ: المُعْيي، يُقَال للذّكر والأُنْثى، وَأنْشد لكُثَيِّر:
فأُبن وَمَا مِنْهُنَّ من ذَاتِ نَجْدَةٍ
وَلَو بَلغَت إلاَّ تُرَى وَهْيَ زَاحِكُ
وتُجْمَع الزَّواحِفَ والزَّواحِك، وَقَالَ كُثَيِّر:
وقَدْ أُبْنَ أَنْضَاءً وهُنَّ زَواحِكُ
أَبُو عَمْرو: من الحَيَّات: الزَّحَّاف: وَهُوَ الَّذِي يَمْشي على أَثْنَائِهِ كَمَا تمْشي الأَفْعى. ومَزَاحِف السَّحَاب: حَيْثُ وَقع قطره وزحف إِلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة:
يقْرُو مَزَاحِف جَوْن ساقطِ الرَّبَبِ
أَرَادَ: ساقِط الرَّباب فَقَصَدَه وَقَالَ الرَّبَب.
وَقَوله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً} (الأنفَال: 15) الْمَعْنى إِذا لقيتُموهُم زاحفين: وَهُوَ أَن يَزْحَفُوا إِلَيْهِم قَلِيلا قَلِيلا. وزَحَفَ القومُ إِلَى القَومُ: دَلَفُوا إِلَيْهِم.
قَالَ أَبُو العَبَّاس: الزَّحْفُ: المَشْي قَلِيلا قَلِيلا. والزِّحَافُ فِي الشّعْر مِنْهُ، سقطَ مَا بَين الحرفين حَرْفٌ فَزَحَفَ أَحَدُهُما إِلَى الآخر، أَخْبرنِي المنْذِرِيُّ عَنهُ.
وناقَةٌ زَحُوفٌ إِذا كَانَت تَجُرّ رِجْلَيْها إِذا مَشَتْ ومِزْحاف قَالَه الْأَصْمَعِي.
حفز: قَالَ اللَّيْث: الحَفْزُ: حَثُّكَ الشَّيْء من خَلْفه سَوْقاً أَو غير سَوْق.

(4/215)


وَقَالَ الْأَعْشَى:
لَهَا فَخذَان يَحْفِزانِ مَحَالَها
وصُلْباً كَبُنيَان الصُّوَى مُتَلاَحِكا
وروى أَبُو عُبَيد عَن أبي نوح عَن يُونس ابْن أبي إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن عَليّ صلوَات الله عَلَيْهِ قَالَ: (إِذا صَلَّى الرجل فَلْيُخَوِّ، وَإِذا صَلَّت الْمَرْأَة فلْتُحَفِّز) أَي تَضَامَّ إِذا جَلَست وَإِذا سَجَدت.
أَبُو عمر فِي (النَّوَادِر) : والحَفَزُ: الأَجَل فِي لُغَة بني سعد، وَأنْشد بَعضهم هَذَا الْبَيْت:
أَو تَضْرِبوا حَفْزاً لِعَامٍ قَابل
أَي تضربوا أَجَلاً.
قَالَ: وَاللَّيْل يَحْفِزُ النهارَ أَي يَسُوقهُ، وَفِي حَدِيث أَنَس أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بتَمْر وَهُوَ محْتَفِزٌ فَجعل يَقْسِمه، قَالَ شَمِر: يَعْنِي أَنه كَانَ يَقسُمه وَهُوَ مُسْتَعْجِل.
قَالَ: وَمِنْه حَدِيث أبي بكرَة أَنه دَبَّ إِلَى الصَّفِّ راكِعاً وَقد حَفزهُ النَّفَس.
قلتُ وَأما قَوْله: وَهُوَ مُحْتفِز فَمَعْنَاه أَنه مُستوفِز غير مُتَمَكن من الأَرْض.
وَيُقَال حافَزْتُ الرَّجُلَ، إِذا جاثَيْتَه، وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
كَمَا بَادر الخَصْمُ اللَّجوجُ المُخافِزُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: معنى حافَزْتُه: دانَيْتُه.
وَقَالَ شمر: قَالَ بعض الكِلابيين: الحَفْزُ: تَقَارُب النَّفَس فِي الصَّدر، وَقَالَت امْرَأَة مِنْهُم: حَفْزُ النَّفَس حِينَ يَدْنو الإنسانُ من الْمَوْت، وَقَالَ العُكْلِيُّ: رأيتُ فُلاناً مَحْفُوزَ النَّفَس إِذا اشْتَدَّ بِهِ، وَأنْشد:
تُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوز
إرَاحَة الجَدَاية النَّفُوزِ
قَالَ: وَالرجل يَحْتَفِزُ فِي جُلُوسه كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يثور إِلَى الْقيام.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الاحْتِفازُ والاسْتِيفَاز والإقْعَاء وَاحِد.
وروى شُعْبَة عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد، قَالَ: ذُكِرَ القَدَرُ عِنْد ابْن عَبَّاس فاحْتَفَزَ وَقَالَ: (لَو رَأَيْت أحدَهم لعَضِضْتُ بِأَنْفِهِ) .
قَالَ النَّضر: احْتَفَزَ: اسْتَوَى جَالِسا على وَرِكَيْه.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأَعْرَابي: يُقَال: جعلتُ بيني وَبَين فلَان حَفَزاً أَي أمَداً، وَأنْشد غَيره:
وَالله أفعلُ مَا أردْتُم طَائِعاً
أَو تَضْرِبُوا حَفَزاً لعام قَابِلِ
والْحَوْفَزَان لقب لجَرَّارٍ من جَرَّارِي الْعَرَب، لُقِّبَ بِهِ لِأَن بِسْطَام بن قَيْس طَعَنَه فأعجله وَهُوَ من الْحَفزِ.
ح زب
اسْتعْمل من وجوهه: حَزَب، زحب.
زحب: قَالَ ابْن دُرَيْد: الزَّحْبُ: الدُّنُوّ من الأَرْض، زَحَبْتُ إِلَى فلَان وزحَبَ إليّ إِذا تَدَانيا.
قلت: جعل زَحَب بِمَعْنى زَحف، ولعلها لُغَة، وَلَا أحفظها لغيره.
حزب: قَالَ اللَّيْث: حَزَبَ الأمرُ فَهُوَ يَحْزُب حَزْباً إِذا نَابَكَ فَقَد حَزَبَك.

(4/216)


قَالَ: والحِزْبُ: أصحابُ الرجل مَعَه على رَأْيه، والمنافقون والكافرون حِزْبُ الشَّيْطَان، وكل قوم تَشَاكلت قُلُوبهم وأعمالهم فهم أَحْزَاب وَإِن لم يَلْقَ بعضُهم بَعْضًا بِمَنْزِلَة عادٍ وَثَمُود وَفرْعَوْن أُولَئِكَ الْأَحْزَاب. و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 53) أَي كُلُّ طَائِفَة: هَواهُم واحدٌ.
وتَحَزَّبَ القومُ إِذا تَجَمَّعُوا فصاروا أَحْزَاباً.
وحَزَّبَ فلانٌ أَحْزَاباً أَي جمعهم، وَقَالَ رؤبة:
لَقَدْ وَجَدتُ مُصْعَباً مُسْتَصْعَبا
حِينَ رَمَى الأَحْزَابَ والمُحَزِّبا
وَقَالَ غَيره: وِرْدُ الرجل من الْقُرْآن وَالصَّلَاة حِزْبُه.
والحِزْبُ: النَّصِيبُ، يُقَال: أعْطِني حِزْبي من المَال أَي حَظِّي ونَصِيبي.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِزْبَاءَةُ: أَرض غَلِيظَة حَزْنة، والجميع الحَزَابِيّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: الحِزْبَاءةُ: مَكَان غليظ مُرْتَفع.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَزَابِيُّ أماكِنُ مُنْقَادَةٌ غِلاَظٌ مُسْتَدِقَّة.
قَالَ: وبَعِيرٌ حَزَابِيَةٌ إِذا كَانَ غَلِيظاً، ورَجُلٌ حَزَابٍ وحَزَابِيَةٌ أَي غَلِيظٌ، وحِمَارٌ حَزَابِيَةٌ: غَلِيظٌ، وَقَالَ أميّة بن أبي عَائِذ الهُذَلي:
أَوَاصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدِّحَالِ
أَي حَامٍ نفسَه من الرُّماة وجرامِيزُه، نفسُه وجَسدُه، وحَيَدَى أَي ذُو حَيَدَى، وأنَّثَ حَيَدَى: لِأَنَّهُ أَرَادَ الفَعْلَة، وَقَوله: بالدِّحال أَي وَهُوَ يَكُون بالدِّحَالِ.
قَالَ: وَقَالَت امْرأَةٌ تَصِفُ رَكَبَها:
إنَّ هَنِي حَزَنْبَلٌ حَزَابِيهْ
إِذا قَعَدْتُ فَوْقَه نَبَابِيَهْ
وَقَالَ ابنُ شُمَيل: الحِزْبَاءَةُ: من أَغْلَظِ القُفِّ، مُرْتَفع ارْتِفاعاً هَيِّناً فِي قُفَ أَيَرَّ شَدِيدٍ، وَأنْشد:
إِذا الشَّرَكُ العَادِيُّ صَدَّ رأَيْتَها
لِرُوسِ الحَزَابِيِّ الغِلاَظِ تَسُومَ
وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْزَنُون: العَجُوزُ، قَالَ: والنُّونُ زَائِدَة كَمَا زيدت فِي الزَّيْتُون.
أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوي فِي الحَيْزَبون العَجُوز مثله.
سَلَمَة عَن الفرَّاء: الحِزْبُ: النَّوْبةُ فِي وُرُودِ المَاء. والحِزبُ: مَا يَجعله الرجلُ على نَفسه من قِرَاءَة وَصَلَاة والحِزْبُ: الصِّنْفُ من النَّاس.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحِزْبُ: الجَمَاعة من النَّاس والجِزْبُ (بِالْجِيم) : النَّصِيبُ.
وَفِي الحَدِيث: (طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبي من الْقُرْآن فأَحْبَبْتُ ألاَّ أَخْرُجَ حَتَّى أقْضِيَه) ، طَرَأَ عَلَي يُرِيد أَنَّه بَدَأَ فِي حزبه، كَأَنَّهُ طَلَع عَلَيْهِ من قَوْلك: طَرَأَ فلانٌ إِلَى بَلَد كَذَا وَكَذَا فَهُوَ طارىءٌ إِلَيْهِ أَي أَنه طلع إِلَيْهِ حَدِيثاً وَهُوَ غير تَانِىءٍ بِهِ.
والحازِبُ من الشُّغُلِ: مَا نَابَك.
ابْن الأَعْرَابيّ: حِمَارٌ حَزَابية وَهُوَ الحِمَارُ الْجِلْدُ.
ابْن السّكيت: رَجُلٌ حَزَابٍ وحَزَابِيَة وزَوَازٍ

(4/217)


وَزَوَازِيَة إِذا كَانَ غَليظاً إِلَى القِصَرِ ماهو، ورَجُلٌ هَوَاهِيَة إِذا كَانَ مَنْخُوبَ الفُؤَادِ.
ح زم
حزم، حمز، زحم، زمح، مزح، محز: مستعملات.
حزم: قَالَ اللَّيْث: الحَزْمُ: حَزْمُك الحَطَب حُزْمَةً.
والمِحْزَمُ: حِزامَةُ البَقْل، وَهُوَ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الحُزْمَة، وَأَنا أَحْزِمُه حَزْماً.
والحِزَامُ للدَّابَّة: والصَّبيّ فِي مهده. يُقَال: فَرَسٌ نَبِيلُ المَحْزِم.
قَالَ: والحَزِيمُ: مَوْضِعُ الحِزَام من الصَّدْرِ والظَّهْرِ كلِّه مَا اسْتَدار، يُقَال: قَدْ شَمَّر وشَدَّ حَزِيمَه وَأنْشد:
شَيْخٌ إِذا حُمِّلَ مَكْرُوهَةً
شَدَّ الحَيازِيمَ لَهَا والحَزِيمْ
قَالَ: والحَيْزُوم: وَسَطُ الصَّدْر الَّذِي تلتقي فِيهِ رُؤُوس الجَوَانح فَوق الرُّهابَة بِحِيَال الكاهِلِ.
قُلْتُ: فَرَّقَ اللَّيْث بَيْن الحَزِيم والْحَيْزُوم، ولَمْ أر لِغَيْره هَذَا الْفرق، وَقد اسْتَحْسَنْتُه لَهُ.
قَالَ: وحَيْزُوم: اسْم فرس جِبْرِيل، وَفِي الحَدِيث أَنه سَمِعَ صَوْته يَوْم بدر يَقُول: أَقْدِم حَيْزُوم.
قَالَ: والحَزْمُ: ضَبْطُ الرجل أمره وأَخْذُه فِيهِ بالثِّقَةِ، وَيُقَال: حَزُم الرجلُ يَحْزُمُ حَزَامَةً فَهُوَ حَازِمٌ: ذُو حَزْم.
قَالَ الْأَزْهَرِي: أُخِذَ الحَزْمُ فِي الْأُمُور، وَهُوَ الأَخْذُ بالثِّقَةِ من الْحَزمِ، وَهُوَ الشَّدُّ بالحِزام والحَبْلِ استيثاقاً مِنَ المَحْزُومِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْمُ من الأَرْض: مَا احْتَزَم من السَّيْل من نَجَوَات الأَرْضِ والظُّهُورِ، والجميع الحُزُوم.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الْحَزْمُ: مَا غَلُظَ من الأَرْض وكَثُرت حِجَارَتُه وأَشْرَف حتَّى صَار لَهُ أَقْبَالٌ، لَا تَعْلوه الإبِلُ والنَّاسُ إِلَّا بالجَهْدِ يَعْلونه من قِبَل قُبْلِه، وَهُوَ طِينٌ وحِجَارَة، وحجارَته أَغْلَظُ وأَخْشَنُ وأَكلَبُ من حِجَارَةِ الأكمة، غَيْرَ أَن ظَهْرَه عَرِيض طَوِيلٌ يَنْقَادُ الفَرسَخَيْن والثَّلاثَة، وَدون ذَاك لَا تَعْلوها الإبِلُ إِلَّا فِي طَرِيقٍ لَهُ قُبْلٌ مِثْلُ قُبْل الجِدَار، والحُزُومُ الجَمِيعُ. قَالَ: وقَدْ يكونُ الحَزْمُ فِي القُفِّ، لِأَنَّهُ جَبَلٌ وقُفٌّ، غير أَنه لَيْس بمستطيل مثل الجَبَل، قَالَ: وَلَا تَلْقَى الْحَزْمَ إلاَّ فِي خَشُونَةٍ وقُفَ، وقا المَرَّارُ بن سَعِيدٍ فِي حَزْمِ الأَنْعَمَيْن:
بِحَزْمِ الأَنْعَمَيْن لَهُنَّ حَادٍ
مُعَرَ ساقَهُ غَرِدٌ نَسُولُ
قَالَ: وَهِي حُزوم عِدَّة، فَمِنْهَا حَزْما شَعَبْعَب، وحَزْمُ خَزَازَى، وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْنُ الرِّقَاع فِي شِعْرِه فَقَالَ:
فَقُلْتُ لَهَا أَنَّى اهْتَدَيْت وَدُونَنَا
دُلوكٌ وأَشْرَافُ الجِبَالِ القَوَاهِرُ
وجَيْحَانُ جَيْحَانُ الجُيُوش وآلِسٌ
وحَزمٌ خَزَازَى والشُّعُوبُ القَوَاسِرُ
ويُرْوَى العَوَاسِرُ، وَمِنْهَا حَزْمُ جَدِيد، ذكره المَرَّارُ فَقَالَ:
يَقُول صِحَابي إِذْ نَظَرْتُ صَبَابَةً
بِحَزْمِ جَدِيدٍ مَا لِطَرْفِك يَطْمَحُ

(4/218)


ومِنها حَزْمُ الأَنْعَمَيْن الَّذِي ذكره المَرَّارُ أَيْضا.
الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَزَمُ كالغَصَصِ فِي الصَّدر، يُقَال مِنْهُ: حَزِمَ يَحْزَم حَزَماً، قَالَ: حَكاهُ لي الكِلاَبِيُّ والبَاهِليّ. وبَعيرٌ أَحْزَمُ: عظيمُ مَوضِع الحِزَام، والأَحْزَمُ هُوَ المَحْزِمُ أَيْضا، يُقَال: بَعيرٌ مُجْفَرُ الأحْزَمِ، وَقَالَ ابنُ فُسْوَةَ التَّمِيمِيّ:
تَرَى ظَلِفَاتِ الرَّحْلِ شُمّاً تُبِينُها
بأَحْزَمَ كالتَّابوتِ أَحْزَمَ مُجْفَرِ
وحَزْمَةُ: اسْم فرس مَعْرُوفَة من خيل العَرَب، وسَمَّى الأخْطَلُ الحَزْمَ من الأرْضِ حَيْزُوماً فَقَالَ:
فَظَلَّ بِحَيْزُومٍ يَفُلُّ نُسُورَه
ويُوجِعُها صَوَّانُه وأَعَابِلُه
ثَعْلَب عَن سَلَمَة عَن الفَرَّاء: رَجُلٌ حَازِمٌ وقَوْمٌ حُزَّمٌ وحُزَّامٌ وأَحْزَامٌ وحَزَمَةٌ وحَزَمٌ وحَزِيمٌ وحُزَمَاءٌ، وقَدْ حَزُمَ يَحْزُمُ وَهُوَ العاقِلُ الممَيِّزُ ذُو الحُنْكَةِ، وَقَالَ ابْن كَثْوَةَ: من أَمثَالهم: (إنَّ الوَحَا من طَعَام الحَزْمَةِ) يُضْرَبُ عِنْد التحَشُّدِ على الانكماشِ وحَمْدِ المنكَمِش، قَالَ: والحَزْمَةُ: الحزْمُ. وَيُقَال للرَّجُلِ: تحَزَّمْ فِي أمرِك أَي اقْبَلْه بالحزْمِ والوَثاقَة.
زحم: قَالَ اللَّيْث: الزَّحْمُ: أَن يَزْحَمَ القَوْمُ بعضُهم بَعْضاً منْ كَثْرةِ الزِّحَامِ إِذا ازدحموا، والأمْوَاجُ تَزْدَحِمْ إِذا الْتَطَمت، وَأنْشد:
تَزَاحُمَ المَوْج إِذا الموجُ الْتَطَمْ
وأَخْبَرَني المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: زَاحَمَ فُلاَنٌ الْأَرْبَعين وزَاهَمَها بِالْهَاءِ إِذا بَلَغَها، وَكَذَلِكَ: حَبَا لَهَا.
قَالَ: والفِيلُ والثَّوْرُ ذُو القَرْنَيْنِ يُكَنَّيَانِ بِمُزَاحِمٍ.
قَالَ: وأَبُو مُزَاحم: أَوَّلُ خَاقَان وَلِيَ التُّرْك وقاتَلَ العَرَب.
وَرَجُلٌ مِزْحَمٌ: يَزْحَمُ النَّاسَ فَيَدْفَعهم.
مزح: قَالَ اللَّيْث: المَزْحُ من قَوْلِك: مَزَح يَمْزَحُ مَزْحاً ومُزَاحاً ومُزَاحَةً، قَالَ: والمُزَاحُ الاسْمُ، والمِزَاحُ مَصْدَر كالمُمَازَحَةِ، مَازَحَهُ مِزَاحاً ومُمَازَحَةً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأَعْرَابي قَالَ: المُزَّحُ من الرِّجَال: الخارِجُون من طبع الثُّقَلاَء، المُتَمَيَّزُون من طَبْعِ البُغَضَاء.
زمح: قَالَ اللَّيْث: الزَّوْمَحُ: الأَسْوَدُ القَبِيحُ من الرِّجَال قَالَ: وَمِنْهُم مَنْ يَقُول: الزُّمَّحُ، أَبُو عُبَيْد عَن أَبي عَمْرو قَالَ: الزُّمَّحُ: القَصِيرُ من الرِّجَال الشِّرِّير، وَأنْشد شَمِر:
ولَمْ تَكُ شِهْدَارَةَ الأبْعَدين
وَلَا زُمَّحَ الأقْرَبينَ الشّرِيرا
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الزُّمَّحُ: القَصِيرُ السَّمِجُ الخِلْقَةِ السَّيِّءُ الأدَمُّ المشْئُوم قَالَ: والزُّمَّاحُ: طائِرٌ كَانَت الأعْرَاب تَقول: إِنَّه يَأْخُذُ الصَّبِيَّ من مَهْدِه
قَالَ: وَزَمَّحَ الرَّجُلُ إِذا قَتَلَ الزُّمَّاحَ، وَهُوَ هَذَا الطَّائِر الَّذِي يأخُذُ الصَّبِيّ وَأنْشد:
أَعَلَى العَهْدِ بَعْدَنَا أُمّ عَمْرٍ
ولَيْتَ شِعْرِي أَمْ عَاقها الزُّمَّاحُ
حمز: قَالَ اللَّيْث: تَقول: حَمَزَ اللَّوْمُ فؤادَه

(4/219)


وقلبَه أَي أوجعهُ:
أَبُو عُبَيْد: وسُئِلَ ابْن عَبَّاس: أَيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: أحْمَزُها يَعْني أمْتَنُها وأقْوَاها. قَالَ: وَيُقَال: رَجُلٌ حَمِيزُ الْفُؤَاد وحامِزٌ. وَقَالَ الشَّمَّاخُ فِي رجل بَاعَ قَوْساً من رَجلٍ:
فَلَمَّا شَرَاها فاضَت العَيْنُ عَبْرَةً
وَفِي القَلْب حَزَّازٌ من اللَّوم حامِزُ
وَقَالَ أنس بن مَالك: كَنَّاني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببقلة كُنْتُ أجْتَنِيها، وكانَ يُكْنَى أبَا حَمْزَة. قلت: والحَمْزَةُ فِي الطَّعامِ: شِبْه اللَّذْعَةِ والحَرَارَة كَطَعْمِ الخَرْدَلِ.
وَقَالَ أَبُو حاتِم: تَغَدَّى أعْرَابيٌّ مَعَ قَوْمٍ فاعْتَمَدَ على الخَرْدَل، فَقَالُوا: مَا يُعْجِبُك مِنْهُ؟ فَقَالَ: حَمْزَةٌ فيهِ وحَرَاوَةٌ. قلت: وَكَذَلِكَ الشيءُ الحامِضُ إِذا لَذَع اللِّسَان وقَرَصَه فَهُوَ حامِز، وَقَالَ فِي قَول الشَّمَّاخ:
وَفِي الصَّدْر حَزَّازٌ من اللَّوْمِ حَامِزُ
أَي مُمِضٌّ مُحْرِقٌ. وَقَول ابْن عَبَّاس: أحْمَزُها، يُرِيد أمضُّها وأشَقُّها، والبَقْلَةُ الَّتِي جناها أنَس كَانَ فِي طعمها لَذْعٌ للسان فسُمِّيَت البقْلَةُ حَمْزةً لِفِعْلِها، وكُنِي أنَسٌ أبَا حَمْزَة لِجَنْيه إيَّاها.
وَقَالَ اللِّحياني: كلّمْتُ فلَانا بكلِمَةٍ حَمَزَتْ فُؤَادَه أَي قَبَضَتْه وغَمَّتْه فَتَقَبَّضَ فؤادُه من الغَمِّ. ورُمَّانَةٌ حامِزَةٌ: فِيهَا حُمُوضة.
شَمِر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الحَمِيزُ: الظَّرِيفُ. ورَجُلٌ حَمِيزُ الْفُؤَاد أَي صُلْب الْفُؤَاد.
وَقَالَ الفَرَّاءُ: إشْرَب من نَبِيذك فَإِنَّهُ حَمُوزٌ لما تَجِدُ، أَي يهضمه.
وَفِي لُغَة هُذَيل: الحَمْزُ: التَّحْديدُ، يُقَال: حَمَزَ حَديدَتَه إِذا حَدَّدَها، وقَدْ جَاء ذَلِك فِي أشعارهم. وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقَال: فُلاَنٌ أحْمَزُ أمْراً من فُلاَنٍ إِذا كَانَ مُتَقَبِّضَ الأمْرِ مُشَمَّرَه، وَمِنْه اشْتُقَّ حَمْزَةُ، والحَامِزُ القَابِضُ.
محز: قَالَ اللَّيْث: المَحْزُ: النِّكاحُ، يُقَال: مَحَزَها، وأنْشَدَ لجَرِير:
مَحَزَ الفَرَزْدَقُ أمَّه من شَاعِرٍ
وقرأْت بِخَطِّ شَمِر:
رُبَّ فَتَاةٍ من بَنِي العِنَازِ
حَيَّاكَةٍ ذَاتِ هَنٍ كِنازِ
ذِي عَضُدَيْنِ مُكْلَئِزَ نَازِي
تَأَشُّ للقُبْلَةِ والمِحَازِ
أرادَ بالمِحازِ النَّيْكَ والجِماع.

(أَبْوَاب الْحَاء والطاء
ح ط د: مهمل. ح ط ت
تحط: قلت: تَحُوطُ: اسْم للقَحْطِ وَالتَّاء زَائِدَة. وَمِنْه قَول أوْس بنِ حَجَر:
الحافِظُ النَّاسَ فِي تَحُوطَ إذَا
لم يُرْسِلُوا تحْت عَائِذٍ رُبَعَا
قلت: كَأَن التَّاء فِي تحوط تَاء فعل مضارع، ثمَّ جعل اسْما معرفَة للسّنة، وَلَا يُجْري ذكرهَا فِي بَاب الْحَاء والطاء وَالتَّاء) .
ح ط ظ، ح ط ذ، ح ط ث: أهملت وجوهها.

(4/220)


ح ط ر
حطر، طحر، طرح: مستعملات.
حطر: أهمل اللَّيْث حطر، وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: حُطِرَ بِهِ، وكُلِتَ بِهِ، وجُلِدَ بِهِ إِذا صُرِعَ.
طحر: أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: طحَر يَطْحَر طَحِيراً إِذا زَحَرَ.
قَالَ اللَّيْث: الطَّحْرُ: قَذْفُ العَينِ بِقَذَاها، وَأنْشد:
تَرَى الشُّرَيْرِيغَ يَطْفُو فَوق طَاحِرَةٍ
مُسْحَنْطِراً ناظِراً نَحْو الشَّنَاغِيبِ
يصف عَيْنَ مَاء تَفُور بِالْمَاءِ، والشُّرَيْرِيغُ: الضِّفْدَعُ الصّغِيرُ، والطَّاحِرَةُ: العَيْنُ الَّتِي تَرْمِي مَا يُطْرَحُ فِيهَا لِشِدَّةِ حَمْوَةِ مَائِهَا من مَنْبَعِها وقُوَّةِ فَوَرانهِ، والشَّنَاغِيبُ والشَّغانيبُ: الأَغصَان الرّطبَة، وَاحِدهَا شُغْنُوب وشُنْغُوب: والمُسْحَنِطُر: المُشْرِفُ المُنْتَصِبُ.
وَقَالَ اللَّيْث: طَحَرَتِ العَيْنُ الغَمْصَ وَنَحْوه إِذا رَمَتْ بِهِ.
وقَوْسٌ مِطْحَرَةٌ: تَرْمِي سَهْمَهَا صُعُدًا لَا يقْصد إِلَى الرَّمِيَّة، قَالَ: والقَنَاةُ إِذا الْتَوْت فِي الثِّقَافِ فَوَثَبَت فَهِيَ مِطْحَرَةٌ.
وَقَالَ طَرَفَةُ:
طَحُورَان عُوَّارَ القَذَى فَتَراهما
كَمَكْحُولَتي مَذْعُورَةٍ أمِّ فَرْقد
قَالَ: والطَّحِيرُ: شِبْهُ الزَّحِير، وَقد طَحَرَ يَطْحِر طَحِيراً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: خَتَن الخاتِنُ الصَّبِيَّ فأَطْحَرَ قُلْفَتَه إِذا اسْتَأْصَلَها. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: اخْتُن هَذَا الْغُلَام وَلَا تَطَحَر أَي تَسْتَأْصِلُ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: طَحَرَه طَحْراً وَهُوَ أَن يَبْلُغَ بالشيءِ أَقْصَاه. وَيُقَال: أحفى شاربَه وأطحره إِذا ألزق جَزَّهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: يُقَالُ: مَافي السَّمَاء طَحَرَة وَلاَ غَيَايةٌ. ابْن السِّكِّيت عَن البَاهِليّ: مَا فِي السَّماء طَحَرَةٌ أَي شَيْء من غَيْم. قَالَ: وَقَالَ الأصْمَعِيّ: مَا عَلَيْه طَحَرَةٌ إِذا كانَ عَارِياً، وَمَا بَقِيَت على الإبِل من طَحَرة إِذا نَسَلَتْ أَوْبَارها.
وَقَالَ اللِّحياني: مَا عَلَى السَّمَاء طَحَرَةٌ ولاطخْرَةٌ بِالْحَاء وَالْخَاء.
وَقَالَ الباهِلي: مَا عَلَيْهِ طُحْرُورٌ أَي مَا عَلَيْهِ ثوب وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ طُخْرُور، وَهِي الطَّحَارِيرُ والطَّخَارِيرُ لِقَزَعِ السَّحَاب.
والمِطْحَرُ: السهْم البعيدُ الذّهاب، وَقيل: المِطْحَرُ مِنَ السِّهَام: الَّذِي قد أُلْزِقَ قَذَذُه. وقِدْحٌ مِطْحَرٌ إِذا كَانَ يُسْرِع خُروجُه فائزاً. وسَهْمٌ مِطْحَرٌ: يُبْعِدُ إِذا رُمِيَ بِهِ، وَمِنْه قَول أَبِي ذُؤَيْب:
فَرَمَى فَأَلْحَقَ صَاعِدِيًّا مِطْحَراً
بالكَشْح فاشْتَمَلتْ عَلَيه الأضْلُعُ
يُرْوَى مِطْحَراً ومُطْحَراً بمعنين مُخْتَلفين.
طرح: اللَّيْثُ: طَرَحْتُ الشيءَ أَطْرَحُه طَرْحاً. قَالَ: والطِّرْحُ: الشيءُ المَطْروحُ لَا حاجَةَ لأحَدٍ فِيهِ، والطُّرُوحُ مِنَ البِلاَد: البَعِيدُ.
أبُو عُبَيد: الطَّرَحُ: البُعْدُ، وأنْشَد للأعشى:
وتُرَى نارُك من ناءٍ طَرَحْ

(4/221)


وَقَالَ عُرَام: نِيَّةٌ طَوَحٌ وطَرَحٌ أَي بَعِيدَةٌ. وَقَالَ غَيره: قَوْسٌ طَرُوحٌ: يَبْعُدُ ذَهَابُ سهمها.
وَقَالَ الأصمَعِي: سَيْرٌ طُرَاحِيٌّ: شَديدٌ، وَقَالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْليّ:
بِسَيْرٍ طُرَاحِيَ تَرَى من نَجَائه
جُلُودَ المَهَارَى بالنَّدَى الجَوْنِ تَنْبُعُ
وَيُقَال: طَرَحَ بِهِ الدَّهْرُ كُلَّ مَطْرَحٍ إِذا نَأَى بِهِ عَن أهْلِهِ وعَشِيرَته.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: طَرِحَ الرّجُلُ إِذا سَاء خُلُقُه، وطَرِحَ إِذا تَنَعَّمَ تَنعُّماً وَاسِعًا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ: قَالَت امرأةٌ من العَرب: إنَّ زَوْجِي لَطَرُوح أَرَادَت أنّه إِذا جامَعَ أَحْبَلَ.
ح ط ل
حطل، حلط، طلح، طحل، لطح، لحط: مستعملات.
حطل: أهمل اللَّيْث حطل، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحِطْلُ. الذِّئْبُ والجميع أحطَالٌ.
لحط: أهمل اللَّيْث لحط، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: اللَّحْطُ: الرَّشُّ، لَحَط بابَ دَارِه إِذا رَشَّه بِالْمَاءِ. قَالَ: واللَّحْطُ: الزّبْنُ.
طلح: قَالَ اللَّيْث: الطَّلْحُ: شجر أم غَيْلاَن، لَهُ شوك أَحْجَنُ، وَهُوَ من أعظم العِضاه شوكاً وأصْلَبِه عودا وأجوده صمغا، والوحدة طَلْحَة. قَالَ: والطَّلْحُ فِي الْقُرْآن المَوْز.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} (الواقِعَة: 29) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه شجر المَوْز، قَالَ: والطلح: شجر أمِّ غَيْلاَن أَيْضا، قَالَ: وَجَائِز أَن يكون عُنِي بِهِ ذَلِك الشّجر، لِأَن لَهُ نَوْراً طيِّبَ الرَّائِحَةِ جِدّاً، فخُوطِبُوا وَوُعِدوا مَا يُحِبُّون مثله، إِلَّا أَن فَضله على مَا فِي الدُّنْيَا كفضل سَائِر مَا فِي الْجنَّة على سَائِر مَا فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مُجَاهِد: أعجبهم طَلْحُ وَجَ وحْسْنُه، فَقيل لَهُم: {مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} (الواقِعَة: 29) .
وَقَالَ الفَرَّاءُ: الطِّلاَح: جمعُ الطَّلْح من الشَّجَر، وأَنْشَد:
إنِّي زَعِيمٌ يَا نُوَيْ
قَةُ إنْ نَجَوْتِ من الزَّوَاحْ
أَن تَهْبِطِينَ بلادَ قَوْ
مٍ يَرْتَعُون من الطِّلاَحْ
أَبُو عُبَيد عَن الكِسَائي: يُقَال: إبِل طَلاَحَى وطَلِحَة إِذا رَعت الطَّلْحَ فاشتكت مِنْهُ وَكَذَلِكَ إبل أَرَاكَى وأرِكة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: سُمِّي طَلْحَة الطَّلَحات الخُزاعيّ بأمهاته، وأمّه صَفِيَّة بنتُ الْحَارِث بن طَلْحَة بن عبد منَاف. وَكَانَ يُقَال لطلْحَة بن عبيد الله طَلْحَة الْخَيْر، وَكَانَ من أَجْوَادِ الْعَرَب، وَمِمَّنْ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد: إِنَّه قد أَوْجَبَ.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: المُطَلِّح فِي الْكَلَام:
البَهَّات. والمُطَلِّح فِي المَال الظَّالِم.
والطِّلْحُ المُعْيِي. والطّلْحُ: القُراد. قَالَ: والطُّلُحُ: التَّعِبُون، والطِّلُحُ: الرُّعَاة.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّلاَحُ: نَقِيض الصّلاح،

(4/222)


والفِعْل طَلِحَ يَطْلَح طَلاَحاً. قلت وَقَالَ بَعضهم: رَجُلٌ طَالِحٌ أَي فاسِدُ الدّين لَا خَيْرَ فِيهِ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: الطَّلْحُ: مصدر طَلَحَ البعيرُ يُطْلَح طَلْحاً إِذا أَعْيَا وكَلَّ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: طَلِح البَعِيرُ.
قَالَ: والطَّلَحُ: النِّعْمَة، وَأنْشد قَول الأَعْشَى:
كم رَأينَا من أُناسٍ هَلَكُوا
ورأينا الْمَرْء عَمْراً بِطَلَح
وَقَالَ ابْن السّكيت: وَقيل: طَلَحَ فِي بَيت الأعْشَى: مَوضِع، وَقَالَ غَيره: أَتَى الأَعْشَى عَمْراً، وَكَانَ مَسْكَنه بِموضع يُقَال لَهُ ذُو طَلَح، وَكَانَ عَمْرو ملكا نَاعِمًا، فاجترأ الشَّاعِر بِذكر طَلَحَ دَلِيلا على النِّعْمَة، وعَلى طرح ذِي مِنْهُ، قَالَ: وَذُو طَلَح هُوَ الْموضع الَّذِي ذكره الحطيئة فَقَالَ وَهُوَ يُخَاطب عمر بن الْخطاب:
ماذَا تَقُولُ لأفْرَاخٍ بِذِي طَلَح
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا أضمره الكَلالُ والإعْيَاءُ قيل: طَلَحَ يَطْلَح طَلْحاً.
وَقَالَ شمر يُقَال سَار على النَّاقة حَتَّى طَلَحَها وطَلَّحها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّه لَطَلِيحُ سَفَر وطِلْحُ سَفَر ورَجِيعُ سَفَر ورَذِيَّةُ سَفَر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَعِيرٌ طَلِيحٌ، وناقَةٌ طَلِيحُ.
قَالَ: والمهزول من القُرَاد يُسَمّى طِلْحاً، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وقَدْ لَوَى أَنْفَه بِمِشْفَرِها
طِلْحٌ قَرَاشِيمُ: شاحِبٌ جَسَدُه.
القراشيم: القِرْدَان.
قَالَ ابْن السّكيت: إبِلٌ طِلاَحِيَّةٌ وطُلاَحِيَّةٌ للّتي تَأْكُل الطَّلْحَ، وَأنْشد:
كَيْفَ تَرَى وقْعَ طِلاَحِيَّاتها
لطح: قَالَ اللَّيْث: اللَّطْحُ قَالَ بَعضهم كاللَّطْخ إِذا جَفَّ وحُكَّ وَلم يبقَ أثَر. قَالَ: واللَّطْحُ: كالضَّرْبِ بالْيَد.
أَبُو عُبَيْد عَن أبي عُبَيْدَةَ: اللَّطْحُ: الضَّرْبُ بالْيَدِ، يُقَال مِنْهُ لَطَحْتُ الرجلَ بِالْأَرْضِ قَالَ غَيره: هُوَ الضَّرْبُ لَيْسَ بالشّديد بِبَطن الْكَفّ وَنَحْوه.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَلْطَحُ أُغَيْلِمَة بني الْمطلب لَيْلَةَ الْمزْدَلِفَة وَيَقُول: أُبَيْنِيّ، لَا تَرْمُوا جَمْرةَ العَقَبَة حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
طحل: قَالَ اللَّيْث: الطُّحْلَةُ: لَوْنٌ بَين الغُبْرَة والبَياض فِي سَواد قَلِيل كَسَواد الرَّمادِ، ذِئْب أَطْحَلُ ورماد أَطْحَل.
قَالَ: وشَرَاب طَاحِل إِذا لم يكن صافي اللَّوْنِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
وَبلدَةٍ تُكْسَى القَتامَ الطَّاحِلاَ
قَالَ: وعَنْزٌ طَحْلاَءُ، وَقد طَحِلَت طَحَلاً.
أَبُو زيد: ماءٌ طَحِل: كثِيرُ الطّحْلُبِ. ومَاءٌ طَحِل: كثِيرُ الطُّحْلُبِ. ومَاءٌ طَحِل: كَدِر، وَقَالَ زُهَيْر:
يَخْرُجْنَ من شَرَبَاتٍ ماؤُها طَحِل
عَلَى الْجُذُوع يَخَفْنَ الغَمَّ والغَرَقَا
وكِسَاءٌ أَطْحَلُ على لَوْنِ الطِّحَال.

(4/223)


وطِحَال: مَوضِع، وَقد ذكره ابْن مُقْبِل فَقَالَ:
لَيْتَ اللَّيَالي يَا كُبَيْشَةُ لم تَكُن
إلاَّ كَلَيْلَتِنا بِحَزْمِ طِحَال
وَمن أمثالهم: (ضَيَّعْتَ البِكارَ عَلَى طِحَال) ، يُضْرَبُ مَثَلاً لمن طلب حَاجَة إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وأصل ذَلِك أَن سُوَيْد بن أبي كَاهِل هَجَا بَنِي غُبَرَ فِي رَجَزٍ لَهُ، فَقَالَ:
منْ سَرَّهُ النَّيْكُ بِغَيْرِ مالِ
فالغُبَرِيّاتُ على طِحَالِ
شَوَاغِراً يُلْمِعْن بالقُفَّالِ
ثمَّ إِن سُوَيْداً أُسِرَ فَطَلَب إِلَى بني نُمَيْر أَن يُعينوه فِي فَكاكِه فَقَالُوا لَهُ: ضيَّعْتَ البِكارَ على طِحَال. والبِكارُ جمعَ بكْرٍ، وَهُوَ الفَتِيّ من الْإِبِل.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرَابي: الطَّحِل: الأسوَدُ، والطَّحِلُ: الماءُ المُطَحْلِبُ.
قَالَ: والطَّحِل: الغضبانُ. والطّحِلُ: المُلآنُ: وَأنْشد:
مَا إنْ يَرُودُ وَلَا يزَال فِراغُه
طَحِلاً ويمْنَعُه من الإعْيَالِ
حلط: قَالَ اللَّيْث: حَلَطَ فلانٌ إِذا نزل بِحَال مَهْلَكَةٍ.
قَالَ: والاحْتِلاَطُ: الِاجْتِهَاد فِي مَحْكٍ ولَجاجَةٍ.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحلْطُ: الغَضَبُ، والحَلْطُ القَسَمُ، والحَلْطُ: الإقامةُ بِالْمَكَانِ.
وَقَالَ: الحِلاَطُ: الغضَبُ الشديدُ. وَقَالَ فِي مَوضِع: الحُلُطُ: المُقْسِمُونَ على الشيءِ والحُلُطُ: المُقيمون فِي الْمَكَان، والحُلُطُ: الغُضَابى من النَّاس، والحُلُطُ: الهائِمُون فِي الصَّحَارَى عِشْقاً.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: أَحْرَضَ وَأَحْلَطَ اجْتَهدَ، وَمِنْه قيل: احْتَلَطَ فُلانٌ، وَقَالَ:
فأَلْقَى التَّهَامِيُّ مِنْهُمَا بِلَطَاتِه
وأَحْلَطَ هذَا لَا أَرِيمُ مَكانِيَا
قَال أَبُو عُبَيد: أَحْلَطَ: اجْتَهَدَ وحَلَفَ وَقَالَ: لَعلَّ الاحْتِلاطَ مِنْهُ.
قُلْتُ: احْتَلَطَ: غَضِبَ، واحْتَلَطَ: اجْتَهد.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي فِي قَول ابْن أَحْمَر: وأَحْلَطَ هَذَا أَي أَقَام وَيجوز حَلَفَ.
ح ط ن
حنط، حطن، طحن، نطح، نحط، طنح: مستعملات
طحن: قَالَ اللَّيْث: الطِّحْنُ: الطَّحِين المَطْحُون، والطَّحْنُ: الفِعْلُ، والطَّحَانَةُ: فِعْلُ الطَّحَّان.
قَالَ: والطّاحُونةُ والطَّحَّانَةُ: الَّتِي تَدور بِالْمَاءِ، والجميعُ الطّوَاحِين.
قَالَ: وكلّ سِنَ من الأضراس طاحِنَة. والطُّحَنَةُ: دُوَيْبَّةٌ كالجُعَلِ والجميع الطُّحَن قلتُ: الطُّحَنُ يَكون فِي الرَّمْل. وَيُقَال لَهُ الحْلَك وَلَا يُشْبِه الْجُعَل.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: الطُّحَنُ هُوَ لَيثُ عِفِرِّينَ مِثْلُ الفُسْتُقَةِ، لَوْنُه لوْنُ التُّرَاب.
وَقَالَ غَيْرُه: هُوَ على هَيْئَة العَظايَة. تَشْتَال بذَنبها كَمَا تفعلُ الخَلِفَةُ من الْإِبِل، يَقُول لَهَا الصِّبْيان: اطحَنِي لنا جِرَاباً، فيطحِّنُ

(4/224)


بِنَفسِهِ فِي الأَرْض حَتَّى يغيب فِيهَا. حكى ذَلِك كُله أَبُو حَاتِم عَن الأعْرَاب.
ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا كَانَ الرجلُ نِهَايَة فِي القِصَر فَهُوَ الطُّحَنَةُ.
وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الطُّحَنَةُ: دابَّةٌ دون القُنْفُذ تكون فِي الرمل تظّهَرُ أَحْيَاناً وتَدُور كأَنَّها تطحن ثمَّ تَغُوصُ، ويجتمع صِبيان الْأَعْرَاب لَهَا إِذا ظَهرت ويصيحون بهَا اطْحَنِي جِرَاباً أَو جرابَيْن.
وَيُقَال: طَحَنَتِ الأفْعَى إِذا دَخَلَتْ فِي الرَّمْلِ ورقَّقَتْه فَوْقهَا وأَخْرَجَتْ عَيْنَيها.
وَقَالَ الراجز يصف حَيَّة:
حَوَاه حاوٍ طَال مَا اسْتَبَاثَا
ذكورَها الطُّحَّنَ والأناثا
وَحكى النَّضْرُ عَن الجَعدِي قَالَ: الطاحن هُوَ الراكس من الدَّقُوقَةِ الَّذِي يَقُوم فِي وسط الكُدْسِ) .
وَمن أَمْثالهم: (أسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا أَرى طِحْناً) وَقد مرَّ تَفْسِيره.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء قَالَ. إِذا كَانَت الإبِل رِفَاقاً أَو مَعهَا أَهْلُها فَهِيَ الطَّحَّانَةُ والطَّحُونُ، والرَّطّانَةُ والرَّطون.
وَقَالَ غَيره: الطّحُون: اسْم للحرب، وَقيل هِيَ الكَتِيبَةُ من كتَائِب الخَيْل إِذا كَانَت ذَات شَوْكةٍ وكثْرَةٍ.
نطح: الليثُ: النَّطحُ لِلكباش وَنَحْوهَا، وتنَاطحَتِ الأمواجُ والسُّيول والرِّجال فِي الحَرْب.
أَبُو عُبَيْد: نَطَحَ يَنْطَح ويَنْطِحُ، قَالَ: والنَّطِيح: الَّذِي يَسْتَقْبِلُك من الظِّبَاءِ والطُّيورِ وَمَا يُزْجَر، قلت: وَغَيره يُسَمِّيهِ النَّاطِح.
وَأما النَّطِيحَةُ فِي سُورة الْمَائِدَة (3) فَهِيَ الشَّاةُ المَنْطوحَةُ تموتُ فَلَا يَحِلُّ أكلُها، وأُدخِلَت الهاءُ فِيهَا لِأَنَّهَا جُعِلت اسْما لَا نَعْتاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: من دوائر الخَيْل دَائِرَة اللَّطاةِ، وَهِي الَّتِي وسْطَ الجَبْهة، قَالَ فَإِن كَانَت دائرتانِ قَالُوا: فَرَسٌ نَطِيحٌ، قَالَ: ويُكْرهُ دائرتا النَّطيح.
وَيُقَال: انْتَطَحَتِ الكِباشُ وتنَاطَحَت بِمَعْنى وَاحِد، وَقَالَ:
اللَّيل داجٍ والكِباشُ تَنْتَطِحْ
وَيُقَال: أَصَابهُ ناطِحٌ أَي أمْر شَديدٌ، وكلُّ أَمر شديدٍ ذِي مَشَقَّةٍ ناطحٌ، قَالَ الرَّاعِي:
كَئِيبٌ يَرُدُّ اللَّهْفَتَيْن لأُمِّه
وَقد مَسَّهُ مِنَّا ومِنْهُنَّ ناطِحُ
يصف رجُلاً غيُورا.
نحط: قَالَ اللَّيْث: النَّحْطَةُ: داءٌ يُصيبُ الخيْلَ والإبِل فِي صُدورها، فَلَا تكَاد تسلَم مِنْهُ.
قَالَ: والنَّحْطُ: شِبْه الزَّفير.
يُقَال: نَحَطَ فَهُوَ منْحوط مثل نَحَزَ فَهُوَ منحوز، وَهُوَ سُعال خَشِن قلَّما تسلَم مِنْهُ.

(4/225)


والقَصَّارُ ينْحِطُ إِذا ضَرَبَ بِثَوبِه على الحَجَر ليكونَ أرْوَحَ لَهُ، وَهُوَ النَّحِيطُ، وَقَالَ الشَّاعِر أنْشدهُ الفرَّاء:
وتَنْحِطْ حَصَانٌ آخر اللَّيْلِ نَحْطةً
تَقَضَّبُ مِنْهَا أَو تَكادُ ضُلوعُها
حنط: اللَّيْث: الحِنْطةُ: البُرُّ، والحَنَّاطُ: بَيَّاعُه، والحِنَاطةُ: حِرْفَتُه.
قَالَ: والحَنُوط: يُخْلَطُ من الطّيب للْمَيت خاصَّة، وَفِي الحَدِيث أنَّ ثمُودَ لمّا استيقَنُوا بالعَذَاب تكَفَّنوا بالأَنْطَاع وتَحَنَّطُوا بالصَّبِر. قلت: هُوَ الحَنُوط والحِناطِ. وروى ابْن المُبَارَك عَن ابْن جُرَيْجٍ قلتُ لِعَطَاء: أَيُّ الحِنَاطِ أحَبُّ إِلَيْك؟ قَالَ: الكافور، قُلت: فأَين يُجْعل مِنْهُ؟ قَالَ: فِي مرافِغِه، قلت: وَفِي بطْنِه؟ قَالَ نعم، قلت: وَفِي مَرْجِعِ رِجْلَيْه ومأْبِضِه؟ قَالَ: نعم، قلت: وَفِي عَيْنَيْهِ وَأَنْفه وَأُذُنَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قلت: أيابساً يُجْعل الكافورُ أم يُبَلُّ بماءٍ؟ قَالَ: لَا بَلْ يَابسا، قلت: أتَكْرَهُ المِسْكَ حِنَاطاً؟ قَالَ: نعم.
قلْتُ: وَهَذَا يَدُلّ على أَن كلَّ مَا يُطَيَّب بِهِ الْمَيِّت من ذَرِيرةٍ أَو مِسْكٍ أَو عَنْبَرٍ أَو كافور وَغَيره من قَصَبٍ هِنْدِي أَو صَنْدلٍ مدقوق فَهُوَ كلّه حَنوط وحِناط.
قَالَ شمر: الرُّفْغَان: أصْلا الفَخِذَين. قَالَ: وَقَالَ بعض أَعْرَاب بني تَمِيم: الرُّفْغُ من الْمَرْأَة: مَا حَوْل فَرْجها، وَقد رَفَغ الرجل المرأةَ إِذا قَعَد بَين فخذيها، وَفِي الحَدِيث (إِذا الْتقَى الرُّفْغَان فقد وجَبَ الغُسْل) .
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للبَقْل إِذا بَلَغ أَن يُحْصَدَ حانِطٌ، وَقد حَنَطَ الزَّرعُ وأَحْنَطَ وأَجَزَّ وأشْوى إِذا بلَغ أَن يُحْصَد، قَالَ: وأوَرَس الرَّمْثُ وأحْنَطَ، ومِثْله خَضَبَ العرْفَجُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للرِّمث أوّل مَا يتفَطَّر ليخرج ورَقه قد أقْمَل، فَإِذا زَاد قَلِيلا قيل: قد أدْبى، فَإِذا ظَهرت خُضْرَته قيل: بَقَلَ، فَإِذا ابْيَضَّ وأدرَكَ قِيلَ حَنَط.
شَمِر: يُقَال: أحْنَطَ فَهُوَ حانِطٌ ومُحْنِطٌ كِلَاهُمَا، وإنَّه لَحَسنُ الحانِطِ، قَالَ: والحانِطُ والوارِسُ وَاحِد، وَأنْشد:
تَبَدَّلْن بَعْد الرَّفض فِي حانِط الغَضَى
أَبَانَا وغُلاَّناً بِهِ يَنْبُتُ السِّدْرُ
وَقَالَ غَيره: رجلٌ حانِطٌ: كثيرُ الحِنْطَةِ، وَإنَّهُ لحانِطُ الصُّرَّةِ أَي عَظيمُها يَعْنونَ صُرَّةَ الدَّرَاهِم.
وَيُقَال: حَنَطَ ونَحَطَ إِذا زَفَر، وَقَالَ الزَّفَيَانُ:
وانْجَدَل المِسْحَلُ يَكْبُو حانِطا
أَرَادَ ناحطاً يَزْفِرُ فَقَلَبَه. وَأهل اليَمن يسمون النَّبْلَ الَّذِي يُرْمَى بِهِ حَنْطاً.
وَفِي (نَوَادِر الأعْراب) : فُلانٌ حانِطٌ إليّ ومُسْتَحْنِطٌ إليّ ومُسْتَقْدِمٌ إليّ ونَاتِلٌ إليّ ومُسْتَنْتِلٌ إلَيّ إِذا كَانَ مائلاً عَلَيْهِ مَيْل عَداوة وشحناء.
أَخْبَرَني الْمُنْذِرِيّ عَن الطُّوسِيّ عَن الخَزّاز أَن ابْن الأعْرابي أَنشدَه:
لَو أَنَّ كابِيةَ بنَ حُرْقُوصٍ بهم
نَزَلَتْ قَلُوصِي حِين أَحْنَطَها الدَّمُ
أَحْنَطها أَي رَمَّلَها ودَمَّاها وجف عَلَيْهَا.

(4/226)


وَذكرت الْحِنْطىء فِي بَاب الرباعي، وَهُوَ الْقصير، وعَنْزٌ حِنْطِئَةٌ، لِأَن الْهمزَة أَصْلِيَّة.
طنح: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَخْبرنِي عبد الرحمان عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: يُقَال: طَنِحَتِ الإبلُ إِذا سَمِنَت بِالْحَاء، وطَنِخَت بِالْخَاءِ إِذا بَشِمَت، قَالَ: وَغَيره يجعلهما وَاحِدًا.
قلتُ: وَلم يُسْمَع طنح بِالْحَاء لغيره. وَأما طنخ فَمَعْنَاه اتّخم وَهُوَ صَحِيح.
حطن: أهمله اللَّيْث، والحِطَانُ: التيس، فَإِن كَانَ فِعَّالاً فالنون أَصْلِيَّة من حطن، وَإِن جعلته فعلاناً فَهُوَ من الحَطِّ.
ح ط ف
طحف، طفح، فطح، حطف: مستعملة.
طحف: قَالَ اللَّيْث: الطَّحْفُ: حَبّ يكون بِالْيمن يُطْبَخُ. قلت: هُوَ الطهف بِالْهَاءِ وَلَعَلَّ الْحَاء تبدل من الْهَاء.
فطح: قَالَ اللَّيْث: الفَطَح: عِرَضٌ فِي وسط الرَّأْس وَفِي الأَرْنَبةِ حَتَّى تلتزق بِالْوَجْهِ كالثَّوْرِ الأفطَح.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يَصِفُ الْهامَةَ:
قَبْصاءُ لم تُفْطَح وَلم تُكَتَّل
وَيُقَال: فطحتُ الحَدِيدَةَ إِذا عَرَّضْتَها وسَوَّيتَها كمِسْحَاةٍ أَو مِعْزَقٍ أَو غَيْرِه. قَالَ جرير:
لِفَطْحِ المسَاحي أَو لجدْلِ الأدَاهم
طفح: قَالَ اللَّيْث: طفح النَّهر إِذا امْتَلأ، ورأيته طافحاً: مُمْتَلِئاً، وَيُقَال للَّذي يَشْرَبُ الْخمر حَتَّى يمتلىء سكرا طافِحٌ.
قَالَ: والرِّيحُ تُطفح القُطْنَةَ إِذا سطعت بهَا.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الطُّفَاحَةُ: زَبَدُ القِدْر وَمَا عَلاَ مِنْهَا. وَيُقَال اطَّفَحْتُ طُفَاحَةَ القِدْرِ إِذا أَخَذْتَها، وَأنْشد شمر:
أَتَتْكُمُ الجوْفَاءُ جَوْعَى تَطَّفِحْ
طُفَاحَةَ الإثْرِ وطَوْراً تَجْتَدِحْ
وَقَالَ غَيره: ناقَةٌ طُفَّاحَة القوائم أَي سَرِيعَتُها، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
طُفَّاحَةُ الرِّجْلَيْنِ مَيْلَعَةٌ
سُرُحُ المِلاَطِ بَعِيدةُ القَدْرِ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدة: الطَّافِحُ والدِّهَاقُ والمَلآن وَاحِد، قَالَ: والطافح. الممتلىء الْمُرْتَفع، وَمِنْه قيل للسكران طافح أَي أَن الشَّرَاب قد ملأَهُ حَتَّى ارْتَفع، وَيُقَال: إطْفَح عَنِّي أَي إذْهَب عَنِّي.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الطَّافح: الَّذِي يَعْدُو، وَقد طَفَحَ يَطْفَحُ، وَقَالَ المُتَنَخِّل الهُذَلي يَصِفُ المُنْهَزِمِين:
كانُوا نعائم حَفَّانٍ مُنَفَّرَةٍ
مُغْطَ الحُلُوقِ إِذا مَا أُدْرِكُوا طَفَحْوا
أَي ذَهَبُوا فِي الأَرْض يَعْدُون.
حطف: الحَنْطَفُ: الضخم الْبَطن وَالنُّون فِيهِ زَائِدَة.
ح ط ب
حطب، حَبط، بطح: مستعملة.
حطب: أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: من أمثالهم فِي الْأَمر يُبرم وَلم يشهده صَاحبه قَوْلهم: (صَفْقَةٌ لم يشهدها حَاطِب) . قَالَ: وَكَانَ أَصله أَن بعض آل حَاطِب بَاعَ بيعَة غُبِن فِيهَا فَقيل ذَلِك.

(4/227)


قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَكْثَم بن صَيْفي: المِكْثَارُ كحاطب ليل.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَإِنَّمَا شبهه بحاطب اللَّيْل: لِأَنَّهُ رُبمَا نهشته الْحَيَّة، كَذَلِك المِكثارُ رُبمَا أَصَابَهُ فِي إكثاره بعضُ مَا يكره) .
قَالَ اللَّيْث: الحَطَب: مَعْرُوف، وَالْفِعْل مِنْهُ حَطَب يَحْطِب حَطْباً وحَطَباً. المُخفَّفُ مصدر، وَإِذا ثُقِّلَ فَهُوَ اسْم.
واحْتَطَب احْتِطَاباً، وحَطَبْتُ فُلاَناً إِذا احْتَطَبْتَ لَهُ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وهَلْ أَحْطِبَنَّ القَوْمَ وَهِي عَرِيَّةٌ
أُصُولَ أَلاءٍ فِي ثَرًى عَمِدٍ جَعْدِ
وَيُقَال للمُخَلِّط فِي كَلَامه أَو أَمْرِه حاطِب ليل، مَعْنَاهُ أَنه لَا يَتَفَقَّد كلامَه كالحاطب بِاللَّيْلِ الَّذِي يحطِبُ كُلَّ رَديء وجَيّد لِأَنَّهُ لَا يُبْصِر مَا يَجْمَع فِي حَبْله.
وَقَالَ غَيْرُه: شُبِّه الجانِي على نَفسه بِلِسَانِهِ بحاطب اللَّيْل لِأَنَّهُ إِذا حطب لَيْلاً رُبمَا وقَعتْ يَدُه على أَفْعَى فَنَهَشَتْه، وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يَزُمُّ لِسانَه ويَهْجُو الناسَ ويذُمُّهم رُبَّما كَانَ ذَلِك سَبَباً لِحَتْفه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: حَطَبَ فُلاَنٌ بفُلاَن إِذا سَعَى بِهِ.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (المَسَد: 4) فَإِنَّهُ جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهَا أُمّ جَمِيل امرأةُ أبي لَهَب، وكانتْ تمْشي بالنَّمِيمَةِ، وَمن ذَلِك قَوْل الشَّاعِر:
من البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ
ولَمْ تَمْشِ بَيْنَ الحَيِّ بالحَطَبِ الرَّطْبِ
أَي بالنميمة، وَقيل إِنَّهَا كَانَت تحمل شَوْك العِضاه فتطرحه فِي طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَرِيق أَصْحَابه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِنَبُ كل عَام يُقْطَع من أعاليه شَيْءٌ ويُسَمَّى مَا يُقْطَع مِنْهُ الحِطَابُ، يُقَال: قد اسْتَحْطَبَ عِنَبُكم فاحْطِبُوه حَطْباً أَي اقْطَعوا حَطَبَه.
وَيُقَال للَّذي يَحْتَطِب الحَطَبَ فيبِيعُه حَطَّاب، وَيُقَال: جاءَتِ الحَطَّابة.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعتُ بعضَهم يَقُول: احْتَطَبَ عَلَيْهِ فِي الْأَمر واحْتَقَبَ بِمَعْنى وَاحِد.
حَبط: قَالَ اللَّيْث: الحَبَطُ: وَجَعٌ يَأْخُذ البَعِيرَ فِي بَطْنِه من كلأ يَسْتَوْبِلُه، يُقَال: حَبِطَت الإبلُ تَحْبَط حَبَطاً، قَالَ: وَإِذا عَمِل الرجلُ عملا ثمَّ أفْسدهُ قيل: حَبِطَ عَمَلُه، وأَحْبَطه صاحِبُه، وأَحْبطَ الله أعْمَالَ مَنْ يُشْرِك بِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: حَبَطَ عَمَلُه يَحْبُط حَبْطاً وحُبُوطاً بِسُكُون الْبَاء، وحَبِطَ بطنُه إِذا انْتَفَخَ يَحْبَطُ حَبَطاً فَهُوَ حَبِطٌ، وَرَأَيْت بِخَط الأقْرَع فِي كتاب ابْن هانىء: حَبَطَ عَمَلُه يَحْبُط حُبُوطاً وحَبْطاً وَهُوَ أصَحّ.
وأمَّا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإنَّ مِمَّا يُنبِتُ الرّبيع مَا يقتل حَبَطاً أَو يُلِمّ) فَإِن أَبَا عُبَيد فَسَّرَ الحَبَط، وَترك من تَفْسِير هَذَا الحَدِيث أَشْيَاء لَا يَسْتَغْنِي أهل الْعلم عَن مَعْرفَتهَا، فذكرتُ الحديثَ على وَجهه لأفَسِّر مِنْهُ كلَّ مَا يُحتَاج إِلَيْهِ من تَفْسِيره.
حَدّثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن هاجَك قَالَ:

(4/228)


حَدثنَا عَليّ بن حُجْر، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونةَ عَن عَطاءِ بن يَسَار عَن أبي سَعِيد الخُدْرِي أَنه قَالَ: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المِنْبَر وجَلَسْنا حَوْلَه فَقَالَ: (إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم بعدِي مَا يُفْتَح عَلَيْكُم من زهرَة الدُّنْيَا وَزينتهَا) . قَالَ: فَقَالَ رجُلٌ: أَو يَأْتي الخَيْرُ بالشرِّ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: فَسكت عَنهُ رَسُول الله وَرَأَيْنا أَنّه يُنْزَلُ عَلَيْهِ فأَفَاقَ يمْسَح عَنهُ الرُّحَضاء، وَقَالَ: أَيْنَ هَذَا السَّائِل وكأنّه حَمِده فَقَالَ: إِنَّه لَا يأْتي الْخَيْرُ بالشَّرِّ وَإِن مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقتُل حَبطاً أَو يُلِمّ إِلَّا آكِلةَ الْخَضِر، فَإِنَّهَا أكلت حَتَّى إِذا امْتَلَأت خاصِرَتاها اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رَتَعَتْ، وإنَّ هَذَا المَال خَضِرَةٌ حُلْوَة، ونِعْمَ صاحِبُ المُسْلِم هُوَ لمن أعْطى الْمِسْكِين واليَتِيم وابنَ السَّبِيل أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله: (وإنّه مَنْ يأْخُذْه بِغَيْر حَقِّه فَهُوَ كالآكل الَّذِي لَا يَشبَع وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة.
قلت: وَإِنَّمَا تَقَصَّيْتُ رِواية هَذَا الْخَبَر لِأَنَّهُ إِذا بُتِر اسْتَغْلَقَ مَعْنَاهُ، وَفِيه مَثَلان: ضَرَبَ أحدَهما للمُفْرِط فِي جمع الدُّنْيَا ومَنْع مَا جَمَع من حَقّه، والمثل الآخر ضربه للمُقْتَصِد فِي جمع المَال وبذله فِي حَقّه.
وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإنّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُل حَبَطاً فَهُوَ مَثَلُ الحرِيص المُفْرِط فِي الْجمع والمَنْع وَذَلِكَ أَن الرَّبيع يُنبِت أَحْرارَ العُشْب الَّتِي تحْلَوْلِيها الماشِيَة فَتَسْتَكْثِر مِنْهَا حَتَّى تَنْتَفِخَ بطونها وتَهْلِكُ، كَذَلِك الَّذِي يجمع الدُّنْيَا ويحرص عَلَيْهَا ويَشحُّ على مَا جَمَعَ حَتَّى يمنَع ذَا الحقِّ حَقّه مِنْهَا، يَهلِكُ فِي الْآخِرَة بِدُخُول النَّار واستِيجابِ الْعَذَاب) . وأمَّا مَثَلُ المُقْتَصِد الْمَحْمُود، فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِلَّا آكِلَة الخَضِر فَإِنَّهَا أكلَتْ حَتَّى إِذا امْتَلَأت خواصِرُها استَقْبَلَتْ عينَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رتَعَت، وَذَلِكَ أَن الخَضِر لَيْسَ من أَحْرار الْبُقُول الَّتِي تستكثر مِنْهَا الْمَاشِيَة فتُهْلكُه أكْلاً وَلكنه من الجَنْبَة الَّتِي ترْعاها بَعدَ هَيْج العُشبِ ويُبْسِه. وأكثرُ مَا رَأَيْت الْعَرَب يَجعَلون الخضِرَ مَا اخضَرَّ من الحَلِيّ الَّذِي لم يَصْفَرّ، والماشِيَةُ ترتَع مِنْهُ شَيئاً شَيئاً وَلَا تستكثر مِنْهُ فَلَا تحبَطُ بطونُها عَنهُ، وَقد ذكره طرفَةُ فَبيَّن أَنه من نَبَات الصَّيف فِي قَوْله:
كنَباتِ المخْزِ يمأَدْنَ إِذا
أنَبتَ الصَّيفُ عَسَالِيجَ الخَضِر
فالخَضِر من كلأ الصَّيف، وَلَيْسَ من أَحْرَار بقول الرّبيع، والنَّعَم لَا تَسْتَوْبله وَلَا تحبَط بُوطنها عَنهُ، وأمَّا الخُضارَة فَهِيَ من الْبُقُول الشتوية وَلَيْسَت من الْجَنبة فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكِلَة الخَضِر مثلا لمن يَقْتَصِد فِي أَخذ الدُّنْيَا وَجَمعهَا وَلَا يسرف فِي قَمّها والحِرْص عَلَيْها وَأَنه ينجو من وَبَالِها كَمَا نَجَت آكِلَة الخَضِر، أَلا تَرَاه قَالَ: فَإِنَّهَا إِذا أَصَابَت من الخِضِر اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَت وبالت، وَإِذا ثَلَطَت فقد ذهب حَبَطُها، وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الماشِيَةُ إِذا لم تَثْلِط ولَمْ تَبُلْ وأْتُطِمَت عَلَيْهَا بطونها. وَأما قَوْله ج: (إِن هَذَا

(4/229)


المَالَ خَضِرَةٌ حُلوْة) فالخَضِرَةُ هَاهُنَا الناعمة الغَضَّةُ، وحَثَّ على إِعْطَاء الْمِسْكِين واليتيم مِنْهُ مَعَ حَلاَوَتِه ورغبته ورغبة النَّاس فِيهِ لِيَقِيَه الله وَبالَ نَعْمتها فِي دُنْيَاهُ وآخرته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَبِطَاتُ: حَيٌّ من تَمِيم، مِنْهُم المِسْوَر بن عَبّادٍ الحَبَطِيّ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: إِنَّمَا سُمُّوا الحَبطات: لِأَن أحدهم الحارثَ بن مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم الحَبِط كَانَ فِي سفر فأَصابه مِثْلُ الحَبَط الَّذِي يُصِيبُ المَاشِيَة فَنُسِبُوا إِلَيْهِ، وَقيل: فُلاَنٌ الحَبَطيّ، قَالَ وَإِذا نَسَبُوا إِلَى الحَبِط قَالُوا حَبَطِيٌّ، وَإِلَى سَلِمَة قَالُوا سَلَمِيّ، وَإِلَى شَقِرَة قَالُوا شَقَرِيّ، وَذَلِكَ أَنهم كَرهُوا كَثْرةَ الكسرات فَفَتَحُوا.
قلت: وَلَا أرى حَبْطَ العَمَلَ وبُطْلاَنَه مأخوذاً إِلَّا من حبَط البَطْن: لِأَن صَاحب الحَبط يَهْلِك وَكَذَلِكَ عَمَل المُنافق والمُشْرِك يَحْبط غير أنَّهم سكنوا الْبَاء من قَوْلهم: حَبِطَ عملُه يَحْبَطَ حَبْطاً وحركوها من حَبِط بَطْنَه يَحْبَط حَبَطاً، كَذَلِك أُثْبِتَ لنا عَن ابْن السِّكِّيت وغَيْرِه.
وَيُقَال: حَبِطَ دَمُ الْقَتِيل يَحْبَطُ حَبْطاً إِذا هُدِرَ، وحَبِط مَاءُ الْبِئْر حَبْطاً إِذا ذَهَب.
وَأَخْبرنِي أَبُو بكر بن عُثْمَان عَن أبي حَاتِم عَن أبي زيد أَنه حكى عَن أَعْرَابي قَرَأَ: (فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُه) بِفَتْح الْبَاء، وَقَالَ: يَحْبُط حُبُوطاً.
قلت: وَلم أسمع هَذَا لغيره، والقِرَاءةُ: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (الْمَائِدَة: 5) .
وَيُقَال: فَرَسٌ حَبِطُ القُصَيْرَى إِذا كَانَ مُنْتَفِخَ الخَاصِرَتَيْن، وَمِنْه قَول الجَعْدي:
فَلِيقُ النَّسَا حَبِطُ المَوْقِفَيْ
ن يَسْتَنُّ كالصَّدَعِ الأشْعَبِ
وَلَا يَقُولُونَ حَبِط للْفرس حَتَّى يُضِيفُوه إِلَى القُصَيْرى أَو إِلَى الخاصرة أَو إِلَى الْموقف، لأنَّ حَبَطَه انْتِفاخُ خَوَاصِرِه.
(بطح) : قَالَ اللَّيْث: البَطْحُ من قَوْلك: بَطَحَه على وَجهه فانْبَطَح، قَالَ والبَطْحاءُ: مَسِيلٌ فِيهِ دُقَاقُ الحَصَى، فَإِذا اتَّسَع وعَرُض فَهُوَ أَبْطَحُ، وبَطْحَاءُ مَكَّة وأَبْطَحُها.
قَالَ: ومِنًى من الأبْطِح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قُرَيْش البِطَاح هم الَّذين ينزلون الشِّعْبَ بَين أَخْشَبَيْ مكّة، وقُريش الظَّوَاهِر: الَّذين ينزلون خَارِجَ الشِّعْبِ، وأكرمهما قُرَيْش البِطَاح.
وتَبَطَّح فلانٌ إِذا اسْبَطَرَّ على وَجهه مُمْتداً على وَجه الأَرْض، وَمِنْه قَول الراجز:
إِذا تَبَطَّحْنَ عَلَى المَحَامِلِ
تَبَطُّحَ البَطِّ بِجَنْبِ الساحِلِ
وَفِي (النَّوَادِر) : البُطاحُ: مرض يَأْخُذ من الحُمَّى.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البُطَاحِيُّ مَأْخُوذ من البُطَاح، وَهُوَ الْمَرَض الشَّديد.
وبُطَاح: منزل لبني يَرْبُوع وَقد ذكره لبيد

(4/230)


فَقَالَ:
تَرَبَّعَتِ الأشْرَافَ ثُمَّ تَصَيَّفَت
حِسَاءَ البُطَاحِ وانْتَجَعْنَ السَّلاَئلاَ
والبَطِيحَةُ مَا بَيْنَ واسِط والبَصْرَة: ماءٌ مُسْتَنْقِعٌ لَا يُرى طرفاه من سعته، وَهُوَ مَغِيضُ مَاء دِجْلَة والفرات، وَكَذَلِكَ مَغَايض مَا بَيْنَ الْبَصْرَة والأهْوَاز، والطَّفُّ: ساحِلُ البَطِيحَة وَهِي البَطَائح.
وتَبَطَّحَ السَّيلُ إِذا سَالَ سَيْلاً عريضاً، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَلَا زَالَ من نَوْءِ السِّمَاكِ عَلَيْكُما
ونوءِ الثُّريَّا وَابِلٌ مُتَبَطِّح
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: هُوَ بَطْحَةُ رَجُل مثل قَوْلك: قامةُ رَجُل.
وَقَالَ النَّضر: الأبْطَحُ: بَطْنُ المَيْثَاء والتَّلْعة والوادي وَهُوَ البَطْحَاء، وَهُوَ التُّرَاب السهل فِي بطونها مِمَّا قد جَرَّتْه السُّيُول، يُقَالُ: أَتَيْنَا أَبْطَحَ الوَادِي فَنِمْنَا عَلَيْه، وبَطْحَاؤُه مِثْلُه، وَهُوَ تُرَابُه وحَصَاهُ السهل اللَّيِّنُ، والجميع الأبَاطِحُ لَا تنْبت شَيْئا إِنَّمَا هِيَ بَطْن المَسيل، وَيُقَال: قد انْبَطَح الْوَادي بِهَذَا الْمَكَان أَي اسْتَوْسَع فِيهِ.
أَبُو عَمْرو: البَطِحُ: رمل فِي بطحاء وسُمِّي المكانُ أَبْطَح: لِأَن المَاء يَنْبَطِح فِيهِ أَي يَذهبَ يَميناً وَشمَالًا، والبَطِحُ بِمَعْنى الأَبْطَح. وَقَالَ لبيد:
يَزَعُ الهَيَام عَن الثَّرَى ويَمُدُّه
بَطِحٌ يُهايِلُه عَلَى الكُثْبَانِ
حَدَّثَنا أبُو يَزِيد عَن عبد الجَبّار عَن سُفْيَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عُمَرُ أولَ مَنْ بَطَحَ المَسْجِدَ، وَقَالَ: ابْطَحُوه من الْوَادي المُبَارك، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَائِما بالعَقِيقِ فَقيل لَهُ: إنَّكَ بالوادي المُبَارَك. قَوْله: بَطَحَ الْمَسْجِد أَي ألْقَى فِيهِ الحَصَى وَوَثَّرَه بِهِ.
قَالَ ابْن شُمَيْل: بَطْحَاءُ الْوَادي وأَبَطَحُه: حَصَاهُ السَّهْلُ اللَّيِّنُ فِي بَطْن المَسِيل.
ح ط م
حطم، حمط، طمح، طحم، مطح، محط: مستعملات.
حطم: قَالَ: اللَّيْث: الحَطْمُ: كَسْرُك الشيءَ اليَابِسَ كالعَظْم وَنَحْوه، حَطَمْتُه فانْحَطَم، والحُطام: مَا تكَسَّر من ذَلِك، وقِشْرُ البَيْض إذَا تكَسَّر حُطَامه. وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كأنَّ حُطَامَ قَيْضِ الصَّيْفِ فِيهِ
فَرَاشُ صَمِيم أقحَافِ الشُّؤُون
والحَطْمَةُ: السّنَةُ الشَّدِيدةُ، وحَطْمةُ الأسَدِ: عَيْثُه وفَرْسُه لِلْمَالِ.
وحِجْرُ مَكَّة يُقَال لَهُ: الحَطيم مِمَّا يَلِي المِيزَاب.
أَبُو دَاوُد عَن النَّضر: الحَطِيمُ: الَّذِي فِيهِ المِيْزَاب، وَإِنَّمَا سُمِّي حَطيماً لِأَن البَيْت رُفِعَ وتُرِك ذَاكَ مَحْطُوماً.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: رجل حُطَمَة إِذا كَانَ كَثِيرَ الأَكْلِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للنار الشَّدِيدَة: حُطَمة.
وحَطَمَ فُلاَناً أهلُه إِذا كَبِرَ فيهم كَأَنَّهُمْ صَيَّرُوه شَيْخاً محْطُوماً بُطُولِ الصّحْبَة.

(4/231)


وَقَالَت عائِشَةُ فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا حَطَمْتُمُوه.
وَيُقَال للجَوَارس حَاطُوم وهَاضوم وحُطَامُ الدُّنْيَا: عَرَضُها وأَثَرُها وزِينَتُها.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ} (الهُمَزة: 4) ، الحُطَمَةُ: اسْمٌ من أَسْمَاء النَّار.
وَيُقَال: شَرُّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ، وَهُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يُمكن رَعِيَّتُه من المَرَاتَع الخَصِيبَة ويقبضها وَلَا يَدَعُها تَنْتشر فِي المَرْعَى.
وَيُقَال: راعٍ حُطَمٌ بِغَيْر هَاء إِذا كَانَ عنيفاً كَأَنَّهُ يَحْطِمها أَي يكسرها إِذا سَاقهَا أَو أَسَامَها لعُنفه بهَا، وَمِنْه قَول الراجز:
قَدْ حَشَّها اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَم
وَيُقَال: فلانٌ قد حَطَمَتْه السِّنُّ إِذا أَسَنَّ وضَعُفَ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للعَكَرَةِ من الإبلِ حُطَمَة لحَطْمِها الْكلأ وَكَذَلِكَ الغَنَم إِذا كَثُرت.
وحُطامُ الدُّنْيَا: كُلُّ مَا فِيهَا من مَالٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى.
وَيُقَال للهاضوم حَاطُوم.
وفَرَسٌ حَطِمٌ إِذا هُزِل أَو أسَنَّ فَضَعُفَ.
الْأَصْمَعِي: إِذا تكسر يَبِيسُ البَقْلِ فَهُوَ حُطَام.
شمر: الحُطَمِيَّةُ من الدُّرُوعِ: الثَّقِيلَةُ العَرِيضَةُ.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الَّتِي تَكْسِر السُّيُوفَ وَكَانَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ دِرْعٌ يُقَال لَهَا: الحُطَمِيَّةُ.
حمط: قَالَ ابْن دُرَيْد: حمطْتُ الشيءَ حَمْطاً إِذا قَشَرْته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمَطِيط: نَبْتٌ وَجمعه الحَمَاطِيطُ.
قلت: ولَمْ أسمع الحَمَط بِمَعْنى القَشْر لغير ابْن دُرَيْد، وَلَا الحَمَطِيطُ فِي بَاب النَّبَات لغير اللَّيْث.
وقرأْتُ بِخَط شمر ليونس أَنه قَالَ: يُقَال: إِذا ضَرَبْتَ فأَوْجِع وَلَا تُحْمِّط، فَإِن التحميط لَيْسَ بِشَيْء. يَقُول بَالغ. قَالَ: والتحميط: أَن يُضْرَب الرَّجلُ فَيَقُول: مَا أوجعني ضَرْبُه أَي لم يُبَالِغ.
وَأما قَول المُتَلَمِّس فِي تشبيهه وشْيَ الحُلَلِ بالحَمَاطِيط:
كأنّما لَوْنُها والصُّبْح مُنْقَشِعٌ
قَبْلَ الغَزَالَةِ أَلْوَانُ الحَمَاطِيط
فَإِن أَبَا سعيد قَالَ: الحَماطِيط جمع حَمَطيطٍ: وَهِي دودة تكون فِي البَقْل أيَّام الرّبيع مُفَصَّلَةٌ بحمرة، يُشَبَّه بهَا تفصِيلُ البَنَان بالحِنّاء. شبّه المتلمس وشْي الْحُلَلِ بأَلْوَان الحَماطيط.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ: الحَمَاطَةُ: حُرْقَةٌ يجدهَا الرجل فِي حلْقِه.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا يَبِسَ الأَفَانَى فَهُوَ الحَمَاطُ.
قُلْتُ: الحَمَاطَةُ عِنْد العَرَب هِيَ الحَلَمَةُ وَهِي من الجَنْبَةِ، وَأما الأفَانَى فهُوَ من العُشْبِ الَّذِي يَتَنَاثر.
وَقَالَ شمر: الحَمَاطُ: من ثَمَر اليَمَنِ مَعْرُوف عِنْدهم يُؤْكَلُ. قلت: وَهُوَ يشبه

(4/232)


التِّين.
قلت: وَقيل: إِنَّه مِثْلُ فِرْسِكِ الخَوْخِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَرَبُ تَقول لجِنْس من الحَيَّات. شيطانُ الحَمَاط.
وَأنْشد الفرّاء:
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ.
كمِثْل شَيْطَان الحَمَاطِ أَعْرَفُ
العَنْجَرِدُ: المرأةُ السَّلِيطَةُ. وَقيل: الحَماطُ بلغَة هُذَيل: شجَرٌ عِظامٌ تنْبت فِي بِلَادهمْ تأْلَفُها الحيَّاتُ.
وَأنْشد بَعضهم:
كأَمْثَال العِصِيِّ من الحَمَاطِ
وحَمَاط: مَوضِع ذكره ذُو الرُّمَّة فِي شِعْره:
فَلَمَّا لَحِقْنَا بالحُمُول وَقد عَلَتْ
حَمَاطَ وَحِرْبَاءُ الضُّحَى مُتَشَاوِسُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أصبت حَماطَةَ قلبه، كَقَوْلِك: أَصبت حَبَّةَ قلبه وأَسْوَد قلبه، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
ليْتَ الغُرابَ رَمَى حَمَاطَة قَلْبه
عَمْرٌ وبأَسْهُمِه الَّتِي لم تُلْغَبِ
ثَعْلَب: عَن ابْن الأعرَابي أَنه ذكر عَن كَعْب أَنه قَالَ: أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب السالفة: مُحَمَّد، وَأحمد، والمُتَوَكِّل والمُخْتار، وحِمْيَاطا، وَمَعْنَاهُ حَامِي الحُرَم، وفارِقْلِيطا أَي يَفْرُق بَين الْحق وَالْبَاطِل.
طحم: قَالَ اللَّيْث: طَحَمَةُ السَّيْلِ: دُفَّاعُ مُعْظَمه.
وطَحَمَةُ الفِتْنَةِ: جَوْلَةُ النَّاس عِنْدهَا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أَتَتْنا طُحْمَةٌ من النَّاس وطَحْمَةٌ وَكَذَلِكَ طَحْمَةُ السيْلِ وطُحْمَتُه بِفَتْح الطَّاء وَضمّهَا، وهم أَكثر من القَادِيَة، والقادِيَة: أوَّلُ من يطْرَأُ عَلَيْك.
والطَّحْمَاء: نبت مَعْرُوف.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الطَّحُوم والطَّحُورُ: الدَّفُوعُ. وقَوْسٌ طَحُورٌ وطَحُومٌ بِمَعْنى وَاحِد.
محط: قَالَ اللَّيثُ: المَحْطُ كَمَا يَمْحَطُ البازِي ريشَه أَي يَدْهُنه.
يُقَال: اَمتحَط الْبَازِي.
وَيُقَال: مَحَّطَتُ الوَتَرَ وَهُوَ أَنْ يُمِرَّ الأصابعَ لتُصْلِحَه، وَكَذَلِكَ تَمْحِيطُ العَقَب تَخْلِيصُه.
وَقَالَ النَّضْرُ المُمَاحَطَةُ: شِدَّةُ سِنان الْجمل الناقَةَ إِذا اسْتَناخَها ليضْرِبها، يُقَال: سانَّها وَمَا حَطَها مِحَاطاً شَدِيداً حَتَّى ضَرَب بهَا الأَرْض.
وامْتَحطَ سيْفَه من غِمْدِه وامْتَخَطه إِذا اسْتَلَّهُ من جَفْنِه.
طمح: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: طَمَحَ فلَان ببصره إِذا رَمَى بِهِ إِلَى الشَّيْء، وَفرس طامحُ الْبَصَر، وَقَالَ أَبُو دُوادٍ:
طَوِيلٌ طامح الطَّرْف
إِلَى مِقْرَعَةِ الكَلْبِ
وَيُقَال للْفرس إِذا رفع يَدَيْهِ قد طمّح تَطْمِيحاً.
قَالَ أَبُو عَمْرو: الطَّامِحُ من النِّسَاء: الَّتِي تُبْغِضُ زَوجهَا وَتنظر إِلَى غَيره.
وَأنْشد:

(4/233)


بَغَى الوُدَّ من مطْروفَةِ العَيْن طامح
وطَمَحَت بِعَينهَا إِذا رمت ببصرها إِلَى الرجل، وَإِذا رفعت بصرها يُقَال: طَمَحَت، وطمحَ بِهِ: ذَهَب بِهِ، قَالَ ابنُ مُقْبِل:
قُوَيْرَحُ أَعْوَامٍ رَفيعٌ قَذالُه
يَظَلُّ بِبَزِّ الكَهْلِ والكَهْلُ يَطْمَح
يطمح: يجْرِي وَيذْهب بالكَهْلِ وبَزِّه. وامرأَة طَمَّاحَة: تُكثِرُ نظرَها يَميناً وَشمَالًا إِلَى غير زوْجها.
وَقَالَ: طَمَحَاتُ الدَّهْرِ: شدائِدُه، وَرُبمَا خفّف، قَالَ الشَّاعِر:
باتَتْ هُمُومِي فِي الصَّدْرِ تَحْضَؤُها
طَمْحَاتُ دهرٍ مَا كُنْتُ أَدْرَؤُها
قَالَ: مَا هَاهُنَا صلَة.
وَإِذا رَمَيْتَ بِشَيْء فِي الْهَوَاء قلتَ: طَمَّحْتُ بِهِ تطميحاً.
والطَّمّاحُ: من أَسمَاء الْعَرَب.
مطح: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: المَطْحُ: الضربُ بِالْيَدِ، قَالَ: ومَطَحَ الرجلُ جَارِيَته إِذا نَكَحَهَا. قلت: أما الضَّرْب بِالْيَدِ مَبْسُوطة فَهُوَ البَطْحُ، وَلَا أَعْرِفُ المطجَ بِالْمِيم إِلَّا أَن تكون الباءُ أبدلت ميماً.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالدَّال)
ح د ت ح د ظ ح د ذ
أهملت وجوهها: إِلَّا حرفا وَاحِدًا وَهُوَ: حتد.
حتد: أهمله اللَّيْث: وَهُوَ مْسْتَعْمل.
وروى أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: عَيْن حُتُد: لَا يَنقطع ماؤُها.
قلت: لم يُرِدْ عَيْنَ المَاء، وَلكنه أَرَادَ عَيْنَ الرَّأْس.
وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: الحُتُد: العيُونُ المُنْسَلقة وَاحِدهَا حَتَدٌ وحَتُودٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمحْفِدُ والمحْقِدُ والمَحْكِدُ: الأصْلُ، يُقَال: إِنَّه لكَرِيمُ المَحْتِد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الرَّاعي:
حَتَّى أُنِيخَتْ لَدَى خَيْرِ الأنَام مَعًا
من آل حَرْبٍ نَمَاهُ مَنْصِبٌ حَتِد
قَالَ: الحَتِدُ: الخالِصُ الأَصْل من كل شَيْء، وَقد حَتِد يَحْتَد حَتَداً فَهُوَ حَتِد، وحَتَّدْتُه تَحْتِيداً أَي اخْتَرْتُه لخُلُوصِهِ وفَضْلِه.
ح د ث
اسْتعْمل من وجوهه: (حدث) .
حدث: قَالَ: الحَدَث من أَحْدَاث الدَّهْر: شِبْهُ النَّازِلَة.
قَالَ: والحَدِيثُ: مَا يُحدِّثُ بِهِ المُحَدِّثُ تحديثاً. ورجُلٌ حِدْثٌ أَي كثير الحدِيث.
والأحاديثُ فِي الْفِقْه وَغَيره مَعْرُوفَة، قلت: وَاحِدَة الْأَحَادِيث أُحْدُوثة.
وَقَالَ اللَّيْث: شابٌّ حَدَثٌ: فَتِيُّ السِّنِّ. والحَدِيثُ: الجديدُ من الْأَشْيَاء.
وَيُقَال: صَار فلانٌ أُحْدُوثَةً أَي أَكْثرُوا فِيهِ الْأَحَادِيث.

(4/234)


والحَدَثُ: الإبْدَاءُ.
وَقَالَ اللحياني: رجل حَدَثٌ وحِدْث إِذا كَانَ حسَنَ الحَدِيث.
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل حَدِثٌ وحِدْثٌ وحِدِّيثٌ ومُحدِّثٌ بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن الْأَعرَابِي: الحَدَثَانُ: الفأْسُ وَجمعه حِدْثان. وَأنْشد:
وجَوْنٌ تَزْلَقُ الحَدَثانُ فِيهِ
إِذا أُجَراؤُه نَحَطُوا أَجابَا
قَالَ: أَرَادَ بجَوْنٍ جَبَلاً، وَقَوله: أَجابا يَعْنِي صَدَى الجَبل تسمعه.
وَقَالَ غَيره: حَدَثانُ الدهرِ: حَوادِثُه وَرُبمَا أَنَّثَتِ العربُ الحَدثان يذهبون بِهِ إِلَى الْحَوَادِث، وَأنْشد الْفراء:
أَلاَ هَلَكَ الشِّهابُ المستنيرُ
ومِدْرَهُنا الكَمِيُّ إِذا نُغِيرُ
وحَمَّالُ المِئينِ إِذا أَلَمَّتْ
بِنَا الحَدَثانُ والإنِفُ النَّصُورُ
وَقَالَ الْفراء: يَقُولُونَ: أَهْلَكَنا الحدَثان، وأمّا حِدْثانُ الشبابِ فبكسرِ الحاءِ وَسُكُون الدَّال.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال: أَتيْتُه فِي رُبَّى شبابِه ورُبَّان شَبابِه وحُدْثَي شبابِه وَحَدِيث شَبابِه وحِدْثانِ شبابِه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: هَؤُلَاءِ قومٌ حُدْثانٌ جمعُ حَدَث، وَهُوَ الفَتِيُّ السنّ.
والعرَب تَقول: أَخَذَني مَا قَدُمَ وَمَا حَدُث بِضَم الدَّال من حَدُث، أتبعوه قَدُم، والأصلُ فِيهِ حدَث، قَالَ ذَلِك الأصمعيُّ وغيرُه.
وَيُقَال: أَحْدَث الرجلُ إِذا صَلَّع أَو فَصَّع أَو خَصَف، أيَّ ذَلِك فعل فَهُوَ مُحْدِث.
وأَحْدثَ الرجلُ وأحدثَتِ المرأةُ إِذا زَنَيا، يُكنَى بالإحداثِ عَن الزِّنى.
ومُحْدَثاتُ الْأُمُور: مَا ابتدعَه أهلُ الْأَهْوَاء من الْأَشْيَاء الَّتِي كَانَ السلفُ الصَّالح على غَيرهَا.
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كلُّ مُحدَثِ بِدْعة، وكلُّ بدعةٍ ضَلَالَة) .
وَيُقَال: فلانٌ حِدْثُ نِساءٍ كَقَوْلِك: تِبْعُ نسَاء وزِيرُ نسَاء.
وَيُقَال: أَحدثَ الرجلُ سيْفَه، وحادثَه إِذا جَلاَه.
ورُوِيَ عَن الحَسَنِ أَنه قَالَ: (حادِثوا هَذِه الْقُلُوب فَإِنَّهَا سريعةُ الدُّثور) مَعْنَاهُ اجلوها بالمواعظ وشوِّفوها حَتَّى تَنْفُوا عَنْهَا الطَّبَع والصَّدأَ الَّذِي تَرَاكبَ عَلَيْهَا من الذُّنُوب وَقَالَ لبيد:
كنَصْلِ السَّيْف حُودِثَ بالصِّقَال

(بَاب الْحَاء وَالدَّال مَعَ الرَّاء)
(ح د ر)
حدر، حرد، دحر، درح، ردح: مستعملات.
دحر: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْرُ: تَبْعِيدُك الشيءَ عَن الشَّيْء، يُقَال: اللَّهم ادْحَرْ عَنَّا الشيْطان أَي اطرده ونَحِّه.
وَقَالَ الله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} (الْأَعْرَاف: 18) قَالُوا: مَطروداً.

(4/235)


وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {الْمَلإِ الاَْعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ} (الصافات: 8، 9) قَرَأَ الناسُ بِضَم الدَّال ونَصْبها، فَمن ضَمّها جعَلَه مصدرا كَقَوْلِك: دَحَرْتُه دُحوراً، قَالَ: والدَّحْرُ: الدفْعُ، وَمن فتَحَها جعلهَا اسْما، كَأَنَّهُ قَالَ: يُقْذفون بداحر وَبِمَا يَدْحَرُ.
قَالَ الفرَّاء: ولستُ أَشْتَهي الْفَتْح لِأَنَّهُ لَو وُجِّه على ذَلِك على صِحَة لَكَانَ فِيهَا الْبَاء كَمَا تَقول: يُقْذَفون بالحِجارة، وَلَا يُقَال: يُقْذفون الحِجارَة، وَهُوَ جَائِز.
وَقَالَ الزجّاج: معنى قَوْله دُحوراً أَي يُدْحَرون أَي يُباعَدون.
حدر: اللَّيْث: الحَدْرُ من كلِّ شيءٍ: تَحَدُّرُه من عُلُوَ إِلَى سُفْلٍ، والمُطاوَعَةُ مِنْهُ الانحدار، تَقول: حَدَرْتُ السفينةَ فِي الماءِ حُدوراً، وحَدَرَتْ عَيْنِي الدَّمعَ فانحدر الدمعُ وتحَدَّرَ، وحَدَرْت القِراءَة حَدْراً.
والحَدور: اسْم مقدارِ المَاء فِي انحدار صَبَبه وَكَذَلِكَ الحَدور فِي سَفْح الْجَبَل وكل مَوضِع منحدر، وَيُقَال: وقَعْنا فِي حَدورٍ مُنكرَة، وَهِي الهَبوط، قلت: وَيُقَال لَهُ الحُدَراء بِوَزْن الصُّعداء.
وَقَالَ اللَّيْث: الحادر: الممتلىء لَحْمًا وشَحْماً مَعَ تَرَارَة، وَالْفِعْل حَدُر حَدارةً، وناقَةٌ حادِرةُ العيْنَيْن إِذا امتلأَتا نِقْياً فارتَوَتَا وحَسُنَتا قَالَ الأعشَى:
وعَسِيرٌ أَدْمَاءُ حادِرَةُ العَيْ
نِ خَنوفٌ عَيْرانةٌ شِمْلاَلُ
قَالَ: وكلُّ ريَّانٍ حَسَنِ الْخَلْقِ حادِرٌ، وَأنْشد:
أُحِبُّ الصَّبيَّ السَّوْءَ من أَجْلِ أُمِّه
وأُبغِضُه من بُغْضِها وهْوَ حادِرُ
وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه ضرب رجُلاً ثَلاَثينَ سَوْطاً كلُّهَا يَبْضَعُ وَيَحْدُرُ. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصْمَعِيُّ: يَبْضَعُ يَعْنِي يَشُق الْجلد، ويَحْدُرُ يَعْنِي يورِّمُ وَلَا يشقُّ، قَالَ: واخْتُلِفَ فِي إعرابه، فَقَالَ بَعضهم: يُحْدِرُ إحْداراً من أحْدَرْتُ، قَالَ: وأظنها لغتين إِذا جعلتَ الْفِعْل للضرب، فَأَما إِذا كَانَ الفعلُ للجلد أَنه الَّذِي يَرِمُ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: قد حَدَر جِلْدُهُ يَحْدُرُ حُدُوراً لَا اخْتِلَاف فِيهِ أعلمهُ، وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:
لَو دَبَّ ذَرٌّ فَوق ضاحي جِلْدِهَا
لأَبَانَ من آثارهن حُدورُ
يَعني الْوَرَم.
قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَال: حَدَرْتُ السَّفِينَة فِي المَاء، وكلُّ شَيْء أرسَلْته إِلَى أَسْفَل فقد حَدَرْته حَدْراً وحُدُوراً، قَالَ: وَلم أسمعهُ بِالْألف: أحْدَرْتُ، قَالَ: وَمِنْه سُمِّيت الْقِرَاءَة السريعة الحَدْر، لِأَن صَاحبهَا يَحدُرُها حَدْراً.
قَالَ: وَأما الحَدُور فَهُوَ الْموضع المُنْحَدِر. قَالَ الأصمعيُّ: حَدَرتْهُم السَّنَةُ تَحْدُرُهُمْ إِذا حطَّتهم، وَجَاءَت بهم حُدوراً.
وفتى حادِرٌ أَي غليظٌ مُجْتَمِع، وَقد حَدَرَ يَحْدُر حَدارةً.
قَالَ: وأحْدَر ثوبَه يُحدِرُهُ إحداراً إِذا كَفَّهُ وَذَلِكَ إِذا فتله. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَدْرَةُ: الفتلة من فتل الأَكْسِيةِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عَينٌ حَدْرة بَدْرَةٌ،

(4/236)


فَأَما قَوْلهم: حدرة فَمَعْنَاه مُكْتَنِزَةٌ صُلبةٌ، وبدرة: تَبْدُرُ بِالنّظرِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عين حَدْرةٌ واسعةٌ، وَأنْشد:
وعيْنٌ لَهَا حَدْرةٌ بَدْرةٌ
شُقَّتْ مآقيهما من أُخُرْ
وغريفٌ حادر أَي تامٌّ، وَقَالَ غَيره: هُوَ الغليظ الْحُرُوف، وَأنْشد:
كأَنَّكِ حادرةُ المَنْكِبَيْنِ
رَصْعَاءُ تستنُّ فِي حائرِ
يَعْنِي ضِفْدِعة ممتلئة الْمَنْكِبَيْنِ.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَرَأَ قَول الله جلّ وعزّ: (وَإِنَّا لجَمِيع حادرون) (الشُّعَرَاء: 56) بِالدَّال، وَقَالَ: مُؤدون بالكُرَاع والسِّلاح، هَكَذَا حَدثنِي الْمُنْذِرِيّ عَن عَليّ بن العبّاس الخُمَرِيُّ بِالْكُوفَةِ عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الصَّيْرَفي عَن الحكم بن ظهَير عَن عَاصِم عَن زِرَ عَن عبد الله. قُلْتُ: وَالْقِرَاءَة بِالذَّالِ حاذِرون لَا غير، والدَّال شاذَّةٌ لَا يجوز عِنْدِي الْقِرَاءَة بهَا، وقرأَ عَاصِم وَسَائِر الْقُرَّاء بالذَّال.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الحادُور: القُرْطُ وَجمعه حَوادِيرُ، وَقَالَ أَبُو النَّجم يصف امْرَأَة:
خِدَبَّةُ الخَلْق عَلَى تَحْضِيرها
بَائنةُ المنكِب من حادورها
أَرَادَ أَنَّهَا لَيست بِوَقْصاء.
والحيْدار من الحَصى: مَا صُلب واكتَنَز، وَمِنْه قولُ تَمِيم بن أُبَيّ بن مُقْبِل:
يَرْمِي النِّجَادَ بحَيْدَارِ الحَصَى قُمَزاً
فِي مَشْيَةٍ سُرُحٍ خَلْطٍ أَفَانِينَا
وَقَالَ أَبُو زيد: رَمَاه بالحَيْدَرَة أَي بالهَلَكَة.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاس أَحْمد بن يحيى: لم يخْتَلف الروَاة فِي أَنَّ هَذِه الأبيات لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ:
أَنَا الّذِي سَمَّتْنِ أُمِّيَ حَيْدَره
كَلَيْثِ غَابَاتٍ غَلِيظِ القَصَرَهْ
أَكِيلُكُم بالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرهْ
ورُوِي عَن عَمْرو عَنْ أَبِيه أَنه قَالَ: الحَيْدَرَةُ: الأسَدُ، قَالَ: والسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ كَبِير.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحَيْدَرَةُ فِي الأُسْد مثل المَلِك فِي النَّاس.
قَالَ أَبُو العَبَّاس: يَعْني لِغِلَظِ عُنُقِهِ وقُوَّةِ سَاعِدَيه، وَمِنْه غُلاَمٌ حادِرٌ إِذا كَانَ ممتلىء البَدَنِ شَدِيدَ البَطْشِ، قَالَ: واليَاءُ والهَاءُ زائدتان.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد قَالَ: الحُدْرَةُ من الْإِبِل: مَا بَيْنَ العَشَرة إِلَى الأَرْبَعِين.
وَقَالَ شمر: يُقَال: مَالٌ حَوَادِر: مُكْتَنِزةٌ ضِخَامٌ، والحَوَادِرُ من كُعُوبِ الرِّمَاح: الغِلاَظُ المُسْتَدِيرَةُ.
وحَيٌّ حَادِرٌ: مُجْتَمِعٌ.
وَقَالَ المُؤَرِّجُ: يُقَال: حَدَروا حَوْلَهُ وَبِه يَحْدُرُون إِذا طَافُوا بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: امرأةٌ حَدْرَاءُ، ورَجُلٌ أَحْدَرُ.
وَقَالَ الفَرَزْدَقُ:
عَزَفْتَ بأَعْشَاشٍ وَمَا كُنْتَ تَعْزِفُ
وأَنْكَرْتَ مِنْ حَدْرَاءَ ماكُنْتَ تَعْرِفُ
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَدْرَاءُ فِي نَعْتِ الفَرَسِ فِي حُسْنِها خَاصَّة.

(4/237)


قَالَ: والحَدْرَةُ: جِرْمُ قَرْحَةٍ تَخْرُجُ بِبَاطِنِ جَفْنِ العَيْن، وقَدْ حَدَرَت عَيْنُه حَدْراً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الحَدْرُ: الإسْرَاعُ فِي القراءَةِ وَفِي كلِّ عَمَل، وَمِنْه قيل: رَجُلٌ حَدْرَةٌ أَي مُسْتَعْجِلُ.
قَالَ: والحَدْرُ: الشَّقُّ، والحَدْرُ: الوَرَمُ بِلَا شَق، يُقَال: حَدَرَ جِلْدُه، وحَدَرَ زَيْدٌ جِلْده.
قَالَ: والحَدْرَةُ: العَيْنُ الواسِعَةُ الجاحِظَةُ. والحَادِرُ والحَادِرَةُ: الغُلاَمُ المُمْتَلِىءُ الشَّبَابِ.
ردح: ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الرُّدْحِيُّ: الْكاسُورُ، وهُوَ بَقَّالُ القُرَى.
وَقَالَ اللَّيثُ: الرَّدْحُ: بَسْطُك الشيءَ فَتُسوِّي ظَهْرَه بالأرْض كَقَوْل أبي النَّجْم:
بَيْتَ حُتُوفٍ مُكْفَأً مَرْدُوحاً
قَالَ: وقَدْ يَجِيءُ فِي الشِّعْرِ مُرْدَحاً مِثْل مَبْسُوط ومُبْسَطٍ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: رَدَحْتُ البَيْتَ وأَرْدَحْتُه من الرُّدْحَة، وَهِي قِطْعَة تُدْخَل فِيهَا بَنِيقة تزاد فِي الْبَيْت، وأنْشَدَ الْأَصْمَعِي:
بَيْتَ حُتُوفٍ أُرْدِحَتْ حَمَائِرُهْ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخر الرّدْحَةُ: سُتْرةٌ فِي مُؤَخَّرِ البَيْتِ، قَالَ: وَرْدحةُ بَيْتِ الصَّائد وَقُتْرَتُه حِجارَةٌ ينصبها حَوْلَ بَيْتِه، وَهِي الحَمَائِرُ، وَاحِدهَا حِمَارَة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: امْرَأَةٌ رَدَاح: ضَخْمَةُ العَجِيزَةِ والمآكِمِ، وقَدْ رَدُحَتْ رَدَاحَةً وَهِي رَدَاحٌ وَرَدَحَةٌ.
قَالَ: وكتِيبَةً رَدَاحٌ: ضخمة مُلَمْلَمَةٌ كَثِيرَة الفرسانِ، وكبشٌ رَدَاحٌ: ضخم الأَلْيَة.
وَرُوِيَ عَن عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إنَّ من وَرَائِكُمْ أُمُوراً مُتَماحِلَةً رُدُحاً، وبلاءً مُكْلِحاً مُبْلِحاً، فالمُتَمَاحِلةُ: المُتَطَاوِلَةُ، والرُّدُحُ: الْعَظِيمَة يَعْنِي الفِتَن جمع رَدَاح وَهِي الفتنةُ الْعَظِيمَة.
وَرُوِيَ عَن أبي مُوسَى أَنه ذكر الفِتَن فَقَالَ: وَبقيت الرَّدَاحُ المُظْلِمَة الَّتِي مَنْ أَشْرَفَ لَهَا أشْرَفَتْ لَهُ) ، أَرَادَ الفِتنة أَيْضا.
وَفِي حَدِيث أُمِّ زَرْع: (عُكُومُها رَدَاحٌ وبَيْتُها فَيَاحٌ) العُكُومُ: الأحْمَال المُعَدَّلَة، والرَّدَاحُ: الثَّقِيلَة الْكَثِيرَة الحشْوِ من الأثاث والأمْتِعَة.
ومائدةٌ رَادِحَةٌ، وَهِي الْعَظِيمَة الْكَثِيرَة الْخَيْر.
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
هُوَ الغَيْثُ للمُعْتَفِين المُفِيضْ
بِفَضْل مَوَائِدِه الرّادِحَهْ
وَقَالَ لبيد يصف كَتِيبَة:
ومِدْرَهِ الكَتِيبَةِ الرّدَاحِ
وَقَالَ شَمِر: رَوَى بَعضهم فِي حَدِيث عَليّ ج: (إنَّ من وَرَائكم فِتَناً مُرْدِحَة) ، قَالَ: والمُرْدِحُ لَهُ مَعْنيانِ: أحدُهما المُثْقِل، وَالْآخر المُغَطِّي على الْقُلُوب من أَرْدَحْتَ البيتَ إِذا أرسلتَ رُدْحَتَه، وَهِي سُتْرَةٌ فِي مُؤخر الْبَيْت، قَالَ: وَمَنْ رَواهُ فِتَناً رُدَّحاً فَهِيَ جمعُ الرَّادِحَةِ، وَهِي الثِّقَالُ

(4/238)


الَّتِي لَا تَكادُ تَبْرَحُ، قَالَ: والرَّادِحَةُ فِي بيتِ الطِّرِمَّاح: العِظامُ الثِّقَالُ.
حرد: الحرَدُ: مصدر الأَحْرَد، وَهُوَ الَّذِي إِذا مَشَى رفعَ قوائمه رَفْعاً شَدِيدا ووضعها مَكَانهَا من شِدَّة قَطافَتِه فِي الدَّوَابِّ وَغَيرهَا، قَالَ: والرَّجُلُ إِذا ثَقُل عَلَيْهِ دِرْعه فَلم يسْتَطع الانْبِساطَ فِي المَشْي قيل حَرِدَ فَهُوَ أَحْرَد، وَأنْشد:
إِذا مَا مَشَى فِي دِرْعِه غير أَحْرَدِ
قلتُ: الحَرَدُ فِي الْبَعِير: حَادِثٌ لَيْسَ بِخِلْقة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الحَرَدُ: أَن تَنْقَطِع عَصَبَةُ ذِرَاعِ البَعيرِ فَتَسْتَرْخِي يدُه، فَلَا يزَال يَخْفِق بهَا أبدا، وَإِنَّمَا تَنْقَطِع العَصَبَةُ من ظَاهر الذِّرَاع، فتراها إِذا مَشَى الْبَعِير كَأَنَّهَا تَمُدُّ مَدّاً من شدَّة ارتفاعها من الأرضِ وَرَخاوَتِها، قَالَ: والحَرَدُ إِنَّمَا يكون فِي اليَدِ، والأَحْرَدُ يُلَقِّفُ قَالَ: وتَلْقِيفُه: شِدةُ رَفعه يَده كَأَنَّمَا يمُد مَدّاً، كَمَا يَمُدُّ دَقَّاقُ الْأرز خَشَبَته الَّتِي يدق بهَا فَذَلِك التَّلْقِيف.
يُقَال: جَمَلٌ أَحْرَدُ، وناقةٌ حَرْدَاءُ.
وَأنْشد:
إِذا مَا دُعِيتُم للطِّعَانِ أَجَبْتُمُ
كَمَا لَقَّفَتْ زُبٌّ شآمِيّةٌ حُرْدُ
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَدُ لُغَتَانِ، يُقَال: حَرِدَ الرجلُ فَهُوَ حَرِد إِذا اغْتَاظ فَتَحَرَّشَ بالَّذِي غاظه وهَمّ بِهِ فَهُوَ حارِدٌ، وَأنْشد:
أُسُودُ شَرًى لاقَت أُسُودَ خَفِيَّةٍ
تسَاقيْنَ سُمّاً كُلّهن حَوَارِد
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: قَالَ أَبُو زيد والأصمعي وَأَبُو عُبَيدة: الَّذِي سُمِع من العَرب الفُصَحاء فِي الغَضَب: حَرِد يَحْرَدُ حَرَداً بتحريك الرَّاء.
قَالَ أَبُو العبَّاس: وسألتُ ابنَ الأعْرابي عَنْهَا فَقَالَت: صَحِيحَة، إِلَّا أَنّ المُفَضَّل أَخْبَرَني أَنّ من العَرَب من يَقُول: حَرِدَ حَرَداً وحَرْداً، والتّسْكِينُ أَكثر، والأخْرَى فَصِيحة، قَالَ وقلَّما يلْحَنُ النَّاسُ فِي اللُّغة.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الصَّيْدَاوِي عَن الرِّياشي قَالَ: قَالَ الأصْمَعيّ: الحَرَدُ: داءٌ يَأْخُذ البَعِير يَنْفُض مِنْهُ يَدَه، وَأنْشد لأبي نُخَيْلَةَ:
سَفْقاً كتَلْقِيفِ البعِير الأحْرَد
قَالَ: والأحْرَدُ من الرّجال: اللَّئِيم، وَأنْشد لرؤبة:
أَحْرَدُ أَو جَعْدُ اليَدَيْنِ جِبْز
وحَرَدْتُ حَرْدَه أَي قَصَدْتُ قَصْدَهُ.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحَرْدُ: القَصْدُ، والحَرْدُ: المنْعُ، والحَرْدُ: الغَيْظُ، والغَضَبُ، قَالَ: وَيجوز أَن هَذَا كُله معنى قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) .
ورُوِي فِي بعض التَّفْسِير أَنّ قريتهم كَانَ اسْمهَا حَرْد.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) يُرِيد على حَدَ وقُدْرَة فِي أنفسهم، قَالَ: والحَرْدُ: القَصْدُ أَيْضا، كَمَا تَقول للرَّجل: قَدْ أقْبَلْتُ قِبَلكَ، وقَصَدْتُ قَصْدَك، وحَرَدْتُ حَرْدَك، قَالَ وأنشدت:

(4/239)


وجَاءَ سَيْلٌ كَانَ من أَمر الله
يَحْرِدُ حَرْد الْجَنّة المُغِلَّه
يُرِيد: يقْصد قَصْدَها.
وَقَالَ غَيره فِي قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) ، قَالَ: مَنَعُوا وهُمْ قادرون أَي واجِدُون، نصَبَ قادِرِين على الْحَال.
وَقَالَ اللَّيْث: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) قَالَ: على جِدَ من أَمرهم.
قلت: هَكَذَا وجدتُه فِي نسخ كتاب اللَّيْث مُقَيّدا، وَالصَّوَاب على حَدَ أَي على مَنْعٍ هَكَذَا قَالَه الفرَّاء.
وَقَالَ اللَّيْث: قَطاً حُرْدٌ: سِرَاعٌ. قلتُ: هَذَا خَطَأ، والقَطَا الحُرْدُ: القِصَارُ الأرْجُل، وَهِي مَوْصُوفةٌ بذلك، وَمن هَذَا قيل للبخيل أَحْرَدُ اليَدَيْن أَي فيهمَا انْقِباضٌ عَن العَطاء، وَمن هَذَا قوْلُ مَنْ قَالَ فِي قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) أَي على منع وبُخْل.
أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: الحُرودُ: مَباعِرُ الْإِبِل، واحِدُها حِرْد وحِرْدةٌ بِكَسْر الْحَاء.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعْرابي: الحُرُودُ: الأمْعاء، وأقرأنا لِابْنِ الرِّقَاعِ:
بُنِيَتْ عَلَى كَرِشٍ كأَنَّ حُرُودَها
مُقُطٌ مُطَوَّاة أُمِرَّ قُوَاها
وَسمعت العَرب تَقول للحَبْل إِذا اشْتَدَّتْ غَارةُ قُوَاه حَتَّى تَتَعَقَّدَ وتَتراكب: جَاءَ بحبْل فِيهِ حُرُود، وَقد حَرَّد حَبْله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْدِيَّة: حِياصَةُ الحَظِيرة الَّتِي تُشَدُّ عَلَى حَائط من قَصَب عَرْضاً، يَقُول: حَرَّدناهُ تحْرِيداً، والجَمِيعُ الحَرادِيّ.
قَالَ: والحَيُّ الحَرِيدُ: الَّذِي يَنزِلُ مُعْتزِلاً من جَماعة القبِيلة، وَلَا يُخالطهم فِي ارْتِجَالِه وحُلولِه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: رَجل حَرِيد، وَهُوَ المُتَحَوِّل عَن قَوْمه، وَقد حَرَد يَحْرِد حُروداً، وَمِنْه قَول جرير:
نَبْنِي على سَنَن العَدُوِّ بُيوتَنا
لَا نَسْتَجِيرُ وَلَا نَحُلُّ حَرِيدا
يَقُول: لَا نَنْزِل فِي قَوْم من ضَعْفٍ وذِلَّة لِقُوَّتِنا وكثْرتِنا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِرْد: قِطْعة من السِّنام.
قلتُ: لم أَسْمَع بِهَذَا لغَيْر اللَّيْث، وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا الحِرْدُ المِعَى. وحَارَدَتِ الإبلُ إِذا انْقَطع أَلْبَانهَا وقلّت فَهِيَ محاردةٌ وناقةٌ مُحَارِدٌ بِغَيْر هَاء: شديدةُ الحرَاد.
وَقَالَ الكُمَيْت:
وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلاَدُ وَلم يَكُن
لعُقْبَةِ قِدْرِ المُسْتَعِيرينَ مُعْقِبُ
وَقَالَ النَّضْرُ: المُحَرَّدُ من الأوْتارِ: الحَصِد الَّذِي يظْهر بعض قواه على بعض، وَهُوَ المُعَجَّر.
وَقَالَ: وَقَالَ يُونُس: سَمِعْتُ أعرابيّاً يسْأَل يَقُول: مَنْ يتصدَّق على المِسْكِين الحَرِد أَي الْمُحْتَاج.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: حَرْدَاء على فعلاء ممدودة: بَنو نَهْشَل بن الْحَارِث، لَقَبٌ لُقِّبُوا بِهِ، وَمِنْه قَول الفرزدق:
لَعَمْر أبِيك الخَيْر مَا زَعْم نَهْشل
عَلَيَّ وَلَا حَرْدَائِها بكَبِير

(4/240)


وَقد عَلِمَت يَوْم القُبَيْبَات نَهْشَلٌ
وأَحْرَادُها أَن قد مُنُوا بِعَسِير
فَجَمعهُمْ على الأحْرَاد كَمَا ترى.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحارِدُ: القَلِيلةُ اللَّبَنِ من النُّوقِ.
وحَرَّدَ الرجلُ إِذا أَوَى إِلَى كُوخٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لخَشَبِ السَّقْفِ الرَّوَافِدُ، وَيُقَال: لِمَا يُلْقَى عَلَيْهَا من أَطْنَانِ القَصَبِ حَرَادِيُّ.
قَالَ: وَرَجُلٌ حَرْدِيٌّ: واسعُ الأمعاء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: البيتُ المُحَرَّدُ، وَهُوَ المُسَنَّمُ الَّذِي يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كوخ، قَالَ: والمُحَرَّدُ من كل شيءٍ المُعَوَّجُ.
درح: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّرَحُ: الهَرِمُ التَّامُّ، وَمِنْه قيل: ناقةٌ دِرْدِحٌ للهَرِمَة المُسِنَّة.
أَبُو عُبَيد: إِذا كَانَ مَعَ القِصَرِ سِمَنٌ فَهُوَ دِرْحَايَة، وَأنْشد قَول الرَّاجز:
عَكَوَّكٌ إِذا مَشَى دِرْحَايَه
ح د ل
حدل، دحل، دلح، لحد، (لدح) : مستعملة.
حدل: قَالَ اللَّيْث: الأحْدَلُ. ذُو الخُصْيَةِ الْوَاحِدَة من كلِّ شيءٍ، قَالَ: وَيُقَال فِي بعض التَّفْسِير إِذا كَانَ مَائِلَ أَحَد الشِّقَّيْنِ فَهُوَ أحْدَلُ أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الفرَّاء: الأحْدَل: المائِل، وَقد حَدِلَ حَدَلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: الأحْدَلُ: الَّذِي يَمْشِي فِي شِقَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأحْدَل: الَّذِي فِي مَنْكِبَيْه ورَقَبَتِه انكِبابٌ عَلَى صَدْرِه.
وَرَوَى ثعلبٌ عَن ابْن الأعْرَابي: فِي عُنُقِه حَدَلٌ أَي مَيْل، وَفِي مَنْكِبه دَفَأٌ.
وَقَالَ الليثُ: قَوْسٌ مُحْدَلَةٌ وَذَلِكَ لاعْوِجاج سِيَتها. قَالَ والتَّحَادُلُ: الإنحناءُ عَلَى القَوْسِ.
والحَوْدَلُ: الذَّكَرُ من القِرْدَان
أَبُو عُبَيْد عَن أبي زَيْد: حَدَلَ عَلَيَّ فُلاَنٌ يَحْدِلُ حَدْلاً أَي ظَلَمَنِي، وإنَّهُ لحَدْلٌ غير عَدْلٍ.
وَقَالَ غَيره: حَادَلني فُلاَنٌ مُحَادَلَةً إِذا رَاوَغَك، وحادَلَتِ الأُتُنُ مِسْحَلها: رَاوَغَتْه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
من العَضِّ بالأفْخَاذِ أَو حَجَباتها
إِذا رابَهُ استِعْصَاؤُها وحِدَالُها
وسمعتُ أَعْرَابيّاً يَقُول لآخر: أَلاَ وَانْزِلْ بهاتِيك الحَوْدَلَة، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَة بِحِذَائه، أَمَرَه بالنزول عَلَيْهَا.
والحَدَالُ: شَجَرةٌ بالْبَادية. وَقَالَ بعضُ الهُذَلِيِّين:
إذَا دُعِيَتْ بمَا فِي البَيْتِ قَالَت
تَجَنَّ من الحَدَالِ وَمَا جُنِيتُ
أَي وَمَا جُنِي لي مِنْه.
وَيُقَال للقَوْسِ حُدَالٌ إِذا طُومِنَ من طائِفِها، قَالَ الهُذليُّ يَصِفُ قَوْساً:
لَهَا مَحِصٌ غَيْرُ جَافِي القُوَى
من الثَّوْرِ حَنَّ بِوَرْكٍ حُدَال

(4/241)


المَحِصُ: الوَترُ، وَقَوله: بِوَرْكٍ أَي بقَوْس عُمِلَتْ من وَرِك شَجَرَة أَي أَصل شَجَرَة من الثَّوْر أَي من عقَب الثَّوْر.
وحَدَال: اسْم أَرض لكَلْب بِالشَّام. قَالَ الرَّاعي:
فِي إِثْر مَنْ قُرِنَتْ مِنِّي قَرِينَتُه
يَوْمَ الحَدَال بِتَسْبِيبٍ من القَدَرِ
ويُرْوَى: يَوْم الحَدَالَي.
لدح: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيد: اللَّدْحُ: الضَّرْبُ باليَدِ، لَدَحَه بِيَدِه.
قلتُ: وَالْمَعْرُوف من كَلَامهم بِهَذَا الْمَعْنى اللَّطْحُ، وكأنّ الطاءَ وَالدَّال تَعَاقَبَا فِي هَذَا الحَرْف.
دحل: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْلُ: مَدْخَلٌ تَحت الجُرْف أَو فِي عُرْض خشب الْبِئْر فِي أَسْفلِها وَنَحْو ذَلِك من الْمَوَارِد والمَناهِل.
قَالَ: ورُبّ بَيتٍ من بيوتِ الْأَعْرَاب يُجْعلُ لَهُ دَحْلٌ تدخل فِيهِ الْمَرْأَة إِذا دَخَل عَلَيْهِم داخلٌ تدخل فِيهِ الْمَرْأَة إِذا دَخَل عَلَيْهِم دَاخل، والجميع الأدْحَال والدُّحْلان.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيرة حِين سَأَلَهُ رَجلٌ مِصْرَادٌ أَيُدْخِلُ مَعَه المَبْوَلَةَ فِي البَيت، فَقَالَ: نَعم وادْحَلْ فِي الكِسْر.
قَالَ أَبُو عُبَيد الدَّحْلُ: هُوَّةٌ تكون فِي الأَرْض وَفِي أسافِلِ الأوْدِية فِيهَا ضِيقٌ ثمَّ تتَّسِعُ، قَالَ ذَلِك الأصْمَعي.
قَالَ أَبُو عُبَيد: فشبَّه أَبُو هُرَيْرَةَ جَوَانِب الخِبَاء ومداخِلَه بذلك، يَقُول: صِرْ فِيهَا كالّذي يصير فِي الدَّحْلِ.
قلتُ: وَقد رأيتُ بالخَلْصاء ونَوَاحي الدَّهْناء دُحْلاَناً كَثِيرَة، وَقد دَخَلْتُ غَيرَ دَحْلٍ مِنْهَا، وَهِي خلائقُ خلقَها الله تَحت الأَرْض يَذهَب الدَّحْلُ مِنْهَا سَكّاً فِي الأَرْض قامةً أَو قامتيْن أَو أكثرَ من ذَلِك، ثمَّ يتَلَجَّفُ يَمِيناً أَو شِمَالاً، فمرَّةً يضيقُ ومَرَّةً يتَّسِع فِي صَفَاةٍ مَلساء لَا تَحيكُ فِيهَا المَعَاوِل المُحدَّدة لصلابتِها، وَقد دخلْتُ مِنْهَا دَحْلاً، فلَمَّا انتهيتُ إِلَى المَاء إِذا جَوٌّ من المَاء الراكد فِيهِ لم أَقف على سَعَته وعُمْقِه وكثرتِه لإظلام الدَّحْلِ تَحت الأَرْض، فاستقَيْتُ أَنَا مَعَ أُصَيْحَابي من مَائه وَإِذا هُوَ عَذْبٌ زُلال، لِأَنَّهُ مَاءُ السَّمَاء يَسِيلُ إليهِ من فَوق ويَجْتَمِعُ فِيهِ.
وَأَخْبرنِي جماعةٌ من الْأَعْرَاب أَن دُحْلاَن الخلْصَاء لَا تَخْلُو من المَاء وَلَا يُسْتَقى مِنْهَا إِلَّا لِلشَّفَةِ وللخَيْل لتَعَذُّر الاستقَاءِ مِنْهَا وبُعْدِ المَاء فِيهَا من فُوهَةِ الدَّحْلِ، وسمعتهم يَقُولُونَ: دَحَلَ فلانٌ الدَّحْلَ بِالْحَاء إِذا دَخَله، وَيُقَال: دَحَلَ فلانٌ عَلَيَّ وَزَحَلَ أَي تَبَاعَدَ، ورَوَى بعضُهم قوْلَ ذِي الرُّمَّة:
إِذا رَابَهُ استَعصاؤُها ودِحالُها
وَرَوَاهُ بعضُهم وحِدَالُها، وهما قَرِيبا المعْنى من السوَاء، وَقَوله:
أَوَ اصَحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدِّحالِ
قَالَ الأصمَعيّ: الدِّحالُ: الامتناعُ كَأَنَّهُ يُوَارِبُ ويَعْصِي، قَالَ: وَلَيْسَ من الدَّحْلِ الَّذِي هُوَ سَرَبٌ.
قَالَ شمِر: قيل للأسَدِيّة: مَا المُدَاحَلةُ؟

(4/242)


فَقَالَت: أَن يَلِيتَ الإنسانُ شَيْئا قد عَلِمَه أَي يكْتُمُه وَيَأْتِي بِخَبَر سواهُ.
وَفِي حَدِيث أبي وَائِل قَالَ: وَرَد علينا كتابُ عُمَر ونحنُ بخانقِين إِذا قَالَ الرَّجُل للرَّجُل: لَا تَدْحَل فقد أَمَّنَه.
قَالَ شمِر: سمعتُ عليَّ بن مُصْعَب يَقُول: لَا تَدْحَل بالنَّبَطِيَّةِ أَي لَا تخَفْ.
وَقَالَ: فُلانٌ يَدْحَلُ عَنِّي أَي يَفِرّ، وَأنْشد:
ورَجلٍ يَدْحَلُ عنِّي دَحْلاَ
كَدَحَلاَنِ البَكْر لاقَى الفَحْلا
فَكَأَن مَعنى لَا تَدْحَلْ: لَا تَهْرُب.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّاحُولُ، والجميعُ الدَّاوحِيلُ، وَهِي خَشَبَاتٌ عَلَى رُؤوسِها خِرَقٌ كَأَنَّهَا طَرَّادات قِصَارٌ تُرْكَزُ فِي الأَرْض لِصَيْدِ الْحُمُر والظِّباء.
وَقَالَ غيرُه: يُقَال لِلذي يَصيدُ بالدَّواحِيل الظِّبَاء دَحَّالٌ، وَرُبمَا نَصَب الدَّحَّالُ حِبَالَةً بِاللَّيْلِ للظِّبَاء ورَكَزَ دَواحِيلَه وأَوْقَدَ لَهَا السُّرُجَ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يذكر ذَلِك:
ويَشْرَبْنَ أَجْناً والنُّجُومُ كأَنها
مصَابِيحُ دَحَّالٍ يُذكَّى ذُبَالُها
اللِّحْياني عَن أبي عَمْرو: الدَّحِلُ والدَّحِنُ: الخَبُّ الخَبيثُ.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمَعي مِثْلُه، قَالَ: وَقَالَ الأُمَوِي: الدَّحِلُ: الخَدَّاعُ للنَّاس.
اللِّحيَاني عَن أبي عَمْرو: الدَّحِلُ والدَّحِنُ: البَطِينُ العرِيضُ البَطن.
وَقَالَ النَّضْرُ: الدَّحِلُ من الناسِ عِنْد البَيْع مَنْ يُدَاحِلُ الناسَ ويُماكِسهم حَتَّى يَسْتَمْكِنَ من حَاجَتِه، وَإنَّهُ لَيُدَاحِلُه أَي يُخادِعُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّاحِلُ: الحَقُودُ بالدَّال.
لحد: قَالَ اللَّيثُ: اللَّحْدُ: مَا حُفِرَ فِي عَرْضِ القَبْر، وقبر ملْحُودٌ لهُ ومُلحَدٌ، وَقد لَحَدُوا لَهُ لَحْداً، وَأنْشد:
أَنَاسِيُّ مَلْحُودٌ لَهَا فِي الحَوَاجِبِ
شبَّه إنسانَ العيْن تحْتَ الحاجِب باللَّحْد، وذلكَ حِينَ غارَت عُيُون الْإِبِل من تَعب السَّيرِ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: لَحَدْتُ لَهُ وأَلْحَدْتُ لَهُ، وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَاذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} (النّحل: 103) .
وَقَالَ الفرَّاء: يُقْرَأُ (يَلحَدُون) و (يُلْحِدُون) ، فَمَنْ قَرَأَ (يَلْحَدون) أرادَ يميلون إِلَيْهِ، و (يُلحدون) : يَعْترضون، قَالَ: وقولُه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الحَجّ: 25) أَي باعتِرَاضٍ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: المُلْحِدُ: العادِلُ عَن الحَقِّ، المُدْخِلُ فِيهِ مَا ليسَ فِيهِ، قدْ أَلْحَدَ فِي الدِّين ولحَد، قَالَ: وقُرِىءَ: (يُلْحِدُون إِلَيْهِ) و (يَلْحَدُون) أَي يميلون. وقَدْ أَلْحَدْتُ للميِّتِ لَحْداً ولَحَدْتُ قَالَ: واللَّحدُ: الشَّقُ فِي جَانب الْقَبْر والضَّريحُ، والضَّرِيحةُ: مَا كَانَ فِي وَسَطه، وَأنْشد شَمِر لرؤبة:
بالعَدْل حَتَّى انْضَمَّ كلُّ عانِدِ
وتَرَكَ الإلْحَادَ كُلُّ لاحِدِ

(4/243)


فجَاء باللُّغَتَيْن مَعًا، وَقَالَ: لَحْدُ كلِّ شيءٍ: حَرْفُه ونَاحِيتُه، وَقَالَ:
قَلْتَانِ فِي لَحْدَيْ صَفاً مَنْقُور
وركِيَّةٌ لَحُودٌ: زوْرَاءُ أَيْ مُخَالِفَةٌ عَن القَصْدِ.
وَقَالَ الزَّجَاجُ فِي قَوْله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} (الحَجّ: 25) قيل الإلْحَادُ فِيهِ الشِّرْكُ بِاللَّه، وَقيل: كلُّ ظالمٍ فِيهِ مُلْحِدٌ، وَجَاء عَن عُمَر أَنَّ احتكار الطَّعام بِمَكَّة إلْحادٌ، وَقَالَ بعض أَهْلُ اللُّغَة: معنى الْبَاء الطَّرْح، الْمَعْنى وَمن يُرِدْ فِيهِ إلحاداً بِظُلم، وأَنْشَدُوا:
هُنَّ الحرائرُ لَا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ
سُودُ المحاجِر لَا يقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
الْمَعْنى عِنْدهم لَا يقرأْنَ السُّوَرَ، قَالَ: وَمعنى الإلْحَاد فِي اللُّغة: المَيْلُ عَن القَصْدِ. وَقَالَ الليثُ: أَلْحَدَ فِي الحَرَمِ إِذا تَرَكَ القَصْدَ فِيمَا أُمر بِهِ وَمَال إِلَى الظُّلْم. وأَنْشَد:
لما رَأَى المُلْحِدُ حينَ أَلْحَما
صَوَاعِقَ الحجَّاج يَمْطُرْنَ دَمَا
قَالَ: وحَدثني شَيْخٌ مِنْ بني شَيْبَةَ فِي مَسْجِد مَكَّة قَالَ: إِنِّي لأذكر حينَ نُصِبَ المنْجَنِيقُ على أبي قُبَيْس، وَابْن الزُّبَيْر قد تَحَصَّنَ فِي هَذَا الْبَيْت، فَجعل يَرْميه بالحِجارَة والنيران، فاشتعلت النَّارُ فِي أَسْتَار الكَعْبَةِ حَتَّى أَسْرَعَتْ فِيهَا، فَجَاءَت سَحابَةٌ من نَحْو الجُدَّةِ فِيهَا رَعْدٌ وبَرْقٌ مُرْتَفعَة كَأَنَّهَا مُلاَءهٌ حَتَّى اسْتَوَتْ فَوق الْبَيْت فمطرَتْ فَمَا جاوَزَ مطرُها البَيْتَ ومواضع الطَّوَافِ حَتَّى أطفَأَتِ النّار وسال المِرْزَابُ فِي الحِجْرِ، ثمَّ عَدَلَتْ إِلَى أبي قُبَيْس فرمت بالصَّاعقة فأَحْرَقت المنْجَنِيقَ وَمَا فِيهَا، قَالَ: فحدَّثتُ بِهَذَا الحَدِيث بالبَصْرَة قَوْماً، وَفِيهِمْ رَجُلٌ من أهل وَاسِط، وَهُوَ ابْن سُلَيْمَان الطَّيَّار شَعْوَذِيُّ الحجَّاج، فَقَالَ الرَّجلُ: سمعتُ أبي يحدِّثُ بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ لمَّا أُحْرِقت المنْجَنيقُ أمْسَكَ الحجَّاجُ عَن القِتَالِ، وَكتب إِلَى عبد الْملك بذلك، فَكتب إِلَيْهِ عبد الملِك: أما بعد، فإنَّ بني إسْرَائيل إِذا قَرَّبُوا لله قُرْبَاناً فَتَقَبَّله منْهُم بعث نَارا من السَّمَاء فأَكلَتْه، وإنَّ الله قَدْ رَضِي عَمَلك، وتَقَبَّل قُرْبَانك، فجِدَّ فِي أَمرك والسَّلاَم.
قَالَ شمر: روى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لأمية بن أبي الصَّلْت: إعلم بِأَن الله لَيْسَ كصُنْعِه صُنْعٌ، وَلَا يخفى عَلَيْهِ الملحد أَي الْمُشرك. وروى السُّدِّيّ عَن مُرّة عَن عبد الله: لَو هَمّ العَبْد بِسَيِّئَة، ثمَّ لم يعملها لم تكْتب عَلَيْهِ، وَلَو همّ بقتل رجل، وَهُوَ بِعَدَنَ أَبْيَنَ، وَهُوَ عِنْد الْبَيْت لأذاقه الله الْعَذَاب الْأَلِيم، ثمَّ تَلا الْآيَة.
يقالُ: مَا عَلَى وَجْه فُلاَنٍ لُحادَةُ لحم وَلَا مُزْعَةُ لحم أَي مَا عَلَيْهِ شيءٌ من اللَّحْم لِهُزالِه.
وَقَالَ الفَرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ} (الْجِنّ: 22، 23) أَي ملْجأ وَلَا سَرَباً ألجأُ إِلَيْهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الأَحمر. لحَدْتُ: جُرْتُ ومِلتُ. وألْحَدْتُ: مارَيتُ وَجَادَلْتُ.

(4/244)


دلح: قَالَ اللَّيْث: الدَّالِحُ: البَعِيرُ إِذا دَلَحَ. وَهُوَ تثَاقُلُه فِي مَشْيه من ثِقَل الحِمْل. والسَّحَابَةُ تَدْلَحُ فِي سَيرهَا من كثرةِ مَائِهَا. كأَنها تَنْخَزل انْخِزالاً. وَفِي الحَدِيث: (كنَّ النِّسَاء يدلحن بِالْقربِ على ظهورهن فِي الْغَزْو) أَي يَسْتَقين ويَسْقين الرِّجال.
وَيُقَال: تدالح الرّجلَانِ الحِمْل بَينهُما تدالحُاً أَي حَملاه بَينهمَا. وتدالحَا العِكم إِذا أدْخلا عُوداً فِي عُرَى الْجُوالِق. وأخذا بطرفي العُود فحملاه. وَفِي حدِيث آخر أنَّ سَلمان وَأَبا الدَّرْداء اشتريا لَحْمًا فَتَدالحاهُ بينهُما على عُود.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الدَّلْحُ: مَشْيُ الرجل بِحِمْلِه وَقد أثْقَله. يُقَال: دَلَح يَدْلَحُ. وسَحَائِبُ دُلَّحٌ: كَثيرَةُ الماءِ.
قَالَ النَّضْرُ: الدَّلاحُ من اللّبن: الَّذِي يُكْثَرُ مَاؤُهُ حَتَّى تتَبيَّن شُهْبَتُه.
ودَلَحْتُ القومَ ودَلَحْتُ لَهُم وَهُوَ نَحْو من غُسالة السِّقاء فِي الرِّقَّةِ أرَقُّ من السَّمارِ.
وفرسٌ دالحٌ: يَخْتالُ بِفارِسِه وَلَا يُتْعِبُه وَقَالَ أَبُو دواد:
ولَقَد أغْدو بِطَرْفٍ هَيْكَلٍ
سَبِط العُذْرَةِ مَيَّاسٍ دُلَحْ
ح د ن
حند، دحن، ندح، دنح: مستعملة.
ندح: قَالَ اللَّيْث النَّدْحُ: السَّعَةُ والفُسْحَةُ، تَقول: إِنَّك لَفي نَدحَةٍ من الأمْرِ ومَنْدوحَةٍ مِنْهُ وأرْضٌ مَنْدوحَةٌ: بعيدَة وَاسِعَة، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يُطَوِّحُ الهَادِي بِهِ تَطْويحَا
إِذا عَلا دَوِّيَّهُ المَنْدُوحا
قَالَ: والدَّوُّ: بلدٌ مُسْتَوٍ أحد طَرفَيْهِ يُتَاخِم الحَفَر المنسوْب إِلَى أبي مُوسَى وَمَا صَاقَبَه من الطَّرِيق، وطرفُه الآخر يتاخم فلوات ثَبْرَة وطُوَيلع وأَمْواهاً غَيرهمَا.
والنَّدْحُ فِي قَول العَجَّاج الكثْرَة حيثُ يَقُول:
صِيدٌ تَسامَى وُرَّماً رِقَابُها
بنَدْح وَهْمٍ قَطِمٍ قَبْقَابُها
وَفِي حَدِيث عِمْران بن حُصَيْن أَنه قَالَ: (إنَّ فِي المعاريض لمندوحَةً عَن الْكَذِب) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: مندوحة يَعْنِي سَعَةً وفُسْحَةً.
قَالَ: وَمِنْه قيل للرَّجُل إِذا عَظُم بطنُه واتَّسَعَ: قد انْدَاحَ بطنُه وانْدَحَى لُغَتَانِ، فَأَرَادَ أنَّ فِي المعاريض مَا يَسْتَغْني بِهِ الرجلُ عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب المَحْض.
قلت: أصَاب أَبُو عُبَيد فِي تَفْسِير المَنْدُوحَة أَنه بِمَعْنى السَّعة والفُسْحَة، وغَلِطَ فِيمَا جَعَلَه مُشْتَقّاً مِنْهُ حِين قَالَ: وَمِنْه قيل: انْدَاحَ بطنُه وانْدَحى، لِأَن النُّون فِي المندوحة أَصْلِيَّة، وَالنُّون فِي انداحَ وانْدحَى غير أَصْلِيَّة، لِأَن انْدَاحَ من الدّوْح واندَحَى من الدَّحْوِ فبينهما وَبَين النَّدْح فُرْقَانٌ كبيرٌ، لِأَن المندوحة مَأْخُوذَة من أنداحِ الأَرْض، وَاحِدهَا نَدْحٌ، وَهُوَ مَا اتَّسع من الأَرْض، وَمِنْه قَوْلُ رُؤْبَة:
صِيرَانُها فَوْضى بِكُلِّ نَدْح

(4/245)


وَمن هَذَا قَوْلهم: لَك مُنْتَدَحٌ فِي البِلادِ أَي مَذْهَبٌ واسعٌ عَريض.
ابْن السّكيت: يُقَال: لي عَنْه مندوحة ومُنْتَدَح.
قَالَ: والمُنْتَدَحُ: المكانُ الواسعُ وَهُوَ النَّدْحُ، وجَمْعُه أَنْدَاح.
وَقد تَنَدَّحَتِ الغَنمُ فِي مَرَابضها إِذا تَبَدَّدَتْ واتَّسَعَتْ من البِطْنةِ، وَلَا تَقُل مَمْدُوحة.
وَفِي حَدِيث أُمِّ سَلَمَة أَنها قَالَت لعائشَةَ حينَ أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى البَصْرَة: قد جَمَع القُرآنُ ذيْلَكِ فَلَا تَنْدَحيه.
وَبَعْضهمْ رَوَاهُ فَلَا تَبْدحيه بِالْبَاء، فَمَن قَالَه بِالْبَاء ذَهَب بِهِ إِلَى البَدَاح، وَهُوَ مَا اتَّسع من الأَرْض.
وَمن رَوَاهُ بالنُّون فقد ذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّدْح.
وَيُقَال: نَدَحْتُ الشَّيْء نَدْحاً إِذا وَسَّعْتَه.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: تَندَّحَتِ الغَنَمُ فِي مرابِضها إِذا تَبَدَّدَتْ وَاتَّسَعَتْ.
وَمِنْه يُقَال: لي عَنهُ مَنْدُوحَة ومُنْتَدَح أَي مكانٌ واسِعٌ.
حند: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُدُ: الأحْساءُ، واحِدُها حَنُود، وَهُوَ حَرْفٌ غَرِيبٌ.
قلتْ: أَحْسِبُه الحُتُد بِالتَّاءِ، واحِدُها حَتُود، وَمِنْه قَوْلهم: عَيْنٌ حُتدٌ: لَا ينْقطِع مَاؤُها.
دحن: قَالَ اللَّيْث: الدَّحِنُ: العظيمُ البَطْن، وَقد دَحِنَ دَحَناً.
قَالَ: وَقيل لابنَة الخُسِّ: أيُّ الإبِلِ خَيْرٌ؟ فَقَالَت: خَيْرُ الْإِبِل الدِّحَنَّة الطويلُ الذِّراعِ القصيرُ الكُرَاعِ، وقلَّما تَجِدَنَّه.
قَالَ اللَّيْث: والدِّحِنَّةُ: الكثيرُ اللَّحْمِ الغَلِيظُ. قلتُ أَنا: ناقةٌ دِحَنّة ودِحِنَّةٌ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، فَمَن كسَرَها فَهُوَ مثل امْرَأَة عِفِرَّة وصِبِرَّة، وَمن فتحَ فَهُوَ مثالُ رجُل عكَبّ وَامْرَأَة عِكَبَّة إِذا كانَا جافِيي الْخَلق، وناقَةُ دِفَقَّةٌ: سَرِيعة.
وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
أَلا ارْحَلُوا دِعْكِنّةً دِحِنَّةْ
بِمَا ارْتَعى مُزْهِيَةً مُغِنَّهْ
ويروى: أَلا ارْحلُوا ذَا عُكْنةٍ أَي جَمَلاً ذَا عُكَنٍ من الشَّحْمِ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ وَصفه بِنَعْتِ الذَّكَرِ فَقَالَ: ارْتَعَى.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الدَّحِل والدَّحِنُ: الخَبُّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّحِلُ: الدَّاهِيَةُ المُنكَرُ، والدَّحِنُ: السَّمِينُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّحِنُ والدِّحْوَنَّةُ: المُنْدَلِقُ البَطْن وَأنْشد:
دِحْوَنَّةٌ مُكَرْدَسٌ بَلَنْدَحٌ
ودَحْنَا: اسْم أَرْض. وَرُوِيَ عَن سَعِيدٍ أَنه قَالَ: خَلَقَ الله آدَمَ من دَحْنَا.
دنح: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: دَنَّحَ الرجُلُ ودَبَّحَ وَدَرْبَحَ إذَا ذَلَّ. وَقَالَ شَمِر: دَمَّحَ وَدَبَّحَ، قَالَ: والدَّنْحُ: يَوْمُ عِيدٍ من أَعْيادِ النَّصَارَى، وأَحْسِبُه مُعَرَّباً.
ح د ف
اسْتعْمل من وجوهها: حفد، فدح، فحد.

(4/246)


حفد: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْدُ فِي الخِدْمَةِ والعَمَل: الْخِفَّةُ والسُّرْعَةُ، وَأنْشد:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ
بأكفّهِنّ أَزِمَّةُ الأَجَمَالِ
وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنه قَرَأَ قُنُوت الْفجْر: وإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَصْلُ الْحَفْدِ: الْخِدْمَة والعَمل. قَالَ: ورُوِي عَن مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) أَنّهم الخدم، وَرُوِيَ عَن عبد الله أَنَّهُم الأصْهارُ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي الْحَفْد لُغَة أُخْرى: أَحْفَدَ إحْفَاداً، وَقَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليَدَيْن مُسِيفَةٍ
أَخَبَّ بِهن المُخْلِفَان وَأَحْفَدَا
قَالَ فَيكون أَحْفَدَا خَدَمَا، وَقد يَكُون أَحْفَدَا غَيرهمَا. قَالَ: وَأَرَادَ بقوله: وإلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد: نَعْمَلُ لله بطاعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الاحْتِفادُ: السُّرْعَةُ فِي كلِّ شَيْء، وَقَالَ الأعْشَى يَصِفُ السَّيْفَ:
ومُحْتَفِدُ الوَقْعِ ذُو هَبَّةٍ
أَجَادَ جِلاَهُ يَدُ الصَّيْقَل
قُلْتُ: وروَاه غَيرُه: ومُحْتَفِل الوقع بِاللَّامِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
حَدَّثنا أَبُو زيد عَن عبد الْجَبّار عَن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثنا عَاصِم عَن زِرّ قَالَ: قَالَ عبد الله: يَا زِرّ، هَل تَدْرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفّادُ الرَّجْلِ: من وَلَده وَوَلد وَلَده، قَالَ: لَا، وَلَكنهُمْ الأَصْهَارُ قَالَ عَاصِم: وَزعم الكَلْبِيّ أَنَّ زِرّاً قَدْ أَصَابَ، قَالَ سُفْيَان: قَالُوا: وكَذبَ الكَلْبِيّ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَنْ قَالَ الحَفَدَةُ: الأَعْوَانُ فَهُوَ أَتْبَعُ لكَلَام العَرَب مِمَّنْ قَالَ الأَصْهار. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَقَالَ: وَيُقَال: الأَعْوَان، وَلَو قيل الحَفَدُ لكَانَ صَوَابا، لِأَن الْوَاحِد حَافِد مثل القَاعِد والقَعَد.
وَقَالَ الحَسَنُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، قَالَ: البَنُون: بَنُوك وبَنُو بَنِيك، وأَمَّا الحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَك من شَيْء وعَمِلَ لَك وأَعَانَك. وروى أَبُو حَمْزَة عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: مَنْ أعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْله:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: بَنُو المَرْأَةِ من زَوْجها الأوَّل، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَك من وَلَدِكَ وَوَلد، ولدك، وَقَالَ اللَّيْث: الحَفَدَةُ: البَنَاتُ، وهُنَّ خَدَمُ الأبَوَيْنِ فِي البَيْتِ، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَفَدَةُ: وَلَدُ الوَلَد.
والحَفَدَانُ: فَوْق المَشْيِ كالخَبَبِ.
قَالَ: والمَحْفِدُ: شيءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الدَّابَّة، وَقَالَ الأعْشَى:
وسَقْيي وإطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
قَالَ: والمَحْفِدُ: السَّنَامُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المَحَافِدُ فِي الثَّوْبِ: وَشْيُه، واحِدُها مَحْفِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَفَدَةُ:

(4/247)


صُنَّاعُ الوَشْي. والْحَفْدُ: الوَشْيُ.
وَقَالَ شَمِر: سَمِعْتُ الدَّارِمي يَقُول: سَمِعْتُ ابْن شُمَيْل يَقُول لطرف الثَّوْب مِحْفَد بِكَسْر الْمِيم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمَحْفِدُ والمَحْقِدُ والمَحْكِد: الأصْلُ.
وَقَالَ أَبو تُرَاب: احْتَفَد واحْتَمَد واحْتَفَل بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبُو قَيْس: مِكْيالٌ واسْمه المِحْفَد، وهُوَ القَنْقَلُ.
فدح: اللَّيْث: الفَدْحُ: إثْقَالُ الأَمْرِ والحِمْلِ صَاحِبَه، تَقول: نَزَل بهم أَمْرٌ فَادِحٌ. وَفِي الحَدِيث (وعَلَى الْمُسلمين ألاَّ يتْركُوا فِي الإسْلاَمِ مَفْدُوحاً فِي فِدَاءٍ أَو عَقْلٍ) ، قَالَ أَبُو عُبَيد: وَهُوَ الَّذِي فَدَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَه.
فحد: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: واحِدٌ فاحِدٌ، قلتُ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو بِالْفَاءِ، وقرأتُ بِخَط شَمِر لِابْنِ الأعرابيّ قَالَ: القَحَّادُ: الرجلُ الفردُ الَّذِي لَا أَخَ لَهُ وَلاَ وَلَد، يُقَال: واحِدٌ قَاحِدٌ صَاخِدٌ، وَهُوَ الصُّنْبُورُ، قلتُ: وأنَا واقِف فِي هَذَا الحَرْفِ، وخَطُّ شَمر أقربُهما إِلَى الصَّوَاب، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَحَدَةِ السَّنَام، وَهُوَ أَصله.
ح د ب
حدب، دبح، دحب، بدح: مستعملة.
حدب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} (الأنبيَاء: 96) ، قَالَ اللَّيْث: الْحَدَبُ: حَدُورٌ فِي صَبَبٍ، وَمن ذَلِك حَدَبُ الرّيح وحَدَبُ الرَّمْلِ والجَمِيعُ الحِدَاب، وَقَالَ الفَرَّاء: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} (الأنبيَاء: 96) من كُلِّ أكَمةٍ، ومِنْ كُلِّ مَوْضع مرتَفِع، وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: من كلِّ حَدَبٍ، قَالَ: الحَدَبُ: الأكَمَةُ. وَقَالَ اللَّيْث: الحَدَبُ: مصدر الأحْدَبِ، وَالِاسْم الحُدْبَةُ، والفِعْلُ: حَدِبَ يَحْدَبُ حَدَباً.
قَالَ: وَيُقَال: احْدَوْدَبَ ظهْرُه. قلت: والحَدَبةُ مُحرَّكةُ الْحُرُوف: موضعُ الحَدبِ فِي الظَّهر الناتىء، فالحَدبُ دُخُول الصَّدْر وخروجُ الظّهْر، والقَعَسُ: دُخُول الظَّهر وخروجُ الصَّدرِ.
اللَّيْث: حَدِبَ فلانٌ على فلانٍ يَحْدَبُ حَدَباً إِذا عطَف وحَنا عَلَيْهِ، وَيُقَال هُوَ لهُ كالوالد الحَدِب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَدَأُ مثلُ الحَدَبِ، حَدِئْتُ عَلَيْهِ حَدَأً مثْلُ حدِبْتُ عَلَيْهِ حدَباً أَي أَشْفَقْتُ.
قَالَ النَّضْرُ: فِي وَظِيفَي الفرَس عُجَايَتَاهما وهما عَصَبَتان تَحمِلان الرِّجل كلهَا، قَالَ: وَأما أحْدَباهما فهما عِرقان، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم الأحدَبُ فِي الذِّراع: عِرقٌ مُستبْطِنٌ عَظْمَ الذِّراع.
وَيُقَال: اجْتمع النَّبِيطُ يَلْعَبُونَ االحَدَبْدَبَى وَهِي لُعْبةٌ لَهُم.
وحَدَبُ الشَّتاءِ: شِدّةُ بردِه وَسنة حدباء: شَدِيدَة قَالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْلِيُّ فِي صفة فرس:
لم يَدْرِ مَا حَدَبُ الشتاءِ ونَقْصُه
ومضتْ صَنابرُه وَلم يتَخَدَّد

(4/248)


أَرَادَ أَنه كَانَ يتَعهَّدَه فِي الشتاءِ ويقومُ عَلَيْهِ والتحدُّبُ مثُله، وَمِنْه قَوْله:
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبتْ
لاقَيْتَ مُطَّلِعَ الجبالِ وُعوراً
اللَّيْث: يُقَال للدَّابة الَّذِي قد بَدَتْ حَرَاقِفُه وعَظُم ظهرهُ حدْباء حِدْبيرٌ وحِدْبارٌ.
وَقَالَ غيرُه: حَدَبُ السَّيْلِ: ارتفاعُه، وَقَالَ الفرزدق:
غدَا الحيُّ من بيْنِ الأُعَيْلام بَعْدَمَا
جرَى حَدَبُ البُهْمَى وهاجتْ أَعاصِرُه
قَالَ: حَدَبُ البُهْمى: مَا تناثر مِنْهُ فَركب بعضُه بَعْضًا كحَدَب الرَّمل.
وَقَالَ النَّضر: الحَدَبةُ: مَا أَشرف من الأرضِ وغَلُظ، قَالَ وَلَا تكون الحَدَبةُ إِلَّا فِي قُفَ أَو غِلَظِ أَرض.
وَقَالَ غيرُه: حُدْب الْأُمُور: شَوَاقُّها، وَاحِدهَا حَدْباءُ، وَقَالَ الرَّاعِي:
مروانُ أَحَزمُها إِذا نَزَلتْ بِهِ
حُدْبُ الأُمورِ وخَيرُها مأَمولا
وسَنةٌ حدباءُ: شديدةٌ، شُبِّهتْ بالدَّابةِ الحَدباء.
وَقَالَ الأصمعيُّ: الحَدَبُ والحَدَر: الأثَرُ فِي الجِلْد، وَقَالَ غَيره: الحَدَر: السِّلَع، قلت: وصوابُه الجَدَر بِالْجِيم، الواحدةُ جَدَرَة، وَهِي السِّلْعة والضَّوَاةُ.
شمِر: حَدَبُ المَاء: مَا ارْتَفع من أمواجه، وَقَالَ العجَّاج:
نَسْجَ الشَّمالِ حَدَبَ الغَدير
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَدَبُهُ: كثْرتُه وارتفاعه، وَيُقَال: حَدَبُ الغَديرِ تحرُّك الماءِ وأمواجِه، قَالَ: والمُتحدِّب: المتعلِّق بالشَّيْء الملازمُ لَهُ.
ابْن بُزُرْج: يُقَال: اشْترى الْإِبِل فِي حَدابِ على فَعَال أَي فِي سَنَةٍ حدْباء مثل فَسَاقِ.
دبح: ابْن شُمَيْل: دَبَّح الرَّجلُ ظهرَه إِذا ثناه فارتفع وَسَطُه كَأَنَّهُ سَنَام.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّدْبيح: تَنْكيس الرَّأْس فِي المَشي، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهَى أَن يُدَبِّح الرجلُ فِي رُكُوعه كَمَا يدبِّح الْحمار.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يُدبِّح، مَعْنَاهُ يطأْطىء رأْسَه فِي الرُّكُوع حَتَّى يكون أخفضَ من ظَهره.
وَقَالَ الأُمَوِيّ: دبَّح تدبيحاً إِذا طَأطأَ رأسَه.
وَقَالَ اللِّحْياني: دمَّح ودَبَّح ونحوَ ذَلِك قَالَ شمر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: دبَّح ودنَّح إِذا ذَلَّ.
وَقَالَ النَّضر: رمْلةٌ مُدَبِّحَةٌ أَي حدْبَاء، ورِمال مدابِحُ.
أَبُو عدنان عَن الغَنَوِيّ: دبَّح الحمارُ إِذا رُكِب وَهُوَ يشتكي ظهرَه من دبَرِه، فيُرْخِي قوائمه ويُطامن ظهرَه وعَجُزَه من الْأَلَم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا بالدَّار دِبِّيح ولادِبِّيجٌ بِالْحَاء وَالْجِيم، والحاء أفصحهما وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيد: مَا بِالدَّار دبِّيجٌ بِالْجِيم، قلت: وَمَعْنَاهُ من يَدِبّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّدبيح: خَفْضُ الرَّأْس وتنكيسه. وَأنْشد أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ:

(4/249)


لما رأى هِراوةً ذاتَ عُجَرْ
دبّح واستَخْفَى ونادَى يَا عُمَرْ
قَالَ: والتدبيح: التطأطؤ. يُقَال: دبِّح لي حَتَّى أركبك.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَدنان: التَّدبيحُ تدبيحُ الصّبيان إِذا لَعبوا، وَهُوَ أَن يُطامِنَ أحدهم ظهرَه ليَجيءَ الآخر يَعدُو من بعيدٍ حَتَّى يركبه.
والتدبيحُ أَيْضا: تَدْبيحُ الكَمْأة، وَهُوَ أَن تَنفتحَ عَنْهَا الأرضُ وَلَا تَصْلَع أَي لَا تَظهرَ، حُكِي ذَلِك عَن الْعَرَب.
بدح: قَالَ اللَّيْث: البَدْحُ: ضَرْبُك بِشَيْء فِيهِ رَخاوة، كَمَا تَأْخُذ بِطِّيخَةً فَتَبْدحُ بهَا إنْسَانا، تَقول: رَأَيْتهمْ يتبادَحون بالكُرِينَ والرُّمّان ونحوِه عبَثاً يَعْنِي رَمْياً.
أَبُو عُبَيْد: بَدَحَت المرأةُ وتبدَّحَتْ. وَهُوَ جنسٌ من مِشْيَتِها. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّبَدُّح: حُسنُ مِشْيَةِ الْمَرْأَة، وَأنْشد:
يَبْدَحْن فِي أَسْوُقٍ خُرْسٍ خَلاخِلُها
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: البَدَاح على لفظ جَناح: الأرضُ الليِّنَة الواسعةُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البَدْحُ: عَجْزُ الرجل عَن حَمالةٍ يحملُها، وعَجْزُ البعيرِ عَن حِمْله، وَأنْشد:
إِذا حَمَل الأحْمَالَ ليْسَ بِبادح
شمر عَن الْأَصْمَعِي: البَدَاحُ والأبْدَحُ والمَبْدوح: مَا اتَّسَع من الأَرْض، كَمَا يُقَال الأبْطَحُ والمبطوح، وَأنْشد:
إِذا عَلاَ دَوِّيَّهُ المَبْدوحا
رَوَاهُ بِالْبَاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأبْدَحُ: العَرِيضُ الْجَنْبَيْنِ من الدَّوابِّ، وَقَالَ الرّاجزُ:
حتَّى يُلاَقي ذَاتَ دَفَ أبْدَحِ
بمُرْهَفِ النَّصْل رَغِيبِ المَجْرَحِ
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء: بَدَحْتُه بالعَصا وكَفَحْتُه بَدحاً وكَفْحاً إِذا ضَرَبْتَه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي كِتَابه فِي (الأمْثال) يرويهِ أَبُو حَاتِم لَهُ يُقَال: أكلَ مالَهُ بأبْدَحَ ودُبيْدَح، قَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا أَصله دُبيْح، وَمَعْنَاهُ أَنه أكله بِالْبَاطِلِ، وَحَكَاهُ ابْن السِّكِّيت: أَخَذَ مَاله بأبْدَح ودُبيدَح، أخْبَرني بذلك الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّانيُ عَنهُ، وَقَالَ سمعتُ التَّوَّزِي يَقُول: يُقَال أكلَ مالَه بأبْدَح ودُبيْدَح أَي بِالْبَاطِلِ، قَالَ: يُضْرَبُ مَثلاً لِلْأَمْرِ الَّذِي يَبْطُلُ، وَكلهمْ قَالَ دبيْدَح بِفَتْح الدَّال الثَّانية.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال: ذَبَحَه، وبَذَحَه، ودبَحَه وَبَدحَه وَمِنْه سُمِّي بُدَيْح المُغَنِّي، كَانَ إِذا غَنَّى قَطَع غِنَاء غَيْره بِحُسْنِ صَوْتِه.
دحب: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الدَّحْبُ: الدَّفْع، وَهُوَ الدَّحْمُ، يُقَال: دَحَبَها ودَحَمَها فِي الجِماعِ، والاسْمُ الدُّحَاب.
ح د م
حدم، حمد، مدح، دمح، دحم: مستعملات.
حدم: قَالَ اللَّيْث: الحَدْمُ: شِدَّةُ إحْماءِ الشَّيْءِ بِحَرِّ الشَّمْسِ والنَّار، تَقول: حَدَمه كَذَا فاحتدم.
وَقَالَ الأَعْشَى:

(4/250)


وإدلاجِ لَيْلٍ على غِرَّةٍ
وهَاجِرةٍ حَرُّها مُحْتَدِم
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء: للنّار حَدَمَة وحَمَدة، وَهُوَ صَوت الالتهاب، وَهَذَا يَوْم مُحْتَدِمٌ ومُحْتَمِدٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الاحْتِدامُ: شِدَّةُ الحَرّ.
وَقَالَ أَبُو زيد: احْتَمَد يوْمُنا واحْتَدَمَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الحَدَمَةُ: من أصْوَاتِ الحيَّة، صَوْتُ حَفِّه كَأَنَّهُ دَوِيٌّ يَحْتدِم، واحْتَدَمَتِ القِدْرُ إِذا اشتدَّ غَلَيانُها.
وَقَالَ أَبُو زيد: زَفيرُ النّار: لَهبُها وشَهِيقُها، وحَدَمُها وحَمَدُها وكلْحَبَتُها بِمَعْنى وَاحِد.
واحْتَدم الشرابُ إِذا غَلَى، وَقَالَ الْجَعْدِي يصف الْخمر:
رُدَّت إِلَى أكْلَفِ المَنَاكِب مَرْ
شُومٍ مُقيمٍ فِي الطِّين مُحْتَدِم
دحم: قَالَ اللَّيْث: دَحْمٌ ودَحْمانٌ: من الأسمَاء، والدَّحْم: النِّكاحُ، يُقَال: دَحَمَها دحْماً، وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: هَل يَنْكِحُ أهْلُ الجنَّةِ؟ فَقَالَ دحْماً دحْماً أَي يَدْحَمون دَحْماً، وَهُوَ شِدَّةُ الجِمَاع.
ودحْمَةُ: اسْم امْرَأَة، ودُحَيْمٌ: اسْم رجل ابْن الْأَعرَابِي: دَحَمه دَحْماً إِذا دفَعَه، وَقَالَ رؤبة:
مَا لَمْ يُبِحْ يأْجوجَ رَدْمٌ يَدْحَمُه
أَي يَدْفَعُه. وَأنْشد أَبُو عمر:
قَالَت وَكَيف وَهُوَ كالمُمَرتَك
إِنِّي لطول الفَشل فِيهِ أشتكي
فادحَمْه شَيْئا ساعَةً ثمَّ اترك
مدح: قَالَ اللَّيْث المَدْحُ: نَقِيضُ الهِجَاء، وَهُوَ حُسْنُ الثَّناء، يُقَال: مدَحْتُه مَدْحَةً واحِدَة، والمِدْحَةُ: اسْم المَديح، والجميعُ المِدَحُ، قَالَ: والمُثْنِي يمْدح ويمْتَدحُ قلتُ: وَيُقَال: فلَان يَتَمدَّحُ إِذا كَانَ يُقَرِّظُ نَفسه ويُثْني عَلَيْهَا.
والمَمَادح ضِدُّ المَقَابح، والمدائحُ جَمْعُ المديح من الشِّعر الَّذِي مُدح بِه.
ورَجُلٌ مَدَّاحٌ: كَثِيرُ المدْح للْمُلوك.
حمد: اللَّيْث: الحَمدُ: نَقيضُ الذَّمِّ، يُقَال: حَمِدْتُه على فعله، وَمِنْه المحْمدَةُ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفَاتِحَة: 2) .
قَالَ الفرّاءُ: اجْتمع القُرَّاء على رفع (الحمدُ لله) ، فَأَما أهْلُ البَدْو فَمنهمْ من يَقُول: الحمدَ لله، وَمِنْهُم من يَقُول: الحمدِ لله بخفض الدَّال، وَمِنْهُم من يَقُول: الحمدُ لله فيرفع الدَّال وَاللَّام، قَالَ أَبُو العباسُ: الرفُع هُوَ القراءَةُ، لِأَنَّهُ المأْثورُ، وَهُوَ الاخْتِيارُ فِي العَربيَّة.
وَقَالَ النحويون: مَنْ نَصَبَ من الْأَعْرَاب الْحَمد الله فعَلى الْمصدر أَحْمد الْحَمد لله، وَأما مَنْ قَرَأَ: الحمدِ لله فَإِن الفَرّاء قَالَ: هَذِه كلمة كَثُرَت عَلَى ألْسنِ العَرب حَتَّى صَارَت كالاسم الْوَاحِد، فَثَقل عَلَيْهِم ضَمُّها بعد كَسْرَة فأَتْبَعوا الكَسْرَة الكَسْرَة.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يُلْتَفتُ إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلَا يُعْبأ بهَا، وَكَذَلِكَ من قَرَأَ: الحمدُ لله فِي غير الْقُرْآن فَهِيَ لُغةٌ رديئةٌ.
وَقَالَ الأخْفَشُ: الحمدِ لله: الشُّكْرُ لله، قَالَ: والحمدُ أيْضاً: الثَّناء، قلت: الشُّكْر

(4/251)


ُ لَا يكون إِلَّا ثَنَاء لِيَدٍ أُوليتَها، والحمدُ قدْ يكون شُكْراً للصَّنِيعة وَيكون ابْتِدَاء للثناء عَلَى الرَّجُل، فحمدُ الله الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَيكون شُكراً لِنِعَمِه الَّتِي شَمِلَت الكُلّ.
وَقَالَ اللَّيْث: أحْمَدْتُ الرجلَ: وجَدْتُه مَحْمُودًا، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيره: يُقَال: أتَيْنا فُلاَناً فأَحْمَدناهُ وأَذْمَمْناهُ أَي وجَدناه مَحْمُودًا أَو مذْموماً.
وَقَالَ اللَّيْث: حُمَاداك أَن تَفْعَلَ كَذَا أَي حَمْدُك، وحُماداك أَن تَنْجُوَ من فُلان رأْساً بِرَأْس.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبابُك أَن تفْعَلَ ذاكَ، وَمثله حُمادَاكَ.
وَقَالَت أُمُّ سَلمَة: حُمادَياتُ النِّساء غَضُّ الطَّرْف وقِصَرُ الوَهَازَة، مَعْنَاهُ غَايَة مَا يُحْمَد مِنْهُنَّ هَذَا، وَقيل: غُناماك بِمعنى حُماداك، وعُنَاناك مِثْلُه.
وَقَالَ اللَّيْث: التَحْمِيدُ: كَثْرَةُ حَمْدِ الله بالمحَامِدِ الحسَنَة. قَالَ: وأحْمَدَ الرَّجُلُ إِذْ فَعَلَ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الأعْشَى:
وأحْمَدتَ إِذْ نَجَّيْتَ بالأمْسِ صِرْمَةً
لَهَا غُدَداتٌ واللُّواحِقُ تَلْحَقُ
ومُحمَّد وأَحْمد اسْما نَبِيِّنا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول الْعَرَب: أحْمَدُ إِلَيْك الله.
قَالَ اللَّيْث مَعْنَاهُ أَحْمد مَعَك الله، وَقَالَ غَيره: أشكُر إِلَيْك أيادِيَه ونعمه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَوْله أحْمَدُ إِلَيْكُم غَسْلَ الإحْلِيل أَي أرضاه لكم، أَقَامَ إِلَى مُقام اللَّام الزَّائِدَة.
وَقَالَ شمر: بَلَغَني عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ: معنى قَوْلهم فِي الكُتُب: فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْك الله أَي أحْمد مَعَك الله، كَقَوْل الشَّاعِر:
ولَوْحَيْ ذِرَاعَيْن فِي بِرْكةٍ
إِلَى جُؤْجُؤٍ رَهِل الْمنْكب
يُرِيد مَعَ بركَة.
وَيُقَال: هَل تَحمَد لي هَذَا الْأَمر أَي هَل ترضاه لي.
وَفِي (النَّوَادِر) : حَمِدْتُ عَلَى فلَان حَمْداً وضمِدْتُ ضَمَداً إِذا غَضِبْتَ، وَكَذَلِكَ أَرِمْتُ أَرَماً.
وَقَول المُصَلِّي: سُبْحَانك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك الْمَعْنى وبِحَمْدِك أَبْتَدِىء، وَكَذَلِكَ الجِالِبُ للباء فِي بِسم الله الِابْتِدَاء، كَأَنَّك قلت: بَدَأْتُ باسْمِ الله، وَلم تَحْتَج إِلَى ذكر بدأت، لِأَن الْحَال أَنْبأَت أَنَّك مُبْتَدِىء.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: للنار حَمَدَة، ويَوْمٌ مُحْتَمِدٌ ومُحْتَدِمٌ: شَدِيد الحَرِّ.
والحَمِيدُ من صِفَاتِ الله بمَعْنَى المحمُودِ، ورَجُلٌ حُمَدَةٌ: كَثيرُ الْحَمدِ. وَرَجُلٌ حَمَّادٌ مِثْلُه.
وَمن أَمْثَالهم: (من أنْفق مَاله على نَفسه فَلَا يتحمد بِهِ إِلَى النَّاس) ، الْمَعْنى أَنه لَا يُحمد على إحْسانه إِلَى نَفسه، إِنَّمَا يُحْمَد على إحْسَانِه إِلَى النَّاس.
دمح: شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: دَمَّحَ ودَبَّح إِذا طَأْطَأَ رَأْسَه.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالتَّاء
ح ت ظ ح ت ذ ح ت ث: أهملت وجوهها.

(4/252)


ح ت ر
حتر، حرت، ترح: مستعملة.
حتر: قَالَ اللَّيْث: الحَتْر: الذَّكَرُ من الثَّعَالِب، قلتُ: لَمْ أَسْمَع الحَتْرَ بِهَذَا الْمَعْنى لغير اللَّيْث، وَهُوَ مُنكر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِتَارُ: اسْتَدَارَ بالعَيْن مِنْ زِيقِ الجَفْن من بَاطن.
قَالَ: وحِتَارُ الظُّفْرِ: مَا أَحَاطَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُحِيط بالخِباء، وكَذلك حِتَار الدُّبُر: حَلْقَته.
قَالَ: والمُحْتِرُ: الَّذِي لَا يُعْطِي خَيْراً وَلَا يُفْضِل على أَحَد، إِنَّمَا هُوَ كَفَافٌ بكَفَافٍ لَا ينفلت مِنْهُ شَيْء، قد أَحتَر على نَفسه وَأَهله أَي ضَيَّق عَلَيْهِم ومنعهم خَيْرَه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حترتُ لَهُ شَيْئا بِغَيْر ألف، فَإِذا قَالَ: أَقَلَّ الرجلُ وأَحْتَر قَالَه بِالْألف، وَالِاسْم مِنْهُ الحِتْر، وَأنْشد للأعلم الهُذَلي:
إِذا النُّفَساءُ لم تُخَرَّسْ بِبِكْرِها
غُلاَماً وَلم يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُهَا
وَأَخْبرنِي الإيَادِيّ عَن شمر: الحَاتِر: المُعْطِي، وَأنْشد:
إذْ لَا تَبِضُّ إِلَى التَّرا
ئِكِ والضَّرَائِكِ كَفُّ حَاتِر
قَالَ: وحَتَرْتُ: أَعْطَيْتُ عَن أبي عَمْرو، قَالَ: وَقَالَ غَيره: كَانَ عطاؤك إيّاه حَقْراً حَتْراً أَي قَلِيلا، وَقَالَ رُؤْبةُ:
إِلَّا قَلِيلاً من قَلِيلٍ حَتْرِ
قَالَ: وأَحَتَر علينا رِزْقَنا أَي أقَلَّه وحَبَسَه، قَالَ: وَيُقَال: مَا حَتَرْتُ اليومَ شَيْئا أَي مَا أَكَلتُه.
وَقَالَ الفَرَّاء: حَتَرَهُ يَحتُرُه إِذا كَسَاهُ وأعْطَاه، وَقَالَ الشَّنْفَري:
وأُمِّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهم
إِذا حَتَرَتْهُمُ أَتْفَهَت وأقَلَّتِ.
غَيره: أحْتَرْتُ العُقْدَةَ إحْتاراً إِذا أحْكَمْتُها فَهِيَ مُحْتَرَةٌ، وبَيْنهم عَقْدٌ مُحْتَرٌ: قَد استُوثِقَ مِنْه.
وَقَالَ لَبيد:
وبِالسَّفْح من شَرْقِيِّ سَلْمَى مُحَارِبٌ
شُجَاعٌ وذُو عَقْدٍ من القعوْم مُحْتَرِ
ابْن السِّكِّيت عَن الفَزَارِيّ قَالَ: الحَتِيرَةُ: الوَكِيرَةُ، وهُو طَعَامٌ يُصْنَع عِنْد بِنَاء الْبَيْت، قُلْتُ: وَأَنا وَاقِف فِي هَذَا الْحَرْف، وَبَعْضهمْ يَقُول: حَثِيرة بالثاء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الحُتُرُ أكِفَّةُ الشِّقَاقِ، كل وَاحِد مِنْهَا حَتارٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد الْكلابِي: الحِتْرُ: مَا يُوصل بِأَسْفَل الخباءِ إِذا ارْتَفع عَن الأَرْض وقلص ليَكُون سترا، يُقَال مِنْهُ حَتَرْتُ البَيْتَ.
ترح: التَّرَحُ: نقِيضُ الفَرَح، وَيُقَال: بَعْد كُلِّ فَرْحَةٍ ترْحَةٌ.
قَالَ: والمِتْرَاحُ من النُّوقِ: الَّتِي يُسْرعُ انْقطَاعُ لَبنها، والجَميعُ المَتارِيح.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَّعديّ يَمدَحُ رَجلاً:
يُحَيُّونَ فَيَّاضَ النَّدَى مُتَفَضِّلاً
إِذا التَّرِحُ المَنَّاعُ لَمْ يَتَفَضَّل
قَالَ: التَّرِحُ: القَلِيلُ الخَير.

(4/253)


وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن مَنَاذِر: التَّرَحُ: الهبُوطُ، وَمَا زلْنَا مُنْذُ الليلةِ فِي تَرَح، وَأنْشد:
كأنَّ جَرْسَ القَتَبِ المُضَبَّبِ
إِذا انْتُحي بالتّرَح المُصَوَّب
وَقَالَ: الانتحاء: أنَ يَسْقُط هَكَذَا، وَقَالَ بِيَدِهِ بَعْضُها فَوق بعض، وَهُوَ فِي السُّجُود أَن يُسْقِط جَبينَه إِلَى الأَرْضِ ويَشُدَّه وَلَا يعْتَمد على راحتيه وَلَكِن يعْتَمِدعلى جَبِينه، حكى شمر هَذَا عَن عبد الصَّمد بن حَسّان عَن بعض الْعَرَب.
قَالَ شمر: وَكنت سَأَلت ابنَ مُناذِرٍ عَن الإنْتِحَاء فِي السُّجُود فَلم يعْرِفه.
قَالَ: فذكرتُ لَهُ مَا سَمِعْتُ، فَدَعَا بدَواته وكتَبه بِيدِه.
حدَّثنا عبد الرحمان بن أبي حَاتِم، قَالَ حَدَّثنَا أبِي، قَالَ: حدَّثنا الفَضْلُ بنُ دُكيْن، قَالَ: حدَّثَنا أَبُو مَعْشَر عَن شُرَحْبيل بن سَعْد عَن عليّ بن أبي طَالب، قَالَ: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لِبَاس القَسِّيِّ المْتَرَّح وأنْ أَفْتَرِشَ حِلْسَ دابَّتي الَّذِي يَلي ظَهْرَها، وَألا أَضَعَ حِلْسَ دابّتي على ظهرهَا حَتَّى أذكر اسْم الله، فإنَّ على كلِّ ذِرْوَةٍ شَيْطَانا، فَإِذا ذكَرْتم اسمَ الله ذَهَبَ.
قُلْتُ: كأنَّ المُتَرَّحَ المُشْبَع حُمْرَةً كالمُعَصْفَرِ.
والتّرْحُ: الفَقْرُ، قَالَ الهُذَليُّ:
كَسَوْتَ على شَفَا تَرْحٍ ولُؤْمٍ
فأَنْتَ على دَرِيسِكَ مُسْتَمِيتُ
دريسك: خَلَقك، على شفَا تَرْح أَي على شَرَف فَقْر وقِلّة، يُقَال: قَليلٌ تَرْحٌ.
حرت: قَالَ اللَّيْث: حَرَتَ الشَّيْء يَحْرُتُه حَرْتاً وَهُوَ قَطْعُك إيّاه مستديراً كالفَلْكة.
قَالَ: والمحْرُوتُ: أَصْلُ الأُنْجُذَانِ، قلت: وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالَ الليثُ فِي الحرْتِ أَنه قَطْعُ الشَّيْء مُسْتَدِيراً، وأَظُنُّه تَصْحِيفاً: والصَّوابُ خَرَتَ الشيءَ يَخْرُتُه خَرْتاً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: لأنَّ الخُرْتَةَ هِيَ الثَّقْبُ المُسْتدير.
وروى أَبُو عُمَر عَن أَحْمد بن يحيى عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الحُرْتَةُ بِالْحَاء: أَخذُ لَذْعَةِ الخَرْدَل إِذا أَخَذَ بالأنف.
قَالَ: والخُرْتَةَ بِالْخَاءِ: ثَقْبُ الشَّغِيزَة وَهِي المِسَلَّةُ.
وروى ثَعْلب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرِتَ الرجُلُ إِذا سَاءَ خُلُقُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: المحْرُوتُ: شَجَرَة بَيْضَاء تُجْعَل فِي المِلْح لَا تُخَالِطُ شَيْئا إِلَّا غَلَبَ رِيحُها عَلَيْهِ، وتنْبُتُ فِي البَادِية، وَهِي ذَكِيَّةُ الرّيح جدا، والواحدة مَحْرُوتَة.
وَقَالَ الدينَوَرِي: هِيَ أصل الأُنْجُذان.
ح ت ل
حتل، حلت، لحت، لتح: مستعملة.
وَقد أهمل اللَّيْث: حتل ولحت وهما مستعملان.
لتح: قَالَ اللَّيْث: اللَّتْح: ضرب الْوَجْه والجسد بالحصى حَتَّى يؤثِّرَ فِيهِ من غير جَرْح شَدِيد، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَلْتَحْنَ وَجْهاً بالحَصَى مَلْتُوحا

(4/254)


يصف عانَةً طردها مِسْحَلُها، وَهِي تَعْدُو وتُثِير الحَصَى فِي وَجْهِه.
أَبُو زيد: لَتَحَها لَتْحاً إِذا نَكَحَهَا وجامعها، وَهُوَ لاتِحٌ، وَهِي مَلْتُوحة.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: لتَحْتُ فُلاناً ببصرى أَي رَمَيْتُه، حَكَاهُ عَن أبي الْحسن الْأَعرَابِي الْكلابِي، وَكَانَ فصيحاً.
ابْن الْأَعرَابِي: رجل لاتِح ولُتاحٌ ولُتَحَةٌ ولَتِحٌ إِذا كَانَ عَاقِلا داهياً، وقومٌ لُتَّاح، وهم الْعُقَلَاء من الرِّجَال والدُّهاةُ.
الأُمَوِيُّ: اللَّتْحانُ: الجائع، وامرأةٌ لَتْحَى: جائِعة.
حلت: قَالَ الليثُ: الحِلْتِيتُ. الأنْجُزَذُ، وَأنْشد:
عَلَيْك بِقُنُأَةٍ وبِسَنْدَروسٍ
وحِلْتِيتٍ وشَيْءٍ من كَنَعْدِ
قلت: أَظن هَذَا الْبَيْت مصنوعاً وَلَا يحْتَج بِهِ، وَالَّذِي حَفِظته عَن البحرانيين: الخِلْتِيت بِالْخَاءِ: الأَنْجُزَذُ، وَلَا أرَاهُ عَرَبِيّاً مَحْضاً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يَوْم ذُو حِلِّيتٍ إِذا كَانَ شَدِيد الْبرد، والأزِيزُ مثله.
قَالَ: والْحَلتُ: لُزُوم ظهر الخَيْل.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْكسَائي: حَلَتُّه أَي ضَرَبتُه، قَالَ: وَغَيره يَقُول: حَلأْتُه.
اللحياني: حلأتُ الصوفَ عَن الشاةِ حَلأً، وحَلَتُّه حَلْتاً، وَهِي الحُلاتَةُ والْحُلاءةُ للنُّتافَةِ:
وحِلِّيتُ: مَوضِع ذكره الرَّاعِي:
بِحِلِّيتَ أَقْوَت مِنْهُمَا وتَبدَّلت
ويروى بِحَليَة.
لحت: قَالَ ابْن الْفرج: قَالَ السليمي: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتٌ أَي بَرْدٌ صادِق.
وَقَالَ غَيره: لَحَتَ فلانٌ عَصَاهُ لَحْتاً إِذا قَشَرَها، ولَحَتَه بالعَذْل لَحتاً مثله.
حتل: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحاتِلُ: المِثلُ من كل شَيْءٍ. قُلْتُ: الأصْلُ فِيهِ الحاتِنُ، فَقْلِبَت النُّون لاما، وَهُوَ حِتْنُه وحَتْله أَي مِثْلُه.
ح ت ن
حتن، حنت، نحت، نتح: مستعملة.
نحت: قَالَ اللَّيْث: النَّحْتُ نَحْتُ النَّجَّار الْخشب، يُقَال هُوَ يَنْحَتْ وينْحِتُ لُغَتَان وجَمَلٌ نَحِيتٌ قد انْحَتَّت مَنَاسِمُه، وَأنْشد:
وَهُو من الأيْن وَجٍ نَحيتُ
والنُّحاتَةُ: مَا نُحِتَ من الخَشَبِ.
وَقَالَ: نَحَتَها نَحْتاً إِذا جامَعَها، ولَحَتَها مِثْلُه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: إِنَّه لكَرِيمُ النَّحِيتةِ والطَّبِيعة والغريزة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللحياني: الكَرَمُ من نحته ونحاسِهِ ونُحِتَ على الْكَرم وطُبِعَ عَلَيْهِ.
حتن: قَالَ اللَّيْث: الحَتْنُ من قَوْلك: تحَاتَنَتْ دُمُوعُه إِذا تَتَابَعَت.
وَقَالَ الطِّرِمِّاحُ:
كأنَّ الْعُيُون المُرْسَلاتِ عَشِيَّةً
شَآبِيبُ دَمْع العَبْرَةِ المُتَحَاتنِ

(4/255)


قَالَ: وتحَاتَنتِ الخِصالُ فِي النِّصَالِ إِذا وقَعت خَصَلاَتٌ فِي أصلِ القِرْطاس، قيل: تحاتَنَت أَي تتَابَعتْ.
قَالَ: والخَصْلَةُ: كلُّ رَمْيَة لزِمَت القِرْطاس من غير أَن تُصِيبَه.
قَالَ: وَأهل النِّضال يَحسبون كل خَصْلَتين مُقَرْطِسة.
قَالَ: وَإِذا تَصَارَع الرّجلَانِ فصُرِعَ أحدُهما وثَبَ ثمَّ قَالَ:
الحَتَني لَا خَيْرَ فِي سَهْم زَلَجْ
وَقَوله: الحتَنَى أَي عاود الصِّرَاع.
قَالَ: والزَّالِجُ: السَّهمُ الَّذِي يَقع بِالْأَرْضِ ثمَّ يُصِيب القرْطاس.
قَالَ: والتَّحَاتُنُ: التَّبارِي.
وَقَالَ النَّابغةُ يَصِفُ الرِّياحَ واختلافَها:
شمالٌ تَحُاذِيها الجَنوبُ بقَرْضِها
ونَزْعُ الصَّبا مُورَ الدَّبُورِ تُحاتِنُ
أَبُو عُبَيد: المْحْتَتِنُ: الشيءُ المُسْتوِي لَا يخالِفُ بَعضُه بَعْضًا.
وَأنْشد غَيره للطّرِمَّاح:
تلكَ أحسابُنا إِذا احْتَتَنَ الخَصْ
لُ ومُدَّ المَدَى مَدَى الأغْراض
احتتنَ الخَصْلُ أَي اسْتَوَى إِصَابَة المُتَنَاضِلَيْن، والخَصْلةُ: الإصابةُ. وخَصَلْتُ القومَ خَصْلاً إِذا فَضَلتَهُم، وستقِفُ على تَفْسِير الخَصْل مُشْبَعاً فِي مَوْضِعه فِي كتاب الْخَاء إِن شَاءَ الله.
وَيُقَال: فلانٌ سِنُّ فلانٍ وتِنُّه وحِتْنُه إِذا كَانَ لِدَتَه عَلَى سِنِّه.
وَقَالَ الأصْمَعيّ: هُما حِتْنان أَي تِرْبان مُسْتَوِيان، وهم أَحْتان أَتْنان.
وحَوْتَنانان: وادِيان فِي بِلَاد قَيْس، كلُّ وَادٍ مِنْهُمَا يُقَال لَهُ حَوْتَنان، وَقد ذكرهمَا تميمُ بنُ أبيّ بن مقبل فَقَالَ:
ثُمَّ اسْتغَاثُوا بماءٍ لَا رِشاءَ لَهُ
من حَوْتَنانيْن لَا مِلاْحٌ وَلَا زَننُ
أَي لَا ضَيِّق قَلِيل.
وَيُقَال: رَمَى القومُ فوقَعتُ سهامُهم حَتَنى أَي مستوية لَمْ يَنْضُل أحدُهم أَصْحَابه.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى فأحْتَن إِذا وقعَت سِهامُه كلُّها فِي مَوضِع واحِد.
حنت: أَبُو زيد: رجلٌ حِنْتَأْوٌ، وامرأةٌ حِنَتأْوَةٌ وَهُوَ الَّذِي يُعْجَبُ بنَفْسِه وَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاس صَغِير.
نتح: قَالَ اللَّيْث: النَّتْجُ: خُروج العَرَق من أُصُول الشَّعْر، وَقد نَتَحَه الجِلْدُ، ومَناتحُ العَرَقِ: مَخَارِجُه من الجِلْدِ، وَأنْشد:
جَوْنٌ كأَنَّ العَرَقَ المَنْتُوحَا
لبَّسَه القَطْرَان والمُسُوحا
وَقَالَ غَيره: نَتَحَ النِّحْيُ إِذا رَشَحَ بالسَّمْنِ، وذِفْرَى البَعِير تنِتحُ عَرَقاً إِذا سارَ فِي يَوْم صَائِف شَدِيد الحَرِّ فَقَطر ذِفْرَياه عَرَقاً.
وَقَالَ ابْن السِّكْيت: نَتَح النِّحْيُ ورشَحَ ومَثّ، ونَضَحَت القِرْبةُ والوَطْب.
وروى أَبُو تُرَاب عَن بعض الْعَرَب: امْتتَحْتُ الشيءَ وانْتَتَحْتُه وانتزَعْته بِمَعْنى وَاحِد.

(4/256)


ح ت ف
حتف، حفت، فتح، تفح، تحف.
حتف: قَالَ اللَّيْث: الحَتْفُ: الموْتُ، وَقَول العرَب: ماتَ فلانٌ حَتْفَ أَنْفِهِ أَي بِلاَ ضَرْبٍ وَلَا قتلٍ، والجميع الحُتُوف، وَلم أسمع للحَتْفِ فعلا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (منْ ماتَ حَتْفَ أَنفِه فِي سَبِيل الله فقدْ وقَعَ أَجْرُه على الله) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: هُوَ أَن يَمُوت مَوْتاً على فِراشِهِ من غير قَتْل وَلَا غَرَق وَلَا سَبُع وَلَا غَيره.
وَرُوِيَ عَن عُبَيد بن عُمَيْر أَنه قَالَ فِي السّمك: (مَا مَاتَ حَتْفَ أَنفِه فَلَا تأْكُله) يَعْنِي الَّذِي يَمُوت فِي المَاء وَهُوَ الطافي.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا قيل للَّذي يَمُوت على فرَاشه مَاتَ حَتْفَ أَنْفِه. وَيُقَال حَتْفَ أَنْفَيْه، لِأَن نَفْسه تخرُجُ بتَنَفُّسِه من فيهِ وأَنفِه.
وَيُقَال أَيْضا: ماتَ حَتْفَ فِيهِ، كَمَا يُقَال: مَاتَ حتْفَ أَنْفِه، والأنفُ والفمُ: مَخْرَجَا النَّفَس.
ومَنْ قَالَ: حَتْفَ أنْفَيْه، احْتَمَل أَن يكون أَرَادَ بأَنْفَيْه سَمَّيْ أنفِه وهما مَنْخَراه، ويُحْتَمَلُ أَن يُرادَ بِهِ أَنْفُه وفَمُه فَغُلِّب أحَدُ الإسمين على الآخر لتجاورهما.
شمر: الحَتْفُ: الأمرُ الَّذِي يُوقِعُ فِي الهلاَكِ، والسَّبَبُ الَّذِي يكون بِهِ الْمَوْت، وَأنْشد لبَعض هُذَيْل:
فَكانَ حَتْفاً بمِقْدَارٍ وأَدْرَكَه
طولُ النَّهار وليلٌ غَيْرُ مُنْصَرِم
تفح: التُّفَّاحُ هَذَا الثَّمرُ الْمَعْرُوف، وَجمعه تَفَافيح، وتُصَغَّر التُّفَّاحةُ الواحدةُ تُفَيْفِيحَة، والمَتْفَحَةُ: المكانُ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ التُّفَّاحُ الكثيرُ.
تحف: قَالَ اللَّيْث: التُّحْفَةُ أبدلت التَّاء فِيهَا من الْوَاو إلاّ أَن هَذِه التَّاء تلْزم تصريف فعلهَا إلاّ فِي التفعّل فَإِنَّهُ يُقَالُ: يَتَوَحَّف، وَيَقُولُونَ أَتْحَفْتُه تُحْفَةً يَعْنِي طُرَفَ الْفَوَاكِه وَغَيرهمَا من الرياحين.
قلت: وأصلُ التُحَفَة وُحَفَة، وَكَذَلِكَ التُّهَمَة أَصْلُها وُهمَةَ وَكَذَلِكَ التُّخَمَة. وَرجل تُكَلَة، والأصلُ وُكَلَة، وتُقَاة أَصْلُها وُقَاة، وتُراثٌ أَصْلُها وُرَاث.
فتح: قَالَ اللَّيْث: الفَتْحُ: افتِتَاحُ دَار الحرْب، والفَتْح: نقيض الإغْلاَق، والفَتْحُ: أَن تحكم بَين قومٍ يختصمون إِلَيْك كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ مُخْبِراً عَن شُعَيْب: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (الأعرَاف: 89) .
واسْتَفْتَحْتُ الله على فلَان أَي سألتُه النَّصْرَ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: والمَفْتَحُ: الخِزَانَةُ وكلُّ خِزَانة كَانَت لِصِنْفٍ من الْأَشْيَاء فَهُوَ مَفْتَحٍ.
والفَتَّاحُ: الحاكِمُ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) . أَي إِن تَسْتَنْصِرُوا فقد جَاءكُم النَّصْرُ.
وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَسْتَفْتِح

(4/257)


ُ بصعاليك المُهَاجِرِين أَي يَسْتَنْصِرُ بهِمْ.
وَقَالَ الفَرَّاء: قَالَ أَبُو جهل يَوْم بدر: اللَّهم انصر أَفْضَلَ الدِّينَيْن وأحَقَّه بالنَّصْر، فَقَالَ الله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) يَعْنِي النَّصْر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ إِن تستنصروا فقد جَاءَكُم النَّصْرُ.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: إِن تَسْتَقْضُوا فَقدْ جَاءَكُم القَضَاء، وَقد جَاءَ فِي التَّفْسِير المعنيان جَمِيعًا.
ورُوِي أَن أَبَا جهل قَالَ يومئذٍ: اللَّهم أقْطَعَنَا للرَّحِم وأفسدَنا للْجَمَاعَة فأَحِنْه الْيَوْم، فَسَأَلَ الله أَن يَحكمُ بحَيْن من كَانَ كَذَلِك فَنُصِرَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَالَه هُوَ الحَيْنُ وأَصْحَابَه فَقَالَ الله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) أَي إِن تَسْتَقضُوا فَقَدْ جَاءكُم القَضَاء.
وَقيل إِنَّه قَالَ: (اللَّهم انْصُر أحَبَّ الفِئَتَيْنِ إِلَيْك) فَهَذَا يدل أَنَّ مَعْنَاه إِن تَسْتَنْصِروا، وكِلا القَوْلَيْن جَيِّد.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (القَصَص: 76) .
قَالَ الفرّاء: مَفَاتحه هَاهُنَا كنوزه وخزائنه، وَالْمعْنَى: مَا إنَّ مَفَاتِحَه لتُنِيء العُصْبَة تُمِيلُهم من ثِقَلِها.
وروى أَبُو عَوانة عَن حُصَيْن عَن أبي رَزِين قَالَ: مفاتِحهُ: خزَائنه أنْ كَانَ كَافِياً مفتاحٌ واحدٌ خَزَائنَ الْكُوفَة، إِنَّمَا مَفاتِحُه المالُ.
وروى أَبُو عَوانة أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن أبي صَالح {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} (القَصَص: 76) .
قَالَ: مَا فِي الخَزائن من مَالٍ تنوء بِهِ العُصْبَة.
وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ} (القَصَص: 76) جَاءَ فِي التَّفْسِير أنَّ مَفاتحه كَانَت من جُلُود وَكَانَت تُحْمَلُ على سِتَّين بَغْلاً.
قَالَ: وَقيل: مَفَاتحه: خَزَائنه.
قَالَ: وَالْأَشْبَه فِي التَّفْسِير أَن مَفَاتحه خَزائنُ مَالِه وَالله اعْلَمُ بِمَا أَرَادَ.
وَقَالَ اللَّيْث: جمعُ المِفْتاح الَّذِي يُفتح بِهِ المِغْلاَق مَفَاتِيح، وجَمْعُ المَفْتَح الخِزانة المفاتح.
قلت: وَيُقَال للَّذي يُفْتَح بِهِ المِغْلاَق مفتح بِكَسْر الْمِيم ومِفتاح وجمْعُهما مَفَاتح ومفَاتيح، وَهَذَا قَول النَّحْوِيين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {ء أَفَلاَ يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} (السَّجْدَة: 28، 29) الْآيَة.
وَقَالَ مُجَاهِد: يومُ الفَتْحِ هَاهُنَا يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادة والكَلْبِيّ.
وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: إنْ لنَا يَوماً أوشكَ أَن نَسْتريح فِيهِ وننعَم فَقَالَ الكفارُ: {يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (السَّجدَة: 28) .
وَقَالَ الفَرَّاء: يَوْم الْفَتْح يَعْنِي يَوْم فتح مَكَّة.
قلتُ: وَالتَّفْسِير جَاءَ بِخِلَاف مَا قَالَ وَقد نفع الكفارَ من أهل مَكَّة إيمانُهُم يَوْم فتح مَكَّة.

(4/258)


وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ أَيْضا فِي قَوْله: {أَفَلاَ يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (السَّجدَة: 28) مَتى هَذَا الحُكْمُ وَالقضَاءُ، فَأعْلم الله أَن يَوْم ذَلِك الْفَتْح لَا ينفع الَّذين كفرُوا إيمَانُهُم أَي مَا داموا فِي الدُّنْيَا فالتَّوْبَةُ مُعْرِضة وَلَا تَوْبَة فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ شمر فِي قَول الأسعَر الجُعْفِي:
بأَنِّي عَن فُتَاحَتكم غَنِيّ
أَي من قضائكم وحُكْمِكم.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {} (الفَتْح: 1) أَي قضينا لَك قَضَاء مُبِيناً.
وَفِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَنه أَتَى بَاب مُعَاوِيَة فحجبه فَقَالَ: من يَأْتِ سُدَدَ السُّلْطَان يقم وَيقْعد، وَمن يأتِ بَابا مغلقاً يجد إِلَى جَنْبه بَابا فُتُحاً رحْباً إِن دَعَا أُجِيبَ وَإِن سَأَلَ أَعْطِي. والسّدَّة: السَّقِيفَةُ فَوق بَاب الدَّار، وَقيل: السُّدَّة: الْبَاب نَفسه.
قَالَ أَبُو عُبَيد وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الفُتُح: الْوَاسِع. قَالَ: وَلم يذهب إِلَى المفْتُوح وَلَكِن إِلَى السَّعَة. قَالَ أَبُو عُبَيد: يَعْنِي بالفُتُح الطّلب إِلَى الله وَالْمَسْأَلَة.
والفَتّاحُ فِي صفة الله مَعْنَاهُ الحَاكم، وأهلُ الْيمن يَقُولُونَ للقَاضِي الفَتَّاحُ، وَيَقُول أحدهم لصَاحبه: تعال حَتَّى أُفَاتِحَك إِلَى الفَتّاح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفَتَاح: الْحُكُومَة، وَيُقَال للْقَاضِي الفَتّاح: لِأَنَّهُ يَفْتح مَوَاضِع الحقِّ.
قَالَ: والفَتْحُ: النَّهْرُ، قلت: وَجَاء فِي الحَدِيث (مَا سُقِيَ فَتْحاً فَفِيهِ العُشْر) وَالْمعْنَى مَا فُتِح إِلَيْهِ ماءُ النَّهر فتحا من الزروع والنخيل فَفِيهِ العُشْر.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِي عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوَسْمِيُّ أولُ الْمَطَر وَهُوَ الفَتُوح بِفَتْح الْفَاء، وأقرأنيه الْمُنْذِرِيّ فِي مَوضِع آخر أَوَّل مطر الوَسْمِي الفُتُوحُ، الواحدُ فَتْح، وأَنْشَد:
يَرْعَى غُيُوثَ العَهْدِ والفُتُوحا
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الفتْحُ: مَا جَرَى فِي الْأَنْهَار من المَاء.
وَقَالَ الليْثُ: الفُتْحَةُ. تَفَتُّح الْإِنْسَان بِمَا عِنْده من مِلْكٍ أَو أَدَبٍ يَتَطَاوَلُ بِهِ، تَقول: مَا هَذِه الفُتْحَةُ الَّتِي أظهرتها وتَفَتَّحْتَ بهَا علينا.
وفواتِحُ الْقُرْآن: أَوَائِل السَّور، الواحدةُ فَاتِحَة، وأُمُّ الكِتَابِ يُقَال لَهَا فاتحةُ الْقُرْآن.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: بَاب فُتُحٌ أَي واسعٌ ضَخْم، وَقَالَ الكِسَائِيُّ: قارورةٌ فُتُحٌ: لَيْسَ لَهَا صِمَامٌ وَلَا غِلاف.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الفَتْحَي: الرِّيحُ، وأنْشَد:
أكُلُّهُمُ لَا بَارَكَ الله فيهِمُ
إِذا ذُكِرَتْ فَتْحَى من البَيْع عَاجِبُ
فَتْحَى على فَعْلَي.
شمر عَن خَالِد بن جَنْبَه يُقَال: فاتَحَ الرجلُ امْرَأَتَهُ إِذا جَامعهَا.
قَالَ: وتفاتَحَ الرّجلَانِ إِذا تَفَاتَحَا كلَاما

(4/259)


بَينهمَا وتَخَافَتَا دون النَّاس.
والفُتْحَةُ: الفُرْجَةُ فِي الشَّيْء.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: الفَتُوح: النَّاقة الواسعةُ الإحليل وَقد فَتَحَت وأَفْتَحَت، والثَّرُورُ مثل الفَتُوح. والفُتَاحَةُ: الحُكُومةُ، وَمِنْه قَوْله:
بأنِّي عَن فُتَاحَتِكُم غَنِيّ
حفت: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْتُ: الهَلاكُ، تَقول: حَفَتَه الله أَي أهلكه ودَقَّ عُنُقه، قلت: لم أسمع حَفَتَه بِمَعْنى دَقَّ لغير اللَّيْث، وَالَّذِي سمعناه عَفَتَه ولَفَتَه إِذا لَوَى عَنُقَهُ وكسره، فَإِن جَاءَ عَن الْعَرَب حَفَتَه بِمَعْنى عَفَتَه فَهُوَ صَحِيح وَإِلَّا فَهُوَ مُريب وَيُشبه أَن يكون صَحِيحا لتعاقب الْحَاء والعَين فِي حُرُوف كَثِيرَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا كَانَ مَعَ قِصَرِ الرجل سِمَنٌ قيل رجلٌ حَفَيْتَأٌ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، وَمثله حَفَيْسَأٌ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
لَا تجعليني وعُقَيْلاً عِدْلَيْنِ
حَفَيْسَأ الشَّخصِ قَصيرَ الرِّجْلَيْنِ
ح ت ب
أهملت وُجُوه هَذَا الْبَاب غير بحتِ.
بحت: قَالَ اللَّيْث: البَحْتُ: الشَّيْء الْخَالِص، خَمْرٌ بَحْتٌ وخُمُورٌ بَحْتَةٌ، والتذكير بَحْتٌ، وَلَا يجمع بَحْتٌ وَلَا يصغر وَلَا يُثنَّى.
أَبُو عُبَيد: عربيٌّ بَحْتٌ وعربية بَحْتَةٌ كَقَوْلِك وَيُقَال: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتٌ أَي شَدِيد.
وَيُقَال: باحَتَ فلَان القِتال إِذا صَدَق القِتال وجَدَّ فِيهِ، وَقيل: البَرَاكَاءُ: مُبَاحَتَةُ الْقِتَال.
وحِبْتُون: اسْم جبل بِنَاحِيَة المَوْصِل.
ح ت م
حتم، حمت، محت، متح، تحم: مستعملة.
حتم: قَالَ اللَّيْث: الحاتِمُ: القَاضِي. والْحَتمُ: إيجابُ الْقَضَاء، قَالَ: وَكَانَت امْرَأَة يُقَال لَهَا صَدُوف فآلت أَلا تتَزَوَّج إِلَّا من يَرُدّ عَلَيْهَا جوابَها، فَجَاءَهَا خَاطب فَوقف ببابها، فَقَالَت لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: بَشَرٌ وُلِد صَغِيرا وَنَشَأ كَبِيرا. فَقَالَت: أَيْن مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: عَلَى بِساطٍ واسعٍ وبلدٍ شاسعٍ، قريبُه بعيدٌ، وبعيدُه قريب. قَالَت: مَا اسْمك؟ قَالَ: من شَاء أحدث إسماً وَلم يكن ذَلِك حتما، قَالَت: كَأَنَّهُ لَا حَاجَة لَك، قَالَ: لَو لم تكن حَاجَة لم آتِكِ لَجَاجَة، وأَقِفْ ببابك وأَصِلْ بأسْبَابك. قَالَت: سِرٌّ حاجَتُك أم جَهْرٌ؟ قَالَ: سِرٌّ وسَتُعْلَنْ. قَالَت: فَأَنت إِذا خَاطب، قَالَ: هُوَ ذَاك، قَالَت: قُضِيَتْ، فَتَزَوَّجَهَا.
قَالَ: والحاتِمُ: الغُرابُ الأسودُ، وَيُقَال: بل هُوَ غراب البَيْنِ أحمرُ المِنْقَارِ والرِّجْلَيْن.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: الحَاتِمُ: الغُراب، وَأنْشد لِمُرَقّشٍ السَّدُوسِيّ:
ولَقَدْ غَدَوْتُ وَكنت لَا
أَغْدُو على وَاقٍ وحَاتِمْ
فَإِذا الأشَائِمُ كالأيَا
مِن والأيَامِنُ كالأشَائِمْ
وكذاك لَا خَيْرٌ وَلَا
شَرٌّ عَلَى أحَدٍ بِدَائم

(4/260)


عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحاتم: المشئوم، والحاتِمُ: الأسْوَدُ من كُلِّ شَيْء.
وَقَالَ غَيره: سُمِّي الْغُرَاب الأسْوَدُ حاتماً لِأَنَّهُ يَحْتِم عِنْدهم بالفراق إِذا نَعَبَ أَي يَحْكم، والحاتِمُ: الحاكِمُ المُوجِبُ للحُكْم.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحَتُّم: الشَّيء إِذا أَكَلْتَه فَكَانَ فِي فمك هَشّاً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: الحُتَامَةُ: مَا فَضَل من الطَّعام على الطَّبقَ الَّذِي يُؤْكل عَلَيْهِ فَهُوَ الحُتَامَة.
وَقَالَ غَيره: مَا بَقِي على الْمَائِدَة من الطَّعَام.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء: التَّحَتُّم: أَكْلُ الحُتَامَةِ وَهِي فُتاتُ الخُبز.
وَجَاء فِي الْخَبَر: (من أَكَلَ وتَحَتَّم فَلَهُ كَذَا وَكَذَا من الثَّوَاب) .
قَالَ الفَرَّاء: والتَّحَتُّم أَيْضا: تَفَتُّتُ الثُؤْلُول إِذا جَفَّ، والتَّحَتُّم: تَكَسُّر الزُّجاج بعضه على بعض.
قَالَ: والْحَتَمَةُ: القارُورَةُ المُفَتَّتَةُ.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: تحتَّمتُ لَهُ بِخَير أَي تَمَنَّيْتُ لَهُ خيرا وتَفَاءَلْتُ لَهُ. وَيُقَال: هُوَ الأخُ الْحَتْمُ أَي المَحْضُ الحَقُّ.
وَقَالَ أَبُو خِرَاش يَرْثي رَجُلاً:
فوَاللَّه لَا أَنْسَاكَ مَا عِشْتُ لَيْلَةً
صَفِيَ من الإخوانِ والْوَلَدِ الْحَتم
تحم: قَالَ اللَّيْث: الأتْحَمِيُّ: ضَرْبٌ من البُرُود وَقَالَ رُؤْبَة:
أَمْسَى كَسَحْقِ الأتْحَمِيّ أَرْسُمُه
وَقد أتحمْتُ البُرُودَ إتحاماً فَهِيَ مُتْحَمَةٌ، وَقَالَ الشَّاعِر:
صَفْرَاء مُتْحَمَةً حِيكَتْ نَمانِمُها
من الدِّمِقْسِيِّ أَو مِنْ فَاخِرِ الطُّوطِ
الطُّوطُ: القُطْنُ.
وَقَالَ غَيره: تَحَّمْتُ الثوبَ: وشَّيْتُه، وفرسٌ مُتَحَّمُ اللَّوْنِ إِلَى الشُّقْرَةِ، وَكَأَنَّهُ شُبِّه بالأتْحمِيِّ من البُرودِ وَهُوَ الأحْمَرُ.
وفرسٌ أَتْحَمِيُّ اللَّوْن.
وروى أَبُو العَبّاس عَن سَلَمَة عَن الفرَّاء قَالَ: التَّحَمَةُ: البُرُودُ المخططة بالصُّفْرَة.
عَمْرو عَن أَبِيه: التَّاحِمُ الحائِكُ.
متح: قَالَ اللَّيْث: المَتْحُ: جَذْبُك رِشَاءَ الدَّلْو تَمُدُّه بيد وتأخُذُ بيد على رَأْسِ البِئْر.
والإبلُ تَتَمَتَّحُ فِي سَيرها إِذا تَرَاوَحَت بأيديها.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لأيْدِي المَهَارَى خَلْفَها مُتَمَتَّحُ
وفَرسٌ مَتَّاحٌ أَي مَدَّادٌ.
وسُئل ابْن عَبَّاس عَن السّفر الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَلاة، فَقَالَ: لَا تُقْصَرُ إِلَّا فِي يَوْم مَتَّاحٍ إِلَى اللَّيْل، أَرَادَ لَا تقصر الصَّلَاة إِلَّا مَسِيرَة يَوْم يَمْتَدُّ فِيهِ السّير إِلَى الْمسَاء بِلَا وَتِيرةٍ وَلَا نُزُول.
وَقَالَ أَبُو سعيد المَتْح: القَطْعُ. يُقَال: مَتَحَ الشيءَ ومَتَخَه إِذا قطعه من أصلهِ، وَقَالَ: مَتَحَ بِسَلْحِه وَمَتَخَ بِهِ إِذا رَمَى بِهِ رَوَاهُ أَبُو تُرَاب عَنهُ.

(4/261)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للجراد إِذا ثَبَّتَ أذنابَه ليَبِيض مَتَحَ وأَمْتَحَ ومَتَّحَ، وبَنَّ وأَبَنَّ وبَنَّنَ وقَلَزَ وأَقْلَزَ وقَلَّزَ.
قلتُ: ومَتَخَ الجَرَادُ بالخاءِ مِثْلُ مَتَحَ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: بئرٌ مَتُوحٌ وَهِي الَّتِي يُمَدُّ مِنْهَا باليَدَيْن نَزْعاً.
قلتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّواب لَا مَا قَالَه اللَّيْث.
وَيُقَال: رَجُلٌ ماتِحٌ ورجالٌ مُتَّاحٌ، وبَعيرٌ ماتِحٌ وجِمَالٌ مَوَاتِحُ، وَمِنْه قولُ ذِي الرُّمَّة:
ذِمامُ الرَّكَايَا أَنْكَرَتْها المَوَاتِحُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال مَتَحَ النهارُ ومَتَحَ الليلُ إِذا طَالاَ. ويومٌ متَّاحٌ: طَوِيلٌ تامٌّ، يُقَال ذَلِك لنهار الصَّيف وليل الشتَاء.
حمت: قَالَ اللَّيْث: الحَمِيتُ: وِعَاءُ السَّمن كالعُكَّة والجميع الحُمُت.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ لِرَجُلٍ أَتَاهُ سَائِلًا فَقَالَ: هَلَكْت، فَقَالَ لَهُ: أَهَلَكْتَ وأنتَ تِنِثُّ نَثِيثَ الحَمِيت.
قَالَ أَبُو عُبَيد: الأحْمَرُ الحَمِيتُ: الْزِّقُّ المُشْعَر الَّذِي يُجعَل فِيهِ السمنُ والعسلُ والزيتُ وَجمعه حُمُتٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الحَمِيتُ: المَتِينُ من كلِّ شَيْء وسُمِّي النِّحْيُ حَمِيتاً: لِأَنَّهُ مُتِّن بالرُّبِّ. قَالَ وغَضَبٌ حَمِيتٌ: شديدٌ وَأنْشد:
حتَّى يَبُوخَ الغَضَبُ الحَمِيتُ
وَيُقَال للتَّمرةِ الشديدةِ الْحَلَاوَة: هِيَ أَحْمَتُ حَلاوةً من هَذِه أَي أشدُّ حلاوة.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: يومٌ حَمْتٌ وليلةٌ حَمْتَةٌ، وَيَوْم مَحْتٌ وليلةٌ مَحْتَةٌ وَمَحْت وَقد حَمُتَ ومَحُتَ كل هَذَا فِي شدَّة الحَرِّ، وَأنْشد شمر:
مِنْ سَافِعاتٍ وهَجِيرٍ حَمْت
عَمْرو عَن أَبِيه: الحامِتُ: التَّمر الشَّديد الْحَلَاوَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: حَمَتَك الله عليْه أَي صَبَّك الله عَلَيْهِ بِحَمتِك.
محت: أَبُو عُبَيد عَن الكِسائي: مَحَتَ يَوْمُنا وحَمُتَ إِذا اشتدَّ حرُّه.
عَمْرو عَن أَبِيه. الماحِتُ: اليومُ الحارُّ.
وَقَالَ غيرُه: عربيٌّ بَحْتٌ مَحْتٌ أَي خالِصٌ.

(أَبْوَاب الْحَاء والظاء
ح ظ ذ ح ظ ث: أهملت وجوهها. ح ظ ر
اسْتعْمل من وجوهها: حظر.
حظر: قَالَ اللَّيْث: الحِظَارُ: حائِطُ الحَضِيرَة، والحَظِيرَةُ تُتَّخَذُ من خشبٍ أَو قصب، وصاحبُها مُحْتَظِر إِذا اتَّخَذَها لنَفسِهِ، فَإِذا لم تَخُصَّه بهَا فَهُوَ مُحَظِّر، وكلُّ من حَال بينكَ وَبَين شَيْء فقد حَظَرَهُ عَلَيْك.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (الإسرَاء: 20) ، وكلُّ شَيْء حَجَزَ بَين شَيئين فَهُوَ حِظَارٌ وحِجَارٌ.
قلتُ: وسَمِعْتُ العربَ تَقول للجدار من الشَّجَر يُوضَع بعضُه على بعض ليَكُون ذَرًى لِلمَالِ يَرُدُّ عَنهُ برد الشمَال فِي الشتَاء حَظَارٌ بِفَتْح الْحَاء، وَقد حَظَّر فُلانٌ على

(4/262)


نَعَمِه، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَنُذُرِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً} (القَمَر: 31) وقُرِىء (كهَشِيم المُحْتَظَر) ، فَمن قَرَأَ المُحْتَظِر أَرَادَ كالهشيم الَّذِي جمعه صاحبُ الحظيرَة، وَمن قَرَأَ المُحْتَظَر بِفَتْح الظَّاء فالمحتظَر اسْم للحظيرة، الْمَعْنى كهشيم الْمَكَان الَّذِي يُحْتَظَرُ فِيهِ الهشيمُ، والهشيمُ: مَا يَبِسَ من الحُظُرَاتِ فارْفَتَّ وتَكَسَّر.
الْمَعْنى أَنهم بادوا وهَلكوا فصاروا كيَبِيس الشّجر إِذا تَحَطَّم.
وَقَالَ الفرّاء: معنى قَوْله: كهشيم المُحْتَظِر أَي كهشيم الَّذِي يَحْتَظِر على هَشِيمِه، أَرَادَ أَنَّه حَظَّرَ حِظَاراً رَطْباً على حِظَارٍ قديمٍ قد يَبِسَ.
وَيُقَال للحَطَبِ الرَّطْب الَّذِي يُحْظَرُ بِهِ الحَظِرُ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلم تمشِ بينَ الحيِّ بالحظِر الرَّطْب
أَي لم تَمْشِ بَينهم بالنميمة.
وَفِي حَدِيث أُكَيْدِر دُومَة: (وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْكُم النَّبَاتُ) .
يَقُول: لَا تُمْنَعُون من الزِّرَاعَة حَيْثُ شِئْتُم، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لَا يُحْمَى عَلَيْكُم المَرْتَعُ.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا حِمَى فِي الْأَرَاك) . فَقَالَ لَهُ رجلٌ: أَرَاكةٌ فِي حَظَارِي، فَقَالَ: (لَا حِمَى فِي الأَرَاك) .
رَوَاهُ شَمِر وقَيَّدَهُ بخَطِّه فِي حِظارِي بِكَسْر الْحَاء.
وَقَالَ: أَرَادَ بِحَظَارِ الأَرْض الَّتِي فِيهَا الزَّرْع المحاط عَلَيْهِ.
ح ظ ل
اسْتعْمل من وجوهه: حظل، لحظ.
حظل: قَالَ اللَّيْث: الحَظِلُ: المُقَتِّرُ، وَأنْشد:
طَبَانِيَةٌ فيَحْظُلَ أَو يَغَارا
قَالَ: والحاظِلُ: الَّذِي يَمْشي فِي شِقَ مهن شَكاة.
وَقَالَ: مَرَّ بِنَا فُلانٌ يَحْظُل ظالِعاً.
وَعَن ابْن الْأَعرَابِي أنَّه أنْشد:
وحَشَوْتُ الغَيْظَ فِي أَضْلاَعه
فَهُوَ يَمْشي حَظَلاناً كالنَّقِر
قَالَ: والكَبْشُ النَّقِرُ الَّذِي قد التوى عِرْقٌ فِي عُرْقُوبَيْه فَهُوَ يكُفُّ بعض مَشْيِه. قَالَ: وَهُوَ الْحَظَلاَنُ.
قَالَ: حَظَلَ يَحْظُلُ حَظَلاَناً.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَظَلَت النَّقِرَةُ من الشَّاء تَحْظُلُ حَظْلاً أَي كَفَّتْ بَعْضَ مِشْيَتِها.
وَأما الْبَيْت الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الليثُ فَإِن الروَاة رَوَوْهُ مَرْفُوعاً:
فَمَا يُخْطِئْكِ لَا يُخْطِئْكِ مِنْهُ
طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أَو يَغَارُ
يَصِفُ رجُلاً بِشدَّة الغَيْرَة، والطِّبَانَةِ لِكُل مَنْ نَظَرَ إِلَى حليلَتِه فإمَّا أَن يَحْظِلَها أَي يَكُفُّها عَن الظُّهُور أَو يَغَارُ فيغضب، وَرفع فيحظل على الِاسْتِئْنَاف.
وَقَالَ اللَّيْث: بَعيرٌ حَظِلٌ إِذا أكَلَ الحَنْظَلَ وقلَّما يَأْكُلهُ يحذفون النُّون، فَمنهمْ من يَقُول: هِيَ زَائِدَة فِي الْبناء، وَمِنْهُم من

(4/263)


يَقُول هِيَ أَصْلِيَّة، وَالْبناء رُباعي وَلكنهَا أحَقّ بالطّرْح لِأَنَّهَا أخف الْحُرُوف، وهم الَّذين يَقُولُونَ: قد أسبل الزرعُ بطرح النُّون، ولغة أُخْرَى قد سَنْبَلَ الزَّرْع.
وَقَالَ شمر: حظَلْتُ على الرِّجُل وحظَرْتُ وعَجَرْتُ وحجَرْتُ بِمَعْنى وَاحِد. سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُوله، وأنشدنا:
أَلا يَا لَيْلَ إنْ خُيِّرْتِ فينَا
بعَيْشِكِ فانْظُري أَيْنَ الخِيَارُ
فَمَا يُخْطِئْكِ لَا يُخْطِئْكِ مِنْهُ
طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أَو يَغَارُ
قَالَ الفرَّاء: يَحْظُل: يَحْجُر ويُضَيِّق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحِظْلاِنُ: المَنْعُ، وأَنْشَد:
تُعَيِّرُني الحِظْلاَنَ أُمُّ مُغَلِّس
لحظ: قَالَ اللَّيْث: اللِّحَاظُ: مُؤْخِرُ العَيْنِ. واللَّحْظَةُ: النَّظْرَةُ من جانِب الأُذُن.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فلمَّا تَلَتْه الخَيْلُ وهوَ مُثَابِرٌ
على الركْضِ يُخْفِي لَحظَةً ويُعِيدُها
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: اللِّحَاظُ: مِيسَمٌ من مُؤْخرِ العَيْنِ إِلَى الأُذُن وهُو خَطُّ ممْدُود، وربْما كانَ لِحَاظَيْن من جانبين، وَرُبمَا كانَ لِحَاظاً وَاحِدًا من جَانب وَاحِد، وَكَانَت سِمَةَ بني سعد.
وجَمَلٌ مَلْحُوظٌ بلِحَاظَيْن، وَقد لَحَظْتُ البَعِيرَ ولَحَّظْتُه تلْحِيظاً.
ولَحْظَةُ: مَأْسَدَةٌ بتهامة.
يُقَال: أُسْدُ لَحْظَة كَمَا يُقالُ: أُسْدُ بِيشَة. قَالَ النَّابِغةُ الجَعْدِيّ:
سَقَطُوا عَلَى أَسَدٍ بِلَحْظَة مَشْ
بُوحِ السَّوَاعِدِ باسِلٍ جَهْمِ
وَأما قَول الهُذَلِيّ يَصِفُ سِهاماً:
كساهُنَّ أَلآماً كأنَّ لِحَاظَها
وتفصِيلَ مَا بَيْنَ اللِّحَاظ قَضِيمُ
أَرَادَ كساها رِيشاً لُؤَاماً.
ولِحَاظُ الرِّيشَةِ: بَطْنُها إِذا أُخِذَتْ من الجَنَاح فَقُشِّرَتْ فأَسْفَلُها الأبيضُ هُوَ اللِّحاظُ. شَبَّه بَطْنَ الرِّيشة المقشُورة بالقَضيم، وَهُوَ الرِّقُّ الأبْيضُ يُكْتَبُ فِيهِ.
وَقَالَ غير وَاحِد: المأْقُ: طَرَفُ العَيْنِ الَّذِي يَلِي الأَنْفَ.
واللِّحاظُ: مُؤْخِرُها الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ.
أَبُو زيد: لَحَظ فلَان يَلْحَظُ لَحَظاناً إِذا نَظرَ بمُؤْخِرِ عَيْنِه.
وفلانٌ لَحِيظُ فلانٍ أَي نَظيرُه.
ح ظ ن
اسْتعْمل من وجوهه: نظح، حنظ.
نظح: قَالَ اللَّيْث: أَنْظَح السُّنْبُلُ إِذا رَأَيْت الدَّقِيق فِي حَبِّه.
قلت: الَّذِي حَفِظْناه وسمعناه من الثِّقَات: نَضَحَ السُّنبُلُ وأَنْضحَ وَقد ذكرته فِي بَاب الْحَاء وَالضَّاد، والظَّاء بِهَذَا الْمَعْنى تَصْحِيف إِلَّا أَن يكون مَحْفُوظًا عَن الْعَرَب فَيكون لُغَة من لغاتهم، كَمَا قَالُوا بَضْرُ الْمَرْأَة لِبَظْرِها.
حنظ: تَقول الْعَرَب: رَجُلٌ حِنْظِيانٌ وحِنْذِيان وخِنْذِيان وعِنْظِيان إِذا كَانَ فَحَّاشاً.

(4/264)


وَيُقَال للْمَرْأَة: هِيَ تُحَنْظِي وتُحَنذِي وتُعَنْظِي إِذا كَانَت بَذِيَّةً فحّاشةً.
قلت: وحنْظَى وعنْظَى ملحقان بالرُّبَاعي، وأصْلُها ثُلاثي، وَالنُّون فِيهَا زَائِدَة، كأنَّ الأصلَ مُعْتَل.
ح ظ ف
اسْتعْمل من وجوهه: (حفظ) .
حفظ: قَالَ اللَّيْث: الحِفْظُ: نَقِيضُ النسْيَان، وَهُوَ التَّعاهُد وقِلَّةُ الغفْلةِ.
والحَفيظُ: المُوكَّلُ بالشَّيْء يَحْفَظُه، يُقَال: فُلانٌ حَفِيظُنَا عليْكُم وحافِظُنا.
قلت: والحَفيظُ من صِفَات الله جلّ وعزّ، لَا يَعْزُبُ عَن حِفظِه الأشياءُ كُلُّها مثقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض، وَقد حَفِظَ على خَلْقِه وعباده مَا يعْمَلون من خَيْرٍ أَو شَرَ، وَقد حفِظَ السمواتِ والأرضَ بقدرته وَلَا يَؤُودُه حِفْظُهما وهُو العَلِيُّ الْعَظِيم.
وَقَالَ جَلَّ وعزَّ: {ء مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (البروج: 21، 22) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَي الْقُرْآن فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ أُمُّ الكِتَاب عِنْد الله جَلَّ وعزَّ، قَالَ: وقُرِئَتْ مَحْفُوظٌ وَهُوَ من نعت قَوْله: بل هُوَ قُرْآن مَجِيدٌ مَحْفُوظٌ فِي لَوْحٍ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ} (يُوسُف: 64) ، وقُرِىء (خَيْرٌ حِفْظاً) نَصبٌ على التَّمْيِيز، ومَنْ قَرَأَ حافِظاً، جَازَ أَن يكون حَالا، وَجَاز أَن يكون تمييزاً.
وَرَجُلٌ حَافِظٌ، وقَوْمٌ حُفَّاظٌ، وهُم الَّذين رُزقوا حِفْظ مَا سَمِعوا، وقلَّما يَنْسَوْن شَيْئاً يَعُونه.
وَقَالَ بَعضهم: الاحْتِفَاظُ: خُصُوص الحِفْظِ، تَقول: احْتَفَظْتُ بالشَّيْء لِنَفْسي.
وَيُقَال: اسْتَحْفَظتُ فُلاناً مَالا إِذا سَأَلته أَن يحفظه لَك واستحفظتُه سِرّاً، وَقَالَ الله فِي أهل الْكتاب: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ} (المَائدة: 44) أَي استُودِعُوه وأَتُمِنُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحَفُّظ: قِلَّةُ الْغَفْلَة فِي الْكَلَام، والتَّيَقُّظُ من السَّقْطة.
والمحافظةُ: المواظبةُ على الْأَمر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} (البَقَرَة: 238) أَي واظبوا على إقَامتها فِي مَواقيتها. وَيُقَال: حافَظ على الْأَمر وَالْعَمَل وثابَرَ علَيه بمَعْنًى وحَارَضَ وبَارك إِذا داوم عَلَيْهِ.
والحِفَاظ: المحافَظةُ على الْعَهْد، والمحَامَاةُ على الحُرَمِ ومَنْعُها من العَدُوِّ، وَالِاسْم مِنْهُ الحَفيظَةُ، يُقَال: رَجُلٌ ذُو حَفِيظة. وأهلُ الحَفَائِظ: أَهلُ الحَفَاظ، وهم المحَامون على عَوْرَاتِهم الذَّابُون عَلَيْهَا، وَقَالَ العَجَّاجُ:
إنَّا أُنَاسٌ نَلزَمُ الحِفَاظا
والحِفْظَةُ: اسْم من الاحتفاظ عِنْدَمَا يُرَى من حَفِيظة الرَّجُل، تَقول: أَحْفَظْتُه فاحْتَفَظَ حِفْظَةً، قَالَ العَجَّاجُ:
مَعَ الْجَلاَ وَلاَئحِ القَتِيرِ
وحِفْظَةٍ أَكَنَّهَا ضَمِيري
يُفَسَّر على غَضْبَةٍ أَجَنَّها قَلْبي، وَقَالَ الآخر:

(4/265)


وَمَا العَفْوُ إِلَّا لامرىء ذِي حَفِيظَةٍ
متَى يُعْفَ عَنْ ذنْبِ امرىء السَّوْءِ يَلْجَجِ
وَقَالَ غَيْرُه: الحِفاظُ: المُحافَظَةُ على العَهْدِ، والوَفَاء بالعَقْد، والتَّمسُّك بالوُدّ.
والْحَفِيظَةُ: الغَضَبُ لِحُرْمَةٍ تْنْتَهك من حُرَمَاتِكَ أَو جَارٍ ذِي قَرابةُ يُظْلَمُ من ذَويك أَو عَهْدٍ يُنْكَث.
والمُحْفِظَات: الأمُورُ الَّتِي تُحفِظُ الرجلَ أَي تُغضِبه إِذا وُتِرَ فِي حَميمه أَو فِي جِيرَانه، وَقَالَ القَطامِيُّ:
أخوكَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ الحِسَّ نَفْسَه
وتَرْفَضُّ عِنْد المُحْفِظاتِ الكَتَائفُ
يَقُول: إِذا استَوْحَشَ الرجلُ من ذِي قرَابَته فاضطغن عَلَيْهِ سخيمةً لإساءَةٍ كَانَت مِنْهُ إِلَيْهِ فأوْحَشَتْه ثمَّ رَآهُ يُضامُ زَالَ عَن قَلْبه مَا احْتَقَدَهُ عَلَيْهِ وغَضِبَ لَهُ فَنَصَره وانْتَصَر لَهُ من ظالمِه.
وحُرَمُ الرَّجُل: مُحْفِظاتُه أَيْضا.
وَقَالَ النَّضْرُ: الطَّرِيق الحافِظُ هُوَ البَيِّن الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا يَنْقَطِع، فأمَّا الطَّرِيق الَّذِي يَبينُ مَرَّةً ثمَّ يَنْقَطِع أَثَرُه ويمَّحى فَلَيْسَ بِحافِظٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: احْفَاظَّت الجِيفَةُ إِذا انْتفَخَت.
قلت: هَذَا تَصْحِيف مُنكر، وَالصَّوَاب اجْفَأَظَّت بِالْجِيم، وروى سَلَمَةُ عَن الْفراء أَنه قَالَ: الجَفيظُ: الْمَقْتُول المُنْتَفِخُ بِالْجِيم، وَهَكَذَا قرأتُ فِي (نوادِر ابْن بُزُرج) لَهُ بِخَط أبي الهيْثَمِ الَّذِي عَرفته لَهُ اجْفَأَظَّت بِالْجِيم، والحَاء تَصْحيف، وَقد ذكر اللَّيْثُ هَذَا الحرفَ فِي كتَابِ الْجِيم فَظَنَنْتُ أَنه كَانَ مُتَحَيراً فِيهِ فَذكره فِي موضِعين.
ح ظ ب
أهمل اللَّيْث هَذَا الْبَاب وَاسْتعْمل مِنْهُ: حظب.
حظب: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحُظُبًّى: صُلْبُ الرَّجل، وَأنْشد قَول الفِنْذِ الزِّمَّانِي، واسْمه شَهْلُ بنُ شَيْبَان:
ولوْلا نَبْلُ عَوْضٍ فِي
حظَبَّايَ وأوْصالِي
أَرَادَ بالعَوْضِ الدَّهْرَ لَهُ، وحُظُبَّاهُ: صُلْبُه.
الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ الْفراء: رَجُلٌ حُظُبَّة: حُزُقَّةٌ إِذا كَانَ ضيِّقَ الْخُلُق، ورَجْلٌ حُظُبٌّ أَيْضا، وَأنْشد:
حُظُبٌّ إِذا سَاءَلتِه أَو تَركْتِه
قَلاكِ وَإِن أعْرَضْت رَاءَى وسمَّعَا
أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوي: مِن أمْثالهم فِي بَاب الطَّعَام: (اعْلُل تحْظُبْ) أَي كُلْ مَرَّةً بعد أخْرى تَسْمَن، يُقَال مِنْهُ قد حَظَب يَحظِبُ حُظُوباً إِذا امْتَلأ، ومِثْلُه كَظَب يَكْظِبُ كُظُوباً.
وَقَالَ الفرَّاء: حَظَبَ بَطْنُه وكَظَبَ إِذا انتفَخَ.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمَةَ عَن الْفراء قَالَ: من أَمْثال بَنِي أسَد: اشْدُدْ حُظُبَّي قَوْسَك، يُرِيد اشْدُد يَا حُظُبَّى قَوْسَك، وَهُوَ اسْم رجل، أَي هَيِّىءْ أمْرَك.
ابْن السّكيت: رَأَيْت فُلاناً حاظِباً ومُحْظَئِبا

(4/266)


ً أَي مُمتَلِئاً بَطِيناً.
ح ظ م
أهمل اللَّيْث وجوهه:
(حمظ) : وَقَالَ أَبُو تُراب: سَمِعت بعضَ بني سُلَيْم يَقُول: حَمَزَهُ وحَمَظَه أَي عَصَرَهُ جَاءَ بِهِ فِي بَاب الظَّاء والزَّاي.

(أَبْوَاب الْحَاء والذال
ح ذ ث: أهملت وجوهها كلهَا. ح ذ ر
اسْتعْمل من وجوهها: حذر، ذرح.
قَالَ اللَّيْث: ينظر فِي ذحر فَإِن وجد مُسْتَعْملا ذكر مَا فِيهِ قلت: وَلم أجذه مُسْتَعْملا فِي شَيْء من كَلَامهم.
حذر: قَالَ اللَّيْث: الحَذَرُ: مَصْدَر قَوْلِك: حَذِرْتُ أحْذَرُ حَذَراً فَأَنا حاذِرٌ وحَذِرٌ قَالَ: وتُقرأُ هَذِه الْآيَة: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (الشُّعَرَاء: 56) أَي مُسْتَعِدُّون وَمن قَرأَ (حَذِرون) فمعْناهُ إنَّا نخَافُ شَرَّهُم.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْلِه (حاذِرونَ) ، رُوِي عَن ابْنِ مَسْعُود أنَّه قَالَ: مُؤذُوْن ذَوُو أداةٍ من السِّلاح، وقُرِىء (حَذِرون) ، قَالَ: وكأنَّ الحاذر الَّذِي يَحْذَرُك الْآن، وَكَأن الحَذِر المخلوقُ حَذِراً لَا تَلقاهُ إِلَّا حَذِراً، وَقَالَ: الزّجاج: الحاذِرُ: المسْتَعِدُّ، والحَذِرُ: المُتَيَقّظُ، وَقَالَ شمر: الحاذِرُ: المُؤذِي الشَّاكُّ فِي السِّلاحِ وَأنْشد:
وبِزّةٍ فَوْقَ كَمِيَ حَاذِرِ
ونَثْرَةٍ سَلَبْتُها عَن عَامِرِ
وحَرْبَةٍ مِثْلِ قُدَامَى الطّائر
أَبُو زيد: فِي العَيْن الحَذَرُ، وَهُوَ ثِقَلٌ فِيهَا من قَذًى يُصِيبُها. والحذَلُ: بِاللَّامِ طولُ البُكَاءِ، وألاّ تجِفّ عَيْنُ الْإِنْسَان.
اللَّيْث: أنَا حَذِيرُك مِنْ فُلاَنٍ أَي أُحَذِّرُكَهُ.
قلت: لم أسمع هَذَا الحَرْفَ لغَيْرِه، وكأنَّه جاءَ بِهِ على لَفْظِ نَذِيرُك وعَذِيرك.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقالُ حَذَارِ يَا فلَان أَي احْذَرْ وأنشدَ:
حَذَارِ من أَرْمَاحِنا حَذَارِ
جُرَّتْ لِلْجَزْمِ الَّذِي فِي الأمْر وأُنِّثَتْ لِأَنَّهَا كلمة، وتقولُ: قد سَمِعْتُ حَذَارِ فِي عَسكَرِهم ودُعِيَتْ نَزَالِ بينَهم.
قَالَ: وحُذَارُ: اسْم أبي ربيعَة بن حُذَارٍ قَاضِي الْعَرَب فِي الجاهِلية، وَكَانَ مِنْ بَنِي أسدِ بن خُزَيمَة.
أَبُو عُبَيد عَن الأصْمعي: الحِذْرِيَةُ مِن الأرضِ: الخَشِنَةُ وَالْجمع حَذَارِيّ.
وَقَالَ النَّضْرُ: الحِذْرِيَةُ: الأرضُ الغَلِيظَة من القُفّ الخَشِنَةُ.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: أَعْلى الجبَل إِذا كَانَ صُلْباً غليظاً مُسْتوِياً فَهُوَ حِذْرِيَةٌ، ويقالُ: رَجُلٌ حِذْرِيانُ إِذا كانَ حَذِراً عَلَى فِعْلِيَانٍ.
ذرح: ابْن المُظفَّر: الذُّرَحْرَحَةُ: الواحِدَةُ مِنَ الذَّرَارِيح، وَمِنْهُم مَنْ يَقُول: ذَرِيحة واحدةٌ وتقولُ: طعَامٌ مَذْرُوحٌ وَهِي أعظم من الذُّبَاب شَيْئا، مُجَزَّعٌ مُبَرْقَشٌ بحُمْرَة وسوَادٍ وصُفْرَةٍ لَهَا جَنَاحَانِ تطيرُ بهما، وَهُوَ سَمٌّ قاتلٌ فَإِذا أرَادُوا أَنْ يَكْسِرُوا حَدَّ سَمِّه خَلَطُوه بالعَدَس فَيصير دوَاءً لِمَنْ عَضَّهُ الكلْبُ الكَلِبُ.

(4/267)


قَالَ: وبَنو ذَرِيحٍ: من أحياءِ العربِ.
والذَّرَحُ: شَجَرةٌ يُتَّخَذُ مِنها الرِّحَالةُ.
عَمْرُو عنْ أَبِيه: الذَّرَائح: هَضَباتٌ تُبْسَطُ عَلَى الأرْض حُمْرٌ، واحدتُها ذَريحة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَرَّحَ إِذا صَبَّ فِي لَبَنِه مَاء ليَكْثُرَ.
أَبُو حَاتِم قَالَ أَبُو زيد: المَذِيقُ والضَّيْحُ، والمُذَرِّحُ، والذُّرَّاح والذُّلاَّحُ والمُذَرّقُ كلُّه: اللَّبَنُ الَّذِي مُزِجَ بالماءِ.
عَمْرو عنْ أَبِيه: ذَرَّحَ إِذا طَلى إداوَتَه الْجَدِيد بالطين لتطيب رائحتها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مرّخ إداوته بِهَذَا المَعْنَى.
قَالَ: وَيُقَال: أَحْمَرُ ذَرِيحِيٌّ إِذا كانَ شديدَ الحُمْرَة قَالَ: وذَرَّحْتُ الزَّعْفَرَان وغيرَهُ فِي الماءِ إِذا جَعَلْتَ منهُ فيهِ شَيْئا يَسِيراً.
ح ذ ل
اسْتعْمل من وجوهه: حذل، ذحل.
حذل: قَالَ اللَّيْث: الحَذَل (مُثَقَّل) : حُمْرَةٌ فِي العَيْن. تقولُ: حَذِلتْ عَيْنُه حَذَلاً.
وَقَالَ العَجّاجُ:
والشَّوْقُ شَاجٍ لِلْعُيونِ الحُذَّلِ
وصَفَها كأنَّ تلكَ الْحمْرَة اعْتَرتْها مِنْ شِدَّةِ النَّظرِ إِلَى مَا أَعْجِبَتْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الحَذَلُ: حُمْرَةٌ فِي العيْنِ وانْسِلاَقٌ وسَيَلانٌ. وانْسِلاَقُهَا: حُمْرَةٌ تَعْتَرِيها.
وَقَالَ أَبُو زيد: الحَذَلُ: طُولُ البُكاء وأَلاَّ تَجِفَّ العَيْنُ.
ابْن الْأَعرَابِي: الحُذَالُ: انسلاق الْعين.
والحَذَالُ بِفَتْح الْحَاء: صَمْغُ الطَّلْح إِذا خرَجَ فأكلَ العُودَ فانحَتَّ واخْتَلَط بالصَّمْغ وَإذا كانَ كذلكَ لم يُؤْكل ولَمْ يُنتفَع بِهِ.
أخبرَني المُنْذِريّ عنْ أبي العبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ الْحُذالُ: حَيْضُ السَّمُر وَقَالَ نُسَمِّيه الدُّوَدِم: وذلكَ أَنهم يَحُزُّونَ حَزّاً فِي سَاق السَّمُرَةِ فيخرُجُ مِنْهَا دَمٌ كأَنَّه حَيْضٌ، وَأنْشد:
كأَنَّ نبيذكَ هَذَا الحُذَال
قَالَ: والحِذْلُ: الحُجْزَةُ.
وَقَالَ ثعلبٌ: وسمِعْتُه يقولُ: حُجْزَتُه وحُذْلَتُه وحُزَّته وحُبْكتُه واحِدٌ.
ذحل: قَالَ اللَّيْث: الذَّحْلُ: طَلَبُ مكافأَةٍ بجِنَايَةٍ جُنِيتْ عَلَيْك أَو عَداوةٍ أُتِيتْ إِلَيْك.
قُلتُ: وَجمع الذَّحْلِ ذُحُول وهُوَ التِّرَةُ.
ح ذ ن
اسْتعْمل من وجوهه: حنذ، حذن.
حنذ: قَالَ اللَّيْث: الحَنْذُ: اشْتِوَاءُ اللحْمِ بالحِجَارة المُسَخَّنة، تَقول: حَنَذْتُه حَنْذاً، وَقَالَ فِي قولِ الله جلّ وعزّ: {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هُود: 69) . قَالَ: مَحْنوذٌ مَشْوِيٌّ.
سَلَمَةُ عنِ الفرَّاء قَالَ: الحَنِيذُ: مَا حفَرْت لَهُ فِي الأرْضِ ثمَّ غَمَمْته وهوَ من فِعْلِ أهلِ البادِيَةِ معْرُوف، وَهُوَ مَحْنوذٌ فِي الأصْل، قدْ حُنِذَ فهُوَ مَحْنوذٌ، كَمَا قيلَ: طَبِيخٌ ومَطْبُوخٌ.
وَقَالَ فِي كتاب (المصادِرِ) : الخَيْل تُحنَّذُ إِذا أُلْقِيَتْ عَلَيْها الجِلاَلُ بعضُها عَلَى بَعض لِتَعْرَقَ.

(4/268)


قَالَ: وَيُقَال: إِذا سَقَيْتَ فاحْنِذْ يَعني أخْفِسْ، يُرِيدُ أقِلَّ المَاء وأَكثِر النَّبِيذ. قَالَ: وأَعْرَق فِي مَعْنى أَخْفَسَ.
وأَخبرني المُنْذري عَن أبي الهيْثَم أَنّه أَنكرَ مَا قَالَه الفرَّاء فِي الإحنْاذِ أنّه بمعْنى أخْفسَ وأعْرَقَ وعَرَفَ الإخفاس والإعْرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَرَابٌ مُحْنَذٌ ومُخْفَسٌ ومُمْذًى ومُمْهًى إِذا أُكثِرَ مِزَاجُه بِالْمَاءِ، وَهَذَا ضِدُّ مَا قَالَه الفرَّاء.
وَقَالَ أَبُو الهيْثَم: أصلُ الحَنِيذِ من حِناذ الخيْل إِذا ضُمِّرَتْ. وحِناذها أَن يُظاهَرَ عليهَا جُلٌّ فَوق جُلَ حَتَّى تُجلَّلَ بأَجلاَلٍ خمسةٍ أَو سِتَّة ليَعْرَقَ الفرسُ تحْتَ تِلْكَ الْجِلاَلِ ويُخْرِجَ العَرَقُ شحمَه كيلاَ يتنفس تنفُّساً شَدِيدا إِذا أُجرى. قَالَ: والشِّوَاءُ المحنوذُ الَّذِي قد أَلْقيت فَوْقه الحجارَةَ المَرْضُوفَةَ بالنَّار حَتَّى يَنْشَوى انْشِواءً شَدِيدا فَيتهَرَّى تحتهَا.
وَيُقَال: حنَذْنا الفرسَ نحنِذُه حَنْذاً وحِناذاً أَي ظاهَرنا عَلَيْهِ الجِلاَلَ حَتَّى يعرق تَحْتَها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الحَنِيذُ: الشِّوَاءُ الَّذِي لم يُبَالَغْ فِي نُضْجه، قَالَ: وَيُقَال: هُوَ الشِّوَاءُ المَغْمُومُ. وَقَالَ شمر: الحنيذ من الشواء: الْحَار الَّذِي يقطر مَاؤُهُ وَقد شُوِي، وروى عَن شَمِر ابْن عَطِيَّة أَنه قَالَ فِي قَوْله: {جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هود: 69) هُوَ الَّذِي يَقْطُر مَاؤُه وَقد شُوِي وَهَذَا أَحْسنُ مَا قيل فِيهِ.
وَقَالَ شمر: الحَنِيذُ: الماءُ السُّخْنُ. وأَنْشَد لِابْنِ مَيَّادَةَ:
إِذا بَاكَرَتْه بالْحَنِيذ غَوَاسِلُهُ
قَالَ شمر: الحَنِيذُ من الشِّوَاءِ: النَّضِيجُ وَهُوَ أَن تَدُسَّه فِي النَّار وَقد حَنَذَه يَحْنِذُه حَنْذاً وَيُقَال: أَحْنِذِ اللَّحْمَ أَي أنضجه.
قلت: وَقَدْ رأيتُ بوادي السِّتَارَيْن من ديار بني سَعْد عَيْنَ مَاء عَلَيْهِ نَخْلٌ زَيْنٌ عامِرٌ وقُصُورٌ من قُصُورِ مياه الْعَرَب يُقَال لذَلِك المَاء: حَنِيذ، وَكَانَ نَشِيلُه حارّاً فَإِذا حُقِنَ فِي السِّقَاء وعُلِّق فِي الْهَوَاء حَتَّى تَضْرِبَه الرِّيحُ عَذُبَ وطابَ.
وَفِي أَعْرَاضِ مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرْيَةٌ فِيهَا نَخْلٌ كثير يقالُ لَهَا: حَنَذ. وأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيت لبَعض الرُّجازِ يصفُ النَّخْلَ وَأَنه بحذاء حَنَذ ويُتَأَبَّرُ مِنْهُ دون أَن يُؤْبَر فَقَالَ:
تَأبَّرِي من حَنَذٍ فَشُولي
تَأَبَّرِي يَا خَيْرَةَ الفَسِيلِ
إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بالْفُحُولِ
وَمعنى تَأَبري أَي تلقَّحي وَإِن لم تُؤَبَّري برائحة حِرْق فحاحيل حَنَذ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ إِذا كَانَ بحذاء حائِطٍ فِيهِ فُحّالٌ مِمَّا يَلِي مَهَبَّ الجنوبِ فَأَنَّهَا تَتَأَبَّرُ برَوَائحها وَإِن لم تُؤَبَّرْ، وَقَوله: فَشُولي، شبَّهها بالنَّاقَةِ الَّتِي تَلْقَح فَتَشُولُ ذَنَبها أَي ترفَعُه.
حذن: أَبُو عُبَيْد عَن الأَحْمَرِ: الحُذُنَّتَانِ: الأذُنَانِ. قلت: والواحدة حُذُنَّةٌ وحُذْنُ الرَّجُلِ وحُذْلُه: حجزته.
والْحَوْذَانَةُ: بَقْلةٌ من بُقُولِ الرِّياضِ رَأَيتُها فِي رياض الصَّمَّان وقِيعَانها، وَلها نَوْرٌ أصفرُ رائحتُه طيِّبَةٌ وتجمعُ الحوذَان.

(4/269)


ح ذ ف
اسْتعْمل من وجوهها: حذف، وفذح.
حذف: قَالَ ابْنُ المُظَفَّر: الحَذُف: قَطْفُ الشَّيءِ من الطَّرَفِ كَمَا يُحْذَفُ ذَنْب الدَّابَّة. قَالَ: والمَحْذُوفُ: الزِّقُّ، وَأنْشد:
قَاعِدا حَوْلَهُ النَّدَامى فَمَا يَنْ
فَكُّ يُؤْتَى بمُوكَرٍ مَحْذُوفِ
المُوكَرُ: الزِّقُّ الملآنُ، ورَوَاهُ شمر عَن ابْن الأَعْرَابي مَجْدُوف ومَجْذُوف بِالْجِيم وبالدَّال أَو بالذَّال. قَالَ: ومَعْناهُما المقَطُوعُ، ورَواه أَبُو عُبَيد مَنْدُوف، فأَمَّا مَحْذُوف فَمَا رَواه غير اللَّيْث. قَالَ: والحذْفُ: الرَّمْيُ عَن جانِبٍ. تَقول: حَذَفَ يحْذِفُ حَذْفاً.
وَتقول: حَذَفني فُلانٌ بجائِزَةٍ أَيْ وَصَلني.
قَالَ: وَحَذَفَه بالسَّيف إِذا ضَرَبَه.
ابْن شُمَيْل: الأبْقَعُ: الغُرَابُ الأبْيَضُ الجَنَاح.
قَالَ: والحَذْفُ: الصِّغَارُ السُّودُ، والواحدة حَذَفَةٌ وَهِي الزِّيغَانُ الَّتِي تُؤكَل، والحَذَفُ: الصِّغارُ مِنَ النِّعاج، قَالَ: والحَذَفُ: شاءٌ صِغارٌ لَيست لَهَا أذنابٌ وَلَا آذانٌ يُجاءُ بهَا مِنْ جُرَشَ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَرَاصُّوا بَيْنَكُم فِي الصَّلَاة لَا تَتَخَلَّلُكُم الشياطينُ كَأَنَّهَا بناتُ حَذَفٍ) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحَذَفُ هِيَ هَذِه الغَنمُ الصِّغار الحجازية واحدتها حَذَفَة، وَيُقَال لَهَا: النَّقَدُ أَيْضا. قَالَ: وَقد فُسِّر الحَذَفُ فِي بعض الرِّواية أَنَّهَا ضَأنٌ سُودٌ جُرْدٌ صِغارٌ تكون بِالْيمن.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَهَذَا أحبُّ التَّفسيرين إليَّ لأَنَّه فِي الحَدِيث.
والعربُ تقولُ: حَذَفَه بالْعَصَا إِذا رَمَاهُ بهَا.
قلت: وَقد رأيتُ رُعْيانَهم يَحْذِفُونَ الأرانب بِعِصيِّهم إِذا عَدَتْ ودَرَمَتْ بَين أَيْديهم فرُبَّما أَصَابَت الْعَصَا قَوَائِمَها فيصيدُونها ويذبحُونها.
وَأما الخَذْفُ بِالْخَاءِ فَإِنَّهُ الرَّمْيُ بالحَصَى الصِّغار بأطراف الْأَصَابِع، يُقَال: خذَفَه بالحَصَى خَذْفاً.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى عَن الخَذْفِ بالحَصى، وَقَالَ: (إِنَّه يَفْقَأُ العَيْنَ وَلَا يَنْكِي عَدُوّاً وَلَا يُحْرِزُ صَيْداً) ، ورَمْيُ الجِمَارِ يكون بِمِثْل حَصَى الخَذْف وَهِي صِغارٌ.
ورَوَى الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت أَنه قَالَ: يُقَال: مَا فِي رَحْلِهِ حُذَافَةٌ أَي شيءٌ من طَعَام، وأكلَ الطَّعام فَمَا ترك مِنْهُ حُذَافَةً، واحتملَ رَحْلَهُ فَمَا ترك مِنْهُ حُذَافَةً.
قلتُ: وأصحابُ أبي عُبَيْدٍ رَوَوْا هَذَا الْحَرْف فِي بَاب النَّفي حُذَافَةٌ بِالْقَافِ، وَأنْكرهُ شَمِر، والصَّواب مَا قَالَه ابْن السّكِّيت وَنَحْو ذَلِك قَالَه اللِّحْياني بالفاءِ فِي (نوادره) وَقَالَ: حُذَافَةُ الأَدِيم: مَا رُمِيَ مِنْهُ.
قلت: وتَحْذِيفُ الشَّعَرِ تَطْرِيرُه وتسويته، وَإِذا أخذتَ من نواحيه مَا تُسوِّيهِ بِهِ فقد حَذَّفْتَه، وَقَالَ امْرؤْ الْقَيْس:
لَهَا جَبْهةٌ كَسَرَاة المِجَنْ
نِ حَذَّفَهُ الصَّانِعُ المُقْتدِر

(4/270)


وَقَالَ النَّضْرُ: التَحْذِيفُ فِي الطُّرَّةِ أَن تُجْعَلَ سُكَيْنِيَّةً كَمَا يفعل النَّصارى.
فذح: أهمله الليثُ.
وَقَالَ ابْن دُريد: تَفَذَّحَتِ النَّاقةُ وانْفَذَحَت إِذا تَفَاجّتْ لِتَبولَ.
قلتُ: وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف لغيرِه، والمعروفُ فِي كَلَامهم بِهَذَا الْمَعْنى تَفَشِّحَتْ وتَفَشَّجَتْ بِالْحَاء وَالْجِيم.
ح ذ ب
اسْتعْمل من وجوهه: ذبح، بذح.
حَبذ: قلت: وَأما قَوْلهم حَبَّذَا كَذَا وَكَذَا بتَشْديد الْبَاء فَهُوَ حرف مَعْنًى أُلِّفَ مِنْ حَبَّ وَذَا، يُقَال: حَبَّذَا الإمارةُ وَالْأَصْل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحْدَى الباءين فِي الْأُخْرَى وشُدِّدت، وَذَا إِشَارَة إِلَى مَا يقرب مِنْك وَأنْشد بَعضهم:
حبذا رجعها إِلَيْهَا يَديهَا
فِي يَدَيْ درْعِهَا تَحُلُّ الإزَارَا
كَأَنَّهُ قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثمَّ ترْجم عَن ذَا فَقَالَ: هُوَ رجعها يَديهَا إِلَى حَلِّ تِكَّتِها أيْ مَا أَحَبَّه وَيَدَا دِرْعِها: كُمَّاهَا.
وَأما حَبَذَ: يَحْبِذُ فَهُوَ مهملٌ.
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن كَيْسَان: حَبَّذَا كلمتان جُعلتا شَيْئا وَاحِدًا وَلم تُغَيَّرا فِي تَثْنِيةٍ وَلَا جمعٍ وَلَا تأَنيثٍ، وَرُفِعَ بهَا الإسمُ تَقول: حَبَذَا زَيْدٌ وحَبَّذَا الزَّيْدَانِ، وحَبَّذَا الزَّيْدُون، وحَبَّذا هِندٌ وحَبَّذَا أَنْتَ وأَنْتُما وأَنْتُم. وحَبَّذَا يُبتدأ بهَا، فَإِن قلتَ: زَيْدٌ حَبَّذَا فَهِيَ جَائِزَة وَهِي قبيحة: لِأَن حَبَّذا كلمة مدح يُبتدأُ بهَا لِأَنَّهَا جَوَاب وإنَّما لم تُثَنَّ ذَا وَلم تجمع وَلم تُؤنث: لِأَنَّك إِنَّمَا أجريتها على ذِكْرِ شَيْء سمعته فكأنك قلت: حَبَّذَا الذَّكْرُ ذِكْرُ زَيْد فَصَارَ زَيْدٌ مَوضِع ذِكْرِه وَصَارَ ذَا مُشاراً إِلَى الذِّكْرِ بِهِ، والذِّكْرُ مُذَكَّر، وحَبَّذا فِي الْحَقِيقَة فِعْلٌ وَاسم، حَبَّ بِمنْزِلَةِ نِعْمَ وَذَا فَاعل بِمَنْزِلَة الرَّجُلِ.
ذبح: قَالَ اللَّيْث: الذَّبْحُ: قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عِنْد النَّصِيل، وَهُوَ مَوضِع الذَّبْح من الْحلق. قَالَ: والذَّبِيحَةُ: الشَّاةُ المذْبُوحَةُ. والذَّبْحُ: مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الذَّبِيح والمذبوح.
قلتُ: والذَّبِيحَةُ: اسْم لما يُذْبَحُ من الْحَيَوَان، وأُنِّثَ لِأَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ مَذْهَب الْأَسْمَاء لَا مَذْهَب النَّعت فَإِذا قلتَ: شاةٌ ذَبِيحٌ أَو كبشٌ ذَبِيحٌ أَو نَعْجَةٌ ذَبِيحٌ لم تُدْخِل فِيهِ الْهَاء لِأَن فَعِيلاً إِذا كَانَ نعتاً بِمَعْنى مفعول يُذَكَّرُ. يُقَال: امرأةٌ قتيلٌ وكَفٌّ خَضِيبٌ.
والذَّبْحُ: المذبوحُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الطِّحْنِ بِمَعْنى المَطْحُون والقِطْفِ بِمَعْنى المَقْطُوف.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْبَلاَءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصَّافات: 107) . أَي بِكَبْشٍ يُذْبَحُ، وَهُوَ الْكَبْش الَّذي فُدِي بِهِ إِسْمَاعِيل بن خليلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والمِذْبَحُ: مَا تُذْبَحُ بِهِ الذَّبِيحَةُ من شَفْرَةٍ

(4/271)


وَغَيرهَا.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَن ذَبَائِح الجِنْ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وذَبَائح الجِنِّ: أَن يَشْتَرِي الرجلُ الدارَ أَو يَسْتَخْرِجَ العينَ أَو مَا أشبه ذَلِك فَيَذْبَحَ لَهَا ذَبِيحَةً لِلطِيَرةِ، قَالَ: وَهَذَا التفسيرُ فِي الحَديثِ.
قَالَ: ومعناهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُون إِلَى هَذَا الفِعْلِ مَخَافَةَ أَنَّهُم إِن لم يَذْبَحُوا ويُطْعِمُوا أَن يُصِيبَهم فِيهَا شَيْء منَ الجِنِّ يُؤْذِيهم، فأَبْطَل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَهَى عنْه.
وَقَالَ اللَّيْث فِي كِتابه: جاءَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى أَن يُذَبِّحَ الرَّجُلُ فِي الصلاةِ كَمَا يُذَبِّحُ الحِمارُ.
قَالَ وقولُه: أنْ يُذَبِّح هُوَ أَن يُطأْطِىءَ الرجلُ رأْسَه فِي الرُّكوعِ حَتَّى يكونَ أخُفَضَ من ظَهْرِه.
قلتُ: صَحَّفَ الليثُ الحرْفَ، والصَّحيحُ فِي الحديثِ أنْ يُدَبِّحَ الرجلُ فِي الصَّلاةِ بالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمة.
كَذَلِك رَوَاهُ أصحابُ أبي عُبَيْد عنْه فِي (غَريبِ الحديثِ) ، والذَّالُ خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيه.
رَوَى ابنُ شُمَيْل عنِ ابنِ عَوْنِ عَن ابْن سِيرين قَالَ: لمَّا كَانَ زَمَنُ ابْن المُهَلب أُتِي مَرْوَانُ برَجُلٍ كفَرَ بعدَ إسْلامِه فَقَالَ كعْبٌ أدْخِلُوه المَذْبح وضَعُوا التَّوْرَاةَ وحَلِّفُوهُ بِاللَّه.
قَالَ شَمِر: المذابِحُ: المقَاصِيرُ، ويُقَالُ هِيَ المَحارِيبُ ونحوُها.
قَالَ: وذَبَّحَ الرجلُ إِذا طأْطأَ رأْسَهُ للرُّكوعِ ودبَّحَ وَدَرْبَحَ.
قَالَ: والذَّبْحُ: الشَّقُّ وكلُّ مَا يُشَقُّ فقَدْ ذُبِحَ.
قَالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:
كأَنَّ عيْنَيَّ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
وَكَذَلِكَ كلُّ مَا فُتَّ أَو قُلِعَ فقَدْ ذُبِحَ.
قَالَ: وتُسَمَّى مقَاصِيرُ الكنَائِس مَذابحَ ومَذْبحاً لأَنهم كَانُوا يذْبحُونَ فِيهَا القُرْبانَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّابِحُ: شَعَرٌ يَنْبُت بَين النَّصِيل والمذْبحِ.
قَالَ: والذُّبْحَةُ: داءٌ يأْخُذُ فِي الحَلْقِ وربَّما قَتَل.
قَالَ والذُّبَحُ: نبَاتٌ لَهُ أصْلٌ يُقْشَرُ عَنهُ قِشْرٌ أَسْوَدُ فيخرُج أبيضَ كأَنه جَزَرَةٌ، حُلْوٌ طَيِّبٌ يُؤْكَل، والواحدةُ ذُبَحةَ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الذُّبْحةُ بتسْكِين الْبَاء: وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ، وَأما الذُّبَحُ فَهُوَ نَبْتٌ أحْمَرُ.
وَفِي الحَدِيث أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَوَى أسْعَدَ بنَ زُرارةَ فِي حَلْقِه من الذُّبْحَةِ، وَقَالَ: لَا أدَعُ فِي نَفسِي حَرَجاً من أسْعد.
وَكَانَ أَبُو زَيْد يقولُ: الذَّبَحَةُ والذِّبَحَةُ لهَذَا الدّاءِ وَلم يعْرِفْه بِإِسْكَان الْبَاء.
وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنَّهُ قَالَ: الذُّبَحةُ والذُّبَحُ هُوَ الَّذِي يُشْبِه الكَمْأَةَ قَالَ: ويُقالُ لهُ: الذِّبَحَةُ والمذّبَحُ والضمُّ أكثرُ وَهُوَ ضَرْبٌ من الكمْأَةِ بِيضٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذُّبَاحُ: نَبْتٌ من السَّمِّ وَأنْشد:

(4/272)


ولَرُبّ مَطْعَمَةٍ تكونُ ذُباحا
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
كأساً منَ الذِّيفَانِ والذُّباح
وَقَالَ الأعْشى:
وَلَكِن مَاءُ عَلْقَمةٍ بِسَلْعٍ
يُخَاضُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَقِ الذُّباح
أَبُو عُبَيد: عَن الْأَصْمَعِي: أخَذَهُ الذُّبَّاحُ بتَشْديد الْبَاء، وَهُوَ تَحَزُّزٌ وَتَشَقُّقٌ بَين أَصَابِع الصِّبْيَانِ من التُّرابِ.
وَقَالَ ابنُ بُزُرْج: الذُّبَّاحُ: حَزٌّ فِي باطِن أصابِع الرِّجْلِ عَرْضاً، وَذَلِكَ أَنه ذَبَحَ الأصابعَ وقَطَعَها عرْضاً، وجَمْعُهُ ذَبَابِيحُ وَأنْشد:
حَرٌّ هِجَفٌّ مُتَجَافٍ مَصْرَعُه
بِهِ ذَبَابيحُ وَنَكْبٌ تُظْلِعُه
وَكَانَ أَبُو الهَيْثَم يَقُول: ذُبَاح بالتَّخْفيف ويُنْكِر التَّشْديد.
قلت: والتَّشْديد فِي كَلَام العربِ أَكثر، وذهبَ أَبُو الهَيْثَم إِلَى أنَّه من الأدْواءِ الَّتِي جَاءت عَلَى فُعال.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: مَذابِحُ النَّصَارى: بيوتُ كُتُبهم، وَهُوَ المَذْبَحُ لِبَيتِ كُتُبهم.
وَيُقَال: ذَبَحْتُ فارَة المِسْكِ، إِذا فَتَقْتها وأخْرَجْتَ مَافيها من المِسْكِ، وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
كأنَّ بَين فَكِّها والفَكِّ
فأرَةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ فِي سُكِّ
أَي فُتِقت فِي الطِّيبِ الَّذِي يُقال لَهُ: سُكُّ المِسْكِ.
وَقَالَ بعضُهمْ: الذُّبَحُ: الجَزَرُ البَرِّيُّ، ولوْنُه أَحْمَرُ، وأنشدَ بيتَ الأعْشَى:
وشَمُولٍ تَحْسِبُ العينُ إِذا
صُفِّقَتْ فِي دَنّها لوْنَ الذُّبَح
ويُرْوَى صُفِّقَتْ بُرْدَتُها لوْنَ الذُّبَح) . وبُرْدَتُها: لَوْنُها وأَعْلاها.
وَيُقَال ذَبَحَتْ فُلاناً لِحْيَتُه، إِذا سَالَتْ تَحْتَ الذَّقَنِ وبَدَا مُقَدّمُ حَنكِه، فهوَ مَذْبُوحٌ بهَا، وَقَالَ الرَّاعِي:
من كلِّ أَشْمَطَ مَذْبوحٍ بِلِحْيَتِه
بادِي الأداةِ على مَرْكُوِّهِ الطَّحِلِ
يصِفُ قَيِّمَ ماءٍ منعَهُ الوِرْدَ.
ويقالُ: ذَبَحَتْه العَبْرةُ، أَي خَنَقَتْه.
شمر: يُقَال: أَصَابَهُ موت زُؤام، وذُؤاب، وذُباح. وَأنْشد للبيد:
كأساً من الذِّيفانِ والذُّبَاح
قَالَ: الذُّباح: الذّبْح.
يُقَال: أَخذهم بَنو فلانٍ بالذُّباحِ، أَي بالذَّبْح، أَي ذبحوهم.
قَالَ: وَيُقَال: أَخذ فلَانا الذُّبَحَةُ فِي حلقه بِفَتْح الْبَاء.
يُقَال: كَانَ ذَلِك مثل الذُّبَحَةُ على العُرِّ، مثل يضْرب للَّذي تخاله صديقا فَإِذا هُوَ عَدو ظَاهر الْعَدَاوَة.
وَقَالَ النَّضر: الذُّبَحَةُ: قَرْحَةٌ تخرج فِي حلق الْإِنْسَان مثل الذِّئبة الَّتِي تَأْخُذ الْحمار.
وَقَالَ النَّضْرُ: الذَّابحُ: مِيسَمٌ على الْحَلْقِ فِي عُرْضِ العُنُق، ويُقَالُ للسِّمَةِ: ذَابِحٌ.

(4/273)


وَقَالَ ابْن كُنَاسة: سَعْدٌ الذَّابحُ: من الْكَوَاكِب، أحدُ السُّعُودِ سُمِّي ذابحاً لأنَّ بحذائه كَوْكَباً صَغِيرا كَأَنَّهُ قد ذبحهُ، والعربُ تقولُ: إِذا طلع الذابحُ انجحر النَّابحُ، وأصلُ الذبحِ الشّقُّ، وَمِنْه قَوْله:
كأَنَّ عَيْنَيَّ فيهَا الصَّابُ مَذْبُوح
أَي مشقوق مَعْصُور.
وَقَالَ شَمِر: المذَابِحُ: من المسَايِلِ وَاحِدهَا مَذْبَح، وَهُوَ مسِيلٌ يسيل فِي سَنَدٍ أَو عَلَى قَرار الأرضِ، إِنَّمَا هُوَ جَرْحُ السَّيْلِ بعضِه عَلَى إثْرِ بعض.
وعَرْضُ المذْبحِ فِتْرٌ أَو شِبْرٌ، وَقد تكون المذابحُ خِلْقَةً فِي الأَرْض المُسْتوية لَهَا كَهَيئَةِ النَّهْر يسيلُ فِيهَا مَاؤُهَا، فَذَلِك المذبحُ. والمَذابحُ تكون فِي جَمِيع الأرضِ فِي الأوْدِية وَغير الأوْدِيَةِ، وَفِيمَا تواطأ من الأَرْض.
بذح: البَذْحُ: الشِّقُّ. أَبُو عُبَيد عَن العَدَبَّس الكِناني: بَذَحْتُ لِسَان الفصيل بَذْحاً، إِذا فلَقْتَهُ. قلت: ورأيتُ من الرُّعْيَان مَنْ يَشُقُّ لِسَان الفصيلِ اللاَّهج بثنَاياه فيقْطَعُه، وَهُوَ الإحْزَازُ عِنْد الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَصَابَهُ بَذْحٌ فِي رجله، أَي شَقٌّ، وَهُوَ مثل الذَّبح، وكأَنه مَقلُوب.
ح ذ م
اسْتعْمل من وجوهه: حذم، مذح.
حذم: قَالَ اللَّيْث: الحَذُمُ: القَطْعُ الوحِيُّ. وسيفٌ حَذْيَمٌ: قَاطع. وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه قَالَ لمُؤذِّنِه: (إِذا أذَّنْت فترَسَّل، وَإِذا أقمتَ فاحْذِم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحذْمُ: الحَدْرُ فِي الْإِقَامَة وقطعُ التَّطْويل.
قَالَ وأصلُ الحَذْم فِي الْمَشْي إِنَّمَا هُوَ الْإِسْرَاع فِيهِ، وَأَن يكون مَعَ هَذَا كأَنه يهْوِي بيدَيْهِ إِلَى خَلفه. وَقَالَ غَيره: هُوَ كالنَّتْفِ فِي المشيء شبيهٌ بمشي الأرنب.
ابْن السّكِّيت عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: للأرْنب حُذَمَةٌ لُذَمَةٌ، تَسْبق الْجمع بالأكَمَة. حُذَمَة: إِذا عدت فِي الأكَمَةِ أسْرَعت فسبقَت مَن يطْلبهَا، لُذَمَة: لازمةٌ للعَدْوِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقال: حَذَم فِي مشيته أَي قَارب الخطا وأسرع.
قَالَ: والحُذَمُ: الْقصير من الرِّجَال القريبُ الخطوِ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: الحَذَمَانُ: شيءٌ من الذَّميل فَوق الْمَشْي.
قَالَ: وَقَالَ لي خَالِد بن جَنْبَةَ: الحَذَمَانُ: إبْطَاءُ الْمَشْي، وَهُوَ من حْروف الأضدادِ.
قَالَ: وَاشْترى فلانٌ عَبْداً حُذَام الْمَشْي: لَا خير فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: حَذَامِ: من أَسمَاء النسَاء وَأنْشد:
إِذا قَالَت حَذَامِ فَصَدِّقُوها
فَإِن القوْلَ مَا قَالَت حَذَامِ
قَالَ: جَرّتِ الْعَرَب حذَامِ فِي مَوضِع الرَّفْع لأنهَا مَصْروفةٌ من حَاذِمة فَلَمَّا صُرِفتْ إِلَى فَعَال كُسِرَت: لأَنهم وجدوا أَكثر حالاتِ المؤنَّثِ إِلَى الْكسر، كَقَوْلِك: أنتِ، عليكِ، وَكَذَلِكَ فجَارِ، وفسَاقِ، قَالَ: وَفِيه

(4/274)


قولٌ آخر أَن كلّ شَيْء عُدل من هَذَا الضَّرْب عَن وجههِ يُحملُ على إِعْرَاب الْأَصْوَات والحكايات من الزَّجْرِ وَنَحْوه مجروراً، كَمَا يقالُ فِي زجْرِ البَعيرِ: ياهٍ ياهٍ، ضاعف ياهٍ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
يُنادي بَيَهْيَاهٍ وياهٍ كَأَنَّهُ
صُوَيْتُ الرُّوَيعِي ضلَّ بالليلِ صاحبُه
يقولُ: سكن الحرْف الَّذِي قبل الْحَرْف الْأَخير فحُرِّكَ آخِره بكسْرَةٍ، وَإِذا تحرَّكَ الْحَرْف قبل الْحَرْف الْأَخير وَسكن الأخيرُ جزمْت كَقَوْلِك: (بجَلْ) و (أَجَلْ) . وأمَّا حَسْبُ، وجَيْرُ، فَإنَّك كسرت آخِره، وحركْته لسكون السِّين والبَاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحُذُمُ: الأرانبُ السِّرَاع. والحُذُمُ أَيْضا: اللُّصُوصُ الْحُذَّاقُ.
مذح: قَالَ اللَّيْث: المَذَحُ: الْتِوَاءٌ فِي الفخِذيْنِ إِذا مَشى انْسَحَجَتْ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى. يُقال: مَذِحَ الرجل يَمْذَحُ مَذَحاً، ومَذِحَتْ فخذاهُ وَأنْشد:
إِنَّك لَو صاحَبْتِنَا مَذِحْتِ
وفَكَّكِ الْحِنوَانِ فانفَتَحْتِ
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا اصْطَكَّتْ أَلْيَتَا الرَّجُل حَتَّى تنسحجا قيل: مَشِقَ مَشَقاً قَالَ: وَإِذا اصْطكَّتْ فخذاه قيل: مَذِحَ يَمْذَحُ مَذَحاً.
وَقَالَ غَيره: التَّمَذُّحُ: التَّمَدُّدُ.
ويُقال: شرب حَتَّى تمذَّحت خاصرتُه أَي انتفخت من الرِّيّ، وَأنْشد أَبُو عُبَيد:
فَلَمَّا سَقيناها العَكِيسَ تَمَذّحتْ
خواصرُها وازْدَادَ رَشْحاً وَرِيدُها
والعَكِيسُ: الدَّقِيق يُصَبُّ عَلَيْهِ الماءُ ثمَّ يُشْرَبُ.

(أَبْوَاب الْحَاء والثاء)
ح ث ر
اسْتعْمل من وجوهه: حرث، حثر.
حرث: قَالَ اللَّيْث: الْحَرْثُ: قَذفُكَ الحَبُّ فِي الأَرْض لازْدِرَاعٍ، وَقَالَ: الاحتراثُ من كَسْبِ المَال، وَقَالَ الشاعرُ يُخَاطبُ ذِئباً.
وَمن يَحْتَرِثْ حَرْثِي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدَةَ قَالَ: حَرَثتُ النَّاقَة وأَحْرَثتُها، إِذا سِرت عَلَيْهَا حَتَّى تُهْزَلَ، ونحوَ ذَلِك قَالَ اللّيْثُ.
ابنُ بُزُرْج: أرضٌ مَحْرُوثةٌ ومُحْرَثَةٌ: وطِئَهَا النَّاس حَتَّى أَحْرَثُوها وحَرَثُوها، وَوُطِئت حَتَّى أَثَاروها، وَهُوَ فسادٌ إِذا وُطِئتْ فَهِيَ مُحْرَثَة ومَحْرُوثَة تُقْلَبُ للزَّرْعِ وكلاهُمَا يُقال بعدُ.
عمْرُو عَن أَبيه: حَرِثَ الرجل إِذا جمع بَين أَربع نسْوةٍ، وحَرِثَ إِذا تفقَّه، وفَتَّشَ، وحَرِث إِذا اكْتسب لعيَالِه واجتهد لَهُم.
والحُرْثَةُ: عِرق فِي أَصل أُدَاف الرَّجُل. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَرْثُ: إشعال النَّار قَالَ اللَّيْث: مِحْراثُ النَّار: مِسْحَاتُها الَّتِي تحرّك بهَا النَّار.
ومِحْراث الحرْب: مَا يُهَيِّجُها.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الحَرْث: الجِماع الْكثير، وَقَالَ: حرْثُ الرجلِ: امرأتُه.

(4/275)


وَأنْشد المُبَرِّدُ:
إِذا أكل الْجَرَاد حُرُوثَ قومِي
فحرْثي همُّه أكلُ الْجَرَاد
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحرثُ: المَحَجَّةُ المكدودة بالحوافر. والحَرْث أصل جُرْدان الْحمار. والحَرْث: تفتيش الْكتاب وتدبُّره، وَمِنْه قَول عبد الله: (احْرُثوا هَذَا الْقُرْآن) أَي فتشوه. وَقَالَ غَيره: الحَرْث: الْعَمَل للدُّنيا وَالْآخِرَة. وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر أَنه قَالَ: (احرث لدنياك كَأَنَّك تعيش أبدا واحرث لآخرتك كَأَنَّك تَمُوت غَدا) . ومعناهُ تَقْدِيم أَمر الْآخِرَة وأعمالها حِذَار الفَوْت بِالْمَوْتِ على عمل الدُّنْيَا، وَتَأْخِير أَمر للدنيا كَرَاهِيَة الِاشْتِغَال بهَا عَن عمل الْآخِرَة.
وَيُقَال: هُوَ يحْرُثُ لِعِيَالِهِ ويحترث، أَي يَكتسب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُرثة: الفُرضة الَّتِي فِي طَرْف القوسِ للْوَتَرِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (البَقَرَة: 223) . قَالَ الزَّجَّاج: زعمَ أَبُو عُبَيدَة أَنه كِنَايَة، قَالَ: وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ أنَّ معْنى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لكم: فيهنَّ تحْرُثون الْوَلَد واللَّذَّة فأتُوا حرثَكم أنَّى شِئتم، أَي ائْتوا مَوضِع حَرْثِكم كَيفَ شِئْتم مُقْبِلةً ومُدْبرةً.
قَالَ شمِر: قَالَ الغَنَوِي: يُقال: حَرْق الْقوس والكُظرَة وَهُوَ فُرْضٌ، وَهِي من القوْسِ حَرْثٌ، وَقد حرثتُ القوسَ أحرثها إِذا هَيَّأْتَ موضعا لِعُرْوة الوَتَر، قَالَ: والزَّندة تُحْرَث ثُم تُكْظَرُ بعد الحَرْثِ فَهُوَ حَرثٌ مَا لم يُنفَذْ، فَإِذا أُنفذ فَهُوَ كُظْرٌ.
وَقَالَ الفرَّاء: حَرَثْتُ الْقُرْآن أحْرُثه، إِذا أطَلْتَ دراسَتَه وتدَبَّرْتَهُ. وَفِي الحَدِيث: أصدق الْأَسْمَاء الْحَارِث، لِأَن الْحَارِث معناهُ الكاسب.
واحتراث المَال كَسبه. وَقَول الله جلّ وعزّ: {حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ} (الشورى: 20) أَي من كَانَ يُرِيد كسب الدُّنْيَا.
حثر: أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَثْرَةُ: انْسلاق الْعين، وتصغِيرها حُثَيْرَةٌ.
قَالَ: والحَوْثرة: الفَيْشَة الضخمة وَهِي الكوْشَلَةُ، والفَيْشَلة.
أَبُو عُبَيد: حَثِر الدِّبْسُ، أَي خَثُرَ، وحَثِرَتْ عينه: خرج فِيهَا حبٌّ أحْمَر.
شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّوَاء إِذا بُلَّ وعُجِنَ فَلم يجْتَمع وتناثر فَهُوَ حَثِرٌ، وَقد حَثِرَ حَثَراً.
وأُذُنٌ حَثِرَةٌ إِذا لم تسمع سَمْعاً جيِّداً. ولسانٌ حَثِرٌ: لَا يجِد طَعْمَ الطَّعام.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابنِ الأعْرَابيِّ: حَثَّر الدَّوَاءَ، إذَا حَبَّبهُ، وحَثِرَ إذَا تَحَبَّبَ.
ابنُ شُمَيْل: الحَثَرُ مِنَ العِنَب: مَا لَمْ يُونِع وَهُوَ حَامِضٌ صُلْبٌ لم يُشْكِلْ وَلَمْ يَتَمَوَّه. وحثِرَ العَسَلُ إذَا أَخَذَ يَتَحَبَّبُ، وَهُوَ عَسَلٌ حاثِرٌ وحَثِرٌ.
والحَثَرَةُ مِنَ الجِبَأَة، كأَنَّها تُرَابٌ مَجْمُوعٌ فإذَا قُلِعَتْ رَأَيْتَ الرملَ حَوْلَها.

(4/276)


عَمْرو عَنْ أَبِيه قالَ: الحثَرُ: ثمَرُ الأرَاكِ، وَهُوَ البَريرُ.
أَبُو حَاتِم الحَاثرُ الحاءُ غَيْرُ مُعْجَمَة: المُتَفَلِّقُ مِنَ اللَّبَنِ، وقَدْ حثَرَ يَحْثِرُ حُثُوراً.
وَقَالَ الحِرْمَازِيُّ: الحَثِرُ: المُتَفَلِّقُ.
ح ث ل
(اسْتعْمل من وجوهه: حثل) .
حثل: قَالَ اللَّيْث: الحَثْلُ: سُوءُ الرَّضَاعِ، تَقُولُ: أَحْثَلَتْهُ أُمُّه، وقَدْ يُحْثِلُه الدَّهْرُ بِسُوءِ الحَالِ، وأنْشَدَ:
وأَشْعَثُ يَزْهَاهُ النُّبُوح مُدَفَّعٌ
عَنِ الزَّادِ مِمَّن حَرَّفَ الدَّهْرُ مُحْثَلُ
وحُثَالَةُ النَّاسِ: رُذَالَتُهُمْ.
أَبُو زَيْد: أَحثَلَ فُلاَنٌ غَنَمَهُ، فَهِيَ مُحْثَلَةٌ إِذا هَزَلَها.
أبُو عُبَيْد: المُحْثَلُ: السَّيِّيءُ الغِذَاء.
وَقَالَ غيرُه: جَاءَ فِي الحَدِيث الَّذي يَرْويه عَبْدُ الله بنُ عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَ آخِرَ الزَّمان: فيبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا خَيْرَ فِيهم. أَرَادَ بحُثَالَةِ النَّاسِ رُذَالَهُمْ وَشِرَارَهم، وأصْلُه مِنْ حُثَالَة التَّمْرِ وحُفالَتِه وَهُوَ أَرَدَؤُه وَمَا لَا خيْرَ فِيه مِمَّا يَبْقَي فِي أَسْفَلِ الْجُلَّةِ.
ثَعلبٌ عَنِ ابْن الأعْرَابي قَالَ: الحُثَالُ: السِّفَلُ.
أَبُو عُبَيد عنِ الأصمعيّ: الْحِثيَلُ: مِنْ أسْمَاءِ الشَّجَرِ معْروفٌ.
ح ث ن
اسْتعْمل من وجوهه: حنث، حثن.
حثن: أَهْمَلَه اللَّيْثُ. وحُثُن: جَاءَ فِي شِعْرِ هُذَيْل، وهُوَ موْضِعٌ مَعْروفٌ فِي بِلاَدِهم.
حنث: قَالَ اللَّيْث: الحِنْثُ: الذِّنْبُ العظيمُ. ويُقَالُ: بَلَغَ الغُلاَمُ الحِنْث، أَي بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى القَلَم عَلَيْهِ بالطَّاعةِ والمَعَاصِي.
قَالَ: وحَنِثَ فِي يَمينِه حنِثاً، إذَا لمْ يُبِرَّها.
وَفِي الحَدِيث: (اليمِينُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ) يَقُول: إمَّا أَنْ ينْدَمَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْه، أَو يَحْنَثَ، فَتَلْزَمهُ الكَفَّارةُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَر أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ يَأْتي حِرَاءَ، وَهو جَبَلٌ بِمَكَّةَ فِيهِ غَارٌ، فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِيه اللَّيَالِي.
قالَ أبُو العَبَّاس: قالَ ابنُ الأعْرَابي: قَوْلُه: يَتَحَنَّثُ، أَي يَفْعَلُ فِعْلاٍ يَخْرُجُ بِهِ من الحِنْثِ وَهُوَ الإثْم.
ويُقَالُ: هُوَ يَتَحَنَّث أَيْ يَتَعَبَّدُ لله. قالَ: ولِلْعَرَبِ أَفْعَالٌ تُخَالِف معَانيها أَلْفَاظَها، يقَالُ فُلانٌ يَتَنَجَّسُ إذَا فَعَل فِعْلاٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنَ النَّجاسَةِ.
كَمَا يُقَال فُلاَنٌ يَتَأَثَّمَ وَيَتَحَرَّج، إذَا فَعَل فعْلاً يَخْرُج بِهِ مِنَ الْإِثْم والحَرَج.
قَالَ: وقَوْلُهُم: بَلَغَ الغُلاَم الحِنْثَ. أَي الإدْرَاك والبُلوغ.
قَالَ: والحِنْث فِي غير هَذَا: الرُّجُوعُ فِي اليمنِ.
وأخْبَرَني المُنْذِرِيُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحِنْثُ الحُلُمُ، والْحِنْثُ: الشِّرْكُ. قَالَ الله تَعَالَى: {مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} (الواقِعَة: 46) وَأنْشد:
من يَتشَاءَمْ بِالْهدى فالحِنْثُ شَرّ

(4/277)


أَي الشِّرْكُ شَرٌّ.
قَالَ: والْحِنْثُ: حِنْثُ الْيَمين إِذا لم تَبرَّ وَفِي الحَدِيث (من مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ من الْوَلَد لم يبلغُوا الحِنْثَ دخل من أيّ أَبْوَاب الجَنَّة شَاءَ) .
قَالَ ابنُ شُمَيل: مَعْنَاهُ: قبل أَن يبلغُوا فيُكْتَبَ عَلَيْهِم الإثمُ.
قَالَ: والحِنْثُ: الإثمُ، وحَنِثَ فِي يَمِينه أَي أَثِمَ.
وَقَالَ خَالِد بنُ جَنْبةَ: الحِنْثُ: أَن يَقُول الْإِنْسَان غيرَ الحَقِّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَلَى فُلان يمينٌ قد حنِثَ فِيهَا، وَعَلِيهِ أَحْنَاثٌ كَثِيرَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله: {مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} .
قَالَ: الحِنْثُ: الذَّنبُ، ويُصِرُّون، أَي يَدُومون.
والحِنْثُ: المَيلُ مِنْ باطلٍ إِلَى حَقَ، وَمِن حقَ إِلَى بَاطِل.
يُقَال: قد حَنِثْتُ، أَي مِلتُ إِلَى هَوَاك عَلَيَّ، وَقد حَنِثْتُ مَعَ الحقِّ عَلَى هوَاك.
ورُوِي عَن حَكِيم بن حِزَام أَنهُ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنتُ أتحنَّثُ بهَا فِي الجاهِلية مِن صلَة رَحِمٍ وصَدَقةٍ هَل لي فِيهَا مِن أَجْرٍ؟ فَقَالَ لهُ ج: أَسْلَمتَ عَلَى مَا سَلَف لَك مِنْ خَير) يُرِيدُ بقوله: كنتُ أتحَنَّث أَي أتَعَبَّدُ وألْقِي بهَا الحِنْثُ، وَهُوَ الْإِثْم، عَن نَفسِي.
ويُقالُ للشَّيْء الَّذِي يَختلفُ فِيهِ النَّاس فيحتَمِلُ وَجْهَيْن: مُحْلِفٌ، ومُحْنِث.
ح ث ف
حفث، فَحَث (حثف، فثح) : (مستعملات) .
حفث فَحَث: أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: الحَفِثُ والفَحِثُ: الَّذِي يكونُ مَعَ الكَرِشِ وَهُوَ يُشْبهها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحفْثَةُ: ذَاتُ الطَّرَائق من الكَرِش كأَنها أَطْبَاقُ الفَرْثِ.
وأَنشد الليثُ:
لاتُكْرِبَنَّ بَعْدَها خُرْسِيّا
إنّا وَجَدْنَا لَحْمَها رَدِيّاً
الكِرْشَ والحِفْثَة والمَرِيّا
(فَحَث) : وَقَالَ أَبُو عَمْرُو: الفَحِثُ: ذاتُ الطَّرَائق والقِبَةُ الأخرَى إِلَى جَنْبه. وَلَيْسَ فِيهَا طرائق قَالَ: وفيهَا لُغَاتٌ: حَفِثٌ، وحَثِفٌ، وحِفْثٌ، وحِثْفٌ: وَقيل: فِثْحٌ، وثِحْفٌ، ويُجْمْعُ الأحْثَافَ والأفْثَاحَ والأثحَافَ، كُلٌّ قد قيلَ.
وَقَالَ شَمِر: الحُفَّاثُ: حَيَّةٌ ضخمٌ عظيمُ الرَّأْسِ أَرْقَشُ أحْمَرُ أكْدَرُ، يُشْبُه الأسْوَد وَلَيْسَ بِهِ، إِذا حَرَّبْته انتَفَخَ ورِيدُه.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: هُوَ أكبرُ مِنَ الأرْقَمِ، ورَقَشُه مِثلُ رَقَشِ الأرْقم، لَا يَضُرُّ أحدا، وجَمْعُه حَفَافِيثُ. وَقَالَ جرير:
إنَّ الحفَافيثَ عِنْدِي يَا بَنِي لَجَأٍ
يُطرِقْنَ حِينَ يصُولُ الحيَّةُ الذَّكَرُ
وَقَالَ الليثُ: الحُفَّاثُ: ضَرْبٌ من الحيَّات يأْكلُ الحشيشَ لَا يضُرّ شَيْئا.
وَيُقَال للغَضْبان إِذا انْتَفختْ أوْدَاجه: قدِ احرَنفَشَ حُفَّاثُه.

(4/278)


وَفِي (النَّوَادرِ) : افتحَثْتُ مَا عِنْد فُلاَنٍ وابْتَحَثتُ بِمَعْنى واحدٍ.
ح ث ب
اسْتعْمل من وجوهه: بحث، حبث.
بحث: قَالَ اللَّيْث: البَحْثُ: طلَبُك الشيءَ فِي التُّرَاب، والبَحْث: أَن تسألَ عَن شيءٍ وتَسْتَخْبر، يُقَالُ: بحَثْتُ أبحَثُ بَحْثاً، واسْتَبْحَثتُ، وابْتَحَثْتُ، وتَبَحَّثْتُ بمعْنى واحدٍ.
والبَحُوث مِن الْإِبِل: الَّتِي إِذا سارَتْ بحثتِ التُّرَابَ بأيْديها أُخُراً، أَي ترْمي بِهِ إِلَى خَلفها، قَالَه أَبُو عَمْرو.
وَقَالَ أَبُو زيد وَابْن شُمَيْل: البَاحِثَاءُ من جِحَرَةِ اليَرابيع: تُرَابٌ يُخَيَّلُ إلَيْكَ أَنه القاصِعاءُ وليْسَ بهَا، والجميع بَاحِثَاوَات.
وسورةُ برَاءَة كانَ يُقالُ لَهَا: البَحُوث: لِأَنَّهَا بحثَتْ عنِ المنافقِينَ وأسْرَارِهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البُحَّيْثى مِثال خُلَّيْطَى: لُعْبَةٌ يَلْعَبُونَ بهَا بالتُّرَاب.
قَالَ: والبحْث: المَعْدِن يُبْحَث فِيهِ عَن الذَّهب والفِضَّة.
قَالَ: والبُحَاثةُ: الترَاب الَّذي يُبْحَثُ عمّا يُطلَب فِيهِ.
وَقَالَ شمر: البُحْثَة جَاءَ فِي الحَدِيث أنّ غُلاَمَيْنِ كَانَا يَلعَبَانِ البُحْثةَ، وَهُوَ لَعِبٌ بالتُّرَابِ.
حبث: ينشد للأصْمَعي فِي أُرجوزَةٍ لَهُ:
أَوْمَجّ أَنْيَابٍ قُزَاتٍ أوْ حَبِث
والقُزَات: جَمْع قُزَة: مِن الحَيّات، وَكَذَلِكَ الحِبْثُ.
قُلت: لَا أَعرِف الحَبِث.
ح ث م
أهمله اللَّيْث وَاسْتعْمل من وجوهه: حثم.
حثم: أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُثُمُ: الطُّرُق الْعَالِيَة.
وَسمعت الْعَرَب تَقول للرَّابية: الحَثَمة، يُقَال: انزِل بهاتِيك الحَثَمَة، وَجَمعهَا حَثَمات، ويَجوز حَثْمَة بِسُكُون الثّاء، وَمِنْه ابْن أبي حَثْمَةَ.

(4/279)


أَبْوَاب الْحَاء وَالرَّاء [/ كت]
ح ر ل
اسْتعْمل من وجوهه:
رَحل: قَالَ اللَّيْث: الرَّحْلُ: مَرْكَبٌ للبعير. والرحالةُ نحوُه، كلُّ ذَلِك من مَراكِب النِّسَاء. قلت: الرَّحْلُ فِي كَلَام الْعَرَب على وجُوهٍ. قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرحْلُ بِجَمِيعِ رَبَضِه وحَقَبِه وحِلْسِه وَجَمِيع أَغْرُضِه. قَالَ: وَيَقُولُونَ أَيْضا لأعواد الرَّحْلِ بِغَيْر أداةٍ رَحْلٌ، وَأنْشد:
كَأَن رَحْلي وأداة رَحْلِي
على حَزَاب كأَتان الضَّحْل
قلت وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيدة. وَهُوَ من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
وَأما الرحَالَةُ فَهِيَ أكبر من السَّرْج وتُغَشَّى بالجُلودِ تكون للخَيْل والنَّجائبِ من الْإِبِل وَمِنْه قَول الطرِمَّاحِ:
قَتَرُوا النجائبَ عِنْدَ ذَ
لَك بِالرحَالِ وبالرَّحَائِل
وَقَالَ عنترةُ فَجَعلهَا سُرُجاً:
إذْ لَا أَزَالُ على رِحَالَةِ سَابحٍ
نَهْدٍ مَرَاكِلُه نَبِيلِ المحْزَمِ
قلت: فقد صَحَّ أَن الرَّحل والرحالة من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
والرَّحْل فِي غير هَذَا منزِلُ الرجل ومسكَنُه وبَيْتُه، يُقَال: دخلتُ على الرَّجُل رحْلَه أَي منزِلَه وَفِي حَدِيث يزيدَ بْنِ شَجَرَة: (أَنه خطب النَّاس فِي بَعْثٍ كَانَ هُوَ قائِدَهم، فحثَّهُم على الجهادِ وَقَالَ إِنَّكُم تَرَوْن مَا أَرَى من بَيْن أَصْفَرَ وأَحمَرَ، وَفِي الرحَالِ مَا فِيهَا، فَاتَّقُوا الله وَلَا تخزوا الحُورَ العِينَ) يقولُ: مَعكُمْ من زَهْرَةِ الدُّنْيَا وزُخْرُفِها مَا يُوجِبُ عَلَيْكُم ذِكْرَ نعمةِ الله عَلَيْكُم واتقَاءَ سَخَطِه، وَأَنْ تَصْدُقوا العَدُوَّ القِتَال وتجاهِدُوهُمْ حَقَّ الجِهَادِ، فاتَّقُوا الله وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا وزُخْرُفِها، وَلَا تَوَلَّوْا عَن عَدوكُمْ إِذا الْتَقَيْتُم وَلَا تُخْزُوا الحورَ الْعين بِأَنْ لَا تُبْلُوا وَلَا تجْتَهدوا وتفْشَلُوا عَن الْعَدو فيُوَلينَ، يَعْنِي الحُورَ العِين عَنْكُم بِخَزَاية واستحْياءٍ لكم. وَقد فُسر الخَزَايةُ فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: رَحْلُ الرَّجُلِ: مسكَنُه. وإنَّه لخَصِيبُ الرَّحْل. وانتهيْنَا إِلَى رِحَالِنَا: أَي إِلَى مَنَازِلِنا. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ:

(5/5)


(إِذَا ابْتَلَّت النعَالُ فَالصَّلَاة فِي الرحَالِ) . وَقد مرّ تفسيرُه فِي كتاب الْعين.
وَيُقَال: إِن فلَانا يَرْحَلُ فُلاناً بِمَا يكره، أَي يَركَبُه.
وَيُقَال: رحَلْتُ الْبَعِير أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا شَدَدْتَ عَلَيْهِ الرَّحْلَ.
وَيُقَال: رحَلْتُ فلَانا بسيْفِي أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا علوتُهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَرْحَلَ الرجلُ البَعِيرَ، وَهُوَ رَجُلٌ مُرْحِلٌ. وَذَلِكَ إِذا أَخَذَ بَعِيرًا صَعْباً فَجعله رَاحِلَةً. وَفِي الحَدِيث عِنْد اقتراب السَّاعَة (تخرج نَار من قصر عدن تُرَحل النَّاس) رَوَاهُ شُعْبَة قَالَ: وَمعنى تُرَحّل أَي تَنْزِل مَعَهم إِذا نَزَلوا وتَقِيلُ إِذا قَالُوا. جَاءَ بِهِ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ قَالَ شَمِر: وَقيل معنى ترحلهم أَي تُنْزلُهم المَرَاحِلَ. قَالَ: والترحِيلُ والإرْحَال بِمَعْنى الإشْخَاصِ والإزعَاجِ يُقَال: رَحَلَ الرجلُ إِذا سَار وأَرْحَلْتُه أَنا.
والمرحلة: المنْزِلُ يُرْتَحَلُ مِنْها. وَمَا بَيْنَ المنْزِلَين مَرْحَلَةٌ.
وَرجل رَحُولٌ، وَقوم رُحُلٌ: أَي يرتحلون كثيرا، وجمل رَحِيلٌ وناقة رَحيلَةٌ بِمَعْنى النجِيبِ والظهيرِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرَّحُول من الإبلِ الَّذِي يصلُح لِأَن يُرْحلَ. وبَعِيرٌ ذُو رُحلَةٍ: إِذا كَانَ قويًّا على أَن يُرْحلَ. والرَّاحُولُ: الرَّحْلُ، وَفِي حَدِيث الْجَعْدِي: أَنَّ ابنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ رَحيلٍ. قَالَ الْمبرد: راحِلَةٌ رَحِيلٌ أَي قويٌّ على الرحْلَةِ، كَمَا يُقال: فَحْلٌ فَحِيلٌ: ذُو فِحْلَة.
وَرُوِيَ عَن النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تَجِدُونَ الناسَ كإبلٍ مائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) قَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: الرَّاحِلَةُ هِيَ الناقةُ يختارُهَا الرَّجُلُ لمَرْكَبِه ورَحْلِه على النجابَةِ وتَمَامِ الخَلْق وحُسْنِ المَنْظَرِ، وَإِذا كَانَت فِي جَماعةِ الْإِبِل تبيَّنَتْ وعُرِفَتْ. يقولُ: فالناسُ مُتساوون، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْهُم على أَحَد فضلٌ فِي النَّسَب، وَلَكنهُمْ أشْبَاهٌ كإبلٍ مائَةٍ لَيست فِيهَا راحِلَةٌ تَتَبَيَّنُ فِيهَا وتَتَمَيَّزُ مِنْهَا بالتَّمَامِ وحُسْنِ المَنْظَرِ.
قلت: غَلِطَ ابنُ قُتيْبَةَ فِي شَيْئَيْنِ: فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، أحَدُهما أَنَّهُ جعَل الراحلَةَ النَّاقَةَ، وَلَيْسَ الجملُ عِنْده رَاحِلَة. والراحلةُ عِنْد العربِ كلُّ بعيرٍ نجيبٍ جوادٍ سواءٌ كَانَ ذكرا أَو أُنْثى، وَلَيْسَت الناقةُ أَوْلَى باسْمِ الراحلةِ من الجملِ، تَقول العربُ للجمَلِ إِذا كَانَ نجيباً: راحلةٌ وَجمعه رواحلُ، وَدخُول الْهَاء فِي الراحلةِ للْمُبَالَغَة فِي الصفَةِ، كَمَا يُقالُ: رَجلٌ داهيةٌ وباقِعَةٌ وعَلاَّمَةٌ. وَقيل: إنَّها سُميَتْ راحلَةً لِأَنَّهَا تُرْحَلُ، كَمَا قَالَ الله {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ} (الحاقة: 21) أَي مَرْضِيَّةٍ، و {خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} (الطّارق: 6) أَي مَدْفُوق. وَقيل: سُميَتْ رَاحِلَةً لِأَنَّهَا ذاتُ رَحْل، وَكَذَلِكَ عيشة راضيةٌ: ذاتُ رضى. وَمَاء دافِقٌ ذُو دَفْق.
وَأما قَوْله: إِن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن النَّاس متساوُون فِي الْفضل لَيْسَ لأحد مِنْهُم فضلٌ على الآخَرِ وَلَكنهُمْ أشباهٌ كإبل مائةٍ لَيْسَ

(5/6)


فِيهَا راحلةٌ، فَلَيْسَ الْمَعْنى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أنَّ الله تبَارك وَتَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا ورُكُونَ الخلْقِ إِلَيْهَا وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها، وزهَّدَهُم فِي اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فِيهَا الأمْثَالَ لِيَعُوها ويَعْتَبِرُوا بهَا، فَقَالَ: {الْجَحِيمِ اعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} (الحَديد: 20) الْآيَة. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحذرُ أصحابَه بِمَا حذَّرَهم الله من ذَمِيم عَوَاقِبِها وينهاهم عَن التَّبَقُّرِ فِيهَا ويزهدُهم فِيمَا زهَّدَهُم الله فِيهِ مِنْهَا، فَرَغِبَ أكثرُ أَصْحَابه عَلَيْهِ السَّلَام بعده فِيهَا، وتَشَاحُّوا عَلَيْهَا وتَنَافَسُوا فِي اقتنائِها حَتَّى كَانَ الزهْدُ فِي النادِرِ القليلِ مِنْهُم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَجِدُونَ النَّاس بَعْدِي كإبلٍ مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) وَلم يُرِدْ بِهَذَا تساوِيَهُم فِي الشَّر وَلكنه أَرَادَ أنَّ الكامِلَ فِي الْخَيْرِ والزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا مَعَ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ والعملِ لَهَا قليلٌ، كَمَا أَن الراحلَةَ النجيبةَ نادِرٌ فِي الْإِبِل الكثيرِ.
وَسمعت غَيْرَ واحِدٍ من مشايِخِنا يَقُول: إِن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَتَتَامُّوا عشرَة مَعَ وُفُور عددِهم وَكَثْرَة خَيْرِهم، وسبْقِهم الأمَّةَ إِلَى مَا يستَوْجِبُون بِهِ كريمَ المآب برحمة الله إيَّاهم وَرِضْوانِه عَلَيْهِم فَكيف مَنْ بَعْدَهم وَقد شاهَدُوا التَّنْزِيلَ وعايَنُوا الرَّسُولَ وَكَانُوا مَعَ الرغْبَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا خَيْرَ هَذِه الْأمة الَّتِي وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فَقَالَ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عِمرَان: 110) وواجبٌ على مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لَهُم والترحمُ عليْهِم وَأَن يسأَلُوا الله أَلاَّ يَجْعَل فِي قُلُوبهم غِلاًّ لَهُم وَلَا يذكُرُوا أحدا بِمَا فِيهِ مَنْقَصَةٌ لَهُم، وَالله يَرْحَمنَا وإيّاهم ويتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ وَرَحمته إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ناقَةٌ رَحِيلَةٌ: شديدَةٌ قويَّةٌ على السّير، وجمل رَحيلٌ مِثْلُه، وإنَّها لَذَاتُ رُحلَةٍ. وَقَالَ الأمَوِيُّ ناقةٌ حِضَارٌ إِذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورُحْلَةً يَعْنِي جَوْدَةَ السّير.
وَقَالَ شَمِر: ارْتَحَلْتُ البعيرَ إِذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَيْهِ وارْتَحَلْتُه إِذا رَكِبْتَهُ بقتب أواعْرَوْرَيْتَهُ وَقَالَ الْجَعْدِي:
وَمَا عَصَيْتُ أَمِيرا غَيْرَ مُتَّهَمٍ
عِنْدِي ولكنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلاَ
أَي يَرْتَحِلُ الْأَمر، يركبه.
قَالَ شمر: وَلَو أنّ رجلا صَرَع آخر وَقعد على ظَهره لَقلت رأيتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ الْبَعِير: مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وَهُوَ مَرْحَلُهُ، قَالَ: وبعيرٌ ذُو رُحْلَةٍ وَذُو رِحلة وبعير مِرْحَلٌ ورَحِيلٌ إِذا كَانَ قويّاً.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: رِحْلَةٌ ورُحْلَةٌ بِمَعْنى واحدٍ، قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الرحْلَةُ: الارْتحال، والرُّحْلَةُ بِالضَّمِّ: الوجْه الَّذِي تُرِيدُه. تَقول: أَنتُمْ رُحْلَتِي. قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد نَحْواً مِنْهُ.
وَيُقَال للراحلة الَّتِي رِيضَتْ وأُدبت: قد أَرْحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمْهَرَتْ إِمْهَاراً إِذا جَعَلها الرائِض مَهْريَّة وراحلةً.

(5/7)


وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : نَاقَة رَحِيلةٌ ورحيلٌ ومُرْحِلَةٌ ومُسْتَرْحِلَةٌ أَي نجيبَةٌ. وبعير مُرْحِلٌ إِذا كَانَ سميناً وَإِن لم يكن نجيباً.
وَقَالَ اللَّيْث: ارتحل الْقَوْم ارتحالاً. والرحْلَةُ: اسمُ ارتحالِ الْقَوْم للمسير. قَالَ: والمُرْتَحَل نقيضُ المحَل. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
إِنَّ مَحَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا
يُرِيد إِن ارتحالاً وَإِن حلولاً.
قَالَ: وَقد يكون المُرْتَحَلُ اسْمَ المَوْضِعِ الَّذِي تَحُلُّ فِيهِ. قَالَ: والترحُّلُ: ارتحالٌ فِي مُهْلَةٍ.
والمرحَّلُ: ضَرْبٌ من بُرُودِ الْيمن، وَقيل سمي مُرَحَّلاً لما عَلَيْهِ من تَصَاويرِ الرَّحْل وَمَا ضَاهَاهُ. قَالَ: ورَاحِيلُ اسمُ أُم يُوسُفَ ابنِ يعقوبَ. وَالْعرب تكني عَن الْقَذْف للرجل بقَوْلهمْ (يَا ابْن مُلْقَى أَرْحُلِ الرُّكبان) ويفسَّرُ قَول زُهَيْر:
ومَنْ لَا يَزَلْ يسترْحِلِ الناسَ نَفْسَهُ
وَلَا يُعْفِهَا يَوْماً من الذُّل يَنْدَمِ
تفسيرين: أحدُهما أَنَّهُ يَذِلُّ لَهُم حَتَّى يَرْكَبوه بالأَذَى ويستذِلُّوه، وَالثَّانِي: أَنه يَسْأَلُهم أَن يحملوا عَنهُ كَلَّه وثُقْلَه ومَؤُونَتَه وَمن قَالَ هَذَا القَوْل روى الْبَيْت (وَلَا يعفها يَوْمًا من النَّاس يُسْأَمِ) وَقَالَ ذَلِك كلَّه ابنُ السّكيت فِي كِتَابه فِي الْمعَانِي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي شيات الْخَيل: إِذا كَانَ الفَرَسُ أبيضَ الظهرِ فَهُوَ أَرْحَلُ، وَإِن كَانَ أبيضَ العَجُزِ فَهُوَ آزَرُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي شيات الْغنم إِن ابْيَصَّ طولُ النَّعْجَةِ غيرَ مَوْضِعِ الرَّاكب مِنْهَا فَهِيَ رَحْلاَءُ، فَإِن ابْيَضَّتْ إِحْدَى رِجْلَيْها فَهِي رَجْلاَءُ. وَقَالَ الفرزدق:
عليهِنَّ رَاحُولاَتُ كُل قطيفة
من الخَز أَوْ مِنْ قَيْصَرانَ عِلاَمُها
قَالَ: الراحُولاَتُ: المُرَحَّلُ المَوْشِيُّ على فَاعُولات. قَالَ وقَيْصَرَانُ ضربٌ من الثيابِ المَوْشِيَّةُ.
وَيُقَال: ارْتَحَل فلانٌ فلَانا: إِذا علا ظَهْرَهُ وَركِبَه. وَمِنْه حَدِيثُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه سَجَدَ فَركبه الحَسَنُ فأَبْطَأَ فِي سُجُودِهِ، وَقَالَ: إنَّ ابنِي ارْتَحَلَنِي فكرِهْتُ أَن أُعْجِله) .
(ح ر ن)
حرن، حنر، نخر، رنح: مستعملة
حرن: قَالَ اللَّيْث حَرَنت الدابَّةُ وحَرُنَتْ لُغَتَان، وَهِي تحرُن حِرَاناً. وَفِي الحَدِيث (مَا خلأت وَلاَ حَرَنَتْ وَلَكِن حَبَسَها حَابِسُ الْفِيلِ) .
وَيُقَال فَرَسٌ حَرُونٌ مِنْ خَيْلٍ حُرُنٍ. والحَرُونُ: اسمُ فَرَسٍ كَانَ لِبَاهِلَةَ، إِلَيْهِ تنْسب الْخَيل الحرونية. وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قولِ ابْن مقبل: صَوت المحابض ينزعن المحارينا قَالَ: المحارين مايموت من النَّحْل فِي عسله وَقَالَ غَيره: المحارين من الْعَسَل مَا لزق بالخلية فعسر نَزعه أَخذ من قَوْلك حَرَنَ بِالْمَكَانِ حُرُوناً إِذا لزمَه فَلم يُفَارِقهُ وكأَنَّ العَسَل حَرِن فَعَسُر اشْتِيَارُه. وَقَالَ الرَّاعِي:
كناس تنوفه ظلت إِلَيْهَا
هجانُ الْوَحْش حَارِنةً حرونا

(5/8)


قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله حارنةً مُتَأَخِّرَة. وغيرُه يَقُول لازِمَةً. وَقَالَ ابْن شمَيْلٍ: المحارينُ حَبُّ الْقطن الْوَاحِد مِحْرَانٌ.
رنح: قَالَ اللَّيْث رُنح فلَان ترنيحاً إِذا اعتراه وهْنٌ فِي عِظَامه وَضَعْفٌ فِي جسده عِنْد ضرب أَو فزع يَغْشَاهُ وَقَالَ الطرماح:
وناصِرُكَ الأَدْنى عَلَيْهِ ظعينَةٌ
تَمِيدُ إِذا استَعْبَرْتَ مَيْدَ المُرَنَّح
وَقَالَ غَيره: رُنحَ بِهِ إِذا أُدِيرَ بِهِ كالمغشي عَلَيْهِ وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
فَظَلَّ يُرَنَّحُ فِي غَيْطَلٍ
كَمَا يستدير الْحِمارُ النَّعِرْ
قَالَ اللَّيْث المُرَنَّحُ أَيْضا ضرب من الْعود من أَجْودِه يُسْتَجْمرُ بِهِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المَرْنَحَةُ صَدْرُ السَّفِينَة قَالَ: والدَوْطِيرةُ كَوْثَلُها، والقَبُّ رَأس الدَّقَل، والقَرِيَّةُ خَشَبَة مربَّعَةٌ على رَأس القَب.
حنر: اللَّيْث: الحِنَّوْرَةُ دويبَّة ذَميمة يُشَبَّه بهَا الإنسانُ فَيُقَال يَا حِنَّوْرَةُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي بَاب فِعّوْل الحِنَّوْر: دابَّة تشبه العَظَاءَ وَقَالَ اللَّيْث: الحَنِيرَةُ العَقْدُ المضْرُوب وَلَيْسَ بِذَاكَ العريض. قَالَ: وَفِي الحَدِيث (لَو صلَّيتم حَتَّى تَكُونُوا كالأوتار، أَو صمتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِك إِلَّا بنيَّةٍ صادِقَةٍ وورعٍ صادقٍ) .
وَتقول حنَرْتُ حَنِيرَةً إِذا بَنَيْتَها. أَبُو عَمْرو: الحَنِيرَةُ: قَوْسٌ بِلَا وَتَرٍ، وجَمْعُها حَنِيرٌ. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جمعهَا حَنَائرُ. قَالَ وَفِي حَدِيث أبي ذَرَ (لَو صليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِكُم حَتَّى تُحِبُّوا آلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْحُنَيْرَةُ تَصْغِير حَنْرَة وَهِي العطْفَة المحْكَمَة لِلْقَوْس.
نحر: قَالَ اللَّيْث: النَّحْرُ: الصَّدْرُ. والنُّحُور: الصدُور. قَالَ: والنَّحْرُ: ذَبْحُكَ البعِيرَ تطعنُه فِي مَنْحَرِه حيثُ يَبْدو الحُلْقُومُ من أعْلَى الصدْر. قَالَ: ويومُ النَّحْر: يومُ الأَضْحَى.
وَإِذا تَشَاحَّ القوْمُ على أمْرٍ قيل: انْتَحَرُوا عَلَيْهِ من شِدَّةِ حِرْصِهِمْ. وإذَا اسْتَقْبَلَتْ دَارٌ دَاراً قيل: هَذِه تَنْحَرُ تِلْكَ. وَإِذا انْتَصَب الإنسانُ فِي صَلاَتِه فنهد قيل: قَدْ نَحَرَ.
قَالَ: واختلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثر: 2) قَالَ بَعضهم: انْحَرْ البُدْنَ. وَقيل: ضَعِ اليمينَ على الشمَال فِي الصلاةِ. وَقَالَ الفَرَّاءُ: معنى قولِه {لِرَبِّكَ} استَقْبِل القِبْلَة بنَحْرِك. قَالَ: وسمعتُ بعضَ الْعَرَب يَقُول: مَنَازِلُهُ تَنَاحَرُ، هذَا يَنْحَرُ هَذَا، أَي قُبَالَتَه. وَأنْشد فِي بعض بني أَسد:
أَبَا حَكَمٍ هَل أَنْت عَم مجَالد
وسيدُ أهل الأَبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
وَذكر الْفراء الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين أَيْضا فِي قَوْله: {لِرَبِّكَ} .
وَقَالَ أَبُو عبيد النَّحيرَةُ: آخِرُ يومٍ من الشَّهْرِ لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ بَعْدَه. قلت: مَعْنَاهُ أَنه يسْتَقْبل أول الشَّهْر. وَأنْشد للكميت:

(5/9)


والغيث بالمُتَأَلقَا
تِ مِنَ الأَهِلَّة فِي النواحر
وَيُقَال لَهُ نَاحِرٌ. وَيُقَال لآخر ليلةٍ من الشَّهْر نَحيرَةٌ لِأَنَّهَا تَنْحَرُ الهِلاَلَ. وَقَالَ الْكُمَيْت أَيْضا:
فَبَادَرَ لَيْلَةَ لاَ مُقْمِرٍ
نَحيرَةَ شَهْرٍ لِشَهْرٍ سِرَاراً
أَرَادَ ليلةَ لَا رَجُلٍ مُقْمِرٍ. والسرارُ مردودٌ على الليلَةِ. ونحيرَة فعيلة بِمَعْنى فاعِلَة لأنَّها تَنْحَرُ الهلالَ، أَي تستَقْبِلُه.
وَيُقَال للسحاب إِذا انْعَقَّ بِمَاءٍ كثيرٍ: قد انْتَحَرَ انتِحَاراً. وَقَالَ الرَّاعِي:
قَمَرَّ عَلَى مَنَازِلِهَا وَأَلْقَى
بهَا الأَثْقَالَ وَانْتَحَرَ انْتِحَاراً
وَقَالَ عديُّ بن زيد يصف الْغَيْث:
مَرِحٌ وَبْلُه يسحّ سُبُوب الْ
مَاءِ سَحَا كأَنَّه مَنْحُورُ
والنحْرِيرُ: الرجُل الطَبِنُ الفَطِنُ فِي كل شَيْء، وَجمعه: النَّحَارِيرُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّحْرَةُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَة بِإِزَاءِ الْمِحْرَاب. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي قَوْله: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثَر: 2) قَالَت طَائِفَة أُمِرَ بِنَحْرِ النُّسُكِ بَعْد الصَّلاة. وَقيل أُمِرَ أَنْ يَنْتَصِبَ بنَحْره بإزَاءِ القِبْلَة وأَلاَّ يَلْتَفِتَ يَمِينا وَلَا شمالاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّاحِرَتَانِ: التَّرْقُوَتَان من الإِبِل والناسِ. وَالْجَوانحُ: مَا وقَعَ عَلَيْهِ الكَتِفُ مِنَ الدَّابَّة والبَعِيرِ، وهِيَ من الإنسانِ الدَّأْيُ، والدَّأْيُ: مَا كَانَ من قِبَلِ الظَّهْرِ، وَهِي سِتٌّ: ثَلاَثٌ من كل جانبٍ، وَهِي من الصَّدْر الجوانِحُ لجُنُوحِها على القَلْب. وقَالَ: الكَتِفُ على ثلاثةِ أضْلاَع من جَانب وَسِتَّة أضلاع من جَانب وَهَذِه السِّتَّة يُقَال لَهَا الدَّأَيَاتُ. أَبُو زيد الجوانح أدنى الضلوع من المَنْحَر، وفيهن النَّاحِرَتَان، وَهِي ثلاثٌ من كل جَانب، ثمَّ الدَّأَيات وَهِي ثَلاثٌ من كُل شِقّ، ثمَّ يبْقى من بعد ذَلِك سِتٌّ من كل جانبٍ متَّصِلاتٌ بالشراسيف لَا يسمونها إِلَّا الأضلاع، ثمَّ ضِلَع الخَلْفِ، وَهِي أَوَاخِر الضُّلوع.
(ح ر ف)
حرف، حفر، فَرح، رحف، رفح: مستعملة.
حرف: قَالَ اللَّيْث: الحَرْفُ من حُرُوفِ الهِجَاء. قَالَ: وَكُلُّ كَلِمَةٍ بُنِيَتْ أَدَاةً عارِيةً فِي الكلامِ لِتَفْرِقَةِ المَعَانِي فاسْمُها حرفٌ، وإِنْ كَانَ بِنَاؤُها بحرفين أَو فَوْقَ ذَلِك، مثل: حَتَّى وَهَلْ وَبل وَلَعَلّ.
وكل كلمة تُقْرَأُ على وُجُوهٍ مِنَ القُرْآنِ تُسمى حَرْفاً، يقْرَأ هَذَا فِي حرف ابْن مَسْعُود أَي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود.
قَالَ والإنسانُ يكونُ على حَرْفٍ من أَمْرِه: كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ ويتوقَّعُ، فإِنْ رَأَى من نَاحِيَتِهِ مَا يحبُّ، وإلاَّ مَالَ إِلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي إِذا لَمْ يَرَ مَا أَحَبَّ انْقَلَبَ عَلَى وَجهه.
قَالَ: وحَرْفُ السفينةِ: جَانِبُ شِقها. وَقَالَ أَبُو إسحاقَ فِي تفسيرِ هَذِه الْآيَة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} جَاءَ فِي

(5/10)


التفسيرِ: على شَكَ، قَالَ: وحقيقَتُهُ أَنَّه يعبدُ الله على حرفِ الطَّرِيقَة فِي الدّين، لَا يدخُلُ فِيهِ دُخُولَ مُتَمَكنٍ. وأفادني المنذريُّ عَن ابْن اليزيدي عَن أبي زيدٍ فِي قَوْله {عَلَى حَرْفٍ} على شَكَ. وأفادني عَن أَبِي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: أما تسميتُهم الْحَرْفَ حَرْفاً فحرْفُ كل شيءٍ ناحيتهُ كحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسيفِ وغيرهِ، قلتُ كأَنَّ الْخَيْر والخِصْبَ ناحيةٌ، والضَّرَّ والشَّرَّ وَالْمَكْرُوه ناحيةٌ أُخْرَى، فهما حرفان، وعَلى العبْدِ أَن يَعْبُدَ خالِقَه على حَالَة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَنْ عَبَدَ الله على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أَن يَعْبُدَه عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرْفٍ، وَمن عَبَدَهُ كَيْفَما تصرَّفَتْ بِهِ الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرَ بأَنَّ لَهُ خَالِقاً يُصَرفه كيفَ يشاءُ، وَأَنه إِن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عَلَيْهِ بالسَّراء فَهُوَ فِي ذَلِك عادلٌ أَو متفضلٌ غير ظالمٍ وَلَا متعدَ، لَهُ الخيَرَةُ وَبِيَدِهِ الأمرُ وَلَا خِيَرَةَ للعَبْدِ عَلَيْهِ.
وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نُزلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف كلهَا شاف كَاف) لقد أشبَعْتُ تَفْسِيره فِي كتاب (القراءَات وعِللِ النحويينَ) فِيهَا وَأَنا مختصرٌ لَكَ فِي هَذَا الموضِعِ من الجُمَلِ الَّتِي أودَعْتُها ذَلِك الكتابَ مَا يَقِفُ بِكَ على الصوابِ. فَالَّذِي أذْهَبُ إِلَيْهِ فِي تفسيرِ قولهِ: (نُزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عبَيْدٍ واتَّبعه على ذَلِك أَبُو العَبَّاسِ أَحْمد بن يحيى.
فَأَما قَول أبي عبيدٍ فَإِن عبدَ الله بنَ مُحَمَّد ابْن هاجَك أَخْبرنِي عَن ابْن جَبَلَة عَن أبي عبيدٍ أَنه قَالَ فِي قَوْله (على سَبْعَة أحرف) يَعْنِي سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يكونَ فِي الْحَرْف الواحدِ سبعَةُ أَوْجُهٍ هَذَا لَمْ نَسمعْ بِهِ. قَالَ وَلَكِن نقُول: هَذِه اللغاتُ السبعُ متفرقَةٌ فِي الْقُرْآن فبعضه بِلُغَةِ قُرَيْش وبعضُه بلغَة هوازِنَ وبعضُه بلغَة هُذَيْلٍ وبعضُه بلغَة أهلِ اليَمَن، وَكَذَلِكَ سائِرُ اللُّغَات ومعانيها فِي هَذَا كُله وَاحِدَةٌ. قَالَ ومِمَّا يُبَينُ ذَلِك قولُ ابْن مَسْعُود: إِنِّي قد سَمِعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كَمَا علمْتُم، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْل أحدكُم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئِل عَن قَوْله (نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف) فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا لغاتٌ. قلت: فَأَبُو العبَّاسِ النَّحْوِيّ وَهُوَ وَاحِدُ عصره، قد ارْتَضَى مَا ذهبَ إِلَيْهِ أَبُو عبيد واستصْوبَه. قلت: وَهَذِه الأحْرُفُ السبعةُ الَّتِي مَعْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خَارِجَةٍ من الَّذِي كُتِبَ فِي مصاحِف الْمُسلمين الَّتِي اجْتمع عَلَيْهَا السلفُ المرضيُّون وَالْخلف المتبعون فَمن قَرَأَ بحرفٍ لَا يُخَالِفُ المصحفَ بزيادةٍ أَو نُقْصانٍ أَو تَقْدِيم مؤخَّرٍ أَو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ بِهِ إِمامٌ من أَئِمَّة القُرَّاءِ المُشْتهرين فِي الأَمْصَارِ فقد قَرَأَ بحرْفٍ من الحُرْوف السَّبْعَة الَّتِي نزل الْقُرْآن بهَا، وَمن قرأَ بحرفٍ شاذَ يُخَالِفُ المصحفَ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القَرَأَةِ المعروفين، فَهُوَ غيرُ مصيبٍ. وَهَذَا مذهبُ أهلِ العِلْم الَّذين هم القُدْوَة، ومذهبُ الراسخِين فِي عِلْمِ الْقُرْآن قَدِيما وحديثاً، وَإِلَى هَذَا أَوْمَى أَبُو الْعَبَّاس

(5/11)


النحويُّ، وَأَبُو بكرٍ الأنبارِيُّ فِي كتاب لَهُ ألَّفَهُ فِي اتِّبَاع مَا فِي المصحَفِ الإمَامِ، وَافقه على ذَلِك أَبُو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِىء أهلِ العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين. وَلَا يجوز عِنْدِي غيرُ مَا قَالُوا، وَالله يوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع، إِنَّه خير مُوَفق وخيرُ مُعين.
وَقَالَ اللَّيْث: التحريفُ فِي الْقُرْآن: تغييرُ الكلِمَةِ عَنْ مَعْنَاهَا وَهِي قريبَةُ الشَّبَهِ، كَمَا كَانَت اليهودُ تُغَير مَعانِيَ التوْراةِ بالأَشْبَاه، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فَقَالَ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} (النِّسَاء: 46) قَالَ: وَإِذا مَال إنسانٌ عَن شَيْء يُقَال: تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَوْرَف وَأنْشد فِي صفة ثَوْر حفر كناساً فَقَالَ:
وَإِن أصَاب عُدَوَاءَ احْرورفا
قَالَ: والحَرْف النَّاقة الصُّلْبَةُ، شُبهت بِحَرْفِ الْجَبَل.
وَأنْشد:
جُمَالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ يَشُلُّهَا
وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِيَّانُ سَهْوَق
قَالَ: وهَذَا البَيْتُ يَنْقُضُ تفسيرَ مَنْ قَالَ: نَاقَة حَرْفٌ: أَيْ مَهْزولَةٌ شبهت بحرْفِ كتابَةٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.
وروى أَبُو عبيدٍ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: الحرْفُ: الناقَةُ الضَّامِرُ، قَالَ: وَقَالَ بعضهُم: شُبهَت بِحَرْف الْجَبَل. قَالَ أَبُو عبيدٍ وَقَالَ الأَصمعيُّ: الحرفُ: المَهْزُولَةُ، وَقَالَ شَمِر: الحَرْفُ من الجَبَلِ: مَا نَتَأَ فِي جَنْبِهِ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الدُّكَّانِ الصغيرِ أَو نحوِه. قَالَ والحرف أَيْضا فِي أعْلاَهُ تَرَى لَهُ حَرْفاً دَقِيقًا مشرفاً على سواءِ ظَهْرِه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحرْفُ: الشَّكُّ فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي شَكَ.
قَالَ أَبُو العبَّاسِ: والعربُ تَصِفُ الناقَةَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ، وتُشَبَّهُ بالحَرْفِ من حُرُوفِ المُعْجَم، وَهُوَ الأَلِفُ. وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إِذا وصفت بالعِظَم. قَالَ هَذَا فِي تَفْسِير قَول كَعْب:
حَرْف أَخُوهَا أَبوهَا من مهجَّنة
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُرْفُ: حَبٌّ كالخَرْدَلِ، الْوَاحِدَة حُرْفَةٌ. قَالَ: والمُحَارَفَةُ: المُقَايَسَةُ بالمِحْرَافِ، وَهُوَ المِيلُ الَّذِي يُسْبَرُ بِهِ الجِرَاحَاتُ وَأنْشد:
كَمَا زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِيج المُحَارِف
أَبُو عُبَيْدٍ عَن أبي زيدٍ: أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً إِذا نما مَالُه وصَلُحَ. ورُوِيَ عَن ابنِ مسعودٍ أَنه قَالَ: موت المؤمِنِ بِعَرَق الجبين تبقَى عَلَيْهِ البقيَّةُ من الذُّنُوبِ فَيحَارَفُ عِنْد الْمَوْت أَي يُقَايَسُ بهَا فَيكون كَفَّارَة لذنوبه. وَمعنى عَرَقِ الجبينِ شدّةُ السيَاق. وَيُقَال: لَا تُحَارِفْ أخَاكَ بالسوءِ: أَي لَا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِيعِه تُقَايِسْه، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ، واصْفَحْ عَنهُ. وَيُقَال للمَحْرومِ الَّذِي قُترَ عَلَيْهِ رزْقُه مُحَارَفٌ. حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَةَ عَن أبي بكرٍ بن زَنْجَوَيْهِ عَن محمدِ بن يوسفَ عَن سفيانَ قَالَ حَدثنَا أَو إسحاقَ عَن قسر ابْن كركم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ُِيَسْتَغْفِرُونَ وَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ}

(5/12)


(الذّاريَات: 19) قَالَ: (السائلُ) : الَّذِي يسألُ الناسَ، و (المحروم) : الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْمٌ، فَهُوَ مُحَارَفٌ. قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانيُّ عَن الشافِعِي أَنه قَالَ: كُلُّ من استغْنَى بكَسْبِه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسألَ الصدقَةَ وَإِذا كَانَ لَا يبلغ كَسبه مَا يُقِيمُه وعيالَه فَهُوَ الَّذِي ذكر المفسرُونَ أنَّه المحرومُ الْمُحَارَفُ. قَالَ: والْمُحَارَفُ: الَّذِي يَحْتَرِفُ بيدَيْهِ قد حُرِمَ سهْمَه من الْغَنِيمَة لَا يَغْزُو مَعَ الْمُسلمين فَبَقيَ محروماً يُعْطَى من الصدقةِ مَا يَسُدّ حِرْمَانَهُ. وَجَاء فِي تَفْسِير قَول الله جلّ وَعز: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} أنّ المحرومَ هُوَ المُحَارَفُ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَةُ بالضَّم، وَأما الحِرْفَة فَهُوَ اسْم من الاحْتِرَافِ، وَهُوَ الاكتسابُ؛ يُقَال هُوَ يَحْرِفُ لِعِيَالِهِ ويَحْتَرِفُ، وَيَقْرِشُ وَيَقْتَرِشُ، ويَجْرَحُ ويَجْتَرِحُ: بِمَعْنى يَكْتَسِبُ.
ثعلبُ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَحْرَفَ الرجُلُ إِذا جازَى على خيرٍ أَو شَرَ. قَالَ وَمِنْه الخبرُ: (إِن العبدَ ليُحَارَفُ على عَمَلِه الخيرَ والشرَّ) . قَالَ: وأحرف إِذا اسْتغنى بعد فقر وأحرف الرجل إِذا كدّ على عِيَاله أَبُو عُبَيْدة عَن أبي زيدٍ: أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافاً إِذا نَمَا مَالُه وصَلَح.
رحف: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مُسْتَعْمل.
روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: أَرْحَفَ الرجلُ إِذا حدَّد سكّيناً أَو غيرَه يُقَالُ: أَرْحَفَ شَفْرَتَهُ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّها حَرْبَةٌ. وَمعنى قَعَدَتْ أَي صَارَتْ. قلتُ كَأَنَّ الحاءَ مُبْدَلَةٌ من الْهَاء فِي أَرْحَفَ، والأصْلُ أَرْهَف. وسيفٌ مُرْهَفٌ وَرَهِيفٌ أَي مُحَدَّدٌ.
حفر: قَالَ اللَّيْث: الْحُفْرَةُ: مَا يُحْفَرُ فِي الأَرْضِ، وَمثله الحَفِيرَةُ، قَالَ: والحَفَرُ اسمُ المَكَانِ الَّذِي حُفِرَ كخَنْدَقٍ أَو بِئْرٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ البئرُ إِذا وُسعَتْ فَوْقَ قَدْرِها تُسَمَّى حَفِيراً وحَفَراً وحَفِيرَةً، قَالَ: وحَفِيرٌ وحَفِيرَةٌ اسْمَا مَوْضِعَين ذكَرَهُمَا الشعراءُ القدماءُ.
قلتُ: والأَحْفَارُ المَعْرُوفَةُ فِي بلادِ العربِ ثلاثَةٌ: فَمِنْهَا حَفَر أَبي مُوسَى، وَهِي رَكَايا احْتَفَرَهَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ على جَادَّة البَصْرة وَقَدْ نَزَلْتُ بهَا واستَقَيْتُ من رَكَاياها وَهِي مَا بَين مَاويَّةَ والمَنْجَشَانِيَّاتِ وركايا الحَفَر مَسْنَوِيَّةٌ بعيدَة الرشَاء عَذْبَةُ الماءِ، مَسْنَوِيَّةٌ أَي يستقى مِنْهَا بالسانية وَهَذَا كَقَوْلِهِم زرع مَسْقَوِيّ أَي يُسْقَى. وَمِنْهَا حَفَرُ ضَبَّةَ: وَهِي ركايَا بِنَاحيةِ الشَّوَاجِن بعيدةُ القَعْرِ، عَذْبَةُ الماءِ. وَمِنْهَا حَفَرُ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابْن تَمِيم، وَهيَ بِحِذَاء العَرَمَة وَرَاءَ الدَّهْنَاءِ، يُسْتَقَى مِنْهَا بالسانيَة عِنْدَ حَبْلٍ من حِبَالِ الدَّهْنَاءِ، يُقَال لَهُ حَبْلُ الحَاضِر.
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وَعز {ُيَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} {ِالْحَافِرَةِ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} (النَّازعَات: 10، 11) مَعْنَاهُ إنّا لمَرْدُودُون إِلَى أَمرنا الأوّل إِلَى الْحَيَاة. قَالَ: والعربُ تَقُولُ: أَتَيْتُ فُلاناً ثمَّ رَجَعتُ علَى حَافِرَتِي: أيْ رَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جئتُ. قالَ: وَمن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: النَّقْد عِنْدَ الْحَافِرَةِ. والحافر معناهُ إِذا قَال قَدْ بِعْتُك

(5/13)


رجعتَ عَلَيْهِ بِالثّمن؛ وهُمَا فِي الْمَعْنى واحدٌ. قَالَ: وبعضُهم يَقُول النَّقْدُ عندَ الحَافِرِ، يُرِيد عِنْد حَافِرِ الفَرَسِ، وكَأَنَّ هَذَا المَثَل جَرَى فِي الخيْلِ. قَالَ: وقالَ بعضُهم: الحافِرَةُ الأَرْضُ الَّتِي تُحْفَرُ فِيهَا قُبُورُهم، فسمَّاهَا الْحَافِرَةَ، والمعْنَى يريدُ المحْفُورَةَ، كَمَا قَالَ {مِن مَّآءٍ} (الطّارق: 6) يُرِيد مَدْفُوق. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي العَبَّاس أَنه قَال: هَذِه كلمَةٌ كانُوا يَتَكَلَّمُون بهَا عِنْد السَّبْق. قَالَ والحَافِرَةُ: الأرضُ المَحْفُورَةُ، يَقُول: أقل مَا يَقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ على الْحَافِرَةِ فقد وَجَبَ النقْدُ، يَعْنِي فِي الرهَانِ، أَي كَمَا يَسْبِقُ فيَقَعُ حَافِرُه عَلَيْها تَقول هَاتِ النَّقْدَ: وَقَالَ الليثُ: النقْدُ عِنْدَ الْحَافِرِ مَعْنَاهُ إِذا اشتريْتَه لم تَبْرَح حَتَّى تَنْقُد. الحرَّانِيّ عَن ابْن السكيتِ أَنه قَالَ: مَعْنَى النَّقْدُ عِنْد الْحَافِرَة أَيْ عِنْد أَوَّلِ كَلِمَةٍ. ويُقَال: الْتَقَى القَوْمُ فاقْتَتَلُوا عِنْدَ الْحَافِرَة أَيْ عِنْدَ أَوَّلِ كَلِمَةٍ وعِنْدَ أَوَّلِ مَا الْتَقُوا، قَالَ الله جَلّ وَعَزّ {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَيْ فِي أَوَّلِ أَمْرِنَا. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي ابنُ الأعرابيّ:
أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ
مَعَاذَ الله مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ
كَأَنَّهُ قَالَ أأرجع فِي صِبَايَ وَأَمْرِي الأوَّلِ بعد أَن صَلِعْتُ وشِبْتُ. وَقَالَ الليثُ: الحافِرَةُ العَوْدَةُ فِي الشَّيْءِ حتَّى يُرَدَّ آخِرُه عَلَى أَوَّلِه. قَالَ: وفِي الْحَدِيثِ (إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يُتْرَكُ عَلَى حَالِه حَتَّى يُرَدَّ عَلَى حَافِرَتِه أَيْ عَلَى أَوَّلِ تَأسِيسِه، وقَالَ فِي قَوْله: {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَي فِي الخَلْقِ الأَوَّل بَعْدَ مَا نَمُوتُ. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابيّ {لَمَرْدُودُونَ فِى} أيْ فِي الدُّنْيَا كَما كُنَّا.
وَقَالَ اللَّيْثُ الحَفْرُ والحَفَرُ جَزْمٌ وفَتْحٌ لُغَتَانِ: وَهُوَ مَا يَلْزَق بالأسْنَانِ من ظَاهرٍ وباطنٍ، تَقول: حَفِرَتْ أسنانهُ حفَراً، ولغةٌ أُخْرَى حفَرت أسنانُه تَحفِر حَفْراً. وأخْبرَني أبُو بكرٍ عَن شمر أنَّهُ سُئِل عَن الحَفْر فِي الأسْنان، فَقَالَ: هُوَ أَن يَحْفِرَ القَلَحُ أُصُولَ الْأَسْنَان بَيْنَ اللثة وأَصْلِ السنّ من ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ يُلِحُّ على العَظْمِ حَتَّى يَتَقَشَّر العظْمُ إِن لم يُدْرَكْ سَرِيعا، يُقَال أَخَذَ فِيه حَفْرٌ وحَفَرَةٌ. أَبُو عبيد: عَن الْكسَائي قَالَ: الحفْر بتسكين وَقد حفر فُوَه يحفِر حَفْراً.
وَقَالَ اللَّيْث الحِفْرَاةُ نباتٌ من نباتِ الرَّبِيع، قَالَ ونَاسٌ من أَهْلِ اليمنِ يُسَمُّون الْخَشَبَةَ ذاتَ الأصَابِع الَّتِي يُذُرَّى الكُدْس المَدُوسُ وَيُنَقَّى بهَا البُرُّ مِن التبْن بِحفْرَاةَ.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: أحفَرَ الرجلُ إِذا رَعَى إِبِلَه الحِفْرَى، وَهُوَ نَبْتٌ، قلتُ وَهُو مِن أَرْدَإِ المَرَاعي، قَالَ: وَأحفَرَ إِذَا عَمِل بالحِفْرَاةِ وَهِي الرَّقْش الَّذِي تُذَرَّى بِهِ الحنطةُ، وَهِي الْخَشَبَةُ المُصْمَتَة الرأسِ، فَأَما المُفَرَّجُ فَهُوَ العَضْمُ بالضَّاد والمِعْزَقَةُ، قَالَ: والمِعْزَقَةُ فِي غير هَذَا: المَرُّ، قَال والرقْشُ فِي غير هَذَا: الأكلُ الكثيرُ.
وَقَالَ أَبُو حاتمٍ: يُقَال حَافَرَ اليربوعُ مُحَافرةً، وَفُلَان أَرْوَغُ من يَرْبُوعٍ: مُحَافِرٍ، وَذَلِكَ أَن يَحْفِر فِي لُغزٍ من ألْغَازِه فيذهبَ سُفْلاً ويحفِرَ الإنسانُ حَتَّى يُعْيَى فَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ ويُشَبَّه عَلَيْهِ الجُحْرُ فَلَا يعرفهُ من غَيره

(5/14)


فيَدَعَهُ، وَإِذا فعل اليَرْبُوعُ ذَلِك قِيلَ لمن يَطْلُبُه دَعْه لَقَدْ حَافَر فَلَا يقدرُ عَلَيْهِ أحدٌ وَقَالَ: إِنَّه إِذا حَافَرَ أَبَى أنْ يَحْفِر الترابَ وَلَا يَنْبِثُه وَلَا يُدْرَى وجْهُ جُحْره، يُقَال قد حثا فترى الجُحْرَ مملوءًا تُراباً مستَوِياً مَعَ مَا سِواهُ إِذا حَثَا، ويُسَمَّى ذَلِك الحَاثِيَاءَ، ممدودٌ، يُقَال مَا أَشد اشْتِبَاه حَاثِيَائِه. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْل: رَجُلٌ مُحَافِرٌ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَأنْشد:
مُحَافِرُ الْعَيْش أَبى جِوَارِي
لَيْسَ لَهُ مِمَّا أفاءَ الشَّاري
غيرُ مُدَىً وبُرْمَةٍ أعشارِ
أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإرْبَاع والقُرُوحِ وَأَفَرَّتِ الإِبلُ للاثناء إِذا ذهبت رَوَاضِعُها وطَلَع غَيْرُها. وَقَالَ فِي كتاب (الخيْلِ) يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ إحْفاراً فَهُوَ مُحْفِر، قَالَ وإِحْفَارُهُ أَن يَتَحَرَّك الثَّنِيَّتان السُفْلَيَان والعُلْيَيَان من رَوَاضِعِه، فَإِذا تحرَّكْنَ قَالُوا قَدْ أَحْفَرَت ثَنَايَا رَوَاضِعِه فسَقَطْن. قَالَ وأولُ مَا يُحْفِرْنَ فِيمَا بَين ثَلَاثِينَ شهرا أدْنَى ذَلِك إِلَى ثلاثةِ أعْوَامٍ، ثمَّ يسقُطْن فَيَقَع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاء، ثمَّ يُبدىء فَيخرج لَهُ ثَنِيَّتَان سُفْلَيَان وثَنِيَّتَانِ عُلْيَيَانِ مَكَانَ ثَنَايَاه الرَّواضِعِ الَّتِي سَقَطْنَ بعد ثلاثةِ أَعْوَام فَهُوَ مُبْدِىءٌ قَالَ ثمَّ يُثَني فَلَا يزَال ثَنِيّاً حَتَّى يُحْفِرَ إحْفَاراً، وإحفارُهُ أَن تُحَركَ لَهُ الرَّبَاعِيَّتَانِ السفْلَيَان والرَّبَاعيتان العُلْيَيَان من رَوَاضِعه وَإِذا تَحَرَّكْن قيل قد أَحْفَرت رُبَاعِيَاتُ رواضعه فيسقُطْنَ، وَأول مَا يُحْفِرْن فِي اسْتِيفَائه أربعةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاءِ، ثمَّ لَا يزَال رَبَاعِياً حَتَّى يُحفر لِلْقُروحِ وَهُوَ أَن يَتَحَرَّك قَارِحَاه، وَذَلِكَ إِذا استَوْفَى خَمْسَةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهِ اسْمُ الإبْدَاءِ، عَلَى مَا وَصَفْنا ثمَّ هُوَ قارح.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا استَتَم المُهْرُ سنتَيْن فَهُوَ جَذَعٌ، ثمَّ إِذا استتم الثالثةَ فَهُوَ ثَنِيٌّ، فَإِذا أثْنَى أَلْقَى رَوَاضِعَه فَيُقَال أثنَى وأَدْرَمَ للأَثناء، ثمَّ هُوَ رَبَاعٍ إِذا استتمّ الرَّابِعَة من السنين يُقَال أَهْضم للإِرْبَاعِ وَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ قارِحٌ وَقد قَرَحَ يَقْرَحُ قُرُوحاً، قلت: وصَوَابُه إِذا استَتَمّ الخامِسَةَ، فَيكون مُوَافقا لقَوْل أبي عُبَيْدَة وكأَنَّهُ سقطَ شَيْءٌ.
وَيُقَال: حَفَرْتَ ثَرَى فُلانٍ إِذا فَتَّشْتَ عَن أمْرِه ووقَفْتَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي حَفَرَ إِذا جَامَع وحَفَرَ إِذا فَسَدَ.
فَرح: قَالَ اللَّيْث رجل مُفْرَحٌ قد أَثْقَلَهُ الدَّيْن، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (وَلَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) قَالَ أَبُو عبيد المُفْرَح: الَّذِي قد أَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَهُ، وَلَا يجِدُ قَضَاءَهُ. قَالَ وأنشدنا أَبُو عُبَيْدَة:
إذَا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تُؤَدي أَمَانَةً
وتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الوَدَائِعُ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ فِي قَوْله: (وَلَا يتْرك فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) هُوَ الَّذِي أثْقَلَ الدَّيْنُ ظَهْرَه، قَالَ: وَمن قَالَ مُفْرَجٌ فَهُوَ الَّذِي أثقله الْعِيَال وَإِن لم يكن مُدَّاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ فَرِحٌ وفَرْحَانٌ وَامْرَأَة فَرِحَةٌ وفَرْحَى، وَيُقَال مَا يسرني بِهِ مَفْروحٌ ومُفْرِحٌ، فاالمَفْرُوح: الشيءُ الَّذِي أَنا أفْرَحُ

(5/15)


بِهِ، والمُفْرِحُ: الشَّيْء الَّذِي يُفْرِحُني. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: مَا يسرني بِهِ مُفْرِحٌ وَلَا يجوز مَفْرُوحٌ، وَهَذَا عِنْده مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ العامَّة.
رفح: قَالَ أَبُو حَاتِم: من قُرُون الْبَقر الأَرْفَحُ وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ قَرْنَاهُ قِبَلَ أُذُنَيْه فِي تَبَاعُدِ مَا بَينهمَا قَالَ والأَرْفَى الَّذِي يَأْتِي أُذُنَاهُ عَلَى قَرْنَيْه.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء ممع والبَاء)
ح ر ب
حَرْب، حبر، ربح، رحب، بَحر، برح: مستعملات.
حَرْب: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحارِبُ: المُشَلح، يُقَال حَرَبَه إِذا أخَذَ مَالَه، وأَحْرَبَه دَلَّه على مَا يَحْرُبُه، وحَرَّبَه إِذا أطْعمهُ الحَرَب وَهُوَ الطَّلْع، وأَحْرَبَهُ: وجده مَحْرُوباً.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَرْب: نقيضُ السَّلْم، تؤنث، وتصغيرها حُرَيْبٌ بِغَيْر هَاء رِوَايَة عَن الْعَرَب وَمثلهَا ذُرَيْع وَقُوَيْسٌ وَفُرَيْسٌ أُنْثَى ونُيَيْبٌ وذُوَيْدٌ تَصْغِير ذَوْدٍ وقُدَيْرٌ تَصْغِير قِدْر وخُلَيْقٌ يُقَال مِلْحَفة خُلَيْق. كل ذَلِك تَأْنِيثٌ يُصَغَّرُ بِغَيْر هَاءٍ. قلت أنَّثُوا الْحَرْب لأَنهم ذَهَبُوا إِلَى المُحَارَبَةِ، وَكَذَلِكَ السلْم والسَّلْم يذهب بهما إِلَى المُسالمة، فتؤنث.
وَقَالَ اللَّيْث رجل مُحَرب: شُجَاعٌ. وَفُلَان حَرْبُ فلانٍ أَي مُحَارِبهُ. ودَارُ الحَرْبِ بِلادُ المُشْرِكين الَّذين لَا صُلْحَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين. وَتقول حَرَّبْتُ فلَانا تَحْرِيباً إِذا حرَّشْتَه تحريشاً بِإِنْسَان فأُولِعَ بِهِ وبعَدَاوته.
وَيُقَال حُرِب فلَان حَرَباً، والحَرَب أَن يُؤْخَذ مَاله كُلُّه، فَهُوَ رجل حَرِبٌ نزل بِهِ الحَرَبُ، وَهُوَ مَحْرُوبٌ حَرِيبٌ. وحَرِيبَةُ الرجلِ: مالُه الَّذِي يعِيش بِهِ. والحَرِيبُ: الَّذِي سُلِبَ حَرِيبَتَه. ابْن شُميل فِي قَوْله (اتَّقوا الدَّيْن فَإِن أَوَّلَه وآخِرَه حَرَبٌ) قَالَ يُبَاع دَارُه وعَقَارُه، وَهُوَ من الحَرِيبَةِ.
محروبٌ: حُرِبَ دِينَه أَي سُلِبَ دِينَه، يَعْنِي قولَه (فَإِن المحْرُوبَ من حُرِبَ دِينَه) وَقَالَ الله {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يَعْنِي الْمعْصِيَة وَقَوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البَقَرَة: 279) يُقَال: هُوَ القَتْلُ أما قَوْلُه جلّ وعَزَّ {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المَائدة: 33) الْآيَة فإنّ أَبَا إسحاقٍ النحويَّ زعم أَن قَول الْعلمَاء أنّ هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْكفَّار خَاصَّة.
ورُوِي فِي التَّفْسِير أَن أَبَا بُرْدَةَ الأسلميَّ كَانَ عاهَدَ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَّ يَعْرِضَ لمن يريدُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وألاّ يمنَعَ مِنْ ذَلِك، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يمْنَعُ من يريدُ أَبَا بُرْدَةَ فمرّ قوم بِأَبِي بُرْدَةَ يُرِيدُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض أصحابُه لَهُم فَقَتَلُوا وأخَذُوا المالَ، فَأنْزل الله جلّ وعزّ على نبيّه، وَأَتَاهُ جبريلُ فَأعلمهُ أنَّ الله يأمُرُه أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ المالَ قَتَله وَصَلَبَهُ، وَمن قَتَل وَلم يَأْخُذِ المالَ قَتَله، وَمن أَخَذَ المالَ وَلم يَقْتُل قطع يَدَه لأَخْذِه المالَ، ورِجْلَهُ لإخَافَتِه السبيلَ.

(5/16)


وَقَالَ الليثُ: شُيُوخ حَرْبى وَالْوَاحد حَرِبٌ شبيهٌ بالكَلْبى والكَلِب. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وشيوخٍ حَرْبى بشطَّيْ أَرِيكٍ
ونِسَاءٍ كأنَّهُنَّ السَّعَالي
قلت وَلم أسمع الحَرْبَى بمَعْنى الكَلْبى إِلَّا هَهُنَا. وَلَعَلَّه شَبَّهَه بالكلبى أَنه على مِثَاله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْبَةُ دون الرُّمْحِ والجميع الحِرَابُ.
وَقَالَ والمِحْرَاب: الغُرْفة وَأنْشد قَول امرىء الْقَيْس:
كغزلان رمل فِي محاريب أَقْوَال.
قَالَ والمِحْرَابُ عِنْد الْعَامَّة اليومَ مَقَامُ الإمامِ فِي المَسْجِد.
وكانَتْ مَحَارِيبُ بني إسْرَائيلَ مَسَاجِدَهُم الَّتِي يَجْتَمعُونَ فِيهَا للصَّلَاة.
قَالَ أَبُو عبيد: المِحْرَابُ: سيّد الْمجَالِس ومُقدَّمُها وأشْرَفُها، وكذلِكَ هُوَ من الْمَسَاجِد. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: المحرابُ: مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهُم.
وَقَالَ الأصمعيّ: الْعَرَب تسمي القَصْرَ محْرَاباً لِشَرفه. وَأنْشد:
أَو دميةٍ صُورَ مِحْرَابُها
أَبُو درة شِيفَتْ إِلَى تَاجر
أَرَادَ بالمحراب الْقصر، وبالدُّمْيَة الصُّورَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: عَن أَبي عَمْرِو بنِ الْعَلَاء دخلتُ مِحْرَاباً من مَحَارِيبِ حِمْيَر فَنَفَخ فِي وَجْهي رِيحُ الْمسك أَرَادَ قَصْرَاً أَو مَا يشبه القصرَ، وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ُِالْخِطَابِ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ} . (ص: 21) قَالَ: الْمِحْرَاب أَرْفَعُ بيتٍ فِي الدَّار، وأَرْفَعُ مَكانٍ فِي المسْجِد. قَالَ والمِحْرَابُ هَهُنَا كالغُرْفة وَأنْشد:
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذا جِئْتُها
لم أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِي سُلَّما
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا يَشَآءُ مِن} (سَبَإ: 13) ذُكِرَ أنَّها صُوَرُ الأنبياءِ والملائكةِ، كَانَت تُصَوَّرُ فِي الْمَسَاجِد ليراها النّاسُ فيزْدَادُوا عبَادَة.
وَقَالَ الزجَّاجُ: هِيَ واحِدَةُ المِحْرابِ الَّذِي يُصَلّى فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عُرْوَةَ بن مسعودٍ إِلَى قومه بِالطَّائِف فَأَتاهُمْ ودَخَل محراباً لَهُ فَأَشْرَف عَلَيْهِم عِنْد الْفجْر، ثمَّ أذَّن للصَّلَاة. وَهَذَا يَدُلُّ على أَنه غرفَة يُرْتَقَى إِلَيْهَا. وَقَالَ اللَّيْث الْمِحْرَاب عنق الدَّابَّة.
ابْن الْأَنْبَارِي عَن أَحْمد بن عبيد: سمي المحرابُ مِحْرَاباً لانفراد الإِمَام فِيهِ وبُعْدِه عَن النَّاس.
وَمِنْه يُقَال فلانٌ حَرْبٌ لفُلَان إِذا كَانَ بَينهمَا تبَاعد ومباغضة واحتجَّ بقوله:
وحارَبَ مرفَقَها دَفُّها
وسامَى بِهِ عُنُقٌ مِسْعَر
أَرَادَ بعد مرفقها من دفها.
وَقَالَ الراجز:
كأنَّهَا لَمَّا سَمَا مِحْرابُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:

(5/17)


وَترى مَجْلِسا يغص بِهِ المح
راب مِلْقوم وَالثيَاب رقاق
أَرَادَ من الْقَوْم. قَالَ: والحِرَباءُ دويبَةٌ على خِلْقة سَام أَبْرَصَ ذاتُ قوائِمَ أَربع، دقيقةُ الرَّأْس، مخطَّطَةُ الظهرِ، تستقبلُ الشمسَ نهارَها. والجميعُ محرابيّ. قَالَ والْحِربَاءُ: رأسُ المِسْمَارِ فِي الْحلقَة فِي الدرْع.
وَقَالَ أبُو عُبَيْد: الحِرْبَاءُ: مساميرُ الدرْع. وَقَالَ لبيد:
كلّ حرباء إِذا أُكْرِهَ صَلّ
قَالَ: وقَالَ أَبُو عَمْرٍ والشَّيبانيُّ: حَرَابِيّ المَتْنِ: لَحْمُ المَتْنِ، قَالَ: وَاحِدُها حِرْبَاءُ؛ شُبه بِحِرْبَاءِ الفَلاَةِ وإِنَاثُ الحرابِي يُقَال لَهَا أُمَّهَاتُ حُبَيْنٍ، الْوَاحِدَة أُمُّ حُبَيْنٍ، وَهِي قَذِرَةٌ لَا تأْكُلُهَا العَرَبُ بتَّة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أرضٌ مُحَرْبِئَةٌ مِنَ الحِرْبَاءِ.
أبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُرْبَة: الجُوَالِقُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الحُرْبة: الوِعَاءُ.
أَبُو عبيد: حَرِب الرجل يحرَبُ حَرَباً إِذا غضب. قَالَ وحَرَّبْتُ عَلَيْهِ غَيْرِي أَي أغْضَبْتُه وَسنَان مُحَرَّبٌ مُذَرَّبٌ إِذا كَانَ مُحَدَّراً مُؤَلَّلاً.
أَبُو عبيد عَن يونُسَ قَالَ: أَحْرَبْتُ الرجل: إِذا دَلَلْتُهُ على مالٍ يُغِيرُ علَيْه.
عمرٌ عَن أَبِيه: الحَرَبَةُ: الطَّلْقَةُ إِذا كَانَت بقِشْرِها، وَيُقَال لِقِشْرِها إِذا نُزِع: القِيقَاءَةُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: المحرابُ: القِبْلَةُ. والمِحْرَابُ الغُرْفَة. والمِحْرَابُ: صَدْرُ المَجْلِسِ والمحراب مَأْوَى الْأسد، يُقَال: دَخَلَ فُلانٌ على الأسَدِ فِي مِحْرَابه وغِيله وعَرِينِه وَرجل مِحْرَبٌ أَي محَارب لِعَدُوه. وَقيل سمي مِحْرابُ الإمامِ مِحْرَاباً لِأَن الإِمَام إِذا قَامَ فِيهِ لم يَأْمَنْ أنْ يَلْحَن أَو يُخْطِىء فَهُوَ خَائِفٌ مَكَانا كَأَنَّهُ مَأْوى الْأسد.
رحب: شمر عَن ابْن شُمَيْل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التّوبَة: 118) أَي على رُحْبِها وسعَتِهَا. وأرضٌ رَحِيبَةٌ: واسِعَةٌ. قَالَ وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الرُّحْبَةُ: مَا اتَّسَع من الأرضِ. وَجَمعهَا رُحَبٌ، مثل قَرْيَة وقُرًى. قلت وَهَذَا يجيءُ شاذّاً فِي بَاب النَّاقِص، فَأَما السَّالِم فَمَا سَمِعت فَعْلَة جُمِعَتْ على فُعَل، وَابْن الْأَعرَابِي ثِقَة لَا يَقُول إِلَّا ماقَدْ سَمعه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّحْبُ والرَّحيبُ: الشيءُ الواسعُ. قَالَ: رَحَبَةُ الْمَسَاجِد سَاحَاتها. ونقول رَحَب يَرْحُبُ رُحْباً ورَحَابةً. ورجلٌ رحيبُ الجوفِ: واسِعُه. وَقَالَ نصر بن سيار: أَرَحُبَكُم الدُّخُول فِي طَاعة الكِرْماني، يَعْنِي أَوَسِعَكُم. وَقَالَ الليثُ: وَهَذِه كلمة شَاذَّةٌ على فَعُلَ مُجَاوِزٍ وفَعُلَ لَا يكون مجاوِزاً أبدا. قلت لَا يجوز رحُبَكُم عِنْد النَّحْوِيين، وَنصر لَيْسَ بحُجَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرْحَبُ حيٌّ أَوْ مَوْضِعٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ النجائبُ الأَرْحَبِيَّةُ. قلت: ويَحْتَمِل أَن يكونَ أَرْحَبُ فَحْلاً نُسِبَتْ إِلَيْهِ النجائِبُ لأنَّها من نَسْلِه. وَقَالَ الليثُ فِي قَول الْعَرَب مَرْحباً، مَعْنَاهُ انْزل فِي الرَّحْب

(5/18)


والسَّعَة فَأَقِمْ فَلَكَ عندنَا ذَلِك. وسُئل الخليلُ عَن نصْب مَرْحَباً: فَقَالَ فِيهِ كَمِينُ الْفِعْل، أَرَادَ بِهِ انْزِل أَوْ أَقِمْ فَنَصَب بِفِعْلٍ مُضْمَر، فَلَمَّا عُرِف مَعْنَاهُ المُرادُ بِه أُمِيتَ الفعلُ. قلت وَقَالَ غيرُه فِي قَوْلِهمْ: مَرْحَباً، أَتَيْت رُحْباً وسَعَةً لَا ضِيقاً. وَكَذَلِكَ قَالَ سَهْلاً، أَرَادَ نَزَلْتَ بَلداً سَهْلاً لَا حَزْناً غليظاً.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَكَ، ومرحباً بك الله ومسْهلاً بكَ الله. وَتقول العَرَبُ: لامرحباً بك أَي لَا رَحُبَتْ عَلَيْك بِلادُك. قَالَ وَهِي من المَصادِرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الدُّعَاءِ للرجُلِ وَعَلِيهِ، نَحْو سَقْياً ورَحْباً وجَدْعاً وعَقْراً؛ يُرِيدُونَ سَقاك الله ورعاك.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلمَة قَالَ سمعتُ الفرّاء يَقُول يُقَال رحُبتْ بلادُك رَحْباً ورَحَابةً ورحِبَتْ رَحَباً ورُحْباً. وَيُقَال أرْحَبَتْ، لُغَةٌ بذلك الْمَعْنى.
وَقَالَ اللَّيْث: الرُّحْبَى على بِنَاء فُعْلى أعْرَضُ ضِلَع فِي الصَّدْر، قَالَ: والرُّحْبَى: سِمَةٌ تَسِمُ بهَا العربُ على جَنْب الْبَعِير.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الرُّحْبَيَانِ مَرْجِعَا المِرْفَقَين، قَالَ والنَّاحِزُ إِنَّمَا يكون فِي الرُّحْبَيَيْن. وَقَالَ غَيره: الرُّحْبى: مَنْبِضُ القلبِ من الدوابّ وَالْإِنْسَان.
وَرَحْبَةُ مالكِ ابْنِ طوقٍ: مدينةٌ أَحْدَثها مالكٌ على شاطيء الْفُرَات. وَرُحَابَةُ: مَوضِع مَعْرُوف.
شمر عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الرّحَابُ فِي الأودية الواحدةُ رَحْبَةٌ، وَهِي مواضعُ متواطئة يسْتَنقِع الماءُ فِيهَا، وَهِي أَسْرَعُ الأرْضِ نباتاً تكون عِنْد مُنْتَهى الوَادِي وَفِي وَسَطِه، وَقد تكون فِي الْمَكَان المُشْرِف ويَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ، وَمَا حولهَا مُشْرِفٌ عَلَيْهَا، وَإِذا كَانَت فِي الأرضِ المستوية نَزَلها النَّاسُ، وَإِذا كَانَت فِي بطن المسيلِ لم يَنزِلْها النَّاس، وَإِذا كَانَت فِي بطن الْوَادي فَهِيَ أُقْنَةٌ تُمْسِكُ المَاء لَيست بالقعيرة جدا وسعتها قَدْرُ غَلْوة، وَالنَّاس ينزِلون نَاحيَة مِنْهَا، وَلَا تكونُ الرحَابُ فِي الرَّمل وتكونُ فِي بطونِ الأَرْض وَفِي ظواهرِها.
وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال للصحراء بَين أفْنيَةِ الْقَوْم وَالْمَسْجِد رَحْبَةٌ. ورَحَبَةٌ اسمٌ وَرَحْبَةٌ نعت. يُقَال بِلَاد رَحْبَةٌ، وَلَا يُقَال رَحَبة. قلت ذهب الفرَّاء إِلَى أَنه يُقَال بلد رَحْبٌ وبلاد رَحْبَةٌ، كَمَا يُقَال بلد سَهْلٌ وبلاد سَهْلَةٌ.
برح: قَالَ اللَّيْث بَرِحَ الرجلُ يَبْرَحُ بَرَاحاً: إِذا رَام مِنْ مَوْضِعه وَيُقَال مَا بَرِحْتُ أَفْعَلُ كَذَا، بِمَعْنى مَا زِلْتُ. وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} (طاه: 91) أَي لن نزال.
وَقَول الْعَرَب: بَرِحَ الْخَفَاءُ، قَالَ بعضُهم مَعْنَاه زَالَ الخفاءُ، وَقيل مَعْنَى بَرِحَ الخفاءُ أَي ظهر مَا كَانَ خافياً وانكشف، مأخوذٌ من بَرَاح الأَرْض وَهُوَ الظَّاهِر البارز. وَقَالَ اللَّيْثُ: البَرَاحُ: البَيَان، يُقَال جَاءَ بالْكفْر بَرَاحاً وَيجوز أَن يكون قَوْلهم بَرِح الخَفَاءُ أَي ظهر مَا كنتُ أُخْفِي.

(5/19)


والبَارِح من الظبَاءِ والطيرِ خلافُ السَّانح وَقد مَرّ تَفْسِيرهَا فِي بَاب (سنح) من هَذَا الْكتاب.
وَقَالَ الدينَوَرِي: البَيّرُوخُ: هُوَ اللُّقَّاحُ الأصْفُرُ مثل الباذنجان طيّبُ الرَّائِحَة وَيدخل فِي الأدْوية، وَيُسمى المغْدَ أَيْضا. قَالَ واللُّقَّاحُ أَيْضا ضربٌ من الفِرْسِك أجرَدُ فِيهِ حُمْرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البارحُ من الرِّيَاح: الَّتِي تَحْمِلُ التُّرَابَ فِي شِدّة الهُبوب.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: البَوَارحُ الشَّمْأَلُ فِي الصيفِ خَاصَّة. قلت وكلامُ الْعَرَب الَّذين شاهَدْتُهم على مَا قالَ أَبُو زيد. وَقَالَ ابْن كُنَاسةَ: كلّ ريحٍ تكون فِي نُجُوم القيْظِ فَهِيَ عِنْد العربِ بَوَارِحُ، قَالَ وأكثرُ مَا تَهُبُّ بنجومِ الْمِيزَان، وَهِي السَمَائِم، وَقَالَ ذُو الرمة:
لاَ بَلْ هُوَ الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَهَا
مَرّاً سحابٌ ومَرّاً بَارِحُ تَرِبُ
فنسبها إِلَى التُّراب لِأَنَّهَا قَيْظِيَّة لارِبْعِيَّة، ورياح الصَّيف كلُّها تَرِبَةٌ.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال للمحموم الشديدِ الحُمَّى: أصَابَتْه البُرَحَاءُ، وَيُقَال بَرَّحَ بِنَا فُلانٌ تَبْرِيحاً فَهُوَ مُبَرحٌ، وَأَنا مبرَّح: إِذْ آذَاك بإلحَاحِ المَشَقّة، وَالِاسْم التَّبْرِيحُ والبُرْحُ. وَأنْشد:
لنا والهوى بَرْحٌ على مَنْ يغَالِبُه
والتباريح: كُلَفُ الْمَعيشَة فِي مشَقَّة. وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرحاً، وَلَا تقل مُبَرَّحاً. وَيُقَال هَذَا الأمرُ أَبْرَحُ عَلَيَّ من ذَلِك الأمرِ أَي أَشَقُّ وأَشَدُّ. وَأنْشد لذِي الرمة:
أَنِيناً وشَكْوَى بالنَّهَارِ كثيرةٌ
عَلَيَّ وَمَا يَأْتِي بِهِ الليلُ أبْرَحُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا تمدَّد المحموم لِلْحُمَّى فَذَلِك المُطَوَاءُ فَإِذا تثاءب عَلَيْهَا فَهِيَ الثُّؤَبَاءُ، فَإِذا عرق عَلَيْهَا فَهِيَ الرُّحَضَاء، فَإِن اشتدت الْحمى فَهِيَ البُرحَاءُ، والبرحاء: الشدَّة والمشقَّةُ. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ الْكسَائي لقِيت مِنْهُ البِرَحينَ والبُرَحينَ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمَةَ عَن الفرَّاءِ: لَقِيتُ مِنْهُ بَنَاتِ بَرْحٍ وَبني بَرْحٍ، كلُّ ذَلِك مَعْنَاهُ الدَّاهيةُ والشدّة. وَقَالَ غَيره يُقَال: لقِيت مِنْهُ بَرْحاً بَارِحاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ويَرْحَى لَهُ ومَرْحَى إِذا تعجَّب مِنه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَبْرَحْتَ ربّاً وأَبْرَحْتَ جارا
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ أَعْظَمْتَ ربّاً، وقالَ آخَرُونَ أَعْجَبْتِ رَبّاً، وَيُقَال أُكْرِمْتَ مِن رَب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَبْرَحْتَ: بَالَغْتَ، لُؤْماً وأَبْرَحْتَ كَرَماً أَي جئتَ بأَمْرٍ مُفْرِط. وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: قَالُوا للمرأةِ: أبرحْتِ عائِذاً وأَبْرَحَتِ العائِذُ: إِذا تَعَجَّبَ من جمَالها، وَهِي والدٌ ذاتُ صَبِي وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بُرْحةُ كل شَيْء خِيَاره، وَيُقَال للبعير هُوَ بُرْحَةُ من البُرَح يُرِيد أَنَّهُ من خِيَار الْإِبِل. قَالَ: وأبْرَحَ فلانٌ رَجُلاً إِذا فَضَله، وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء تُفضّله. قَالَ وَقَالَ العُذري: بَرَّح الله عَنهُ، أَي فرَّج الله عَنهُ، قَالَ: وَإِذا غضب الإنسانُ على صَاحبه قيل: مَا أشدَّ مَا بَرِح عَلَيْهِ،

(5/20)


وَالْعرب تَقول فعلنَا الْبَارِحةَ كَذَا وَكَذَا، للَّيْلَةِ الَّتِي مَضَتْ يُقَال ذَاك بعد زَوَال الشَّمْس. وَيَقُولُونَ قَبْلَ الزَّوال فعلنَا الليلةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَول ذِي الرمة:
تَبَلَّغ بَارِحّي كَرَاهُ فِيهِ
قَالَ بَعضهم: أَرَادَ النومَ الَّذِي شقّ عَلَيْهِ أمرُه لامتناعه مِنْهُ وَيُقَال أَرَادَ نوم اللَّيْلَة البارِحة. والعربُ تقولُ مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبارحةِ، أَي مَا أَشْبَهَ الليلةَ الَّتِي نَحن فِيهَا بالليلةِ الأولى الَّتِي قد بَرِحت أَوْ زَالت وَمَضَت. وَيُقَال للشَّمْس إِذا غَرَبت: دَلَكَت بَرَاحِ يَا هَذَا، على فَعَالِ، الْمَعْنى أَنَّها زَالَت وبَرِحَت حِين غَرَبَت. وبَرَاحِ بِمَعْنى بَارِحةٍ، كَمَا قَالُوا لكلْبِ الصيْد كَسَابِ بِمَعْنى كاسِبَةٍ، وَكَذَلِكَ حَذَامِ بِمَعْنى حَاذِمَةٍ. وَمن قَالَ دَلَكَت الشمسُ بِرَاحِ، فَالْمَعْنى أَنَّهَا كَادَت تَغْرُب وَقد وضع يَده على حَاجِبه ينظر زَوَالهَا أَوغروبَها، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي دلَكت بِرَاحِ أَي اسْتُريح مِنْهَا. وَأنْشد الْفراء:
هَذَا مُقام قَدَمَيْ رَبَاحِ
ذبَّبَ حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ
يَعْنِي الشمسَ. قَالَ شمر قَالَ ابْن أبي ظَبْيَة الْعَنْبَري:
بُكْرةً حَتَّى دلكت براح
أَي بعشيَ رائحٍ فأسقط الْيَاء مثل جرف هار وهائِر. وَقَالَ المفضّل دلكت بَراحِ وبَراحُ بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا. وَقَالَ أَبُو زيد دلكت براحٍ مجرورٌ منونٌ ودلكت براحُ مضموم غير منون.
حَدثنَا الْكُوفِي حَدثنَا الْحلْوانِي حَدثنَا عفانُ عَن حمادٍ بن سَلمَة عَن حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْنَا للحسَن مَا قَوْله ضربا غير مبرح؟ قَالَ: غير مُؤثر. وَهُوَ قولُ الْفراء. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: دَلَكَت بَراحِ أَي استُريح مِنْهَا. وروى شمر فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التَّوْلِيهِ والتبْريح، قَالَ التَّبْرِيحُ قَتْلُ السوءِ، جَاءَ التفسيرُ مُتَّصِلاً بِالْحَدِيثِ. قَالَ شمر ذكر ابْن الْمُبَارك هَذَا الحَدِيث مَعَ مَا ذُكِرَ من كراهةِ إلْقاءِ السَّمكة إِذا كَانَت حَيَّة على النارِ. وَقَالَ: أما الأكلُ فَتُؤْكلُ وَلَا يُعْجِبُني قَالَ: وَذكر بعضُهم أَن إلقاءَ القَمْل فِي النارِ مثلُه. قلت: وَرَأَيْت العربَ يملأون الوِعاء من الجَرادِ وَهِي تهتمش فِيهِ، ويحتفرون حُفْرَة فِي الرَّمل ويوقدون فِيهَا، ثمَّ يَكُبُّون الجَرادَ من الوعاءِ فِيهَا ويُهيلون عَلَيْهَا الإرَّة حَتَّى تَمُوت، ثمَّ يستخرجونَها ويشررُونها فِي الشَّمْس فَإِذا يَبِسَتْ أكلوها.
ربح: قَالَ اللَّيْث رَبِحَ فلانٌ وأَرْبَحْتُهُ، وَهَذَا بيع مُرْبِحٌ إِذا كَانَ يُرْبَحُ فِيهِ وَالْعرب تَقول رَبِحَتْ تجارتُه إِذا ربح صاحبُها فِيهَا. قَالَ الله: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ} (البَقَرَة: 16) . وَيُقَال أَعْطَيْتُه المَال مُرَابَحَةً على أنَّ الربحَ بيني وَبَينه، هَذَا قَول اللَّيْث. وَقَالَ غيرُه: بِعْتُه السلْعَةَ مُرَابَحَةً على كل عشرةِ دارهمَ دِرْهَمٌ، وَكَذَلِكَ اشتَرَيْتُهُ مُرَابَحةً، وَلَا بدّ من تَسْمِيَةِ الرِّبْح.
وَقَالَ الليْثُ رُبَّاحٌ اسْم القِرْد، قَالَ: وضَرْبٌ من التَّمْر يُقَال لَهُ زُبُّ رُبَّاح. وَأنْشد شمر للبعيث:

(5/21)


شآمية زرْق الْعُيُون كَأَنَّهَا
رَبَابِيحُ تَنْزُو أَوْفُرار مُزَلّم
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرُّبَّاحُ: القرد فِي بَاب فُعَّال. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هُوَ الرُّبَّاح للقرد، وَهُوَ الهَوْبَرُ والحَوْدَلُ. وَقَالَ خَالِد بنُ جنبه: الرُّبَّاح الفَصِيلُ والحاشيةُ الصغيرُ الضَّاوي. وَأنْشد:
حطّت بِهِ الدَّلْوُ إِلَى قَعْر الطَّوَى
كأنَّما حطَّت بِرُبَّاح ثَنِيّ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم كَيفَ يكون فصيلاً صَغِيرا وَقد جعله ثَنِيّاً، والثَّنِيُّ ابْن خمس سِنِين، وَأنْشد شمر لخداش بن زُهَيْر:
وَمَسَبُّكُم سُفْيَان ثمَّ تُرِكْتُم
تَتَنَتَّجُون تَنَتُّجَ الرُّبَّاح
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لخفاف بن ندبة:
قَرَوْا أَضْيَافَهُمْ رَبَحاً بِبُجَ
يَجِيء بفضْلِهن المسّ سُمْر
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَحُ والربحُ مثل البَدَلِ والبِدْلُ. وَقد رَبِحَ يَربَحُ رِبْحَاً ورَبَحاً. قَالَ والبجُّ قِداح الميْسر. قَالَ وَيُقَال الرَّبَح. الفصيل، وَجمعه رِبَاحٌ مثل جمَل وجمال، وَيُقَال الرَّبَحُ الفِصَالُ، وَاحِدهَا رَابح. يَقُول أعوزَهُم الكبارُ فتقامَروا على الفِصَالِ. قَالَ: وَيُقَال أَرْبَحَ الرجل إِذا نحر لضِيفَانه الرَّبَحَ، وَهِي الفُصْلان الصغارُ.
يُقَال رَابحٌ ورَبَحٌ مثل حَارِسٍ وحَرَسٍ. وَقَالَ شمر: الرَّبَحُ: الشحْمُ: قَالَ وَمن رَوَاهُ رُبَحاً فَهُوَ ولد النَّاقة وَأنْشد:
قد هَدِلت أفْواهُ ذِي الرُّبُوح
وَأما قَول الْأَعْشَى:
مِثْلَمَا مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَح
فقد قيل إنّه أَرَادَ الرُّبَع، فأبدل الْحَاء من الْعين.
حبر: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يخرج رجلٌ من النَّار قد ذهب حِبْرُه وسِبْرُه) قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: حِبْرُه وسِبْرُه هُوَ الجمالُ والبَهاءُ. يُقَال فلَان حَسَن الحِبْرِ والسبْرِ. وَقَالَ ابنُ أَحمر وذَكَر زَمَاناً:
لَبِسْنَا حِبْرَهُ حَتَّى اقْتُضِينَا
لأجيال وأعمال قُضِينَا
أَي لبسنا جماله وهيبته وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ غَيره: فلَان حَسَنُ الحَبْرِ والسَّبْر إِذا كَانَ جميلاً حسَن الهَيْئة بِالْفَتْح. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ عِنْدِي بالحَبْر أشبهُ، لِأَنَّهُ مصدر حَبَرْتُه حَبْراً إِذا حسَّنْتَه. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ يُقَال للطُّفَيْلِ الغَنَوِي: مُحَبر، فِي الجاهليّة، لِأَنَّهُ كَانَ يُحَسن الشّعْر. قَالَ وَهُوَ مأخُوذ من التحبير وحُسْنِ الْخط والمنطِق. شمر عَن ابْن الأعرابيّ: هُوَ الحِبْر والسبْر بِالْكَسْرِ. قَالَ وأخبرَني أَبُو زيادٍ الكلابيُّ أَنه قَالَ: وقفت على رَجُلٍ من أهل الْبَادِيَة بعد مُنْصَرَفي منَ الْعرَاق، فَقَالَ: أمّا اللِّسَان فَبدَويٌّ، وَأما السبْرُ فحضريٌّ. قَالَ: والسبْرُ: الزيُّ والهيئةُ. قَالَ: وَقَالَت بدوية: أعجبَنَا سِبْرُ فلانٍ أَي حُسْنُ حَالِه وخصْبُهُ فِي بدنه، وَقَالَت: رَأَيْته سييءَ السبْر إِذا كَانَ شاحباً مضروراً فِي بدنه فَجعلت السبْرَ بمعنيين.

(5/22)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَبَارُ والحِبَرُ أَثَرُ الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَبَارُ أَثَرُ الشَّيْء وَأنْشد:
لَا تملأ الدَّلوَ وعرقْ فِيهَا
أَلا ترَى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها
قَالَ أَبُو عبيد: وأمَّا الأحْبَارُ والرُّهبان فالفُقَهاءُ قد اخْتلفُوا فِيهِ فبعضهم يَقُول: حَبْرٌ وَبَعْضهمْ: حِبْرٌ. قَالَ، وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا هُوَ حِبْر. يُقَال ذَلِك للعالِم. وَإِنَّمَا قيل كَعْب الحِبْر لمَكَان هَذَا الحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ؛ وَذَلِكَ أَنه كَانَ صاحِبَ كُتُبٍ. قَالَ وَقَالَ الأصمعيُّ: لَا أَدْرِي أهوَ الحِبْرُ أَو الحَبْرُ للرجل العالمِ. وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَقُول: وَاحِدُ الأحْبَار حَبْرٌ لَا غيرُ، وينكر الْحِبرَ. وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ عَن الحرّانِيّ عَن ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: حَبْرٌ وحِبْرٌ للعالمِ. وَمثله بَزْر وبِزْرٌ وسَجْف وسِجْفٌ. وَقَالَ ابْن السّكيت: ذهب حِبْرُه وسِبْرُه أَي هيْئَتُهُ وسَحْناؤه. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: رجل حَسَنُ الْحِبْرِ والسبر: أَي حسن الْبشرَة. وروى عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الْحِبْرُ من النَّاس: الداهيةُ وَكَذَلِكَ النبْرُ. وَرجل حِبْرٌ نِبْرٌ. وَقَالَ الشَّمَّاخ:
كَمَا خَطّ عِبْرَانِيَّةً بِيَمِينهِ
بِتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثمَّ عَرَّض أَسْطُرَا
رَوَاهُ الرُّواة بِالْفَتْح لَا غيرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ حِبْر وَحَبْرٌ لِلْعالِم ذِميَّاً كَانَ أَو مُسلماً، بعد أَن يكون من أهل الْكتاب. قَالَ: وَكَذَلِكَ الحِبْر والحَبْر فِي الجمَال والبَهاء. قَالَ والتحبيرُ: حسن الخطّ.
وَأنْشد الفراءُ فِيمَا روى سَلمَة عَنهُ:
كتحبير الكتابِ بخَط يَوْماً
يهودِيَ يُقَارِبُ أَو يَزِيل
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَّرْتُ الشعرَ والكلامَ، وحَبَرْته: حسَّنْتُه.
وقَالَ ابنُ السّكيت فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} (الرّوم: 15) يُسَرُّون. قَالَ: والحَبْر: السُّرورُ. وَأنْشد:
الْحَمد لله الَّذِي أعْطى الحَبَرْ
وَقَالَ الزجّاج {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} أَي يُكْرَمُون إكْراماً يُبَالَغُ فِيهِ. قَالَ: والحَبْرَةُ الْمُبَالغَة فِيمَا وُصِفَ بجميلٍ.
وَقَالَ الليثُ: يحبرون يُنَعَّمون. قَالَ: والحَبْرَةُ النِّعْمَة. وَقد حُبِرَ الرجلُ حَبْرَةً وحَبَراً فَهُوَ محبور.
وَقَالَ المزار الْعَدوي:
قد لَبِسْتُ الدَّهر منْ أَفْنَانِه
كُلَّ فَنَ ناعمٍ مِنْهُ حَبِر
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} قَالَ: السَّمَاعُ فِي الْجنَّة. والْحَبْرَةُ فِي اللُّغة النعْمَةُ التَّامَّة.
وَقَالَ شمر: الحَبَرُ صُفْرَةٌ تَرْكَبُ الإنسانَ وَهِي الحِبْرَةُ أَيْضا. وَأنْشد:
تجلو بأخْضَر من نَعْمَانَ ذَا أُشُرٍ
كعارض البرْقِ لم يستشرب لِحَبَرا
ونَحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث فِي الحبر. وَقَالَ شَمِر: أَوله الحِبَر، وَهُوَ صُفْرَةٌ، فَإِذا اخضرّ فَهُوَ قَلَحٌ، فَإِذا ألحّ على اللثة حَتَّى تظهرَ الأسْنَاخُ فَهُوَ الحَفَر والحَفْرُ.

(5/23)


وَقَالَ اللَّيْث: برودُ حِبَرَةٍ ضرب من البُرُود اليمانية.
يُقَال بُرْدُ حبرَة وبُرُودُ حِبَرَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ حِبَرَةُ موضعا أَو شَيْئا مَعْلُوما. إِنَّمَا هُوَ وَشْيٌ كَقَوْلِك ثوبُ قِرْمِزٍ، والقِرْمِزُ صِبْغَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحبيرُ من السَّحَاب مَا يُرَى فِيهِ التَّنْميرُ من كَثْرَة المَاء.
قَالَ: والحبير من زَبَدِ اللُّغام إِذا صَار على رَأس الْبَعِير. قلت صحّف الليثُ هَذَا الحرفَ وَصَوَابه الْخَبِير بِالْخَاءِ لزَبَد أفْواهِ الْإِبِل هَكَذَا قَالَ أَبُو عبيدٍ فِيمَا رَوَاهُ الْإِيَادِي لنا عَن شمر، عَن أبي عُبيد.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْحسن الصَّيْدَاوِيُّ عَن الرياشي. قَالَ: الْخَبِير الزَّبَدُ بِالْخَاءِ وَأما الحَبيرُ بِمَعْنى السَّحَاب فَلَا أعرفهُ وَإِن كَانَ أَخذه من قَول الْهُذلِيّ:
تَغَذَّمْنَ فِي جانبيه الحَبيرَ
لَمَّا وهَى مُزْنُهُ واستُبِيحا
فَهُوَ بِالْخَاءِ أَيْضا وسنقف عَلَيْهِ فِي كتاب الْخَاء مُشْبَعاً إِن شَاءَ الله.
وروَى شَمِر عَن أبي عَمْرو قَالَ: المحْبَارُ الأَرْض السريعةُ الْكلأ.
وَقَالَ عنترةُ الطَّائِي:
لنا جِبَالٌ وَحمى مِحْبَارُ
وطُرُق يُبْنَى بهَا المَنَار
وَيُقَال للمِحْبَارِ من الأَرْض حَبِرٌ أَيْضا وَقَالَ:
لَيْسَ بِمِعْشَابِ اللوى وَلَا حَبِر
وَلَا بعيدٍ من أَذًى وَلَا قَذَر
قَالَ، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المِحْبَارُ الأرضُ السريعةُ النَّبَاتِ السهلةُ الدفِيئَةُ الَّتِي ببطون الأَرْض وسَرَارَتِها وأَرَاضتها فَتلك المحابير. وَقد حَبِرَت الأرضُ وأَحْبَرَتْ. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خطب خديجَةَ وأجابَتْهُ اسْتَأْذَنت أَبَاهَا فِي أَن تَتَزَوَّجَهُ وَهُوَ ثَمِلٌ فَأذن لَهَا فِي ذَلِك، وَقَالَ: هُوَ الْفَحْل لَا يُقْرَعُ أَنْفُه فنَحَرتْ بَعِيرًا، وخلَّقت أَبَاهَا بالعبِير، وكسَتْه بُرْداً أحمرَ، فلمّا صَحا من سُكُرِه قَالَ: مَا هَذَا الحبِيرُ وَهَذَا العقير وَهَذَا العبير؟ أَرَادَ بالحبيرِ البُرْدَ الَّذِي كستْهُ، وبالعبير الخَلُوقَ الَّذِي خلّقته، وَأَرَادَ بالعقيرِ البعيرَ المنحورَ، وَكَانَ عُقر سَاقه.
والحُبَارَى ذكرهَا الحَرَبُ، وَتجمع حُبارَيَات. وللعرب فِيهَا أَمْثَال جمّة، مِنْهَا قولُهم أَذْرَقُ من حُبَارى، وأَسْلَحُ من حُبارَى، لأنَّها ترمي الصَّقْر بسَلْحِها إِذا أَرَاغها ليصيدَها فتلوث ريشه بِلَثَق سَلْحِها. وَيُقَال إنّ ذَلِك يشْتَد على الصَّقْر لمَنعه إيّاه من الطيران، وَمن أَمْثَالِهم فِي الحُبَارى: أَمْوَقُ من الحُبَارى، وَذَلِكَ أَنّها تعلّم وَلَدهَا الطيرانَ قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحه، فتطير مُعَارِضَةً لفَرْخِها ليتعلّم مِنْهَا الطيران، وَمِنْه المثلُ السائِر للْعَرَب (كل شَيْء يحبُّ وَلَده حَتَّى الحُبَارى وتَدِفُّ عَنَدَهُ) وَمعنى قولِهم (تَدِفُّ عَنَدَه) أَي تطير عَنَدَه أَي تُعَارضه بالطَّيران وَلَا طيران لَهُ لضعف حِفَافَيه وقَوَادِمه. وَقَالَ الأصمعيُّ: فلَان يعانِدُ فلَانا أَي يفعل فعله ويباريه. وَمن أمثالِهم فِي الحُبارى قَوْلهم: (فلَان ميت كَمَدَ

(5/24)


الحُبارى) وَذَلِكَ أَنَّهَا تُحَسر مَعَ الطير أَيَّام التَّحْسِير أَي تُلقي الريش ثُمَّ يُبْطِىءُ نباتُ رِيشها فَإِذا سَار سائِرُ الطير عجزت عَن الطيران، فتموت كَمَداً، وَمِنْه قَول أبي الْأسود الدؤَلِي:
يزيدٌ ميّتٌ كَمَدَ الحُبارى
إِذا ظَعَنَتْ أُمَيَّةُ أَو يُلِمُّ
أَي يَمُوت أَو يقْرُب من الموتِ.
والحبَابِيرُ فِراخُ الحُبَارى، واحدتُها حُبُّورة جَاءَ فِي شعر كَعْب بن زُهَيْر وَقيل اليَحْبُور ذَكَرُ الحُبَارى وَقَالَ:
كأنّكُمُ ريش يَحْبُورَةٍ
قليلُ الغناءِ عَن المُرْتَمى
قلت: والحُبَارَى لَا تشربُ المَاء، وتبيضُ فِي الرمال النائِية، وكنَّا إِذا ظَعَنَّا نُسيرُ فِي حِبَالِ الدَّهْنَاء، فَرُبمَا التَقَطْنَا فِي يَوْم وَاحِدٍ من بَيْضِها مَا بَين الأَرْبعة إِلَى الثَّمَانِية، وَهِي تبيض أَرْبَعَ بَيْضَاتٍ، وَيضْرِبُ لَوْنُها إِلَى الوُرْقَةِ وطَعْمُها أَلَذُّ من طَعْمِ بَيْضِ الدَّجاج وبَيْضِ النَّعَامِ، والنعامُ أَيْضا لَا تردُ الماءَ وَلَا تشربهُ إِذا وجدته.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: اليَحْبُور: الناعمُ من الرِّجَال. ونَحْوَ ذَلِك قَالَ شَمِرُ. وَجمعه اليَحابير مَأْخُوذ من الحَبَرَة وَهِي النعْمة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا أَغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً، وَهُوَ الشيءُ اليسيرُ من كل شَيْء، وَقَالَ شمر: ماأغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً: أَي شَيْئا. وَقَالَ ابنُ أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
أَمَانيُّ لَا يُغنين عَنْهَا حَبَرْبَراً
وَقَالَ اللَّيْث: يُقالُ مَا عَلَى رَأسه حَبَرْبَرَةٌ: أَي مَا على رَأسه شَعْرَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ: الجملُ الصَّغِير. وَقَالَ شمر: رجل مُحَبَّر إِذا أكل البراغيثُ جِلْدَه فَصَارَ لَهَا أَثَرٌ فِي جِلْدِه. وَيُقَال للآنية الَّتِي يَجْعَل فِيهَا الحِبْرُ من خَزَفٍ كانَ أَو من قَوَارِيرَ مَحْبُرة ومحبَرة، كَمَا يُقَال مَزْرُعة، ومَزْرَعة، ومَقْبُرَة ومَقْبَرَة ومخبُزَة ومخبَزَة. وحِبِرٌّ موضعٌ معروفٌ فِي الْبَادِيَة. وَأنْشد شمر عجز بَيت: فَقَفَا حِبرّ.
بَحر: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبْحَرَ الرجلُ إِذا أَخذه السُّلُّ. وأبْحَرَ الرجلُ إِذا اشتدَّتْ حُمْرَةُ أَنْفِه. وأَبْحَرَ إِذا صادفَ إنْسَانا على غير اعْتِمَاد وَقصد لرُؤْيَته.
وَهُوَ من قَوْلهم لَقيته صَحْرة بَحْرَةً وَقَالَ اللَّيثُ: سُمي البحرُ بَحْراً لاستبْحاره، وَهُوَ انْبِسَاطُه وسَعَتُه. وَيُقَال استبْحَرَ فلانٌ فِي الْعلم. وتَبَحَّرَ الرَّاعِي فِي رَعْي كثيرٍ، وتَبَحَّر فلانٌ فِي الْعلم، وتبحّر فِي المَال، إِذا كثُرَ مَالُه، وَقَالَ غَيره: سمي البَحْرُ بَحْراً لِأَنَّهُ شَقَّ فِي الأَرْض شَقَّاً، وجَعَلَ ذَلِك الشَّقُّ لمائه قَراراً، والبحرُ فِي كَلَام الْعَرَب الشَّقَ، وَمِنْه قيل للنَّاقَةِ الَّتِي كَانُوا يَشُقّون فِي أذنها شَقّاً: بَحِيرَةٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ} (المَائدة: 103) أثْبَتُ مَا رَوَيْنا عَن أهل اللُّغَة فِي البَحِيرَةِ أَنَّهَا النّاقة كَانَت إِذا نُتِجَتْ خمسةَ أَبْطُنٍ فَكَانَ آخرُها ذكرا بَحَرُوا أُذُنَها أَي شقوها، وأعْفَوْا ظهرَها من الرُّكوب والحَمْلِ والذَّبْح وَلَا تُحَلأُ عَنْ مَاءٍ تَرِدُه

(5/25)


وَلَا تُمْنَع من مَرْعى، وَإِذا لقيها المُعْيِى المنقطَعُ بِه لم يركبْها. وَجَاء فِي الحَدِيث أَن أول من بَحَّرَ البحائر وحَمَى الحَامِي وغيَّر دينَ إِسْمَاعِيل عَمْرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة بن خِنْدِفٍ.
وَقيل: البحيرةُ الشَّاة إِذا وَلَدتْ خمسةَ أَبْطُن فَكَانَ آخرُها ذكرا بحروا أُذنها أَي شقُّوها وتُركت فَلَا يَمَسُّها أحد. قلت: والقولُ هُوَ الأوَّل لما جَاءَ فِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص الجشميّ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أَرَبُّ إبِلٍ أَنْتَ أَمْ رَبُّ غَنَمٍ؟ فَقَالَ: منْ كُلَ قد آتَانِي الله فأَكثَرَ. فَقَالَ لَهُ: هَل تُنْتَجُ إبِلُك وافيةً أَذُنُها فَتَشُقّ فِيهَا وَتقول بُحُر؟) يُرِيد جمعَ البَحِيرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البحيرةُ: الناقةُ إِذا نُتِجَتْ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ لم تُرْكَبْ وَلم يُنْتَفع بظهرها فَنَهى الله عَنْ ذَلِك. قلت والقولُ هُوَ الأول فَقَالَ الفرَّاء: البحيرَةُ: هِيَ ابْنَةُ السائِبة، وسنفسر السائِبة فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا كَانَ البحرُ صَغِيرا قيل لَهُ بُحَيْرَةٌ. قَالَ وَأما البُحَيْرةُ الَّتِي بالطَبريَّة فَإِنَّهَا بَحر عَظِيم وَهُوَ نحوٌ من عَشْرَةِ أَمْيالٍ فِي سِتَّة أَمْيَال، وغُؤُور مائِها علامةٌ لخُرُوج الدَّجَّال. قلتُ: والعربُ تَقول: لِكل قَرْيَة هَذِه بَحْرَتُنا وروى أَبُو عبيد عَن الأُمَويّ أَنه قَالَ: البَحْرَةُ الأرْضُ والبلدةُ. قَالَ: وَيُقَال: هَذِه بَحْرَتُنَا.
قَالَ: والماءُ البَحْرُ هُوَ المِلْح، وَقد أبحر المَاء إِذا صَار مِلْحاً وَقَالَ نُصَيْبٌ:
وَقد عَادَ ماءُ الأرْض بَحْراً فَزَادَنِي
إِلَى مرضِي أَن أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
وحدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديُّ قَالَ حدّثنا الرّمادي قَالَ حدّثنا عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمَر عَن الزُّهري عَن عُرْوَة أَن أُسَامَةَ بن زيد أخبرهُ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِب حِمَاراً عَلَى إكافٍ وتَحْتَهُ قطيفَةٌ فَرَكِبَه وأَرْدَف أُسامة وَهُوَ يَعُود سَعْدَ بنَ عُبَادة وَذَلِكَ قَبْل وقْعة بدر فَلَمَّا غشيت المجْلِسَ عجاجَةُ الدّابَّة خمَّر عبدُ الله بنُ أُبَيَ أنْفَه، ثمَّ قَالَ لَا تُغَبرُوا عليْنَا، ثمَّ نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف وَدَعاهم إِلَى الله وقَرَأَ القرآنَ فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَيهَا الْمَرْء إِن كَانَ مَا تَقول حَقّاً فَلَا تؤذِنا فِي مَجْلِسنا، وارْجِعْ إِلَى أهلِكَ فَمن جَاءَك منّا فقُصَّ عَلَيْهِ. ثمَّ ركب دَابّته حَتَّى دخَلَ على سعدِ بن عُبَادةَ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، ألم تسمع مَا قَالَ أَبُو حُبَاب؟ قَالَ كَذَا: فَقَالَ سعد: اعْفُ عَنْه واصْفَحْ فوَاللَّه لَقَدْ أَعْطَاك الله الَّذِي أَعْطَاك، وَلَقَد اصْطَلَحَ أهل هَذِه البُحَيْرَةِ على أَن يُتَوجُوه، يَعْنِي يُمَلكُوه فَيُعَصبوه بالعِصابة، فلمَّا رَدّ الله ذَلِك بِالْحَقِّ الَّذِي أعْطَاكَهُ شَرِقَ لذَلِك فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت فَعَفَا عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ {عَمَّا يُشْرِكُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الرُّوم: 41) الْآيَة مَعْنَاهُ: أَجْدَبَ البَرُّ، وانْقَطَعت مادّةُ البَحْرِ بِذُنُوبِهِمْ، كَانَ ذَلِك ليذُوقوا الشدَّةَ بذُنُوبهم فِي العاجل.
وَقَالَ الزَّجّاج مَعْنَاهُ: ظَهَرَ الجَدْبُ فِي البَر، والقحطُ فِي مُدُن الْبَحْر الَّتِي على الْأَنْهَار. قَالَ: وكل نَهر ذِي ماءٍ فَهُوَ بَحرٌ. قلت: كل نهر لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهُ: مثل دِجْلة

(5/26)


والنّيلِ وَمَا أشبههما من الأنهارِ العذْبة الكبارِ فَهِيَ بحارٌ. وَأما البحرُ الْكَبِير الَّذِي هُوَ مَغِيضُ هَذِه الْأَنْهَار الكبارِ فَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا مِلْحاً أُجَاجاً، وَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا رَاكِداً، وَأما هَذِه الأنهارُ العذْبَةُ فماؤها جارٍ. وَسميت هَذِه الأنهارُ بحاراً لِأَنَّهَا مَشْقُوقَةٌ فِي الأَرْض شَقّاً.
وَيُقَال للرَّوْضَةِ بَحْرَةٌ وَقد أبْحَرَتِ الأرضُ إِذا كثُر مناقع المَاء فِيهَا.
وَقَالَ شمر: البَحْرَةُ الأُوقَةُ يَسْتنقِع فِيهَا الماءُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البَحْرَةُ: المنخفض من الأَرْض وَأنْشد شمر لِابْنِ مقبل:
فِيهِ من الأخرج المرباع قرقرة
هدر الديافيّ وسط الهجمة البُحُر
قَالَ: البُحْر الغِزَارُ والأَخْرَجُ المِرْبَاعُ المكَّاءُ.
ابْن السّكيت أَبْحَر الرجلُ إِذا ركب البحرَ والماءَ، وَقد أبرَّ إِذا ركب البرَّ، وأرْيَفَ إِذا صَار إِلَى الرِّيف.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ بَحْرَانِيٌّ مَنْسُوب إِلَى البَحْرَيْنِ. قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَين الْبَصْرَة وعُمَانَ. قَالَ: وَيَقُولُونَ هَذِه البَحْريْنُ وانتهينا إِلَى الْبَحْرين.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي سَأَلَني المهْدِيُّ وَسَأَلَ الْكسَائي عَن النِّسْبَة إِلَى الْبَحْرين وَإِلَى الْحِصْنَيْن، لِمَ قَالُوا حِصْنِيٌّ وبَحْرَانِيٌّ؟
فَقَالَ الْكسَائي: كَرهُوا أَن يَقُولُوا حِصْنَانِي لِاجْتِمَاع النونين، قَالَ وَقلت أَنا: كَرهُوا أَن يَقُولُوا بَحْرِيُّ فَيُشبه النِّسْبَة إِلَى البَحْرِ.
قلت أنَا وإِنمَا ثَنَّوْا الْبَحْرين لأنَّ فِي نَاحيَة قُراها بُحَيْرَةً على بَاب الأحساء، وقرى هَجَرَ بَينهَا وَبَين الْبَحْر الأخْضَرِ عَشْرَةُ فَرَاسخ، وقَدَّرْتُ البُحَيْرَة ثلاثةَ أميالٍ فِي مثلهَا، وَلَا يَغِيضُ مَاؤُهَا، وماؤها راكد زُعاق. وَقد ذكرهَا الفرزدقُ فَقَالَ:
كأنّ ديارًا بَين أَسْنُمَة النَّقا
وَبَين هَذَالِيل البُحَيْرَة مُصْحَفُ
وَقَالَ اللَّيْث: بَنَات بحرٍ ضرب من السَّحَاب.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف مُنكر وَالصَّوَاب بَنَات بَخْرِ
قَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لسَحَائِبَ يأتينَ قُبُلَ الصيفِ مُنْتَصباتٍ بَنَاتُ بَخْر وَبَناتُ مَخْر بِالْبَاء وَالْمِيم، وَنحو ذَلِك قَالَ اللحيانيّ وَغَيره، وَإِيَّاهَا أَرَادَ طرفَةُ بقوله:
كبنات المَخرِ يَمْأَدْن إِذا
أَنْبَت الصَّيْف عَسَاليجَ الْخَضِر
وَقَالَ اللَّيْث: الباحر الأحمقُ الَّذِي إِذا كُلمَ بَحِرِ كالمبْهوت، وروى أَبُو عبيد عَن الفرّاء أَنه قَالَ: الباحرُ الأحمق.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الباحرُ الفُضُوليّ، والباحرُ الكذّاب، والباحرُ الأحْمَرُ الشَّديد الحُمْرَة، يُقَال أحْمَرُ باحِرِيٌّ وبَحْرَانِيّ. وَقَالَ ابنُ السّكيت:

(5/27)


قَالَ ابْن الأعرابيّ: أحمرُ قانِىءٌ وأحمرُ باحِرِيّ وذَرِيحيٌّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عَن الْمَرْأَة تُسْتَحَاض ويستمرُّ بهَا الدَّم، فَقَالَ تُصَلي وتتوضَّأ لكل صَلَاة فَإِذا رأَتِ الدَّم البَحْرَانِيَّ قعدت عَن الصَّلَاة.
وَقيل الدَّمُ البحرانيُّ مَنْسُوب إِلَى قَعْر الرَّحِمِ وعُمْقِها. وَقَالَ العجاج:
وِرْدٌ من الْجوف وبَحْرَانِيّ
أَي عبيط خَالص. وَيُقَال دَمٌ بَاحِرِيٌّ أَيْضا إِذا كَانَ شديدَ الحُمْرَة.
شمر يُقَال بَحِرَ الرجلُ إِذا رأى الْبَحْر فَفَرِقَ حَتَّى دُهِش، وَكَذَلِكَ بَرِقَ إِذا رأى سَنَا الْبَرْق فتحير وَبقِر إِذا رأى الْبَقر الْكثير وَمثله خَرِق وعقر وفَرِي.
عَمْرو عَن أَبِيه: قَالَ البحير والبَحِرُ: الَّذِي بِهِ السُّل، والسَّحيرُ: الَّذِي قد انْقَطَعت رِئَتُه وَيُقَال سَحِرٌ. وتاجر بَحْرِيٌّ أَي حَضَرِيّ وَأنْشد أَبُو العميثل:
كأنّ فِيهَا تَاجِرًا بحرياً
وَيُقَال للعظيم الْبَطن بحريٌّ
وَقَالَ الطرماح:
وَلم ينتطق بحريَّةٌ من مُجَاشع
عَلَيْهِ وَلم يُدْعَمْ لَهُ جَانب المهد
وَمن سكن الْبَحْرين عَظُمَ طِحَالُه. والبَحْرَةُ مَنبِتُ الثُّمام من الأوْدِيَة.
وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فَرَساً لأبي طَلْحَة عُرْياً فَقَالَ إِنِّي (وجدته بَحْراً ؤ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للْفرس الْجواد إِنَّه لبَحْرٌ لَا يُنكش حُضُرُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال فرس بَحْر وفَيْضٌ وسَكْبٌ وحَثٌّ إِذا كَانَ جواداً كثير العدْو. وَقَالَ الفراءُ البَحَرُ أَن يَلْغَى البعيرُ بِالْمَاءِ فيُكثر مِنْهُ حَتَّى يصيبَه مِنْهُ داءٌ يُقَال بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً فَهُوَ بَحِرٌ وَأنْشد:
لأُعْلِطَنَّهُ وسْماً لَا يُفَارِقُه
كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ الميسم البَحِرُ
قَالَ وَإِذا أَصَابَهُ الدَّاء كَوِيَ فِي مواضِعَ فَيبرأ قلت: الداءُ الَّذِي يُصِيب البعيرَ فَلَا يَرْوَى من المَاء هُوَ النَّجَرُ بالنُّون وَالْجِيم، والبَجَرُ بِالْبَاء وَالْجِيم، وَكَذَلِكَ البَقْرُ، وَأما البَحْرُ فَهُوَ داءٌ يورِث السُّل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الطوسي عَن أبي جَعْفَر أَنه سمع ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: البحير المسلول الْجِسْم الذَّاهِب اللَّحْم وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وآبقٌ من جَذْبِ دَلْوبْهَا هَجِرْ
وَيُقَال استبحر الشَّاعِر إِذا اتّسع لَهُ القَوْل وَقَالَ الطرماح:
بِمثل ثنائك يحلو المديح
وتَسْتَبحر الأَلْسُنُ المادِحَه
وَكَانَت أسماءُ بنت عُمَيْسٍ يُقَال لَهَا البَحْرِيَّة لِأَنَّهَا كَانَت هاجَرَت إِلَى بِلَاد النَّجَاشِيّ فركبت البَحْرَ، وكل مَا نُسِبَ إِلَى البَحْرِ فَهُوَ بَحْرِيُّ.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء مَعَ الْمِيم)
ح ر م
حرم، حمرهرحم، رمح، مرح، محر: مستعملة.

(5/28)


حرم: قَالَ شَمِر قَالَ يحيى بنُ ميسرةَ الكلابيُّ: الحُرْمَةُ: المَهَابةُ. قَالَ: وَإِذا كَانَ للْإنْسَان رَحِمٌ وكنَّ نستحي مِنْهُ قُلْنَا: لَهُ حُرْمَةٌ. قَالَ: وللمسلم على الْمُسلم حُرْمَةٌ ومهابَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هُوَ حُرْمَتُك، وهما حُرْمَتُك، وهم حُرْمَتُك، وَهِي حُرْمَتُك، وهُنَّ حُرْمَتُك؛ وهم ذَوُو رَحِمه وجارُه وَمن يَنْصرُه غَائِبا وَشَاهدا وَمن وَجَبَ عَلَيْهِ حقُّه.
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله {ذالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} (الحَجّ: 30) حُرُماتِ الله) فَإِن الحُرُماتِ مكةُ والحَجُّ وَالْعمْرَة وَمَا نهَى الله عَنهُ من مَعَاصيه كلهَا.
وَقَالَ عطاءٌ: حُرُمَاتُ الله معاصي الله.
وَقَالَ الليثُ: الحَرَمُ حَرَمُ مكَّةَ وَمَا أحَاط بهَا إِلَى قريب من الْحرم.
قلت الْحَرَمُ قد ضُرِبَ على حُدُوده بالمَنَارِ الْقَدِيمَة الَّتِي بيَّن خليلُ الله إبراهيمُ ج مَشَاعِرَها، وَكَانَت قريشٌ تعرِفُها فِي الجاهليةِ وَالْإِسْلَام؛ لأَنهم كَانُوا سكّانَ الْحَرَم، ويعلمون أنّ مَا دون الْمنَار إِلَى مَكَّة من الْحَرَم، وَمَا وراءَها لَيْسَ من الْحرم. ولمّا بعث الله جلّ وَعز مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِيّاً أقَرَّ قُرَيْشاً على مَا عرفوه من ذَلِك.
وَكتب مَعَ ابْن مَرْبَع الْأنْصَارِيّ إِلَى قَريش أَن قرُّوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم، فَمَا كَانَ دُونَ الْمنَار فَهُوَ حَرَم وَلَا يحِلُّ صيدُه، وَلَا يُقْطَع شجرُه، وَمَا كَانَ وَرَاء الْمنَار فَهُوَ من الحلّ، يحل صيدُه إِذا لم يكن صائده مُحْرِماً.
فَإِن قَالَ قائلٌ من الْمُلْحِدِينَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً} (العَنكبوت: 67) . كَيفَ يكون حرما آمنا وَقد أُخيفُوا وقُتِلُوا فِي الْحَرَم؟ فَالْجَوَاب فِيهِ أنّه جلّ وعزّ جعله حَرَماً آمنا أَمْراً وتعبُّداً لَهُم بذلك لَا إجباراً، فَمن آمَنَ بذلك كَفّ عمَّا نُهِيَ عَنهُ اتبَاعا وانتهاءً إِلَى مَا أُمِر بِهِ، وَمن أَلْحَدَ وأنْكر أَمْرَ الحَرَمِ وحرمَتهُ فَهُوَ كَافِر مُبَاح الدَّم، وَمن أَقَرَّ وركِبَ النَّهْي فصَادَ صَيْدَ الْحَرَم وقَتَلَ فِيهِ فَهُوَ فَاسق وَعَلِيهِ الكفَّارة فِيمَا قَتَل من الصَّيْد، فإنْ عادَ فإنَّ الله ينْتَقم مِنْهُ.
وأمّا الْمَوَاقِيت الَّتِي يُهَلُّ مِنْهَا لِلْحج فَهِيَ بعيدةٌ من حُدود الْحَرَم، وَهِي من الْحِل وَمن أَحْرَمَ مِنْهَا بالحجّ فِي أشهر الحَجّ فَهُوَ مُحْرِمٌ مأمورٌ بالانتهاء مَا دَامَ محرما عَن الرفَث وَمَا وراءَه من أمْرِ النِّسَاء، وَعَن التطيُّبِ بالطيب، وَعَن لُبْس الثَّوْب المخِيط، وَعَن صيْد الصَّيْدِ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى:
بِأجْيَادَ غَرْبِيَّ الصَّفَا والمُحَرَّم
قَالَ: المحرَّم هُوَ الْحَرَمُ، قَالَ والمنسوب إِلَى الْحرم حِرْمِيٌّ.
وَأنْشد:
لَا تأويَنَّ لحرميّ مَرَرْت بِهِ
يَوْمًا وَإِن ألْقى الحِرْميُّ فِي النَّار
وَقَالَ الليثُ: إِذا نسبوا غَيْرَ النَّاس قَالُوا ثوب حَرَميٌّ.

(5/29)


قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّيْث. وروى شمر حَدِيثا أَن فلَانا كَانَ حِرْمِيَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والحِرْمِيُّ: أَنَّ أشْرافَ الْعَرَب الَّذين كَانُوا يتحمَّسون فِي دينِهم إِذا حجَّ أحدُهم لم يَأْكُل طعامَ رَجُلٍ من الحَرَم، وَلم يَطُفْ إلاّ فِي ثِيَابه، فَكَانَ لكل شريفٍ من أشرافِ الْعَرَب رجلٌ من قُرَيْش، فكلُّ واحدٍ منْهُمَا حِرْمِيُ صاحبِه، كَمَا يُقَال كَرِيّ للمُكري، المكترِي وخَصْمٌ للمخاصِم والمخاصَم.
وَتقول أحْرَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ وحَرَامٌ. والبيتُ الحَرَامُ، والمَسْجِدُ الحرامُ، والبلدُ الحرامُ، وَقوم حُرُمٌ، ومُحْرِمُون، وَشهر حَرَامٌ. والأشْهُرُ الحُرُم ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ؛ ثلاثَةٌ سَرْدٌ أَي متتابعة وَوَاحِد فَرْدٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَالْحرَام: مَا حرَّمه الله، والحُرْمَةُ مَا لايَحِلُّ لَك انتهاكُه. وَتقول: فلانٌ لَهُ حُرْمَةٌ أَي تحرَّم بِنَا بِصُحْبَة أَو بِحَقَ وذمَّةٍ. وحُرَمُ الرجل نساؤُه وَمَا يَحْمِي. والمحارِمُ مَا لَا يحِلُّ استحْلالُه. والمَحْرَمُ ذاتُ الرحِمِ فِي الْقَرَابَة الَّتِي لَا يحل تزوُّجُها، تَقول هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَهِي ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَقَالَ الراجز:
وجارةُ الْبَيْت أَرَاهَا مَحْرَمَا
كَمَا بَراهَا الله، إلاَّ إنَّمَا
مكارِمُ السَّعْي لمَن تكرَّمَا
كَمَا بَراها الله كَمَا جعلهَا الله.
والمُحْرِم الدَّاخِلُ فِي الشَّهْر الحَرَامِ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ إِذا كَانَت لَهُ ذمَّة، وَقَالَ الرَّاعِي:
قتلوا ابْنَ عفَّانَ الْخَلِيفَة مُحْرِما
ودَعَا فَلم أَرَ مثلَه مَخْذُولا
قَالَ: وأحْرَمَ الْقَوْم إِذا دخلُوا فِي الشَّهْر الحَرَامِ. قَالَ زُهَيْر:
جعلن القنانَ عَن يمينٍ وحَزْنَه
وَكم بالقنانِ من مُحِلَ ومُحْرِم
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المُحْرِمُ المسالم فِي قَول خِدَاش بن زُهَيْر.
إِذا مَا أصابَ الغَيْثُ لم يَرْعَ غَيْثَهُم
من النَّاس إِلَّا مُحْرِمٌ أَو مُكَافِل
قَالَ وَهُوَ من قَول الشَّاعِر:
وأُنْبِئْتُها أَحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرٍ آخَرينا
أَي حرَّمَتْهم على نَفسهَا. قَالَ والمُكَافِلُ المُجَاوِرُ المُحَالِفُ وَالْكَفِيل من هَذَا أُخِذَ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي قَوْله أَحْرَمَتْ قَومهَا أَي حَرَمَتْهُم أَن يَنْكِحُوها يُقَال حَرَمْتُه وأَحْرَمْتُه حِرْمَاناً إِذا منعتَه العطيّة.
وروى شَمِر لعمر أَنه قَالَ: (الصّيام إحْرَامٌ) قَالَ إِنَّمَا قَالَ الصيَامُ إحرامٌ لِامْتِنَاع الصَّائِم مِمَّا يَثْلِمُ صيامَه. قَالَ وَيُقَال للصَّائِم مُحْرِمٌ. قَالَ الرَّاعِي.
قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة مُحْرِماً
قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيُّ: مُحْرِماً أَي صَائِما.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (كل مُسلم عَن مُسلم مُحْرِمٌ، أخَوانِ نَصِيران) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال إنَّه لَمُحْرِمٌ عَنْك يَحْرُم أذاك عَلَيْهِ.

(5/30)


قلت: وَهَذَا معنى الخَبَرِ أَرَادَ أَنه يَحْرُم على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُؤْذِي صاحبَه لحُرْمَةِ الْإِسْلَام الْمَانِعَتِهِ عَن ظُلْمه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي حَرُمَت الصلاةُ على الْمَرْأَة حُرْماً، وحَرِمَتْ عَلَيْهَا حَرَماً وحَرَاماً.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجُلُ إِذا دخل فِي الإحْرَامِ بالإهْلاَل. وأَحْرَمَ إِذا صَار فِي حُرْمَةٍ من عَهْدٍ أَو مِيثَاق هُوَ لَهُ حُرْمة من أَن يُغَارَ عَلَيْه. وَيُقَال مُسلم مُحْرِمٌ وَهُوَ الَّذِي لم يُحِلّ من نَفسه شيْئاً يُوقع بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَرَمْتُ الرجل العطيةَ أَحْرِمُه حِرْمَاناً؛ وَزَاد غَيره عَنهُ. وحَرِيمةً، ولغة أُخْرَى أَحْرَمْتُ وَلَيْسَت بجيدة وَأنْشد:
وأُنْبِئْتُها أحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرِ آخرينا
قَالَ وحَرُمَت الصلاةُ على المرأةِ تَحْرُم حُرُوماً وروى غَيره عَنهُ وحَرُمَت الْمَرْأَة على زَوجهَا تَحرُم حُرْماً وحَرَاماً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَحْرَمْتُ الرجلَ إِذا قَمَرْتَه، وحَرِمَ الرجل يَحْرَم حَرَماً إِذا قُمِرَ. وَقَالَ الْكسَائي مثله وَأنْشد غَيره:
وَرمى بِسَهْم جريمة لم يصطد
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: اسْتَحْرَمت الكلبةُ إِذا اشتهت السفَاد، رَوَاهُ عَن بني الْحَارِث بن كَعْب. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره: الاسْتِحْرَام لكل ذَات ظِلْفٍ خَاصَّة.
وَقَالَ أَبُو نصر قَالَ الْأَصْمَعِي: استَحْرَمَت الماعِزَةُ إِذا اشتهت الفحلَ، وَمَا أَبْيَنَ حِرْمَتَها. قَالَ وروى الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عمَّن أخبرهُ، قَالَ: الَّذين تُدْرِكهُمْ السَّاعَة تبْعَث عَلَيْهِم الحِرْمَة أَي الغُلْمَة ويُسْلَبُون الحياءَ. وَفِي حَدِيث عائشةَ أَنَّهَا قَالَت: (كنت أُطَيبُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحله وحُرْمه) الْمَعْنى أَنَّهَا كَانَت تطيّبه إِذا اغْتسل وَأَرَادَ الْإِحْرَام والإهلال بِمَا يكون بِهِ مُحْرِماً من حجَ أَو عُمْرَةٍ، وَكَانَت تطيبُه إِذا حَلَّ مِن إِحْرَامه.
وَسمعت الْعَرَب تَقول نَاقَة مُحَرَّمَةُ الظَّهْرِ إِذا كَانَت صعبة لم تُرَضْ وَلم تُذَلَّلْ. وجِلْدٌ مُحَرَّمٌ غيرُ مدبوغ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ترى عينَها صَغْوَاء فِي جَنْبِ مَأقها
تراقب كفّي والقطيع المحرَّما
أَرَادَ بالقطيع سَوْطه. قلت وَقد رَأَيْت الْعَرَب يسوُّون سياطهم من جُلودِ الْإِبِل الَّتِي لم تدبغ يَأْخُذُونَ السَّريحة العريضة فيقطعون مِنْهَا سيوراً عِراضاً ويدفنونها فِي الثّرى فَإِذا اتّدَنَتْ ولانَت جَعلوا مِنْهُ أَربع قُوًى ثمَّ فَتَلُوها ثمَّ علّقوها من شعَبَيْ خَشَبَة يركَّزونها فِي الأَرْض قتقلُّها أَي ترفعها من الأَرْض ممدودةً وَقد أثقلوها حَتَّى تيْبَس.
قَالَ شمر قَالَ أَبُو وَاصل الكلابيُّ: حَريمُ الدَّار مَا دخل فِيهَا مِمَّا يُغْلَق عَلَيْهِ بَابهَا، وَمَا خرج مِنْهَا فَهُوَ الفِنَاء. قَالَ: وفِنَاءُ البدوي مَا يُدْرِكهُ حُجْرَتُه وأطْنَابُه، وَهُوَ من الحضَرِي إِذا كَانَت دَارُه تُحاذيها دارٌ أُخْرَى فَفِناؤُهما حدّ مَا بَينهمَا.

(5/31)


اللَّيْث: حَرِيم الدَّارِ مَا أُضِيف إِلَيْهَا وَكَانَ من حُقوقها ومرافقها. وحريم النَّهر مُلْقَى طِينِه والمَمْشى على حافَتَيْه وَنَحْو ذَلِك. والحريمُ الَّذِي حَرُم مَسُّه فَلَا يُدنَى مِنْهُ. وَكَانَت العربُ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا حَجّت البيتَ تخْلَعُ ثِيَابهَا الَّتِي عَلَيْهَا إِذا دَخَلُوا الحَرَم، وَلم يلْبَسُوها مَا داموا فِي الحَرَم. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لَقىً بَين أَيدي الطائفين حَرِيمُ
وَقَالَ المفسرُون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعرَاف: 31) كَانَ أَهْلُ الجاهليَّة يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ لَا نَطوف بِالْبَيْتِ فِي ثيابٍ قد أذْنَبْنَا فِيهَا، وَكَانَت المرأةُ تطُوف عُرْيانَةً أَيْضا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت تلبَسُ رَهْطاً من سُيُورٍ وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب:
الْيَوْم يَبْدُو بَعْضُه أَو كُلُّه
ومَا بَدَا مِنْه فَلاَ أُحِلُّه
تَعْنِي فرجَها أَنَّه يظْهر من فُرُوج الرَّهْطِ الَّذِي لبسته، فَأمر الله بَعْدَ ذكْرِه عُقُوبَةَ آدَمَ وحوّاءَ بِأَنْ بَدَتْ سَوْآتُهما بالاستِتَار، فَقَالَ {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وأَعلم أَن التَّعَريَ وظهورَ السَّوْءَةِ مَكْرُوه، وَذَلِكَ من لَدُن آدَمَ.
وَقَالَ الليثُ: تَقول: هَذَا حَرَامٌ والجميع حُرُمٌ قَالَ الْأَعْشَى:
تَهادِي النهارَ لجاراتهم
وبالليل هُنَّ عَلَيْهِم حُرُم
والمحْرُومُ: الَّذِي حُرِمَ الخيْرَ حِرْماناً فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} (الذّاريَات: 19) .
وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ قتادةُ عَن ابْن عباسٍ: مَعْنَاهُ واجِبٌ عَلَيْها إِذا هَلَكَتْ ألاّ تَرْجِعَ إِلَى دُنْيَاها.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النحويُّ: بَلَغني عَن ابْن عَبَّاس أنّه قَرَأَهَا (وحَرِمَ على قَرْيَة) يَقُول وَجب عَلَيْهَا. قَالَ وَحدثت عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأها (وحِرْمُ على قَرْيَة) فَسئلَ عَنْهَا فَقَالَ عزم عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} يحْتَاج هَذَا إِلَى أَن يبيَّن، وَهُوَ وَالله أعلم أَنه جلّ وعزّ لما قَالَ {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الأنبيَاء: 94) أعْلَمَنَا أنَّه قد حرم أعمالَ الْكفَّار، فَالْمَعْنى حرَام على قَرْيَة أهلكناها، أَنْ يُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ لأَنهم لَا يرجعُونَ أَي لَا يتوبون.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن أبي الدُّمَيْكِ عَن حميد بن مَسْعدةَ عَن يزِيد بن زُرَيْعِ عَن داودَ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ: وَجَبَ على قَرْيةٍ أهلكناها أَنَّهُ لَا يَرجِع مِنْهُم رَاجِعٌ: لَا يَتُوب مِنْهُم تائبٌ. قلت وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الزجّاج. وروى الفَرّاء بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس (حِرْمٌ) قَالَ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة {وَحَرَامٌ} قَالَ الْفراء {وَحَرَامٌ} أَفْشَى فِي الْقِرَاءَة.

(5/32)


أَبُو عَمْرو: الحَرُومُ النَّاقة المعْتَاطَةُ الرَّحِم والزَّجُومُ الَّتِي لَا ترغو.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحَيْرَمُ البَقَرُ، والْحَورَمُ المالُ الكَثيرُ من الصَّامتِ والنَّاطِق. قَالَ: والحَرِيمُ قَصَبَةُ الدّار، والحريمُ فِناءُ الْمَسْجِد، والحُرْمُ الْمَنْع، قَالَ: والحريم الصّديق، يُقَال فلَان حَرِيمٌ صَرِيحٌ أَي صديقٌ خالصٌ.
وَكَانَت العربُ تسمي شهرَ رَجَبَ الأَصَمَّ والمحرَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأنْشد شَمِر قولَ حُمَيْدِ بن ثَوْر:
رَعَيْنَ المُرَارَ الْجَوْنَ من كلِ مذْنَبٍ
شهُورَ جُمَادى كُلَّها والمُحَرَّمَا
قَالَ وَأَرَادَ بالمحرَّم رَجَبَ، قَالَه ابنُ الْأَعرَابِي. وَقَالَ الآخر:
أقَمْنَا بهَا شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهِما
وشَهْرَيْ جُمَادَى واستَهَلُّوا المحرَّما
وَقَالَ أَبُو زَيدٍ فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عبيد: قالَ العُقَيْلِيُّون: حَرَامُ الله لَا أفْعَلُ ذَاك ويَمِينُ الله لَا أَفْعَلُ ذَاك، ومعناهُما واحِدٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال للرجُلِ مَا هُوَ بحارِمِ عَقْلٍ، وَمَا هُوَ بِعادِمِ عَقْلٍ، مَعْنَاهُمَا أَنَّ لَهُ عَقْلاً.
وَيُقَال إِن لفُلَان مَحْرُماتٍ فَلَا تَهْتِكْها، الْوَاحِدَة مَحْرُمَةٌ يُرِيد أَن لَهُ حُرماتٍ.
رحم: قَالَ اللَّيْث: الرحْمانُ الرَّحيمُ اسمان اشتقاقُهما من الرَّحْمَة، قَالَ ورحمةُ الله وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمين. وَقَالَ الزجَّاج: الرحْمانُ الرَّحيمُ صفتان مَعْنَاهُمَا فِيمَا ذكر أَبُو عُبَيْدَة ذُو الرَّحمة، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يُقَال رَحْمَنٌ إِلَّا لله جلّ وعزّ. قَالَ وفَعْلانُ من أَبْنِيَةِ مَا يُبَالَغُ فِي وَصفه، قَالَ: فالرَّحْمان الَّذِي وَسِعت رحمتُه كلَّ شَيْء، فَلَا يجوز أَن يُقالَ رَحْمَنٌ لغير الله. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدةَ: هما مثلُ نَدْمان ونَدِيم.
وَقَالَ اللَّيثُ: يُقَال مَا أقْرَبَ رُحْمَ فُلانٍ إِذا كَانَ ذَا مَرْحَمَةٍ وبِرَ. قَالَ: وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} (الْكَهْف: 81) يَقُول أبَرّ بالوالدين من الْقَتِيل الَّذِي قَتله الْخضر، وَكَانَ الأَبَوانِ مُسلمين والابنُ كَانَ كافِرًا فَوُلِدَ لَهما بعدُ بِنْتٌ فَوَلَدَتْ نَبِيّاً. وَأنْشد اللَّيْث:
أحْنَى وأَرْحَمُ مِنْ أُمَ بِواحِدِها
رُحْماً وأشْجَعُ من ذِي لِبْدَة ضارِي
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَأَقْرَبَ رُحْماً} أَي أقْرَبَ عَطْفاً وأُءَمَسَّ بِالْقَرَابَةِ. قَالَ والرُّحْمُ والرّحُمُ فِي اللُّغَة العطْفُ وَالرَّحْمَة وَأنْشد:
وكَيْفَ بظُلْمِ جارِيَةٍ
ومنْها اللين والرُّحْم
وَقَالَ أَبُو بكر المنذريُّ: سمعتُ أبَا الْعَبَّاس يَقُول فِي قَوْله الرَّحْمَن الرَّحِيم جمع بَينهمَا لأنَّ الرحمان عبرانيّ والرحيم عَرَبِيّ وَأنْشد لجرير:
لن تَدْرِكُوا الْمجْدَ أَو تَشْروا عَبَاءَكُم
بالخَز أَو تجْعَلُوا الينبوب ضُمْرانا
أَو تتركون إِلَى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكم
ومَسْحَكم صُلْبَهُم رَحْمَنُ قُرْبانا

(5/33)


وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هما اسمانِ رقيقان أحَدُهما أَرَقُّ من الآخر، فالرحْمان الرَّقِيق، والرَّحِيمُ العاطِفُ على خَلْقِه بالرزق، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء (وَأقرب رُحُما) بالتَّثْقيل واحتجّ بقول زُهَيْرٍ يمدح هَرِمَ بن سِنَانٍ:
وَمن ضَريبَتهِ التَّقْوَى ويَعْصِمُه
من سَيىءِ العَثرَاتِ الله والرُّحُمُ
وَقَالَ اللَّيْث: المرحمة الرَّحْمة، تَقول رَحِمْتُه أرْحَمُه رَحْمَةً ومَرْحَمَةً، وترحَّمْتُ عَلَيْهِ، أَي قلتُ: رَحمَةُ الله عَلَيْهِ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ} (البَلد: 17) أَي أَوْصى بعضُهم بَعْضًا برحْمَةِ الضَّعِيف والتَّعَطُّفِ عَلَيْهِ.
والرَّحِمُ بَيْتُ مَنْبِت الوَلَدِ وَوِعاؤُه فِي الْبَطن، وَجمعه الأَرْحامُ. وَأما الرَّحِمُ الَّذِي جاءَ فِي الحَدِيث (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقول: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطَعْ مَنْ قَطَعَني) فالرَّحِمُ القَرابَةُ تَجْمَع بَنِي أَبٍ وَبَينهمَا رَحِمٌ أَي قرابةٌ قَرِيبَةٌ. وناقَةٌ رَحُومٌ أصابَها داءٌ فِي رَحِمِها فَلَا تَقْبَلُ اللَّقاح، تَقول: قد رَحُمَتْ. وَقَالَ غَيْرُه: الرُّحامُ أَن تَلِدَ الشَّاةُ ثمَّ لَا تُلْقِي سَلاها. وشَاةٌ راحِمٌ وغَنَمٌ رَواحِمُ إِذا وَرِمَ رَحِمُها. وَقد رَحِمَت الْمَرْأَة وَرحُمَتْ إِذا اشتكت رَحِمَها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الرَّحْمُ خُرُوج الرَّحِم من عِلّةِ، والرَّحِمُ مؤنَّثَةٌ لاغيرُ وسَمَّى الله الغيثَ رَحْمَةً لِأَنَّهُ بِرَحمَتِه يَنْزِلُ من السَّمَاء. وتاءُ قَوْله { (الْأَعْرَاف: 56) أَصْلهَا هَاء وَإنْ كُتِبَتْ تَاء.
مرح: قَالَ اللَّيْث: المَرَحُ شدَّة الفَرَحِ حَتَّى يجاوزَ قَدْرَه. وَفرس مَرِحٌ مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ، وناقة مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ وَأنْشد:
نطوي الفلا بِمَروحٍ لَحْمُها زِيَمُ
وَقَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة:
مَرِحَتْ حُرَّةٌ كقنْطَرة الرّومي
تَفْرِي الهَجِيرَ بالإرقَال
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمْرِيحُ أَن تَأْخُذ المَزادَةَ أَوَّلَ مَا تخْرَزُ فتَملأها مَاء حَتَّى تَنْتَفِخَ خُروزُها. وَيُقَال: قد ذهبَ مَرَحُ المَزادَةِ إِذا لم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ، وَقد مَرِحَتْ مَرَحاناً وَأنْشد:
كأنّ قذًى فِي الْعين قد مَرِحَتْ بِهِ
وَمَا حاجَةُ الأُخْرى إِلَى المَرَحانِ
وَقَالَ شَمِر: المَرَحُ: خُرُوج الدّمْعِ إِذا كثُر، وَقَالَ عديُّ بن زيد:
مَرِحٌ وَبْلُه يَسحُ سُيوبَ ال
مَاء سَحّاً كأَنَّه مَنْحورُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّمْريحُ تطييبُ القِرْبةِ الجديدةِ بإذْخِرٍ أَو شيح فَإِذا تطيّبَت بِطِين فَهُوَ التَّشْرِيبُ. قَالَ:
وَبَعْضهمْ يجعلُ تمريحَ المزادَةِ أَن يملأها مَاء حَتَّى تَبْتَلَّ خُروزُها وَيكثر سيلانُها قبل انْتِفاخِها، فَذَلِك مَرَحُها وَقد مَرِحَت مَرَحاً. وَذهب مَرَحُ المزادَةِ إِذا انسدّت عيونُها فَلم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ. وَأَرْض مِمْراحٌ إِذا كَانَت سريعَة النَّباتِ حِين يُصِيبُها المطرُ. وعَيْنٌ مِمْراحٌ سريعةُ البُكاءِ. وَقَالَ الأصمعيُّ: المِمْراحُ من الأَرْض الَّتِي حَالَتْ سنة فَهِيَ تَمْرَحُ بِنَباتها.

(5/34)


وَقَالَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء: إِذا رَمَى الرجُل فَأصَاب قيل مَرْحَى لَهُ، وَهُوَ تعجُّبٌ من جَوْدَةِ رَمْيِه قَالَ ابْن مقبل:
أَقُول والحَبْلُ مشدود بمقوده
مرحى لَهُ إِن يَفُتْنا مَسحه يَطِرِ
وأَمْرَحَ الزَّرْعُ إِمْرَاحاً ومَرِح مَرَحاً، لُغَتَانِ، إِذا أَفْرخَ سنابله أَوّلَ مَا يُخْرِجُه.
رمح: قَالَ اللَّيْث: الرمْحُ وَاحِد الرمَاح، ومُتخِذُه الرَّمَّاح، وحرفته الرمَاحَةُ. والرَّامِحُ نَجْمٌ فِي السماءِ يُقَال لَهُ السماك المِرْزَمُ. وَقَالَ ابْن كُنَاسة: هما سِمَاكَانِ، أَحدهمَا السمَاكُ الأَعْزَلُ، والآخَرُ يُقَال لَهُ السمَاكُ الرَّامِحُ، قَالَ: والرَّامِحُ أشَدُّ حُمْرَةً، ويُسَمَّى رَامِحاً لكوكب أَمَامَه تَجْعَلهُ العربُ رُمْحَه. وَقَالَ الطرماح:
مَحَاهُنّ صيبُ صَوْتِ الرّبيع
من الأنجم العُزْلِ والرَّامِحَه
والسماكُ الرَّامِحُ لَا نَوْءَ لَهُ، إِنَّمَا النَّوْءُ للأعْزل.
وَقَالَ اللَّيْث: ذُو الرُّمَيْح ضَرْبٌ من اليرابيع طَويلُ الرجْلين فِي أوساطِ أَوْظِفَتِه فِي كل وَظِيفٍ فَضْلُ ظُفْرِ، وَإِذا امْتنعت البُهْمَى ونحوُها من المَرَاعِي فَيَبِس سَفَاهَا قيل أَخَذَتْ رِمَاحُها، ورماحُها سَفَاها اليابِسُ.
وَيُقَال رَمَحَت الدابَّة، وكل ذِي حافرٍ يَرْمَحُ رَمْحاً إِذا ضَرَب بِرِجْلَيه، وَرُبمَا استُعِير الرّمْحُ لذِي الخُف. قَالَ الْهُذلِيّ:
بِطَعْن كَرَمْحِ الشَّوْلِ أَمْسَتْ غَوَارِزاً
حَوَاذِبُها تأبى على المُتَغَير
وَيُقَال بَرِئت إِلَيْك من الجِمَاحِ والرمَاحِ وَهَذَا من بَاب العُيوب الَّتِي يُرَدُّ المبيعُ بهَا. وَيُقَال رَمَحَ الجُندُب إِذا ضرب الحَصَى بِرِجْله قَالَ ذُو الرمة:
والجندب الجون يرمح
وَالْعرب تسمي الثورَ الوحشِيَّ رَامِحاً، وَأنْشد أَبُو عبيد:
وكائِنْ ذَعَرْنا من مَهَاةٍ وَرَامِحٍ
بلادُ الورَى ليستْ لَهَا بِبِلاد
ويُقَال للنَّاقَةِ إِذا سَمِنَتْ ذاتُ رُمْحٍ وللنُّوق السمَانِ ذوَاتُ رِمَاحٍ وَذَلِكَ أَنَّ صاحِبَها إِذَا أَراد نَحْرَها نَظَرَ إِلَى سِمَنِها وَحُسْنِها فامتنَعَ من نَحْرِها نَفَاسَةً بهَا لما يروقه من أَسْنِمَتِها، وَمِنْه قَول الفرزدق:
فَمَكَّنْتُ سيْفي من ذَوَات رِمَاحها
غِشَاشاً وَلم أَحْفِل بكاءَ رِعائيا
يَقُول نحرْتُها وأطعَمْتُها الأضْيَاف وَلم يمنَعْني مَا عَلَيْهَا عَن الشُّحوم عَن نحرها نَفَاسَةً.
وَيُقَال: رجلٌ رامِحٌ أَي ذُو رُمْحٍ، وقَدْ رَمَحَه إِذا طَعَنَهُ بالرُّمْحِ وَهُوَ رَامِح وَرَمَّاحٌ. وبالدَهْنَاء نُقْيَانٌ طوالٌ يُقَالُ لَهَا الأَرْمَاحُ.
وَذَكَرُ الرَّجُلِ رُمَيْحُه، وَفَرْجُ المرْأةِ شُرَيْحُها.
حمر: قَالَ اللَّيْث: الحُمْرَةُ لون الأَحْمَر، تَقول احْمَرّ الشيءُ احْمِرَاراً إِذا لزم لونَهُ فَلم يتغيّر من حالٍ إِلَى حالٍ، واحمَارّ يَحْمَارُّ احميراراً إِذا كَانَ عَرَضاً حادِثاً لَا يثبت، كَقَوْلِك: جَعَلَ يَحْمَارُّ مَرَّةً ويصفَارُّ أُخْرَى.

(5/35)


قَالَ: والحُمْرَةُ تَعْتَرِي النَّاسَ فَيَحْمَرُّ موضِعُها وَتُغَالَبُ بالرُّقْيَةِ. قلت: الحُمْرَةُ وَرَمُ من جنس الطَّواعِين نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ الحُمْرَةُ بِسُكُون الْمِيم نَبْتٌ. قَالَ: وَيُقَال لِلْحُمَّرِ وَهُوَ طَائرٌ حُمَرٌ بِالتَّخْفِيفِ، الْوَاحِدَة حُمَّرةٌ وَقَالَ حُمَرَة. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
إلاّ تُدَارِكْهُمْ تصبِحْ منَازِلُهم
قفراً تبيض على أرجائها الحُمَرُ
قَالَ: خفّفها ضَرُورَة. وَأنْشد فِي تَشْدِيد الحمّر:
قد كنتُ أَحْسِبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ
فَإِذا لَصَافِ تبيضُ فِيهَا الحُمَّر
قَالَ وحُمَّرَاتٌ جَمْعٌ. وأنشدني الْهِلَالِي أَو الْكلابِي:
عُلق حَوْضِي نُغَرٌ مكبُّ
إِذا غفلت غَفلَة يَغبُّ
وحُمَّرَاتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُّ
قَالَ: وَهِي القُبَّر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِمار العيْرُ الأَهْلِيُّ والوحشيُّ، وجمْعُه الْحَمِيرُ والحُمُراتُ، وَالْعدَد أَحْمِرَةٌ، والأنْثَى حِمَارَةٌ، قَالَ والْحَمِيرة الأُشْكُزُّ: مُعرب وَلَيْسَ بعربي وَسميت حميرةً لِأَنَّهَا تُحمَّر أَي تُقَشَّر وكل شَيْء قشَّرْتَه فقد حَمَّرْتَه فَهُوَ مَحْمُور وحَمِيرٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِمَار خَشَبَةٌ فِي مقدَّمِ الرحْلِ تَقْبِضُ المرأةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مقدم الإِكَافِ أَيْضاً. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وقيدني الشعرُ فِي بَيته
كَمَا قَيَّد الأسراتُ الحمارا
وَقَالَ غَيره: الْحمار ثَلاثُ خَشَبات أَوْ أَرْبَعٌ تُعْرَض عَلَيْهَا خشبةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو سعيد الْحِمَارُ العُودُ الَّذِي يُحْمَل عَلَيْهِ الأَقْتَابُ، والأَسَرَاتُ النِّسَاء اللواتي يُوَكدْن الرحالَ بالقَد ويُوَثقْنَها.
وَقَالَ اللَّيْث: حِمَارُ الصَّيْقَل خشَبتُه الَّتِي يَصْقُلُ عَلَيْهَا الحديدَ قَالَ وحمار قَبَّان دَابَّةٌ صَغِيرَة لَازِقَة بِالْأَرْضِ ذَات قَوَائِم كَثِيرَة وَأنْشد الْفراء:
يَا عجبَاً لقد رأيْتُ عجبا
حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوق أَرْنَبَا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الْحَمائِر حِجَارَةٌ تُنْصَب حول قُتْرَةِ الصَّائِد واحِدُها حمارة وَأنْشد:
بَيت حتوف أُرْدِحَت حمائِره
وَقَالَ شمر فِي قَوْله ج (زُوِيتْ لي الأرضُ فرأيتُ مشارِقَها ومَغارِبها، وأُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ) أَرَادَ الذّهَبَ والفِضَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحمائِر حجارةٌ تُجْعل حَوْلَ الْحَوْضِ تَرُدُّ الماءَ إِذَا طَغَى وَأنشد:
كَأَنَّمَا الشَّحْطُ فِي أُعْلَى حمائِرِه
سبائِبُ القَز من رَيْطٍ وَكَتَّان
وروى حمادُ بن سلمةَ عَن ثابتٍ عَن أَنَسٍ أنّ رَسُول الله قَالَ (أُرْسِلْتُ إِلَى كل أَحْمَرَ وأَسْوَدَ) قَالَ شمر: يَعْني العربَ والعجمَ، والغالبُ على أَلْوان العربِ

(5/36)


السُّمْرَةُ والأُدْمَةُ، وعَلى أَلْوان العجمِ البياضُ والحُمْرَةُ.
وَقَالَ شمر حَدثنِي السمريُّ عَن أبي مسحل أَنه قَالَ فِي قَوْله (بُعِثْتُ إِلَى الأَسْودِ والأَحْمَرِ) يُرِيد بالأسودِ الجِن، وبالأحْمَرِ الإِنَسَ، سمي الإنسُ بالأَحْمَرِ للدَّمِ الَّذِي فيهم، وَالله أعلم، وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي قَوْله (بعثت إِلَى الأحْمر وَالْأسود) مَعْنَاهُ بُعِثْتُ إِلَى الأَسودِ والأبْيَض. قَالَ: وامْرأَةٌ حَمْرَاء أَي بَيْضاءُ، وَمِنْه قَول النَّبِي لعَائِشَة (يَا حُمَيْراءُ) قَالَ والأحْمَرُ الَّذِي لَا سلاحَ مَعَهُ، وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحَرْبي فِي قَوْله (أُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحمرَ والأبيضَ) قَالَ فالأحْمَرُ مُلْكُ الشامِ والأبيضُ مُلْكُ فارسَ، وَإِنَّمَا قيل لمُلكِ فارسَ الكنْزُ الأبيضُ لبياض أَلْوَانِهِمْ، وَلذَلِك قيل لَهُم بَنُو الأحرارِ يَعْنِي الْبيض وَلِأَن الغالبَ على كنوزهم الورِقُ وَهِي بيضٌ، وَقَالَ فِي الشامِ الكنزُ الأحمرُ لِأَن الغالبَ على أَلْوانِهم الحُمْرَةُ وعَلى كُنُوزِهم الذّهَبُ وَهُوَ أَحْمَر. وَقَالَ ابنُ السّكّيت قَالَ الأصمعيُّ أَتَانِي كلُّ أسودَ مِنْهُم وأحمرَ وَلَا يُقَال أبيضَ، حَكَاهُ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَقَالَ:
جَمَعْتُمْ فأوْعَيْتُمْ وجِئْتم بِمَعْشَرٍ
توافَتْ بِهِ حُمْرانُ عَبْدٍ وسودُها
وَيُقَال كلّمْتُه فَمَا ردّ عليَّ سوداءَ وَلَا بَيْضَاء أَي كلمة رَدِيئَةً وَلَا حَسَنَة. قلت: والقولُ مَا قَالَ أَبُو عمرٍ وَأَنَّهُمْ الأسودُ والأبيضُ؛ لأنّ هذَيْن النّعْتينِ يَعُمَّان الآدميينَ أَجمعين. وَهَذَا كَقَوْلِه (بُعِثْتُ إِلَى النَّاس كَافَّة) وَكَانَت العربُ تَقول للعجمِ الَّذين يكون البياضُ غَالِبا على أَلْوانِهم مثلِ الرُّومِ والفرسِ وَمن ضاقَبَهُمْ: إِنَّهُم الحَمْراءُ، وَمِنْه حديثُ عليّ حِين قَالَ لَهُ سَراةٌ من أصحابِه العَربِ: غلبتْنا عَلَيْك هَذِه الحُمْرَةُ، فَقَالَ: لَيَضْرِبنَّكُمْ على الدّين عَوْداً كَمَا ضربتموهم عَلَيْهِ بَدْءاً، أَرادُوا بالْحَمْرَاء الفرسَ والرُّومَ. والعربُ إِذا قالُوا: فلانٌ أبيضُ وفلانةٌ بيضاءٌ، فمعناهَا الكرمُ فِي الْأَخْلَاق، لَا لونُ الخِلْقَةِ. وَإِذا قَالُوا: فلانُ أحمرُ وفلانةُ حمراءُ عَنَتْ بياضَ اللَّونِ.
ورَوَى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ فِي قولهِمْ الْحُسْنُ أَحْمَرُ أَي شاقٌّ، أَي من أَحَبَّ الحُسْنَ احتَمَل المَشَقَّة. وَكَذَلِكَ موتٌ أَحْمَرُ، قَالَ الحُمْرَةُ فِي الدَّمِ والقتالِ. يَقُول: يَلْقى مِنْهُ المشقةَ كَمَا يَلْقى من القتالِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال جَاءَ بِغَنَمِه حُمْرَ الكُلى، وَجَاء بِها سُودَ البُطونِ، مَعْنَاهُمَا المَهَازِيلُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمَرُ داءٌ يعتري الدابّة من كَثْرَة الشّعير، وَقد حَمِر البرذَوْنُ يحمَرُ حَمَراً. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَعَمْرِي لسَعْدُ بنُ الضبابِ إِذَا غَدا
أحبُّ إلينَا مِنْك، فَافَرَسٍ حَمِر
أرَادَ يَافَا فَرَسٍ حَمِر، لقَّبَهُ بِفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فِيهِ. قَالَ وسنَةٌ حَمْرَاء شديدةٌ، وَأنْشد:
أَشْكُو إِلَيْك سَنَوَاتٍ حُمْرَا

(5/37)


قَالَ: أخرج نَعته عَلَى الأعوامِ فَذكَّرَ، وَلَو أخْرَجَهُ على السَّنواتِ لقَالَ حَمْرَاوَاتٍ. وَقَالَ غَيْرُه: قيل لِسِني القَحْطِ حَمْرَاواتٌ لاحمرار الْآفَاق فِيهَا. وَمِنْه قَول أُمَيّةَ:
وسُودَت شَمْسُهُمْ إِذا طَلَعَتْ
بالجِلْبِ هفا كأنَّه كَتَمُ
والكتم صِبْغٌ أحمرُ يُخْتَضَبُ بِهِ. والجِلْبُ السحابُ الرقيقُ الَّذِي لَا ماءَ فِيهِ. والهَفُّ الرَّقِيق أَيْضا ونَصَبَه على الْحَال.
وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه قَالَ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البأْسُ اتَّقَيْنَا برَسُول الله العَدُوَّ.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيُّ: يُقَال هُوَ الموتُ الأَحْمَرُ والموتُ الأسودُ. قَالَ وَمَعْنَاهُ الشَّدِيدُ، قَالَ وَأَرَى ذَلِك من أَلْوَانِ السباعِ كأَنَّهُ من شِدَّته سَبُعٌ. وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ يصف الْأسد:
إِذَا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطِيفُ كَفه
رَأَى الموتَ بالعيْنَينِ أَسْودَ أَحْمَرا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فكأنَّه أَرَادَ بقَوْلِه احْمَرّ البَأْسُ أَيْ صَارَ فِي الشدَّةِ والهَوْلِ مثل ذَلِك. وَقَالَ الأصمعيُّ يُقَال: هَذِه وَطْأَةٌ حمراءُ، إِذا كَانَت جَدِيدا ووطأةٌ دَهْمَاءُ إِذا كَانَت دَارِسَةً.
قَالَ الأصمعيُّ ويجوزُ أَن يكُون قَوْلُهمْ: الموتُ الأحمرَ من ذَلِك، أَي جديدٌ طريّ. ويروى عَن عبد الله بن الصَّامِت أَنه قَالَ: أَسْرَعُ الأَرْض خَراباً البصرةُ، قيل وَمَا يُخْرِبُها؟ قَالَ: القتْلُ الأَحْمَرُ والجوع الأغْبَرُ.
قلت والحَمْرُ بمعْنى القَشْرِ يكون باللسَان والسَّوْط والحَديد والمِحْمَرُ والمِحْلأُ: هُوَ الحديدُ أَو الحَجَرُ الَّذِي يُحْلأُ بِهِ تحْلِىءُ الإهاب وَيُنْتَفُ. وَيُقَال للهجين مِحْمَرٌ ولمَطَيَّةِ السُّوءِ مِحْمَر، وَرَجُلٌ مُحْمَرٌّ؛ لَا يُعْطي إلاَّ على الكَد والإلْحَاحِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ شمر يُقَال حَمِرَ فلانٌ عليَّ يَحْمَرُ حَمْراً إِذا تَحَرَّق عَلَيْك غَضبا وغيظاً. وَهُوَ رجل حَمِرٌ من قوم حَمِيرِين. قَالَ وحِمِرُّ القَيْظ والشتاءِ أشَدُّهُ.
قَالَ: والعربُ إِذا ذكرت شيْئاً بالمشَقَّةِ والشدَّة وصَفَتْهُ بالحُمْرَةِ. وَمِنْه قيل سنَةٌ حَمْرَاءُ للجَدْبَةِ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قولِهِمْ الحُسْنُ أَحْمَرُ يُرِيدُون إِنْ تَكلَّفْتَ التَّحَسُّنَ والجَمَال فاصْبِرْ فِيهِ على الأَذَى والمشقَّة. قَالَ: وحَمَرْتُ الجِلْدَ إِذا قَشَرْتَه وحلقتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: حَمَارَّةُ الصَّيف شدَّة وَقْتِ حَره. قَالَ وَلم أَسْمَع كلمة على تَقْدِير فَعَالّة غيرَ الحمارَّة والزَّعَارَّة وَهَكَذَا.
قَالَ الْخَلِيل قَالَ اللَّيْث: وَسمعت بعد ذَلِك بخُرَاسَان سبارَّةُ الشّتَاء وَسمعت: إِن وراءَك لَقُرَّاً حِمِرّاً. قلت: وَقد جاءَتْ أَحْرُفٌ أُخَرُ على وزن فَعَالَّة.
روى أَبُو عبيدٍ عَن الْكسَائي: أَتَيْتُه فِي حَمَارَّةِ القيظ، وَفِي صَبَارَّةِ الشّتاء بالصَّاد، وهُمَا شِدَّةُ الحَر والبَرْدِ. قَالَ وَقَالَ الأمَوِيُّ: أتَيْتُه عَلَى حَبَالَّةِ ذَاك، أَي على حِينِ ذَاك، وَألقى فلَان عَلَى عَبَالَّته أَي ثِقله. قَالَه اليزيديُّ والأَحْمَرُ.

(5/38)


وَقَالَ القَنَانِيّ: أَتَوْنِي بِزرَافَّتهِم يَعْنِي جَمَاعَتَهُم.
وَسمعت العربَ تَقُول كُنّا فِي حَمْراء القيظ على مَاء شُفَيَّة، وَهِي ركيَّةٌ عذبَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْلهم: أهْلَكَ النساءَ الأحمران، يعنون الذهبَ والزعفرانَ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الأحمرانِ الخَمْرُ واللَّحْمُ وَأنْشد:
إِن الأحَامِرَةَ الثلاثَةَ أهلكَتْ
مَالِي وَكنت بِهِن قِدْماً مُولَعاً
الرَّاحَ واللحْمَ السمينَ إدَامُه
والزَّعْفَرانَ فَلَنْ أَرُوحَ مُبَقَّعَا
قَالَ أَرَادَ الخمرَ واللحمَ والزعفرانَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأصفرانِ الذَّهَبُ والزعفرانُ. قلت والصَّوابُ فِي الأحمَرينِ مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. وَالَّذِي قَالَه الليثُ يضاهي الخَبَرَ المرويَّ فِيهِ.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابنَ الْأَعرَابِي يَقُول: الأحمرانِ النّبيذُ واللحمُ. وَأنْشد:
الأحمرَينِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا
قَالَ شمِر: أَرَاد الخَمْرَ والبُرُودَ.
وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ مِحْمَرٌ والجميع المَحَامِر والمَحَامِيرُ. وَأنْشد:
يَدِبُّ إِذْ نَكَس الفُحْجُ المحاميرُ
وَقَالَ غيرُه: الْخَيل الحمارَّةُ مثلُ المَحَامِرِ سَوَاء.
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يردّ الحمَّارَةَ من الخَيْلِ. قلت أَراد شريحٌ بالحمَّارَة أصحابَ الحَمِير، كأنَّه ردَّهُم فَلم يُلْحِقْهُمْ بأصحاب الخَيْلِ فِي السهامِ. وَقد يُقَال لأصْحاب البِغَال البَغَّالة ولأصحاب الجِمَال الجَمَّالَةُ وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
شدّد كَمَا تطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وَرجل حَامِرٌ وحَمَّارٌ ذُو حِمَارٍ، كَمَا يُقَال فارسٌ لذِي الفَرس.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: حَمَرَت المرأةُ جلْدَهَا تَحمِرُهُ. والحَمْرُ فِي الْوَبر وَالصُّوف وَقد انْحَمَر مَا على الجِلْدِ وأتاهم الله بغيثٍ حِمِرَ يَحْمُر الأَرْض حمراً أَي يقشرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَمَر الخَارِزُ السَّيْرَ يحْمِرُهُ حَمْراً إِذا مَاسَحا باطِنَه ودَهَنه ثمَّ خَرَزَ بِه، وحَمَر الشَّاةَ إِذا مَا سمطها، وأُذُنُ الحِمَارِ نَبْتٌ عريضُ الوَرَق كأَنَّه شُبه بأذن الحِمَار.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يُقَال إِن الحُسْنَ أَحْمَر، يُقَال ذَلِك للرَّجُلِ يميلُ إِلَى هَوَاه، ويخْتَصُّ بِمن يُحِبُّ كَمَا يُقَال الْهَوَى غَالِب، وكما يُقَال إِن الْهوى يمِيل بإسْتِ الرَّاكِب إِذا آثَر من يهواه على غَيره.
وَقَالَ غيرهُ حِمْيرٌ اسمٌ، وَقيل هُوَ أَبُو مُلوكِ اليمَن، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي القبيلةُ. ومدينة ظَفَارِ كَانَت لِحِمْيَرَ. وحَمَّرَ الرجلُ إِذا تكلم بالحِمْيَريّة، وَلَهُم ألفاظٌ ولغاتٌ تخَالف لغاتِ سائِرِ الْعَرَب.
وَقَالَ بعض مُلُوكهمْ: من دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ، أَي تعلَّم الحِمْيَرِيّة. ويُقالُ للَّذين يُحَمرون رَايَاتِهم خِلاَفَ زِيّ المُسَودَةِ من بني هَاشِمٍ المُحَمرة، كَمَا يُقَال للحَرُورِيَّة

(5/39)


المبيضة، لِأَن راياتِهم فِي الحُروب كَانَت بَيْضَاءَ.
محر: قَالَ اللَّيْث: المَحَارَةُ دابَّةٌ فِي الصَّدَفَيْن. قَالَ: ويُسمّى باطِنُ الأُذُن مَحَارَةً. قَالَ وربّما قَالُوا لَهَا مَحَارَةُ بالدَّابّة والصدفينِ.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ المَحَارَةُ الصدفَةُ قَالَ والمَحَار من الإنسانِ الحَنَكُ وَهُوَ حَيْثُ يُحنك البَيْطارُ الدَّابة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحَارَةُ النُّقْصَانُ، والمحارَةُ داخلُ الأُذُن، والمحارةُ الرجوعُ، والمَحَارة المُحاوَرَة، والمَحَارَة الصَّدَفَةُ.
قلت ذكر الأصمعيُّ وَغَيره هَذَا الحرفَ أَعنِي المحارةَ فِي بَاب حَارَ يَحُور، فدلّ ذَلِك أَنه مَفْعَلَةٌ وأَن الميمَ لَيست بأصليَّةٍ، وَخَالفهُم اللَّيْثُ فَوضع المَحَارَة فِي بَاب مَحَر، وَلَا يُعْرَف مَحَر فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب.

(أَبْوَاب الْحَاء وَاللَّام)
ح ل ن
اسْتعْمل من وجوهه: لحن، نحل.
لحن: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْنُ مَا تَلْحَنُ إِلَيْهِ بلسانِك أَي تَميلُ إِلَيْهِ بِقَوْلِك.
ومِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {} (محَمَّد: 30) وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة يعرفُ المنافِقِين إِذا سَمِعَ نُطْقَهُم وكَلاَمَهُمْ؛ يستدلُّ بِهِ على مَا يَرَى من لَحْنِه، أَي من مِثْلِه فِي كَلَامه فِي اللَّحْنِ.
وروى سلمةُ عَن الْفراء فِي قَوْله: {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} (محَمَّد: 30) يَقُول فِي نَحْو القَوْل وَمعنى القَوْل.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاجُ {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} أَي نحوِ القَوْل. دلَّ بِهَذَا وَالله أعلم أنَّ قولَ القائلِ وفعلَه يَدُلاَّن على نِيَّتِه وَمَا فِي ضميرِه.
قَالَ وقولُ النّاس قد لَحَن فُلانٌ تأويلُه قد أَخَذَ فِي ناحِيةٍ عَن الصّوابِ إِلَيْهَا.
وَأنْشد:
منطقٌ صائِب وتلْحَنُ أَحْيَاناً
وخَيْر الحديثِ مَا كانَ لَحْنَا
تَأْوِيله وخيرُ الحَديثِ من مثلِ هَذِه الجاريَةِ مَا كَانَ لَا يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ إِنَّمَا يُعرَفُ أمرهَا فِي أنْحَاءِ قَوْلهَا.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الهيثَم أَنه قَالَ: العُنْوانُ واللَّحْن واحدٌ، وَهِي العلامةُ نُشير بهَا إِلَى الإنسانِ ليفْطِنَ بهَا إِلَى غيرِه، نَقُول لَحَنَ فلانٌ بلَحْنٍ ففطِنْتُ.
وَأنْشد:
وتعرف فِي عُنْوَانِها بعضَ لَحْنِها
وَفِي جوفها صَمْعَاءُ تحكِي الدَّوَاهِيَا
قَالَ وَيُقَال للرَّجُل الَّذِي يُعَرضُ وَلَا يُصَرحُ: قد جَعَلَ كَذَا وكَذَا لَحْنَاً لحاجَتِه وعُنواناً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد لَحَنَ الرجلُ بِلَحْنِه إِذا تكلمَ بلُغته، ولَحَنْتُ لَهُ لَحْناً أَلْحَنُ لَهُ إِذا قلتَ لَهُ قولا يَفْقَهُه عَنْك ويَخْفى على غَيره.
قَالَ ولَحِنَ عَني يَلْحَنُ لَحْناً أَي فَهِمَه. وأَلْحَنَتْهُ عَني إيّاه إلْحاناً.

(5/40)


وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال لاحنْتُ النَّاس أَي فاطَنْتهم وَقَالَ فِي تَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ من بَعْض) يَعْنِي أَفْطَنَ لَهَا وأجْدَل. قَالَ واللَّحَنُ بفتحِ الحاءِ الفِطْنَةُ. وَمِنْه قولُ عمرَ بن عبدِ الْعَزِيز (عَجِبْتُ لمن لاَحَنَ النَّاسَ كيفَ لَا يعرفُ جوَامعَ الكَلِم) قَالَ وَمِنْه قيل: رجل لَحِنٌ، إِذا كَانَ فَطِناً. وَقَالَ لبيد:
مُتَعَوذٌ لَحِنٌ يُعِيد بِكَفه
قَلَماً على عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبَانِ
وأمّا قولُ عمر بن الْخطاب (تعلمُوا اللَّحْنَ والفَرَائِضَ) فَهُوَ بتسكين الحاءِ، قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ الْخَطَأ فِي الْكَلَام وَقد لَحَنَ الرجلُ لَحْناً وَمِنْه حديثُ أبي العاليةِ قَالَ: (كنتُ أَطُوف مَعَ ابنِ عبَّاس وَهُوَ يُعَلمُنِي لَحْنَ الْكَلَام) .
قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا سَمَّاهُ لَحْناً لِأَنَّهُ إِذا بصَّرَهُ الصوابَ فقد بصَّرَهُ اللَّحْن.
قَالَ وَقَوله {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} أَي فِي فَحْوَاهُ وَمَعْنَاهُ.
وَقَالَ شَمِر قَالَ أَبُو عدنان: سَأَلت الكِلاَبِيينَ عَن قَول عُمَرَ: (تعلّموا اللَّحْن فِي القرآنِ كَمَا تَعَلَّمُونَه) ، فَقَالُوا كُتِبَ هَذَا عَن قَوْمٍ لَهُم لَغْوٌ لَيْسَ كلَغْوِنا، قلت مَا اللغْوُ؟ فقالَ: الفاسدُ من الكَلاَمِ.
وَقَالَ الكلابيُّون: اللَّحْنُ اللُّغَةُ، فَالْمَعْنى فِي قَول عمر: تعلمُوا اللَّحْنَ فِيهِ، يَقُول: تعلَّموا كيفَ لُغَةُ العَرَبِ الَّذين نَزَلَ القرآنُ بِلُغَتِهم.
قَالَ أَبُو عدنان: وَيكون معنى تعلَّمُوا اللَّحْن فِيهِ، أَي اعْرِفوا معانِيَه، كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} (محَمَّد: 30) أَي فِي مَعْنَاهُ وفحواه.
قَالَ أَبُو عدنان وَأَخْبرنِي أَو زيد: أَنَّ معنَى قولِ عُمَرَ: (أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وإنَّا لنَرْغَبُ عَن كثيرٍ من لَحْنِهِ) قَالَ لَحْنُ الرجل لغَتُه. وأنشدَتْني الكلبيَّةُ:
وقومٌ لَهُم لحنٌ سِوَى لَحْنِ قَوْمِنَا
وشَكْلٌ وبيتِ الله لَسْنَا نُشَاكِلُهْ
وَقَالَ عبيد بن أَيُّوب:
وَللَّه دَرُّ الغُولِ أيُّ رفيقةٍ
لصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يَتَقَتَّرُ
فَلَمَّا رأتْ أَلاَّ أُهَالَ وأنني
شُجاعٌ إِذا هُزَّ الجَبَان المطيَّرُ
أتَتْنِي بِلَحْن بعد لحْنٍ وأوْقَدَتْ
حَوَالَيَّ نيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ
قَالَ الليثُ: والألحانُ الضُّرُوبُ من الأصْوَاتِ الموْضُوعَةِ المصُوغَة، قَالَ: واللَّحْنُ تَرْكُ الصّوابِ فِي الْقِرَاءَة والنَّشيد، يُخَفَّفُ ويثَقَّل، قَالَ واللَّحَّانُ واللَّحَّانَةُ: الرجلُ الكثيرُ اللَّحْن، وَقَالَ غيرُه فِي قَول الطرماح:
وأَدَّتْ إليَّ القَوْلَ عَنْهُنَّ زَوْلَةٌ
تُلاَحنُ أَو تَرْنُو لقَوْل المُلاَحن
أَي تَكلَّم بِمَعْنى كلامٍ لَا يُفْطَنُ لَهُ ويَخْفَى على النَّاس غَيْرِي. وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: منطق صائب وتلحن أَحْيَانًا: إنَّها تُخْطىءُ فِي الإعرَابِ، وَذَلِكَ أَنه يُسْتَمْلَحُ من

(5/41)


الجَوَارِي ذَاك إِذا كَانَ خَفِيفاً، ويستثقل منهنَّ لُزُوم حاق الْإِعْرَاب.
وقِدْحٌ لاحِنٌ إِذا لم يكن صَافِيَ الصَّوْتِ عِنْد الْإِفَاضَة. وكَذَلِكَ قَوْسٌ لاَحِنَةٌ إِذا أُنْبِضَتْ. وسَهْمٌ لاَحِنٌ عِنْد التَّنْفِيز: إِذا لم يكن حنَّاناً عنْد الإدَامَةِ على الإصْبَع والمُعْرِبُ من جَمِيعِ ذَلِك على ضِده. وملاحِنُ العُودِ ضُرُوبُ دَسْتَانَاتِهِ، يُقَال هَذَا لَحْنُ فُلانٍ العَوَّادِ، وَهُوَ الوجْهُ الَّذِي يَضْرب بِهِ.
نحل: فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قتل النَّحْلَةِ والنَّمْلَةِ والصُّرَدِ والهُدْهُد.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ: إنَّما نَهى عَن قَتْلهِن لِأَنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ النَّاسَ، وَهِي أقل الطُّيُورِ والدَّوَاب ضَرَراً على النَّاس، لَيْسَ هِيَ مِثْلَ مَا يَتَأَذَّى بِهِ النّاسُ من الطيورِ الغرابِ وغيرِه، قيل لَهُ: فالنَّمْلَةُ إِذا عضَّتْ تُقْتَلُ؟ قَالَ: النملةُ لَا تعَضُّ إِنَّمَا يَعَضُّ الذَّرُّ. قيل لَهُ فَإِذا عَضَّتْ الذَّرَّةُ تُقْتَلُ؟ قَالَ: إِذا آذَتْكَ فاقْتُلْها.
قَالَ: والنَّمْلةُ الَّتِي لَهَا قَوائمُ تكون فِي البَرَارِي والخرَابَاتِ، وَهَذِه الَّذِي يَتَأَذَّى بهَا النَّاس هِيَ الذَّرُّ. ثمَّ قَالَ: والنَّمْلُ ثَلَاثَة أَصْنَافٍ: النَّمْلُ، فارز، وعُقَيْفانُ.
قَالَ اللَّيْث: والنحل دَبْرُ العسلِ، الواحدةُ نَحْلَةٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (النّحل: 68) الْآيَة، جائزٌ أَن يكون سُميَ نَحْلاً لأنَّ الله جلَّ وعزَّ نَحَل الناسَ العسلَ الَّذِي يَخْرُج من بُطونها.
وَقَالَ غيرُه من أهل الْعَرَبيَّة النَّحْلُ يذكَّرُ ويؤَنَّثُ، وَقد أنثها الله جلَّ وعزّ فَقَالَ: {أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} (النّحل: 68) والواحدةُ نَحْلَةٌ، وَمن ذكَّرَ النَّحْلَ فَلِأَن لفْظَهُ مذكَّرٌ، وَمن أَنَّثه فلأَنه جَمْعُ نحْلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: النُّحْلُ إعْطاؤُك إنْسَاناً شَيْئا بِلَا استعاضَةٍ قَالَ ونُحْلُ الْمَرْأَة مَهْرُها وَتقول أعطيتهَا مهرهَا نحْلةً إِذا لم تُرِدْ مِنْهَا عِوَضاً.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النِّسَاء: 4) .
قَالَ بَعضهم: فَرِيضَة.
وَقَالَ بَعضهم: دِيَانَةً، كَمَا تَقول فلَان يَنْتَحِلُ كَذَا وَكَذَا، أَي يَدِينُ بِهِ.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ نِحْلة من الله لَهُنَّ؟ أَنْ جَعلْ على الرجالِ الصَّدَاقَ، وَلم يَجْعَل على المرْأةِ شَيْئاً من الغُرْمِ فَتلك نِحْلَةٌ من الله للنِّسَاء. وَيُقَال: نَحَلْتُ الرجلَ والمرأةَ إِذا وهَبْتُ لَهُ نَحْلَةً ونُحْلاً. قلت وَمثل نِحْلة ونُحْل حِكْمة وحُكْم.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: {صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَي دِيناً وتدَيُّناً.
وَقَالَ اللَّيْث: نَحَلَ فلانٌ فلَانا أَي سابَّهُ فَهُوَ ينحَلُهُ: يسابّه.
وَقَالَ طرفَة:

(5/42)


فَذَرْ ذَا وانْحَلِ النُّعْمانَ قولا
كنَحْتِ الفَأْسِ يُنْجِد أَو يَغُور
قلت: قَوْله نحل فلَان فلَانا أَي سابَّه باطلٌ وَهُوَ تَصْحِيف لنَجَل فلانُ فلَانا إِذا قطعه بالغِيبة.
وَرُوِيَ فِي الحَدِيث (مَنْ نَجل النَّاس نَجَلُوه) أَي من عابَ الناسَ عابُوه، وَمن سبَّهم سبُّوه. وَهُوَ مثلُ مَا رُوِيَ عَن أَبي الدّرْداء: إِن قارَضْت الناسَ قارضُوك وَإِن تركْتَهُمْ لم يتْرُكُوك) وَقَوله: إِن قارضْتَ الناسَ مأخوذٌ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع الله الْحَرَج إلاّ مَن اقْتَرض عِرْضَ امرىءٍ مُسْلِمٍ فَذَلِك الَّذِي حَرِجَ) وَقد فسرناه فِي موضعِهِ. والنَّجلُ والقَرْضُ معناهُما القَطْع. وَمِنْه قيل للحديدة ذَات الْأَسْنَان مِنْجَل.
وَقَالَ اللَّيثُ: يُقَال انْتَحَل فلانُ شِعْرَ فُلانٍ إِذا ادّعاه أَنَّهُ قائِلُه. وَيُقَال نُحِل الشاعرُ قصيدةً إِذا نُسِبَتْ إِلَيْهِ وَهِي من قِيل غَيْره.
وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الانتحال:
فكيْفَ أَنا وانْتِحالي القوا
فِ بَعْد المشيبِ كَفَى ذَاك عَارا
أَرَادَ انتحالي القوافي فدلَّت كسرةُ الْفَاء من القوافِي على سُقُوط الياءِ، فَحَذَفَها كَمَا قَالَ الله {مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} : (سَبَإ: 13) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أحمدُ بن يحيى فِي قَوْلهم انْتَحلَ فلانٌ كَذَا وَكَذَا: مَعْنَاهُ قد ألْزَمَهُ نَفْسَه وَجعله كالمِلْك لَهُ، أُخِذَ من النحلة وَهِي الهِبَةُ والعطيّة يُعْطَاهَا الإنسانُ. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَرَادَ هِبَةً، والصَّدَاقُ فَرْضٌ؛ لِأَن أَهْلَ الجاهليةِ كَانُوا لَا يُعْطُون النسَاءَ من مُهُورِهِنَّ شَيْئا فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} هبة من الله إذْ كانَ أهلُ الجاهليَّة يَدْفَعُونَهُنَّ عَن صَدُقَاتِهِنَّ، والنحلة هِبَةٌ من الله للنِّسَاء فَرَضَهُ لَهُنَّ على الأزْوَاج.
وَقَالَ الليثُ: نَحلَ الْجِسْم يَنْحَلُ نُحْولاً فَهُوَ نَاحلٌ. قلت: وَالسيف النَّاحِلُ الَّذِي فِيهِ فُلُولٌ فَيُسَنُّ مَرَّةً بعد أُخْرَى حَتَّى يَرِقّ ويذهبَ أَثَرُ فُلُوله، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذا ضُرِبَ بِهِ فَصَمَّم انْفَلَّ فينْحني القَيْنُ عَلَيْهِ بالمَدَاوِس والصَّقْلِ حَتَّى يُذْهِبَ فُلولَه. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
مَضَارِبُها من طول مَا ضربوا بِها
ومِنْ عَض هَامِ الدَّارعين نَواحِل
وجمل ناحل: مَهْزُولٌ دَقِيق وقمر ناحِل إِذا دقّ وَاسْتَقْوَسَ وَرجل ناحِلٌ وامرأةٌ نَاحِلَةٌ ونِساءٌ نَوَاحلُ وَرِجَال نُحَّلُ.
ح ل ف
حلف، حفل، لحف، فَحل، لفح، فلح: مستعملات.
حلف: قَالَ اللَّيْث: الحَلْفُ والحَلِفُ لُغَتَانِ وَهُوَ القَسَمُ والواحدة حَلْفة وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
حلفتُ لَهَا بِاللَّه حِلْفَة فاجرٍ
لناموا فَمَا إنْ مِنْ حديثٍ وَلَا صالِ
قَالَ وَيُقَال: مَحْلُوفَةً بِاللَّه مَا قَالَ ذَاك، يَنْصِبُون على ضميرِ أَحْلِفُ بِاللَّه مَحْلُوفَةً أَي قَسَماً والمحْلُوفَة القَسَم.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: حَلَفت مَحْلُوفاً مصدرٌ وَكَذَلِكَ الْمَعْقُول والميسور والمعسور. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: لَا ومحْلُوفَائِه

(5/43)


لَا أفْعَلُ يُرِيد: ومحْلوفِه فمدّها. وَقَالَ الفرَّاءُ حِكَايَة عَن الْعَرَب: إنّ بني نُمَيْرٍ لَيْسَ لَهُم مَكْذُوبَةٌ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: رجل حلاَّفٌ وحلاَّفَةٌ كثيرُ الحلفِ. وَيَقُول استَحلَفْتُه بِاللَّه مَا فعل ذَاكَ.
قَالَ وَتقول: حَالَفَ فلانٌ فُلاَناً فَهُوَ حَلِيفُه. وَبَينهمَا حلفٌ لأنَّهُما تحالَفَا بالأَيْمان أَن يكون أمْرُهما وَاحِدًا بِالْوَفَاءِ فَلَمّا لَزِم ذَلِك عندهُم فِي الأَحْلاَفِ الَّتِي فِي العشائر والقبائِلِ صَار كلُّ شَيْءٍ لَزِمَ شَيْئاً فَلم يُفَارِقْه فَهُوَ حَلِيفُه حَتَّى يُقَال: فلانٌ حليفُ الجُودِ، وَفُلَان حليفُ الْإِكْثَار وحليفُ الإقْلاَلِ: وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وشرِيكيْنِ فِي كثيرٍ من الما
لِ وَكَانَا مُحَالِفَيْ إِقْلاَلِ
وَقَالَ شَمِر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: الأَحْلاَفُ فِي قُرَيْش خَمْسُ قبائل، عبدُ الدّار وجُمَحُ وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ وعَدِيُّ بن كعبٍ. سُمُّوا بذلك لمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا فِي أَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ من الحِجَابَةِ والرفَادَةِ واللوَاءِ والسقَايَةِ وأَبت بَنُو عَبْدِ الدّارِ، عَقَدَ كلُّ قَوْم على أَمرهم حِلْفاً مُؤكَّداً على ألاَّ يَتَخاذَلُوا، فَأَخْرَجَتْ عَبْدُ مَنَافٍ جَفْنَةً مملوءَةً طيبا فوضَعُوهَا لأَحْلاَفِهِمْ فِي الْمَسْجِد عندَ الكعبةِ، ثمَّ غَمَسَ القوْمُ أيديَهم فِيها وتعاقَدُوا ثمَّ مَسَحُوا الْكَعْبَة بِأَيْدِيهِم توكيداً. فسموا المطيَّبين، وتعاقدت بَنُو عبدِ الدّارِ وحلفاؤها حِلْفاً آخَرَ مؤكَّداً على ألاَّ يتخاذلوا، فَسُمُّوا الأَحْلاَفَ. وَقَالَ الْكُمَيْت يذكرهم:
نسبا فِي المطيَّبين وَفِي الأح
لاف حَلَّ الذُّؤَابَةَ الْجُمْهُورَا
وروى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن جُرَيْج عَن ابْن أبي مُلَيْكة قَالَ كنت عِنْد ابْنِ عبّاس فَأَتَاهُ ابْن صفوانَ فَقَالَ: نِعْمَ الإمارَةُ إمَارَةُ الأَحْلافِ كَانَت لَكُمُ.
قَالَ: الَّذِي كَانَ قبْلَها خيرٌ مِنْهَا، كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المطيبِين، وَكَانَ أَبُو بكرٍ من المطيبين وَكَانَ عمر من الأَحْلاَف يَعْنِي إمارةَ عمر. وَسمع ابْن عَبَّاس نَادِبَةَ عُمَرَ وَهِي تَقول: يَا سيّد الأحْلاَفِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم، والمُحْتَلَفِ عَلَيْهِم. قلت وَأَنَّهَا ذَكَرت مَا اقْتَصَّه ابنُ الْأَعرَابِي لِأَن القُتَيْبيَّ ذكر الطيبين والأحْلافَ فَخَلَطَ فِيمَا فسّر وَلم يُؤَد القِصَّةَ عَلَى وَجْهِها، وَأَرْجُو أَن يكونَ مَا روَاهُ شَمِرٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي صَحِيحاً.
وَفِي الحَدِيث أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَالَفَ بَيْن قُرَيْشٍ والأنصارِ أَي آخَى بَيْنَهُم، لِأَنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَام.
وَقَالَ الليثُ: أَحْلَفَ الغلامُ إِذا جَاوزَ رِهَاقَ الحُلُمِ. وَقَالَ بعضُهم قد أُحْلِفَ. قلت أَنا: أُحْلِفَ الغُلاَمُ بِهَذَا الْمَعْنى خَطَأٌ إِنَّمَا يُقَال أَحْلَفَ الْغُلَام إِذا رَاهَقَ الحُلُم فَاخْتلف النَّاظِرُون إِلَيْه، فَقَائِل يَقُول قد احْتَلَم وأدْرَكَ، ويَحْلِفُ على ذَلِكَ، وقائلٌ يقولُ: غَيْرُ مُدْرِك، ويَحْلِفُ على قولِه. وكلُّ شَيْء يخْتَلف فِيهِ النَّاس وَلَا يَقِفُون مِنْهُ على أَمْرٍ صَحِيح فَهُوَ مُحْلِف، وَالْعرب تَقول للشَّيْء الْمُخْتَلف فِيهِ مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.

(5/44)


وروى أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّهُ قَالَ: حَضَارِ والوزْنُ مُحْلِفَان، وهما نجمان يَطْلُعَان قَبْلَ سُهَيْلٍ من مَطْلَعِه، فكلُّ مَنْ رآهما أوْ أَحَدَهُما حَلَفَ أَنَّهُ سُهَيْلٌ ثمَّ يَتَبَيَّنُ بعد طُلُوعِ سُهَيْلٍ أَنَّهُ غَيْرُ سُهَيْلٍ. وَيُقَال كُمَيْتٌ مُحْلِفٌ إِذا كَانَ بَين الأَحْوَى والأَحَم حَتَّى يُخْتَلَفُ فِي كُمْتَتِه. وكُمَيْتٌ غير مُحْلِفٍ إِذا كَانَ أَحْوَى خَالص الحُوَّة أَوْ أَحَمَّ بَينَ الحُمَّةِ. وَالْأُنْثَى كُمَيْتٌ مُحْلِفةٌ وغيرُ مُحْلِفةٍ. وَأنْشد أَبُو عبيد:
كُمَيْتٌ غَيْرُ مُحْلِفةٍ وَلَكِن
كلون الصّرْف عُلَّ بِه الأَدِيمُ
وناقة مُحْلِفَةُ السَّنَامِ إِذا كَانَ لَا يُدْرَى أَفِي سَنَامها شَحم أم لَا.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
أطلالُ مُحْلِفَةِ الرُّسُو
م بأَلْوَتَيْ بَرَ وفَاجِرْ
أَيْ يَحْلِفُ اثْنانِ أَحَدُهُمَا على الدُّروس، والآخرُ على أَنَّهُ لَيْسَ بِدَارسٍ، فَيَبَرُّ أَحَدُهُمَا بيمينِه، ويَحْنَثُ الآخرُ، وَهُوَ الْفَاجِر.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَلْفاءُ نباتُ حَمْلُه قصب النَّشَّابِ، الْوَاحِدَة حَلَفَةٌ والجميع الحَلَفُ. قلت: الْحَلْفَاءُ نَبْتٌ أطرافُه مَحْدُودَةٌ كأنَّها أَطْرَاف سَعَفِ النَّخْلِ والخوص، يَنْبُت فِي مَغَايِضِ الماءِ والنُّزُوزِ، الْوَاحِدَة حَلَفَةٌ مثل قَصَبة وقَصْبَاء، وطَرَفَة وطَرْفَاء وشَجَرة وشَجْراءُ، وَقد يجمع حَلَفاً وشَجَراً وقَصَباً وطَرَفاً، وكَانَ الأصمعيُّ يَقُول: الْوَاحِدَة حَلِفَة، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ الْحَلْفَاءُ واحدٌ وجميعٌ وَكَذَلِكَ طَرْفَاءُ، وبُهْمَى وشُكَاعَى واحدةٌ وجميعٌ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ رجلٌ حليفُ اللسانِ أَي حديدُ اللسانِ وسِنَانٌ حليفٌ أَي حديدٌ. قلت: أُرَاهُ جُعِلَ حَلِيفاً لأنَّه شُبه حدَّةُ طَرْفِه بحدّة أَطْرَافِ الْحَلْفَاءِ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الْحَلْفَاءُ الأَمَةُ الصَّخَّابة، وَيُقَال أَحْلَفْتُ الرجلَ واستحلْفتُه بمعنَى واحِدٍ، وَمثله أرْهَبْتُه واستَرْهَبْتُه. وَرجل حلاَّف كثير الحَلِفِ، وحالَفَ فلَانا بَثُّه وَحُزْنُه أَي لازَمَهُ.
لحف: قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت الحُصَيْنيّ يَقُول: هُوَ أَفْلَسُ من ضَاربِ قِحْفِ اسْتِه وَمن ضَارِبِ لِحْفِ اسْتِه.
قَالَ: وَهُوَ شقّ الاست وَإِنَّمَا قيل ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجد شَيْئا يلْبسهُ فَتَقَع يَده على شُعَب استه.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحْفُ تَغْطِيتُك الشيءَ باللحافِ، واللحافُ اللبَاس الَّذِي فَوق سائِر اللبَاس من دِثَارِ الْبرد ونحوهِ، تَقول لَحَفْتُ فلَانا لِحَافاً إِذا أَنْت ألبستَه إياهُ، ولَحَفْتُ لِحَافاً، وَهُوَ جَعْلُكَهُ وتَلَحَّفْتُ لِحَافاً إِذا اتخذْتَه لِنَفْسِك، وَكَذَلِكَ الْتحفْتُ وَقَالَ طرفَة:
يَلْحَفُون الأرضَ هُدَّابَ الأُزُر
أَي يجرُّونَها على الأَرْض.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه أنْشدهُ:

(5/45)


كَمْ قَدْ نزلْتُ بِكُمْ ضيفاً فَتَلْحفُني
فضْلَ اللحافِ ونِعْمَ الفضْلُ يُلْتَحَفُ
قَالَ أَرادَ: أعْطَيْتَنِي فضل عَطَائِكَ وجُودِك، وَقد لَحَفَهُ فضْلَ لِحَافِه، إِذا أَنَالَه معروفَه وفضلَه وزوَّده.
أَبُو عُبَيْد عَن الْكسَائي: لَحَفْتُه وأَلْحفْتُه بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد بيتَ طَرَفَة:
ورُوي عَن عائشةَ أَنَّهَا قالتْ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلّي فِي شُعُرنا وَلَا فِي لُحُفِنَا.
قَالَ أَبُو عبيد اللحَافُ كُلُّ مَا تَغَطَّيْتَ بِه فقد الْتَحَفْتَ بِهِ، ولَحَفْتُ الرجلَ أَلْحفُه إِذا فعلْتَ بِهِ ذَلِك يَعْنِي إِذا غَطّيْتَه.
وَقَول طرفَة:
يلحفون الأَرْض هدَّاب الأزر
أَي يُغَطُّونَها ويُلْبِسونَها هدّاب أزُرِهِم إِذا جرُّوها فِي الأرْضِ.
قلتُ وَيُقَال لذَلِك الثوبِ لِحَافٌ ومِلْحَفٌ بِمَعْنى واحدٍ كَمَا يُقَال إزَار وَمِئْزَرٌ وقِرَامٌ ومِقْرمٌ. وَقد يُقَال مِلْحَفَةٌ ومِقْرَمَة سَوَاء كَانَ الثَّوْب سُمْطاً أَو مُبَطَّناً يُقَال لَهُ لِحافُ، وَقد تَلَحَّف فلانٌ بالملْحَفَةِ والْتَحَفَ بِها إِذا تَغَطَّى بهَا. والملحفة عِنْد الْعَرَب هِيَ المُلاءةُ السمْط فَإِذا بُطنَتْ بِبِطَانَةٍ أَو حُشِيتْ فَهِيَ عِنْد عوامّ النَّاس مِلْحَفةٌ. وَالْعرب لَا تعرفُ ذَلِك.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (البَقَرَة: 273) رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من سَأَل وَله أَرْبَعُون دِرْهَماً فقد أَلْحفَ) . قَالَ وَمعنى أَلْحَفَ أَي شَمِلَ بِالْمَسْأَلَة وَهُوَ مستغنٍ عَنْهَا، قَالَ واللّحاف من هَذَا اشتقاقُه لِأَنَّهُ يَشْمَل الإنسانَ فِي التَغْطية. قَالَ: وَالْمعْنَى فِي قَوْله {لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أَي لَيْسَ مِنْهُم سُؤَالٌ فيكونَ إلحَافٌ كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
على لاَحِب لَا يُهْتَدى بِمنَارِه
الْمَعْنى لَيْسَ بِهِ منار فَيُهتدَى بِهِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ من هَؤُلَاءِ سؤالٌ فيقعَ فِيهِ إِلْحَافٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإلْحَافُ شدَّةُ الإلحاح فِي الْمَسْأَلَة. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَلْحفَ الرجلُ إِذا مَشَى فِي لِحْفِ الْجَبَل وَهُوَ أصْلُه قَالَ وأَلْحَفَ إِذا آثَر ضَيْفَه بفراشِه ولحافِه فِي الْحَليت وَهُوَ الثَّلج الدائمُ والأريزُ البارِدُ وأَلْحَفَ وَلَحَّف إِذا جَرَّ إزَارَه على الأَرْضِ خُيَلاءَ وبطراً، وَأنْشد قَول طرفَة. وَيُقَال فلَان حسن اللحفة وَهِي الحالةُ الَّتِي يَتَلَحف بهَا.
فلح: قَالَ اللَّيْث: الفَلاَح والفَلَحُ السَّحُور، وَهُوَ البقاءُ فِي الْخيْر. وَفِي الأَذَان حيَّ على الفَلاح، يَعْنِي هَلُمّ على بَقَاءِ الْخَيْرِ. وَقَالَ غَيره حيّ أَي عجل وأَسْرِع على الفَلاَح، مَعْنَاهُ إِلَى الْفَوْز بِالْبَقَاءِ الدَّائِم.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: الفَلَحُ والفَلاَح البَقَاءُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ولَئِنْ كُنَّا كَقَوْمٍ هَلَكُوا
مَا لحيَ يِا لَقَوْمٍ من فَلَح
وَقَالَ عديّ:
ثمَّ بَعْد الفَلاَحِ والرُّشدِ ولاُّمَّة
وارتْهُمُ هُنَاكَ قُبُور

(5/46)


قَالَ: والفَلَحُ السَّحُورُ، وَجَاء فِي الحَدِيث صَلَّيْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خَشِينَا أَن يفوتَ الفَلَحُ. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث (حَتَّى خشينا أَن يفوتنا الْفَلاح) قَالَ وَفِي الحَدِيث (قيل وَمَا الْفَلاح قَالَ السّحُور) قَالَ، وأصْلُ الفلاحِ البقاءُ وَأنْشد للأضبط ابْن قريع السَّعْدِيّ:
لِكُل هِمَ من الهُمُوم سَعَهْ
والمُسْيُ والصُّبْحُ لَا فَلاَحَ مَعَه
يَقُول لَيْسَ مَعَ كرّ اللَّيَالِي والنَّهارِ بقاءٌ، قَالَ وَمِنْه قَول عبيد بن الأبرص:
أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بالضع
ف وقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ
يَقُول عِشْ بِمَا شِئْتَ من عقلٍ وحمْق فقد يُرْزَقُ الأَحْمَقُ ويُحْرَمُ العاقِلُ. قَالَ وإنَّما قيل لأهل الجنّة: مُفْلِحُون، لفوزِهمْ بِبَقَاء الأَبَد، فَكَأَنَّ مَعْنَى فَلاحِ السَّحُورِ أَنَّ بِهِ بقاءَ الصومِ.
وَفِي حديثِ ابْن مسعودٍ أَنه قَالَ: إِذا قَالَ الرَّجُلُ لامْرَأَته استَفْلِحي بأمْرِكِ، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ اظْفَرِي بأَمْرِك وفُوزِي بأمْرِك واستبدي بأمْرِك. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله: {وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البَقَرة: 5) يُقَال لكلّ من أصَاب خيرا مُفْلِحٌ. وَقَالَ الليثُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (طاه: 64) أَي ظَفِرَ بالمُلْكِ مَنْ غَلَب.
قَالَ والفَلاَّحُ الأَكَّارُ، وَإِنَّمَا قِيل فلاحٌ لِأَنَّهُ يَفْلَحُ الأرضَ أَي يَشُقُّها قَالَ والفَلَحُ الشقُّ فِي الشفةِ وَفِي وسَطِها دون العَلَمِ، وَرجل أَفْلَحُ وامرأةٌ فَلْحاءُ. الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت: الفَلْحُ فَلَحْتُ الأرضَ إِذا شَقَقْتُها للزِّرَاعَة. قَالَ: والفَلَحُ شقّ فِي الشَّفَةِ السُّفْلى. وَقَالَ غَيره فَإِذا كَانَ فِي العُلْيا فَهُوَ عَلَمٌ وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أبي زيد مثله وَأنْشد:
وعَنْتَرَةُ الْفَلْحَاءُ جَاءَ ملأماً
كَأَنَّك فِنْد من عَماية أسودُ
وَيُقَال أفْلَحْتُ الأرْضَ إِذا شَقَقْتَها للحَرْثِ. وَقَالَ الزجَّاجُ الفلاَّح الأكَّار والفِلاحَةُ صِنَاعتُه. قَالَ وَيُقَال: فلحت الْحَدِيد إِذا قطعته وَأنْشد:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْلُك يَا بْنَ الصَّحْصَحْ
أَنَّ الحَدِيدَ بالحدِيدِ يُفْلَحْ
قَالَ: يُقَال للمُكَارِي فلاَّحٌ، وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ فَلاَّحٌ تَشْبيهاً بالأكَّار، وَمِنْه قَول عَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
لَهَا رِطْلٌ تكِيلُ الزَّيْتَ فيهِ
وفَلاَّحٌ يسوقُ لَها حِمَاراً
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: فَلَحْتُ للقَوْمِ وبالقوم أفْلَحُ فِلاَحةً وَهُوَ أَن يُزَين البيعَ وَالشِّرَاء للبائِع والمشترِي. قَالَ وفَلَّحْتُ بهم تَفْلِيحاً إِذا مكَرَ بهم، وقالَ لَهُمْ غيرَ الحقّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَلْحُ النَجْسُ وَهُوَ زِيَادَة المكْترِي ليزِيد غيرُه فيُغَرُّ بِهِ. والتَّفْلِيحُ المكْرُ والاستهْزاء، وَقَالَ أَعْرَابِي: قد فلّحوا بِي: أَيْ مَكَرُوا بِي.
لفح: قَالَ اللَّيْث: تَقول لَفَحتْهُ النَّارُ إذَا أَصَابَتْ أَعالِيَ جَسَدِه فأَحْرَقَتْ. والسَّمُومُ

(5/47)


تَلْفَحُ الإنسانَ. واللُّفَّاحُ شيءٌ أصفَرُ مثلُ البَاذَنْجَانِ طيبُ الرّيح.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: مَا كَانَ من الرِّيَاح بردٌ فَهُوَ نفح وَمَا كَانَ لِفحٌ فَهُوَ حَرٌّ، وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (الْمُؤْمِنُونَ: 104) قَالَ تَلْفَحُ وتَنْفَحُ بمعنَى وَاحِدٍ إِلَّا أنَّ النَّفْحَ أعْظَمُ تَأْثيراً قلتُ وَمِمَّا يُؤَيد قولَه قولُ الله: {نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الأنبيَاء: 46) وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: اللَّفْحُ لكل حارٍ، والنَّفْحُ لِكُل بَارِدٍ، وَأنْشد أَبُو الْعَالِيَة:
مَا أنْتِ يَا بَغْدَادُ إلاَّ سَلْحُ
إِذا يَهُبُّ مَطَرٌ أَوْ نَفْحٌ
فإنْ جَفَفْتِ فَتُرابٌ بَرْحُ
قَالَ: بَرْحُ خالصٌ دَقَيقٌ
فَحل: قَالَ الليثُ: الفحلُ والجميع الفُحول والفِحَالَة: والفِحْلَةُ افتِحَالُ الْإِنْسَان فَحْلاً لدوَابه وَأنْشد:
نَحن افْتَحَلْنَا فَحْلَنَا لم نَأْتِلَهْ
قَالَ: وَمن قَالَ اسْتَفْحَلْنَا فَحْلاً لِدَوَابنَا فقد أخْطَأَ. وَإِنَّمَا الاستِفْحَالُ على مَا بَلغني من عُلُوجِ أهلِ كابُلَ وجُهَّالِهِم أَنَّهُم إِذا وجَدُوا رجُلاً من الْعَرَب جَسِيماً جميلاً خَلَّوْا بينَه وَبَين نِسائِهم رجاءَ أَن يُولَد فيهم مثْلُه. قَالَ وفَحْلٌ فَحِيلٌ أَي كريمُ المُنْتَجَب. وَأنْشد أَبُو عبيد قَول الرَّاعِي:
كَانَت هَجَائِنَ مُنْذِرٍ ومُحَرق
أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُن فَحِيلاً
أَي وَكَانَ طَرْقُهُنْ مُنْجِباً. والطَّرْقُ الفَحْلُ هَهُنَا. وَفِي حَديثِ ابْن عُمَرَ أُنَّه بَعَثَ رَجُلاً يَشْترِي لَهُ أُضْحِيَةً، فَقَالَ اشْتَرِ كَبْشاً فَحِيلاً قَالَ أَبُو عبيدٍ قَالَ الأصْمَعِيُّ قَوْله (فَحيلاً) هُوَ الَّذِي يُشْبِه الفَحُولَةَ فِي خَلْقِه ونُبْلِه. وَيُقَال إِن الفحيلَ المُنْجِبُ فِي ضِرَابه، وَأنْشد قولَ الرَّاعِي: قَالَ أَبُو عبيد والّذي يُرَادُ من الحديثِ أَنه اخْتَارَ الفَحْلَ على الخَصِي والنعجةِ وطَلَبُ جَمَالِه ونُبْلِه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَالُ للنَّخْلَةِ الذَّكَرِ الَّذِي يُلْقَحُ بِهِ حَوَائِلُ النَّخْلِ فُحَّالٌ الْوَاحِدَة فُحَّالَةٌ.
الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت أفَحَلْتُ فلَانا فَحْلاً إِذا أعطيْتَه فَحْلاً يضْرِبُ فِي إبِلِه وَقد فَحَلْتُ إبِلي فَحْلاً إذَا أَرْسَلْتَ فِيهَا فَحْلاً وَقَالَ الراجز:
نَفْلَحُها الْبيض القليلاتِ الطَّبَعْ
من كل عرّاص إِذا هَزّ اهْتَزَعْ
وَقَالَ غَيره: استَفْحَل أمْرُ العَدُو إذَا قَوِي واشتَدّ فَهُوَ مُسْتَفْحِلٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يجمع فُحَّالُ النّخل فَحَاحِيلَ، وَيُقَال للفُحَّال فَحْلٌ وَجمعه فُحُول.
وَفِي الحَدِيث أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ من الأَنْصارِ وَفِي ناحيةِ الْبَيْت فَحْلٌ من تِلْكَ الفُحُول فأمَرَ بناحيةٍ منْه فُرشَتْ ثمَّ صلَّى عَلَيْه. قَالَ أَبُو عبيد: الفَحْلُ الحَصِيرُ فِي هَذَا الحديثِ، قلت هُوَ الحَصِيرُ الَّذِي رُمِلَ من سَعْفِ فُحَّالِ النَّخِيل، وأَمَّا حَدِيث عُثْمَان أَنه قَالَ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْر وَلَا فَحْلٍ والأُرَفُ، تَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ فإنَّه أَرَادَ بالفَحْلِ فَحْلَ النَّخْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّما يكون بَين جماعةٍ فَحْلُ نَخْلٍ يأخُذُ كُلُّ واحِد من الشركاءِ فِيهِ زمنَ تَأْبِيرِ النَّخِيل مَا يَحْتَاجُ

(5/48)


إِلَيْهِ من الحِرْقِ لتأبير نخِيله الإناثِ، فَإِذا بَاع واحدٌ من الشركاءِ نصيبَه من ذَلِك الفحْل بعض الشركاءِ فيهِ لم يكن للباقين من الشُّرَكَاء شُفْعَةٌ فِي المَبِيع، والّذي اشْتَرَاهُ أَحَقُّ بِهِ لأَنَّه لَا يَنْقسِمُ، والشُّفْعَةُ إنّما تَجِبُ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَهَذَا مذهبُ أَهْلِ الْمَدِينَة وإليْه يذهبُ الشَّافِعِي ومالكٌ وَهُوَ مُوافِقٌ لحَدِيث جَابر (إِنَّمَا جَعَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشفْعَةَ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ؛ فَإِذا حُدَّتْ الحدُودُ فَلَا شُفْعَة لِأَن قَوْله ج (فيمَا لَمْ يُقْسَمْ) دليلٌ على أَنه جَعَل الشُّفْعَة فِيمَا يَنْقَسِمُ، فَأَما مَا لَا يَنْقَسِمُ مثلُ الْبِئْر وفَحْلِ النّخيلِ يُبَاع مِنْهُمَا الشقْص بأَصْلِه من الأَرْض فَلَا شُفْعَة فِيهِ لأَنه لَا يَنْقَسِم، وَكَانَ أبُو عُبَيْدِ ح فسّرَ حَدِيث عثمانَ هَذَا تَفْسِيرا لم يرْتَضِه أهْلُ الْمعرفَة وَلذَلِك تركته وَلم أَحْكِهِ بعيْنِه، وتفسيرُه عَلَى مَا بيَّنْتُه.
وفُحُول الشُّعَراءِ هم الَّذين غَلَبُوا بالهِجاء مَنْ هَاجَاهُم، مثلُ جريرِ والفرزدقِ وأَشْبَاهِهمَا، وَكَذَلِكَ كُل من عَارضَ شَاعِرًا فغُلّب عَلَيْهِ، مثل علْقَمَةَ بْنِ عَبَدةَ، وَكَانَ يُسمى فَحْلاً لأنَّه عَارض امْرَأ القَيْسِ فِي قصيدته الَّتِي يَقُول فِي أَولهَا:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُم جُنْدُبِ
بقوله فِي قصيدته:
ذهبتَ من الهُجْران فِي غيرِ مَذْهَبِ
وكلُّ واحدٍ منهمَا يعارِضُ صاحبَه فِي نَعته فَرَسَه، فَفُضلَ علقَمةُ عَلَيْهِ، ولُقبَ الفَحْل.
وَقَالَ شمر: قيل للحصير فَحْلٌ لِأَنَّهُ يُسَوّى من سَعَفِ الفَحْلِ من النَّخِيلِ، فتُكُلمَ بِهِ على التَجَوُّزِ كَمَا قَالُوا فلانٌ يَلْبَس الْقطن وَالصُّوف، وَإِنَّمَا هِيَ ثِيَاب تغزَل وتتَّخذ مِنْهُمَا، وَقَالَ المرار:
والوحشُ ساريةٌ كأَنَّ مُتُونها
قُطْنٌ تُباعُ شَدِيدَةُ الصَّقْلِ
أَرَادَ كأنَّ مُتُونها ثيابُ قطنٍ لشدَّة بياضها.
حفل: قَالَ اللَّيْث الحَفْلُ اجْتِماعُ المَاء فِي مَحْفِلِه تَقول حَفَلَ الماءُ حُفُولاً وحَفْلاً. وحَفَلَ القومُ إِذا اجْتَمعُوا والمحْفِلُ المجْلِس، والمُجْتَمَع فِي غيرِ مَجْلِسٍ أَيْضاً، تَقول احْتَفَلوا أَي اجْتَمَعوا وشاةٌ حَافِلٌ، وَقد حَفَلَتْ حُفُولاً إِذا احْتَفَلَ لَبَنُها فِي ضَرْعها، وَهن حُفَّلٌ وحَوَافِلُ. وَفِي الحَدِيث (من اشْتَرى مُحَفَّلَةً فَلم يَرْضَها رَدّها وَرَدَّ مَعهَا صَاعا من تَمْر) والمُحَفَّلَةُ النّاقة أَو الْبَقَرَة أَو الشَّاة لَا يحلِبُها صاحبُها أيّاماً حَتَّى يجتمعَ لَبَنُها فِي ضَرْعها فَإِذا احْتَلَبَها المُشْتَرِي وَجَدَها غَزِيرَةً فزَادَ فِي ثَمَنِها، فَإِذَا حَلَبَها بعد ذَلِك وَجَدها ناقِصة اللَّبَن عَمَّا حَلَبه أيامَ تَحْفِيلِها، فجعلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَل لَبن التَّحْفِيل صَاعا من تَمْر، وهَذا مذْهَبُ الشّافِعيّ وأهلِ السُّنَّة الَّذين يَقُولُونَ بسنّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والمُحَفَّلَةُ والمُصَرَّاةُ واحدةٌ وَجَاء فِي حَدِيث رُقْيَةِ النملةِ (الْعَرُوس تَقْتَالُ وتَحْتَفِلُ وكلُّ شَيْء تَفْتَعِل، غيرَ أَنَّها لَا تَعصِي الرجُل) وَمعنى تَقْتَال أَي تَحْتَكِم على زَوْجِها وتَحْتَفِلُ أَي تَتَزَيَّن وتحتَشِد للزينَة، يُقَال حَفَّلَتَّ الشَّيْء أَي جَلَوْتُه وَقَالَ بشر يصف جَارِيَته:
رَأَى دُرَّةً بيضاءَ يَحْفِلْ لَوْنُها
سُخَامٌ كغِربان البريرِ مُقَصَّبُ

(5/49)


يُرِيد أَن شعرَها يَشُبُّ بياضَ لونِها فيزيدُه بَيَاضًا بِشِدَّة سَواده.
سَلمَة عَن الفراءِ قَالَ الحوفلة القَنْفاءُ، وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي حَوْفَل الرجلُ إِذا انتفَخَتْ حَوْفَلته وَهِي القَنْفَاءُ. يُقَال للْمَرْأَة تحفَّلي لزوجك أَي تزيّني لِتَحْظَيْ عِنْده، والحَفْلُ المُبالاَةُ يُقَال مَا أَحْفِلُ بفُلانٍ أَي مَا أُبَالي بِهِ. قَالَ لبيد:
فَمَتَى أَهْلِكْ فَلا أَحْفِلُه
بَجَلِي الآنَ من الْعَيْش بَجَلْ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُفَالَةُ والْحُثَالَةُ الرديءُ من كل شَيْء، وَطَرِيق مُحْتَفِلٌ ظاهرٌ مستَبِينٌ، وَقد احْتَفَلَ أَي استَبَان وَمِنْه قَول لبيدٍ يصف طَرِيقا:
تَرْزُم الشَّارِفُ من عِرْفَانِه
كُلَّما لاَح بِنَجْدٍ واحْتَفَلْ
وَقَالَ الرّاعي يصف طَرِيقا:
فِي لاَحِبٍ بِزِقَاق الأَرْض مُحْتَفِل
هاد إِذا عَزَّه الحُدْبُ الحَدَابِيرُ
قَالَ أَرَادَ بالحدب الحدابير صلابة الأَرْض أَي هَذَا الطَّرِيق ظاهرٌ مستبينٌ فِي الصَّلابةِ أَيْضاً، ومُحْتَفَلُ الأمرِ معظَمُه. ومحتفِلُ لَحْمِ الفَخذِ والساقِ أَكْثَره لَحْماً وَمِنْه قَول الهُذَليّ يصف سَيْفا:
أبْيَضُ كالرَّجْع رسوبٌ إِذا
مَا ثَاخ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتلي
وَيجوز فِي مُحْتَفِل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الاحتِفَال من عَدْوِ الْخَيل أَنْ يَرى الفارسُ أَنَّ فرسَه قد بلغَ أَقْصى حُضْرِه وَفِيه بقيَّةٌ يُقَال فرس مُحْتَفِلٌ. وَقَالَ الْقطَامِي يذكر إبِلا اشْتَدَّ عَلَيْهَا حفل اللَّبن فِي ضروعها حَتَّى أذاها فَهِيَ تَبْكي:
ذَوَارِفُ عَيْنَيها من الحَفْلِ بالضُّحَى
سَجُومٌ كتَنْضَاحِ الشنَانِ المشَرّبِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الحُفَال الجمعُ العظيمُ، والحُفَالُ اللبنُ المجْتَمَعُ، وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: قَالَ بعضُ بَني سُلَيْم؛ فلانٌ محافظ عَلَى حَسبه ومُحَافِلٌ عَلَيْه إِذا صَانه. وَأنْشد شمر:
يَا وَرْسُ ذاتَ الحِد والحفيلْ
منحناك مَانِحَ المُخِيلْ
لَو جاءها بِصَاعِه عقيلْ
على عِهِبَّى الْكَيْل إِذْ يكيلْ
مَا بَرِحَتْ وَرسَةُ أَو يسيلْ
وَرْسَةُ اسْم عَنْز كَانَت غَزِيرَةً عَهِبَّى أَي أولِ الْكَيْل وَمِنْه عَهَتَى زمانِه أَي أَوله وعهتى كل شَيْء أوَّلُه، ورجلٌ حَفِيلٌ فِي أمْرِه أَي ذُو اجْتِهاد.
ح ل ب
حلب، حَبل، لحب، لبح، بلح، بِحل: مستعملات
أما: بِحل ولبح: فَإِن اللَّيْث أهملهما.
(بِحل) : وروَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ البَحْلُ الإدْقَاعُ الشَّدِيدُ وَهَذَا غريبٌ.
لبح: قَالَ ابْن الأعرابيّ أَيْضا اللَّبَحُ الشجاعةُ وَبِه سُمي الرجل لَبَحاً، وَمِنْه الْخَبَر: تَبَاعَدَتْ شَعُوب من لَبَحٍ فَعَاشَ أيَّاماً.
حَبل: قَالَ اللَّيْث الحَبْلُ الرَّسَنُ، والجميع الحِبَالُ. والْحَبْلُ العَهْدُ والأَمَانُ والْحَبْلُ التَّوَاصُلُ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاعْتَصِمُواْ

(5/50)


بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} (آل عِمرَان: 103) قالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الاعتصامُ بِحَبل الله هُوَ تَرْكُ الفُرْقَةِ واتّبَاعُ القرآنِ، وإيَّاه أَرَادَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ بقوله: عَلَيْكُم بحبْل الله فإِنَّه كتاب الله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحِبْلُ الرجل العالِمُ الفَطِنُ الدَّاهي. قَالَ وأنشدني المُفَضّل:
فيا عجبا للخود تبدي قناعها
تُرَ أرِىءُ بالعيْنَيْنِ للرجُلِ الحِبْلِ
يُقَال رَأْرَأَتْ بِعَيْنيها وغَيَّقَتْ وَهَجَلَتْ؛ إِذَا أَدَارَتْه تَغْمِزُ الرَّجُلَ.
قَالَ أَبُو عبيد وأصْل الحَبْلِ فِي كلامِ العربِ يتصرَّف على وجوهٍ، مِنْهَا العَهْدُ وَهُوَ الأَمَانُ، وَذَلِكَ أنَّ العربَ كانَتْ يُخِيفُ بعضُها بَعْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة، فكانَ الرجلُ إِذا أَرادَ سَفَراً أَخذ عهْداً من سيد الْقَبِيلَة، فيأمنُ بِهِ مَا دَامَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْأُخْرَى فيأخُذُ مثل ذَلِك أَيْضاً يُرِيدُ بِهِ الأَمَانَ. قَالَ فَمَعْنَى الحديثِ أَنَّهُ يَقُول: عَلَيْكُم بكتابِ الله وتَرْكِ الفُرقة فإِنَّه أَمَانٌ لَكُمْ وعَهْدٌ من عذَاب الله وعِقَابِه. وَقَالَ الْأَعْشَى يذكر مسيرًا لَهُ:
وَإِذا تُجَوزُها حِبَالُ قَبِيلَةٍ
أَخَذَتْ من الأُخرَى إليْكَ حِبَالَها
قَالَ: والحَبْلُ فِي غير هَذَا الموضِعِ المُوَاصَلَةُ وَقَالَ امرؤُ الْقَيْس:
إِنِّي بحبلك وَاصِلٌ حَبْلي
وَبِريش نَبْلِك رائِش نَبْلي
قَالَ: والحَبْل مِنَ الرَّمْلِ المُجْتَمِعُ الكَثِيرُ العَالِي. الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَبْلُ الوِصَالُ، والحَبْلُ رَمْلٌ يستطيل ويمتد، والحَبْلُ حَبْلُ العاتق، والحَبْلُ الوَحِدُ مِنَ الْحِبَالِ. وَهَذَا كلُّهُ بفَتْحِ الحاءِ. قَالَ: والحِبْلُ الدَّاهية وَجمعه حُبُولٌ وَأنْشد لكثير:
فَلَا تَعْجَلي يَا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي
بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أَمْ بِحُبُول
وَقَالَ الآخرُ فِي الْحَبل بِمَعْنى الْعَهْد والذّمة:
مَا زلتُ مُعْتَصِماً بِحَبلٍ منكُم
من حَلّ سَاحَتَكُمْ بِأسْبَابٍ نجَا
بِحَبْلٍ أَي بِعَهْدٍ وذِمَّةٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: حَبْلُ العَاتِق وُصْلَةٌ مَا بَين العاتِق والمَنْكِب. وحَبْلُ الوَرِيدِ عِرْقٌ يَدِرُّ فِي الحَلْقِ. والورِيدُ عرقٌ يَنْبِضُ من الْحَيَوَان لَا دَمَ فِيه. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ} (ق: 16) قَالَ: الحَبْلُ هُوَ الوَرِيدُ فَأُضِيفَ إلَى نَفْسِه لاختلافِ لَفْظِ الاسْمَيْنِ. قَالَ والورِيدُ عِرْقٌ بَيْنَ الحُلْقُومِ والعِلْبَاوَين.
وَقَالَ أَبُو عُبيد قَالَ الأصمعيّ: من أَمْثَالهِم فِي تسهيلِ الحاجةِ وتَقْرِيبِها: هُوَ عَلَى حَبْل ذِرَاعِك، أَي لَا يُخَالفك: وحبل الذرَاعِ عِرْقٌ فِي الْيَدِ. وحِبَالُ الفَرَسِ عروقُ قوائِمِهِ. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
كأَنَّ نُجُوماً عُلقَتْ فِي مَصَامِه
بأمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُم جَنْدَلِ
والأمْرَاسُ الحِبَالُ، الواحدةُ مَرَسَةٌ، شَبَّه عُروقَ قَوَائِمِه بِحبَالِ الكَتَّانِ، وَشبه صلابة

(5/51)


حَوَافِرِهِ بِصُم الجندل، وشَبَّه تَحْجِيلَ قوائِمِه بِبَيَاضِ نُجومِ السَّماء.
والحَبْلُ مصدر حَبَلْتُ الصَّيْدَ واحْتَبَلْتُه إِذا نصبتَ لَهُ حِبَالَةً فنشِب فِيهَا وأخذتَه. والحِبَالَةُ جمع الحَبْلِ، يُقَال حَبَلٌ وحِبَالٌ وَحِبَالَةٌ مثل جَمَلٍ وجِمَالٍ وجِمَالَة وَذَكَرٍ وذِكَارٍ وذِكَارَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصّة الْيَهُود وذُلهم إِلَى آخر الدُّنْيَا وانقضائها {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} (آل عِمرَانَ: 112) تكلّمَ علماءٌ اللُّغَةِ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة واختلَفَتْ مذاهِبُهم فِيهَا لإشكالها، فَقَالَ الفَرّاءُ معناهُ ضُرِبَتْ عَلَيْهِم الذلَّةُ إِلَّا أنْ يَعْتَصِمُوا بحبْلٍ من الله فأضْمَرَ ذَلك قَالَ وَمثله قَوْله:
رَأَتْنِي بحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَة
وَفِي الحَبْل رَوْعَاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ
قَالَ: أَرَادَ رأَتْني أقْبَلْتُ بحَبْلَيْهَا فأضْمَرَ (أَقْبَلْتُ) كَمَا أضْمَرَ الاعْتِصَامَ فِي الْآيَة.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي العبَّاس أحمدَ بن يحيى أَنه قَالَ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الفراءُ بعيدٌ أَن تَحْذِفَ أَنْ وَتُبْقِيَ صِلَتَها، ولكنّ الْمَعْنى إِن شَاءَ الله ضُرِبْتْ عَلَيْهِم الذّلّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا بِكُل مَكانٍ إِلَّا بمَوْضِعِ حَبْلٍ من الله وَهُوَ استِثْناءٌ متَّصِلٌ كَمَا تَقول ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلّة فِي الأمْكِنَة إلاّ فِي هَذَا المكانِ.
قَالَ وقولُ الشَّاعِر (رأَتْنِي بحبليها) هُوَ كَمَا تَقول أَنا بِاللَّه أيْ مُتَمَسك فَتكون الباءُ من صِلَةِ رأَتْنِي مُتَمَسكاً بحَبْلَيْهَا فاكتَفَى بالرُّؤْيةِ من التَّمَسُّك.
قَالَ وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ} (آل عِمرَان: 112) إنَّهُ استثْنَاءٌ خارِجٌ من أَوّل الْكَلَام فِي معنى لَكِنْ. قلت والقولُ مَا قَالَ أَبُو العبَّاس.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أُوصيكم بالثَّقَلَيْنِ كتابِ الله وعِتْرَتِي، أَحَدُهُما أَعْظَمُ من الآخَر، وَهُوَ كتابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ من السَّماء إِلَى الأَرْض) قلت وَفِي هَذَا الحَدِيث اتّصالُ كتابِ الله جلّ وعزّ بِهِ وَإِن كَانَ يُتْلَى فِي الأرْضِ ويُنْسَخُ ويُكْتَبُ. ومَعْنَى الحبلِ الممدُودِ نورُ هُدَاه. والعَرَبُ تُشَبه النُّورَ بالحَبلِ والخيْطِ قَالَ الله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} (البَقَرَة: 187) فالخيطُ الأبيضُ هُوَ نورُ الصُّبْح إِذا تَبَيَّنَ للأَبْصَارِ وانْفَلق، والْخَيْطُ الأسْوَدُ دونَه فِي الإنارة لِغَلبة سوادِ اللَّيْل عَلَيْهِ؛ وَلذَلِك نُعِتَ بالأسْود، ونُعِت الآخَرُ بالأبْيضِ.
وَالْخَيْط والحبلُ قريبان من السَّواء.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال للكَرْمَة حَبَلَةٌ، قَالَ والحَبَلَةُ طاق من قُضبان الكرْم.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الجَفْنَةُ الأصلُ من أصُول الكرْم وَجَمعهَا الجَفْن وَهِي الحَبَلة بِفَتْح البَاءِ وروى أنس بن مَالك أَنه كَانَت لَهُ حَبَلَةٌ تحمل كُرَّاً وَكَانَ يسميها أمَّ الْعِيَال وَهِي الأصَلَةُ من الكرْم انتشرت قُضْبَانُها على عرائشها وامتدّت وكثُرت قضبانُها حَتَّى بلغ حملهَا كُرّاً.

(5/52)


قَالَ شمر: يُقَال حَبَلة وحَبْلة، يُثقَّل ويُخَفَّف.
وَقَالَ اللَّيْث: المُحَبَّلُ الحَبْلُ فِي قَول رؤبة كلُّ جُلال يمْلَأ المُحَبَّلا قَالَ وحبِلَت الْمَرْأَة تحبَلُ حَبَلاً وَهِي حُبْلَى قَالَ: وحَبَلُ الحَبَلَةِ ولَدُ الْوَلدِ الَّذِي فِي البطْن كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتبايعون أولادَ مَا فِي بُطون الحوامِل فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الملاقِيح والمضامينِ وَقد مر تَفْسِيرهَا.
قَالَ شمر: قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ نَهَى عَن حَبَلِ الحَبَلَةِ، جعل فِي الحَبَلَةِ هاءٌ، وَقَالَ هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي هِيَ حَبَلٌ فِي بَطْنِ أُمها فينتَظرُ أَن تُنْتَجَ من بَطْنِ أُمها، ثمَّ يُنْتَظَرُ بهَا حَتَّى تَشِبَّ ثمَّ يرسَلُ عَلَيْها الفحلُ فتَلْقَحَ فَلهُ مَا فِي بَطْنِها، وَيُقَال حَبَلُ الحَبَلَةِ للإبِل وَغَيرهَا.
قَالَ الْأَزْهَرِي جَعَلَ الأولى حَبَلَةً لِأَنَّهَا أُنْثَى فَإِذا نُتِجَت الحَبَلَةُ فولدها حَبَلٌ وَإِنَّمَا بيع حَبَلُ الحَبَلَةِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد حَبَلُ الحَبَلَةِ وَلَدُ الجَنِين الَّذِي فِي بطن النَّاقة، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الشَّافِعِي.
وَقَالَ اللَّيْث سِنَّورَةٌ حُبْلَى وشاةٌ حُبْلى. قَالَ: وَجمع الحُبْلَى حَبَالَى.
وَفِي حَدِيث سعدِ بْن أبي وقَّاصِ أَنه قَالَ (لقد رَأَيْتُنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومالنا طَعَامٌ إِلَّا الحُبْلَةُ وورق السَّمُر) .
قَالَ أَبُو عبيد الحُبْلَةُ والسَّمُرُ ضَرْبَان من الشّجر. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُبْلَةُ فِي غير هَذَا حلي كَانَ يَجْعَل فِي القلائد فِي الْجَاهِلِيَّة وَأنْشد:
ويَزِينُها فِي النَّحْرِ حَلْيٌ وَاضح
وقلائِدُ من حُبْلَةٍ وسُلُوسٍ
قَالَ والسَّلْسُ خيط يُنْظَم فِيهِ الخَرَزُ وَجمعه سُلوس.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَبُلَةُ ثَمَر السَّمُر شبه اللوبياء وَهُوَ العُلَّفُ من الطلح والسنْفُ من المرْخِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُبْلَةُ ثَمَر العِضَاهِ وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو عَمْرو وَقَالَ الليثُ: فلَان الحُبَليّ مَنْسُوب إِلَى حَيّ من الْيمن. قَالَ والْحِبَالَةُ المصيدة وَجَمعهَا حبائل.
قَالَ أَبُو حَاتِم ينْسب الرجل من بني الْحُبْلَى وهم رَهْط عبد الله بن أُبَي المنافقِ حُبَلِيّ قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد ينْسب إِلَى الحبلى حُبْلَوِيّ وحُبْلِيّ وحُبْلاَوِيّ. وبَنُو الحُبْلَى من الأنْصَارِ.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت ضَبٌّ حَابِلٌ ساحٍ يرْعَى الحُبَلَةَ والسحاءَ وَقَالَ الباهليُّ فِي قَول المتَنَخل الْهُذلِيّ:
إِن يُمْسِ نَشْوَانَ بمَصْروفَةٍ
مِنْهَا بِرِيّ، وعَلى مِرْجَلِ
لَا تقهِ الْمَوْت وَقِيَّاتُه
خُط لَهُ ذَلِك فِي المَحْبَلِ
قَالَ: نَشْوان أَي سكْرَانَ، وقولُه بمصروفةٍ أَي بخَمْرٍ صِرْفٍ على مِرْجل أَي على لَحْمٍ فِي قِدْرٍ، أَي وَإِن كَانَ هَذَا دَائِما لَهُ فَلَيْسَ يَقِيه الموتَ، خُطَّ لَهُ ذَلِك فِي المحْبَلِ أَي كُتِبَ لَهُ الموتُ حينَ حَبِلَتْ بِهِ أمُّه، والمَحْبَلُ موضِع الحَبَل قلت أَرَادَ معنى حديثِ ابْن مسعودٍ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن

(5/53)


النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة كَذَلِك ثمَّ مُضْغَة كَذَلِك ثمَّ يبعثُ الله المَلَكَ فيقولُ لَهُ اكْتُبْ رزقه وعَمَله وأَجَلَه وشقيٌّ أَو سعيدٌ فَيُخْتَمُ لَهُ على ذَلِك فَمَا من أحد إِلَّا وَقد كُتِبَ لَهُ الموتُ عِنْد انْقِضَاء الأجلِ المُؤَجَّل لَهُ) .
والمُحْتَبَلُ من الدَّبة رُسْغُها لِأَنَّهُ مَوضِع الحَبْلِ الَّذِي يَشدُّ فِيهِ إِذا رُبط وَمِنْه قَول لبيد:
وَلَقَد أَغْدُو وَمَا يَعْدِمُني
صاحبٌ غيرُ طَوِيل المُحْتَبَلْ
أَي لَيْسَ بطويل الأرْساغ، وَإِذا قصرت أرساغُه كَانَ أشدُّ لَهُ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الشدَّةِ تصيبُ الناسَ: قد ثَارَ حابِلُهم على نَابِلِهمْ. والحابِلُ الَّذِي ينصب الحِبَالَةَ والنابلُ الرَّامي عَن قوسه بالنّبل، وَيكون النابلُ صاحبَ النبل. وَقد يُضْرَب هَذَا مثلا للْقَوْم تنْقَلب أحْوَالُهُم ويَثُورُ بعضُهم على بعض بعد السّكُون والرخاء.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ من أمثالهم: إِنَّه لَوَاسِعُ الحَبْلِ وإنَّهُ لَضيقُ الحَبْلِ، كَقَوْلِك هُوَ ضَيقُ الخُلُق وواسع الخُلُق. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي مثله: إِنَّه لواسع العَطَن وضيق العَطَن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي رجل حَبْلاَنُ إِذا امْتَلأ غيظاً وَمِنْه حَبَلُ المَرْأَةِ وَهُوَ امتلاءُ رَحِمِها. وَقَالَ غيرُه رجل حَبْلاَنُ من الماءِ والشَّرَابِ إِذا امْتَلَأَ رِيّاً. وَفِي حديثٍ جَاءَ فِيهِ ذكْرُ الدَّجَّال لعنَهُ الله أَنه مُحَبَّل الشعْرِ كَأَن كل قَرْنٍ من قُرون رأسِه حَبْلٌ لأنَّه جعله تَقَاصيب لِجعُودة شَعْرِه وطولِه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يقالُ لِلْمَوْتِ حَبِيلُ بَرَاحِ، قَالَ والأُحْبُلُ والْحُنْبُلُ اللُوبياء. قَالَ والحبْلُ: الثّقل، والْحُبَالُ الشَّعْرُ الْكثير، والحُبال انتفاخُ البَطْنِ من الشَّرَاب والنبيذ أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي أَتَيْته على حبالّة ذَاك، أَي على حِين ذَاك بتَشْديد اللَّام. ابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل: الحَبَلُ: انتفاخ الْبَطن من كل الشَّرَاب والنبيذ وَالْمَاء وغيرِه، وَرجل حَبْلاَنُ وَامْرَأَة حَبْلاَنَةٌ، وَبِه سمي حَمْلُ الْمَرْأَة حَبَلاً، وَفُلَان حَبْلاَنُ على فلَان أَي غضْبَانُ، وَبِه حَبَلٌ أَي غَضَبٌ وغَمٌّ، وَأَصله من حَبَلِ الْمَرْأَة وحُبَلُ مَوضِع فِي شعر لبيد:
فبخترير فأطرافِ حُبَلْ
حلب: قَالَ اللَّيْث الحَلَبُ اللَّبَنُ الحليب، تَقول شربت لَبَنًا حَلِيباً وحَلَباً، والحِلاَبُ هُوَ المِحْلَبُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ اللَّبن وَأنْشد:
صَاحِ هَل رأيتَ أَو سَمِعْتَ بِرَاعٍ
رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الحِلاَبِ
قَالَ: والإحْلاَبُ أَن يَكُونَ الرُّعْيانُ إبلهُم فِي المرعى فَمَهْمَا حَلَبُوا جمَعُوا حَتَّى بلغ وَسْقاً حملوه إِلَى الحَي فَيُقَال قد جَاءُوا بإحْلاَبَيْنِ وثلاثَةِ أَحاليبَ وَإِذا كَانُوا فِي الشاءِ والبقرِ فَفَعَلُوا مَا وصفت قَالُوا جَاءُوا بإمخاضَيْنِ وثلاثةِ أَمَاخِيضَ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد الإحْلاَبةُ أَن تحلب لأهْلك وَأَنت فِي المرعى لَبَنًا ثمَّ تبعثُ بِهِ إِلَيْهِم، يُقَال مِنْهُ أَحْلَبْتُهُمْ إحلاباً وَاسم اللَّبَنِ الإحلابَةُ. قلت وَهَذَا مسموعٌ من الْعَرَب صَحِيح، وَمثله الإعْجَالةُ والإعجالاتُ. وَقَالَ الليثُ: الحَلَب من الجبايةِ مثل الصدقةِ

(5/54)


ونحوِها مِمَّا لَا تكون وظيفته مَعْلُومَة وَهِي الإحْلاَبُ فِي ديوَان الصَّدقَات.
وناقة حَلُوبٌ ذاتُ لبنٍ فَإِذا صيَّرتَها اسْما قلت هَذِه الحَلُوبَةُ لفُلَان وَقَد يخرجُون الْهَاء من الحلوبة وهم يعنونها ومثاله الرَّكُوبَةُ والرَّكُوبُ لما يركبُون، كَذَلِك الحلُوبُ والحلوبة لما يحلِبُون. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ نَاقَة حَلْبَاةٌ رَكْبَاةٌ أَي ذاتُ لَبَنٍ تُحْلَبُ وتُرْكَبُ وَهِي أَيْضا الْحَلبانَةُ والرَّكْبَانَةُ وَأنْشد شمر:
حَلْبَانَةٍ رَكْبَانَةٍ صَفُوفِ
تَخْلِطُ بَين وَبَرٍ وصُوفِ
يُرِيد أنَّ يَدَيْها كيدَيْ ناسِجةٍ تخلط بَين وَبَرٍ وصوف من سُرْعَتها.
أَبُو عبيد: حَلَبْتُ حَلَباً مثل طلبتُ طَلَبَاً وهربْتُ هَرَبَاً وجنبت جَنَباً وجَلَبت جَلَباً، قَالَ والمَحْلَبُ شيءٌ يُجعل حبُّه فِي العِطْرِ، قَالَه الفَرَّاء والأصمعي بِفَتْح الْمِيم، وَأما الَّذِي يحلبُ فِيهِ اللَّبن فَهُوَ مِحْلَبٌ بِالْكَسْرِ وَجمعه المحالبُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الحُلَّبُ والحِلِبْلاب نبتان يُقَال هَذَا تَيْسُ حُلَّب. وَمِنْه قَوْله:
أَقَبَّ كتيسِ الحُلَّبِ الغَذَوَان
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحُلَّبُ بقلة جعدة غَبْرَاءُ فِي خضْرةٍ تنبسط على وَجه الأرضِ يسيل مِنْهَا لَبَنٌ إِذا قُطِعَتْ وَيُقَال عنز تُحْلُبةُ وتِحْلِبَة إِذا دَرَّت قبل أَن تَلِد، وقَبْلَ أَنْ تَحْمِل.
وَقَالَ اللَّيْث الحَلْبَةُ خَيْلٌ تَجْتَمِع للسبَاقِ من كل أَوْبٍ لَا تخرج من موضعٍ واحدٍ وَلَكِن من كل حَيَ، وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
نَحن سَبقنَا الحَلَبَاتِ الأرْبَعَا
الفَحْلَ والقُرَّحَ فِي شَوْطٍ مَعَا
وَإِذا جَاءَ الْقَوْم من كُل وَجْهٍ فَاجْتمعُوا لحربٍ وَغير ذَلِك قيل قد أحلبوا وَأنْشد:
إِذا نفرٌ مِنْهُم دُوَيَّةُ أَحْلَبُوا
على عامِلٍ جَاءَت مَنِيَّتُه تعدو
قَالَ وربَّمَا جمعُوا الحَلْبة حَلاَئب وَلَا يُقَال للْوَاحِد مِنْهَا حَلِيبَةٌ وَلَا حِلاَبة وَقَالَ العجاج:
وسابق الحلائب اللهَمُّ
يُرِيد الحَلْبَة.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ أَحْلَبَ الْقَوْم غيرَ أَصْحَابهم إِذا أَعَانُوهم وأَحْلَبَ الرجُلُ غير قَوْمِه إِذا أعَان بَعْضَهُم على بَعْضٍ، وَهُوَ رجل مُحْلِبٌ. قَالَ وحَلَب الْقَوْم إِذا اجْتَمعُوا من كل أَوْب يَحْلُبون حُلُوباً وحَلْباً وأحلب الرجل صاحبَه إِذا أَعَانَهُ على الحَلْب. وَقَالَ ابنُ شُميل أَحْلَبَ بَنُو فلَان بَنِي فلَان أَي نَصَرُوهم، وأَحْلَبَ بَنُو فلَان مَعَ بَنِي فُلانٍ إِذا جَاءُوا أَنْصَاراً لَهُم. قَالَ: وَيَدْعُو الرجل للرجل فَيَقُول: مَاله أَحْلَبَ ولاَ أَجْلَبَ. وَمعنى أحْلَبَ أَي وَلَدَتْ إبِلُه الإناثَ دون الذُّكُور، وَلَا أجْلَبَ إِذْ دَعَا لإبله أَن لَا تَلِدَ الذكورَ لِأَنَّهُ المَحْقُ الخَفِيُّ لذهاب اللَّبَنِ وانقطاعِ النَّسل، وَإِذا نُتِجَت الإبِلُ الإنَاثَ فقد أَحْلَبَ وَإِذا نُتِجَت

(5/55)


الذُّكُور فقد أَجْلَبَ. قَالَ ابْن السّكيت فِي قَول بشر:
أَشَارَ بِهِمْ، لَمْعَ الأَصَم، فأقْبَلُوا
عرانِينَ لَا يَأْتِيه للنصر مُحْلِبُ
كأَنَّه قَالَ لَمَعَ لَمْعَ الأَصم لِأَن الأصَمَّ لَا يسمع الْجَواب فَهُوَ يُديم اللَّمْع. وَقَوله لَا يَأْتِيهِ مُحْلِبُ أَي لَا يَأْتِيهِ مُعِينٌ من غير قومه، وَإِذا كَانَ الْمعِين من قومه لم يكن مُحْلِباً وَقَالَ:
صَرِيحٌ مُحْلِبٌ من أَهْلِ نَجْدٍ
لحي بَين أثلة والنجَامِ
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَيْسَ لَهَا رَاعٍ وَلَكِن حَلْبة، يُضْرَبُ للرجل يَسْتَعِينُكِ فَتُعِينه وَلَا مَعُونَة عِنْده. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي قَالَ وَمن أمثالهم: لَبثْ قَلِيلا يلْحق الحلائِب يَعْنِي الْجَمَاعَات أنْشد الْبَاهِلِيّ للجعدي:
وبَنُو فَزَارَةَ إِنَّهَا
لَا تُلْبِثُ الحَلْبَ الحَلاَئب
حُكيَ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: لَا تُلْبِثُ الحلائِبُ حَلْبَ ناقةٍ حَتَّى تَهْزِمَهُم: قَالَ وَقَالَ بَعضهم: لَا تُلْبِثُ الحلائبُ أَن تَحْلِب عَلَيْهَا تُعَاجِلُها قبل أَن تَأْتِيهَا الأَمْدَادُ وَهَذَا زَعَم أَثْبَتُ. وَمن أمثالهم حَلَبْتَ بالساعد الأشِدّ أَي استعَنْتَ بِمن يقوم بِأَمْرِك ويُعْنَى بحاجَتِك.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي أسْرع الظباء تَيْسُ الحُلَّب لِأَنَّهُ قد رعى الربيعَ، والربل والرَبْلُ مَا تَرَبّل من الرَّيحة فِي أَيَّام الصَّفَريَة وَهِي عشرُون يَوْمًا من آخِرِ القَيْظِ، والرَّيحة تكون من الْحَلب والنصِيّ والرُّخَامِي، والمَكْرِ، وَهُوَ أَن يظْهر النبت فِي أُصُوله فالتي بقيت من الْعَام الأَوّلِ فِي الأَرْض تَرُبُّ الثرى أَي تلْزمهُ. والحُلَّب نبت ينبسط على الأَرْض تدوم خُضْرَتُه لَهُ ورق صغَار يُدبغ بِهِ يُقَال سِقاءٌ حُلَّبى.
أَبُو زيد بقرة مُحِلُّ وشاةٌ مُحِلٌّ وَقد أحلَّت إحْلالاً إِذا حَلَبت بِفَتْح الْحَاء قبل وِلاَدها، قَالَ وحَلَبت أَي أَنْزَلت اللَّبَن قبل وِلاَدها.
أَبُو عبيد من أمثالهم فِي الْمَنْع: لَيْسَ كلَّ حِين أُحْلَب فأُشْرَب، هَكَذَا رَوَاهُ المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم.
قَالَ أَبُو عبيد وَهَذَا الْمثل يرْوى عَن سعيد بن جُبَيْر، قَالَه فِي حَدِيث سُئِلَ عَنهُ وَهُوَ يضْرب فِي كل شَيْء يُمْنَع. وَقد يُقَال: لَيْسَ كلَّ حِين أَحْلِب فأَشْرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: تَحَلَّب فُو فُلانٍ وتحلَّب الندى إِذا سَالَ وَأنْشد:
وظلَّ كَتَيْسِ الرَّمْلِ يَنْفُض مَتْنَهُ
أذَاةً بِه من صَائك مُتَحَلبِ
شَبَّه الْفرس بالتَّيْس الَّذِي تحلّب عَلَيْهِ صائك المَطَر من الشّجر، والصائِكُ الَّذِي يتَغَيَّر لونُه وريحه والحُلْبَةُ حَبَّةٌ والجميع حُلُب. والْحُلْبُوب اللَّوْن الْأسود وَقَالَ رؤبة:
واللون فِي حُوَّته حُلْبُوب
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحُلُب السُّود من كل الْحَيَوَان. قَالَ والحُلُب الفُهَماء من الرِّجَال.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلْبُ الْجُلُوس على ركبته يُقَال احْلُبْ فَكُلْ.

(5/56)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي حَلَب يَحْلُب إِذا جلس على رُكْبَتَيْهِ.
ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي أسود حُلْبُوبٌ وسَحْكُوكٌ وغِرْبيبٌ وَأنْشد:
أما تَرانِي الْيَوْم عَشّاً نَاخِصَا
أسودَ حُلْبُوباً وكنتُ وَابِصا
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحالِبَانِ من الدّابة عِرْقان يكتنفان السُّرَّةَ وَأما قَول الشمَّاخ:
تُوَائِلُ من مِصَكَ أَنْصَبَتْهُ
حوالب أَسْهَرَيْهِ بالذَّنَينِ
فَإِن أَبَا عَمْرو قَالَ أسْهَرَاه ذَكَرُه وأَنْفُه وحوالِبُهُما عروقٌ تَمُدّ الذَّنينَ من الأَنْفِ، والمذْي من قَضِيبِه.
ويُروَى حَوَالِبُ أَسْهَرَتْهُ يَعْنِي عُرُوقاً يَذنّ مِنْهَا أَنْفُه.
وحَوَالِبُ البئْرِ مَنَابِعُ مَائِهَا، وَكَذَلِكَ حَوَالِبُ الْعُيُون الفوَّارةَ وحوالب الْعُيُون الدامقَةِ.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
تدفَّق جُوداً إِذا مَا الْبحار
غَاضَت حَوَالِبُها الحُفَّلُ
أَي غارت موادّها، وحَلاَّبُ من أَسمَاء خيل الْعَرَب السَّابِقَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَلاَّبُ هُوَ من نتاج الأعوج.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي بَاب أخلاقِ النَّاس فِي اجْتِمَاعهم وافتراقهم قَوْلهم شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَةُ قَالَ وأصلُه أَنهم يوردون إبلهم الشَّريعة والحوضَ مَعَاً، فَإِذا صدرُوا تفرّقوا إِلَى مَنَازِلهمْ فَحلبَ كلُّ وَاحِد مِنْهُم فِي أَهله على حياله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أَمْثالِهِمْ حلبت حَلْبَتَها ثمَّ أَقْلَعَتْ يُضْرَبُ مثلا للرجل يَصْخَب ويُجلب ثمَّ يسكت من غير أَن يكون مِنْهُ شيءٌ غير جَلَبتهِ وصِيَاحِه.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ إِذا خرج من ضرع العنز شيءٌ من اللَّبن قبل أَن ينزو عَلَيْهَا التيس قيل هِيَ عَنْزٌ تُحْلُبة وتِحْلِبة.
وروى شمر للفراء وعنْزٌ تُحْلَبة.
وحَلَب اسْم بلد من الثغور الشامية.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحَلْبُ البروك والشَّرْب الفَهْمُ يُقَال حَلَب يَحْلُب حَلْباً إِذا بَرَك وشَرَب يَشرُب شَرْباً إِذا فَهم، وَيُقَال للبليد احلُب ثمَّ اشرُب.
شمر يُقَال يومٌ حَلاَّبٌ وَيَوْم هَلاَّبٌ وَيَوْم هَمَّام وصَفْوَانُ ومَلْحَانُ وشَيْبَانُ، فَأَما الهلاَّب فاليابس بَرداً، وَأما الحَلاَّبُ فَفِيهِ ندًى، وَأما الهمّام فَالذي قد هَمَّ بالبَرْد، قَالَ والهَلْبُ تتَابع الْقطر وَقَالَ رؤبة:
والمذريات بالذواري خصبا
بهَا جُلالا ودقاقا هُلبا
وَهُوَ التَّتَابُع والمرّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحِلْبَاءُ الأَمَةُ البارِكَةُ من كسلها وَقد حَلَبت تحلُب إِذا بَركت على ركبتيها.
لحب: قَالَ اللَّيْث اللَّحْبُ قَطْعُكَ اللَّحْمَ طُولاً وَلحبَ مَتْنُ الْفرس وعجزه إِذا امَّلَسَ فِي حُدُور وَأنْشد:
والمتنُ ملحوب

(5/57)


أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الْمُلَحَّبُ نَحْو من المُخَذَّم.
وَقَالَ اللَّيْث: طَرِيق لاحِبُ ولِحب ومَلْحُوبٌ إِذا كَانَ وَاضِحاً. وَسمعت الْعَرَب تَقول الْتَحَب فلانٌ مَحَجَّة الطَّرِيق ولَحَبَها والْتَحَمَها إِذا رَكِبهَا، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
يَلْحَبْن لَا يَأْتَلي المطلوبُ والطَّلَبُ
أَي يركبن اللاحِبَ وَبِه سمي الطَّرِيق الموطأُ لاحِباً لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَحِبَ أَي قُشِر عَن وَجهه التُّرَاب فَهُوَ ذُو لَحْبٍ قَالَ والمِلْحَب اللِّسَان الفصيح والمِلْحَب الْحَدِيد الْقَاطِع.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
لِسَانا كمقراض الخَفَاجِيّ مِلْحَبَا
وَقَالَ أَبُو دُواد:
رفَعْنَاها ذَمِيلاً فِي
مُحَلَ مُعْمَلٍ لَحْبِ
ولَحَب يلحَبُ إِذا أسْرع فِي سيره فَهُوَ لاحب.
بلح: قَالَ ابْن بُزُرج البوالح من الْأَرْضين الَّتِي قد عُطلت فَلَا تُزْرَعُ وَلَا تُعْمَرُ. والبَالِحُ الأرضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئا وَأنْشد:
سلالي قَدُورَ الحارثيَّةَ مَا تَرَى
أَتَبْلَحُ أم يُعْطَى الوفاءَ غَرِيمُها
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ البُلَحُ طَائِر أكبر من الرَّخَم.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل استبق رجلَانِ فَلَمَّا سبق أحدُهما صاحِبَه تَبَالحا أَي تجاحدا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي بَلَحَ مَا على غريمي إِذا لم يكن عِنْده شَيْء، وبَلَحتْ خَفَارَتُه إِذا لم تَفِ وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
أَلاَ بَلَحَتْ خَفَارَةُ آلِ لأْيٍ
فَلَا شَاةً تَرُدُّ وَلَا بَعِيرَا
وَبَلَحَ الغريمُ إِذا أَفْلَسَ وبَلَحَ الماءُ بُلُوحاً إِذا ذَهَبَ وبئر بَلُوحٌ وَقَالَ الراجز:
وَلَا الصماريد البِكَاءُ البِلْحُ
وَقَالَ اللَّيْث البلح الْخلال وَهُوَ حَمْلُ النّخل مَا دَامَ أخْضَرَ كحِصْرِمِ الْعِنَب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البلح هُوَ السيَابُ، اللَّيْث البُلَحُ طائِر أعظم من النّسر مُحترق الريش يُقَال إِنَّه لَا يَقع ريشة من ريشه وسط ريش سَائِر الطير إِلَّا أحرقته. وَيُقَال هُوَ النسْر الْقَدِيم إِذا هرم والجميع البِلُحان قَالَ: والبُلوح تَبَلُّدُ الحامِلِ تَحت الحِمْل من ثِقَلِه.
وَيُقَال حُمِل على الْبَعِير حَتَّى بَلَحَ، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وَبَلَحَ النَّمْلُ بِهِ بُلُوحاً
يصف النَّمْل ونَقْلَه الحَبَّ فِي الحَر. أَبُو عبيد إِذا انْقَطع من الإعياء فَلم يقدر على التحرك قيل بَلَحَ وَقَالَ الْأَعْشَى:
واشتَلى الأوصالَ مِنْهُ وبلح
ح ل م
حمل، حلم، لحم، لمح، ملح، مَحل: مستعملات.
حمل: قَالَ اللَّيْث: الحَمَلُ الخروف والجميع الْحُمْلاَنُ. والحَمَلُ بُرْجٌ من بُرُوجِ السَّمَاءِ، أَوله الشَّرْطانِ وهما قرْنَا الحَمَل ثمَّ البُطيْن

(5/58)


ثَلَاثَة كَوَاكِب ثمَّ الثُّريا وَهِي أَلْيَةُ الحَمَل، هَذِه النجومُ على هَذِه الصّفة تسمى حَمَلاً.
سَلمَة عَن الفرَّاء: المُحَامِلُ الَّذِي يَقْدر على جوابك فيدعُه إبْقَاء على مودتك، والمُجَامِل الَّذِي لَا يَقْدر على جوابك فيتركُه ويحقدُ عَلَيْك إِلَى وقتٍ مّا. وَيُقَال فلَان لَا يَحْمِلُ أَي يُظْهِر غَضَبَهُ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ الحَمَلُ النَّوْءُ قَالَ وَهُوَ الطَّلِيُّ، يُقَال مُطِرْنَا بِنَوْءِ الحَمَلِ وبِنَوْءِ الطَّلِي.
اللَّيْث: حَمَلَ الشيءَ يَحْمِلُه حَمْلاً وحُمْلاَناً وَيكون الْحُمْلاَنُ أجرا لما يُحْمَلُ. قَالَ والحُمْلاَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ من الدوابّ فِي الهِبَةِ خَاصَّة.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: الحَمْلُ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَو على رَأس شجرةٍ، وَجمعه أحْمَال والحِمْلُ مَا كَانَ على ظهْر أَو على رأسٍ. وَقَالَ غيرُه حَمْل الشّجر وحمْلُه.
وَقَالَ بَعضهم مَا ظهر فَهُوَ حِمْلٌ وَمَا بطن فَهُوَ حَمْلٌ. وَقيل مَا كَانَ لَازِما للشَّيْء فَهُوَ حَمْلٌ وَمَا كَانَ بَائِنا فَهُوَ حِمْل. وَالصَّوَاب مَا قَالَ ابْن السّكيت.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله الله جلّ وعزّ: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} (الْأَنْعَام: 142) الحَمُولَةُ مَا أَطاق العَمَل والحَمْل، والفرشُ الصغَارُ.
وَحدثنَا السعديُّ قَالَ حَدثنَا عمرُ بن شبة عَن غنْدر عَن شُعبةَ عَن أبي الْفَيْض قَالَ سَمِعت سعيد بن جُبَير يحدث عَن أَبِيه أَنَّ أَبَا بكر شيَّع قوما فَقَالَ لَهُم: تَرَاحَمُوا تُرْحَمُوا وتَحَامَلُوا تُحْمَلُوا، مَعْنَاهُ أَبقوا على غَيْركُمْ يُبْق عَلَيْكم وهابوا النَّاس تُهابُوا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} الحَمُولة مَا أَطاق العَمل والحَمْل والفرشُ الصغَارُ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم الحَمُولَةُ من الْإِبِل الَّتِي تَحْمِلُ الْأَحْمَال على ظُهُورهَا بِفَتْح الْحَاء. قَالَ والحُمُولة بِضَم الْحَاء هِيَ الأَحْمَال الَّتِي تُحْمَل عَلَيْهَا، وَاحِدُها حِمْلٌ وأَحْمَالٌ وحُمُولٌ وحُمُولة. قَالَ فَأَما الحُمُر والبغالُ فَلَا تدخل فِي الحَمُولة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُمُولُ الإبلُ وَمَا عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيره: هِيَ الهَوادِجُ وَاحِدهَا حِمْل وَيُقَال الحُمُولة والحُمُول وَاحِد وَأنْشد:
أَحَزْقَاءُ للبَيْنِ استقلَّت حُمُولَها
قَالَ والحُمُول أَيْضا مَا يكون على الْبَعِير. وَقَالَ أَبُو زيد الحُمُولة مَا احْتَمَلَ عَلَيْهِ الحيُّ، والحُمُولة الأثقال. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ الحُمُولة الحُمُول وَاحِدهَا حِمل وَهِي الهوادج أَيْضا كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لَا، وَقَالَ ابْن السّكيت قَالَ أَبُو زيد الحُمولة مَا احْتمل عَلَيْهِ الحيّ من بعير أَو حمَار أَو غَيره، كَانَ عَلَيْهَا أَحْمالٌ أَو لم تكن. وَأنكر أَبُو الْهَيْثَم مَا قَالَه أَبُو زيد فردّ عَلَيْهِ قَوْله وَقَالَ اللَّيْث: الحَمُولة الإبِلُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا الأثقالُ. والحُمُول الْإِبِل بأثقالها وَأنْشد:
أَصَاحِ تَرى وأَنْتَ إِذا بعيرٌ
حُمُول الْحَيّ يرفعها الوَجِينُ

(5/59)


الوجين مَا غلظ من الأَرْض قَالَه النَّابِغَة، وَقَالَ أَيْضاً:
يُخالُ بِهِ راعي الحَمُولة طائرا
الْأَصْمَعِي: الحَمَالَةُ الغُرْم تُحمل عَن الْقَوْم، ونَحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيث: وَقَالَ يُقَال أَيْضا حَمَالٌ، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
فرع نَبْعٍ يهتزُّ فِي غُصُن الْمجد
عظيمُ الندى كثير الحَمَالِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحِمَالةُ بِكَسْر الْحَاء عِلاقة السَّيْف والجميع الحمائِل وَكَذَلِكَ المِحْمَل عِلاقة السَّيْف وَجمعه محامل قَالَ الشَّاعِر:
ذرفت دموعك فَوق ظهر المِحْمَل
والمِحْمَل الَّذِي يُرْكَبُ عَلَيْهِ بِكَسْر الْمِيم أَيْضا والمَحْمِل بِفَتْح الْمِيم الْمُعْتَمد يُقَال مَا عَلَيْهِ مَحْمِلٌ أَي مُعْتَمد.
وَقَالَ اللَّيْث: مَا على فلَان مَحْمِلٌ من تحميل الْحَوَائِج وَمَا على الْبَعِير مَحْمِلٌ من ثِقَل الحِمْلِ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ المُحْمِلُ المرأةُ الَّتِي ينزل لَبنهَا من غير حَبَل وَقد أَحْمَلَتْ وَيُقَال ذَلِك للناقة أَيْضا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي قوم يخرجُون من النَّار حُمَمَاً فَيَنْبُتُون كَمَا تنْبت الحِبّة فِي حَمِيلِ السَّيْل، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الحَمِيلُ مَا حمله السَّيْل وكل مَحْمُولٍ فَهُوَ حَمِيلٌ.
قَالَ أَبُو عبيد وَمِنْه قَول عمر فِي الحَمِيل إِنَّه لَا يُوَرَّث إِلَّا ببيّنة، سمي حَمِيلاً لِأَنَّهُ يُحْمَلُ صَغِيرا من بِلَاد العَدُوّ وَلم يولدْ فِي الْإِسْلَام، وَيُقَال بل سمي حَمِيلا لِأَنَّهُ مَحْمُول النَّسَب، وَيُقَال للدعيّ أَيْضا حَمِيلٌ وَقَالَ الْكُمَيْت يُعَاتب قضاعَة فِي تحويلهم إِلَى الْيمن بنسبهم:
عَلاَمَ نزلتُمُ من غير فَقْرٍ
وَلَا ضَرَّاءَ مَنْزِلةَ الحَمِيلِ
وَقَالَ اللَّيْث: الْحميل المنبوذُ يَحْمِلُه قوم فَيُرَبُّونه، قَالَ وَيُسمى الولَدُ فِي بطن الأُم إِذْ أُخِذَت من أَرض الشّرك حَميلاً. وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحَمِيلُ الكفيلُ. وَقَالَ الْكسَائي حَمَلْتُ بِهِ حَمَالَةً كَفَلْتُ بِهِ وَفِي الحَدِيث (لَا تحل الْمَسْأَلَة إِلَّا لثَلاثَةٍ) ذكر مِنْهُم رجلا تَحَمَّلَ بِحَمَالةٍ بَين قوم وَهُوَ أَن يَقع حربٌ بَين فريقين تُسفك فِيهَا الدماءُ فيتحمّل رجلٌ تِلْكَ الدياتِ ليُصلح بَينهم وَيسْأل النَّاس فِيهَا، وَقَتَادَة صَاحب الحَمَالَة سمّي بذلك لِأَنَّهُ بحمَالَةٍ كَثِيرَة فسأَل فِيهَا وأَدَّاها. وَيَجِيء الرجلُ الرجلَ إِذا انْقَطع بِهِ فِي سَفَرٍ فيقولُ لَهُ احْمِلْني فقد أُبْدِعَ بِي أَي أَعطني ظهرا أرْكُبُه. وَإِذا قَالَ الرجل للرجل أَحْمِلْني بِقطع الأَلف فَمَعْنَاه أَعنِي على حَمْلِ مَا أَحْمِلُه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: { (الْأَحْزَاب: 72) فَقَالَ بعد مَا ذكر أقاويل الْمُفَسّرين فِي هَذِه الْآيَة: إِن حقيقَتَها وَالله أعلم وَهُوَ مُوَافق لما فسروا أَن الله جلّ وعزّ ائْتَمن بني آدمَ على مَا افْترضَه عَلَيْهِم من طاعتِهِ وائْتمَن السماواتِ والأرضَ وَالْجِبَال بقول {} (فُصَلَت: 11) ، فَعرفنَا الله أَنّ السماواتِ

(5/60)


والأرضَ لم تَحْمِل الْأَمَانَة أَي أدَّتْها، وكلُّ من خَانَ الأمانَةَ لقد حَمَلها، وكَذلك كل من أَثِمَ فقد حَمَل الإثْم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (العَنكبوت: 13) الْآيَة، فَأعْلم الله أنّ من بَاء بالإثْم يُسمى حَامِلا للإثمِ، والسمواتُ والأرضُ أَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَ الأَمَانَةَ وأَدَّيْنَها، وأَدَاؤُها طاعَةُ الله فِيمَا أمرهَا بِهِ والعملُ بِهِ وتركُ الْمعْصِيَة، وحَمَلَهَا الإنسانُ. قَالَ الْحسن أَرَادَ الكافرَ والمنافقَ حَمَلا الأَمَانَةَ أَي خَانَا وَلم يُطِيعَا فَهَذَا الْمَعْنى وَالله أَعْلَمُ صَحِيح وَمن أطَاع من الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالْمُؤمنِينَ فَلَا يُقَال كَانَ ظَلوماً جهولاً، وتصديقُ ذَلِك مَا يَتْلو هَذَا من قوْله {ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزَاب: 73) إِلَى آخرهَا، قلت وَمَا علمتُ أحدا شرح من تَفْسِير هَذِه الْآيَة مَا شرحَهُ أَبُو إِسْحَاق، وممّا يُؤيدُ قولَه فِي حمل الْأَمَانَة أَنَّ خِيَانَتَها وَترك أَدَائِها قولُ الشَّاعِر أنْشدهُ أَبُو عبيد:
إِذا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تؤدّي أَمَانَة
وتحملُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الوَدَائعُ
أَرَادَ بقوله وتحملُ أُخْرَى أَي تخونها فَلَا تُؤديها يدلك على ذَلِك قَوْله أَفْرَحَتْك الودائع، أَي أثقل ظهرَكَ الأماناتُ الَّتِي تخونُها وَلَا تؤديها، يُقَال حَمَلَ فلانٌ الحِقْدَ على فلَان إِذا أَكَنَّه فِي نَفسه واضْطغنه وَيُقَال للرجل إِذا استخفّه الغَضَبُ قد احتُمل وأُقِلَّ وَيُقَال للَّذي تحَلَّم عَمَّن يَسُبُّه قد احْتَمَل فَهُوَ مُحْتَمِل وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه فِي قَول المتنخل الْهُذلِيّ:
كالسُّحُل البيضِ جَلاَ لَوْنُها
هَطْلُ نَجَاءُ الحَمَلِ الأسولِ
الحَمَلُ السَّحَاب الْأسود، قَالَ وَقيل فِي الْحمل إِنَّه المَطَرُ للّذي يكون بِنَوْءِ الَحَملِ وسمى الله جلّ وعزّ الإثْم حِمْلاً فَقَالَ {وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ} (فَاطِر: 18) يَقُول إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْلَةٌ بأوزارها ذَا قَرابة لَهَا أَن يَحْمِلَ وِزْرَها شَيْئا لم يَحْمِل من أوزَارها شَيْئا.
ابْن السّكيت عَن الْفراء: يُقَال امْرَأَة حامِلٌ وحامِلَةٌ إِذا كَانَ فِي بَطنهَا ولد وَأنْشد:
تمخَّضَت الْمنون لَهُ بِيَوْم
أَنى وَلكُل حاملة تُمَامُ
فَمن قَالَ حاملٌ بِغَيْر هَاء وَهَذَا نعت لَا يكون إِلَّا للمُؤنَّث وَمن قَالَ حاملةٌ بناه على حَمَلَتْ فَهِيَ حاملةٌ فَإِذا حَمَلَت الْمَرْأَة شَيْئا على ظهرِها أَو على رأْسِها فَهِيَ حاملةٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَن هَذَا قد يكون للذَّكر. وحَمَلٌ اسْم رجل بِعَيْنِه وَقَالَ الراجز:
اشْبِهْ أَبَا أُمك أَو أَشْبِه حَمَلْ
وحَمَلٌ اسْم جبل بِعَيْنِه.
سَلمَة عَن الْفراء احْتَمَلَ الرجل إِذا غَضِبَ وَيكون بِمَعْنى حَلُم. وَقَالَ الأصمعيُّ فِي الْغَضَب غضب فلَان حَتَّى احْتَمَل وَيُقَال حَمَل عَلَيْهِ حَمْلَةً منكَرة (وَشد عَلَيْهِ شدَّة مُنكرَة) وَرجل حَمَّالٌ يحمل الكَلَّ عَن النَّاس وَرَأَيْت جبلا فِي الْبَادِيَة اسْمه حَمّال

(5/61)


وحَمَلٌ اسْم جبل فِيهِ جَبَلانِ يُقَال لَهما طِمِرَّان وَقَالَ:
كَأَنَّهَا وَقد تدلّى النَّسران
ضمهما من حمل طِمِرَّان
صعبانُ عَن شمائِلٍ وأَيْمَان
مَحل: شمر عَن ابْن الأَعرابي أَرض مَحْلٌ ومَحْلَةٌ ومَحُولٌ لَا مَرْعَى فِيهَا وَلَا كَلأ وَرجل مَحْلٌ لَا يُنْتَفَع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُحُول والقُحُوط احتباسُ الْمَطَر وَأَرْض مَحْل وقحط لم يصبْها الْمَطَر فِي حِينه. وأَمْحَلَ الْمَطَر أَي احْتَبَس. وأَمْحَلْنَا نَحن وَإِذا احْتَبَس القَطْرُ حَتَّى يمْضِي زمَان الوسْمِي كَانَت الأَرْض مَحُولاً حَتَّى يُصِيبهَا الْمَطَر وَيُقَال قد أَمْحَلْنَا مُنْذُ ثلاثِ سِنِين وَأَرْض مِمْحَال وَقَالَ الأخطل:
وَبَيْدَاءَ مِمْحَالٍ كأَنَّ نَعَامَها
بأرجائها القُصوى أَبَا عِزُ هُمَّلُ
وَقَالَ اللَّيْث المَحْلُ انْقِطَاعُ المَطَرِ ويُبْسُ الأرضِ من الكَلأ. أرضٌ مَحْلٌ ومَحْوُلٌ وَرُبمَا جُمِعَ المَحْلُ أَمْحَالاً وَأنْشد:
لَا يَبْرَمُون إِذا مَا الْأُفق جلّله
صِرُّ الشتَاء من الأَمْحَالِ كالأَدَمِ
أَمْحَلت الأَرْض فَهِيَ مُمْحِلٌ وأَمْحَلَ القومُ وزمانٌ ماحِلٌ وَأنْشد:
والقائلُ القولَ الَّذِي مثلُه
يُمرع مِنْهُ الزمنُ الماحِلُ
وَقَالَ القتيبي فِي قَول الله جلّ وعزّ: { (الرَّعْد: 13، 14) أَي شَدِيد الكيد المَكْرِ قَالَ وأصل المِحَالِ الحيلةُ وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
ولَبَّس بَين أقوامٍ فَكُلٌّ
أَعْدَّ لَه الشَغَازِبَ والمِحَالا
قلت وَقَول القتيبي أصل المِحال الحيلةُ غلطٌ فاحِشٌ، وَأَحْسبهُ توهم أَن مِيم الْمحَال مِيم مِفْعل وَأَنَّهَا زَائِدَةٌ، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا توهمه؛ لِأَن مِفْعلاً إِذا كَانَ من بَنَات الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ يَجِيء بِإِظْهَار الْوَاو وَالْيَاء مثل المِزْوَدُ والمِرْوَدُ والمِجْول والمِحْوَر والمِزْيَلُ والمِعْيَر وَمَا شاكلها، وَإِذا رَأَيْت الْحَرْف على مِثَال فِعَالٍ أولُه ميمٌ مكسورةٌ فَهِيَ أَصْلِيَّة، مثل مِيم مِهاد ومِلاك ومِراس ومِحال وَمَا أشبههَا. وَقَالَ الْفراء فِي كتاب (المصادر) المِحَالُ المُماحلة، يُقَال فعلت مِنْهُ مَحَلْتُ أَمْحَلُ مَحْلاً. قَالَ وَأما المَحالَةُ فَهِيَ مَفْعَلَةٌ من الْحِيلَة، قلت وَهَذَا صَحِيح كَمَا قَالَه. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ} أَي شَدِيد القُوَّة وَالْعَذَاب يُقَال ماحلتُه مِحَالاً إِذا قاويْتُه حَتَّى يتَبَيَّن لَك أيُّكُمَا أشَدُّ والمَحْلُ فِي اللُّغَة الشدَّة وَالله أعلم، وَقَالَ شَمِر روى عبدُ الصَّمَدِ بنُ حسان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ شَدِيد الانتقام. وَقَالَ عبدُ الرَّزَّاق عَن مَعْمرٍ عَن قَتَادَة شديدُ الحِيلَة فِي تَفْسِيره. وروى أَبُو عبيد عَن حجاج عَن ابْن جُرَيْجٌ {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أَي الحَوْل. قَالَ أَبُو عبيد أرَاهُ أَرَادَ المَحَالَ بِفَتْح الْمِيم

(5/62)


كَأَنَّهُ قِرَاءَة كَذَلِك، وَلذَلِك فسّره الحَوْل. قَالَ والمِحَالُ الكيد وَالْمَكْر قَالَ عدي بن زيد:
مَحَلوا مَحْلَهُم بِصَرْعَتِنا العا
م فَقَدْ أوْقَعُوا الرحَى بالثقَال
قَالَ مَكَرُوا وسَعَوْا. قَالَ والمِحَال المُمَاكَرَةُ.
شمر قَالَ خَالِد بن جَنْبة يُقَال تَمَحَّلْ لي خيرا أَي اطْلُبْه. قَالَ والمِحَالُ مُمَاحَلَةُ الْإِنْسَان وَهِي مُنَاكَرَتهُ إِيَّاه يُنْكِرُ الَّذِي قَالَه.
قَالَ ومَحَلَ فلانٌ بصاحبِه إِذا بَهَتَه، وَقَالَ أَنه قَالَ شَيْئا لم يَقُلْه.
وَقَالَ ابْنُ الأنْبَاريّ سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول المِحَالُ مأخوذٌ من قولِ العَرَبِ مَحَلَ فلَان بِفُلاَنٍ أَي سَعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وعَرَّضَه لأمْرٍ يُهْلِكُه.
قَالَ ويُرْوَى عَن الأَعْرَج أَنه قَرَأَ (وَهُوَ شَدِيد المَحَال) بِفَتْح الْمِيم، قَالَ وَتَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس يدل على الفَتْح لِأَنَّهُ قَالَ الْمَعْنى وَهُوَ شَدِيد الحَوْل.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود (إِن هَذَا الْقُرْآن شَافِع مشفَّع ومَاحلٌ مُصَدَّق) قَالَ أَبُو عبيد جعله يَمْحَل بِصَاحِبِهِ إِذا لم يتّبع مَا فِيهِ. قَالَ والماحل الساعِي يُقَال نَحَلْتُ بفلان أَمْحَلُ بِهِ إِذا سعيتَ بِهِ إِلَى ذِي سلطانٍ حَتَّى تُوقعه فِي وَرْطة ووشيْتَ بِهِ.
وَقَالَ اللحياني عَن الْكسَائي: يُقَال مَحلْني يَا فلَان أَي قَوني قلت وَقَول الله {شَدِيدُ الْمِحَالِ} مِنْهُ أَي شَدِيد القُوَّة. وَأما قَول النَّاس تَمَحَّلْتُ مَالا لِغَريمي فَإِن بعض النَّاس ظن أَنه بِمَعْنى احْتَلْتُ وقدَّر أَنه من المَحَالَةِ بِفَتْح الْمِيم وَهِي مَفْعَلَةٌ من الْحِيلَة، ثمَّ وُجّهت الْمِيم فِيهَا وِجْهَةَ الْمِيم الْأَصْلِيَّة فَقيل تَمَحَّلْتُ كَمَا قَالُوا مَكَان وَأَصله من الْكَوْن ثمَّ قَالُوا تَمكَّنتُ من فلَان. ومكَّنْت فُلاناً من فلَان وَلَيْسَ التمَحُّل عِنْدِي ممَّا ذهبَ إِلَيْهِ هَذَا الذاهبُ وَلكنه عِنْدِي من المَحْلِ وَهُوَ السَّعْيُ كَأَنَّهُ يسْعَى فِي طلبه ويتصرف فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ إِذا حُقِن اللَّبن فِي السقاء فَذَهَبت عَنهُ حلاوة الْحَلب وَلم يتغيَّر طعمه فَهُوَ سَامِطٌ، فَإِن أَخذ شَيْئا من الرّيح فَهُوَ خَامِطٌ، فَإِن أَخذ شَيْئا من طَعْم فَهُوَ المُمَحَّل وَقَالَ شمر يُقَال مَعَ فلَان مِمْحلة أَي شكوة يُمَحل فِيهَا اللبنَ وَهُوَ المُمَحَّلُ بِفَتْح الْحَاء وتشديدها. وَقَالَ اللَّيْث المُمَحَّلُ من اللَّبن الَّذِي حُقِن ثمَّ شُرِب قبل أَن يَأْخُذَ الطَّعْمَ وَأنْشد:
إِلَّا من القارصِ والممحَّل
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ المُتَمَاحِلُ الطويلُ من الرِّجَال. وَقَالَ غَيره: مفازَةٌ مُتَمَاحِلَةٌ بعيدَة الأطرافِ وَأنْشد:
من المُسْبَطِرات الجيادِ طِمِرَّةٌ
لَجُوجٌ هَواهَا السَّبْسَبُ المُتَمَاحِلُ
أَي هَواهَا أَنْ تَجِدَ مُتَّسَعاً بَعيدا مَا بَين الطرَفيْنِ تعدو فِيهِ.
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِن من وَرَائِكُمْ أموراً مُتَمَاحِلَةً أَرَادَ فِتَناً يطول أَيَّامُها ويَعْظُم خَطَرُها ويشتد كَلَبُها. والمِحَلُ الَّذِي قد طُرِد حَتَّى أَعْيَا وَقَالَ العجاج:
يمشي كمشي المِحَل المَبْهُور

(5/63)


وَأما قَول جندل الطُّهَوي:
عُوجٌ تسانَدْن إِلَى مُمحَّلِ
فَإِنَّه أرادَ مَوْضِع مَحَال الظّهْر جعل الْمِيم لما لَزِمت المحَالة وَهِي الفَقَارَةُ من فَقَار الظّهر كالأصْلِيَّة. وَفِي (النَّوَادِر) رَأَيْت فلَانا مُتَحاحِلاً ومَاحِلاً ونَاحِلاً إِذا تَغَيَّرَ بَدَنُه.
والمَحَالَةُ البَكَرةُ الْعَظِيمَة الَّتِي تكون للسائِيّةِ، سُميَتْ مَحَالةً تَشْبِيها بِمحَالَةِ الظَّهْرِ. وَقَالَ اللَّيْث: مَفْعَلةٌ سميت مَحَالَةً لتحوُّلِها فِي دوَرانها، وقولُهم: لَا مَحَالَةَ، تُوضَعُ مَوضِع لاَ بُدَّ وَلَا حِيلَةَ مَفْعَلَةٌ أَيْضا من الحَوْلِ والقُوَّةِ، عَمْرو عَن أَبِيه: المَحْلُ: الجَدْبُ. والمَحْل الجوعُ الشَّديدُ وَإِن لم يكن جدبٌ والمَحْلُ السعَاية من ناصِحٍ وَغير ناصِحٍ. والمَحْلُ البُعْدُ والمِحَالُ المَكْرُ بِالْحَقِّ. والمِحَالُ الغَضَبُ. والمِحَالُ التَّدْبِيرُ. وَفُلَان يُماحِلُ عَن الْإِسْلَام يُمَاكِرُ ويُدَافِع.
لمح: قَالَ اللَّيْث: لَمَحَ الْبَرْقُ ولَمَعَ ولَمُحَ البَصَرُ. وَتقول لمحه ببصره. واللَّمْحَةُ النَّظْرَةُ وَقَالَ غَيره أَلْمَحَت الْمَرْأَة من وَجْهِها إِلمَاحاً إِذا أمكنت من أَنْ تُلْمَحَ، تفعل ذَلِك الحسناءُ تُرِي محاسِنَها من يتَصَدَّى لَهَا ثمَّ تُخْفِيهَا. وَقَالَ ذُو الرمة:
وأَلْمَحْنَ لَمْحاً من خُدودٍ أَسِيلَةٍ
رِوَاءً خلا مَا أَن تَشِفَّ المعاطِسُ
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ} (القَمَر: 50) قَالَ كخَطْفَةٍ بالبصر واللُّمَّاح: الصقُور الذكيّة قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ واللَّمْحُ: النّظر بالعَجَلَةِ.
ملح: قَالَ اللَّيْث: المِلْحُ مَا يطيَّب بِهِ الطَّعَامُ. والمِلْحُ خلاف العَذْبِ من المَاء. يُقَال مَاءٌ مِلْحٌ وَلَا تَقول مالِحٌ. والمِلْحُ من الملاحة. تَقول: مَلُحَ يَمْلُحُ مَلاحَةً ومَلْحاً فَهُوَ مَايحٌ. قَالَ: وَالمُحَالَحَةُ المُوَاكَلَةُ وَإِذا وصَفْتَ الشيءَ بِمَا فِيهِ المُلُوحَة قلت سَمَكٌ مَالحٌ وَبَقْلَةُ مَالِحَةٌ وَتقول: مَلَحْتُ الشيءَ وَمَلَّحْتُه فَهُوَ مَمْلُوح مُمَلَّحٌ مَلِيحٌ. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا مَاء مِلْحٌ، وَلَا يُقَال مَالحٌ، قَالَ وسمك مَلِيحٌ ومَمْلُوحٌ. وَلَا يُقَال مَالحٌ، وَلم يَجِيء إِلَّا فِي بَيت العذافر:
بَصْرِيَّةٍ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيّا
يَطْعِمُها المالِحَ وَالطَّرِيَّا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ يُونُس: لم أسمع أَحَداً من الْعَرَب يَقُول ماءٌ مالحٌ. قَالَ وَيُقَال سمك مَالحٌ وَأحسن مِنْهَا سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوح. قَالَ وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: مَاءٌ مَالحٌ وَمَاءٌ مِلْحٌ قلت: هَذَا وَإِنْ وُجِدَ فِي كَلَام العَرَبِ قَلِيلا فَهِيَ لُغَةٌ لَا تُنْكر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَلَحْتُ القِدْر فَأَنا أَمْلَحُها وأَمْلُحُها إِذا كَانَ مِلْحُها بِقَدْرٍ فَإِنْ أَكْثَرْتَ مِلْحَها حَتَّى تَفْسُدَ القِدْرُ قلت مَلَّحْتها تَمْلِيحاً.
وَقَالَ اللَّيْث: المُلاَّح من الحَمْضِ وَأنْشد:
يخبطن مُلاَّحاً كذاوي القَرْمَلِ
قلت: المُلاَّحُ من بقُولِ الرياض الْوَاحِدَة مُلاَّحَةً وَهِي بَقْلَةٌ ناعمة عَرِيضَةُ الوَرَقِ فِي طعمها مُلُوحَةٌ، منابتها القِيعَانُ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه حكى عَن أبي الْمُجيب

(5/64)


الرَبَعيّ فِي صفة رَوْضَة: رَأَيْتهَا تَنْدَى من بُهْمَى وصوفَانة وزُبَادَةٍ ويَنَمةٍ ومُلاَّحَةٍ ونَهْقَةٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: المُنْحَةُ الْكَلِمَة المَلِيحَةُ، والمَلاَّحَةُ مَنْبِتُ المِلْحِ، والمَلاَّحُ صَاحب السَّفِينَة ومُتَعَهدُ النَّهر ليصلح فُوهَتَه، وصنعته الملاَحة والملاَّحِية وَقَالَ الْأَعْشَى:
تكأكأ ملاَّحها وَسْطَها
من الْخَوْف، كَوْثَلَها يَلْتَزِم
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ المُلاَح الرّيح الَّتِي تجْرِي بهَا السَّفِينَة وَبِه سمي المَلاَّح مَلاَّحاً. وَقَالَ غَيره سُمي السَّفَّانُ ملاَّحاً لمعالجته الماءَ الْملح بإجراء السفُنِ فِيهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِلاَحُ: المِخْلاة وَجَاء فِي الْخَبَر أَن الْمُخْتَار لما قتل عمر بن سعد جعل رَأسه فِي مِلاَحٍ أَي فِي مخلاة وعلقه.
قَالَ: والمِلاَحُ الستْرَة، والمِلاَحُ الرمْح، والمِلاَحُ أَن تَهُبَّ الجَنُوبُ بَعْد الشَمال.
وَقَالَ اللَّيْث: المِلْحُ الرَّضاعُ، وَفِي حَدِيث وَفد هوَازن أَنهم كلّموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبْي عشائِرِهم فَقَالَ خطيبُهم إِنَّا لَوْ كُنَّا مَلَحْنا للحارِث بن أبي شَمِر الغَسَّاني أَو للنّعْمانِ بن المندر ثمَّ نزل مَنْزِلَكَ هَذَا منَّا لَحَفِظَ ذَلِك لنا وَأَنت خيرُ المكْفُولِين فِي حَدِيث طَوِيل قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصْمَعِيُّ فِي قَوْله: مَلَحْنا يَعْنِي أرْضَعْنا. وَإِنَّمَا قَالَ الهوازنيُّ ذَلِك لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، أَرْضَعَتْه حليمَةُ السَّعْدِيّة والمِلْحُ هُوَ الرَّضاعُ. وَقَالَ أَبُو الطَّمَحانِ وَكَانَت لَهُ إبلٌ سقى قوما أَلْبَانَها، ثمَّ أَغاروا عَلَيْهَا فَقَالَ:
وإِني لأَرْجُو مِلْحَها فِي بُطُونِكُم
وَمَا بَسَطَتْ من جلْد أَشْعَثَ أَغْبَرِ
يَقُول: أرْجو أَن تحفظُوا مَا شَرِبْتُم من أَلْبانها، وَمَا بسطَتْ من جُلودكم بعد أَن كُنْتُم مهازِيلَ. قَالَ وأنشدنا لغَيره:
جزى الله ربُّكَ ربُّ الْعباد
والمِلْحُ مَا وَلَدَتْ خالدة
يَعْنِي بالملح الرضاعَ وَرَوَاهُ ابْن السّكيت
لَا يعبدُ الله ربُّ العبا
د وَالْملح
وَهُوَ أصحُّ وَقَالَ أَبُو سعيد: الملحُ فِي قَول أبي الطمحان الحُرّمَةُ والذمامُ، يُقَال بَين فلانٍ وفلانٍ ملحٌ ومِلْحَةٌ إِذا كَانَ بَينهمَا حُرْمَةٌ فَقَالَ أَرْجُو أَن يَأْحُذَكُمُ الله بِحرْمَة صاحبِها وغَدْرِكُمْ بِها.
والمِلْحُ البَرَكَةُ، يُقَال: لَا يباركُ الله فِيهِ وَلَا يَمْلُحَ قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي قَالَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْعَرَب تعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّار والرَّماد قَالَ وَقَوْلهمْ: مِلْحُ فلَان على ركبتَيْهِ فِيهِ قَولَانِ: أحدُهما أَنه مَضَيعٌ لِحَقّ الرّضاع غيرُ حَافظ لَهُ فأَدْنَى شَيْء يُنسيه ذِمامَه، كأنّ الَّذِي يضَعُ الملْحَ على رُكْبَتَيْهِ أدْنى شَيْء يُبَددُه. وَالْقَوْل الآخرُ: سَيىءُ الْخلق يغضَب من أَدْنى شَيْء كَمَا أَن الملْحَ على الرّكبة يتبدّدُ من أدنى شَيْء. قَالَ والملْحُ يؤنَّثُ ويذكَّر والتأنيثُ فِيهِ أَكثر.

(5/65)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الملْحُ اللبنُ، والملْحُ والمُلَحُ من الْأَخْبَار بِفَتْح الْمِيم، والملْحُ العلْم، والملْحُ العلماءُ. ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الصَّادِق يُعْطَى ثلاثَ خِصَال الملْحَةَ والمحَبَّة والمهابة) . قَالَ وَيُقَال تملَّحَت الإبلُ إِذا سمِنت، فلعلّ هَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ يُرِيد الفضلَ والزيادةَ، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي هَذَا الْبَيْت:
ورد جازِرُهم حَرْفاً مُصَرّمةً
فِي الرأسِ مِنْهَا وَفِي الرجْلَينِ تمليحُ
قَالَ وَهُوَ كَمَا قَالَ:
مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلاَمَى أَو عيْن
قَالَ وَسَأَلَ رجل آخَرَ فَقَالَ أحب أَن تملحَني عِنْد فلَان بِنَفْسِك أَي أحب أَن تزينَني وتُطْرِيني. قَالَ مَلَح يَملَحُ ويَملُحُ إِذا رضع وَقَالَ ملَحَ الماءُ ومَلُحَ يَملُحُ مَلاحَةً. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: مَلَح الله فِيهِ فَهُوَ مَمْلُوح فِيهِ، أَي مُبَارَكٌ لَهُ فِي عيشه ومالِه، قلت أَرَادَ بالملْحَة البركةَ. وَيُقَال: كانَ ربيعُنا مملوحاً فِيهِ، وَذَلِكَ إِذا أَلْبَنَ القومُ فِيهِ وأسمنوا. وَإِذا دُعِيَ عَلَيْهِ قيل لَا مَلَحَ الله فِيهِ أَي لَا بَارك فِيهِ.
وَيُقَال: أصبْنَا مُلْحَةً من الرّبيع أَي شَيْئا يَسِيرا مِنْهُ، وأَمْلَحَ البعيرُ إِذا حَمَل الشحْمَ، ومُلِحَ فَهُوَ مَمْلُوحٌ إِذا سمن.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أمْلَحْتُ القِدْر بِالْألف إِذا جعلْتَ فِيهَا شَيْئا من شَحم. قَالَ ومَلَحْتُ الماشيةَ إِذا أطعمتها سَنْجَةَ الْملح وَذَلِكَ إِذا لم تَجِد حمضاً فأطعمتها هَذَا مَكَانَهُ. ومَلَّحَتْ الناقةُ فَهِيَ مُمَلَّح إِذا سمنت قَلِيلا وَمِنْه قَوْله:
من جزورٍ مُمَلح
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّه ضَحَّى بكبشين أمْلَحَيْنِ، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي وَأَبُو زيد وَغَيرهمَا: الأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ بياضٌ وَسَوَاد وَيكون البياضُ أَكثر وَكَذَلِكَ كل شعرٍ وصوفٍ فِيهِ بياضٌ وسوادٌ فَهُوَ أمْلَحُ وأنشدنا:
لكل دَهْرٍ قد لبستُ أَثْوُبا
حَتَّى اكْتَسَى الرَّأسُ قِناعاً أشيبا
أَمْلَحَ لَا لَذَّ وَلَا محبَّبا
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأمْلَحُ الأبيضُ النقيُّ البياضِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ الأبيضُ الَّذِي لَيْسَ يخالِط البياضَ فِيهِ عُفْرةٌ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأمْلَحُ الأبْلَقُ بِسَوادٍ وَبَيَاض. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: والقولُ مَا قَالَه الأصمعيّ. وَقَالَ أَبُو عمر: الأمْلَحُ الأعْرَمُ وَهُوَ الأبلَقُ بسوادٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله:
لَا تَلُمْها إنّها من نسوةٍ
مِلْحُها موضوعَةٌ فوقَ الرُّكب
فَقَالَ الْأَصْمَعِي هَذِه زَنْجِيّة، ومِلْحُها شَحْمُها وسِمَن الزَّنج فِي أفْخَاذها. وَقَالَ شمر: الشّحم يُسمى مِلْحاً. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله:
مِلْحُها مَوْضُوعَة فَوق الرُّكَب
هَذِه قَليلَة الْوَفَاء قَالَ والملْحُ هَهُنَا هُوَ الملْحُ. يُقَال فلَان مِلْحُه على رُكْبَتَيهِ إِذا

(5/66)


كَانَ قليلَ الوفاءِ. قَالَ وَالْعرب تحلف بالملْحِ والماءِ تَعْظِيمًا لَهما. وروى قَوْله:
والملحِ مَا ولدت خالدة
بِكَسْر الْحَاء وجَعَلَ الْوَاو واوَ القَسَم، وأمَّا الكسائيُّ فَرَوَاهُ والمِلْحُ بِضَم الْحَاء عطفه على قَوْله لَا يبعد الله.
اللَّيْث: أَمْلَحْتَ يَا فلانُ جَاءَ بمعنيين: أَي جِئْت بكلمةٍ مليحةٍ، وَأَكْثَرت مِلْحَ القِدْرِ، قلت واللغة الجيدة مَلَّحْتَ الْقدر إِذا أكثرتَ ملحها بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ والمَلْحَاءُ: وسط الظّهْر بَين الْكَاهِل والعَجُز، وَهِي من الْبَعِير مَا تَحت السَّنَام. قَالَ: وَفِي المَلْحَاءِ ستُّ مَحَالاَتٍ وَهِي سِتّ فقرات والجميع مَلْحَاوَات والمُلاَّحِيُّ ضربٌ من الْعِنَب أبيضُ، فِي حَبه طولٌ. قَالَ: والملَحُ داءٌ وعيب فِي رِجْلِ الدَّابَّة. وَقَالَ غَيره يُقَال للنَّدى الَّذِي يسْقط بِاللَّيْلِ على البقل أَمْلَحُ لبياضِه وَمِنْه قَوْله:
أقامَتْ بِهِ حَدَّ الرَّبيعِ وَجَارُها
أخُو سَلْوَةٍ مَسَّى بِهِ اللَّيْلُ أَمْلَحُ
أَرَادَ بجارها نَدَى اللَّيْلِ يُجيرُها من الْعَطش، وَقَالَ شمر: شِيْبانُ ومِلْحانُ هما الكانُونان، وَقَالَ الْكُمَيْت:
إِذا أمست الْآفَاق حُمْراً جُنُوبها
الشِيبانُ أَو مِلْحان وَالْيَوْم أَشهب
قَالَ وَقَالَ عَمْرو بن أبي عَمْرو شِيبانُ بِكَسْر الشين ومِلحان من الْأَيَّام إِذا ابيضّت الأَرْض من الحَليتِ والصقيع.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الْمليح الْحَلِيم وَكَذَلِكَ الرَاسب والمَرِثُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِلاَحُ أَن تَشْتَكِي الناقةُ حياءَها فتؤخذ خرقةٌ ويُطْلَى عَلَيْهَا دَوَاءٌ ثمَّ يُلْصَقَ على الْحيَاء فَيَبْرَأُ.
قَالَ: والمِلاَحُ المراضعة، والمِلاَحُ الْمِيَاه المِلْحُ، والمِلاَحُ الرّمْح.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: تَقول الْعَرَب للَّذي يخلِط كذبا بِصدق هُوَ يخصف حِذَاءه وَهُوَ يرتشي إِذا خلط كذبا بِحَق ويَمْتَلِحُ مثلُه. وَإِذا قَالُوا: فلَان يَمْلَحُ فَهُوَ الَّذِي لَا يخلص الصدْق وَإِذا قَالُوا عِنْد فلَان كذبٌ قليلٌ فَهُوَ الصدوق الَّذِي لَا يكذب وَإِذا قَالُوا إنّ فلَانا يَمْتَذِق فَهُوَ الكذوب.
لحم: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب هَذَا لَحْمٌ ولَحَمٌ مخفَّف ومثقَّل. وَرجل لَحيمٌ كثير لَحْمِ الْجَسَد وَقد لَحُمَ لَحامَةٌ، وَرجل لَحِمٌ أكولٌ للّحِمِ وَبَيت لَحِمٌ يكثر اللَّحْمُ فِيهِ.
وَجَاء فِي الحَدِيث (إِن الله يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهْلَه) وَفِي حديثِ آخر (يُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين) .
حَدثنَا عبد الله بن عُرْوةَ عَن الْعَبَّاس الدُريّ عَن مُحَمَّد بن عبيد الطنافسيّ قَالَ: سَأَلَ رجل سُفْيَان الثوريّ أرأيتَ هَذَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى (إنَّ الله لَيُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين) أهُمُ الَّذين يكثرون أكل اللَّحْم؟ فَقَالَ سفيانُ: هم الَّذين يُكْثِرُون أَكْلَ لحُومِ النَّاس.
وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: يُقَال أَلْحَمْتُ فلَانا فلَانا، أَي مكَّنْتُهُ من عِرْضِه وشَتْمِه. وفلانٌ يَأكُلُ لُحُومَ الناسِ أَي يَغْتابُهم.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

(5/67)


وَإِذا أَمْكَنَهُ لحمي رَتَعْ
وَفِي الحَدِيث (إنّ أَرْبى الرِّبَا اسْتِطالةُ الرجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيه) قلت: ومِن هَذَا قَول الله جلّ وعزّ: {تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات: 12) .
وَقَالَ اللَّيْث: باز مُلْحَمٌ يطعمُ اللَّحْمَ، وبازٍ لَحِمٌ أَيْضا لِأَن أَكْلَهُ لَحْمٌ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
تدلّي حثيثاً كَأَن الصوا
رِ يَتْبَعُهُ أَزْرَقِيٌّ لَحِم
وَقَالَ ابْن السّكيت: رجل شحيمٌ لَحيمٌ أَي سمين وَرجل شَحِمٌ لَحِمٌ أَي قَرِمٌ إِلَى اللَّحْمِ والشحم يَشْتَهيهِما، ورجلٌ لحّام شَحّامٌ إِذا كَانَ يَبِيع اللَّحْمَ والشَّحْمَ، وَرجل مُلْحَمٌ إِذا كَانَ مُطْعَماً للصَّيْد، وَرجل مُلحِمٌ إِذا كثر عِنْده اللَّحْمُ وَكَذَلِكَ مُشْحِمٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: أَلْحَمْتُ الْقَوْم إِذا قتلتَهم حَتَّى صَارُوا لَحْماً، واللَّحيمُ: القتيلُ. وَأنْشد قَول سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
وَلَا رَيْبَ أَن قد كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: استُلحِمَ الرجُلُ إِذا أُزْهِقَ فِي الْقِتَال. قَالَ: والملحَمَةُ: الْقِتَال فِي الْفِتْنَة. وَقَالَ شمر قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الملحمة حَيْثُ يُقَاطِعُون لحومهم بِالسُّيُوفِ.
الأصمعيُّ: أَلْحَمْتُ الْقَوْم: أطْعَمْتُهُم اللَّحْمَ بالأَلِفِ.
وَقَالَ مَالك بن نُوَيْرَة يصف ضَبُعاً:
وتظل تَنْشِطُنِي وتُلحِمُ أَجْرَيا
وسط العَرِينِ وَلَيْسَ حيٌّ يَمْنَعُ
قَالَ: جَعَلَ مَأْوَاهَا لَهَا عريناً: وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ غير الْأَصْمَعِي: لَحَمْتُ القومَ بِغَيْر ألِف. قَالَ شَمِر وَهُوَ الْقيَاس. قَالَ: وأَلحَمَ القَوْمُ كَثُرَ لَحْمُ بُيُوتِهم. ولَحَمَ الرجلُ كثر لَحْمُ بَدَنِه فَهُوَ لحيمٌ شحيمٌ. ولَحُمَ الصَّقْر إِذا اشْتهى اللَّحْمَ فَهُوَ لَحِمٌ. قَالَ ولَحَمَ الرَّجُل يَلحَمُ إِذا نَشِبَ بِالْمَكَانِ، ولَحْمَةُ الصّقْرِ والأَسَدِ وغيرِه مَا يأكُل. ولَحْمَةُ النَّسَب بِالْفَتْح. ولُحْمَةُ الصَّيْد مَا يُصَادُ بِهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَحْمَةُ الثَّوْب ولَحْمَةُ النَّسب بِالْفَتْح. ولُحمةُ الصَّيْد مَا يُصاد بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأَصمعي: لحُم الرجل وشحُم فِي بدنه إِذا أكل كثيرا فَلَحُم عَلَيْهِ، قيل لَحِم وشَحِم. وَقَالَ شمر: المُلحَمُ الدعِيُّ وَأنْشد:
حَتَّى إِذا مَا فَرَّ كلُّ مُلْحَمِ
وَقَالَ الأَصمعيُّ: هُوَ المُلْصَقُ بالْقوم لَيْسَ مِنْهُم. قَالَ: ولاحَمْتُ الشَّيْء بالشَّيْء إِذا لَزَقْتَه بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: استلحم فلَان الطَّرِيق إِذا اتَّبعه وَأنْشد:
وَمن أَرَيْنَاه الطَّريق استلْحَمَا
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
استلحم الوَحْشُ على أكسائها
أَهْوَجُ مِحْفِيرٌ إِذا النَّقْعُ دَخَنْ

(5/68)


وشَجَّةٌ متلاحِمَةٌ: إِذا بَلَغت اللَّحْمَ والتحم الصَّدْعُ والْتَأَمَ بِمَعْنى وَاحِد. والملحَمَةُ الحربُ ذَات القَتْلِ الشَّديد. واللحَامُ مَا يُلْحَمُ بِهِ الصَّدْعُ. غَيره أُلْحمَ الرجلُ إِلْحَاماً واستَلْحَم استلحاماً إِذا نشِب فِي الحرْب فَلم يجد مَخْلَصاً. قَالَ وأَلْحَمَه القتالُ، وَمِنْه حديثُ جَعْفَر الطيّار يَوْم مُؤْتَةَ أَنَّهُ أَخَذَ الرّاية بعد قتل زَيْدٍ فقاتل بهَا حَتَّى أَلْحَمَهُ القتالُ فَنزل وعَقَر فرسه.
وَيُقَال: تلاحَمَت الشَّجَّةُ إِذا أَخَذَتْ فِي اللَّحم، وتلاحَمَت أَيْضا إِذا بَرَأَت والْتَحَمَت والمُتَلاَحِمَة من النِّسَاء الرتْقَاء.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المُتلاحِمَةُ الضيقَة الملاقي وَهِي مَآزِمُ الفَرْج. وَقَالَ أَبُو سعيد إِنَّمَا يُقَال لَهَا لاحِمَةٌ كَأَن هُنَاكَ لَحْمًا يمْنَع من الجِمَاعِ. قَالَ: وَلَا يَصح مُتلاحِمةٌ.
وَقَالَ شمر قَالَ عبد الْوَهَّاب: المُتَلاَحِمَةُ من الشجَاجِ الَّتِي تَشُقُّ اللحمَ كلَّه دون الْعظم ثمَّ تتلاحمُ بعد شَقها، فَلَا يجوز فِيهَا المِسْبَارُ بعد تلاحُمِ اللَّحْمِ، قَالَ: وتتلاحم من يوْمِها وَمن غَدٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الراجز يصف الْخَيل:
نُطْعِمُها اللَّحْمَ إِذا عزَّ الشَّجَرْ
والخيلُ أطعامُها اللَّحْمَ ضَرَر
قَالَ يزِيد نطعمها اللَّبَنَ فَسمى اللَّبَنَ لَحْماً لِأَنَّهَا تَسْمَنُ على اللَّبن. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي كَانُوا إِذا أجدبوا وقلّ اللَّبن يبسوا اللَّحْمَ وحَمَلُوه فِي أَسْفَارِهم وأَطْعَمُوه الخيلَ. وَأنكر مَا قَالَه الأصمعيُّ وَقَالَ إِذا لم يكن الشجرُ لم يكن اللبنُ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ استَلْحَم الزَّرْع واسْتَكَّ وازْدَجَّ وَهُوَ الطَّهْلِيُّ قلت مَعْنَاهُ أَنه التفَّ.
وَقَالَ أَبُو سعيد يُقَال هَذَا الكلامُ لَحِيمُ هَذَا الْكَلَام وطَريدُه أَي وَفْقُه وشكله. وَقَالَ أَبُو زيد أَلْحَمْتُ الثوبَ إِلحَاماً وأَلْحَمْتُ الطَّيْرَ إِلْحَاماً، وَهِي لُحمَةُ الثَّوْب، وَهِي الْأَعْلَى ولَحْمَتُهُ، والسَّدَى الْأَسْفَل من الثوْب، اللَّحَّامُ الَّذِي يَبِيع اللَّحْمَ وَيجمع اللَّحْمُ لحُوماً ولُحْمَاناً ولِحَاماً.
حلم: قَالَ اللَّيْث: الحُلُم الرُّؤْيَا يُقَال حَلَمَ يَحْلُم إِذا رأى فِي الْمَنَام. وَفِي الحَدِيث: (مَن تحلَّم مَا لم يَحْلَم) يَعْنِي من تكلَّف حُلْماً لم يره، والحُلُم الِاحْتِلَام أَيْضا يجمع على الأحلام. وأحْلاَمُ الْقَوْم حُلمَاؤُهم، وَالْوَاحد حَليمٌ وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَأَمَّا إِذا جَلَسُوا بالعشيّ
فأحلام عَادٍ وأيدي هُضُم
وَقد حَلُم الرجل يَحْلَم فَهُوَ حَلِيمٌ، والحليمُ فِي صفة الله تَعَالَى مَعْنَاهُ الصبور.
وَمن أَسمَاء الرِّجَال مُحَلم وَهُوَ الَّذِي يُعَلم غَيره الْحِلْمَ، ويقالُ أَحْلَمَتْ المرأةُ إِذا وَلَدَت الحُلمَاءَ. قَالَ والأحلام الأجسَامُ، والحَلَمَةُ، والجميعُ الحَلَم، وَهُوَ مَا عَظُم من القُرَادِ. وبعيرٌ حَلِمٌ قد أفْسدهُ الحَلَمُ من كثرتها عَلَيْهِ، وأديمٌ حَلِمٌ قد أفْسدهُ الحَلَم قبل أَن يسلخ وَقد حَلِم حَلَماً وَمِنْه قَول عُقْبة:
فإنَّكَ والكتابَ إِلَى عَلِيَ
كدابغَةٍ وَقد حَلِم الأديمُ

(5/69)


وعَناقٌ حَلِمَةٌ قد أَفْسَدَ
جلدَها الحَلَمُ وَكَذَلِكَ عناقُ
تَحلِمَةٌ والجميع الحِلاَمُ. وحلَّمْتُ البعيرَ أخذت عَنهُ الحَلَمَ وجماعةُ تَحْلِمَةٍ تَحَالِمٌ قد كثر الحَلَمُ عَلَيْهَا.
وَفِي الحديثِ أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر مُعَاذاً أَن يأخُذَ من كل حالِمٍ دِينَارا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم أرادَ بالحالِمِ كلَّ مَنْ بَلَغَ الحُلُم، حَلَمَ أَو لم يَحْلُم وَيُقَال حلَم فِي نَومه يحلُم حُلُماً وحُلْماً. واحْتَلَم بِمَعْنَاهُ. وَفِي الحَدِيث (الغُسْلُ يومَ الْجُمُعَة واجبٌ على كل حالِم) أَي على كل بَالغ إِنَّمَا هُوَ على من بَلَغَ الحُلُم أَي بلغ أَن يَحْتَلِمَ أَو احْتَلَم قبل ذَلِك ورُوِيَ على كل مُحْتَلِم أَي على كل بالغٍ احْتَلَم أَو لم يَحْتَلِمْ.
والحَلَمَةُ قَالَ اللَّيْث: هِيَ شجرةُ السَّعْدانِ وَهِي من أفاضل المَرْعَى.
قلت: لَيست الْحَلَمَةُ من شَجَرِ السَّعْدانِ فِي شَيْء، السعدان بَقْلٌ لَهُ حَسَكٌ مستديرٌ ذُو شوكٍ كثيرٍ إِذا يَبِسَ آذَى واطِئَه والْحَلَمَةُ لَا شوكَ لَهَا وَهِي من الْجَنْبَةِ وَقد رأيتهما، وَيُقَال للحلمة الحَمَاطَةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَلَمَةُ رَأس الثَّدْي فِي وسط السَّعْدَانَةِ.
قلت: الحلمة الهُنَيَّة الشاخصة من ثَدْي الْمَرْأَة وثُنْدُوَةِ الرجُلِ، وهِيَ القُرَادُ.
وَأما السَّعدانة فَمَا أَحاطَ بالقُرَادِ مِمَّا خَالف لونُه لونَ الثدي، واللَّوْعَةُ السوادُ حول الحَلَمَةِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: القُرَادُ أولَ مَا يكون صَغِيرا قَمْقَامَةٌ ثمَّ يصير حَمْنَانة ثمَّ يصير قُرَاداً ثمَّ يصير حَلَمَةً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو تحلَّم الصبيُّ إِذا أقبل شحمُه.
وَقَالَ أَوْس بن حجر:
لَحَيْنَهُمُ لَحْيَ العَصَا فَطَرَدْنَهُمْ
إِلَى سنَةٍ قِرْدَانُها لم تَحَلَّمِ
أَي لم تسمن لجُدُوبَةِ السَّنة.
وَقَالَ اللَّيْث: مُحَلمٌ نهر بِالْبَحْرَيْنِ. قلت أَنا: مُحَلم عين فوارة بِالْبَحْرَيْنِ، وَمَا رَأَيْت عينا أَكثر مَاء مِنْهَا، وماؤها حَارٌّ فِي منبعه، وَإِذا بَرُد فَهُوَ ماءٌ عَذْبٌ، ولهذه الْعين إِذا جرت فِي نَهْرِها خُلُجٌ كَثِيرَة تَتَخَلَّجُ مِنْهَا، تَسْقِي نخيل جُؤَاثَا وعَسَلَّج وقُرَيَّاتٍ من قرى هَجَر. وَأرى محلماً اسمَ رجل نسبت الْعين إِلَيْهِ.
وَقَول المخبَّل:
واسْتَيْقَهُوا لِلْمُحَلمِ
أَي أطاعوا من يعلمهُمْ الحِلْم. ويومُ حليمةَ أحدُ أَيَّام العربِ المشهورةِ، وَالْعرب تضرب بِهِ المثلَ فِي كل أَمر مُتَعالَم مَشْهُور فَتَقول: (مَا يَوْمُ حَلِيمَةَ بِسِرَ) وَقد يُضْرَب مثلا للرجل النابه الذّكر الشريف وَقد ذكره النَّابِغَةُ فِي شعره فَقَالَ يصف السيوف:
تُخِيرْنَ مِن أَزْمَان يَوْم حليمة
إِلَى اليومِ قد جُربْنَ كُلَّ التجارب
وَقَالَ ابنُ الكلبيّ: هِيَ حَلِيمَةٌ ابنةُ الْحَارِث بن أبي شمر، وجَّه أبُوها جَيْشًا

(5/70)


إِلَى المنذرِ بْنِ مَاء السَّمَاء فأخرجت حليمةُ لَهُمْ مِرْكَناً من طيب وطيَّبَتْهُم رَوَاهُ أَبُو عبيد عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلاَّم الجَدْيُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْأَصْمَعِي: ولد المَعْزِ حُلاَّمٌ وحُلاَّنٌ.
قلت: والأصلُ حُلاَّنٌ وَهُوَ فُعْلاَنُ من التَّحْليل، فقلبت النُّون مِيماً. وشارةٌ حلِيمَةٌ سَمِينَةٌ. وَيُقَال: حَلَمْتُ خَيَالَ فلانةَ فَهُوَ مَحْلُومٌ.
وَقَالَ الأخطل:
فَحَلُمْتُها وبنورُ فَيْدةَ دونَها
لَا يبعدنّ خيالُها المَحْلُومُ

(أَبْوَاب الْحَاء وَالنُّون)
ح ن ف
نَحن، حنف، حفن، نحف، نفح: (مستعملة) .
فحن: أما فحن فمهملٌ عِنْد اللَّيْث. وفَيْحَانُ اسْم مَوضِع، وأظُنُّهُ فَيْعَالاً من فَحَنَ، وَالْأَكْثَر أَنه فَعْلاَن من الأفْيَحِ وَهُوَ الواسِعُ وسمَّت الْعَرَب الْمَرْأَة فَيْحُونَةَ.
حنف: قَالَ اللَّيْث: الحَنَفُ مَيَلٌ فِي صدر القدَمِ، فالرَّجُلُ أَحْنَفُ والرجْلُ حَنْفَاءُ، وَيُقَال: سُمي الأحنفُ بنُ قَيْسٍ بِهِ لِحَنَفٍ كَانَ فِي رِجْله.
وروى ثعلبٌ عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الحَنَفُ أَن تُقْبِلَ إبْهِامُ الرجْلِ اليُمْنَى على أُخْتِهَا من اليُسْرَى وأَنْ تُقْبِلَ الأُخْرَى إلَيْها إقْبَالاً شَدِيدا.
وَأنْشد لِدَايَةِ الأحْنفِ وَكَانَت ترقصُه وَهُوَ طِفْل:
وَالله لولاَ حَنَفٌ برِجْلِهِ
مَا كانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِه
ومِنْ صلةٌ هَهُنا.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحنيفُ المائِل من خَيْرٍ إِلَى شَرَ وَمن شَرَ إِلَى خَيْرٍ.
قَالَ ثَعْلَب وَمِنْه أُخِذَ الحَنَفُ.
ورَوَى ابْنُ نجدة عَن أبي زيد أَنه قَالَ الحنيف الْمُسْتَقيم، وَأنْشد:
تعلَّمْ أَن سيَهْدِيكُم إلَيْنَا
طريقٌ لَا يَجُورُ بِكم حَنِيفُ
وَقَالَ اللَّيْث: الحنيفُ الْمُسلم الَّذِي يستقبِلُ البيتَ الحرامَ على مِلَّةِ إبراهيمَ فَهُوَ حنيفٌ. وَقيل: كلُّ من أَسْلَمَ لأمرِ الله وَلم يلْتَوِ فَهُوَ حنيفٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (البَقَرَة: 135) .
قَالَ: مَنْ كَانَ على دين إبراهيمَ فَهُوَ حنيفٌ.
قَالَ: وَكَانَ عَبَدَةُ الأوْثَانِ فِي الجاهليَّة يَقُولُونَ: نَحن حُنَفَاءُ على دين إِبْرَاهِيم، فلمَّا جَاءَ الإسلامُ سَمَّوا المُسْلِمَ حنِيفاً.
وَقَالَ الأخْفش: الحنيفُ المُسْلِمُ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لِمَن اخْتَتَن وحَجَّ البيْتَ حنيفٌ؛ لأَنَّ العربَ لم تتمسَّكْ فِي الجاهليّة بِشَيْء من دين إِبْرَاهِيم غيرَ الخِتَان وحَج الْبَيْت، فكلُّ من اخْتَتَن وحَجَّ قيل لَهُ حَنِيفٌ. فلمَّا جاءَ الإسلامُ عَادَتْ الحنيفيَّةُ فالحنيف الْمُسلم.

(5/71)


حدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا عُثْمَان قَالَ حَدثنَا وكيعٌ عَن مَرْزُوق قَالَ سَمِعت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى: {حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (الحَجّ: 31) قَالَ حُجَّاجاً وَكَذَلِكَ قَالَ السّدي قَالَ حنفَاء حُجَّاجاً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج نَصَبَ {حَنِيفًا} فِي هَذِه الآيةِ على الحَالِ، الْمَعْنى بل نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِه، ومَعْنَى الحَنِيفِيَّةِ فِي اللُّغَة المَيْلُ، وَالْمعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيم حَنَفَ إِلَى دين الله وَدين الْإِسْلَام فَإِنَّمَا أُخِذَ الحَنَفُ من قَوْلهم: رِجْل حَنْفَاءُ ورَجُلٌ أَحْنَفُ، وَهُوَ الَّذِي تَمِيلُ قَدَمَاه كلُّ واحدةٍ إِلَى أُختِها بِأَصَابعها.
وَقَالَ الفرَّاءُ: الحنيفُ مَنْ سُنَّتُهُ الاخْتِتَانُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ السُّيُوف الحنيفية تنْسب إِلَى الأحْنفِ بْنِ قَيْسٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ باتخَاذِها. قَالَ: وَالْقِيَاس أحْنَفِيُّ. وَبَنُو حنيفةَ حَيٌّ من ربيعةَ. وَيُقَال: تَحَنَّفَ فلانٌ إِلَى الشَّيْء تحنُّفاً إِذا مَال إِلَيْهِ. وحَسَبٌ حَنِيفٌ أَي حَدِيث إسلامي لَا قَدِيمَ لَهُ.
وَقَالَ بن حَبْنَاء التميميُّ:
وماذَا غيرَ أَنَّك ذُو سِبَالٍ
تُمَسحُها وذُو حَسَبٍ حَنِيفِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْحَنْفَاءُ شجرةٌ. والحَنْفَاءُ الْقوس، والحَنْفَاءُ الموسى، والحَنْفَاءُ السُّلَحْفَاةُ، والحنْفَاء الحرباءة، والحَنْفَاء الأَمَة المتلوّنة تكسَل مَرة وتنشط أُخْرَى.
نحف: قَالَ اللَّيثُ: نَحُفَ الرجل يَنْحُفُ نحافة فَهُوَ نَحِيفٌ قَضِيفٌ ضَرِبٌ قَلِيل اللَّحْم، وَأنْشد:
ترى الرَّجُلَ النحيفَ فَتَزْدَرِيه
وتَحْتَ ثِيَابِه رَجُلٌ مَزِير
نفح: أَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النَّفِيحُ والمِنفَحُ والمِعَنُّ الدَّاخِل مَعَ القومِ وَلَيْسَ شأنُه شَأْنَهُم.
قَالَ الْأَزْهَرِي: هَكَذَا جَاء بِهِ فِي هَذَا الْموضع.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: النَّفِيج بِالْجِيم الَّذِي يَعْتَرِض بَين الْقَوْم وَلا يُصلح وَلَا يفْسد، وهَذَا قَوْلُ ثَعْلَب.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّفِيحُ الَّذِي يَجيءُ أَجْنَبِيّاً فيدخلُ بَين الْقَوْم ويسُلّ بَينهم ويُصلح أَمرهم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: نَفَح الطيبُ يَنْفَحُ نَفْحاً ونُفُوحاً إِذا فَاح رِيحُه، وَله نَفْحَةٌ طيبةٌ ونَفْحَةٌ خبيثَةٌ ونَفَحت الدَّابَّة إِذا رمِحت بِرِجْلِها ورمت بحدّ حافرها.
ونَفَحَهُ بالسّيف إِذا تنَاوله شَزْراً، ونَفَحَه بِالْمَالِ نَفْحاً؛ وَلَا تزَال لَهُ نَفَحَاتٌ من المعْرُوفِ أَي دفعات. قَالَ: وَالله هُوَ النَّفَّاحُ المُنْعِمُ على عبَادِه. قلت: لم أَسْمَعْ النَّفَّاحَ فِي صِفَات الله الَّتِي جَاءَت فِي الْقُرْآن ثُمَّ فِي سُنَّةِ الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا يجوز عِنْد أَهْلِ العِلْم أَن يُوصف الله جلّ وَعز بِصفة لم يُنْزِلْها فِي كِتَابه، وَلم يبينْهَا على لِسَان نَبِيه ج. وَإِذا قِيلَ للرَّجُل نَفَّاحٌ فَمَعْنَاه الْكثير العَطَايَا.

(5/72)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الأنبيَاء: 46) فَقَالَ: أصابَتْنَا نَفْحَةُ الصَّبا أَي رَوْحَةٌ وَطِيبٌ لَا غَمّ فِيهَا وَلَا كَرْبَ، وأصابتنا نَفْحَةٌ من سَمُومٍ: أَي حَرٌّ وغمٌّ وكربٌّ وَأنْشد فِي طيب الصَّبا:
إِذا نَفَحَتْ مِنْ عَنْ يَمِين المَشَارِق
ونَفَحُ الطّيب إِذا فَاحَ رِيحُه وَقَالَ جِرانُ الْعود يذكر جارَته:
لَقدْ عَاجَلَتْنِي بالقَبِيح وَثوْبُها
جَدِيدٌ وَمن أَرْدَانِها المسْكُ يَنْفَحُ
أَي يفُوح طيبُه، فَجعل النَّفْحَةَ مَرَّة أشَدَّ العذابِ لقَوْل الله جلّ وعزّ: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} . وَجعلهَا مرّة ريحَ مِسْكٍ. وَقَالَ الأصمعيُّ: مَا كَانَ من الرّيح سَمُوماً فَلهُ لَفْحٌ وَمَا كَانَ بارِداً فَلهُ نَفْحٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإنْفَحَةُ لَا تكُونُ إِلَّا لكل ذِي كَرِش، وَهُوَ شَيْء يُسْتَخْرَجُ من بَطْنِ ذِيهِ أصفرُ يُعْصَرُ فِي صوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبن فيغلَظُ كالجُبن. الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت هِيَ إِنْفَحَةُ الجَدْي وإِنْفَحَّةُ الْجدي وَلَا تقل أَنْفِحَة. قَالَ: وحضرني أَعْرابِيَّانِ فَصيحَانِ من بني كلابٍ، فَقَالَ أَحدهمَا: لَا أَقُول إلاَّ إنْفَحَةً وَقَالَ الآخَرُ: لَا أقولُ إِلَّا مِنْفَحَةٍ، ثمَّ افْتَرقَا على أَن يسألاَ عَنْهُمَا أَشْيَاخ بَنِي كلاب، فاتفقت جماعةٌ على قولِ ذَا وجماعةٌ على قولِ ذَا، فهما لُغتانِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ الإنْفَحَةُ بِكَسْر الْألف وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنْفَحَةٌ وإِنْفَحَةٌ وَهِي اللُّغَة الجَيدَة، وَيُقَال مِنْفَحَةٌ وبِنَفْحَةٌ.
وَفِي الحَدِيث: (أَوَّلُ نَفْحَةٍ من دم الشَّهِيد) ، قَالَ شمر قَالَ خَالِد بن جَنْبة: نفحة الدّم أَوَّلُ فَوْرَةٍ مِنْهُ ودَفْعَةٍ. وَقَالَ الرَّاعِي:
نَرْجُو سِجَالاً من الْمَعْرُوف ينفحها
لِسَائِلِيه فَلَا مَنٌّ وَلَا حَسَدُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الجَفْرُ من أَوْلادِ الضَأَنِ والمعز مَا قد استكرش وفُطِمَ خمسينَ يَوْماً من الوِلادة أَو شَهْرَيْنِ أَو صَارَت إِنْفَحَتهُ كَرِشَاً حِين رَعَى النَّبْتَ وَإِنَّمَا تكون إنْفَحَةً مَا دَامَ يَرْضَعْ. وَقَالَ الْفراء طعنة نَفُوحٌ يَنْفَحُ دَمُها سَريعاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: من الضُّروع النَّفُوحُ وَهِي الَّتِي لَا تحبس لَبَنَها ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّفْحُ الذبُّ عَن الرَّجُلِ، يُقَال: هُوَ يُنَافِحُ عَن فُلانٍ. وَقَالَ غَيره: هُوَ يُنَاضِحُ عَنهُ. وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّفِيحةُ القَوْسُ وَهِي شطيبة من نَبْعٍ وَقَالَ مُليحٌ الْهُذلِيّ:
أَنَاخُوا مُعِيداتِ الوَجيفِ كأَنَّها
نَفَائِحُ نَبْعٍ لم تَربَّعْ ذَوَابِل
وَيُقَال للقوس النفيحة أَيْضا، وَهِي الفجواءُ المُنفَحَّة.
حفن: قَالَ اللَّيْث: الحَفْنُ أَخْذُكَ الشَّيْءَ بِرَاحَةِ الكَف والأصابِع مَضْمُومَة. ومِلْءُ كُل كفَ حَفْنَةٌ. واحْتَفَنْتُ إِذا أخذتَ لنَفسك.

(5/73)


والمحْفَنُ ذُو الجَفْنِ الكثيرِ. وَكَانَ مِحْفَنٌ أَبَا بَطحَاءَ إِلَيْهِ ينْسب الدوابّ البَطْحَاوِيَّةُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: احتَفَنْتُ الرجلَ احْتِفَاناً إِذا اقتلعَته من الأَرْض.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُفْنَةُ الحُفْرَةُ، وَجَمعهَا حُفَن.
وَقَالَ شمر: الحُفنة الحُفْرَةُ وَأنْشد:
هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ تَعفَّتْ بالحُفَنْ
قَالَ: وَهِي قَلَتَاتٌ يَحْتَفِرُها الماءُ كَهَيْئَةِ البِرَكِ.
وَقَالَ ابْنُ السكيتِ: الحُفَن: نُقرٌ يكون الماءُ فِيهَا، وَفِي أَسْفَلِها حَصًى وتُرابٌ. وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي لعَدِيّ بن الرّقاع العاملي.
بِكْرُ تُرَيثها آثَارُ مُنْبَعِقٍ
تَرى بِه حُفَنَاً زُرْقاً وغُدْرَانَا
ح ن ب
حبن، حنب، نحب، نبح، بحن، بنح: مستعملات.
حبن: قَالَ اللَّيْث: الحِبْنُ مَا يعتري الْإِنْسَان فِي الْجَسَد فيقيحُ ويَرِم، والجميع الحُبُون. والحَبَنُ أَيْن يكثر السقْي فِي شَحم الْبَطن فيعظُمَ البَطْنُ لذَلِك.
أَبُو عبيد عَن اليزيديّ قَالَ الأحْبَنُ الَّذِي بِهِ السقْيُ.
قَالَ وَقَالَ العُدَيْس الكنانيّ يُقَال لأُم حُبَيْنٍ حُبَيْنَةٌ وَهِي دَابَّة قَدْرُ كف الْإِنْسَان. وَقَالَ اللَّيْث هِيَ دُويبَة على خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عريضَةُ البَطْنِ جِدَّا وَأنْشد:
أمَّ حُبَيْنٍ أبسطي بُرْدَيْك
إِن الْأَمِير دَاخِلٌ عَلَيْك
وضَارِبٌ بِالسَّيْفِ مَنْكِبَيْكِ
والحَبَنُ عِظَمُ البَطْنِ، وَلذَلِك قيل لمن سَقَى بطْنُه قد حَبَن. وَأم حُبَيْنٍ هِيَ الْأُنْثَى من الحَرَابِيّ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أنَّه رَأَى بِلالاً وَقد خَرَجَ بَطْنُه، فَقَالَ أمُّ حُبَيْنٍ) وَهَذَا من مَزْحِه ج أَرَادَ ضِخَمَ بطْنِه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) رَأَيْت فلَانا مُحْبَئِنّاً ومقْطَئِرّاً ومُصْمَغِدّاً أَي ممتلئاً غَضَباً.
وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج تَقول الْعَرَب فِي أُدْعِيَّة بَين الْقَوْم يتداعون بهَا: صب الله عَلَيْكَ أُمَّ حُبَين ماحضاً يَعْنُون اللَّيْلَ.
حنب: قَالَ اللَّيْث الحَنَبُ اعوجاج فِي السَّاقَيْن. قَالَ والتَّحْنِيبُ فِي الخَيْل ممَّا يُوصف صَاحبه بالشدَّة، وَلَيْسَ ذَلِك باعْوِجَاجٍ شَدِيدٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التَّحْنِيبُ توتيرٌ فِي الرجْلَين.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّحْنِيبُ فِي السَّاق.
وَقَالَ غَيره اعْوِجَاجٌ فِي الضُّلُوع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُحَنَّبُ من الْخَيل المُعطَّفُ العِظَامِ.
قَالَ وَيُقَال حَنَّبَهُ الكِبَرُ وحَنَاه إِذا نَكَّسَه.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ مُحَنَّب شيخ مُنْحَنٍ وَأنْشد:
يظل نَصْباً لِرَيْبِ الدَّهْرِ يَقْذِفُه
قَذْفَ المُحَنَّبِ بالآفَاتِ والسَّقَم

(5/74)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْحَنْبَاءُ عِنْد الْأَصْمَعِي المُعْوَجَّةُ السَّاقَيْنِ. قَالَ: وَهِي عِنْد ابْن الأعرابيّ فِي الرجْلَيْنِ وَقَالَ فِي موضعٍ آخَرَ: الْحنْبَاءُ المعوَجَّةُ السَّاق وَهُوَ مَدْحٌ فِي الخَيْلِ. وَقد حَنَبَ فلانٌ أَزَجاً مُحْكَماً أَي بَنَاه مُحْكَماً فَحَناه.
نحب: قَالَ اللَّيْث: النَّحْبُ النَّذْرُ.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} (الْأَحْزَاب: 23) قُتِلوا فِي سَبِيل الله فأدركوا مَا تمنَّوا فَذَلِك قَضَاء النَّحْبِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} أَي أَجَلَه وَكَذَلِكَ قَالَ الفرّاء. وَقَالَ شمر: النَّحْبُ النَّذْرُ، والنَّحْبُ الموتُ، والنَّحْبُ الخَطَرُ العظِيمُ.
وَقَالَ جرير:
بِطَخَفَة جالدْنَا الْمُلُوك وخيلُنا
عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْن على نَحبِ
أَي على خطر عَظِيم، وَيُقَال على نَذْرٍ. وَيُقَال سَار فلَان على نَحْبٍ إِذا سَار وأَجْهَد السَّيْرَ. وَيُقَال نَحَّبَ القَوْمُ إِذا جَدُّوا فِي عَمَلِهمْ.
وَقَالَ طُفَيْلُ:
يزرن إِلاَلاً مَا يُنَحبْنَ غَيْرَهُ
بِكُل مُلَبَ أشعثِ الرأْس مُحْرِم
وَيُقَال سَار سيراً مُنَحباً: قَاصِدا لَا يُرِيدُ غَيْرَه كأنّه جعل ذَلِك نَذْراً على نَفْسِه لَا يريدُ غَيره.
وَقَالَ الكُمَيْتُ:
يَخِدْنَ بِنَا عَرْض الفَلاةِ وطُولَها
كَمَا سَار عَن يُمْنَى يَدَيْهِ المُنَحبُ
يَقُول إِن لم أبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا فلك يَمِيني. وَقَالَ لبيد:
أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ
أَنَخْبٌ فيُقْضَى أم ضَلالٌ وبَاطِلُ
يَقُول عَلَيْهِ نَذْرٌ فِي طُولِ سَعْيهِ.
شمر عَن عَمْرو بن زُرَارَةَ عَن محمدِ بن إِسْحَاق فِي قَوْله {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} قَالَ: فَرَغ من عَمَلِهِ ورجَعَ إِلَى رَبه، هَذَا لمن اسْتُشْهِد يَوْم أُحُد، وَمِنْهُم من يَنْتَظِر مَاوَعَدَهُ الله من نصْره أَو الشَّهَادَةِ على مَا مَضَى عَلَيْهِ أصحابُه. وَفِي حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: هَل لَك أَن أُنَاحِبَك وترفَع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: نَاحَبْتُ الرجل إِذا حَاكَمْتَه أَو قاضَيْتَه إِلَى رَجُلٍ. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره: نَاحَبْتُه ونافَرْتُه أَيْضا مثلُه. قلت: أَرَادَ طلحةُ هَذَا الْمَعْنى: كأنَّه قَالَ لِابْنِ عباسٍ أُنَافِرُك فتعدّ فضائلك وحَسَبَك وأَعُد فَضَائِلي وَلَا تذكر فِي فضائلك وَحَسَبَك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقُرْبَ قَرَابَتِكَ مِنْهُ، فإنّ هَذَا الفضلَ مسلَّم لَك، فارفعه من النفَار وَأَنا أُنَافِرُك بِمَا سواهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد التنحيب شدَّة القَرَب للْمَاء وَقَالَ ذُو الرمة:
ورُب مَفَازَةٍ قَذَفٍ جَمُوحٍ
تَغُول مُنَحبَ القَرَبِ اغتيالا
قَالَ: والمُنَحبُ الرجُلُ. اللَّيْث: النحيبُ البُكاءُ. وَقد انْتَحَب انتحاباً. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمراض الْإِبِل النُّحَابُ والقُحَابُ والنُحازُ، وكل هَذَا من السُّعال. وَقد نَحَب يَنْحِبُ.

(5/75)


وَقَالَ أَبُو سعيدٍ: التَّنْحِيبُ الإكبابُ على الشَّيْء لَا تُفَارِقُه. وَيُقَال نَحَّب فُلانٌ على أمرٍ. قَالَ وَقَالَ أَعْرَابِي أصابَتْهُ شَوْكَة فَنَحَّبَ عَلَيْهَا يَسْتَخْرِجُها أَي أكَبَّ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي كل شيءٍ هُوَ مُنَحبٌ فِي كَذَا. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: النَّحْبُ النومُ، والنَّحْبُ النَّفس، والنَّحْبُ صوتُ البُكاءِ، والنَّحْبُ الطُول والنَّحْبُ السمَن، والنَّحْبُ الشدَّةُ، والنَّحْب القِمَارُ والنَّحْبُ النَّذْرُ، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَيداويّ عَن الرياشي أَنه قَالَ يومٌ نَحْبٌ أَي طَوِيل.
نبح: قَالَ اللَّيْث: النَّبْحُ صَوت الْكَلْب، تَقول: نَبَحَ يَنْبَحُ نَبْحاً ونُبَاحاً، والتيسُ عِنْد السفَاد يَنْبَحُ، والحيَّة تَنْبَحُ فِي بعض أَصْواتِها وَأنْشد:
يأْخذُ فِيهِ الحيَّةَ النَّبُوحا
قَالَ: والنَّوابِحُ والنُّبُوح جماعةُ النَّابِح من الكلابِ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجل نَبَّاحٌ ونَبَّاجٌ شَدِيد الصَّوْت. قَالَ: والنُّبُوح الجماعةُ الكثيرةُ من النَّاس. وَقَالَ الأخطل
إنَّ العَرَارَةَ والنُّبُوح لِدَارِمٍ
والمستخِفُّ أخُوهُمُ الأثقالا
وَقَالَ شمر: يُقَال نَبَحَتْهُ الكِلابُ، ونَبَحَتْ عَلَيْهِ، ونَابَحَه الكلبُ. وَيُقَال فِي مَثَلٍ: فلَان لَا يُعْوَى وَلَا يُنْبَحُ، يَقُول هُوَ من ضَعْفِه لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
نَبَحتْ كِلاَبُك طَارِقاً مثلي
وَقَالَ غَيره: الظبي يَنْبَحُ فِي بعض الْأَصْوَات وَأنْشد:
وقُصْرَى شَنِجِ الأنْسَا
ء نَبَّاح من الشُّعْب
رَوَاهُ الجاحظ نباح من الشَّعْب، وَفَسرهُ يَعْنِي من جِهَة الشَّعْب وَأنْشد:
ويَنْبَجُ بَين الشَّعْبِ نَبْحاً كَأَنَّه
نُبَاحُ سَلوقٍ أَبْصَرَتْ مَا يَرِيبُها
قَالَ: والظَّبْيُ إِذا أَسَنَّ ونَبَتَتْ لقرونِه شُعَبٌ نَبَح. قلت: وَالصَّوَاب الشُّعْب بِضَم الشين جمع الأَشْعَب وَهُوَ الَّذِي انْشَعَب قرناه.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّبَّاحُ مَنَاقِفُ صِغَارٌ بيض يجاءُ بِهَا من مَكَّة تُجْعَلُ فِي القلائد والوُشُحِ. عَمْرو عَن أَبِيه النُّبَحَاء الصيَّاحة من الظباء.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي النَّبَّاح الظبي الكثيرُ الصياحِ. والنَّبَّاحُ الهدهد الْكثير القَرْقَرة وَقَالَ أَبُو خيرة النُّبَاح صَوت الأَسْوَد يَنْبح نُباح الجرو.
بنح: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البِنَحُ: العطايا. قلت: الأَصْل فِيهَا المِنَح جمع المنيحة فقلبت الْمِيم بَاء قَالَ والبُنَحُ الظباء.
بحن: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: البَحْنَانَة: الجُلَّة الْعَظِيمَة البحرانية الَّتِي يحمل فِيهَا الكنعد المالح وَهِي البَحْوَنة أَيْضا وَكَذَلِكَ دَلْوُ بَحْوَنِيُّ عَظِيم كثير الأخْذِ للْمَاء. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ يُقَال: لضَرْبٍ من النّخل بَحْنَةٌ وَبِه سُمى ابْن بُحَيْنَةَ. قَالَ: وَابْن بَحْنَةَ السوطُ. قلت: قيل للسوط ابْن بَحْنَةَ لأَنه يُسوى من قُلُوس العَرَاجين. وَيُقَال للجُلَّة الْعَظِيمَة البَحْنَاءُ أَيْضا.

(5/76)


ح ن م
حنم، حمن، منح، محن، نحم: مستعملات.
حنم: أهمل اللَّيْث حنم.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَنَمَةُ: البُومة قلت وَلم أسمع هَذَا الحرفَ لغيره وَهُوَ ثِقَة.
نحم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي النَّحْمَةُ: السَّعْلَةُ وَتَكون الزّحْرَةَ. وَقَالَ اللَّيْث: نَحَم الفَهْد يَنْحَمُ نَحِيماً، وَنَحْوه من السبَاع كَذَلِك. وَكَذَلِكَ النَّئِيمُ وَهُوَ صوتٌ شَدِيد. والنُّحَامُ طَائِر أَحْمَر على خِلْقة الوزّ الْوَاحِدَة نُحَامَةٌ. وَرجل نَحَّامٌ بخيل إِذا طُلِب معروفُه كَثُر سعاله وَمِنْه قَول طرفَة:
أَرَى قبر نَحَّامٍ بخيل بِمَالِه
كقبر غوِيّ فِي البَطَالة مُفسد
وَقَالَ غَيره نحم الساقي وَالْعَامِل ينحِمُ.
وينحم نحيماً إِذا استراح إِلَى شبه أَنِين يُخرجهُ من صَدره وَأنْشد:
مَالك لَا تَنْحَمُ يَا رواحهْ
إِن النَّحيم للسُّقَاة راحهْ
منح: قَالَ اللَّيْث: مَنَحْتُ فلَانا شَاة، وَتلك الشَّاة اسْمُها المِنِيحة وَلَا تكون المَنِيحَةُ إِلَّا عَارِية للَّبَنِ خاصَّةً: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي أمْنَحَت النَّاقة فَهِيَ تُمنِحٌ إِذا دنا نِتَاجُها. وَقَالَ شمر لَا أعرف أمْنَحَتْ بِهَذَا الْمَعْنى. قلت: أمْنَحَتْ بِهَذَا المعنَى صَحِيحٌ، وَمن الْعَرَب مسموع، وَلَا يضرُّه إِنْكَار شمر إِيَّاه.
وَفِي حَدِيث النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من مَنَحَ مِنْحة وَرِق أَو مَنح لبَناً كَانَ كَعَدْل رقَبَةٍ) .
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مِنْحَةُ الوَرِق هُوَ القَرْضُ. وَقَالَ أَبُو عبيد المِنْحَةُ عِنْد العربِ على مَعْنَيَيْنِ: أَحدهمَا أَن يُعْطى الرجلُ صاحبَه المالَ هبة أَو صِلَة فيكونُ لَهُ، وَأما المِنحةُ الأُخْرَى فأَنْ يمنحَ الرجلُ أخَاه نَاقَة أَو شَاة يَحْتَلِبُها زمَناً أَو أيَّاماً ثمَّ يردُّها، وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله ج: (المِنْحَةُ مردودَةُ وَالْعَارِية مؤدَّاةٌ) ، قَالَ والمِنْحةُ أَيْضا تكون فِي الأَرْضِ يَمْنَحُ الرجلُ الرجلَ أرضَه ليزْرَعها. وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كَانَ لَهُ أرضٌ فليزرعْها أَو يمنحْها أَخَاهُ) أَي يدفعْها إِلَيْهِ حَتَّى يزرَعها فَإِذا فَرَغ رَفَع زرْعَها وردَّها على صَاحبهَا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَنَحْتُه أمْنِحُه وأمنَحُه فِي بَاب فَعَل يفعِلُ ويفعَل وَقَالَ اللَّيْث المنْحَةُ منفعتُك أخَاك بِمَا تَمْنَحَهُ. وكلُّ شَيْء تقصد بِهِ قصدَ شَيْء فقد مَنَحْتَه إِيَّاه كَمَا تمنح المرأةُ وجههَا المرآةَ وَمِنْه قَول سُوَيد بن كُرَاع:
تمنح المرآةَ وَجْهَاً وَاضِحاً
مثلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي الصَّحْوِ ارْتَفَع
والمَنِيحُ الثامِنُ مِنْ قِدَاح المَيْسِر. وَقَالَ اللحياني المَنِيحُ أحدُ القِدَاحِ الأرْبَعَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا غُنْمٌ وَلَا غُرْمٌ، إِنَّمَا يثقَّل بهَا القداح كَرَاهَة التُّهمَة؛ أَولهَا المُصَدَّرُ ثمَّ المضعَّفُ ثمَّ المَنِيحُ ثمَّ السَّفِيحُ. والمنيح أَيْضا قِدْح من قِدَاحِ الميسر يُوثَقُ بفَوْزِه فيستعار لِيُتَيَمَّن بفوزه، فالمنيح الأولُ من لَغْو القِدَاحِ، وَهُوَ اسْم لَهُ. والمنيح الثَّانِي

(5/77)


هُوَ المستعَارُ. وَأما الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِيهِ: (كنتُ مَنيحَ أَصْحَابِي يَوْم بَدْرٍ) ، فَمَعْنَاه أَنِّي كنت مِمَّن لَا يُضْرَبُ لَهُ بسهمٍ من الْفيء لِصِغرى، فَكنت بِمَنْزِلَة السهْم اللَّغْوِ الَّذِي لَا فوزَ لَهُ وَلَا خسْرَ عَلَيْهِ، وَقد ذكر ابْن مقبل القِدْح الْمُسْتَعَار الَّذِي يتيمن بفوزه فَقَالَ:
إِذا امْتَنَحَتْه من مَعَد عِصَابَة
غَدَا رَبُّه قَبْلَ المُفيضِينَ يَقْدَح
يَقُول إِذا استعارُوا هَذَا القِدْحَ غَدَا صاحِبُه يقْدَح النارَ لِثِقَتِهِ بفوزِه، فَهُوَ المنيحُ المستعارُ. وأمّا قَوْله:
فمهلاً يَا قُضَاعُ فَلا تَكُونِي
مَنِيحاً فِي قداح يَدَيْ مُجِيلِ
فإِنَّه أَرَاد المنِيحَ الَّذِي لَا غُنْمَ لَهُ وَلَا غُرْمَ، وَيُقَال رجل منَّاح فيَّاح إِذا كَانَ كثيرَ العطايا. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو المَمَانِحُ النَّاقة الَّتِي يبْقى لَبَنُها بَعْدَمَا تذْهب أَلْبَانُ الْإِبِل، بِغَيْر هَاء. وَقَالَ ذَلِك الأصمعيُّ وَقد مانَحَتْ مِنَاحاً ومُمَانَحةً، وَكَذَلِكَ مانَحتِ العينُ إِذا سَالَتْ دُموعها فَلم تَنْقَطِع، وَقَالَ المُمَانح من الأمطار الْمَطَر الَّذِي لَا يَنْقَطِع.
حمن: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي القُراد أوّل مَا يكون وَهُوَ صَغِير لَا يكَاد يرى من صغره. يُقَال لَهُ قُمْقَامة ثمَّ يصير حُمْنَانَة ثمَّ قُراداً ثمَّ حَلَمَةً.
وَقَالَ اللَّيْث أَرض مَحْمَنة كَثِيرَة الْحَمْنَان وَهِي صغَار القِرْدان. قَالَ والْحَمْنَانُ على مِثَال فَعْلان الْوَاحِدَة حَمْنَانَةٌ.
شمر عَن الأصمعيّ الحوْمانةُ وَجَمعهَا حَوَامِينُ أَماكنُ غِلاظٌ منقادَةٌ وَقَالَ أَبُو خَيْرة الحوْمانُ واحدتها حَوْمَانَةٌ وَجَمعهَا حوامينُ وَهِي شقائق بَين الجِبَال وَهِي أطيب الحُزُونة، جَلَد لَيْسَ فِيهَا إكام وَلَا أبارق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الحَوْمَانُ مَا كَانَ فَوق الرَّمل ودونه حِين تصعَدُه أَو تهبِطُه. وَقَالَ زُهَيْر:
بحومانة الدَّرَّاج فالمُتَثَلَّم
قلت: حوْمان فَوْعال من حمن.
محن: قَالَ أَبُو العبَّاس أَخْبرنِي سلمةُ عَن الْفراء أَنه قَالَ يُقَال محنته: ومخَنْتُه بِالْحَاء وَالْخَاء ومحجْتُه ونقَحْتُه وجَلَهْتُه وجحشته ومَشَنْتُه وعَرَمْتُه وحَسَفْتُه وخبلته وخَسَلْتُه ولَتَحْتُه كُله بِمَعْنى قشرته.
وَقَالَ اللَّيْث المحنة معنى الْكَلَام الَّذِي يُمْتَحَنُ بِهِ ليُعرف بِكَلَامِهِ ضميرُ قلبه، تَقول: امتحنْتُه وامتحَنْتُ الكلمةَ إِذا نظرتَ إِلَى مَا يصير إلَيْهِ صَيُّورُها. وَقَالَ غَيره محنته وامتحنْتُه بمنزلةِ خَبَرْتُه واختبرتُه وبلوته وابتلَيْتُه وأصل المَحْن الضربُ بالسوْطِ.
روى أَبُو عبيد عَن الأمَوِيّ مَحَنْتُه عشْرين سَوْطًا مَحْناً إِذا ضربتَه وَقَالَ المفضَّل فِيمَا رَوَى عَنهُ ابْن الْأَعرَابِي مَحنت الثَّوْب مَحْناً إِذا لبِسته حَتَّى تُخلقه وَقَالَ أَبُو سعيد: محنت الْأَدِيم مَحْناً إِذا مددته حَتَّى توسعَه قَالَ وَمعنى قَول الله جلّ وعزّ: {اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (الحجرات: 3) شرح الله قُلُوبهم كأنّ مَعْنَاهُ وسّع الله على قُلُوبهم للتقوى.

(5/78)


أَبُو الْعَبَّاس عَن الْأَعرَابِي المَحْن اللينُ من كل شَيْء. والمَحْنُ العطيَّة يُقَال سَأَلته فَمَا مَحَنَنِي شَيْئا أَي مَا أَعْطَانِي.
أَبُو عَمْرو: المَحْنُ النِّكَاح الشَّديد يُقَال مَحَنَها ومَخَنَها ومَسَحَها إِذا نكَحَها.
حَدثنَا الْحُسَيْن عَن سُوَيْد عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن صَفْوَان أَن أَبَا الْمثنى المُلَيْكي حدَّثه أَنه سمع عُتبة بن عبدٍ السُّلَمِيَّ وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدَّث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْقَتْلَى ثلاثةٌ: رجل مؤْمِنٌ جاهدَ بِنَفسِهِ ومالِه فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي العَدُوَّ قاتَلهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَاك الشَّهِيد المُمْتَحَنُ فِي خَيْمة الله تَحت عَرْشه لَا يَفْضُله النبيُّون إِلَّا بِدَرَجَة النُّبُوَّة) ثمَّ ذكر الحَدِيث إِلَى آخِره، قَالَ شمر قَوْله (فَذَاك الشَّهِيد الممتحَن) هُوَ المصفَّى المهذَّب المُخْلَص.
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد {اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (الحُجرَات: 3) قَالَ أَخْلَصَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة {الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ} صفَّاها وهذَّبها. وَقَالَ غَيره الممتَحن الموطَّأ المذلَّل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَحَنْتُه بالشدّ والعَدْوِ وَهُوَ البَلْس بالطرد والممتحِنُ والمُمَحِصّ واحِدٌ، وَجلد مُمَحَّن مقشور.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالْفَاء)
ح ف ب: مهمل (1))
ح ف م
اسْتعْمل من وجوهه: (فَحم) .
فَحم: قَالَ اللَّيْث: الفَحْمُ الْجَمْر الطافِىء؛ الْوَاحِدَة فَحَمَةٌ وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم للأغلب:
قد قَاتلُوا لاَ ينفخون فِي فَحَم
يَقُول لَو كَانَ قِتَالهمْ يُغْنِي شَيْئاً وَلكنه لَا يُغْني فَكَانَ كَالَّذي ينفخُ نَارا وَلَا فَحم وَلَا حطب، فَلَا تذكو النَّارُ وَلَا تَتَّقِدُ، يضْرب هَذَا مثلا للرجل الَّذِي يُمارِسُ أمْراً لَا يُجْدِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: فَحم الصَّبِي وَهُوَ يفحم إِذا طَال بكاؤه حَتَّى يَنْقَطِع نَفَسه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي فَحِمَ الصَّبِي يفْحَمُ فُحُوماً وفُحَاماً إِذا بَكَى حَتَّى يَنْقَطِع. وَقَالَ اللَّيْث كلَّمني فلَان فأفحمتُه إِذا لم يُطِقْ جوابَك، قلت كأنّه شُبه بِالَّذِي يبكي حَتَّى يَنْقَطِع نَفَسه، وشاعر مُفْحَمٌ لَا يُجيب محاجِيَه، وَرجل مُفْحَم لَا يَقُول الشّعْر.
وَقَالَ اللَّيْث شَعَرٌ فَاحِمٌ وَقد فَحَم فُحومة وَهُوَ الْأسود الْحسن وَقَالَ الْأَعْشَى:
مبتلة هيفاءُ رُودٌ شبابُها
لَهَا مُقْلتا رِئْم وأسودُ فاحمُ
أَبُو عبيد ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ضُمُّوا فَوَاشِيكُمْ حَتَّى تذهَب فَحْمَةُ الْعشَاء) . وَالْفَوَاشِي: مَا انْتَشَر من المَال، الْإِبِل وَالْغنم وَغَيرهَا. قَالَ: وفَحْمةُ العِشاء شدَّة سَواد الليلِ وظلمته، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي أوَّله حَتَّى إِذا سكن فَوْرُه قلّت ظُلمته، وَقَالَ الفرَّاء يُقَال فَحِمُوا عَن العِشَاء يَقُول

(5/79)


لَا تَسِيروا فِي أَوَّله حِين تقوم الظُّلْمَةُ وَلَكِن أمهلوا حَتَّى تسكُنَ وتعدل الظلمَة ثمَّ سِيرُوا وَقَالَ لبيد:
واضْبِطِ اللَّيْل إِذا طَالَ السُّرَى
وتَدَجَّى بعد فَوْرٍ واعتدل
وَقَالَ شمر يُقَال فَحْمَةٌ وفَحَمَةٌ لُغَتَانِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفَحْمَةُ مَا بَين غرُوب الشَّمْس إِلَى نوم الناسِ سميت فَحْمَة لحَرها وأولُ اللَّيْل أحَرُّ من آخِره. قَالَ وَلَا تكون الفحْمة فِي الشتَاء. قَالَ وَلَا يُقَال فِي الشَّرَاب فَحْمَةٌ كَمَا يُقَال الجاشريَّة والصَّبُوح والغَبُوق والقَيْل. قَالَ: وَيُقَال للَّذي لَا يتَكَلَّم أصلا فَاحِمٌ وَيُقَال للَّذي لَا يَقُول الشّعْر مُفْحَم.

(بَاب الْحَاء وَالْبَاء مَعَ الْمِيم: مهمل)
آخر الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْحَاء.

(5/80)


أول الثلاثي المعتل من الْحَاء
أهملت الْحَاء مَعَ بَاقِي حُرُوف الْحلق فِي المعتلات

(بَاب الْحَاء وَالْقَاف)
(ح ق (وايء))
حَقي، حاق، قحا، قاح، وقح: (مستعملة) .
حَقي: وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أعْطى غَسَلَةَ ابْنَته حَقْوَه وَقَالَ أشعرْنَها إيَّاه، وَذَلِكَ حِين توفيت وغُسلَتْ وكفنت. الحَقْوُ: الإزَارِ هَاهُنَا وَجمعه حُقِيّ. وَقَالَ أَبُو عبيد الحَقْو مَعقِد الْإِزَار من الجَنْبِ، يُقَال أخذتُ بحَقْوِ فلَان. وجمعُ الحَقْوِ حِقَاءٌ. وَقَالَ اللَّيْث الحَقْوانِ الخاصرتَان. والجميع الأَحْقَاءُ. وَالْعدَد أَحْقٍ كَمَا ترى تَقول عُذْتُ بِحَقْوِ فلَان إِذا عاذَ بِهِ ليمنَعَه، وَأنْشد:
وعذتم بأَحْقَاءِ الزّنادِق بَعْدَمَا
عركتكم عَرْكَ الرّحى بِثِفَالها
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن بشر بن مُوسَى عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كلُّ مَوضِع يَبْلُغُه سيلُ الماءِ فَهُوَ حَقْوٌ. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا نظرت إِلَى رَأس الثَّنِيَّةِ من ثَنَايا الْجَبَل رَأَيْت لِمَخرِمَيْها حَقْوَينِ وَقَالَ ذُو الرمة:
تَلْوِي الثنايا بأَحْقِيَها حَوَاشِيه
لَيَّ المُلاَءِ بأبوابِ التَّفَاريج
التفاريج: خَصَاص الدَرَابَزِين بنحِقرات قَالَه ثَعْلَب يَعْنِي السّراب. وَيُقَال: رمى فلانٌ بِحَقْوٍ، أَي رمى بِإِزَارِهِ. والحَقْوَةُ داءُ يَأْخُذ فِي البَطْن يورِث نَفْخَةً فِي الحَقْوَيْنِ تَقول: حُقِيَ الرجل فَهُوَ مَحْقُوُّ إِذا أَصَابَهُ ذَلِك الدَّاء قَالَ رؤبة:
من حَقْوَةِ الدَّاء وَرَاء الأعْداد
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الحَقْوَةُ داءُ يكون فِي الْبَطن من أَن يَأكُلَ الرجُلُ اللَّحْم بَحتَاتٍ فَيَقَع عَلَيْهِ الْمَشْي وَقد حُقِيَ فَهُوَ مَحْقُوٌّ.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي الحَقْوة فِي الْإِبِل نَحْو التَّقْطيع يأخُذُها من النُّحَازِ. قَالَ: وأكثرُ مَا تقع الحَقْوَةُ للْإنْسَان. وروى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس أَنه قَالَ حَقِي يَحْقَى حَقاً مقصورٌ وَرجل مَحْقُوٌّ قَالَ أَبُو بكر مَعْنَاهُ إِذا اشْتَكَى

(5/81)


حَقْوَهُ أَبُو عَمْرو الحِقَاءُ رِباط الجُلّ على بطن الْفرس إِذا حُنذ للتَّضْمير وَأنْشد لطَلْق بن عدي:
/ ثمَّ حَطَطْنا الجُلَّ ذَا الحِقَاء
كَمثل لَوْن خَالِصِ الحِنَّاءِ
أخبر أَنه كُمَيْتٌ. قَالَ: الحِقاء جمع حَقْوةٍ، وَهُوَ مُرْتَفع عَن النَّجْدَةِ وَهُوَ مِنْهَا مَوضِع الحَقْوِ من الرجل يتحرَّزُ فِيهِ الضباع من السَّيْل. قَالَ أَبُو النَّجْم يصف مَطَرا:
يَنْفِي ضِبَاع القُفّ من حِفائه
وَقَالَ النَّضر: حُقِيُّ الأَرْض سُفوحها وأسنادها وَاحِدهَا حَقْوٌ وَهُوَ السَّنَدُ والهَدَفُ.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَت الدُّبَيرية يُقَال: ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء ولجن واحْتَقَى يَحْتَقي احتقاءً بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: حَقْوُ السَّهْم مُسْتَدَقُّه مِمَّا يَلِي الريش. وَيُقَال حَقْوُ السهْم مَوضِع الريش وَجمع الْحَقْوِ حِقَاءٌ وحُقِيٌّ.
قحا: قَالَ الليثُ: القَحْوُ تأسيس الأقْحُوَان وَهِي فِي التَّقْدِير أفْعُلاَن وَهُوَ من نَبَات الرّبيع مُفَرَّضُ الْوَرق دَقِيق العيدان لَهُ نوْرٌ أَبيض كَأَنَّهُ ثغر جَارِيَة حَدَثةِ السن. والواحدة أقْحُوانة وَلَو جعلته فِي دَوَاء قلت: دَوَاء مَقْحُوٌ ومُقَحًّى.
وأقحوانة مَوضِع مَعْرُوف فِي ديار بني تَمِيم، وَقد نزلت بِهِ.
والأُقحوان هُوَ القُرَّاصُ عِنْد الْعَرَب وَهُوَ البابُونج والبابونك عِنْد الْفرس. وَالْعرب تَقول رَأَيْت أقاحي أمره كَقَوْلِك رَأَيْت تباشير أمره وَفِي (النَّوَادِر) اقتحَيْتُ المَال وقَحَوْتُه واجْتَفَفْتُه وازْدَفَفْتُه أَي أَخَذته.
وَقَالَ: فالأقحوانة منا منزل قمِن.
حوق: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحُوقَةُ الْجَمَاعَة الممحزِقة وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحوق الكنس، والمِحوقَةُ المِكْنَسة قَالَ والحوق الحَوْقَلَةُ. وَقَالَ اللَّيْث الحَوْقُ والحُوقُ لُغَتَانِ، وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ بالكمرة يُقَال فَيْشَلة حوقاءُ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحَوْقُ الْجمع الْكثير. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي الحُواقَةُ القماش. وَقد حُقْتُ الْبَيْت حَوْقاً: كنسته.
وَقَالَ النَّضر: حَاق بهم العذابُ كأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِم، وَقَالَ: حاق الْعَذَاب يَحِيق فَهُوَ حَائق. وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْق مَا حَاقَ بالإنسان من مكْرٍ أَو سُوءٍ يعملهُ فينزلُ ذَلِك بِهِ، تَقول أحاق الله بِهِمْ مَكْرَهُم وحاق بهم مَكْرهمْ. وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ} (غَافِر: 83) أَي أَحاط بهم العذابُ الَّذِي هُوَ جزءُ مَا كَانُوا يستهزءون. كَمَا تَقول أحَاط بفلان عملهُ وأهلكه كسْبُه؛ أَي أهلكه جَزَاء كَسبه. قلت: جعل أَبُو إِسْحَاق حاق بِمَعْنى أَحاط، وكأَن مأخذَه من الحُوق وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ بالكَمَرَةِ، وَجَائِز أَن يكون الحُوقُ فُعْلاً من حاق يَحِيق كأَنَّه كَانَ فِي الأَصْل حُيْقاً فقلبت الْيَاء واواً لانضمام مَا قبلهَا، وَالْيَاء تدخل على الواوِ فِي حُرُوف كَثِيرَة، يُقَال تصوّح النبت وتصيّح إِذا تشقق وتوَّهَه وتيَّهه وطوّحه وطيّحه.

(5/82)


سَلمَة عَن الْفراء فِي قَوْله: {الْعِلْمِ وَحَاقَ} هُوَ فِي كَلامِ العرَب عَاد عَلَيْهِم مَا استهزءُوا وَجَاء فِي التَّفْسِير أَحَاطَ بهم وَنزل بهم.
وقح: اللَّيْث الوَقَاحُ الحافِر الصُّلْبُ الْبَاقِي على الْحِجَارَة. والنعت وقاحٌ، الذَّكُر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء والجميع وُقُح وَوُقَّح، ورجلٌ وقَاحُ الْوَجْه صُلبه قليلُ الحياءِ، وَقد وَقُح وقَاحَةً وقِحَةً وَوَقَح الفرسُ وَقاحة وقِحَةً والتوقيح أَن يوقح الحافرُ بشحْمَةٍ تذاب حَتَّى إِذا تشيّطت الشحمة وذابت كُوِيَ بهَا مَوَاضِع الحَفَاء والأَشَاعِر. واستوقح إِذا صلُب وَقَالَ غَيره: وَقحْ حوضَك أَي امْدُرْه حَتَّى يَصْلُبَ فَلَا ينشَفَ الماءُ، وَقد يُوَقَّح بالصفائِح وَقَالَ أَبُو وجزة:
أفْرِغْ لَهَا فِي ذِي صَفِيحٍ أَوْقَحَا
قيح: قَالَ اللَّيْث يُقَال للجرح إِذا انْتَبَرَ: قَدْ تَقَوَّحَ. قَالَ وقَاحَ الجرحُ يَقيحُ وقَيَّحَ وأَقَاحَ، والقيح المِدَّةُ الْخَالِصَة الَّتِي لَا يخالطها دَمٌ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أقاح الرَّجُلُ إذَا صمَّم على الْمَنْع بعد السُّؤَال، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مَنْ مَلأَ عيْنَيه من قَاحَةِ بيْتٍ قبل أَن يُؤْذَنَ لَهُ فقد فَجَر.
وَقَالَ ابنُ الْفرج سَمِعت أَبَا الْمِقْدَام السُلَميَّ يَقُول هَذِه بَاحَةُ الدَّارِ وقَاحَتُها وَمثله طين لازِبٌ ولازقٌ. ونَبِيثَةُ البِئْرِ ونَقِيثَتُها وَقد نَبَّثَ عَن الأَمْرِ ونَقَّثَ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي زِيَادٍ: مَرَرْت على دَوْقَرة فَرَأَيْت فِي قَاحَتِها دَعْلَجاً شَظِيظاً. قَالَ قاحةُ الدَّار وسَطُهَا، والدَّعْلَجُ الحُوَالِقُ والدوقَرَةُ أرضٌ نَقِيَّة بَين جبالٍ أحاطت بهَا.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي القُوح الأرَضُون الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئا، يُقَال قَاحَةٌ وقُوحٌ مثل ساحةٍ وسُوحٍ ولابَةٍ ولُوبٍ وقارَةٍ وقُورٍ.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالْكَاف)
(ح ك (وايء)
حاك، (يحوك، ويحيك) ، كاح، حكى، حكأ، وكح، كحا: مستعملة.
حوك حيك: قَالَ اللَّيْث الحُوك بقلة ورَوَى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَوْكُ الباذروج. قَالَ اليزيدي ماحكّ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء وَمَا حاكَ وكلٌّ يُقَال:
فَمن قَالَ حكَّ قَالَ يحُكُّ وَمن قَالَ حاك قَالَ يحِيكُ حَيْكاً، وَيُقَال مَا أحاك فِيهِ السَّيْف وَمَا حاك كلٌّ يُقَال:
فَمن قَالَ أحَاكَ قَالَ يُحِيكُ إحاكَةً، وَمن قَالَ حاكَ قَالَ يَحيكُ حَيْكاً وحاك الحائك يحُوك حياكَةً وحَوْكاً وحَاك فِي مَشْيهِ يَحِيكُ حَيَكاناً أَي تبختر.
وَحدثنَا السَّعْدِيّ قَالَ حَدثنَا الزَّعْفَرَانِي عَن زيد بن الحُبَاب:
قَالَ أخبرنَا مُعَاوِيَة بن صَالح قَالَ أَخْبرنِي عبد الرحمان بن نُغَيْر عَن أَبِيه عَن النَوَّاس بن سَمْعان الْأنْصَارِيّ: أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البِرّ والإثْم فَقَالَ:
(البِرُّ حُسْنُ الخُلُق وَالْإِثْم مَا حَاكَ فِي نفْسِك وكَرِهْتَ أَن يطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس) .

(5/83)


وَقَالَ اللَّيْث الشَّاعِر يحوك الشعْرَ حَوْكاً والحائك يَحِيك الثَّوْب حَيْكاً والحِياكةُ حرْفَتُه. قلت هَذَا غلط الحائك يحوك الثَّوْب وَجَمِيع الحائك حَوَكَةٌ وَكَذَلِكَ الشَّاعِر يَحُوكُ الْكَلَام حَوْكاً. وأمّا حاك يَحِيكُ فَمَعْنَاه التَّبَخْتُر.
وَقَالَ اللَّيْث الحَيْك النسج والحَيْكُ أَخْذُ القَوْل فِي الْقلب، يُقَال:
مَا يَحِيكُ كلامُكَ فِي فلَان وَلَا يَحيكُ الفأْسُ وَلَا القَدُومُ فِي هَذِه الشَّجَرَة.
قَالَ والحَيَكَانُ مَشْيَةٌ يُحَركُ فِيهَا الْمَاشِي أَلْيَتَهُ، تقولُ رجل حَيّاكٌ وَامْرَأَة حَيّاكَةٌ تَتَحَيّكُ فِي مِشْيَتها. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحيكان أَن يُحَرَّكَ مَنْكِبَيْه وجسدَه حِين يمشي مَعَ كَثْرَة لحم.
ابْن بُزُرْج قَالُوا حَوْكٌ وحَوَكٌ وحُوُوكةٌ، وَالْمعْنَى التسَاجات وَهِي الثِّيَاب بِأَعْيَانِهَا.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: مَا حاك سيْفُه أَي مَا قَطَع، وَمَا حَكَّ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء، أَي مَا تخالَجَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء. قَالَ وحَاكَ يحيكُ حيكاً إِذا فَحَّجَ فِي مِشْيَتِهِ وحرّكَ مَنْكِبَيْه وَقَالَ المُبَرد: حَاكَ الثوبَ والشعرَ يحوكُهُ، كِلاَهُما بِالْوَاو، وَهُوَ يَحِيكُ فِي مِشْيته، ومِشْيةٌ حَيَكَى إِذا كَانَ فِيهَا تبختر.
كوح كيح: قَالَ الليثُ: كاوحتُ فلَانا مكاوحَةً إِذا قاتَلْتَه فَغَلَبْتَه. ورأَيتُهما يتكاوحان، والمكاوحَةُ أَيْضاً فِي الْخُصُوماتِ وَغَيرهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أكاح زيدا. وكوَّحه إِذا غَلَبه، وأَكاحَ زيدا إِذا أَهْلَكَه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو والتكْوِيحُ التَّغْلِيبُ وَأنْشد:
أعددتُه للخَصْم ذِي التَّعَدّي
كوَّحْتُه مِنْكَ بِدُونِ الْجَهْدِ
وكوَّحَ الزمَامُ البعيرَ إِذا ذلَّلَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا رام بغياً أَو مراحاً أقامَهُ
زِمَامٌ بمَثْنَاهُ خِشَاشٌ مكوحُ
بمثناه بِمَا ثنى من طرفَهِ حَلْقَةً
شمر عَن الْأَصْمَعِي الكِيحُ نَاحيَة الْجَبَل وَقَالَ رؤبة:
عَن صَلَتٍ من كيحنَا لَا تَكْلِمه
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الكِيحُ عُرْض الْجَبَل وأَغْلَظُه قَالَ والوادي رُبمَا كَانَ لَهُ كِيحٌ إِذا كَانَ فِي جُرُفٍ غليظ فجرفه كيحهُ، وَلَا يعد الكِيحُ إِلَّا مَا كَانَ من أصْلَب الحِجَارة وأخْشنها، وكل سنَدٍ جبلٍ غليظٍ كِيحٌ وَإِنَّمَا كوْحه خُشْنته وغِلَظُه، وَالْجَمَاعَة الكِيحَةُ. وَقَالَ اللَّيْث أسنانٌ كيحٌ غَلِيظَة وَأنْشد:
ذَا حَنَكٍ كِيح كحب القِلقِل
قَالَ والكِيح صقع الجُرْف وصقْع سنَدِ الْجَبَل.
وكح: أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَوْكَحَ عطيَّتَه إيكاحاً إِذا قَطَعَها.
الْأَصْمَعِي: حفر فَأكْدَى وأَوْكَحَ إِذا بَلَغَ المكانَ الصُّلْبَ وَقَالَ المفضّل سَأَلته فاسْتَوْكَحَ استيكاحاً أَي أمسك وَلم يُعْط.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: استوكَحَتِ الفراخُ إِذا غلظت وَهِي فراخ وُكُحٌ. وَقَالَ غَيره أَرَادَ أَمْراً فَأَوْكَحَ عَنهُ أَي كفَّ عَنهُ وتَرَكَه.

(5/84)


حكى: اللَّيْث الحِكاية كَقَوْلِك حكَيْتُ فلَانا وحاكَيْتُه إِذا فعلتَ مثلَ فعلِه سَوَاء وَقلت مثلَ قولِه سَوَاء لَا تجاوزُه.
سَلمَة عَن الفرّاء: الحاكِيَةُ الشادّة يُقَال حكت أَي شدّت قَالَ والحائِكة المتبخترة.
حكأ: قَالَ اللَّيْث أحكأتُ العُقْدَةَ إحْكَاء إِذا شدَدْتَّها واحْتَكأَتِ العُقْدَةُ إِذا اشتدّت وَقَالَ الأصمعيّ: أَحْكَأَ عُقْدَتَه إحكاءً إِذا شدّها، وأَنشد شمر:
أَجْلَ أَنَّ الله قد فَضَّلكم
فوقَ من أَحكأ صُلْباً بإزار
الصُّلْبُ هَاهُنَا الحَسَبُ، والإزار العِفَّةُ من الْمَحَارِم.
وَقَالَ شمر هُوَ من أحْكأتُ العُقْدَة أَي أحْكَمْتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الأصمعيّ: أهل مكّة يسمون العِظَاءة الحُكَأَة. والجميع الحُكَى، مَقْصُور. قَالَ أَبُو حَاتِم. وَقَالَت أم الْهَيْثَم الحُكاءَة ممدودة مَهْمُوزَة. وَهُوَ كَمَا قَالَت. وَفِي (النَّوادر) . يَقُول لَهُ احْتَكَأَ أمْرِي لفَعَلت كَذَا، أَي لَو بَان لي أَمْرِي فِي أوّله. ابْن السّكيت يُقَال احْتَكَأ ذَاك الأمْرُ فِي نَفسِي أَي ثَبَتَ فَلم أشُكَّ فِيهِ، وَمِنْه إحْكَاء العُقْدَةِ، وَيُقَال سَمِعت أَحَادِيث فَمَا احتكأ فِي صَدْرِي مِنْهَا شيءٌ.
كحا: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ كَحَا إِذا فسد. قلتُ: وَهُوَ غَريبٌ.

(بَاب الْحَاء وَالْجِيم)
(ح ج (وايء))
حجا، حَاج، جحا، جاح، وجح، وَحج، أحح.
حجا (أحج) : وَقَالَ اللَّيْث: تَقول حاجَيْتُه فَحَجَوْتُه إِذا ألقيت عَلَيْهِ كلمة مُحْجِيَةً مُخَالفَة المَعْنَى لِلَّفظ. والجواري يتحاجَيْن. والحُجَيَّا تَصْغِيرُ الحَجْوَى. وَتقول الجاريةُ للأخْرى جُحَيَّاكِ مَا كانَ كذَا وكذَا. والأُحْجِيَّةُ اسْم المحاجاةِ وَفِي لُغَة أُحْجُوَّة وَالْيَاء أحسن. والْحجْوَى اسْم أَيْضا للمحاجاة.
وَقَالَت بنت الخُس العاديَّةُ فِيمَا يُرْوَى لَهَا:
قَالَتْ قالَةً أختى
وحَجْوَاهَا لَهَا عَقْلُ
ترى الفتيان كالنخل
وَمَا يدرِيك مَا الدَّخْلُ
الدَّخْلُ العيْبُ.
أَبُو عُبَيْدٍ: بَينهم أُحْجِيَّةٌ يتحاجَوْن بِهَا، وَهِي مثل الأُغلوطة وأُدْعيَّه فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال مِنْهُ حاجَيْتُه، وَهُوَ نَحْو قَوْلهم أَخْرِجْ مَا فِي يَدي وَلَك كَذَا.
سلمةُ عَن الْفراء قَالَ: حُجَيَّاكَ مافي يَدي، أَي حاجَيْتُك. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فلَان يأتينا بالأحاجيّ أَي بالأغاليط. وَقَالَ اللَّيْث الحَجَاةُ فُقَّاعةٌ ترْتَفع فوقَ المَاء كأنَّها قارورةُ والجميع الحَجَوَاتُ وَأنْشد:
وعَيْنَاي فِيهَا كالحَجاة من الْقطر
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحَجَا مقصورٌ النُّفاخات على المَاء الْوَاحِدَة حَجَاةٌ. قَالَ: والحِجَا

(5/85)


العقلُ مقصورُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زيد والفراءُ. وَأنْشد اللَّيْث قولَ الْأَعْشَى:
إِذْ هِيَ مثلُ الغُصْن ميَّالَةٌ
تروق عَيْنَيْ ذِي الْحِجا الزائر
وَيُقَال: هُوَ حَجٍ بِهِ قَالَ وَتقول إنَّه لَحِجَيٌّ أَن يفعل ذَاك أَي حَرِيٌّ بِهِ، وَمَا أَحْجَاهُ بِهِ وأحْراه قَالَ العجاج:
كرَّ بِأَحْجَى مَانِعٍ أَن يَمْنَعَا
وَتقول أَحْجِ بِهِ أيْ أَحْرِبه وأخلِقْ بِهِ أَن يكون، قَالَ الأصمعيُّ وَقَالَ اللَّيْث الحَجَا الزمزمة وَقَالَ الشَّاعِر:
زمزمة الْمَجُوس فِي أحجائها
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي فِي حَدِيث رَوَاهُ عَن رجل رَأَيْت عِلْجاً يومَ الْقَادِسِيَّة قد تكَنَّى وتَحَجَّى فقتلتُه؛ قَالَ ثعلبٌ سَأَلت ابنَ الْأَعرَابِي عَن تحجَّى فَقَالَ: مَعْنَاهُ زَمْزَمَ قَالَ والحِجاءُ مَمْدُود الزمْزَمة وَأنْشد:
زَمْزَةُ الْمَجُوس فِي حِجَائِها
هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ وكأنهما لُغَتَانِ إِذا فتحتَ الْحَاء قصرْتَ وَإِذا كسرتها مددت، وَمثله الصَّلا والصلاءُ والأَيا والإياءُ للضَّوْءِ. قَالَ وتكنى لزم الكِنَّ، أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ حاجَانِي فلانٌ فاحْتَجَيْتُ أَي أصَبْتُ مَا سَأَلَني عَنهُ وأنشدنا:
فَنَاصِيَتي ورَاحِلَتي ورحْلي
ونِسْعَا نَاقَتِي لمن احْتَجَاهَا
وَقَالَ اللَّيْث الْحجْوَة الْحَجْمَة يَعْنِي الحدقة. قلت لَا أَدْرِي هِيَ الحَجْوَةُ أَو الجَحْوَة للحدقة. وَقَالَ الأصمعيّ حجا الرجل يحجو إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ وَثَبت وَقَالَ العجاج:
فَهُنَّ يعكُفْنَ بِهِ إِذا حَجَا
وَيُقَال تحجّيتكم إلَى هَذَا الْمَكَانِ أَي سَبَقْتُكمْ إِلَيْهِ وَلَزِمتهُ قبلكُمْ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
أصَمَّ دُعَاء عاذلتي تحجي
بآخرنا وتنسى أوّلينا
قَالَ وأَحْجَاءُ الْبِلَاد نَوَاحِيهَا وأطرافُها، وَقَالَ ابْن مُقْبل:
لَا يُحْرِزُ المرءَ أحجاءٌ البِلاَدِ وَلَا
تُبْنَى لَهُ فِي السماواتِ السَّلاَليم
وَقَالَ غيرُه وَاحِد الأحجاء حَجاً مَنْقُوص، ناحيةُ الشَّيْء وَقَالَ ذُو الرمة:
فَجَاءَت بأَغباش تحجَّى شَرِيعَة
تِلاداً عَلَيْهَا رمْيُها واحتِبالُها
قَالَ تَحَجَّى تقصد، حَجَاهُ، وَيُقَال تحجّى فلانٌ بظَنه إِذا ظنَّ شَيْئا فادّعاه ظانّاً، وَلم يستيقنه وَقَالَ الكُمَيْتُ:
تَحَجَّى أَبُوهَا مَنْ أبوهم فصادفُوا
سواهُ وَمن يجهلْ أَبَاهُ فقد جَهِل
وَتقول: حَجَوْتُ فلَانا بكَذَا أَيْ ظننْته بِهِ، وَقَالَ الشَّاعِر:
قد كُنْت أحجو أَبَا عَمْرٍ وأَخاً ثِقَة
حتّى أَلَمَّت بِنَا يَوْمًا ملمّاتُ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الحَجْوُ الوُقُوف حَجَا إِذا وقف قَالَ وحَجِي معدولٌ من حَجَا إِذا وقَفَ.
وَقَالَ الكسائيُّ: مَا حَجَوْتُ مِنْهُ شَيئاً، وَمَا هَجَوْتُ مِنْهُ شَيْئا أَي مَا حفِظْتُ مِنْهُ

(5/86)


شَيْئا. وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْفراء حَجِيتُ بالشَّيْء، وتحجَّيْتُ بِهِ، يُهمز وَلَا يُهمز تمسكْتُ بِهِ ولزمْتُه وَأنْشد بَيت ابْن أَحْمَر:
أَصَمَّ دَعَاءُ عَاذِلتي تَحَجَّى
أَي تمسك بِهِ وَتلْزَمهُ قَالَ وَهُوَ يحجوبه وَأنْشد:
فهن يعكفن بِهِ إِذا حَجَا
أَي إِذا أَقَامَ بِهِ وَمِنْه قَول عدي بن زيد:
أطفَّ لأنفه الموسى قصيرٌ
وَكَانَ بِأَنْفِهِ حَجِئاً ضنينا
قَالَ شمر: تحجَّيتُ تمسكت جيدا قَالَ اللحياني يُقَال مَاله حَمْجَأٌ وَلَا مَلْجَأٌ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو زيد إنَّه لَحَجيء بني فلَان أَي لاجىءٌ إِلَيْهِم وَقَالَ ابْن هانىء قَالَ أَبُو زيد حجا سرُّه يَحْجُوه إِذا كَتَمَهُ وَيُقَال لِلرَّاعِي إِذا ضَيَّع غَنَمَه فتفرَّقَت مَا يَحْجُو فلانٌ غنَمه وَلَا إبِلَهُ، وَمَا يَحْجُو السقَاءُ شَيْئا إِذا لم يَحْبِس الماءَ ونَفَحَ من جوانبه.
وَفِي (نَوادِرِ الأَعراب) لَا محاجَاةَ عِنْدِي فِي كَذَا وَلَا مكافأةَ، أَي لَا كتمانَ لَهُ عِنْدِي وَلَا ستر. وَقَول الأخطل:
جحونا بني النُّعْمَان إِذْ عَضّ ملكهم
وَقبل بَني النعمانِ حاربَنَا عَمْرو
قَالَ الَّذِي فسره جحونا قَصَدْنَا واعتمدْنا، قلت: مِنْهُ قَوْلهم إِنَّه لحجيّ بِكَذَا أَي حَرِيٌّ وَمَا أَحْجَاه أَي مَا أَخْلَقَهُ.
جحا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَحَا إِذا خَطَا. قَالَ: والجَحْوَة الخَطْوَة الْوَاحِدَة قَالَ أَبُو الْعَبَّاس إِذا سمّيت رجلا بِجُحَا فألْحِقْه بِبَاب زُفَر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجاحي الحسنُ الصلاةِ، والجاحي المثاقب، والجائح الجَرَاد، قَالَ: وجُحَا معدول من جَحَا يَحْجُو إِذا خَطَا، وَقَالَ غَيره بَنو حَجْوانَ حَيٌّ من الْعَرَب.
واجتحى الشيءَ واجتاحه بِمَعْنى وَاحِد إِذا استأصَلَه. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ قَالَ أَخْبرنِي ثعلبٌ عَن سلمةَ عَن الفرَّاء وَقَالَ فِي كَلَام تجاحيا الْأَمْوَال فَقلب يُرِيد اجتاحا وَهُوَ من أَوْلَاد الثلاثةِ فِي الأَصْل.
حوج: قَالَ اللَّيْث: الحَوْجُ من الحاجةِ، تَقول أَحْوَجَهُ الله. وَقد أَحْوجَ الرجلُ إِذا احتَاجَ. والحَاجُ جمع الحاجَةِ، وَكَذَلِكَ الحوائِج والحاجات. وَتقول لقد جَاءَت بِهِ حاجةٌ حائجةٌ. قَالَ: والتَّحَوُّجُ طلب الحاجَةِ وَقَالَ العجّاج:
إِلَّا انتظارَ الْحَاج من تَحوَّجَا
وَقَالَ الْفراء هِيَ الحِوَج للحاجات وَأنْشد.
وَعَن حِوَجٍ قَضَاؤُها من شِفَائِيا
والحاجُ ضرب من الشوك. ورُوي عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: تَصْغِير الحاجِ الشوكِ حُيَيْجَةٌ. قَالَ وأَحْيَجت الأرضُ وأَحَاجَتْ إِذا أَنْبَتَت الحَاجَ. وَقَالَ الرّاجز:
كَأَنَّهَا الحاجُ أفادت عصبَة
أَرَادَ الحاجّ فخذف إِحْدَى الجيمين وخففه كَقَوْلِه:
لسوء الغالبات إِذا فليني: أَرَادَ فلينني وَأنْشد شمر.
والشحطُ قطّاعٌ رجاءَ من رجا
إِلَّا احْتضار الحاجِ من تحوَّجا

(5/87)


قَالَ شمر يَقُول إِذا بعد من تُحِبُّ انْقَطع الرَّجَاء إِلَّا أَن يكون حَاضرا لحاجَتِك قَرِيبا مِنْهَا. وَقَالَ رَجَاء من رجا، ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ إِلَّا احتضار الْحَاج أَي إِلَّا أَن تحضره، والحاج جمع حاجَةٍ، وتَحَوَّج طلب حَاجَة. وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْحسن الشيخي عَن الرياشي قَالَ يُقَال حاجَةٌ وحَاجٌ وأَخْبَرني عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ الحاجَةُ فِي كَلَام الْعَرَب الأَصْل فِيهَا حائجة حذفوا مِنْهَا الْيَاء فلمَّا جمعوها ردوا إِلَيْهَا مَا حذفوا مِنْهَا فَقَالُوا حَاجَة وحوائج فدلّ جمعهم إِيَّاهَا على حوائج أَن الْيَاء محذوفة من الْوَاحِدَة قَالَ وَقَالُوا حَاجَة حوجاء وَأنْشد:
وحُجْتُ فَلم أكُدُرْكُمُ بالأَصَابِع
أَي تعفَّفْتُ عَن سُؤَالِكُمْ. وَقَالَ اللحياني حَاجَ الرّجُلُ يَحُوجُ ويَحِيجُ، وَقد حِجتُ وحُجْتُ أَي احتَجْتُ وَيُقَال كلمت فلَانا فَمَا رَدّ عليّ حَوْجَاءَ وَلَا لَوْجَاء على فعلاء مَمْدُود، وَمَعْنَاهُ مَا ردّ عليّ كلمة قبيحة وَلَا حَسَنَة. وَقَالَ اللحياني مَالِي فِيهِ حوجَاءُ وَلَا لَوْجَاءٌ وَلَا حويْجَاءُ وَلَا لويجاء أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي حَاجَ يَحُوجُ حَوْجاً إِذا احْتَاجَ. قَالَ: والحَوْجُ الطّلب، والحَوْجُ الْفقر.
جوح: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَاحَ الرَّجُل يجوح جَوْحاً إِذا أَهْلَكَ مَال أقربائِه، وجَاح يَجُوح جَوْحاً إِذا عدا عَن المحجَّة إِلَى غَيرهَا، أَبُو عبيد الجَائِحة الْمُصِيبَة تحل بِالرجلِ فِي مَاله فتجْتَاحُه كُلَّه. قَالَ شمر، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أصابَتْهُمْ جائِحة أَي سنَةٌ شديدةٌ اجتاحت أموالَهُم فَلم تَدعْ لَهُم وَجَاحاً، والوَجاح بَقِيَّة الشَّيْء من مَالٍ أَو غيرِه. وَقَالَ اللَّيْث الجوح من الاجْتِياح، يُقَال جَاحَتْهُم السّنة واجتاحتهم، وَهِي تَجُوحُهم جَوْحاً وجِياحَةً، وَهِي سنة جَائِحَة جدْبَةٌ. وَنزلت بفلان جائِحة من الجوائِح. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنّه أَمر بِوَضْع الجوائِح وَمِنْه قَول شَاعِر الْأَنْصَار:
ولَكِنْ عرايا فِي السنين الجوائِحِ
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ: جِمَاع الجَوائِح كلُّ مَا أذْهَبَ الثَّمَرَة أوْ بعضَها من أمْرٍ سماوِيَ بِغَيْر جنايةِ آدَمِيّ. قَالَ وَإِذا اشْترى الرجل ثَمَر نخل بَعْدَمَا يحل بيعُه فأُصِيبَ الثَّمر بَعْدَمَا قَبضه المشترِي لزمَه الثّمن كلّه، وَلم يكن على البائِع وضْعُ مَا أصابَه من الجائِحة عَنْه. قَالَ واحتملَ أمرُه بِوَضْع الجوائِح أَن يكون حَضّاً على الْخَيْر لَا حتما كَمَا أَمَر بالصُّلْح على النّصْف وَمثل أمرِه بِالصَّدَقَةِ تَطَوّعا فَإِذا خَلَّى البائِعُ بَين المشترِي وَبَين الثَّمر فأصابته جَائِحَة لم يُحكمْ على البائِع بِأَن يضع عَنهُ من ثمنه شَيْئا.
قلت: والجائحة تكون بالبَرَدِ يقعُ من السَّمَاء إِذا عظم حَجْمُه فَكثر ضَرَرُه، وَتَكون بالبرْدِ المحرق وَالْحر المُفْرِط حَتَّى يفْسد الثَّمر.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الجَوْحُ الْهَلَاك والجائِحَةُ مأخوذةٌ مِنْهُ.
وجح: قَالَ شمر: الوَجَحُ الملجأُ وَكَذَلِكَ الوَجَحُ وَأنْشد:

(5/88)


فَلَا وَجَحٌ ينْجِيكَ إِن رُمْت حَرْبَنَا
وَلَا أَنْت مِنَّا عندَ تِلْكَ بآئل
وَقَالَ حُمَيْدُ بن ثَوْر:
نضْحَ السُّقَاةِ بصُبَابات الرَّجَا
ساعةَ لَا ينفَعُها مِنْهُ وجَحٌ
قَالَ ويُروى بَيت الْهُذلِيّ: فَلَا وجْحَ ينْجِيك.
قَالَ وَقد وجَحَ يَوْجَحُ وجْحاً إِذا التجأ، كَذَلِك قرأته بِخَط شَمِر، وَرُوِيَ عَن عمر أَنه صلّى بِقوم فلمّا سلم قَالَ: من استطاعَ مِنْكُم فَلَا يُصَل مُوجِحاً. فَقُلْنَا: وَمَا المُوجِحُ؟ قَالَ: مِنْ خَلاَءٍ أَو بَوْلٍ. قَالَ شمر: هَكَذَا رُوِيَ بِكَسْر الْجِيم، قَالَ وَقَالَ بَعضهم: مُوجَحٌ وقَدْ أَوْجَحهُ بولُه. قَالَ: وَسمعت أعرابيّاً سَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ المُجِحُّ ذهب بِهِ إِلَى الْحَامِل.
قَالَ شمر وَيُقَال ثوب موجَح كثير الْغَزل كثيف قَالَ وَطَرِيق موجِح مَهْيع وَقَالَ سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
لَقَدْ أشهدُ البيتُ المُحَجَّبَ زَانَه
فِرَاشٌ وخِدْرٌ موجَحٌ ولطائِم
قَالَ الموجَحُ الغليظُ الكثيف، وثوب وَجِيحٌ متين كثيف. قَالَ شمر كَأَنَّهُ شَبَّه مَا يجد المحتقِن من الامْتلاء والانتفاخ بذلك قَالَ: وَيكون من أَوْجَحَ الشيءُ إِذا ظهر. يُقَال (وجح) الطريقُ والنارُ إِذا وَضُح وبَدَا. قَالَه ابْن المظفّر. وَقَالَ أَبُو وجزة:
جَوْفَاءٌ محشُوَّةٌ فِي موحَحٍ مَغِصٍ
أَضْيَافُه جَوَّعٌ مِنْهُ مَهَازيلُ
أَرَادَ بالموجَح جلدا لَهُ أمْلَسَ وأضيافُه قِرْدانه والموجَحُ يُشبه المغَار. وَقَالَ:
بِكُل أمعزَ مِنْهَا غيرِ ذِي وَجَحٍ
وكل دارة هَجْلٍ ذاتِ أوجاح
أَي ذَات غِيرَان. وأوْجَحَتْ غُرَّةُ الْفرس إيجَاحاً وأوضَحتْ إيضَاحاً.
قَالَ شمر: والمُوجِحُ أيْضاً الَّذِي يوجِحُ الشَّيْء يسترهُ ويُخْفِيه من الوِجَاح وَهُوَ السّتْر وَقَالَ اللَّيْث: مَا عَلَيْهِ وَجَاحٌ أَي مَا عَلَيْهِ سِترٌ وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: الوِجَاحُ والأَجاح والوَجاح السّتْر، الحرانيُّ عَن ابْن السّكيت قَالَ الْفراء: لَيْسَ بيني وَبَينه وِجاح ووَجاح وَأجاح وإجَاحٌ أَي لَيْسَ بَيْني وبينَه سِتْرٌ قَالَ شمر: وَسمعت أَبَا معاذٍ النحويَّ يَقُول: مَا بيني وَبَينه جَاحُ بِمَعْنى وَجاح.
قَالَ شمر: والموجِحُ أَيْضا الَّذِي يُوجحُ الشَّيْء يُمْسِكُه ويمنعُه من الوَجَحِ وَهُوَ الملجَأُ. قَالَ وأقرأني إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الْوَاقِدِيّ للجُلاَح:
أتتركُ أَمْرَ القَوْمِ فِيه بَلابِلٌ
وتترك غيظاً كَانَ فِي الصدْرِ موجِحاً

(5/89)


(بَاب الْحَاء والشين)
(ح ش (وَا يء))
حَشا، شحا، حاش، شاح، وشح، وَحش. أشح.
حَشا: قَالَ اللَّيْث الحشو: مَا حشَوْتَ بِه فِراشاً أَو غيرَ ذَلِك. والحَشِيَّةُ الفِراش المحشُوُّ. وَتقول احتشيتُ بِمَعْنى امْتلأْتُ. وَتقول انْحشَى صوتٌ فِي صوتٍ وانحشى حَرْفٌ فِي حَرْفٍ. قَالَ: والاحْتِشَاء احتشاءُ الرجلِ ذِي الإبْرِدِة والمستحاضةُ تحْتَشِي بالكُرْسُف. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامرأةٍ: (احْتَشِي كُرْسُفاً) ، وَهُوَ الْقطن تحشُو بِهِ فرجَهَا.
والحَشْوُ من الْكَلَام الفضْل الَّذِي لَا يُعتَمد عَلَيْهِ. قَالَ: والحشو صِغَارُ الْإِبِل، وَكَذَلِكَ حَوَاشِيها صغارُها، وَاحِدهَا حاشِيَةٌ. والحَشْوُ من النّاس الَّذين لَا يُعتدُّ بهم. وحاشِيَتَا الثَّوْب جَنَبَتَاه الطويلتَان فِي طرفيْهما الهُدْبُ. وحاشيةُ السَّرَابِ كلُّ ناحيةٍ مِنْهُ.
والحشا مَا دُون الحجابِ مِمَّا فِي الْبَطن كُله من الكبد والطحَال والكَرِش وَمَا تبع ذَلِكَ حَشا كُلُّه. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت: الحَشَا مَا بَيْن آخِرِ الأَضْلاَع إِلَى الوَرِك. قلت والشافعيُّ ح سَمَّى ذَلِك كلّه حِشْوَةً. ونحوَ ذَلِك سَمِعت الْعَرَب تَقول لجَمِيع مَا فِي البَطْنِ: حِشْوَةٌ مَا عدا الشَّحْم فَإِنَّهُ لَيْسَ من الحِشْوَة. وَقَالَ اللَّيْث الحشَا أَيْضا ظاهرُ البطْنِ وَهُوَ الخَصْرُ، وَأنْشد فِي صفة امْرَأَة:
هَضِيم الحشَا مَا الشمسُ فِي يَوْم دَجْنها
وَإِذا ثنَّيتَ قلت حشَيانِ، والجميعُ الأحشاء. وَيُقَال فلَان لطيفُ الحشَا إِذا كَانَ أقبَّ ضامر الخَصْر.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول حشوتُه سَهْماً إِذا أَصَبْتَ حشاه. قَالَ وَتقول: حشأتُه بالعصَا حشَأً مهموزٌ إِذا ضربْتَ بَطْنه بهَا، مَزَّقوا بَينهمَا. وَأنْشد:
وكائِنْ تَرى يَوْم الكُلاَبِ مُجَدلاً
حشوناه مَحْشُورَ الحديدةِ أَصْمَعَا
وَتقول حشَأْتُ النارَ أَي غَشِيتُها. قلت: هَذَا غلطٌ وَصَوَابه حشأتُ المرأَةَ إِذْ غشِيتَها، وَكَأَنَّهُ من تصحيفِ الورَّاقين. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي حشَأْتُه سَهْما وحشَوْتُه. وَقَالَ الْفراء: حشأتُه إِذا أدخلته جوفَه. وَإِذا أصبتَ حشَاه قلت حَشِيْتُه. وروَى أَبُو الْفضل لنا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حشَأْته سهْماً إِذا رميتَه فَأصَاب جَوْفه وَأنْشد هَذِه الأبيات:
لي كلَّ يَوْم مِنْ ذُؤاله
ضغثٌ يزِيد على إبَاله
لي كلَّ يَوْم صِبْقَةٌ
فَوقِي تَأَجَّلُ كالظُّلاَله
فلأحْشَأَنَّكَ مِشْقَصاً
أَوْساً أُوَيْسُ مِنَ الهباله
والصبْقَةُ الْغُبَار وَقَوله أَوْساً أَي عوضا من هَبَالتك يَا أَوْسُ، وَهُوَ الذِّئْب كَانَ يعبَثُ فِي غَنَمِه ويَهْتَبِلُ لَحْمَها فَرَمَاهُ بِسَهْم فِي جوْفِه وقَتَلَه.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ حَشَأَ الرجلُ امرأَتَهُ يَحْشَؤُهَا حَشْأً إِذا نَكَحَها.

(5/90)


قَالَ وحشَأتَه بسهمٍ إِذا أصبتَ بِهِ جَوْفه. وَقد حشَا الوسادةَ يحشُوها حَشْواً. وَقَالَ أَبُو زيد حشَأتُ الرجلَ بالسهمِ حَشْأً إِذا أصبتَ بِهِ جَنْبَيْهِ وبطنَه وحشَأتُ الْمَرْأَة حَشْأ إِذا نكَحْتَها. وحشأتُ بطنَه بالعَصَا حَشْأ إِذا ضربتَه بهَا. قلت: والصوابُ فِي حشَأت مَا روينَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة.
قَالَ المنذريُّ قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الأصمعيُّ الحِشْوَةُ موَاضِعُ الطَّعَام، وَفِيه الأحْشَاءُ والأقْصَاب. قَالَ وَسمعت الأصمعيَّ يَقُول: أسفلُ مواضِعِ الطعامِ الَّذِي يُؤَدي إِلَى الْمَذْهَب المَحْشَاة بنصْبِ الْمِيم والجميع مَحَاشٍ وَهِي المَبْعَرُ من الدوابّ. وَقَالَ: إيَّاكم وإتْيَانَ النِّسَاء فِي مَحَاشِيهنَّ؛ فَإِن كل مَحْشَاةٍ حَرَامٌ. قَالَ: والكُلْيَتَان فِي أَسْفَل البطْن بَينهمَا المثانة وَمَكَان الْبَوْل فِي المثانة. والمَرْبَضُ تَحت السُّرَّة وَفِيه الصفاقُ. والصفاق جلدةُ البطْن الباطِنَة والجلْدُ الأسفلُ الَّذِي إِذا انخرق كَانَ رَقِيقا. والمَأْنَةُ مَا غَلُظَ مِمَّا تَحت السُّرَّة. وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ المحاشِيءُ بِالْهَمْزَةِ أكسيةٌ خَشْنَة تحلق الْجَسَد وَاحِدهَا مِحْشَأُ. وَأنْشد:
ينْفُضْن بالمشافر الهَدَالِق
نَفْضَك بالمَحَاشِىء المَحَالِقِ
وَقَالَ غَيره المِحْشَاةُ بِغَيْر همز مَا وَلِي الدُّبُرَ من المَبْعَر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الحَشِيَّة رِفاعةُ الْمَرْأَة وَهُوَ مَا تَضَعه المرأةُ على عَجِيزَتِها تفطمها بِهِ، يُقَال تَحَشَّت الْمَرْأَة تَحشياً فَهِيَ متحشيَةٌ.
وعيش رَقِيق الحَوَاشِي إِذا كَانَ نَاعِماً فِي دَعَةٍ. وَقَالَ ابْن السّكيت الحاشِيَتان ابنُ المَخَاض وابنُ اللَّبُون. يُقَال: أرسلَ بنُو فلَان رَائِداً وانْتهى إِلَى أَرض قد شبعت حاشيتاها.
أَبُو عبيد إِذا اشْتَكَى الرَّجُلُ حَشَاه ونَسَاهُ فَهُوَ حَشٍ ونَسٍ. قَالَ والحَشْيَان الَّذِي بِهِ الرَّبْوُ. وَامْرَأَة حَشْيَا. وَفِي حَدِيث عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ من بَيتهَا لَيْلًا وَمضى إِلَى البقيعِ، فتبعَتْهُ عائشةُ وظنَّت أَنه دخلَ بعضَ حُجَرِ نسائِه، فَلَمَّا أَحَسَّ بسوادِها قصد قَصْدَه فعدَتْ وعَدَا على إثْرِها، فَلم يدْرِكْها إِلَّا وَهِي فِي جَوف حُجْرَتِها، فَدَنَا مِنْهَا وَقد وقَع عَلَيْهَا البَهْرُ والرَّبْوُ فَقَالَ لَهَا مَالي أرَاك حَشْيَا رَابِية. أَرَادَ مَا لي أَرَاك قد وَقع عَلَيْك الرَّبْوُ وَهُوَ البَهْرُ، والرَّبْو يُقَال لَهُ الحشَا وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فَنَهْنَهْتُ أُولَى الْقَوْم منْهم بضرْبةٍ
تَنَفَّس مِنْهَا كلُّ حشيانَ مُحْجِرُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} (يُوسُف: 51) هُوَ مِنْ حَاشَيْتُ أُحَاشِي. وَقَالَ غَيره يُقَال شَتَمْتُم فَمَا تحشَّيْتُ مِنْهُم أحدا وَمَا حَاشَيْتُ مِنْهُم أحدا ومَا حَاشَيْتُ أَي مَا قلت حَاشَى فلانٍ أَي مَا استثْنيت مِنْهُم أحدا.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: معنى حَاشَا فِي كَلَام الْعَرَب أَعْزِلُ فلَانا من وصْفِ الْقَوْم بالحَشَا، وأعْزِلُه بناحيته وَلَا أُدْخِلُه فِي جُمْلتهم، وَمعنى الحشا النَّاحِبةُ وَأنْشد:
وَلَا أُحَاشِي من الأَقْوَامِ مِنْ أَحَدِ

(5/91)


ويقالُ حاشَى لِفُلانٍ، وحَاشَا فلَانا وحَشَى فُلاَنٍ. قَالَ عمرُ بن أبي ربيعَة:
من رَامَها حاشَى النَّبِيَّ وَأَهْلهُ
فِي الفَخْرِ غَطْمَطَهُ هُنَاكَ المُزْبِدُ
وَأنْشد الْفراء:
حشَى رَهْطِ النَّبِي فإنّ مِنْهُم
بُحوراً لَا تكدرُها الدَّلاَءُ
فَمن قَالَ حاشى لِفُلانٍ خَفَضَه بِاللَّامِ الزَّائِدَة، وَمن قَالَ حَاشى فلَانا أضمر فِي حاشَى مَرْفُوعا ونصبَ فلَانا بحَاشَى، وَالتَّقْدِير حاشَى فِعْلُهُم فلَانا. وَمن قَالَ حاشى فلانٍ خفض بإضمار اللَّام لِطُول صُحبتها حَاشَى، وَيجوز أَن تَخْفِضَه بحاشى لأنَّ حَاشَى لَمَّا خلت من الصَّاحِب أَشْبَهت الِاسْم فَأَضيفَتْ إِلَى مَا بَعْدَها. وَمن الْعَرَب من يَقُول حَاشَ لفُلان فيُسقط الْألف، وقَدْ قُرِىءَ فِي الْقُرْآن بِالْوَجْهَيْنِ. قلت حَاشَ لله كَانَ فِي الأَصْل حاشَى لله فَلَمَّا كثُرَ فِي كَلاَمِهمْ حَذَفُوا الياءَ وجُعِلَ اسْما وَإِن كَانَ فِي الأَصْل فِعْلاً، وَهُوَ حَرْفٌ من حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاء مثل عدا وخَلاَ ولِذَلِكَ خَفَضوا بِحَاشى كَمَا خَفَضُوا بهما لِأَنَّهُمَا جُعِلا حَرْفين وَإِن كَانَ فِي الأصْل فعلين. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} (يُوسُف: 51) اشتُق هَذَا من قَوْلِك كُنْتَ فِي حَشَا فَلاَنٍ أَي فِي ناحِيَتِه فَالْمَعْنى فِي حاشى لله بَرَاءَة لله من هَذَا التَنَحّي. الْمَعْنى قد نَحَّى الله هَذَا من هَذَا وَإِذا قُلْتَ حَاشَ لِزَيْدٍ من هَذَا فَالْمَعْنى قد تَنَحَّى زَيْدٌ من هَذَا وتَبَاعَد مِنْهُ، كَمَا تَقول تَنَحَّى من النَّاحِيَةِ، كَذَلِك تَحاشَى من حاشِية الشَّيْء وَهُوَ ناحيته. وَأنْشد أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي الحشا النَّاحِيَة:
يَقُول الَّذِي أَمْسَى إِلَى الحَزْن أهْلُهُ
بأيّ الحَشَا أَمْسَى الحبيبُ المبَايِنُ
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: حاشَى فلَانا، مَعْنَاهُ قد استثنَيْتُه وأخرجْتُه فَلم أُدْخِلْه فِي جُمْلَة الْمَذْكُورين. قلت: جعله من حَشَا الشَّيْءِ وَهُوَ ناحيتُه. وَأنْشد الباهليُّ فِي الْمعَانِي:
وَلَا يتحَشَّى الفحلُ إِن أَعْرَضَتْ بِه
وَلَا يَمْنَعُ المِرْبَاعَ مِنْهُ فَصِيلُها
قَالَ لَا يَتَحَشَّى لَا يُبالي مَنْ حاشى. يُقَال: شتَمْتُهم فَمَا تحشَّيت مِنْهُم أَحَداً وَمَا حاشَيتُ مِنْهُم أحدا أَي مَا بالَيْتُه مِنْ حاشى فلانٌ، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ تحشَّيْتُ من فلانٍ أَي تَذَمَّمْتُ وَقَالَ الأخطل:
فلولا التَّحَشي من رِياحٍ رمَيْتُها
بكالِمةِ الأنْيابِ باقٍ وُسومُها
حوش (حاشا) : قَالَ اللَّيْث: المَحاش كَأَنَّهُ مَفْعل من الحَوْشِ. وَهُوَ قَوْمٌ لفيف أُشابَةٌ. وَأنْشد بيتَ النابِغة:
جَمعْ مَحاشَكَ يايزيدُ فإنَّني
أَعْدَدْتُ يَربوعاً لكم وتمِيماً
قلت غلط اللَّيْث فِي المَحاش من جِهَتَيْنِ إحْداهُما فَتْحُه المِيمِ وجعلُه إيَّاه مَفْعَلاً من الحَوْش، والجهةُ الْأُخْرَى مَا قَالَ فِي تفسيرِه، وَالصَّوَاب المِحاشُ بِكَسْر الْمِيم، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِيمَا يَرْوِي عَنهُ أَبُو عبيد وَهُوَ قَول ابْن الأعرابيّ إنَّما هُوَ: جمّع

(5/92)


مِحاشَك، بِكَسْر الْمِيم، جَعَلُوهُ من مَحَشَتْه النارُ إِذا أحْرَقَتْه لَا من الحَوْش وَقد مرّ تَفْسِيره فِيمَا تقدم من الْكتاب أَن المِحاش القومُ يتحالفون عِنْد النَّار وأمَّا المَحاشُ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ أثاث الْبَيْت، وَأَصله من الحَوْشِ وَهُوَ جمع الشَّيْء وضَمُّه، وَلَا يُقَال للفيف النَّاس مَحاش.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُوْش بِلادُ الجنّ لَا يَمُرُّ بهَا أحدٌ من النَّاس وَرجل حُوشِيُّ لَا يألَفُ الناسَ ولَيْلٌ حوشِيٌ مظلم هائل وَقَالَ رؤبة:
إلَيْكَ سارَتْ من بِلادِ الحوشِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن الْهَيْثَم أَنه قَالَ الْإِبِل الحوشِيَّةُ هِيَ الوحْشِيَّة، وَيُقَال إِن فحلاً من فحولها ضرب فِي إبل لمَهْرة بن حَيْدان فَنُتِجَتْ النجائبُ المهريَّةُ من تِلْكَ الفحول الحوشيَّةِ فَهِيَ لَا يكادُ يُدْرِكُها التَّعَب. قَالَ وَذكر أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَنه رأى أرْبَع فِقَرٍ من مَهْرِيَّةٍ عَظْماً وَاحِدًا. قَالَ وإبل حوشِيَّةٌ محرماتٌ لعِزَّة نُفوسِها. وَيُقَال: فلانٌ يتَتَبَّعُ حوشِيَّ الْكَلَام وَوَحْشِيَّ الكلامِ وعُقْمِيَّ الْكَلَام بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال حُشْنا الصيدَ وأحَشْناها أخذْناها من نَوَاحِيهَا تعْرِفُها إِلَى الحبائل الَّتِي نُصِبَتْ لَهَا. وَيُقَال فلَان مَا يَنْحاشُ من فلَان أَي مَا يكْتَرِثُ لَهُ. وزجرتُ الذئْبَ فِي أنْحاشَ لِزَجْرِي وَأنْشد الأَصْمعيُّ بيتَ ذِي الرُّمَّة يصف النعامة وبيضها.
وبيضاءَ لاتَنْحاشُ مِنَّا وَأمّهَا
إِذا مَا رأتْنا ذِيلَ مِنْهَا زَوِيلَها
أَرَادَ بالبيضاءِ بيْضَةَ النعامة وأمُّها النعامَةُ لِأَنَّهَا باضَتْها.
قَالَ أَبُو عبيدٍ قَالَ أَبُو زيد حُشْتُ عَلَيْهِ الصيدَ وأحْوَشْتُ أَي أخَذْنا مِنْ حواليه لنَعْرِفَه إِلَى الحِبالَةِ. وَيُقَال احْتَوَش القومُ فلَانا أَو تحاوَشوه أَي جَعَلُوهُ وَسطهمْ. وَقَالَ التحْويش التَّحْوِيل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُواشَةُ الاستحياء، والحُواسَة بِالسِّين الأكلُ الشديدُ وَقَالَ أَبُو عبيد الحائش جِماع النَّخْلِ. وَقَالَ شمر الحائش جمَاعَة كل شجرٍ من الطرفاء والنخْلِ وَغَيرهمَا وَأنْشد:
فَوُجِدَ الحائش فِيمَا أحْدَقا
قَفْرَا من الرَّامين إِذْ تَوَدَّقا
قَالَ وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا جُعل حائِشاً لِأَنَّهُ لَا منْفذَ لَهُ وَيُقَال الحُواشة من الْأَمر مَا فِيهِ قَطِيعَةٌ، يُقَال لَا تَغْش الحُواشة قَالَ الشَّاعِر:
غَشِيتُ حُواشَةً وجَهِلْتُ حقّاً
وآثَرْتُ الغُواية غَيْرَ رَاض
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي (نوادره) : التحوّشُ الاستحياء وَقد تحوشت مِنْهُ أَي استحيت.
وَحش: وَقَالَ اللَّيْث: الوَحْشُ كلّ شَيْء من دوابّ الْبر مِمَّا لَا يُستأنس فَهُوَ وَحْشِيٌّ والجميع الوحوشُ يُقَال هَذَا حمارُ وحْشٍ وحمارٌ وحَشْيٌّ. وكل شَيْء يَستوْحِشُ عَنِ النَّاس فَهُوَ وَحْشِي.
قَالَ وَقَالَ بَعضهم: إِذا أقْبل اللّيلُ استأنس كلُّ وحْشِيّ واستوْحَش كلُّ إنْسِيّ.

(5/93)


وَيُقَال للجائع الْخَالِي البطنِ: قد توحَّش. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: رجل موحِشٌ وَوَحْشٌ وَهُوَ الجائع من قوم أَوْحاشٍ. يُقَال بَات وَحْشاً وَوَحِشاً أَي جائعاً. وَيُقَال توحّش فلَان للدواء إِذا أَخْلى مَعِدتَه ليَكُون أسهلَ لخُرُوج الفضولِ من عُروقه.
وَفِي حَدِيث الحَرورِيّين الَّذين قَاتلُوا عَلِياً بالنهرَوَان أَنهم وحَّشوا برماحهم أَي رَمَوْا بهَا على بُعْدٍ مِنْهُم. يُقَال للرجل إِذا كَانَ بِيَدِهِ شيءٌ فَزَجَّه زَجّاً بَعيدا قد وحّش بِهِ وَقَالَ:
إِن أَنْتُم لم تَطْلُبُوا بأخيكم
فَذروا السِّلَاح ووحشوا بالأبْرَقِ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للمكان الَّذِي ذهبَ عَنهُ الناسُ قد أَوْحَشَ، وطلَلُ موحِشُ وَأنْشد:
لِسَلْمى موحِشاً طَلَلُ
يلوح كأنَّه خِلل
نَصَبَ موحِشاً لِأَنَّهُ نَعْتُ النكرةِ مُقدَّماً وَأنْشد:
مَنازِلُها حِشونا
على قِيَاس سنُون، وَفِي مَوضِع النصبِ والجرِ حِشِيْنَ مثل سِنين، وَأنْشد:
فأمْسَتْ بَعْدَ ساكنِها حِشِينا
قلت أَنا: حِشُون جمع حِشَةٍ وَهُوَ من الْأَسْمَاء الناقِصة وَأَصلهَا وَحْشَةٌ فنقص مِنْهَا الواوُ كَمَا نقصوها من زِنَةٍ وصِلَةٍ وعِدَةٍ، ثمَّ جَمَعوها على حِشِينَ كَمَا قَالُوا عِزِين وعِضِينَ من الْأَسْمَاء النَّاقِصَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: وَحش فلانٌ بِثَوْبِهِ ووحَشَ بدرْعه إِذا أرهقه طالبُه فخافَ أَن يلحقَه فرسَ بِدرْعه ليُخَففَ عَن دابّته ونحوِ ذَلِك.
قَالَ الليثُ: وَرَأَيْت فِي كتابٍ أَنَّ أَبَا النَّجْم وَحَش بِثيابه وارْتدَّ يُنْشِد، أَي رَمَى بثيابه قَالَ والوَحْشيُّ والإنسي شِقّا كُل شَيْء، فإنسيّ القَدَمِ من الْإِنْسَان مَا أَقْبَلَ مِنْهَا على القَدم الأُخْرَى ووحشيُّها مَا خالَفَ إنسيها، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ ووحشيُّ الْقوس الفارسيّة ظهْرُها وإنسيُّها بَطْنُها المقبلُ عَلَيْك. قَالَ: ووحْشِيُّ كل دابَّةٍ شقُّه الأَيْمَنُ وإنسيُّه شقَّه الأيْسر قلت جَوَّد ابنُ المظفَّر فِي تَفْسِير الوحشيّ والإنسيّ ووافَقَ قولُه قولُ أَئِمتنا المتقنين.
وروى أَحْمد بن يحيى عَن المفضّل وَرُوِيَ عَن أبي نصرٍ عَن الأصمعيّ وَرُوِيَ عَن الأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة قَالُوا كلهم: الوحشيُّ من جَمِيع الْحَيَوَان لَيْسَ الإنسانَ هُوَ الجانبُ الَّذِي لَا يُرْكَبُ مِنْهُ وَلَا يُحْلَبُ، والإنسيّ الْجَانِب الَّذِي يُركبُ مِنْهُ ويحلب مِنْهُ الحالبُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَاخْتلف النَّاس فيهمَا من الْإِنْسَان؛ فبعضهم يُلْحِقُه بالخيلِ والإبلِ، وَبَعْضهمْ فرّق بَينهمَا فَقَالَ الوحشيّ مَا وَلِيَ الكَيْفَ، والإنسيّ مَا وَلِيَ الإبِطَ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الاختبار ليَكُون فَرْقا بَين بني آدمَ وسائِر الْحَيَوَان. وروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد والعَدَبَّس الْكِنَانِي، فِي الوحشِيّ والإنسي من البهائِم مثلَ مَا روى أحمدُ بن يحيى عَن المفضّل والأصمعيّ وَأبي عُبَيْدَة، وَهَكَذَا قَالَ ابْن شُمَيْل. وَرَأَيْت كَلَام الْعَرَب على مَا قَالُوهُ، وَقد روى أَبُو عبيدٍ عَن الأصمعيّ فِي الوحْشِيّ

(5/94)


والإنسي شَيْئا خالفَ فِيهِ روايةَ ثعلبٍ عَن أبي نصر عَن الأصمعيّ. وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ الجماعةُ وَأما قَول أبي كَبِير الْهُذلِيّ:
وَلَقَد غَدَوْتُ وصاحِبِي وحشيَّةٌ
تحتَ الرداءِ بصيرةٌ بالمُشْرِفِ
فَإِن الباهليَّ زعم أَنه عَنَى بِالوَحْشيَّةِ ريحًا تدخُلُ تحتَ ثِيَابِه، وَقَوله بصيرةٌ بالمشرف يَعْنِي الرّيح من أَشْرَفَ لَهَا أَصَابَته، والرداء السَّيْف.
شمر عَن ابْن شُمَيْل يُقَال للْوَاحِد من الوحْشِ هَذَا وَحْشٌ ضَخْمٌ وَهَذِه شَاة وَحْشٌ، وَالْجَمَاعَة هِيَ الوَحْشُ والوُحُوشُ والوحيشُ وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
أَمْسَى يبابا والنَعَامُ نَعمُهْ
قَفْراً وآجَالُ الوحِيش غَنَمُهْ
وَهَذَا مثل ضَائِنٍ وضَئِينِ. وَأَرْض مَوْحُوشة كثيرةُ الْوَحْش. والموَحْشَةُ الفَرَقُ من الخَلْوَةِ، أخَذَتْهُ وَحْشَةٌ وَيُقَال أوحَشْتُ المكانَ إِذا صَادفته وَحْشاً، وَمِنْه قَوْله:
وأوحَشَ مِنْهَا رَحْرَحانَ فَرَاكِسا
قَالَ أَبُو عبيد وَأَرْض موحوشة كَثِيرَة الوَحْش.
وشح: وَقَالَ اللَّيْث: جمع الوِشاح وُشُحٌ وَهُوَ حَلْيُ النِّسَاء كِرْسَانِ من لُؤْلؤٍ وجَوْهَرٍ منْظُومَان مُخَالَفٌ بَينهمَا معطوفٌ أَحَدُهما على الآخَرِ، تتوشَّحُ المرأةُ بِهِ، وَمِنْه اشْتُق تَوَشَّحَ الرجلَ بِثَوْبِهِ. قلت: والتوشُّحُ بالرداء مثل التَّأَبُّط والاضْطِبَاع وَهُوَ أَن يُدْخل الرجُل الثوبَ من تحتِ يدِه اليُمْنى فيلقيَهُ على عاتِقِه الأَيْسرِ كَمَا يَفْعَله المُحْرِمُ، وَكَذَلِكَ الرجُلُ يَتَوَشَّحُ بحمائِل سَيْفه فَتَقَع الحمائِل على عاتِقِه اليُسرى وَتَكون اليُمْنى مكشوفة، وَمِنْه قَول لبيد فِي توشّحه بلجام فرسه:
وَلَقَد حَمَيْتَ الحَيَّ تحمل شِكَّتِي
فُرُطٌ وِشَاحِي إذْ غَدَوْتُ لِجامُها
أخبر أَنه خرج رَبِيئَةً أَي طَلِيعةً لِقَوْمِهِ على رَاحِلته، وَقد اجْتَنب إِلَيْهَا فَرَسه يَقُودهُ بِمِقْوَدِه وتوشَّح بلجام فَرَسه، فَإِن أحسّ بالعدوّ أَلْجَمَها أوْرَابَهُ مِنْهُ رَيْبٌ نزل عَن رَاحِلَته وأَلْجَمَ فرسه وَركبهُ تحرُّزاً من العدُو وغَاوَلهم إِلَى الْحَيّ مُنْذِراً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد الوشحاء من المِعزى الموشّحة ببياض. وأمَّا قولُ الراجز يُخَاطب ابْنا لَهُ:
أحبُّ مِنْك مَوضِع الْوُشْحُنّ
وَأَنه زَاد نوناً فِي الوُشُح كَمَا زَادهَا فِي قَوْله ومَوْضِعَ الإزَارِ والقَفَنَّ أَرَادَ الْقَفَا فَزَاد نوناً، هَكَذَا أنشدهما أَبُو عبيد وَقَالَ اللَّيْث: ديك مُوشَّحٌ إِذا كَانَ لَهُ خُطَّتان كالوِشاح وَقَالَ الطرماح:
ونَبهْ ذَا العفَاءِ الموشَّحِ
وَقَالَ أَبُو عبيد الموشَّحَةُ من الظباء الَّتِي لَهَا طرَّتَانِ من جانِبَيْها، وَيُقَال وِشاح وإشاح كَمَا يُقَال وِكاف وِإكافٌ.
شيح: قَالَ اللَّيْث: الشيحُ نبت يُتخذ من بعضه المكانسُ. قَالَ: والشيحُ ضرب من بُرودِ الْيمن، يُقَال لَهُ الشّيح والمشَيَّح وَهُوَ مخطّط، قلت لَيْسَ فِي البرُود والثيابِ شِيحٌ وَلَا شِيح بالشين مُعْجمَة من فَوق،

(5/95)


وَصَوَابه السّيح والمسيَّح بِالسِّين وَالْيَاء، وَأَنا أذكرهما فِي موضعِهما من بَاب الْحَاء وَالسِّين فِي أَبْوَاب المعتلّ، وأَعْزِي مَا قيلَ فيهمَا إِلَى قائِله إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ اللَّيْث الشياحُ الحِذَارُ وَرجل شائحٌ حَذِر وَتقول إِنَّه لمُشيح حازمٌ حَذِرٌ، وَأنْشد:
أَمُرُّ مُشِيحاً معي فتية
فَمِنْ بَيْنِ مُؤْدٍ وَمن خَاسِر
والمشيح المجدُّ. وَقَالَ عَمْرو بن الإطنابة:
وإقدامي على المكرُوه نَفْسِي
وضربي هامةَ البطلِ المُشِيح
قَالَ اللَّيْث: وَإِذا أَرْخَى الفَرَسُ ذَنَبَهُ قيل قد أَشَاح بِذَنبِهِ وَإِذا نَحَّى الرجلُ وجْهَهُ عَن وهَجِ نارٍ أصابَه، أَو عَن أَذًى قيل قد أَشَاحَ بِوَجْهه. قلت أَمَّا مَا قَالَ فِي إشَاحَتِه عَن وَهَج النَّار فَهُوَ صَحيحٌ لأنَّه حَذَرٌ وأَمَّا قولُه: أَشَاح الفرسُ بذنَبه إِذا أَرْخَاه فَإِنَّهُ تصْحيف عِنْدِي، وَالصَّوَاب فِيهِ أَسَاح بِذَنبه، وَكَذَلِكَ أَسَابَ بِهِ، ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (اتَّقُوا النَّار وَلَو بِشِقّ تَمْرَةٍ ثمَّ أعْرض وأشاح) .
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي المُشِيح الجادُّ والمُشيح الحذِر، وروى سلمةُ عَن الفراءِ أَنه قَالَ: المُشِيحُ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا المُقْبِلُ عَلَيْك، والآخَرُ المانِعُ لِما ورَاءَ ظَهْرِه، قَالَ: وَقَوله أَعْرَضَ ثمَّ أَشَاحَ: أَي أقْبَلَ. الْفراء وَيُقَال إِنَّهُم لفي مَشْيُوحَاءَ ومَشِحَاءَ من أَمرهم: أَي يُحَاوِلون أَمْراً يَبْتَدِرُونه وَقَالَ بَعضهم: فِي اختلاطٍ من أمرِهِمْ. وَقَالَ شمر: المُشِيحُ ليسَ من الأضْدَادِ، إِنَّمَا هِيَ كلمةٌ جَاءَت بِمَعْنَيَيْنِ. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أعرض بِوَجْهِه وأَشَاح أَي جَدَّ فِي الْإِعْرَاض، وَقَالَ: المُشِيحُ الجادُّ قَالَ: وأقرأَنا لطرفة يصف الْخَيل:
دُوخِلُ الصَّنْعةُ فِي أَمْتُنِها
فَهِيَ من تحتُ مُشِيحَاتُ الحُزُمْ
يَقُول جَدّ ارتفاعُها فِي الحُزُم. وَقَالَ: إِذا ضَمُرَ وارتفع حزامه سمي مُشِيحاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإشَاحَةُ أَيْضا الحَذَرُ، وَأنْشد قَول أَوْسٍ:
فِي حيثُ لَا تنفعُ الإشَاحَةُ من
أَمْرٍ لمن قد يُحاولُ البِدَعا
قَالَ والإشاحَةُ الحَذَرُ والخوفُ لمن حاولَ أَن يَدْفَعَ المَوْتَ، ومُحاوَلَتُه دَفْعُهُ بِدْعَةٌ. قَالَ وَلَا يكون الحذِرُ بِغَيْر جِدّ مُشِيحاً. وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة الشَّيْحَانُ الَّذِي يتهمّسُ عدْواً أَرَادَ السرعة، أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْحَانُ الطويلُ وَأنْشد شمر:
مُشِيحٌ فَوق شَيْحَانِ
يَدُورُ كأَنَّه كَلْبُ
وَقَالَ شمر: وَرُوِيَ فَوق شِيحانٍ بِكَسْر الشين.
وَقَالَ الليثُ: شَايَحَ أَي قَاتَل وَأنْشد:
وشايَحْتَ قبل اليومِ إِنَّك شِيحُ
وَقَالَ فِي قَوْله:
تُشِيح على الفَلاةِ فتعْتَليها
بِبَوْع القِدْرِ إِذْ قَلِق الوضِينُ
أَي تُديم السّير. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المَشْيُوحَاءُ الأَرْض الَّتِي تُنبت الشيحَ،

(5/96)


يقصرُ ويمدُّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال شَيَحَ الرجلُ إِذا نظر إِلَى خَصمه فضايَقَه. وَقَالَ شمر الشَّيحان الغَيور وَأنْشد الْمفضل:
لما استمرّ بهَا شَيْحان مَبْتَجِجٌ
بالبَيْن عَنْك بهَا يَرْآكَ شَنْأَنا
شحا: قَالَ الليثُ: شَحَى فلانٌ فَاهُ شَحْيَاً، واللجامُ يَشْحَى فَمَ الفَرَسِ شَحْياً. وَأنْشد:
كأنَّ فاهاً واللجام شاحِيه
جَنْباً غَبيطٍ سَلِسٍ نواحِيه
وَيُقَال: أَقبلت الخيلُ شواحِيَ وشَاحِيَاتٍ أَي فاتِحَاتٍ أَفْوَاهَهَا. أَبُو عبيدٍ عَن الْكسَائي: شَحَوْتُ فَمِي أَشْحَاه إِذا فَتَحْتُهُ. وأَشْحُوه شَحْواً مصدرهما واحِدٌ. وَأَبُو زيد قَالَ مثلَه: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال شَحَا فَاهُ، وشَحَا فُوه وأشحَى وَشحَّى فَاه، وَلَا يُقَال أشْحَى فُوه قلت: وَالصَّوَاب مَا قَالَ الكسائيُّ. وَأَبُو زيد شَحَا يَشْحُو وَيَشْحَى شَحْواً.
عَمْرو عَن أَبِيه جَاءَنَا شَاحِياً أَي فِي غيرِ حاجةٍ وشاحِياً خاطِياً من الخَطْوِ. وَيُقَال للْفرس إِذا كَانَ وَاسع الذَّرع إِنَّه لرعِيبُ الشَّحْوَةِ وَقَالَ أَبُو سعيد تَشحَّى فلانٌ على فلانٍ إِذا بَسَط لِسَانَهُ فِيهِ. وأصْلُه التوسُّعُ فِي كُل شيْءٍ؛ قَالَ الْفراء شَحَا ماءَةٌ لبَعض العرَب، تكْتب بِالْيَاءِ وَإِن شِئْت بِالْألف، لِأَنَّهُ يُقَال شَحَوْتُ وشَحيْتُ وَلَا تجريها. نقُول هَذِه شَحَا فَاعْلَم. وَقَالَ ابْن الأعْرابي سَجَا بِالسِّين وَالْجِيم اسمُ بئرٍ قَالَ وماءةٌ يُقَال لَهَا وَشْحَى بِفَتْح الْوَاو وتسكين الشين قَالَ الراجز:
صبَّحْنَ من وشْحَى قَلِيباً سُكَّا
أشح: عَن أبي عدنَان أَشِحَ الرجل يأْشَحُ، وَهُوَ رجل أَشْحَان أَي غَضْبَانُ. قلت وَهَذَا حرف غَرِيب وأظن قَول الطرماح مِنْهُ:
على تُشْحَةٍ من ذائد غيرِ واهن
أَرَادَ على وُشْحَةٍ فَقلب الْهمزَة وَاو فِي الْفِعْل، وقلبها تَاءً فِي الشّعْر، كَمَا قَالُوا تُراث ووُراث وتُكلان فِي وُكلان وَمعنى قَوْله على تُشْحَةٍ أَي عَلَى حَمِيَّة غضب من أَشِح يَأْشَحُ.
حيش (حاشا) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي حَاشَ يحِيشُ حَيْشاً إِذا فَزِع. وَقَالَ عُمَر لِأَخِيهِ زيد حِين نُدِبَ لقِتَال أهل الردَّة فَتَثَاقَلَ: مَا هَذَا الحَيْش والقِلُّ؟ أَي مَا هَذَا الفَزَعُ والرعْدَة؟ قَالَ وحَوَّش إِذا جَمع وشوّح إِذا أنْكر. قَالَ والحَيْشَانُ الْكثير الْفَزع والشَّيْحَان الطَّوِيل الحسَن الطول والحَيْشَانَةُ الْمَرْأَة الذَّعُورُ، وَهِي المذْعُورَة من الرِّيبَة.

(بَاب الْحَاء والضَاد)
(ح ض (وايء))
حضا، حاض، ضحا، ضاح، وضح.
وحض (مهمل) .
حضا: قَالَ ابْن المظفر يُقَال حَضَأْت النَّارَ إِذا سَخَيْتَ عَنْهَا لتلْتهِب، وَأنْشد:

(5/97)


بانْت هُمومي فِي الصَّدْرِ تَحْضَاؤها
طَحْحَاتُ دَهْرٍ مَا كنْتُ أَدْرَؤُها
سَلمَة عَن الْفراء حَضَأَتْ النارُ وحَضَبْتها وَهُوَ المَحْضَأُ والمحْضَب وَقَالَ تأبَّطَ شَراً:
ونارٍ قد حضَأْتُ بُعَيْد هَدْءٍ
بِدَارٍ مَا أُريدُ بهَا مُقاما
ضحا (ضاح) : قَالَ اللَّيْث: الضّحْوُ ارْتِفَاعُ النَّهارِ. والضُّحَى فُوَيْقَ ذَلِك والضُّحَاءُ ممدودٌ إِذا امتَدَّ النهارُ وكَرَبَ أَن يَنْتَصِف وَقَالَ رؤبة:
هابى العشيّ دَيْسقٌ ضحَاؤُه
وَقَالَ آخر:
عَلَيْهِ من نَسْجِ الضُّحَى شُفُوف
شبه السراب بالسُّنْتُورِ البيضِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ:
{} (الشّمس: 1) قَالَ الْفراء: ضُحَا نَهَارِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: {يَرْضَى} (الضُّحَى: 1، 2) هُوَ النَّهار كُله. وَقَالَ الزجَّاجُ: {وَالضُّحَى وَالَّيْلِ} وضيائِها، وَقَالَ فِي قَوْله {يَرْضَى} : النهارُ، وَقيل ساعةٌ من ساعاتِ النَّهَارِ، وَقَالَ أَبُو عبيد يُقَال هُوَ يَتَضحَّى، أَي يَتَغَدَّى وَاسم الْغَدَاء الضَّحَاءُ، سمّي بذلك لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي الضُّحاءِ، قَالَ والضُّحَاءُ ارتفاعُ الشَّمْس الأعْلَى، وَهُوَ ممدودٌ مذكرٌ، وَالضُّحَى مؤنَّثةٌ مَقْصُورَة، وَذَلِكَ حِين تشرق الشَّمْس.
وَقَالَ اللَّيْث ضَحِيَ الرجل يَضْحَى ضَحاً إِذا أَصابَهُ حَرُّ الشَّمْس.
وَقَالَ الله: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى} (طاه: 119) قَالَ يُؤْذِيك حَرُّ الشّمْسُ، وَقَالَ الفرَّاءُ: {وَلاَ تَضْحَى} لَا تصيبُك شمسٌ مؤذيةٌ. قَالَ: وَفِي بعض التَّفْسِير {وَلاَ تَضْحَى} لَا تَعْرَق. والأوَّلُ أَشْبَهُ بالصَّوَابِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ أبي ربيعَة:
رَأَتْ رَجُلاً أَمَّا إِذا الشَّمْسُ أَعْرَضَت
فَيَضْحَى وَأما بالعشيْ فَيَنْحصر
وَفِي حَدِيث ابْن عمر: اضْحَ لمن أَحرمْت لَهُ. قَالَ شمر: يُقَال ضَحِي يَضْحَى ضُحِيَّاً وضَحَا، يضْحُو ضُحُوّاً. وَقَالَ ابنُ شُمَيْل ضَحَا الرجلُ للشمس يَضْحَى ضُحُوَّاً إِذا برز لَهَا. وَشد مَا ضَحَوْتَ وضَحَيْتَ للشمس وَالرِّيح وَغَيرهمَا. وَقَالَ شمر: وَقَالَ بعض الكِلابِيينَ: الضَّاحي الَّذِي بَرَزَتْ عليهِ الشمسُ وغَدا فُلان ضَحِيّاً. وَغدا ضَاحِيّاً، وَذَلِكَ قُرْبَ طُلُوع الشمْسِ شَيْئا، وَلَا يزَال يُقَالُ غَدا ضَاحِيّاً مَا لم تكن قائِلةٌ. وَقَالَ بَعضهم الغَادي أَن يَغْدُوَ بَعْدَ صَلَاة الغَدَاةِ، والضَّاحِي إِذا استعْلَت الشمسُ، وَقَالَ بعض الكِلابِيين بَين الغَادِي والضَّاحي قدرُ فُوَاقِ نَاقةٍ وَقَالَ القُطامي:
مُستبطَئونَ وَمَا كَانَت أَنَاتُهم
إِلَّا كَمَا لَبِثَ الضّاحِي عَن الفَادِي
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت يُقَال: ضَحِيَ يَضْحَى. إِذا برزَ للشّمس. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ضَحيتُ للشمس، وضَحَيْتُ أَضْحَى مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَأنْشد:
سَمِينِ الضَّواحي لم تورقه لَيْلَة
وأنْعَمَ، أبكارُ الهموم وعُونُهَا

(5/98)


قَالَ والضواحي مَا بَدَا من جسده، وَمَعْنَاهُ لم تؤرقه لَيْلَة أبكارُ الهموم وَعُونها. وأنْعَمَ أَي وزَاد على هَذِه الصفَة. قَالَ والضواحي من الشَّجرِ القليلةُ الورَقِ الَّتِي تبرُزُ عيدَانُها للشمس. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم يُقَال ضَحَا الشيءُ يَضْحُو فَهُوَ ضَاحٍ أَي برز، وضَحِيَ الرجل يَضْحَى إِذا برز للشمس قَالَ والضُّحَى على فُعَل، حِين تَطْلُعُ الشَّمْس فيصفو ضَوْءها والضَّحَاءُ بِالْفَتْح والمدّ إِذا ارْتَفَعَ النّهَارُ واشتَدّ وقْعُ الشّمس. والضّحَاءُ أَيْضا الغَدَاء، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَغَدّى بِهِ. قَالَ والضّاحِي من كُل شَيْء البارِزُ الظاهِرُ الَّذِي لَا يستُره مِنْك حائطٌ وَلَا غَيره.
وَيُقَال للبادية الضّاحيةُ. وَيُقَال وُلي فلَان على ضاحية مصر وضاحية الْمَدِينَة أَي على مَا يَليهَا من الْبَادِيَة.
وفُلاَنٌ سَمينُ الضَّوَاحِي وجْهُهُ وكَفَّاهُ وقَدَمَاهُ وَمَا أشبه ذَلِك.
قَالَ وضحَّيْتُ فُلاناً أُضَحيه تَضْحِية أَي غَدّيتُه وَأنْشد:
ترى الثَّوْرَ يَمْشي راجِعاً من ضَحائِه
بهَا، مِثْلَ مَشْي الهِبْرِزِيّ المُسَرْوَلِ
والهبرِزيّ الماضِي فِي أمْرِه من ضَحائِه أَي مِن غَدَائه من المرعى وقْتَ الغَدَاءِ إِذا ارْتَفَعَ النَّهَارُ.
قَالَ أَبُو عبيدةَ: لَا يُقَالُ للفَرَسِ إِذا مَا أبيضَ أَبيض، وَلَكِن يُقَال لَهُ أضْحَى قَالَ والضُّحَى مِنْهُ مأخوذٌ؛ لأنَّهم لَا يُصَلُّونَ حتّى تطلع الشَّمْس.
وَقَالَ أَبُو زيد: أنشدت بَيت شعر لَيْسَ فِيهِ حلاوةٌ وَلَا ضُحًى أَي لَيْسَ بِضَاحٍ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: وَلَا ضَحَاءٌ. وضَاحَيْتُ فلَانا أَتَيْتُه ضَحَاءً. قَالَ وبَاعَ فلانٌ ضَاحِيَةَ أَرْضٍ إِذَا باعَ أَرْضاً لَيْسَ عَلَيْهَا حَائِطٌ، وَبَاعَ فلَان حائِطاً وحديقةً إِذا بَاعَ أَرْضاً عَلَيْهَا حائِطٌ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: تَمِيم تَقول: ضَحَوْتُ للشمس أَضْحو. قَالَ: وَيُقَال فلَان يُضاحِينَا أُضْحِيَّةَ كُل يَوْمٍ إِذا أَتاهم كُلَّ غَدَاةٍ. وَقَالَ الفَرَّاء يُقَال ضَحّت الإبلُ الماءَ ضُحًى إِذا وَردت ضُحَى. قلت فَإِن أَرَادوا أَنها رَعَتْ ضُحَى قَالُوا تَضَحّت الإبلُ تَتَضَحّى تَضَحّياً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ضَحّيْتُ عَن الشَّيْء وعَشَيْتُ عَنهُ، مَعْنَاهُمَا رفَقْتُ بِهِ.
وَقَالَ زيد الْخَيل:
فَلَو أَنّ نَصْراً أَصْلَحَتْ ذَات بَينهَا
لَضَحّت رُوَيْداً عَن مَظَالِمهَا عَمْرُو
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: المضَحي الَّذِي يُضَحي إِبِلَه، والمضحي المُبَينُ عَن الْأَمر الخفيّ، يُقَال ضَح لي عَن أَمرك، وأَضحِ لي عَن أَمرك، وأوضِح لي عَن أَمرك وَأنْشد بيتَ زيدِ الْخَيل هَذَا، قلت: وَالْعرب قد تضع التّضْحِيَةَ مَوْضِعَ الرفْقِ والتأنّي فِي الْأَمر، وَأَصله أَنَّهُمْ فِي البَادِيَةِ يسيرُون يَوْم ظَعْنِهِمْ فَإِذا مَرُّوا بِلَمْعَةٍ من الكَلأ، قَالَ قائدُهم أَلا ضَحُّوا رُوَيْداً فيدَعونها تضحّى وتجر، ثمَّ وضعُوا التَّضْحِيَة مَوضِع الرِّفْق لرفْقِهِمْ بحَمُولتهم ومالِهِمْ فِي ضحاياها سائرة وَمَا لِلْمَالِ من

(5/99)


الرِّفْق فِي تضَحيها وبلوغِها مُنْتَوَاها، وَقد شبِعَت. فَأَما بيتُ زيدِ الْخَيل فَإِن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ فِي قَوْله:
لضحّت رويداً عَن مظالمها
بِمَعْنى أَوْضَحَتْ وبيّنَتْ وَهُوَ حسن.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الأَضْحَى مؤنثةٌ وَهِي جمع أَضْحَاةٍ، قَالَ وَقد تُذَكَّرُ، يُذْهَبُ بهَا إِلَى اليَوْمِ وَأنْشد:
رأيتكُم بَين الخَذْوَاءِ لمَّا
دَنَا الأَضْحَى وصَلَّلتِ اللحامُ
توليتمْ بودَكُم وقلتم
لَعَلُّك مِنْك أقْرَبُ أَو جُذَام
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: فِيهَا أربعُ لغاتٍ، يُقَال: أُضحيَّة وإِضحيَّةٌ وَجَمعهَا أَضاحيّ، وضحيَّة وَجَمعهَا ضَحَايَا وأَضْحَاةٌ وجمعُها أضْحَى. قَالَ وَبِه سمي يومُ الْأَضْحَى قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أضْحَى جمع أَضْحَاة منونٌ وَمثله أَرْطَى جمع أَرْطَاةٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الضحيَّة الشاةُ الَّتِي تُذْبَح ضَحْوة مثل غَدِيَّة وعَشِيَّة. قَالَ: والضحيَّة ارْتِفَاع النَّهَار تجمع ضَحَيَات وَأنْشد:
رَقود ضَحِيَّاتٍ كأنّ لسانَه
إِذا واجه السُّفَّار مِكحالٌ إِثْمِدا
ويروى أَرْمَدَا. قَالَ ضُحَيّات جمع ضُحيّة وَهُوَ ارْتِفَاع النَّهَار.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أَضْحَى الرجلُ يفعلُ ذَاك إِذا فعل مِنْ أَوَّل النَّهار، وأَضْحَى إِذا بَلَغ وقْتَ الضُّحَى. والمَضْحَاةُ المكانُ الَّذِي لَا تكادُ تغيبُ الشمسُ عنْهُ، تَقول: عَلَيْك بِمِضْحَاةِ الجَبَلِ. قَالَ: والضَّحْيَانُ من كل شَيْء البارزُ للشّمس. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
يَكْفِيك جهلَ الأحمق المستجْهلِ
ضحيانه من عَقَدَاتِ السلْسل
قَالَ: أَرَادَ بالضَّحْيانَة عَصا نابتةً فِي الشَّمْس حَتَّى طبَخَتْها فَهِيَ أَشَدُّ مَا تكون، وَهِي من الطَّلْحِ. والسلْسلُ حَبْلٌ من حِبَال الدَّهْنَاءِ.
وَيُقَال: سلاسِلُ، وَقَالَ الليْثُ: تَقول: فَعلْتُ ذَلِك الأمرَ ضَاحِيةً أَي ظَاهِرَة بيّناً وَقَالَ النَّابِغَة:
فقد جزتْكُم بَنُو ذُبْيَان ضاحيةً
حقّاً يَقِينا ولمّا يأْتنا الصّدَرُ
قَالَ: وضواحي الحوْضِ نواحيه.
وَقَالَ لبيد:
فَهَرَقْنا لَهما فِي دَاثِر
لضَواحِيه نَشِيشٌ بالْبَلَلْ
قلت: أرادَ بضواحي الحوضِ مَا ظهرَ مِنْهُ وَبَرَز، وَقَالَ جرير يمدح عبد الْملك:
فَمَا شجراتُ عِيصِكَ فِي قرَيْشٍ
بِعَشَّات الفُرُوع وَلَا ضَوَاحِي
قَالَ اللَّيْث: يُرِيد وَلَا فِي النَّواحي. قلت: أرادَ جريرٌ بقوله: (ولاضَواحِي) قريْشُ الظواهرِ وهم الَّذين لَا ينزلون شعب مَكَّة وبطحاءها. أَرَادَ جريرٌ أَن عبد الْملك من قُرَيْش البِطَاحِ لَا من قريشِ الظَّواهِر، وقريشُ البطاح أَكرَمُ وأشْرَفُ من قُرَيْشِ الظواهِرِ لِأَن البَطْحَاوِيّين من قُرَيْش حاضِرَتُهم، وهم قُطَّانُ الحَرَمِ، والظواهر

(5/100)


أَعْرَابٌ باديةٌ خارجَ الحرمِ. وضَاحِيَةُ كل بَلْدَة ظاهِرَتُها البادَيةُ، يُقَال هَؤُلَاءِ ينزلون الباطِنَة، وَهَؤُلَاء ينزِلُون الضّوَاحِي.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب لأُكَيْدِرِ دَوْمَةِ الجنْدَل (إِن لنا الضاحيةَ من الضّحْلِ، وَلكم الضامنَةُ من النَّخْلِ) . قَالَ أَبُو عبيد: الضاحِيَةُ مَا ظهر وبَرَزَ وَكَانَ خارِجاً من الْعِمَارَة. وَقَالَ شمر: كلُّ مَا بَرَزَ وظَهَرَ فقد ضَحَا، يَقُول: خرج الرَّجُلُ من مَنْزِلِه فَضَحَا لي، والشجرة الضَّاحِيَةُ البارزةُ للشّمْسِ، وَأنْشد لِابْنِ الدُّمَيْنَةِ يصف القوْسَ:
وخُوطٍ من فروع النبع ضاحٍ
لَهَا فِي كَف أَعْسَرَ كالضُّبَاحِ
قَالَ: الضّاحِي عُودُها الَّذِي نَبَتَ فِي غَيْرِ ظِل وَلَا فِي مَاء فَهُوَ أصْلَبُ لَهُ وأَجْوَدُ وَأما قَول الشَّاعِر:
عمي الَّذِي منعَ الدينَارَ ضَاحيةً
فَمَعْنَاه أَنه مَنعه نَهَارا جهاراً أَي جاهَرَ بالامتناع مِمَّن كَانَ يُجِيبُه.
أَبُو عبيد عَن الفرّاء: لَيْلَة إضْحِيَانَةُ وضَحْيَاءُ إِذا كَانَت مُضيئةً. وَقَالَ اللَّيْث: يَوْم إِضْحِيَانٌ لَا غَيْمَ فِيهِ، وَلَيْلَة إضْحِيَانَةٌ مضيئة شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَيْلَة أَضْحِيالةُ وَلَيْلَة إِضْحِيَانَة وضَحْيَاءُ وضحْيَانَةٌ إِذا كَانَت مُقمِرة قَالَ وَلَيْلَة ضاحِيَةٌ مثل ضحْيَاءَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس أضحَى إِذا كَانَ أبْيَض وَلَا يُقَال فرس أبْيَضُ. وَإِذا اشتدّ بياضُه قيل أَبْيَضُ قِرْطَاسِيّ.
أَبُو زيد: يُقَال ضاحَيْتُه أَي أتيتُه ضُحىً، وَفُلَان يُضاحِينَا ضَحْوَة كل يومٍ أَي يأتينا. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال للرجل إِذا مَاتَ ضَحَا ظِلُّه لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ صَار لَا ظِلَّ لَهُ. وشجرةٌ ضاحِيَةُ الظل أَي لَا ظِلَّ لَهَا لِأَنَّهَا عَشَّةٌ دقيقَةُ الأغْصانِ. قلت: وَهَذَا معنى جيدٌ فِي بَيت جرير الَّذِي نقدم تَفْسِيره وَقَالَ الشَّاعِر:
وقَحَّمَ سيرنَا من قُورِ حِسْمَى
مَروتُ الرَّعْي ضاحيةُ الظلال
يَقُول رعيها مَرْتٌ فِيهِ وظلالُها ضاحية أَي لَيْسَ بهَا ظلّ لقلَّة شَجَرِها. وَفِي (نوادِرِ الْأَعْرَاب) : رجل ضَحَيانُ متضحَ مستضحٍ مضطحٍ إِذا أَضْحَى، ويومُ ضحيانُ أَي طَلْقٌ، وسراجٌ ضَحْيَانُ مُضِيءٌ، ومفازة ضَاحِيَة الظّلالِ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ يستظَلُّ بِهِ. وَفِي الدُّعَاء: لَا أَضْحَى الله ظِلَّكَ، مَعْنَاهُ: لَا أَمَاتَكَ الله حَتَّى يُذْهِبَ ظِلَّ شَخْصِكَ الْقَائِم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس ضَاحِي العِجَان يُوصف بِهِ المحبَّب يُمدح بِهِ وضحَّيْنَا بني فُلانٍ أَتَيْنَاهم ضُحًى مُغِيرين عليْهم. وَقَالَ:
أَرَاني إِذا ناكَبْتُ قوما عَدَاوَةً
فضحيتهم، إنّي على الناسِ قَادِر
وَقَالَ شمر: أَضْحَى الرجل إِذا صَار فِي وَقْتِ الضُّحَى، وأَضْحَى فِي الغُدُو إِذا أَخَّرَه. وضَحِيَ الشيءُ وأضحيْتُه أَنا أَي أَظهَرْتُه. وَقَالَ الرَّاعِي:
حَفَرْن عُروقَه حَتَّى أظَلَّتْ
مَقَاتِلُه وَأَضْحَيْن القُرونَا

(5/101)


قَالَ: وضَاحِيةُ كل بَلْدَةٍ ناحيَتُها، والجَوُّ بَاطِنهَا، يُقَال هؤلاءِ يَنْزِلُون الباطِنَة وَهَؤُلَاء ينزلون الضَّوَاحي وضواحي الأَرْض الَّتِي لم يُخَطَّ عَلَيْها.
وضح: قَالَ اللَّيْث: الموضَحُ بياضُ الصُّبْح. وَقَالَ الْأَعْشَى:
إِذْ أَتَتْكمْ شيْبَانُ فِي وَضَح الصُّبْ
ح بكبشٍ ترى لَهُ قُدَّامَا
قَالَ والموضَحُ بياضُ البرصِ وَبَيَاض الغُرَّةِ والتَحجِيلُ فِي القَوائم وَغير ذَلِك من نحوِه. ومِنَ الألوانِ إِذا كَانَ بياضٌ غَالبٌ فِي ألوان الشَّاءِ قَدْ نَشَأ فِي الصَّدْرِ والظَّهْرِ والوجهِ يقالُ بِهِ تَوْضِيحٌ شَدِيدٌ، وَقد توضّح.
وَيُقَال: أَوْضحْتُ أمرا فَوَضَح ووَضّحْتُه فتَوَضَّح، وَيُقَال من أَيْن أَوْضَحَ الراكبُ؟ وَمن أَيْن أَوْضَعَ الرَّاكِب؟ أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عمرٍ واستوضحتُ الشيءَ واستَشْرَفْتُ واستكْفَفتُه، وَذَلِكَ إِذا وضعْتَ يدك على عَيْنَيْكَ فِي الشَّمس تنظرُ هَلْ ترَاهُ تُوَقي بكفك عيْنَكَ شُعَاعَ الشَّمْسِ. والْموَاضِحَةُ الأسنانُ الَّتي تَبْدُو عِنْد الضَّحِك. وَقَالَ الشَّاعِر:
كلُّ خليلٍ كنتُ صافَيْتُه
لَا تَرَكَ الله لَهُ وَاضِحَهْ
كلَّهم أروَغَ من ثَعْلَبٍ
مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَهْ
وَيُقَال: استَوْضِح عَن هَذَا الأمْرِ، أَي ابْحَثْ عَنْهُ، وَيُقَال للرجُلِ الحسنِ الوجْهِ: إِنَّه لوضَّاحُ. قَالَ: والمُوضحةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تصِلُ إِلَى العِظَام، تَقول بِهِ شَجَّةٌ أَوْضَحَتْ عَن الْعظم. وَقَالَ أَبُو عبيد: المُوضحةُ من الشجَاجِ الَّتِي تُبدي وَضَحَ الْعظم.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اجْتمعت الكواكبُ الْخُنَّسُ مَعَ الكواكبِ المُضِيئةِ من كواكبِ المنازلِ سُمين جَمِيعًا الوُضَّحَ. وَفِي الحَدِيث: أَن يهوديّاً قتل جُوَيْرِية على أَوْضَاحٍ لَهَا، قَالَ أَبُو عبيد يَعْنِي حَلْيَ فضَّة، وتُوضِحُ مَوضِع مَعْرُوف.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: فِيهَا أَوْضَاحٌ من النَّاس وأَوْبَاشٌ وأسقاطٌ يَعْنِي جماعاتٍ من قبائلَ شتَّى. قَالَ: لم يُسْمَعْ لهَذِهِ الْحُرُوف بواحدٍ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: فِي الأَرْض أوضَاحٌ من كَلأ إِذا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ قد ابيضّ، قلتُ وأكْثَرُ مَا سمعْتُ العربَ يَقُولُونَ الوَضَحُ فِي الْكلأ إِنَّمَا يَعْنون بِهِ النَّصِي والصليَّان الصيْفِيّ الَّذِي لم يسوَدّ من القِدَم وَلم يَصِرْ دِريناً. للنَّعَم وضيحةٌ ووضائح وَمِنْه قَول أبي وجزة:
لِقَوْميَ إذْ قَوْمي جميعٌ نَوَاهم
وإذْ أَنَا فِي حَيّ كثيرِ الوضائح
وَيُقَال لِلَّبن الموَضَحُ وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
ثمَّ استفاءوا وَقَالُوا حبَّذا الوضح
أَي قَالُوا: اللَّبَنُ أحبُّ إِلَيْنَا من القَوَد. وَيُقَال كَثُرَ الوضَحُ عِنْدَ بَني فُلاَنٍ أَي كَثُرَتْ أَلْبَانُ نَعَمِهمْ. وَالْعرب تسمي النَّهَار الوَضَّاح والليلَ الدُّهْمَان وبِكْرُ الوَضَّاحِ صَلَاة الغَدَاةِ وَفِي أَحَادِيث المَبْعث وَدَلَائِل نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن أَوْحى الله إِلَيْهِ: أَنه

(5/102)


كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْعَبُ وَهُوَ صغيرٌ مَعَ الغلمان بِعظم وضَّاح، وَهِي لُعبة لصبيانِ الْأَعْرَاب يعمِدون إِلَى عظمٍ أبيضَ فيرمونه فِي ظُلمة اللَّيْل، ثمَّ يتفرّقون فِي طلبه، فَمن وجده مِنْهُم فَلهُ القَمْر قلت وَقد رَأَيْت وِلدانهم يصغّرونه وَيَقُولُونَ عُظيمُ وضَّاح. وَأنْشد بَعضهم:
عَظِيم وضاح ضِحَنَّ الليلَة
لَا تَضِحَنَّ بعْدهَا منْ لَيْلة
وَقَوْلهمْ: ضِحَنّ أمرٌ بتثقيل النُّون من وَضَح يَضِح وَمَعْنَاهُ أُظْهَرَنّ وَأُبْدُوَنّ، كَمَا يُقَال من الْوَصْل صِلَنّ.
وَيُقَال أَوْضَحَ الرَّجُلُ إِذا جَاءَ بأوْلادٍ بيض، وأوضحت المرأَةُ إِذا ولدت أَوْلَادًا بيضًا. وَوَضَحُ الْقدَم بَيَاض إخْمصه. وَقَالَ الجميح:
وَالشوْكُ فِي وَضَح الرَّجْلَيْن مَرْكُوزُ
وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: المتوضحُ والواضِحُ من الْإِبِل الأبيضُ وَلَيْسَ بالشّديد البياضِ، أشدُّ بَيَاضًا من الأعْيس والأصْهب وَهُوَ المُتَوَضح الأقراب وَأنْشد:
متوضح الأقْرَابِ فِيهِ شُهلَةٌ
شَنِجُ الْيَدَيْنِ تَخَالُه مشكولا
قَالَ الْمُنْذِرِيّ أُخبِرْتُ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَوْلهم جَاءَ فلَان بالضحّ وَالرِّيح، وأصل الضحّ الوَضَحُ وَهُوَ فوْرُ النَّهَار وضوْء الشَّمْس، فَأسْقطت الْوَاو وزيدت الحاءُ مَكَانهَا فَصَارَت مَعَ الْأَصْلِيَّة حاءً ثَقيلَة قَالَ وَكَذَلِكَ القحة الوقْحة فَأسْقطت الْوَاو وزيدت الْحَاء مَكَانهَا فَصَارَت قِحَّةً بحائين وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الضحُّ البرازُ الظّاهر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الضحُّ ماضحا للشمس، والريحُ مَا نَالهُ الرّيح. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الضحّ الشَّمْس بِعَينهَا وَأنْشد:
أبيضُ أبرزه للضَّح راقِبُه
مقلَّدٌ قُضُبَ الرّيْحَان مفعُوم
وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول من أَيْن وَضَحَ الرَّاكبُ؟ أَي من أَيْن بَدَأَ؟ وَقَالَ غَيره من أَيْن أَوْضَحَ بِالْألف.
حَوْض حيض: قَالَ اللَّيْث: الحَوْضُ مَعْرُوف، والجميع الحِيَاضُ والأحوَاضُ، وَالْفِعْل التّحْوِيضُ، واستحوضَ الماءُ أَي اتخذ لنَفسِهِ حَوْضاً، وحَوْضَى اسْم موضعٍ. الْأَصْمَعِي إِنِّي لأُدَورُ حول ذَاك الْأَمر وأُحَوض وأُحَوط حولَه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْضُ مَعْرُوف، والمرة الْوَاحِدَة الحَيْضَةُ، وَالِاسْم الحِيضَةُ وَجَمعهَا الحِيض والحِيضَات جمَاعَة. وَالْفِعْل حَاضَت الْمَرْأَة تَحِيضُ حَيْضاً ومَحِيضاً، فالمحيضُ يكون اسْما وَيكون مَصْدراً. وَامْرَأَة حائِضُ، وَنسَاء حُيَّضٌ على فُعَّل، والمستحاضةُ الْمَرْأَة الَّتِي يسيل مِنْهَا الدَّمُ فَلَا يرقأُ، وَلَا يَسِيلُ من المحِيضِ، وَلكنه يسيل من عِرْقٍ يُقَال لَهُ العَاذِل، وَإِذا استُحِيضَت المرأةُ فِي غير أَيَّام حَيْضِها واستَمرّ بهَا الدَّمُ صلّت وصامت وَلم تَقْعُد عَن الصَّلاة كَمَا تقعد الْحَائِض وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَيَسْئَلُونَك

(5/103)


َ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (البَقَرَة: 222) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقَال قَدْ حَاضَتِ الْمَرْأَة تَحِيضُ حَيْضاً ومحيضاً ومحاضاً. قَالَ وَعند النَّحْوِيين أَن الْمصدر فِي هَذَا الْبَاب بَابه المَفْعَل والمَفْعِل جيّد بَالغٌ، وَقَالَ غَيره المحِيضُ فِي هَذِه الْآيَة المَأْتَى من الْمَرْأَة لِأَنَّهُ مَوْضعُ الحيْض فَكَأَنَّهُ قَالَ اعْتزلوا النِّسَاء فِي موضِع الْحَيض وَلَا تجامِعُوهنّ فِي هَذَا الْمَكَان. ويقالُ حاضَ السيلُ وفاضَ إِذا سَالَ، يحيض ويفيضُ. وَقَالَ عمَارَة:
أجالت حصاهن الذَّوَارِي وحَيّضَت
عليهنّ حَيْضَاتُ السُّيُول الطّواحِم
أنشدنيه المنذريُّ عَن المبرِد أَن عمَارَة أنْشدهُ. وَمعنى حيّضت أَي سيّلت. قلت: ومِنْ هَذَا قيلَ للحوضِ: حَوْضُ المَاء؛ لِأَن المَاء يَحيضُ إِلَيْهِ أَي يسيلُ، وَالْعرب تدخل الواوَ على الْيَاء والياءَ على الواوِ؛ لِأَنَّهُمَا من حيزٍ واحِدٍ وَهُوَ الهوَاءُ وهما حَرْفا لِين. وَقَالَ اللحيانيُّ فِي بَاب الضّاد وَالصَّاد: حاضَ وحاص بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا هُوَ حاضَ وجاضَ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الْفراء حاضَت السَّمُرَةُ تحيض إِذا سَالَ مِنْهَا الدُّوَدِم وَيجمع الْحَوْض حياضاً وأحواضاً والمحوَّض الْموضع الَّذِي يسمَّى حوضاً.
ضيح: قَالَ اللَّيْث: الضَّيَاحُ اللَّبن الخاثرُ يُصَبُّ فِيهِ الماءُ ثمَّ يُجدَحُ، يُقَال ضَيّحْتُه فَتَضَيَّح. قَالَ: وَلَا يُسمى ضَياحاً إِلَّا اللبنُ وتضيُّحُه تزيّده. قلت: الضَّيَاحُ والضّيْحُ عِنْد الْعَرَب أَن يُصَبَّ الماءُ على اللبَنِ حَتَّى يَرِق، وَسَوَاء كَانَ اللبنُ حليباً أَو رائباً، وَسمعت أعرابيَّاً يَقُول ضَوحْ لي لُبَيْنَةً وَلم يقل ضَيحْ وَهَذَا مِمَّا أَعْلمْتُكَ أَنَّهم يدْخلُونَ أحد حرفي اللَّبن على الآخَرِ كَمَا يُقالُ حَيضه وحَوَّضه وتَوّهه وتيّهه. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا كثر المَاء فِي اللَّبن فَهُوَ الضَّيْحُ والضّيَاح وَقَالَ الْكسَائي قد ضيّحه من الضّيَاح. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: من اعتذَر إِلَيْهِ أخُوه من ذَنْبٍ فردّه لم يَرِدْ عليَّ الْحوضَ إِلَّا مُتَضَيحاً وَأنْشد شمر:
قد علمت يَوْم وَرَدْنا سَيْحا
أَنِّي كفيْت أَخَوَيْهَا الميْحَا
فامتَحَضا وسقَّيا فِي ضَيْحَا
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال الريحُ والضيحُ تقويةٌ لِلَفْظِ الرّيح فإذَا أفْرَدْتَه فَلَيْسَ لَهُ معنى. قلت: وغيْرُ اللَّيْث لَا يُجيز الضيحَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: جَاءَ فلَان بالضح وَالرِّيح قَالَ: وَمعنى الضح الشمسُ، أَي إِنَّمَا جَاء بمثْل الشَّمس وَالرِّيح فِي الكثْرَةِ. قَالَ: والعامّة تَقول: جَاءَ بالضيح وَالرِّيح. وَلَيْسَ الضيح بِشَيْء.

(بَاب الْحَاء والصَاد)
(ح ص (وايء))
حصا، حصأ، حَاص، صَحا، صَاح، (صواح) ، صوح، وحص.
صَحا: قَالَ اللَّيْث: الصّحْوُ ذهابُ الغيْم، يُقَال اليومُ يومٌ صَحْوٍ. وأصحَتِ السماءُ فَهِيَ مُصْحِيَةٌ ويومٌ مُصْحٍ. قَالَ: والصَّحْوُ ذهابُ السُّكْرِ وتَرْكُ الصِّبَا والباطِل، يُقَال

(5/104)


مِنْهُ: صَحَا قَلْبُه، وصَحَا مِنْ سُكْرِه. قلت: وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُه. ورَوى الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت: أَصْحَت السماءُ تُصْحِي فَهِيَ مُصْحيَةٌ، وَقد صَحَا السكرانُ يَصْحُو صُحُوَّا فَهُوَ صاحٍ، ونحوَ ذَلِك قَالَ الفراءُ والأصمعيُّ.
قَالَ اللَّيْث: والمِصْحَاةُ جَامٌ يُشْرَبُ فِيهِ. وَقَالَ الأصمعيُّ فِيمَا روَى عَنهُ أَبُو عبيد: المِصْحَاةُ إِنَاءٌ، قَالَ: وَلَا أَدْري مِنْ أَي شَيءٍ هُو. شمِرٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي المِصْحَاةُ الكَأْسُ قَالَ وَقَالَ غيرُه هُوَ القَدَحُ من الفضّة وَاحْتج بقول أَوْس:
كمِصْحَاةِ اللُّجَين تأكّلا
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: من أَمْثالهم (يُرِيد أَنْ يَأْخُذَها من الصَّحْوَة والسَّكْرَةِ) مَثَلٌ لطَالب الأمْرِ يتجاهلُ وَهُوَ يَعْلَم.
حوص حيص: قَالَ اللَّيْث: الحَوَصُ ضِيقٌ فِي إِحْدَى الْعَينَيْنِ دونَ الأُخْرى، وَرجل أَحْوَصُ وَامْرَأَة حَوْصَاءُ، قلت: الحَوَصُ عِنْد جَمِيعهم ضيقٌ فِي الْعَينَيْنِ معَاً، رجل أَحْوَصُ إِذا كَانَ فِي عينيْه ضيقٌ، وَقد حَوِصَ يَحْوَصُ حَوَصاً.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَوَص بِفَتْح الْحَاء الصغَارُ الْعُيُون، وهم الحُوصُ. قلت: من قَالَ حَوَصٌ أَرَادَ أَنهم ذوُو حَوَص.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الحَوْصُ الخِياطة وَقد حُصْت الثَّوْب أَحوصُهُ حَوْصاً إِذا خطِتْهُ. وَفِي حَدِيث عليّ أَنه اشْترى قَمِيصًا فَقَطع مَا فضل من الكُمَّين عَن يَدِه، ثمَّ قَالَ للخياط حُصْه أَي خِطْ كِفَافَهُ، وَمِنْه قيل للعين الضيّقة حَوْصَاءُ كَأَنَّمَا خِيط جانِبٌ مِنْهَا. قَالَ وحُصْت عينَ الْبَازِي إِذا خِطْته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الأَحْوَصَانِ: الأَحْوَصُ بن جَعْفَر بن كلابٍ، واسْمه ربيعةُ، وَكَانَ صغيرَ العيْنَيْنِ، وَعَمْرو بن الْأَحْوَص وَقد رَأس وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَتَاني وَعِيدُ الحُوصِ منْ آلَ جَعْفَر
فيا عَبْدَ عَمْرٍ وَلَو نهيْت الأحَاوِصَا
يَعْنِي عبدَ عمرِو بنِ شُرَيْح بنِ الْأَحْوَص، وعَنَى بالأحاوص مَنْ وَلَده الأحْوَصُ، مِنْهُم عَوْفُ بنُ الأحْوص، وعَمْرو بن الأحْوص، وشُرَيْحٌ بن الْأَحْوَص، وَرَبِيعَة بن الْأَحْوَص.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ يُقَال: لأطْعَنَنّ فِي حَوصك أَي لأكيدَنَّك ولأجِدّن فِي هَلاَكِكَ. وَقَالَ النَّضر: من أَمْثَال العربِ طَعَنَ فلانٌ فِي حَوْصٍ لَيْسَ مِنْه فِي شَيْء. إِذا مارس مَا لَا يُحْسِنه وتكلّف مَا لَا يَعْنيه. وحَاصَ فلاَنٌ سِقَاءَه إِذا وَهَى وَلم يكن مَعَه سِرَادٌ يخرزه بِهِ فأدخلَ فِيهِ عُودَيْنِ وسد الوَهْي بَينهمَا يخَيْط دُون الخَرْزِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ناقَة مُحتَاصَةٌ وَهِي الَّتِي احْتاصَتْ رَحِمُها دُونَ الفحْل فَلَا يقدرُ عَلَيْهَا الفحلُ، وَهُوَ أَن تعقِد حَلَقَها على رَحِمِها فَلَا يقدر الفَحْلُ أَن يُجيز عليْها، يُقَال قد احْتاصَت الناقةُ واحتاصَتْ رَحِمها سواءٌ، وناقة حائص ومحتاصَةٌ وَلَا يُقَال حَاصَت النَّاقة، وبئر حَوْصاءُ ضيقةٌ.

(5/105)


وَرُوِيَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الحيصاءُ النَّاقة الضيّقة الحَيَا. قَالَ والمِحْيَاصُ الضيّقة الملاقي.
الأصمعيّ والفرّاء: الحائص والناقة الَّتِي لَا يَجُوز فِيهَا قضيبُ الفَحْلِ كأنّ بهَا رَتْقاً. وَقَالَ اللَّيْث الحَيْصُ الحَيْدُ عَن الشَّيْء. يُقَال هُوَ يحيصُ عني أَي يَحيدُ، وَهُوَ يحايصني، وَمَا لَك من هَذَا الأمْرِ مَحِيصٌ أَي مَحِيد، وَكَذَلِكَ مَحَاصٌ، وَفِي حَدِيث مطرّف: أَنه خرج من الطَّاعُون، فقيلَ لَهُ فِي ذَلك، فَقَالَ: هُوَ الموتُ نْحَايصُه وَلَا بُدّ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ نزوغ عَنهُ. يُقَال حَاص يحيص حَيْصاً، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن} (فُصّلَت: 48) .
ورُوي عَن ابْن عُمَرَ أنَّه ذكر قتَالاً أوْ أَمْراً، فَقَالَ: فَحَاصَ المُسْلِمون حَيْصَةً.
ويروى فَحَاضَ الْمُسلمُونَ حَيْضَةً، مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: وَقع القَوْمُ فِي حَيْصَ بَيْصَ، أَي فِي اخْتِلَاط من أمْر لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهُ. وأنشدنا لأميَّة بن عائِذ الْهُذلِيّ:
قد كنتُ خَرَّاجاً وَلُوجاً صَيرَفاً
لم تَلْتَحِصْني حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ
ونصبَ حَيْصَ بيْصَ على كل حالٍ. قَالَ وَقَالَ الْكسَائي فِي حيصَ بيص مثلَه إلاّ أَنه قَالَهَا بِكَسْر الْحَاء وَالْبَاء حِيصَ بِيصَ.
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت إِنَّك لتحسَبُ عليَّ الأَرْض حَيْصاً بَيْصاً وحِيصاً بِيصاً. وَفِي حَدِيث سعيد بن جُبَير وَسُئِلَ عَن المكاتَب يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أهلُه أَن لَا يخرُجَ من بَلَده، فَقَالَ: أَثْقَلْتُمْ ظهْره وجعلتم الأرْض عَلَيْهِ حَيصَ بَيصَ أَي ضيقتم الأَرْض عَلَيْهِ حَتَّى لَا مَضْربَ لَهُ فِيهَا وَلَا مُتَصَرَّفَ للكَسْبِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء قَالَ: هُمْ فِي حَيْصَ بَيْصَ وحِيصَ بِيصَ.
وَقَالَ: إِذا أفْردوه أجْرَوْه وَرُبمَا تركُوا إجراءَه وَقَالُوا وَقَعُوا فِي حِيصٍ أَي فِي ضيق. وَفِي (كتاب ابْن السّكيت) فِي الْقلب والإبدال فِي بَاب الصَّاد وَالضَّاد. يُقَال: حَاصَ وحَاضَ وجَاضَ بِمَعْنى واحدٍ. وَكَذَلِكَ ناصَ وناضَ. وَقَالَ عزَّ من قَائِل {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) أَي لات حينَ مَهْرَب.
وروى اللَّيْث بَيت الْأَعْشَى:
لقد نَال حَيْصاً من عُفَيْرَةَ حائصاً
قَالَ يرْوى بِالْحَاء وَالْخَاء. قلت: والرُّواة روَوْهُ بِالْخَاءِ خَيْصاً وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل الخِيَاصة سيْرٌ طَوِيل يشدُّ بِهِ حِزَامُ الدّابّةِ.
حصا: قَالَ اللَّيْث: الحَصَى صِغَارُ الحِجَارَةِ، الْوَاحِدَة حَصَاةٌ وثلاثُ حَصَيَاتٍ. قَالَ والحَصى كَثْرَة العَدَدِ شُبه بحصى الْحِجَارَة فِي الْكَثْرَة، وَقَالَ الْأَعْشَى:

(5/106)


فلستُ بالأكْثَرِ منْهُم حَصًى
وَإِنَّمَا العزَّةُ للْكاثِر
قَالَ: وحَصَاةُ اللّسَانِ ذَرَابَتُهُ. قَالَ وَفِي الحَدِيث: (وَهل يُكَبُّ الناسُ على مناخرهم فِي جَهنَّم إِلَّا حَصَا أَلْسِنَتهم) . قلت والرّواية الصَّحِيحَة (إلاَّ حصائدُ ألسنتهم) ؟ وَقد مرّ تَفْسِيره فِي بَابه، وأَمَّا الحَصَاةُ فَهُوَ الْعقل نَفسه.
وروى ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: فلَان ذُو حَصَاةٍ وأَصَاةٍ إِذا كَانَ حازِماً كَتُوماً على نفْسِه يحفظ سرَّه. قَالَ والحَصَاة الْعقل، وَهُوَ فَعَلَة من أحْصَيْتُ قَالَ طرفَة:
وإنّ لسانَ المَرْءِ مَا لم يَكُنْ لَهُ
حصاةٌ على عَوْرَاتِه لَدلِيلُ
يَقُول إِذا لم يكنْ مَعَ اللِّسَان عقل يحجزه عَن بسْطه فِيمَا لَا يجب دَل اللِّسَان على عَيبه بِمَا بِلَفْظ بِهِ من عُور الْكَلَام.
قَالَ اللَّيْث وَيُقَال لكل قطعَة من الْمسك حصاةٌ. قَالَ: والحصاةُ داءٌ فِي المثانَة، وَهُوَ أَن يخثُرَ الْبَوْل فيشتد حَتَّى يصير كالحصاة. يُقَال حصِيَ الرجلُ فَهُوَ مَحْصِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَصْوُ هُوَ المَغَسُ فِي البَطْنِ. وَفُلَان ذُو حَصى أَي ذُو عَددٍ، بِغَيْر هَاء. وَهُوَ من الإحْصَاء لَا من حَصَى الْحِجَارَة وَفُلَان حَصِيٌّ وحَصيفٌ ومُسْتَحْصٍ إِذا كَانَ شديدَ العَقْل، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ} (الْجِنّ: 28) أَي أحَاط علمُه بِاسْتِيفَاء عَدَدِ كل شَيْء.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله {وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (المُزمّل: 20) قَالَ علم أَن لنْ تحفظُوا مَوَاقِيت اللَّيلِ، وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ {وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ} أَي عَلِمَ أَن لن تُطِيقوه، وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحْصَاها دخلَ الجَنّة) فمعْناه وَالله أعلم من أحْصَاهَا عِلْماً وإيماناً بهَا ويقيناً بِأَنَّهَا صفاتُ الله جلّ وعزّ، وَلم يُرد الإحصاء الَّذِي هُوَ العَدّ. والحَصَاةُ الْعقل: اسْم من الإحصاء فِي هَذَا الْموضع وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
يُبْلغُ الجَهْدَ ذَا الْحَصَاة من القو
مِ وَمن يُلْفَ وَاهناً فَهُوَ مُود
يَقُول: يُبلغ ذَا الْحَصَاة من الْقَوْم الجَهْد أَي ذَا الْقُوَّة والرزانة وَالْعقل وَالْعلم بمصادر الْأُمُور ومواردها.
صوح، صِيحَ: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَأبي عَمْرو قَالَ: الصُّوحُ حَائِط الْوَادي وهما صُوحَانِ. وَفِي الحَدِيث أَن مُحَلم بن جُثَامة قتل رجلا يَقُول لَا إلاه إلاّ الله، فلمّا مَاتَ دفنوه قَالَ فلفَظَتْه الأَرْض فألْقَوْه بَين صُوحيْن فأكلته السبَاع.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصَّوْحُ بِفَتْح الصَّاد الجانبُ من الرأسِ والجبلِ. قلت: وغيرُه يَقُول صُوحٌ لوجه الْجَبَل الْقَائِم كَأنه حَائِط، وهما لُغَتَانِ صَوْحٌ وصُوحٌ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الصُّوَاحِيُّ مَأْخُوذ من الصُّوَاح وَهُوَ الْجصّ وَأنْشد:
جَلَبْنَا الخيلَ من تثْليث حَتَّى
كأنّ على مَنَاسِجِها صُواحَا

(5/107)


قَالَ: شبّه عَرَقَ الخيْلِ لما ابيضّ بالصُّوَاح وَهُوَ الجصّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّاحَةُ من الأَرْض الَّتِي لَا تنْبِتُ شَيْئا أبدا.
وَقَالَ اللَّيْث: التصوّح تشقّق الشّعْر وتناثُره وَرُبمَا صوَّحه الجُفُوف.
قَالَ: والبقلُ إِذا أَصَابَته عاهة فيبِس قيل تَصَوّح البَقْلُ وصوّحَتْه الريحُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا تهيّأ النباتُ لليُبْس قيل قد اقْطَارَ فَإِذا يَبِس وانْشَقّ قِيل قد تَصَوَّح.
قلت: وتصوُّحُه من يُبْسِهِ زمانَ الحَر لَا مِنْ آفةٍ تصيبُه.
وَقَالَ ذُو الرمة يصف هَيْج البقل فِي الصَّيف:
وصوح البقْلَ نآجٌ تجيءُ بِهِ
هَيْفُ بِمَا نِيَةٌ فِي مَرهَا نكَبُ
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: فإنْ تشقَّق الثَّوْب من قِبَل نَفْسه قيل قد انْصَاحَ انْصِياحاً وَمِنْه قَول عبيد:
من بَين مرتَتِقٍ مِنْهَا ومُنْصاح
قَالَ شمر: وَرَوَاهُ ابْن الأعرابيّ:
من بَين مرتَفِقٍ مِنْهَا ومنصاح
وَفسّر المُنْصَاحَ الفائِضَ الجارِي على وجْهِ الأرْضِ. قَالَ: والمُرْتَفِق الممتلىءُ.
قَالَ: ويروى عَن أبي تَمام الْأَسدي أَنه أنْشدهُ:
من بَين مرتفِق مِنْهَا ومِنْ طَاحِي
قَالَ: والطَّاحِي الَّذِي قَدْ سالَ وفاضَ وَذهب.
وَقَالَ الأصمعيُّ: انْصَاحَ الفَجْرُ انصِياحاً إِذا اسْتَنَارَ وأَضَاءَ، وَأَصله الانْشِقَاق. وتَصَايحَ غِمْدُ السَّيْف إِذا تشقّق.
وَقَالَ اللَّيْث الصُّوَّاحَةُ على تَقْدِير فُعَّالة من تشقق الصُّوف إِذا تصوَّح.
وَفِي (النَّوَادِر) : صوّحتْه الشمسُ ولوَّحتْه وصَمَحَتْه إِذا أَذْوَتْه وآذَتْه.
وَمن نَبَات الْيَاء، أَبُو عبيد عَن أبي زيد: لَقيته قبْلَ كل صَيْحٍ ونَفْرٍ، فالصَّيْحُ الصيَاح والنَّفْر التفَرُّق. وَيُقَال غَضِبَ فلانٌ من غير صَيْحٍ وَلَا نَفْرٍ، من غير قَلِيل وَلَا كثيرٍ. وَقَالَ الشَّاعِر:
كَذُوبٌ محولٌ يجعلُ الله عُرْضَةً
لأَيْمانِه من غير صيْحِ وَلَا نَفْر
قَالَ: مَعْنَاهُ من غير شَيْء. وَيُقَال: تصيّح النبْتُ إِذا تشقّق بِمَعْنى تصوَّح.
وَقَالَ اللَّيْث: تصيّح الخَشَبُ وغيرُه إِذا تصدّع.
وأنشدني أعرابيٌّ من بني كُلَيْب بن يَرْبُوع:
ويومٍ من الجوْزَاءِ مُؤتَقِد الحَصَى
تكَادُ صَيَاصِي العيْنِ مِنْهُ تَصَيَّحُ
قَالَ: والصيَاحُ صوتُ كُل شَيْء إِذا اشتدّ. والصَّيْحَةُ العذابُ.
قَالَ الله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} (الحِجر: 73) يَعْنِي بِهِ العذَاب. وَيُقَال: صِيحَ فِي آلِ فلَان إِذا هَلَكُوا.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:

(5/108)


دعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاته
وَلَكِن حديثٌ مَا حديثُ الرَّوَاحل
وَقَالَ الله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} أَي الهلَكَةُ. وصَيْحةُ الْغَارة إِذا فاجأتْهم الخيلُ المُغيرةُ والصَّائِحَةُ صَيْحَةُ المَنَاحَة. وَيُقَال: مَا ينْتَظِرُون إِلَّا مثلَ صَيْحَةِ الحُبْلَى أَي شرّاً يَفْجَؤُهم. والصيْحانيّ ضَرْبٌ من التَّمْرِ أسْوَدُ صُلْبُ المَمْضَغَةِ شديدُ الحلاوَةِ.
قلت: وسُمي صَيْحَانِياً لأنّ صيْحانَ اسمُ كَبْشٍ كَانَ يُرْبَطَ عِنْدَ نَخْلةٍ بِالْمَدِينَةِ فأثمرت ثمْراً صيْحَانِيّاً فنُسِبَ إِلَى صَيْحَان.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} (هُود: 67) فذكّر الْفِعْل لِأَن الصّيْحَةَ مصدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الصيَاحُ، وَلَو قيل وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصيحةُ بالتأنيث كَانَ جَائِزا تذْهب بِهِ إِلَى لفظ الصّيْحَةِ.
حصأ: مهموزاً. أَبُو عبيد عَن الأُمَوِيّ: حَصَأْتُ من المَاء أَي رَوِيتُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَصَأ الصَّبيُّ من اللَّبن حَصْأ إِذا أُرْضِع حَتَّى تمتلىء إنْفَحَتُه إِن كَانَ جَدْياً، وَإِن كَانَ صبِياً فبطْنُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيُّ: يُقَال للرجل وَغَيره حَصَأ بِهَا وحَصَمَ بِهَا إِذا ضَرَط.
وَقَالَ غَيره: أحْصَأتُه أَي أَرْوَيتْهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَصَا مَا خَذَفْت بِهِ خَذْفاً وَهُوَ مَا كَانَ مثلَ بَعْرِ الْغنم.
وَقَالَ أَبُو أسلم: العظيمُ مثل بَعْرِ البعيرِ من الْحَصَى.
وَقَالَ أَبُو زيد حَصَاة وحِصِيّ وقناة وقِنِيٌّ ونواة ونِوَيٌّ ودواةٌ ودِوِيّ، هَكَذَا قيّده شمر، وغيرُه يَقُول بِفَتْح الحَاء والقَافِ وَالنُّون وَالدَّال حَصَّى وقَنَّى ونوَّى ودَوَّى. وَيُقَال نهر حَصَوِيٌّ أَي كثيرُ الحَصَى.
وَقَالَ الْأَحْمَر: أَرض مَحْصَاةٌ من الحَصَا وحَصِيَّة وَقد حَصِيتْ تَحْصَى. وَيُقَال حَصَيْتُه بالحَصَى أحْصِيه أَي رمَيْتُه.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْلهم وَقع فلَان فِي حَيْص بَيْص أَي فِي ضيقٍ وَالْأَصْل فِيهِ بَطْنُ الضبّ يُبْعَج فيخْرَجُ مَكْنُه وَمَا كَانَ فِيهِ ثمَّ يحَاصُ.
وحص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوحْصُ البَثْر يخرج فِي وَجه الجَارِية المَلِيحة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أصبَحَتْ وَلَيْسَ بهَا وَحْصَةٌ وَلَا وَذْيَةٌ.
قَالَ الأزهريُّ مَعْنَاهُ لَيْسَ بهَا عِلَّة.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالسِّين)
(ح س (وايء))
حسا، حاس، سَحا، ساح: (مستعملة) .
حسا: قَالَ اللَّيْث: الحَسْوُ الْفِعْل، يُقَال حَسا يَحْسو حَسْواً، والشيءُ الَّذِي يُحْسَى اسمُه الحَسَاء مَمْدُود. والحُسوَةُ مِلْءُ الفَم. وَيُقَال اتَّخذُوا لَهُ حَسِيَّةً. والحُسْوَةُ الشَّيْء الْقَلِيل مِنْهُ.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: حَسَوْتُ حَسْوَةً وَاحِدَة والحُسْوَةُ مِلءُ الْفَم.
وَقَالَ اللحياني: حَسوة وحُسوة وغَرفة وغُرفة بِمَعْنى وَاحِد.

(5/109)


وَقَالَ يُونُس: حَسوت حَسوة وَفِي الْإِنَاء حُسوةٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: شربت حَسُوّاً وحَسَاءً، وشربت مَشُوّاً ومَشَاءً.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ أَبُو ذبيان بن الرعبل: أبْغض الشُّيُوخ إليَّ الحَسُوُّ الفَسُوُّ. قَالَ: الحَسُوُّ الشروبُ.
قلت: جمع الحُسْوَةِ حُسًى، وَالعرب تَقول: نمت نَوْمة كحَسْوِ الطير إِذا نَام نوماً قَلِيلا. وَيقول الرجلُ للرجلِ هَل احتسيت من فلَان شَيْئا؟ على معنى هَل وَجَدْتَ، وَقَول أبي نخيلة:
لما احْتَسَى مُنْحَدِرُ من مُصْعِد
أَن الحَيَا مُغْلوْلِبٌ لم يَجْحَدِ
احتسى أَي استَخْبَرَ فأُخْبِرَ أَن الخِصْب فاشٍ.
وَسمعت غيرَ واحدٍ من بني تَمِيم يَقُول: احتَسَيْنا حِسْياً أَي أنْبطْنا مَاء حَسْيٍ، والحَسْيُ الرَّمْل المتراكم أَسْفَله جبل أصلدُ، فَإِذا مُطِرَ الرمل نَشِفَ مَاء الْمَطَر، فَإِذا انْتهى إِلَى الْجَبَل الَّذِي أسفَلُه أمسكَ المَاء وَمنع الرملُ حرَّ الشَّمْس أَن ينشف المَاء فَإِذا اشْتَدَّ الْحر نُبِثَ وجْهُ الرمل عَن المَاء فنبَعَ بَارِدًا عذباً يتَبَرَّضُ تبرُّضاً وَقد رَأَيْت فِي الْبَادِيَة أحْسَاءُ كَثِيرَة على هَذِه الصفَة مِنْهَا أحْساءً بَنِي سَعْدٍ بحذاء هَجَرَ وقُرَاها وَهِي اليومَ دارُ القَرَامِطَةِ، وَبهَا مَنَازِلُهم وَمِنْهَا أَحْسَاءُ خِرْشَافِ وأَحْسَاءُ القَطِيف. وبحذاء حاجِرٍ فِي طَرِيق مَكَّة أَحْساءٌ فِي وادٍ مُتَطَامِن ذِي رَمْلِ إِذا رَوِيَتْ فِي الشتَاء من السُّيُول الْكَثِيرَة لم يَنْقَطِع ماءُ أحْسائها فِي القَيْظ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِسَى المَاء الْقَلِيل.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال جعلت لَهُ حَسوًا وحَساء وحَسِيّة إِذا طُبَخَ لَهُ الشَّيْء الرَّقِيق يتحسَّاه إِذا اشْتَكَى صدرَه، وَيجمع الحِسْيُ حِسَاءً وأحْساءً.
سَحا: قَالَ اللَّيْث: سَحَوْتُ الطينَ بالمِسْحَاةِ عَن الأَرْضِ سَحْواً وسَحْياً، وَأَنا أَسْحَاهُ وأَسْحُوه وأسْحِيه، ثلاثُ لُغَاتٍ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: سَحَوْتُ الطين عَن الأرْضِ أَسْحُوهُ وأَسْحَاه، وَلم يذكر أسحِيه. قَالَ وسَحْوُ الشَّحْم عَن الإهاب قَشْرُه، وَمَا قْشِرَ عَنهُ فَهُوَ سِحاءَة نَحْو سحاءةِ النواة، وسحاءة القرطاس وَفِي السَّمَاء سِحَاءةٌ من سَحَاب، أَي غيمٌ رقيقٌ. وَيُقَال: سحَّيْتُ الْكتاب تَسْحِيَةً لِشَدهِ بالسحَاءَةِ، وَيُقَال بالسحَاية، لُغَتَانِ.
قَالَ اللَّيْث: وسَمّى رؤبة سنابك الحُمُرِ مَسَاحِيَ لِأَنَّهَا تُسْحَى بهَا الأَرْض فَقَالَ:
سَوَّى مساحِيهِنّ تقطيطَ الحُقَق
قَالَ: وَرجل أُسْحُوان: كثير الأَكْلِ. قَالَ والأُسْحِيَّة كل قشرة تكونُ على مضائِغ اللَّحْم من الْجلد. ومتَّخِذُ الْمساحِي سَحَّاءٌ على فَعال وحرفته السحَايةُ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: الساحِيَةُ المَطْرَةُ الشَّدِيدَة الوقعِ الَّتِي تَقْشِر الأرضَ. وَأنْشد أَبُو عبيد:

(5/110)


أَصَابَ الأرْضَ مُنْقَمِشُ الثريَّا
بساحِيَةٍ وأَتْبَعَها طِلاَلا
قَالَ: وسَحَوْتُ القرطاسَ وسَحَيْتُه والسحَاةُ الخُفّاش وَجَمعهَا سَحاً. قَالَ: والسحاء ضربٌ من الشّجر يرعاه النَّحْل. وَكتب الْحجَّاج إِلَى عَامل لَهُ أَن أرسل إليَّ بِعَسَل السحاء أخْضَرَ فِي الْإِنَاء.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ضَبٌّ سَاحٍ حابلٌ إِذا رعى السَّحَاءَ والحُبْلَة. وسِحَاءَةٌ أُم الرَّأْس الَّتِي تكون فِيهَا الدِّمَاغ، قَالَ: وسِحَاءَةُ القِرْطاس ممدودةٌ وسِحَاءٌ مَمْدُود بِلَا هَاء. قَالَ والسحاءُ الخفاش بِكَسْر ويُمَدّ، ويُفْتَحُ فيُقْصر، فَيُقَال هُوَ السَّحا، مقصورٌ كَمَا ترى.
حوس، حيس: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَوْسُ الأكلُ الشَّديد، والحُوسُ الشجعان. قَالَ والحَوْسَاءُ النَّاقة الشَّدِيدَة الأكْلِ.
قَالَ وَيُقَال حاسُوهم وجاسُوهم ودَرْنَجُوهم وفَنَّخُوهم أَي ذَلّلوهم.
وَقَالَ اللَّيْث الحَوْس انتشارُ الغَارة والقَتْل، والتحركُ فِي ذَلِك، يُقَال حُسْتُه أَي وطئْتهُ وخالطْتُه.
وَقَالَ الْفراء: حَاسَهم وجَاسَهم إِذا ذَهَبُوا وَجَاءُوا يَقْتُلُونهم.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: تركت فلَانا يَحُوس بَنِي فلَان ويَجُوسهم. يَقُول يَدُوسُهمْ ويطْلُب فيهم.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَحْوَسُ الجَرِيءُ الَّذِي لَا يهوله شَيْء وَأنْشد:
أَحُوسُ فِي الظَّلْمَاءِ بالرُّمْحِ الخَطِلْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الأحْوسُ الشديدُ الأكلِ، والأحْوسُ الْكثير القَتْلِ من الرِّجَال، والأحْوَسُ الَّذِي لَا يَبْرَح مكانَه حَتَّى ينالَ حَاجته.
وَقَالَ الفرزدق يصف إبِلا:
حَوَاسَاتُ الشتَاء خَبَعْثِنَاتٌ
إِذا النَّكْبَاءُ ناوحت الشمالا
ابْن السّكيت: يُقَال للرجُل إِذا مَا تحبَّس وأَبْطَأَ: مَا زَالَ يتحوَّسُ، وإبِلٌ حُوسٌ بَطِيئةُ التحرُّك من مَرْعاها وإبلٌ حُوسٌ كثيرات الْأكل.
وَقَالَ اللَّيْث: التحوُّس الْإِقَامَة كأنَّه يُرِيد سفَراً وَلَا يَتَهَيَّأ لَهُ لانشغاله بِشَيْء بعد شَيءٍ وَقَالَ المتلمس:
سِرْقد أنَى لَك أَيُّها المُتَحَوسُ
فالدار قد كادَت لِعَهْدِك تدرُس
وَرجل حَوَّاسٌ عَوَّاسٌ طَلاَّبٌ بِاللَّيْلِ، وغيث أحْوَسِيٌّ دَائِم لَا يقطع. قَالَ الراجز:
أَنْعَتُ غيثاً رائحاً عُلْوِيّا
صَعَّدَ فِي نَخْلَةَ أَحْوَسِيّا
يَجُرُّ من عَفَائِهِ حَبِيّا
جَرّ الأسِيفِ الرَمَك الَمرعِيَّا
أنْشدهُ شمر. وَفِي حَدِيث عُمر أنّه قَالَ لرجل: بَلْ تَحُوسُكَ فِتْنَةٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ العَدَبَّس الْكِنَانِي فِي قَوْله: بَلْ تَحُوسُك فِتْنَةٌ، أَي تُخَالِطُ قَلْبك وتَحُثُّك وتُحَركُكَ على رُكُوبها.

(5/111)


وَقَالَ أَبُو عبيد: وكل مَوضِع خَالَطْته وَوَطِئْتَه فقد حُسْتَه وجُسْتَه وَقَالَ الحطيئة:
رهْطُ ابنِ أَفْعَلَ فِي الخُطُوبِ أَذِلَّةٌ
دُنُسُ الثيابِ قَنَاتُهُمْ لم تُضْرَس
بِالْهَمْزِ من طُولِ الثقَافِ وجَارُهم
يُعطِي الظَّلامَةَ فِي الخطوب الحُوَّسِ
يَعْنِي الأمورَ الَّتِي تنزلُ بهم فتفْشَاهم وتَخلَّلُ دِيارَهُم.
وقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الإبِلُ الْكَثِيرَة يُقَال لَهَا حَوْسى وَأنْشد:
تبدَّلَتْ بعد أَنِيسٍ رُغُب
وَبعد حَوْسى جامل وسرب
وحاست الْمَرْأَة ذيلَها حَوْساً إِذا سحبتها وامرأةٌ حَوْسَاءُ الذيل وَأنْشد شمر قَوْله:
تَعيِبينَ أَمْراً ثمَّ تأتينَ مِثْلَه
لقد حَاسَ هَذَا الأَمْرَ عنْدك حائس
وَذَلِكَ أَن امْرَأَة وجدت رَجُلاً على فُجُورٍ فعيّرته فَلم تلبث أَنْ وَجَدها الرجلَ على ذَلِك. ومثلٌ للْعَرَب: عَاد الحيس يُحَاس؛ أَي عَاد الْفَاسِد يُفْسِد، وَمَعْنَاهُ أَن تَقول لصاحبك: إِن هَذَا الْأَمر حَيْس أَي لَيْسَ بِمُحْكم وَهُوَ ردِيءٌ، وَمِنْه الْبَيْت: تعيبني أَمْراً.
قَالَ شمر رُوي عَن الْفراء: لقد حِيس حَيْسَهم كَمَا تَقول دَنَا هَلاَكُهُمْ.
أَبُو عبيد عَن الأُمَوِيّ: إِذا أَحْدَق بالرَّجُلِ ونَسَبِه الإمَاءُ مِنْ كُل وَجْهٍ فَهُوَ مَحْيُوسٌ، وَذَلِكَ لأَنَّه يشبَّه بالحَيْس وَهُوَ يخلط خَلْطاً شَدِيدا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذا كَانَت جدّتاه من قِبَلِ أَبِيه وأُمه أَمَةً فَهُوَ المحْيُوس من الحَيْس، يُقَال حُست أَحِيسُ حَيْساً وَأنْشد:
عَن أَكْلِيَ العِلْهِزَ أَكْلَ الحَيْس
والحيْسُ التَّمْر البرنيُّ والأَقِطُ يُدَقَّانِ ويُعْجَنَان بالسَّمْنِ عَجْناً شَدِيدا حَتَّى تَنْدُرَ مِنْهُ نواةٌ ثمَّ يسوى كالثريد وَهِي الوطيئَةُ أَيْضا، إلاّ أنّ الحيس رُبمَا جُعل فِيهِ السَّوِيقُ وأَمَّا فِي الوطيئةِ فَلَا وَأنْشد:
وَإِذا تكونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا
وإذَا يُحَاسُ والحيس يدعى جُنْدُبُ
شمر وَمن أمثالهم: عَاد الحَيْسُ يُحَاسُ وَمَعْنَاهُ أَن رجلا أُمر بأَمْرٍ فَلم يُحْكِمْه فذمّه آخر فَقَامَ لِيُحْكمَه فجَاء بِشَرَ مِنْهُ فَقَالَ الْآمِر: عَادَ الحَيْسُ يُحَاسُ، أَي عَاد الفَاسد يُفْسدُ وَامْرَأَة حوْساء الذيل أَي طَوِيلَة الذيل. قَالَ: قد علمت صفراء حوساء الذيل وَقد حَاست ذَيْلَها تَحُوسُه إِذا وطئَتْهُ تسحَبُه، كَمَا يُقَال حاسَهم وجَاسهم إِذا وَطِئَهم.
سيح سوح: قَالَ اللَّيْث: السَّيْحُ المَاء الظَّاهِرُ على وجْه الأرْض يَسِيحُ سَيْحاً.
الْأَصْمَعِي: ساحَ الماءُ يسيحُ سَيْحاً إِذا جرَى على وَجه الأَرْض، وَمَاء سَيْح وغَيْلٌ إِذا جرَى على وَجه الأَرْض، وَجمعه سَيُوح وأَسْيَاحٌ، وَمِنْه قَوْله:
تِسْعَةُ أَسْيَاح وسَيْحُ الغَمَرْ
وَقَالَ اللَّيْث: السيَاحَةُ ذهَاب الرجل فِي الأرْضِ لِلْعِبَادَةِ والتَّرَهُّبِ، وسياحَةُ هَذِه الأمّة الصيَامُ ولزومُ الْمَسَاجِد.

(5/112)


وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا سياحة فِي الْإِسْلَام) ، أَرَادَ بالسياحة مفارَقَةَ الأَمْصَارِ والذهابَ فِي الأرضِ وَأَصله من سَيْح الماءِ الْجَارِي.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} (التّوبَة: 112) وَقَالَ {عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ} (التّحْريم: 5)
جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن السائحين والسائحات الصائمون.
وَقَالَ الْحسن: هم الَّذين يَصومُون الْفَرْض. وَقد قيل: إِنَّهُم الَّذين يُدِيمُون الصّيام. وَقَول الْحسن أَبْيَنُ. وَقيل للصَّائِم: سائح لِأَن الَّذِي يسيح مُتَعبداً يذهبُ فِي الأَرْض لَا زادَ مَعه فحين يَجِد الزَّاد يَطْعَمُ، والصائم لَا يَطْعَم أَيْضا، فَلِشَبهَه بِهِ سمي سائحاً.
وَفِي الحَدِيث على أَنه وصف قَوْماً فَقَالَ: (لَيْسُوا بالمسَايِيح البُذُر) .
قَالَ شمر: المسايِيحُ لَيْسَ من السّياحة وَلكنه من التسييح فِي الثوْبِ أَن يكون فِيهِ خطُوطٌ مختلفةٌ لَيْسَ من نحوٍ واحدٍ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المُسَيَّحُ من العَبَاءِ الَّذِي فِيهِ جُدَدٌ، واحدةٌ بيضاءُ وأُخْرى سَوْدَاءُ لَيست بشديدةِ السَواد. وكل عباءة سَيْحٌ ومُسَيَّحَةٌ. يُقَال: نِعْم السَّيْحُ هَذَا، وَمَا لم يكن ذَا جُدَدٍ، فَإِنَّمَا هُوَ كِسَاء وَلَيْسَ بِعَبَاءٍ. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ المُسَيَّح من الطّرق المبيَّنُ، وَإِنَّمَا سيَّحه كَثْرَة شَرَكِه، شُبه بالعَباءِ المُسَيَّح. وَيُقَال للحمار الْوَحْش مُسيَّح لجُدَّته الَّتِي تفْصِل بَين البَطْن والجَنْبِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: السيْح مِسْحٌ مُخَطَّطٌ يكونُ فِي الْبَيْت يصلح أَن يُفْتَرَش وَأَن يسْتَتر بِهِ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: إِذا صارَ فِي الجَرَادِ خطوطٌ سودٌ وصُفْرٌ وبيضٌ فَهُوَ المُسَيَّح، فَإِذا بدا حَجْمُ جَناحِه فَذَلِك الكُتْفَان لِأَنَّهُ حينئذٍ يَكْتِف الْمَشْي فَإِذا ظَهَرَتْ أجْنِحَتُه وَصَارَ أحْمَرَ إِلَى الغُبْرَةِ فَهُوَ الغَوْغَاءُ والواحدة غَوْغَاءَةٌ؛ وَذَلِكَ حِين يَمُوجُ بعضُه فِي بَعْضٍ وَلَا يتوجّه جِهَةً وَاحِدَة، هَذَا فِي رِوَايَة عمر بن بَحْرٍ.
وَقَالَ شمر: المسايِيحُ الذَين يسيحون فِي الأرْض بالشَّر والنميمةِ والإفسادِ بَين النَّاس، والمَذَايِيعُ الَّذين يُذيعُون الْفَوَاحِش.
وَقَالَ الليثُ: السَّاحة فَضَاءٌ يكون بَين دُور الحَي، والجمعُ سوحٌ وسَاحَاتٌ، وتصغيرها سُوَيْحَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للأتان قد انْسَاح بَطْنُها وأنْدَال سِيَاحاً إِذا ضَخُمَ ودَنَا من الأَرْض. وَيُقَال: أساحَ الفَرَسُ ذَكره وأَسابَه إِذا أخرجه من قُنْبِه. قَالَه خَليفَة الحصيني قَالَ وسيَّبه وسيَّحه مثلُه.
وَقَالَ غَيره: أسَاحَ فلانٌ نَهْراً إِذا أَجْراه. وَقَالَ الفرزدق:
وَكم لِلْمُسلمِين أسَحْتَ يَجْرِي
بِإِذن الله من نَهْر ونَهْرِ
يَقُول: كم من نَهْرٍ أجريتَه للْمُسلمين فانتفعوا بمائه.

(5/113)


(بَاب الْحَاء وَالزَّاي)
(ح ز (وايء))
حزى حزا، حَاز (تحوز، تحيز) ، زاح، أزح.
حزى: قَالَ اللَّيْث: الحَازِي الكاهِنُ تَقول: حَزَا يَحْزُو ويَحْزِي ويَتَحَزَّى.
وَأنْشد:
وَمن تَحَزَّى عَاطساً أَو طَرَقا
وَقَالَ آخر:
وحازِيَةٍ ملبونة ومنجسٍ
وطارقةٍ فِي طرقها لم تُسَدَّد
قَالَ الأصمعيُّ التحزّي التكهن.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحازِي أقَلُّ عِلْماً من الطّارق، والطّارقُ كَاد أَن يكونَ كاهِناً، والحازِي يَقُول بِظَنَ وخَوْفٍ، والعائف العالمُ بالأمور وَلَا يُسْتعافُ إِلَّا من عَلِم وحَرَّب وعرَف؛ والعَرَّاف الَّذِي يَشُمُّ الأَرْض فيعرفُ مواقِع الْمِيَاه، وَيعرف بِأَيّ بلدٍ هُوَ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَزَيْت الشَّيْء أحْزيه إِذا خَرَصْتَه وحزوتُه مثلُه، لُغَتَانِ من الحازِي، وَمِنْه حَزَيْتُ الطيرَ إِنَّمَا هُوَ الخَرْصُ وحَزَا السرابُ الشيءَ يحزوه: رَفَعه. ابْن هانىء عَن أبي زيد: حزونا الطير نحزوها حَزْواً، زجرناها زجرا قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم أَن ينعَقَ الْغُرَاب مُسْتقبِلَ رَجُلٍ وَهُوَ يُرِيد حَاجَةً فَيَقُول: هُوَ خيرٌ فَيخرج، أَو ينعق مُستَدْبِرَه فَيَقُول: هَذَا شَرٌ فَلَا يخرج، وَإِن سنح لَهُ عَن يَمِينه شيءٌ تَيَمَّنَ بِهِ، أَو سَنَح عَن يسَاره تشاءم بِهِ، فَهُوَ الحَزْوُ والزَّجْرُ، وَيُقَال أحْزَى يُحزي إحْزاء إِذا هاب وأبى. وأنشدوا:
وَنَفْسِي أَرَادَت هجر سلمى وَلم تطقْ
لَهَا الهجر هابته وأحْزَى جَنِينُها
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كعُوذِ المعطف أحْزَى لَهَا
بمصدرة المَاء رَأْمٌ
أَي رَجَعَ لَهَا، رَأْمُ أَي وَقد رُدَّ هالكٌ ضعيفٌ والعُوذُ الحديثَةُ الْعَهْد بالنتاج. وَقَالَ اللَّيْث: الحَزَا مقصورٌ: نَبَات يُشْبِه الكرفْسَ من أَحْرَار الْبُقُول، ولريحه خَمْطةٌ يزْعم الْأَعْرَاب أَن الْجِنّ لَا تدخل بَيْتا يكون فِيهِ الْحَزَا، والواحدة حَزَاةٌ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَزَاءُ ممدودٌ: نبتٌ. وَقَالَ شمر: تَقول الْعَرَب ريحُ حَزَاء فالنَّجاءَ، قَالَ وَهُوَ نَبَات ذَفِرٌ يَتَدَخَّنُ بِهِ للأرواح، يُشْبِهُ الكَرَفْسَ، وَهُوَ أعْظَمُ مِنْهُ. فَيُقَال اهرُب إِن هَذَا ريحُ شَر. قَالَ: وَدخل عمر بن الحكم النَّهْدِيّ عَلَى يزِيد بن المهلّب وَهُوَ فِي الحَبْس فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَبَا خَالِد
ريحُ حزاء فالنَّجا لَا تكن
فريسة للأسد اللابد
أَي أَن هَذَا تباشيرُ شَر وَمَا يَجِيء بعد هَذَا شَرٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم الحَزَاءُ ممدودة لَا يُقصر. وَقَالَ شمر: الحَزَاءُ يمَدُّ وَيقصر.
وحَزْوَى جبلٌ من جبالِ الدهناء، وَقد مررتُ بِهِ
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب:

(5/114)


حَزَأْتُ: الإبلَ وأَنا أَحْزُؤُها، وَهُوَ أَن تَضُمَّها وتسوقَها. وَقَالَ: واحْزَوْزَأَتْ الإبلُ إِذا اجْتمعت. والطائِر يحزَوْزِىء، وَهُوَ ضمُّه نفْسَه وتجَافِيه عَن بيضه وَأنْشد:
مُحْزَوْزأيْنِ الزفَّ عَن مَكَوَيْهِما
وَقَالَ رؤبة فَلم يهمز:
والسيرُ محزوزٍ بِهِ أحْزِيزَاؤُه
قَالَ ذَلِك كلُّه اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز:
حَزَأْتُ الْإِبِل حَزْأً
إِذا جمعتَها وسقتَها
حوز حيّز: قَالَ اللَّيْث: الحَوْزُ السيْرُ اللين. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحَوْزُ السيْر الروَيْدُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَيْز السيْرُ الروَيْدُ. وَقد حِزْتُها أَحِيزُها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ الْحَوْزُ وَأنْشد قَول الحطيئة:
وَقد نظرْتكم إيناءَ صَادِرةٍ
للوِرْد طَال بهَا حَوْزِي وتَناسِي
وَقَالَ عائشةُ فِي شمر: كَانَ وَالله أحْوَزِيّا نسيجَ وحْدِه. قَالَ السَّائِق الْحسن السِّيَاق وَفِيه معَ سِيَاقه بعض النفار. وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: الأحوزي.
أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي الأحوزيّ الخفيثُ. وَقَالَ العجاج يصف ثوراً وكلاباً:
يحوزهن وَله حُوزِيّ
كَمَا يحوز الفِئَة الكَمِيُّ
وَبَعْضهمْ يرويهِ، كَانَ وَالله أحْوَذِياً بِالذَّالِ، وَهُوَ قريب من الأحوزي.
قَالَ شمر الحَوْز من الأرْض أَن يتخذَها رجلٌ، ويبيّن حدودَها فيستحقُّها، فَلَا يكونُ لأحدٍ فِيهَا حقٌّ مَعَه، فَذَلِك الحَوْز. وقولُ العجاج وَله حُوزِي أَي لَهُ مَذْخُورُ سَيْرٍ لم يَبْتَذِلْه أَي يَغْلبهنّ بالهُوَيْنَى.
وَقَالَ شمر فِي قَوْله: وَله حُوزِيّ، أَي لَهُ طَارِدٌ يطرُد عَن نَفْسه من نشاطِه وحْدَه. قَالَ: وَسمعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: جمل حُوزِيّ ورجُلٌ حُوزِيٌّ ورجُلٌ أَحْوَزِيٌّ قد حَاز الأمورَ وأحكمَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْزُ أَيْضا موضعٌ يحوزُه الرجلُ يتَّخذْ حواليه مُسَنَّاة، والجميع الأحْوَازُ، قَالَ وكلُّ من ضمَّ شَيْئا إِلَى نَفْسه من مَال وغيرِ ذَلِك فقد حازَه واحْتَازَه. قَالَ وحَوْزُ الرجُلِ طبيعتُه من خير أَو شَرّ. قَالَ والحَوْزُ النِّكَاح وَأنْشد:
تَقول لمّا حَازَها حَوْزَ المَطِي
أَي جَامعها. وَفِي الحَدِيث: (فَلَمَّا تحوّز لَهُ عَن فِراشه) . قَالَ أَبُو عبيد التحوُّزُ هِيَ التنَحي. وَفِيه لُغَتَانِ: التحوُّز والتحيُّز.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} (الأنفَال: 16) فالتحوز تَفَعُّلٌ والتحيّز التَّفَيْعلُ، ونحوَ ذَلِك قَالَ الفراءُ وحذّاقُ النَّحْوِيين. وَقَالَ الْقطَامِي يصف عجوزاً استضَافها فَجعلت تروغُ عَنهُ فَقَالَ:
تَحَوَّزُ عنّي خَشْيَةً أَن أضِيفَها
كَمَا انحازَت الأفْعى مخافَة ضَارِب
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} (الْأَنْفَال: 16) نصب {مُتَحَرِّفاً} و {وُوِمُتَحَيِّزاً} على الْحَال، إِلَّا أَن

(5/115)


يتحرّف لِأَن يُقاتل أَو أَن ينْحازَ أَي ينفرِدَ ليكُون مَعَ المقاتِلة. قَالَ وأصل متحيز محيوِز فأُدْغِمت الواوُ فِي الْيَاء.
قَالَ شمر: الْإِثْم حَوَّاز القلوبِ أَي يحوزَ القلْبَ ويغلبُ عَلَيْهِ حَتَّى يركب مَا لَا يَجِبُ، وكأنّه من حَاز يحوز. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَأكْثر الرِّوَايَة (الْإِثْم حزّاز الْقُلُوب) أَي حزّ فِي القلبِ وحاكَ فِيهِ.
وَقَالَ شمر: حُزْتُ الشَّيْء أَي جمعتُه أَو نحيته قَالَ والحوزِي المتوحّد فِي قَول الطرماح:
يَطُغْنُ بِحُوزِي لم يُرَعْ بواديه
من قَرْع القِسيّ الكِنَائنُ
قَالَ: الحوزيُّ المتوحدُ وَهُوَ الفَحْلُ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ حُزْتُ الشَّيْء إِذا جمعته أَو نحَيتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَالك تَتَحَوَّزُ إِذا لم تَسْتقرَّ على الأرضِ، وَالِاسْم مِنْهُ التحوُّز. قَالَ: وحَيزُ الدّار مَا انضمَّ إِلَيْهَا من الْمرَافِق والمنافِع، وكلُّ ناحِية حيّزُ على حدَةٍ، بتَشْديد الْيَاء، والجميع أحْيَازٌ، وَكَانَ الْقيَاس أَن يكون أحْوَازاً، بِمَنْزِلَة الميّت والأموات وَلَكنهُمْ فرّقوا بَينهمَا كراهةَ الالتباس، وَقَالَ الرَّاعِي يصف إبِلا:
حوزيَّةٌ طُوِيَتْ على زَفَراتِها
طيَّ القناطِر قد بزلْن بزولا
قَالَ والحُوزية النوق الَّتِي لَهَا خِلْقَةٌ انْقَطَعت عَن الْإِبِل فِي خِلْقَتِها وفراهتها، كَمَا تَقول منقطِع القرين.
وَقيل نَاقَة حُوزِيةٌ أَي مُنْحازَة عَن الْإِبِل لَا تخالطها من سَيْرها مصونٌ لَا يُدْرك، وَكَذَلِكَ الرجل الحُوزيّ الَّذِي لَهُ أبدا، من رَأْيه وعقله مذخور.
وَقيل بل الحُوزية الَّتِي عِنْدهَا مذخورٌ، وَقَالَ العجّاج (يحوزُهنّ وَله حُوزِيٌّ) أَي يَغْلِبُهن بالهوينَى، وَعِنْده مذخورٌ مِنْهُ لم يبتذلْه وَفِي حَدِيث: (فَلم نزل مفطرين حَتَّى بلغنَا مَا حُوزَنَا) .
قَالَ شمر: فِي قَوْله (مَا حُوزَنا) : هُوَ الْموضع الَّذِي أرادُوه، وَأهل الشَّام يسمون المكانَ الَّذِي بَينهم وَبَين العدوّ الَّذِي فِيهِ أَساميهِم ومكاتبُهم الماحُوزُ.
قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: هُوَ من قَوْلك حُزْتُ الشَّيْء إِذا أحرزْتَه.
قَالَ الْأَزْهَرِي: لَو كَانَ مِنْهُ لقيل مَحازَنا أَو مَحُوزَنَا، وحزت الأرضَ إِذا أعلَمْتُها وأحيْيتُ حدودَها، وَهُوَ يُحاوِزُه أَي يُخالطه ويجامِعُه. قلت: أحسَبُ قَوْله: (مَا حوزنا) بلغَة غير عَرَبِيَّة وكأنَّه فاعُولٌ، وَالْمِيم أصليّة مثل الفاخُور لنبْت والرّاحول للرّحْلِ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: إِذا كَانَت الإبِلُ بعيدَة المَرْعَى من الماءِ فأوَّلُ ليلَةٍ توجهِها إِلَى المَاء ليلةُ الجَوْزِ وَقد حوَّزْتُها وَأنْشد:
حوَّزَها من بُرَقِ الغَيَمِ
أهدأُ يَمْشِي مِشْيَة الظلِيم
وَيُقَال للرجل إِذا تحبّس فِي الْأَمر: دَعْنِي من حَوْزك وطِلْقِك. وَيُقَال: طوَّلَ فلانٌ علينا بالحَوْزِ والطلْقِ، والطلْقُ أَن يخليَ

(5/116)


وُجُوه الْإِبِل إِلَى المَاء ويتركَهَا فِي ذَلِك تَرْعَى لَيْلَتَئِذٍ، فَهِيَ لَيْلَة الطلْقِ وأنْشدَ ابنُ السّكيت:
قد غرَّ زيدا حُوْزُه وطِلْقُهُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تحوُّز الحيةِ وَهُوَ بُطْء القِيَامِ إِذا أَرَادَ أَنْ يَقُوم. وَقَالَ غَيره: التحوُّس مثله عَمْرو عَن أَبِيه: الحوْزُ الْملك الْملك وحَوْزَةُ الْمَرْأَة فرجهَا وَقَالَت امْرَأَة:
فَظَلْتُ أحْثِي التُّرْبَ فِي وَجْهِه
عنّي وأَحْمِي حَوْزَةَ الغَائب
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال حوزاته وَأنْشد:
لَهَا سَلَفُ يعوذُ بِكُل رَيْعٍ
حَمَى الحوْزَاتِ واشتَهر الإفَالا
قَالَ السَّلَفُ الفحْل حَمى حَوْزَاته، أَي لَا يدنو فَحل سواهُ مِنْهَا وَأنْشد الْفراء:
حمى حَوْزَاتِه فَتُرِكْن قَفْراً
وأَحْمَى مَا يَلِيه من الإجَامِ
أَرَادَ بحوْزاته نواحيَه من المراعي.
زيح زوح: قَالَ اللَّيْث: الزَّيحُ ذهَاب الشَّيْء، تَقول: قد أَزَحْتُ عِلَّتَه فزاحَتْ، وَهِي تَزِيحُ، وَقَالَ الْأَعْشَى:
هَنَأْنَا فَلم نَمْنن عَليْهَا فأصبحَتْ
رَخِيَّةَ بَالٍ قد أَزَحْنَا هُزَالَها
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أزاحَ الأمْرَ إِذا قَضَاه، عَمْرو عَن أَبِيه: الزَّوْح تفريقُ الْإِبِل، وَيُقَال الزَّوْحُ جَمْعها إِذا تفرَّقت، والزَّوْحُ الزَّوَلاَن. شمر: زَاحَ وزَاخ بِالْحَاء وَالْخَاء بمعنَى واحدٍ إِذا تنحَّى قَالَ وَمِنْه قَول لبيد:
لَو يقوم الفيلُ أَبُو فَيَّالُه
زَاحَ عَن مثل مَقامي وزَحل
قَالَ وَمِنْه زاحت عِلَّتُه وأزَحْتُها أَنا.
أزح: قَالَ أَبُو عبيد أزَح يَأزِح أُزُوحاً، إِذا تخلّف وَقَالَ العجاج:
جَرَى ابنُ لَيْلَى جِرْيةَ السُّبُوح
جِرْيَةَ لَا كابٍ وَلَا أَزُوحِ
قَالَ الأزُوح: الثقيل الَّذِي يَزْحَرُ عِنْد الحَمْل.
وَقَالَ شمر الأَزُوح المتقاعِس عَن الأَمْر.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَلم أك عِنْد مَحْملِها أَزُوحاً
كَمَا يَتَقَاعَسُ الفَرسُ الحزوَّرْ
يصف حِمَالة تحمّلها. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَزَحَ الإنسانُ وغيرُه بأزِح أُزوحاً وأَرَزَ يأْرِزُ أروزاً إِذا تقبَّض ودنا بعضُه من بعض. وَقَالَ غَيره أَزَاحَتْ قدمُه إِذا زلَّت، وَكَذَلِكَ أَزَحت نَعْلُهُ قَالَ الطرّماح يصف ثوراً وحشياً:
تزِلُّ عَن الأَرْض أَزْلامُه
كَمَا زلّت القدَمُ الآزحه
وَالله أعلم.

(بَاب الْحَاء والطاء)
(ح ط (وايء))
حطا، حاط، طحا، طاح، وطح (احطوطى) .

(5/117)


حطا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحَطْءُ تحريكُ الشَّيْء مُزَعْزَعاً. وَمِنْه حَدِيث ابنِ عبّاس، أَتَانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَطَاني حُطْوةً. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن الأعرابيّ غيرَ مَهْمُوز، وهمزه غيرُه. وقرأت بِخَط شمر فِيمَا فَسَّر من حَدِيث ابْن عباسٍ قَالَ: تنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَقَقَايَ فحطأَنِي حَطْأَةَ، قَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنبة: لَا تكون الحَطَأَةُ إِلَّا صَربة بالكف بَين الْكَتِفَيْنِ، أَو على حبراش الجَنْبِ أَو الصدْر أَو الكَتَدِ، فَإِن كَانَت بِالرَّأْسِ فَهِيَ صَقْعَةٌ وَإِن كَانَت بالوجْه فَهِيَ لَطْمَةٌ. وَقَالَ أَبُو زيد، حَطَأتْ رَأسه حَطَأَةً شَدِيدَة شَدِيدَة وَهِي شدَّة القَعْدِ بالرّاحة وَأنْشد:
وَإِن حطَأْتُ كَتِفَيْه ذَرْمَلاَ
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي حطَأْتُ بِهِ الأرضَ حَطَأً إِذا ضربتَ بِهِ الأرْضَ وَأنْشد شمر:
وَوَاللَّه لَا أَتَى ابنَ حاطِئَةِ اسْتِها
سَجِيسَ عُجَلْيسٍ مَا أَبَان لسانيا
أَي ضارِبةَ اسْتِها. وَقَالَ اللَّيْث: المطْءُ مهموزٌ شدّة الصَّرَع، تَقول: احتمله فَحَطأ بِهِ الأرضَ، وَقال أَبُو زيد حطأت الرّجُل حَطْأً إِذا صرعتْه، وَقَالَ: حطَأْتُه حَطْأً بيَدي إِذا فَقَدْتَه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد الحَطِىءُ من النَّاس مَهْمُوز على مِثَال فعِيلٍ هم الرُّذَالَةُ من النَّاس.
وَقَالَ غَيره: حطأ يحْطِىءُ إِذا جَعَس جَعْساً رَهْواً، وَأنْشد:
إحْطِىء فإنّك أنْتَ أقْذَرُ من مَشى
وبذاك سُميتَ الحُطَيْئَة فاذْرُق أَي أسلح.
قَالَ: حَطَأْتُه بيدِي ضرَبتهُ، والحطيْئَةُ من هَذَا تصغيرٌ حَطْأة، وَهِي العزبةُ بِالْأَرْضِ، أقْرَأَنِيهِ الْإِيَادِي.
وَقَالَ قطرب: الحَطْأَةُ ضربةٌ بِالْيَدِ مبسوطةً أيّ الجسدِ أصابَ، والحطيئة مِنْهُ مأخوذٌ، وَقيل الحَطْءُ الدفعُ، وحَطأَت القدرُ بزِبَدِها إِذا دفَعته فرمَتْ بِهِ عِنْد الغليان، وَبِه سمي الحطيْئَةُ.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: حِطْء من تمر وحِثْى من تمر أَي رَفَض قدرُ مَا يحملهُ الإنسانُ فَوق ظَهره.
طحا: قَالَ اللَّيْث: الطَّحْوُ كالدّحو، وَهُوَ البَسْطُ. وَفِيه لُغَتَانِ طحا يَطْحُو وطَحَا يَطْحَى، والطُّحِيُّ من النَّاس الرُّذَّال، وَالْقَوْم يَطْحَى بعضُهُمْ بَعْضاً أَي يَدْفَعُ.
وَقَالَ الليثُ: سألْت أبَا الدقَيْش عَن قَوْله: المُدَومة الطَّواحي، فَقَالَ: هِيَ النُّسور تستدِير حوَالي الْقَتِيل.
قَالَ: وطحا بك همُّك أَي ذهب بك فِي مَذْهَبٍ بعيدٍ، وَهُوَ يَطْحَى بِكَ طَحْواً وطَحْياً.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ُِبَنَاهَا وَالاَْرْضِ وَمَا طَحَاهَا} (الشّمس: 6) .
قَالَ الفرّاء: طحاها ودحاها وَاحِد.
وَقَالَ شمر: {ُِبَنَاهَا وَالاَْرْضِ وَمَا طَحَاهَا} . مَعْنَاهُ وَالله أعلم، ومَنْ دَحَاها. فأبدل الطّاء من الدَّال.
قَالَ: ودحاها وسَّعَها، ونام فلَان فتدحَّى أَي اضْطَجَع فِي سَعَةٍ من الأَرْض.

(5/118)


وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُطَحي اللازق بالأرْض، رَأَيْته مَطْحِيّاً أَي مُتَبَطحاً.
قَالَ: والبَقْلَةُ المُطَحيَةُ النّابِتَةُ على وجْهِ الأَرْض قد افترشَتْها.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا ضربَه حَتَّى يمتدّ من الضّرْبة على الأَرْض قيل طَحَا مِنْهَا وَأنْشد:
من الأَنَسِ الطَّاحِي غَلَيْك العرمْرَم
قَالَ: وَمِنْه قيل طَحَا بِه قلْبُه أيْ ذهب بِهِ فِي كُلّ مَذْهَبٍ، وطَحَى الْبَعِير إِلَى الأَرْض إِمَّا خِلاءً وَإِمَّا هُزالاً، أَي لَزِق بهَا.
وَقد قَالَ شمر: قَالَ الْفراء: شربَ حَتَّى طَحَى يُرِيد مَدَّ رِجْلَيْه.
قَالَ: وقرأْتُه بخطّ الإياديّ طَحَّى مشدَّداً، وَهُوَ أَصَحُّ إِذا مَا دعوْه فِي نصرٍ أَو معروفٍ فَلم يأتِهِمْ.
قَالَ: والمطحي اللازق بِالْأَرْضِ، كل ذَلِك بِالتَّشْدِيدِ.
قلت: كَأَنَّهُ عَارض بِهَذَا الْكَلَام مَا قَالَ الأصمعيُّ فِي طحا بِالتَّخْفِيفِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الطَّاحي الجمعُ الْعَظِيم، والطائح الْهَالِك، والحائط الْبُسْتَان.
قَالَ: وطَحا إِذا مد الشَّيْء، وطَحَا إِذا هَلَك، وحَطَى ألْقى إنْسَانا على وجْهه.
وَقَالَ غَيره: طَحَوْتُه أَي بطحْتُه وصرعْتُه فطَحَّى أَي انبطح انبِطَاحاً، وَفرس طاحٍ مشرِفٌ.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب فِي يَمِين لَهُ: لَا والقمرِ الطَّاحي أَي المرتَفِع، والطَّاحي أَيْضا المنبِسط. أَبُو زيد يُقَال للبيت الْعَظِيم مِظَلَّةٌ مطحوَّة ومطحيَّة وطاحِيَةٌ وَهُوَ الضَّخْمُ.
حوط: قَالَ اللَّيْث: حاط يَحوط حَوْطاً وحياطَة، وَالْحمار يحوطُ عانَته يجمعها، وَالِاسْم الحِيطَة، يُقَال حاطَه حِيطَةً إِذا تعاهده.
قَالَ: واحتاطَتْ الخيلُ وأَحَاطَتْ بفلانٍ إِذا أَحْدَقَتْ بِهِ، وكلُّ من أحرز شَيْئا كلَّه، وَبلغ علمُه أقصاه فقد أحاطَ بِهِ، يُقَال هَذَا أَمْرٌ مَا أحَطْتُ بِهِ عِلْماً.
قَالَ: والحائِط سمي بذلك لِأَنَّهُ يحوط مَا فِيهِ، وَتقول حَوَّطْتُ حَائِطا.
قَالَ: والحُوَّاط عظيمةٌ تُتَّخَذُ للطعام أَو الشَّيْء يُقْلَعُ عَنهُ سَرِيعا، وَأنْشد:
إِنَّا وجدنَا عُرُس الحَنَّاط
مذمومةً لئيمةَ الحُوَّاط
وَجمع الْحَائِط حيطانٌ.
قَالَ ابْن بُزُرْج: يَقُولُونَ للدراهم إِذا نقصت فِي الفرائضِ أَو غَيرهَا: هَلُمَّ حِوَطَها.
قَالَ: والحِوَطُ مَا يتمُّ بِهِ دَرَاهِمه.
وَقَالَ غيرُه: حَاوَطْتُ فلَانا مُحاوطَةً إِذا دَاوَرْتَهُ فِي أمرٍ تريدُه مِنْهُ وَهُوَ يأباه كَأَنَّك تَحُوطُه ويحُوطُك.
وَقَالَ ابْن مقبل:
وحاوطتْهُ حَتَّى ثَنَيْتُ عِنَانَه
على مُدْبر العِلْباءِ رَيَّانَ كَاهِلُه

(5/119)


وأُحِيطَ بفُلانٍ إذَا دنا هلاكُه، فَهُوَ مُحَاطٌ بِهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} (الْكَهْف: 42) أَي أَصَابَهُ مَا أهلكه وأفسده.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَوْطُ خَيْطٌ مفتول من لونين أحمرَ وأسودَ، يُقَال لَهُ البَرِيمُ تشدُّه المرأةُ فِي وَسطهَا لِئَلَّا تصيبَها العينُ فِيهِ خَرَزَاتٌ وهلالٌ من فضَّة يُسمى ذَلِك الهلالُ الحَوْطَ، فَسُمي الْخَيط بِهِ.
قَالَ وَيُقَال للأرْضِ المُحاطِ عَلَيهَا حائِط وحَديقةٌ، فَإِذا لم يُحَطْ عَلَيْهَا فَهِيَ ضاحِيَةٌ.
أَبُو زيد: حُطت قومِي وأحطت الْحَائِط. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حُطْ حُطْ إِذا أَمرته بصلَة الرَّحِم، وحُطْ حُطْ إِذا أَمرته بِأَن يحلي صبيَّه بالحَوْط وَهُوَ هلالٌ من فضَّةٍ.
طوح طيح: قَالَ: الطائحُ الْهَالِك أَو المشرِف على الْهَلَاك. وكلُّ شَيْء ذهب وفَنِي فقد طاح يطِيح طَيْحاً وطَوْحاً لُغَتَانِ.
وَقَالَ طوَّحُوا بفلان إِذا حملوه على رُكوبِ مفازة يخَاف هلاكُه فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يُطَوح الْهَادِي بِهِ تَطْويحا
وَقَالَ ذُو الرمة:
ونَشْوانَ من كأسِ النُّعاس كأنّه
بحبْلين فِي مَشْطُونةٍ يتطَوَّحُ
أَي يجيءُ ويذهبُ فِي الْهَوَاء، يُقَال طوّح الرجل بِثَوْبِهِ إِذا رمَى بِهِ فِي مهلَكة، وطيّح بِهِ مثلُه.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرَّاء قَالَ طيّحتُه وطوّحْتُه، وتضوَّع ريحُه وتضَيَّعَ، قَالَ والمياثِق والموَاثِق، وَيُقَال طاح بِهِ فرَسُه إِذا مضى بِهِ يَطِيحُ طَيْحاً، وَذَلِكَ كذهاب السهْم بِسُرْعَة.
يُقَال أَيْن طُيح بك؟ أَي أَيْن ذُهِب بك؟ قَالَ الجعديُّ يذكر فرسا:
يَطيحُ بالفارس المدجّج ذِي القونَس
حَتَّى يغيب فِي القَتَمِ
أَرَادَ القتَامَ وَهُوَ الغُبَارُ.
وَقَالَ أَبُو سعيدٍ: أَصَابَت النّاسَ طَيْحةٌ أَي أُمورٌ فرَّقت بَينهم؛ وَكَانَ ذَلِك فِي زَمَن الطَّيْحة.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّيْحُ الْهَلَاك.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أطاح مالَه وطوَّحه إِذا أهلكه، وطوّح بالشَّيْء إِذا أَلْقَاهُ فِي الْهَوَاء.
وطح: اللَّيْث: الوطْحُ مَا تعلّق بالأظلاف ومخالب الطّير من العُرّة والطينِ وَأَشْبَاه ذَلِك. والواحدة وَطْحَةٌ بجزم الطَّاء.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: تَوَاطَحَ القومُ تداولوا الشَّرّ بَينهم.
قَالَ الشَّاعِر:
يَتَواطَحُون بِهِ على دينارِ
وَقَالَ أَبُو وجزة:
وَأكْثر مِنْهُم قَائِلا بمقالة
تُفَرج بَين الْعَسْكَر المُتَواطح
وتواطحت الْإِبِل على الحوْض إِذا ازدحمت عَلَيْهِ.

(5/120)


احطوطى: فِي (النَّوَادِر) فلَان مُحْطَوْطٍ على فلَان ومُقْطَوْطٍ ومُكْتَوْتٍ ومحْتَيْطٍ أَي غَضْبَان.

(بَاب الْحَاء وَالدَّال)
(ح د (وايء))
حدا، حدأ، حاد، دحا، داح، وحد، ودح، أحد.
حدا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال حدَا يَحْدُو حَدْواً وحُدَاءً مَمْدودٌ: إِذا رَجَز الْحَادِي خلف الْإِبِل وَيُقَال: حَدَا يَحْدُو حَدْواً إِذا تَبع شَيْئا. وَيُقَال للعَيْر حادِي ثلاثٍ وحادي ثمانٍ إِذا قدَّم من أُتُنه أَمَامه عدّةً.
وَقَالَ ذُو الرمة:
حادي ثمانٍ من الحُقْب السماحيج
وَيُقَال للسَّهْم إِذا مضى: حدا الريشَ وحدا النَّصْلَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُدَيَّا من التَّحَدي، يُقَال فلَان يتحدى فلَانا أَي يُباريه ويُنازِعُه الْغَلَبَة، تَقول أَنا حَدَيَّاك بِهَذَا الأمْرِ أَي أبرُزْ لي وجَارِني، وَأنْشد:
حُدَيَّا الناسِ كلهم جَمِيعًا
لِتَغْلِبَ فِي الْخطوب الأولينا
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَادِي المتعمدُ للشَّيْء، يُقَال حداه وتَحَدَّاه وتحرَّاه بِمَعْنى واحدٍ.
قَالَ وَمِنْه قَول مُجَاهِد: كنت أتحدّى القُرّاء فأقرأ، أَي أتعمَّد، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ مثله. قَالَ: وَهُوَ حُدَيَّا النَّاس أَي يتحدَّاهم ويتعمَّدُهم. وَقَالَ: الهوادِي أَوَائِل كُل شَيْء والحَوَادِي أَوَاخِرُ كل شَيْء.
ورُوِيَ عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: يُقَال لَك هُدَيّا هَذَا وحُدَيَّا هَذَا وَشَرْوَاه وشكْلُه، كُله واحِدٌ.
أَبُو زيد يُقَال لَا يقوم لهَذَا الْأَمر إِلَّا ابْن إِحْدَاهمَا يَقُول إِلَّا كريم الْآبَاء والأمهات من الرِّجَال وَالْإِبِل.
وَمن مهموزه:
حدأ: قَالَ اللَّيْث: الحِدَأةُ طَائِر يطير يصيد الجِرْذَان، وَقَالَ بَعضهم إِنَّه كَانَ يصيد على عهد سليمانَ، وَكَانَ من أصْيَدِ الْجَوَارِح فَانْقَطع عَنهُ الصيدُ لدَعْوَة سُلَيْمَان.
وَقَالَ العجاج فِي صفة الأثافي:
كأنّهن الحِدأُ الأُوِيُّ
وَقَالَ أَبُو بكر بن الأنْبَارِيّ الحِدَأُ جمع الحِدَأَةِ، وَهُوَ طَائِر، وَرُبمَا فتحُوا الْحَاء فَقَالُوا حَدَأَةٌ، وحَدأ، وَالْكَسْر أجْود. وَقَالَ الحَدَأ الفُؤُوس، بِفَتْح الْحَاء.
قَالَ: وحَدِىء بِالْمَكَانِ حَدَأً إِذا لَزِقَ بِهِ وحَدِىء على صَاحبه حَدَأً إِذا عَطَف عَلَيْهِ. وحَدِئت الشَّاة إِذا انْقَطع سلاها فِي بَطنهَا واشتكت عَلَيْهِ حَدَأً، مقصورٌ مَهْمُوز. قَالَ والحَدَأُ مقصورٌ بِفَتْح الْحَاء شبه فأس يُنْقر بِهِ الْحِجَارَة وَهُوَ محدد الطّرف.
وَقَالَ الشماخ يصف الْإِبِل:
يُبَاكِرْن العِضَاهَ بِمُقْنعاتٍ
نواجِذُهن كالحَدَإ الوقِيع
شبّه أنيابَها بالفُؤُوس المحدَّدَة.
وَقَالَ ابْن السّكيت تَقول هِيَ الحِدَأَةُ والجميع الحِدَأُ مكسورُ الأوّل مهموزٌ، وَلَا تَقول حَدَأَةٌ، قَالَ: وَتقول فِي هَذِه

(5/121)


الْكَلِمَة: حِدَأَ حِدَأَ وراءَك بندقَةٌ. قَالَ وَهُوَ ترخيمُ حدأة. قَالَ وَزعم ابنُ الْكَلْبِيّ عَن الشَّرْقِي أَن حِدَأةً، وبندقَةً، قبيلتان من الْيمن، وَالْقَوْل هُوَ الأَوَّل.
وَقَالَ النَّابِغَة:
فأوْرَدَهُنَ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً
يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَأ التُّؤَامِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أهل الْحجاز يُخْطِئُون فَيَقُولُونَ لهَذَا الطائِر: الحُدَيّا، وَهُوَ خَطَأٌ، ويجمعونه الحَدَادِي، وَهُوَ خطأ.
قلتُ ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا بَأْس بقتل الحِدَوْ والأَفْعَوْ للمُحْرِم، وكأنّها لُغَة فِي الحِدَإ، والحُدَيَّا تَصْغِير الحَدَوْ.
قلت وأمّا الفَأس ذاتُ الرأسين فإنّ أَبَا عبيد روى عَن الأصمعيّ وَأبي عُبَيْدَة أَنَّهُمَا قَالَا يُقَال لَهَا الحِدَأة على مثل عِنَبة، وَجَمعهَا حِدَأٌ بِكَسْر الْحَاء، وَأنْشد قَول الشماخ بِالْكَسْرِ كالحِدَإ الوقيع.
قلتُ: ورَوَى ابنُ السّكيت عَن الفرّاء وَابْن الأعرابيّ أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ الحَدَأةُ بِفَتْح الحَاء، والجميع الحَدَأُ، وَأنْشد قولَ الشماخ بِفَتْح الْحَاء، قلت والبصريون على حِدَأةٍ بِالْكَسْرِ فِي الفأس، والكوفيّون على حَدَأَةٍ.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْلهم حِدَأْ حِدَأْ وراءَكِ بُنْدُقة.
قَالَ قَالَ الشَّرْقِي: هُوَ حِدَأُ بنُ نَمِرة بنِ سعد الْعَشِيرَة، وهم بِالْكُوفَةِ. وبندُقَةُ بنُ مطيّة وَهُوَ سفيانُ بنُ سَلهم بن الحكَمِ بن سعد الْعَشِيرَة، وبندقة بِالْيمن، فأغارت حِدَأُ على بندقة فنالتْ مِنْهُم، ثمَّ أغارت بندقَةُ على حِدَأَ فأبادَتْهم.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: حَدِئتُ بِالْمَكَانِ حَدَأً إِذا لزقتَ بِهِ، وحَدئْتُ إِلَيْهِ حَدَأً إِذا لجأتَ إِلَيْهِ، وحدئتُ عَلَيْهِ حَدَأ إِذا حديْتَ عَلَيْهِ ونصرْتَه ومنَعْتَه.
وَقَالَ الْفراء فِي (الْمَقْصُور والممدود) حَدِئَت الْمَرْأَة على وَلَدهَا حَدَأً وحَدِئت الشَّاةُ إِذا انْقَطع سَلاَهَا فِي بطْنها فاشتكت مِنْهُ.
أَبُو عَمْرو: حَدِئتُ عَلَيْهِ وحَدِيتُ بِمَعْنى وَاحِد: إِذا نصرْتَه ومنعْتَه.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي كتاب الغَنَمِ فِيمَا قرأْتُ على الْإِيَادِي لشمر، حَذَيتْ الشَّاة تَحْذَى حُذَاء بِالذَّالِ إِذا انْقَطع سلاها فِي بَطنهَا.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف وَالصَّوَاب مَا قَالَه الْفراء بِالدَّال والهمز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: كَانَت قبيلةٌ تتعمد الْقَبَائِل بِالْقِتَالِ يُقَال لَهَا حِدَأةُ وَكَانَت قد أنزت على النّاس فتحدَّتْها قبيلةٌ يُقَال لَهَا بُنْدُقَةٌ فهزمَتْها فَانْكَسَرت حِدَأَة فَكَانَت العربُ إِذا مر بهَا حِدَئِيٌّ تَقول لَهُ حِدَأْ حِدَأْ وراءَك بندُقة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو وَالْكسَائِيّ فِي بَاب الْهَمْز حَدَأْتُ الشيءَ: صرفْتُه.
حيد: قَالَ اللَّيْث: الحَيْدُ كلُّ حَرْف من الرَّأْس، وَأنْشد:
حابى الحُيُود فَارِضِ الحُنْجُور

(5/122)


قَالَ: والحَيْدُ مَا شَخَص من الجَبَلِ واعوجّ، وكل ضِلَعٍ شديدِ الاعوجاج حَيْد، وَكَذَلِكَ من العظْم، وَجمعه حُيُود.
وَالرجل يَحِيدُ عَن الشَّيْء إِذا صَدّ عَنهُ خوفًا وَأَنفةً، مصدره: حَيْدُودَةً وحَيْداً وحَيَداناً، ومَالَكَ مَحِيدٌ عَن ذَلِك. وحُيُودُ الْبَعِير مثلُ الورِكْين والساقَين.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف فحلاً:
يقودُها ضَافي الحُيُود هَجْرَع
مُعْتَدِل فِي صَبْره هَجَنَّع
أَي يَقُود الإبلَ فحلٌ هَذِه صفته.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي رجل حَيَدَى: الَّذِي يَحيدُ، قَالَ وَأنْشد الْأَصْمَعِي لأمية ابْن أبي عَائِذ:
أَو اصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدحال
الْمَعْنى أَنه يحمي نفسَه من الرُّماة.
قَالَ الْأَصْمَعِي وَلم أسمع فَعَلى إلاّ فِي المؤنّث إِلَّا فِي قَول الْهُذلِيّ:
كَأَنِّي ورَحْلِي إِذا رُعْتُها
على جَمَزَى جَازِىءٍ بالرمال
قَالَ: أنشدنَاهُ أَبُو شعيْبٍ عَن يَعْقُوب زُعْتها وسُمي جَدُّ جريرٍ الخَطَفَى بِبَيْت قَالَه:
وعَنقا بعد الكلال خَطَفى
ويروى خَيْطَفى.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الحَيْدُ شاخص يخرج من الجَبَل فَيَتَقدَّم كأنَّه جنَاح.
وَقَالَ غَيره اشتكت الشَّاة حَيَداً إِذا نشب وَلَدهَا فَلم يسهل مَخْرجه. وَيُقَال: فِي هَذَا العُودِ حُرُودٌ وحُيُود: أَي عُجَرٌ. وَيُقَال قدّ فلَان السَّيْر فَحَرَّدَه وحَيَّده: إِذا جعل فِيهِ حُيوداً. وحُيودُ الْقرن مَا تلوَّى مِنْهُ. وَيُقَال قرن ذُو حِيَدٍ أَي ذُو أَنَابِيبَ مُلْتَوِية. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حَيَدٍ
يَعْنِي وَعِلاً فِي قرنه حيد.
دحا: قَالَ اللَّيْث: المِدْحاةُ خَشَبَة يَدْحَى بهَا الصبيُّ فتمر على وجْه الأَرْض لَا تَأتي على شَيْء إِلَّا أجْحَفته. والمطر الدَّاحي يَدْحَى الحَصَى عَن وَجه الأَرْض. والدَّحْو الْبسط.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح: أَنه قَالَ (اللَّهم دَاحِيَ المُدْحِيَّات) يَعْنِي باسطَ الأرَضينَ السَّبع وموسعَها، وَهِي المدحُوّات بِالْوَاو. والأُدْحيُّ مَبِيضُ النعام. وَهَذَا الْمنزل الَّذِي يُقَال لَهُ البَلْدَةُ فِي السَّمَاء بَين النَّعَائِم وسعدٍ الذّابح يُقَال لَهُ الأُدْحِيّ.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ُ للهِضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعَات: 30) . قَالَ: بَسَطَها.
وَقَالَ شمر أنشدتني أعرابية:
الْحَمد لله الَّذِي أَطَاقَا
بَنَى السَّماءَ فَوْقَنَا طِبَاقَا
ثمَّ دَحَا الأرْضَ فَما أَضَافا
قَالَ شمر: وفَسَّرَتْه فَقَالَت: دحا الله الأرْضَ أوْسَعَها. قَالَت: وَيُقَال: نَام فلانٌ فتدَحَّى أَي اضْطجع فِي سَعَةِ الأَرْض.
وَقَالَ العِتْريفيُّ: تدحَّت الْإِبِل إِذا تَفَحَّصَتْ فِي مَبارِكها السهلةِ حَتَّى تَدَعَ فِيهَا قَرامِيصَ

(5/123)


أمثالَ الحِفَار، وَإِنَّمَا تفعل ذَلِك إِذا سَمِنَتْ. قَالَ: وَقَالَ غَيره: دحَّ فلَان فلَانا يَدُحُّه ودَحَاه يَدْحُوه إِذا دَفعه وَرمى بِهِ، كَمَا يُقَال عَرَاه وعَرَّ إِذا أَتَاهُ.
وَفِي الحَدِيث (يَدْخل البيتَ المعمورَ كُلَّ يومٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دِحيةٌ مَعَ كل دِحية سَبْعُونَ ألف مَلَكٍ) والدحْية رَئِيس الْجُنْدِ، وَبِه سُمي دِحيةُ الكلبيّ.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدحْيَةُ: رئيسُ الْقَوْم وسيدهم بِكَسْر الدَال.
وروى ابْن أبي ذُؤيْب عَن إِسْحَاق بن يزِيد الْهُذلِيّ أَنه سألَ ابنَ المسيَّب عَن الدَّحْوِ بالحجارَةِ فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: هُوَ يَدْحُو الحَجَرَ بِيَدِهِ أَي يَرْمِي بِهِ ويَدْفَعُه. قَالَ: والدَّاحِي الَّذِي يَدْحُو الحَجَرَ بيدِه، وَقد دَحَا بِه يَدحو دَحْوَاً ودَحَى يدحى دَحْياً.
وَقَالَ عبيد يصف غيثاً:
يَنْزِعُ جلْدَ الْحَصَى أَجَشُّ مُبْتَرِكٌ
كأنّه فَاحِصٌ أَو لاعِبٌ داحِ
قَالَ شمر: وَقَالَ غيرُه: المِدْحَاةُ لُعبة يلعَبُ بهَا أهلُ مكَّةَ. قَالَ: وَسمعت الْأَسدي يصفها وَيَقُول: هِيَ المَدَاحِي والمَسَادِي، وَهِي أَحْجَارٌ أمثالٌ القِرَصة وَقد حفروا حَفيرة بِقَدْرِ ذَلِك الحَجَرِ فيتنَحَّون قَلِيلا ثمَّ يَدْحُون بِتِلْكَ الأحجارِ إِلَى تِلْكَ الحَفيرة، فَإِن وَقع فِيهَا الحجرُ فقد قَمَر وَإِلَّا فقد قُمِر. قَالَ: وَهُوَ يَدْحُو ويَسْدُو إِذا دَحَاها على الأَرْض إِلَى الحفرة. قَالَ: والحفرة هِيَ أُدْحِيَّة وَهِي أُفْعُولة من دحَوْتُ وَأنْشد:
وَيَدْحُو بك الدَّاحِي إِلَى كُل سَوْءَةٍ
فياشر من يَدْحُو بأطيش مُدْحَوِي
دوح: قَالَ اللَّيْث: الدَّوْحُ الشجرُ العِظَام، الْوَاحِدَة دَوْحَةٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: بَيت الشَّعر إِذا كَانَ ضَخْماً فَهُوَ دَوْحٌ.
أَبُو عبيد: عَن أَصْحَابه: الدَّوْحَةُ الشجرةُ العظيمةُ.
وَقَالَ أَبُو عُمَر أَخْبرنِي أَبُو عبدِ الله الملهوف عَن ابْن حَمْزَة الصُّوفِي أَنه أنْشد:
لَوْلَا حِبَّتي دَاحَهْ
لَكَانَ الموتُ لي رَاحَهْ
قَالَ: فَقلت لَهُ: مادَاحَهْ؟ فَقَالَ: الدُّنْيَا. قَالَ أَبُو عُمَر: وَهَذَا حرفٌ صَحِيح فِي اللُّغَة لم يكن عِنْد أَحْمد بن يحيى، قَالَ وَقَول الصّبيان الدّاحُ مِنْهُ. وَيُقَال دَاحت الشَّجَرَة تَدُوحُ إِذا عظُمَتْ، فَهِيَ دَائحةٌ وَجَمعهَا دَوائح.
وَقَالَ الرَّاعِي:
غَذاه وحَوْلِيُّ الثرى فَوق مَتْنِه
مَدَبُّ الأَتِي والأَرَاكُ الدوائحُ
وحد أحد: قَالَ اللَّيْث: الوحَدُ المنفرِدُ، رجل وحَدٌ وثور وحَدٌ وتفسيرُ الرّجُلِ الوَحَدِ أنْ لاَ يُعْرَفَ لَهُ أَصْلٌ.
وَقَالَ النَّابِغَة:
بِذِي الجَليل على مُسْتَأْنِسِ وَحَدِ

(5/124)


قَالَ: والوَحْدُ خفيفٌ: حِدَةُ كل شَيْء، يُقَال: وَحَدَ الشَّيْء فَهُوَ يَحِدُ حِدَةً، وكل شيءٍ على حِدَةٍ بائنٌ من آخَرَ، يُقَال ذَاك على حِدَتِه، وهما على حِدَتِهما، وهم على حِدَتِهم. والوَحْدَةُ الِانْفِرَاد.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء رجل وَحِيدٌ وَوَحَدٌ ووَحِدٌ، وَكَذَلِكَ فريد وفَرَدٌ وفَرِدٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ وحيدٌ لَا أَحَدَ مَعَه يُؤْنِسُه، وَقد وَحُدَ يَوْحُدُ وحَادَةً وَوَحْدَةً وَوَحَداً.
قَالَ: والتَوْحيد الإيمانُ بِاللَّه وحْدَهُ لَا شريك لَهُ، وَالله الْوَاحِدُ الْأَحَد ذُو الوحْدانيَّة والتَّوَحُّدِ.
قَالَ: والوَاحِدُ أَوّلُ عَدَدٍ من الحسابِ تَقول: واحدٌ وَاثْنَانِ وثلاثةٌ إِلَى عشرَة فَإِذا زَاد قلت: أَحَدَ عشْرَ يجْرِي أحد فِي الْعدَد مجْرى واحدٍ، وَإِن شِئْت قلت فِي الِابْتِدَاء وَاحِدٌ اثْنَان ثَلَاثَة، وَلَا يُقَال فِي أحد عشر غير أحد والتأنيثُ وَاحِدَةٌ وَإِحْدَى فِي الِابْتِدَاء يجْرِي مَجْرَى وَاحِدِ فِي قَوْلك أحد وَعِشْرُونَ كَمَا يُقالُ واحِدٌ وَعِشْرُونَ.
فأمَّا إِحْدَى عشرَة، فَلَا يُقَال غَيْرُها، فَإِذا حَمَلوا الأحَدَ على الفَاعِل أُجْرِي مُجْرَى الثّاني والثالثِ، وَقَالُوا هُوَ حَادِي عشرتهم وَهَذَا ثَانِي عَشَرَتِهم والليلةُ الْحَادِيَة عشر وَالْيَوْم الْحَادِي عَشَرَ. قَالَ وَهَذَا مقلوبٌ كَمَا يُقَال: جَبَذ وجَذَبَ.
قَالَ: والوُحْدَانُ جمع الوَاحِدِ، وَيُقَال الأُحْدَانُ فِي مَوضِع الوُحْدانِ. وَيُقَال أَحِدْتُ إِلَيْهِ أَي عَهِدتُ إِلَيْهِ وَأنْشد الْفراء:
بانَ الأحِبَّةُ بالأَحْدِ الَّذِي أَحِدُوا
يُرِيد بالعهْدِ الَّذِي عهدوا. وَتقول: هُوَ أَحَدُهُم، وَهِي إحْداهُنّ، فَإِن كَانَت امرأةٌ مَعَ رجال لم يستقم أَن تَقول هِيَ إحداهُم وَلَا أحَدُهم، إلاّ أَن يُقَالَ هِيَ كأحَدِهم أَو هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْهُم.
قَالَ: وتَقُول: الجلوسُ والقعودُ واحدٌ وأصحابي وأصحابُك واحِدٌ. قَالَ: والمَوْحَدُ كالمَثْنَى والمَثْلَثِ. تَقول جَاءُوا مَثْنَى مَثْنَى. ومَوْحَدَ ومَوْحَد. وَكَذَلِكَ جاءُوا ثُلاَثَ وثُنَاءَ وأُحَاد. قَالَ: والمِيحَادُ كالمِعْشَارِ، وَهُوَ جُزْءٌ واحدٌ كَمَا أَن المِعْشَارَ عُشْرٌ. والمَوَاحِيدُ جَمَاعةُ الميحادِ. لَو رأيتُ أَكَمَاتٍ منفرِدَاتٍ كلُّ واحدةٍ بَائِنَةٌ من الأُخْرى كَانَت مِيحاداً أَو مواحيدَ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنَّه قَالَ فِي قَوْله:
لقد بَهَرْتَ فَمَا تَخْفى على أَحَد
إِلَّا على أحدٍ لَا يعرف القَمَرَا
فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم أَقَامَ أَحَدَ مُقَام مَا أَوْ شَيْء، وَلَيْسَ أحدٌ من الإنْس وَلَا من الْجنّ وَلَا يتكلَّم بِأَحَدٍ إلاّ فِي قَوْلك: مَا رأيتُ أحَداً قَالَ أَو تكلّم بِذَاكَ من الجنّ والإنْس والمَلاَئِكَةِ، فَإِذا كَانَ النَّفْسُ فِي غَيرهم قلتَ مَا رأيْتُ شَيْئا يَعْدِلُ هَذَا، وَمَا رَأَيْت مَا يَعْدل هَذَا، ثمَّ تُدْخِلُ العربُ شَيْئا على أحَدٍ، وأَحَداً على شَيْء، قَالَ الله تَعَالَى {حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المُمتَحنَة: 11) الْآيَة وَقرأَهَا ابْن مَسْعُود (وَإِن فاتكم أحد من أزواجكم) . وَقَالَ:

(5/125)


وَقَالَت فَلَو شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُه
سِوَاكَ ولكِنْ لم نَجدْ لَك مَدْفعا
أقامَ شَيْئاً مُقَامَ أحَدٍ، أَي لَيْسَ أحَدٌ معدولاً بك.
وَتقول: ذَاك أَمْرٌ لَسْتُ فِيهِ بأَوْحَدَ: لست على حِدةٍ. قَالَ: والأَحَدُ أصلُها الْوَاو. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئل عَن الْآحَاد: أهِي جمع الْأَحَد؟ فَقَالَ: معاذَ الله لَيْسَ للأَحَدِ جمعٌ؛ وَلَكِن إِن جعلْتَه جَمْعَ الوَاحِدِ فَهُوَ محتَملٌ، مثل شَاهد وأَشْهَاد، قَالَ وَلَيْسَ للْوَاحِد تثنيةٌ وَلَا للاثنين واحدٌ من جِنْسِه.
ألف أحد مقطوعةٌ، وَكَذَلِكَ إِحْدَى، وتصغير أحَدِ أُحَيْد وتصغير إِحْدَى أُحَيْدَى، وَثُبُوت الأَلِفِ فِي أَحَدٍ وإِحْدَى دليلٌ على أَنَّهَا مَقْطُوعَة وأَمَّا الأَلِفَ اثْنَي واثنَتَي فَألِفُ وَصْلٍ. وتصغيرُ اثْنَي ثُنَيَّا، وتصغير اثنَتَيْ ثُنَيّتَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الأَحَدُ أَصله الوَحَدُ. وَقَالَ غَيره: الفرقُ بَين الوَاحدِ والأحدِ أَنَّ الأَحدَ بُنِي لنَفْي مَا يُذكَرُ مَعَه من العَدَد، والواحدُ اسمٌ لمُفْتَتَح العَدَدِ، وأَحَدٌ يصلح فِي الْكَلَام فِي موضِعِ الجَحْدِ، وواحِدٌ فِي موضِعِ الإثْبَاتِ. تَقول مَا أَتَانِي مِنْهُم أحدٌ وَجَاءَنِي مِنْهُم وَاحدٌ. وَلا يقالُ جاءَني منْهُمْ أحدٌ، لِأَنَّك إِذا قلت: مَا أَتَانِي مِنْهُم أَحَدٌ فَمَعْنَاه، لَا وَاحِدَ أَتَانِي وَلا اثْنَانِ، وَإِذا قلت جَاءَنِي مِنْهُم وَاحِدٌ فَمَعْنَاه أَنه لم يأتني مِنْهُم اثْنَانِ، فَهَذَا أحَدَ الأَحَدِ مَا لم يُضَفْ، فَإِذا أُضِيفَ قَرُبَ من معنى الوَاحِد، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول: قَالَ أَحَدُ الثلاثَةِ كَذَا وَكَذَا، فَأَنت تُرِيدُ وَاحِداً من الثَّلاثة.
والواحِدُ بُنِيَ على انقطاعِ النَّظِيرَ وعَوَزِ المثْلِ، والوحِيدُ بني على الوَحْدَةِ والانفرادِ عَن الْأَصْحَاب، من طَرِيق بَيْنُونَتِه عَنْهم. وَقَوْلهمْ لست فِي هَذَا الْأَمر بأوْحَدَ أَي لَسْتُ بعادم لي فِيهِ مِثْلاً وعِدْلاً وَتقول: بقيتُ وحَيداً فَرِيداً حَرِيداً بمعنَى وَاحِدٍ، وَلَا يُقَال بقيتُ أَوْحَدَ وَأَنت تُرِيدُ فَرْداً. وَكَلَام الْعَرَب يُجْرَى على مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مأخوذاً عَنْهُم لَا يُعْدَى بِهِ مَوْضِعُه وَلَا يَجُوزُ أَن يَتَكَلم فِيهِ إِلَّا أهلُ المعرفةِ الثاقِبةِ بِهِ الّذين رسخُوا فِيهِ وأَخَذُوه عَن العربِ أَو عَمَّن أَخَذَه عَنْهُم من الأَئِمّة المأمونِين وَذَوي التَّمْيِيز المبرزين.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال فلَان إحْدَى الأَحَدِ كَمَا يُقَال واحدٌ لَا مِثْلَ لَهُ. يُقَال: هُوَ إحدَى الإحَدِ وأَوْحَدُ الأَحَدِين ووَاحِدُ الآحَادِ، قَالَ: ووَاحِدٌ وَوَحِدٌ وأَحَدٌ بِمَعْنى وَقَالَ:
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَاحِدَيْنِ عَلَوْتُه
بِذِي الْكَفّ إِنِّي لِلْكُماةِ ضَرُوبُ
وسُئِلَ سُفيانُ بن عُيَيْنَة فَقَالَ: ذَاك أَحَدُ الأَحَدِين.
قَالَ وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هَذَا أَبْلَغُ الْمَدْح.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ الْعَرَب تَقول: مَا جَاءني مِنْ أَحَدٍ وَلَا يقالُ قدْ جَاءَنِي من أَحَدٍ، وَلَا يُقَال إِذا قيلَ لَك مَا يَقُول ذَلِك أَحَدٌ بلَى يَقُول ذَلِك أَحَدٌ.

(5/126)


قَالَ وَيُقَال: مَا فِي الدّارِ عَرِيبٌ، وَلَا يُقَال: بَلَى فِيهَا عَرِيبٌ.
وروى أَبُو طَالب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: أَحَدٌ يكون للجَميع ولِلْوَاحِد فِي النّفي، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {ُ)) ِالْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ} (الحَاقَّة: 47) جعل أَحَداً فِي موضِع جَمْع، وَكَذَلِكَ قَوْله {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البَقَرة: 285) فَهَذَا جمْع لأنّ (بَيْن) يَقَعُ إِلَّا على اثْنَيْنِ فَمَا زَاد. وَقَالَ وَالْعرب تَقول: أَنْتُم حيٌّ وَاحِد وحيٌّ واحِدُونَ، قَالَ وموضِعُ واحدينَ وَاحِدٌ وَقَالَ الْكُمَيْت:
فَرَدَّ قَوَاصِيَ الأَحْيَاء منْهُمْ
فقد أَضْحَوْا كحَي وَاحِدِينا
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرَاء أَنه حكى عَن بعض الْأَعْرَاب: معي عشرةٌ فَاحْدُهُنَّ لِيَه، أَي صيرْهن لي أحَدَ عَشَرَ، ونحوَ ذَلِك قَالَ ابنُ السّكيت. قلت: جعل قَوْله فاحْدُهن ليَهْ من الحَادي لَا من أَحَدٍ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لَا يَقُوم لهَذَا الْأَمر إِلَّا ابْن إِحْدَاهمَا أَي الكريمُ من الرجالِ، وَفِي (النَّوَادِر) : لَا يستطيعها إِلَّا ابنُ إحْدَاتِها، يَعْنِي إِلَّا ابنُ وَاحدَةٍ مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا الحادِيَ عَشَرَ، وَهَذَا الثَّانِي عَشَرَ وَكَذَلِكَ الثالثَ عَشَرَ إِلَى الْعشْرين، مَفْتُوح كُله وَفِي الْمُؤَنَّث هَذِه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرَة إِلَى الْعشْرين، تُدخِلُ الهاءَ فيهمَا جَمِيعًا. قلتُ: وَمَا ذكرت فِي هَذَا البابِ من الألفاظِ النَّادرة فِي الأَحَدِ والوَاحِد وإحْدَى والحَادي وغيرِها فَإِنَّهُ يُجْرَى على مَا جاءَ عَن الْعَرَب وَلَا يُعدى بِهِ مَا حُكِيَ عَنْهُم لقياس مُتَوَهَّمٍ اطّرادُه؛ فإنّ فِي كلامِ العربِ النوادرَ لَا تنقاس، وَإِنَّمَا يحفَظُها أهل الْمعرفَة المعنّيون بهَا وَلَا يقيسون عَلَيْهَا.
وأمّا اسْم الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ لَا يُوصف شَيْء بالأحَدِيَّة غيرُه، لَا يُقَال رَجُلٌ أَحَدٌ وَلَا دِرْهَمٌ أَحَدٌ، كَمَا يُقَال رجل وَحَدٌ أَي فَرْدٌ، لأنّ أحَداً صفةٌ من صِفَات الله الَّتِي اسْتَأْثر بهَا، فَلَا يَشْركُه فِيهَا شيءٌ، وَلَيْسَ كَقَوْلِك: الله واحدٌ، وَهَذَا شَيْء واحدٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقَال شَيْء أحَدٌ وَإِن كَانَ بعضُ اللغويين قَالَ إِن الأَصْل فِي الأَحَدِ وَحَدٌ.
وَقَالَ اللحياني قَالَ الكسائيُّ: مَا أَنْت إِلَّا من الأَحَدِ أَي من النَّاس وَأنْشد:
وَلَيْسَ يَطْلُبُني فِي أَمْرٍ غانيه
إِلَّا كعَمْرُو مَا عمرٌ وَمن الأَحَدِ
قَالَ وَلَو قلت: مَا هُوَ مِنَ الْإِنْسَان، تُرِيدُ من النَّاس أصَبْتَ.
قَالَ وَقَوله: {ُِوَأَخَّرَتْ ياأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} (الانفِطار: 6) قيل إِنَّه بِمَعْنى النَّاس، وَأما قولُ الله جلّ وعزّ: {} (الْإِخْلَاص: 1، 2) فإنّ أكثَرَ القُرّاءِ على تَنْوين {أَحَدٌ وَقد قُرِىءَ بترك التَّنْوِين، وقُرىء بِإِسْكَان الدَّال (قل هُوَ الله أحَدْ) وأجودها الرَّفْعُ مَعَ إِثْبَات التَّنْوِين فِي الإدراج، وَإِنَّمَا كُسر التنوينُ لسكونه وَسُكُون اللاّم من الله، وَمَن حذف التَّنْوِين فلالْتقاء الساكنين أَيْضا.

(5/127)


وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} فَهُوَ كِنَايَة عَن ذكر الله الْمَعْلُوم قبل نزُول الْقُرْآن، وَالْمعْنَى الَّذِي سَأَلْتُم تَبْيينَ نَسبه هُوَ الله، وَقَوله {أَحَدٌ مَرْفُوع على معنى: هُوَ الله هُوَ أحد.
ورُوِي فِي التَّفْسِير أَن الْمُشْركين قَالُوا للنَّبِي انسُب لنا رَبك فَأنْزل الله:} قلت وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أنّ لله نسبا انتسب إِلَيْهِ وَلَكِن مَعْنَاهُ نفي النّسَب عَن الله الواحِدِ لِأَن الأَنْسَابَ إِنَّمَا تكون للمخلوقين، وَالله صفته أَنه لم يَلِدْ ولدا يُنْسَب إِلَيْهِ وَلم يلده أحد، فينسبَ إِلَى وَالِدهِ وَلم يكن لَهُ مِثْل، وَلَا يكون فيُشبه بِهِ، تَعَالَى الله عَن افتراء المفترين وتقدّس عَن إلحاد الْمُشْركين وسبحانَه عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوّاً كَبِيرا.
قلت والواحِدُ فِي صفة الله مَعْنَاهُ أَنه لَا ثَانِي لَهُ، وَيجوز أَن يُنْعَتَ الشَّيْء بأَنه وَاحِدٌ فأمَّا أَحَدٌ فَلَا يوصَفُ بِهِ غيرُ الله لِخُلوصِ هَذَا الاسمِ الشريف لَهُ جلّ ثَنَاؤُه.
وَيَقُول أحَّدْتُ الله ووحَّدْتُه وَهُوَ الأَحَدُ الوَاحِدُ، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُ قَالَ لرجل ذكر الله وَأَوْمَأَ بأصبعَيْه فَقَالَ لَهُ: أَحد أَحدْ، مَعْنَاهُ أَشِرْ بإصبَع وَاحِدٍ وَأما قَول النَّاس توحَّد الله بالأمْرِ وتفرّد فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي الْعَرَبيَّة فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَن ألْفِظَ بلفْظٍ فِي صفة الله لم يصِفْ بِهِ نَفْسه فِي التَّنْزِيل أَو فِي السّنة وَلم أجد المتوحد وَلَا المتفرد فِي صِفَاته، وَإِنَّمَا تَنْتَهي فِي صِفَات الله إِلَى مَا وصف بِهِ نَفسه، وَلَا تجاوزه إِلَى غَيره لجوازه فِي الْعَرَبيَّة تَعَالَى الله عَن التَّمْثِيل والتشبيه علوّاً كَبِيرا.
اللحياني يُقَال: وُحِد فلَان يُوحَد أَي بَقِي وحْدَه، وَيُقَال أوحد الله جَانِبه أَي بَقي وَحْدَهُ، ويقالُ أَوْحَدَنِي فلانٌ للأعداء. قَالَ وَوحِد فلَان ووَحُد وفَرُد وفَرِد فَقِهَ وفَقُهَ وسَفُه وسَفِهَ وسَقُمَ وسَقِم وفَرُع وفَرِع وحَرُص وحَرِص.
وَقَالَ اللَّيْثُ الوَحْدُ فِي كل شَيْء مَنْصُوب لِأَنَّهُ جرى مَجْرى الْمصدر خَارِجا من الْوَصْف لَيْسَ بنعْتٍ فيتبعَ الِاسْم وَلَا بِخَبَر فيقصدَ إِلَيْهِ فَكَانَ النصبُ أولَى بِهِ إِلَّا أَن الْعَرَب قد أضافَتْ إِلَيْهِ فَقَالَت هُوَ نَسِيجُ وَحْده وهما نَسِيجَا وحْدِهِما، وهم نُسجَاء وَحْدِهم، وَهِي نسيجَة وَحْدِها، وهنّ نسائج وحْدِهِنّ؛ وَهُوَ الرجل المُصيب الرأْي. قَالَ وَكَذَلِكَ قَرِيعُ وحْدِه وَكَذَلِكَ صَرْفه وَهُوَ الَّذِي لَا يُقَارعه فِي الفَضْلِ أحَدُ.
قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وحْدَهُ مَنْصُوب فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب إِلَّا فِي ثلاثةِ مَوَاضِع: يُقَال لَا إلاه إلاّ الله وحدَه ومررت بزيد وحْدَه وبالقوم وحْدَهم. قَالَ وَفِي نصب وحْدَه ثَلَاثَة أَقْوَال قَالَ جماعةٌ من الْبَصرِيين هُوَ مَنْصُوبٌ على الْحَال. وَقَالَ يونُس (وحدَهُ) هُوَ بِمَنْزِلَة عِنْدَهُ. وَقَالَ هِشَام: وحدَهُ هُوَ مَنْصُوب على المصْدَر. وَحكى وَحَدَ يَحِد، صَدَّرَ وحْدَه عَن هَذَا الْفِعْل. قَالَ هِشَام وَالْفراء: نَسِيجُ وحْدِه وعُيَيْر وحْدِه ووَاحِد أُمه نكرات. الدَّلِيل على هَذَا تَقول ربّ نَسِيج وحْدِه قد رأيتُ، وربّ وَاحِدِ أمّه قد أسرْت وَقَالَ حَاتِم:

(5/128)


أماوِيَّ إِنِّي رُبّ واحِدِ أُمه
أخَذْتُ وَلَا قتلٌ عَلَيْهِ وَلَا أَسْرُ
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَول عَائِشَة ووصفِها عُمَرَ: كَانَ وَالله أحْوَزِياً نسيجَ وحْدِه تَعْنِي أَنه لَيْسَ شِبْهٌ فِي رَأْيه وَجَمِيع أَمْرِه وَأنْشد:
جَاءَت بِهِ مُعْتَجِراً بِبُرده
سفواءُ تَخْدِي بنسيج وحْدِه
قَالَ: وَالْعرب تَنْصِبُ وحْدَه فِي الْكَلَام كُله، وَلَا ترفعه وَلَا تَخْفِضُه إلاّ فِي ثَلَاثَة أحرف نَسِيج وحْدِه وعيير وَحده وجُحَيْشُ وحْدِه. قَالَ وَقَالَ البصريون: إنّما نصبوا وحدَه على مَذْهَب الْمصدر أَي توحَّد وَحده وَقَالَ أصحابُنَا: إنّما النصب على مَذْهَبِ الصّفة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقد يدْخل فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. وَقَالَ شمر أمَّا نَسِيج وَحده فمحمودٌ وَأما جُحيش وحْدِه وعُيَيْر وَحده فموضوعان مَوْضِعَ الذَّمّ وهما اللَّذَان لَا يشاوران أحدا، وَلَا يُخَالِطَانِ النَّاس، وهما مَعَ ذَلِك ذَوا مَهانَةٍ وضَعْفٍ. وَقَالَ غَيره: مَعْنَى قَوْلِهم: هُوَ نَسيجُ وحْدِه أَي لَا ثانِيَ لَهُ، وأصْلُه الثوْبُ الّذي لَا يُسْدَى على سَدَاه غيرُه من الثِّيَاب لدقّته.
وَيُقَال فِي جمع الوَاحِد أُحْدَانٌ وَالْأَصْل وُحْدان فقلبت الْوَاو همزَة لانضمامها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: نَسِيج وَحده وعُيير وحدِه ورجُلُ وحْدِه، وَيُقَال جلس على وَحْدِه وَجلسَ وَحْدَهُ، وجلسا على وَحْدِهما، وَقمت من على الوسادة.
ابْن السّكيت تَقول هَذَا رَجُل لَا واحِدَ لَهُ كَمَا تَقول هُوَ نسيجُ وحْدِه، والوحِيدَان ماءان فِي بِلَاد قَيْسٍ مَعْرُوفَانِ. وآلُ الوَحِيدِ حَيٌّ من بَنِي عامِرٍ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال اقتضيْتُ كلّ دِرْهَم على وَحْدِه وعَلى حِدَتِه وَتقول فعل ذَلِك من ذَات حِدَته، وَمن ذَات نَفْسِه، وَمن ذَاتِ رَأْيه، وعَلى ذَات حِدته وَمن ذِي حِدَته بِمَعْنى وَاحِد.
ودح: قَالَ ابْن السّكيت: أَوْدَحَ الرجلُ إِذا أقرَّ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ أَبُو زيد: الإيداحُ الإقرارُ بالذُّل والانقيادُ لمن يقودُه وَأنْشد:
وأكوى على قرنيه بعد خِصائه
بناري وَقد يكوى العَتُود فَيُودِح
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي: إِذا حَسَنَتْ حَالُ الْإِبِل السمَن قيل أوْدَحَتْ، عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال مَا أغْنى عني وَدَحَةً وَلَا وَتَحَةً وَلَا وَدْحَة وَلَا وشمة وَلَا رشمة أَي مَا أغْنى عني شَيْئا.

(بَاب الْحَاء وَالتَّاء)
(ح ت (وايء))
حَتَّى، حات، تاح، وتح، تحى، و (التاحي) .
حَتَّى: مُشَدّدة التَّاء تكْتب بِالْيَاءِ وَلَا تُمَالُ فِي اللَّفظ، وَتَكون غَايَة مَعْنَاهَا معنى (إلَى) مَعَ الْأَسْمَاء، وَإِذا كَانَت مَعَ الْأَفْعَال فمعناها (إلَى أَنْ) وَكذَلك نصبوا بهَا المستقبلَ.
وَقَالَ أَبُو زيد: سَمِعت الْعَرَب تَقول: جَلَست عِنْده عتّى اللَّيْل يُرِيدُونَ حَتَّى اللَّيْل فيقْلِبُون الْحَاء عَيْناً. 

4

: تهذيب اللغة
المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)
 وَقَالَ اللَّيْث: الْحَتْوُ كفُّك هُدْبَ الكساءِ مُلْزَقاً بِهِ، تَقول حَتَوْتُه أَحْتُوهُ حَتْواً وَفِي لُغَة حتأته حتأ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: أحتأتُ الثَّوْبَ إِذا فتلْتَه فَتْلَ الأكْسِيَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأَعرابي حَتَيْتُ الثَّوْب وأحْتيته حتأته إِذا خطته.
وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شمر قَالَ: حاشيةُ الثَّوْب طُرَّتُه مَعَ الطول وصِنْفَتُه ناحيته الَّتِي تلِي الهُدْبَ.
يُقَال أحْتِ صِنْفَة هَذَا الكساءِ، وَهُوَ أَن يُفْتَل كَمَا يفتل الكساءُ القُومَسِيّ.
قَالَ: والْحَتيُ: الفتل.
أَبُو عَمْرو: حتأتُ المرأةَ حَتْأً وخَجَأتُها إِذا نكحتَها.
قَالَ: وحَتَأْتُه حتْأ إِذا ضربتَه، وَهُوَ الحُتُوءُ بِالْهَمْز.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَتِيُّ سَوِيقُ المقلِ.
وَفِي (النَّوَادِر) الحتي: الدمن، والحتيُ فِي الْغَزل والحتيّ ثُفْل التَّمْر وقشوره.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحاتىء: الْكثير الشَّرَاب.
حوت: قَالَ اللَّيْث: الحُوت معروفُ وَجمعه الحيتانُ، وَهُوَ السّمك.
قَالَ الله فِي قصَّة يُونُس: {ُ) ِأَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} (الصَّافات: 142) . قَالَ: والحَوْتُ والحَوَتَانُ حَوَمَان الطَّائِر حول المَاء، وحَومَانُ الوحشيَّة حول شَيْء وَقَالَ طرفَة:
مَا كنتُ مَجدُوداً إِذا غَدَوْت
وَمَا رَأَيْت مثل مَا لقِيت
لِطائر ظَلَّ بِنَا يحوتُ
ينصبُّ فِي اللَّوْح فَمَا يَفُوت
يكَاد من رهبتنا يَمُوت
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المحاوتَةُ المراوغة يُقَال: هُوَ يحاوتني يراوغُني. قَالَ: والحائت الْكثير العذل.
وتح: قَالَ اللَّيْث: الوَتْحُ: القليلُ من كل شَيْء، يُقَال: أَعْطَاني عَطاءً وَتْحاً، وَقد وَتَحَ عطاءه ووتُح عطاؤُه وَتَاحَةً وتِحَةً.
أَبُو عبيد قَلِيل وَتْحٌ وَوَعْرٌ وَهِي الوُتوحَةُ والوعورَةُ، وَقَالَ اللّحياني قليلٌ وَتيحٌ، وَقَالَ غيرُه: أَوْتَحَ فلَان عطاءَه أَي أَقَلَّه.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
دَرَادِقاً وَهِي الشيوخُ قُرَّعاً
فَرْقَمَهم عَيْش خبيثٌ أوتحا
أَي يَأْكُلُون أكْلَ الْكِبَار وهم صِغَارٌ قُرَّحاً: أَي قد انْتهى أسنَانُهم، الدّرادِقُ: الصغار، قَرْقَمهم: أَسَاءَ غذاءهم. قَالَ وأوتَحَ جَهَدَهم، وَبلغ مِنْهُ، وأوتَختَ منّي بلغت منّي أبدل الْخَاء من الْحَاء.
تيح: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: وَقع فلانٌ فِي مهلَكَةٍ فتاح لَهُ رجلٌ فأنقذه، وأتاح الله لَهُ منْ أنْقذه، وَيُقَال أُتيح لفُلَان الشيءُ أَي هُيىء لَهُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أتاح الله لَهُ كَذَا وَكَذَا أَي قَدَّره وأتيح لَهُ الشَّيْء أَي قدر قَالَ الْهُذلِيّ:

(5/130)


أتيح لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشيفٍ
إِذا سامت على المَلَقَاتِ ساما
أَي قُدر لَهَا. وَقَالَ اللَّيْث: رجل مِتْيَحٌ لَا يزَال يَقع فِي بليَّة. وقلبٌ مِتْيَحٌ. وَأنْشد للطرماح:
أَفِي أَثَر الأظْعَانِ عينُك تلمح
نعم لاَت هَنّا إنّ قَلْبك مِتْيَحُ
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: يُقَال رجل مِعَنٌّ مِتْيَحٌ وَهُوَ الَّذِي يعرض فِي كل شَيْء وَيدخل فِيمَا لَا يعنيه. قَالَ: وَهُوَ تَفْسِير قَوْلهم بالفارسيّة اندروبست.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ المِتْيَحُ والنفيحُ والمنفح بِالْحَاء الدَّاخِل مَعَ الْقَوْم لَيْسَ شأنُه شأنَهُم.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: التَّيحان والتَّيَّحان الطَّوِيل وَقَالَ غَيره رجل تيّحان يتَعَرَّض لكل مكرمَة وَأمر سديد وَقَالَ العجاج:
لقد مُنُوا بَتَيحَانٍ ساطى
وَقَالَ الآخر:
أُقَومُ دَرْءَ خَصْمٍ تَيحَانٍ
وفَرَس تَيحَانٌ شديدُ الجَرْي، وَكَذَلِكَ فرس تَيَّاحٌ أَي جواد، وَيُقَال: تاح لِفلان كَذَا وَكَذَا أَي تَقَدّر وَمِنْه قَول الْأَغْلَب:
تَاحَ لَهَا بعدَك حِنْزَابٌ وَأَي
وَقَالَ الأصمعيّ: الحيُّوتُ: الذّكر من الحيّات قلت: وَالتَّاء فِي الحيّوت زَائِدَة لِأَن أَصله الحيَّة.
تحى: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّاحي الْبُسْتَان بَانَ وَأَبُو تَحْيَاء كنية رجل كَأَنَّهُ من حيَيْت تحيا وتحياء التَّاء لَيست بأصليّة.

(بَاب الْحَاء والظاء)
(ح ظ (وايء))
حظى، الحظوة، والحظي.
اسْتعْمل من وجوهه:
(حظا) : قَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّه لذُو حُظْوَةٍ فِيهِنَّ وعندهنّ، وَلَا يُقَال ذَلِك إِلَّا فِيمَا بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء.
وَيُقَال إِنَّه لذُو حَظَ فِي الْعلم.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِظْوَةُ المكانة والمنزلة للرجل من ذِي سُلْطَان وَنَحْوه، تَقول حظِي عِنْده يحظى حِظْوة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أحظيتُ فلَانا على فلَان من الحُظوة وَالتفضيلِ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: وَاحِد الأحَاظي أحظَاءُ، وَوَاحِد الأحظاء حِظًى مَنْقُوص.
قَالَ: وأصل الحِظَى الحَظُّ.
ابْن الْأَنْبَارِي: الحِظَى الحُظْوَة وَجمع الحِظَى أَحْظٍ ثمَّ أَحاظ.
قَالَ: وَيُقَال للسَّروَة حَظوة وَثَلَاث حِظَاءٍ.
وَقَالَ غَيره: هِيَ السرْوة بِكَسْر السِّين.
وَمن أَمْثالهم إِحْدَى حُظَيّاتِ لقمانَ تَصْغِير حَظوَات واحدتها حَظْوَة. وَمعنى الْمثل: إِحْدَى دواهِيه ومَرامِيه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا عُرِفَ الرجلُ بالشّرَارة ثمَّ جَاءَت مِنْهُ هَنَةٌ قيل إِحْدَى حُظَيّاتِ لُقْمَان، أَي إِنَّهَا من فَعَلاته. وأصل الحُظَيّات المرَامِي، واحدتها حُظَيَّة

(5/131)


وتكبيرها حُظْوَة، وَهِي الَّتِي لَا نَصْل لَهَا من المرامي، وَقَالَ الْكُمَيْت.
أراهطَ امرىء الْقَيْس اعْبَئُوا حَظَوَاتكم
لحيّ سوانا قَبْل قاصمة الصُّلْبِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحَظَا الْقمل، واحدتها حَظَاةٌ. وَمن أمثالهم: إلاّ حَظِيَّة فَلَا أَلِيّة، وَهِي من أمْثال النِّسَاء، تَقول إِن لم أحْظَ عِنْد زَوْجي فَلَا أَلُو فِيمَا يُحْظِيني عِنْده بانتهائي إِلَى مَا يهواه. وَيُقَال هِيَ الحِظوة والحِظَةُ.
وَقَالَ الراجز:
هَل هِيَ إِلَّا حِظَّةٌ أَو تطليقْ
أَو صلف من دُون ذَاك تعليقْ
والحَظْوَةُ من المرامي مَا لاقُذَذَ لَهُ وَجَمعهَا حَظَوات.

(بَاب الْحَاء والذال)
(ح ذ (وايء))
حذا، حاذ، ذاح، وذح، ذحا.
حذا: قَالَ اللَّيْث: حَذَوْتُ لَهُ نعلا: إِذا قطعْتَها على مثالٍ. وَتقول: فلَان يحْتَذِي على مِثَال فُلان إِذا اقْتدى بِهِ فِي أُمُوره. وَيُقَال: حاذَيْتُ موضِعاً إِذا صرتَ بحذائه.
أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: الحِذَاء النَّعْل، وَيُقَال: هُوَ جيّد الحذاءِ؛ أَي: جيد القَدّ. وَيُقَال: أحذاه يُحذيه إِحذاءً وحَذِيَّةً وحُذْيَاً، مَقْصُورَة وحِذْوَةً: إِذا أعطَاهُ.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الهذليّ:
وقائلةٍ مَا كَانَ حِذْوَةَ بَعْلِها
غَدَا تَئِذٍ، مِنْ شَاءِ قِرْدٍ وكَاهِلِ
وَيُقَال: حَذَى يَده فَهُوَ يَحْذِيها حَذْياً: إِذا حزَّها. وحذا لَهُ نَعْلاً، وحَذَاه نَعْلاً إِذا حملَه على نَعْل.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: حذَانِي فلَان نَعْلاً وَلَا تقل أَحْذَاني.
وَأنْشد قَول الْهُذلِيّ:
حَذَاني بعدَ مَا خَذِمَتْ نِعَالي
دُبيَّةُ إنّه نِعْمَ الخَلِيلُ
بِمَوْرِكَتَيْنِ مِنْ صَلَوَيْ مِشَبَ
من الثيران عَقْدُهُما جَمِيلُ
قَالَ وَيُقَال: أحذاني من الحُذْيَا أَي أَعْطَانِي ممّا أصَاب شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو نصر عَنهُ: هَذَا البن يحذِي اللِّسَان حَذْياً؛ أَي: يقرُض. وَفُلَان بحذاء فلانٍ. وَيُقَال: تَحَذَّ بحذاءِ هَذِه الشجرةِ؛ أَي: صِرْ بحِذَائِها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أَعْطيته حِذْيةً من لحم وحُذَّةً وفِلْذَةً، كل هَذَا إِذا قُطِعَ طولا.
وَقَول الْكُمَيْت:
مَذَانِبُ لَا تَستَنْبِتُ العُودَ فِي الثرَّى
وَلَا يتَحَاذَى الحائِمُونَ فِضَالها
يُرِيد بالمَذَانِب مذانب الفِتن أَي: هَذِه المذانِبُ لَا تُنبت كمذَانِب الرياض وَلَا يقتسم السَّفْرُ فِيهَا المَاء، وَلكنهَا مَذانِبُ شَر وفتنةٍ، وَيُقَال: تحاذى القومُ الماءَ فِيمَا بَينهم إِذا اقتسموه مثل التَّصَافُن.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال أتيتُ على أَرض قد حُذِيَ بَقْلُها على أَفْوَاه غَنَمِها، فَإِذا حُذِي

(5/132)


على أفواهِها فقد شبِعت مِنْهُ مَا شَاءَت، وَهُوَ أَن يكون حَذْوَ أفواهِها لَا يجاوزها.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: حَذَوْتُ التُّرَابَ فِي وُجُوههم وحثَوْته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَبَدَّ يدَه على الأَرْض عِنْد انكشاف الْمُسلمين يَوْم حُنَيْن فأخَذَ مِنْهَا قَبْضَة من تُرَاب فَحَذَا بهَا فِي وُجُوههم، فَمَا زَالَ حَدُّهم كليلاً، أَي حثا.
وَقَالَ اللحيانيّ: أحذيت الرجل طعنةً، أَي: طعنته وأحذاه نعلا أَي وَهبهَا لَهُ. وحَذَا الجلدَ يحذُوه إِذا قَوَّره. وَإِذا قلت: حَذَيَ الجلدَ يَحْذِيهِ، فَمَعْنَاه: أَنَّهُ جرحه جَرْحاً، وحذَى أُذُنَه يَحْذِيها إِذا قطعَ مِنْهَا شَيْئا.
وَيُقَال: اجْلِسْ حِذَةَ فلَان أَي: بِحِذَائِه. وَيُقَال أخَذَها بَين الحُذْيَة والخُلْسة أَي بَين الهبَة والاستِلاب، ودابَّةٌ حسن الحِذَاءِ: أَي حسن القَدّ.
ابْن السّكيت: أحذيْتُه من الغنيمةِ أُحْذِيه إِذا أعطيتَه وَالِاسْم الحذِيّةُ والحِذوةُ والحُذْيا. وحذَيْتُ يدَه بالسكين.
وَهَذَا شرابٌ يحذِي اللسانَ، وَقد حذْوتُ النعْلَ بالنعلِ إِذا قدَّرْتَها عَلَيْهَا. وَمِنْه قَوْلهم: حَذْو القُذّة بالقُذّة. والمِحذى: الشفرةُ الَّتِي يُحْذَى بهَا.
حوذ:: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحَوْذُ والإحْوَاذُ السَّيْرُ الشديدُ، يُقَال: حُذْت الإبلَ أَحُوذُها، وَرجل أحوذيّ: مُشَمرٌ فِي الْأُمُور.
قَالَ شمر: الحَوِيذُ من الرِّجَال: المشَمر.
قَالَ عمرَان بن حَطان:
ثِقْفٌ حُوَيْذٌ مُبِينُ الكَف ناصِعُهُ
لَا طَائِشُ الكَف وقَّافٌ وَلَا كَفِلُ
يُرِيد بالكَفِل الكِفْلَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد الله بن الْمُبَارك الأحوذيّ الَّذِي يغلِب واستحوذ غلب.
وَقَالَ غَيره: الأحوذي: الَّذِي يسير مَسِيرة عشر فِي ثَلَاث لَيَال، وَأنْشد:
لقد أَكُونُ على الحاجَاتِ ذَا لَبَثٍ
وأَحْوَذِيَّاً إِذا انْضَمَّ الذَّعالِيبُ
قَالَ: انضمامُها انطواء بَدَنِها، وَهِي إِذا انضمَّت فَهُوَ أسْرع لَهَا، قَالَ: والذَّعاليبُ، أَيْضا ذُيُول الثِّيَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: حاذَ يحُوذُ حَوْذاً، بِمَعْنى: حاطَ يحوطُ حَوْطاً، واستحوذَ عَلَيْهِ الشيطانُ إِذا غَلبَ عَلَيْهِ، ولغةً استحاذَ.
وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ حِكَايَة عَن الْمُنَافِقين يخاطبُون بهَا الكفارَ: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النِّسَاء: 141) . قَالَ الفرّاء: استَحْوَذَ عَلَيْهِم أَي غلب عَلَيْهِم.
وَقَالَ أَبُو طَالب: يُقَال أحْوَذَ الشيءَ، أَي جمعَه وضمَّه؛ وَمِنْه يُقَال استَحْوَذَ على كَذَا إِذا حَوَاهُ.
وَقَالَ لبيد:
إِذا اجْتَمعَتْ وأَحْوَذَ جانِبَيْها
وأَوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ

(5/133)


وَيُقَال: أحوذ الصَّانِع القِدْح إِذا أخَفَّه وَمن هَذَا أَخذ الأحوذي المنكمش الحاد الْخَفِيف فِي أُمُوره.
وَقَالَ لبيد:
فَهْو كَقِدْحِ المَنِيحِ أَحْوَذَهُ الصَّا
نِعُ يَنْفِي عَن مَتْنِهِ القُوَبَا
وَقَالَ أَبو إِسْحَاق فِي قَوْله: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} (النِّسَاء: 141) مَعْنَاهُ ألم نستوْلِ عَلَيْكُم بالمُوالاة لكم. قَالَ: وحاذَ الحِمَارُ أُتُنَهُ إِذا استولى عَلَيْهَا وَجَمعهَا، وَكَذَلِكَ حازها.
وَقَالَ العجّاج:
يَحُوذُهُنَّ وَله حُوذِي
قَالَ وَقَالَ النحويون: استَحْوَذَ خرج على أَصله، فَمن قَالَ حَاذَ يَحوذُ، لم يقل إِلَّا استَحاذ، وَمن قَالَ أحْوَذ فَأخْرجهُ على الأَصْل قَالَ استَحْوَذَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الحاذُ: شجر، والواحدة حَاذَةٌ من شجر الجَنَبَة؛ وَأنْشد:
ذَوَاتِ أُمْطِيَ وذَاتَ الْحَاذِ
والأُمْطِيُّ شَجَرَة لَهَا صَمْغٌ يمضغُه صبيان الْأَعْرَاب وَنِسَاؤُهُمْ، وَقيل الحاذَةُ شَجَرَة يألفها بَقَرُ الْوَحْش.
قَالَ ابْن مقبل:
وَهُنَّ جُنوحٌ لذِي حاذَةٍ
ضَوَارِبَ غِزْلانُها بالْجُرنْوأخبرني المنذريُّ عَن الرياشي قَالَ: الحاذُ: الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الذَّنَبُ من الفخذين من ذَا الجانبِ وذَا الجانبِ، وَأنْشد:
وتَلُفُّ حَاذَيْهَا بذِي خُصَلٍ
عَقِمَتْ فَنِعْمَ بُنَيَّةُ العُقْمِ
وَقَالَ أَبُو زيد الْعَرَب تَقول: أنْفَعُ اللَّبَنِ مَا وَلِي حَاذيَ النَّاقة، أَي ساعةَ يُحْلَبُ من غير أَن يكونَ رَضَعها حُوَارٌ قبل ذَلِك. قَالَ: والحاذُ مَا وَقع عَلَيْهِ الذَّنب من أَدْبارِ الفخذين. قَالَ: وَجمع الحاذِ أَحْواذٌ. وَفُلَان خَفِيف الحاذِ، أَي: خفيفُ الحالِ من المالِ وأصل الحاذِ طَريقَة المتْنِ.
وَفِي الحَدِيث (ليأتينّ على النَّاس زمانٌ يُغْبَطُ الرجلُ فِيهِ بِخفَّة الحاذِ كَمَا يُغْبَطُ الْيَوْم أَبُو الْعشْرَة) .
وَقَالَ شمر: يُقَال كَيفَ حالُكَ وحاذُكَ؟ وَفِي حَدِيث آخر: (المُؤْمِن خفيفُ الحاذِ) .
وَأنْشد:
خَفِيفُ الحَاذِ نَسَّالُ الفَيَافي
وعَبْدٌ لَلصَّحَابَةِ غَيْرُ عبد
وَقَالَ: الحالُ والحاذُ: مَا وَقع عَلَيْهِ اللّبد من ظهر الْفرس. وضربَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: (المؤمنُ خفيفُ الحاذِ) : قِلَّةُ اللَّحْمِ مثلا لقلّة مَاله وقلّة عِيَاله، كَمَا يُقَال: هُوَ خَفِيف الظّهر، وَرجل خَفِيف الحاذِ أَي قليلُ المَال.
ذحا: قَالَ أَبُو زيد: ذَحَتْنَا الريحُ تَذْحَانَا ذَحْيًا إِذا أصابتنا ريح وَلَيْسَ لنا مِنْهَا ذَرىً نتذرَّى بِهِ.
ذوح: أَبُو عبيد قَالَ أَبُو زيد: الذَّوْحُ: السُّوق الشّديد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: ذَوَّح إِبِلَه إِذا بدَّدها وذَوَّحَ مَاله: إِذا فرّقه.

(5/134)


وَمِنْه قَوْله:
على حَقنا فِي كل يومٍ تذَوَّحُ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الذوْح: السّير العنيف. وذُحْتُها أَذُوحها ذَوْحاً.
وذح: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الوَذَح: مَا يتعلّق بالأصواف من أَبْعَار الْغنم فتجفُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
فترى الأَعْدَاءَ حَوْلِي شُزَّراً
خَاضِعِي الأَعْنَاقِ أَمْثَالَ الوَذَح
وَقَالَ النَّضر: الوَذَح احتراقٌ وانْسِحاجٌ يكون فِي بَاطِن الفخذين. قَالَ: وَيُقَال لَهُ المَذَحُ.
غَيره: عَبْدٌ أَوْذَحُ إِذا كَانَ لئيماً.
وَقَالَ بعض الرُّجَّاز يهجو أَبَا وَجْزَة مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ هَجِيناً أَوْذَحَاً:
يَسوقُ بَكْرَيْنِ وَنَاباً كُحكِحَا
كحكحا أَرَادَ هَرِمَة. قلت: كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الوَذَح.
عَمْرو عَن أَبِيه: مَا أغْنى عني وتَحةً وَلَا وذَحةً أَي مَا أغْنى عني شَيْئا.

(بَاب الْحَاء والثاء)
(ح ث (وايء))
حثا، حاث: (مستعملان) .
حثا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: حَثَى فِي وَجهه التُّرَاب حَثْياً، وَهُوَ يحثي.
الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَثَوتُ عَلَيْهِ التُّرَاب وحَثَيْتُ حَثْواً وحَثْيَاً وَأنْشد:
الحُصْنُ أدْنَى لَو تآيَيْتِهِ
من حَثْيِكِ التُّرْبَ على الرَّاكِبِ
الحُصن: حَصانَةُ الْمَرْأَة وعفَّتُها، تآييته: أَي قصدْته.
حَيْثُ: وَقَالَ اللَّيْث: للْعَرَب فِي حيثُ لُغَتَانِ، واللغة الْعَالِيَة، حَيْثُ: الثَّاء مضمومةٌ، وَهُوَ أداةٌ للرفع ترفع الِاسْم بعده. ولغةٌ أُخْرَى حَوْثَ رِوَايَة عَن الْعَرَب لبني تَمِيم، يظنون حيثُ فِي مَوضِع نَصْبٍ يَقُولُونَ القَه حيثُ لَقيته. وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم حَيْثُ ظرفٌ من الظروف يحْتَاج إِلَى اسمٍ وَخبر؛ وَهِي تجمع معنى ظرفين كَقَوْلِك: حَيْثُ عبدُ الله قاعدٌ زيدٌ قائمٌ، الْمَعْنى الْموضع الَّذِي فِيهِ عبد الله قَاعد زيد قَائِم. قَالَ: وَحَيْثُ من حُرُوف الْمَوَاضِع لَا من حُرُوف الْمعَانِي، وَإِنَّمَا ضُمَّتْ لِأَنَّهَا ضُمنت الِاسْم الَّذِي كَانَت تستحقُّ إضافتها إِلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا ضُمَّتْ لِأَن أَصْلهَا حَوْثُ، فَلَمَّا قلبوا واوها يَاء ضمُّوا آخرهَا.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَهَذَا خطأٌ؛ لأَنهم إِنَّمَا يُعْقبون فِي الْحَرْف ضمَّةً دالّة على واوٍ سَاقِطَة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الأصمعيّ: وممّا تخطِىءُ فِيهِ العامَّةُ والخاصَّة بَاب حيثُ وحينَ غلط فِيهِ العلماءُ مثلُ أبي عُبَيْدَة وسيبويه.
قَالَ أَبُو حَاتِم: رَأَيْت فِي (كتاب سِيبَوَيْهٍ) شَيْئا كثيرا يَجْعَل حينَ حيثُ، وَكَذَلِكَ فِي (كتاب أبي عُبَيْدَة) بِخَطِّهِ.

(5/135)


قَالَ أَبُو حَاتِم: وَاعْلَم أَن حيثُ وحينَ ظرفان، فحينَ ظرفٌ من الزَّمَان، وحيثُ ظرفٌ من المكانِ، وَلكُل واحدٍ مِنْهُمَا حدٌ لَا يجاوزُه. وَالْأَكْثَر من النَّاس جعلوهما مَعًا حَيْثُ، وَالصَّوَاب أَن تَقول: رَأَيْتُك حيثُ كنت، أَي الموضِع الَّذِي كنتَ فِيهِ، واذهب حيثُ شئتَ، أَي إِلَى أيّ مَوضِع شِئْت.
وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} (الأعرَاف: 19) .
وَيُقَال: رَأَيْتُك حِين خَرَجَ الحاجُّ أَي فِي ذلكَ الْوَقْت، فَهَذَا ظرفٌ من الزمانِ، وَلَا يَجُوزُ حيثُ خرجَ الحاجُّ، وَتقول: ائْتِنِي حينَ يقدم الحاجُّ، وَلَا يجوز حيثُ يقدم الحاجُّ، وَقد صيَّر الناسُ هَذَا كلَّه حيثُ، فليتعهد الرجلُ كلامَه، فَإِذا كَانَ موضعٌ يحسُن فِيهِ أَيْنَ وأيُّ موضعٍ فَهُوَ حيثُ؛ لِأَن أَيْن مَعْنَاهُ حَيْثُ. وَقَوْلهمْ حيثُ كانُوا وَأَيْنَ كَانُوا، مَعْنَاهُمَا وَاحِد، ولكنْ أَجَازُوا الجمعَ بَينهمَا، لاخْتِلَاف اللّفظين.
وَاعْلَم أَنه يحسن فِي مَوضِع حينَ لَمّا وإذْ وإذَا وَوقت وَيَوْم وَسَاعَة ومتَى. تَقول رَأَيْتُك لمّا جئتَ وحينَ جئتَ وإذْ جِئْت، وَيُقَال: سأعطيك إذَا جِئْت وَمَتى جِئْت.
وَقَالَ ابْن كَيْسَانَ حَيْثُ حرف مَبْنِيّ على الضَّم وَمَا بعدَهُ صِلةٌ لَهُ يرْتَفع الِاسْم بعدَه على الِابْتِدَاء، كَقَوْلِك قمتُ حيثُ زيدٌ قائمٌ، والكوفيّون يجيزون حذفَ قائمٌ ويرفعون زيدا بِحَيْثُ، وَهُوَ صِلَةٌ لَهَا، فَإِذا أظهرُوا قَائِما بعد زيد أَجَازُوا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، الرفعَ والنصبَ، فيرفعون الاسمَ أيْضاً وَلَيْسَ بصلَة لَهَا وينصبون خَبره ويرفعونه فَيَقُولُونَ: قَامَت مقَام صِفَتَيْنِ، والمعْنى زيد فِي موضِعٍ فِيهِ عمروٌ، فعمرو مُرْتَفع بِفِيهِ وَهُوَ صلةٌ للموضع، وَزيد مُرْتَفع بفي الأولى وَهِي خبر، وَلَيْسَت بصلَة لشَيْء، قَالَ: وَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ حَيْثُ مضافةٌ إِلَى جملَة فَلذَلِك لم تخفِضْ، وَقد أنْشد الفرّاء بَيْتا أجَاز فِيهِ الْخَفْض:
أما ترى حيثُ سُهَيْلٍ طالعا
فلمّا أضافَها فتحهَا كَمَا يفعَل بِعنْدَ وخَلْفَ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: تَركتهم حَاثِ باثِ: إِذا تفَرقُوا. قَالَ: وَمثلهمَا من مُزْدَوِج الْكَلَام خَاقِ بَاقِ، وَهُوَ صوتُ حركةِ أبي عُمير فِي زَرْنَب الفَلْهم قَال وخَاشِ مَاشِ قُماشُ الْبَيْت، وخَازِ بَازِ ورَمٌ، وَهُوَ أَيْضا صَوْتُ الذُّبَاب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحاثِيَاء تُرابٌ يُخْرجه اليَرْبُوع من نافِقَائِه بُني على فَاعِلاء.
حثى: وَقَالَ ابنُ الْأَنْبَارِي: الحَثَى قشور التَّمْر بِالْيَاءِ وبالألف، وَهُوَ جمع حَثَاةٍ وَكَذَلِكَ الثتى وَهُوَ جمع ثتَاةٍ قشورُ التَّمْر ورديئه وَقَالَ الْفراء الحثي مَقْصُور دُقاق التبْن وحطامه وَأنْشد:
ويأْكُلُ التمْرَ وَلَا يُلْقِي النَّوَى
كأَنَّه غِرَارَةٌ ملْأَى حَثَى
وَيُقَال للتُّراب الحَثَى أَيْضا وَمن أَمْثَال الْعَرَب يَا لَيْتَني المَحْثِيُّ عَلَيْهِ، قَالَه رجلٌ كَانَ قَاعِدا إِلَى امْرَأَة فَأقبل وَصِيلٌ لَهَا فَلَمَّا رأَتْه حثَتْ فِي وَجهه التُّرَاب تَرْئيَةً لجليسها بِأَن لَا يدنوَ مِنْهَا فيطلعَ على أَمرهمَا. يُقَال ذَلِك عِنْد تَمَنّي منزلةِ من تُخْفَى لَهُ الْكَرَامَة

(5/136)


ويُظْهَرُ لَهُ الإهانة. وَقَالَ الْفراء أحثيت الأَرْض وأبْثَيْتُهَا فَهِيَ مُحْثَاةٌ وَمُبْثَاةٌ. وَقَالَ غَيره أحَثْتُ الأرْضَ وأبَثْتُهَا فَهِيَ مُحَاثَةٌ ومُبَاثَةٌ، والإحاثة والاستحاثَةُ والإباثة والاستباثة وَاحِد وَقَالَ اللحياني: تركته حاثَ باثَ وحيثَ بيثَ وحوثاً بوثاً، إِذا تركته مختَلِطَ الْأَمر. فأمَّا حاثِ باثِ فَإِنَّهُ خَرَج مَخْرَج حَزَامِ وقطامِ، وَأما حيثَ بيثَ فَإِنَّهُ خَرَج مَخْرَجَ حيصَ بيصَ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ تركته حيثٍ بِيثٍ وحاثٍ باثٍ وحوثاً بوثاً إِذا أذْلَلْتَه ودققته وَتركت الأَرْض حاثِ باثِ إِذا دقَّتْها الخيلُ وَقد أحاثَتْها الْخَيل. وأَحَثْتُ الأَرْض وأبَثْتُهَا. وَقَالَ الْفراء يُقَال تركت الْبِلَاد حوْثاً بوْثاً وحاثِ باثِ وحيْثَ بَيْثَ لَا يجريان إِذا دقّقوها.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء)
(ح ر (وايء))
حرى، حَار (حور) ، رَحا، رَاح، وحر، حرح.
حرى: قَالَ اللَّيْث: الحرَاوَةُ: حرارةٌ تكون فِي طعْم نحوِ الخردلِ وَمَا أشبهه، حَتَّى يُقَال: لهَذَا الفُجْل حَرَاوة ومَضَاضَةٌ فِي العَيْن. أَبُو عبيد عَن الأمويّ: الحَرْوَةُ الحُرْقَةُ يجدهَا الرجل فِي حَلْقِه. وَقَالَ النَّضر الفُلْفُل لَهُ حَرَاوَةٌ بِالْوَاو وحَرَارَةٌ بالراء. وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْيُ النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة يُقَال إِنَّه لَيُحْرِي كَمَا يَحْرِي القمَرُ حَرْياً ينقص الأوَّلُ مِنه فالأولُ وَأنْشد شَمِر:
مَا زالَ مجْنُوناً على اسْتِ الدّهْرِ
فِي بَدَنٍ يَنْمِي وَعقْلٍ يَحْرِي
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَرَى الشيءُ يَحْرِي حَرْياً إِذا نقص، وأَحْرَاهُ الزمانُ وَيُقَال للأفْعَى حَارِيَةٌ للَّتِي قَدْ كَبِرَتْ ونَقَصَ جِسْمُهَا، وَهِي أَخبث مَا تكون، قَالَ شمر: وَيُقَال أَفْعَى حَاريَةٌ؛ وَأنْشد:
ابعثْ على الجَوْفَاءِ فِي الصُّبْحِ الفَضِحْ
حُوَيْرِياً مِثْلَ قَضِيبِ المُجْتَدِحْ
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَى مقصورٌ والجميع أحْرَا، وَهُوَ الأُفْحُوص والأُدْحِيّ وَأنْشد:
بَيْضَةٌ زَادَ هَيْقُها عَن حَرَاها
كُلَّ طَارٍ عَلَيْهِ أَن يَطْرَاهَا
قَالَ: والحَرَى أَيْضا كلُّ موضعٍ لظبْيٍ يأوِي إِلَيْهِ، قلت: قَول اللَّيْث الحَرَى: إنَّه بيضُ النَّعامِ أَو مَأْوَى الظَّبْيِ باطلٌ، والحَرَى عِنْد الْعَرَب مَا روى أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الحرى جَنَابُ الرجل وَمَا حولَه، يُقَال: لَا تَقْرَبَنَّ حَرَانا، وَيُقَال نزل فلانٌ بِحَراه وعَرَاه إِذا نزل بساحته، وحَرَى مبيضِ النعام مَا حولَه وَكَذَلِكَ حرى كِناسِ الظَّبي مَا حولَه. وَقَالَ اللَّيْث الحَرَى الخليقُ كَقَوْلِك حرىً أَنْ يكونَ كَذَا وَإنَّهُ لَحَرىً أَن يكون ذَاك وَأنْشد:
إِن تقُلْ هنَّ من بني عبد شمسٍ
فَحَرىً أَن يكونَ ذاكَ وَكَانَا
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: هُوَ حَرىً لكذا وَكَذَا وحَرٍ أَي خليق لَهُ وَأنْشد:
وَهُنَّ حَرىً أَلاَّ يُثِبْنَكَ نَقْرَةً
وأنتَ حَرىً بالنارِ حينَ تُثِيبُ

(5/137)


فَمن قَالَ حرىً لم يُثَن وَلم يجمع، وَمن قَالَ حَرٍ ثنّى وجَمع. وَقَالَ غَيره: هُوَ حرِيٌّ بِذَاكَ على فعيلٍ، وهما حَرِيّان، وهم أَحْرِياءُ بِذَاكَ. وَيُقَال: أَحْرِ بِهِ وَمَا أَحْراهُ بذلك، كَقَوْلِك: مَا أَخْلَقَه.
وَقَالَ الشَّاعِر:
فإِنْ كنتَ تُوعِدُنا بالهِجَاءِ
فَأَحْرِ بِمَنْ رَامَنا أَن يَخِيبَا
وَقَالَ اللَّيْث: حِرَاءُ: جبل بِمَكَّة معروفٌ. وَقَالَ غَيره هُوَ يتحرَّى الصوابَ أَي يتوخّاه. والتحرّي قصْدُ الأَوْلى والأحَقّ، مَأْخُوذ من الحَرَى، وَهُوَ الخليق، والمتوخي مثلُه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحَرَاةُ والوَحَاةُ والخوَاتُ الصَّوْتُ وَيُقَال إِنَّه لَمحْرَاةٌ أَن يفعلَ ذَاك، كَقَوْلِك مَخْلَقَةٌ ومَقْمَنَة.
حرح: قَالَ اللَّيْث: الحِرُ: يجمع على الأحْراحِ. يُقَال: رجل حَرِحٌ: مُولَعٌ بالأَحراح وَقد حَرِحَ الرجل قلت ذكر اللَّيْث هَذَا الحَرْفَ فِي المعتلات، وَبَاب المضاعف أولى بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الحِرُّ حِرُ الْمَرْأَة شدّدَ الرَّاء، كَانَ فِي الأَصْل حِرْحٌ فَثقلَتْ الْحَاء الْأَخِيرَة مَعَ سُكُون الرّاء فثقّلوا الرّاء وحذفوا الْحَاء، وَالدَّلِيل على ذَلِك جمعهم الحِرَ أَحْرَاحاً.
قَالَ: وَيُقَال: حَرَحْت الْمَرْأَة إِذا أصَبْتَ حِرَها فَهِيَ مَحْرُوحَةٌ. وَرجل حَرِحٌ يُحِبّ الأحْرَاح.
رَحا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال رَحا، ورَحَيَانِ، وثلاثُ أَرْحِ، وأرحاءٌ كَثِيرَة. والأَرْحِيَةُ كَأَنَّهَا جماعةُ الجماعةِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: جمع الرَّحا أَرْحاءٌ وَمن قَالَ أَرْحِيَةٌ فقد أَخطَأ. قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا فِي الْجمع الْكثير رُحِيّ. قَالَ: وَسَمعنَا فِي أدنى الْعدَد ثلاثَ أَرْحٍ. قَالَ: والرَّحَا مؤنثةٌ، وَكَذَلِكَ القَفَا، قَالَ: وَجمع الْقَفَا أقْفَاءٌ وَمن قَالَ أَقْفِيَةٌ فقد أَخطَأ.
وَقَالَ اللَّيْث: رَحَا الحربِ حَوْمتُها ورَحَا الموتِ ومَرْحى الحَرْب.
وَقَالَ سُلَيْمَان بن صُرَد أتيت عليا رَضِي الله عَنهُ حِين فرغ من مَرْحَى الْجمل.
قَالَ أَبُو عبيد يَعْنِي الموضعَ الَّذِي دارت عَلَيْهِ رَحَا الْحَرْب. وَأنْشد:
فَدُرْنا كَمَا دارَتْ على قُطْبِها الرَّحَا
ودَارَتْ على هامِ الرجالِ الصّفَائِحُ
وَقَالَ الليثُ يُقَال لفراسِن الْفِيل أرْحاؤُه. قلت: وَكَذَلِكَ فَراسِنُ الجَمَل أرْحَاؤه وثَفِنَاتُ رُكَبِهِ وكِرْكِرَتِه أَرْحَاؤُه.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
إليكَ عبد اللَّهِ يَا مُحمّدُ
باتَتْ لَهَا قَوَائِدٌ وقُوَّدُ
وتَالِيَاتٌ ورَحاً تَمَيَّدُ
وَقَالَ: رَحا الْإِبِل مثل رَحا الْقَوْم وَهِي الْجَمَاعَة تَقول استأخرت جواحِرُها واستقدمت قوائدها وَوَسطت رَحَاها بَين القوائد والجواحر.
وَقَالَ اللَّيْث: الرحا الْقطعَة من النَّجَف تعظم مِنْ نَحْو مِيلٍ مشرفةٌ على مَا حولهَا.

(5/138)


شمر عَن ابْن الأعرابيّ: الرَّحا من الأَرْض مكانٌ مستديرٌ غليظ يكون بَين رِمَالٍ.
قَالَ ابْن شُمَيْل: الرَّحَا: القَارةُ الضخمةُ الغليظةُ، وَإِنَّمَا رَحَّاها استدارتُها وغِلَظُها وإشرافُها على مَا حولهَا، وَأَنَّهَا أَكَمَةٌ مستديرة مشرفةٌ، وَلَا تنقادُ على وجهِ الأَرْض وَلَا تُنْبِتُ بَقْلاً وَلَا شَجرا.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
إِذا مَا القُفُّ ذُو الرّحَبَيْنِ أَبْدَى
مَحَاسِنَه وأفْرَخَتِ الوُكُورُ
قَالَ: والرحا الحجارةُ والصخْرةُ الْعَظِيمَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّحَا نَبَاتٌ تسميه الفُرْسُ اسبانِخَ. غَيره: تَرَحَّت الحيَّةُ إِذا تلوَّتْ واستدَارَتْ، فَهِيَ مترحيَةٌ.
وَقَالَ رؤبة:
يَا حَيَّ لَا أفْرَقُ أَنْ تَفِحي
أَوْ أَنْ تَرَحَّيْ كَرَحا المُرَحي
والمرحي: الَّذِي يُسَوّي الرَّحَا. قَالَ: وفحيحُ الحيَّة بِفِيهِ، وحفِيفُه من جَرْشِ بعضِه ببَعْضٍ إِذا مَشَى فَتسمعُ لَهُ صَوتا.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ رَحَا القومِ سيدهم الَّذِي يَصْدُرُون عَن رَأْيه وينتهون إِلَى أمره، وَكَانَ يُقَال لعمر بن الْخطاب رَحا دَارَةِ الْعَرَب. قَالَ: وَيُقَال رَحَاهُ إِذا عظّمه وحَرَاه إِذا أَضَافَهُ.
روح ريح: قَالَ اللَّيْث: الرَّوْحُ: بَرْدُ نسيمِ الرّيح.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: الرُّوحُ: النّفْس.
وَقَالَ الأصمعيّ الرَّوْحُ الاسْتِرَاحَة من غمّ الْقلب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَّوْح: الفرَج.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله جلّ وَعز: {الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (الواقِعَة: 89) قَالَ مَعْنَاهُ: فاستراحةٌ وبَرْدٌ وَهَذَا تَفْسِير الرَّوْح دونَ الريحان.
وَقَالَ اللَّيْث: الرّيح ياؤُها واوٌ صُيرت يَاءً لانكسار مَا قبلهَا، قَالَ: وتصغيرُها رُوَيْحَةٌ، وَجَمعهَا رِياحٌ وأرْوَاح. وَتقول: رِحْتُ مِنْهُ رَائِحَة طيبَة أَي وَجَدْتُ. قَالَ: والرائحة ريحٌ طيبَة تجدها فِي النسيم، تَقول لهَذِهِ البَقْلَةِ رائحةٌ طيبَةٌ قَالَ والرَّيحَةُ نَبَات أَخْضَر بعد مَا يبس ورقه وأعالي أغصانِه.
وَقَالَ الأصمعيُّ يُقَال تَرَوَّحَ الشجرُ ورَاحَ، وَذَلِكَ حِين يبرُد اللَّيْل فيتقطَّر بالورق من غير مَطَر.
وَقَالَ الرَّاعِي:
وخادَعَ المجدُ أَقْوَامًا لَهُم وَرَقٌ
راحَ العِضَاهُ بهِ والعِرْقُ مَدْخُولُ
قَالَ شمر: روى الأصمعيُّ وخادَعَ المجدُ أَقْوَامًا لَهُم وَرَقٌ أَي مَال، قَالَ: وخادَع تركَ. قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو عَمْرو وخادع المجدَ أقوامٌ أَي تركُوا الْمجد أَي لَيْسُوا من أَهله. قَالَ وَهَذِه هِيَ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: فِي رِجْله رَوَحٌ ثمَّ مَذَعٌ ثمَّ عَقَلٌ وَهُوَ أشدّها قلت: والرَّيحَةُ الَّتِي ذكرهَا اللَّيْث من النَّبَات فَهِيَ هَذِه الشَّجَرَة الَّتِي تَتَرَوَّحُ وتَرَاح إِذا بَرَدَ عَلَيْهَا اللَّيْل فَتَقَطَّرُ بالورق من غير مطر. سَمِعت الْعَرَب تسميها الريحَة.

(5/139)


وَقَالَ اللَّيْث: يَوْم رَيْحٌ طيّب وَيَوْم رَاحٌ ذُو رِيحٍ شَدِيدَة، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِك كَبْش صافٌ، وَالْأَصْل يَوْم رائح وكبش صَائِف فقلبوا، وكما خفّفوا الحائجة فَقَالُوا: حاجةٌ، وَيُقَال قَالُوا صافٌ وراحٌ على صَوفٍ وروحٍ فَلَمَّا خففوا استنامت الفتحة قبلهَا فَصَارَت ألفا.
الأصمعيّ وَأَبُو زيد يومٌ ريحٌ طيب، وَلَيْلَة ريحَةٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: وَحده، وَكَذَلِكَ يومٌ رَوْحٌ وَلَيْلَة رَوْحَةٌ. قَالَ: وَيَوْم رَاحٌ إِذا اشتدّت رِيحُه، وليلةٌ راحةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّاحَةُ وِجْدَانُكَ رَوْحاً بعد مَشَقَّةٍ، تَقول أَرِحْني إرَاحَةً فَأَسْتَرِيحَ. وَقَالَ غيرُه: أَرَاحَهُ إِرَاحَةً وَرَاحَةً، فالإراحةُ المصدرُ والرَّاحَةُ الِاسْم، كَقَوْلِك أطعْتُه إطاعة وَطَاعَة، وأَعَرتُه إِعَارَة وعارةً.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال مؤذنه: (أَرِحْنَا بهَا) أَي أذنْ للصَّلَاة فنستريحَ بأدائها من اشْتِغَال قُلُوبنَا بهَا.
قَالَ شمر: يُقَال رَاح يومُنَا يَرَاحُ رِيحاً: إِذا اشتدّت رِيحُه، وَهُوَ يَوْم رَاحٌ، وَرَاح يومُنَا يَرَاحُ رَوْحاً إِذا طابت رِيحه، وَيَوْم رَيحٌ وَقَالَ جرير:
محا طُلَلاً بَين المُنيفَةِ والنَّقا
صَباً رَاحَةٌ أَو ذُو حَبِيَّيْنِ رَائِحُ
وَقَالَ الفرّاء: مَكَان راحٌ وَيَوْم رَاحٌ. وَيُقَال: افْتَحْ الْبَيْت حَتَّى يَراحَ الْبَيْت أَي حَتَّى تدخله الرّيح والروْح. وَقَالَ يُونُس: افْتَحْ الْبَاب يَرَح البيتُ. وغصن رَاحٌ وَشَجر رَاحَةٌ يُصِيبهَا الرّيح وَقَالَ:
كأنَّ عيْنِي والفِرَاقُ مَحْذُورْ
غُصْنٌ من الطَّرْفَاءِ راحٌ مَمْطُورْ
وَيُقَال: ريحت الشجرةُ وَهِي مَرُوحَةٌ. وَقَالَ الفرّاء: شجرةٌ مَرُوحَةٌ إِذا هبّت بهَا الرّيح وأَروحَنِي الصيدُ إِذا وجد ريحَك مَرُوحَةٌ كَانَت فِي الأَصْل مَرْيُوحة.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّرْوِيحَةُ فِي شهر رمضانَ، سميت ترويحةً لاستراحة الْقَوْم بعد كل أَربع رَكْعَات قَالَ: والرَّاحُ: جمع راحَةِ الكفّ. وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْشِ: عمَد مِنَّا رَجُلٌ إِلَى قِرْبةٍ فملأها من رُوحه أَي من رِيحه ونَفَسه.
وتروُّح الشجرِ تَضوره وَخُرُوج ورقه إِذا أَوْرَق النَّبْتُ فِي اسْتِقْبَال الشتاءِ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أراحَ الرجلُ إِذا استراح بعد التّعب. وَأنْشد:
يُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ
إِرَاحَةَ الجِدَايَةِ النَّفُوزِ
أَي: تستريح. قَالَ: وأَراح: إِذا مَاتَ وأَراح: دخل فِي الرّيح، وأَرَاحَ: إِذا وَجَدَ نسيم الرّيح. وأراح: إِذا دخل فِي الرَّواح، وأراح: إِذا نزل عَن بعيرٍ ليُرِيحه، ويخفف عَنهُ. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أَرَاحَ القَوْمُ: دخلُوا فِي الرّيح. قَالَ: وَيُقَال للْمَيت إِذا قضى: قَدْ أَراح. وَقَالَ العجاج:
أَرَاحَ بعدَ الغَم والتَّغَمْغُمِ
وَيُقَال: أَراحَ الرجلَ: إِذا رجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُه بعد الإعياء. وَكَذَلِكَ الدابَّة، وأراح الصيدُ واسترْوَح إِذا وجدَ رِيحَ الْإِنْسَان. وَيُقَال:

(5/140)


أَرَحْتُ على الرجل حَقَّه: إِذا ردَدْتَه عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث: الإراحة: ردُّ الْإِبِل بالعَشِيّ إِلَى مُراحِها حَيْثُ تأوِي إِلَيْهِ لَيْلًا. وَقد أراحها راعيها يُريحها. وَفِي لُغَة هَراحها يُهَرِيحها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَاح اللحْم وأَرْوَح إِذا تغيّر وأَنْتَنَ. وَأصْبح بعيرك مُريحاً أَي مُفِيقاً، وَأنْشد ابْن السّكيت:
أراح بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ
إراحَةَ الجِدايَةِ النَّفُوزِ
يَوْم راَحٌ وَلَيْلَة رَاحَةٌ وَقد راحَ وَهُوَ يَرُوح رَوْحاً وبعضهُم يَرَاحُ، فَإِذا كَانَ اليومُ رَيْحاً طيّباً قبل يَوْمٌ رَيّحٌ وَلَيْلَة ريحةٌ، وَقد رَاحَ وَهُوَ يَروحُ رَوْحاً. قَالَ: ورَاحَ فلانٌ يَرُوح رَوَاحاً من ذهابِه أَوْ سيْرِه بالعشيّ، وَرَاح الشجرُ يَرَاحُ إِذا تَفَطَّر بالنَّبَاتِ. ورَاحَ رِيحَ الرَّوْضَة يَرَاحُها. وإنّ يَدَيْهِ لتَرَاحَانِ بِالْمَعْرُوفِ. ورَاحَ فُلانٌ فَهُوَ يَرَاحُ رَاحماً ورُؤُوحماً. وارْتاح ارْتِيَاحاً إِذا أَشْرَف لذَلِك وفَرِحَ بِهِ. وَيُقَال أصابَتْنَا رائحةٌ أَي سماءٌ، وراحةُ البيْتِ ساحتُه وراحةُ الثَّوْبِ طَيُّه. والرَّوَاحَةُ القطيعُ من الْغنم وأَرِحْ عَلَيْهِ حَقّه أَي رُدَّه.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من قتل نفْساً مُعَاهَدة لم يَرِحْ رَائِحَة الجنّة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو هُوَ من رِحْت الشَّيْء أَرِيحُه إِذا وجدتَ رِيحه. قَالَ وَقَالَ الكسائيّ: إِنَّمَا هُوَ لم يُرِح رائحةَ الجنّة من أَرْحتُ الشيءَ فَأَنا أُريحُه إِذا وجدتَ رِيحه. وَقَالَ الأصمعيُّ: راحَ الرجلُ ريحَ الرَّوْضَةِ يَرَاحُها، وأَرَاح يُرِيحُ: إِذا وَجَدَ رِيحهَا. قَالَ: وَلَا أَدْرِي هُوَ من رِحْت أم من أَرَحْت. وَقَالَ أَبُو عبيد: أُرَاه لم يَرَح، بِالْفَتْح وَأنْشد قَول الهذليّ:
وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ
كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا
وَقَالَ أَبُو زيد: أرْوَحني الصيدُ والضَّبُّ إرواحاً وأنشأني إنْشَاء إِذا وَجَدَ رِيحك ونشْوَتك. وَكَذَلِكَ أَرْوَحتْ من فلَان طيبا وأنْشَيْتَ مِنْهُ نَشوة. وَقَالَ أَبُو زيد: راحَت الْإِبِل تَرَاحُ رَاحَةً، وأرحْتُها أَنَا، ورَاحَ الفرسُ يَرَاحُ رَاحَةً إِذا تحصّن. قلت: قَوْله تَراحُ رَائِحَة مصدرٌ على فاعِلة. وسمعتُ العرَبَ تَقول: سَمِعت راغِيةَ الْإِبِل وثَاغِيةَ الشَّاة أَي سَمِعت رُغَاءَها وثُغَاءَها. وَيُقَال: راحَ يومُنَا يَرَاحُ إِذا اشتدت ريحُه. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: فلَان يَرَاحُ للمعروفِ: إِذا أخذتْه أريحيَّةٌ وخِفَّةٌ وَقد رِيح الغدير إِذا أَصَابَته ريحٌ فَهُوَ مَرُوحٌ. وراحت يدُه بالسَّيْفِ أَي خفت إِلَى الضَّرْب بِهِ وَقَالَ الْهُذلِيّ:
تَرَاحُ يَدَاهُ بِمَحْشُورَةٍ
خَواظِي القِدَاح عِجَافِ النصَالِ
وَقَالَ اللَّيْث: رَاحَ الإنسانُ إِلَى الشيءِ يَرَاحُ إِذا نشِط وسُرَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ ارْتَاح، وَأنْشد:
وزَعَمْتَ أنّكَ لَا تَرَاحُ إِلَى النسا
وسَمِعْتَ قِيلَ الكاشِحِ المُتَرَددِ
قَالَ: ونَزَلَتْ بفلانٍ بَلِيَّةٌ فارتاح الله لَه برحْمته وأنْقَذَهُ مِنْهَا. وَقَالَ رؤبة:

(5/141)


فارْتَاحَ رَبِّي وَأَرَادَ رَحْمَتِي
ونِعْمَةً أتَمَّهَا فتَمَّتِ
وَتَفْسِير ارْتَاحَ أَي نظر إليّ ورحمني. قلت وَقَول رؤبة فِي فعل الْخَالِق جلّ وَعز ارْتَاحَ قَالَه بأَعْرَابِيَّتِه وَنحن نستوحش مِنْ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظ فِي صفته لِأَن الله جلّ وعزّ إِنَّمَا يُوصف بِمَا وصَفَ بِهِ نَفْسه، وَلَوْلَا أَن اللَّهَ هدَانَا بفضله لتحْميده وحَمْدِه بِصِفاته الَّتِي أنْزَلَ فِي كتابِه مَا كنّا لِنَهْتَدِي لَهَا أَو نَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الأريحيُّ الرجل الْوَاسِع الخُلُق الْبَسِيط إِلَى الْمَعْرُوف يَرْتَاح لما طلبْتَ إِلَيْهِ ويراحُ قلبُه سُرُورًا بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الأريحيُّ الَّذِي يرتاح للنَّدى.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لكل شَيْء وَاسع أَرْيَحُ وَأنْشد:
ومَحْمِلٌ أَرْيَحٌ حَجَّاجِيّ
قَالَ: وَبَعْضهمْ مَحمل أَرْوَحُ، وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ قَدْ ذَمَّه لِأَن الرَّوَحَ الانْبِطَاحُ وَهُوَ عيْبٌ فِي المحْمِل.
قَالَ والأرْيَحيُّ: مأخوذٌ من رَاح يَرَاح، كَمَا يُقَال للصَّلْت المُنْصَلِت أَصْلَتيُّ وللمجتنب أَجْنَبِيُّ.
قَالَ: وَالْعرب تحمِلُ كثيرا من النَّعْت على أَفْعَلِيّ فَيصير كأنّه نسبةٌ.
قلت أَنا: كَلَام الْعَرَب رجل أَجْنَبُ وجَانِبٌ وجُنُبٌ، وَلَا تكَاد تَقول رجل أَجْنَبِيٌّ.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الرَّاحُ: الخمْرُ، اسمٌ لَهُ وَقَول الهذليّ:
فَلَوْتُ عَنهُ سُيوفَ أَرْيَحَ حَتى
بَاءَ كَفي وَلم أَكَدْ أَجِدُ
أَرْيَحُ حتيٌّ من الْيمن، بَاء كفي صارَ كفي لَهُ مَبَاءَةً أَي مَرْجِعاً، وكفّي مَوضِع نصب لم أكد أجد لعزّته.
قَالَ: الاسترواح: التشمر، قَالَ: والغصن يسترْوِح إِذا اهْتَزَّ، والمطر يسترْوح الشجرَ أَي: يُحْيِيه.
قَالَ: والريَاحَةُ أَن يَرَاحَ الإنسانُ إِلَى الشَّيْء يَنْشَطُ إِليه.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله {ُِالاَْكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} (الرَّحمان: 12) ، الريحان فِي كَلَام الْعَرَب الرزْقُ، يَقُولُونَ خرجْنَا نطلب رَيْحانَ اللَّهِ، أَي رِزْقَه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} ذُو الوَرقِ، والرزقُ، وَالْعرب تَقول سبحانَ اللَّهِ ورَيْحَانُه. قَالَ أهْلُ اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ واستِرْزَاقُه.
قَالَ النمر بن تولب:
سَلاَمُ الإِلهِ ورَيْحَانُهُ
ورَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَد
قَالُوا معنى قَوْله: وريحانهُ ورزْقُه. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وغيرُه قَالَ وَقيل الرَّيحانُ هَهُنَا هُوَ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ. قَالَ وَقَوله: {الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (الواقِعَة: 89) مَعْنَاهُ فاستِراحَةٌ وبَرْدٌ وَرَيْحَان رِزْقٌ. قَالَ: وَجَائِز أَن يكون رَيْحَانٌ هَهُنَا تَحِيَّة لأهْلِ الجنَّة قَالَ: وَأجْمع النحويّون أَن ريحَان فِي اللُّغَة من

(5/142)


ذَوَات الْوَاو، وَالْأَصْل رَيْوَحَان فقلبت الواوُ يَاء وأدغمتْ فِيهَا الياءُ الأولى فَصَارَت الرّيحان، ثمَّ خفّفت، كَمَا قَالُوا ميت وميْت، وَلَا يجوز فِي ريحَان التشديدُ إِلَّا على بُعد لأنّه قد زيد فِيهِ ألِف وَنون، فَخُفف بِحَذْف الْيَاء وأُلْزِم التخفيفَ. وَقَالَ اللَّيْث: الرَّيْحانُ: اسْم جامعٌ للرياحِينِ الطيّبة الريحِ. والطاقَةُ الواحِدَةُ رَيْحَانَةٌ، قَالَ: والرَّيْحَانُ: أَطْرَاف كل بقلةٍ طيّبةِ الرّيح إِذا خرج عَلَيْهِ أَوَائِل النَّوْر. قَالَ: والرَّوَاحُ: العَشِيُّ، يُقَال: رُحْنَا رَوَاحاً: يَعْنِي السّير بالعَشِيّ، وَسَار القومُ رَوَاحاً، ورَاحَ الْقَوْم كَذَلِك. قَالَ والرَّوَاح من لدن زَوالِ الشمْس إِلَى اللَّيْل. يُقَال: رَاحُوا يَفْعلون كَذَا وَكَذَا، وَيُقَال: مَا لِفلانٍ فِي هَذَا الْأَمر من رَوَاحٍ أَي من رَاحته وَقَالَ الأصمعيّ: أفعل ذَاك فِي سَرَاحٍ وَرَواحٍ، أَي فِي يُسْرٍ، وَوجدت لذَلِك الأمرِ رَاحةً أَي خِفَّةً أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: خَرجُوا برِياح من العَشِي بِكَسْر الرَّاء، وَبِرَوَاحٍ من الْعشي وأَرْوَاح، قَالَ: وعشيَّةٌ رَاحَةٌ. قلت: وَسمعت الْعَرَب تسْتَعْمل الرَّوَاح فِي السيرِ كُلَّ وقْتٍ، يُقَال رَاحَ القوْمُ إِذا سارُوا وغَدَوْا كَذَلِك. وَيَقُول أحدُهم لصَاحبه تَرَوَّحْ ويخاطب أَصْحَابه فَيَقُول رُوحُوا أَي سِيرُوا. وَيَقُول لَهُم أَلا تَرُوحُون ومِنْ ذَلِك مَا جَاءَ فِي الأخبارِ الصَّحِيحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من رَاحَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي السَّاعَة الأولى فَلهُ كَذَا، وَمن رَاح فِي الساعةِ الثَّانِيَة) ، الْمَعْنى فِيهَا: المُضِيُّ إِلَى الجمعةِ والخِفَّةُ إِلَيْهَا لَا بِمَعْنى أَنها الرَّوَاحُ بالعَشِيّ. وَإِذا قَالَت الْعَرَب راحت النَّعَمُ رَائِحَة فَرَوَاحُهَا هَهُنَا أَن تأْوِي بعد غيوب الشَّمْس إِلَى مُرَاحها الَّذِي تبيت فِيهِ. وَقَالَ أَبُو زيد سَمِعت رَجُلاً من قيس وآخَرَ من تَمِيم يَقُولَانِ قَعدْنا فِي الظّل نلتمس الرَّاحَة والرَّوِيحةَ والرائحةَ بِمَعْنى واحدِ. أَبُو عبيد: إِذا طَال النبْتُ قيل تروّحت البُقول، فَهِيَ مُتَروحةٌ. وَقَالَ اللَّيْث: المَرَاحُ الْموضع الَّذِي يَرُوح مِنْه الْقَوْم أَو يَرُوحُون إِلَيْهِ كالمَغْدى قَالَ وَقَول الْأَعْشَى:
مَا تَعِيفُ اليومَ فِي الطيرِ الرَّوَحْ
من غُرابِ البَيْن أَوْ تَيْسٍ بَرَحْ
قَالَ أَرَادَ الرَّوْحة مثل الكَفْرَة والفَجْرَة فَطرح الْهَاء قَالَ: والرَّوَحُ فِي هَذَا الْبَيْت المتفرقةُ.
قَالَ: والمُرَاوَحة عملان فِي عَمَلٍ، يُعْمل ذَا مَرّةً وَذَا مَرّةً، كَقول لبيد:
يُرَاوِحُ بينَ صَوْنٍ وابْتِذَالِ
قلت: وَيُقَال فلَان يُراوِحُ بَين قَدَمَيْه إِذا اعْتمد مرّةً على إِحْدَاهمَا، ثمَّ اعْتمد على الْأُخْرَى مرّةً، وَيُقَال هما يتراوحان عملا أَي يتعاقَبَانِه، ويَرْتَوِحان مثلَه.
وَفِي حَدِيث النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّه نهى أَن يكتحل الرجلُ بالإثْمِد الْمُرَوَّح.
قَالَ أَبُو عبيد: المروَّح المطيَّب بالمسك وَقَالَ مروّح بِالْوَاو لِأَن الْيَاء فِي الرّيح وَاو، وَمِنْه يُقَال تروّحْت بالمِرْوَحَةِ.
وَقَالَ الأصمعيّ: ذَرِيرَةٌ مُرَوَّحَةٌ أَي مطيَّبَةٌ وَرَوح دُهنك بِشَيْءٍ فتجعل فِيهِ طِيباً. وَيُقَال

(5/143)


فلَان بِمَرْوَحَةٍ أَي بِمَمَر الرّيح. والمِرْوحة بِكَسْر الْمِيم الَّتِي يُتَرَوَّح بهَا.
شمر عَن ابْن شُمَيْل: الرَّاحة الأَرْض المستوية فِيهَا ظهورٌ واستواءٌ تُنْبِتُ كثيرا، جَلَدٌ من الأَرْض وَفِي أَمَاكِن مِنْهَا سهولٌ أَو جراثيمُ، وَلَيْسَت من السَّيْل فِي شَيْء وَلَا الْوَادي. وَجَمعهَا الرّاح، كَثِيرَة النَّبْتِ.
أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال أَتَانَا فلانٌ وَمَا فِي وَجهه رَائِحَة دَمٍ من الفَرَق، وَذُو الرَّاحَة سيفٌ كَانَ للمختار بن أبي عبيد.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: دَلَكَتْ بِرَاحٍ قَالَ مَعْنَاهُ أستريح مِنْهَا، وَقَالَ فِي قَول الْقَائِل:
مُعَاوِيَ مَنْ ذَا تَجْعَلُونَ مكانَنَا
إِذا دَلَكَتْ شمسُ النَّهارِ بِرَاحِ
يَقُول إِذا أظلم النّهار واستُريح من حرّها يَعْنِي الشمسَ، لما غشيها من غَبَرة الْحَرْب فَكَأَنَّهَا غاربة كَقَوْلِه:
تَبْدُ كَواكِبُه والشمسُ طَالِعةٌ
لَا النُّورُ نُورٌ وَلَا الإِظْلاَمُ إِظْلاَمُ
وَقيل: دَلكَتْ بِرَاحٍ أَي غَرُبت، والناظر إِليها يَتَوَقَّى شُعاعَها براحَتِه.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي الرُّوح والنَّفْس واحِدٌ، غيرَ أَن الرُّوح مذكَّر والنفْس مُؤَنّثَة عِنْد الْعَرَب.
قلت: وَقد أَلَّفْتُ فِي الرُّوح وَمَا جَاءَ فِيهِ فِي الْقُرْآن وَالسّنة كتابا جَامعا واقتصرت فِي هَذَا الْكتاب على مَا جَاءَ عَن أهل اللُّغَةِ مَعَ جوامعَ ذكرتُها للمفسّرين. فأمّا قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى} (الإسرَاء: 85) فَإِن المنذريَّ أخبرنَا عَن مُحَمَّد بن مُوسَى النَّهرتيري عَن أبي مَعْمَرٍ عَن عبد السَّلَام بن حَرْب عَن خُصَيْفٍ عَن مُجاهد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قل إِن الرّوح قد نزل من الْقُرْآن بمنَازِلَ وَلَكِن قُولُوا كَمَا قَالَ الله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسرَاء: 85) ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْيَهُود سأَلُوه عَن الرُّوح فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى} قَالَ من عِلْمِ ربّي أَي أَنكُمْ لَا تعلمونه.
قَالَ الْفراء: والرُّوحُ هُوَ الَّذِي يعِيش بِهِ الإنسانُ لم يُخْبِر اللَّهُ بِهِ أَحداً من خلقه، وَلم يُعْطِ عِلْمَه العِبادَ.
قَالَ: وَقَوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} (الحِجر: 29) فَهَذَا الَّذِي نَفَخَه فِي آدمَ وَفينَا لم يُعْطِ علمه أحدا من عباده.
قَالَ: وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول الرُّوحُ إِنَّمَا هُوَ النَّفَسُ الَّذِي يتنفَّسُه الْإِنْسَان، وَهُوَ جَارٍ فِي جَمِيع الْجَسَد فَإِذا خرج لم يتنفَّسْ بعد خُرُوجه وَإِذا تَتَامَّ خُروجه بَقِي بَصَره شاخصاً نَحوه حَتَّى يُغَصَّ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ جَان. قَالَ: وَقَول الله جلَّ وعزَّ فِي قصَّة مَرْيَم: {فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} (مَرْيَم: 17) قَالَ: أضَاف الرُّوحَ المُرْسَلَ إِلَى مَرْيم إِلى نَفسه كَمَا تَقول: أَرْضُ اللَّهِ وسماؤُه.

(5/144)


قَالَ: وهكَذا قَوْله لملائِكَتِهِ: {لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَراً مِّن} (ص: 71، 72) وَمثله {طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (النِّسَاء: 171) والرُّوحُ فِي هَذَا كُله خَلْقٌ من خلْق الله لم يُعْطِ علمه أحدا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} (الشّورى: 52) قَالَ: هُوَ مَا نَزَل بِهِ جِبْرِيل من الدّين فَصَارَ يُحْيِ بِهِ الناسَ، يعيشُ بِهِ الناسُ. قَالَ: وكلُّ مَا كَانَ فِي القُرآن فَعَلْنَا فَهُوَ أَمْرُه بأعْوانه أَمَرَ بِهِ جبريلَ وميكائيلَ وملائكتَه، وَمَا كَانَ فعلْتُ فَهُوَ مَا تفرَّد بِهِ.
قَالَ: وأمَّا قَوْله {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البَقَرَة: 87) فَهُوَ جبريلُج.
وَقَول الله: {خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ} (النّبَإ: 38) قَالَ ابْن عَبَّاس: الرُّوح مَلَكٌ فِي السَّماء السابِعة وَجْهُه على صُورَةِ الْإِنْسَان وجَسَدُهُ على صُورَةِ الْمَلَائِكَة. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الرُّوحَ هَهُنا جِبْرِيلُ.
قَالَ وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الرُّوْح الفَرَحُ، والرُّوح القرآنُ، والرُّوح الأَمْر، والرُّوح النفْس.
وَيُقَال: هَذَا الْأَمر بَيْننَا رَوْحٌ ورِوَحٌ وعَوَرٌ إِذا تَرَاوَحُوه وتعاوَرُوه.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَوله جلَّ وعزَّ: {الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ} (غَافر: 15) وَقَوله {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} (النّحل: 2) هَذَا كُله مَعْنَاهُ الوحْيُ، سُمي رُوحاً لِأَنَّهُ حياةٌ مِنْ مَوْتِ الكُفْرِ فَصَارَ يَحْيَا بِهِ النَّاسُ كالرُّوح الَّذِي يَحْيَا بِهِ جَسَدُ الْإِنْسَان. وَقَوله {الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (الواقِعة: 89) على قِرَاءَة من قَرأَ بضَم الرّاء، فتفسيرُه فحياةٌ دائِمَةٌ لَا موتَ مَعَها. وَمن قَالَ (فَرَوْحٌ) فَمَعْنَاه فاستِرَاحَةٌ. وأمَّا قَول الله جلَّ وعزَّ: {الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ} (المجَادلة: 22) فَمَعْنَاه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، كَذَلِك قَالَ الْمُفَسِّرُونَ. وَقد يكون الرَّوْح أَيْضا بِمَعْنى الرَّحْمَة قَالَ الله جلَّ وعزَّ: {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ} (يُوسُف: 87) أَي من رَحْمَة الله، سمّاها رَوْحاً؛ لِأَن الرَّوْح والرَّاحَةُ بهَا. قلت وَكَذَلِكَ قَول الله جلَّ وعزَّ فِي عِيسَى: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} (النِّسَاء: 171) أَي رحمةٌ مِنْهُ تبَارك وَتَعَالَى.
والرُّوح فِي كَلَام العَرب أَيْضا النَّفْخُ، سُمي رُوحاً لِأَنَّهُ يَخْرجُ من الرّوح وَمِنْه قَول ذِي الرُّمَّة فِي نارٍ اقْتدحها وَأمر صاحباً لَهُ بالنفخ فِيهَا، فَقَالَ:
فقلتُ لَهُ ارْفَعْها إليكَ وأَحْيِها
بِرُوحِكَ واجْعَله لَهَا قِيتَةً قدْراً
أحْيِها برُوحك أَي بِنَفْخِك. واجعله لَهَا: الْهَاء للرُّوح لأنَّه مذكَّر فِي قَوْله واجعله. وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله (لَهَا) أَي للنّار وَهِي مؤنَّثَة. وأمّا الرُّوحَانيُّ من خلْق الله فَإِن أَبا دَاوُد المَصَاحفي رَوى عَن النَّضر بن شُمَيْل فِي كتاب الْحُرُوف المفسَّرة من غَرِيب الحَدِيث أَنه قَالَ، حَدثنَا عَوْف الأعرابيّ عَن وَرْدان أبي خَالِد أَنه قَالَ: بلغَنَي أَن الملائكةَ: مِنْهُم رَوحَانِيُّون وَمِنْهُم من خُلِقَ من النُّورِ.

(5/145)


قَالَ: وَمن الرُّوحَانِييّن جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ. قَالَ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ النَّضر: الرُّوحانِيُّون أَرْوَاحٌ لَيست لَهَا أَجْسَامٌ، هَكَذَا يُقَال. قَالَ: وَلَا يُقَال لشيءٍ من الخَلْقِ رُوحَانِيّ إِلَّا للأَرْواح الَّتِي لَا أجْسَادَ لَهَا، مثلُ الملائِكَةِ والْجِن وَمَا أشْبَهَهُما فأمّا ذَواتُ الأجْسادِ فَلَا يُقَال لَهُم رُوحانيّون. قلت: وَهَذَا القولُ فِي الروحانيّين هُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَمد لَا مَا قَالَه ابْن المظفَّر أَن الروحانيّ الجسدُ الَّذِي نُفِخَ فِيهِ الرُّوح. وَقَالَ اللَّيْث: الأَرْوَحُ الَّذِي فِي صدر قَدَمَيْه انبساط، تَقول رَوِحَ الرَّجُلُ يَرْوَحُ رَوَحاً وَرَوِحَتْ قدمُه فَهِيَ قدم رَوْحَاءُ قَالَ وقصعَةٌ رَوْحَاءُ قريبَة القَعْر وإناء أَرْوَحُ.
وحر: قَالَ اللَّيْث: الوَحَرُ: وَغْرٌ فِي الصَّدْر من الغيْظ والحقد. يُقَال وَحِرَ صدْرُه على فلَان وَحَراً، وإنّه لوَحِرُ الصَّدْر. قَالَ: وَالْوَحَرُ وَزَغَةٌ تكون فِي الصحارَى أَصْغَر من العَظَاية، وَهِي إِلْفُ سَوَام أَبْرَصَ خِلْقَةً.
قَالَ: وَسمعت مَن يَقُول: امرأةٌ وَحِرَةٌ سوداءُ ذميمةٌ. وَفِي الحَدِيث (من سره أَن يذهبَ كثير من وَحَرِ صدْرِه فليصُمْ شهر الصبْر وَثَلَاثَة أيَّامٍ من كُل شهر) قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي والأصمعيّ فِي قَوْله وَحَر صَدْرِه: الوَحَرُ غُشْيَته وبلابله. وَيُقَال إِن أصل هَذَا دُوَيْبَّة يُقَال لَهَا الوَحَرَة، وَجَمعهَا وَحَرٌ، شبّهت العداوةُ والغِلُّ بهَا. وَيُقَال وَغِر صَدره وَغَراً وَوَحِر وَحَراً، شبَّهُوا العداوةَ ولُزُوقَها بالصّدْر بالْتِزاق الوَحَرةِ بِالْأَرْضِ.
ولحمٌ وَحِرٌ دَبَّ عَلَيْهِ الوَحَر. قلت: وَقد رَأَيْت الوَحَرَة فِي الْبَادِيَة وخِلْقَتُها خِلْقَةُ الوَزَغِ إلاّ أَنّها أَشد بَيَاضًا مِنْهَا وَهِي منقَّطَةٌ بِنُقَط حُمْرِ، وَهِي من أقْذَرِ الدَّوَابّ عِنْد الْعَرَب، وَلَا يأكلها أحد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الوَحَرَة إِذا دَبَّتْ على اللَّحْم أَوْحَرَتْه، وإيحارُها إيَّاهُ أَن يأخُذَ آكلَهَا القيءُ والمَشْيُ، وَقَالَ أَعْرَابِي: من أكل الوَحَرَةَ فأُمُّه منتحرة بغائطٍ ذِي حَجَرة.
وَيُقَال: إِن الوَحَرَةَ لَا تطَأُ طَعَاما أَو شرابًا إِلَّا سمَّته، وَلَا يأكُلُه أحد إِلَّا دَقِيَ وأخذَه قَيْءٌ، وربّما هَلَك آكِلُه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الوَحَرُ أشَدُّ الْغَضَب. يُقَال إِنَّه لوَحِرٌ عَلَيَّ، وَقد وَحِر وحَراً، ووَغِرَ وَغَراً، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
هَل فِي صدُورِهِمُ من ظُلْمِنَا وَحَرُ
وَيُقَال الْوَحَرُ: الغيْظُ والحِقْدُ.
حور حير: قَالَ اللَّيْث: الحَوْرُ الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره. قَالَ: والغُصَّةُ إِذا انحدَرتْ يُقَال: حارَتْ تَحُورُ، وأَحَارَ صاحبُها وَأنْشد:
وَتلك لعمري غُصَّةٌ لَا أُحِيرُها
قَالَ: وكل شيءٍ يتغيّر من حَال إِلَى حَال فإنّك تَقول حارَ يحورُ وَقَالَ لبيد:
وَمَا المَرْءُ إلاّ كالشهابِ وَضَوْئِهِ
يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هُو سَاطِعُ
قَالَ: والمُحَاوَرَةُ: مُرَاجعَة الكلامِ فِي المخاطبة، تَقول حاورْتُه فِي المنْطِق،

(5/146)


وأَحَرْتُ لَهُ جَوَابا، وَمَا أَحَارَ بِكَلِمَة، وَالِاسْم من المحاورة الحَوِيرُ، تَقول: سمعتُ حَوِيرَهُما وحِوَارَهُما، قَالَ: والمَحْورَةُ من المُحَاوَرةِ كالمَشْوَرَة من المُشَاورة، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
بِحَاجَةِ ذِي بَثَ ومَحْوَرَةٍ لَهُ
كَفَى رَجْعُها مِنْ قِصَّةِ المُتَكلمِ
وَقَالَ ابنُ هانىءٍ: يُقَال عِنْد تَأْكِيد المَرْزِئة عَلَيْهِ بِقلّة النَّماء: مَا يَحُورُ فلَان وَمَا يَبُور، وَذهب فلَان فِي الحَوَارِ والبَوَارِ، منصوبَا الأوّلِ، وَذهب فِي الْحُور والبُور. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ كَلمته فَمَا رَجَع إليَّ حِوَاراً وحَوَاراً وحَوِيراً ومَحُورَةً بِضَم الْحَاء بِوَزْن مَشُورَة.
ابْن السّكيت: فلَان مَا يعِيش بِأَحْوَرِ أَي مَا يعِيش بعقْل. قَالَ هُدْبَة:
فَمَا أَنْسِ مِ الأشْياءِ لَا أَنْس قَوْلَها
لجارَتِها مَا إِنْ يَعِيشُ بأَحْوَرَا
وَقَالَ نُصَيْر: أَحْوَرُ الرجلِ قلبُه، يُقَال مَا يعِيش فلَان بأَحْوَر أَي بقلب اسمٌ لَهُ.
قَالَ وَيُقَال إنّ الْبَاطِل لفي حَوْرٍ أَي فِي رُجُوع ونَقْصٍ. وَقَالَ شَمِرٌ: إِنَّه ليسعى فِي الحُور والبُور أَي فِي النُّقْصَان والفسادِ؛ وَرجل حائِرٌ بائِرٌ، وَقد حارَ وبارَ، وَهُوَ يحور حُؤُوراً: إِذا نقص وَرجع وَقَالَ العجَّاج:
فِي بِئْرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
أَرَادَ حُؤُورٍ، فخفّف الْوَاو، وَهَذَا قَول ابنِ الأعرابيّ. قلت: و (لَا) صلةٌ فِي قَوْله. وَقَالَ الفرّاء: لَا قائِمة فِي هَذَا البيتِ صحيحةٌ، أَرَادَ فِي بِئْر مَاء لَا تُحِيرُ عَلَيْهِ شَيْئا.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: فلَان حَوْرٌ فِي مَحَارَةٍ، هَكَذَا سمعتُه بِفَتْح الْحَاء، يُضْرَب مثلا للشيءِ الَّذِي لَا يَصْلُح أَو كَانَ صالِحاً ففسد. قَالَ: والمَحَاوَرَةُ الْمَكَان الَّذِي يَحُور أَو يُحَارُ فِيهِ. قَالَ: وَالحائِر الرّاجع من حالٍ كَانَ عَلَيْهَا إِلَى حَال كَانَ دُونَها، وَالبائِر الْهَالِك. وَيقال حوَّرَ الله فلَانا أَي خيّبه وَرَجَعه إِلَى النَّقْص.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ حوَّرْتُ الخبزةَ تَحْوِيراً إِذا هَيَّأْتَها لتضعَها فِي الملَّة. قَالَ: وَحَوَّرْتُ عينَ الدَّابَّة إِذا حَجَّرْتَ حولهَا بِكَيَ وَذَلِكَ من دَاء يُصيبها، وَالكيَّةُ يُقَال لَهَا الحَوْرَاءُ، سُميت بذلك لِأَن مَوْضعها يَبْيَضُّ. قَالَ وَالتحوير: التبييض. وَقال غَيره: حوَّرْتُ الثوبَ إِذا بَيَّضْتَه. أَبُو عبيد عَن الأمويّ الإحْوِرَارُ الابيضاض، وَأنشد:
يَا وَرْدُ إِنّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ
فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ
يَعْنِي المبيَضَّة، قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا سُمي أصحابُ عِيسَى الحواريّين للبَيَاض، وَكَانُوا قَصّارين وَقَالَ الفرزدق:
فَقُلتُ إنَّ الحَوَارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ
إِذا تَفَتَّلْنَ من تحتِ الجَلاَبِيبِ
يَعْنِي النساءَ. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الزبير ابنُ عَمَّتي وحَوَارِيٌّ من أُمَّتِي) . قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال وَالله أعلم إنَّ أصل هَذَا كَانَ بَدْؤُه من الحواريّين أصحابِ عِيسَى، وَإِنَّمَا سُمُّوا حواريّين لأَنهم كَانُوا يَغْسلون الثِّيَاب يُحورونها وَهُوَ

(5/147)


التبْييض وَمِنْه قيل امْرَأَة حَوَارِيّة إِذا كَانَت بيضاءَ. قَالَ: فلمّا كَانَ عِيسَى ابنُ مريمَ نَصَره هَؤُلَاءِ الحواريُّون فَكَانُوا أَنْصارَه دونَ النّاس قيل لكل ناصرٍ نَبيَّه: حواريٌّ إِذا بَالغ فِي نُصْرَتِه؛ تَشْبِيها بأولئك.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الحَوارِيُّون: الأنصارُ، وهم خاصّةُ أَصْحَابه. وروى شَمِرٌ عَنهُ أَنه قَالَ: الحَوَارِيُّ الناصح، وَأَصله الشيءُ الْخَالِص. وكلُّ شَيْء خلص لَونه فَهُوَ حَوَارِيٌّ. والحَوَاريَّاتُ من النِّسَاء النقيّات الألْوَانِ والجُلودِ. وَمن هَذَا قيل لصَاحب الحُوَّارَى مُحَور. وَقَالَ الزّجاج: الحواريُّون خُلَصَاء الأنبياءِت وصفوتُهم، وَالدَّلِيل على ذَلِكَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الزبير ابْن عمَّتي وحواريٌّ من أُمَّتي) . قَالَ: وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حواريُّون. وَتَأْويل الحواريين فِي اللُّغة الَّذين أُخْلِصوا ونُقُّوا من كل عيب، وَكَذَلِكَ الحُوَّارَى من الدَّقِيق، سُمي بِهِ لأَنَّه يُنَقَّى من لُباب البُر، قَالَ: وتأوِيلُه فِي النَّاس الَّذِي قَدْ رُوجِع فِي اخْتِيَارِه مرّةً بعد مرَّةٍ فَوُجِدَ نَقِيّاً من الْعُيُوب. قَالَ: وأصل التحوير فِي اللّغة من حَارَ يَحورُ، وَهُوَ الرُّجُوع. والتَّحويرُ الترجيع، فَهَذَا تَأْوِيله وَالله أعلم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال لِنسَاء الأمْصَار حَوارِيَّات لِأَنَّهُنَّ تباعدن عَن قشَفِ الأعرابيات بنظافَتِهن، وَأنْشد:
فَقُلْ لِلْحَوَاريَّاتِ يَبْكِيْنَ غيرَنا
وَلَا يَبْكِينَ إلاّ الكِلابُ النَّوَابِحُ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: دَقِيق حُوَّارَى أَخذ من هَذَا لِأَنَّهُ لباب البُر، وعجين مُحَوَّر، وَهُوَ الَّذِي مُسح وَجهه بِالْمَاءِ حَتَّى صَفَا.
وَعين حَوْرَاءُ إِذا اشتدّ بياضُ بياضِها وخَلُص واشتدّ سَواد سوادِها، وَلَا تُسَمَّى المرأةُ حَوْرَاءَ حَتَّى تكونَ مَعَ حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ، وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَدَامَتْ قُدُورُك للسَّاغبي
ن فِي المَحْلِ غَرْغَرةً واحْوِرَارا
أَرَادَ بالغرغرة: صوتَ الغلَيانِ وبالاحْوِرَار بياضَ الإهَالَةِ والشحمِ. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يتعوّذ من الحَوْر بعد الكَوْرِ، ويروى بعد الكَوْن. قَالَ أَبُو عبيد: سُئِلَ عَاصِم عَن هَذَا فَقَالَ ألم تسمع إِلَى قَوْلهم: حَارَ بعد مَا كانَ يقولُ إِنَّه كَانَ على حَال جميلةٍ، فحارَ عَن ذَلِك أَي رَجَعَ. وَمن رَوَاهُ بعد الكَوْر فَمَعْنَاه النُّقْصَان بعد الزّيادة، مَأْخُوذ من كَوْر الْعِمَامَة إِذا انْتقض لَيُّها، وبعضُه يقرب من بعض. عَمْرو عَن أَبِيه الحَوْرُ التحيُّر، قَالَ: والحَوْرُ النُّقصان والحَوْرُ الرُّجُوع. قَالَ اللَّيْث: الحَوْرُ مَا تَحت الكَوْر من الْعِمَامَة. قَالَ: والْحَوَرُ خشب يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء قَالَ والْحُوارُ النصيل أَوَّلَ مَا يُنْتَجُ، وجَمْعُه حِيرَانٌ، والحُورُ الأَدِيمُ المصبوغُ بِحُمْرة، وَأنْشد:
فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَق
كأنَّما قُدَّ فِي أَثْوَابِه الحَوَرُ
قَالَ: وخُفٌّ محوَّرٌ إِذا بُطن بحُور. وَيُقَال للرجل إِذا اضْطربَ أَمْره: لقد قَلِقَتْ مَحَاوِرُه، وَأنْشد ابْن السّكيت:

(5/148)


يَا مَيُّ مَا لِي قَلِقَتْ مَحَاوِرِي
قَالَ: والمِحْوَرُ الحديدةُ الَّتِي يَدُورُ فِيهَا لسانُ الإبريم فِي طَرَف المِنْطقة وَغَيرهَا. قَالَ: والحديدةُ الَّتِي تَدور عَلَيْهَا البكرةُ يُقَال لَهَا: المِحْوَرَةُ.
وَقَالَ الزّجاج: قيل لَهُ محورٌ للدَّوَرانِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يرجع إِلَى المكانِ الَّذِي زَالَ مِنْه. وَقيل إِنَّه إِنَّمَا قيل لَهُ مِحْوَرٌ لِأَنَّهُ بدورَانِه ينصَقِلُ حَتَّى يَبْيَضّ. قَالَ وَقَوْلهمْ: نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ مَعْنَاهُ نَعُوذ بِاللَّه من الرُّجُوع والخُرُوج على الْجَمَاعَة بعد الكُوْرِ مَعْنَاهُ بعد أَن كُنَّا فِي الكَوْر أَي فِي الجماعةِ. يُقَال كَارَ عمامتَه على رَأسه إِذا لفّها، وحار عِمامَتَه إِذا نقضهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: المِحْوَرُ الْخَشَبَة الَّتِي يُبْسَط بهَا العجينُ يُحَوَّر بهَا الْخبز تحويراً. قلت سمّي محوراً لدورانه على العجينِ تَشْبِيها بمِحْوَرِ البكرة واستدَارته.
الأصمعيّ: المَحَارَةُ الصَدَفة، والمحار من الْإِنْسَان الحَنَكُ وَهُوَ حَيْثُ يُحَنك البيطار الدابّةَ. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ مَحَارةُ الفَرَسِ أَعلى فَمِه من بَاطِن، وَقَالَ غَيره: المحارة جَوْف الأُذُنِ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الصمَاخ المتَّسِع. قَالَ: والمَحَارَةُ النُّقْصَان، والمَحَارَةُ الرُّجوع، والمَحَارَةُ الصَّدَفَةُ، والمحارَةُ المُحَاوَرَةُ. قَالَ: والْحُورةُ النُّقْصَان، والحورَةُ: الرَّجْعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حارَ بَصَرهُ يَحَارُ حَيْرَةً وحَيْراً، وَذَلِكَ إِذا نظرتَ إِلَى الشَّيْء فَغَشِيَ بصرُك، وَهُوَ حَيْران تائهٌ، والجميع حَيَارَى، وَامْرَأَة حَيْرَى، وَأنْشد:
حيرانَ لَا يُبْرِئه مِنَ الحيَر
قَالَ: وَالطَّرِيق المُسْتَحِير الَّذِي يَأْخُذ فِي عُرْض مفازة لَا يُدرى أيْنَ منفذه، وَأنْشد:
ضَاحِي الأَخَادِيدِ ومُسْتَحِيْرِهِ
فِي لاحِبٍ يَرْكَبْنَ ضَيْفَيْ نِيْرِهِ
وَيُقَال: استحار الرجلُ بمَكَان كَذَا وَكَذَا إِذا نَزَلَهُ أيّاماً. قَالَ: والحائر حَوْض يسيّبُ إِلَيْهِ مَسِيلُ المَاء من الْأَمْصَار يُسمى هَذَا الاسمُ بالماءِ وبالبصرة حائر الحجَّاج، معروفٌ يابسٌ لَا ماءَ فِيهِ، وَأكْثر النَّاس يسمونه الحَيْر، كَمَا يَقُول لعَائِشَة: عَيْشة يستحسنون التَّخْفِيف وَطرح الْألف. قَالَ العجّاج:
سَقَاهُ رِيّاً حَائِرٌ رَوِيُّ
وَإِنَّمَا سُمّي حائراً لِأَن المَاء يتحيّر فِيهِ يرجع أَقصاهُ إِلَى أدناه. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للمكان المطمئن الوسطِ الْمُرْتَفع الحرُوف حائرٌ وَجمعه حُوَرانٌ. وَقَالَ أَبُو عبيد: الحائر: مجتمعُ المَاء وَأنْشد:
مِمَّا تَرَبَّبَ حَائِرَ البَحْرِ
قَالَ والحاجر نحوٌ مِنْهُ وَجمعه حُجْرانٌ. وَقَالَ الأصمعيّ: حَار يَحَارُ حيْرَةً وحَيْراً. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال المَاء يتحيّر فِي الغَيْم وتحيَّرت الرَّوْضَة بِالْمَاءِ إِذا امْتَلَأت. وتحيَّر الرجلُ: إِذا ضَلّ فَلم يَهْتَدِ لسبيله وتحيّر فِي أَمْرِه. وَقَالَ شمر: العربُ تَقول لكلّ شيءٍ ثابتٍ دَائِم لَا يكَاد يَنْقَطِع مستحيرٌ ومتحَير وَقَالَ جرير:
يَا رُبَّمَا قُذِفَ العَدُوُّ بِعَارِضٍ
فَخْمِ الكَتائِبِ مُسْتَحِيْرِ الكوْكَبِ

(5/149)


قَالَ ابْن الأعرابيّ: المستحير الدَّائِم الَّذِي لَا يَنْقَطِع. قَالَ: وكوكبُ الْحَدِيد بَرِيقُه. والمتحيّر من السَّحَاب الدَّائِم لَا يبرح مكانَه، يصبُّ الماءَ صبّاً وَلَا تسوقه الرّيح وَأنْشد:
كأنّهُمُ غَيْثٌ تَحَيَّرَ وَابِلُهْ
وَقَالَ الطِرماح:
فِي مُسْتَحِيْر رَدَى المَنُو
نِ ومُلْتَقَى الأَسَلِ النَّوَاهِلْ
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو يُرِيد يتحيّر الردَى فَلَا يَبْرَح، وَمِنْه قَول لبيد:
حتّى تَحيَّرَتِ الدبارُ كأنَّها
زَلَفٌ وأُلْقِيَ قِتْبُها المَحْزُومُ
يَقُول: امْتَلَأت مَاء. وروى شمر بِإِسْنَاد لَهُ عَن سُفْيَان عَن الرّبيع بن قريع قَالَ سَمِعت ابْن عمر يَقُول: أَسْلِفُوا ذاكم الَّذِي يوجِبُ اللَّهُ أجْرَهُ، ويردُّ إِلَيْهِ مالَه، لم يُعْطَ الرجلُ شَيْئا أفضلَ من الطَرْقِ، الرجلُ يطرُق على الْفَحْل أَو على الْفرس فيذهَبُ حَيْرِيَّ الدَّهرِ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: مَا حَيْرِيُّ الدهرِ؟ قَالَ: لَا يُحْسَبُ، فَقَالَ لَهُ حسل بن قابصة: وَلَا فِي سَبِيل الله، فَقَالَ: أَو لَيْسَ فِي سَبِيل الله؟ قَالَ شمر: هَكَذَا رَوَاهُ حَيْرِيَّ الدَّهْرِ بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء الثَّانِيَة وَفتحهَا. قَالَ وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: العربُ تَقول: لَا أفعل ذَلِك حِيْريَ دَهْرٍ. وَقد زَعَمُوا أنَّ بَعْضهم ينصب الْيَاء فِي حِيريَ دهْرِ. وَقَالَ أَبُو الْحسن: سَمِعت مَنْ يَقُول: لَا أفعل ذَلِك حيريَّ دهر مثقَّلة، قَالَ والحيريّ الدَّهْر كُله. قَالَ شمر: قَوْله حيريَّ الدَّهْر يُرِيد أبدا. وَقَالَ ابْن شُمَيْلٍ: يُقَال ذهب ذَاك حَارِيَ الدَّهْر وحيْرِيَ الدَّهْر أَي أبدا، وَيبقى حارِيَ الدَّهْر وحيْرِيَ الدَّهْر أَي أبدا. قَالَ شمر: وَسمعت ابْن الأعرابيّ يَقُول: حِيرِيَ الدَّهْر بِكَسْر الْحَاء مثل قَول سِيبَوَيْهٍ والأخفشِ. قَالَ شمر: وَالَّذِي فسره ابْن عُمَر لَيْسَ بمخالف لهَذَا، أَرَادَ أَنه لَا يُحْسَبُ أَي لَا يُمكن أَن يُعرف قدرُه وحسابُه لكثرته ودوامِه على وَجه الدَّهْر. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لَا آتيه حَيْرِيَّ دهر وَلَا حِيرِيَّ دهر وحِيرَ الدَّهْر، يُرِيد مَا تحيَّرَ الدهرُ. وَقَالَ: حِيرُ الدَّهْر جمَاعَة حِيرِي.
وَقَالَ الليثُ: الحِيرَة بجنْبِ الكُوفة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا حَارِيُّ كَمَا نَسَبُوا إِلَى التّمر تمري فَأَرَادَ أَن يَقُول حِيرىْ فسكّن الْيَاء، فَصَارَت ألفا سَاكِنة. قَالَ والحارَةُ كل مَحَلَّة دنت منازلُهم، فهم أهلُ حارةٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: سَمِعت امْرَأَة من حِمْيَر تُرقصُ وَلَدهَا وَتقول:
يَا رَبَّنا مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْبَرَا
فَهَبْ لهُ أَهْلاً ومالاً حِيرا
قَالَ: والْحِيَرُ: الْكثير من أهلٍ ومالٍ، وَقَالَ آخر:
أَعُوذُ بالرَّحمنِ مِنْ مالٍ حِيَرْ
يُصْلِينِيَ اللَّهُ بِهِ حَرَّ سَقَرْ
أَبُو زيد: يُقَال هَذِه أنعامٌ حِيرَاتٌ أَي متحيرةٌ كثيرةٌ، وَكَذَلِكَ النّاسُ إِذا كَثرُوا وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يَقُول الرجلُ لصَاحبه وَالله مَا تحورُ وَلَا تحولُ أَي مَا تزدادُ خَيْراً. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ يُقَال لجِلْدِ الفيلِ الحَوْزَانُ، ولباطن جلده

(5/150)


الحِرْصِيَانُ. وَقَالَ أَبُو زيد: الحَيْرُ الغَيْمُ ينشأ مَعَ المَطَر فيتحيّر فِي السَّمَاء عمر عَن أَبِيه: الأَحْوَرُ: العقْل يُقَال مَا يعِيش بِأَحْوَرَ.

(بَاب الْحَاء وَاللَّام)
(ح ل (وايء))
حلا (حلى) ، حَال، لحي، لَاحَ وَحل ولح، حلاء: (مستعملة) .
حلا:: قَالَ اللَّيْث: الحُلْوُ كل مَا فِي طَعْمِه حلاَوَةٌ، والحُلْوُ والحُلْوَةُ من الرِّجَال وَالنِّسَاء من تستحْليه الْعين. وَقوم حُلْوُون. والحَلْوَاءُ: اسْم لما يُؤْكلُ من الطَّعام إِذا كَانَ معالَجاً بحلاوَةٍ. وَقَالَ بَعضهم: يُقَال للفاكهة: حَلْوَاءُ. وَتقول: حَلاَ يَحْلَ حَلْواً وحُلْوَاناً. وَقد احلَوْلى وَهُوَ يَحْلَوْلى. قلت الْمَعْرُوف: حلا الشيءُ يحلُو حلاوَةً. واحلَوْلَيتُه أحلَوْلِيه احلِيلاَءً إِذا استحليْتَه. اللحيانيّ: احلَوْلت الجاريةُ تحلَوْلى إِذا استُحْلِيت واحلَوْلاها الرجل وَأنْشد:
لكَ النَّفْسُ وَاحْلَوْلاَكَ كلُّ خَلِيلِ
أَحْلَيْتُ المكانَ واستَحْلَيْتُه وحَلِيت بِهِ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ اللَّيْث: تَقول حلَّيْتُ السَّوِيقَ، وَمن الْعَرَب من همزه فَقَالَ حَلأتُ السويق، وَهَذَا فهم غلط. قلت: قَالَ الفرّاء: توهمت العربُ فِيهِ الهمْزَ لمّا رَأَوْا قولَهم: حَلَّأتُهُ عَن المَاء أَي: منعتهُ مهموزاً.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: احلَوْلَى الرجلُ إِذا حَسُن خُلُقُه، واحْلَوْلَى إِذا خَرَج من بَلَدٍ إِلَى بلد. وَقَالَ الليثُ: قَالَ بَعضهم: حَلاَ فِي عيْنِي وَهُوَ يَحْلُو حَلْواً. وحَلِيَ بِصَدْرِي، وَهُوَ يَحلَى حُلْوَاناً. قلت: حُلْوَانٌ فِي مصدر حَلِيَ بصدري، خطأٌ عِنْدِي، وَقَالَ الأصمعيُّ: حَلِيَ فِي صَدْرِي يحْلَى، وحَلاَ فِي فمي يَحلُو. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِير حَدِيث النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُ نهى عَن حُلْوان الكاهن. قَالَ الأصمعيّ: الحُلْوَانُ مَا يُعْطَاه الكاهنُ ويُجْعَلُ لَهُ على كهانته. يُقَال مِنْهُ حَلَوْته أَحْلُوه حُلْوَاناً، إِذا حَبَوْتَه، وَأنْشد لأوسِ بن حَجَر يذمّ رجلا:
كأنّي حَلَوْتُ الشعْرَ يومَ مَدَحْتُه
صفَا صَخْرَةٍ صَمَّاءَ يُبْساً بِلاَلُها
قَالَ فَجعل الشّعْر حُلْوَاناً مثلَ الْعَطاء.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحُلْوَانُ الرشْوَة، يُقَال حَلَوْتُ أَي: رشوت.
وَأنْشد:
فَمَنْ رَاكِبٌ أحْلُوهُ رَحْلاً ونَاقَةً
يُبَلغ عنّي الشعْرَ إذْ ماتَ قائِلُهْ
قَالَ وَقَالَ غَيره: الحُلْوَانُ أَيْضا أَن يأخذَ الرَّجُلُ من مَهْرِ ابْنَتِه لنفْسه.
قَالَ: وَهَذَا عارٌ عِنْد الْعَرَب.
قَالَت امْرَأَة فِي زَوْجها:
لَا يَأْخُذُ الحُلْوَانَ من بَنَاتِنَا
وَقَالَ اللَّيْث: حُلْوَانُ المرأةِ مَهْرُهَا.
وَيُقَال بل مَا كَانَت تُعْطَى على مُتعتها بمكَّة. قَالَ: احْتَلَى فلانٌ لنفقة امْرَأَته ومَهْرها، وَهُوَ أَن يتمحّل لَهَا ويحتالَ، أُخذ من الْحُلْوَانِ. يُقَال: احْتَلِ فتزوّجْ بِكَسْر اللَّام وابْتَسِلْ من البُسْلَة.

(5/151)


قَالَ: والحلاوَى: ضرب من النَّبَات يكون بالبادية، الْوَاحِدَة حَلاوِيَةٌ على تَقْدِير رَبَاعية. قلت لَا أعرف الحَلاَوَى وَلَا الحَلاَوية، وَالَّذِي عَرفته الحُلاَوَى بِضَم الحاءِ على فُعالى.
وروى أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب فُعالى: خُزَامَى وَرُخَامى وحُلاوَى، كلّهُنَّ نبت. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث حَلاوَةُ القَفَا حَاقُّ وسَطِ القَفَا، تَقول ضَربته على حَلاَوَةِ القفَا، أَي على وسطِ القَفا. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: حلاوَةُ القَفَا، وحَلْوَاءُ الْقَفَا وحُلْواءُ الْقَفَا. وَهُوَ وسط الْقَفَا.
قَالَ وَقَالَ الهوازني: حَلاوَةُ الْقَفَا فأسه. أَبو عُبَيْدٍ عَن الكسائيّ: سقط على حَلاَوَةِ القَفا، وحَلْوَاءِ الْقَفَا.
قَالَ: وحَلاوَةُ الْقَفَا تجوّز، وَلَيْسَت بمعروفة. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى:
قَالَ: الْحَلوَاءُ يُمَدُّ ويُقْصَرُ ويُؤنّث لَا غيرُ. وَيُقَال للشَّجَرَةِ إِذا أَوْرَقَتْ وأثْمَرَتْ: حَالِيَةٌ فَإِذا تناثر وَرقهَا تعطّلت.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَهَاجَتْ بَقَايا القُلْقُلاَنِ وعَطَّلَت
حَوَالِيَّهُ هُوجُ الرِيّاحِ الحوَاصِد
أَي أيبستها فتناثرت.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِنْوُ حَفٌّ صَغِير يُنْسَجُ بِهِ، وَقَالَهُ ابْن الأعرابيّ، وَقَالَ: هِيَ الْخَشَبَة الَّتِي يديرها الحائك وَأنْشد قَول الشماخ:
قُوَيْرِحُ أَعْوَامٍ كأنَّ لسانَه
إِذَا صَاح حِلْوٌ زَلَّ عَن ظَهْرِ مِنْسَجِ
وَقَالَ اللَّيْث: حُلوان كورة. قلت هما فريقان إِحْدَاهمَا حُلْوَانُ العراقِ والأُخْرى حُلْوَانُ الشأم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَلِيَت المرأةُ، وأَنا أَحْلِيها، إِذا جَعَلْتَ لَهَا حَلْياً، وَبَعْضهمْ يَقُول: حَلَوْتُها بِهَذَا المَعْنَى.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَلْيُ كلّ حِلْيَةٍ حلَّيْتَ بِهِ امْرَأَة أَو سَيْفاً أَو نحوَه. والجميع حُلِيّ قَالَ الله: {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً} (الْأَعْرَاف: 148) .
وَيُقَال تحلّت الْمَرْأَة إِذا اتَّخذت حُلِيّاً أَو لبِسَتْه. وحلّيْتُها، أَي ألْبَسْتُهَا، واتخذْتُه لَهَا.
قَالَ ولغة حَلِيَتْ الْمَرْأَة إِذْ لَبِسَتْهُ وَأنْشد:
وحَلْي الشَّوَى مِنْهَا إِذا حَلِيَتْ بِهِ
على قَصَباتٍ لإشِنحات وَلَا عُصْل
الشخَات الدقاق والعُصْل المعْوَجَّة. قَالَ وَإِنَّمَا يُقَال الْحَليُ للْمَرْأَة، وَمَا سواهَا فَلَا يُقَال إِلَّا حِلْيَةٌ للسيف وَنَحْوه. قَالَ: والحِلْيَةُ تحلِيَتُكَ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذا وَصفته. وَيُقَال: حَلِيَ مِنْهُ بِخَيْرٍ، وَهُوَ يَحْلَى حَلىً مقصورٌ إِذا أصَاب خَيْراً.
والحَلِيُّ نبت بِعَيْنِه وَهُوَ مِنْ مَرْتَعٍ للنَّعَم والخيلِ، إِذا ظَهرت ثمرَتُه أشبه الزَّرْعَ إِذا أَسْبَل. وَقَالَ اللَّيْث: الحَلِيُّ يبس النَّصِيّ. قَالَ: وَهُوَ كلُّ نبْتٍ يشبه نباتَ الزَّرْع. قلت: قَوْله هُوَ كل نبت يشبه نَبَات الزَّرْع

(5/152)


خطأٌ إِنَّمَا الحَلِيُّ اسْم نَبْتٍ واحِدٍ بعيْنه وَلَا يُشبههُ شيءٌ من الْكلأ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال امرأَةٌ حَالِيَةٌ ومُتَحَليَةٌ. وَيُقَال: مَا أَحْلَى فُلاَنٌ وَلَا أَمَرَّ أَي مَا تكلّم بحُلْوٍ وَلَا مُرَ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ يُقَال للبعير إِذا زجرته حَوْبُ وحوبَ وحَبْ، وللناقة حَلْ جزمٌ، وحَلِي جزم لَا حَلِيت.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال فِي زجْر النَّاقة حَلْ حَلْ. قَالَ: فَإِذا أدْخَلْتَ فِي الزَّجْرِ ألفا ولاماً جرى بِمَا يُصِيبهُ من الإعْرَابِ كَقَوْلِك:
والحَوْبُ لَمّا يُقَلْ والحل
فرفعه بِالْفِعْلِ الَّذِي لم يسمَّ فَاعله.
وَقَالَ اللحيانيّ: حَلِيَتْ الجاريةُ بعيني وَفِي عَيْني وبقلبي وَفِي قلبِي، وَهِي تحلَى حَلاوَةً وَيُقَال أَيْضا: حَلَتْ الجاريةُ بعيني وَفِي عَيْني، تَحْلُو حَلاَوَةً. قَالَ: واحلَوْلَيْتُ الْجَارِيَة واحْلَوْلَتْ هِيَ، وَأنْشد:
فَلَو كنتَ تُعْطِي حِين تُسْأَلُ سامحت
لكَ النفسُ واحْلَوْلاَكَ كلُّ خَليلِ
وَيُقَال: حلا الشيءُ فِي فَمِي يَحْلُو حلاوَةً وَيُقَال حَلُوَت الفاكهةُ تَحْلُو حَلاَوَةً. قَالَ: وحَلِيتُ العيشَ أَحْلاَه أَي استحليْتُه. وَيُقَال: أَحْلَيْتُ هَذَا المكانَ واستحْلَيْتُه وحَلِيتُ بِهَذَا المكانِ. وَيُقَال: مَا حَلِيتُ مِنْهُ شَيْئا حَلْياً أَي مَا أصبت. وَحكى أَبُو جَعْفَر الرؤاسيُّ حَلِئتُ مِنْهُ بطائلٍ فهمزَ أَي مَا أصبتُ. قَالَ: وَجمع الْحَلي حُلِيّ وحِلِيّ، وَجمع حِلْيَةِ الْإِنْسَان حِلىً وحُلىً.
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب:
حلاء: قَالَ شمر: الحالِئَةُ ضربٌ من الحيّات تَحْلأُ لمن تلسعه السُّمَّ كَمَا يَحْلأُ الكحَّالُ الأرْمَد حُكَاكَةً فيكحَلُه بهَا.
وَقَالَ الْفراء: أحلِىءُ حَلُوءاً.
وَقَالَ ابنُ الأَعرابيّ: حلأْتُ لَهُ حَلاَءً.
وَقَالَ اللَّيْثُ الحُلاءَةُ بِمَنْزِلَة فُعالة حكاكة حَجَرين تَكْحَلُ بهَا الْعين. يُقَال حَلأْتُ فُلاَناً حَلْأً، إِذا كَحَلْتَه بهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أحْلأْتُ للرجل إحلاءً إِذا حكَكْتَ لَهُ حُكَاكةَ حجرين فداوَى بحُكَاكتهما عَيْنَيْهِ من الرَّمد.
وَقَالَ ابنُ السّكيت: الحَلُوء حَجَرٌ يُدْلَك عَلَيْهِ دواءٌ ثمَّ يكحل بِهِ العينُ. يُقَال حَلأْتُ لَهُ حُلُوءاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وغيرُه: حلأْتُ الإبلَ عَن المَاء إِذا حبستها عَن الورُود وَأنْشد:
لطالما حَلَّأْتُماهَا لَا تَرِدْ
فَخَليَاهَا والسجَالَ تَبْتَرِدْ
وحلّأْتُ الْأَدِيم إِذا قشرتَ عَنهُ التحلِىءَ، والتحْلِىءُ القِشر على وجْهِ الْأَدِيم ممّا يَلِي الشَّعَر.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَلَّأْتُ الأديمَ إِذا أخرجت تِحْلِئَه، والتحْلىءُ القِشْر الَّذِي فِيهِ الشَّعر فَوق الجِلْدِ. والحِلاَءَةُ اسْم مَوضِع.
قَالَ صَخْر الغيّ:
إِذا هُوَ أَمْسَى بالحِلاَءَةِ شَاتِياً
تُقَشرُ أعْلَى أَنْفِهِ أُمُّ مِرْزَمِ
فأجابَهُ أَبُو المثَلَّم:

(5/153)


أعَيَّرْتَني قُرَّ الحلاَءَةِ شَاتِياً
وَأَنت بِأَرضٍ قُرُّهَا غيرُ مُنْجِمِ
أَي غير مُقْلِع.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: من أمثالهم فِي حذر الْإِنْسَان على نَفسه ومدافعته عَنْهَا قَوْلهم: حَلأَتْ حالئةٌ عَن كُوعِهَا. قَالَ: وَأَصله أَن الْمَرْأَة تحلأُ الأديمَ وَهُوَ نَزْع تِحْلِئه، فَإِن هِيَ رفَقَتْ سَلِمَتْ، وَإِن هِيَ خَرُقَتْ أخطأَتْ فَقطعت بالشفرة كُوعها.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرَّاء: يُقَال: حلأَتْ حالئَةٌ عَن كُوعها أَي لِتَغْسِلْ غاسلةٌ عَن كوعها أَي ليعملْ كل عَامل لِنَفْسِه.
قَالَ وَيُقَال: اغسل عَن وجْهِك ويَدِك وَلَا يُقَال اغْسِلْ عَن ثَوْبِك.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي قَوْلهم حَلأَتْ حالئةٌ عَن كوعها وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا حَلأَت مَا على الإهاب أخذت مِمْلأَةً من حَدِيد فَوْهَاءَ فتحلأَت مَا على الإهاب من تحلِئة وَهُوَ سوادُه، فَإِن لم تبالغ المِحْلَأَةُ، وتقَلع ذَلِك عَن الإهاب أخذت الحالِئةُ نَشْفَةً من حجر خشن ثمَّ لفت جانباً مِنَ الإهابِ على يَدهَا ثمَّ اعتمدت بالنُّشْفَةِ عَلَيْهِ لتقلع مَا لم تخرجْه المِحْلأة فَيُقَال للَّذي يدْفع عَن نَفسه ويَحُضّ على إصْلَاح شَأْنه يضربُ مثلا لَهُ أَي عَن كُوعها عملت مَا عملت وبحيلَتها وعَمَلِها نالَتْ.
وَقَالَ أَبُو زيد حَلأَته بِالسَّوْطِ حَلأً إِذا جلدْتَه وحَلأَته بِالسَّيْفِ حَلأً إِذا ضربتَه وحلَّأْتُ الْإِبِل عَن الماءِ تَحلِيئاً.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: حَلَأْتُ بِهِ الأرضَ ضربْتُ بِهِ الأَرْض. قلت: وجَلأْت بِهِ الأَرْض بِالْجِيم مثلُه. اللحياني حَلِئَتْ شَفَةُ الرجل تَحْلأ حَلأً، إِذا شَرِبَتْ أَي خرج بهَا غِبَّ الحُمّى بَثْرٌ. قَالَ وَبَعْضهمْ لَا يهمز فَيَقُول حليَتْ شفتُه حَلاً مَقْصُور.
لحى: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْيَانِ العظمان اللَّذَان فيهمَا الْأَسْنَان من كل ذِي لَحْيٍ. والجميع الأَلْحِي. قَالَ: واللحا مَقْصُور واللحاء مَمْدُود مَا على العَصَا من قِشْرِها. قلت: الْمَعْرُوف فِيهِ المَدُّ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحرانيّ عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: يُقَال للتمرة إِنَّهَا لكثيرة اللحَاء وَهُوَ مَا كَسَا النواة. واللحَاءُ قشر كل شيءٍ. وَقد لَحَوْتُ الْعود ألْحُوه وأَلْحَاهُ إِذا قَشرْتَه. وَيُقَال لحاه الله أَي قشره وَمن أمثالِهم: لَا تَدْخُلْ بَين الْعَصَا ولِحَائِها.
قَالَ أَبُو بكر بن الأنباريّ قَوْلهم لَحَا الله فلَانا مَعْنَاهُ قَشَرَهُ الله وأهْلَكَه. وَمِنْه لَحَوْتُ العودَ لَحْواً إذَا قشرته وَيُقَال لاَحَى فلانٌ فلَانا مُلاَحَاةً ولِحَاءً إِذا استقْصى عليهِمْ، ويُحْكَى عَن الأصْمَعِيّ أَنه قَالَ: المُلاَحاة: الملاومة والمُبَاغَضَةُ، ثمَّ كثُر ذَلِك حَتَّى جُعِلتْ كُلُّ مُمَانعة ومدافَعة ملاحاةً، وَأنْشد:
ولاحَتِ الرَّاعِيَ من دُورِهَا
مخاضُها إلاّ صَفَايَا خُورِها
قَالَ: واللحَاءُ فِي غير هَذَا القِشْرُ وَمِنْه الْمثل لَا تدخُلْ بَين العَصَا ولِحَائِها أَي قِشرها وَأنْشد:

(5/154)


لَحَوْتُ شَمّاساً كَمَا تُلْحَى العَصا
سَبّاً لَو آنَ السَّب يُدْمِي لدَمِي
قَالَ أَبُو عبيد: إِذَا أَرَادوا أَن صَاحِبَ الرجل موافقٌ لَهُ لَا يُخَالِفُه فِي شَيْء قَالُوا: هما بَيْنَ الْعَصَا ولِحَائِها.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال التحيت اللحاء ولَحَيتْهُ الْتِحَاءً ولحْيَاً إِذا أخذتَ قشره. واللحاءُ مَمْدُودٌ المُلاَحَاة كالسباب.
وَفِي حَدِيث النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّه نهى عَن مُلاَحَاةِ الرجَال، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
نُوَليهَا المَلاَمَةَ إِن أَلَمْنَا
إِذا مَا كَانَ مَغْثٌ أَو لِحَاءُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: لَحَوْتُ الْعَصَا ولَحَيْتُها، فأمَّا لحيت الرَّجُلَ من اللّوم فبالياء لَا غير.
وَقَالَ اللَّيْث: اللحَاءُ اللعْنُ، واللحَاءُ العذْل، واللَّوَاحِي العواذِلُ. قَالَ: واللُّحى مَقْصُور وَفِي لُغَة اللحى جمع اللِّحْيَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: لِحْيَةٌ وَجَمعهَا لِحى ولُحىً قَالَ ولُحِيٌّ ولِحِيٌّ.
اللَّيْث رجل لِحْيَانِيُّ طَوِيل اللِّحْيَة وَبَنُو لِحْيان حَيّ من هُذَيْل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: اللحْيَانُ الخدود فِي الأَرْض ممّا خَدَّها السَّيْلُ، الْوَاحِدَة لِحْيَانَةٌ: قَالَ: واللحْيَانُ الوشَلُ والصُّدَيْعُ فِي الأَرْض يخِرّ فِيهِ المَاء، وَبِه سُميَتْ بَنُو لِحْيَانَ، وَلَيْسَ بتثنية لِلّحى.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل لَحْيَان إِذا كَانَ طويلَ اللِّحْيَة، يُجْرَى فِي النكرةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَال للأُنثى لَحْيَا.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: النِّسْبَة إِلَى لَحْي الْأَسْنَان لَحَوِيّ والتَّلَحي بالعمامة إدارة كُور مِنْهَا تَحت الحَنَكِ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بالتَّلَحي وَنهى عَن الاقتعاط. وَيُقَال: أَلْحى يُلْحِي إِذا أَتَى مَا يُلْحَى عَلَيْهِ. وألْحَتِ المرأةُ.
قَالَ رؤبة:
وابْتَكَرَتْ عَاذِلَةً لَا تُلْحِي
قَالَتْ وَلم تُلْحِ، وَكَانَت تُلْحِي
عليكَ سَيْبَ الخُلَفَاءِ البُجْحِ
لَا تُلْحِي أَي لَا تَأتي مَا تُلْحَى عَلَيْهِ حِين قَالَت عَلَيْك سيْب الْخُلَفَاء، وَكَانَت تُلْحَى قبل ذَلِك حِين تَأْمُرنِي بِأَن آتِي غير الْخُلَفَاء. وأَلْحَى العودُ إِذا آن لَهُ أَن يُلْحَى قشره عَنهُ. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم بلَحْي جَمَلٍ، وَهُوَ مَكَان بَين مكّة وَالْمَدينَة.
حول، حيل: قَالَ اللَّيْث: الْحوْل: سنةٌ بأَسْرِها، تَقول حَال الحَوْلُ، وَهُوَ يحول حَوْلاً وحُؤُولاً، وأحالَ الشيءُ إِذا أَتَى عَلَيْهِ حول كَامِل، ودَارٌ مُحِيلَةٌ إِذا أَتَت عَلَيْهَا أَحْوَالٌ ولغة أُخْرَى أَحْوَلَتْ الدَّار، وأَحْوَلَ الصبيُّ إِذا تمّ لَهُ حول، فَهُوَ مُحْوِلٌ، وَمِنْه قَوْله:
فَأَلْهَيْتُها عَن ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
قَالَ: والحَوْلُ هُوَ الحيلَةُ، تَقول: مَا أَحول فلَانا، وَإنَّهُ لذُو حِيلة، قَالَ والمحَالةُ الْحِيلَة نَفسهَا، وَيَقُولُونَ فِي مَوضِع لَا بُد لَا محالةَ وَقَالَ النَّابِغَة:
وأنتَ بأمرٍ لَا مَحَالةَ واقِعُ

(5/155)


والاحتيال والمُحَاوَلَةُ مطالبتُك الشيءَ بالحِيَل، وكل من رامَ أمرا بالحِيَلِ فقد حاوله، وَقَالَ لبيد:
أَلاَ تسأَلان المَرْء مَاذَا يُحَاوِلُ
وَرجل حُوَّلٌ ذُو حِيَلٍ، وَامْرَأَة حُوَّلةٌ. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: سَمِعت أَعْرَابياً من بني سُلَيم ينشد:
فإنَّها حِيَلُ الشّيطانِ يَحْتَئِل
قَالَ وَغَيره من بني سُلَيم يَقُول: يحتال بِغَيْرِ هَمْزٍ قَالَ وأنشدني بَعضهم:
يَا دَارَ مَيَّ بِدَكَادِيكِ البُرَقْ
سَقْياً وإِنْ هَيَّجت شَوْقَ المُشْتَئِقْ
وَغَيره يَقُول المشتاق وَرجل مِحْوالٌ كثيرُ مُحالِ الْكَلَام والمحال من الْكَلَام مَا حُول عَن وجْهِه، وَكَلَام مسْتَحِيلٌ مُحَالٌ. وَأَرْض مستَحَالَةٌ تُرِكت حَوْلاً وأَحْوالاً عَن الزِّرَاعَة. والقوس المُسْتَحَالَةُ الَّتِي فِي سِيَتِهَا اعوجاج ورِجْلٌ مستحَالَةٌ إِذا كَانَ طرفَا الساقيْنِ مِنْهَا مُعْوَجَّين، وكل شَيْء اسْتَحَالَ عَن الاستواءِ إِلَى العِوَجِ يُقَال لَهُ مستحيلٌ.
قَالَ والحَوْل اسْم يجمع الحَوَالَيْ. تَقول حوالي الدَّار كَأَنَّهَا فِي الأَصْل حوالَيْنِ، كَقَوْلِك جانِبَيْنِ فَأسْقطت النُّون وأضيفت كَقَوْلِك: ذُو مالٍ وأولو مالٍ. قلت: الْعَرَب تَقول رَأَيْت النَّاس حَوْلَه وحَوَالَيْه وحَوَاله وحَوْلَيْه. فَحَوالَه وُحْدَانُ حَواليْه، وأمّا حَوْليه فَهُوَ تَثْنِيَة حَوْلَةُ وَقَالَ الرّاجز:
ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ
هَذَا مَقَامٌ لَكَ حَتَّى تِئْبَيْهْ
الْمَعْنى تأْبَاهُ. وَمثل قَوْلهم حَوَالَيْكَ دَوَالَيْك وحَجَازَيْكَ وحنَانَيْك.
وَقَالَ اللَّيْث الحِوَالُ المُحَاوَلَةُ. حَاوَلْته حِوَالاً ومُحاوَلَةً، أَي طالبْتُ بالحيلة.
قَالَ: والحِوَالُ كُلُّ شيءٍ حالَ بَين اثْنَيْنِ. يُقَال هَذَا حِوَال بَيْنِهِمَا أَي حائِلٌ بَيْنِهِما. فالحاجِز والحِجاز والحِوَلُ يجْرِي مَجْرى التَّحْويل. تَقول: حُولُوا عَنْهَا تحويلاً وحِوَلاً. قلت: فالتَّحْوِيلُ مصدر حقيقيّ من حوّلْتُ. والحِوَل اسْم يقوم مَقَامَ الْمصدر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} (الْكَهْف: 108) أَي تحويلاً.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} أَي لَا يُرِيدُونَ عَنْهَا تَحوُّلاً. يُقَال: قد حَال من مَكَانَهُ حِوَلاً كَمَا قَالُوا فِي المصادر صَفُر صِفَراً وعادني حُبُّها عِوَاداً.
قَالَ وَقد قيل إِن الحِوَل الحِيلَةُ فَيكون على هَذَا الْمَعْنى: لَا يَحْتَالُون مَنْزِلاً غَيْرَهَا.
قَالَ: وقرىء قولُه جلّ وعزّ: {دِينًا قِيَمًا} (الأنعَام: 161) وَلم يقل قِوَماً، مثل قَوْله {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} لِأَن قِيمَاً من قَوْلك قَامَ قيمًا كَأَنَّهُ بني على قَوُم أَو قَوَم فَلَمَّا اعتلّ فَصَارَ قَام اعتَل (قِيمَ) وَأما حِوَل فَهُوَ على أَنه جارٍ على غير فعل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} قَالَ تحويلاً وَقَالَ أَبُو زيد:

(5/156)


حُلْتُ بَينه وَبَين الشَّرّ أَحُول أشدّ الحَوْلِ والمَحَالَةِ.
وَقَالَ اللَّيْث: حالَ الشَّيْء بَين الشَّيْئَيْنِ يحول حَوْلاً وتحويلاً. وَحَال الشيءُ نفسهُ يَحُول حُؤُولاً بمعنيين: يكون تغيُّراً وَيكون تَحْوِيلاً، وَقَالَ النَّابِغَة:
وَلَا يحولُ عطاءُ اليَوْمِ دُونَ غَدِ
أَي لَا يحول عَطاؤه الْيَوْم دون عَطاء غَد. قَالَ: والحائل الْمُتَغَيّر اللَّوْنِ، ورمادٌ حائلٌ، ونبات حَائِل. وَقَالَ اللحيانيّ: يُقَال: حُلت بَينه وَبَين مَا يُرِيد حَوْلا وحُؤُولا. وَيُقَال: بيني وَبَيْنك حَائِل وحُؤُولة أَي: شيْءٌ حَائِل. وَحَال عَلَيْهِ الحوْلُ يحول حَوْلاً وحُؤُولاً. وأحال اللَّهُ عَلَيْهِ الحَوْلَ إِحَالَة. وأحالَت الدّارُ أَي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ. وَيُقَال: إِن هَذَا لَمِنْ حُولَةِ الدَّهْر وحُولاَءِ الدَّهْر وحَوَلان الدَّهْر وحِوَل الدَّهْر، وَأنْشد:
ومِنْ حِوَلِ الأيَّامِ والدهر أَنه
حَصِيْنٌ يُحيَّا بِالسَّلَامِ ويُحْجَبُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حُلْتُ فِي متن الْفرس أَحُول حُؤُولاً إِذا ركبْتَه. وَقد حَال الشخْصُ يحول إِذا تحرّك. وَكَذَلِكَ كلّ متحولٍ عَن حالِه، وَمِنْه قيل: استَحَلْتُ الشخصَ نظرتُ هَل يتحرَّكُ. وَأَخْبرنِي المنذريُّ أَنه سَأَلَ أَبَا الْهَيْثَم عَن تَفْسِير قَوْله: لَا حولَ وَلَا قوةَ إِلَّا بِاللَّه، فَقَالَ: الحَوْلُ الحَرَكَةُ، يُقَال حالَ الشَّخْص إِذا تَحرَّك فكأنّ الْقَائِل إِذا قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة، يَقُول: لَا حركَةَ وَلَا استِطَاعَةَ إِلَّا بمشيئةِ الله.
الأصمعيّ: حَالَت النَّاقَةُ فَهِي تَحُولُ حِيَالاً إِذا لم تحْمِل، وناقَةٌ حَائِل، ونوق حِيَالٌ وحُولٌ وَقد حَالَتْ حُوَالاً وحُولاً، وَأنْشد بيتَ أَوْسٍ:
لَقِحْنَ على حُولٍ وصَادَفْنَ سَلْوَةً
مِنَ العَيْشِ حَتَّى كُلُّهنَّ يُمَنَّع
وأحال فلانٌ إِبِلَه الْعَامَ إِذا لم يَضْرِبْهَا الفَحْلُ. وَالنَّاس مُحيلون إِذا حَالَتْ إِبِلُهم. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لكل ذِي إبل كَفْأَتَانِ، أَي قِطْعَتَانِ، يقطعُها قِطْعَتَيْنِ فتُنْتَجُ قِطْعَةٌ عَاماً وتحولُ القِطعَةُ الْأُخْرَى، فَيُرَاوِح بَينهمَا فِي النّتاج؛ فَإِذا كَانَ العامُ المُقْبل نَتَجَ القطعةَ الَّتِي حالَتْ، فَكل قطعةٍ نَتَجَها فَهِيَ كَفْأَةٌ؛ لِأَنَّهَا تهْلك إِن نتجها كُلُّ عَام. ورجلٌ حَائِل اللَّوْن إِذا كَانَ أسودَ متغيراً.
اللحيانيّ: يُقَال للرجل إِذا تحوّل من مكانٍ إِلَى مَكَان، أَو تحوَّل على رَجُلٍ بدَرَاهِمَ حَالَ وَهُوَ يَحُول حَوْلا. وَيُقَال: أَحلْتُ فلَانا على فلَان بِدَرَاهِم أُحيله إِحالةً وإحالاً، فَإِذا ذكرت فِعْلَ الرجلِ قلتَ حَال يَحُول حَوْلا، واحْتَال احتِيَالاً إِذا تحوَّل هُوَ من نَفسه.
قَالَ: وحالت الناقةُ والفرسُ والنخلةُ والمرأةُ والشاةُ وغيرُها: إِذا لم تحملْ. وناقة حائلٌ ونُوق حوائِل وحُولٌ وحُولَلٌ.
وَقَالَ بعضُهم: هِيَ حائِل حُولٍ وأَحْوالٍ وحُولَلٍ أَي حائِل أعوامٍ.
وَيُقَال إِذا وضعت النَّاقة: إِن كَانَ ذكرا سمّي سَقْباً وَإِن كَانَت أُنْثَى فَهِيَ حائِلٌ.

(5/157)


قَالَ وَقَالَ الْكسَائي: يُقَال لَا حولَ وَلَا قوةَ إلاّ بِاللَّه، وَلَا حَيْلَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه، وَحكى مَا أَحْيَلَه وأَحْوَلَه من الحِيلَة.
وَيُقَال تحوّل الرجلُ واحْتَال إِذا طلب الحِيلَة. وَمن أمثالهم: مَنْ كانَ ذَا حيلةٍ تَحَوّل.
وَيُقَال: هَذَا أَحْوُل من ذئْبٍ، من الحِيلة، وَهُوَ أَحول من أَبِي بَرَاقِن، وَهُوَ طائرٌ يتلوَّنُ ألواناً. وأحْوَلُ من أَبِي قَلَمُون وَهُوَ ثوب يتلَوَّن ألواناً. وَفِي دعاءٍ يرويهِ ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمّ ذَا الحَيْلِ الشَّديد) ، والمحدثون يَرْوُونَه (ذَا الحَبْلِ) بِالْبَاء، وَالصَّوَاب ذَا الحَيْلِ بِالْيَاءِ أَي ذَا القوَّة.
قَالَ اللحيانيُّ: يُقَال إِنَّه لشديدُ الحَيْلٍ أَي القُوَّة.
قَالَ: وَيُقَال: لَا حِيلَة وَلَا احتيالَ وَلَا مَحَالَةَ وَلَا مَحِلّة.
وَيُقَال: حالَ فلَان عَن الْعَهْد يحول حَوْلاً وحُؤُولاً، أَي زَالَ وحالَ عَن ظهر دابَّته يحول حَوْلاً وحُؤُولاً أَي زَالَ وَمَال.
وَيُقَال أَيْضاً: حَال فِي ظهرِ دابَّتِه وأحال، لُغَتَانِ إِذا اسْتَوَى فِي ظهر دَابَّته، وَكَلَام الْعَرَب حالَ على ظَهره وأحالَ فِي ظَهره، وَقَول ذِي الرمة:
أَمِنْ أَجْلِ دارٍ صَيَّرَ البينُ أهْلَها
أَيَادِي سَبَا بَعْدِي وطالَ احْتِيَالُها
يَقُول احتالتْ من أَهلِها لم ينزل بهَا حَوْلاً. أَبُو عبيد حَالَ الرجل يَحُول مثل تَحَوَّل من مَوضِع إِلَى مَوضِع.
اللَّيْثُ لغةُ تَمِيمٍ حَالَتْ عَلَيْهِ تَحَال حَوَلاً، وغيرهُم يَقُول حَوِلت عينهُ تَحْوَل حَوَلاً، وَهُوَ إقبالُ الحَدَقة على الأنْفِ، قَالَ وَإِذا كَانَ الحَوَلُ يحدُث وَيذْهب قيل: احولَّتْ عينه احْولالاً واحْوالَّتْ احوِيلالاً.
أَبُو عبيد عَن الأَصمعيّ: مَا أَحْسَنَ حَالَ مَتْنِ الفَرس وَهُوَ مَوضِع اللبد.
أَبُو عَمْرو: الْحَال الكارة الَّتِي يحملهَا الرجل على ظَهره يُقَال مِنْهُ تحولت حَالا قَالَ أَبُو عبيد الْحَال أَيْضا العجلة الَّتِي يدِبّ عَلَيْهَا الصبيّ وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن حسّان الأنصاريّ:
مَا زَالَ يَنْمِي جَدّه صَاعِداً
مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ
قَالَ وَالْحَال الطينُ الأسودُ. وَفِي الحَدِيث أَن جِبْرِيل لما قَالَ فِرْعَوْن {ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلِاهَ إِلاَّ الَّذِىءَامَنَتْ بِهِ بَنو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِسْرَاءِيلَ} (يُونس: 90) أَخذ من حَال الْبَحْر وَطِينِه فألقمه فَاه. اللحياني: حَالُ فلانٍ حسنَةٌ وحَسَنٌ والواحدة حالَةٌ.
يُقَال: هُوَ بحالةِ سوءٍ، فَمن ذكّر الْحَال جمعه أَحْوَالاً، وَمن أنّثهَا جمعهَا حالاَتٍ.
قَالَ: وَيُقَال حالُ مَتْنِه وحَاذُ مَتْنِه، وَهُوَ الظَّهْر بِعَيْنِه.
قَالَ اللَّيْث: وَالْحَال الْوَقْت الَّذِي أَنْتَ فِيهِ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ حالُ الرجل امرأتهُ. قَالَ: والحالُ الرماد والحارّ، والحالُ لحم المَتْن، وَالْحَال الحَمْأَةُ، وَالْحَال الكارَةُ، يُقَال تحوّلْتُ حَالا على

(5/158)


ظَهْري إِذا حملتَ كارةً من ثِيَاب وَغَيرهَا. وَجمع الْأَحول حُولاَنٌ. والحَوِيلُ الحِيلَةُ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أحَال عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ يضْرِبُه. وأحالَتْ الدَّارُ وأحْوَلَتْ: أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ. وأحْوَلْتُ أَنا بِالْمَكَانِ وأَحَلْتُ أَقمت حولا. الأصمعيّ: أحلّت عَلَيْهِ بالْكلَام أَي أَقبلت عَلَيْهِ، وأَحَال الذئْبُ على الدَّم أَي أقبل عَلَيْهِ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: حَالَ صَبوحُهم على غَبوقِهم، معنَاه أَنَّ الْقَوْم افْتَقَرُوا فَقَلَّ لَبَنُهم فَصَارَ صَبوحُهم وغَبوقهم وَاحِدًا.
وَحَال مَعْنَاهُ انصبّ، حَال الماءُ على الأَرْض يَحُول عَلَيْهَا حَوْلاً وأَحَلْتُه أنَا عَلَيْهَا إِحَالَة أَي صببتُه، كتبتُه عَن الْمُنْذِرِيّ عَن أَصْحَابه، وأحلْتُ الماءَ فِي الجَدْولِ أَي صببتُه، قَالَ لبيد:
كأَنَّ دموعَهُ غَرْبَا سُنَاةٍ
يُحِيلُونَ السجَالَ على السجَالِ
أَي يَصُبّون. وَقَالَ الفرزدق:
فَكَانَ كذِئْبِ السُّوءِ لَمَّا رأى دَماً
بصاحِبهِ يَوْمًا أَحالَ على الدَّمِ
اللّحيانيّ: امرأةٌ مُحِيلٌ ومُحْوِلٌ ومُحَولٌ إِذا ولدَت غُلاماً على إثْرِ جاريةٍ أَو جَارِيَة على إِثْر غلامٍ. قَالَ وَيُقَال لَهَا العَكُوم أَيْضا إِذا حملت عامَاً ذكرا وعاماً أُنثى.
أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا أكْتَبَ ابْنَه؛ يُقَال للْقَوْم إِذا أَمْحَلُوا فقلّ لبنُهم: حَال صَبُوحُهم على غَبُوقهم، أَي صَار صَبُوحُهم وغَبُوقهم وَاحِدًا. وَحَال بِمَعْنى انصبّ. حَال المَاء على الأَرْض يحول عَلَيْهَا حَوَلاً وأحلّته إِحَالَة أَي صببتُه. وَيُقَال أحلْتُ الْكَلَام أُحيله إِحَالَة إِذا أفسدتَه.
وروى ابنُ شُمَيْل عَن الْخَلِيل بن أَحْمد أَنه قَالَ: المُحَال كلامٌ لغير شيءٍ، والمستقيمُ كلامٌ لشَيْء، والغلط كَلَام لشَيْء لم تُرِدْه واللغْوُ كلامٌ لشيءٍ لَيْسَ من شأنِك، وَالْكذب: كَلَام لشَيْء تَغُرُّ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد المصَاحفّي: قرأته على النَّضر للخليل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوّالَةُ إحالتك غريماً وتحوُّلُ مَاء من نهر إِلَى نهر. قلت: وَيُقَال: أحَلْتُ فلَانا بِالْمَالِ الّذي لَهُ عليّ وَهُوَ مائَةُ درْهَم على رجل آخر لي عَلَيْهِ مائَةُ دِرْهَم، أُحيلُه إحَالَةً فاحْتَال بهَا عَلَيْهِ وضَمِنهَا لَهُ، وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَإِذا أُحِيلَ أَحَدُكم على مَلِيءٍ فليحْتَلْ) قَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: للَّذي يُحال عَلَيْه بِالْحَقِّ حَيل، وللذي يقبل الحَوَالة حَيلٌ، وهما الحيلان، كَمَا يُقَال البيعان. وَيُقَال إِنَّه لَيتحوَّل أَي يجيءُ ويذهبُ، وَهُوَ الحَوَلاَنُ، ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ الحُول والحُوّل الدَّوَاهِي وَهِي جمع حُولة ابْن السّكيت عَن الأصمعيّ: جَاءَ بِأَمْر حُولَةٍ. من الحُوَل أَي بأمرٍ مُنكر عجب.
وَقَالَ اللحيانيّ: يُقَال للرجل الدّاهية إِنه لحُولَةٌ من الحُوَل، تسمى الداهيةُ نفسُها حُولةً.
وَقَالَ الشَّاعِر:
وَمِنْ حُوْلَةِ الأيَّامِ يَا أُمَّ خَالدٍ
لَنَا غَنَمٌ مَرْعِيَّةٌ وَلنَا بَقَر

(5/159)


وَيُقَال لِلمُحتَالِ من الرِّجَال إِنه لحُولَةٌ وحُوَّلة وحُوَلٌ وحُوَّلٌ قُلّب. وأَرْضٌ محتَالَةٌ، إِذا لم يُصِبْها المطرُ. وَمَا أَحْسَنَ حَوِيلَه. قَالَ الأصمعيّ: أَي مَا أَحْسَنَ مَذْهَبَه الَّذِي يُرِيد وَيُقَال: مَا أَضْعَفَ حَوَلَه، وحويله وحيلته، وَيُقَال مَا أقبح حولته، وَقد حَوِل حَوَلاً صَحِيحا. شَمِرٌ: حَوّلت المَجَرَّةُ: صَارَت فِي شدَّة الحرّ وسط السَّمَاء، قَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَشُعْثٍ يَشَجُّونَ الفَلاَ فِي رؤوسه
إِذا حوَّلَتْ أُمُّ النّجومِ الشَّواَبِكُ
قلت: وحوَّلَتْ بِمَعْنى تحوّلت، وَمثله ولّى بِمَعْنى تولّى.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِيْلانُ هِيَ: الحدائد بِخُشبِها يُدَاسُ بهَا الكُدْس. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ عَن أبي المكارم قَالَ الْحَيْلَةُ وَعْلةٌ تَخُرُّ من رَأس الجَبَلِ، رَوَاهُ بِضَم الخاءِ، إِلَى أَسْفَله، ثمَّ تخُرُّ أُخْرَى ثمَّ أُخْرَى، فَإِذا اجْتمعت الوَعَلاتُ فَهِيَ الْحَيْلةُ. قَالَ: والوَعَلاتُ صخراتٌ ينْحَدِرْن من رأْس الجبلِ إِلَى أسفَلِه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحَيْلةُ الْجَمَاعَة من المِعْزى أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحُوَلاَءُ المَاء الَّذِي فِي السلى، وَقَالَ ابْن شُمَيْل الْحُولاء مضمنةٌ لما يخرُج من جَوف الولَدِ وَهِي فِيهَا، وَهِي أَعْقَاؤُه الْوَاحِدَة عِقْيٌ وَهُوَ شَيْء يَخْرُج من دبره وَهُوَ فِي بطن أمه، بعضه أسود وَبَعضه أصفر وَبَعضه أَحْمَر. وَقَالَ الكسائيُّ: سمعتهم يَقُولُونَ هُوَ رجل لَا حُولَةَ لَهُ يُريدون لَا حِيلَة لَهُ وَأنْشد:
لَهُ حُولَةٌ فِي مَحل أَمْرٍ أَرَاغَهُ
يُقَضي بِها الأَمْرَ الَّذِي كادَ صاحِبُه
وَقَالَ الفرّاء: سَمِعت أَنا إِنَّه لشديد الحيْل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَا لَهُ لَا شَدَّ اللَّهُ حيْلَه يُرِيدُونَ حِيلَتَه وقوّته. أَبُو زيد: فلَان على حَوَلِ فلَان إِذا كَانَ مثلَه فِي السن أَو وُلِدَ على إثره. قَالَ: وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول جمل حَوْلِيٌّ إِذا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وجمال حَوَالِيُّ بِغَيْر تَنْوِين وحواليَّة ومُهْرٌ حَوْلِيٌّ ومِهارة حَوْليَّات أَتَى عَلَيْهَا حول.
المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: بَنو مُحوّلة هم بَنو عبد الله بن غطفانَ، وَكَانَ اسمهُ عبدَ العُزَّى، فسمّاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبدَ الله فسمُّوا بني مُحَوَّلة. قَالَ وَالْعرب تَقول: مِنَ الْحِيلَة تَركُ الحِيلة، وَمن الحذر تَرك الحذر. وَقَالَ: مَا لَهُ حيلةٌ وَلَا حَوَلٌ وَلَا مَحَالةَ وَلَا حَويل وَلَا حِيلْ وَلَا حَيْلٌ وَقَالَ: الحيْل الْقُوَّة.
لوح ليح: قَالَ اللَّيْث: اللَّوْحُ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظ، صفِيحَة من صَفَائِح الْخشب والكتِف إِذا كُتِبَ عَلَيْهِ سُمّي لَوْحاً، وألواحُ الْجَسَد عِظَامه مَا خَلا قصبَ الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَيُقَال بل الألواح من الْجَسَد كلُّ عَظْمٍ فِيهِ عِرَضٌ واللَّوحُ العطشُ وَقَالَهُ أَبُو زيدٍ، وَقد لاَحَ يَلُوحُ إِذا عطِش.
وَقَالَ الليثُ: لاحَهُ العطَشُ ولوَّحه إِذا غيَّره، والْتَاحَ الرجلُ إِذا عطِش. ولاحه البَرْدُ ولاحَه السُّقْمُ والحُزْن، وَأنْشد غَيره:
وَلم يَلُحْها حَزَنٌ على ابنِمٍ
وَلَا أَبٍ وَلَا أخٍ فَتَسْهُمِ

(5/160)


واللَّوح: النظْرَةُ كاللمحة، تَقول: لُحْتُهُ بِبَصرِي إِذا رأيتَه لَوْحَةً ثمَّ خَفِي عَلَيْك.
وَأنْشد:
وَهل تَنْفَعني لَوْحَةٌ لَوْ أَلُوحُها
وَيُقَال للشَّيْء إِذا تلأْلأَ: لاحَ يَلُوح لَوْحاً ولُوحاً، والشيب يَلُوح، وَأنْشد للأعشى:
فَلَئِنْ لاَحَ فِي الذُّؤَابَةِ شَيْبٌ
بالبَكْرِ وأَنْكَرَتْنِي الغَوَانِي
قَالَ واللُّوحُ الْهَوَاء، وَأنْشد:
يَنْصَبُّ فِي اللُّوحِ فَمَا يَفُوتُ
قَالَ وَيُقَال أَلاَحَ البرقُ فَهُوَ مُلِحٌ وَأنْشد:
رأيتُ وأَهْلِي بِوَادِي الرَّجِيع
مِنْ نحوِ قَيْلَةَ بَرْقاً مُلِيحاً
قَالَ: وكلُّ من لَمعَ بِشَيْء فقد أَلاَح ولَوّح بِهِ. الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال أَلاَحَ من ذلكَ الأمْرِ إِذا أشْفَق مِنْهُ يُليحُ إلاحة، قَالَ وأنشدنا أَبُو عَمْرو:
إِنَّ دُلَيْماً قد أَلاحَ بِعَشِي
وَقَالَ أَنْزِلْنِي فَلَا إِيضَاعَ بِي
وَأنْشد:
يُلِحْنَ من ذِي زَجَلٍ شِرْواط
مُحْتَجِز بخَلَق شِمْطَاط
قَالَ وَيُقَال: أَلاَحَ بحقّي إِذا ذهب بِهِ. وَيُقَال: لاَحَ السيفُ والبَرْقُ يلوح لَوْحاً.
أَبُو عبيد لاَح الرجلُ وأَلاحَ فَهُوَ لاَئِح ومُلِيحٌ أَي بَرَزَ وظَهَرَ. وَقَالَ الزّجّاجُ فِي قَول اللَّهِ جلّ وعزّ: {ُِتَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} (المدَّثر: 29) أَي تُحْرِقُ الجلْدَ حَتَّى تسوده، يُقَال لاَحه ولَوَّحَه.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ سَمِعت ابْن الأَعرابي يَقُول: أَبيض لِيَاحٌ ولَيَاحٌ وأبيض يَقَقٌ ويَلَقٌ. قَالَ: ولُحْتُ إِلَى كَذَا أَلُوحُ إِذا نظرتَ إِلَى نَارٍ بعيدَة، قَالَ الْأَعْشَى:
لَعَمْرِي لقد لاحَتْ عُيونٌ كثيرةٌ
إِلَى ضَوْءِ نارٍ فِي يَفَاعٍ تَحَرَّقُ
أَي نَظَرَتْ. وَكَانَ لِحَمْزَة بن عبد الْمطلب سيف يُقَال لَهُ لِيَاحٌ. وَمِنْه قَول:
قد ذاقَ عُثمانُ يومَ الجَر من أحدٍ
وَقْعَ الَّلياحِ فَأَوْدَى وَهُوَ مَذْمُومُ
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّياح الثور الوحْشِيُّ. والصبحُ يُقَال لَهُ لِيَاحٌ. ابْن السّكيت يُقَال لَاحَ سُهَيْل إِذا بدا وألاح إِذا تلألأ.
وَقَالَ الليثُ المِلْوَاحُ الضامِرُ وَأنْشد:
من كل شَقَاءِ النَّسا مِلْوَاحِ
قَالَ: والمِلْوَاحُ العَطْشانُ، والمِلوَاحُ أَن تَعْمِد إِلَى بُومة فتخيطَ عينَها وتشدَّ فِي رِجْلها صوفَةً سوداءَ وتجعلَ لَهُ مَرْبأة ويَرْتَبِىءُ الصَّائِد فِي القُتْرَة ويطيّرها سَاعَة بعد سَاعَة، فَإِذا رَآهَا الصقرُ أَو البازِي سَقَط عَلَيْهَا فأخَذَهُ الصيَّادُ. فالبومَةُ وَمَا يَليهَا يُسمى مِلْوَاحاً. غَيره: بَعِيرٌ مِلْوَاحٌ عَظِيم الألْوَاحِ، وَرجل مِلْوَاحٌ كَذَلِك، وامرأةٌ مِلْوَاحٌ ودابَّةٌ مِلْوَاحٌ إِذا كَانَ سريعَ الضُّمْرِ. أَبُو عُبَيْدٍ: لاحَ البَرْقُ أَولاَحَ إِذا أَوْمَضَ. قَالَ والمِلوَاحُ من الدوابّ السَّرِيع العطَش.
وَقَالَ شَمِر وَأَبُو الْهَيْثَم: هُوَ الجيّدُ الألْواح الْعظِيمُها، وَقيل: ألْواحُه ذِرَاعَاه وساقَاهُ وعَضُدَاه.

(5/161)


وَحل: اللَّيْث: الوَحَلُ طينٌ يرتطم فِيهِ الدَّوَابّ يُقَال: وحِلَ فِيهِ يَوحَل وحَلاً فَهُوَ وحِلٌ إِذا وَقع فِي الوحَل والجميع الأوْحَالُ والوُحُول، قد استَوْحَلَ الْمَكَان.
ولح: اللَّيْث: الوَلِيحَةُ الضَّخْمُ من الجُوَالِق الوَاسِع، والجميع الوَلِيحُ. وَقَالَ أَبُو عبيد: الولِيح الجُوالق وَهُوَ واحدٌ، والولائح الجَوالق، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
يُضِيءُ رَبَاباً كَدُهْمِ المخا
ضِ جُللْنَ فوقَ الوَلايا الوَلِيحَا

(بَاب الحَاء وَالنُّون)
(ح ن (وايء))
حنا، حنأ، حَان، نحا، ناح، أنح، أحن، وحن، نيح: مستعملات.
حنا: قَالَ اللَّيْث: الحِنْوُ كل شيءٍ فِيهِ اعْوِجَاجٌ، والجميع الأَحْنَاءُ. تَقول: حِنْو الحِجَاجِ، وحنْوُ الأضْلاعِ، وَكَذَلِكَ فِي الإكاف والقَتَب والسَّرْجِ والجبالِ والأوْدِيةِ كلُّ منعرَجٍ، واعْوِجاجٍ فَهُوَ حِنْوٌ. وحَنْوتُ الشيءَ حَنْواً وحَنْياً، إِذا عطفْتَه. والانحِنَاء الْفِعْل اللازمُ، وَكَذَلِكَ التحنّي والمحْنِيَةُ مُنْحَنَى الْوَادي حَيْثُ ينْعَرِج منخفضاً عَن السَّنَد. وَقَالَ فِي رجل فِي ظَهره انحناء: إِن فِيهِ لَحِنَايَةً يهوديَّةً.
وَقَالَ شمر: الحِنْوُ والحِجَاجُ العظْمُ الَّذِي تَحت الْحَاجِب من الْإِنْسَان وَأنْشد لجرير:
وجُوهُ مُجاشِعٍ تَرَكُوا لَقِيطاً
وَقَالُوا حِنْوَ عَيْنِكَ والغُرَابا
يُرِيد قَالُوا لَهُ: احذرْ حِنْو عَيْنِك لَا ينقرهُ الغُرَابُ وَهَذَا تهكُّمٌ. والمَحْنِية العُلْبَةُ، وَقيل: أحناءُ الأمورِ أطرافُها وَنَواحيها، وحِنْو الْعين طَرَفُها، وَقَالَ الْكُمَيْت:
وآلُوا الأُمورَ وأَحْنَاءَها
فَلم يُبْهِلُوها وَلم يُهْمِلوا
أَي ساسوها وَلم يضيعوها. والحَنِيَّة الْقوس، وَجَمعهَا حَنَايَا والحُنِيُّ جمع الحِنْو، وأحنَاءُ الْأُمُور مُشْتَبهاتُها، وَقَالَ النَّابِغَة:
يُقَسمُ أَحْناءَ الأُمورِ فَهارِبٌ
شَاصٍ عَن الحرْب العَوَانِ وَدَائِنُ
والأُمُّ البَرَّة حانِيَةٌ، وَقد حنت على وَلَدِهَا تَحْنُو.
أَبُو عُبَيْدٍ عَن أبي زيد: يُقَال للْمَرْأَة الَّتِي تُقِيمُ على وَلَدِها وَلَا تتزوَّج: قد حنَتْ عَلَيْهِم تحنُو فَهِيَ حانِيَةٌ وَإِن تزوَّجَت بعده فَلَيْسَتْ بِحَانية. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِنِّي وسفعَاءَ الخدَّين الحانيةَ على وَلَدهَا يومَ الْقِيَامَة كهاتين، وَأَشَارَ بالوسطى والمسبحة.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أمكنت الشاةُ الكبشَ يُقَال حَنَتْ فَهِيَ حانِيَةٌ، وَذَلِكَ من شدّة صِرَافها. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا أَرادت الشاةُ الفحلَ، فَهِيَ حَانٍ بِغَيْر هَاء، وَقد حنَتْ تحنو. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تحنَّنْتُ عَلَيْهِ أَي رقَقْتُ لَهُ وَرَحمته. وتحنّيْتُ أَي عطفت وَفِي الحَدِيث: (خيرُ نساءٍ ركبن الإبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْش، أَحْنَاهُ على وَلدٍ فِي صغره، وأرعَاه على زَوْج فِي ذاتِ يَده) .

(5/162)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَانِي صاحبُ الْحَانُوت. قلت: وَالتَّاء فِي الْحَانُوت زائِدَةٌ، وَيُقَال حانَةٌ وحانُوتٌ، وصاحبها حَانٍ.
قَالَ الدينَوَرِي: ينْسب إِلَى الْحَانُوت حَانِيّ وحانَوِيّ وَلَا يُقَال حانُوتِي. وَأنْشد الْفراء:
وكيفَ لنا بالشُّرْبِ إِنْ لم يكن لنا
دَوَانِيقُ عِنْد الحَانَوِي وَلَا نَقْدُ
وحِنْوُ الْعين طرفها، وَقَالَ جرير:
وَقَالُوا حِنْوَ عَيْنِكَ والغُرَابا
قلت: حِنو الْعين حجاجُها لَا طرفها، سمّي حِنْواً لانحنائه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أَحْنَى على قرَابَته، وحنَى وحنَّى ورَئم.
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب:
حنأ: قَالَ اللَّيْث: حنَّأتُه إِذا خضبتُه بالحِنَّاء. وَقَالَ أَبُو زيد: حنَأْتُه بالحِنَّاء تَحْنِئَةً وتحنيئاً. وَقَالَ اللحيانيُّ: أخضرُ ناضرٌ وباقلٌ وحانِىءٌ والحِنَّاءَتَانِ رملتانِ فِي ديار تمِيمٍ. قلت: وَرَأَيْت فِي دِيَارهمْ ركِيّة تُدعى الحِنَّأَة، وَقد وردتها وَفِي مَائِهَا صُفْرَةٌ.
نحا: قَالَ اللَّيْث: النَّحْوُ القَصْدُ نَحْوَ الشَّيْء، نحوْتُ نَحْوَ فلَان أَي قصدْتُ قصْدَه. قَالَ: وبَلَغَنَا أَنّ أَبَا الْأسود وضع وُجُوهَ العربيَّةِ وَقَالَ للنَّاس: انْحُوا نَحْوَه فَسُمي نَحْواً، وَيجمع النَّحْوُ أَنْحَاءً.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحرانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: نحَا نَحْوَه يَنْحُوه إِذا قصَدَه، ونحا الشيءَ يَنْحَاهُ ويَنْحُوه إِذا حرَّفه، وَمِنْه سمّي النحويّ لِأَنَّهُ يحرفُ الْكَلَام إِلَى وُجُوه الْإِعْرَاب. قَالَ: وأَنْحَى عَلَيْهِ وانْتَحى عَلَيْهِ إِذا اعْتمد عَلَيْهِ. وَقَالَ شمر: انْتَحَى لي ذَلِك الشيءُ إِذا اعْترض لَهُ وَاعْتَمدهُ، وَأنْشد للأخطل:
وأَهْجُرُك هِجْرَاناً جميلاً ويَنْتَحِي
لَنَا من لَيالِينا العَوَارِمِ أَوَّلُ
قَالَ ابنُ الأعرابيّ: يَنْتَحِي لنا أَي يعودُ لنا، والعوارِم القِبَاحُ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال نحَّيْتُ فلَانا فتنَحَّى، وَفِي لُغَة نَحَيْتُه، وَأَنا أَنْحَاهُ نَحْياً، بِمَعْنَاهُ، وَأنْشد:
أَلاَ أَيُّهذَا الباخِعُ الوَجْدِ نَفْسَه
لِشَيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقَادِرُ
نحَتْهُ أَي باعدته، والنَّاحِيَةُ من كل شَيْء جَانِبه.
وَثَبت عَن أهل يُونَان فِيمَا يذكر المُتَرْجِمُون العارِفُون بلسانهم ولغتِهم أَنَّهُم يسمون عِلْم الألفاظِ والعناية بالبحث عَنهُ؛ فَيَقُولُونَ كانَ فُلانٌ من النحويّين، وَلذَلِك سميّ يوحنا الإسكندرانيُّ يحيى النحويَّ للَّذي كَانَ حَصَلَ لَهُ من الْمعرفَة بلغَة اليُونَانِ.
ابْن بُزُرْج: نَحَوْتُ الشَّيْء أَنْحُوه وأَنْحَاه قصدْتُه ونَحَيْتُ عنّي الشَّيْء ونَحَوْتَه إِذا نحَّيْته وَأنْشد:
فَلم يبقَ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مَحَلةٍ
رَماداً نَحَتْ عَنهُ السُّيولَ جَنَادِلُهْ
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: النُّحوَاءُ التمطّي. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأَعرابي أَنه أنْشدهُ:

(5/163)


وَفِي أَيْمَانِهِم بِيْضٌ رِقَاقٌ
كَبَاقِي السَّيْلِ أَصْبَحَ فِي المَنَاحِي
قَالَ المَنْحَاةُ: مسيل الماءِ إِذا كَانَ مُلْتَوِياً. وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عَمْرو: المَنْحَاةُ مَا بَين البِئْرِ إِلَى مُنْتَهى السانِيَةِ.
قَالَ الأزهريّ: المَنْحَاةُ مُنْتَهى مَذْهَبِ السَّانِيَة، وَرُبَّمَا وُضِعَ عِنْده حَجَرٌ ليعلم قَائِد السانية أَنه الْمُنْتَهى فيتيسَّر مُنْعَطفاً لِأَنَّهُ إِن جاوزَه تَقَطّع الغَرْبُ وأَدَاته.
وَقَالَ اللَّيْث: النحْيُ جَرَّةٌ يُجعل فِيهَا اللَّبَنُ ليُمْخَضَ، وَالْفِعْل مِنْهُ نَحَى اللَّبَنَ يَنْحَاهُ وتَنَحَّاه أَي تمَخَّضه وَأنْشد:
فِي قَعْرِ نحْيٍ أستَثيرُ حُمّهْ
قَالَ: وَجمع النَّحْيِ أنحاءٌ.
قلت: والنحْيُ عِنْد الْعَرَب الزقُّ الَّذِي يُجْعَل فِيهِ السَّمْن خاصّة. وَهَكَذَا قَالَ الأصمعيّ وَغَيره، وَمِنْه قِصَّةُ ذاتِ النحْيَين، وَالْعرب تضرب بهَا المثَلَ، فتقولُ: أَشْغَلُ مِنْ ذَات النَحْيَيْنِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: هِيَ امْرَأَةٌ من تَيْمِ الله بن ثَعْلَبة، وَكَانَت تبيع السَّمْنَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَتَاهَا خَوَّات بن جُبَير يبْتَاع مِنْهَا سَمْناً فساومَها فحلّت نِحْياً ثمَّ آخر فلَم يَرْضَ وأَعْجَلَهَا عَن شدّها نِحْيَيْها وساوَرَها فَقضى حَاجته مِنْهَا، ثمَّ هرب، وَقَالَ:
وَذَاتِ عِيَالٍ واثِقِينَ بِعَقْلِها
خَلَجْتُ لَهَا جارَ اسْتِها خَلَجاتِ
وشَدَّتْ يَدَيْهَا إِذْ أَرَدْت خِلاَطَها
بِنِحْيَيْنِ من سَمْنٍ ذَوَيْ عُجُرَاتِ
قلت: وَالْعرب لَا تعرف النحْيَ غيرَ الزق، وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث أَنه الجَرَّةُ يُمخض اللَّبَنُ فِيهَا بَاطِلٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنْحَى ونَحَا وانْتَحَى اعْتمد على الشّيْءِ. وَيُقَال: انْتَحَى لَهُ بِسَهْمٍ وأنْحَى عَلَيْهِ بشَفْرَتِه ونَحَا لَهُ بِسَهْمٍ، ويقالُ فلَان نَحِيَّةُ القَوَارِع إِذا كَانَت الشدائدُ تَنْتَحِيه وَأنْشد:
نَحِيَّةُ أَحْزَانٍ جَرَتْ مِنْ جُفُونِهِ
نضَاضَةُ دَمْعٍ مِثْلِ مَا دَمَع الوَشَلْ
نُضَاضَةُ دَمْع بقيّة الدُّمُوع، وبقيّةُ كل شَيْء نُضَاضَتُه. وَيُقَال: استَخَذَ فُلانٌ فلَانا أُنْحِيَّةً أَي انْتَحى عَلَيْهِ حَتَّى أَهْلَكَ مالَه أَو ضَرَّه، أَو جعل بِهِ شَرّاً. وَأنْشد:
إنّي إِذا مَا القومُ كَانُوا أُنْحِيَةً
أَي انتحوْا على عملٍ يَعْمَلُونَهُ. قَالَ ذَلِك شَمِرٌ فِيمَا قرأْتُ بخطّه.
وَقَالَ اللَّيْث: كل من جَدّ فِي أَمْرٍ فقد انْتَحَى فِيهِ كالفرس يَنْتَحِي فِي عِدْوِه.
وَقَالَ اللحْيَانِيُّ: يُقَال للرجل إِذا مَال على أحَدِ شِقّيه أَو انحنى فِي قوسه قد نَحَى وانتحى واجْتَنَح وجَنَح، وُضِعَا بِمَعْنى وَاحِد وَيُقَال تنحى لَهُ بِمَعْنى نَحا لَه، وانْتَحى لَهُ، وَأنْشد:
تَنَحَّى لَهُ عَمْروٌ فَشَكَّ ضُلُوعَه
بِمُدْرَنْفقِ الخَلْجَاءِ والنَّقْعُ سَاطِعُ
وَفِي حَدِيث ابْن عمر: أَنَّه رأى رَجُلاً ينْتَحِي فِي سُجُوده فَقَالَ لَا تَشِينَنّ صُورَتك.

(5/164)


قَالَ شَمِرٌ: الانْتِحاءُ فِي السُّجُود الاعتمادُ على الْجَبْهَة والأنفِ حَتَّى يُؤثر فيهمَا.
وَقَالَ الأصمعيّ: الانْتِحَاء فِي السّير الِاعْتِمَاد على الْجَانِب الْأَيْسَر ثمَّ صَار الِاعْتِمَاد فِي كل وَجه. قَالَ رؤبة:
مُنْتَحِياً مِنْ نَحْوِهِ على وَفَقْ
حَان: قَالَ اللَّيْث: الحَيْنُ الْهَلَاك، يُقَال: حَان يَحِينُ حَيْناً، وكل شيءٍ لم يُوَفَّقْ للرشاد فقد حَان حيْناً. وَيُقَال: حَيَّنَه الله فتحيّن، قَالَ: والحَائِنَةُ النَّازِلَةُ ذَات الحَيْن، والجميع الحوائن وَقَالَ النَّابِغَة:
بِتَبْلٍ غَيْرِ مُطَّلَبٍ لَدَيْها
ولكنَّ الحَوَائِنَ قَدْ تَحِينُ
والحينُ وقْتٌ من الزَّمَان، يُقَال: حانَ أَن يكونَ ذَاك، وَهُوَ يَحينُ، وَيجمع الأحْيَانَ ثمَّ تجمع الأَحيانُ أحايِينَ. قَالَ: وحيَّنْتُ الشيءَ جعلتُ لَهُ حِيناً، قَالَ فَإِذا باعدوا بَين الْوَقْت باعدُوا بإذٍ فَقَالُوا حِينَئذٍ، خفَّفوا هَمْزَةَ إِذٍ فأبدلوها يَاء فكتبوه بِالْيَاءِ. قَالَ: والحين يَومُ الْقِيَامَة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {تُؤْتِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} (إِبْرَاهِيم: 25) .
قَالَ الزّجاج: اختلفَ العلماءُ فِي تفسيرِ الحِين، فَقَالَ بَعضهم: كُلَّ سنة، وَقَالَ قوم: سِتَّة أشْهُرٍ، وَقَالَ قوم: غدْوَة وَعَشِيَّة، وَقَالَ آخَرُونَ: الحِينُ شهْرانِ، قَالَ: وجميعُ من شَاهَدْنَاهُ من أَهْلِ اللُّغة يذهبُ إِلَى أَنَّ الْحِين اسمٌ كالوقت يصلح لجَمِيع الأَزْمانِ كُلها، طالَتْ أَو قَصُرَت. قَالَ: وَالْمعْنَى فِي قَوْله: {تُؤْتِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} أَنه يُنتفعُ بهَا فِي كُل وقْتٍ لَا يَنْقَطِع نَفَعُها الْبَتَّةَ، قَالَ: وَالدَّلِيل على أَن الْحِين بِمَنْزِلَة الْوَقْتِ قولُ النَّابِغَة وأنشده الْأَصْمَعِي:
تَنَاذَرَها الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سُمها
تُطَلقُه حِيناً وحِيناً تُراجِعُ
الْمَعْنى أَن السُّمَّ يَخِفُّ ألمه وقتا وَيعود وقتا، وَقَول الله جلّ وعزَّ: {ُِلِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} (ص: 88) أَي بعد قيام الْقِيَامَة.
أَبُو عُبيدٍ عَن الأصمعيّ: التَّحْيِينُ أَن تُحْلَبَ الناقةُ فِي اليَوْمِ والليلةِ مرّةً وَاحِدَة قَالَ: والتوجيبُ مِثْلُه، وَقَالَ المخبَّل يصف إبِلا:
إِذا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها
وإِنْ حُينَتْ أَرْبَى على الوَطْبِ حَيْنُها
ونحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث: وَهُوَ كلامُ الْعَرَب. وإبل مُحَيَّنة إذَا كَانَت لَا تُحْلَبُ فِي الْيَوْم واللَّيلة إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا بعد مَا تَشُولُ، ويقلُّ أَلْبَانُها.
ابْن السكّيت عَن الفَرَّاء: هُوَ يَأْكُل الحِينَةَ، والحَيْنَة: أَي وَجْبَةٌ فِي الْيَوْم لأهل الْحجاز يَعْنِي الفتَح. وَيُقَال: حَان حِينهُ، وللنَّفْس قد حَان حِينُها إِذا هَلَكت، وَيُقَال تحيَّنْتُ رُؤيَةَ فلانٍ أَي تنظَّرْتُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْيَنَت الْإِبِل إِذا حَان لهَا أَن تُحْلَبَ أَو يُعكم عَلَيْهَا. وأَحْيَنَ القومُ، وَأنْشد:
كيفَ تنامُ بعدَ مَا أَحْيَنَّا
نوح: قَالَ اللَّيْث: النّوْحُ مصدر ناح يَنُوح نَوْحاً، وَيُقَال نائحةٌ ذَات نِيَاحَةٍ ونَوَّاحةٌ ذَات مناحة، والمَنَاحَةُ أَيْضا الاسمُ،

(5/165)


وَتجمع على المناحات والمناوح والنوائح اسْم يَقع على النّساء يجتمِعْن فِي مناحة وتجتمع على الأنواح قَالَ لبيد:
قُوما تجوبانِ مَعَ الأَنْوَاحِ
والنَّوَح: نَوْحُ الْحَمَامَة قَالَ: والرّياح إِذا اشْتَدَّ هُبُوبها يُقَال قد تناوحت، وَمِنْه قَول لبيد يمدح قومه:
وَيُكَللُونَ إِذا الرياحُ تَنَاوَحَتْ
خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُها
قلت: والرياحُ النُّكْبُ فِي الشتَاء هِيَ المُتنَاوحة، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تهُبّ من جِهَةٍ واحدةٍ وَلكنهَا تَهُبُّ من جِهَات مُخْتَلِفة وَسميت متناوحة لمقابلة بَعْضهَا بَعْضًا، وَذَلِكَ فِي السَّنة الجدبة وقلّة الأَنْدية، ويُبْس الْهَوَاء وَشدَّة البرْد. والنوائح من النِّسَاء سمين نوائِحَ لمقابلة بَعضهنَّ بَعْضًا إِذا نُحْنَ، وَقَالَ الكسائيّ فِي قَول الشَّاعِر:
لقد صَبَرَتْ حَنِيفَةُ صَبْرَ قَوْمٍ
كِرَامٍ تحتَ أَظْلاَلِ النَّوَاحِي
أَراد النَّوائح فَقلب وَعنى بهَا الراياتِ المتقابلات فِي الحَرْبِ. قَالَ:
وَيُقَال هما جَبَلاَنِ يَتَنَاوَحان، وشجرتان تتَنَاوحان إِذا كَانَتَا متقابِلَتين، وَأنْشد غَيره:
كأنكَ سكرانٌ يَمِيلُ برأسِهِ
مُجَاجَةُ زِقَ، شَرْبُها مُتَنَاوِحُ
أَي يُقَابِلُ بعضُهم بَعْضاً عِنْد شرْبِها، وَقيل أَرَادَ بقوله تَحت أظلال النواحي السيوفَ.
أنح: قَالَ اللَّيْث: أَنَحَ يَأْنِحُ أَنِيحاً إِذا تأذّى من مَرَضٍ أَوْ بُهْرٍ يتَنَحْنَحُ فَلَا يَئِنُّ. وَفرس أَنُوحٌ إِذا جرى فزفر وَقَالَ العجَّاج:
جِرْيَةَ لاَ كَابٍ وَلَا أَنُوحِ
والأَنُوح مثل النَّحيطِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ صَوت مَعَ تَنَحْنُح. ورجلٌ أَنُوحٌ كثير التنحنح. وَقد أَنَحَ يَأنِحُ. قَالَه أَبُو عبيد. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأنِحُ الَّذِي إِذا سُئِل الشيءَ يُنَحْنِحُ، وَذَلِكَ من البُخْلِ، يُقَال مِنْهُ: أَنَح يَأْنِحُ.
نيح: قَالَ اللَّيْث: النَّيْحُ اشتداد العظْمِ بعد رطُوبته من الْكَبِير وَالصَّغِير. نَاحَ يَنِيحُ نَيْحاً وَإنَّهُ لعظم نيّحٌ شديدٌ، ونَيَّح اللَّهُ عَظْمَهُ يدْعُو لَهُ.
أحن: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الإحْنَةُ الحقدُ فِي الصَّدْرِ، وَقد أحِنْتُ عَلَيْهِ آحَنُ أَحَناً وآحَنْتُه مُؤاحَنَةً من الإحْنَةِ.
وَقَالَ اللَّيْث نحوَه. قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا: حِنَةٌ. قلتُ حِنَةٌ لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب وَأنكر الأصمعيُّ والفرّاءُ وَغَيرهمَا حِنَةٌ وَقَالا الصَّوَاب إِحْنَةٌ وَجَمعهَا إِحَنٌ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب أَحِنَ عَلَيْهِ وَوَحِن من الإحْنَة.
وحن: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الاعرابيّ أَنه قَالَ التوحُّن عِظَمُ البَطْنِ قَالُوا والوَحْنَةُ الطين المزلّق قَالَ والتوحّن الذُّلّ والهلاك. والنوْحَةُ الْقُوَّة، قلت وَهِي النيْحَةُ أَيْضا.

(بَاب الْحَاء وَالْفَاء)
(ح ف (وايء))
حفا، حاف، فحا، فاح، وحف.
حفا: قَالَ ابْن المظفر: الحِفْوَةُ والحَفَا مصدرُ الحَافي، يُقَال حَفِيَ يَحْفي إِذا كَانَ بِغَيْر

(5/166)


خُفَ وَلَا نعلٍ، وَإِذا انسحجت الْقدَم أَو فِرْسَنُ البعيرِ أَو الحافرُ من الْمَشْي حَتَّى رقَّت قيل حَفِيَ يَحْفَى فَهُوَ حفٍ وَأنْشد:
وَهْوَ مِنَ الأَيْنِ حَفٍ نَحِيتُ
وأَحْفَى الرجلُ إِذا حَفِيَتْ دابَّتهُ. وَقَالَ الزّجّاج الحَفَا مقصورٌ أَن يكثُر عَلَيْهِ الْمَشْي حَتَّى يُؤلِمَه المشيُ. قَالَ: والحَفَاء ممدودٌ أَن يمشي الرجل بِغَيْر نعلٍ، حافٍ بيّن الحفاءِ ممدودٌ وحفٍ بيّن الْحَفَا مقصورٌ إِذا رقّ حافِرُه.
ورُوِيَ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بإحفاء الشَّوارب وإِعْفَاءِ اللحَى.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيُّ: أَحْفَى شَاربَه ورَأْسَه إِذا ألزق جَزّه. قَالَ. وَيُقَال: فِي قَول فلَان إحْفَاءٌ وَذَلِكَ إِذا أَلْزَق بك مَا تَكْرَهُ وأَلَحّ فِي مساءَتِك كَمَا يُحَفَّى الشيءُ أَي ينتقص.
وَقَالَ الْحَارِث بن حِلّزة:
إنَّ إِخْوَاننَا الأَرَاقِمَ يَعْلُونَ
علينا، فِي قِيْلِهِمْ إحفَاءُ
أَي يقعون فِينَا.
وَقَالَ اللَّيْث: أحفى فلانٌ فلَانا إِذا برَّح بِهِ فِي الإلحاف عَلَيْهِ أَو مُسَاءلة فَأكْثر عَلَيْهِ فِي الطّلب. قلت: الإحفاءُ فِي المسألَةِ مثلُ الإلحاف سَوَاء وَهُوَ الإلحاح. وَقَالَ الْفراء: {أَمْوَالَكُمْ ؤإِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} (محَمَّد: 37) أَي يُجهدْكم، وأَحَفَيْتُ الرجلَ إِذا أجهدْته وَكَذَلِكَ قَالَ الزّجاج. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} (الأعرَاف: 187) فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير مَعْنَاهُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كأنّك حَفِيٌّ بهَا. قَالَ وَيُقَال فِي التَّفْسِير كَأَنَّك حفِيّ كأنَّكَ عَالمٌ بهَا، مَعْنَاهُ حافٍ عالِمٌ.
وَيُقَال تحافَيْنَا إِلَى السُّلْطَان فرفَعَنا إِلَى القَاضِي، قَالَ: وَالْقَاضِي يُسمى الحَافِيَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمَعْنى يَسْأَلُونَك عَن أَمْرِ الْقِيَامَة كَأَنَّك فَرِحٌ بِسُؤالهم، يُقَال قد تحفّيْتُ بفلان فِي المسألَةِ إِذا سَأَلت بِهِ سؤالاً أظْهَرْت فِيهِ المحبَّة والبِرَّ، قَالَ: وَقيل {كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} كَأَنَّك أكثرْتَ الْمَسْأَلَة عَنْهَا. وأمَّا قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} (مريَم: 47) فَإِن الفرّاء قَالَ مَعْنَاهُ كَانَ بِي عَالِما لَطيفاً يُجيب دُعَائي إِذا دعوْتُه. قَالَ أَبُو بكر: يُقَال تحفى فلانٌ بفلانٍ مَعْنَاهُ أنَّه أظهر الْعِنَايَة فِي سُؤاله إيّاه، يُقَال: فلانٌ بِهِ حَفِيٌّ إِذا كَانَ معنِيَّاً، وَأنْشد:
فَإنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَارُبَّ سائِلٍ
حَفِيَ عَن الأعْشى بهِ حيثُ أَصْعَدَا
مَعْنَاهُ مَعْنِيٌّ بالأعْشى وبالسؤال عَنهُ، وَقَالَ فِي قَوْله: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} مَعْنَاهُ كأَنَّك مَعْنِيٌّ بهَا، وَيُقَال: الْمَعْنى يَسْأَلُونَك كأنَّك سائِلٌ عَنْهَا، قَالَ وَقَوله: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} مَعْنَاهُ كَانَ بِي مَعْنِيّاً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: يُقَال لقِيت فُلاناً فَحَفِيَ بِي حَفَاوَةً. وتحفّى بِي تحفياً، وَيُقَال حَفِيَ اللَّهُ بك فِي معنى أكْرَمك اللَّهُ. والتَّحَفي الكلامُ واللقاءُ الْحسن. وحَفِيَ من نَعْله وخُفه حُفْوَةً وحِفْيَةً وحَفَاوَةً، وَمَشى حَتَّى

(5/167)


حَفِي حَفاً شَدِيدا، وأحفاه الله وتَوَجّى من الحَفَا وَوَجِي وَجىً شَدِيدا.
وَقَالَ الزجَّاج فِي قَوْله: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} مَعْنَاهُ لطيفاً يُقَال: حَفِيَ فُلانٌ بفلانٍ حُفْوَة إِذا برّه وأَلْطَفَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفِيُّ هُوَ اللَّطِيف بك يَبَرُّك ويُلطفك ويَحتفي بِكَ.
وَقَالَ الأصمعيّ: حَفِيَ فُلانٌ بفلان يَحْفَى بِهِ حَفَاوَة إِذَا قَامَ فِي حاجَتِه وأَحْسَنَ مَثْوَاهُ. وَيُقَال: حَفَا فُلانٌ فُلاناً من كل خَيْر يَحْفوه إِذا مَنَعَه من كلّ خير.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ الحَفْوُ: المَنْعُ، يُقَال أَتاني فَحَفَوْتُه أَي حرمتُه. وعطس رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق ثَلَاث فَقَالَ لَهُ النَّبِي: حَفَوْتَ، يَقُول: منَعْتَنَا أَن نشمتَكَ بعد الثلاثِ. قَالَ: وَمن رَوَاهُ: حَقَوْت، فَمَعْنَاه شدّدت علينا الأمْرَ حَتَّى قطعْتنا مَأْخُوذ من الحِقْو لِأَنَّهُ يقطع الْبَطن ويشدّ الظّهْر.
وَفِي حَدِيث الْمُضْطَر الَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى تحل لنا المَيْتة؟ فَقَالَ: مَا لم تَحْتَفِئُوا بهَا بَقْلاً فشأنَكم بهَا.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ من الحَفَأ مَهْمُوز مقصورٌ وَهُوَ أصل البَرْدِيّ الرطْب الأبيضِ مِنْهُ، وَهُوَ يُؤْكَل، فتأوَّله فِي قَوْله تحْتَفِئوا يَقُول: مَا لم تَقْتَلِعُوا هَذَا بعيْنه فتأكلوه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفَأُ: البرديّ الأخْضَرُ، مَا كَانَ فِي منبته كثيرا دائِماً، والواحدة حَفأَةٌ، وَأنْشد:
أَو ناشِىء البَرْدِيّ تَحت الحَفا
ترك فِيهِ الْهَمْز قَالَ واحتَفَأْتُ أَي قلعت قلت: وَهَذَا يقرب من قَول أبي عُبَيْدَة ويقوّيه قَالَ أَبُو سعيد فِي قَوْله أَو احْتَفِنُوا بَقْلاً فشأْنَكُم بهَا، صوابُه تَحْتَفُوا بتَخْفِيف الْفَاء، وكل شَيْء استُؤصل فقد احتُفِيَ، وَمِنْه إحفاءُ الشّعْر. قَالَ: واحتفى البقْلَ إِذا أَخَذَهُ من وجْه الأَرْض بأطراف أَصَابِعه من قِصَرِه وقِلَّته، قَالَ: وَمن قَالَ احْتَفِئُوا بِالْهَمْز من الحَفَأ البَرْدِيّ فَهُوَ بَاطِل لأنّ البَرْدِيّ لَيْسَ من البَقْل، والبُقُولُ مَا نَبَت من العُشْبِ على وَجه الأَرْضِ مِمَّا لَا عِرْق لَهُ قَالَ: وَلَا بَرْدِيّ فِي بِلَاد العَرَبِ، قَالَ والاجْتِفَاءُ أَيْضا فِي هَذَا الحَدِيث بَاطِل لِأَن الاجتفاء كبُّك الْآنِية إِذا جفأَته وَقَالَ خَالِد بن كُلْثوم: احتفى الْقَوْم المرعى إِذا رعَوه فَلم يتْركُوا مِنْهُ شَيْئا قَالَ وَفِي قَول الْكُمَيْت:
وشُبه بالحفْوَةِ المُنْقَلُ
أَن ينتقلَ القومُ من مَرْعىً احْتَفَوْه إِلَى مرعىً آخرَ.
أَبو عبيد عَن الْأَصْمَعِي حَفَّيْتُ إِلَيْهِ فِي الْوَصِيَّة بَالَغْتُ قَالَ: تحفّيْتُ بِهِ تَحَفياً، وَهُوَ المُبَالَغَةُ فِي إكْرَامه.
أَبُو زيد: حافَيْتُ الرجل محافاة إِذا نازعته الْكَلَام وماريتَه. والحفْوَةُ الحَفَا وَتَكون الحِفْوَة من الحافي الَّذِي لَا نعل لَهُ وَلَا خُفّ. وَمِنْه قَول الْكُمَيْت:
وشُبه بالحِفْوَةِ المُنْقَلُ
فحا: أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الفَحِيّةُ الحَسَاءُ، عَمْرو عَن أَبِيه هِيَ

(5/168)


الفَحْيَةُ، والفَأْرَةُ والفَئِيرَة والحرِيرَةُ لِلْحَسْوِ الرَّقِيق.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَحْوَى معنى مَا يُعْرَفُ من مذْهَبِ الْكَلَام، تَقول أعرف ذَلِك فِي فَحْوَى كلامِه وَإنَّهُ لَيُفَحي بِكَلَامِهِ إِلى كَذَا وَكَذَا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب أنّه قَالَ: يُقَال فِي فَحْوَى كلامِه أَي مَعْنَاهُ وفَحْواءِ كَلَامه وفُحَوَاءِ كلامِه. قَالَ: وَكَأَنَّهُ من فَحَّيْتُ القِدْر إِذا ألقَيْتَ فِيهَا الأَفْحَاءَ وَهِي الأبْزَارَ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ وَاحِد الأفحاء فِحىً وفَحىً.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الفَحَى الأبزَارُ، وَجمعه الأفْحَاءُ وَالْبَاب كُله بِفَتْح أَوله مثل الحَشَا: الطرَف من الأطْراف والقفا والرَّحَى والوغَى والشَّوَى.
فوح فيح: قَالَ اللَّيْث: الفَوْحُ وِجْدَانُكَ الريحَ الطيبَة، تَقول: فَاحَ المِسْكُ، وَهُوَ يَفُوح فَوْحاً وفُؤُوحاً.
وَقَالَ الأصمعيّ: فاحَتْ ريحٌ طيبَة وفاخَت بِالْحَاء وَالْخَاء بِمَعْنى واحدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللحياني.
وَقَالَ الفرَّاء فاحت رِيحه وفاخت فأَمَّا فاخت فَمَعْنَاه أَخَذَتْ بِنَفْسه، وفاحتْ دُونَ ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو زيد: الفَوْحُ من الرّيح والفَوْحُ إِذا كَانَ لَهَا صوتٌ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فاح الطيبُ يفوح فَوْحاً إِذا تضوّع وانتشرتْ رِيحُه، وفاحت الشَّجَّةُ فَهِيَ تَفِيح فَيْحاً إِذا نَفَحَتْ بِالدَّمِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: فاحت القِدْرُ تَفيح فَيْحاً وفَيَحَاناً، وَلَا يُقَال فَاحَتْ رِيحٌ خبيثةٌ. إِنَّمَا يُقَال للطيبَةِ فَهِيَ تَفِيحُ. قَالَ: وفاحت القِدْرُ إِذا غَلَتْ وفاحَتْ ريحُ الْمسك فيحاً وفيحاناً وَقَالَ اللَّيْث الفيح سطوع الحَرّ وَفِي الحَدِيث: (شدَّة الحرّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ) .
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: أَرِقْ عَنْك من الظَّهِيرَة، وأهْرِقْ وأهرىء وأَبِخْ وبخبخ وأَفِح إِذا أمرْتَه بالإبرَاد، وَكَانَ يُقَال للغارة فِي الْجَاهِلِيَّة فِيحِي فَيَاحِ وَذَلِكَ إِذا دُفِعت الْخَيل المغيرةُ فاتّسعت.
وَقَالَ شمر: فِيحِي: اتّسعي وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
شَدَدْنَا شدَّةً لَا عَيْبَ فِيها
وقُلْنا بالضُّحى فِيحِي فَيَاحِ
وَقَالَ اللَّيْث: الفيحُ والفيوحُ خِصْب الرّبيع فِي سَعَة الْبِلَاد وأَنشد:
يَرْعى السحابَ العهدَ والفُيُوحَا
قلت وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي والفَتُوحا بِالتَّاءِ قَالَ والفَتْحُ والفَتُوح من الأمْطارِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَقد مرّ فِي الثلاثي الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: الفيحُ مصدر الأفيح وَهُوَ كل مَوضِع وَاسع، تَقول رَوْضَة فَيْحَاءُ ومكَان

(5/169)


أَفْيَح وَقد فَاحَ يَفَاحُ فَيَحاً، وَقِيَاسه فَيحَ يَفْيَحُ.
قلت: وَقَوْلهمْ للغارة: فِيحِي فَيَاحِ، الغارَةُ هِيَ الخيلُ المُغيرةُ تَصْبَحُ حيّاً نَازِلِينَ، فَإِذا أَغَارَتْ على ناحيةٍ من الحيّ تَحَرَّزَ عُظْمُ الْحَيّ ولجئوا إِلَى وَزَرٍ يعوذُون بِهِ، وَإِذا اتسعوا وانتشروا أحرَزُوا الحيّ أَجْمَع، وَمعنى فِيحِي أَي انتشري أَيَّتُها الخيلُ المُغِيرَةُ، وسمّاها فَيَاحِ لِأَنَّهَا جماعةٌ مُؤَنّثَة خرجت مَخْرَج قطامِ وحَذَامِ وكَسَابِ وَمَا أشبههَا.
وناقةٌ فيَّاحةٌ إِذا كَانَت ضخمةَ الضّرع.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لَو ملكت الدُّنْيَا لفيَّحْتُها فِي يومٍ وَاحِد أَي أنفقتها وفرّقتها. وَرجل فَيَّاحٌ نَفَّاحٌ: كثير العطايا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أفاح الدماءَ أَي سَفَكَها، وفَاح الدمُ نفسُه، ونَحْوَ ذَلِك.
قَالَ أَبُو زيد، وَأنْشد:
إلاَّ دِيَاراً أَوْ دَماً مُفَاحاً
شمر: كُلُّ شَيْء واسعٍ فَهُوَ أَفْيَحُ وفَيَاحٌ وفيَّاح. وَيُقَال فِي جمع الأَفْيَحِ فِيحٌ، وناقة فَيَّاحَةٌ ضخمةُ الضَّرْعِ غزيرة اللَّبن وَقَالَ:
قد يمنح الفياحة الرفودا
يحسبها حالبها صعُودًا
حوف حيف: قَالَ اللَّيْث: الحَوْفُ الْقرْيَة فِي بعض اللُّغَات، وَجمعه الأحواف، قَالَ: والحَوْفُ بلغَة أَهْلِ الجَوْفِ وأَهْلِ الشحْر كالْهَوْدَجِ وَلَيْسَ بِهِ، تركَبُ بهِ المرأةُ البعيرَ.
شمر: الحَوْفُ إزَارٌ من أَدَمٍ يلبَسُه الصّبيان، وَجمعه أَحْوَافٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هُوَ الحَوْف فِي لُغَة أهْلِ الْحجاز، وَهُوَ الوَثْر وَهِي نُقْبَةٌ من أَدَمٍ تُقَدُّ سيوراً عَرْضُ السيْر أربعُ أَصَابِع تلْبَسُه الجاريةُ الصغيرةُ قبل إِدْرَاكهَا وَأنْشد:
جَارِيَة ذَات هنٍ كالنَّوْفِ
مُلَمْلَمٍ تَسْتُرُه بِحَوْفٍ
يَا لَيْتَني أَشِيمُ فِيهِ عَوْفِي
وَقَالَ اللَّيْث: الحافان عِرْقان أَخْضَرَان من تَحت اللِّسَان، وَالْوَاحد حَافٌ، خفيفٌ. قَالَ: وناحيةُ كل شَيْء حَافَتُه وَمِنْه حافَتَا الْوَادي، وتصغيره حُوَيْفَةٌ.
وَقَالَ الْفراء: تحَوَّفْتُ الشيءَ أخذتُه من حَافَتِه قَالَ وتخوَّفْتُه بِالْخَاءِ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ غَيره: حِيفَةُ الشيءِ ناحِيتُه، وَقد تحيّفْتُ الشيءَ أخذتُه من نَواحيه.
والحَيْفُ المَيْلُ فِي الحكم، يُقَال: حَاف يحِيف حَيْفاً.
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: يُرَدُّ من حَيْفِ النّاحل مَا يُرَدُّ من جَنَفِ المُوصِي، وحَيْفُ النَّاحل أَن يكون للرجل أولادٌ فَيُعطِي بَعْضًا دونَ بعض، وَقد أُمِرَ بِأَن يُسَوي بينَهُم، فَإِذا فضَّل بعضَهم فقد حَاف. وَجَاء بَشِيرٌ الأنصاريُّ بابْنِه النُّعْمانِ بْنِ بشير إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد نَحَلَه نَحْلاً وأرَادَ أَن يُشهِدَه عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: أَكُلَّ وَلدكَ قد نَحَلْتَ مثله؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ إِنِّي لَا أشْهَدُ على حَيْفٍ وتُحِبُّ أَن يكون أولادُك فِي بِرك سَوَاء فسو بينَهُم فِي العطاءِ، هَذَا حَيْفٌ.

(5/170)


وَقَالَ اللَّهُ جلّ وعزّ: {أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} (النُّور: 50) أَي يجور.
وحف: قَالَ اللَّيْث: الوَحْفُ: الشعَر الكثيرُ الأسودُ، وَمن النَّبَات الرَّيَّان. يُقَال وَحُف يَوْحُف وَحَافَةً ووُحوفَةً.
شمر: قَالَ ابنُ شُمَيْل: قَالَ أَبُو خَيرة: الوحْفَةُ القَارَةُ مثل القُنَّة غبراءُ وحَمْرَاءُ تضرِبُ إِلَى السوَاد. قَالَ: والوِحَافُ جماعةٌ.
وَقَالَ رؤبة:
وعَهْدِ أطْلاَلٍ بِوادِي الرَّضْمِ
غَيَّرَها بَيْنَ الوِحَافِ السُّحْمِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الوِحَافُ مَا بَين الأرْضَيْنِ مَا وصل بعضُه بَعْضًا وَأنْشد للبيد:
مِنْهَا وِحَافُ القَهْرِ أَو طِلْحَامُها
قَالَ: والوَحْفَاءُ الحمراءُ من الأرضِ والمَسْحَاءُ السوداءُ.
وَقَالَ بَعضهم: المَسْحَاءُ الحمْراءُ، والوحْفَاءُ السودَاءُ.
وَقَالَ الْفراء: الوحْفَاءُ الأرْضُ فِيهَا حِجَارَةٌ سودٌ وَلَيْسَت بِحَرَّةٍ، وَجَمعهَا وَحَافَى.
أَبُو عبيدٍ عَن أبي زيد: الوحْفَةُ الصَّوْت، وَيُقَال وَحَفَ الرجل ووحَّف إِذا ضرب بِنَفْسه الأرضَ، وَكَذَلِكَ البعيرُ. والمَوْحِفُ الْمَكَان الَّذِي تبْرُك فِيهِ الْإِبِل، وناقة مِيحَافٌ إِذا كَانَت لَا تفارِقُ مَبْرَكَها، وإبل مَوَاحِيفُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَحَفَ فلانٌ إِلَى فلانٍ إِذا قصدَه وَنزل بِهِ، وَأنْشد فِي ذَلِك:
لَا يَتَّقِي اللَّهَ فِي ضَيْفٍ إِذا وَحَفَا
قَالَ: وأَوْحَفَ وأَوْجَفَ ووَحَفَ ووَحّف، كُله إِذا أَسْرَع.

(بَاب الْحَاء وَالْبَاء)
(ح ب (وايء))
حبا حبأ، حاب، باح (بوح) ، حوأب، بيح (بياح) .
حبا: قَالَ اللَّيْث: الصَّبِي يَحْبُو قبل أَنْ يَقُومَ، وَالْبَعِير إِذا عُقِلَ يَحْبُو فَيَزْحَفُ حَبْواً. وَيُقَال: مَا نجا فلانٌ إِلَّا حَبْواً، وَيُقَال: حَبَت الأضْلاَعُ إِلَى الصُّلْبِ وَهُوَ اتصالُها، وَيُقَال للمسايل إِذا اتّصل بعضُها ببعضٍ حَبَا بعضُها إِلَى بعضٍ وَأنْشد:
تَحْبُو إِلى أَصْلابِهِ أمعاؤُه
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: تَحْبُو: هَاهُنا: تتَّصِل، قَالَ والمِعَى كُلُّ مِذْنَبٍ بقرار الحضِيض وَأنْشد:
كأنَّ بينَ المِرْطِ والشُّفُوفِ
رَمْلاً حَبَا مِنْ عَقَد العَزِيفِ
والعزيف من رِمال بني سعد.
وَقَالَ العجّاج فِي الضلوع:
حَابِي الحُيُودِ فَارِضُ الحُنْجُورِ
يَعْنِي اتصَالَ رؤوسِ الأضْلاَعِ بعضِها بِبَعْضٍ. وَقَالَ أَيْضا:
حَابِي حُيُودِ الزَّوْرِ دَوْسَرِي
الدوسريُّ الجريء الشَّديد
وبَنُو سعدٍ يُقَال لَهُم دَوْسَرُ. قَالَ: والحُبْوَة الثَّوْب الَّذِي يُحتبى بِهِ وَجَمعهَا حُبىً.

(5/171)


أَبُو عبيد عَن الفرّاء يُقَال حُبْيَةٌ وحَبْوَةٌ. وَقد احتبى بثوبِه احتباءً.
وَالْعرب تَقول: الحُبَى حيطانُ الْعَرَب. وَقد يَحْتَبي الرجل بيدَيْهِ أَيْضا.
أَبُو بكر: الحِبَاءُ مَا يَحْبُو بِهِ الرجل صَاحبه ويُكرمه بِهِ. قَالَ: والحِبَاءُ من الاحْتباءِ، وَيُقَال فِيهِ الحُباءُ بِضَم الْحَاء، حَكَاهُمَا الكسائيّ، جَاءَ بهَا فِي بَاب الْمَمْدُود.
قَالَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: فلَان يَحْبُو قَصَاهُم ويحوط قَصَاهُم بِمَعْنى، وَأنْشد:
أَفْرِغْ لِجُوفٍ وِرْدُها أَفْرَادُ
عَبَاهِلٍ عَبْهَلَهَا الوُرَّادُ
يحبُو قَصَاهَا مُخْدِرٌ سِنَادُ
أَحْمَرُ مِنْ ضِئْضِئِها مَيَّادُ
سنادٌ مشرِفُ وميَّادٌ يذْهَبُ ويجِيءُ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الحابِي من السهامِ الَّذِي يَزْحَفُ إِلَى الهدَفِ إِذا رُمِيَ بِهِ. قَالَ والحَبِيُّ من السحابِ الَّذِي يعْتَرِض اعتراضَ الجَبَل قبل أَن يُطبق السماءَ.
وَقَالَ اللَّيْث الحَبِيُّ سحابٌ فَوق سحابٍ.
قَالَ: وَيُقَال للسفينة إِذا جرت حَبَتْ، وَأنْشد:
فَهْوَ إِذا حَبَا لَهُ حَبِيُّ
وَيُقَال: حَبَا لَهُ الشيءُ إِذا اعترضَ، فَمَعْنَى إِذا حَبا لَهُ أَي اعْترض لَهُ مَوْجٌ. قَالَ والحِبَاءُ عَطاءٌ بِلَا مَنّ وَلَا جزاءٍ، تَقول حَبَوْتُه أَحْبُوه حِبَاءً، وَمِنْه اشْتَقَّت المُحَابَاةُ، وَأنْشد:
أصْبِرْ يَزِيدُ فقدْ فَارَقْتَ ذَامِقَةٍ
واشكُرْ حِبَاءَ الّذي بالمُلْكِ حَابَاكا
وَجعل المهلْهِلُ مهرَ المرْأَةِ حِبَاءً، فَقَالَ:
أَنْكَحَها فَقْدُها الأَراقِمَ فِي
جَنْبٍ وَكَانَ الحِبَاءُ من أَدَمِ
أَرَادَ أَنهم لم يَكُونُوا أَرْبَاب نَعَمِ فَيُمْهِرُوها الْإِبِل، وجعلهم دَبَّاغِين للأَدَمِ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد هُوَ يَحْبُو مَا حَوْلَه أَي يَحْمِيه ويَمْنَعُه.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وراحَتِ الشَّوْلُ وَلَمْ يَحْبُها
فَحْلٌ وَلم يَعْتَسَّ فِيهَا مُدِرّ
أَي لم يطف فِيهَا حَالِبٌ يَحْلِبها.
قَالَ أَبُو عبيد، وَقَالَ الكسائيُّ حبا فلانٌ للخمسين إِذا دَنَا لَها.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: حَبَاهَا وحَبَا لَها أَي دنَا لَها.
وَقَالَ غَيره: حبا الرمْلُ يحبو إِذَا أَشْرَف مُعْتَرضاً فَهُوَ حابٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الحَبْوُ اتساعُ الرمْلِ، والحبو امتلاءُ السَّحَابِ بالماءِ، وَيُقَال رَمَى فَأَحْبَى أَي وقَع سَهْمهُ دونَ الغَرَضِ، ثمَّ تَقَافَزَ حَتَّى يُصيبَ الغرضَ.
وَمن المهموز:
حبأ: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي أحْبَاءُ المَلِك الْوَاحِد حَبَأٌ على مِثَال نَبَإِ مَهْمُوز مَقْصُور، وهم جُلَساءُ الْملك وخاصَّته.
وَقَالَ اللَّيْث الحَبَأَةُ لوحُ الإسكاف المستدير وَجَمعهَا حَبَوَات قلت هَذَا تَصْحِيف فَاحش

(5/172)


وَالصَّوَاب الجَبْأَةُ بِالْجِيم وَمِنْه قَول الْجَعْدِي:
كجبْأَة الخَزَمِ
سَلمَة عَن الْفراء الحابِيَانِ الذئبُ والجرادُ. قَالَ وحبا الْفَارِس إِذا خَفق وَأنْشد:
نحبو إِلَى الموْت كَمَا يَحْبُو الْجمل
حوب: اللَّيْث: الحَوْبُ زَجْرُ البَعِيرِ لِيَمْضِي وللناقة حَلٍ. وَالْعرب تجرّ ذَلِك وَلَو رُفِع أَو نُصِبَ لَكَانَ جَائِزا لِأَن الزَّجْرَ والحكاياتِ تُحرَّك أواخرُها على غير إعرابٍ لازمٍ، وَكَذَلِكَ الأدواتُ الَّتِي لَا تتمَكَّنُ فِي التَّصْرِيف، فَإِذا حُول من ذَلِك شَيْء إِلَى الأسماءِ حُمِلَ عَلَيْهِ الألفُ واللاَّمُ، وأُجْرِي مُجْرَى الأسماءِ كَقَوْلِه:
والحَوْبُ لمّا لم يَقُلْ والحَلُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ يُقَال للبعيرِ إِذا زجرته: حوْبَ وحوبِ وحَوْبُ، وللناقة حَلْ جزمٌ وحلٍ وحَلِي.
وَقَالَ غَيره: حَوَّبْتُ بِالْإِبِلِ من الحَوْب. وَحكى بعضُهم حَبْ لاَ مَشَيْتَ وحَبٍ لَا مشيتَ وحَابِ لَا مَشيتَ وحَابٍ لَا مشيتَ.
وَقَالَ اللَّيْث الحَوْب الضخم من الْجمال وأنشدنا:
وَلَا شَرِبَتْ فِي جِلْدِ حَوْبٍ مُعَلَّبِ
المعلَّبُ الَّذِي شُدَّ بالعلباء وَيُقَال: أَرَادَ الَّذِي اتُّخِذ عُلْبةً يُشْرَبُ فِيهَا، وَهَذَا أَجود.
وَقَالَ غَيره: سُميَ الجَمَلُ حَوْباً بزجره كَمَا سمّي الْبَغْل عَدَساً بِزَجْرِه.
قَالَ الراجز:
إِذا حَمَلْتُ بِزَّتِي على عَدَسْ
على الَّتِي بَين الحِمَارِ والفَرَسْ
فَمَا أُبالي من غَزَا ومَنْ جَلَسْ
وسَمَّوا الْغُرَاب غاقاً بِصوته.
اللَّيْث: الحَوْبةُ والحَوْبُ الإيوانُ. والحَوْبَةُ أَيْضاً رِقَّةُ الأُم وَمِنْه:
لحوبة أُمَ مَا يَسُوغُ شَرَابُها
قَالَ والحَوْبَةُ الْحَاجة. والمُحَوَّبُ الَّذِي يَذْهَبُ مَاله ثمَّ يعود. والحُوب الْإِثْم. وحاب حَوْبةً. والحَوْباء رُوع القلْب. شمر: عَن سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ هما لُغَتَان فالحُوب لأهلِ الْحجاز والحَوْب لتميم، ومعناهما الْإِثْم. قَالَ وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الحُوبُ الغَمُّ والهَمُّ والبلاءُ.
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: الحُوبُ الوَحْشَةُ. وَقَالَ فِي قَوْله إنّ ظلم أُم أيوبُ لحُوبٌ أَي وَحْشَة وَأنْشد:
إنَّ طَرِيقَ مِثْقَبٍ لَحُوْبُ
أَي وعثٌ صعْبٌ وَقَالَ فِي قَول أبي دواد الإياديّ:
يَوْمًا ستُدْرِكُهُ النَّكْبَاءُ والحُوب
أَي الوحْشَة. وَقَالَ أَبُو زيد الحُوب النَّفس. أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثعلبٍ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال عيالُ ابْنِ حَوْبٍ، قَالَ: وَالْحوب الجهدُ والشدة، ودعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (رَب تقبَّلْ تَوْبَتِي واغسل حَوْبتي) .
قَالَ أَبُو عُبيد: حَوْبَتي يَعْنِي المأثَمَ، وَهُوَ من قَوْله جلَّ وعزَّ: {إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} (النِّسَاء: 2) قَالَ وكُلُّ مأثَمٍ حُوبٌ وحَوْبٌ،

(5/173)


والواحدة حَوْبَةٌ، وَمِنْه الحديثُ الآخَرُ. إِن رجُلاً أَتَى النَّبيَّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ لأُجَاهِدَ مَعَك، قَالَ أَلَك حَوْبةٌ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَفِيها فَجَاهِدْ.
قَالَ أَبُو عبيد يُرِيد بالحُوْبة مَا يأثَمُ بِهِ إِن ضيَّعَهُ من حُرمَةٍ.
قَالَ وَبَعض أهل الْعلم يتأوّله على الْأُم خَاصَّة، وَهِي كل حُرْمَةٍ تَضِيعُ إِن تَرَكَها مِنْ أُمَ أَوْ أُخْتٍ أَو بِنْتٍ أَو غيرِها.
وَقَالَ أَبُو زيد لي فيهم حَوْبَةٌ إِذا كَانَت قَرابةً من قبَلِ الأُم، وَكَذَلِكَ كل رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
وَقَالَ الأصمعيّ يُقَال: بَات فلَان بِحِيبَةِ سَوءٍ إِذا باتَ بِشدّة وَحَال سيّئة.
وَيُقَال فلَان يتحوَّبُ من كَذَا وَكَذَا أَي يتغيَّظ مِنْهُ ويتوجَّع، وَقَالَ طفيلٌ الغَنَوي:
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ
مِنَ الغَيْظِ فِي أكْبَادِنَا والتَّحَوُّبِ
قَالَ أَبُو عبيد: التحوُّب فِي غير هَذَا التأَثُّمُ أَيْضا من الشَّيْء وَهُوَ من الأوَّلِ، وَبَعضه قريب من بعْضٍ.
قَالَ أَبُو عبيد: والحَوْبَاءُ النفْس ممدودةٌ ساكنةُ الْوَاو. والحابُ والحُوب الْإِثْم مثل الجَال والجُول. ويقَال تحوّب فلَان إِذا تعبّد كأَنَّه يُلقي الحُوبَ عَن نَفْسِه، كَمَا يُقَال تأَثَّمَ وتحنَّث إِذا ألْقَى الحنْثَ عَن نَفسه بِالْعبَادَة.
وَقَالَ الْكُمَيْت وَذكر ذئباً سقَاهُ وأطعمه:
وصُبَّ لَهُ شَوْلٌ من المَاء غائر
بِهِ كَفَّ عَنْهُ الحِيبَةَ المُتَحَوبُ
والحيبة مَا تتأَثَّمُ مِنْه. والحُوب الهلاكُ وَقَالَ الهذليّ أَو المهذلية أَظُنهُ لامْرَأَة مِنْهُم:
وكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طالَتْ سَلاَمَتُه
يَوْمًا سيدْخُلُه النَّكْرَاءُ والْحُوبُ
أَي كُلُّ امْرِىءٍ هَالِكٍ وَإِن طَالَتْ سلامَتُه.
أَبُو عبيد يُقَال أَلْحَقَ الله بك الحَوْبَةَ، وَهِي الحاجةُ والمسكنة والفَقْر.
وَقَالَ ابْن شُمَيْلٍ: إليكَ أَرْفَعُ حَوْبَتِي أَي حاجَتِي. والحَوْبَةُ الحاجةُ، وحَوْبَةُ الأُم على الوَلد تَحَوُّبها ورقَّتُها وتوجُّعُها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحَوْبَةُ الهَمُّ وَالْحَاجة وَكَذَلِكَ الحِيْبَةُ، وَقَالَ الهذليّ:
ثُمَّ انْصَرَفْتَ وَلَا أَبُثُّكَ حِيْبَتِي
رَعِشَ العِظَامِ أَطِيشُ مَشْيَ الأصْوَرِ
قَالَ: وَيُقَال: نرفع حَوْبَتَنَا إِلْيكَ أَي حاجتَنَا.
ابْن السّكيت عَن أبي عُبَيْدَة، يُقَال لي فِي فلَان حَوْبَةٌ وبعضُهم يَقُول حِيبَةٌ، وَهِي: الأُمُّ أَو الأُخْتُ أَو البِنْتُ، وَهِي فِي مَوضِع آخر الهَمُّ والحاجَةُ وَأنْشد بيتَ الهذليّ.
وروى شمر بإسنادٍ لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الرِّبَا سَبْعُونَ حَوْباً أيسرها مثل وُقُوع الرجل على أمه وأربى الرِّبَا عِرْض الْمُسلم) . قَالَ شمر: قَوْله (سَبْعُونَ حوباً) كأَنه سَبْعُونَ ضَرْباً من الْإِثْم. يُقَال سَمِعت من هَذَا حَوْبَيْن، ورأيْتُ مِنْه حَوْبَيْنِ. أَي فنَّيْنِ وضَرْبَيْنِ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:

(5/174)


تَسْمَعُ فِي تَيْهاية الأفْلاَلِ
حَوْبَيْنِ من هَماهِمِ الأغْوَالِ
أَي فَنَّيْنِ وضَرْبَيْنِ، وَرُوِيَ بَيت ذِي الرُّمَّةِ بِفَتْح الْحَاء.
قَالَ الفرّاء: وَرَأَيْت بني أَسَدٍ يَقُولُونَ الحائبُ القاتلُ، وَقد حابَ يَحوبُ.
وَقَالَ الفرَّاء: قَرَأَ الحَسَنُ {إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} (النِّسَاء: 2) وَقَرَأَ قَتَادَة (حُوباً) وهما لُغَتَانِ، الضَّمُّ لأهل الحجازِ وَالْفَتْح لتَميمٍ.
حوأب: قَالَ الليثُ حافِرُ حَوْأَبٌ وَأْبٌ مُقَعّبٌ. قَالَ: والحوْأَبُ موضِعُ بِئْرٍ نَبَحَتْ كلابُه أم الْمُؤمنِينَ مُقْبَلَها إِلَى البَصْرة وَأنْشد:
مَا هِيَ إِلَّا شَرْبَةٌ بالحَوأَبِ
فصَعدي من بعدِها أَو صَوبي
أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الحَوْأَبَةُ العُلبةُ الضخمة وَأنْشد:
حَوْأَبةٌ تُنْقِضُ بالضُّلُوعِ
والحَوْأَبُ وادٍ فِي وهْدَةٍ من الأَرْض واسعٌ.
بوح: قَالَ اللَّيْث: البَوْحُ ظهورُ الشَّيْء، يُقَال باح مَا كتمت وباح بِهِ صاحبُه بَوْحاً وبُؤُوحاً قَالَ وَيُقَال للرجل البَؤُوح بَيحَانُ بِمَا فِي صدْرِه قَالَ والبَاحَةُ عَرْصَةُ الدّار.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ نَحن فِي باحة الدَّار وَهُوَ أوسطها، وَكَذَلِكَ قيل تَبَحْبَحَ فلانٌ فِي الْمجد أَي أَنه فِي مَجْدٍ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَن أَعْرَابِيًا من بني بَهْدَلة أنْشدهُ:
أعْطى فأَعْطَانِي يدا ودَاراً
وباحَةً خَوَّلها عَقَارَا
قَالَ: يدا: جمَاعَة قوْمِه وأنْصَارِه. والبَاحَةُ النخلُ الْكثير حَكَاهُ عَن هَذَا البهدليّ. قَالَ والباحَةُ باحَةُ الدّارِ وقاعَتُها ونالَتُها قلت وبَحبوحَة الدَّار مِنْهَا.
الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَاحَ النومُ وتركْتُهم بُوحاً صَرْعى.
قَالَ اللَّيْث: والإباحَةُ شِبْهُ النُّهبَى، وَكَذَلِكَ استباحوه أَي انتهبوه. وَمن أَمْثَال الْعَرَب ابْنُك ابْن بُوحِك أَي ابْنُ نَفسك لَا من تبنّين.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي البُوحُ النفْس، قَالَ وَمَعْنَاهُ ابنُكِ من وَلَدْتِهِ لَا من تبنَّيْتِهِ.
وَقَالَ غَيره بُوحٌ فِي هَذَا الْمثل جَمْعُ بَاحَةِ الدَّارِ، الْمَعْنى ابنُك من وَلَدْتِهِ فِي بَاحَةِ دَارِكِ، لَا من وُلِدَ فِي دَارِ غَيْرِك فتبنَّيْتِه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وَقَعُوا فِي دَوْكَةٍ وبُوح أَي فِي اخْتِلَاط.
بيح (بياح) : قَالَ ابْن المظفر: البَيَاحُ: ضربٌ من السّمك صغارٌ أَمْثَال شِبْرٍ وَهُوَ من أطْيَبِ السّمك وَأنْشد:
يَا رُبَّ شيْخٍ مِنْ بَني رَبَاحِ
إِذا متلأ البَطْنُ من البِيَاحِ
صاحَ بلَيْلٍ أَنْكَرَ الصيَاحِ

(بَاب الْحَاء وَالْمِيم)
(ح م (وايء))
حمى، حام، محا، ماح، وحم، ومح، أمح، حمأ، (احمومى) .

(5/175)


حمى: قَالَ الليثُ: الحَمْوُ أَبُو الزّوج وأخُو الزّوج، وكلُّ مَن وَلِيَ الزَّوْجَ من ذِي قرَابَته فهم أَحْمَاءُ الْمَرْأَة، فَأُمُّ زَوجهَا حَمَاتُها. وَفِي الحَمْو ثَلَاث لُغَات: هُوَ حَمَاهَا مثل عَصَاها، وحَمُوها مثل أَبوهَا، وحَمْؤُها مَهْمُوز ومقصور.
ابْن السّكيت عَن الأصمعيّ قَالَ: حماةُ الْمَرْأَة أُمُّ زَوْجِهَا وَلَا لُغَةَ فِيهَا غيرُ هَذِه. قَالَ وأمّا أَبُو الزَّوْج فَيُقَال: هَذَا حَمُوها، ومررت بِحَمِيها، وَرَأَيْت حَمَاهَا، وَهَذَا حَمٌ فِي الِانْفِرَاد. وَيُقَال: هَذَا حَمَاها وَرَأَيْت حَمَاهَا ومررت بِحمَاهَا، وَهَذَا حَماً فِي الِانْفِرَاد. وَزَاد الْفراء حَمْؤُهَا ساكنةُ الْمِيم مهموزةٌ، وحَمُها بترك الْهمزَة، وَأنْشد:
هِيَ مَا كَنَّتِي وتَزْ
عُمُ أَنّي لَهَا حَمُ
وَقَالَ: وكل شَيْء من قِبَل الزوجِ أَبُوه أَو أَخُوه أَو عَمُّه فهم الأَحْمَاءُ.
وَقَالَ رجل كَانَت لَهُ امرأةٌ فطلّقها وتزوّجها أَخُوه فَأَنْشَأَ يَقُول:
لقد أَصْبَحَتْ أسماءُ حِجْراً مُحَرَّماً
وأصبحْتُ من أَدْنَى حُمُوَّتِها حَمَا
أَي أصبحتُ أَخا زَوْجِها بَعْدَمَا كنتُ زَوْجَها.
وَفِي حَدِيث عمر أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ رجَالٍ لَا يزَالُ أَحَدُهم كاسراً وِسَادَهُ عِنْد مُغْزِيَةٍ يتحدّث إِلَيْهَا؟ عَلَيْكُم بالجَنْبَةِ.
وَفِي حَدِيث آخَرَ: (لَا يدخُلَنّ رجلٌ على امْرأةٍ وَإِن قيل حَمُوها، أَلاَ حَمُوها المَوْتُ) .
قَالَ أَبُو عُبيد فِي تَفْسِير الحَمْو ولغاتِه عَن الأصمعيّ نَحوا مِمَّا ذكره ابنُ السكّيت.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَوله (أَلاَ حَمُوها الموتُ) يَقُول فَلْتَمُتْ وَلَا تَفْعَلْ ذَلِك، فَإِذا كَانَ هَذَا رَأْيَه فِي أبي الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ فَكيف بالغريب؟
قلت: وَقد تدبّرت هَذَا التفسيرَ فَلم أَرَهُ مُشَاكِلاً للفظ الحَدِيث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ فِي قَوْله: (الْحَمْو الموتُ) . هَذِه كلمةٌ تَقُولهَا العربُ كَمَا تَقول: الأسَدُ المَوْتُ، أَي لِقَاؤُه مثل الموْتِ، وكما تَقول السلطانُ نَارٌ، فَمَعْنَى قَوْله: (الحَمْو المَوْتُ) أَي أَن خَلْوة الحَمْو مَعهَا أَشد من خَلْوةِ غَيره.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ ذهبَ إِلَى أنّ الفسادَ الَّذِي يَجْرِي بَين المَرْأةِ وأحْمَائِها أشَدُّ من فسادٍ يكون بَيْنَها وَبَين الغريبِ، وَلذَلِك جعله كالمَوْتِ.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الأَحْمَاءُ من قِبَلِ الزَّوْجِ والأَخْتَانُ من قِبَلِ الْمَرْأَة.
وَهَكَذَا قالَ ابْنُ الأعرابيّ، وَزَاد فَقَالَ: الحَمَاةُ أُمُّ الزوْج والخَتَنَةُ أُمُّ الْمَرْأَة. قَالَ وعَلى هَذَا الترتيبِ العباسُ وعليٌّ وحمزةُ وجعفرٌ أحْمَاءُ عَائِشَة.

(5/176)


وَقَالَ اللَّيْث: الحماة لَحْمة مُنْتَبِرَة فِي بَاطِن السَّاق.
وَقَالَ الأصمعيّ: الحَمَاتَان: اللَّحْمَتانِ اللَّتان فِي عُرْض السَّاق تُرَيَان كالعصَبَتيْن من ظاهرٍ وباطنٍ.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: هما المُضْغَتَانِ المنْتَبِرَتان فِي نِصْفِ السَّاقين من ظاهرٍ.
وَقَالَ الأصمعيُّ فِي الحوافر: الحَوَامِي وَهِي حُرُوفُها من عَن يمينٍ وشِمَالٍ.
وَقَالَ أَبُو دواد:
لَهُ بَيْنَ حَوَامِيِه
نُسُورٌ كَنَوَى القَسْبِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحاميتان مَا عَن يمينِ السُّنْبُك وشِمَاله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِمَى مَوضِع فِيهِ كَلأٌ يُحْمَى من النَّاس أَن يُرْعَى.
وَقَالَ الشافعيّ فِي تَفْسِير قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا حِمَى إِلَّا للَّهِ وَلِرَسُولِهِ) . كَانَ الشريفُ من الْعَرَب فِي الجاهليَّة إِذا نزل بَلَدا فِي عشيرته استعوى كَلْبا فَحَمَى لخاصّتَهِ مَدَى عُوَاء ذَلِك الكلْبِ، فَلم يَرْعَهُ مَعَه أحَدٌ وَكَانَ شريكَ الْقَوْم فِي سَائِر المراتع حوله. قَالَ: فَنهى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُحْمَى على النَّاس حِمىً كَمَا كَانُوا فِي الجاهليَّة يَحْمُون. قَالَ وَقَوله: (إلاّ لله وَلِرَسُولِهِ) يقولُ إلاّ مَا يُحْمَى لخيل الْمُسلمين وركابهم المُرْصَدَةِ لجهادِ الْمُشْركين والحملِ عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله، كَمَا حَمَى عُمَرُ النَّقِيعَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ والخَيْلِ المعَدَّةِ فِي سَبِيل الله.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَالُ حَمَى فلانٌ الأَرْض يَحْمِيها حِمىً إِذا مَنَعها من أَن تُقْرَبَ. وَيُقَال أحْمَاها إحْمَاءً إِذا جعلهَا حمى لَا تُقْرَب. قَالَ: وأحْمَيْتُ الحديدةَ فَأَنا أُحْمِيها إحْمَاءً حَتَّى حَمِيَتْ تَحْمَى، وَكَذَلِكَ حَمِيَتِ الشَّمْس تَحْمَى حَمْياً.
وَقَالَ ابْن السكّيت: أحْمَيْتُ المسمار إحْماء فَأَنا أحْمِيه، وَهَذَا ذَهَبٌ جيدٌ يخرج على الإحماء وَلَا يُقَال على الحَمَى لِأَنَّهُ من أَحْمَيت. وَيُقَال حَمَيْت الْمَرِيض وَأَنا أحْمِيه من الطّعام، وحَمَيْتُ القومَ حِمايةً، وحَمَى فلانٌ أنْفَهُ يحمِيه حَمِيَّةً ومَحْمِيَةً، وفلانٌ ذُو حَمِيَّةٍ مُنْكَرَةٍ إِذا كَانَ ذَا غَضَبٍ وأنَفَةٍ، وحَمَى أهْلَهُ فِي القِتال حِمايةً.
وَقَالَ الليثُ: حَمِيتُ من هَذَا الشَّيْء أحْمَى مِنْهُ حَمِيّةً أَي: أنفًا وغيظاً، وَإنَّهُ لرجل حَمِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْم، وحَمِيُّ الأنْف، وَيُقَال: احْتَمَى المريضُ احْتِماءً من الأطْعِمة. والرجلُ يَحْتَمِي فِي الحرْب إِذا حَمَى نفْسه، وحَمِيَ الفرسُ إِذا عَرِق يَحْمَى حَمْياً وحَمَى الشَّدُّ مثلَه.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
كأَنَّ احْتِدامَ الجَوْفِ من حَمْيِ شَدهِ
وَمَا بَعْدَهُ من شَدهِ غَلْيُ قُمْقُمِ
وَيجمع حَمْيُ الشَّد أحْماءً.
وَقَالَ طرفَة:
فَهِيَ تَرْدِي وَإِذا مَا فَزِعَتْ
طَارَ من أحْمَائِها شَدُّ الأُزُرْ

(5/177)


وَيُقَال إِن هَذَا الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنَحْوهَا لحسن الحَمَاءِ، مَمْدُود أَي خرج من الحَماء حسنا.
قَالَ والحامِيَةُ الرجلُ يحمي أصْحابَه فِي الحَرْب. يُقَال: كَانَ فلانٌ على حامِيَةِ القوْم أَي آخِر من يَحْمِيهم فِي انْهِزَامِهم، والحامية أَيْضا جَمَاعَةٌ يَحْمُون أنْفُسَهم.
وَقَالَ لبيد:
ومَعي حَامِيةٌ من جَعْفَرٍ
كلَّ يَوْمٍ نَبْتَلي مَا فِي الخِلَلْ
قَالَ: والحامية الحِجَارةُ يُطْوَى بهَا البِئْرُ.
شمر عَن ابْن شُمَيْل: الحوامِي عِظَامُ الحِجَارَةِ وثِقَالُها. والواحدة حامِيَةٌ، والحَوَامِي: صَخْرٌ عِظَامٌ تُجعل فِي مآخيرِ الطَّي أَن ينْقَلِع قُدُماً، يحفِرون لَهُ نِقَارَا فيغمِزُونه فِيهَا، فَلَا يَدَعُ تُرَابا وَلَا شَيْئاً يدْنُو من الطّيّ فيدفعه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَوَامِي مَا يحميه من الصخْر، واحِدُها حامِيَةٌ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل أَيْضا حِجَارَة الركِيَّة كلّها حوامِ، وكلُّها على حِذَاءٍ واحدٍ لَيْسَ بعضُها بأعظَم من بعض.
قَالَ: والأثافِي الحوَامِي الْوَاحِدَة حامية وَأنْشد:
كأنَّ دَلْوَيَّ تَقَلَّبَانِ
بينَ حَوَامِي الطَّي أَرْنَبَانِ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَعْنى فلَان فِي حَمِيَّته أَي فِي حَمْلته.
الأصمعيّ: يُقَال سَارَتْ فِيهِ حُمَيَّا الكأْسِ يَعْنِي سَوْرَتَها، وَمعنى سَارَتْ ارْتَفَعَتْ إِلَى رَأْسِه.
وَقَالَ الليثُ: الْحُمَيَّا بلوغُ الْخمر من شارِبها.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحُمَيَّا دَبِيبُ الشَّرَاب.
وَقَالَ شمر: حُمَيَّا الْخَمْرِ سَوْرَتُها. وحُمَيَّا الشَّيْء حِدَّتُه وشِدَّتُه. وَيُقَال: إِنَّه لشديد الحُمَيَّا أَي شَدِيد النفْس.
وَقَالَ الأصمعيّ: إِنَّه لحامي الحميَّا أَي يَحْمِي حوزته وَمَا وَلِيَه، وَأنْشد:
حَامِي الحُمَيَّا مَرِسُ الضَّرِيرِ
وَقَالَ اللَّيْث: الحُمَّةُ فِي أَفْوَاه الْعَامَّة إبْرَةُ الْعَقْرَب والزُنْبور وَنَحْوه، وَإِنَّمَا الحُمَةُ سُمُّ كل شَيْء يَلْدَغُ أَو يَلْسَعُ.
وَقَالَ شمر: الحُمَة السم قَالَ وناب الْحَيَّة جَوْفاء وَكَذَلِكَ إبرة العَقْرَب والزنبور ومِنْ وَسَطِها يخرج السُّمُّ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال بِسُم الْعَقْرَب الحُمَةُ والحُمّة.
قلت: وَلم أسمع التَّشْدِيد فِي الحُمَة لغير ابْن الأعرابيّ وَلَا أَحْسبهُ رَوَاه إِلَّا وَقد حفِظه عَن الْعَرَب. اللَّيْث احْمَوْمَى الشيءُ فَهُوَ مُحْمَوْمٍ، يُوصف بِهِ الأسوَدُ من نحوِ اللَّيْلِ والسحاب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المُحْمَوْمِي من السَّحَاب الْأسود المتراكم.
حمأ: الْأَصْمَعِي: يُقَال حَمِئَتِ الركيَّةُ فَهِيَ تَحْمأُ حَمَأً إِذا صَارَت ذَات حَمَأٍ وأحْمَأْتُها أَنَا إحْمَاءً إِذا نقيتها من حَمَأَتِها.

(5/178)


قَالَ: وحَمَأْتُها إِذا ألقيت فِيهَا الحمْأةَ.
قلت: ذكر هذَا الأصمعيُّ فِي كتاب (الأجنَاس) كَمَا رَوَاهُ اللَّيْث. وَلَيْسَ بمحفوظٍ، وَالصَّوَاب مَا أخبرنَا المنذريُّ عَن الحرَّاني عَن ابْن السكّيت.
قَالَ: أحْمَأْتُ الركيَّة بِالْألف إِذا ألقيت فِيهَا الحَمْأَة وحَمَأْتُها إِذا نزعت حَمْأَتَها، وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَن اليزيديّ: حَمَأْت البِئْر إِذا أخرجْتَ حَمْأَتَها.
قَالَ: وأَحْمَأْتُها جعلتُ فِيهَا حَمَأَةً، وَافق قولُ ابْن السكيتِ قولَ أبي عبيد عَن اليزيديّ. وقرأتُ لأبي زيد: حمأت الركيَّة جعلتُها حَمِئَةً. وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: {تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (الْكَهْف: 86) بِالْهَمْز.
وَرَوَاهُ الفرَّاء عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس نحوَه.
قَالَ الْفراء: قرأَ ابْن مَسْعُود وَابْن الزبير (حَامِيَةٍ) .
وَقَالَ الزجّاج: {فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أَي فِي عين ذَات حَمْأة.
يُقَال: حَمِئَتْ فَهِيَ حَمِئَة إِذا صَارَت فِيهَا الحَمْأَةُ. وَمن قَرَأَ (حَامِيَةٍ) ، بِغَيْر همزٍ أَرَادَ حارَّةً، وَقد تكون حارَّةً ذاتَ حمأةٍ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: حَمِئْتُ عَلَيْهِ حَمَأً، مهموزٌ وغيرُ مَهْمُوزٍ، أَي غَضِبْتُ.
وَقَالَ اللحيانيُّ: حَمِيتُ فِي الْغَضَب أَحْمَى حُمِيّاً، وَبَعْضهمْ حَمِئْتُ فِي الْغَضَب بالهمْز.
أمح: فِي (النَّوَادِر) : أَمَحَ الجُرْحُ يأْمِحُ أَمَحَاناً ونَبَذَ وأَزَّ وذَرِبَ إِذا ضَرَبَ بِوَجَعٍ، وَكَذَلِكَ نَبَغَ ونَتَع.
محا: قَالَ اللَّيْث: المَحْوُ لِكُلّ شَيْء يذهبُ أثَرُه، يَقُول: أنَا أمْحُوه وأمْحَاهُ وطيّىء تَقول: مَحَيْتُه مَحْياً ومَحْواً. وامَّحَى الشيءُ يَمَّحِي امحَاءً. وَكَذَلِكَ امْتَحَى إِذا ذهب أَثَره، الأجود امَّحَى، وَالْأَصْل فِيهِ انْمحى. وأمَّا امْتَحى فَلُغَةٌ رَديئة الخ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: أَصبَحت الأَرْض مَحْوَةً واحِدَةً إِذا تغطَّى وَجههَا بِالْمَاءِ.
قَالَ أَبُو عبيدٍ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أَسمَاء الشَّمال مَحْوَة غيرُ مصروفة.
وَقَالَ ابْن السكّيت: هبَّت مَحْوَةُ اسْم للشَّمال معرفَة وَأنْشد:
قد بَكَرَتْ مَحْوَةُ بالعَجَاجِ
فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ
وَقَالَ غَيره: سميت الشّمال مَحْوةَ لِأَنَّهَا تمحو السَّحَاب وتَقَشَعُهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: تركبُ السماءُ الأَرْض محوةً وَاحِدَة إِذا طبَّقها المَطَر. والمَحِي من أَسمَاء النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محا الله بِهِ الكُفْرَ وأثره. وَهَكَذَا رُوِي فِي حديثِ مَرْفُوع.
حوم: قَالَ اللَّيْث: الحَوْمُ القَطِيع الضَّخْمُ من الْإِبِل. قَالَ: والحَوْمَةُ أكثرُ موضِعٍ فِي البَحْرِ مَاء، وأغْمَرُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَوْض.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَوْمَةُ الْقِتَال: مُعْظَمُه، وَكَذَلِكَ من الرَّمْلِ وَغَيره قَالَ:
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الحَوْمُ الْكثير من الْإِبِل.

(5/179)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَوَمَانُ دومان الطير يَدُومُ ويَحُومُ حَوْلَ المَاءِ. غَيره: هُوَ يَحُوم حول المَاء ويَلوبُ إِذا كَانَ يَدُور حولَه من الْعَطش.
وَقَالَ اللَّيْث: الحوائم الْإِبِل العِطَاشُ جِدّاً وَيُقَال: لكل عطشان حائمٌ، وهامَةٌ حائِمةٌ قد عَطِش دِمَاغُها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الحُوَّمُ من الْإِبِل العطاشُ الَّتِي تَحُوم حولَ الماءِ.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول عَلْقَمَة بن عَبَدة:
كأسُ عزيزٍ من الأعنابِ عَتَّقَها
لِبَعْضِ أَربَابِها حَانِيَّةٌ حُومُ
قَالَ الحُومُ الْكَثِيرَة.
وَقَالَ خَالِد بن كُلْثُوم: الحُومُ الَّتِي تحوم فِي الرَّأس أَي تَدور.
وَقَالَ الليثُ: الحَوْمَانُ نباتٌ يكون بالبادية.
قلت: لم أسمع الحَوْمانَ فِي أَسمَاء النَّبَات لغير اللَّيْث، وَأَظنهُ وهْماً مِنْهُ. وقرأت بِخَط شمر لأبي خيرة قَالَ: الحَوْمَان وَاحِدهَا حَوْمَانَةٌ شَقائِقُ بَين الْجبَال، وَهِي أطيب الحُزُونة وَلكنهَا جَلَد لَيْسَ فِيهَا إِكام وَلَا أبارِق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَا كَانَ فَوق الرَّمْلِ ودونه حِين تصعده أَو تهبِطه.
وَقَالَ الأصمعيّ: الحَوْمَانَةُ وَجَمعهَا حَوَامِينُ، أماكِنُ غِلاظٌ مُنْقَادَةٌ.
قلت: وَرَدْتُ رِكيَّة وَاسِعَة فِي جَوَ وَاسع يَلِي طرَفاً من أطْرَاف الدق يُقَال لَهَا الحَوْمانة وَلَا أَدْرِي الحومانة فوعال من فعل حَمَنُ أَو فَعَلان من حَام.
وَقَالَ زُهَيْر:
بحَوْمَانَةِ الدَّرَّاج فالمُتَثَلَّم
ميح: قَالَ اللَّيْث: المَيْحُ فِي الاستِقَاءِ أَن ينزِلَ الرجُل فِي قَرَار البِئْرِ إِذا قلَّ ماؤُها فَيمْلَأ الدَّلْوَ، يَمِيحُ فِيهَا بِيَدِهِ ويَمِيحُ أصحابَه، والجميع مَاحَةٌ.
وَفِي الحَدِيث أَنهم وردوا بئْراً ذَمَةً أَي قَلِيلا ماؤُها. قَالَ ونزلنا فِيهَا ستّةً مَاحَةً. وَأنْشد أَبُو عبيد:
يَا أَيُّها المَائِحُ دَلْوِي دُوْنَكَا
إِنِّي رأيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكا
وَقَالَ اللَّيْث: المَيْحُ يجْرِي مَجْرَى الْمَنْفَعَة، وكل من أعطَى مَعْرُوفا فقد مَاحَ. والمُيُوحَةُ ضرْبٌ من الْمَشْي فِي رَهْوجة حَسَنة.
وَأنْشد:
ميَّاحة تميح مَشْياً رَهْوَجَا
قَالَ: والبطّة مَشْيُها المَيْحُ، وَأنْشد لرؤبة:
من كُل مَيَّاحٍ تَرَاهُ هَيْكَلا
أرْجَلَ خِنْذِيذٍ وغَيْرِ أرْجَلاَ
قَالَ: وَقد ماحَ فَاه بالسوَاكِ يَمِيحُه إِذا شَاصَه وماصَه.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: ماح إِذا استَاك، وماح إِذا تبخْتَر، وماح إِذا أفْضَل، وَيُقَال امْتَاحَ فلانٌ فلَانا إِذا أَتَاهُ يطْلب فَضْلَه فَهُوَ مُمْتَاحٌ وامْتَاحت الشَّمْس ذِفْرَي الْبَعِير إِذا استَدَّرت عَرَقَه.
وَقَالَ ابْن فَسْوَة يذكر مُعَذّر نَاقَته:

(5/180)


إِذا امتاحَ حَرُّ الشَّمسِ ذِفْرَاهُ أَسْهَلَتْ
بِأَصْفَرَ مِنْهَا قَاطِر كُلَّ مَقْطَرِ
الْهَاء فِي ذِفْراه للمُعَذر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: يُقَال لصُفْرة البَيْض المَاحُ ولبياضه الآح.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل مُحُّ الْبيض بِالتَّشْدِيدِ مَا فِي جَوْفهِ من أصْفَرَ وأبْيَضَ كلُّه مُحٌّ. قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول المُحَّةُ الصّفْرَاءُ.
وحم: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للْمَرْأَة الحُبْلَى إِذا اشتهت شَيْئا: قد وَحِمَتْ وَهِي تَحِمُ فَهِيَ وَحْمَى بينَة الوِحَام، قَالَ والوَحَمُ والوِحَام فِي الدَّوَابّ إِذا حملت استعْصَت فَيُقَال وَحِمَتْ. وَأنْشد:
قد رَابَهُ عِصْيَانُهُا وَوِحَامُها
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من أمثالهم فِي الشهوان: وَحْمَى وَلَا حَبَلٌ: أَي أَنه لَا يذكر لَهُ شَيْء إلاَّ تَشَهَّاه كَتَشَهي الحُبْلَى قَالَ: وَلَيْسَ يكون الوِحامُ إِلَّا فِي شَهْوَةِ الحَبَل خاصَّةً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَمن أمثالهم: وَحْمَى وأمّا حَبَلٌ فَلاَ، يُقَال ذَلِك لمن يطْلُب مَا لَا حاجَةَ لَهُ فِيه من حِرْصِه، لأنّ الوَحْمَى الَّتِي تَرْحَمُ فتشتهي كُلَّ شَيْء على حَبَلها، فَقَالَ هَذَا يَشْتَهِي كَمَا تشْتَهي الحُبلى وَلَيْسَ بِهِ حَبَلُ.
قَالَ: وَقيل لحُبْلَى: مَا تشتهين؟ فَقَالَت التَمْرَةَ وبِيَهْ دَوَاهاً، وأَنَا وَحَمَى للدّكَة أَي للوَدَك. قلت: الوحَمُ شدَّة شَهْوَة الحُبْلَى لشَيْء تأْكُلُه، ثمَّ يُقَال لكل مَن أفرط شَهْوَته فِي شَيْء قد وَحِمَ يَوْحَمُ وَحَماً وَمِنْه قَول الراجز:
أَزْمانَ ليلى عامَ ليلى وَحْمَى
فَجعل شَهْوَته للقاء لَيْلَى وَحَماً وأصل الوَحَمَ للحَبَالى.
وَأما قَول اللَّيْث: الوِحَام فِي الدّوابّ استعصاؤها إِذا حَمَلت، فَهُوَ تَفْسِير بَاطِل فَأرَاهُ غلْطَةً إِنَّمَا غَرَّهُ قَول لبيد يصف عَيْراً وأُتنَه فَقَالَ:
قد رَابَهُ عِصْيَانُها وَوِحَامُها
فَظن أَنه لما عطف قَوْله ووِحَامُها على قَوْله عِصْيانُها أَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد، وَالْمعْنَى فِي قَوْله وِحَامُها شَهْوَة الأُتُنِ للعَيْرِ أَرَادَ أَنَّهَا تَرْيحُه سَرَّةً وتستعصي عَلَيْهِ مَعَ شَهْوتِها لَهُ فقد رابه ذَلِك مِنْهَا حِين ظهر لَهُ مِنْهَا شَيْئَانِ متضادّان.
ومح: أهمل الليثُ هَذَا البابَ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الومْحَةُ الأثَرُ من الشَّمْس. وقرأت بِخَط شَمِر أنّ أَبَا عمروٍ أنْشد هَذِه الأرجوزة:
لما تَمشَّيْتُ بُعَيْدَ العَتَمَهْ
سَمِعْتُ من فوقِ البُيوتِ كَدَمَهْ
إِذا الخَرِيعُ العَنْقَفِيرُ الحَزَمَهْ
يَؤُرُّها فَحْلٌ شديدُ الضَّمْضَمَه
أَي الضَّم للْأُنْثَى إِلَى نَفسه.
أَرّاً بِعَتَّارٍ إِذا مَا قَدَّمَهْ
فِيهَا انْفَرَى وَمَّاحُها وخَزَمَه
سدَّه بِذكرِهِ.
قَالَ: ومَّاحُها صَدْعُ فَرْجها. انْفَرَى أَي انْفَتح وانفتَقَ لإيلاجه أَلا يريقه قلت وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف إِلَّا فِي هَذَا الرَّجَز وَهُوَ من نَوَادِر أبي عَمْرو.

(5/181)


بَاب اللفيف من حرف الْحَاء
حاء، وحوح، حيّ، حَيا، حوى، وَيْح، وَحي، محّ، حوي.
حاء: قَالَ اللَّيْث الحَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ مَقْصُور مَوْقُوف فَإِذا جعلته اسْما مددته كَقَوْلِك: هَذِه حَاءٌ مَكْتُوبَة ومدتها ياءان قَالَ كل حرف على خِلقتها من حُرُوف المعجم فألِفُها إِذا مُدَّت صَارَت فِي التصريف ياءين.
قَالَ: والحَاءُ وَمَا أشبههَا تؤنَّث مَا لم تسمّ حَرْفاً وَإِذا صغّرتها قلت حُيَيَّة، وَإِنَّمَا يجوز تصغيرها إِذا كَانَت صَغِيرَة فِي الخطّ أَو خفِيّة وإلاَّ فَلَا.
قَالَ ابْن المظفر: وحاء ممدودة قَبيلَة. قلت: وَهِي فِي الْيمن حاء وَحَكَمُ.
قَالَ اللَّيْث: وَيَقُولُونَ لِابْنِ مائةٍ: لَا حَاءَ وَلَا سَاءَ أَي لَا محسنٌ وَلَا مُسِيءٌ، وَيُقَال: لَا رجُلٌ وَلَا امرأةٌ. وَقَالَ بَعضهم تَفْسِيره أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَقُول حا، وَهُوَ زَجْرٌ للكبش عِنْد السفاد، وَهُوَ زَجْرٌ للغنم أَيْضا عِنْد السَّقْي، يُقَال حَأْحَأْتُ بِهِ وحاحَيْتُ، وَقَالَ أَبُو خيرة: حَأْحَأْ، وَقَالَ أَبُو الدُقَيش أُحُو أُحُوَ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَقُول سَأْ وَهُوَ للحمار، وَيَقُول: سأْسأتُ بالحمار إِذا قلت سَأْسَأْ وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
قَوْمٌ يُحَاحُونَ بِالبهَامِ ونِسْ
وَانٌ قِصَارٌ كهَيْئَةِ الحَجَلِ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ: حَاحَيْتُ بالمِعْزَى حَيْحاءً ومحاحاة. قَالَ وَقَالَ الأحْمَرُ سَأْسَأْتُ بالحمار وَقَالَ أَبُو عمر حَاحِ بِغَنَمك أَي أدَعُهَا عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْحَوَّة الْكَلِمَة من الْحق من قَوْلهم لَا يُعْرَفُ الحَوُّ من اللَّوِ أَي لَا يُعرف الْحق من الْبَاطِل. وَقَالَ ابْن المظفر الأُحَاحُ الغيظ وَأنْشد:
طَعنا شَفَى سرائر الأُحَاحِ
وَقَالَ غَيره: أخّ كَأَنَّهُ توجّع مَعَ تَنَحْنحْ، وأحَّ الرجل إِذا ردَّدَ التنحْنح، وَرَأَيْت لفُلَان أحِيحاً وأُحَاحاً وَهُوَ توجُّعٌ من غيظ أَو حزْن وَقَالَ أَبُو عبيد: الأُحاحُ الْعَطش قَالَ: وَقَالَ الْفراء فِي صَدره أُحَاحٌ، وأحَيْحَة من الضّيق وَفِي صدْرِه أُحَيْحَةٌ وأُحَاحٌ من الغيظ والْحقد وَبِه سمي أُحَيْحَة بن الجُلاح، وَأنْشد غَيره:
يطوى الْحيازيم على أُحَاح
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأُحاح من الْحر أَو الْعَطش أَو من الْحزن.
وحوح: قَالَ اللَّيْث: الوَحْوَحَةُ الصَّوْت. وَقَالَ ابْن دُرَيْد وحْوَحَ الرجل من البَرْد إِذا ردّد

(5/182)


نَفَسه فِي حَلْقه حَتَّى تسمع لَهُ صَوْتاً. قَالَ: وضَرْبٌ من الطَّيْرِ يُسمى الوَحْوَحَ. وَقَالَ الْكُمَيْت:
ووَحْوَحَ فِي حِضْنِ الفَتَاةِ ضَجِيعُها
وَلم يَكُ فِي النُّكْدِ المَقاليتِ مَشْخَبُ
قَالَ اللحياني: وحْ زجر الْبَقَرَة، وَقد وَحْوَحَ بهَا. وَرجل وَحْوَحٌ شَدِيد يَنْحِمُ عِنْد عمله لنشاطه وشدَّته وَرِجَال دَحادِحُ، وَقَالَ الراجز:
يَا رُبَّ شيْخٍ من لُكَيْزٍ وَحْوَحٍ
عَبْلٍ شديدٍ أَسْرُهُ صَمَحْمَح
قَالَ والصمَحْمحُ: الشَّديد. وتوحْوحَ الظليمُ فَوق البَيْضِ إِذا رَئمهَا وَأظْهر وَلُوعَه بهَا. وَقَالَ تميمُ بن مقبل:
كَبَيْضَةِ أُدْحِيَ تَوَحْوَحَ فَوْقَها
هِجَفَّانِ مِرْيَاعا الضُّحَى وَحَدَانِ
حَيّ مثقلة: يُندَبُ بهَا ويدعى بهَا، يُقَال: حيَّ على الْفِدَاء حيَّ على الْخَيْر. قَالَ وَلم يشتقَّ مِنْهُ فِعْلٌ قَالَ ذَلِك اللَّيْث وَقَالَ غَيره: حَيَّ حَثٌّ ودُعَاءٌ وَمِنْه قَول الْمُؤَذّن: حيَّ على الصَّلَاة، حيَّ على الْفَلاح مَعْنَاهُ عجّل إِلَى الصَّلَاة وَإِلَى الْفَلاح، وَقَالَ ابْن أحْمر الجاهلي:
أنشأْتُ أسأَلُه مَا بالُ رُفْقَتِه
حَيَّ الحُمُولَ فإنّ الرَكْبَ قد ذهبَا
أَي عَلَيْك بالْحُمولِ فقد مَرُّوا. وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَرَبُ تَقول حَيَّ هَلْ بفلان وحَيَّ هَلَ بفلان وحَيّ هَلاً بفلان أَي أعْجِل.
أَبُو عبيد عَن الأسمر مثلُه فِي اللُّغَات الثَّلَاث. قَالَ شمر: أنْشد مُحاربٌ لأعرابيّ وَنحن فِي مسجدٍ يَدْعُو مؤذنُه:
حَيَّ تعالَوْا وَمَا نَامُوا وَمَا غَفَلُوا
قَالَ: ذهب إِلَى الصَّوْت نَحْو طاقٍ طاقٍ وغاقٍ غاقٍ. وَزعم عمر بن الْخطاب أَن الْعَرَب تَقول حيَّ هَلَ الصَّلَاة ائْتِ الصَّلَاة، جعلَهُما اسْمَيْنِ فنصبَهما وَقَالَ:
بِحَيَّ هلا يُزْجُونَ كُلَّ مَطِيَّةٍ
أَمَامَ المَطَايَا سيرُهُنّ تَقَاذُفُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سمع أَبُو مَهْدية رجلا يَقُول بِالْفَارِسِيَّةِ زُدذْ زُدذْ فَقَالَ: مَا يَقُول؟ فَقيل يَقُول عجلْ عجلْ فَقَالَ: أَو لَا يَقُول حَيَّ هَلَكْ وَرُوِيَ عَن ابْن مسعودٍ أَنَّه قَالَ إِذا ذُكر الصالحون فحيّ هَلْ بِذِكْر عمر مَعْنَاهُ عجلْ بِذكْرِ عُمَر وَقَالَ لبيد:
وَلَقَد يَسْمَعُ قَوْلي حَيَّ هَلْ
وَقَالَ النَّضر الْحَيْهَلُ شجر، رَأَيْت حَيْهَلاً وَهَذَا حَيْهَلٌ كثيرٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الهَرْمُ من الحَمْض يُقَال لَهُ حَيْهَلٌ، الْوَاحِدَة حيهَلَةٌ: قَالَ: وسُميَ بِهِ لأنّه إِذا أَصَابَهُ الْمَطَر نَبَتَ سَرِيعا وَإِذا أكلَتْهُ الْإِبِل فَلم تَبْعَر وَلم تَسْلَحْ مُسْرِعةً ماتَتْ.
حَيا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال حَيِي يحيا فَهُوَ حَيٌّ وَيُقَال للْجَمِيع حَيُّوا بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ ولغة أُخْرَى يُقَال حَيَّ يَحَييُّ، والجميع حَيُوا خَفِيفَة.

(5/183)


وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ: {وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ} (الْأَنْفَال: 42) قَالَ الفرّاء: كِتَابُها على الْإِدْغَام بياءٍ واحدةٍ وَهِي أكثرُ الْقِرَاءَة.
وَقَالَ بَعضهم حَيِيَ عَن بيّنَةٍ بإظهارهما. قَالَ: وَإِنَّمَا أدْغَمُوا الياءَ مَعَ اليَاءِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يَفْعَلُوا لِأَن الْيَاء الآخِرَةَ لَزِمَهَا النصبُ فِي فعلٍ فأدغموا لَمّا الْتَقَى حَرْفَانِ متحركَانِ من جنسٍ واحِد. قَالَ وَيجوز الْإِدْغَام فِي الِاثْنَيْنِ للحركة اللاّزمة للياء الآخِرة. فَتَقول حَيَّا وحَيِيَا، وَيَنْبَغِي للْجَمِيع أَن لَا يُدْغَم إِلَّا بِيَاءٍ لِأَن ياءَها يصيبُها الرفعُ وَمَا قبلهَا مكسورٌ فَيَنْبَغِي لَهَا أَن تسْكُنَ فَتسقط بِواوِ الجَمْعِ، وربّما أظهرت العربُ الإدغَامَ فِي الْجمع إرَادَة تأليفِ الأفْعَال وَأَن تكون كلُّها مشدّدة فقالو فِي حَيِيتُ حَيُّوا وَفِي عَيِيتُ عَيُّوا قَالَ: وأنشدني بَعضهم:
يَحْدِنَ بِنَا عَنْ كُل حَيَ كأنَّنَا
أَخَارِيْسُ عَيُّوا بالسَّلاَمِ وبالنَّسَبْ
قَالَ: وَقد أَجمعت العرَبُ على إدغام التحيّة لحركة الْيَاء الآخِرة كَمَا استحبوا إدغام حَيّ وعَيّ للحركة اللاّزمة فِيهَا. فأمّا إِذا سكنت الْيَاء الْأَخِيرَة فَلَا يجوز الإدغامُ مثل يُحْيِي ويُعْيِي. وَقد جَاءَ فِي بعض الشّعْر الإدْغَامُ وَلَيْسَ بالوجْه. قلت: وَأنكر البصريون الْإِدْغَام فِي مثل هَذَا الْموضع وَلم يَعْبأ الزجّاج بِالْبَيْتِ الَّذِي احتجّ بِهِ الفرّاء وَقَالَ: لَا يعرف قَائِله.
وكأَنّها بينَ النسَاءِ سَبِيكَةٌ
تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتِها فَتُحَيَّ
حَدثنَا الْحُسَيْن عَن عُثْمَان بن أبي شَيْبَة عَن أبي مُعَاوِيَة عَن إِسْمَاعِيل بن سُمَيعْ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيِّبَةً} (النّحل: 97) قَالَ هُوَ الرزْقُ الحلالُ فِي الدُّنْيَا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النّحل: 97) إِذا صارُوا إِلَى الله جَزَاهم أجرهم فِي الْآخِرَة بأحسنِ مَا عمِلُوا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَيُّ: الحقُّ واللَّيُّ الباطِلُ وَمِنْه قَوْلهم: هُوَ لَا يَعرِف الحَيَّ من اللَّي وَكَذَلِكَ الحوُّ من اللَّوِ فِي الْمَعْنيين. قَالَ: وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ابْن حَمُّويَةَ، قَالَ سَمِعت شمراً يَقُول فِي قَول الْعَرَب فلَان لَا يعرف الحَوَّ من اللَّو الحَوُّ نَعَمْ واللَّوُّ: لَو قَالَ، والحَيُّ الحَوِيّةُ واللَّيُّ لَيُّ الحَبْلِ أَي فَتْلُه يُضرب هَذَا لِلأَحمق الَّذِي لَا يعرف شَيْئا.
قَالَ والحيُّ فَرْج الْمَرْأَة، وَرَأى أعرابيٌ جهازَ عَروسٍ فَقَالَ: هَذَا سَعَفُ الحَيّ أَي جهازُ فَرْجِ امرأةٍ. قَالَ: والحيُّ كلُّ مُتَكَلم نَاطِق. قَالَ والحَيّ من النَّبَات مَا كَانَ طرِيّاً يهتزُّ، والحيُّ الواحِدُ من أَحْيَاءِ الْعَرَب. قَالَ والحِيّ بِكَسْر الْحَاء جمع الْحَيَاة وَأنْشد:
وَلَو ترى إِذا الحياةُ حِيّ
قَالَ الفرّاء كسروا أَوّلها لِئَلَّا يتبدل الياءُ واواً كَمَا قَالُوا بِيضٌ وعِينٌ. قَالَ الْأَزْهَرِي: الحيُّ من أَحْياءِ الْعَرَب يَقع على بني أبٍ كَثُروا أم قلّوا، وعَلى شَعْبٍ يجمع الْقَبَائِل من ذَلِك قَول الشَّاعِر:

(5/184)


قَاتَلَ اللَّهُ قَيْسَ عَيْلاَنَ حَيّاً
مَا لَهُمْ دُونَ غَدْرَةٍ مِنْ حِجَابِ
أنْشدهُ أَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَيَاة كتبت بِالْوَاو فِي الْمُصحف ليُعلم أَن الْوَاو بعد الْيَاء، وَقَالَ بَعضهم بل كتبت واواً على لُغَة من يفخم الْألف الَّتِي مرجعها إِلَى الْوَاو، نَحْو الصلوة، والزكوة، وحَيْوَة اسْم رجل بِسُكُون الْيَاء، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الغساني عَن سَلَمة عَن أبي عُبَيْدَة فِي قَوْله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواةٌ} (البَقَرَة: 179) أَي منفعةٌ، وَمِنْه قَوْلهم لَيْسَ بفلان حَيَاة أَي لَيْسَ عِنْده نَفْعٌ، وَلَا خيرٌ.
وَيُقَال حايَيْتُ النَّار بالنفْخ كَقَوْلِك أحْيَيْتُها.
وَقَالَ الأصمعيّ: أنْشد بعض الْعَرَب بَيت ذِي الرمة:
فقلتُ لَهُ ارْفَعْهَا إليكَ وَحَايِها
بِرُوحِكَ واقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرا
وَغَيره يرويهِ وأحْيها، وسمعتُ العربَ تَقول إِذا ذَكَرَتْ مَيتاً: كُنَّا سَنَة كَذَا وكَذَا بمَكَان كَذَا وكَذَا، وَحَيُّ عمروٍ مَعنا، يُرِيدُونَ: عَمْرُو مَعَنَا حَيٌّ بذلك الْمَكَان، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَتَيْنَا فلَانا زَمَانَ كَذَا وحيُّ فلَان شاهدٌ وحيُّ فلانَةَ شاهدَةٌ، الْمَعْنى وفلانٌ إِذْ ذَاك حَيٌّ وَأنْشد الفرّاء فِي هَذَا:
أَلا قَبَحَ الإِلهُ بَنِي زِيَادٍ
وحَيَّ أبِيهِمُ قَبْحَ الحِمَارِ
أَي قبّح الله بني زِيَاد وأباهم. وَقَالَ ابْن شميلٍ: يقالُ أَتَانَا حَيُّ فلانٍ أَي أَتانا فِي حَيَاتِه وسمعتُ حَيَّ فلَان يَقُولُونَ كَذَا أَي: سمعته يَقُول فِي حياتِه. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنَّهُ أنْشدهُ:
أَلا حَيَّ لي مِنْ ليلةِ القَبْرِ أَنَّهُ
مَآبٌ وَلَو كُلفْتُه أَنا آئِبُهْ
قَالَ: أَرَادَ أَلا يُنْجِيَنِي من لَيْلَة القَبْرِ. وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال لَا حَيّ عَنهُ أَي لَا مَنْعَ مِنْهُ وَأنْشد:
ومَنْ يَكُ يَعْيَا بالبيَان فإنَّه
أَبُو مَعْقِلٍ لَا حَيَّ عَنهُ وَلَا حَدَدْ
قَالَ الفرّاء مَعْنَاهُ: لَا يَحُدُّ عَنْه شيءٌ، وَرَوَاهُ:
فإِنْ تَسْأَلُوني بالبيَانِ فإناه
أَبُو مَعْقِلٍ الخ
وَالْعرب تذكّر الحيَّةَ وتؤنّثها فَإِذا قَالَت: الحيُّوتُ عَنَوْا الْحَيَّة الذَّكَر.
وَقَالَ اللَّيْث: جَاءَ فِي الحَدِيث أَنّ الرجل الميّتَ يُسأل عَن كلّ شَيْء حَتَّى عَن حيَّة أَهْلِه قَالَ مَعْنَاهُ عَن كل شَيْء حيَ فِي منزله مثل الهِرّة وَغَيره، فأنَّث الحيّ وَقَالَ حيَّة، ونحوَ ذَلِك.
قَالَ أَبُو عبيد فِي تَفْسِير هَذَا الْحَرْف: قَالَ وإنَّما قَالَ حيَّةٌ لأنَّه ذهب إِلَى كلّ نفس أَو دَابَّةٍ فأنّث لذَلِك.
عَمْرو عَن أَبِيه: الْعَرَب تَقول: كَيفَ أَنْت وَكَيف حَيَّةُ أهْلِك، أَي كَيفَ مَنْ بَقِي مِنْهُم حَيّاً. قلت: وللعرب أَمْثَالٌ كَثِيرَة فِي الحَيّة نَذْكُرُ مَا حضرَنا مِنْهَا، سمعتُهم يَقُولُونَ فِي بَاب التَّشْبِيه: هُوَ أَبْصَرُ من حيَّةٍ؛ لِحدَّة بَصَره وَيَقُولُونَ: هُوَ أظْلمُ من حيّة، لِأَنَّهَا تَأتي جُحْرَ الضبّ فتأكل حِسْلها وتسكن

(5/185)


جُحْرُهُ. وَيَقُولُونَ: فلانٌ حَيَّةُ الْوادِي إِذا كَانَ شديدَ الشكيمة حاميَ الْحَقِيقَة. وهم حَيَّةُ الأرْضِ إِذا كانُوا أَشِدَّاء ذَوي بَسالة، وَمِنْه قَول ذِي الإصبع العَدْوانيّ:
عَذِيرَ الحَي من عَدْوَا
نَ كَانُوا حَيَّةَ الأرْضِ
أَرَادَ أَنَّهم كَانُوا ذَوي إِرْبٍ وشِدَّة لَا يضيعون ثأراً. وَيُقَال: فلَان رأسُه رأْسُ حيَّةٍ إِذا كَانَ متوقداً ذَكيّاً شَهْماً. وفلانٌ حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَي شُجَاع شديدٌ. ويُدْعَى على الرجُلِ فيقالُ: سقَاهُ الله دم الحيَّاتِ أَي أهْلَكَه اللَّهُ. وَيُقَال: رَأَيْت فِي كتابٍ كتَبَه فلانٌ فِي أمرِ فلَان حيَّاتٍ وعَقَارِبَ إِذا مَحَلَ كاتبهُ برجُلٍ إِلَى سلطانٍ ليُوقِعَه فِي وَرْطة. وَيُقَال للرجُلِ إِذا طَال عُمْره وللمرأَة المعمَّرة: مَا هُوَ إِلَّا حيَّةٌ وَمَا هِيَ إِلَّا حَيَّةٌ، وَذَلِكَ أَن عمر الحيَّة يطول وَكَأَنَّهُ سمّي حيَّةً لطول حَيَاته وَأَنه قَلَّمَا يُوجد مَيتا إِلَّا أَن يُقْتل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: فلَان حيَّةُ الْوَادي، وحيَّةُ الأرْضِ وَشَيْطَان الحَمَاطِ إِذا بلغ النِّهَايَة فِي الإرْب والخُبْثِ وَأنْشد الفرّاء:
كَمِثْلِ شَيْطَانِ الحَمَاطِ أَعْرَفُ
وَقَول مَالك بن الْحَارِث الْكَاهِلِي:
فَلَا يَنْجُو نَجَائي ثَمَّ حَيٌّ
من الحَيَواتِ لَيْسَ لَهُ جَنَاحُ
كل مَا هُوَ حَيٌّ، فَجَمعه حَيَوات، وَتجمع الحيَّة حَيَوَات، وَفِي الحَدِيث: (لَا بَأْس بقتل الحيَوَات) جمع الحيَّة.
والحيَوَانُ اسمٌ يَقع على كل شيءٍ حَيَ. وسمَّى الله جلَّ وعزَّ الْآخِرَة حَيَوَانا فَقَالَ: {لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاَْخِرَةَ} (العَنكبوت: 64) فحدثنا ابْن هَاجَك عَن حَمْزَة عَن عبد الرازق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاَْخِرَةَ} قَالَ: هِيَ الحَيَاةُ. قَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ أَنَّ من صَار إِلَى الْآخِرَة لم يَمُتْ ودام حَيّاً فِيهَا لَا يَمُوت، فَمن أُدْخِلَ الجنَّةَ حَيِيَ فِيهَا حَيَاة طيبَة، وَمن دَخَلَ النارَ فإنّه لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يَحْيَا، كَمَا قَالَ الله جلَّ وعزَّ. وكُلُّ ذِي رُوح حيوانٌ. وَالْحَيَوَان عَيْنٌ فِي الْجنَّة. ابْن هانىء عَن زيد بن كَثوة: من أمثالهم: حَيَّهِنْ حِماري وحمارَ صَاحِبي. حَيهِنْ حِماري وَحْدي. يُقَال ذَلِك عِنْد المَزْرِئَة على الَّذِي يستحقّ مَا لَا يملِكُ مكابرَةً وظُلْماً، وأَصْلُه أنَّ امرأَةً كَانَت رافقت رَجُلاً فِي سفَرٍ وَهِي راجلة وهُو على حِمَار، قَالَ فَأَوَى لَها وأَفْقَرها ظَهرَ حِمَارِه، وَمَشى عَنْهَا، فَبَيْنَمَا هما فِي مسيرهما إِذْ قَالَت وَهِي راكبة عَلَيْهِ حَيَّهِن حِمارِي وحِمار صَاحِبي، فَسمع الرجل مقالَتهَا فَقَالَ: حَيَّهِنْ حِماري وَحْدي، وَلم يَحْفِل لقولها وَلم يُنْغِضْها، فَلم يَزَالَا كَذَلِك حَتَّى بلغت النَّاسَ فلمَّا وثقت قَالَت: حَيَّهِنْ حِمَاري وحْدِي وَهِي عليْه فنازَعَها الرجلُ إيّاه، فاستغاثت عَلَيْهِ، فَاجْتمع لَهما الناسُ والمرأةُ راكبةٌ على الْحمار وَالرجل راجل، فَقُضِي لهَا عَلَيْهِ بالحمارِ لِمَا رَأَوْا فَذَهَبت مثلا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أَرض مَحْيَاةٌ ومَحْوَاةٌ من الحَيَّات.

(5/186)


وَقَالَ ابْن المظفّر: الحَيَوانُ كلٌّ ذِي رُوحٍ، والجميع وَالْوَاحد فِيهِ سواءٌ. قَالَ: والحَيَوان مَاءٌ فِي الْجنَّة لَا يُصِيب شَيْئا إِلَّا حَيِيَ بِإِذن الله. قَالَ: واشتقاق الحيَّةِ من الحيَاةِ، وَيُقَال هِيَ فِي أصل الْبناء حَيْوَة فأُدْغِمت الْيَاء فِي الْوَاو، وجُعلتا يَاء شَدِيدَة. قَالَ وَمن قَالَ لصَاحب الحيَّاتِ حَايٍ فَهُوَ فاعلٌ من هَذَا البِنَاءِ وَصَارَت الْوَاو كسْرةً كواو الغازِي والعالي.
وَمن قَالَ حَوّاء على فَعَّال فَإِنَّهُ يَقُول: اشتقاق الحيَّةِ من حَوَيْتُ لِأَنَّهَا تَتَحَوَّى فِي الْتوائها، وكُل ذَلِك تَقول العربُ. قلت: وَإِن قيل حَاوٍ على فَاعل فَهُوَ جَائِز، والفرْقُ بَينه وَبَين غازِي أَنَّ عين الْفِعْل من حاوٍ وَاوٌ وعينَ الْفِعْل من الغازِي الزَّاي فبينهما فرق. وَهَذَا يَجُوزُ على قولِ من جعل الحيَّة فِي أصل الْبناء حَوْيَةً.
وَقَالَ الليثُ الحياءُ من الاستحياء ممدودٌ وَرجل حَيِيٌّ بِوَزْن فَعِيلٍ وَامْرَأَة حَيِيَّةٌ وَيُقَال: استحيا الرجل واستحْيَتْ المرأةُ. قلت: وللعرب فِي هَذَا الْحَرْف لُغَتَانِ يُقَال اسْتَحى فلَان يستَحِي بياءٍ واحدةٍ، واستحْيَا فلَان يَسْتَحْيي بياءين. والقرآنُ نَزَلَ باللُّغة التامَّة.
قَالَ الله جلَّ وعزَّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} (البَقَرَ: 26) .
وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اقْتُلوا شُيُوخَ المُشْركين واستَحْيُوا شَرْخَهُمْ فَهُوَ بِمَعْنى استفْعِلُوا من الْحَيَاة أَي استبْقوهم وَلَا تَقْتُلُوهُمْ.
وَكَذَلِكَ قَول الله {طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} (القَصَص: 4) أَي يستبْقِيهِنّ فَلَا يقتلُهن. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنى إِلَّا لُغَةٌ وَاحِدَة. وَيُقَال فلانٌ أَحْيَا من الهَدِي وَأَحْيَا من كَعَابٍ وَأَحْيَا من مُخَدَّرةٍ وَمن مخبَّأَةٍ، وَهَذَا كُله من الْحيَاء ممدودٌ، وَأما قولُهم أَحْيَا من الضَّب فَهِيَ الحياةُ.
وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال حَيِيتُ من فعل كَذَا أَحْيَا حَيَاءً أَي استَحْيَيتُ وَأنْشد:
أَلا تَحْيَوْنَ من تَكْثِيرِ قَوْمٍ
لِعَلاَّتٍ وأمُّكُمُ رَقُوبُ
مَعْنَاهُ أَلا تَسْتَحْيُونَ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (الحَيَاءُ شعبةٌ من الْإِيمَان) . وَاعْترض هَذَا الحديثَ بعضُ النَّاس، فَقَالَ كيفَ جعل الحيَاءَ وَهُوَ غرِيزةٌ شُعْبَة من الْإِيمَان وَهُوَ اكتسابٌ؟ وَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن المستحِي يَنْقَطِع بالحياءِ عَن المعَاصِي وَإِن لم تكن لَهُ تقِيَّةٌ، فَصَارَ كالإيمان الَّذِي يُقْطعُ عَنْها ويحول بَين الْمُؤمنِينَ وبيْنهَا، وَكَذَلِكَ قِيلَ إِذا لم تَسْتَحِ فاصنعْ مَا شِئْتَ، يُرَادُ أَنَّ من لم يَسْتَحِ صَنَع مَا شَاءَ لأنّه لَا يكون لَهُ حياءٌ يَحْجِزُه عَن الفواحِش فيتهافَتُ فِيهَا وَلَا يتوقّاها، وَالله أعلم.
وَأما قَول الله جلَّ وعزَّ مُخْبِراً عَن طائفةٍ من الكفّار لم يُؤمنُوا بِالْبَعْثِ والنشور بعد الْمَوْت {تَذَكَّرُونَ وَقَالُواْ مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (الجَاثِيَة: 24) فإنّ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن

(5/187)


يحيى سُئِل عَن تفسيرِها فَقَالَ: اختُلِفَ فِيهِ، فَقَالَت طائِفَةٌ: هُوَ مقدم ومؤخر وَمَعْنَاهُ نحيا وَنَمُوت وَلَا نحيا بعد ذَلِك.
وَقَالَت طائِفَةٌ: مَعْنَاهُ نَحْيَا ونَمُوتُ وَلَا نَحْيَا أبدا، ويحيا أولادُنا بَعْدَنا فَجعلُوا حياةَ أَوْلاَدِهم بَعْدَهُم كحياتهم، ثمَّ قَالُوا: وَيَمُوت أَوْلاَدُنا فَلَا نحيا وَلاَ هُمْ.
وَقَالَ ابْنُ المظَفَّر فِي قَول المصلّي فِي التَّشَهُّد: التحيَّاتُ للَّهِ، قَالَ: مَعْنَاهُ: الْبَقَاء للَّهِ، وَيُقَال: المُلْكُ للَّهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سلَمَةَ عَن الفرّاء أَنّه قَالَ فِي قَول الْعَرَب حَيَّاكَ اللَّهُ، مَعْنَاهُ: أبقاك اللَّهُ، قَالَ: وحَيّاكَ أَيْضاً أَي ملّكك اللَّهُ، قَالَ: وحيّاك أَي سلّم عَلَيْك. قَالَ وَقَوْلنَا فِي التَّشَهُّد: التَّحِيَّاتُ للَّهِ يُنْوَى بهَا البقاءُ للَّهِ وَالسَّلَام من الآفاتِ لله والمُلْكُ للَّهِ. وَنَحْوَ ذَلِك قَالَ أَبُو طَالب النحويُّ فِيمَا أفادني عَنهُ الْمُنْذِرِيّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عَمْرو: التحيَّةُ: المُلْكُ وَأنْشد قَول عَمْرو بن معدي كرب:
أسيرُها إِلَى النُّعْمَانِ حَتَّى
أُنِيْخَ على تَحِيَّتِه بِجُنْدي
يَعْنِي على مُلْكِه، وَأنْشد قَول زُهَيْر بن جَنَابٍ الكَلْبي:
وَلَكُلُّ مَا نَالَ الفَتَى
قَدْ نِلْتُه إلاَّ التَّحِيَّة
قَالَ يَعْنِي المُلْكَ.
قَالَ أَبُو عبيد: والتحيَّةُ فِي غير هَذَا: السلامُ.
قَالَ خَالِد بن يزِيد: لَو كَانَت التحيَّةُ المُلْكَ لما قيل التحيَّاتُ لِلَّهِ، وَالْمعْنَى السلاَمَاتُ من الْآفَات كلهَا لِلَّهِ، وجَمَعَها لِأَنَّهُ أَرَادَ السَّلَام من كل آفَةٍ.
وَقَالَ القتبي: إِنَّمَا قيل التحيّات لِلَّهِ على الْجمع لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَرْض مُلُوك يُحَيَّوْن بتحيّاتٍ مُخْتَلفَة يُقَال لبَعْضهِم: أبيتَ اللَّعْن، ولبعضهم اسْلَمْ وانْعَمْ، وَعِشْ ألفَ سنَةٍ، فَقيل لنا قُولُوا: التحيَّاتُ لِلَّهِ، أَي الْأَلْفَاظ الَّتِي تَدُل على المُلْكِ ويُكَنَّى بهَا عَن المُلْكِ هِيَ للَّهِ تَعَالَى.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه كَانَ يُنكر فِي تَفْسِير التَّحِيَّة مَا روينَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة، وَيَقُول: التحيَّةُ فِي كَلَام الْعَرَب مَا يُحيي بِهِ بعضُهم بَعْضًا إِذا تلاقَوْا. قَالَ: وتحيّةُ اللَّهِ الَّتِي جعلهَا فِي الدُّنْيَا والآخرةِ لِمُؤْمِنِي عبادِه إِذا تلاقَوْا ودعا بعضُهم لبَعض بأَجْمَعِ الدُّعَاءِ أَن يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ فِي أهل الْجنَّة: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} (الْأَحْزَاب: 44) وَقَالَ فِي تحيَّة الدُّنْيَا {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} (النِّسَاء: 86) وَقَالَ فِي قَول زُهَيْر بن جناب:
ولَكُلُّ مَا نَال الْفَتَى
قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التّحِيَّة
يُرِيد إلاّ السَّلامَة من المنيّة والآفات فَإِن أحدا لَا يسلم من الموتِ على طول البقَاءِ. فَجعل أَبُو الْهَيْثَم معنى (التحياتُ لِلَّهِ) أَي السَّلَام لَهُ من الْآفَات الَّتِي تلْحق الْعباد من العَناء وَأَسْبَاب الفناء

(5/188)


قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو الْهَيْثَم حسَنٌ ودلائله وَاضِحَة غير أَن التحيّة وَإِن كَانَت فِي الأَصْلِ سَلاما فَجَائِز أَن يُسَمَّى المُلْكُ فِي الدُّنْيَا تحيّةً كَمَا قَالَ الفرّاء وَأَبُو عَمْرو، لِأَن المَلِكَ يُحيَّا بِتَحِيّة المُلْكِ الْمَعْرُوفَة للملوك الَّتِي يباينون فِيهَا غيرَهم، وَكَانَت تَحِيَّة مُلُوك الْعَجم قريبَة فِي الْمَعْنى من تَحِيَّة مُلوكِ الْعَرَب، كَانَ يُقَال لِمَلِكِهم زِهْ هَزَارْ سَالْ، الْمَعْنى عِشْ سالما ألفَ سنة. وَجَائِز أَن يُقَال للبقاء تحيَّةً لِأَن من سَلِمَ من الْآفَات فَهُوَ باقٍ، وَالْبَاقِي فِي صفة اللَّهِ من هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَمُوت أبدا، فَمَعْنَى حيَّاك اللَّهُ: أَي أَبقاك صحيحٌ، من الْحَيَاة، وَهُوَ الْبَقَاء. يُقَال: أَحْيَاهُ اللَّهُ وحيَّاه بِمَعْنى وَاحِد، وَالْعرب تسمي الشيءَ باسم غيرِه إِذا كَانَ مَعَه أَو من سَببه.
أَخْبرنِي مُحَمَّد بن مُعاذ عَن حَاتِم بن المظفّر أَنه سَأَلَ سَلَمة بن عَاصِم عَن قَوْله: حيّاك اللَّهُ، فَقَالَ: بِمَنْزِلَة أَحْيَاكَ اللَّهُ أَي أبقاك اللَّهُ مثل كرّم اللَّهُ وَأكْرم اللَّهُ، قَالَ: وَسَأَلت أَبَا عُثْمَان الْمَازِني عَن حيّاك اللَّهُ فَقَالَ عَمَّرك اللَّهُ.
وَقَالَ الليثُ: المحاياةُ الغِذاء للصبيّ بِمَا بِهِ حَيَاتُه، وَقَالَ: حَيَا الرّبيع مَا تحيا بِهِ الأَرْض من الْغَيْث.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال أَحْيَا القومُ إِذا مُطِروا فأصابت دوابُّهم العشب وسمنت. وَإِن أرادُوا أنفسَهم قَالُوا: حَيُوا بعد الهزال. والحَيَا الغيثُ مقصورٌ لَا يمدّ. وحَيَاءُ الشَّاةِ والناقةِ والمرأةِ ممدودٌ وَلَا يجوز قصْره إِلَّا لشاعرٍ يُضطرّ فِي شعره إِلَى قَصْره. وَمَا جَاءَ عَن الْعَرَب إِلَّا ممدوداً، وَإِنَّمَا قيل لَهُ حَيَاءٌ باسم الحياءِ من الاستحياء لِأَنَّهُ يُسْتَرُ من الآدميّ، ويكنّى عَنهُ من الْحَيَوَان ويستفحش التَّصْرِيح بِذكرِهِ واسْمه الْمَوْضُوع لَهُ، ويستحى من ذَلِك، سمّي حَيَاء لهَذَا الْمَعْنى. وَقد قَالَ اللَّيْث: يجوز قصر الْحيَاء ومدُّه وَهُوَ غلطٌ لَا يجوز قصره لغير الشَّاعِر لِأَن أصْلَه الْحيَاء من الاستحياء.
حوى: قَالَ اللَّيْث: حَوى فلانٌ مالَه حَيَّاً وحَوَايةً: إِذا جمعه وأَحْرزه. واحْتَوَى عَلَيْهِ. قَالَ: والْحوِيُّ استدارةُ كل شيءٍ كَحوِيّ الحيّة، وكحويّ بعضِ النُّجُوم إِذا رأيتَها على نَسَق واحدٍ مستديرةً. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَوِيُّ المَالِكُ بعد اسْتِحْقَاق. والحَوِيُّ العليل والدويُّ الأحْمَقُ مشدَّدَات كلهَا. قلت: والحَوِيُّ الحُوَيْضُ الصَّغِير يسويه الرجلُ لبعيره يسْقِيه فِيهِ وَهُوَ المرْكُوّ يُقَال قد احتويت حَوِيّاً. وأمّا الحَوَايَا الَّتِي تكون فِي القِيعانِ والرِياض، فَهِيَ حفائرُ ملتوِيةٌ يملؤُها ماءُ السيلِ فَيبقى فِيهَا دهْراً لأنّ طين أَسْفَلهَا عَلِكٌ صُلْبٌ يُمْسِكُ الماءَ، واحدتها حَوِيّةٌ. وَقد تسميها الْعَرَب الأَمْعاء تَشْبِيهاً بحوايا البطْن.
أَبُو عُمَرَ: الحَوايَا المساطِح، وَهُوَ أَن يَعْمِدوا إِلَى الصَّفا فيَحْوون لَهُ تُرَابا يحبس عَلَيْهِم الماءَ، واحدتها حَوِيّة حَكَاهَا عَن ابْن الْأَعرَابِي وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الفرّاء فِي قَول اللَّهِ جلَّ وعزَّ {أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}

(5/189)


(الأنعَام: 146) ، قَالَ: وَهِي المباعِرُ وَبَنَات اللَّبن، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: هِيَ الحِوَايَّةُ والحاوِية وَهِي الدَّوَّارة الَّتِي فِي بطن الشَّاة، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت أَنّه قَالَ: الحاوِياتُ بَنَات اللّبن، يُقَال حاوِيةٌ وحاوِيَات وحاوِياءُ مَمْدُود. قَالَ: وحَوِيّة وحوايا وحَوِيّات. قَالَ: والحَاوِياءُ وَاحِدَةُ الحَوَايَا. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال حَاوِيَةٌ وحَوايا مثل زَاوِيةٌ وزَوَايا، وراوية وروايا قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول حَوِيَّةٌ وحوَايَا، مثل الحَوِيّة الَّتِي تُوضَع على ظهر الْبَعِير ويُركب فَوْقهَا. قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول لوحداتها حَاوِياءُ، وَجَمعهَا الحَوَايَا. وَأنْشد قَول جرير:
تَضْفُو الخَتانِيصُ والغُولُ الَّتِي أكلتْ
فِي حَاوِياء دَرُومِ اللّيلِ مِجْعار
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوِيّة مَرْكَبٌ يُهَيَّأُ للْمَرْأَة لتركبَه، وَهِي الحَوايَا. قَالَ وَقَالَ عُمير بن وهب يَوْم بدرٍ حِين رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وحَزَرَهُم، فَرجع إِلَى أَصْحَابه فقالُوا لَهُ: وراءَك؟ فأجابهم وَقَالَ: رَأَيْت الحَوَايَا عَلَيْهَا المنايَا.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الْعَرَب تَقول: المنَايا على الحَوايَا أَي قد تَأتي المنيَّةُ الشجاعَ وَهُوَ على سَرْجه. وَقَالَ الأصمعيّ: الحويَّةُ كسَاء يحوي سَنَامِ الْبَعِير ثمَّ يُركب.
وَقَالَ اللَّيْث الحِواءُ أَخْبِيَةٌ تَدَانى بعضُها من بَعْضٍ، تَقول: هم أهْل حِوَاءٍ واحدٍ، وَجمع الحِواء أحْوِيةٌ. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الحِوَاءُ جماعاتُ بيوتِ النَّاس.
والحُوّاءُ نبت مَعْرُوف الْوَاحِدَة حُوَّءَةٌ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل هما حُوَّاءَانِ أَحدهمَا حُوّاء الذَّعاليق وَهُوَ حُوَّاءُ الْبَقر وَهُوَ من أَحْرَار الْبُقُول، وَالْآخر حُوَّاءُ الكِلاب، وَهُوَ من الذُّكُور ينْبت فِي الرَّمْث خَشِناً وَقَالَ الشَّاعِر:
كَمَا تَبَسَّمَ للحُوَّاءَةِ الجَمَلُ
وَذَلِكَ أَنّه لَا يقْدر على قلعهَا حَتَّى يكْشِرَ عَن أنيابه للزوقها بِالْأَرْضِ. وَقَالَ النَّضر: الأَحْوَى من الْخَيل هُوَ الْأَحْمَر السراة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأَحْرَى هُوَ أصفى من الأحَمّ، وهما يتدانَيَان حَتَّى يكون الأحْرَى مُحْلفِاً يُحْلَفُ عَلَيْهِ أَنه أحمُّ. قَالَ وَيُقَال: احْوَاوَى يَحْوَاوِي احْوِيوَاءً.
والحُوَّةُ فِي الشفاه شَبيه باللَّمَى واللَّمَس قَالَ ذُو الرُّمَّة:
لَمْياءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَمَسٌ
وَفِي اللثاتِ وَفِي أَنْيَابِها شَنَبُ
وَقَالَ الْفراء فِي قَول اللَّهِ تَعَالَى {فَهَدَى وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَخْرَجَ الْمَرْعَى} (الْأَعْلَى: 4، 5) قَالَ: إِذا صَار النبَتُ يَبِيسًا فَهُوَ غُثَاءٌ، والأحْوَى الَّذِي قد اسودّ من القِدَم والعتْقِ قَالَ: وَيكون مَعْنَاهُ أَيْضا: أخرج المَرْعَى أَحْوَى، أَي أخضرَ فَجعله غُثَاءً بعد خُضْرَتِه، فَيكون مُؤَخرا، مَعْنَاهُ التقديمُ. والأحْوَى الأسودُ من الخُضْرَة كَمَا قَالَ: {ُ)) ِالْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى} (الرَّحمان: 64) . وَقَالَ شمر: حُوَيُّ خَبْتٍ طائِرٌ، وَأنْشد:

(5/190)


حُوَيَّ خَبْتٍ أينَ بِتَّ اللّيلَه
بِتُّ قَرِيبا أحْتَذِي نُعَيْلَهْ
وَقَالَ الآخر:
كَأَنَّكَ فِي الرّجالِ حُوَيُّ خَبْتٍ
يُزَقي فِي حُوَيَّاتٍ بِقَاعِ
وَقَالَ أَبُو خيرة الحُوُّ من النَّمْل نمل حُمْرٌ يُقَال لَهَا: نمل سُلَيْمَان.
وَالْعرب تَقول لمجتمع بيُوت الْحَيّ: مَحَوَّى وَحِواءٌ ومُحْتَوىً والجميع أحْويةٌ ومَحَاء.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن أبي نجدة عَن أبي زيد وَعَن الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة وَعَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالُوا كلهم: يُوحُ اسْم للشمس مَعْرِفَةٌ لَا يدْخلهُ الصّرْف وَلَا الْألف وَاللَّام. قلت: وَقد جَاءَ يُوحُ اسْما للشمس فِي كتاب (الْأَلْفَاظ) المَعْزِيّ إِلَى ابْن السّكيت وَهُوَ صَحِيح. وَلم يَأْتِ بِهِ أَبُو عبيد وَلَا ابْن شُمَيْل وَلَا الأصمعيّ.
وَيْح: وَقَالَ اللَّيْث: وَيْحَ يُقَال إِنَّه رَحْمَة لمن تنزل بِهِ بَلِيّة، وَرُبمَا جعل مَعَ (مَا) كلمة وَاحِدَة فَقيل: وَيْحَمَا.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الفَرَج: الوَيْحُ والوَيْلُ والوَيسُ بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ وَقَالَ الْخَلِيل: وَلَيْسَ كلمةٌ فِي مَوضِع رَأْفة واستملاح كَقَوْلِك للصَّبِي ويْحَهُ مَا أمْلَحَهُ، ووَيْسَه مَا أَمْلحه. قَالَ: وَسمعت أَبَا السَّميذع يَقُول: ويْحَك ووَيْسَك ووَيلك بِمَعْنى واحِدٍ.
قَالَ وَقَالَ اليزيديُّ: الوَيْح والويْلُ بِمَعْنى واحدٍ.
وَقَالَ الْحسن: وَيْح كلمةُ رَحْمةٍ.
وَقَالَ نصير النحويّ: سَمِعت بعض المتنطعين يَقُولُونَ: الوَيْحُ رَحْمةٌ، قَالَ وَلَيْسَ بَيْنَه وَبَين الوَيْل فُرْقَانٌ إِلَّا كَأَنَّهُ أَلْيَنُ قَلِيلا.
قَالَ وَمن قَالَ: هُوَ رَحْمَةٌ فَعَسَى أَن تكون العربُ تَقول لمنْ ترحَمُه: وَيْحَهُ رثايةً لَهُ.
وَقَالَ ابْن كَيْسَانَ: سَمِعت ثعلباً قَالَ: قَالَ المازنيّ: قَالَ الأصمعيّ: الويل قَبُوح والوَيْحُ ترحُّم ووَيْسَ تصغيرُها أَي هِيَ دُونها.
وَقَالَ أَبُو زيد: الويل هُلْكَةٌ والويْحُ قبوحٌ والويس ترحُمٌ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الويل يُقَال لمن وَقَع فِي هُلْكَةٍ، والوَيْحُ زَجْرٌ لمن أَشْرَف على الهُلْكَةِ. وَلم يذكر فِي الويْسِ شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: جَاءَ عَن رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعمَّارٍ: (ويْحَكَ يَا ابْن سُمَيَّة بُؤْساً لَك تَقْتُلك الفِئةُ الباغِيَةُ) .
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة ليلةَ تبِعت النبيَّ وَقد خرج من حُجرَتِها، فَنظر إِلَى سوادِها فلحقها وَهِي فِي جَوف حُجرتها، فَوجدَ لَهَا نَفَساً عَالِيا، فَقَالَ: وَيْسَهَا، مَاذَا لقِيَت الليلةَ؟
وَقَالَ أَبُو سعيد، وَيْحَ كلمةُ رَحْمَةٍ. قلت: وَقد قَالَ أَكْثَر أهل اللُّغَةِ: إِن الويلَ كلمةٌ تقال لمن وَقع فِي هُلْكَةٍ أَو بَلِيَّة لَا يُتَرحَّمُ عَلَيْهِ مَعهَا ووَيْحَ تقال لمن وَقع فِي بَلِيّة يرثى لَهُ ويُدْعَى لَهُ بالتخلُّص مِنْهَا، أَلا ترى أَن الويل فِي القُرآن مَا جَاءَ إِلَّا لمن

(5/191)


استحقّ الْعَذَاب بجرمه من ذَلِك قَول اللَّهِ جلّ وعزّ {ُِ} (الهُمَزة: 1) وَقَالَ: {وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ} (فصلت: 6، 7) وَقَالَ: {ُِ} (المطفّفِين: 1) فَمَا جَاءَ ويلٌ إِلَّا لأهل الجرائم نَعُوذ باللَّهِ من سخط اللَّهِ، وَأما وَيْحَ فقد صحّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَهَا لعمَّار الفاضلِ كَأَنَّهُ أُعْلِمَ مَا أَصَابَهُ من القتْل فتوجّع لَهُ وترحّمَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم الأَصْل فِي وَيْح ووَيْس وويل وَيْ، وُصِلَتْ بحاء مرّة وَمرَّة بسين وَمرَّة بلام.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الْخَلِيل عَنْهَا، فَزعم أَن كل مَن نَدم فأظهر ندامته قَالَ وَيْ مَعْنَاهَا التنديمُ والتنبيهُ.
وَقَالَ ابْن كيسَان إِذا قَالُوا: ويلٌ لَهُ وويح لَهُ وويس لَهُ فَالْكَلَام فِيهِنَّ الرفعُ على الِابْتِدَاء، وَاللَّام فِي مَوضِع الْخَبَر، فَإِن حذفت اللَّام لم يكن إِلَّا النصبُ، كَقَوْلِك ويحَهُ وويسَهُ.
وَحي: قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال وحيْتُ إِلَى فلَان أَحِي إِلَيْهِ وَحْياً وأَوْحَيْتُ إِلَيْهِ أُوحِي إيحاءً: إِذا أشرتَ إِلَيْهِ وأومأْتَ، قَالَ فأمّا اللُّغَةُ الفاشية فِي الْقُرْآن فبالألف، وَأما فِي غيرِ الْقُرْآن فوحيْتُ إِلَى فلَان مشهورةٌ قَالَ العجّاج:
وَحَى لَهَا القرارَ فاستقرَّتِ
أَي وَحَى اللَّهُ الأرضَ بِأَن تَقِرّ قراراً فَلَا تميدُ بِأَهْلِهَا، أَي أَشَارَ إِلَيْهَا بذلك. قَالَ: وَيكون وَحَى لَهَا القرارَ أَي كتب لَهَا القَرار، وَيُقَال: وَحَيْتُ الْكتاب أَحِيه وَحْياً أَي كتبته فَهُوَ مَوْحِيّ وَقَالَ لبيد بن ربيعَة:
فَمَدَافِعُ الرَّيَانِ عُريَ رَسْمُها
خَلَقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِي سلاَمُها
قَالَ والوُحِيُّ جمع وَحَى وَقَالَ رؤبة:
إِنْجِيلُ تَوراة وَحَى مُنَمْنِمُه
أَي كتبَه كاتِبُه. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي وَحَى إِلَيْهِ بالْكلَام يَحِي بِهِ وَحْياً، وأَوْحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ أَن يكلمهُ بِكَلَام يُخفِيه من غَيره.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج فِي قَوْله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْءَامِنُواْ بِى} (المَائدة: 111) .
قَالَ بعضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَلْهَمْتُهم كَمَا قَالَ {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (النّحل: 68) .
وَقَالَ بَعضهم: أوحيتُ إِلَى الحواريّين أمرْتُهم. وَمثله:
وَحَى لَهَا القَرار فاستقرّت
أَي أَمَرها. وَقَالَ بَعضهم: معنى قَوْله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} أتيتُهم فِي الوحْي إِلَيْك بالبراهين الَّتِي استدلُّوا بهَا على الْإِيمَان فآمنوا بِي وَبِك.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} (مَرْيَم: 11) أَشَارَ إِلَيْهِم. قَالَ: والعربُ تَقول: أَوْحى وَوَحى، وأَوْمى ووَمَى بِمَعْنى وَاحِد، وَوَحى يحِي وَوَمى يمِي. وَقَالَ جلّ وعزّ {كَانُواْ يَحْذَرونَ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى} (القَصَص: 7) قيل إِن الْوَحْي هَهُنَا إِلْقَاءُ اللَّهِ فِي قَلبهَا وَمَا بعد هَذَا يدلُّ واللَّهُ أعلم على أَنه وَحْيٌ من اللَّهِ على

(5/192)


جِهَة الْإِعْلَام للضَّمَان لَهَا {وَلاَ تَحْزَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ} (القَصَس: 7) وَقد قيل إِن معنى الوحْي هَهُنَا الإلْهَامُ، وَجَائِز أَن يُلْقي اللَّهُ فِي قَلبهَا أَنه مردودٌ إِلَيْهَا وَأَنه يكون مرسَلاً وَلَكِن الْإِعْلَام أبْينَ فِي معنى الوَحْي هَهُنَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأصل الوَحْي فِي اللُّغَة كلّها إعلامٌ فِي خفاءٍ، وَلذَلِك صَار الإلمامُ يُسمَّى وحْياً. قلت: وَكَذَلِكَ الإشارَةُ والإيماءُ يُسمى وَحْياً، وَالْكِتَابَة تسمى وَحْياً.
وَقَالَ اللَّهُ جلّ وعزّ: {قَدِيرٌ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ} (الشورى: 51) مَعْنَاهُ إِلَّا أنْ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ وَحيا فيُعلمه بِمَا يعلم الْبشر أَنه أَعْلَمَه إمّا إِلْهَاماً وَإِمَّا رُؤْيَا، وَإِمَّا أَن يُنْزِل عَلَيْهِ كِتَاباً، كَمَا أَنْزَل على مُوسَى أَو قُرآناً يُتْلَى عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَل على محمدٍ، وكل هَذَا إِعْلَام وَإِن اخْتلفت أسبابُ الْإِعْلَام فِيهَا.
وأفادني المنذريّ عَن ابْن اليزيدي عَن أبي زيد فِي قَوْله: {} (الجنّ: 1) من أَوْحَيْتُ. قَالَ: وناسٌ من الْعَرَب يَقُولُونَ: وَحَيْتُ إِليه، ووحيْتُ لَهُ، وأَوْحَيْتُ إِلَيْهِ وَله. قَالَ وَقَرَأَ جُؤَيّةُ الأسديّ: {} (الْجِنّ: 1) من وَحَيْتُ، همزَ الواوَ. وَذكر الفراءُ عَن جؤية نَحوا مِمَّا ذكَرَ أَبُو زيد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَوْحَى الرجلُ إِذا بعثَ برسولٍ ثقةٍ إِلَى عبد من عبيده ثِقَةٍ، وَأوحى أَيْضا إِذا كلّم عَبده بِلَا رَسُولٍ. وأَوْحَى الإنسانُ إِذا صَار مَلِكاً بعد فقر. وأَوْحَى الْإِنْسَان وَوَحى وأَحَى إِذا ظلم فِي سُلْطَانه. واستَوْحَيْتَهُ أَي استفهمته. قَالَ: واستوحيْتُ الكلبَ واستوشيْتُه وآسَدْتُه: إِذا دَعْوتَه لتُرْسِله. قَالَ: والوَحَى النَّار، وَيُقَال للْملك وَحى من هَذَا.
وَقَالَ بعضُهم: الإيحاءُ الْبكاء، يُقَال فلَان يُوحِي أبَاه أَي يَبْكِيه، والنائحة تُوحِي الميتَ تَنُوح عَلَيْهِ، وَقَالَ:
تُوحِي بحالٍ أبَاهَا وَهُوَ مُتَّكِىءٌ
على سِنَانٍ كأنْفِ النَّسْرِ مَفْتُوقِ
أَي مُحدَّد. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الوَحَاةُ الصوتُ وَيُقَال: سَمِعت وَحَاه ووَعَاه. والوَحَاءُ مَمْدُود: السرعة. يُقال: تَوَحَّ فِي شأْنِك أَي أَسْرِع فِيهِ. وَوَحَّى فلانٌ ذَبِيحَته إِذا ذبحه ذبحا وَحِيّاً. وَقَالَ الجَعْدِيُّ:
أسِيرَانِ مَكْبُولانِ عِنْدَ ابنِ جَعْفَرٍ
وآخَرُ قد وحَّيْتُمُوه مُشَاغِبُ
وَالْعرب تَقول الوَحَاءَ الوحاءَ، والوحَا والوحَا، ممدوداً ومقصوراً، وَرُبمَا أدخلُوا الْكَاف مَعَ الْألف فَقَالُوا: الوحَاكَ الوحَاكَ، ورَوى سلمةُ عَن الفرَّاء قَالَ: الْعَرَب تَقول النَّجَاءَ النَّجَاءَ والنَّجَا النَّجَا، والنجاءَك النجاءَك، والنَّجَاك النّجَاك. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قلت لِابْنِ الْأَعرَابِي: مَا الوَحَى؟ فَقَالَ: المُلْكُ، فقلْت: وَلم سُمي المُلْكُ وحىً؟ فَقَالَ. الوَحَى النّارُ فكأنّه مثلُ النَّار، ينفَعُ ويضرُّ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ من أمثالِهم وَحْيٌ فِي حَجَرٍ، يُضْرَبُ مثَلاً لمن يكتم سِرَّه، يَقُول الحَجَرُ لَا يُخْبِرُ أحدا بشيءٍ فَأَنا مثْلُه لَا أُخبر أحدا بِشَيْء أكتُمُه. قلت: وَقد يُضْرَبُ مَثَلاً للشَّيْء

(5/193)


الظَّاهِر البيّن، يُقَال هُوَ كالوحْي فِي الْحجر إِذا نُقِرَ فِيهِ نَقْراً، وَمِنْه قَول زُهَيْر:
كالوَحْي فِي حَجَرِ المَسِيلِ المُخْلِدِ
وَقَالَ لبيد:
فَمَدَافِعُ الرَّيَّان عُري رَسْمُها
خَلَقاً كَمَا ضَمِن الوَحِيُّ سِلامُها
وحّ: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوحُّ الوَتد يُقَال هُوَ أفقر من وحَ وَهُوَ الوتد وَهَذَا قَول الْمفضل. وَقَالَ غَيره وحٌّ كَانَ رجلا فَقِيرا فَضُرِب بِهِ المثلُ فِي الحاحة.
قَالَ اللحياني: وحْ زجرٌ للبقر يُقَال: وحوحْتُ بهَا، وَرجل وَحْوَحٌ شَدِيد القوّة يَنْحِمُ بنشاطه إِذا عمل عملا وَرِجَال وَحَاوِحُ، وَالْأَصْل فِي الوَحْوَحَةِ الصوتُ من الْحلق وكلب وَحْوَاحٌ ووَحْوَحٌ وَقَالَ:
يَا رُبَّ شيْخٍ من لُكَيْزٍ وَحْوَحِ
عَبْلٍ شديدٍ أسرهُ صَمَحْمَحِ
حوي: أَبُو عَمْرو: الحوايا المَساطح وَهُوَ أَن يعمدوا إِلَى الصَّفَا فيحوون لَهُ تُرَابا وحجارَةً ليحبس عَلَيْهِم الماءَ وَاحِدهَا حَوِيَّةٌ. وَقَالَ اللَّيْث أَرض مَحْوَاةٌ كَثِيرَة الحيّات. واجتمعوا على ذَلِك. وَقَالَ اليزيديُّ: أَرض محياةٌ ومَحْوَاةٌ كَثِيرَة الحيّات.
عَمْرو عَن أَبِيه: أوْحَى الرجلُ إِذا ملك بعد مُنَازَعَةٍ.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت، تَقول استوحِ لنا بَنِي فلَان مَا خبرُهُم؟ أَي استخبِرْهُم. عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لبياض الْبَيْضَة الَّذِي يُؤْكَل: الآحُ ولصفرتها: الماح.
ابْن هانىء عَن ابْن كَثْوة من أَمْثَالِهم: إنّ من لَا يعرف الوَحَا أَحمَق يَقُولهَا الَّذِي يُتَوَاحى دُونَه بالشَّيْء، أَو يُقَال عِنْد تعيير الَّذِي لَا يعرف الوَحَا.
وَفِي الحَدِيث (إِذا أردْتَ أمرا فتدبّر عاقبته فَإِن كَانَت شرا فانْتَهِ وَإِن كَانَت خيرا فَتَوَحَّهْ) أَي أسْرع إِلَيْهِ.

(5/194)


أَبْوَاب الرباعي من حرف الْحَاء

(أَبْوَاب الْحَاء وَالْقَاف)
ح ق
(سخن) : أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه كتب عَن أعرابيَ قَالَ:
السخينة (1) دَقِيق يُلْقى على ماءٍ أَو على لبن فيطبخ ثمَّ يُؤْكَل بِتَمْر أَو يُحسى وَهُوَ الحَسَاءُ قَالَ: وَهِي السُّخُونة أَيْضا وَهِي النفية.
(حدرق) : وَالحُدُرّقَّةُ والخَزِيرَةُ. قَالَ: والحَرِيرَةُ أرَقُّ مِنْهَا وَقَالَت جويريةٌ لأمها: يَا أُمَّتَاه أنَفِيتَةً فتّخذ أم حُدْرُقَّة؟ قَالَ: وَالحُدْرُقَّة مثل ذَرْق الطَّائِر فِي الرقَّة.
(حرقد) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحِرْقِد أصل اللِّسَان. والحِلْقِد هُوَ السّيء الخُلُق الثقيلُ الرُّوع.
وَقَالَ اللَّيْث الحَرْقَة هُوَ عُقْدة الحُنْجُور، والجميع الحراقِدُ.
(قردح) : قَالَ: والقُرْدُح: الضخم من القِرْدان. والقَرْدَحُ: ضرب من البُرُود: وَيُقَال: قد قَرْدَحَ الرجلُ إِذا أقَرَّ بِمَا يُطْلَبُ إِلَيْهِ أَو بِمَا طُلب مِنْهُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ القَرْدَحَةُ الإقرارُ على الضَّيْمِ. قَالَ وَأوصى عبد لله بن حَازِم بَنِيه عِنْد مَوته فَقَالَ: إِذا أَصَابَتْكُم خُطَّة ضَيْم لَا تَقْدِرُون على دَفْعِهِ فَقَرْدِحُوا لَهُ فإنّ اضطرابكم أَشد لِرُسُوخكم فِيهِ. أَخْبرنِي بِهِ الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَبُو زيد القَمَحْدُوَةُ لَا أشرف على القَفا من عَظْمِ الرَّأْس والهامةُ فَوْقَها والقَذَال دُونها مِمَّا يَلِي المَقَذّ.
(حرقف) : قَالَ اللَّيْث: الحُرْقُفة عظم الحَجَبَةِ والدابَّةُ الشديدةُ الهُزال يُقَال لَهَا حُرْقُوفٌ وَقد بَدَت حَرَاقِيفُه. شَمِر الحُرْقُفَةُ رأسُ الوَرِك والجميع الحَرَاقِفُ. وَقَالَ غَيره هِيَ الحَرْكَكَة أَيْضا وَجَمعهَا الحَرَاكِكُ.
(حلقم) : وَقَالَ اللَّيْث الحَلْقَمَةُ قطْع الحُلقوم، وَجمعه حَلاَقِمُ وحَلاَقِيمُ. وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيّ يُقَال رُطَبٌ مُحَلْقِنٌ ومُحَلْقِمٌ وَهِي الحُلْقانَةُ والحُلْقامَة وَهِي الَّتِي بَدَأَ

(5/195)


فِيهَا النُّضْج من قِبَل قِمَعِها، فَإِذا أَرْطَبَتْ من قبل ذَنبِهَا فَهِيَ التَّذْنُوبة.
والحُلْقُوم وَهِي الحُنْجُور، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفْس، لَا يَجْرِي فِيهِ الطعامُ والشرابُ، وَالَّذِي يجْرِي فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب يُقَال لَهُ المَرِيء وَتَمام الذَّكاة بِقطع الحُلْقُوم والمريء والوَدَجَيْن.
(حلقن) : ورُوِي عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر كُنَّا نعْمِدُ إِلى الحُلْقَانةِ وَهِي التَّذْنُوبَةُ فنقطعُ مَا ذَنَّبَ مِنْهَا حَتَّى نَخْلُصَ إِلَى البُسْرِ ثمَّ نفتَضِخُه.
أَبُو عبيد يُقَال للمبسر إِذا بَدَأَ فِيهِ الإِرْطاب من قِبَل ذَنَبه: مُذنَّب، فَإِذا بلغ الإرطاب نصفه فَهُوَ مُجَزَّعٌ، فَإِذا بلغ ثُلثَيْهِ، فَهُوَ حُلْقَانٌ ومُحَلْقِنٌ.
(حملق) : وَقَالَ اللَّيْث: الحِمْلاقُ مَا غَطَّت الجنونَ من بَيَاض المُقْلة. وَقَالَ غَيره حمالِيقُ فرج الْمَرْأَة مَا انضمَّ عَلَيْهِ شَفْرَا أحيَائها. وَقَالَ الراجز:
ويْحَكِ يَا عرَابُ لَا تُبَرْبِري
هَلْ لكِ فِي ذَا العَزَب المُخَصَّر
يَمشي بِعَرْدٍ كالوَظِيفِ الأعْجَرِ
وفَيْشَةٍ مَتى تَرَيْها تَشْفرِي
تَقْلِبُ أَحْيَانًا حَمَالِيقَ الحِرِ
أَبُو زيد: الحماليق بَيَاض الْعين أجمع مَا خلا السوادَ، واحدُها حِمْلاقٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عين مُحَمْلِقَةٌ وَهِي الَّتِي حوْل مقلتها بياضٌ لم يخالط السوادَ. قَالَ والحِمْلاَقُ مَا وَلِيَ المقلة من جلد الجَفْن. وحَمْلَقَ الرجل: إِذا انْقَلَبَ حِمْلاقُ عينه من الْفَزع وَأنْشد:
رَأَتْ رَجُلاً أَهْوَى إِلَيْهَا فَحَمْلَقَتْ
إِلَيْهِ بِمَأْقَي عَيْنِها المُتَقَلبِ
وَقَالَ أَبُو مَالك رجل إنْقَحْرٌ وإنْقَحْلٌ وقَحْرٌ وقَحْلٌ إِذا كَانَ كَبِيرا. وَقَالَ غَيره: رجل إنْقَحْلٌ وَامْرَأَة إنْقَحْلَةٌ إِذا أسنَّا وَأنْشد:
لما رَأَيْتنِي خَلَقاً إنْقَحْلا
(قلحم) : وَقَالَ أَبُو خيرة: شيخٌ قِلْحَمٌّ وقِلْعَمٌّ مُسِنٌّ وَأنْشد:
لَا ضَرَعَ السن وَلَا قِلْحَمّا
(حرقص) : وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْقُوص: دُوَيْبَة مُجزّعة لَهَا حُمَةٌ كحمة الزُّنبور وتلدغ، يشبَّه بِهِ أَطْرَاف السيَاطِ، فَيُقَال: أَخَذته الحراقِيصُ، يُقَال ذَلِك لمن يُضْرَب بالسياط. قلت: الحَرَاقِيصُ دوابٌّ صِغَارٌ تثقُب الأساقِيَ وتَقْرِضُها. وَسمعت الأعرابَ يَزْعمُونَ أنّها تدخل فِي فُروج الْجَوَارِي، وَهِي من جنس الجعْلان إِلَّا أنّها أَصْغَر مِنْهَا، وَهِي سُوْدٌ مُنَقَّطة ببياض، وأنشدتني أعرابية من بني نُمَير:
مَا لَقِي البِيضُ من الحُرْقُوصِ
يَدْخُلُ تحتَ الغَلَقِ المَرْصُوصِ
بِمَهْرٍ لَا غَالٍ وَلَا رَخِيصِ
قلت: وَلَا حُمَةَ لَهَا إِذا عضّتْ وَلَكِن عضَّتها تُؤْلم، وَلَا سمّ فِيهِ.
(سمحق) : وَقَالَ اللَّيْث: السمْحَاقُ: جلدَة رقيقَة فَوق قَحْفِ الرأْس إِذا انْتَهَت الشجّة إِلَيْهَا سميت سِمْحَاقاً. وكل جلدَة رقيقةٍ تشبهها تسمى سِمْحَاقاً، نَحْو سماحيقِ

(5/196)


السّلا على الْجَنِين، وَمِنْه قيل: فِي السَّمَاء سماحِيقُ من غيمٍ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي السمْحَاقُ من الشجَاجِ هِيَ الَّتِي بيْنهَا وَبَين العَظْمِ قُشَيْرَةٌ رقيقَة. قَالَ: وعَلى ثُرْب الشَّاة سماحيقُ من شحْم. وَقَالَ شمر يُقَال: شجّة سمحاقٌ.
(حرزق) : وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَرْزَقَ الرجلُ، وَفِي لُغَة حُرْزِق: فُعل بِهِ، إِذا انضمّ وخضع. قلت: لم يَجُدْ فِي تَفْسِير حرزق.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال حرزقْتُه حَبسته فِي السجْن، وَأنْشد:
فذَاكَ وَمَا أَنْجَى من الموتِ رَبَّهُ
بِسَابَاطٍ حَتَّى ماتَ وَهُو مُحَرْزَقُ
الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي محرزَق وَرَوَاهُ المؤرج مُحَزْرَق. وَقَالَ هُوَ المضيَّق عَلَيْهِ الْمَحْبُوس قَالَ المؤرج والنَبَط تسمي الْمَحْبُوس المُهَزْرَق بِالْهَاءِ. قَالَ: وَالْحَبْس يُقَال لَهُ هُزْرُوقى وَأنْشد شمر:
أَرِيْنِي فَتى ذَا لَوْثَةٍ وَهُوَ حازِمٌ
ذَرِيني فإنّي لَا أخافُ المُحَزْرَقَا
وَقَالَ اللَّيْث: القُرْزُح: اسْم فرس. وَقَالَ أَبُو عُمَر القُرزُوح شجر، الْوَاحِدَة قرزُوحة. وَقَالَ اللَّيْث شَيْء كُنَّ نساءُ الْعَرَب يَلْبَسْنَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: امْرَأَة قُرْزُحَةٌ قَصِيرَة، ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: القُرْزُحة من النِّسَاء الدميمة القصيرة، والجميع قَرَازِحُ.
(قحطب) : وَقَالَ اللَّيْث يُقَال قَحْطَبهُ بِالسَّيْفِ إِذا عَلاه فَضَربهُ، وقَحْطَبَهُ إِذا صرعه.
(حقطب) : وَقَالَ أَبُو عمر الحَقْطبَة صِياحُ الحَيْقُطَان وَهُوَ ذكر الدُّرَّاج.
(قدحس) : وَقَالَ القُدَاحِسُ من الرِّجَال الجريء الشجاع.
(قمحد) : قَالَ: والقَمَحْدُوَة مُؤخر القَذال وَهِي صفحة مَا بَين الذؤابة وفأسِ الْقَفَا وَيجمع قماحيد وقَمَحْدُوَات.
(حثرق) : قَالَ ابْن دُرَيْد الحُثْرُقَة: خشونة وحُمْرة تكون فِي الْعين.
(قحثر) : وَقَالَ: قَحْثَرْتُ الشيءَ من يَدي إِذا رَدَدْتَه.
(حزقل) : وَقَالَ اللَّيْث: حِزْقَل اسْم رجل. قلت: وَلَا أَدْرِي مَا أصْلُه فِي كَلَام الْعَرَب.
(قلحس) : وَقل اللَّيْث: القِلْحَاسُ من الرِّجَال السمج الْقَبِيح.
(حبلق) : قَالَ: والحَبَلَّقُ أَغْنَام تكون بِجُرَش.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحبلَّقُ غنم صغَار وَأنْشد:
واذْكُرْ غُدَانةَ عِدَّاناً مُزَنَّمةً
من الحَبَلَّقِ تُبنى حَوْلَها الصيَرُ
(حندق) : وَقَالَ اللَّيْث: الحَنْدَقُوق حشيشة كالقَتّ الرَّطْب.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: هِيَ الذُّرَق.
وَقَالَ شمر يُقَال: حَيْدقوقى وحَنْدَقُوقى وحَنْدَقُوقى. وَقَالَ ابنُ هانىء عَن أبي عُبَيْدَة: الحَنْدَقُوق: الرأراء الْعين، وَأنْشد:
وهَبْتَهُ لَيْسَ بِشَمْشَلِيقِ
وَلَا دَحُوقِ العينِ حَنْدَقُوقِ
والشَّمشَلِيقُ الْخَفِيف، والدَّحُوق الرّأرَاء.

(5/197)


(قحذم) : وَقَالَ اللَّيْث: القَحْذَمَة والتَّقَحذُم الهُوِيُّ على الرَّأْس وَأنْشد:
كَمْ مِنْ عَدُوَ زالَ أَو تَذَحْلَما
كأنَّه فِي هُوَّةٍ تَقَحْذَما
وتذحلمَ إِذا تدهْور فِي بئرٍ أَو من جبلٍ، وستراه فِي مَوْضِعه.
(حذلق) : وَقَالَ اللَّيْث: الحِذْلاَقُ الشَّيْء المُحَدَّد، يُقَال: قد حَذْلَق، قَالَ: والحذْلقة التَّظَرّف. وَقَالَ أَبُو عبيد: إِنَّه ليتحذلَقُ فِي كَلَامه ويتَلَتَّعُ، أَي يتظرف ويتكيَّس، وَقد قَالَه غَيره.
(سمحق) : وَقَالَ اللَّيْث: السُّمْحُوق هُوَ الطَّوِيل الدَّقِيق وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف فِي بَاب الطَّوِيل لغيره.
(حيقط) : وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْقَطان هِيَ التَّذْرُجَّة، وَقَالَ غَيره هِيَ الدُّرّاجة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الدُّرَّاج يُقَال لَهُ حَنْقط، وَجمعه حَنَاقِطُ. وَقَالَ: حَنْقِطان وحَيقُطان وحُنْقُطٌ.
(زحلق) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الزَّحاليف أثَر تزلج الصّبيان من فَوق إِلَى أَسْفَل، واحدتها زُحْلوفة فِي لُغَة أهل العاليَة، وَأما تَمِيم فَتَقول: زُحْلُوقَة بِالْقَافِ.
(قحزن) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ضربه فَقَحْزَنَهُ أَي صرعه. شمر عَن ابْن الأعرابيّ: قَحْزَنه وقَحْزَلَه وضربه حَتَّى تَقَحْزَن وتقحزَل، أَي وَقع. قَالَ: والقُحْزَنَة الْعَصَا.
ثَعْلَب عَن ابْن نجدة عَن أبي زيد قَالَ القَحْزَنَةُ: الْعَصَا. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هِيَ الِهرَاوة وَأنْشد:
ضَرَبَتْ جَعَارِ عِنْد بَيْتٍ وجارُها
يِقَحْزَنَتي عَن جَنْبِها جَلَدَاتِ
(قحذم) : وَقَالَ غَيره: تقحْذمَ الرجلُ فِي أمره إِذا تشدّد وقَحْذَمٌ اسْم رجل مِنْهُ.
(حقلد) : أَبُو عبيد: الحَقَلَّدُ الرجل الضيّق الخلُق، وَيُقَال: الضّعيف وَهُوَ الْإِثْم عِنْد بَعضهم فِي قَول زُهَيْر:
بِنَهْكَةِ ذِي قُرْبَى وَلَا بِحَقَلَّدِ
وَقَالَ شمر قَالَ الْأَصْمَعِي: الحقلَّد: الحِقْدُ والعداوة فِي قَول زُهَيْر. قَالَ شمر: والقولُ مَا قالَ أَبُو عبيد إِنَّه الْإِثْم. وَقَول الأصمعيّ ضَعِيف. قَالَ شمر وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي: وَلَا بحفلَّد، بِالْفَاءِ وفَسَّره أَنه الْبَخِيل.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الحفلّد بِالْفَاءِ بَاطِل، والرواة مجمعون على الْقَاف.
(قذحر) : وَقَالَ شمر: المُقْذَحِرُّ الغضبان وَهُوَ الَّذِي لَا ترَاهُ إلاّ وَهُوَ يشارّ النَّاس ويُفحش عَلَيْهِم، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: والاقْذِحْرَارُ سوء الخُلُق وَأنْشد:
فِي غَيْرِ تَعْتَعةٍ وَلَا اقْذِحْرَارِ
وَقَالَ آخر:
مالَكَ لَا جُزِيْتَ غَيْرَ شَر
مِنْ قَاعِدٍ فِي البيتِ مُقْذَحِر
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: المُقْذَحِرُّ: المتهيّىء للسباب. قَالَ: واقذحرّ واقدحَرّ بِمَعْنى وَاحِد.

(5/198)


أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره ذَهَبُوا قِذَّحْرةً بِالذَّالِ وَذَلِكَ إِذا تفَرقُوا فِي كل وَجه.
(حدلق) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أكل الذِّئْب من الشَّاة الحُدَلِقَة، وَهُوَ شَيْء من جَسدهَا. قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَ، وَقَالَ غَيره: الحُدَلِقة، الْعين الْكَبِيرَة. وَقَالَ اللحياني قَالَ أَبُو صَفْوَان: عَيْنٌ حُدَلِقَة جاحظة.
(فقحل) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَقْحَلَ الرجلُ إِذا أسْرع الغَضَب فِي غير مَوْضِعه، سَلمَة عَن الْفراء رجلٌ فُقْحُلٌ: سريع الْغَضَب.
(قلفح) : ابْن دُرَيْد قَلْفَحَ مَا فِي الإناءِ إِذا شَرِبه أجمع.
(حفلق) : قَالَ وَرجل حَفَلَّقٌ، وَهُوَ الضَّعِيف الأحمق.
(حلفق) : عَمْرو عَن أَبِيه الحُلْفُق الدرابزين وَكَذَلِكَ التَّفَارِيجُ.
حرقم: قُرىء على شمر فِي شعر الحطيئة:
فقلتُ لَهُ أَمْسِكْ فَحَسْبُكَ إِنَّما
سَأَلْتُكَ صِرْفاً مِنْ جِيَادِ الحَرَاقِمِ
قَالَ: الحراقم الأَدَمُ الصرْف الْأَحْمَر.

(أَبْوَاب الْحَاء وَالْكَاف)
(حبرك) : قَالَ اللَّيْث: الحَبرْكَى الضعيفُ الرجْلين الَّذِي قد كَاد يكون مُقْعَداً من ضعفهما.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَبَرْكَى هُوَ الطَّوِيل الظّهْر القصيرُ الرجْل.
(زحمك) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الزُّحْمُوك الكَشُوثَاء، وَجمعه زَحَامِيك.
(كرمح) : وَقَالَ اللَّيْث: الكَرْمَحَةُ فِي العَدْوِ دون الكَرْدَمة، وَلَا يُكَرْدِمُ إلاّ الحمارُ والبغلُ.
(كردح) : قَالَ والكرْدَحَة من عَدْوِ الْقصير المتقارب الخَطْوِ الْمُجْتَهد فِي عَدْوِه. ونحوَ ذَلِك روى أَبُو عبيد وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
يَمُرُّ مَرَّ الريحِ لَا يُكَرْدِحُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ سَعْيٌ فِي بطءٍ.
(كلحب) : وَقَالَ اللَّيْث: كَلْحَبَةُ من أَسمَاء الرِّجَال. قلت: لم يُدْرَ مَا هُوَ. وَقد روى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الكَلْحَبَةُ صوتُ النَّار ولهيِبُها، يُقَال: سَمِعت حَدَمةَ النَّار وكَلْحَبَتها.
(كنسح) : كِنْسِيحٌ، قَالَ اللَّيْث: هُوَ أصلُ الشيءِ ومَعْدِنُه.
(حسكل) : ثَعْلَب عَن ابْن الأَعرابي: إِذا جَاءَ الرجلُ وَمَعَهُ صبيانه قُلْنَا جَاءَ بحِسْكِلِه وبِحِسْفِلِه وحَمَكِهِ ودهْدَائِه. وَقَالَ ابْن الْفرج: الحَساكِلُ والحَسَافِلُ: صغَار الصّبيان، يُقَال: مَاتَ فلَان وخلّف يتامى حَسَاكِلَ، وَاحِدهَا حِسْكِلُ وَكَذَلِكَ صغَار كل شَيْء حَساكِل.
(زحلك) : قَالَ: والزَّحَالِيكُ والزَّحَالِيقُ وَاحِد. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: التزحْلُك التزحْلُق، وَهِي الزّحالِيكُ والزّحَالِيقُ.
(حنكل) : أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الحَنْكَلُ هُوَ الْقصير. وَقَالَ غَيره: امْرَأَة حَنْكَلَةٌ دَمِيمَة وَأنْشد:
حَنْكَلة فِيهَا قِبَال أَوْفَجَا

(5/199)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَنْكَلُ: اللَّئِيم.
(حبكر) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَ فلَان بِأم حَبَوْكَرى، أَي بالداهية وَأنْشد:
فَلَمَّا غَسَا لَيْلِي وأَيْقَنْتُ أَنَّها
هِيَ الأُرَبَى جاءتْ بأُم حَبَوْكَرَى
وَقَالَ شمر قَالَ الفرّاء: وَقع فلانٌ فِي أُم حَبَوْكَرَى وأُم حَبَوْكَرٍ وحَبَوْكَرَانَ وتُلقى مِنْهَا أُمٌّ، فَيُقَال: وَقَعُوا فِي حَبَوْكَرٍ، وَأَصله الرمل الَّذِي يُضَلُّ فِيهِ. قَالَ وَيُقَال: مَرَرْت على حَبَوْكَرَى من النَّاس أَي جماعاتٍ من أَمْكُنٍ شَتَّى لَا يجوز فيهم شيءٌ وَلَا يستَبْرِئهم شَيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَوْكَرٌ: دَاهِيةٌ، وَكَذَلِكَ حَبَوْكَرَى. وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: تَحَبْكَرُوا فِي الْأَمر إِذا تَحَيَّروا، وتَحَبْكَرَ الرّجُلُ فِي طَرِيقه مثلُه إِذا تحيَّر.
(فركح) : قَالَ الفرّاء: الفِرْكَاحُ الرجل الَّذِي ارْتَفع مِذْرَوَا اسْتِه وَخرج دُبُره وَهُوَ المُفَركَحُ وَأنْشد الفرّاء:
جاءتْ بِهِ مُفَرْكَحاً فِرْكَاحَا
(حلكم) : قَالَ الأصمعيّ: الحُلْكُم: الرجلُ الأَسْوَد وَفِيه حَلْكمَةٌ. سَلمَة عَن الفرّاء: الحُلْكُم الْأسود من كل شَيْء فِي بَاب فُعْلُل.
(كلحم) : وَقَالَ اللحياني: الكِلْحِم والكِلْمِحُ: هُوَ التُّرَاب.
(حسكل) : ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: حَسْكَلَ الرجلُ إِذا نحر صغَار إبِله.
(سحكك حلكك) : قَالَ: وَيُقَال: أسودُ سُحْكُوكٌ ومسحَنْكِكٌ وحَلْكوك وحُلَكُوك ومُحلنحِككٌ إِذا كَانَ شَدِيد السوَاد. قلت: وَهَذَا كُله ثلاثيُّ الأَصْل أُلحق بالرباعي.
(كثحم) : أَبُو زيد: رجل كُثْحُمُ اللحيةِ ولحية كُثْحُمَةٌ، وَهِي الَّتِي كَثُفَتْ وقَصُرَتْ وجَعُدَتْ وَمثلهَا الكَثَّة.
(حفنك) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد رجل حَفَبْكى وحَفَنْكى، إِذا كَانَ ضَعِيفا قَالَ: وحَطَنْطَى: يُعَيَّر بهَا الرجل إِذا نسب إِلَى الْحمق.
قَالَ وَرجل كَنْتَح وكَنْثَح بِالتَّاءِ والثاء وَهُوَ الأحمق.

(بَاب الْحَاء وَالْجِيم)
(حرجل) : قَالَ اللَّيْث: الحَرْجَل: قطيع من الْخَيل والحرُجْلُ والحراجل الطَّوِيل الرجلَيْن.
وَقَالَ غَيره: جَاءَ الْقَوْم حَرَاجِلَةً على خيلهم وَجَاءُوا عَرَاجِلَةً أَي مُشاةً. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَرْجَلَةُ العَرَج. قَالَ وَيُقَال: حَرْجَل الرجل إِذا تمَّم صفّاً فِي صَلَاة وَغَيرهَا. وَيُقَال: حَرْجِلْ: أَي تَممْ. وحَرْجَل إِذا طَال.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُرْجُل الطَّوِيل.
(جحدر) : وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْدَرُ: الرجل الجَعْدُ الْقصير، وَيُقَال جَحْدَرَ صَاحِبَهُ وَجَحْدَلَه إِذا صَرَعه.
(دحرج) : والدَّحَارِيجُ مَا يُدَحْرِجُ الجُعَلُ من العَذِرَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للجُعَلِ المُدَحْرِجُ، وَهِي الدُّحْرُوجَة العَذِرَة الَّتِي يُدَحْرِجُها. وَقَالَ العُجَيْر السَّلُولي:

(5/200)


قِمَطْرٌ كحوَّاز الدَّحَارِيجِ أَبْتَرُ
(حدرج) : وَوَتَرٌ محدرَج أملسُ، شُدَّ فَتْلُه
وَقَالَ ابْن شُمَيْل هُوَ الجيّد الْغَارة المُسْتوِي.
وسَوْطٌ مُحَدْرَجٌ صَغِير.
(جحدل) : وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال جَحْدَلْتُه أَي صرعته وَمِنْه قَوْله:
نحنُ جَحْدَلْنَا عِيَاذاً وابْنَه
بِبَلاَطٍ، بَيْنَ قَتْلَى لم تُجَنْ
وَقَالَ ابْن حبيب تَجَحْدَلَت الأتان إِذا تقبّض حياؤها للوِدَاق، وَأنْشد بَيت جرير:
وكَشَفْتُ عَنْ أَيْري لَهَا فَتَجَحْدَلتْ
وكذاكَ صَاحِبَةُ الوِدَاقِ تَجَحْدَلُ
قَالَ: تَجَحْدُلُها تقبُّضُها واجتماعُها. قَالَ وَقَالَ الْوَالِبِي:
تَعالَوْا نَجْمَعِ الأحوالَ حَتَّى
نُجَحْدِلَ مِنْ عَشِيرَتِنَا المِئِينا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المجحْدِل: الَّذِي يَكْرِي من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة أُخْرَى وَهُوَ الضَّفَّاط أَيْضا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جحدلَ إِذا اسْتَغْنى بعد فقرٍ. وجَحْدَلَ إِذا صَار جَحَّالاً، وجحدَلَ إناءَه إِذا مَلأَهُ.
(حرجف) : وَقَالَ اللَّيْث الحَرْجَفُ الرّيح الْبَارِدَة وَقَالَ الفرزدق:
إِذا اغْبَرَّ آفاقُ السَّماءِ وهَتَّكَتْ
سُتُورَ بُيُوتِ الحَي حِمراءُ حَرْجَفُ
(حرجم) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المُحْرَنْجِمُ المجتَمِعُ وقَال اللَّيْث: حرجمْتُ الْإِبِل إِذا رددتَ بعضَها على بعض وَقَالَ العجاج:
يكونُ أَقْصَى شَلهِ مُحْرَنْجِمُهْ
قَالَ الْبَاهِلِيّ: مَعْنَاهُ أَن الْقَوْم إِذا فاجأتْهُم الْغَارة طردوا نَعَمهم ثمَّ أَقَامُوا يُقَاتلُون، فَيَقُول: هَؤُلَاءِ من عِزهم وكثرتهم إِذا أَتَتْهُم الْغَارة لم يطرُدُوا نَعَمهم، وَكَانَ أقْصَى طردهم لَهَا أَن يُنيخُوها فِي مباركها ثمَّ يقاتلوا عَنْهَا. ومَبْركها مُحْرَنْجَمها أَي تَحْرَنْجِمُ فِيهِ وتجتمع وَيَدْنُو بَعْضهَا من بعض.
(حنجر) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد الحُنْجُور هُوَ الحُلْقوم.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنْجَرَةُ جَوف الحُلْقُوم وَهُوَ الحُنْجُور.
وَقَالَ الله عز وَجل {الاَْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} (غَافر: 18) أَرَادَ أَنَّ الْفَزع يُشْخِص قُلُوبهم حَتَّى تَقْلص إِلَى حَنَاجِرهمْ وَقَالَ النَّابِغَة:
بِأَذْنَابِها قبل اسْتِقَاءِ الحَنَاجِرِ
وَقَالَ غَيره المُحَنْجِرُ دَاء البشيذق.
(رجحن) : وَقَالَ اللَّيْث ارْجَحَنّ الشيءُ إِذا وَقع بِمَرّة، وارجحنّ أَيْضا إِذا اهتزّ وَأنْشد:
وشَرَاب خُسْرُوَانيُّ إِذا
ذاقَهُ الشيخُ تَغَنَّى وارْجَحَنّ

(5/201)


ورَحىً مُرْجَحِنَّة ثَقيلَة. قَالَ النَّابِغَة:
إِذا رجَفَتْ فِيهَا رحى مُرْجَحِنَّةٌ
تَبَعَّجَ ثَجَّاجاً غَزِيرَ الحَوَافِلِ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: المُرْجَحِنُّ المائِل قلت: وأنشدتني أعرابية بِفَيْدَ:
أَيَا أُخْتَ عَدّايَا شبيهةَ كَرْمَةٍ
جرَى السّيلُ فِي قُربانِها فارْجَحَنَّتِ
أَرَادَ أَنَّهَا أُوقِرَتْ حَتَّى مَالَتْ من كَثْرَة مَا حَمَلت. وَيُقَال: أَنا فِي هَذَا الْأَمر مُرْجَحِنٌّ لَا أَدْرِي أَيَّ فَنَّيْهِ أركب أَي صَرْعَيْه وصَرْفيه وَرَوْتَيْه أركب. وَيُقَال: فلَان فِي دنيا مرجحنَّة أَي وَاسِعَة كَثِيرَة. وامرأةٌ مرجَحِنّة إِذا كَانَت سمينَةً فَإِذا مشت تَفَيَّأَت فِي مِشيتها.
(حنجد) : عَمْرو عَن أَبِيه الحُنْجُد: الحَبْل من الرمل الطَّوِيل.
(حندج) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَنَادِيجُ حِبَالُ الرَّمْل الطوَال.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ رَملَة طيبَةٌ تُنبت ألواناً من النَّبَات. وَقيل: الحَنَادِيجُ رَمَلاَتٌ قصار، وَاحِدهَا حُنْدُج وحُنْدُوجة.
(وَأنْشد أَبُو زيد لجندل الطهوي فِي حنادج الرمال:
يَثُور من مشاقر الحنادِج
وَمن ثنايا القُفّ ذِي الفَوَائج
من ثَائِر وناقزِ ودارج
ومستقل فَوق ذَاك مائج
يَفْرُك حبَّ السنبُل الكُنَافِجِ
بالقاع فرك القطْن بالمَحَالِجِ
قَالَ والكُنَافِجُ السمين الممتلىء، يصف الْجَرَاد وكثرته) .
(حملج) : وَقَالَ اللَّيْث: حَمْلَجْتُ الحبْلَ إِذا فتلْتَه.
قَالَ والحِمْلاج منفاخ الصَّائِغ. والحِمْلاَجُ قَرْنُ الثور يشبه بِهِ المنفاخ وَقَالَ الْأَعْشَى:
تنفُضُ المَرْدَ والكَبَاثَ بِحِمْلاَ
جٍ لَطِيفٍ فِي جَانِبَيْهِ انْفِراقُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحماليج قُرُون الْبَقر وَهِي مَنَافِخُ الصَّاغة أَيْضا. وَيُقَال للعَيْر الَّذِي دُوخِل خَلْقُهُ اكتنازاً وكثرةَ لَحْمٍ مُحَمْلَج قَالَ رؤبة:
مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إِدْراجَ الطَّلَقْ
(حشرج) : وَقَالَ اللَّيْث: الحَشْرَجَةُ: تردُّد صَوت النفَس وَهُوَ الغرغرة فِي الصَّدْر. قَالَ: والحَشْرَجُ المَاء العذب من مَاء الحِسْي. قلت: الحشرَجُ المَاء الَّذِي تَحت الأَرْض لَا يُفطن لَهُ فِي أَبَاطح الأَرْض، فَإِذا حُفِر عَنْه وَجْهُ الأَرْض قَدْر ذِراعين جَاشَ المَاء الرَّواء، تسميها الْعَرَب الأَحْسَاء والكِرَارَ والحَشَارِج، وَمِنْه قَوْله:
فَلَثَمْتُ فاهاً قابِضاً لِقُرُونِها
شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ مَاءِ الحَشْرَج

(5/202)


وَقَالَ أَبُو زيد: الحشْرَجُ كَذَّانُ الأَرْض الْوَاحِدَة حشرجةٌ، وَقيل: وَهُوَ الحِسْيُ الحَصِبُ.
وروى أَبُو عَمْرو عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: الحشرج النُقَّرَة فِي الْجَبَل، يجْتَمع فِيهَا المَاء فيصفو. قَالَ وَقَالَ الْمبرد: الحَشْرَجُ فِي هَذَا الْبَيْت الكوزُ الرَّقِيق الحارِيّ، والنزيف السكرانُ، وَيكون المحمومَ.
(جحشر) : ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ الجُحَاشرِ، الضخم وَأنْشد فِي صفة إبل لبَعض الرجاز:
تَسْتَلُّ مَا تحتَ الإزارِ الحاجِرِ
بِمُقْنِعٍ من رأسِها جُحَاشِر
قَالَ المُقْنِعُ من الْإِبِل الَّذِي يرفع رَأسه وَهُوَ كالخِلْفة والرأسُ مُقْنعٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الجَحْشَر: من صِفَات الْخَيل وَالْأُنْثَى جحشَرةٌ. قَالَ وَإِن شِئْت قلت جُحَاشِر وَالْأُنْثَى جحاشرة وَهُوَ الَّذِي فِي ضلوعه قِصَرٌّ، وَهُوَ فِي ذَلِك مُجْفرٌ كإِجْفَارِ الجُرْشُعِ وَأنْشد:
جُحاشِرَة صَتْمٌ طِمِرُّ كَأَنَّهَا
عُقَابٌ زَفَتْها الريحُ فَتَخَاءُ كَاسِرُ
قَالَ والصَّتْم الَّذِي شنحت محاني ضلوعه حَتَّى سادت بمتْنه وَعرضَتْ صَهْوَتُه، وَهُوَ أصَمُّ الْعِظَام، وَالْأُنْثَى صَنْمَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الجُحاشِرُ الحادرُ الخَلْقِ العظيمُ الْجِسْم العَبْلُ المفاصِل.
(جحشل) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَحْشَلُ والجُحَاشِلُ السَّرِيع الْخَفِيف وَقَالَ الراجز:
لاقَيْتُ مِنْهُ مُشْمَعِلاًّ جَحْشَلاَ
إِذا خَبَبْتُ لِلقاءِ هَرْوَلاَ
(جحمش) : قَالَ: والجَحْمَشُ العجوزُ الْكَبِيرَة.
(جحشم) : وبعير جَحْشَمٌ إِذا كَانَ منتفخ الجنبين.
وَقَالَ الفقعسي:
نِيط بجَوْز جَحْشَمٍ كُمَاتِر
(سمحج) : وَقَالَ اللَّيْث: السَّمْحَجُ الأَتَان الطَّوِيلَة الظّهْر وَكَذَلِكَ السَّمْحَاجُ والجميع السماحِيجُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي السمحج مثله وَلم يذكر السمحاج. قَالَ: وَجَمعهَا سماحيج.
وَقَالَ غَيره السمحجة الطولُ فِي كل شَيْء. وقوسٌ سمحجٌ طَوِيلَة.
وَقَالَ الطِرماح يصف صائداً:
يَلْحَسُ الرَّصْفَ لَهُ قَضبَةٌ
سَمْحَجُ المَتْنِ هَتُوفُ الخِطَامْ
(جردح) : وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال جِرْدَاحٌ من الأَرْض وجرْدَاحَةٌ وَهِي آكام الأَرْض. وَغُلَام مُجَرْدَحُ الرَّأْس.
(بحزج) : أَبُو عبيد البَحْزَجُ الجُؤذر وَهُوَ ولد الْبَقَرَة الوحشية.
وَقَالَ غَيره: المُبَحْزَجُ المَاء المُغْلَى النِّهَايَة فِي الحرَارة، والسخيمُ المَاء الَّذِي لَا حارٌّ هُوَ وَلَا باردٌ.
(جلدح) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد الجُلادِحُ الطَّوِيل وَجمعه جَلادِحُ.

(5/203)


وَقَالَ الراجز:
مثل الفنيقِ العُلْكَمِ الجُلادِحِ
(حندج) : قَالَ: والحَنَادِجُ الْإِبِل الضخام شبهت بالرمال وَأنْشد:
من دَر جُوْفٍ جِلَّةٍ حَنَادِج
(حفضج) : الْأَصْمَعِي رجل حِفْضَاجٌ إِذا كثُر لَحْمه واسترخى بَطْنه وَرجل حُفَاضِجٌ مثله وعُفاضج.
وَقَالَ أَبُو مَهْدية: إِن فلَانا معصوبٌ مَا حُفْضِج، وَكَذَلِكَ العِفْضَاجُ وَقد مرَّ تَفْسِيره.
(ضجحر) : وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ضَجْحَرْتُ القِرْبَةَ ضَجْحَرَةً إِذا ملأتها وَقد اضْجَحَرّ السقاءُ اضْجِحْراراً إِذا امْتَلَأَ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
تَتْرُكُ الوَطْبَ شَاصِياً مُضْجَحِرّاً
بعدَما أَدَّتِ الحُقُوقَ الحُضُورا
شمر: الحِضَجْرُ: السّقَاء الضّخم.
(حضجر) : أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه من أَسمَاء الضباع حَضَاجر بِفَتْح الْحَاء اسمُ واحدٍ على لفظ الْجمع قَالَ وَمِنْه قَول الحطيئة:
هَلاَّ غَضِبْتَ لجارِ بيْتِك
إِذْ تهتَّكُه حَضَاجِر
قَالَ شمر: إِنَّمَا سميت حَضَاجِرَ لعظم بطْنها.
قَالَ وَقَالُوا حَضَاجِرَ فجعلوها جَمِيعًا كَمَا قَالُوا مُغَيْرِباتُ الشَّمْس ومُشَيْرِقَاتُ الشَّمْس، وَمثله جَاءَ الْبَعِير يَجُرُّ عَثَانِينَهُ وإبلٌ حَضَاجِرُ قد شربت وأكلت الحَمْضَ فانتفخت خواصرها. وَقَالَ:
إِنّي سَتَرْوِي عَيْمَتِي يَا سالما
حَضَاجِرُ لَا تَقْرَبُ المَوَاسِمَا
(حضجم) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد رجل حِضْجَمٌ وحُضَاجِم وَهُوَ الجافي الغليظ اللَّحْم وَأنْشد:
لَيْسَ بِمبْطان وَلَا حُضَاجِمِ
(حنضج) : قَالَ: والحِنْضِجُ: الرجل الرخو الَّذِي لَا خيرَ عِنْده، وَأَصله من الحِضْبحِ وَهُوَ المَاء الخاثر الَّذِي فِيهِ طُمْلَةٌ وطين.
(جحظم) : قَالَ والجَحْظَمُ هُوَ الْعَظِيم الْعَينَيْنِ، من الجحظ، وَالْمِيم زَائِدَة.
(جلحظ) : قَالَ: والجِلْحِظٌ والجِلحاظ الْكثير الشّعْر على الجسدِ، الضخمُ.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : جِلظاء من الأَرْض وجِلذَاء وجلذَان وجِلْحاظٌ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سَمِعت عبد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي يَقُول أَرض جِلْحِظَاء بالظاء والحاء غيرُ مُعْجمَة وَهِي الصُّلْبَة. قَالَ: وَخَالفهُ أصحابُنا فَقَالُوا جِلْخِظاء فَسَأَلته فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْته قلت أَنا وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن جلحظاء، لَا أَشك فِيهِ.
(جحمظ) : وَقَالَ اللَّيْث الجَحْمَظَة القِماطُ وَأنْشد:
لَزَّ إِليه جَحْظَواناً مِدْلَظا
فظلَّ فِي نِسْعَتِه مُجَحْمَظَا
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: جحمظْتُ الغلامَ جَحْمظة إِذا شددتَ يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ ثمَّ ضربتَه.
وَقَالَ شمر سَأَلت ابْن الأعرابيّ عَن قَوْله جحمظْت فَقَالَ أَخْبرنِي بِهِ الدبيريّ الْأَسدي

(5/204)


هَهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى دكان. جَحْمَظَهُ بالحبل أوثقه كَيفَ مَا كَانَ.
(حفلج) : أَبُو عبيد: الحَفَلَّجُ من الرِّجَال الأفْحَجُ، وَهُوَ الَّذِي فِي رجله اعوجاج.
(جحفل) : وَقَالَ اللَّيْث جَيش جَحْفَلٌ كثير، وَهَكَذَا.
قَالَ أَبُو عبيد: وَأنْشد اللَّيْث:
وَأَرْعَن مُجْرٍ عَلَيْهِ الأَدَا
ةُ ذِي تُدْرَإٍ لَجِبٍ جَحْفَلِ
وجحافل الْخَيل أفْوَاهُها وَرجل جَحْفَلٌ سيّد عَظِيم الْقدر. وَقَالَ أَوْس:
وَإِن كَانَ قَرْماً سَيدَ الأمرِ جَحْفَلا
أَبُو مَالك: تجحفل القومُ إِذا اجْتَمعُوا.
(حنجف) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَنَاجِفُ رُؤوس الْأَوْرَاك وَاحِدهَا حُنْجُفٌ. وَيُقَال حَنْجَفٌ، قَالَ: والحُنْجُوف رَأس الضلع ممّا يَلِي الصُّلْبَ.
وروى الخزازُّ عَنهُ: الحناجف رُؤُوس الأضلاع وَلم يسمع لَهَا بِوَاحِد، وَالْقِيَاس حنجفة.
قَالَ ذُو الرمة:
جُمَالِيَّةٌ لم يَبْقَ إِلَّا سَرَاتُها
وألواحُ شم مُشْرِفَاتُ الحَنَاجِفِ
(جحلم) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جَحْلَمه: صرعه وَأنْشد:
هُمْ شَهِدُوا يَوْم النسارِ المَلْحَمَهْ
وغَادَرُوا سَراتَكُمْ مُجَحْلَمَهْ
(جمحل) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الجُمَّحْلُ لحم دَابَّة الصدف وَقد ذكره الْأَغْلَب فِي أرجوزة لَهُ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الجُمَّحْلُ اللَّحْم الَّذِي يكون فِي الصدفة إِذا شُقّت.
(حنجل) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد الحُنْجُل ضرب من السبَاع زَعَمُوا.
(حبرج) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحَبَارِيْجُ طيور المَاء الملمَّعة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الحُبَارِجُ ذكر الحُبَارى.
(وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحُبَارِجُ من طير المَاء) .
(حبجر) : أَبُو عبيد الحِبَجْرُ الْوتر الغليظ وَهُوَ الحُبَاجِرُ وَأنْشد:
والقوسُ فِيهَا وَتَرٌ حِبَجْرُ
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
تُخْرِجُ مِنْهَا ذَنَباً حُنَاجِرَا
(جلبح) : ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو الْجِلْبِحُ الْعَجُوز الدميمة وَأنْشد:
إِنِّي لأَقْلِي الجِلْبَحَ العجوزا
وأَمِقُ الفَتِيَّةَ العُكْمُوزَا
(بحزج) : والمبَحْزَجُ المَاء الْحَار قَالَه ابْن السّكيت.
(جلحب) : وَقَالَ ابْن السّكيت رجل جِلْحَابُ وجِلْحَابَةٌ وَهُوَ الضخم الأجْلَحُ.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الجِلْحَبُّ: الرجل الطَّوِيل الْقَامَة وَأنْشد:

(5/205)


وَهِي تُرِيدُ العَزَبَ الْجِلْحَبَّا
يَسْكُبُ ماءَ الظَّهرِ فِيهَا سَكْبَا
وَقَالَ اللَّيْث: شيخ جِلْحَابٌ وجِلْحَابَةٌ هُوَ القديمُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجِلْحَابُ: فُحَّالُ النَخْلِ.
والجِنْحَابُ: الْقصير الملزّز.
(جحنب) : عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْجَحْنَبَةُ: الْمَرْأَة القصيرة وَهِي القعْنَبَةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْجحْنَبُ الرجل الشَّديد، وَأنْشد:
وصاحِبٍ لي صَمْعَرِيَ جَحْنَبِ
كاللّيثِ خِنَّابٍ أَشَمَّ صَقْعَبِ
وَقَالَ النَّضر: الْجَحْنَبُ القِدْرُ الْعَظِيمَة، وَأنْشد:
مَا زالَ بالهِيَاطِ والمِيَاطْ
حَتَّى أَتَوْا بِجَحْنَبٍ تُسَاطْ
(حنبج) : شمر عَن الرياشيّ عَن أبي زيد: الحِنْبَجُ بجرّ الْحَاء الْقمل.
قَالَ وَقَالَ الأصمعيّ الْخُنْبُج بِالْخَاءِ وَالْجِيم الْقمل.
وَقَالَ الرياشيّ وَالصَّوَاب عندنَا مَا قَالَه الأصمعيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُنْبُجُ الضخم الممتلىء من كل شَيْء. وَرجل حُنْبُج وحُنَابج. وَقَالُوا سنبلة حُنبجة ضخمة، وَأنْشد:
يَفْرُكُ حَبَّ السُّنبُلِ الحُنَابِجِ
بالقاعِ فرْكَ القُطْنِ بالمَحَالِج
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُنابِجُ صغَار النَّحْل ورجلٌ حُنْبُجٌ منتفخ عَظِيم.
وَقَالَ هِمْيانُ بن قُحَافَة:
كأَنَّها إذْ سَاقَتِ العَرَافِجَا
من داسم وَالجَرَع الحَنَابِجَا
(حنجر) : وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنه أنْشدهُ:
لَو كَانَ خَزُّ واسِطٍ وسَقَطُه
حُنْجُورُه وحُبُّه وسَقَطُه
يَأْوي إِلَيْهَا أَصبَحت تُقَسَّطُه
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: حُنجوره: قَالَ: هُوَ شبه البُرْمة من زجاج يَجْعَل فِيهِ الطّيب.
وَقَالَ غَيره: هِيَ قَارُورَة طَوِيلَة تجْعَل فِيهَا الذَّرِيرة.
(حربج) : إِبلٌ حَرَابِجُ (ضخام) وبعير حُرْبُجٌ.
(جلحم) : والمَجْلَحِمَّة: الْإِبِل المجتمعة.

(بَاب الْحَاء وَالضَّاد)
(حنضل) : قَالَ اللَّيْث: الحَنْضَلُ هُوَ قَلْتٌ فِي صَخْرَة.
قلت: هَذَا حرف غَرِيب.
وروى أَبُو عمر عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحنْضَل غَدِير المَاء.
(حضرم) : أَبُو عبيد:

(5/206)


حَضْرَم الرجل إِذا لحن فِي كَلَامه بِالْحَاء. وحَضْرَمَوتُ مَوضِع بِالْيمن مَعْرُوف. ونعل حضْرَميّ إِذا كَانَ مُلَسَّناً.
وَيُقَال للْعَرَب الَّذين يسكنون حَضْرموتَ من أهل الْيمن: الحضَارِمةُ، هَكَذَا يُنْسَبون كَمَا يُقَال المهالِبة والسَّقَالبة.
(حرفض) : قَالَ اللَّيْث: نَاقَة حِرْفَضَةٌ: كَرِيمَة، وَأنْشد:
وقُلُصٍ مُهْرِيَّةٍ حَرَافِضِ
وَقَالَ شمر: إبل حَرَافِضُ إِذا كَانَت مهازِيلُ ضوامرٌ.

(بَاب الْحَاء والشين)
(حشبل) : شمر عَن ابْن شُمَيْل: إِن فلَانا لذُو حَشْبَلَةٍ أَي ذُو عِيال كثير.
وَقَالَ اللَّيْث نَحوه: حشبلة الرجل عِيَاله.
(بحشل) : وَقَالَ ابْن الأعرابيّ بَحْشَلَ الرجل إِذا رقص رقص الزَّنْج.
(حرشف) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لطين الْبَحْر الحَرْمَدُ.
قَالَ وَيُقَال للحجارة الَّتِي تنْبت على شطّ الْبَحْر الْجَشَرُ والحُرْشُفُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْشَفُ فلوس السَّمَكَة.
قَالَ: وحَرْشَفُ السِّلَاح مَا زُيّن بِهِ.
قلت أَنا: حَرْشَفُ الدرْع حُبُكها شُبّه بِحَرْشَفِ السّمك، وَهِي شبه الْفُلُوس على ظهرهَا والحَرْشَفُ نبت عريض الْوَرق رَأَيْته فِي الْبَادِيَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَرْشَف الكُدْس بلغَة أهل الْيمن يُقَال دُسْنا الحَرْشَفَ. والحرشَفُ الْجَرَاد. والحَرْجف الرّجَّالة.
قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو، وَأنْشد:
كأَنَّهم حَرْشَفٌ مَبْثُوثٌ
بالجَو إذْ تَبْرُقُ النعالُ
يُرِيد الْجَرَاد وَقيل هم الرجَّالة فِي هَذَا الْبَيْت.
(شرمح) : وَقَالَ اللَّيْث: الشَّرْمَحُ والشرمحيّ: الْقوي.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الشَّرْمَحُ الطَّوِيل من الرِّجَال.
قلت وَيُقَال: شَرَمَّحٌ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
أشَمُّ طويلُ السَّاعِدَيْن شَرَمَّحُ
وهم الشرامحُ. وَيُقَال شَرَامِحَة.
(حترش) : حِتْرِشٌ من أَسمَاء الرِّجَال وَبَنُو حِتْرِش بطن من بني مُضَرس وهم من بني عُقَيْل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الفرّاء حَشَد الْقَوْم وحَشَكوا وتَحَتْرَشُوا بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو سعيد: سَمِعت للجراد حَتْرَشَةً وخَتْرشة إِذا سمعتَ صوتَ أكله.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للغلام الْخَفِيف النشيط: حُتْرُوش.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحُتْروش الْقَلِيل الْجِسْم.
وَقَالَ يُقَال: سعى فلَان بَين يَدي القَوْمِ فَتَحَتْرشُوا عَلَيْهِ، فَلم يدركوه، أَي سعوا عَلَيْهِ وعَدَوْا ليأخذوه.

(5/207)


(حربش) : شمر قَالَ الفرّاء: الحِرْبَشُ والحِرْبِشَةُ: الأفعى.
قَالَ: وَرُبمَا شدّدوا الْبَاء فَقَالُوا حِرِبّش وحِرِبّشة.
وَقَالَ غَيره: حِرْبِيشٌ، وَمِنْه قَول رؤبة:
غَضْبَى كَأَفْعَى الرمْثَة الحِرْبِيْش
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ هِيَ الْخَشْنَاء فِي صَوت مشيها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الْكَثِيرَة السُّم.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: من الأفاعي الحِرْفِشُ والحَرَافش.
قَالَ: وَقد يَقُول بعض الْعَرَب: الحِربِش قَالَ وَمن ثمّ قَالُوا:
هَلْ يَلِدُ الحِرْبِشُ إِلَّا حِرْبِشَا
(حنبش) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: يُقَال للرجل إِذا نَزَا ورقص حَنْبَش وزَفَر. وَقيل الحَنْبَشَة: الرقص والتصفيق وَالْمَشْي.
وَفِي (النَّوَادِر) : الحَنْبشَةُ لَعِبُ الْجَوَارِي بالبادية.
(حنفش) : وَقَالَ شمر الحِنفِش حَيَّة عَظِيمَة ضخمة الرَّأْس رقشاء حَمْرَاء كدراء إِذا حَرَّبتَها انتفخ وريدُها.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هُوَ الحُفَّاثُ نفسُه.
وَقَالَ أَبُو خيرة: الحِنْفِيشُ هِيَ الأفعى، وَجَمعهَا حَنَافِيش.
(فرشح) : وَقَالَ اللَّيْث: فرشحت النَّاقة إِذا تفحّجَت للحلب، وفَرْطَشَتْ للبول.
قلت: هَكَذَا قرأتُه فِي نسخ من كتاب اللَّيْث. وَالَّذِي سمعناه من الثِّقَات فَرْشَطَت إِلَّا أَن يكون مقلوباً.
وَقَالَ اللَّيْث: الفِرْشَاحُ من النِّسَاء وَمن الْإِبِل: الكبيرَة السَّمِجَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الفِرْشاحُ: الأَرْض العريضة الواسعة.
قلت: هَكَذَا أَقْرَأَنِيهِ الإياديّ.
وَقَالَ: رَوَاهُ شمر بِالسِّين ثمَّ قَالَ لنا هُوَ تَصْحِيف.
قَالَ: وَالصَّوَاب الفِرشَاحُ بالشين من فرشح فِي جِلْسَته، وَأنْشد: قَول أبي النَّجْم فِي صفة الْحَافِر:
لَيْسَ بِمُصْطَرَ وَلَا فِرْشَاحِ
يَعْنِي حافر الْفرس أَنه لَيْسَ بمصرور مُجْتَمع ضيق وَلَا بعريض جدا وَلكنه وأْب مقتدر.
(شمحط) : أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الشُّمْحُوط الطَّوِيل وَنَحْو ذَلِك، قَالَ اللَّيْث.
(شفلح) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد الشَّفَلَّحُ من الرِّجَال الْوَاسِع المنخرين الْعَظِيم الشفتين، وَمن النِّسَاء الْعَظِيمَة الإسْكَتَيْنِ الواسعة المتَاع. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
لَعَمْرُ الَّتِي جاءتْ بكم من شَفَلَّحٍ
لَدَى نَسَبَيْها ساقِطَ الإِسْبِ أَهْلَبَا
والإسب: شعر الاست. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الشَّفَلَّحُ القِثَّاء يكون على الكَبَر قلت هُوَ تمر الكَبَر إِذا تفتح وَفِيه حمرَة.
(شرحف) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ الشُّرْحُوف المُستعِدّ للحملة على العَدُوّ.

(5/208)


وَقَالَ أَبُو عَمْرو: اشرحَفَّ الرجل للرجل إِذا تهَيَّأ لَهُ مُحَاربًا وَأنْشد:
لمّا رأيتُ العبْدَ مُشْرَحِفَّا
للشّر لَا يُعْطِي الرّجالَ النصْفا
أَعْذَمَته عُضَاضَهُ والكَفَّا
وَقَالَ أَبُو دواد:
وَلَقَد عدوت بمُشْرَحِفّ
الشّد فِي فِيهِ اللجام
قلت وَبِه سُميَّ الرجلُ شِرحافاً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل شِرْداحُ القَدَمِ إِذا كَانَ عريضَها غليظَها.

(بَاب الْحَاء وَالصَّاد)
(حصرم) : قَالَ اللَّيْث: الحِصْرِم: العَوْدَقُ. قلت: هُوَ الكحْب. وَهُوَ حبُّ العِنَب إِذا صَلُب، وَهُوَ حامضٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: الحِصْرِم حشَفُ كلّ شَيْء. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَطاء مُحصرَم: قَلِيل.
وَقَالَ اللَّيْث رجل مُحصْرَمٌ قَلِيل الْخَيْر.
وَقد حصرم قوسَهُ: إِذا شدّ توتيرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال للرجل الضّيق الْبَخِيل حِصِرمٌ.
قَالَ وَيُقَال حصرم قوسَه وحَظْرَبَهَا إِذا شدّ توتيرها وَرجل محظرب شَدِيد الشكيمة وَأنْشد:
وكائِنْ تَرَى مِنْ يلمعِيَ مُحَظْرَبٍ
وَلَيْسَ لهُ عندَ العزائمِ جُولُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي حصرَمْتُ القِرْبةَ إِذا ملأتها حَتَّى تضيق وكل مضيّق محصرَمٌ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: زُبْدٌ مُحَصْرَم، وَهُوَ الَّذِي يتفرق فَلَا يجْتَمع من شدَّة الْبرد.
(صردح) وَقَالَ اللَّيْث: الصَّردَحُ: الْمَكَان الصُّلْب.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ والأصمعيّ فِي الصَّردَح مثله.
وَقَالَ غير هَؤُلَاءِ: الصَّرْدَحُ الْمَكَان الْوَاسِع الأملس المستوي. قلت: وَأما السِرْداح والسَّرادح فتفسيرها فِي بَاب السِّين الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب.
(صلدح) : وَقَالَ اللَّيْث: الصَّلْدَحُ هُوَ الْحجر العريض لمَال وَجَارِيَة صَلْدَحةٌ: عريضة.
(صمدح) : وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : ضَرْبٌ صَوادِحِيٌّ وصُمَادحِيُّ شديدٌ بيّن.
(صردح) : وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّرَادِحُ: واحدتها صَرْدَحةٌ، وَهِي الصَّحرَاء الَّتِي لَا شجر بهَا وَلَا نبت، وَهِي غَلْظٌ من الأَرْض وَهِي مستوية.
قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الصَّرْدَحُ الأَرْض الْيَابِسَة الَّتِي لَا شَيْء بهَا.
(صمدح) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الصُّمَادِح الْخَالِص من كل شَيْء وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول لنُقْبَة جَرَبٍ رَآهَا رِيئَتْ حَدِيثَة فِي العير فشكّوا فِيهَا أَجَربٌ أم بَثْرٌ، فَلَمَّا لمسها قَالَ هَذَا حَاقُّ صُمادِحِ الجَرَبِ.
وَرجل صَمَيْدَحٌ: صُلْبٌ شَدِيد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الصُّمادح أَيْضا: الشَّديد من كل شَيْء وَأنْشد:
فَشَامَ فِيهَا مِذْلَغاً صُمَادِحَا
أَي ذكرا صُلْباً.

(5/209)


(حنبص) : سَلمَة عَن الفرّاء: الحَنْبَصَةُ: الرَّوَغان فِي الْحَرْب.
أَبو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أَبُو الحِنْبِص: كنية الثَّعْلَب واسْمه السَّمْسَم.
(حصلب) : قَالَ: والحِصْلِبُ التُّرَاب.
(حربص) : أَبُو عبيد عَن اليزيدي فِي الْأَمْثَال: مَا عَلَيْهِ حَرْبَصِيصَةٌ وَلَا خَرْبَصِيصَة: بِالْحَاء وَالْخَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: وَالَّذِي سمعناه خَرْبَصِيصَة بِالْخَاءِ.
قَالَه أَبُو زيد والأصمعي بِالْخَاءِ وَلم يعرف أَبُو الْهَيْثَم حربصيصة، بِالْحَاء.

(بَاب الْحَاء وَالسِّين)
(حرمس) : شمر: سقون حَرَامِسُ أَي شِدَادٌ مُجْدِبَةٌ.
وَحكى ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ فِي الحَرامِس نحوَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِرْمَاسُ الأملس.
(حمرس) : قَالَ والْحُمارس والرُّحامس والقُدَاحس كل ذَلِك من نعت الشجاع الجريء. قلت: وَهِي كلهَا صَحِيحَة مَعْرُوفَة.
(فلحس) : وَقَالَ اللَّيْث: الفَلْحَسُ: الكلبُ، وَالرجل الْحَرِيص أَيْضا يُقَال لَهُ فَلْحَسٌ، وَالْمَرْأَة الرسحاء يُقَال لَهَا فلحس.
قلت وَقد قَالَ ذَلِك كلُّه الفرّاءُ.
وروى أَبُو عبيد عَن الفرّاء: الفلحس الرجل الْحَرِيص والفلحسة الْمَرْأَة الرسْحَاءُ الصَّغِيرَة العجُزِ.
وَمن أمثالهم: أَسْأَلُ من فلحس، اسْم رجل كَانَ كثيرَ السُّؤَال.
(حَلبس) : قَالَ اللَّيْث: الحَلْبَسُ والحُلابسُ: الشجاع.
وروى أَبُو عبيد عَن الفرّاء عَن أَصْحَابه، يُقَال: الحَلْبَسُ اللَّازِم للشَّيْء لَا يُفارقه.
قَالَ والحُلابس مثله. وَقَالَ الْكُمَيْت:
فَلَمَّا دنَتْ للكاذتين وأَخْرَجَتْ
بِهِ حَلْبَساً عِنْد اللِّقَاء حُلاَبِسا
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: حَلْبَس فلانٌ فَلَا حَسَاسَ مِنْهُ: أَي ذهب.
(بحلس) : قَالَ وَيُقَال: جَاءَ فلَان يَتَبَحْلَسُ إِذا جَاءَ فَارغًا.
قَالَ وَجَاء فلَان سَبَهْلَلاً إِذا جَاءَ ضالاًّ لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه.
(حرسن) عَمْرو عَن أَبِيه: الحَرَاسِينَ: السنون المقحطات. قلت: وَهِي الحَراسِيمُ أَيْضا.
(سلحت) : قَالَ ابْن السّكيت: السُّلْحُوت من النِّسَاء الماجنة قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو.
(سردح) : وَأَبُو عُبَيْدَة عَن الأصمعيّ: السرْدَاحُ: النَّاقة الْكَثِيرَة اللَّحْم. وَقَالَ اللَّيْث: السرداح جمَاعَة الطَّلْحِ وَاحِدهَا سِرْدَاحَةٌ.
شمر عَن الأصمعيّ قَالَ: السراديحُ أَمَاكِن تنْبت النجمة والنصيَّ، وَأنْشد:
عَلَيْك سِرْدَاحاً من السَّرَادِحِ
ذَا عجلة وَذَا نَصِيَ واضِحِ
وَقَالَ أَبُو خيرة: هِيَ أَمَاكِن مستوية تُنْبِتُ العِضَاهَ وَهِي لَينة قَالَ: وَأما الصَّرْدَحُ

(5/210)


فالصحراء الَّتِي لَا شجر بهَا وَلَا نبت، وَهِي غلظ من الأَرْض. وَقَالَ اللَّيْث السرْدَاحُ النَّاقة الطَّوِيلَة وَجَمعهَا السرادح.
(سنطح) : والسّنْطَاح من النوق الرحيبة الْفرج وَقَالَ:
يَتْبَعْنَ تسحيماً من السَّرَادِحِ
عَيْهَلَةً حَرْفاً مِنَ السَّنَاطِحِ
(سلحب) : قَالَ والمُسْلَحِبُّ الطَّرِيق البيّن قد اسلحبّ أَي امتدّ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: المسلحبّ الْمُسْتَقيم، وَمثله المُتْلَئِبّ. قَالَ وَيُقَال إِنَّه الممتدّ وَقَالَ خَليفَة الحُصيني: المسلحبُّ والمُطْلحِبّ الممتدّ. قلت: وَسمعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول سرنا من مَوضِع كَذَا غُدْوَةً فظلّ يومُنا مُسْلَحِبّاً أَي ممتدّاً سَيْرُه.
(سرحب) : وَقَالَ اللَّيْث: السُّرْحُوب الطَّوِيل قلت وَأكْثر مَا يُنْعَتُ بِهِ الخيلُ، يُقَال: فرس سُرْحُوب.
(دحسم حندس) : وَقَالَ اللَّيْث الدُّحْسُمُ والدُّمَاحِسُ الغليظان.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: رجل دُحسمان ودُحْمُسان وَهُوَ: الْعَظِيم الْأسود. وَقَالَ غَيره لَيَالٍ دَحَامِسُ مظْلمَة. وليلٌ دَحْمَسٌ. وأنشدني أعرابيّ:
وادَّرِعِي جِلْبَابَ ليلٍ دَحْمَسِ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال لثلاثِ ليالٍ بعد ثلاثٍ ظُلَمٍ من الشَّهْر: ثلاثٌ حَنَادسُ. وَيُقَال: دَحَامِس.
وَوَاحِد الحَنَادِسِ حِندِس، وَلَيْلَة حِنْدِسة، وليل حِنْدِس.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الدَّحْسَمُ الْأسود.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال للأسود من الرِّجَال: دمْحَسِيُّ.
(سحتن) : ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: السَّحْتَنَةُ الأُبْنة الغليظة فِي الغُصْنِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو يُقَال: سَحْتَنَهُ وطَحْلَبَهُ إِذا ذَبَحهُ.
(سلطح) وَقَالَ ابْن المظفر السُّلاَطِحُ: العريض. وَأنْشد:
سُلاَطِحٌ يُنَاطِحُ الأَبَاطِحَا
(سحبل) : وَقَالَ أَبُو عُبيد السحْبَل والسبَحْلُ والهِبِلُّ الفَحْل الْعَظِيم. وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْبَلُ العريض الْبَطن وَأنْشد:
ولكنّني أحببتُ ضَبّاً سَحْبَلاَ
وَقَالَ غَيره: وعَاء سَحْبَلٌ وَاسع وجِرَاب سَحْبَلٌ وعُلبة سحبَلةٌ جوفاء وَقَالَ الجُمَيْحُ:
فِي سَحْبَلٍ من مُسُوكِ الضَّأْنِ مَنْجُوب
يَعْنِي سقاءً وَاسِعًا مدبوغاً بالنحب وَهُوَ قِشر السدر.
المنذريّ عَن سَلمَة عَن الفرّاء: ضرع سَحْبَلٌ عَظِيم ودَلْوٌ سحبلٌ عظيمةٌ وجمل سِبَحْلٌ رِبَحْلٌ عَظِيم.
(حلسم) : وَقَالَ ابْن السّكيت رجل حِلَّسْمٌ وَهُوَ الْحَرِيص الَّذِي يَأْكُل مَا قدر عَلَيْهِ وَهُوَ الحَلِسُ وَأنْشد:
ليسَ بِقِصْلٍ حَلِسٍ حِلْسَمِ
عِنْد الْبيُوت، راشِنٍ مِقَم

(5/211)


(حرسم) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ الحُرسُم الزوابة. وَقَالَ اللحيانيّ يُقَال: سقَاهُ اللَّهُ الحُرسُم وَهُوَ السّمّ يُقَال: مَا لَهُ؟ سقَاهُ اللَّهُ الحرسم وكأسَ الذيفان لم أسمعهُ لغيره ورأيته مُقَيّدا بخطي فِي كتاب اللحياني: الجِرسِم بِالْجِيم وَهُوَ الصَّوَاب وَلَيْسَ الجرسم من هَذَا الْبَاب. هُوَ فِي كتاب الْجِيم.
(سبحل) : وَقَالَ اللَّيْث يُقَال هُوَ رِبَحْل سِبَحْل إِذا وصف بالتَّرَارَةِ والنَّعمة. وجارِيَةٌ رِبَحْلَة سِبَحْلَةٌ. وَقيل لابنَة الخُس أيُّ الْإِبِل خيرٌ؟ فَقَالَت السبَحْلُ الربَحْلُ الراحِلَةُ الفَحْلُ.
قَالَ الليثُ: السَّبَحْلَلُ هُوَ الشِبْل إِذا أدْرك الصَّيْد.
(سلحف) : أَبُو عبيد عَن الفرّاء قَالَ الذّكر من السَّلاَحِف الغَيْلم، وَالْأُنْثَى فِي لُغَة بني أَسد سُلَحْفَاةٌ. قَالَ وَحكى الرُّؤَاسِي سُلَحْفِيَةٌ.
(حنفس) : وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لِلْجَارِيَةِ البذيئة القليلة الْحيَاء حِنْفِس وحِفْنِس. قلت: وَالْمَعْرُوف عندنَا بِهَذَا الْمَعْنى عِنْفِص.
(فلحس) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَلْحَس الْكَلْب والفلحس السَّائِل الملحّ. قَالَ والفَلْحَسُ الدُّب المسن، والفلحس الْمَرْأَة الرسحاء.
(حسفل) : وَقَالَ النَّضر: أنشدنا أَبُو الذؤيب:
حِسَفْلُ البَطْنِ مَا يملاهُ شي
وَلَو أَوْرَدْتَهُ حَفَرَ الربابِ
قَالَ حِسْفِلٌ وَاسع الْبَطن لَا يشْبع.

(بَاب الْحَاء وَالزَّاي)
(زحلف) : الزحَالِيفُ والزحاليق آثارُ تزلّج الصّبيان، واحدتها زُحلوفة وزُحلوقة. وَرُوِيَ عَن بعض التَّابِعين أَنه قَالَ مَا ازْلَحفَّ ناكِحُ الأَمَةِ عَن الزِّنَا إِلَّا قَلِيلا. قَالَ أَبُو عبيد مَعْنَاهُ: مَا تنحّى وَمَا تبَاعد. يُقَال: ازْلحفَّ وازحَلَفّ وتَزَحْلَفَ وتزَلْحَفَ إِذا تنحَّى وتزلق. وَيُقَال للشمس إِذا مَالَتْ للمغِيب، أَو زَالَت عَن كَبِد السَّمَاء نصفَ النَّهَار قد تَزَحْلَفَت، وَقَالَ العجَّاج:
والشَّمسُ قد كادتْ تكونُ دَنَفا
أَدْفَعُها بالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفا
وَقَالَ غَيره: يُقَال زحْلَف اللَّهُ عَنَّا شَرَّك، أَي نحَّى اللَّهُ عَنَّا شرَّك. وَقَالَ أَبُو مَالك: الزلحوفة المكانُ الزَّلِق من حَبْلِ الرمل، يلْعَب عَلَيْهِ الصّبيان، وَكَذَلِكَ فِي الصَّفَا وَقَالَ أَوْس بن حجر:
صفا مُدْهِنٍ قد زَلَّقَتْهُ الزَّحَالِفُ
وَهِي الزحاليف بِالْيَاءِ أَيْضا، وكأنّ الأَصْل فِيهِ ثلاثيٌ من زحل فزيدت فِيهِ فَاء.
(زحزب) : وَقَالَ اللَّيْث الزُّحْزُبُّ الَّذِي قد غلُظ وقوِي واشتدّ. قلت: روى أَبُو عبيد هَذَا الحرفَ فِي كتاب (غَرِيب الحَدِيث) بِالْخَاءِ وَجَاء بِهِ فِي حَدِيث مَرْفُوع وَهُوَ الزُّخْزُبّ للحُوار الَّذِي قد عَبُل واشتدّ لَحْمه، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، والحاء عندنَا تَصْحِيف.
(حنزب) : وَقَالَ اللَّيْث الحِنْزَابُ هُوَ الْحمار المُقْتَدِرُ الخَلْق. قَالَ: والحُنْزُوب ضرب من النَّبَات وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الحِنزابُ الديك

(5/212)


والحِنزاب جَزَر البرّ والحِنزاب الرجل الْقصير وَأنْشد ابْن السّكيت:
تَاحَ لَهَا بَعْدَك حِنْزَابٌ وَأَى
قَالَ إِلَى القِصَرِ مَا هُوَ ويُرْوَى وَزَى.
(حيزب) : أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الحَيْزَبُون الْعَجُوز من النِّسَاء وَقَالَهُ اللَّيْث.
(حرمز حزمر) : ورُوِيَ عَن ابْن المستنير أَنه قَالَ: يُقَال: حَرْمَزَهُ اللَّهُ أَي لَعنه اللَّهُ. قَالَ وَبَنُو الحِرْمَاز مُشْتَقّ مِنْهُ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أخذت الشَّيْء بِحُزْمُورِه وحَزَاميره وحُذْقُوره وحَذَاقيره أَي بِجَمِيعِهِ وجوانبه. وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال حَزْمَرْتُ العِدْل والعَيْبَةَ وَالثيَاب والقِرْبة وحَذْفَرْتُ بِمَعْنى وَاحِد أَي ملأْتُ. وَمن أَسمَاء الْعَرَب حِرْمَازٌ وَهُوَ من الحَرْمَزَةِ وَهِي الذكاء وَقد احْرَمَزَّ الرجل وتحرْمَزَ إِذا صَار ذكِيّاً قَالَه ابْن دُرَيْد.

(بَاب الْحَاء والطاء)
(طحلب) : قَالَ اللَّيْث: الطُّحْلُب، والقطعة طُحْلُبَة، وَهِي الخضرة الَّتِي على رَأس المَاء المُزْمِن.
أَبُو عبيد: طَحْلَبَتِ الأرضُ أولَ مَا تخضرُّ بالنبات.
قلت: وَيُقَال: طَحْلَبَ الغديرُ، وعينٌ مُطَحْلَبَةُ الأرجاء طاميةٌ.
عَمْرو عَن أَبِيه: طَحْلَبَهُ إِذا قَتله، والطَّحْلَبَة الْقَتْل.
(طحرب) : وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَا فِي السَّمَاء طُحْرَبَةٌ أَي قطعةٌ من سَحَاب، قَالَ والطُّحْربة الفساء. قَالَ وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا عَلَيْهِ طُحْرَبَةٌ أَي قِطْعَة خِرْقَة. وَمَا فِي السَّمَاء طُحْرُبَةٌ أَي شَيْء من غيم، وَمَا عَلَيْهَا طُحْرَبَةٌ.
(طمحر) : أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: مَا عَلَيْهَا طَمْحَرةٌ يَعْنِي من اللبَاس. قَالَ وَقَالَ أَبُو الجرَّاح: طَحْرِبة. وَقَالَ الأصمعيّ: طَحْرَبَة.
(طحرم طحرب) : قَالَ شمر: وَسمعت طَحْرمة وطِحْمِرة. قَالَ وَسمعت ابْن الفقعسيّ: مَا على رَأسه طِحْمِرة وَلَا طِحْطِحة أَي مَا عَلَيْهِ شَعَرة. قَالَ: طِحْمِرة مقلوب طِحْرِمة، وطِحْرِمة أَصْلهَا طِحْرِبة.
وَقَالَ نُصَيْبٌ:
سَرَى فِي سَوَادِ اللّيلِ يتركُ خَلْفَهُ
مَوَاكِفَ لم يَعْكُفْ عليهِنَّ طِحْرِبُ
قَالَ: والطحرب هَهُنَا الغُثَاء من الجفيف وَوَأْلَةِ الأَرْض، والمواكِفُ مَوَاكِفُ الشّجر.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: طَحْرَبَ القِرْبَةَ مَلأَها.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: طَحْرَبَ إِذا فصَّع وطَحْرَبَ إِذا عَدَا فارّاً.
(فطحل) : وَقَالَ اللَّيْث: الفِطَحْلُ هُوَ دَهْرٌ لم يُخلق الناسُ فِيهِ بعد. وَأنْشد:
زمنَ الفِطحْل إِذْ السَّلامُ رِطَاب
وَقَالَ شمر: الفِطَحْلُ السَّيْل، قَالَ: وجملٌ فِطَحْلٌ ضَخْمٌ مثل السَّبَحْلُ. قَالَه الفرّاء وفُطْحُل اسْم رجل.
(فلطح) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رَأس فِلْطاح عريض. قلت: وَمثله فِرْطاح بالراء وكل شَيْء عَرَّضته فقد فَرْطَحْتَه.

(5/213)


(طلحف) : وَقَالَ اللَّيْث: ضربه ضرْباً طِلْحِيفاً وطِلْحفاً وطِلَّحْفاً أَي شَدِيدا.
وَقَالَ شمر: جوع طِلَّحْفٌ وطِلَحْفٌ شَدِيد وَأنْشد:
إِذا اجتمعَ الجوعُ الطلَحْفُ وحُبُّهَا
على الرجلِ المَضْعُوفِ كادَ يَمُوتُ
(حبطأ) : وَقَالَ اللَّيْث: الحَبَنْطأُ بِالْهَمْز العظيمُ البطنِ المنتفخُ. وَقد احبنْطَأْتُ واحبنْطَيْتُ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال للرجل إِذا كَانَ فِيهِ قِصَرٌ وضِخَم بَطْن رجل حَبَنْطأٌ. بِهَمْزَة غير مَمْدُود.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يظل السقط مُحْبَنْطِئاً على بَاب الْجنَّة) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ المتغضب المستبطىء للشَّيْء وَقَالَ المُحْبَنْطِىءُ الْعَظِيم البطنِ المنتفخ.
وَقَالَ الكسائيّ: يهمز وَلَا يهمز.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن المبرّد قَالَ: سَمِعت المازنيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: احبنطأْتُ بِالْهَمْز أَي امْتَلَأَ بَطْني. قَالَ: واحبنطَيْتُ بِغَيْر همز أَي فسد بَطْني.
قَالَ المبرّد: وَالَّذِي نعرفه وَعَلِيهِ جملَة الروَاة حَبِط بطن الرجل وحَبِجَ واحبنطأ إِذا انتفخ بطْنُه من الطَّعَام وَغَيره. وَيُقَال: احْبَنْطَأَ الرجل إِذا امْتنع. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُجِيز فِيهِ ترك الْهمزَة وَأنْشد:
إِنّي إِذا استُنْشِدْتُ لَا أحْبَنطِي
وَلَا أُحِبُّ كَثْرَةَ التَّمَطي
وَقَالَ فِي قَوْله: إِن الطِّفْل يظل محبنطئاً أَي مُمْتَنعا.
(حنْطَب) : عَمْرو عَن أَبِيه: الحَنْطَبَةُ الشَّجَاعة وحَنْطَبٌ من أَسمَاء الرِّجَال مِنْهُ.
(طمحر) : اللحيانيّ: اطمَحَرَّ واطْمخرّ إِذا شرب حَتَّى امْتَلَأَ.
ابْن السّكيت: مَا على السَّمَاء طَمْحَرِيرةٌ. وَمَا عَلَيْهَا طِهْلِئَةٌ وَمَا عَلَيْهَا طَحْرَةٌ أَي مَا عَلَيْهَا غيم.
(طرمح) : وَيُقَال طَرْمَحَ الرجلُ بناءَه إِذا رَفعه، وَبِه وَسمي الطرِمَّاح وَإنَّهُ لَطِرمَّاحٌ فِي بني فلَان إِذا كانَ عاليَ الذكْرِ وَالنّسب.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّك لَطِرِمَّاحَ وإنكما لطِرِمَّاحان، وَذَاكَ إِذا طَمَحَ فِي الْأَمر.
(حطمط) : أَبُو عمر: الحِطْمِطُ الصَّغِير من كل شَيْء، صبيّ حِطْمِطٌ وَأنْشد:
إِذا هُنَيٌّ حِطْمِطٌ مِثْلُ الوَزَغْ
يَضْرِبُ مِنْهُ رَأْسه حَتَّى انْثَلَغْ
(حمطط) : والحِمْطَيطُ دويْبَّة، وَجمعه الحَمَاطِيطُ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد هِيَ الحُمْطُوط.
(حنطأ) : والحِنْطِىءُ الْقصير من الرِّجَال.
وَقَالَ الأعلم الهذليّ:
وَالحِنْطِىءُ الحِنْطِيُّ يُمْثَجُ بالغَظِيمةِ والرَّغَائِبِ
والحِنْطيُّ الَّذِي غذاؤه الحِنْطَةُ، وَقَالَ: يُمْثج أَي يُطْعَمُ ويكرَّم ويُرَبَّبُ، ويروى يُمْشَجُ أَي يُخْلَط. وعنز حُنَطِئَةٌ عريضة ضخمة رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة عَن أَصْحَابه وَقَالَهُ شمر.
(طحرر) : وَقَالَ اللَّيْث: الطَّحَارِيرُ قطع السَّحَاب، وَيُقَال: الطخَارِيرُ بِالْخَاءِ. وقالهما الأصمعيّ واللحيانيّ وَأكْثر مَا

(5/214)


يتَكَلَّم بهما فِي النَّفْي، يُقَال مَا عَلَيْهَا طُحْرُورة، وَلَا طُخْرورة.
(فرطح فلطح) : وَقَالَ ابْن الْفرج: يُقَال: فَرْطَح القُرصَ وفلْطَحه إِذا بَسطه وَأنْشد لرجل من بلحارث بن كَعْب يصف حَيَّة:
جُعِلت لَهازِمُه عِزِينَ ورأسُه
كالقُرْصِ فُرْطِحَ من طَحِينِ شَعِيرِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رغيفٌ مُفَلْطَح وَاسع.

(بَاب الْحَاء وَالدَّال)
(بلدح) : قَالَ اللَّيْث: يُقَال بَلْدَحَ الرجلُ إِذا بلَّد وأعْيا. قلت وبَلْدَحٌ بلد بِعَيْنِه وَمِنْه الْمثل الَّذِي يُروى لِنَعَامَة: لَكِن على بَلْدَحَ قَوْمٌ عَجْفَى.
(بَحْدَل) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَلْدَحَ وتَبَلْدَحَ إِذا وَعدك وَلم يُنْجِزْ العِدَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: بَحْدَل الرجل إِذا مَالَتْ كتفه.
قلت: والبَحْدَلَةُ الخِفَّة فِي السَّعْي. سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لصَاحب لَهُ: بَحْدِلْ بحْدِل، أَمَرَه بالإسراع فِي سَعْيه.
(حدبر) : وَقَالَ اللَّيْث: نَاقَة حِدْبِيرٌ إِذا بَدَت حراقيفُها.
قلت: وَيُقَال: نَاقَة حِدْبارُ وَجَمعهَا حَدَابِيرُ إِذا انحنى ظهرهَا من الهُزال ودَبِرَ.
(حندر) : أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: الحَنْدِيرَةُ والحِنْدُورَةُ الحَدَقة. قَالَ: والحِنْدِيرَةُ أَجود. سَلمَة عَن الفرّاء حِنْدِيرةُ وحُندورة وحُندُر. وَيُقَال: جعل فلَان فلَانا على حِنْدِيرةِ عيْنه إِذا أبغضه.
(دربح دلبح) : اللحيانيّ دَرْبَحَ وَدَلْبَحَ إِذا حَنَى ظَهره. قلت: وَقَالَ لي صبيٌّ من بني أَسد: دَلْبِحْ أَي طأطىء ظهرك، ودربخْ مثلُه.
(بلدح) : وابلندح الحوضُ إِذا اسْتَوَى بِالْأَرْضِ من دقّ الْإِبِل إِيَّاه. وَقَالَ:
ودقت المركو حَتَّى ابلندحا
(دحمل) : ابْن بُزُرْج: أَصَابَتْهُم سنةٌ فَكَانَت الدّحْمَلة.
(دردح) : يَقُول الدمارُ: الدرْدِحَة من النِّسَاء الَّتِي طولهَا وعرضها سَوَاء، وَجَمعهَا الدَّرَادِحُ، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة:
وإذْ هيَ كالبَكْرِ الهِجَانِ إِذا مَشَتْ
أَبَى لاَ يُماشِيهَا القِصارُ الدَّرَادِحُ
وَقيل للعجوز دِرْدَحٌ.
(حرمد) : وَقَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: الحَرْمَدُ الحمأة وَقَالَ تُبَّع:
فِي عين ذِي خُلُب وثَأْطٍ حَرْمَدِ
(قَالَ: والحِرْمِدُ بِالْكَسْرِ الحَمْأَةُ) .

(بَاب الْحَاء وَالتَّاء)
(حترف) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الْحُتْرُوف: الكادُّ على عِيَاله.
(حنتف) : الحُنْتُوف: الَّذِي يُنْتِفُ لحيته من المِرَارِ بِهِ. قَالَ: والحَنْتَفُ الْجَرَاد المُنَتَّفُ المُنَقَّى للطَّبْخ وَبِه سُمي الرجل حَنْتَفَا.

(5/215)


(حبتر) وَقَالَ اللَّيْث: الْحَبْتَرُ هُوَ الْقصير.
وَكَذَلِكَ البُحْتُر، ونحوَ ذَلِك. روى أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فيهمَا قَالَ: وَامْرَأَة بُحْتُرَةٌ.
سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: الحَبْتَرُ الْقصير.
والحَنْبَرُ مثله.
(حبرت) : ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: كَذِب حِبْرِيتٌ وحَنْبَرِيتٌ أَي خالصٌ مجرَّد لَا يستره شَيْء.
حنتر: وَقَالَ اللَّيْث: الحِنْتَارُ الْقصير الصَّغِير.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الحَنْتَرةُ الضّيق.
(حنتم) : وَقَالَ اللَّيْث: الحَنْتَمُ من الجِرارِ الخُضْر وَمَا تضرِب لَونه إِلَى الْحمرَة. قَالَ: والحَنْتَمُ: سَحَاب. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الدُّبَّاء والحَنْتَم. قَالَ أَبُو عبيد هِيَ جِرار حُمْرٌ كَانَت تُحمَلُ إِلَى الْمَدِينَة فِيهَا الْخمر. قلت: وَقيل للسحاب حَنْتُمٌ وحَنَاتِمُ لامتلائها من المَاء، شُبهت بحَنَاتِم الجِرارِ المملوءة.
(دحمل) وَقَالَ اللَّيْث: الدَّحْمَلةُ: الْمَرْأَة الضخمة الثَّارَّةُ. سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الدمْحَال: الرجل البَتَرِيُّ، والبتريُّ الشرير وَهُوَ فارسية معرَّبة.
(حنتل) : قَالَ الفرّاء: مَا أجد مِنْهُ حُنْتَالاً أَي بُدّاً وَمَا لَهُ حُنْتَالٌ وَلَا حِنْتَالَةٌ عَن هَذَا، أَي مَحِيصٌ إِذا كسرت الْحَاء أدخَلْتَ الْهَاء.
(حبتر) : وحَبتَرٌ اسْم رجل.
(حتأ) : وَقَالَ أَبُو زيد: رجل حِنْتَأْوٌ وَهُوَ الَّذِي يُعجبهُ حسنه، وَهُوَ فِي عُيُون النَّاس صغِيرٌ، وَالْوَاو أَصْلِيَّة.

(بَاب الْحَاء والظاء)
(حظرب) : ابْن السّكيت حَظْرَبَ قَوْسه إِذا شدّ توتيرها وَقَالَ المحظرب الضيّق الخُلق وَقَالَ طرفَة:
وكائِنْ ترى مِنْ يَلْمَعِيَ مُحَظْرَبٍ
وَلَيْسَ لَهُ عِنْد العزائِم جُولُ
وضَرْعٌ مُحَظْرَب أَي ضيّقُ الأخلاف.
(حظنب) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحُظَبَّى الظّهْر وَأنْشد:
وَلَوْلَا نَبْلُ عَوْضٍ فِي
حُظُبَّايَ وأوصالي
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: الحُظُنْبَى بالنُّون: الظَّهْرُ. وروى بَيت فِنْدٍ هَذَا فِي حُظُنْبَاي وأوصالِي.
(حنظل) : والحنظل مَعْرُوف.
(حنظب) : أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الحَنْظُبْ الذّكر من الْجَرَاد وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ الذّكر من الْخنافس؛ وَأنْشد أَبُو عبيد:
وأُمُّكَ سَوْدَاءُ مَوْدُونَةٌ
كَأَنَّ أَنَامِلَهَا الحُنْظُبُ
(بحظل) : أَبُو عبيد عَن الفرّاء قَالَ البَحْظَلةُ أَن يقفِز الرجل قَفَزان اليَرْبُوع والفأرة، يُقَال بَحْظَلَ يُبَحْظِلُ بَحْظَلةً.
(حظلب) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الحَظْلَبَةُ: العَدْو.
(حمظل) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: حمظل الرجل إِذا جَنَى الحَنْظَل وَهُوَ الحَمْطل، قلت هَذَا من بَاب تعاقب النُّون وَالْمِيم فِي الْحَرْف الْوَاحِد.

(5/216)


(بَاب الْحَاء وَالتَّاء)
(حنتل) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَالُ مَالِي عَنهُ حُنْتَأْلٌ بِهَمْزَة مسكنة أَي مَالِي مِنْهُ بُدّ وَقَالَ الْفراء مَالِي عَنهُ حنتأل وَلَا حُنْتَأْلَةٌ مثله أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحِنتأْلة البُدَّة وَهِي المفارَقَة وَقَالَ أَبُو مَالك: مَالك عَن هَذَا الْأَمر عُنْدَدٌ وَلَا حُنْتَأْنٌ أَي مَالك عَن هَذَا الْأَمر بدُّ وَقَالَ غَيره الحُنْتُل شبه المخلب المعقَّف الضخم وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّته.

(أَبْوَاب الْحَاء والطاء)
(حنطأ) : أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: عَنْزٌ حُنَطِئَةٌ عريضة ضخمة.
(حلبط) : وَقَالَ شمر: يُقَال هَذِه الحُلَبِطَةُ وَهِي الْمِائَة من الْإِبِل إِلَى مَا بلغت.
وَقَالَ شمر: الحِنْطَأوَةُ من الرِّجَال الضعيفُ. وَأنْشد:
حَتَّى ترى الحِنْطَأْوَةَ الفَرُوقا
مُتكئا يقتمح السَّوِيقا 1)

(بَاب الْحَاء والذال)
(حذلم) : الأصمعيّ حَذْلَمَ سِقَاءَه إِذا ملأَهُ وَأنْشد:
تثج رواياه إِذا الرَّعْدُ رَجَّهُ
بِشَابَةَ فالقهْب المزَادَ المُحَذْلَمَا
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تحَذْلَمَ الرجل إِذا تأدّب وَذهب فُضُول حُمْقِه.
قَالَ: وحَذْلَمْتُ العودَ إِذا برْيتَه وأحدَدْتَه.
وحذلَمْتُ فرسي إِذا أَصْلَحته. عَمْرو عَن أَبِيه ذَحْلَمهُ وسحْتَنَهُ إِذا ذبحه.
(ذحلم) : وَقَالَ اللَّيْث: ذَحْلَمَه فتذَحْلَمَ إِذا دهوره فتدهور وَأنْشد:
كأَنَّه فِي هُوَّةٍ تَذَحْلَمَا
(حذفر) : ثَعْلَب: سَلمَة عَن الفرَّاء: حُذفور وحِذفار وَهُوَ جَانب الشيءِ: وَقد يلغ الماءُ حِذْفَارَها أَي جَانبهَا. وَأخذت الشَّيْء بِحُذْفُورِه وحَذَافِيرِه.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: أخذت الشيءَ بحذافيرِه وحَرَامِيزه وحزَاميره إِذا لم يدَع مِنْهُ شَيْئا.

(بَاب الْحَاء والثاء)
(حثرم) : أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الْحِثرِمَةُ الدائرةُ الَّتِي عِنْد الْأنف وسطَ الشَّفَةِ الْعليا.
قَالَ: شَمِرٌ سَمِعت أَبَا حَاتِم يَقُول: الخِثْرِمَةُ بِالْخَاءِ لهَذِهِ الدَّائِرة.
قلت: وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الحِثْرِمَةُ بِالْحَاء كَمَا رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قلت: وهما لُغَتَانِ بِالْخَاءِ والحاء.
(حثرب) : وَقَالَ ابنُ السّكيت: حَثْرَبَ الماءُ وحثربَتِ البِئْرُ إِذا كدُر مَاؤُهَا واختلطت بهَا الحَمْأَةُ. وَأنْشد:
لم تَرْوَ حتَّى حَثْرَبَتْ قَلِيبُها
نَزْحاً وخافَ ظَمَأً شَرِيْبُها
(حثفل) : وَقَالَ اللَّيْث الحُثْفُل ثُرتُمُ المرقة.

(5/217)


أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ يُقَال لِثُفْلِ الدّهْنِ وغيرِه فِي القارورة حُثْفُلٌ وَهُوَ المثفر أَيْضا.
قَالَ ورَدِيءُ المَال: حُثْفُله.
(حربث) : قَالَ: والحُرْبُث من أطيب المراتع. وَيُقَال: أَطْيَبُ الْغنم لَبَنًا مَا رعى الحُرْبُثَ والسّعدان.
(بحثر) : يُقَال: بَحْثَرَ مَتَاعه وبعثره إِذا أثاره وقَلَبه.
وَيُقَال لِلَّبن إِذا تقطّع وتحبّب بحثَرَ فَهُوَ مُبَحْثرٌ.
قَالَ ذَلِك أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ. قَالَ فَإِن خَثُرَ أَعْلَاهُ وأسفَلُه رقيقٌ فَهُوَ هادر.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء، وَبَاب الْحَاء وَاللَّام)
ح ر ح ل
(حبرم) : من الرباعيّ المؤلَّف قَوْلهم لمرقَةِ حَب الرُّمَّان المُحْبرَم وَمِنْه قَول الرّاجز:
لم يعرفِ السكْبَاجَ والمُحَبْرَمَا
(حَنْبَل) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الحَنْبَلُ: الرجل الْقصير. قَالَ: والعَزْوُ أَيْضا حَنْبَلٌ.
وَقَالَ أَيْضا: الحَنْبَلُ: الضخْم الْبَطن فِي قِصَرٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِنْبَالُ والحِنْبَالَةُ: الكثيرُ الكلامِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: حَنْبَلَ الرَّجُلُ: إِذا أَكثر من أكل الحَنْبَلِ، وَهُوَ اللوبِيَاءُ.
(حرنب) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المُحْرَنْبىء، مثل الْمُزْبَئِر فِي الْمَعْنى. وَقَالَ غَيره احْرَبْنَى المكانُ: إِذا اتَّسع. وشيخٌ مُحْرَنْبٍ: قد اتَّسع جلده.
ورُوي عَن الكسائيّ أَنه قَالَ: مرَّ أعرابيّ بآخر، وَقد خالط كلبَةً صارِفاً فعقدت على قضيبه، وتعذَّر عَلَيْهِ نَزعه من عُقْدَتها، فَقَالَ لَهُ المارّ: جَأْ جَنْبَيْها تَحْرَنْبِ لَك؛ أَي: تَتَجَافَى لَك بعُقْدَتِها عَن قضيبك، فَفعل وأَطلَقته.
وَقَالَ اللَّيْث: المُحْرَنْبي: الَّذِي ينَام على ظَهره وَيرْفَع رجلَيْهِ إِلى السَّمَاء.
وَهَذِه حُرُوف وَجدتهَا فِي (كتاب ابْن دُرَيْد) وَلم أَجِدْها لغيره:
(ذحمل) : قَالَ: عَجُوز ذحْملَةٌ وشيخٌ ذَحْملٌ: وَهُوَ الناحل المسترخي الْجلد.
قَالَ ودحمَلْتُ الشَّيْء إِذا دحرجته على وَجه الأَرْض. وَكَذَلِكَ ذَمْحَلتْهُ.
(حردم) : قَالَ: والحَرْدَمَة، فِي الْأَمر: اللجاج والمحْكُ فِيهِ.
(حدقل) : قَالَ: والحَدْقَلَةُ: إدارةُ الْعين فِي النّظر.
(دحقل) : والدَّحْقَلة: انتفاخ الْبَطن.
(حندك) : والحَنْدَكُ: الْقصير.
(ذحلط) : ذَحْلَطَ الرجلُ ذحلطةً: إِذا خلط فِي كَلَامه.
(حذلم) : والحَذْلَمَةُ: السرعة.
(فرسح) : قَالَ: وفَرْسَح الرجل إِذا وثَب وثْباً متقارباً.
(طرشم) : والطرْشَمَة الاسترخاء، ضربه حَتَّى طَرْشَمه.

(5/218)


(حرقف) : والحُرْقوف ذويبة من أحناش الأَرْض.
(حركل) : والحَرْكلة: ضرب من الْمَشْي.
(جحدم) : قَالَ: الجَحْدَمَةُ: السرعة فِي الْعَدو.
(جحرم) : والجَحْرَمَةُ: الضّيق وَسُوء الْخلق.
(جلحز) : وَرجل جِلْحِزٌ وجِلْحَازٌ: وَهُوَ الضيّق الْبَخِيل.
(حنثر) : وَرجل حَنْثَرٌ وحَنْثَريٌّ: إِذا حَمُق. قلت: هَذِه حُرُوف لَا أَثِقُ بهَا لِأَنِّي لم أَحفظها لغيره، وَهُوَ غير ثِقَة، وجمعتُها فِي مَوضِع واحدٍ لأفتش عَنْهَا فَمَا صحّ مِنْهَا لإِمَام ثِقَة أَو فِي شعر يُحتج بِهِ فَهُوَ صَحِيح وَمَا لم يَصح تُوُقفَ عَنهُ إِن شَاءَ الله.

(5/219)


بَاب الخماسي من حرف الْحَاء
قَالَ اللَّيْث: (الحَزَنْبَلُ) : الْقصير من الرِّجَال. وَقَالَ غَيره: الحَزَنْبَلُ: المشْرِف من كل شَيْء، وَقيل هُوَ المجْتَمعِ. وَيُقَال: هَنٌ حَزَنْبَلٌ: إِذا كَانَ مُشْرِفَ الرَّكَب؛ وَقَالَت بعض المجِعّات من بَغَايَا الْأَعْرَاب:
إنَّ هَنِي حَزَنْبَلٌ حَزَابِيَة
إذَا قَعَدْتُ فوقَه نَبَا بِيَهْ
و (الحزابيةُ) : الْغَرِيب السُّمْكِ الضّيق المَلاَقِي.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: (الطَّلَنْفَحُ) : الرجل الْخَالِي الجَوْف؛ وَأنْشد:
ونُصْبِحُ بالغَداةِ أَتَرّ شَيْءٍ
ونُمْسِي بالعَشِي طَلَنْفَحِينَا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: (الحِنْزَقْرَة) : الْقصير من الرِّجَال: وَأنْشد شمر:
وَلَو كُنْتَ أجملَ مِنْ مَالك
رأوكَ أُقَيْدِر حِنْزَقْرَهْ
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابْن الأعرابيّ يَقُول: (الصَّرَنقَحُ) ، من الرِّجَال: الشديدُ الشكيمة الَّذِي لَهُ عَزِيمَة لَا يُطمع فِيمَا عِنْده وَلَا يُخدع. قَالَ، وَقَالَ غَيره: الصَّرَنْقَح: الظريف؛ وَأنْشد لجِرَانِ الْعود يصفُ نِسَاءَهُ وَسُوء أخلاقهن فَقَالَ:
ومِنهُنَّ غُلٌّ مُقْمِلٌ لاَ يَفُكُّهُ
من القومِ إِلَّا الشَّحْشَحَانُ الصَّرَنْقَحُ
(الشَّحْشَحَانُ) : الغيور المواظب على الشَّيْء. قَالَ شمر: يُقَال صَرَنْقَحْ وصَلَنْقَح، بالرّاء واللاّم.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ:
(البَلَنْدَح) : السمين قلت: والأصْلُ بَلْدَحٌ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: (الحَجَنْبَرَةُ) من النِّسَاء: القصيرة.
قَالَ: و (الحَبَرْبَرَةُ) القِمِئَةُ المناقرة.
و (الحَوَرْوَرَةُ) البيضاءُ و (الحوْلوَلة) الكبَسّة قلت وَهَذِه الأحرف الثَّلَاثَة ثلاثية الأَصْل مُلْحقَة بالخماسي لتكرر بعض حروفها.
أَبُو عبيد عَن الفرّاء: ذهب الْقَوْم شَعاليلَ (بِقَرْدَحْمَةَ) ، لَا ينوَّنُ: إِذا تفرّقوا.
وَحكى اللحيانيّ فِي (نوادره) : ذهب الْقَوْم (قِنْدَحْرَة) وقِنْذَحْرَة وقِذَّحْرَة وقِدّحرة: كل ذَلِك إِذا تفَرقُوا.
قَالَ اللَّيْث: كَبْش (شَقَحْطَبٌ) : ذُو قرنين مُنْكَرَيَنِ. وروى أَبُو العبّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الشَّقَحْطَبُ: الكَبْشُ الَّذِي لَهُ أَربعةُ قُرُون.
قَالَ اللَّيْث: فِي هَذَا الْبَاب (دِحِنْدِحٌ) : دُوَيْبّة. وروى أَبو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: يُقَال: هُوَ أَهْوَنُ عليَّ من

(5/220)


دِحِنْدِحٍ، قَالَ فَإِذا قيل لَهُ: مَا دِحِنْدِح قَالَ: كَلاَ شَيْءَ. وَرُوِيَ عَن يُونُس أَنه قَالَ: تَقول الْعَرَب للرجل يقرّ بِمَا عليَه: دِحْ دِحْ، ودَحٍ دَحٍ؛ يُرِيدُونَ قد أَقررت فاسكت.
وأَخبرني المنذريّ عَن أَبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: (احْرَنْقَزَ) الرجلُ: إِذا كَاد أَن يَمُوت من الْبرد.
أَبو عبيد عَن الأصمعيّ: ناقةٌ (حَنْدَلِسٌ) : ثَقيلَة الْمَشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنْدَلِسُ: النَّاقة النجيبة الْكَرِيمَة.
أَبو عبيد عَن الأصمعيّ: أَفعى (جَحْمَرِشٌ) ؛ وَهِي: الخشناء الغليظة. قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: الجحْمَرِش: الْعَجُوز الْكَبِيرَة.
أَبو عبيد عَن أَبي عَمْرو والأصمعيّ: (الجَحَنْفَلُ) : الرجل الغليظ الشّفة.
من الخماسيّ الملحق قَوْلهم: (الصَّمَحْمَحُ) : للرجل الشَّديد.
وَقَالَ شمر: رجل (جِرْدِحْلُ) وَهُوَ: الغليظ الضخم، وَامْرَأَة (جِرْدَحْلَة) كَذَلِك؛ وَأنْشد:
تَقْتَسِرُ الهَامَ وَمَرّاً تُخْلِي
أطباقَ صَنْبرِ الْعُنُقِ الْجِرْدَحْلِ
ابْن السّكيت عَن الْفراء: (الجِحِنْبَارُ) الرجل الضخم. وَأنْشد:
فَهُوَ جحنبارٌ مُبِين الدَّعْرَمَةْ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ عَن الْمفضل: رجل (جَلَنْدَحْ) و (جَلَحْمَدُ) : إِذا كَانَ غليظاً ضخماً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: (الحَبَرْقَصُ) : الْجمل الصَّغِير؛ قَالَ وَهُوَ الحَبَرْبُرُ أَيْضا. وَقَالَ ابْن المظفر: (الحَبَرْقَسُ) ، بِالسِّين: الضئيل من الْبكارَة والحُمْلاَنِ.
قَالَ أَبُو سعيد فِي الخماسي الملحق يُقَال: مَا لَهُ (حَبَرْبَرٌ) وَلَا (حَوَرْوَرٌ) ؛ أَي: مَا لَهُ شَيْء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَا يُغْنِي فلَان حَبَنْبَرَا؛ أَي: مَا يُغني شَيْئا، وَيُقَال: مَا يُغني حَبَرْبَراً بِمَعْنَاهُ؛ وَأنْشد لِابْنِ أَحْمَر:
أمانِيُّ لَا يغنين عَنْهَا حَبَرْبَرا
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج قَالَ الأصمعيّ: يُقَال: مَا أصبت مِنْهُ حَبَرْبَراً وَلَا حَبَنْبَراً؛ أَي: مَا أصبت مِنْهُ شَيْئا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو يُقَال: مَا فِيهِ حَبَرْبَرٌ وَلَا حَبنْبَرٌ، وَهُوَ أَن يُخْبِرك بالشَّيْء، فَتَقول: مَا فِيهِ حَبَنْبَرٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: (الحَنْدَقُونُ) : الرَّأْرَاءُ الْعين وَأنْشد:
وهبته لَيْسَ بشمشلين
وَلَا دحوق الْعين حندقوق
وَقَالَ اللَّيْث: (الحَبَطقْطِقْ) : حِكَايَة قَوَائِم الْخَيل إِذا جرت؛ وَأنْشد:
جرتِ الخيلُ فَقَالَت: حَبَطَقْطَقْ
ابْن السّكيت عَن أبي زيد، يُقَال: جَاءَ بكذب سُمَاقٍ، وَجَاء بكذب حَنْبَرِيتٍ: إِذا جَاءَ بكذب خَالص، لَا يخالطه صدق.

(5/221)


اللَّيْث: (اسْحنْكَكَ) الليلُ: إِذا اشتدّت ظلمته. وَقَالَ غَيره: (احلنكك) مثله، وشَعَرٌ مسْحَنْكِكْ ومُحْلَنْكِكْ: وَهُوَ الْأسود الفاحم. قلت: وأصل هذَيْن الحرفين ثلاثي صَار خماسياً بِزِيَادَة نون وكاف، وَكَذَلِكَ مَا أشبههما من الْأَفْعَال. وَأما (اسحَنْفَرَ) و (احرنقز) فهما رباعيان وَالنُّون زَائِدَة وَبهَا ألْحِقَتْ بالخماسي. وَجُمْلَة قَول النَّحْوِيين أَن الخماسي الصَّحِيح الْحُرُوف لَا يكون إِلَّا فِي الْأَسْمَاء مثل (الْجَحْمَرِشْ) و (الْجِرْدَحْل) . وأمَّا الْأَفْعَال فَلَيْسَ فِيهَا خماسي إِلَّا بِزِيَادَة حرف أَو حرفين؛ فافهمه.
قَالَ اللَّيْث: (الاسْلِنُّطَاح) : الطول وَالْعرض؛ يُقَال: قد اسلنطح؛ وَقَالَ ابْن قيس الرقيات:
أنتَ ابنُ مُسْلَنْطِحِ البِطَاحِ وَلم
تَعْطِفْ عَلَيْك الْحُنِيُّ والوُلُجُ
قلت: وَالْأَصْل السُّلاطِح، وَالنُّون زَائِدَة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل مسلْنطِح: إِذا انبسط.
وَقَالَ اللَّيْث: (الجحمرش) من النِّسَاء الثَّقِيلَة السمجة. والجحمرش الأرنب المُرْضِع، قلت وَالصَّوَاب فِي تَفْسِير الجحمرش مَا أَثْبَتْنَاهُ لأبي عبيد عَن أَصْحَابه. وَالَّذِي قَالَه الليثُ لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي كَلَامهم.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: (اسحنفر) الرجل فِي كَلَامه: إِذا مضى فِيهِ وَلم يتمكّث. واسحنفرت الْخَيل فِي جريها: إِذا أسرعت.
أَبُو عبيد عَنهُ أَيْضا: (المُحْرَنْفِشُ) : الغضبان المتقبض. قَالَ: وَيُقَال: احرنفش واحْرَنبَى وازبأرّ: إِذا تهَيَّأ للغضب وَالشَّر.
وَقَالَ اللَّيْث: اسحنْطَر: إِذا امتدَّ وَمَال.
وَمن الْأَسْمَاء الخماسية الَّتِي جَاءَ بهَا ابْن دُرَيْد فتفرَّد بهَا قَوْله: (جُلَنْدَحَةٌ) صلبة شَدِيدَة و (صَلَنْدَحَةٌ) صلبة وَلَا يُوصف بهَا إِلَّا الْإِنَاث.
وَامْرَأَة (حُرِنْقَفَةٌ) قَصِيرَة.
قَالَ: وجمل (حَبَرْقِيص) قمِيءٌ زري. و (حُبَقْبِيقٌ) سيّء الْخلق قَالَ: و (الزلَنْقَحُ) السيء الخُلُق و (القَلَحْدَمُ) الْخَفِيف السَّرِيع.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن نجدة عَن أبي زيد قَالَ: (الغِرْذَحْلَةُ) : بالغين: الْعَصَا. قَالَ وَهِي القَحْزَنَةُ.
وَأما (القِزْذَحْلة) بِالْقَافِ فَإِن ابْن السّكّيت قَالَ: قَالَت العامرية: هِيَ من حرز الصّبيان تلبسها الْمَرْأَة فيرضى بهَا قيمها، وَلَا يَبْتَغِي غَيرهَا، وَلَا يَلِيق مَعهَا أحدا.
وَقَالَ (الزَّحَنْقَفُ) : الَّذِي يزحف على اسْتِه؛ وَأنْشد أَبُو سعيد قَول الْأَغْلَب:
طَلَّةٌ شَيْخٍ أرْسَحَ زَحنْقَفُ
لَهُ ثَنَايا مِثْلُ حَب العُلِفَّ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال: فلَان مَا يملك (حَذْرَفُوتَا) أَي: فسيطاً، كَمَا يُقَال: فلَان مَا يملك قُلامة ظفر.

(5/222)


وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رجل (حِنْتَأْوٌ) ، وَامْرَأَة (حِنْتَأْوَة) : وَهُوَ الَّذِي يعجَب بِنَفسِهِ، وَهُوَ فِي أعين النَّاس صَغِير. قلت: وَالْأَصْل فيهمَا الثلاثي، أُلحقا بالخماسيّ، بِهَمْزَة وواو زيدتا فيهمَا، أَو بنُون وواو مزيدتين.
قَالَ ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي (الْحَبرْقَصَة) الْمَرْأَة الصَّغِيرَة الْخَلْق وَرجل حَبَرْقص.
آخر حرف الْحَاء وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهُوَ آخر المجلد السَّابِع من خطّ أبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي ح الَّذِي مِنْهُ نقلت هَذَا الْكتاب وفرغت مِنْهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر محرم سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة

(5/223)


هَذَا أول كتاب الْهَاء من (تَهْذِيب اللُّغَة)
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ
قَالَ ابْن المظفر: الْهَاء وَالْخَاء لم يأتلفا فِي المضاعف وَكَذَلِكَ الْهَاء مَعَ الْغَيْن لَا يأتلفان فِي المضاعف.

(بَاب الهَاء وَالْقَاف)
(هـ ق)
قه، هق: مستعملان.
قه: قَالَ ابْن المظفر: قَهْ: يُحْكَى بأنَّه ضَرْب من الضحك. ثمَّ يُكَرر بتصريف الْحِكَايَة، فَيُقَال: قَهْقَهَ يقهقه قَهْقَهَةً: إِذا مدّ ورجّع، وَإِذا خُفف قيل قَهْ للضاحك؛ وَقَالَ الرّاجز يذكر نسَاء:
نَشَأْنَ فِي ظِل النَّعيمِ الأَرْفَهِ
فَهُنَّ فِي تَهانُفٍ وَفِي قَهٍ
قَالَ: وإِنما خفّف للحكاية؛ وَإِن اضْطر الشَّاعِر إِلَى تثقيله جَازَ لَهُ كَقَوْلِه:
ظَلِلْنَ فِي هَزْرَقةٍ وقَه
يَهْزَأْنَ مِنْ كُل عَبَامٍ فَه
قَالَ: والقهقهة فِي قَرَبِ الوِرْدِ، مُشْتَقّ من اصطدَامِ الْأَحْمَال لعجَلَةِ السّير كَأَنَّهُمْ توهّموا لحِس ذَلِك جَرْسُ نَغْمةٍ فضاعفوه. قَالَ رؤبة:
يَطْلُقْنَ قبلَ القَرَبِ المُقَهْقِهِ
وَقَالَ غَيره: الأَصْل فِي قَرَب الوِرْدِ أَنه يُقَال قَرَبٌ حَقْحاق، بِالْحَاء، ثمَّ أبدلوا الْحَاء هَاء فَقَالُوا: لِلْحَقْحَقَة هَقْهَقَة وهَقَهَاق، ثمَّ قلبوا الهقهقة، فَقَالُوا: القهقهة. كَمَا قَالُوا: خَجْخَجَ وجخجخ: إِذا لم يُبْدِ مَا فِي نَفسه. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ فِي قَول رؤبة: (القَرَب المُقَهْقِه) ؛ أَرَادَ المُحَقْحِق فَقَلَبَ، وَأَصله من الْحَقْحَقَة، وَهُوَ السّير المُتْعِبِ الشَّديد. وَقد مرّ تَفْسِيره مشبعاً فِي أول كتاب الْحَاء. وَإِذا انْتَاطَت المراعي عَن الْمِيَاه وَاحْتَاجَ البدويُّ إِلَى تعْزيب النَّعم حُمِلَتْ وَقت وِردها خِمْساً كَانَ أَو سِدْساً على

(5/224)


السيْر الحثيث، فَيُقَال: خِمْسٌ حَقْحَاقٌ وقَسْقَاسٌ وحَصْحَاصٌ، وكل هَذَا السيرُ الحثيث الَّذِي لَا وتيرة فِيهِ وَلَا فتور، وَإِنَّمَا قَلَبَ رؤبة حَقْحَقَة فَجَعلهَا هَقْهَقَة ثمَّ قلب هقهقة، فَقَالَ المُقَهْقِه؛ لاضطراره إِلَى القافية.
هق: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهُقُقُ: الكثيرُ الْجِمَاع، يُقَال: هَكَّ جَارِيَته وهقَّها: إِذا جهدها بِشدَّة الْجِمَاع.

(بَاب الْهَاء وَالْكَاف)
(هـ ك)
هَكَّ ووكَهَّ: مستعملان. وَقد أهمل اللَّيْث: (هكّ) وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي معَان كَثِيرَة، مِنْهَا:
هكّ: قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ فِي كتاب (النَّوَادِر) : هَكَّ بِسَلْحِه وسَكَّ بِهِ: إِذا رمى بِهِ. وَنَحْو ذَلِك. قَالَ ابْن الأَعرابيّ قَالَ: هَكّ وسَجّ وتَرَّ: إِذا حَذَفَ بِسَلْحه. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هَكَّ الرجُلُ جاريتَه، يَهُكُّها: إِذا نَكَحَهَا؛ وَأنْشد:
يَا ضَبُعاً ألْفَتْ أَبَاهَا قد رَقَدْ
فَنقَرتْ فِي رأْسهِ تبْغي الوَلَدْ
فقامَ وَسْنَانَ بِعَرْدٍ ذِي عُقَدْ
فَهَكَّهَا سُخْناً بِهِ حَتى بَرَدْ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأَعرابيّ: يُقَال: هكّ: إِذا أُسْقِطَ. والهكُّ: تَهَوُّر الْبِئْر. والهَكُّ: المطَر الشَّديد. والهكّ: مُدَاركةُ الطَّعْن بِالرِّمَاحِ. والهكُّ: الجِمَاعُ الْكثير؛ يُقَال: هَكَّها: إِذا أَكثر جِمَاعهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَكِيك: المُخنث. وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي، يُقَال: انهكّ صَلاَ الْمَرْأَة انْهكَاكاً: إِذا انفرج فِي الْولادَة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: تَهككَت الناقةُ: وَهُوَ تَرَخي صَلَويْها ودُبُرِها، وَهُوَ أَن يُرَى كَأَنَّهُ سِقاء يُمْخَضُ. قلت: وتفكَّكتِ الْأُنْثَى: إِذا أَقْرَبَتْ فاسترخى صَلَوَاها وعَظُمَ ضَرْعُها ودنا نِتاجُها، شُبّهت بالشَّيْء الَّذِي يتزايلُ ويتفتّح بعد انْعِقَاده وارتِتاقه؛ وَأنْشد ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ:
إِذا بَركْنَ مَبْرَكاً هَكَوَّكا
كأَنمَا يَطْحَنَّ فِيهِ الدَّرْمَكا
قَالَ: هَكَوَّكٌ على بِنَاء عَكَوَّكٌ: وَهُوَ السمين.
كه: قَالَ اللَّيْث: نَاقَة كَهَّةٌ وكهاةٌ، لُغَتَانِ؛ وَهِي: الضخمة المسنَّة الثَّقِيلَة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الكَهَّة: الْعَجُوز أَو النابُ مَهْزُولَة كَانَت أَو سَمِينَة. وَقد كَهَّت النَّاقة تكه كُهوهاً؛ أَي: هرمت. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: جَارِيَة كهكاهَةٌ وهَكْهَاكةٌ: إِذا كَانَت سَمِينَة. وَقَالَ اللَّيْث: الكَهْكَهةُ: حِكَايَة صَوت الزَّمْر، وَهِي فِي الزَّمر أعرفُ مِنْهَا فِي الضَّحِك؛ وَأنْشد:
يَا حَبَّذَا كَهْكَهةُ الغَوَاني
وحَبَّذَا تَهَانُفُ الرَّوَاني
إليَّ يومَ رِحْلَةِ الأَظْعَانِ
وَقَالَ اللَّيْث: كَهْ: حِكايةُ المُكَهْكِه، والأَسد يُكَهْكِهُ فِي زئيره؛ وَأنْشد:
سَامٍ على الزَّآرَةِ المُكَهْكِه

(5/225)


أَبُو عبيد: الكَهْكاهة: المتهيب؛ وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الهذليّ:
وَلَا كَهَكهاة بَرَم
إِذا مَا اشتدتِ الحِقَبُ
وَقَالَ شمر: وكَهْكامَةٌ، بِالْمِيم، مثل كهكاهة للمتهيّب، وَكَذَلِكَ كَهْكَم، قَالَ وَأَصله: كَهَامٌ فزيدت الْكَاف، وَأنْشد:
يَا رُبَّ شَيْخٍ مِنْ عَدِيَ كَهْكَمِ
قَالَ شمر: وَرُوِيَ أَن الحجّاج كَانَ قَصِيرا أصفرَ كُهَاكِهةً، وَهُوَ الَّذِي إِذا نظرت إِلَيْهِ كأنّه يضْحك وَلَيْسَ بضاحك. وكَهْكَهَ المَقْرُورُ فِي يَده من الْبرد؛ قَالَ الْكُمَيْت:
وكَهْكَهَ المُدْلَجُ المَقْرُورُ فِي يدِه
واستدَفأَ الكلبُ فِي المأسورِ ذِي الذَّنب
وَهُوَ أَن يتنفس فِي يَده إِذا خَصِرَت. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال: كهّ فِي وَجْهي؛ أَي: تنفّس. وَالْأَمر مِنْهُ كَهَّ وكِهَّ، وَقد كَهَهْتُ أكِهُّ، وكَهَهْتُ أَكَهُّ.

(بَاب الْهَاء وَالْجِيم)
(هـ ج)
هج، جه: مستعملان.
هجّ: قَالَ اللَّيْث: هجَّجَ البعيرُ يُهَججُ: إِذا غارت عينه فِي رَأسه من جوع أَو عَطش أَو إعياء غير خِلْقةٍ؛ وَأنْشد:
إِذا حِجَاجَا مُقْلَتَيهَا هَجَّجَا
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هجَّجَتْ عينُه: غارت؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
كأنَّ عُيونَهُنَّ مُهَجَّجاتٌ
إِذا راحَتْ من الأُصُلِ الحَرُور
اللَّيْث: الْهَجَاجَةُ: الهَبْوَةُ الَّتِي تَدْفِن كلَّ شَيْء. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: وَرجل هَجَاجَةٌ: أَحمَق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهجَاجَةُ: الَهبْوَةُ الَّتِي تدفِن كلّ شَيْء بِالتُّرَابِ. وَقَالَ غَيره: العَجَاجَةُ، مثلهَا. ابْن السّكيت: رجل هَجْهَاجَةٌ: وَهُوَ الَّذِي لَا عقل لَهُ وَلَا رَأْي. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الهجْهَاجُ: النَّفُور. قَالَ: وَقَالَ الأمويّ يُقَال: ركب فلَان هَجَاجِ وهَجَاجَ: إِذا ركِبَ رأسَه؛ وَأنْشد:
وهم رَكِبُوا على لَوْمِي هَجَاجِ
وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شَمِر: رجل هَجَاجَةٌ؛ أَي: أَحمَق وَهُوَ الَّذِي يستهجَّ على الرَّأْي ثمَّ يركبه، غَوَى أم رشد. واستهجاجهُ أَن لَا يؤامرَ أحدا ويركب رأْيَهُ؛ وَأنْشد:
مَا كانَ روَّى فِي الأمورِ صَنِيعَة
أزمانَ يَرْكَبُ فيكَ أمْرَ هَجَاجِ
قَالَ شمر: وَالنَّاس هجاجَيْك ودَوَالَيْك: أَي: حَوَالَيْك. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَول شمِر: النَّاس هَجاجيك فِي معنى دَوَاليْك بَاطِل، وقولُه معنى دواليْك؛ أَي: حواليك كَذَلِك، بل دواليك فِي معنى المتَّدَاول، وحواليك تَثْنِيَة حَوَالِك، يُقَال: النَّاس حولَك وحَوْلَيْك وحَوَالِيكَ وحوالَيْكَ. قَالَ: وَأما ركبُوا فِي أَمرهم هَجَاجَهُم؛ أَي: رأْيَهم الَّذِي لم يُرَوُّوا فِيهِ، وهَجَاجَيْهِم تثنيته. قلت: أرى أَن أَبَا الْهَيْثَم نظر فِي خطّ بعض من كتب عَن شمر مَا لم يضْبطه وَالَّذِي يتَوَجَّه عِنْدِي أَن

(5/226)


شمراً قَالَ: هجاجَيْكَ مثل دوالَيْك وحوالَيْك؛ أَرَادَ أَنه مثله فِي التَّثْنِيَة، لَا فِي الْمَعْنى. وَقَالَ اللَّيْث: الهَجْهَجَةُ: حكايةُ صَوت الرجل إِذا صَاح بالأسد؛ وَأنْشد للبيد:
أَو ذِي زَوَائِدَ لَا يُطَافُ بِأَرْضِه
يَغْشَى المُهَجْهِجَ كالذَّنُوبِ المُرْسَلِ
يَعْنِي: الْأسد يغشى مُهَجْهِجاً بِهِ فينصبُّ عَلَيْهِ مسرعاً ويفترسه. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هَجْهَجْتُ بالسبْع وهوَّجت بِهِ؛ كِلَاهُمَا: إِذا صِحْتَ بِهِ. وَيُقَال للزّاجِرِ للأسد: مهجْهِجٌ وَمُجَهْجِهٌ. وَقَالَ اللَّيْث: فحلٌ هَجْهَاج: فِي حِكَايَة شدّة هديره، وَقَالَ: وهَجْهجْتُ بالجمل: إِذا زجرتَه، فَقلت: هِيجْ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
أَمْرَقْتُ من جَوْزِه أَعْنَاقَ ناجِيَةٍ
تَنْجُو إِذا قَالَ حادِيهَا لهَا: هِيجِي
قَالَ: إِذا حَكَوْا ضاعفوا هَجْهج، كَمَا يضاعفون الوَلْوَلَةَ من الوَيْل، فَيَقُولُونَ: ولْولَت الْمَرْأَة إِذا أكثرت من قَوْلهَا الوَيْل. وَقَالَ غَيره: هَجْ: زجرُ النَّاقة؛ قَالَ جندل:
فَرّجَ عَنْهَا حَلَقَ الرَّتَائِجِ
تَكَفُّحُ السَّمَائِم الأوَاجِجِ
وقِيلُ: عاجٍ، وأيا أَيَاهَجِ
فَكسر للقافية. وَإِذا حكيت، قلت: هَجْهَجْتُ بالناقة. وَقَالَ اللّحيانيّ: يُقَال للأسد وَالذِّئْب وَغَيرهمَا فِي التسكين: هجاجَيْك وهَجْهَجٌ وهَجْ هَجْ وهَجْهَج وهَجاً هجاً، وَإِن شِئْت قلتهَا مرّة وَاحِدَة؛ وَأنْشد:
سَفَرَتْ فقلتُ لَهَا: هَجٍ فَتَبَرْقَعَتْ
فذَكَرتُ حينَ تبَرْقَعَتْ ضَبَّارا
قَالَ: وَيُقَال فِي معنى هَجْ هَجْ: جَهْ جَهْ، على الْقلب. وَيُقَال: سَيْرٌ هَجَاجٌ: شَدِيد؛ وَقَالَ مُزاحم العُقيلي:
وتَحْتِي من بنَاتِ العِيدِ نِضْوٌ
أَضَرَّ بِنَيه سَيْرٌ هَجَاجُ
وَقَالَ اللحيانيّ يُقَال: مَاء هُجَهِجٌ: لَا عذْبٌ وَلَا مِلْحٌ، وَيُقَال: ماءٌ زُمَزِمٌ هُجَهِجٌ. وَأَرْض هَجْهَجٌ: جَدْبَةٌ، لَا نبت فِيهَا، والجميع هَجَاهِجُ؛ وَأنْشد:
فِي أَرض سَوْءٍ جَدْبَة هُجَاهج
جهّ: قَالَ اللَّيْث: جَهْ: حكايته المُجَهْجِه. والجَهْجَهَةُ: من صياح الْأَبْطَال فِي الْحَرْب، يُقَال: جَهْجَهُوا فحمَلُوا. وَقَالَ شمر: جهْجَهْتُ بالسبع وهَجْهَجْتُ، بِمَعْنى وَاحِد. عَمْرو عَن أَبِيه: جَهَّ فلَان فلَانا: إِذا ردّه. يُقَال: أَتَاهُ فجَهَّهُ وَأَوْأَبَهُ وأصْفَحَه؛ كلُّه: إِذا ردّهُ ردّاً قبيحاً. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُجُجُ: الغُدْرَانُ. وَيَوْم جُهْجُوهٍ: يَوْم لتميم؛ قَالَ مَالك بن نُوَيْرَة:
وَفِي يومِ جُهْجُوهٍ حمينا ذِمارَنا
بِعَقْرِ الصَّفَايا والجوادِ المُرَبَّبِ
وَذَلِكَ أَن عَوْف بن حَارِثَة بن سليط الْأَصَم ضرب خَطْم فرس مالكٍ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ مربوط بِفنَاء القُبَّة، فنشب فِي خَطْمه، فَقطع الرَّسَنَ، وجال فِي النَّاس، فَجعلُوا يَقُولُونَ: جُوه جُوه، فسمّي يَوْم جُهجُوهٍ.

(5/227)


قلت: والفُرْس إِذا استصْوبوا فعل إِنْسَان، قَالَ: جُوهْ جُوْه.

(بَاب الْهَاء والشين)
(هـ ش)
هشّ: قَالَ اللَّيْث: الهَشُّ من كل شَيْء فِيهِ رخاوة، يَقُول: هَشَّ الشَّيْء يَهَش هَشَاشَةً، فَهُوَ هَشٌّ هَشِيشٌ. وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: هَشِشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنا صَائِم، فسألتُ عَنهُ النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شمر: هَشِشْتُ؛ أَي: فَرِحْتُ واشتهيتُ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
أضحى ابنُ ذِي فائشٍ سَلاَمَةُ ذُو ال
تَفْضَالِ هَشّاً فُؤَادُه جَذِلاَ
قَالَ الْأَصْمَعِي: هَشّاً فؤادُه، أَي: خَفِيفا إِلَى الْخَيْر. قَالَ: وَرجل هَشٌّ إِلَى إخوانه.
والهُشاشُ والأشاش، وَاحِد. قَالَ: والهَشُّ: جَذْبُك الغُصْنَ من الشّجر إِلَيْك. أَبُو عَمْرو عَن الْأَصْمَعِي: هَشِشْتُ للمعروف أَهَشُّ هَشّاً وهَشَاشَةً: إِذا اشتهاه. وهَشَشْتُ أَهِشُّ هُشُوشةً: إِذا صرت خَوَّاراً ضَعِيفا، وَإنَّهُ لهش المكْسَرِ والمكْسِرِ: إِذا كَانَ سهلَ الشَّأْن فِي طلب الْحَاجة. وَقد هشَشْتُ أَهُشَّ هَشّاً: إِذا خبط الشَّجَرَ فَأَلْقَاهُ لِغَنَمِه. وَقَالَ الفرَّاء فِي قَوْله جلَّ وعزَّ: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى} (طاه: 18) أَي: أَضْرِبُ بهَا الشّجر اليابِس ليسقُطَ ورقُها فترعاه غنمه. قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه الْأَصْمَعِي والفرّاء فِي هشّ الشّجر بالعصا، لَا مَا قَالَه اللَّيْث أَنه جذبُ الغصْن من الشّجر إِلَيْك. وَقَالَ ابْن الأعرابّي: هَشّ العُودُ هُشُوشاً: إِذا تكسّر، وهشّ للشَّيءِ يَهَشُّ: إِذا سُرَّ بِهِ وفرِح. وفَرَسٌ هَشُّ العِنان: خفيفُ العِنان. وَقَالَ شمر: هَاشَ بِمَعْنى هَشَّ؛ وَقَالَ الرَّاعِي:
فَكَبَّر للرُّؤيا وهاشَ فُؤادُه
وبَشَّرَ نَفْساً كَانَ قَبْلُ يَلُومُها
قَالَ: هاشَ: طرب؛ أنْشد أَبُو الْهَيْثَم فِي صفة قِدْر:
وحَاطِبَانِ يَهُشَّانِ الهَشِيمَ لَهَا
وحَاطِبُ اللَّيلِ يَلْقَى دُونهَا عَنَنَا
يَهُشّان الهشيم: يكسرانه للقدر. وقِرْبَة هشّاشة: يسيل مَاؤُهَا لرقّتها، وَهِي ضد الوكيعة؛ وَأنْشد أَبُو عَمْرو لطلْق بن عدي:
كأَنَّ ماءَ عِطْفِه الجَيَّاشِ
ضَهْلُ شِنَانِ الحَوَرِ الهَشَّاشِ
الضهل: المَاء الْقَلِيل، والحور: الْأَدِيم. وفَرَسٌ هشٌّ: كثير العَرق، واستهشَّني أمرُ كَذَا فهشِشْتُ لَهُ؛ أَي: استخفّني فخففت لَهُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهشيش: الرجل الَّذِي يفرح إِذا سَأَلته، يُقَال: هُوَ هاشٌّ عِنْد السُّؤَال، وهشيش ورائح ومرتاح وأرْيحيّ. قَالَ أَبُو عمر: الْخَيل تُعلف عِنْد عَوَز العَلَفِ، هشيشَ السّمك. قَالَ: والهشيش لخيول أهلِ الأسيافِ خَاصَّة قَالَ: وَقَالَ النمر بن تَوْلَب:
والخَيْلُ فِي إطْعَامِها اللَّحْمَ ضَرَرْ
نُطعِمُها اللحمَ إِذا عَزَّ الشَّجَرْ

(5/228)


(1 بَاب الْهَاء وَالضَّاد)
(هـ ض)
هضّ: قَالَ اللَّيْث: الهضُّ: كَسْرٌ دونَ الهَد وفوقَ الرَّض، قَالَ: والهَضْهَضَةُ، كَذَلِك، إِلَّا أَنه فِي عَجلَةٍ، والهضُّ فِي مُهْلَةٍ. جعلُوا ذَلِك كالمدّ والترجيع فِي الْأَصْوَات. قَالَ: والهَضْهَاضُ: الْفَحْل الَّذِي يَهُضّ أَعْنَاق الفحول، تَقول: هُوَ يُهَضْهِضُ الأعْنَاقَ. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: هضَضْتُ الحجرَ وَغَيره أهُضُّهُ هَضّاً: إِذا كسرتَه ودقَقْته. وَقَالَ غَيره: يُقَال: جَاءَت الْإِبِل تَهُضُّ السّير هَضّاً: إِذا أسرعت. وَيُقَال: لشَدَّ مَا هضَّت السَّيْرَ؛ وَقَالَ رَكَّاضٌ الدُبَيْرِي:
جاءتْ تَهُضُّ المَشْيَ أيَّ هَض
يَدْفَعُ عَنْهَا بَعْضُها عَنْ بَعْضِ
قَالَ ابْن الأعرابيّ: يَقُول: هِيَ إبل غِزَارٌ فَيدْفَع ألبانُها عَنْهَا قطعَ رؤوسها؛ كَقَوْلِه:
حَتَّى فَدَى أعناقَهُنَّ المحْضُ
قَالَ: وهضَّضَ: إِذا دَقّ الأرضَ برجليه دقّاً شَدِيدا، وَقَالَ الأصمعيّ: الهَضَّاء: الْجَمَاعَة من النَّاس؛ وَقَالَ الطِرِمَّاح:
قد تَجَاوَزْتُها بِهَضَّاءَ كالجِنَّ
نَةِ يُخفُونَ بَعْضَ قَرْعِ الوِفَاضِ
وَقَالَ ابْن الْفرج: جَاءَ يهزّ الْمَشْي ويَهُضُّه: إِذا مَشى مشياً حسنا فِي تدافع 1) .

(بَاب الْهَاء وَالصَّاد)
(هـ ص)
صه، هص: (مستعملان) .
هصّ: قَالَ اللَّيْث: الهَصُّ: شدّة الْقَبْض والغمز. وَقَالَ غَيره: بَنو هِصَّان: قبيلةٌ من بني أبي بكرِ بن كلاب. وهُصَيْصٌ: اسْم رجل. وَقيل: الهَصّ: شدّة الْوَطْء. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: زخيخ النّار: بريقُها، وهَصِيصُها: تلأْلُؤُها، وَحكي عَن أبي ثرْوان أَنه قَالَ: ضِفْنَا فلَانا فلمّا طَعِمْنَا أتونا بالمقاطِر فِيهَا الجحيمُ يَهِصُّ زَخِيخُها، فأُلْقيَ عَلَيْهَا المندَلِيُّ. قَالَ: المقاطِرُ: المجامر، والجحيم: الْجَمْر، وزخيخه: بريقه، وهصيصه: تلألؤه. سَلمَة عَن الفرّاء: هصّص الرجلُ: إِذا برَّق عَيْنَيْهِ، والهُصَاهِصُ والقُصاقِصُ: الشَّديد من الأُسْد.
صه: قَالَ اللَّيْث: صَهْ: كلمة زجْرٍ للسكوت؛ وَأنْشد قَول ذِي الرُّمَّة:
إِذا قالَ حَادِيْنَا لِتَشْبِيهِ نَبْأَةٍ
صَهٍ لم يَكُنْ إلاَّ دَوِيُّ المَسَامِعِ
قَالَ: وكل شيءٍ من موقوفِ الزّجر فإنّ الْعَرَب تنوّنه مخفوضاً. وَمَا كَانَ غيرَ موقوفٍ فعلى حَرَكَة صرفه فِي الْوُجُوه كلهَا. ويضاعف صه، فَيُقَال: صَهْصَهْتُ بالقوم. ابْن السّكيت: يُقَال للرجل إِذا أسكتَّه: صهْ، فَإِن وصلتَ قلتَ: صهٍ صهٍ، وَكَذَلِكَ مَهْ؛ فَإِن وصلت قلت: مهٍ مهٍ،

(5/229)


وَكَذَلِكَ تَقول للشَّيْء إِذا رضِيته: بَخْ، فَإِن وصلت قلت: بَخٍ بَخٍ.

(بَاب الْهَاء وَالسِّين)
(هـ س)
هس، سه: (مستعملان) .
هسّ: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الهَسيسُ: المدقوق من كل شَيْء. والهَسُّ: زجر الْغنم. أَبُو عُبَيْدَة والأصمعي: هسهس ليلتَه كلَّها وقسقس: إِذا أدْأَب السّير. وَقَالَ اللَّيْث: الهَسَاهِسُ: الْكَلَام الخفيّ المُجمْجَمُ، وَسمعت هَسِيساً وَهُوَ الهمس، وَيُقَال: الهَساهِسُ: من حَدِيث النَّفس ووسوستها؛ وَأنْشد:
فَلَهُنَّ مِنْكَ هَسَاهِسُ وهُمومُ
وَقَالَ غَيره: الهَسْهَسَةُ: عامٌّ فِي كل شَيْء لَهُ صَوت خفِيّ كهسَاهِس الْإِبِل فِي سَيرهَا، وصوتِ الْحلِيّ؛ وَقَالَ الراجز:
لَبِسْنَ مِنْ حُر الثّيابِ مَلْبَسا
ومُذْهَبِ الحلْيِ إِذا تَهَسْهَسَا
وَقَالَ فِي هَسَاهِسِ أَخْفَاف الْإِبِل:
إِذا عَلَوْنَ الظَّهْرَ ذَا الضَّمَاضِمِ
هَسَاهِساً كالهد بالجَمَاجِمِ
فِي (النَّوَادِر) : الهساهس: الْمَشْي؛ بتنا نُهَسْهِس حَتَّى أَصْبَحْنا، وَسمعت من القومِ هَسَاهِسَ من نَجِيَ لم أفهمْها، وَكَذَلِكَ وساوسَ من قَوْل.
سه: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (العينان وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذا نامتا استَطْلَقَ الوِكاءُ) . أَبُو عبيد: السَّهُ: حَلْقَةُ الدبر؛ وَأنْشد:
شَأَتْكَ فُعَيْنٌ غثُّها وسمينها
وَأَنت السَّهُ السُّفْلَى إِذا دُعِيَتْ نَصْر
وَقَالَ آخر:
ادْعُ فعيْلاً باسمها لَا تَنْسَهْ
إِن فعيْلاً هِيَ صِئْبَانُ السَّهْ
قلت: والسَّهُ من الْحُرُوف النَّاقِصة.

(بَاب الْهَاء وَالزَّاي)
(هـ ز)
هز: الهزّ: تحريكك الشيْءَ، كَمَا تهزُّ القناةَ فتضطربُ وتهتزُّ. تَقول: هزَزْت فلَانا فاهتزّ للخير، واهتز النباتُ: إِذا طالَ، وهزّتْهُ الرِّيَاح، واهتزَّت الأرضُ: إِذا أنبتت. والهزيز فِي السّير: تحريكُ الْإِبِل فِي خفّتها. يُقَال: هزّها السيرُ وهزّها الْحَادِي؛ وَأنْشد:
إِذا مَا جَرى شَأْوَيْنِ وابْتَلَّ عِطْفُه
يقولُ: هَزِيزُ الريحِ مرَّتْ بأَثْأَبِ
قَالَ: والهَزْهَزَةُ والهزَاهِزُ: تَحْرِيك البلايا والحروب لِلنَّاس. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الهِزَّةُ من سير الْإِبِل: أَن يَهْتَز الموكب. قَالَ شمر: قَالَ النَّضر: يَهْتَز؛ أَي: يسْرع؛ وَأنْشد:
أَلا هَزِئَتْ بِنَا قُرَشِي
يَةٌ يَهْتَزُّ مَوْكِبُها
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اهتزّ الْعَرْش لموْتِ سعد بن مُعاذ) . روى الدارميّ عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ فِي قَوْله: (اهتزّ الْعَرْش) ؛ أَي: فَرح؛ وَأنْشد:
كَرِيْمٌ هُزّ فَاهْتزّ

(5/230)


أَي: فَرح. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بالعرش سَرِيره الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ سعدُ بن معَاذ حِين نقل إِلَى قَبره. وَقيل: هُوَ عرش الله ارْتَاحَ لروح سعد بن معَاذ حِين رُفع إِلَى السَّمَاء، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَقَالَ الله: {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (الحَجّ: 5) أَي: تحرّكت عِنْد وُقُوع المَاء بهَا للنبات، وربت؛ أَي: انتفخت وعلَتْ. وَقَالَ اللحياني: مَاء هُزَهِزٌ فِي اهتزازه: إِذا جرى؛ وَقَالَ الباهليّ فِي قَول الرّاجز:
فورَدَتْ مِثْلَ اليمَانِ الهَزْهَازْ
تَدْفَعُ عَنْ أَعْنَاقِها بالأَعْجَازْ
أَرَادَ إِبِلاً وَردت مَاء هَزْهَازاً كالسيف اليمانيّ فِي صِفَاته، وَقيل: الهزهاز: من نعت السَّيْف؛ أَي: وَردت مَاء صافياً كالسيف الْيَمَانِيّ فِي صفائه. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بِئْر هُزْهُزٌ: بعيدَة القعر؛ وَأنْشد:
وفَتَحتْ للعَرْدِ بِئْراً هُزْهُزَا
وَيُقَال: تهزْهَزَ إِلَيْهِ قلبِي؛ أَي: ارْتَاحَ وهشّ؛ وَقَالَ الرَّاعِي:
إِذا فَاطَنَتْنَا فِي الحَدِيث تَهَزْهَزَتْ
إِلَيْهَا قُلُوبٌ دُوْنَهُنَّ الجَوانحُ
وهِزَّانُ: قَبيلَة مَعْرُوفَة.

(بَاب الْهَاء والطاء)
(هـ ط)
هط، طه: (مستعملان) .
هطّ: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الهُطُطُ: الهلْكى من النَّاس. والأهطُّ: الْجمل الْكثير الْمَشْي، الصبورُ عَلَيْهِ؛ والناقة هَطَّاءُ.
طه: قَالَ اللَّيْث: الطَّهْطَاهُ: الْفرس الفتيُّ الرائع. قَالَ: وبلغنا فِي تَفْسِير طَهْ مجزومة أَنه بالحبشية يَا رجل. قَالَ وَمن قَرَأَ (طَاهَى) فهما حرفان من الهجاء. قَالَ: وبلغنا أَن مُوسَى لما سمع كَلَام الرَّب استفزّه الخوفُ حَتَّى قَامَ على أَصَابِع قَدميه خوفًا، فَقَالَ اللَّهُ (طَهْ) أَي: اطمئن. وَقَالَ الفرّاء: طَهْ: حرف هجاء. قَالَ: وَجَاء فِي التَّفْسِير: طه يَا رجل يَا إِنْسَان. قَالَ وحَدثني قيس عَن عَاصِم عَن زِرَ قَالَ: قَرَأَ رجل على ابْن مَسْعُود (طَهْ) فَقَالَ لَهُ عبد اللَّهِ (طِهِ) فَقَالَ الرجل أَلَيْسَ أُمِرَ أَنْ يَطَأَ قدمه؟ فَقَالَ لَهُ عبد اللَّهِ: هَكَذَا أقرأنِيها رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُرَّاء: وَكَانَ الْقُرَّاء يقطعهَا (طَ هَ) . وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن اليزيدي عَن أبي حَاتِم قَالَ: طَهَ: افتتاحُ سورةٍ ثمَّ استقبلَ الكلامَ فَقَالَ للنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ُمَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى} (طاه: 2) . وَقَالَ قَتَادَة: طَهَ، بالسُّرْيَانيَّة: يَا رجل. وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة: هِيَ بالنَّبَطِيّة: يَا رجل. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: نزلت بلغَة عَكّ يَا رجل. وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس: قلت: وَالْعَمَل على أَنَّهُمَا حرفا هجاء مثل {أَلَمْ} (البَقَرَة: 1) .

(بَاب الْهَاء وَالدَّال)
(هـ د)
هد، ده: مستعملان.
هدّ: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الهَدّ والهَدَّةِ) . قَالَ شمر: قَالَ أَحْمد بن غياث المروزيّ: الهَدَّةُ: الخُسوفُ، والهَدّ: الهَدْم. وَقَالَ

(5/231)


اللَّيْث: الهَدُّ: الهَدْمُ الشَّديد، كحائط يُهَدُّ بِمرَّة فَيَنْهَدِمُ، وَتقول هَدَّ فِي هَذَا الأمرِ، وهدّ رُكْنِي: إِذا بلغ مِنْهُ وكسَره. ورُوي عَن بَعضهم أَنه قَالَ: مَا هَدَّني موتُ أحدٍ مَا هدَّني موت الأقْران. وَقَالَ اللَّيْث: الهَدَّةُ: صَوت شَدِيد تسمعه من سُقُوط رُكْنٍ وناحية جَبَلٍ. قَالَ: والهادُّ: صوتٌ يسمعهُ أهل السواحل يَأْتِيهم من قبل الْبَحْر لَهُ دَوِيٌّ فِي الأَرْض، وَرُبمَا كَانَت لَهُ الزلزلة، ودَوِيُّه هَدِيدُه؛ وَأنْشد:
دَاعٍ شَدِيدُ الصّوتِ ذُو هَدِيْدِ
وَالْفِعْل مِنْهُ هدَّ يَهِدّ. ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَدُودُ: العَقَبَةُ الشاقَّة. والهَدِيدُ: الرجل الطويلُ. وَقَالَ اللَّيْث: الفَحْلُ يهَدْهِدُ فِي هديره؛ وَأنْشد:
يَتْبَعْنَ ذَا هَدَاهِدٍ عَجَنَّسا
والهُدْهُدُ، مَعْرُوف. وهَدْهَدَتُه: صَوته. قَالَ: والهُدَاهِدُ: طَائِر يشبه الْحمام؛ قَالَ الرَّاعِي:
كهُدَاهِدٍ كَسَرَ الرُّمَاةُ جَناحَه
يَدْعو بقارِعَةِ الطّريقِ هَدِيلاَ
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: يُهَدْهَدُ إليَّ كَذَا، ويُهَدَّى إليّ كَذَا، ويُسَوَّل إليّ كَذَا، ويُهَدَّى إليَّ كَذَا، ويسول إليَّ كَذَا، ويُهدَى لِي كَذَا، ويهوّل إليَّ كَذَا ولي، ويُوسوَس إليّ كَذَا، ويخيّل إليَّ ولي، ويُخَالُ لي كَذَا؛ تفسيرُه: إِذا شُبه للْإنْسَان فِي نَفسه بِالظَّنِّ مَا لم يُثْبِتْهُ وَلم يَعْقِد عَلَيْهِ التَّشْبِيه. والتهدُّد والتهديد والتَّهداد، من الْوَعيد. والهَدْهَدَةُ: تَحْرِيك الأُمّ ولدَها لينام. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (جَاءَ شيطانٌ فَحمل بِلَالًا، فَجعل يُهَدْهِدُه، كَمَا يهدهَدُ الصبيُّ) ، وَذَلِكَ حِين نَام عَن إيقاظه القومَ للصَّلَاة. وَقَالَ الأصمعيّ: هدّ البناءَ يَهُدُّه هَدّاً: إِذا كَسره وضعضعه. قَالَ: وَسمعت هادّاً؛ أَي: سَمِعت هَدَّةَ صَوْتٍ. قَالَ: وَسمعت هَدْهَدَةَ الفحلِ: وَهُوَ هَدِيرهُ. وَسمعت هَدْهَدَةَ الحمامِ: إِذا سَمِعْتَ دويّ هديرِه. وَيُقَال: لَهَدَّ الرجلُ: إِذا أُثْنِيَ عَلَيْهِ بالجَلَدِ والشدَّة. قَالَ: وَيَقُول الرجل للرجل إِذا أوعده: إنّي لَغَير هَدٍ؛ أَي: لغير ضَعِيف. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الهَدّ من الرِّجَال: الضعيفُ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الهَدُّ، بِفَتْح الْهَاء: الرجل القويّ، وأَبَى مَا قَالَه الأصمعيّ، قَالَ: وَإِذا أردْت ذمّه بالضعف قلت: الهِدّ، بِالْكَسْرِ. وَقَالَ العجّاج:
سَبْياً ونُعْمَى من إِلاهٍ ذِي دِرَرْ
لَا عَصْفَ جَارٍ هَدَّ جَارُ المُعْتَصَرْ
قَوْله: عصفَ جارٍ؛ أَي: لَيْسَ هُوَ من كَسْبِ جارٍ، إِنَّمَا هُوَ من الله جلّ وعزّ، ثمَّ قَالَ: هَدَّ جارُ المعتصر؛ كَقَوْلِك: هَدَّ الرجل جَلُدَ الرجل جَارُ المعتصر، أَي: نِعْم جارُ الملجأ. وَقَالَ شمر: يُقَال رجل هَدٌّ وهُدَادَةٌ، وَقوم هَدَادٌ؛ أَي: جبناء، وَأنْشد قَول أُميَّة:
فأدْخَله على رَبذٍ يَدَاهُ
بِفِعْلِ الخَيْرِ لَيْسَ مِن الهَدَادِ
وَقَالَ شمر: فَإِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل هَدَّكَ من رجلٍ، فَهُوَ بِمَعْنى حَسبك، وَهُوَ مدح. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل مهلا هَدَادَيْك.

(5/232)


وَقَالَ اللحياني، قَالَ الْكسَائي فِي قَول الرَّاعِي:
كهُدَاهِدٍ كَسَرَ الرّماةُ جناحَهُ
أَرَادَ بهُدَاهد: تَصْغِير هُدْهُد. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الهُداهِدُ: الفاختة والورَشانُ والدُّبْسِيّ والهدهد. قَالَ: وَلَا أعرفهُ تصغيراً، إِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِي كلّ مَا هَدَل وهدَرَ. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الهَديد والغَدِيدُ: الصَّوْت. وَقَالَ غَيره: استهدَدْتُ فلَانا؛ أَي: استضعفتُه؛ وَقَالَ عديّ بن زيد:
لم أطلُبِ الخُطَّةَ النّبيلَةَ بالْ
قُوّةِ، إِذْ يُسْتَهدَّ طَالِبُها
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للوعيد من وراءُ وراءُ: الفديدُ والهديدُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: اخْتلفُوا فِي الهَدّ، فَقَالَ الأصمعيّ: هُوَ الجبان الضَّعِيف. وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي: الهَدُّ: الرجل الْجواد الْكَرِيم؛ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ولي صاحبٌ فِي الغارِ هَدَّكَ صاحبَا
قَالَ: هدَّك صاحباً؛ أَي: مَا أَجلَّه مَا أنبَلَهُ مَا أَعْلَمَه، يصف ذئْباً. قَالَ: والهِدّ: الجبان الضَّعِيف، وَأنْشد:
لَيْسُوا بِهِدينَ فِي الحروبِ إِذا
تُعْقَدُ فوقَ الحَرَاقِفِ النُطُقُ
دَه: قَالَ اللَّيْث: دَهْ: كلمة كَانَت الْعَرَب تَتَكَلَّم بهَا، يرى الرجل تأمرَه فَيَقُول لَهُ: يَا فلَان: إلاّ دَهْ فَلَا دَهْ؛ أَي: إِنَّك إِن لم تثأر بفلان الْآن لم تثأر بِهِ أبدا، قَالَ: وَأما قَول رؤبة:
وقُوَّلٌ: إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
يُقَال إِنَّهَا فارسية حكى قَوْلَ ظِئْرِه. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب طَالب الْحَاجة يَسألُها فَيُمْنَعُها فيطلبُ غيرهَا. وَمن أمثالهم فِي هَذَا: (إلاَّ دَهٍ فَلاَ دَهٍ) ، قَالَ: يُضرب للرجل، يَقُول: أُرِيد كَذَا وَكَذَا، فَإِن قيل لَهُ: لَيْسَ يُمكن ذَاك، قَالَ: فَكَذَا وَكَذَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة بعض هَذَا الْكَلَام وَلَيْسَ كلُّه عَنهُ. قَالَ: وَكَانَ ابنُ الكلْبيّ يخبر عَن بعض الكهَّان: أَنه تنافر إِلَيْهِ رجلَانِ، فَقَالُوا، أخْبِرْنَا فِي أَي شَيْء جئْنَاك؟ فَقَالَ: فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا: إلاّ دَهٍ؛ انْظُر غير هَذَا النّظر، فَقَالَ: إلاّ دَهٍ فَلا دَهٍ، ثمَّ أخْبرهُم بهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد، وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي بيتِ رؤبة:
وقُوَّلٌ إلاّ دَهٍ فَلاَ دَهِ
إِن لم يكن هَذَا فَلَا يكون ذَاك، وَلَا أَدْرِي مَا أَصله؟ وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم فِيمَا أكتب ابنَه قَالَ: وَيُقَال إلاّ دَهٍ فَلَا دهٍ، يَقُول: لَا أَقْبَلُ وَاحِدَة من الخَصْلتين اللَّتَيْنِ تَعرِضُ. قَالَ: وَفِي كتاب (الْأَمْثَال) للأصمعي: (إلاّ دَهٍ فَلَا دَهٍ) ، يُرادُ بِهِ إِن لم يكن هَذَا الْآن فَلَا يكون. وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول إلاَّ دَهٍ فَلَا دَهٍ يَا هَذَا، وَذَلِكَ أَن يُوتَر الرجلُ فَيلقى واتِرَه فَيَقُول لَهُ بعضُ الْقَوْم: إِن لم تضربْه الْآن فإنّك لَا تضربُه. قلت: وَقَول أبي زيد هَذَا يدلّ على أَن (دَهٍ) فارسية مَعْنَاهَا الضَّرْب، تَقول للرجل إِذا أَمرته بِالضَّرْبِ: (دِه) ، رَأَيْته فِي كِتَابه، بِكَسْر الدَّال. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ نَحوا من قَول

(5/233)


أبي زيد، قَالَ: وَالْعرب تَقول إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، يُقَال للرجل الَّذِي قد أشرف على قَضَاء حَاجته من غَرِيم لَهُ أَو من ثَأْره أَو من إكرام صديق لَهُ: إلاّ دَهٍ فَلَا دَهٍ، أَي: إِن لم تغتنم الفُرصةَ الساعةَ فلست تصادفها أبدا، وَمثله: (بادِرِ الفُرْصة قبل أَن تكون غُصّة) . أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب الْبَاطِل وأسمائِه: دُهْ دِرّينْ سعدَ القيْن. قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدهم الْبَاطِل، وَلَا أَدْرِي مَا أَصله قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد: وأمَّا أَبُو زِيَاد فَإِنَّهُ قَالَ لي يُقَال: دُهْ دُرَّيْه، بِالْهَاءِ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: وجدت بِخَط أبي الْهَيْثَم دُهْ دُرَّيْن سعدَ الْقَيْن، دُه مَضْمُومَة الدَّال، سعد مَنْصُوب الدَّال، والقين غير معربٍ، كَأَنَّهُ مَوْقُوف. ورُوي عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: الدُّهدُر والدهْدُن: الْبَاطِل، وكأنهما كلمتان جُعلَتا وَاحِدَة. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: قَوْلهم: دُهْ دُرْ، معرّب، وَأَصله دُه؛ أَي: عشرَة دُرّين أَو دُرّ؛ أَي: عشرَة ألوان فِي وَاحِد أَو اثْنَيْنِ. قلت: وَقد حكيت فِي هذَيْن المثلين أَعنِي (إلاّ دَهْ فَلَا دَهْ) . وَقَوْلهمْ: (دَهْ دُرّين) مَا سمعته وحفظته لأهل اللُّغَة، وَلم أجدْ لَهما فِي الْعَرَبيَّة أَو العجمية إِلَى هَذِه الْغَايَة أصلا معتَمداً إِلَّا مَا ذكرتُ لأبي زيدِ وَابْن الأعرابيّ، وَلست على يَقِين ممَّا قَالَا. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: الدَّهْداه: صغَار الْإِبِل؛ وأنشدنا:
قد رَوِيَتْ إِلَّا دُهيد هينا
قُلَيصَاتٍ وأُبَيْكِرِينا
قَالَ شمر: وَسمعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: رَأيت أخي فِي الْمَنَام، فَقلت لَهُ كَيفَ رَأَيْت الْآخِرَة؟ فَقَالَ كالدَّهْدَاهِ فِي الزحام. وَقَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّهداه، لَا وَاحِد لَهُ، قَالَ: والدُّهَيْدِهين: صغَار الْإِبِل. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا كثُر الْإِبِل فَهِيَ الدَّهْدَهَانُ؛ وَأنْشد:
لَنِعْمَ ساقي الدَّهْدَهَانِ ذِي العَدَدْ
وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْل: الدهداه: الْكثير من الْإِبِل، جِلَّةً كَانَت أَو حَوَاشِي؛ وَقَالَ الرّاجز:
إِذا الأُمورُ اصْطَكَّتِ الدّوَاهي
مَارَسْنَ ذَا عَقْبٍ وَذَا بُدَاهِ
يَذودُ يومَ النَّهَلِ الدَّهْدَاهِ
أَي: النهل الْكثير. شمر: دهْدَهْتُ الْحِجَارَة، ودهديتها: إِذا دحرجتَها فَتَدَهْدَهَ وَتَدَهْدَى؛ وَقَالَ رؤبة:
دَهْدَهْنَ جَوْلاَنَ الحَصَى المُدَهْدَهِ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: دُه: زجر للابل، يُقَال لَهَا فِي زجرها دُه دُه. وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهْدَهَةُ: قذفُك الْحِجَارَة من أَعلَى إِلَى أَسْفَل دحرجةً؛ وَأنْشد:
يُدَهْدِهْنَ الرُّؤُوسَ كَمَا تُدَهْدِي
حَزَاوِرَةٌ بِأَبْطُحِها الكُرِينَا
قَالَ: حوّل الْهَاء الْآخِرَة يَاء لقرب شبهها بِالْهَاءِ، أَلا ترى أَن الْيَاء مَدَّة، وَالْهَاء نَفَس. وَمن هُنَالك صَار مجْرى الْيَاء وَالْوَاو وَالْألف وَالْهَاء فِي رُوِيَ الشّعْر شَيْئا وَاحِدًا، نَحْو قَوْله:
لِمَنْ طَلَلٌ كالوَحْي عَافٍ مَنَازِلُهُ
فَاللَّام، هُوَ الروي، وَالْهَاء وصل للروي، كَمَا أَنَّهَا لَو لم تكن لمُدّت اللاّم حَتَّى

(5/234)


تخرج من مَدَّتها وَاو أَو ياءٌ أَو ألفٌ للوصل، نَحْو: منازِلي منازِلا منازِلُو.

(بَاب الْهَاء وَالتَّاء)
(هـ ت)
هت، ته: (مستعملان) .
هتّ: قَالَ اللَّيْث: الهتُّ: شبه الْعَصْر للصوت، وَيُقَال للبَكْرِ: يَهِتُّ هَتِيتاً، ثمَّ يكِشُّ كشيشاً، ثمَّ يَهدِرُ: إِذا بَزَل هديراً. وَيُقَال: للهمز صَوْتٌ مَهْتُوتٌ فِي أقْصَى الْحلق، فَإِذا رُفهَ عَن الْهَمْز صَار نَفَساً تحوّل إِلَى مخرج الْهَاء، وَلذَلِك استخفت الْعَرَب إِدْخَال الْهَاء على الْألف المقطوعة، يُقَال: أَرَاق وهَرَاق وأيْهاتَ وهَيْهَات، وَأَشْبَاه ذَلِك كثير. وَتقول: يَهُتُّ الإنسانُ الهمْزَةَ هتّاً: إِذا تكلّم بِالْهَمْز. قَالَ: والهتهتة، أَيْضا تُقال فِي معنى الهَتِيت. قَالَ: والهتهتة والتهتهة، فِي التواء اللِّسَان عِنْد الْكَلَام. وَقَالَ الْحسن البصريُّ فِي كَلَام لَهُ: واللَّهِ مَا كَانُوا بالهتَّاتين وَلَكنهُمْ كَانُوا يجمعُونَ الْكَلَام ليُعْقَلَ عَنْهُم. يُقَال: رجل مِهَتٌّ وهَتَّاتٌ: إِذا كَانَ مِهْذَاراً كثيرَ الْكَلَام. وَيُقَال فلَان يهُتُّ الحَدِيث هَتّاً: إِذا سرده وَتَابعه. والسحابة تهُتُّ الْمَطَر: إِذا تابعت صبَّه، وَالْمَرْأَة تهُتُّ الْغَزل: إِذا تابعت؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
سُقْيَا مُجَلَّلَة يَنْهَلُّ رَيقُها
مِنْ بَاكِرٍ مُرْثَعِنَّ الوَدْقِ مَهْتُوتِ
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَوْلهم أسْرع من المُهَتْهِتة، قَالَ: يُقَال: هتّ فِي كَلَامه وهتْهَتَ: إِذا أسْرع، وَمن أمثالهم: (إِذا وقَفْتَ العير على الرّدْهة فَلَا تقل لَهُ: هَتْ) ، وَبَعْضهمْ يَقُول: فَلَا تُهَتْهِتْ بِهِ، قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الهتْهَتَةُ: أَن تَزْجُرَهُ عِنْد الشُّرب؛ قَالَ: وَمعنى الْمثل: إِذا أَرَيْتَ الرجل رُشْده، فَلَا تُلِحّ عَلَيْهِ، فإنّ الإلحاحَ فِي النَّصِيحَة يهجِم بك على الظنَّة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهتُّ: تمزيق الثَّوْب والعِرض. والهت: حطُّ الْمرتبَة فِي الْإِكْرَام. والهتُّ: كسر الشَّيْء حَتَّى يصير رَفَاتاً. والهتُّ: الصبُّ؛ هَتَّ المزَادة وَبَعَّها: إِذا صَبَّها.
ته: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: التَّهَاتِهُ: التُّرَّهَات، وَهِي الأباطيل؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلم يَكُنْ مَا اجتنَيْنَا من مَوَاعِدِها
إِلَّا التَّهَاتِهَ والأُمْنِيَّةَ السَّقَما
وتَهْتَهَ فلانٌ: إِذا ردّد فِي الْبَاطِل؛ وَمِنْه قَول رؤبة:
فِي غائِلات الحائِر المُتَهْتِهِ
وَقَالَ شمر: المُتهته: الَّذِي رُددَ فِي الْبَاطِل. وتُهْ تُهْ: زجر للبعير، وَدُعَاء لِلْكلْب؛ وَمِنْه قَوْله:
عَجِبْتُ لهَذِهِ نَفَرَتْ بَعِيري
وأصبحَ كَلْبُنا فَرِحاً يَجُولُ
يُحَاذِرُ شَرَّها جَمَلِي وكَلْبِي
يُرَجي خَيْرَها، مَاذَا تَقُولُ؟
يَعْنِي بقوله (هَذِه) ، أَي لهَذِهِ الْكَلِمَة، وَهِي: تُه تُه زجر للبعير، وَهِي دُعَاء الْكَلْب.

(5/235)


هـ ظ: مهمل
هـ ذ اسْتعْمل من وجهيه: (هذّ) .
هذّ: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هذّه بِالسَّيْفِ هذّاً: إِذا قطعه. قَالَ: والهَذُّ: سرعَة القَطْع، وسرعةُ الْقِرَاءَة؛ وَأنْشد:
كَهَذ الأَشَاءَةِ بالمِخْلَبِ
ابْن السّكيت: هذّه وهَذَأَهُ: إِذا قطعه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إزميلٌ هَذٌّ هَذُودٌ؛ أَي: حادٌّ. قَالَ وَيُقَال: حَجَازَيْكَ وهَذَاذَيْكَ. قَالَ: وَهِي حُرُوف خِلْقَتُها التَّثْنِيَة لَا تُغَيَّر. وحَجَازَيْك: أَمَرَه أَن يَحْجزَ بَينهم، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ كُفَّ نفْسَك. قَالَ: وهَذَا ذَيْك يأمُرُه أَن يقطَع أمرَ الْقَوْم. وَقَالَ غيرُه: هَذَا ذَيْك: أَمَرَه أَن يهذّهم بِالسَّيْفِ هَذّاً بعد هَذَ؛ وَأنْشد:
ضَرْباً هَذَاذَيْكَ وطَعْناً وَخْضاً

(بَاب الْهَاء والثاء)
(هـ ث)
هثّ: قَالَ اللَّيْث: الهَثْهَثَةُ: انتخال الثَّلْج والبَرَد وعِظَام القَطْرِ فِي سرعَة. يُقَال: هَثْهَثَ السحابُ بِمَطَرٍ؛ وَأنْشد:
مِنْ كُل جَوْنٍ مُسْبِلٍ مُهَثْهِثِ
قَالَ: والهَثْهَثَة: حِكَايَة بعض كَلَام الألْثغ. قَالَ: وَيُقَال للوالي إِذا ظلم: قد هَثْهَثَ؛ وَقَالَ العجَّاج:
وأُمَراءُ أَفْسَدُوا فَعَاثُوا
وَهَثْهَثُوا فَكَثُرَ الهَثْهَاثُ
وَيُقَال للراعية إِذا وَطِئَت المَرْعى من الرُطْب حَتَّى يُؤْبَى: قد هَثْهَثَتْه؛ وَأنْشد الأصمعيّ:
أَنْشَدَ ضَأْناً أَمْجَرَتْ غِثَاثَا
فَهَثْهَثَتْ بَقْل الحِمَى هَثْهَاثَا
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الهَثُّ: الْكَذِب، وَرجل هثَّاثٌ وهَثْهَاثٌ: إِذا كَانَ كذبه سُمَاقاً. وَقَالَ الأصمعيّ: الهَثْهَثَةُ والمَثْمَثَةُ: التَّخْلِيط، يُقَال أَخذه فَمَثْمَثَهُ: إِذا حرّكه، وَأَقْبل بِهِ وأَدْبَر. ومَثْمَثَ أَمْرَه وهثهثه؛ أَي: خَلَطَه؛ وَقَالَ الرّاجز:
وَلم يَحُلَّ العَمِسَ الهَثْهَاثَا

(بَاب الْهَاء وَالرَّاء)
(هـ ر)
هر، ره: (مستعملان) .
هَرّ: قَالَ اللَّيْث: الهِرَّةُ: السنَّوْرَةُ، والهِرُّ: الذَّكَرُ. قَالَ: وَيجمع الهِرُّ هِرَرَةً، وَتجمع الهِرة هِرَاراً. والهَرِيرُ: دُونَ النُّبَاح، تَقول: هَرَّ إِلَيْهِ، وهرَّه. وَبِه يشبَّهُ نظر الكُمَاةِ بعضِهم إِلَى بعضٍ، وَفُلَان هرّهُ النَّاس؛ أَي: كَرِهُوا ناحيته؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَرَى النَّاسَ هَرُّونِي وشُهرَ مَدْخَلِي
فَفِي كُل مَمْشىً أَرْصَدَ النَّاسُ عَقْرَبَا
وهرَّ الشوكُ هرَّاً: إِذا اشْتَدَّ يُبْسُه؛ وَأنْشد:
رَعَيْنَ الشبْرِقَ الرّيَّانَ حَتَّى
إِذا مَا هَرَّ وامتَنَعَ المَذَاقَا
قَالَ: والهُرهُور: الْكثير من المَاء وَاللَّبن إِذا حَلَبْتَ سَمِعت لَهُ هَرْهَرَةً؛ وَأنْشد:
سَلْمٌ تَرَى الدَّالِي مِنْهُ أَزْوَرَا
إِذا يَعُبُّ فِي السَّرِي هَرْهَرَا
قَالَ: والهَرْهَرَةُ والغرغرة، يُحكى بِهِ بعض أصوات الْهِنْد والميد، وهم جنس من

(5/236)


السودَان، عِنْد الْحَرْب. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: فلَان مَا يعرف هِرّاً من بِرَ. قَالَ خَالِد: الهِرّ: السنَّوْر، والبِرّ: الجُرَذُ. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: لَا يعرف هارّاً من بارّاً لَو كتبت لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَا يعرف الهرهرة من البَرْبَرة، والهرهرة: صَوت الضَّأْن، والبربرة: صَوت المِعْزَى. وَقَالَ الْفَزارِيّ: البِرُّ: اللطف، والهِرُّ: العقُوق، وَهُوَ من الهرير. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَرَّ بِسَلْحِه، وهَكَّ بسَلْحِه: إِذا رمى بِهِ، وَبِه هُرَارٌ: إِذا اسْتطْلقَ بطْنهُ حَتَّى يَمُوت. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي والأموي: من أَدْوَاءِ الْإِبِل الهُرارُ، وَهُوَ استطلاق بطونها. وَقَالَ يُونُس: الهِرُّ: سَوْقُ الغَنَم، والبِرُّ: دُعَاء الْغنم. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهِرُّ: دُعَاء الْغنم إِلَى الْعلف، والبرُّ: دعاؤها إِلَى المَاء. أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: هرهرْتُ بالغنم: إِذا دعوتَها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البِرُّ: الْإِكْرَام، والهِرُّ: الْخُصُومَة. قَالَ: وَيُقَال للكانُونَيْن: هما الهَرّارَانِ، وهما شيْبَانُ ومِلْحَانُ. أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: الهُرور والهُرْهُور: مَا تساقط من الحَبّ فِي أَصل الْكَرم. قَالَ: وَقَالَ أَعْرَابِي: مَرَرْت على جَفْنَة وَقد تحرّكتْ سُرُوغُها بقطوفها، فَسَقَطت أَهْرَارُها فأكلْتُ هُرْهُورةً، فَمَا وقعتْ وَلَا طارتْ. قَالَ الأصمعيّ: الجفْنةُ: الكَرْمَةُ، والسُّروغُ: قضبان الْكَرم، واحدُه سَرْغٌ، رَوَاهُ بِالْعينِ، والقطوف: العناقيد. قَالَ: وَيُقَال لما لَا ينفع مَا وَقَع وَلَا طارَ. ابْن السّكيت: يُقَال للناقة الهَرِمة: هِرْهِرٌ، وَقَالَ النَّضر: الهِرْهِرُ: النَّاقة الَّتِي تلفظ رَحمهَا الماءَ من الكِبَر فَلَا تَلْقَح، والجميع الهَرَاهِرُ، وَقَالَ غَيره: هِيَ الهِرْشَفَّة والهِرْدَشة أَيْضا. وَقَالَ الفرّاء: هَرّ الكلبُ يَهِرُّ، وهَرَرْتُه؛ أَي: كرِهْتُه، أَهُرُّه وأَهِرّه، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَجِدُ فِي وَجهه هَرّةً وهَرِيرَةً؛ أَي: كراهِيَةً. وَيُقَال مَرْمَرَهُ وهَرْهَرَه: إِذا حرّكه. وَقَالَ شمر: من أَسمَاء الحيّات القُزَّةُ والهِرْهِيرُ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هرّ يَهَرّ: إِذا سَاءَ خُلُقه، وهرّ يَهر: إِذا أكل الهَرُور، وَهُوَ مَا يتساقط من حَبّ الكرْم. وهَرْهَرَ: إِذا تَعَدَّى.
ره: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَهْرَهَ مائدتَه: إِذا وسّعها سخاءً وكرماً. والرَّهَّة: الطست الْكَبِيرَة. والسراب يتَرهْرَهُ ويترَيَّهُ: إِذا تتَابع لمعانُه. وَقَالَ اللَّيْث: الرَّهْرَهَةُ: حُسْن بصيص لون الْبشرَة، وَأَشْبَاه ذَلِك. وطَسْتٌ رَحْرَحٌ ورَهْرَهَةٌ ورَحْرَاحٌ ورَهْرَاءٌ: إِذا كَانَ وَاسعاً قريب القعر.

(بَاب الْهَاء وَاللَّام)
(هـ ل)
هَل، لَهُ، (لهله) (مستعملة) .
هَلْ، لَهُ: قَالَ ابْن السّكيت: إِذا قيل لَك: هَلْ لَكَ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قلتَ: لي فِيهِ، وإنّ لي فِيهِ، وَمَا لي فِيهِ. وَلَا تقل: إِن لي فِيهِ هلاًّ. والتأويل: هَل لَك فِيهِ حاجةٌ، فحذفت الحاجةُ لمَّا عُرفَ الْمَعْنى، وحَذَف الرادُّ ذِكر الْحَاجة، كَمَا حذفهَا السَّائِل. وَقَالَ اللَّيْث: هَلْ خَفِيفَة: استفهامٌ.

(5/237)


وَتقول: هَل كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ وَهل لَك فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: وَقَول زُهَيْر:
أَهَلْ أَنْتَ وَاصِلُه
اضطرار، لِأَن هَل حرف اسْتِفْهَام، وَكَذَلِكَ الْألف، وَلَا يستفهَم بحرفي اسْتِفْهَام. وَقَالَ الْخَلِيل لأبي الدُّقَيْش: هلْ لكَ فِي الرُّطَبِ؟ قَالَ: أَشَدُّ هَلْ وأوْحَاه، فخفَّف، وَبَعض يَقُول: أشدُّ الهلّ وأوحاه بتثقيل. وَيَقُول: كل حرف أداةٍ إِذا جعلت فِيهِ ألفا ولاماً صَار اسْما فقوّي وثُقل، كَقَوْل الشَّاعِر:
إِن لَيْتًا وإنَّ لَوَّا عَنَاءُ
قَالَ الْخَلِيل: إِذا جَاءَت الْحُرُوف الليّنة فِي كلمة نَحْو لَوْ وأشبها وأشباهها ثُقلت، لِأَن الْحَرْف اللين خَوَّارٌ أجوف، لَا بُد لَهُ من حَشْوٍ يُقَوَّى بِهِ إِذا جُعِل اسْما. قَالَ: والحروف الصِّحَاح القوية مستغنيةٌ بِجُرُوسها لَا تحْتَاج إِلَى حشوٍ فَتتْرك على حَالهَا.
سَلمَة عَن الفرّاء (هَل) قد تكون جَحْداً وَتَكون خَبراً. قَالَ: وَقَول الله: {} (الإنسَان: 1) من الخَبَر، مَعْنَاهُ: قَدْ أَتَى على الْإِنْسَان حِينٌ من الدَّهْر. قَالَ: والجَحْدُ أَن تَقول: هَل زلت تَقوله، بِمَعْنى مَا زلت تَقوله. قَالَ: فيستعملون هَل، تَأتي استفهاماً، وَهُوَ بَابهَا، وَتَأْتِي جحداً مثل قَوْله. وهَلْ يقدر أحدٌ على مثل هَذَا. قَالَ: وَمن الْخَبَر قَوْلك للرجل: هَلْ وَعَظْتُك؟ هَل أعطيْتُك؟ تُقَرره بأنّك قد وعَظْتَه وأعطيْتَه. حُكِيَ عَن الكسائيّ أَنه قَالَ: تَقول: هَلْ زِلْتَ تَقوله، بِمَعْنى مَا زِلْتَ تَقوله، قَالَ: فيستعملون هَلْ بِمَعْنى مَا. قَالَ: وَيُقَال: مَتى زِلْتَ تَقول ذَلِك وَكَيف زلت؛ وَأنْشد:
وهَلْ زِلْتُم تَأوِي العَشِيرَةُ فيكُم
وتُنْبِتُ فِي أكنافِ أبْلَح خِضْرِمِ
وَقَالَ الفرّاء: وَقَالَ الْكسَائي: هلْ تَأتي استفهاماً، وَهُوَ بَابُها، وَتَأْتِي جَحْداً، مثل قَوْله:
أَلاَ هَلْ أَخُو عَيْشٍ لذيذٍ بدائم
مَعْنَاهُ: أَلا مَا أَخُو عَيْشٍ. قَالَ: وَتَأْتِي شَرْطاً، وَتَأْتِي بِمَعْنى قد، وَتَأْتِي توبيخاً، وَتَأْتِي أمْراً، وَتَأْتِي تَنْبِيها، وَقَالَ: فَإِذا زِدْتَ فِيهَا ألفا كَانَت بِمَعْنى التسكين. وَهُوَ معنى قَوْله (إِذا ذُكِرَ الصالِحُون فحي هَلاَ بِعُمَرَ) قَالَ: معنى حيّ أسرِعْ بِذكرِهِ، وَمعنى هلا؛ أَي: اسْكُنْ عِنْد ذكره حَتَّى تَنْقَضِي فضائله؛ وَأنْشد:
وأَيّ حَصَانٍ لَا يُقَالُ لَهَا هَلا
أَي: اسكني للزَّوْج؛ قَالَ: فإِن شدَّدْتَ لامها، فَقلت: هلاَّ، صَارَت بِمَعْنى اللَّوْم والحضّ، فاللَّوْمُ: على مَا مضى من الزَّمَان، والحضُّ: على مَا يَأْتِي من الزَّمَان، وَمن الْأَمر قَوْله جلَّ وعزَّ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} (الْمَائِدَة: 91) وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: حَيَّ هَلْ؛ أَي: أَقْبِلْ إليّ، وَرُبمَا حذف حيّ فَقيل: هَلاَ إليّ. وَقَالَ الزّجّاج: إِذا جعلنَا معنى {} (الْإِنْسَان: 1) قد أَتَى على الْإِنْسَان، فَهُوَ بِمَعْنى ألَمْ يأتِ على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر. أَخْبرنِي المنذريّ عَن فهمٍ عَن ابْن سَلام قَالَ: سَأَلت سيبويهِ

(5/238)


عَن قَوْله: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} (يُونس: 98) على أَي شيءٍ نُصِبَ؟ قَالَ: إِذا كَانَ معنى إِلَّا لَكِن نُصِبَ. وَقَالَ الفرّاء فِي قِرَاءَة أُبيّ (فهلاّ) وَفِي مصحفنا (فلولا) . قَالَ: وَمَعْنَاهَا أَنهم لم يُؤمنُوا ثمَّ اسْتثْنى قومَ يُونُس بِالنّصب على الِانْقِطَاع بِمَا قبله. كَأَن قومَ يُونُس كَانُوا منقطعين من قومِ غيرهِ. وَقَالَ الفرَّاء أيْضاً: لَوْلَا إِذا كَانَت مَعَ الْأَسْمَاء، فَهِيَ شرطٌ، وَإِذا كَانَت مَعَ الْأَفْعَال، فَهِيَ بِمَعْنى هلاَّ، لَوْمٌ على مَا مضى وتحضيض لِمَا يأْتِي. وَقَالَ الزّجّاج فِي قَوْله: {رَبِّ لَوْلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَخَّرْتَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَى أَجَلٍ} (المنَافِقون: 10) مَعْنَاهُ هلاّ.
قَالَ اللَّيْث: تَقول: هَلّ السحابُ بالمطر وانهلّ بالمطر انْهِلالاً؛ وَهُوَ شدَّة انصبابه، ويتهلَّلُ السحابُ ببَرْقه؛ أَي: يتَلأْلأُ، ويتهلّل الرجل فَرَحاً؛ وَقَالَ زُهَيْر:
تَرَاهُ إِذا مَا جِئْتَهُ مُتَهَللاً
كأَنَّكَ تُعطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهْ
قَالَ: والهَلِيلَةُ: الأَرْض الَّتِي استُهِلّ بهَا الْمَطَر، وَمَا حواليها غيرُ مَمْطُور، قَالَ: والهِلال: غُرَّةُ الْقَمَر حِين يُهِلُّه النَّاس فِي أول الشَّهْر. تَقول: أُهِلَّ القَمَرُ. وَلَا يُقَال: أُهِلَّ الهلالُ. قلت: هَذَا غلط. وَكَلَام الْعَرَب: أُهِلَّ الهِلالُ. وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: أُهِلَّ الْهلَال واستُهِلّ، لَا غيرُ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَهَلَّ الهلالُ واسْتَهَلَّ وأهلّ الصبيُّ واستَهَلَّ. وَقَالَ: الشهرُ الهلالُ بِعَيْنِه. وَقَالَ شمر: أُهِلّ الهلالُ واستُهلّ، قَالَ واستَهَلَّ أَيْضا، وَشهر مستهِلٌّ؛ وَأنْشد:
وَشهر مستهِلٌّ بعدَ شَهْرٍ
وَيَوْم بعده يومٌ قريبُ
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سُمي الهلالُ هلالاً، لِأَن النَّاس يرفعون أَصْوَاتهم بالإخبار عَنهُ. وأَهَلَّ الرجلُ واستَهلَّ: إِذا رفع صَوته؛ وَقَول الشَّاعِر:
غيرَ يَعْفُورٍ أَهَلَّ بِهِ
جَابَ دَفَّيْه عَن القَلْبِ
قيل فِي الإهلال: إِنَّه شَيْء يَعْتَرِيه فِي ذَلِك الْوَقْت يخرج من جَوْفه شبيهٌ بالعُواء الْخَفِيف، وَهُوَ بَين العواء والأنين، وَذَلِكَ من حاق الحِرْص وشدّة الطّلب وَخَوف الفَوْتِ. وانهلّت السَّمَاء مِنْهُ يَعْنِي كلبَ الصَّيْد إِذا أُرسل على الظّبْي فَأَخذه. أَبُو زيد: استهلَّت السَّمَاء فِي أول الْمَطَر، وَالِاسْم الهلَلُ. وَقَالَ غَيره: هَلَّ السحابُ: إِذا قطَرَ قَطْراً لَهُ صوتٌ، وأهَلَّه اللَّهُ، وَمِنْه انْهِلاَلُ الدمع وانْهِلالُ الْمَطَر. وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: يسمّى الْقَمَر لِلَيْلَتَيْن من أَوَّل الشَّهر هِلاَلاً، ولليلتين من آخر الشَّهْر لَيْلَة ستّ وَسبع وَعشْرين هلالاً. ويسمّى مَا بَين ذَلِك قَمَراً، وَيُقَال: أَهْلَلْنَا الهِلاَل واستهلَلْنَاه. وَقَالَ اللَّيْث: المُحْرِم يُهِلُّ بِالْإِحْرَامِ: إِذا أوجب الحُرُم على نَفسه، تَقول: أَهَلَّ فلانٌ بِعُمْرَة أَو بِحَجَّة؛ أَي: أَحْرَمَ بهَا، وَإِنَّمَا قيل للإِحرام إِهْلالٌ، لِأَن إحرامهم كَانَ عِنْد إهلال الْهلَال. قلت: هَذَا غلط إِنَّمَا قيل للْإِحْرَام: هلالٌ لرفع

(5/239)


المُحرم صوتَه بِالتَّلْبِيَةِ. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: الإهلالُ: التَّلْبِيَة، وأصل الإهلال رفْعُ الصَّوْت، وكل شَيْء رافعٍ صوتَه فَهُوَ مُهِلٌّ. قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ قَول اللَّهِ جلّ وعزّ فِي الذَّبِيحَة {وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (المَائدة: 3) هُوَ مَا ذبح للآلهة، وَذَلِكَ لِأَن الذَّابِحَ كَانَ يُسَميها عِنْد الذّبْح، فَذَلِك هُوَ الإهْلاَلُ؛ وَقَالَ النَّابِغَة: يذكر دُرّةً أخرجهَا غَوَّاصُها من الْبَحْر:
أَو دُرَّةٍ صَدَفيةٍ غَوَّاصُها
بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَّ ويَسْجُدِ
يَعْنِي بإهلاله رفعَه صوتَه بالدعاءِ وَالْحَمْد لِلَّهِ إذَا رَآهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ الحديثُ فِي استهلال الصبيّ إِذا وُلد لم يَرِثْ وَلم يُورَثْ حَتَّى يستهلَّ صَارِخًا، وَذَلِكَ أَنه يُسْتَدَلُّ على أَنه وُلِدَ حيّاً بِصَوْتِهِ؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبَانُها
كَمَا يُهِلُّ الرّاكِبُ المُعْتَمِرْ
وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو الْخطاب: كل متكلّمٍ رافعٍ الصوتَ أَو خافضِه فَهُوَ مُهل ومُسْتَهِلّ؛ وَأنْشد:
وأَلْفَيْتُ الخُصُومَ وَهُمْ لَدَيْهِ
مُبَرْشِمَةً أَهلُّوا يَنْظُرونا
قلت: وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قَالَه أَبُو عبيد، وَحَكَاهُ عَن أَصْحَابه، قَول السَّاجِع عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قضى فِي الْجَنِين الَّذِي أسقطته أمّه مَيتا بغُرَّة، فَقَالَ: أَرَأَيْت من لَا شَرِبَ وَلَا أَكَل، وَلَا صَاحَ فاستَهَلّ، مثل دَمه يُطَل، فَجعله مُسْتَهِلاًّ بصياحه عِنْد الْولادَة. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للبعير إدا استَقْوَس وحَنَى ظَهره والتزق بطنُه هُزَالاً، وإحناقاً: قد هُللَ الْبَعِير تهليلاً؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
إِذا ارفَضَّ أطرافُ السيَاطِ وهُللَتْ
جُرُومُ المَطَايا عذَّبَتْهُنّ صَيْدَحُ
وَمعنى هُللت؛ أَي: انحنت حَتَّى كأنّها الأَهِلّة دِقة وضُمْراً. وَقَالَ اللَّيْث: الهَلَلُ: الفَزَعُ. يُقَال: حَمَل فِي هَلَل، إِنْ ضرب قِرْنه. وَيُقَال: أحجم عنّا هَلَلاً؛ قَالَه أَبُو زيد. وَقَالَ: مَاتَ فلَان هَلَلاً ووَهَلاً؛ أَي: فَرَقاً. وَقَالَ أَبُو عبيد: التهليل: النُّكُوص؛ وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
وَمَا بِهِمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْلِيلُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: لَيْسَ شَيْء أجرأَ من النمرِ. وَيُقَال: إِن الْأسد يُهلل ويكلّل، وَإِن النمر يُكَللُ وَلَا يُهَللُ. قَالَ: والمهلّل: الَّذِي يحمل على قِرْنه ثمَّ يجبن فينثني وَيرجع، يُقَال: حَمَلَ ثمَّ هلّل، والمكلل: الَّذِي يحمل فَلَا يرجع حَتَّى يَقع بِقرنه؛ وَقَالَ الرَّاعِي:
قَوْمٌ على الإسلامِ لمّا يَمْنعَوا
ماعُونَهُمْ ويُهلّلوا تَهْلِيلاً
أَي: لما يُهَلَلّوا؛ أَي: لمّا يرجِعوا عمَّا هم عَلَيْهِ من الْإِسْلَام، من قَوْلهم: هَلّلَ عَن قِرْنه وكَلَّس. قلت: أَرَادَ لما يُضَيعوا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ رفع الصَّوْت بِالشَّهَادَةِ. هَذَا على قَول من رَوَاهُ (ويضيعوا التهليلا) . وَقَالَ اللَّيْثُ: التهليل: قَول لَا إِلَه إلاّ اللَّهُ، قلت: وَلَا

(5/240)


أَرَاهُ مأخوذاً إِلَّا مِنْ رفع قائِله بِهِ صوتَه. وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من حُرُوف لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ. قلت: وَهَذَا أَوْلَى بقول الرّاعي من التهليل بِمَعْنى النكوص إِذا رُوِيَ (ويضيّعوا التهليلا) . وَقَالَ اللَّيْث: الهِلاَل: الحيَّةُ الذَّكَر. قلت: الْهلَال، عِنْد الْعَرَب: الحيّة ذكرا كَانَ أَو غيرَ ذكرٍ، كَذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي؛ وَأنْشد:
فِي نَثْلَةٍ تَهْزَأُ بالنصال
كأَنَّها من خِلَع الهِلالِ
يصِفُ دِرْعاً، شبَّهها فِي صفائِها بِسَلْخِ الحيَّةِ. وهزؤها بالنصال: ردُّها إيّاها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهلالُ، أَيْضا: مَا يبْقى فِي الحوضِ من المَاء الصافي. قلت: وَقيل لَهُ هلالٌ، لأنّ الغدير إِذا امْتَلَأَ من المَاء اسْتَدَارَ، وَإِذا قَلَّ مَاؤُهُ صَار الماءُ فِي ناحِيَةٍ مِنْهُ فاستقْوَس. قَالَ: والهلال: الغُلام الحسنُ الوجهِ. وَيُقَال لِلرَّحَى: هِلَال، إِذا انْكَسَرت. وَقَالَ اللَّيْث: الهَلْهَل: السّمُّ الْقَاتِل، قلت: لَيْسَ كل سُمَ يكون قَاتلا يُسمى هَلْهَلاً، وَلَكِن الهَلْهَل ضربٌ من السمُوم بِعَيْنِه يَقْتُل من ذاق مِنْهُ، وإخاله هندياً. وَقَالَ اللَّيْث: الهَلْهلة: سخافة النسج. ثوبٌ مُهَلْهَلٌ. قَالَ: والمهلهَلة من الدروع: أرْدؤها. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: اللهَلَهُ والنّهْنَهُ: الثَّوْب الرَّقِيق النسجِ. وَقَالَ شمر: يُقَال ثوب مُلَهْلَهٌ ومهلهَلٌ ومنَهْنَهٌ؛ وَأنْشد:
ومَدَّ قُصَيٌّ وأبْنَاؤُه
عليكَ الظلاَلَ فَمَا هَلْهَلُوا
وَقَالَ شمر فِي كتاب (السِّلَاح) : المُهلْهَلَةُ، من الدروع، قَالَ بَعضهم: هِيَ الحسنَةُ النَّسْج الرقيقة لَيست بصفيقة. قَالَ: وَيُقَال: هِيَ الواسعة الحَلَق. قَالَ: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: ثوب لَهْلَهُ النسج؛ أَي: رقيقٌ لَيْسَ بكثيف. وَيُقَال: هلْهَلْتُ الطَّحِينَ: إِذا نخلته بِشَيْء سخيف، وَقَالَ أُميَّة:
كَمَا تُذْرِي المُهَلْهِلَةُ الطَّحِينا
وَقَالَ النَّابِغَة:
أَتَاكَ بِقْولٍ لَهْلَهِ النَّسْجِ كَاذِبٍ
وَلم يأْتِكَ الحقُّ الَّذِي هُوَ نَاصِعُ
وَقَالَ اللَّيْث: الهُلاَهِلُ، من وصف المَاء: الكثيرُ الصَّافي.
قَالَ: وَيُقَال أنهج الثَّوْب هلهالاً، وَأنْشد شمر قَول رؤبة:
ومُخْفِقٍ من لَهْلَهٍ ولَهْلَهِ
من مهمه يَجْتَبْنَهُ ومَهْمَهِ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللُّهلُه الْوَادي الْوَاسِع.
وَقَالَ غَيره: اللَّهَالِهُ مَا اسْتَوَى من الأَرْض.
وَقَالَ اللَّيْث: اللُّهلهُ الْمَكَان الَّذِي يضطرب فِيهِ السراب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اللَّهْلَهُ مَا اسْتَوَى من الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو نصر: أهالِيلُ الأمطار، لَا واحدَ لَهَا فِي قَول ابْن مقبل:
وغَيْثٍ مَرِيعٍ لم يُجَدَّعْ نَبَاتُهُ
وَلَتْهُ أهالِيلُ السماكَيْنِ مُعْشِب

(5/241)


وَقَالَ ابْن الأنباريّ: قَالَ أَبُو عِكْرِمَة الضَّبِّيّ: يُقَال: هَيْلَلَ الرجلُ: إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وَقد أَخذنَا فِي الهَيْلَلَةِ: إِذا أَخذنَا فِي التَّهْلِيل. قَالَ أَبُو بكر: وَهُوَ مثل قولِهمْ حَوْلَقَ الرجل وحَوْقَلَ: إِذا قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا باللَّهِ؛ وَأنْشد:
فِدَاكَ من الأقوامِ كلُّ مُبَخَّل
يُحَوْلِقُ إمّا سالَهُ العُرْفَ سائلُ
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: حَيْعَلَ الرجل إِذا قَالَ: حيّ على الصَّلَاة، قَالَ: وَالْعرب تفعل هَكَذَا إِذا كثُر استعمالهم الْكَلِمَتَيْنِ ضمّوا بعضَ حُرُوف إِحْدَاهمَا إِلَى بَعْضِ حُرُوف الْأُخْرَى، قَوْلهم: لَا تُبَرْقِلْ علينا؛ والبَرْقلة: كَلَام لَا يتبعهُ فعل، مَأْخُوذ من البَرْقِ الَّذِي لَا مَطَر مَعَه. أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس، أَنه قَالَ: الحوقلة والبسملة والسبحلة والهيللة، قَالَ هَذِه الأربعةُ جَاءَت هَكَذَا، قيل لَهُ: فالحمدَلةُ، فَقَالَ: لَا، وَأَنْكَرَه. ابْن بزرج: هَلال الْمَطَر وهِلالُه، وَمَا أَصَابَنَا هِلاَل وَلَا بِلال وَلَا طِلاَلٌ. قَالَ وَقَالُوا: الهِلَلُ للأمطار، وَاحِدهَا هِلَّةٌ؛ وَأنْشد:
مِنْ مَنْعِجٍ جَادَتْ رَوَابِيهِ الهِلَلُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: انهلّت السَّمَاء: إِذا صبّت، واستهلّت: إِذا ارتفَع صوتُ وقعها، وَكَأن استهلال الصبيّ مِنْهُ. وَقَالَ أَعْرَابِي: مَا جاد فلَان لنا بهِلَّةٍ وَلَا بِلّة. وَيُقَال أهَلَّ السيفُ بفلان: إِذا قطع فِيهِ؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وَيْلُ أُم خِرْقٍ أَهَلَّ المَشْرَفِيُّ بِهِ
عَلَى الهَبَاءَةِ لَا نِكْسٌ وَلَا وَرِعُ
وهلال الْبَعِير: مَا استقْوَس مِنْهُ عِنْد ضُمْرِه؛ وَقَالَ ابْن هرمة:
وَطَارِقِ همَ قد قَرَيْتُ هِلاَلَهُ
يَخُبُّ إِذا اعْتَلَّ المَطِيُّ ويَرْسُمُ
أَرَادَ أَنه قد فرَى الهمُّ الطارقُ سير هَذَا الْبَعِير؛ وَأما قَوْله:
وليستْ لَهَا رِيحٌ وَلَكِن وَدِيقَةٌ
يَظَلُّ بهَا السَّامي يُهِلُّ وَيَنْقَعُ
فالسَّامي الَّذِي يطْلب الصَّيْد فِي الرمضاء، يلبس مِسْحَاتَيْهِ ويُثِيرُ الظباء من مَكانِسها، رَمِضَتْ تشقّقت أظلافها ويُدْرِكها السَّامِي فيأخذها بِيَدِهِ، وَجمعه السُّمَاةُ. وَقَالَ الباهليّ فِي قَوْله: يُهِل: هُوَ أَن يرفَع العطشانُ لِسَانه إِلَى لهاتِه فَيجمع الرِّيق؛ يُقَال جَاءَ فلَان يُهِلُّ من الْعَطش. والنقْعُ جمع الرِّيق تَحت اللِّسَان. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال للحدَائِد الَّتِي تقم مَا بَين أحْنَاءِ الرّحال: أهِلَّة، وَاحِدهَا هِلَال. وَقَالَ غَيره هِلاَل النَّوْءِ: مَا استقْوَسَ مِنْهُ. وَقَالَ اللحيانيّ: هالَلْتُ الأَجِيرَ مهالَّةً وهِلاَلاً: إِذا استأجَرْته من الْهلَال إِلَى الْهلَال بِشَيْء مَعْلُوم. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: هَلْهَلْتُ أُدْرِكُه؛ أَي: كنتُ أدْركهُ. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهلْهَلَةُ: الِانْتِظَار والتأنّي. وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَول حَرْمَلة بن حَكِيم:
هَلْهِلْ بِكَعْبٍ بَعْدَما وقَعَتْ
فوقَ الجَبِين بِسَاعدٍ فَعْمِ
قَالَ: هَلْهِلْ بكعبٍ؛ أَي: أمهله بَعْدَمَا وَقعت بِهِ شَجَّةٌ على جَبينه. وَيُقَال: هَلْهَلَ

(5/242)


فلَان شِعْره: إِذا لم يُنَقحْه، وأرسله كَمَا حَضَره، وَكَذَلِكَ سمي الشاعرُ مهلهِلاً. وَقَالَ شمر: هلْهَلْتُ: تَلَبَّثتُ وتنظَّرْتُ قَالَ: وَسمي مهلهل مهلهلاً بقوله لزهير بن جَناب:
لمّا توغَّلَ فِي الكُرَاعِ هَجِينُهُم
هَلْهَلْتُ أثأَرُ جَابِراً أَو صِنْبِلا
أَخْبرنِي بِهِ أَبُو بكر عَنهُ. وَيُقَال: أهَلَّت أَرض بِعَالمها: إِذا ذكرت بِهِ؛ وَقَالَ جرير:
هَنِيئًا للمدينةِ إذْ أَهلَّتْ
بأهلِ العِلْمِ أبدأ ثمَّ عادا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال لنسج العنكبوت: الهَلَلُ والهَلْهَلُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هلَّ: إِذا فَرح، وهلّ: إِذا صَاح.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هَلَّ يَهُل: إِذا فَرح، وهلَّ يَهِلُّ: إِذا صَاح. وَبَنُو هِلَال: قَبيلَة من الْعَرَب.

(بَاب الْهَاء وَالنُّون)
(هـ ن)
(هن، نه: مستعملان) .
هن: قَالَ اللَّيْث: هَنٌ: كلمة يُكْنَى بهَا عَن اسْم الْإِنْسَان، كَقَوْلِك أَتَانِي هَنٌ، وأتَتْنِي هَنَهْ، النُّون مَفْتُوحَة فِي هَنَهْ، إِذا وقفت عِنْدهَا لظُهُور الْهَاء، فَإِذا أدرجتها فِي كَلَام تصلها بِهِ سكَّنتَ النُّون، لِأَنَّهَا بُنِيَتْ فِي الأَصْل على التسكين، فَإِذا ذهبت الْهَاء وَجَاءَت التَّاء حسن تسكين النُّون مَعَ التَّاء؛ كَقَوْلِك: رَأَيْت هَنْتَ مقبلةً، لم تصرفها لِأَنَّهَا اسْم معرفَة للمؤنث. وهاء التَّأْنِيث إِذا سكّن مَا قبلهَا صَارَت تَاءً مَعَ ألف الْفَتْح؛ لِأَن الْهَاء تظهر مَعهَا، لِأَنَّهَا بُنِيَتْ على إِظْهَار صرف فِيهَا، فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْفَتْح الَّذِي قبله؛ كَقَوْلِك: الْقَنَاة، الْحَيَاة. وهاءُ التَّأْنِيث أَصْلُ بنائها من التَّاء، وَلَكنهُمْ فرّقوا بَين تَأْنِيث الْفِعْل وتأنيث الِاسْم، فَقَالُوا فِي الْفِعْل: فَعَلَتْ، فَلَمَّا جعلوها اسْما قَالُوا: فعلة، وَإِنَّمَا وقفُوا عِنْد هَذِه التاءِ بِالْهَاءِ من بَين سَائِر الْحُرُوف لِأَن الْهَاء ألْيَنُ الْحُرُوف الصِّحَاح، وَالتَّاء من الْحُرُوف الصِّحَاح، فَجعلُوا الْبَدَل صَحِيحا مثلهَا، وَلم يكن فِي الْحُرُوف حرفٌ أهَشُّ من الْهَاء، لأنّ الْهَاء نَفَسٌ، قَالَ: وَأما هَنْ فَمن الْعَرَب من يُسَكن، يَجعله كقَدْ وبَلْ، فَيَقُول: دخلت على هَنْ يَا فَتى، وَمِنْهُم من يَقُول: هَنٌ، فيجريها مجْراهَا، والتنوين فِيهَا أحسن؛ قَالَ رؤبة:
إِذْ مِنْ هَنٍ قَوْلٌ وقَوْلٌ مِنْ هَنِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: كل اسْم على حَرْفَين فقد حُذِفَ مِنْهُ حَرْفٌ. قَالَ: والهَنُ: اسْم على حرفين مثل الحِرِ على حرفين. قَالَ وَمن النَّحْوِيين من يَقُول: المحذوفُ من الهَنِ والهَنَةِ الواوُ، كأنّ أَصله هَنَوٌ، وتصغيره هُنَيٌّ، لمَّا صغرته حرّكت ثَانِيه ففتحته، وجعلْتَ حُرُوفه ياَء التصغير، ثمَّ رَدَدْتَ الواوَ المحذوفة، فَقلت: هُنَيْوٌ، ثمَّ أدغمت يَاء التصغير فِي الْوَاو فجعلْتَها يَاء مُشَدَّدة، كَمَا قُلْنَا فِي أَبٍ وأَخٍ إِنَّه حذف مِنْهُمَا الْوَاو، وأصلهما أخَوٌ وأبَوٌ. قَالَ: وَمن النَّحْوِيين

(5/243)


من يَقُول: هَذَا هنوك، للْوَاحِد فِي الرّفْع، وَرَأَيْت هُنَاكَ، فِي النصب، ومررت بهنيك، فِي مَوضِع الْخَفْض، مثل رَأَيْت أَخَاك وَهَذَا أَخُوك، ومررت بأخيك، وَرَأَيْت أَبَاك، ومررت بأبيك، وَهَذَا أَبوك، وَرَأَيْت فَاك، وَهَذَا فوك، وَنظرت إِلَى فِيك، وَمثلهَا رَأَيْت حماك، ومررت بحميك، وَهَذَا حموك. قَالَ: وَمن النَّحْوِيين من يَقُول أصل هَنٍ هَنٌّ، وَإِذا صغّر، قيل هُنَيْنٌ؛ وَأنْشد:
يَا قَاتَلَ اللَّهُ صِبْياناً تَجِيءُ بِهِمْ
أُمُّ الهُنَيْنَيْنِ مِنْ زندٍ لَهَا واري
وأَحَدُ الهُنَينين هُنَين، وتكبير تصغيره هَنٌّ، ثمَّ يُخَفف فَيُقَال: هَنٌ. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَهَنٌ: كِنَايَة عَن الشَّيْء يُستفحش ذكره، تَقول: لَهَا هَنٌ؛ تُرِيدُ: لَهَا حِرٌ؛ كَمَا قَالَ الْعمانِي:
لَهَا هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأركَانِ
أَقْمَرُ تَطْلِيِهِ بِزَعْفَرَانِ
كأنَّ فِيهِ فِلَقَ الرُّمَّانِ
فكنَّى عَن الحِرِ بالَهنِ، فافهمه.
قلت: وأهمل اللَّيْث حروفاً من مضاعف هن، فَلم يذكر مِنْهَا شَيْئا؛ فَمِنْهَا مَا أَقْرَأَنِي الإياديّ عَن شمر لأبي عبيد عَن الأصمعيّ، قَالَ: الهُنَانَةُ: الشحمة. قَالَ: وَقَالَ شمر: يُقَال: مَا بالبعير هُنانة؛ أَي: مَا بِهِ طِرْقٌ؛ وَأنْشد قَول الفرزدق:
أَيُفَاتشُونَكَ والعِظَامُ رقيقةٌ
والمُخُّ مُمْتَخَرُ الهُنَانَةِ رارُ
قَالَ شمر: وَسمعت أَبَا حَاتِم يَقُول: حضرت الأصمعيّ، وَسَأَلَهُ إِنْسَان عَن قَوْله: مَا ببعيري هَانّة وهُنانة، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ هُتَاتة بتاءين. قَالَ أَبُو حَاتِم، فَقلت: إِنَّمَا هُوَ هانَّة وهُنَانَةٌ، وبجنبه أَعْرَابِي، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَا الهُتاتة؟ فَقَالَ: لعلّك تُرِيدُ الهُنَانَة، فَرجع إِلَى الصَّوَاب، قلت: وَهَكَذَا سمعته من الْعَرَب، الهُنانة بالنُّون، للشحم. وَقَالَ غَيره: يُقَال: هَنَّ وحَنَّ وأَنَّ؛ وَهُوَ: الهَنِينُ والحَنِينُ والأَنِينُ، قريب بعضُها من بعض؛ وَأنْشد:
لَمَّا رأى الدَّارَ خَلاءً هَنَّا
بِمَعْنى حنّ؛ أَي: بَكَى، يُقَال: هَنَّ الرجل يهن: إِذا بَكَى؛ أَي: حن، أَو أنّ، وَيُقَال: الحنين أرفع من الأنين؛ وَقَالَ الآخَرُ:
لَا تَنْكِحْنَ أبدا هَنّانَهْ
عُجَيزاً كأنَّها شَيْطَانَهْ
يُرِيد بالهنَّانة الَّتِي تبْكي وتَئِنّ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: يُقَال: اجْلِس هَهُنَا؛ أَي: قَرِيبا، وتنحَّ هَهُنَا؛ أَي: أبعد قَلِيلا. قَالَ: وهَهُنَّا أَيْضا، تَقوله قيس وَتَمِيم: قلت: وَسمعت جمَاعَة من قيس يَقُولُونَ: اذْهَبْ هاهُنَّا، بِفَتْح الْهَاء، وَلم أسمَعْها بِالْكَسْرِ من أحد؛ أنْشد ابْن السّكيت:
حنَّتْ نَوَارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ
وَبَدا الَّذِي كَانَت نوارُ أَحنَّتِ
أَي: لَيْسَ هَا هُنَا موضعُ حَنِينٍ، وَلَا فِي موضعِ الحنين حنَّتْ؛ وَأنْشد لبَعض الرّجاز:

(5/244)


لما رأيْتُ مَحْمِلَيها هَنّا
مُحَذرين كِدْتُ أَن أُجَنَّا
قَوْله: هَنّا؛ أَي: هَا هُنَا، يغلط بِهِ فِي هَذَا الْموضع. سلمةُ عَن الفرّاء قَالَ: من أمثالهم: (هَنَّا وهَنَّا عَن جمال وَعْوعَهْ) ، قَالَ هَذَا مثل، كَمَا تَقول: كلُّ شَيْءٍ وَلَا وجَعُ الرَّأْس، وكل شَيْء وَلَا سيفُ فراشةَ. قَالَ أَبُو المفضّل، وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: تَقول الْعَرَب: هَنَّا وهنَّا عَن جمال وَعْوعَهْ، يَقُول: إِذا سَلِمْتُ أَو سلم فلَان لم أكترث لغيره. قَالَ: وَالْعرب تَقول إِذا أردْت الْبعد: هَنّا وَهَا هَنّا وَها هَنَّاك. وَإِذا أردْت الْقرب، قلت: هُنَا وَهَا هُنَا، وَتقول للرجل الحبيب: هَا هُنَا وَهنا؛ أَي: اقْترب وادْنُ، وَفِي ضِدّه للبغيض: هَا هَنّا وهَنّا؛ أَي: تنحَّ بَعيدا؛ وَقَالَ الحطيئة يُخَاطب أمّه:
فها هَنّا اقعدي عني بَعيدا
أراح اللَّهُ منْكِ العالمينا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يذكر مفازة بعيدَة الأرجاء:
هَنّا وهَنّا وَمِنْ هَنّا لَهُنَّ بهَا
ذاتَ الشمائلِ والأيمان هَيْنُومُ
وَقَالَ شمر: أنشدنا ابْن الأعرابيّ للعجّاج:
وكانتِ الحياةُ حِين حيّت
وذِكْرُها هَنَّتْ فلاتَ هَنَّتِ
قَالَ: أَرَادَ هَنَّا وهَنَّه، فصيّره هَاء للْوَقْف، فلَان هنت؛ أَي: لَيْسَ ذَا موضِعَ ذَاك وَلَا حينَه؛ وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرَةَ أم مَنْ
جاءَ مِنها بِطَائِفِ الأَهوالِ
وَرَوَاهُ ابْن السّكيت (وَكَانَت الْحَيَاة حِين حُبَّت) يَقُول وَكَانَت الْحَيَاة حِين يُحَبّ، وذِكْرُها هَنَّت، يَقُول: وَذكر الحياةَ هُناك وَلَا هُناك؛ أَي: لِلْيأْس من الْحَيَاة. وَقَالَ: وتمدح رَجُلاً بالعطاء هَنَّا وهَنَّا وعَلى المَسْجُوح، أَي: يُعطي عَن يَمِين وشمال وعَلى المسجوح؛ أَي: على القَصْد؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
ثمَّ ارتمينا بقولٍ بينَنَا دُوَلٍ
بَين الهَنَاتَيْنِ لَا جِدًّا ولاَ لَعِبَا
يُرِيد؛ هُنَّ وهُنَّ، ودول مرّة مِنّي وَمرَّة مِنْها، وَتَمام تَفْسِير لات هَنَّا فِي معتل الْهَاء، لِأَن الْأَقْرَب عِنْدِي أَنه من المعتل.
نَهْ: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: النَّهْنَهَةُ: الكفّ. تَقول: نَهْنَهْتُ فلَانا: إِذا زجرَته؛ وَأنْشد:
نَهْنِهْ دُمُوعَكَ إِنَّ مَنْ
يَغْتَرُّ بالحَدَثَانِ عَاجِز
قلت: وَالْأَقْرَب فِيهِ أَن أصل نَهْنه النَّهْيُ، فكرر على حد المضاعف. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: النَّهْنَهُ والنَّهْلَهْ: الرَّقِيق النسج.

(بَاب الْهَاء وَالْفَاء)
(هـ ف)
هف، فه: مستعملان.
هَفّ: فِي (النَّوَادِر) : تَقول الْعَرَب: مَا أَحْسَنَ هِفَّةَ الورَق ورِقَّتَه، وَهِي إِبْرِدَتُه، وظِلٌّ هَفْهَافٌ: بَارِد. وَقَالَ اللَّيْث: الهَفِيفُ: سرعَة السّير؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
إِذا مَا نعسنا نَعْسَةً قُلْتُ: غَننا
بِخَرْقاءَ، وارْفَعْ من هَفِيفِ الرَّوَاحِلِ

(5/245)


قَالَ: وَقد هفَّ يَهِف هَفِيفاً. قَالَ وَمَوْضِع من البَطِيحةِ كثير القَصْبَاء فِيهِ مُخْتَرَق للسُّفُن يُقَال لَهُ: زُقاق الهَفَّةِ. وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ الهيفاءِ: مُهَفّفَةٌ ومُهَفْهَفَةٌ؛ وَهِي: الخَمِيصةُ البطنِ، الدقيقة الخَصْر؛ وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاء غَيْرُ مُفَاضَةٍ
ورُوي عَن عَليّ رَضِي اللَّهُ عَنهُ أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَول اللَّهِ جلّ وعزّ: {أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ} (البَقَرَة: 248) قَالَ: لَهَا وجهٌ كوجْهِ الْإِنْسَان، وَهِي بعدُ ريحٌ هفّافة، يُقَال ريح هفَّافَةٌ؛ أَي: سريعة المَر فِي هبوبها، وَجَنَاح هفَّافٌ: خفيفُ الطيران؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الظليم:
ويَلْحَفُهُنَّ هفَّافاً ثَخِينَا
أَي: يُلبسهن جنَاحا، وَجعله ثَخيناً لترَاكُب الريش. وَرجل هَفَّافُ الْقَمِيص: إِذا نُعِتَ بالخفّة؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي لغْزيَّاتِه:
وأَبْيَضَ هَفَّافِ القَميصِ أَخَذْتُهُ
فجِئْتُ بهِ للقَومِ مُغْتصَباً قَسْرَاً
أَرَادَ بالأبيض قلباً تغشَّاه شحْمٌ أَبيض، وقميص الْقلب: غِشاؤُه من الشَّحْم، وَجعله هفَّافاً لرقته. وَيُقَال: شُهْدَةٌ هِفَّةٌ: لَيْسَ فِيهَا عسل، وَغَيْمٌ هِفٌّ: لَا مَاءَ فِيهِ؛ وَأما قَول مُزَاحم:
كَبَيْضَةِ أُدْحِيَ بِوعْسِ خَمِيلَةٍ
يُهَفْهِفُهَا هَيْقٌ بِجُؤْشُوشِهِ صَعْلُ
فَمَعْنَى يُهفهفها؛ أَي: يُحَركُها ويَدْفَعُها لتُفْرِخَ عَن الرَّأْل. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَفُّ: الهَازِبَا، واحدته هَفَّةُ، قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: هُوَ الهِفُّ، بِالْكَسْرِ، وَقَالَ عمَارَة: يُقَال للهَف: الحُسَاسُ. والهازِبَا: جِنْسٌ من السّمك مَعْرُوف. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: هَفْهَفَ الرجل: إِذا كَانَ مَمْشوق الْبدن، كأنَّه غُصْنٌ يميد. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: اليَهْفُوف: الحديدُ القلبِ. واليأْفُوفُ: الْخَفِيف السَّرِيع. قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: اليَهْفُوفُ: الأحمق. قلت: وكلّه من الخِفَّة.
فهّ: قَالَ اللَّيْث: الفَهُّ: الرجل العَييُّ عَن حجَّته، وَامْرَأَة فهَّةٌ. وَقد فهِهْتَ يَا رجل تَفَهُّ. وَرجل فَهٌّ فَهيهٌ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الفَهُّ: العَيِيُّ الكليلُ اللِّسَان؛ يُقَال مِنْهُ: جئتُ لحاجةٍ فأفهَّنِي عَنْهَا فلَان حَتَّى فُهِهْتُ: إِذا نسَّاكها. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أفهَّني عَن حَاجَتي حَتَّى فَهِهْتُ فَههَاً؛ أَي: شغَلني عَنْهَا حَتَّى نسيتُها. قَالَ: وفَهْفَهَ الرجلُ: إِذا سقط من مرتبَة عاليةٍ إِلَى سُفْلٍ. وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن الجرّاح أَنه قَالَ لعمر حِين قَالَ لَهُ: ابسُط يدك أُبَايِعْك: مَا رَأَيْت مِنْك فَهَّةً فِي الْإِسْلَام قَبْلَها، أتبايعني وَفِيكُمْ الصدّيقُ ثانِيَ اثْنَيْنِ؟ قَالَ أَبُو عبيد: الفَهَّة: مثل السَّقْطَةِ والجَهْلَةِ. وَرجل فَهٌّ وفَهِيهٌ؛ وَأنْشد:
فَلم تَلْقَنِي فَهًّا ولَمْ تُلْفِ حُجَّتِي
مُلَجْلَجةً أبغي لَهَا من يُقِيمُها
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: فَهَّ الرجلُ فِي خُطْبته وحجَّتِه: إِذا لم يَبْلُغْ فِيهَا وَلم يُشِفها. وَقد فهِهْتَ فِي خطبتك فَهَاهَةً. قَالَ: وأتيت فلَانا فبيَّنْتُ لَهُ أَمْرِي كُله إلاَّ شَيْئاً فَإِنِّي فهِهْتُه؛ أَي: نسيتهُ.

(5/246)


(بَاب الْهَاء وَالْبَاء)
(هـ ب)
هَب، بِهِ: (مستعملان) .
هَب: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هَبَّت الرّيح تَهب هُبُوباً، والنائم يَهُبُّ هَبًّا. وَالسيف يَهُبُّ؛ إِذا هُزَّ، هَبَّةً. قَالَ: والتيس يَهِبُّ هَبِيباً للسفاد، والنَّاقَةُ تهِب هِباباً. وَقَالَ الأصمعيّ: هبَّت الرّيح تَهُبُّ هُبُوباً وهَبِيباً. وهبّ النَّائِم يَهُب هُبُوباً. وهب التَّيْسُ يَهِب هِباباً: إِذا هاج. وهبَّ السيفُ هَبَّةً: إِذا قَطَع، وإنَّه لذُو هَبَّةٍ: إِذا كَانَت لَهُ وقْعَةٌ شَدِيدَة. يُقَال: احذَرْ هَبَّةَ السَّيْف. وثَوْبٌ هَبَايِبُ وخَبَايِبُ، بِلَا همز فيهمَا: إِذا كَانَ متقطّعاً. والهِبابُ: النَّشَاط. وَقَالَ شمر: هَبَّ السيفُ: قَطَع. وأهبَبْتُ السيفَ: إِذا هزَزْتَه، فاهْتَبَّه وهَبَّهُ: إِذا قطعه. قَالَ: وهبَبْتُ الثوبَ: حزقته، فتهبّب؛ أَي: تخرّق. وثوب أَهْبَابٌ؛ أَي: قِطَعٌ؛ وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ:
على جَنَاجِنِه مِنْ ثَوْبِه هِبَبٌ
أَبُو عُبَيْدَة عَن يُونُس يُقَال: هَبّ فلانٌ حِيناً، ثمَّ قَدِم؛ أَي: غَابَ دهْراً، ثمَّ قَدِم. وَأَيْنَ هبَبْتَ عنّا؟ أَي: غِبْتَ عنّا. أَبُو زيد: غَنِينا بذلك هَبَّةً من الدَّهْر؛ أَي: حِقْبَةً. وروى النَّضر بن شُمَيْل حَدِيثا، بِإِسْنَاد لَهُ عَن رَغْبانَ، قَالَ: لقد رأَيْتُ أصحابَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُبُّون إِلَيْهِمَا، كَمَا يَهُبُّونَ إِلَى الْمَكْتُوبَة؛ يَعْنِي الرَّكْعتَيْن قبْل الْمغرب. قَالَ النَّضر: قَوْله يَهُبُّون إِلَيْهِمَا؛ أَي: يَسْعَوْن. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: هَبَّ فلانٌ: إِذا نُبهَ، وهَبَّ: إِذا انْهزَمَ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: هَبْهَبَ: إِذا زجر، وهَبْهبَ: إِذا ذَبَح، وهبْهَبَ: إِذا انْتَبَه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَبْهبِيُّ: القَصَّاب؛ قَالَ الأخطل:
على أَنَّها تَهدِي المَطِيَّ إِذا عَوَى
من الليلِ مَمْشُوقُ الذّرَاعينِ هَبْهَبُ
أَرَادَ بِهِ: الخفيفَ من الذئاب. وناقةٌ هَبْهَبِيَّة: سريعة خَفِيفَة؛ قَالَ ابْن أَحْمَر:
تَمَاثِيلَ قِرْطاسٍ على هَبْهَبيَّةٍ
جلا الكُورُ عَن لَحْمٍ لَهَا مُتَخَددِ
قَالَ: أَرَادَ بالتماثيل كُتباً يكتبونها. وَقَالَ اللَّيْث: هَبْهَبَ السرابُ هَبْهَبَةً: إِذا ترقرق. قَالَ: والهَبْهَابُ: اسْم من أَسمَاء السَّرَابِ. قَالَ: ولُعْبةٌ لصبيان الْأَعْرَاب يسمونها: الهَبهَاب. قَالَ: والهَبْهَبِيُّ: تَيْسُ الْغنم، وَيُقَال: بَلْ رَاعِيها؛ وَأنْشد:
كأنَّهُ هَبْهَبيُّ نامَ عَنْ غَنَمٍ
مُسْتَأْوِرٌ فِي سَوَادِ الليلِ مَذْءُوبُ
بِهِ: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: بَهَّ: إِذا نَبُلَ وَزَاد فِي جاهه ومنزلته عِنْد السُّلْطَان. وهَبَّ: إِذا انْتَبه. وَقَالَ ابْن المظفر: البَهْبَهُ: من هدير الْفَحْل؛ وَأنْشد:
برَجْسِ بَعْبَاعِ الهَدِير البَهْبَهِ
وَيُقَال للأبَح: أبَهُّ. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الأصمعيّ: بَخْ بَخْ، وبَهْ بَهْ للشَّيْء يُتَعَجَّبُ مِنْهُ؛ وَأنْشد:
مَنْ عزَانَي قَالَ: بَهْ بَهْ
سِنْخُ ذَا أَكْرَمُ أَصْلِ

(5/247)


شمر: قَالَ المفضّل الضَّبيّ: يُقَال إِن حوله من الْأَصْوَات البَهْبَه؛ أَي: الْكثير؛ قَالَ رؤبة:
برَجْسِ بَخْبَاخ الهَدِيرِ البَهْبَهِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: فِي هديره بَهْبَهٌ وبَخْبَخٌ. وَالْبَعِير يُبَهْبِهُ فِي هديره. وَقَالَ غَيره: يُقَال للشَّيْء إِذا عُظم: بَخْبَخٌ وبَهْبَهٌ.

(بَاب الْهَاء وَالْمِيم)
(هـ ك)
هم، مَه: (مستعملان) .
هم: قَالَ اللَّيْث: الهَمُّ: مَا هَمَمْت بِهِ من أَمر فِي نَفسك. تَقول: أهمَّنِي الْأَمر. والمُهِمَّاتُ من الْأُمُور: الشدائِد. قَالَ: والهَمُّ: الحُزْن. والهِمَّةُ: مَا همَمْتَ بِهِ من أَمر لتفعله. وَتقول: إنَّه لعَظيم الهِمَّة، وإنّه لصغير الهِمّة. قَالَ: والهُمَامُ: من أَسمَاء الْمُلُوك لِعظَم هِمَّتِه. وَتقول: لَا يَكَادُ ولاَ يَهمُّ كَوْداً ولاَ هَمًّا وَلَا مَهَمّةً وَلَا مَكَادَةً. قَالَ: والهَمِيمُ: دَبِيب هَوَام الأَرْض. والهوامُّ: مَا كَانَ من خَشَاش الأَرْض، نَحْو العَقارب وَمَا أشبههَا، الْوَاحِدَة هَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَهُمّ أَنْ تَدِبّ. وروى سُفْيان عَن مَنْصُور عَن المِنْهال بن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُعَوذُ الْحسن والحسينَ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَات الله التامَّةِ، من شَرّ كُلّ شيطانٍ وهَامَّة، وَمن شرّ كلّ عينٍ لامَّة. وَيَقُول: هَكَذَا كَانَ إبراهيمُ يعوذ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق صَلى اللَّهُ وسلّم عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. قَالَ شمر: الهَامَّةُ، واحدةُ الهَوام، والهوامُّ: الحيَّاتُ، وكلُّ ذِي سم يقتلُ سمُّه. وَأما مَا لَا يَقْتُل ويَسُمّ فَهِيَ السَّوامُّ، مشدَّدةَ الْمِيم، لِأَنَّهَا تَسُمّ وَلَا تبلغُ أَن تقتلَ، مثل الزنبورِ والعقربِ وأشباهِها. قَالَ: وَمِنْهَا القَوَامُّ، وَهِي أَمْثَال القنافد والفأر واليرابيع والخَنَافِس، فَهَذِهِ قَوَامُّ، وَلَيْسَت بهوامَّ وَلَا سَوَامَّ. والواحدة من هَذَا كُله هامّةٌ وسامّة وقامَّة. قلت: وَتَقَع الهامّة على غير ذَوَات السم الْقَاتِل. أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لكعب بن عُجْرَة: (أَيُؤْذِيك هوامُّ رَأسك) ؟ أَرَادَ بهَا القملَ، وسمّاها هوامّ، لِأَنَّهَا تَدِبُّ فِي الرَّأْس والجسد، وتهُمُّ مثلُه. وَيُقَال مَا رَأَيْت هامّةً أكرمَ من هَذِه الدابَّة، يَعْنِي: الْفرس. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: هَمّ: إِذا أُغْلِيَ. وهَمّ: إِذا غَلَى. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب: أَنَّه سُئِلَ عَن قَول اللَّهِ جلّ وعزّ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يُوسُف: 24) ، فَقَالَ: همَّتْ زَلِيخَا بالمعصية مُصِرَّةً على ذَلِك، وهمَّ يوسفُ بالمعصية وَلم يَأْتِها وَلم يُصِرَّ عَلَيْهَا، فَبين الهَمَّتين فرقٌ. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الهامّةُ: الحيَّة، والسامَّة: العقربُ. يُقَال للحية قد همّت الرجلَ، وللعقربِ قد سمّتْه. وَقَالَ اللَّيْث: الانْهِمَامُ: الانهضام فِي ذوبان الشَّيْء واسترخائه بعد جُمودِه وصلابَتِه، مثلُ الثَّلج إِذا ذاب تَقول: قد انْهَمّ، وانهمَّت الْبُقُول: إِذا طُبِخَت فِي القِدْر. قَالَ: والهَامُومُ، من الشَّحْم: كثيرُ الإهَالَةِ. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَامُومُ: مَا يسيل من الشَّحْمَة إِذا شُوِيَتْ، وكل شَيْء ذائبٍ يُسمى هَامُوماً؛ وَأنْشد:

(5/248)


وانْهمَّ هامُومُ السَّدِيفِ الواري
قَالَ: وَيُقَال: هَمَّك مَا أَهَمَّك: أَي: أَذَابَكَ مَا أَذَابك. وَيُقَال: أَهَمَّك مَا أقْلَقَك. وهمّت الشمسُ الثلجَ: أذَابَتْه. قَالَ وَيُقَال: مَا رَأَيْت هامّةً قطُّ أكرَم مِنْهُ، الميمُ مشدّدة، يُقَال هَذَا للبعيرِ وللفرَسِ، وَلَا يُقَال لغَيْرِهِمَا. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب قلَّة اهتمام الرجل بشأن صَاحبه: هَمُّك مَا همَّك، وَيُقَال: هَمُّكَ مَا أَهَمَّك. جعل مَا نَفْياً فِي قَوْله: مَا أهَمّك؛ أَي: لم يُهِمَّك. وَيُقَال: معنى مَا أهَمَّك؟ أَي: مَا أحْزَنَك؟ وَقيل: مَا أَقْلَقَك؟ وَقَالَ ابْن السّكيت: الهمُّ، من الحُزْنِ. والهمُّ مصدر هَمَّ الشحمَ يَهُمُّه هَمًّا: إِذا أذابه؛ وَأنْشد:
يُهَمُّ فِيهِ القومُ هَمَّ الحَم
والهَمُّ، مصدر: هَمَمْتُ بالشَّيْء هَمًّا. والهِمُّ: الشَّيْخ الْبَالِي؛ وَأنْشد:
وَمَا أَنا بالهِم الكبيرِ وَلَا الطفْلِ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: هِمَّ لنَفسك وَلَا تَهِمَّ لهَؤُلَاء؛ أَي: اطلب لَهَا واحفَلْ. سَلمَة عَن الفرّاء: ذهبت أَتَهَمَّمُهُ: أنظر أَيْن هُوَ؟ وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الفرّاء: ذهبْتُ أتهمَّمُهُ؛ أَي: أطلبه. وَقَالَ أَبُو عبيد: التَّهمِيمُ: الْمَطَر الضَّعِيف؛ وَمِنْه قَول ذِي الرُّمَّة:
من لَفْحِ سَارِيَةٍ لَوْثَاءَ تَهْمِيمُ
ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: الهَمِيمَةُ من الْمَطَر: الشَّيْء الهيّن. وهُمَامُ الثَّلج: مَا سَالَ من مائِه، إِذا ذاب، وَقَالَ أَبُو وجزة:
نواصح بَين حَمَّاوَيْنِ أَحْصَنَتَا
مُمنَّعاً كهُمَامِ الَّثلْجِ بالضَّرَبِ
أَرَادَ بالنَّواصحِ: الثَّنَايا البيضَ. وَيُقَال: هَمَامِ بِكَذَا؛ أَي: هُمَّ بِهِ، مثل نَزَالِ. أَبُو عبيد عَن الأَمويّ: يُقَال: لَا هَمَامِ؛ أَي: لَا أَهُمُّ، وَقَالَ الْكُمَيْت:
عادِلاً غيرَهم من النَّاس طُرَّا
بِهِم لَا هَمَامِ لي لَا هَمَامِ
وَيُقَال: هَمَّ اللبنَ فِي الصحن: إِذا حلبه. وانهَمَّ العَرَق من جَبينه: إِذا سَالَ. وَقَالَ اللحياني: سَمِعت أعرابيًّا من بني عَامر يَقُول: نقُول إِذا قِيلَ لنا: أبَقِيَ عنْدكُمْ شيءٌ؟ فَنَقُول: هَمْهَامِ يَا هَذَا؛ أَي: لم يَبْقَ شيءٌ. وَقَالَ العامري: قلت لبَعْضهِم: أُبْقِي عنْدكُمْ شَيْء؟ قَالُوا: هَمْهَامِ وحَمْحَامِ ومَحْمَاحِ وبَحْبَاحِ؛ أَي: لم يبْق شَيْء؛ وَأنْشد:
أَوْلَمْتَ ياخِنَّوْتُ شَرَّ إيلامْ
فِي يومِ نَحْسٍ ذِي عَجْاجٍ مِظْلاَمْ
مَا كَانَ إِلاّ كاصْطِفان الأقدامْ
حَتَّى أتيناهم فَقَالُوا: هَمْهَامْ
أَي: لم يبْق شَيْء. وَقَالَ اللَّيْث: الهَمْهَمَةُ: تردُّدُ الزئير فِي الصَّدْر من الهمّ والحُزْن. والهَمْهَمَةُ: نحوُ أصواتِ الْبَقر والفِيَلة وأشباهِ ذَلِك. وَيُقَال للقصب إِذا هزته الرّيح: إِنَّه لَهُمْهُومٌ. وَيُقَال للحمار إِذا ردّد نَهِيقَه فِي صَدره: إِنَّه لَهَمْهيمٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة:
خَلَّى لَهَا سِرْب أُولاَها وهيَّجَهَا
مِنْ خَلْفِها لاحِقُ الصُّقْلَيْن هِمْهِيمُ

(5/249)


وهَمْهَمَ الرّعْدُ: إِذا سمعتَ لَهُ دوِيًّا. وهَمْهَم الْأسد، وهَمْهَمَ الرجلُ: إِذا لم يَبِن كَلاَمُه. وَفِي حَدِيث مَرْفُوع (أحب الْأَسْمَاء إِلَى اللَّهِ عبد اللَّهِ وهَمَّامٌ) ، لِأَنَّهُ مَا من أحد إِلَّا ويَهُمُّ بِأَمْر من الْأُمُور: رشد أَوْ غَوَى. وَيُقَال: هُوَ يَتَهَمّمُ رأسَه؛ أَي: يَفْلِيه؛ وَقَالَ الرَّاعِي، فِي الهَمَاهِمِ، بِمَعْنى الهموم:
طَرَفاً فتِلكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِما
قُلُصاً لَوَاقِحَ كالقِسِي وحُولاَ
عَمْرو عَن أَبِيه: الهَمُوم: النَّاقة الْحَسَنَة المِشْيَةِ، والقِرْوَاحُ الَّتِي تَعَافُ الشّرْب مَعَ الْكِبَار، فَإِذا جَاءَ الدَّهْدَاهُ شرِبَتْ مَعَهُنّ.
مَه: قَالَ اللَّيْث: المَهْمَهُ: الخَرْقُ الأملس الْوَاسِع. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَهْمَهُ: الفلاة بِعَينهَا، لَا ماءَ بهَا وَلَا أَنِيس. وَأَرْض مَهَامِهُ: بعيدَة. وَقيل: المَهْمَهُ: الْبَلَد المُقْفِرُ، وَيُقَال: مَهْمَهَةٌ؛ وَأنْشد:
فِي شبهِ مَهْمَهةٍ كأَنَّ صُوَيَّها
أَيْدِي مُخالِعةٍ تَكُفُّ وتَنْهَدُ
وَقَالَ اللَّيْث: مَهْ: زجْرٌ وَنهي. وَتقول: مَهْمَهْتُ؛ أَي: قلت لَهُ: مَهْ مَهْ. وَأما مَهْمَا، فَإِن النَّحْوِيين زَعَمُوا أَن أصل مهما: ماما، وَلَكِن أبدلوا من الْألف الأولى هَاء ليختلف اللَّفْظ. ف (مَا) الأولى هِيَ مَا الْجَزَاء، وَمَا الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزاد تَأْكِيدًا لحروف الْجَزَاء مثل أَيْنَمَا وَمَتى وكيفما، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه لَيْسَ شَيْء من حُرُوف الْجَزَاء إلاّ و (مَا) تزاد فِيهِ. قَالَ اللَّهُ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ} (الأنفَال: 57) الأَصْل إِن تثقفهم: وَقَالَ بعض النَّحْوِيين فِي مهما: جَائِز أَن يكون مَهْ، بِمَعْنى الكَفّ، كَمَا تَقول مَهْ؛ أَي: كُفّ، وَتَكون مَا للشّرط وَالْجَزَاء، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: اكْفُفْ، مَا تأتنا بِهِ من آيةٍ، وَالْقَوْل الأول أَقْيَس، قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي مهما: قَالَ بَعضهم: معنى مَهْ: كُفّ، ثمَّ ابْتَدَأَ مُجازِياً وشارطاً، فَقَالَ: مَا يكن من الْأَمر فَإِنِّي فَاعل، فَمَهْ فِي قَوْله مُنْقَطع مِنْ (مَا) ، وَقَالَ آخَرُونَ فِي مهما يكن: مَا يكن، فأرادوا أَن يزِيدُوا على (مَا) الَّتِي هِيَ حرف الشَّرْط (مَا) للتوكيد كَمَا زادوا على إِن مَا؛ قَالَ اللَّهُ: {مُّبِينٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} (الزّخرُف: 41) ، فَزَاد مَا للتوكيد، وكَرِهوا أَن يَقُولُوا (مَا، مَا) لاتّفاق اللَّفْظَيْنِ فأبدلوا ألفها هَاء ليختلف اللفظان، فَقَالُوا: (مهما) ، قَالَ: وَكَذَلِكَ (مَهْمَنْ) ، أَصله (مَنْ مَنْ) ؛ وَأنْشد الفرّاء:
أمَاوِيَّ مَهْمَنْ يَسْتمِعْ فِي صَدِيقه
أَقَاوِيلَ هَذَا النَّاس، ماوِيَّ يَنْدَمِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ مهما لي:
مَهْمَا لِيَ الليلَةَ مَهْمَا ليَهْ
أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وسِربَالِيَهْ
قَالَ: مهما لِي، ومَا لِي واحِدٌ. وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: مَهْمَهْتُه فَتَمَهْمَهَ؛ أَي: كففتُه، فكَفَّ. وَقَالَ ابْن السّكيت: تَقول للرجل: مَهْ، فَإِن وصلْتَ، قلت: مَهٍ مَهْ. وَكَذَلِكَ صَه، فَإِن وصلت قلت: صَهٍ صَهْ. ابْن بُزُرْج: يُقَال: مَا فِي ذَلِك الْأَمر مَهْمَهٌ: وَهُوَ الرجا، وَيُقَال مَهْمَهْتُ مِنْهُ مَههَاً. وَيُقَال: مَا كَانَ لَك عِنْد ضَرْبِكَ

(5/250)


فلَانا مَهَهٌ، وَلَا رويّة. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر والفّراء: كل شَيْء مَهَهٌ ومَهَاهٌ. مَا النساءَ وذكرَهُنّ، مَعْنَاهُمَا حَسَنٌ يسيرٌ إلاّ النساءَ. فنصب على هَذَا. وَالْهَاء من مَهَةٍ ومَهَاهٍ، ثابتةٌ، كالهاء من مِيَاهٍ وشفاهٍ؛ وَقَالَ عِمران بن حِطّان:
فَلَيْسَ لِعَيْشِنَا هَذَا مَهَاهٌ
وليستْ دَارُنَا الدُّنيَا بدَارِ
وَالْحَمْد لله وَحده.

(5/251)


أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْهَاء [/ كت]

(بَاب الهاب وَالْخَاء)
هـ خَ ب
هبخ: قَالَ اللَّيْث: أهملت الْهَاء مَعَ الْخَاء فِي الثلاثي الصَّحِيح. إِلَّا قَوْلهم: جَارِيَة هَبَيّخَةٌ؛ وَهِي: التَّارّةُ. قَالَ؛ وكل جَارِيَة بالحِمْيريّة: هَبَيّخَةٌ. قَالَ: والهبيَّخَى: مِشْيَةٌ فِي تبختر؛ وَأنْشد:
جَرَّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ ذَيْلاً أَنْبَخَا
جَرَّ العَرُوسِ ذيلَها الهَبَيَّخا
وَيُقَال: اهبيَّخَتْ فِي مشيها اهبِيّاخاً، وَهِي تَهْبَيَّخُ. أَبُو عُبَيْدَة: الهبيَّخُ: الرجل الَّذِي لَا خير فِيهِ. وَفِي (النَّوَادِر) : امْرَأَة هَبَيَّخَةٌ، وفتىً هَبَيَّخٌ: إِذا كَانَ مُخْصِباً فِي بدنه حَسَناً.

(أَبْوَاب الْهَاء والغين)
قَالَ ابْن المظفر قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: لَا تُوجد الْهَاء مَعَ الْغَيْن إلاَّ فِي هَذِه الْحُرُوف وَهِي: الأهْيَغُ والغَيْهَقُ والهَيْنغ والغَيْهَبُ والهِلْيَاغُ.
فأمَّا الأهيغ فَإنَّك ترى تَفْسِيره فِي أول معتل الْهَاء.
(غهق) : وأمَّا الغيهق: هُوَ النَّشَاط، ويوصف بِهِ العِظَمُ والتَّرَارَةُ. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَّيْدَاوِيُّ قَالَ: سَمِعت الرياشيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة ينشد:
كأنَّما بِي من إِرَاني أَوْلَقُ
وللشباب شِرَّةٌ وغَيْهَقُ
ومَنْهَلٍ طَامٍ عَلَيْهِ الغَلْفَقُ
يُنيرُ أَوْ يُسْدِي بِهِ الحذَرْنَقُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الإران: النشاط، والأوْلَقُ: الْجُنُون، والشّرّه النشاط، وَكَذَلِكَ الغَيْهَقُ. قَالَ: والغْلفَقُ: الطُّحلُب.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الغيْهَقُ: الطّويل من الْإِبِل.
وَقَالَ النَّضر فِيمَا حكى عَنهُ أَبُو تُرَاب: الغَوْهَقُ: الْغُرَاب؛ وَأنْشد:
يتْبَعْنَ وَرْقَاءَ كلونِ الغَوْهَقِ
قلت: والثَّابِتُ عندنَا لِابْنِ الأعرابيّ وَغَيره: العَوْهَقُ: العزاب بِالْعينِ. وَقد مَرَّ فِي كتاب الْعين وَلَا أنكر أَن تكون الْغَيْن فِيهِ لغةٌ، وَالله أعلم.

(5/252)


هـ غ ل
(هلغ) : قَالَ اللَّيْث: الهِلْيَاغُ: شَيْء من صغَار السبَاع؛ وَأنْشد:
وهِلْيَاغُها فِيهَا مَعًا والغَناجِلُ
قلت: أما الهِلْيَاغُ فَلم أسمعهُ إِلَّا لِلّيث، وَلَا أَدْرِي لمن هَذَا الشّعْر. وَأما الغَنَاجِلُ، فواحدها غُنْجُلٌ، وَهُوَ عَنَاقُ الأَرْض، بالغين وَالنُّون. وَكَانَ بعض أَصْحَابنَا رَوَى هَذَا الْحَرْف العَثْجَلُ، وَهُوَ عَناق الأَرْض وَهُوَ تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: غُنْجُل.
هـ غ ن
(هنغ) : قَالَ اللَّيْث: الهَيْنَغُ: الْمَرْأَة المانِغَةُ الضاحكة المُلاعبة؛ وَقَالَ رؤبة:
قَوْلاً كَتَحْدِيثِ الهَلُوكِ الهَيْنغ
وهانَغْت الْمَرْأَة: غازَلْتُها. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال خَاضَنْتُ الْمَرْأَة وهانَغْتُها: إِذا غازلتَها، وقرأت بِخَط شمر: امْرَأَة هَيْنَغٌ: فاجرة، وهَنَغَتْ: إِذا فَجَرَتْ، وَأنْشد بَيت رؤبة.
هـ غ ف
هفغ: قَالَ ابْن دُرَيْد: هَفَغَ يَهْفَغُ هُفُوغاً: إِذا ضَعُفَ من جوع أَو مرض. قلت لم أَجِدهُ لغيره وَلاَ أُحِقُّه.
هـ غ ب
اسْتعْمل من وجوهه: غهب: هبغ.
هبغ: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الهُبُوغُ: النّوم؛ وَأنْشد:
هَبَغْنَا بَين أَذْرُعِهِنَّ حَتَّى
تَبَخْبَخَ حَرُّ ذِي رَمْضَاءَ حَامِي
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: هَبَغَ الرجل يَهْبَغُ هَبْغاً: إِذا نَام. وَعَن أبي عَمْرو: خَبَط مثلُ هَبَغَ.
غهب: قَالَ اللَّيْث: الغَيْهَبُ: شدَّة سَواد الليلِ والجملِ ونحوهِ. يُقَال: جَمَلٌ غَيْهَبٌ: مُظْلِمُ السوَاد؛ وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
تلافَيْتُها والبُومُ يَدْعُو بهَا الصَّدَى
وَقد أُلْبِسَتْ أَقراطُها ثِنْيَ غَيْهَبِ
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: لَيْلٌ غَيْهَبٌ وغيهم. وَقد اغْتَهَبَ الرجل: سَار فِي الظُّلْمَة؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
فذاكَ شبَّهتهُ المُذَكَّرَةَ ال
وَجْنَاءَ فِي البِيْدِ، وَهِي تَغْتَهِبُ
أَي: تُباعِدُ فِي الظُّلم، وَتذهب. وَقَالَ اللحياني: أسودُ غيهَبٌ وغَيْهَمٌ، وَقَالَهُ ابْن الأعرابيّ أَيْضا. وَقَالَ شمر: الغَيْهَبُ، من الرِّجَال: الْأسود، شُبه بِغَيْهَب اللَّيل. قَالَ: والغَيْهَبُ: الَّذِي فِيهِ غَفلَة أَو هَبْتَةٌ؛ وَأنْشد:
حَلَلْتُ بِهِ وِتْري وأدْرَكْتُ ثُؤْرَتي
إِذا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كلُّ غَيْهَبِ
وَقَالَ كَعْب بن جعيل يصف الظليم:
غَيْهَبٌ هَوْهَاةٌ مُخْتَلِطٌ
مستعَارٌ حِلْمُه غَيْرُ دَئِلْ
ورُوي عَن عَطاء: أَنَّه سُئِلَ عَن رجُلٍ أَصَاب صيدا غَهَباً، وَهُوَ مُحْرم، فَقَالَ: عَلَيْهِ الجَزَاءُ. قَالَ شمر: الغَهَبُ: أَن يُصيبه غَفْلةٌ من غير تعمُّد، يُقَال: غَهِبْتُ عَن الشَّيْء، أَغْهَبُ عَنهُ غَهَباً: إِذا أغفلتَ عَنهُ ونسيتَه، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عبيد فِي

(5/253)


(كِتَابه) : أَبُو عُبَيْدَة: أشَدُّ الْخَيل دُهْمَةً، الأدْهَمُ الغَيْهَبِيُّ؛ وَهُوَ: أَشد الْخَيل سواداً؛ وَالْأُنْثَى: غَيْهَبَةٌ، والجميع غَياهِب. قَالَ: والدَّجُوجِيُّ: دون الغَيْهَبِ فِي السوَاد، وَهُوَ صافي لونِ السّواد.
هـ غ م
اسْتعْمل من وجوهه: غهم، همغ.
غهم: قَالَ أَبُو الْحسن اللحيانيّ: أَسْوَدُ غَيْهَمٌ وغَيْهَبٌ؛ وَهُوَ: الشَّديد السوَاد.
همغ: قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: الهِمْيَغُ: الْمَوْت الوَحِيُّ الْمُعَجل؛ وَقَالَ أُسَامَة الهذليّ:
إِذا وَرَدُوا مِصْرَهُمْ عُوْجِلُوا
مِنَ المَوْتِ بالهِمْيَغِ الضَّاغِطِ
وَقَالَ شمر: يُقَال: هَمَغَ رَأسه وثَدَغَه وثَمغَه: إِذا شَدَخَهُ. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : انهدَغَتِ الرُطَبة وانثدغتْ وانثمغت؛ أَي: انْفَضَخَتْ حِين سَقَطت. وَقَالَ غَيره: انهمَغَتْ، كَذَلِك.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالْقَاف)
هـ ق ك: مهمل.
هـ ق ج: مهمل
هـ ق ش
شهق: مُسْتَعْمل قَالَ اللَّيْث: الشهيق: ضِدُّ الزَّفِير، فالشهيق: رَدُّ النَّفس، والزفير: إِخْرَاج النّفَس. قَالَ: وَيَقُول: شهَق يشهَق ويشهِق شهيقاً. وَبَعْضهمْ يَقُول: شُهُوقاً. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: شهَق يشهَق ويشهِق، كَمَا قَالَ اللَّيْث. وَقَالَ اللَّهُ جلّ وعزّ فِي صفة أهل النَّار {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (هُود: 106) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجّاج: الزَّفير والشهيق: من أصوات المكْرُوبِين، قَالَ والزفير من شِدَّة الأنين وقبيحِه. والشهيق: الأنين الشَّديد الْمُرْتَفع جدًّا. قَالَ: وَزعم أهلُ اللُّغَة من الْبَصرِيين والكوفيين أنَّ الزَّفِير بِمَنْزِلَة ابتداءِ صَوت الْحمار فِي النهيق، والشهيق: بِمَنْزِلَة آخرِ صَوته فِي النهيق. قلت: وَهَكَذَا قَالَ الفرّاء فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة، وَهُوَ صَحِيح. واللَّهُ أعلم بِمَا أَرَادَ. حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ حَدثنَا الْعَبَّاس الدُوريّ، قَالَ حَدثنَا عبيد اللَّهِ بن مُوسَى، قَالَ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الرازيّ عَن الرّبيع: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} قَالَ: الزَّفير فِي الحَلْقِ، والشهيقُ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: كُلُّ شَيْء ارْتَفَع وَطَالَ فقد شَهَق؛ وَمِنْه يُقَال: شهَق يشهَق: إِذا تنفَّس نفسا عَالِيا؛ وَمِنْه الجَمَلُ الشاهق. وَقَالَ أَبُو عبيد: الشَّاهِقُ: الطَّوِيل من الْجبَال. وَقَالَ اللَّيْث: جَبَلٌ شاهِقٌ: مُمْتَنِعٌ طولا، وَالْجمع شواهِقُ. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل إِذا اشتدَّ غضبُه: إِنَّه لذُو شَاهِقٍ، وإنَّه لذُو صَاهِلٍ. وفحل ذُو شاهِقٍ وَذُو صَاهِلٍ: إِذا هاج وصال، فسمعتَ لَهُ صَوتا يخرُج من جوْفِه. وَقَالَ الأصمعيُّ: شهِقَتْ عَين النَّاظر عَلَيْهِ: إِذا أصابَتْه بعينٍ؛ وَقَالَ مُزَاحم العُقَيْلي:
إِذا شَهِقَتْ عينٌ عَلَيْهِ عَزَوْتُه
لغَيرِ أَبِيه أَو تَسنَّيْتُ رَاقِياً
أخْبَرَ أَنه فتح إنسانَ عَينهِ عَلَيْهِ فَخَشِيت أَن يُصِيبهُ بعيْنه، قلت: هُوَ هجِين لأرُدَّ عينَ الناظِر عَنهُ إِلَيْهِ.

(5/254)


هـ، ق ض: مُهْملَة.
هـ، ق ص: مهمل.

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ السِّين)
هـ ق س
اسْتعْمل من وجوهه: السَّهْوَق والقَهْوَس والسَّوْهق.
سهق قهس: أَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر: أَنه قَالَ: السهوق والسوهق، وَاحِد. قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: رجل قَهْوَسٌ؛ وَهُوَ: الطَّوِيل الضخم. وَقَالَ شمر: الألفاظُ الثَّلَاثَة بِمَعْنى واحدٍ فِي الطول والضِخَم. والكلمة واحدةٌ إِلَّا أنَّها قُدمت وأخرَتْ، كَمَا قَالُوا: عِقَاب عَبَنْقَاةُ وعَقَنْبَاةٌ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو والفّراء، قَالَا: السهوَقُ: الطَّوِيل. قَالَ الفرّاء: والسهْوقُ: الكذّاب أَيْضا. قَالَ: والسهْوق، من الرِّيَاح: الَّتِي تَنْسِجُ العَجَاج؛ أَي: تَسْفِي. وَقَالَ اللَّيْث: السَّهْوق: كل شَيْء تَرَّ وارْتَوى من سُوق الشّجر؛ وَأنْشد:
وَظيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِ ريَّانُ سَهْوَقُ
أزجُّ الخَطْوِ: بَعِيدُ مَا بَيْن الطَّرفَيْنِ، مقوَّسٌ. والسَّهْوَق: الكذّاب أَيْضا.

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الزَّاي)
(هـ ق ز)
هزق، قهز، زهق: مستعملة.
هزق: قَالَ اللَّيْث: امْرَأَة هَزِقَةٌ ومِهْزَاقٌ: وَهِي الَّتِي لَا تَسْتَقِر فِي مَوضِع. وَقَالَ أَبُو عبيد: المِهْزَاقُ، من النِّسَاء: الْكَثِيرَة الضَّحِك. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أَهْزَق فلانٌ فِي الضحك وزَهْزَق، وأَنْزَق: إِذا أَكثر مِنْهُ. ابْن الأعرابيّ: زَهْزَقَ بالضحك وأنْزَقَ وكَرْكَرَ.
وَفِي (النّوادر) : زَهْزَقَ فِي ضحكه زَهْزَقَةً ودَهْدَق دَهْدَقَةً. وَقَالَ غيرُهم: الهَزَق: النَّشاطُ، وَقد هَزِق يهزَقُ هَزَقاً؛ قَالَ رؤبة:
وشَبّح ظَهْرَ الأرضِ رقَّاصُ الهَزَقْ
زهق: قَالَ اللَّيْث: زَهَقَتْ نَفْسهُ وَهِي تَزْهَقُ؛ أَي: تذْهب. وكل شيءٍ هَلَك وبَطَل فقد زَهَق. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي قَالَ: زَهَقَتْ نَفْسُه وزهِقَتْ: لُغَتَانِ. وَقَالَ أَبُو عبيدٍ قَالَ أَبُو زيد: زَهَقَ فلانٌ بَين أَيْدِينَا يَزْهَقُ زُهُوقاً: إِذا سبَقَهم، وَكَذَلِكَ زَهَقَ الدابّةُ: إِذا سَمِن، مثله. وزَهَقت نَفْسُه وزهَق الباطلُ: لَيْسَ فِي شيءٍ مِنْهُ زَهِقَ. وَقَالَ ابْن السّكيت: زَهَقَ الفرسُ وزهَقَت الرَّاحِلَة زُهوقاً: إِذا سَبَقَتْ وتقدَّمَتْ. وزَهَق مُخُّه فَهُوَ زاهِقٌ: إِذا اكتنز، وَهُوَ زاهِقُ المخّ. قَالَ: وزَهَق الباطلُ: إِذا غَلَبَهُ الحقُّ؛ وَقد أَزْهَقَ الحقُّ الباطِلَ. وَقَالَ أهل التَّفْسِير فِي قَوْله: {جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} (الإسرَاء: 81) أَي: بَطُلَ واضْمَحلّ. وَقَالَ شمر: فرسٌ زَهَقَى: إِذا تقدّم الْخَيل؛ وَأنْشد:
على قَرا مِنْ زَهَقَى مِزَل
وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أَنه تكلّم يَوْم الشُّورَى فَقَالَ: (إِن حابِياً خيرٌ من زَاهِق) ؛ فالزّاهِقُ من السِّهَام: الَّذِي وَقع وَرَاء الهدف دون الإصَابةِ. والحابي: الَّذِي زَحَف إِلَى الهَدَف. فأَخْبَرَ أَن الضعيفَ الَّذِي يُصِيبُ الحقَّ خيرٌ من

(5/255)


الْقوي الَّذِي لَا يُصيبه، وَضرب الزاهِقَ والحَابيَ من السِّهَام لَهما مثلا. وَقَالَ اللَّيْث: الزَّاهِقُ من الدوابّ: السّمينُ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الزاهِقُ: الشَّديد الهُزال الَّذِي تَجِد زُهومةَ غُثُوثَةِ لَحْمه. قلت: هَذَا غلط، إِنَّمَا الزاهقُ: الَّذِي اكتنز لَحْمه ومُخُّه، كَمَا قَالَ ابْن السّكيت. وَقَالَ غَيره: وَقَالَ اللَّيْث: الزَّهَقُ: الوَهْدَةُ، رُبمَا وَقَعَتْ فِيهَا الدوابُّ فَهَلَكت، يُقَال: انْزَهَقَتْ أيديها فِي الحُفَر؛ وَقَالَ رؤبة:
كأنّ أيديهنَّ تَهوي فِي الزَّهَقْ
وَقَالَ غَيره: معنى الزهَقِ: التقدُّم، فِي بَيت رؤبة. وَقَالَ اللَّيْث: الزَّهْزَقَةُ: ترقيصُ الأُم الصبيَّ. والزّهْزَاقُ: اسْم ذَلِك الْفِعْل. والزَّهْزَقَةُ، كالقَهْقَهَةِ أَيْضا. أَبُو عُبَيْدَةَ: جَاءَت الخيلُ أَزَاهِقَ وأَزَاهيقَ، وَهِي جماعاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ، وَلَا وَاحدَ لَهَا من جِنْسهَا.
قهز: قَالَ اللَّيْث: القِهْزُ والقَهْزُ، لُغَتَانِ: ضَرْبٌ من الثِّيَاب تتَّخذ من صوف كالمِرْعِزِيّ، رُبمَا خالطه الْحَرِير. وَقَالَ أَبُو عبيد: القِهْزُ: ثِيَاب بيض يخالطها حَرِير؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
من الزُّرْقِ أَو صُقْعٍ كأنَّ رُؤوسَها
من القِهْزِ والقُوهِي بيضُ المقَانِعِ
وَقَالَ الراجز يصف حُمُرَ الوَحْش:
كأَنَّ لَوْنَ القِهْزِ فِي خُضُورها
والتُبْطُرِي البِيضِ فِي تَأْزِيزها
هـ ق ط: مهمل

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الدَّال)
هـ ق د
قهد، دهق، هدق: (مستعملة)
قهد: قَالَ اللَّيْث: القَهْدُ: من أوْلادِ الضّأْنِ يَضْرِبُ إِلَى الْبيَاض، وَالْجمع قِهَادٌ، قَالَ: وَيُقَال أَيْضا لِولَدِ الْبَقَرَة الوحشية: قَهْدٌ؛ وَأنْشد:
نَقُودُ جِيَادَهُنَّ وَنَفَتَلِيها
وَلَا نَعْدُو التُّيوسَ وَلَا القِهَادَا
وَقَالَ غَيره: القِهَادُ: شاءٌ حجازية؛ وَأنْشد الأصمعيّ:
أَتَبْكي أَن يُسَاقَ القَهْدُ فِيكُم
فَمَنْ يَبْكي لأهلِ السَّاجِسِي
الساجسيَّة: غنم تكون بالجزيرة. شمر عَن ابْن شُميل: القَهْدُ: الصَّغِير من الْبَقر، اللَّطِيف الْجِسْم. وَيُقَال: القَهْدُ: القصيرُ الذّنَبِ، قَالَه أَبُو عَمْرو. وَقَالَ المفضّل: قَهَدَ فِي مَشْيه: إِذا قَارب خَطْوَه وَلم ينبسط فِي مَشْيه، وَهُوَ من مشي القِصار. أَبُو عبيد: أَبْيَضُ يَقَقٌ وقَهْبٌ وقَهْدٌ، وَهُوَ بِمَعْنى وَاحِد؛ قَالَ لبيد:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَه
وصف بقرة وحشيّة أكل السبُع ولدَها فَجعله قَهْداً لبياضه. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: القَهْدُ: غنم سود تكون بِالْيمن وَهِي الحَذَفُ. قَالَ: والقَهْدُ: النَّرْجِسُ إِذا كَانَ جُنْبَذاً لم يتفتّح، فَإِذا تفتح فَهِيَ التفاتيح والتّفاقيح والعيون.
دهق: قَالَ اللَّيْث: الدّهَقُ: خشبَتان يُغْمَزُ بهما السَّاق. قَالَ: وادّهقت الْحِجَارَة

(5/256)


ادهاقاً؛ وَهُوَ شدَّةٌ تلازُمِها، وَدخُول بَعْضهَا فِي بعض؛ وَأنْشد:
يَنْصَاحُ من حَبْلَة رَضْمٌ مُدَّهِقْ
وَقَالَ الزّجَّاج فِي قَول اللَّهِ جلّ وعزّ: {ُ)) ِأَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً} (النّبَإ: 34) قَالَ: ملأى، قَالَ وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا: صَافِيَة؛ وَأنْشد:
يَلَذُّهُ بكأسِه الدهَاق
وَقَالَ غَيره: أَدْهقْتُ الكَأْسَ إِلَى أَصْبَارِها؛ أَي: ملأْتُها إِلَى أعاليها. وَقَالَ اللَّيْث: أدْهقتها: شددت ملأها قَالَ: والدَّهدقة: دَوَرَانُ البِضع الْكثير فِي القِدْرِ إِذا غَلَت، تَراها تَعْلو مرّة وتسفل أُخْرَى؛ وَأنْشد:
تَقَمُّصَ دَهْدَاقَ البَضِيعِ كأنّه
رُؤوسُ قَطاً كُدْرٍ دِقاقِ الحنَاجِرِ
(هـ ق ت: مهمل)
وَقد أهملت الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الظَّاء والذال والثاء

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف وَالرَّاء)
(هـ ق ر)
هرق، هقر، قهر، قره، رهق: مستعملات.
قهر: قَالَ اللَّيْث: القَهْرُ: الْغَلَبَة وَالْأَخْذ من فَوق، واللَّهُ القَاهِر القَهّار، قَهَر خَلْقَه بقدرته وسلطانه، فصرَّفهم على مَا أَرَادَ طَوْعًا أَو كرها. وَيُقَال أُخِذ القومُ قَهْراً: إِذا أُخِذوا دون رضاهم على سَبِيل الْغَلَبَة. ابْن السّكيت: قَالَ الطائيّ: القَهِيرَةُ: محْضٌ يُلْقَى فِيهِ الرَّضْفُ فَإِذا غَلَى ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقِيق وَسِيطَ بِهِ ثمَّ أُكل. وَقَالَ غَيره: قَهَرْنا اللحمَ نَقْهَرُه: وَذَلِكَ أول مَا تَأْخُذ فِيهِ النارُ فيسيل مَاؤُهُ؛ قَالَ الشاعِر:
فلمَّا أَنْ تَلَهْوَجْنَا شِوَاءً
بِهِ اللَّهَبَانُ مقْهُوراً ضَبِيحاً
يُقَال: ضبَحتْه النَّار وضَبَتْه وقَهَرَتْه: إِذا غيَّرته. أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: أقْهَرْنَا فلَانا: وَجَدْنَاهُ مقهوراً؛ وَمِنْه قَول المُخَبل:
تمنَّى حُصَيْنٌ أَن يَسُودَ جِذاعَه
فأَمْسى حُصَيْنٌ لَو أُذلَّ وأُقْهِرا
قَالَ أَبُو عبيد: وَرَوَاهُ الأصمعيّ: قد أَذَلَّ وأَقْهرا؛ أَي: صَارَ أصحابُه أذِلاَّء مَقْهُورين.
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: القَهْقَرُ: الْحجر الأمْلس، وَقَالَ أَبُو خيرة: القَهْقَرُ والقُهَاقِر، وَهُوَ مَا سَهَكْتَ بِهِ الشيءَ. قَالَ: والقِهْرُ أعظم مِنْهُ؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
وكأَنَّ خَلْفَ حِجَاجِها من رأسِها
وأَمامَ مَجْمَع أَخْدَعَيْها، القَهْقَرَا
شمر عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: القهقَرُّ، بتَشْديد الّراء؛ قَالَ الجعديّ:
بِأَخضَرَ كالقَهْقَر يَنْفُضُ رأسَه
أمامَ رِعالِ الخيلِ، وَهِي تُقَرَّبُ

(5/257)


وَأَخْبرنِي الإياديُّ عَن شمر أَنه قَالَ: القهقرُ، بِالتَّخْفِيفِ: الطَّعَام الْكثير الَّذِي فِي الأوعية منضوداً؛ وَأنْشد:
بَات ابنُ أدْمَاءَ يُسَامي القَهْقَرَا
قَالَ شمر: والقَهْقَرُ: الطَّعَام الْكثير الَّذِي فِي العَيْبَة. قَالَ: والقُهَيْقِرَانُ: دُوَيْبَّة. أَبُو عبيد: القَهْقَرَى: التراجع إِلَى الْخلف، يُقَال: رَجَعَ فلانٌ القَهْقَرى: إِذا رَجَعَ على عقبه وَقد قَهْقَرَ: إِذا فعل ذَلِك. ابْن الأنباريّ: إِذا ثنيت القَهْقَرى والخَوْزَلَى تُثَنّيه بِإِسْقَاط الْيَاء، فَقلت القهْقَرانِ والخوزَلان، استثقالاً للياء مَعَ التَّثْنِيَة، وياء التَّثْنِيَة. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث رَوَاهُ عكرمةُ عَن ابْن عَبَّاس عَن عَمْرو، أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِنِّي أُمسك بحُجَزكُمْ، هَلُمَّ إِلَى النَّار، وتَقَاحَمُونَ فِيهَا تَقَاحُمَ الفَراشِ، وتَرِدُونَ على الْحَوْض، ويُذْهَبَ بكم ذاتَ الشمَال، فَأَقُول: يَا ربّ، أمَّتي فيقالُ: إِنَّهُم كانُوا يمشونَ بعْدك القَهْقَرى) . قلت: مَعْنَاهُ: الارْتِدَادُ عمّا كَانُوا عَلَيْهِ.
هقر: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهقَوَّرُ: الطَّوِيل الضخم الْأَحْمَر. والهُقَيْرَة. تَصْغِير الهَقْرَة؛ وَهُوَ: وجع من أوجاع الْغنم.
قره: قَالَ اللَّيْث: القَرَهُ فِي الْجَسَد كالقَلَح فِي الْأَسْنَان؛ وَهُوَ: الوسخُ. والنعت: أَقْرَهُ وقَرْهَاءُ ومُتَقَرهٌ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَرِه الرجل: إِذا تَقَوَّب جِلْده من كَثْرَة القُوباء.
هرق: قَالَ اللَّيْث: هَرَاقَت السَّمَاء ماءَها، وَهِي تُهَرِيق. وَالْمَاء مُهَرَاق، الْهَاء فِي ذَلِك متحرّكة، لِأَنَّهَا لَيست بأصليَّةٍ، إِنَّمَا هِيَ بدل من همزةِ أَرَاقَ. قَالَ: وهَرَقْتُ مثلُ أَرَقْتُ. قَالَ، ومَنْ قَالَ: أَهْرَقْتُ فَهُوَ خطأ فِي الْقيَاس. ومَثَل للْعَرَب تخاطب بِهِ الغضبان: هَرق على خَمْرِكَ أَو تَبَيَّنْ؛ أَي: تَثَبّتْ. ومثلُ هرقت وَالْأَصْل أرقت قَوْلهم: هَرَحْتُ الدابَّة وأَرَحْتُها؛ وَهَنَرْتُ النَّار وأنرتها. وأمَّا لُغَة من قَالَ أَهْرَقْتُ المَاء فَهِيَ بعيدَة. وَقَالَ أَبُو زيد: الْهَاء فِيهَا زَائِدَة، كَمَا قَالُوا أَنْهأْتُ اللَّحْم، وَالْأَصْل أَنَأْتُه بِوَزْن أَنَعْتُه. وَيُقَال هَرق عنّا من الظهيرة، وأَهْرِىء عنَّا من الظهيرة، جعل الْقَاف مبدلة من الْهَمْز فِي أهرىء. وَقَالَ بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا قَالُوا: هَرَاق يُهَرِيق لِأَن الأَصْل فِي أَرَاق يُرِيق يُؤَرْيِق؛ لِأَن أفعل يُفْعِل كَانَ فِي الأَصْل يُؤَفْعِلُ فقلبوا الْهمزَة الَّتِي فِي يُؤَرِيق هَاء، فَقيل: يُهَرِيق، وَلذَلِك حركت الْهَاء. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَطَر مُهَرَوْرِقٌ ودمع مُهَرَوْرِقٌ. عَمْرو عَن أَبِيه: هُوَ اليَمُّ والقَلَمَّسُ والنَوْفَلُ والمُهْرُقَانُ للبحر، بِضَم الْمِيم والرَّاء؛ وَقَالَ ابْن مقبل:
يمشي بهِ نُورُ الظبَاءِ كأنَّها
جَنَى مُهْرُقَانٍ فاضَ باللّيل سَاحِلُهْ
ومُهْرُقان معرّب أَصله مَا هِي رُويان
وَقَالَ بَعضهم: مُهْرُقان مُفْعُلان من هرقت؛ لِأَن مَاء الْبَحْر يفِيض على السَّاحِل إِذا مَدّ فَإِذا جزر بَقِي الوَدَعْ. والمُهْرَقُ: الصَّحِيفَة الْبَيْضَاء يكْتب فِيهَا، معرَّبٌ أَيْضا، أَصله مُهْرَه كَرَّر، قَالَه الأصمعيّ فِيمَا روى عَنهُ أَبُو عبيد؛ وَأنْشد:
لآلِ أَسْمَاءَ مِثْلُ المُهْرَقِ البَالِي

(5/258)


وَقَالَ اللَّيْث: المُهْرَقُ: الصَّحرَاء الملساء. قلت: وَإِنَّمَا قيل للصحراء مُهْرَقٌ تَشْبِيها بالصحيفة الملساء؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
رَبِّي كريمٌ لَا يكدرُ نِعْمَةً
وَإِذا تُنُوشِدَ فِي المَهَارِقِ أنشدا
أَرَادَ بالمَهَارق: الصحائف. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هَرِيقُوا عَنْكُم أوّلَ اللَّيْل فحمةَ الليلِ؛ أَي: انزلوا، وَهِي سَاعَة يَشُقُّ فِيهَا السّير على الدوابّ حَتَّى يمْضِي ذَلِك الْوَقْت، وَهُوَ مَا بَين العَشَاءين.
رهق: قَالَ اللَّيْث: الرَّهَقُ: جهلٌ فِي الْإِنْسَان وخفَّةٌ فِي عقله؛ تَقول: بِهِ رهقٌ، وَلم أسمع مِنْهُ فِعْلاً. قَالَ: ورجلٌ مُرَهَّقٌ: مَوْصُوف بالرهق. قَالَ: ورَهِقَ فلانٌ فلَانا: إذَا تَبِعَهُ فقَرب أَن يلحَقَه. قَالَ: والرَّهَقُ، أَيْضا: غشيان الشيءِ، تَقول: رهِقَه مَا يكرَهُ؛ أَي: غشيه ذَلِك. قَالَ اللَّهُ: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} (يُونس: 26) أَي: لَا يَغْشَاهَا. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: فِي فلَان رهَقٌ؛ أَي: يَغْشى المحارمَ. قَالَ: وَأَرْهَقْتُ الرجل: أدْرَكْتُه، ورهِقْتُه: غَشِيتُه. قَالَ: والمُرَهَّقُ الَّذِي يَغْشَاهُ السُّؤالُ والضيفان. والمُرَهَّقُ، أَيْضا: المتَّهم فِي دِينه. وأرْهَق الْقَوْم الصَّلَاة: إِذا أخَّرُوها حَتَّى يدنُوَ وَقت الْأُخْرَى. أَبُو زيد: أرهَقْتُهُ عُسْراً: إِذا كلَّفْتَه ذَاك، وأرهقْتُه إِثْماً حَتَّى رهِقَه رهَقاً: أَدْرَكَه. وَفِي حَدِيث أبي وَائِل: أنَّه صلّى على امرأةٍ كَانَت تُرَهَّقُ؛ يَعْنِي: تُتَّهم وتُؤْبَنُ بشرَ، وَمِنْه رجل مُرَهَّق، وَفِيه رَهَقٌ: إِذا كَانَ يُظَنّ بِهِ السوءُ؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
كالكَوْكبِ الأزْهَرِ انشقَّتْ دُجُنَّتُه
فِي الناسِ، لَا رَهَقٌ فِيهِ وَلَا بَخَلُ
سَلمة عَن الفرّاء قَالَ: رَهِقَنِي الرجل يرْهَقُني رَهَقاً؛ أَي: لَحِقَنِي وغَشِيني، وأرهقْته: إِذا أرهقته غيرَك. قَالَ: والمُرْهَق: المحمولُ عَلَيْهِ فِي الْأَمر مَا لَا يُطيق. وَبِه رَهَقٌ شَدِيد: وَهِي العظمة وَالْفساد. شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: أَرْهَقَنِي الْقَوْم أَن أصلّي؛ أَي: أَعْجَلُوني. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّه لَرَهِقٌ نَزِلٌ؛ أَي: سريع إِلَى الشَّرّ، سريع الحِدَّة؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
وِلاَيةُ سِلَّغْدٍ أَلَفَّ كأَنَّه
من الرَّهَقِ المَخْلُوطِ بالنُّوْكِ أَثْوَلُ
وَقَالَ الشَّيْبَانِيّ: فِيهِ رَهَقٌ؛ أَي: خِفَّة وحدّة. وَإنَّهُ لَمُرْهَقٌ؛ أَي: فِيهِ حدّة وسفه. وَقَالَ الزَّجَّاج فِي قَول الله: {ُكَذِباً وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ} (الجنّ: 6) قيل كَانَ أهْلُ الجاهليَّة إِذا مرّت رُفقة مِنْهُم بوادٍ يَقُولُونَ: نَعُوذُ بعزيز هَذَا الوادِي من مَرَدَة الجنّ، فزادوهم رَهَقاً؛ أَي: ذِلّةً وضعفاً. قَالَ: وَيجوز واللَّهُ أعلم أنّ الْإِنْس الَّذين عَاذُوا بالجنّ زادهم الجنُّ رَهَقاً؛ أَي: ذِلَّةً. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {الْجِنِّ فَزَادوهُمْ} قَالَ: طُغْياناً. وَقَالَ قَتَادَة: زَادُوهم إثْماً. وَقَالَ الكلبيّ: زادُوهم غيًّا. وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ} (الجنّ: 13) فإنّ الفرّاء قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يخَاف بخساً وَلَا ظُلماً. قلت: الرَّهَقُ، اسمٌ من الإرهاق، وَهُوَ: أَن يُحمَلَ عَلَيْهِ مَا لَا يطيقه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أرهقْنَاهم الخيلَ فهم

(5/259)


يُرهَقون. قَالَ: والمُراهِقُ: الغلامُ الَّذِي قد قَارب الحُلْم. قَالَ ابْن بُزُرْج، يُقَال: جَارِيَة مُراهقَةٌ وَغُلَام مُرَاهِقٌ، وَيُقَال جَارِيَة رَاهِقَة وَغُلَام رَاهِقٌ، وَذَلِكَ ابنُ الْعشْرَة وَإِحْدَى عشرَة؛ وَأنْشد:
وفَتَاةٍ راهِقٍ عُلقْتُها
فِي عَلاليَّ طِوالٍ وظُلَلْ
قَالَ: والرَّهَقُ: الْكَذِب، وَأنْشد:
حَلَفَتْ يَمِينا غيرَ مَا رهَقٍ
باللَّهِ رب محمّدٍ وبِلاَلِ
وَفِي حَدِيث سعد: أَنه كَانَ إِذا دخل مكّة مُرَاهِقاً خرج إِلَى عرَفَة قبل أَن يطوفَ بِالْبَيْتِ. قَوْله: مراهقاً؛ أَي: ضَاقَ عَلَيْهِ الوقْتُ حَتَّى يخافَ فوتَ الوقُوف بعرفةَ فِي وقته. وَيُقَال: هُوَ يَعْدُو الرَّهَق، وَهُوَ: أَن يُسرِع فِي عدْوه حَتَّى يُرْهِقَ الَّذِي يطلُبه. وَيُقَال: الْقَوْم رُهَاقُ مائَة، ورَهاق مائَة، كَقَوْلِك زُهاء مائَة، وقُراب مائَة. وَقَالَ النَّضر: الرَّهُوق: النَّاقة الوَسَاعُ الجَواد الَّتِي إِذا قُدْتَها رَهِقَتْك حَتَّى تكادَ أَن تطأَكَ بخفها؛ وَأنْشد:
وَقلت لَهَا: أرْخِي فأَرْخَتْ برأسِها
غَشَمْشَمةٌ للقائدِينَ رَهُوقُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَّهَقُ: الخفّة والعربدة؛ وَأنْشد فِي وصف كَرْمَةٍ:
لَهَا حَلِيبٌ كأنَّ المِسْكَ خالَطَه
يَغْشَى النَّدامَى عَلَيْهِ الجُودُ والرَّهَقُ
أَرَادَ عصير الْعِنَب. والرَّيهَقَانُ: الزَّعْفَرَان، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. الأصمعيّ: يُقَال: رَهِقَه دَيْنٌ فَهُوَ يَرْهَقُه: إِذا غشيه. وَإنَّهُ لعطوفٌ على المُرْهَق؛ أَي: على المدْرَك. وَقد أرهَقَ فلانٌ الصلاةَ: إِذا أخرَّها حَتَّى تكَاد أَن تدْنُوَ من الْأُخْرَى. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المُرهَّق: الفاسِد. والمُرَهّقُ: الْكَرِيم الْجواد؛ وَقَالَ ابْن هَرمة:
خَيْرُ الرجالِ المُرَهَقّون كَمَا
خَيْرُ تِلاَعِ البِلادِ أَوْطَؤها
وهم الَّذين يَغْشَاهُم الأضياف والسُّؤَّال.

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ اللَّام)
(هـ ق ل)
هِقْل، قهل، قله، لهق: مستعملة.
قهل: قَالَ اللَّيْث: القَهَلُ؛ كالقَرَهِ فِي قَشَفِ الْإِنْسَان وقَذَر جلده. وَرجل مُتقَهلٌ: لَا يتَعَاهَد جسده بِالْمَاءِ والنظافَةِ. قَالَ: وأقْهَلَ الرجلُ: إِذا تكلّف مَا يعِيبهُ ويدنس نَفسه؛ وَأنْشد:
خَليفَة اللَّهِ بِلَا إقْهال
قَالَ: وقهِل الرجل قَهَلاً: إِذا استقلّ العَطيَّة وكَفَرَ النِّعْمَة. وَقَالَ أَبُو عبيد: قهل الرجل قهلاً: إِذا جدّف. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَهَلت الرجل أقْهَلُه قَهَلاً: إِذا أثْنَيْتَ عَلَيْهِ ثَنَاء قبيحاً، وَرجل متقَهل: إِذا كَانَ رثَّ الْهَيْئَة متقشفاً. وَيُقَال: قَهَلَ جلدُه وقَحَلَ: إِذا يَبِس فَهُوَ قاهِلٌ قاحِلٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّقهل: شكوى الْحَاجة؛ وَأنْشد:
لَعْوٌ، إِذا لاقَيْتَه تَقَهَّلاَ
وإِنْ حَطَأْتَ كَتِفَيْهِ ذَرْملا
والذَّرْمَلَةُ: إرْسَال السَّلْح. رجلٌ مِقْهَالٌ: إِذا كَانَ مُجَدفاً، كفوراً للنعمة. وَقَالَ هِمْيَان يصف عيرًا وأُتُنَه:

(5/260)


تَضْرَحُهُ ضَرْحاً فَيَنْقَهِلُّ
يَرْفَتُّ عَن مَنْسِمِه الخَشْبَلُّ
ينقهلّ أَصله ينقهلُ، مخفف اللَّام، فثقَّله، وَمَعْنَاهُ: أَنه يشكوها وَيحْتَمل ضرحها إِيَّاه. والخشبلُّ: الْحِجَارَة الخشنة.
هِقْل: الهِقْلُ: الظليم، والنعامة هِقْلة؛ وَقَالَ مَالك بن خَالِد:
واللَّهُ مَا هِقْلَةٌ حَصَّاءُ عَنَّ لَهَا
جَوْنُ السَّرَاةِ هِزَفٌّ لَحْمُه زِيَمُ
وَقَالَ اللَّيْث: الهِقْلُ والهِقْلَةُ: الفَتِيَّان من النعام.
قله: قَالَ اللَّيْث: القَلَهُ: لُغَة فِي القَرَهِ.
لهق: وَقَالَ اللَّيْث: اللهَقُ: الأبْيض، لَيْسَ بذِي بريق وَلَا مُوهَةٍ، كاليَقَق، إِنَّمَا هُوَ نعت للثورِ والثوبِ والشيبِ. وَالْبَعِير الأعْيَسُ: لَهَقٌ، وَالْأُنْثَى لَهَقٌ، والجميع لَهَقَةٌ؛ وَأنْشد:
بَان الشبابُ ولاحَ الواضحُ اللهَق
وَلَا أرى بَاطِلا والشيبُ يَتَّفِق
أَبُو عبيد: أبيضُ يَقَقٌ ولَهَقٌ، بِمَعْنى وَاحِد. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال فِي فلَان لَهْوَقَةٌ وبَلْهَقَةٌ؛ أَي: طَرْمَذَة وكِبْر. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: التَّلهْوُق، مثل التَّملُّق. وَقَالَ: رجُلٌ مُلَهَّقُ اللَّوْن؛ أَي: أبْيَضُه واضِحُه. وَقَالَ أَبُو الخطّاب: تلهوق الرجل تَلَهْوُقاً؛ وَهُوَ: أَن يتزيّن بِمَا لَيْسَ فِيهِ من الخُلُق والمروءة وَالدّين؛ وَقَالَ رؤبة:
والغِرُّ مَغْرُورٌ وَإِن تَلَهْوَقا
وَقَالَ اللَّيْث: رجل لَهْوقٌ، وَهُوَ يَتَلَهْوق؛ وَهُوَ أَن يُبْدِي من سنحاته ويفتخِر بِغَيْر مَا عَلَيْهِ سجيته. وَفِي الحَدِيث: (كاَنَ خُلُق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجيَّة، وَلم يكن تَلَهْوُقاً) .

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ النُّون)
(هـ ق ن)
نقه، نهق: مستعملان.
نقه: قَالَ اللَّيْث: نَقِهَ يَنْقَهُ، مَعْنَاهُ: فهم يفهم، فَهُوَ نَقِهٌ: سريع الفِطْنَة. ابْن بزرج: نَقِهْتُ الخبرَ والحديثَ، مفتوحٌ ومكسورٌ نَقْهاً ونُقُوهاً ونَقَاهَةً ونُقْهَاناً، وَأَنا أَنْقَه. قَالَ: ونَقِهْتُ من الْحمى أَنْقَهُ مِنْهَا نُقُوهاً. ونَقِهَ من مَرضه يَنْقَهُ نُقُوهاً، فَهُوَ نَاقِهٌ. وَقَالَ شمر: روى ابْن الأعرابيّ بَيت المُخَبَّل:
واستنقهوا للمحلم
أَي: فهموه. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عدنانَ عَن أبي زيدٍ مثلَه. وَفِي (النَّوَادِر) ، يُقَال: انْتَقَهْتُ من الحَدِيث ونَقَهْتُ، وانْتَقَهْتُ؛ أَي: اشتَفَيْتُ. وفلانٌ لَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ، بِمَعْنى وَاحِد.
نهق: قَالَ اللَّيْث: النَّهْقُ جَزْمٌ نَبَات يشبه الجِرْجير من أَحْرَار البَقُول، يُؤْكَل. قلت: سَمَاعي من الْعَرَب النَّهَقُ؛ بحركة الْهَاء للجِرْجير البرّيّ، رَأَيْته فِي رياض الصَّمَّان، وَكُنَّا نأكله بالتمْر لِأَن فِي طعمه حَمْزَة وحَرارةً، وَهُوَ الجِرجير بِعَيْنِه، إِلَّا أنَّه بريٌّ يلذع اللِّسَان، وَيُقَال لَهُ الأَيْهَقَانُ، وَأكْثر مَا ينْبت فِي قِرْيان الرياض. وَقَالَ اللَّيْث: النَهيقُ: صَوت الْحمار، فَإِذا كرَّر نهيقه،

(5/261)


قيل: أَخذه النُّهَاقُ. قَالَ: ونَوَاهِقُ الدَّابَّة: عروق تكتَنِفُ خياشيمه، الْوَاحِدَة ناهِقَةٌ. أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: النَّوَاهِقُ، من الْخَيل والحُمُر: حَيْثُ يخرج النُّهاقُ من حلقه، قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: النواهق: الْعِظَام الناتِئَةُ من الخيلِ فِي خُدودها. وَقَالَ أَبُو عبيدةَ فِي (كِتَابه) : النّاهقان: عظمان شاخصان فِي وَجه الْفرس أَسْفَل من عَيْنَيْهِ. وَقيل: النَّوَاهِقُ: مَا أَسْهَلَ من الجَبْهَةِ فِي أَسْفَل الْأنف. ابْن السّكيت: الناهقان: عظمان يَبْدُوانِ من ذِي الحافِر فِي مَجْرَى الدمع، وَيُقَال لَهما: النواهق؛ وَأنْشد:

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الْفَاء)
هـ ق ف
فهق، فقه: (مستعملان) .
بِعَارِي النَّوَاهِقِ صَلْتِ الجبي
نِ يَسْتَنُّ كالتَّيْس ذِي الحُلَّبِ
فهق: قَالَ اللَّيْث: الفَهْقَةُ: عظمٌ عِنْد فائِق الرَّأْس، مشرفٌ على اللَّهاة، وَهُوَ الْعظم الَّذِي يسْقط على اللَّهاة فَيُقَال: نُهِقَ الصبيّ، وَقَالَ رؤبة:
قد يَجَأُ الفَهْقَةَ حَتَّى تَنْدَلِقْ
أَي: يَجَأُ الْقَفَا حَتَّى تسْقط الفهْقَةُ من بَاطِن. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ الفَهْقَةُ: مَوْصِلُ العُنُق والرأسِ، وَهِي آخرُ خَرَزة فِي الْعُنُق. وَقَالَ اللَّيْث: الفَهَقُ: اتساع كل شَيْء يَنْبع مِنْهُ ماءٌ أَو دمٌ. تَقول: انْفَهَقت الطعنةُ، وانفهقت العينُ؛ وَهِي: أَرض تَتَفَهَّقُ مياهاً عِذَاباً؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
وأطْعَنُ الطَّعْنَةَ النَّجْلاءَ عَن عُرُضٍ
تَنْقِي المَسابِيرَ بالإزْبَادِ والفَهَقِ
قَالَ: والفَيْهَقُ: الْوَاسِع من كل شَيْء، يُقَال: مفازَةٌ فَيْهَقٌ. شمِرُ عَن ابْن الأعرابيّ: أَرض فَيْهَقٌ وفَيْحَقٌ؛ وَهِي: الواسعة؛ قَالَ رؤبة:
وَإِنْ عَلَوْا من فَيْفِ خَرْقٍ فَيْهَقَا
أَلْقَى بِهِ الآلُ غديراً دَيْسَقَا
قَالَ: وانفهقّ الشيءُ: إِذا اتَّسع؛ وَقَالَ رؤبة:
وانْشَقّ عَنْهَا صَحْصَحَانُ المُنْفَهِقْ
قَالَ: وَمِنْه يُقَال: انْفَهَقَ فِي الكلامِ وتَفَيْهَقَ: إِذا توسّع فِيهِ؛ وَقَالَ الفرزدق:
تَفَيْهَقَ بالعِرَاقِ أَبُو المُثَنَّى
وعلَّمَ قَوْمَهُ أَكْلَ الخَبِيصِ
ورِوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنّ أبغَضكم إليّ الثَّرْثَارُون المُتَفَيْهِقُون، قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا المُتَفَيْهِقُون؟ قَالَ: المتكبّرون) . قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الأصمعيّ: أصل الفَهَقِ: الامتلاءُ، فَمَعْنَى المتفَيْهِق: الَّذِي يتوسّع فِي كَلَامه ويَفْهَقُ بِهِ فَمَه؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
تَرُوحُ على آلِ المُحَلقِ جَفْنَةٌ
كَجَابِيَةِ الشّيخِ العِراقيّ تَفْهَقُ
يَعْنِي: الامتلاء. وَقَالَ اللَّيْث: المُتَفَيْهِقُ: الَّذِي يتفتح بالبذَخ. يُقَال: هُوَ يَتَفَيْهَقُ علينا بمالِ غَيْرِه. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: كل شَيْء تَوَسَّع فقد تَفَهَّق. وبئر مِفْهَاقٌ: كَثِيرَة المَاء؛ قَالَ حسّان:

(5/262)


على كُل مِفْهَاقٍ خَسِيفٍ غُرُوُبها
تُفَرغُ فِي حَوْضٍ مِنَ الماءِ أَسْجَلاَ
قَالَ: الغُروبُ هَهُنَا: مَاؤُهَا. وَقَالَ الأصمعيّ: حَدثنَا قُرَّة بن خَالِد قَالَ: سُئِلَ عبدُ اللَّهِ بن عثى عَن المُتَفَيْهِقِ، فَقَالَ: هُوَ المتفَخّم المتفتح المتَبَخْتِر. وَفِي الحَدِيث: أَنَّ رجُلاً يخرجُ من النَّار فَيُدْنَى من الجنَّة فَتَنْفَهِقُ؛ أَي: تَنْفَتح وتتسِع. والفَيْهَقُ: الْبَلَد الْوَاسِع. المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء، قَالَ: يُقَال: بَات صَبِيُّهَا على فَهَقٍ: إِذا امْتَلَأَ من اللَّبَنِ.
فقه: قَالَ اللَّيْث: الفِقْهُ: العِلْمُ فِي الدّين، يُقَال: فَقِهَ الرجل يَفْقَهُ فَهُوَ فَقِيهٌ، وأفْقَهْتُه أَنَا؛ أَي: بيَّنْتُ لَهُ تعلُّمَ الْفِقْه. قلت أَنا، يُقَال: فَقِه فُلانٌ عَني مَا بيَّنْتُ لَهُ، يَفْقَهُ فِقْهاً: إِذا فَهِمَه. وَقَالَ لي رجل من بني كلاب، وَهُوَ يصف لي شَيْئا فَلَمَّا فَرغ من كَلَامه قَالَ لي: أَفقِهْتَ؟ يُرِيد: أَفَهِمْتَ؟ والفِقْهُ هُوَ: الفَهْمُ. قَالَ: أُوتِيَ فلانٌ فِقْهاً فِي الدّين؛ أَي: فَهْماً فِيهِ. ودعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلمْهُ الدّينَ وَفقهْهُ فِي التَّأْوِيل) ؛ أَي: فهمه تَأْوِيله، فَاسْتَجَاب اللَّهُ جلّ وعزّ دُعاء نبيه فِيهِ، وَكَانَ من أَعْلَمِ النَّاس بِكِتَاب اللَّهِ فِي زَمَانه، وَلم يُلْحَقْ شأْوه من بعده. وأَمَّا فَقُهَ الرجلُ، بِضَم الْقَاف، فَإِنَّمَا يُستعملُ فِي النّعت. يُقَال: رجل فَقِيهٌ وَقد فَقُهَ يَفْقُهُ فَقَاهَةً: إِذا صَار فَقِيهاً. وَفِي حَدِيث سَلْمانَ أَنَّه نزل على نَبَطِيَّةٍ بالعراق، فَقَالَ لَهَا: هَل هُنَا مَكَان نظيفٌ أُصلّي فِيهِ؟ فَقَالَت: طَهرْ قلبَك وصَل حَيْثُ شِئْت. فَقَالَ سَلْمَانُ: فَقِهَتْ. قَالَ شمر: مَعْنَاهُ أَنَّهَا فَقِهَتْ هَذَا الْمَعْنى الَّذِي خاطَبَتْهُ بِهِ. وَلَو قَالَ فَقَهَتْ، كَانَ مَعْنَاهُ: صارتْ فَقِيهَةً. يُقَال: فَقِهَ عَني كلاَمِي يَفْقَهُ؛ أَي: فَهِمَ، وَمَا كَانَ فَقِيهاً وَلَقَد فَقِهَ وَفَقُهَ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل أعجبني فَقَاهَتُه؛ أَي: فِقْهُهُ. وَقَالَ أَبُو بكر. رجل فَقِيهٌ؛ أَي: عَالِمٌ. وكل عالمٍ بشيءٍ فَهُوَ فَقِيهٌ، من ذَلِك قولُهم فلانٌ مَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ؛ مَعْنَاهُ لَا يَعلَمُ وَلَا يَفْهَمُ. قَالَ: وفَقِهْتُ الحديثَ أَفْقَهُهُ: إِذا فهمَه. وفَقِيهُ العربِ: عالمُ العربِ. وَقَول اللَّهِ: {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ} (التّوبَة: 122) ، مَعْنَاهُ: ليكونوا علماءَ بِهِ.

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الْبَاء)
هـ ق ب
اسْتعْمل من وجوهه: قهب، هقب، بهق، هبق.
قهب: قَالَ اللَّيْث: القَهْبُ: الأبْيَضُ من أَوْلَاد الْبَقر والمِعْزَى، ونحوِ ذَلِك. يُقَال إِنَّه لَقَهْبُ الإهاب، وإنّه لَقُهَابٌ وقُهَابيٌّ، وَالْأُنْثَى قَهْبَةٌ. وَقَالَ أَبُو عبيد: القَهْبُ: الْأَبْيَض. وَقَالَ اللَّيْث: القَهْبُ، أَيْضا: المُسِنُّ فِي قَول رؤبة:
إنّ تميماً كَانَ قَهْباً مِنْ عَادْ
وَقَالَ:
إنّ تميماً كَانَ قَهْباً قَهْقَبَا
أَي: كَانَ قديمَ الأَصْل عَادِيَّهُ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: يُقَال للشَّيْخ إِذا أَسَنَّ: قَحْرٌ وقَهْبٌ. وَقَالَ اللَّيْث: القهب:

(5/263)


اليعقُوب، وَهُوَ الذّكر من الحَجَلِ، وَأنْشد:
فَأَضْحَتِ الدَّارُ قَفْراً لَا أَنِيسَ بهَا
إِلَّا القُهَابُ مَعَ القَهْبِي والحَذَفِ
وروى أَبُو عمر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ القَهْبِيُّ: ذكر القَبَجِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القَهْبُ: الطَّوِيل من الْجبَال. وَقَالَ اللَّيْث: القَهُوبَةُ، من نصالِ السِّهَام: ذاتُ شُعَبٍ ثلاثٍ، وَرُبَّما كَانَت حديدَتَين تنضمان أَحْيَانًا وتنفرجان، والجميع القَهُوبَاتُ. عَمْرو عَن أَبِيه وَابْن نجدة عَن أبي زيد وَابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل: قَالُوا جَمِيعًا القَهُوبَاتُ: السِّهَام الصغار المُقَرْطِسات، واحدتها قَهْوَبَةُ؛ قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح؛ وَقَالَ رؤبة:
عَن ذِي خَنَاذِيذَ قُهَابٍ أَدْلَمُه
قَالَ: القُهْبَةُ: سَواد فِي حُمْرة. أَقْهَبُ: بَينُ القُهْبَة والأدْلم: الأسْوَد. فالقَهْبُ: الْأَبْيَض، والأقْهَبُ: الأَدْلَمُ، كَمَا ترى. وَقَالَ ابْن السّكيت: الأقْهَبَانِ: الْفِيل والجاموس؛ قَالَ رؤبة:
والأَقْهَبينِ الفيلَ والجامُوسَا
وكل واحدٍ مِنْهُمَا أقهبُ للونه.
هقب: قَالَ اللَّيْث: الهِقَبُّ: الضَخْمُ الطَّوِيل من النّعام، وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
من المُسُوحِ هِقَبٌّ شَوْقَبٌ خَشِبُ
قهب: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القَهْقَبُ والقَهْقَمُ: الْجمل الضَّخْمُ. وَقَالَ اللَّيْث: القَهْبُ بِالتَّخْفِيفِ الْعَظِيم الطَّوِيل الرغيب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القهقب: الباذِنجان.
بهق: قَالَ اللَّيْث: البَهَقُ: بياضٌ دُونَ البرصِ، وَقَالَ رؤبة:
كأَنّهُ فِي الجِلْدِ تَوْليعُ الْبَهَقْ
وَالله أعلم.

(5/264)


(بَاب الْهَاء وَالْقَاف مَعَ الْمِيم)
(هـ ق م)
هقم، همق، قهم، قمه، مهق، مقه: مستعملات.
هقم:: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الهَقْمُ: أصوات شُرب الْإِبِل للْمَاء.
قلت: جعله جمع هَيْقَم، وَهُوَ حِكَايَة صَوت جرعها المَاء كَمَا قَالَ رؤبة:
وَلم يَزلْ عِزُّ تَمِيم مدعَما
للنَّاس يَدْعُو هَيْقَماً وهيقما
كالبحر مَا لقَّمتَه تلقَّما
وَقَالَ اللَّيْث: بَحر هَيْقَمٌ: واسعٌ بعيدُ القعر.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل هَقِمٌ: شديدُ الْجُوع كثير الْأكل وَهُوَ يتهقِّمُ الطَّعَام، أَي يتلقمه لُقماً عظاماً متتابعة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الهَقِمُ: الجائع وَقد هقِم هَقَماً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول رؤبة:
يَكْفِيهِ مِحْرابَ العِدَا تَهقُّمُه
قَالَ: وَهُوَ قهره من يحاربه، قَالَ: وَأَصله من الجائع الهَقِم، وَقَالَ فِي قَوْله:
من طول مَا هَقَّمه تهقُّمُه
قَالَ: تَهَقُّمه: حِرْصه ورجوعه، وَقَالَ فِي قَول رؤبة:
للنَّاس يَدْعُو هَيْقماً وهَيْقمَا
إنّه شبهه بفحل وضربهُ مثلا. وهَيْقَم حِكَايَة هديره، وَرَوَاهُ بَعضهم:
كالبَحْر يدعُو هيقما وهيقما
فَمن رَوَاهُ كَذَلِك أَرَادَ حِكَايَة أصوات أمواجه.
وَقَالَ بَعضهم: الهيقمانيّ: الطَّوِيل من كل شَيْء.
وَقَالَ الشَّاعِر:
من الهَيْقَمَا نِيَّات هَيْقٌ كَأَنَّهُ
من السِّنْدِ ذُو كَبْليْنِ أفلتَ من تَبْل
قهم: أهمله اللَّيْث.
أَبُو عبيد عَن الكسائيِّ: يُقَال للقليل الطُّعم: قد أَقْهَى وأَقْهَم.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي (النَّوَادِر) : المقْهِم: الَّذِي لَا يُطْعَم من مرض أَو غَيره.
قَالَ وَقَالَ أَبُو السَّمْح: المُقْهِمُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي الطَّعَام من مرض أَو غَيره.

(6/5)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أقهَمَ فلانٌ إِلَى الطَّعَام إقْهاماً، إِذا اشتهاه، وأقهَمَ عَن الطَّعَام إِذا لم يشتهه، وَأنْشد فِي الاشتهاء:
وَهُوَ إِلَى الزَّاد شديدُ الإقْهام
قَالَ: وأقهمت الإبلُ عَن المَاء إِذا لم ترُده، وَأنْشد:
وَلَو أَن لُؤْمَ ابنْي سُلَيْمَان فِي الغَضَا
أَو الصِّلِّيَان لم تَذُقْهُ الأباعرُ
أَو الْحَمض لاقْوَرَّت أَو المَاء أقهمت
عَن المَاء حَمْضيَّاتُهُنَّ الكَنَاعرُ
قلت: من جعل الإقْهام شَهْوَة ذهبَ بِهِ إِلَى الهَقِم وَهُوَ الجائع، ثمَّ قلبه فَقَالَ: قَهمَ، ثمَّ بنى الإقهام مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أَقْهَمَتِ السَّماءُ إقْهَاماً مثل أَجْهَمت إِذا انقشع الغيمُ عَنْهَا.
مقه قمه: قَالَ اللَّيْث: المهَق والمقَهُ: بَيَاض فِي زرقة قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول المَقَهُ أشدهما بَيَاضًا، وَامْرَأَة مَهْقَاء ومَقْهَاء وسرابٌ أمقه.
وَقَالَ رؤبة:
فِي الصَّيْف من ذاكَ البعيدِ الأمْقَهِ
وَهُوَ الَّذِي لَا خضراء فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الأَقْمه، وَرَوَاهُ: من ذَاك البعيدِ الأقْمهِ، قَالَ: وَهُوَ الْبعيد، يُقَال: هُوَ يَتَقمَّه فِي الأَرْض إِذا ذهب فِيهَا.
وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا أقبل وَأدبر فِيهَا، والأمْقَهُ من النَّاس الَّذِي يركب رَأسه لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه.
وَقَالَ رؤبة أَيْضا فِي هَذِه القصيدة:
قفقاف ألْحَى الراعسات القُمَّهِ
قيل: القُمَّه: هِيَ القُمَّح، وَهِي الَّتِي رفعت رؤوسها كالقِمَاح الَّتِي لَا تشرب.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله:
يَعْدل أَنضادَ القِفافِ القُمَّهِ
قَالَ: القُمَّه من نَعْت القِفَاف، وَهِي الَّتِي تغيب وَتظهر فِي السراب.
قَالَ وَيُقَال: قَمَه الشَّيْء فِي المَاء يقمَهُهُ إِذا قَمَسه فارتفع رأسُه أَحْيَانًا وانغَمر أَحْيَانًا فَهُوَ قَامِهِ.
وَقَالَ الْمفضل: القَامِهُ: الَّذِي يركب رأسَه لَا يَدْري أَيْن يَتوجَّه.
وروى شمرٌ عَن أبي عدنانَ عَن الأصمعيّ قَالَ: الأمْقَهُ المكانُ الَّذِي اشتدَّتْ الشمسُ عَلَيْهِ حَتَّى كُرهَ النظرُ إِلَى أرضه، وَقَالَ فِي قَول ذِي الرمة:
إِذا خَفَقْت بأمْقَه صَحْصَحَانٍ
رؤوسُ الْقَوْم فالتزَمُوا الرِّحَالا
قَالَ شمر: المَقْهَاءُ الكريهةُ المنظر وَلَا يكون الْمَكَان أمقَه إِلَّا بِالنَّهَارِ، وَلَكِن ذُو الرمة قَالَه فِي سير اللَّيْل، قَالَ، وَقيل: المَقَهُ حُمْرةٌ فِي غُبْرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأمقهُ الأبيضُ القَبيح الْبيَاض، وَهُوَ الأمْهَقُ، والمقهاءُ من النساءِ الَّتِي ترَى جفونُ عينيْهَا ومآقيها مُحْمَرَّةً مَعَ قِلَّة شَعْر الحاجبين، والمَرْهَاءُ مثل المَقْهَاءُ. وفلاة مَقْهَاء، وفَيْفٌ أمقَهُ إِذا ابيضَّ من السَّراب.
وَقَالَ ذُو الرمة:

(6/6)


إِذا خَفَقَتْ بأمْقَه صَحْصحَانٍ
رؤوسُ الْقَوْم واعتَنَقُوا الرِّحالا
وَقَالَ النضرُ: المَقْهَاءُ: الأَرْض الَّتِي قد اغبرّتْ متُونها وبِرَاقُها وإباطها بيض، والمَقَهُ: غُبْرةٌ إِلَى الْبيَاض وَفِي نَبتها قِلةٌ بيِّنَةُ المقَه. قَالَ: والمَرْهَاءُ القليلة الشَّجَر سهلةً كَانَت أَو حَزْنةً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: خرج فلَان يَتَقمَهُ فِي الأَرْض: لَا يدْرِي أَيْن يذهب.
وَقَالَ أَبُو سعيد: ويتكمَّه مِثله، رَوَاهُ أَبُو تُرَاب فِي (كِتَابه) .
مهق: فِي حَدِيث أنس وصفةِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ أزهَرَ وَلم يكن بالأبيض الأَمهق.
قَالَ أَبُو عبيد: الأمهق الشَّديد الْبيَاض الَّذِي لَا يخالط بياضَهُ شيءٌ من الحُمرة وَلَيْسَ بِنيِّر وَلكنه كلون الجصّ وَنَحْوه، يَقُول: فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ يتمهَّقُ الشرابَ تمهقاً إِذا شربَه النهارَ أجمعَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال أَنْت تمهَّقُ المَاء تمهُّقاً، إِذا شربه النهارَ أجمع سَاعَة بعد سَاعَة، قَالَ: وَيُقَال ذَلِك فِي شرب اللَّبن.
وَأنْشد قَول الْكُمَيْت:
تمهَّقُ أخلافَ الْمَعيشَة بَينهم
رضاعٌ وأَخْلاَفُ الْمَعيشَة حُفَّلُ
وَقَالَ غَيره: والمهيقُ، الأَرْض الْبَعِيدَة، وَقَالَ أَبُو دواد:
لَهُ أثرٌ فِي الأَرْض لحبٌ كَأَنَّهُ
نَبِيثُ مسَاحٍ من لحاءِ مَهيقِ
قَالُوا: أَرَادَ باللحاء مَا قُشرَ من وَجه الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو زيد: الأمقهُ والأمرهُ مَعًا: الأحمرُ أَشفارَ الْعين.
همق: قَالَ ابْن شُمَيْل: المهمَّق من السَّويق: المُدَقَّق.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُمقَاقُ واحدتها هُمْقاقَة بِوَزْن فُعلالة، قَالَ وَأَظنهُ دخيلاً من كَلَام الْعَجم أَو كَلَام بَلْعَم خَاصَّة لِأَنَّهَا تكون بحبال بلعم، وَهِي حبةٌ تشبهُ حَبَّ الْقطن فِي جُمَّاحةٍ، مثلِ الخَشْخاش، إِلَّا أَنَّهَا صلبة ذاتُ شُعَب يُقْلَى حبُّه ويؤكل، يزِيد فِي الْجِمَاع، قلت: وَبَعْضهمْ يَقُول: هَمْقِيق، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الهمِق من الحمضِ وَأنْشد:
باتَتْ تَعشَّى الحمضَ بالقَصيم
لُباية من هَمِقٍ عَيشُومِ
سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: اللُّبايةُ: شجر الأُمْطِيّ، وأَنشد:
لُبَايةُ من هَمِق عَيْشُوم
قَالَ: والهَمِق نَبْت، والعَيْشُوم الْيَابِس.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهَمْقَى نبت.
قَالَ ابنُ الْأَنْبَارِي: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الهمقى مشْيَة فِيهَا تمايل، وَأنْشد:
فأَصبحنَ يمشِين الهِمَقَّى كَأَنَّمَا
يُدافعنَ بالأفخاذ نهداً مُؤرَّبا
وَفِي (كتاب أبي عَمْرو) أنْشد:
لُبَايةً من هَمِقٍ هَيْشُوم
قَالَ الهَمِقُ: الْكثير.

(6/7)


أَبْوَاب الْهَاء وَالْكَاف [/ كت]
هـ ك ج: مهمل.
(هـ ك ش)
(شكه) شكه: يُقَال: شَاكَهَ الشيءُ الشيءَ وشابهَهُ وشاكله، بِمَعْنى وَاحِد، والمشاكهة المشابهة، وَمن أَمْثَال الْعَرَب قَوْلهم للرجل المفرط فِي مدح الشَّيْء: شَاكِهْ أَبَا فلَان، أَي قاربْ فِي الْمَدْح وَلَا تُطْنِبْ وأصلهُ أنَّ رجلا رأى آخرَ يَعْرِضُ فرسا لَهُ على البيع فَقَالَ لَهُ: أَهَذا فرسُك الَّذِي كنت تصيدُ عَلَيْهِ الوحشَ فَقَالَ لَهُ شَاكِهْ أَبَا فلَان أَي قاربْ فِي الْمَدْح.
هـ ك ض: مهمل.
هـ ك ص
صهك: أهمله اللَّيْث، وروى عَمْرو عَن أَبِيه: الصُّهْكُ: الْجَوَارِي السود.
هـ ك س
اسْتعْمل من وجوهه: سَهَكَ.
سهك: قَالَ اللَّيْث السَّهَكُ ريحٌ كريهةٌ تجدُها من الْإِنْسَان إِذا عَرقَ، تَقول إِنَّه لسَهِكُ الريحِ، قَالَ النَّابِغَة:
سَهِكِينَ من صَدَإ الْحَدِيد كَأَنَّهُمْ
تَحت السَّنَوَّر جِنّةُ البَقَّار
قلت: جعلَ الليثُ السَّهك ريحَ الْإِنْسَان والسَّهَكُ عِنْد الْعَرَب رائحةُ صدإ الحديدِ، وَمِنْه قَول النَّابِغَة هَذَا: (سَهِكِينَ من صدإ) وَلَوْلَا لُبسهم الدروعَ الصَّدِئةَ مَا وَصفهم بالسهك. وَقَالَ اللَّيْث: سَهَكَت الريحُ وسهكت الدَّوابُّ سُهُوكاً وَهُوَ جَرْيٌ خفيفٌ فِي لِينٍ، وفَرَسٌ مِسْهَكٌ سريعٌ، ويقالُ: سُهوكُها: استنانُها يَمِينا وَشمَالًا، قَالَ: والسَّاهكةُ أَيْضا: الرياحُ الَّتِي تَسْهك الترابَ عَن وَجه الأَرْض، وَأنْشد:
بساهكاتِ دُقَقٍ وَجَلْجال
قَالَ: وَتقول سَهِكْتُ العِطْرَ ثمَّ سَحَقتُه فالسهْك كسركَ إيّاه بالفِهْر ثمَّ تَسْحَقُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: ريح سَهُوك وسهوجٌ وسَيْهُوكٌ وسيهوجٌ كلُّه: الشديدُ الهبوبِ، وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَحَثَثنَ الْجِمَالَ يَسْهَكْنَ بالبا
عِزِ والأُرجُوَانِ خَملَ القَطيف
أَرَادَ أنهنَّ يَطَأْنَ خَمْلَ القطائفِ حَتَّى يتحاتَّ الخمل.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: بعينِهِ ساهِكٌ مثل العائر، وهما من الرمد، وَفِي (النَّوَادِر) : وَيُقَال: سُهَاكَةٌ من خَبرَ ولُهَاوَةٌ، أَي تَعلَّةٌ من الْخَبَر كالكذب.
هـ ك ز
أهمله اللَّيْث.
زهك: وَقَالَ أَبُو زيد: الزَّهِكُ مثل السَّهك وَهُوَ الحَشُّ بَين حَجَرين، وَزَهَكَت الريحُ الأرضَ وسَهَكتْها بِمَعْنى وَاحِد، قلت: والرَّهَكُ بالراء: الدقُّ أَيْضا.
هـ ك ط
مهمل الْوُجُوه.
هـ ك د
هكد، كهد، كده، دهك: مستعملة.
أهمل اللَّيْث: هكد.

(6/8)


هكد: وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: هَكَدَ الرجلُ، إِذا تشدَّدَ على غريمِه.
دهك: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ رؤبة:
رُدّتْ رَجِيعاً بَين أرحاء دُهُكْ
قَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّهْكُ الدَّقُّ والطحن وأَرحاؤها أنيابها وَأَسْنَانهَا.
كهد: قَالَ اللَّيْث: اكوَهَدّ الشيخُ والفرخ: إِذا ارتعد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: كهد إِذا ألَحَّ فِي الطّلب، وأَكْهَدَ صَاحبه إِذا أَتْعَبه.
وَقَالَ الفرزدق يصف عيرًا وأتانَه:
موَقَّعَةٌ ببياض الرَّكوب
كهُودُ الْيَدَيْنِ مَعَ المُكهِدِ
أَرَادَ بكَهُود الْيَدَيْنِ الأَتان، وبالمُكْهِد العَيْر، كهُود الْيَدَيْنِ: سريعُهُ، والمُكْهد: المتعِب، وَيُقَال: أَصَابَهُ جَهْد وكَهْد، ويقيني كاهداً قد أعيا ومُكْهداً، وَقد كَهَد وأَكْهَدَ، وكَدَه وأكده كل ذَلِك إِذا جَهَدَه الدُّؤُبُ.
كده: قَالَ اللَّيْث: الكَدْهُ صكَّةٌ بِحجر وَنَحْوه، يؤثِّرُ أَثَراً شَدِيداً، وَقَالَ رؤبة:
وخافَ صَقْعَ القارعاتِ الكُدَّه
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال فِي وَجهه كُدوه وكُدُوحٌ أَي خُمُوشٌ، وسَقَطَ فلانٌ فَتَكَدَّهَ وتكدَّحَ، ويقالُ: هُوَ يكْدَحُ كعياله ويكْدَهُ لِعِيَالِهِ أَي يكْسَبُ لَهُم، وَيُقَال: كَدَهَهُ الهمُّ يكدَهُهُ كَدْهاً: إِذا جهده.
وَقَالَ أُسامةُ الهذَلِيُّ يصف الْخمر:
إِذا نُضِحَت بِالْمَاءِ وازداد فَوْرُها
نجا وَهُوَ مَكْدُوهٌ من الغَمِّ ناجدُ
يَقُول: إِذا عَرِقَتْ الخمرُ وفارتْ بالغَلْي نجَا العَيْرُ، والناجِدُ الَّذِي قد عَرِقَ، وَيُقَال: فِي وَجهه كُدُوهٌ وكُدُوحٌ، أَي خموش، وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سَأَلَ وَهُوَ غنيٌّ جاءتْ مسألتهُ يَوْم الْقِيَامَة كُدُوحاً) ، أَي خُمُوشاً.
هـ ك ت
اسْتعْمل من وجوهه: هتك.
هتك: قَالَ اللَّيْث: الهَتْكُ أَن تجذب سِتْراً فتقْطعُه من مَوْضِعه أَو تَشُقَّ مِنْهُ طَائِفَة يُرَى مَا وَرَاءه، وَلذَلِك يُقَال: هَتَكَ الله سِتْرَ الْفَاجِر، وَرجل مَهْتُوك السِّترِ متهتِّكه وَرجل مُسْتَهْتِكٌ لَا يُبَالِي أَن يُهْتَكَ سِترُهُ عَن عَوْرَته، وكل شَيْء يُشَقُّ كَذَلِك فقد تَهَتّكَ وانهتك، وَقَالَ فِي الْكلأ:
مُنْهتِكُ الشَّعْرانِ نَضَّاخُ العَذَبْ
والهُتْكَة ساعةٌ من اللَّيْل للْقَوْم إِذا سَارُوا، يُقَال: سِرْنَا هُتْكَةً مِنْهَا، وَقد هَاتَكْنَاهَا: سرنا فِي دُجَاها وَأنْشد:
هاتكتُهُ حَتَّى انجلتْ أكراؤُه
عني وَعَن ملموسةٍ أحناؤُه
يصف اللَّيْل وَالْبَعِير، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي هُتْكَةِ الليلِ نَحوا مِنْهُ.
وَقَالَ غَيره: الهِتَكُ قِطَعُ الفَرْش يتمزق عَن الْوَلَد، الْوَاحِدَة هِتَكة، وثَوْبٌ هَتِكٌ، وَقَالَ مُزَاحم:
جلا هَتِكاً كالرَّيْطِ عَنهُ فبيَّنَتْ
مشابههُ حُدْبَ العِظَامِ كَوَاسِيَا

(6/9)


أَي استبانت مشابهُ أَبِيه فِيهِ، عَمْرو عَن أَبِيه: الهَتْكُ: وسط اللَّيْل.
هـ ك ظ (هـ ك ذ هـ ك ث) : أهملت وجوهها.

(بَاب الْهَاء وَالْكَاف مَعَ الرَّاء)
هكر، كره، رهك، كهر: مستعملة.
هكر: أهمله الليثُ ومستعمَلهُ فاشٍ كثير، روى شمرٌ لأبي عبيدٍ قَالَ: الهَكْر: الْعجب، وَقد هَكِر يَهْكَرُ هَكَراً إِذا اشْتَدَّ عَجبُه، وَقَالَ أَبُو كَبِير:
فاعجَبْ لذَلِك رَيْبَ دهرٍ واهْكَرِ
قَالَ: والهَكِر: المتعجب، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهَكُر: الناعسُ، وَقد هَكرتْ أَي نعِسَتْ، قلت: وهَكِرٌ موضعٌ، وأراهُ روميّاً مِنْهُ قَول امرىء الْقَيْس:
أَو كبعضِ دُمَى هَكِرْ
كهر: فِي حَدِيث معاويةَ بنِ الحكمِ السُّلَمِيِّ أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت معلِّماً أحسن تَعْلِيما من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا كَهَرني وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: الكَهْر: الانتهارُ، يُقَال مِنْهُ: كَهَرْتُ الرجلَ وَأَنا أكهَرُهُ كَهْراً، قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله (فَأَما الْيَتِيم فَلَا تكْهَر) (الضُّحَى: 9) قلت: مَعْنَاهُ لَا تَقْهَرْه على مَاله.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الكَهْر فِي غير هَذَا: ارتفاعُ النَّهَار، وَقَالَ عدي بن زيد العِبادي:
فَإِذا العَانَةُ فِي كَهْرِ الضُّحَى
دونهَا أَحْقَبُ ذُو لَحْمٍ زِيَمْ
وَقَالَ اللَّيْث: الكَهْرُ استقبالُكَ الْإِنْسَان بوجهٍ عابسٍ تَهَاوناً بِهِ، وَقَالَ غَيره: فِي فلَان كُهْرُورة، أَي انتهار لمن خاطبه وتعبيس للْوَجْه وَقَالَ زيد الْخَيل:
ولستُ بِذِي كُهْرورَةٍ غيرَ أنني
إِذا طلعتْ أُولي المغيرةِ أَعْبِسُ
عَمْرو عَن أَبِيه: الكَهْر: الْقَهْر والكَهْرُ: عبوس الْوَجْه، والكَهْرُ: الشَّتْمُ والكَهْرُ: المصاهرةُ، وَأنْشد:
يُرحَّبُ بِي عِنْد بَاب الْأَمِير
وتُكْهَرُ سعدٌ ويُقْضَى لَهَا
أَي تُصاهَرُ. اللَّيْث: كَهَرُ النهارِ ارتفاعه فِي شدَّة الْحر.
كره: ذكر الله تبَارك وَتَعَالَى الكَرْه والكُره فِي غير مَوضِع من كِتَابه، وَاخْتلف الْقُرَّاء فِي فتح الْكَاف وَضمّهَا، فَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: قَرَأَ نافعٌ وأَهلُ الْمَدِينَة فِي سُورَة الْبَقَرَة: {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البَقَرَة: الْآيَة 216) بِالضَّمِّ فِي هَذَا الْحَرْف خَاصَّة، وَسَائِر الْقُرْآن بِالْفَتْح، وَكَانَ عَاصِم يضم هَذَا الْحَرْف أَيْضا، وَالَّذِي فِي الْأَحْقَاف {إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ} (الْأَحْقَاف: 15) ، ويُقرأُ سائرهُنَّ بِالْفَتْح، وَكَانَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة والكسائيّ يضمُّون هَذِه الأحرفَ الثلاثةَ، وَالَّذِي فِي النِّسَاء: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً} (النِّسَاء: 19) ثمَّ قرءوا كل شَيْء سواهَا بِالْفَتْح، قَالَ وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: نختارُ مَا عَلَيْهِ أهل الْحجاز أَنَّ جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن بِالْفَتْح إِلَّا الَّذِي فِي الْبَقَرَة خَاصَّة، فَإِن القُرَّاء قَرَءوهُ بِالضَّمِّ، قَالَ أَحْمد بن يحيى: وَلَا أعلم

(6/10)


مَا بَين الأحرف الَّتِي ضمهَا هَؤُلَاءِ وَبَين الَّتِي فتحوها فرقا فِي الْعَرَبيَّة وَلَا فِي سُنَّةٍ تتبع، وَلَا أرى النَّاس اتَّفقُوا على الْحَرْف الَّذِي فِي سُورَة الْبَقَرَة خَاصَّة، إِلَّا أَنه اسمٌ وبقيَّةُ الْقُرْآن مصَادر، وَقد أجمع كثير من أهل اللُّغَة أَن الكَرْه والكُرْهَ لُغَتَانِ فَبِأَي لُغَة قرىء فَجَائِز إِلَّا الفَرَّاء فَإِنَّهُ زعم أَن الكُرْه مَا أكرهتَ نفسَك عَلَيْهِ، والكَرْه ماأكرهكَ غيرُكَ عَلَيْهِ، جئْتُك كُرهاً وأدخلتني كَرْهاً، وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البَقَرَة: 216) يُقَال كرهت الشَّيْء كَرْهاً وكُرْهاً وَكَرَاهَة وكراهية.
وَقَالَ: وكلُّ مَا فِي كتاب الله من الكَرْه بِالْفَتْح (فالضمُّ) فِيهِ جائزٌ إِلَّا هَذَا الحرفَ الَّذِي فِي هَذِه الْآيَة، فإنَّ أَبَا عبيدٍ ذكر أنَّ القرَّاء مجمعون على ضمِّه، قَالَ الزّجاج: وَمعنى كراهتهم القتالَ أَنهم كرهُوه على جِنْس غِلظِه عَلَيْهِم ومشقته لَا أنّ الْمُؤْمِنُونَ يَكْرهون فَرْضَ الله، لِأَن الله لَا يفعل إِلَّا مَا فِيهِ الْحِكْمَة وَالصَّلَاح.
وَقَالَ اللَّيْث فِي الكُرْه والكَرْه: إِذا ضمُّوا أَو خفضوا قَالُوا كُره، وَإِذا فتحُوا قَالُوا كَرْهاً تَقول: فَعَلْتُه على كُرْه وَهُوَ كُرْهٌ وتقولُ: فعلته كَرْهاً، قَالَ: والكَرْهُ الْمَكْرُوه، قلت: الَّذِي قَالَه أَبُو الْعَبَّاس والزجاج فَحسن جميل وَمَا قَالَه اللَّيْث فقد قَالَه بَعضهم، وَلَيْسَ عِنْد النَّحْوِيين بالبيِّن الْوَاضِح. وَقَالَ أَيْضا: رجل كره مُتَكَرِّه وَجَمَلٌ كَرْهٌ: شَدِيد الرَّأْس، وَأنْشد:
كَرْهُ الحِجاجَيْنِ شديدُ الأرآد
قَالَ: وَأمر كريه: مَكْرُوه، وَامْرَأَة مستكرهَةٌ إِذا غُصِبَتْ نَفسهَا، وأكرهتُ فلَانا: حملتُه على أَمر هُولَهُ كَارِه، والكريهةُ الشدَّة فِي الْحَرْب، وَكَذَلِكَ كَرَايِهُ الدَّهْر: نَوَازِل الدَّهْر.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من أَسمَاء السيوف ذُو الكريهة وَهُوَ الَّذِي يَمْضي فِي الضَّرائِبِ.
وَقَالَ الليثُ: الكرهاءُ هِيَ أَعلَى النُّقْرَةِ بلغَة هُذَيْل، وَيُقَال كُرِّهَ إليَّ هَذَا الأمرُ تكريهاً أَي صُيِّر عِنْدِي بِحَال كَرَاهَة، وَيُقَال للْأَرْض الصلبة الغليظة مثل القُفِّ وَمَا قاربه: كَرْهَة، وَجمع المكروهِ مكاره.
اللحياني: أتيتُكَ كَراهِينَ ذَلِك، وكراهيةَ ذَلِك، بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ الحطيئة:
مصاحَبَةٌ على الكَرَاهِينَ فَارِكُ
أَي على الكراهَةِ وَهِي لُغَة.
رهك: أهمله اللَّيْث، وَهُوَ مُسْتَعْمل، قَالَ الراجز:
حُيِّيتِ من هِرِكْوَلَةٍ ضِناكِ
جاءتْ تهزُّ المَشْيَ فِي ارْتهاكِ
والارتهاكُ: الضَّعْفُ فِي المَشْي، يُقَال: فلَان يَرْتَهِكُ فِي مِشْيتِه، وَيَمْشي فِي ارتهاك والرَّهكَةُ: الضعْف، يُقَال: أرى فِيهِ رَهْكةً أَي ضَعْفاً.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: التَّرْهُوكُ: هُوَ الَّذِي كَأَنَّهُ يَمُوجُ فِي مِشيته وَقد تَرَهَوْكَ. وَفِي (النَّوَادِر) : أَرض رَهِكَةٌ وهَيْلَةٌ وهَيْلاءُ وهارَةٌ وهَوِرَةٌ وهَمِرَةٌ وهَكَّةٌ، إِذا كَانَت ليِّنة خَبَارَاً.

(6/11)


هـ ك ل
هكل، هلك، كهل: (مستعملة) .
هكل: أما هكل فقد اسْتعْمل مِنْهُ الهَيْكل وَهُوَ الْبناء الْمُرْتَفع تُشبَّهُ بِهِ الفرسُ الطَّوِيل، وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
بمُنْجرِدٍ قَيْدِ الأوابدِ هَيْكلِ
وَقَالَ اللَّيْث: الهَيْكَلُ بيتٌ للنَّصارى فِيهِ صنم على خِلْقَةِ مَرْيَمَ فِيمَا يَزْعمُونَ، وَمِنْه قَول الراجز:
مَشْيَ النَّصارى حول بَيْتِ الهيكل
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهيكل: الضخم من كل حَيَوَان.
وَقَالَ اللَّيْث: الهيكل الفرسُ الطويلُ عُلْواً وعَدْواً.
هلك: قَالَ اللَّيْث: الهُلْك: الهلاكُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال الهُلْكُ والهَلْك والمُلْك والمَلْك.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لأذهَبَنَّ فإمَّا هُلْكٌ وإِمَّا مُلْكٌ، وَبَعْضهمْ يَقُول: فإمَّا هَلْكٌ وَإِمَّا مَلْكٌ، وَقَالَ: الاهتلاكُ: رَمْيُ الْإِنْسَان نفسَه فِي تَهْلُكَةٍ، قَالَ: والتَّهْلُكَةُ: كل شَيْء يصير عاقبته إِلَى الْهَلَاك.
قَالَ الله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البَقَرَة: 195) . قَالَ: والقطاة تَهْتَلِكُ من خوف الْبَازِي أَي ترمي نَفسهَا فِي المهالك، وَقوم هَلْكَى وهالكون؛ والهُلاَّكُ: الصعاليكُ الَّذين ينتابون الناسَ طلبا لمعروفهم من سوء الْحَال، قَالَ جميل:
أَبيتُ مَعَ الهُلاَّكِ ضيفاً لأَهْلهَا
وَأَهلي قريب موسعون ذَوُو فضل
وَقَالَ فِي قَول الْأَعْشَى:
وهالكُ أهلٍ يُجِنُّونه
كآخرَ فِي أهلِه لم يُجَنّ
قَالَ: هُوَ الَّذِي يَهْلِكُ فِي أَهله، قَالَ: ويكونُ (هَالك أهلٍ) الَّذِي يهْلك أَهله. قَالَ: ومفازة هالكة من سَلَكَها أَي هالكةٌ السالكين.
وَفِي حَدِيث سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: (إِذا قَالَ الرجلُ هلكَ الناسُ فَهُوَ أهلكهم) ، مَعْنَاهُ أَن العالمِين الَّذِي يُقَنِّطُونَ النَّاس من رَحْمَة الله يَقُولُونَ: هلكَ الناسُ، أَي استوجبُوا النَّار وَالْخُلُود فِيهَا بِسوء أَعْمَالهم، وَمعنى قَوْله: هُوَ أهلكهم أَي هُوَ أوجب لَهُم ذَلِك، وَالله جلّ وَعز لم يُهْلِكهم.
وَقَالَ مَالك فِي قَوْله: أهلكهم، أَي أبسلهم.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: هلكتُ الرجلَ وأهلكتُه بِمَعْنى، وَأنْشد:
ومهمهٍ هالِكِ مَن تَعَرَّجَا
يَعْنِي مُهْلِكٍ، لُغَة تَمِيم.
وَقَالَ شمر: روى أَبُو عدنان عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ فِي قَوْله: هَالك من تعرجا: أَي هالكٌ المتعرِّجين إِن لم يُهْذِبوا فِي السّير.
قَالَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَخْبرنِي رؤبة أَنه يُقَال: هلكتَني بِمَعْنى أهلكتني، قَالَ: وَلَيْسَت بلغتي.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَلَكَةُ: مَشْرَفَةُ المَهْواة فِي جو السُّكّاك.

(6/12)


وَقَالَ غَيره: الهَلَكُ المهواةُ بَين الجبلين، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
رأتْ هَلَكاً بِنِجَافِ الغَبِيطِ
فَكَادَتْ تَجُذُّ الحُقِيُّ الهِجَارا
وَقَالَ ذُو الرمة يصف امْرَأَة جيداءَ:
ترى قُرْطَها فِي وَاضح اللِّيتِ مشرفا
على هَلَك فِي نَفْنَفٍ يتطَوَّحُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: تهالك فلَان على الْمَتَاع والفراش: إِذا سقط عَلَيْهِ، وَمِنْه تهالُك المرأةِ، وتَهَالَكَت المرأةُ فِي مِشْيتها.
وَقَالَ، وَقَالَ أَبُو زيد: الهَلُوك: الْمَرْأَة الْفَاجِرَة.
أَبُو عبيد قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ أوّل من عمل الْحَدِيد من الْعَرَب هالكُ بن أسدِ بن خُزَيْمَة، قَالَ: وَلذَلِك قيل لبني أَسد القُيُون، وَمِنْه قَول لبيد:
جُنُوحُ الهالكيِّ على يَدَيْهِ
مُكِبّاً يجتلي نُقَبَ النِّصَالِ
أَراد بالهالكيِّ الْحَدَّاد.
وَقَالَ غَيره: اسْتهْلك الرجلُ فِي كَذَا وَكَذَا: إِذا جَهَد نَفسه، واهتلك مثلُه.
وَقَالَ الرَّاعِي:
لهنَّ حديثٌ فاتنٌ يتْرك الْفَتى
خَفِيف الحشا مستهلِك الربْحِ طامعاً
أَي يَجْهَد قلبَه فِي إثْرهَا، وَطَرِيق مستهلِكُ الوِرْد أَي يَجْهَدُ من سلكه.
قَالَ الحطيئة يصف طَرِيقا:
مستهلكُ الوِرْدِ كالأُسْتِيِّ قد جَعَلَتْ
أَيدي المَطِيِّ بِهِ عاديَّةً رُكُبا
وَقَالَ عرام فِي حَدِيثه: كنت أَتهلَّكُ فِي مفاوز، أَي كنت أَدور فِيهَا شبهَ المتحير، وأَنشد:
كَأَنَّهَا قَطْرَة جاد السحاء بهَا
بَين السَّمَاء وَبَين الأَرْض تهتلك
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال هَذِه أَرض أَرِمَةٌ هَلَكُونُ، وأرَضُونَ هَلكُونُ: إِذا لم يكن فِيهَا شَيْء يُقَال: هَلَكون نَبَات أرمِين.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْهَلْكى: الشَّرهون من الرِّجَال وَالنِّسَاء، يُقَال رجالٌ هَلْكَى ونساءٌ هَلكى، الْوَاحِد هَالك وهالكة.
وَيُقَال: تركتهَا آرِمَةً هلِكينَ، إِذا لم يصبهَا الْغَيْث مُنْذُ دهرٍ طَوِيل.
وَفِي حَدِيث الدَّجَّالِ: فإمَّا هَلَكَ الْهُلْكُ فَإِن ربّكم لَيْسَ بأَعْوَر، وَرَوَاهُ بَعضهم: إمَّا هلكتْ هُلْكُ.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول أَفعل كَذَا إِمَّا هَلَكَتْ هُلُكٌ ياهذا، وهُلُكُ يَا هَذَا، بإجراء وَغير إِجْرَاء، وَبَعْضهمْ يضيفه: إِمَّا هَلَكَتْ هُلُكُه، أَي على مَا خيلت، أَي على كل حَال، وَنَحْوه.
وَقَالَ غيرُه فِي تَفْسِير الحَدِيث: إنْ شُبِّه عَلَيْكُم بكلّ معنى، وعَلى كلّ حَال، فَلَا يُشَبِّهَنّ عَلَيْكُم إِن ربكُم لَيْسَ بأَعْوَر.
ورَوَى بعضُهم حديثَ الدجّال: وَلَكِن الهُلْكُ كلُّ الهُلْك. إِن ربكُم لَيْسَ بأعور، وَفِي رِوَايَة: فإمَّا هَلَكت هُلَّكُ فَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور. الهُلْكُ الْهَلَاك.
قَالَ ابْن الأنباريّ: مَن رَوَاهُ كَذَلِك فَمَعْنَاه لكنّ هلك الدجّال وخِزْيه وبيانَ كَذِبه فِي

(6/13)


عَوَره. قَالَ: وَمن رَوَاه: فَإِن هلكَتْ هُلْكٌ: أَرَادَ مَا اشْتبهَ عَلَيْكُم من أمْرِه، فَلَا يَشْتَبِهَنَّ عَلَيْكُم أنّ ربكُم لَيْسَ بأَعور.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: هَذِه أرضٌ هَلَكُون: إِذا كَانَت جدبةً وَإِن كَانَ فِيهَا ماءٌ، ومررتُ بأرضٍ هَلَكين بِفَتْح الْهَاء وَاللَّام.
وَأنْشد شمِر:
إنَّ سَدَى خَيرٍ إِلَى غيرِ أهلِه
كَهالكةٍ من السَّحاب المصوِّبِ
قَالَ: هُوَ السّحاب الَّذِي يَصُوب للمَطَر، ثمَّ يُقْلِع فَلَا يكون لَهُ مطر، فَذَلِك هَلاكُه، كَذَلِك رَوَاهُ ابْن الأنباريّ عَن ثَعْلَب، عَن سَلَمة عَن الْفراء.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: فلانٌ هِلْكة من الهِلَكِ، أَي ساقطةٌ من السواقط، أَي هَالك.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهالكة: النفْسُ الشَّرِهَة. يُقَال: هَلكَ يَهْلِكُ هَلاكاً: إِذا شَرِه. وَمِنْه قَوْله: ولمْ أهلِكْ إِلَى اللبَن، أَي لم أشْرَه.
قَالَ: وَيُقَال للمُزاحم على الموائد: المتهالك والمُلاهِس والأوْبَش والحاضر واللَّعْو، فإِذا أكلَ بيدٍ ومَنع بيد فَهُوَ جَرْدَبان.
وَقَالَ شمِر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال وَقع فلانٌ فِي الهَلَكة الهلْكاء والسَّوْءَة السَّوْآء.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهَلَكُ السَّنَة الشَّدِيدَة.
وَقَالَ الأسْود بن يَعْفُر:
قَالَت لَهُ أُمُّ صَمْعا إذْ تُؤامِرُه:
أما ترَى لذوِي الأموالِ والهَلَكِ
كهل: قَالَ الله جلّ وعزّ: فِي قصَّة عِيسَى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً} (آل عِمرَان: 46) . قَالَ الفرّاء: أَرَادَ ومُكلِّماً النَّاس فِي المَهد وكَهْلاً.
وَالْعرب تَجعل يَفعل فِي مَوضِع فَاعل إِذا كَانَا فِي عُطوفٍ مجتمِعَيْن فِي الْكَلَام.
قَالَ الشَّاعِر:
بتُّ أُعَشِّيها بعَضْبٍ باتِرِ
يَقصدُ فِي أسؤُقِها وَجائرِ
أَرَادَ قاصدٍ فِي أَسْؤُقِها وجائر؛ وَقد قيل إنّه عطَف الكَهْل على الصِّفَة، أَرَادَ بقوله {فِى الْمَهْدِ} (آل عِمرَان: 46) صبيّاً وكهْلاً، فردّ الكَهل على الصِّفة كَمَا قَالَ الله: {دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا} (يُونس: 12) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أحمدَ بنِ يحيى أنّه قَالَ: ذكر الله جلّ وعزّ لعيسى آيَتَيْنِ:
إِحْدَاهمَا: تكليمه الناسَ فِي المَهد، فَهَذِهِ مُعْجزة، والأخْرَى: نُزوله إِلَى الأَرْض عِنْد اقتراب السَّاعَة كَهْلاً ابنَ ثَلَاثِينَ سنة يُكلِّمُ أُمَّةَ محمدٍ، فَهَذِهِ الْآيَة الثَّانِيَة.
قَالَ: وَأخْبرنَا ابْن الأعرابيّ أَنه يقالُ للغلام: مُراهِق، ثمَّ مُحْتلِم، ثمَّ يُقَال: خَرَجَ وجهُه ثمّ أَبقلتْ لحيَتُه، ثمَّ مُجْتمِع، ثمَّ كهْل وَهُوَ ابنُ ثلاثٍ وَثَلَاثِينَ سنة.
قلت: وَقيل لَهُ حينئذٍ: كَهْل: لانْتِهَاء شبابه وكمالِ قوَّتِه.
وَكَذَلِكَ يُقَال للنّبات إِذا تمَّ طوله: قد اكتَهل.

(6/14)


وَقَالَ الْأَعْشَى يصفُ نباتاً:
يُضاحِكُ الشمسَ مِنْهَا كوكبٌ شَرِقٌ
مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَّبْتِ مُكْتهِلُ
قَوْله: يُضاحِكُ الشمسَ، مَعْنَاهُ يَدُور مَعهَا، ومُضاحكتُه إيَّاها حَسْنٌ لَهُ ونَضْرَة، والكوكَبُ: مُعظم النَّبَات، والشَّرق الرَّيَّان الممتلِىءُ مَاء، والمؤَزَّر: الَّذِي صَار النَّبات كالإزار لَهُ، والعَميم: النّبات الكَثِيف الحسَن، وَهُوَ أكثرُ من الجَميم.
يُقَال: نباتٌ عَميم ومُعْتَمّ وعَمَم.
قلتُ: وَإِذا بلغ الْخمسين فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ: كَهْل.
وَمِنْه قَوْله:
هَل كَهْلُ خَمْسينَ إنْ شاقَتْهُ منزلةٌ
مُسَفَّهٌ رأيُه فِيهَا ومَسْبُوبُ
فجعَلَه كهلاً وَقد بلغ الْخمسين.
وَقَالَ اللَّيْث: الكهل الَّذِي وخَطَه الشَّيْب ورأيتَ لَهُ بَجَالَةً، وامرأَةٌ كَهلة.
قَالَ: وقلَّ مَا يَقُولُونَ للْمَرْأَة كَهْلة مُفْرَدة إلاّ أَن يَقُولُوا: شَهْلة كَهلة، وجمعُ الكَهل كُهول وكُهْل.
قَالَ: واكتَهلت الرَّوضة: إِذا عَمَّها نَوْرُها.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: نعجَة مكتهِلة، وَهِي المُختمِرة الرأسِ بالبياض.
قلتُ: نعجَةٌ مكتَهِلةٌ: إِذا انْتهى سِنُّها. ورَجلٌ كَهلٌ، وامرأَةٌ كهلةٌ: إِذا انْتهى شَبابُهما، وَذَلِكَ عِنْد استكمالهما ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة.
وَقد يُقَال: امْرَأَة كهلةٌ وَإِن لم يُذكَر مَعهَا شَهْلَة. قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي، وابنُ الْأَعرَابِي وَأَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الكُهْلُول والوُهْشُوش والبُهلُول: كلُّه السَّخيُّ الْكَرِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الْكَاهِل مُقدَّم الظّهر ممّا يَلِي العُنُق، وَهُوَ الثُّلُث الْأَعْلَى فِيهِ ستُّ فَقارات، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَهُ حارِكٌ كالدِّعْصِ لَبَّدَه الثَّرَى
إِلَى كَاهِل مثل الرتاج المضبب
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْكَاهِل: مَا ظَهَر من الزَّوْر والزور مَا بَطَنَ من الْكَاهِل.
وقالُ غَيره: الْكَاهِل من الفَرَس: مَا ارتَفَع من فروع كَتِفَيه، وَقَالَ أَبُو دواد:
وكاهل أفرع فِيهِ مَعَ الإ
فراع إشرافٌ وتَقْبيبُ
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: الحارِكُ فروع الكَتِفين، وَهُوَ أَيْضا الْكَاهِل، قَالَ: والمَنسِج أسفلُ من ذَلِك، والكاثِبة مقدَّمُ المَنْسج.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّ رجلا أرادَ الجهادَ مَعَه، فَقَالَ: (هَل فِي أَهلِك مِن كاهِل؟) ويُرْوَى مَنْ كاهَل فَقَالَ: لَا. قَالَ (ففيهم فجاهِدْ) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ عُبيدة: هُوَ مَأْخُوذ الكَهْل، يَقُول: هَل فيهمْ مَنْ أسَنَّ وَصَارَ كَهْلاً، يُقَال مِنْهُ: رجل كَهْل وامرأةٌ كَهْلة، وأنشدنا قَول الراجز:
وَلَا أَعودُ بَعْدَهَا كَرِيّا
أُمارِس الكَهْلَة والصَّبِيّا

(6/15)


ورُوِي عَن أبي سعيد الضَّرِير أَنه قَالَ فِيمَا ردّ على أبي عُبَيد: هَذَا خطأ قد يَخْلُفُ الرجلَ فِي أَهله كهلاً وَغير كهل، قَالَ: وَالَّذِي سمعناه من الْعَرَب من غير مَسْأَلَة أَن الرجل الَّذِي يخلُف الرجلَ فِي أَهله يُقَال لَهُ الكاهِن، وَقد كهَن يَكْهُن كُهوناً، قَالَ: فَلَا يَخْلُو هَذَا الحرفُ من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون المحدَّثُ سَاءَ سَمعه فظَنّ أَنه كَاهِل، وَإِنَّمَا هُوَ كاهِنٌ، أَو يكون الحَرْف تُعاقَب فِيهِ بَين اللاّم والنّون، كَمَا قَالُوا: هَتَنَتِ السماءُ وهَتَلَت، وَمِنْه الغِرْيَن والغِرْيَل لما يَبْقَى فِي أَسْفَل الحَوْض من الطِّين.
قلت: وَهَذَا الّذي قَالَه أَبُو سَعيد لَهُ وَجْه غيرَ أنّه مستكرَه، وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الَّذِي أَرَادَ الجهادَ مَعَه: هَل فِي أهلِك من كاهِل؟ مَعْنَاهُ هَل فِي أهلِكَ مَنْ تَعْتَمِده للْقِيَام بشأن عيالِك الصِّغار ومَن تخلُفه ممَّن يَلزمُك عَوْلُه؟ فَلَمَّا قَالَ لَهُ: ماهم إِلَّا صِبْية صِغار أَجَابَهُ فقالَ تَخلَّف وجاهِدْ فيهم وَلَا تضيِّعهم.
وسمعتُ غيرَ وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: فلانٌ كاهِلُ بني فلَان: أَي معتَمدُهم فِي المُلِمَّات وسَنَدهم فِي المُهِمَّات، وَهُوَ مَأْخُوذ من كَاهِل الظَّهْر، لأنَّ عُنُق الفَرَس يتسانَد إِلَيْهِ إِذا أَحْضَر، وَهُوَ معتَمد مقدَّم قَرَبُوس السَّرج، واعتماد الْفَارِس عَلَيْهِ، وَمن هَذَا قولُ رؤبةَ يَمْدَح مَعَدّاً:
إذَا مَعَدُّ عَدَّتِ الأوائلا
فابْنا نِزَارٍ فَرَّجا الزَّلازِلا
حِصْنَيْن كَانَا لَمَعدَ كاهِلا
أَي كَانَا يَعنِي ربيعةَ ومُضَر عُمْدة أَوْلَاد مَعَدّ كلِّهم، ثمّ وصفَهما فَقَالَ:
ومنكبين اعتليا التَّلاتِلاَ
وَالْعرب تَقول: مُضرُ كاهِلُ الْعَرَب، وَتَمِيم كاهِلُ مُضَر، وَسعد كَاهِل تَمِيم.
قلت: فَهَذَا يبيِّن لَك صِحَة مَا اخترناه من هَذِه الْأَقَاوِيل، وَالله أعلم.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: فلانٌ شديدُ الْكَاهِل، أَي منيع الْجَانِب، وَيُقَال طَار لفُلَان طائرٌ كَهْل، إِذا كَانَ لَهُ جَدُّ وحَظٌّ فِي الدُّنْيَا.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الكَهُول: العَنْكبوت قَالَ: وحُقُّ الكَهول: بَيْتُه.
وَقَالَ عَمْرو بنُ الْعَاصِ لمعاوية حِين أَرَادَ عزلَه عَن مصر: إنّي أتيتُك من الْعرَاق وإنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهُول، فَمَا زِلتُ أسْدِي وأُلْحِم حَتَّى صَار أَمرُك كَفلْكة الدّرَّارة وكالطِّراف الممدّد.
ورَوَى ابْن السكّيت عَن أبي عَمرو أَنّه قَالَ: يُقَال للرجل: إِنَّه لذُو شاهِق وكاهِل وكاهِن، بالنُّون وَاللَّام، إِذا اشتدّ غضبُه، وَيُقَال ذَلِك للفَحْل عِنْد صِياله حِين تَسْمع لَهُ صَوتا يَخْرج من جَوْفه.
هـ ك ن
هنك، كهن، كنه، نهك، نكه: مستعملة.
نهك: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: نهِكْته الحُمَّى: إِذا رُئي أثرُ الهُزال فِيهِ من المَرَضِ، فَهُوَ مَنْهوك وبَدَتْ فِيهِ نَهْكة.
وَفِي الحَدِيث: (لِيَنْهِك الرجلُ مَا بَين أَصَابِعه أَو لَتَنْهَكنَّه النَّار) يَقُول: لِيبالِغ فِي غَسْل

(6/16)


مَا بَين أَصَابِعه مبالغَةً يُنعِم غَسْلَه، وَيُقَال: انتهَكْتُ حُرْمةَ فلَان: إِذا تناوَلْتَها بِمَا لَا يَحِلّ.
وَفِي حَدِيث يزيدَ بن شجرةَ حِين حَضَّ الْمُؤمنِينَ الَّذين كَانُوا مَعَه فِي غَزاةٍ وَهُوَ قائدُهم على قتال الْمُشْركين: انْهكُوا وجوهَ الْقَوْم، يَقُول: ابلُغوا جُهْدَهم.
وَرَجل نَهيك، وَقد نَهُك نَهاكةً، إِذا وُصف بالشَّجاعة والنَّهِيك: البَئِيس، وسيفٌ نَهيك: قاطعٌ ماضٍ.
وَقَالَ الأصمعيّ: النَّهْك: أَن تُبالِغَ فِي العَمَل، فإِن شَتَمْتَ وبالَغْتَ فِي شَتْمِ العِرض قيل: انْتَهَكَ عِرْضَه. ونهِكَتْه الحُمَّى تَنهَكه نَهْكَةً: إِذا بلغتْ مِنْهُ، ورجلٌ مَنْهوك: إِذا رأيتَه قد بلغ مِنْهُ المَرَض. وَيُقَال: أَنْهَكْه عُقوبةً، أَي أبلغ فِي عُقوبَتِه.
قَالَ: وَيُقَال: مَا ينفكّ فلانٌ يَنهَك الطعامَ: إِذا مَا أَكلَ مَا يشْتَد أَكلُه، والنَّهِيك: الشُّجاع، لِأَنَّهُ ينهك عَدُوّه فَيبلُغ مِنْهُ، وَهُوَ نهِيك بيِّن النّهاكة فِي الشجَاعَة. ورَجُل مَنْهوك البَدَن: بيِّن النَّهْكة من المَرَض.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي: النّهِيك من الرِّجال: الشجاع، وَقد نهُك نَهاكةً، وَهُوَ من الْإِبِل القويُّ الشَّديد.
وَقَالَ اللَّيْث، يُقَال: مَا يَنْهك فلانٌ يصنَع كَذَا وَكَذَا، أَي مَا ينفكُّ، وَأنْشد:
لَنْ يَنْهَكوا صَفْعاً إِذا أَرَمُّوا
أَي ضرْباً إِذا سَكتوا.
قلت: لَا أعرف مَا قَالَه اللّيث، وَلَا أَدري مَا هُوَ، وَلم أَسمع لأحد: مَا يَنهك يَصنَع كَذَا، أَي مَا يَنفكَ، لغير اللَّيْث وَلَا أحقُّه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مررتُ بِرَجُل ناهِيكَ من رجلٍ وناهاك من رجل، قلت: لَيْسَ هَذَا الْحَرْف من بَاب نَهَك، وَإِنَّمَا هُوَ من معتلّ الْهَاء من نَهَى يَنْهَى، ومَعْنى نَاهِيك مِن رَجُل: أَي كافِيكَ، وَهُوَ غيرُ مُشكل. ونَهَكْتُ النافةَ حَلْباً، إِذا نَقْضْتَها فَلم تُبقِ فِي ضَرْعها لَبَناً.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: (غير مُضِرَ بنَسْل وَلَا ناهِكٍ فِي حَلب) .
ورُوِي عَن النّبيّ ج أنّه قَالَ للخافضة: (أشِمِّي ولاتَنهِكي) ، أَي لَا تُبالِغي فِي إسْحاتِ مَخْفِض الْجَارِيَة، وَلَكِن اخفضي طُرَيْفَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : النُّهَيْكة: دابّة سُوَيداء مُدَارةٌ تَدْخُل مدَاخِل الحَراقِيص، ونَهكَت الإبلُ مَاء الحَوْض: إِذا شَربَتْ جميعَ مافيه.
قَالَ ابْن مقبل:
نَواهِكُ بَيُّوتِ الحِياضِ إِذا غَدَتْ
عَلَيْهِ وَقد ضَمَّ الضَّرِيبُ الأفاعيَا
كنه: قَالَ اللّيث: كُنْه كلِّ شَيْء: غايَتُه، وَفِي بعض الْمعَانِي: وقتهُ وَوجْهُه، تَقول بلغتُ كُنْهَ هَذَا الْأَمر: أَي غايتَه، وفعلتُ هَذَا فِي غير كُنْهِه. وأَنْشَد:
وإنّ كلامَ المرءِ فِي غير كُنْهه
لكالنَّبْل تَهوِي لَيْسَ فِيهَا نِصالُها

(6/17)


ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الكُنه: جوهرُ الشَّيء، والكنْه: الوَقْت: يُقَال تكلَّم فِي كُنْه الْأَمر: أَي فِي وَقْته، والكُنْه: نِهايةُ الشّيء وحقيقتُه. وَقَالَ غيرُه: اكتَنَهْتُ الأمرَ اكتناهاً: إِذا بلغتَ كُنْهَه.
نكه: قَالَ اللَّيْث تَقول: نَكَهْتُ فلَانا واستَنْكَهْتُه: أَي تَشمَّمت ريحَ فَمه، وَالِاسْم النَّكْهَةُ.
نَكَهْتُ مُجالِداً فَوَجدْتُ مِنْه
كريح الكَلْبِ ماتَ حَديثَ عَهْدِ
هنك: قرأتُ فِي نُسْخَة من (كتاب اللّيث) : الهَنَك: حَبٌّ يُطبَخ أغبرُ أكدرُ، يُقَال لَهُ القُفْص، قلتُ: الهَنَكُ مَا أرَاهُ عَرَبياً.
كهن: قَالَ اللَّيْث: كَهَنَ الرجلُ يَكْهَنُ كَهانةً، وقَلَّما يُقَال إلاّ تَكَهَّنَ الرجلُ، وَتقول: مَا كَانَ فلانٌ كاهِناً، وَلَقَد كَهُن. وَيُقَال: كَهَنَ لَهُم: إِذا مَا قَالَ لَهُم قولَ الكَهَنة.
وَفِي الحَدِيث: (مَن أَتَى كاهِناً أَو عَرّافاً فقد كَفَر بِمَا أُنزِل على النَّبيّ مُحَمَّد) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي من صَدَّقَهم. قلتُ: وَكَانَت الكِهَانةُ فِي الْعَرَب قبلَ مَبعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمّا بُعِث نَبيا وحُرسَت السماءُ بالشُّهُب، ومنِعت الجِنّ وَمَرَدَةُ الشّياطين من استِراق السَّمْع وإلقائِه إِلَى الكَهَنة بَطَل عِلمُ الكهَانة، وأزهَق الله أباطيلَ الكُهَّان بالفُرقان الَّذي فرق جلّ وعزّ بِهِ بَين الحقّ وَالْبَاطِل، وأطلَع الله نبيَّه بالوَحْي على مَا شَاءَ من عِلْم الغُيوب الَّتي عَجَزَت الكَهَنةُ عَن الْإِحَاطَة بِهِ، فَلَا كِهَانةَ اليومَ بحَمْدِ الله ومَنِّه.
وَفِي الحَدِيث: (إنّ الشَّيَاطِين كَانَت تَسترِق السَّمَع فِي الجاهليَّة وتُلقيه إِلَى الكَهَنة فتَزيد فِيهِ مَا تَزِيد ويَقبله الكُفار مِنْهُم) .
والكاهن أَيْضا فِي كَلَام الْعَرَب الَّذي يقوم بِأَمْر الرّجل ويَسعَى فِي حَاجته وَالْقِيَام بِمَا أَسنَد إِلَيْهِ من أَسبَابه. وَيُقَال لقُريْظة والنَّضير: الكاهِنان، وهما قَبِيلا اليَهود بِالْمَدِينَةِ.
وَفِي حديثٍ مرفوعٍ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخرُجُ من الكاهنين رجلٌ يقْرَأ الْقُرْآن قِرَاءَة لَا يَقْرَؤُهُ أحدٌ قراءتَهُ. وَقيل إِنَّه محمّد بن كَعْب القُرَظيّ.
هـ ك ف
فكه، كَهْف، هفك، كَفه: مستعملة.
فكه: قَالَ اللَّيْث: الْفَاكِهَة قد اختُلف فِيهَا، فَقَالَ بعض الْعلمَاء: كلُّ شَيْء قد سُمِّي من الثِّمَار فِي الْقُرْآن نَحْو العِنَب والرُّمّان فإنَّا لَا نسمّيه فَاكِهَة. قَالَ: وَلَو حَلَف أنْ لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأكل عِنَباً ورُمَّاناً لم يكن حانثاً.
وَقَالَ آخَرُونَ: كلُّ الثِّمارِ فَاكِهَة وإنَّما كُرِّر فِي الْقُرْآن فَقَالَ جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (الرَّحمان: 68) لتفضيل النّخْل والرُّمّان على سَائِر الفواكِه.
ومِثله قَول الله جلّ وعزّ: {الْكِتَابِ مَسْطُوراً وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظاً} (الأحزَاب: 7) فكرّر هَؤُلَاءِ للتفضيل على النبيِّين وَلم يخرجُوا مِنْهُم.
قلتُ: وَمَا علمتُ أحدا من العَرب قَالَ فِي النَّخيل والكُرومِ وثِمارِهما إنّها لَيست من

(6/18)


الْفَاكِهَة، وَإِنَّمَا شذّ قولُ النُّعمان بنِ ثَابت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عَن أَقاويل جماعةِ فُقَهَاء الْأَمْصَار لقلِّةِ عِلْمه كَانَ بكلامِ العَرب وعِلم اللُّغَة وتأويلِ الْقُرْآن العربيّ الْمُبين. والعربُ تَذكُر الأشياءَ جُملةً ثمَّ تخصُّ مِنْهَا شَيْئا بالتَّسْمية تَنْبِيها على فضْلٍ فِيهِ.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن كَانَ عَدُوًّا لّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (البَقَرَة: 98) فَمن قَالَ إنَّ جِبريل وميكال ليسَا من الْمَلَائِكَة لإفراد الله إيَّاهما بالتّسمية بعد ذِكر الْمَلَائِكَة جملَة فَهُوَ كَافِر؛ لِأَن الله نَص على ذَلِك وبيَّنه، وَكَذَلِكَ من قَالَ إِن ثَمَر النّخل وَالرُّمَّان لَيْسَ من الْفَاكِهَة: لإفراد الله إيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بعد ذكر الْفَاكِهَة جملَة فَهُوَ جَاهِل، لِأَن الله وإنْ أفرَدَهما بالتّسمِية فَإِنَّهُ لم يُحرِجهما من الْفَاكِهَة، وَمن قَالَ: إنَّهُما ليسَا من الْفَاكِهَة فَهُوَ خلافُ الْمَعْقُول، وَخلاف مَا تَعرفُه الْعَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: فَكَّهْتُ القومَ تفكِيهاً بالفاكهة. قَالَ: وفاكَهْتُ القومَ مُفاكَهةً بمُلَح الْكَلَام والمُزاح، وَالِاسْم الفَكِيهةُ والفاكهة.
وَتقول: تفكَّهْنا من كَذَا وَكَذَا: تَعَجَّبْنَا.
وَمِنْه قولُ الله: {حُطَاماً فَظَلْتُمْ} (الواقِعَة: 65) أَي تَعَجَّبون.
قَالَ: وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ} (الطُّور: 18) أَي ناعمين مُعجبين بِمَا هم فِيهِ، ومَنْ قَرَأَ (فَكِهِينَ) فَمَعْنَاه فَرِحِين.
قَالَ: وسمعتُ أهلَ التفسيرِ يَختارُون مَا كَانَ فِي وصف أهل الجَنَّة فاكِهين، وَمَا كَانَ من وَصْف أهل النّار فَكِهين، يَعْنِي أَشرينَ بَطرين.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلَّ وعزّ فِي صفة أهل الجنّة: {الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِى} (يس: 55) بِالْألف، وَيقْرَأ (فَكِهون) وَهِي بِمَنْزِلَة حَذرُون وحاذِرُون. قلتُ: لمَّا قرىء بالحرفين فِي صفة أهل الجنّة علم أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
وَقَالَ الفرّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {تَعْمَلُونَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (الطّور: 17، 18) قَالَ: مُعجبين بِمَا آتَاهُم ربُّهم.
وَقَالَ الزجّاج: قُرِىء (فكهين) و (فَاكهين) (الطُّور: 18) جَمِيعًا والنَّصب على الْحَال، وَمعنى {وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ} (الطُّور: 18) : أَي معجَبين بِمَا آتَاهُم ربُّهم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: تَقول الْعَرَب للرجل إِذا كَانَ يَتفكَّه بِالطَّعَامِ أَو بالفاكهة أَو بأعراضِ النَّاس: إنَّ فلَانا لَفِكَه بِكَذَا وَكَذَا، وَأنْشد قَوْله:
فكِه إِلَى جَنْبِ الخِوَانِ إِذا غَدَتْ
نَكْبَاءُ تَقْطع ثابِتَ الأطنابِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو زيد: الفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْس الضَّحُوك.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: رَجُلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ وفَيْكَهَانٌ، وهوَّ الطيِّبُ النّفس المَزَّاح. وَأنْشد:
إِذا فَيْكَهَانٌ ذُو مُلاَء وَلِمَّةٍ
قَلِيل الأذَى فِيمَا يرى الناسُ مُسلِمُ
قَالَ: وفاكَهتُ: مازحت.

(6/19)


قَالَ أَبُو عُبَيد فِي حَدِيث زيدِ بنِ ثَابت: إنّه كَانَ من أفْكَه النَّاس إِذا خَلاَ مَعَ أَهْلِه.
قَالَ: الفاكِه هَهُنَا: المازح، والاسمُ الفُكاهة. والفاكِه أَيْضا: النّاعم فِي قَوْله: {الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِى} (يس: 55) والفَكِهُ: المعجب.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله: {حُطَاماً فَظَلْتُمْ} (الواقِعَة: 65) أَي تتعجّبون مِمَّا نَزل بكم فِي زَرْعِكم. قَالَ: وَيُقَال معنى {فَظَلْتُمْ} تَنَدَّمون وَكَذَلِكَ تفكّنون، وَهِي لُغةٌ لِعُكْل.
وَقَالَ أَبُو معَاذ النَّحوِيّ: الفاكِه الَّذِي كَثُرَت فاكهتُه، والفَكِه: الَّذِي يَنالُ من أَعْرَاض النَّاس.
وَقَالَ الفرَّاء فِي (المصادر) : الفَكِه: الأشِر والفاكِهةُ: من التفكه.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيدٍ قَالَ: المُفْكِه من النُّوق: الَّتِي يُهَرَاقُ لَبَنُهَا عِنْد النِّتاج قبل أَن تَضَعَ وَقد أَفْكَهَتْ.
وَقَالَ شمِر: نَاقَة مُفْكِهَةٌ ومُفْكِهٌ، وَذَلِكَ إِذا أَقْرَبَتْ فاستَرْخَى صَلَوَاها وعَظُم ضَرْعُها ودَنَا نِتاجُها.
وَقَالَ الأَحوَصُ:
بَنِي عمِّنا لَا تَبعثوا الْحَرْبَ إنّني
أَرَى الحَربَ أَمْسَتْ مُفْكِهاً قد أَصَنَّتِ
قَالَ شمِر: أصنَّت: استرخَى صَلَواها ودنا نِتاجُها. وَأنْشد:
مُفْكِهةٌ أدْنَتْ على رأسِ الوَلَدْ
قد أقْرَبتْ نَتْجاً وحان أنْ تَلِدْ
أَي حَان وِلادُها. قَالَ: وقومٌ يَجعلون الْمُفْكِهَةَ مُقرِباً من الْإِبِل والخَيل والحُمُر وَالشَّاء وبعضُهم يَجعلُها حِين اسْتبان حَمْلُها، وقومٌ يَجعلون المفْكِهَ والدَّافعَ سَوَاء.
وَقَالَ غيرُه: تركتُ القومَ يتفكّهون بفلانٍ أَي يَغْتابونه ويتناوَلُون مِنْهُ.
وَيُقَال للْمَرْأَة: فَكِهَةٌ وللنساءِ فَكِهَاتٌ، وتصغر فُكَيْهَةٌ.
كَهْف: قَالَ اللَّيْث: الكَهْف كالمَغَارة فِي الجَبل إلاّ أَنَّه وَاسع، فَإِذا صَغُرَ فَهُوَ غارٌ، والجميعُ كُهوف.
ويقالُ: فلانٌ كَهفٌ لأهل الرِّيب: إِذا كَانُوا يَلُوذُون بِهِ، وَيكون وَزَراً لَهُم يلجأُون إِلَيْهِ إِذا رُوِّعُوا. وأُكْيَهِف: موضِعٌ ذكره أَبُو وَجْزَة فَقَالَ:
حَتَّى إِذا طَوَيا والليلُ مُعْتكِرٌ
من ذِي أُكَيْهِف جزْع البان والأثَبِ
أَرَادَ الأثأب فَترك الْهَمْز.
كَفه: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الكافِه: رئيسَ العَسكر، وَهُوَ الزُّوَيْر والعَمود والعِمادُ والعُمدة والعُمْدان.
قلتُ: وَهَذَا حَرْفٌ غَريبٌ لَا أحْفَظُه لغير ابْن الأعرابيّ.
هفك: امرأةٌ هَيْفَكٌ: أَي حَمْقَاء.
وَقَالَ عُجَيْر السَّلوليّ: أَخْبرنِي أَبُو بكر الإياديّ عَن شمِر أنَّه أَنشَدَه لِعُجَيْر:
دَمَّتْهُما هَيْفَكٌ حَمْقاءٌ مُصْبِيَةٌ
لَا تُتْبِعُ الْعين أشْقَاها إِذا وَغَلا

(6/20)


وَيُقَال: فلانٌ مُهفَّكٌ ومُؤَفَّكٌ ومُتَهفِّك وَمُفَنِّنٌ: إِذا كَانَ كثيرَ الْخَطَأ وَالاختلاط.
هـ ك ب
اسْتعْمل من وجوهها: كهب، هكب.
كهب: قَالَ اللَّيْث: الكُهْبة: غبرة مُشرَبة سواداً فِي ألوان الْإِبِل خَاصَّة، تَقول: بعير أكهَب، وناقة كَهْباء.
قلت: لم أسمع الكُهْبة فِي ألوان الْإِبِل لغير اللَّيْث، ولعلّه يُستعمل فِي ألوان الثِّيَاب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الكهْب: لون الجاموس.
هكب: أهمَله اللَّيْث.
ورَوَى ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الهَكَب الاستهِزاء.
قلت: أصلُه الهَكَم بِالْمِيم.
هـ ك م
همك، هكم، كمه، كهم، مهك: مستعملة.
همك: قَالَ اللَّيْث: انهَمَك فلَان فِي كَذَا وَكَذَا إِذا لَجَّ وتمَادَى فِيهِ، تَقول: مَا الَّذِي هَمَكه فِيهِ؟ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرسٌ مَهْمُوك المعدَّين.
وَقَالَ أَبُو دؤاد:
سَلِطُ السُّنْبُك لأْمٌ فَصُّهُ
مُكْرَب الأرساغ مهموك المعَدّ
وَقَالَ ابْن السّكيت: اهْمأَكَّ فلانٌ يَهْمَئِكُّ فَهُوَ مُهْمَئِكٌ ومزمئِكٌ ومُصْمَئِكٌّ إِذا امْتَلَأَ غَضَباً.
كمه: قَالَ اللَّيْث: الكمَه فِي التَّفْسِير: العَمَى الَّذِي يُولد بِهِ الْإِنْسَان، وَقد جَاءَ فِي الشِّعر مِنْ عَرَضٍ حَادث.
قَالَ الشَّاعِر:
كَمِهتْ عَيناهُ حتّى ابيضَّتَا
فهوَ يَلْحَا نَفْسَه لما نَزَعْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأكْمَه: الَّذِي يُولد لَا بَصَرَ لَهُ، وَالْفِعْل مِنْهُ كَمِه يَكْمَه كَمَهاً.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الأكمه الْأَعْمَى الَّذِي لَا يبصر فيتحيّر ويتردّد. وَيُقَال إنّ الأكمه: الَّذِي تَلِده أمُّه أعمى. وَأنْشد:
هَرَّجْتُ فارتَدَّ ارْتدادَ الأكمهِ
فوصَفَهُ بالهَرَج، وذَكَر أَنه كالأكْمه فِي حالِ هَرْجه.
وروى أَبُو عبيد عَن حجاج عَن جُرَيج عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: الأكمه: يبصر بِالنَّهَارِ وَلَا يبصر بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ المفضَّل: يُقَال للذَّاهب العَقْل: أكمه، وَقد كَمِه كَمَهاً.
كهم: قَالَ اللَّيْث: كَهُمَ الرّجل، وَهُوَ يَكْهُم كَهَامةً: إِذا كَانَ بطيئاً عَن النصْرة وَالْحَرب، وفرسٌ كَهام: بطيء عَن الْغَايَة، وسيفٌ كهام: كليل عَن الضَّريبة، ولسان كهامٌ عَن البلاغة، وَتقول: فلَان قد كَهَمته الشدائد: إِذا جَبّنَته عَن الْإِقْدَام.
قَالَ والكَهْكامةُ: المتهيِّب.
وَقَالَ شمر: رجلٌ كَهْكامةٌ وكَهْكم، قَالَ: وأصلُه كَهام فزيدت الْكَاف، وَأنْشد:

(6/21)


يَا رُبَّ شيخٍ مِنْ عَدِي كَهْكمِ
وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الهذَلي:
وَلَا كَهْكامةٌ بَرِمٌ
إِذا مَا اشتدّت الحِقَبُ
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد: وَلَا كهكاهَةٌ بَرمٌ، وَقد مرّ تَفْسِيره فِيمَا مرّ من هَذَا الْكتاب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الكَهْكَم والكهْكَب: الباذَنْجان.
مهك: قَالَ اللَّيْث: مُهْكَةُ الشَّبَاب: نُفْخَته وامتلاؤه وارتواؤه وماؤه: يُقَال: شابٌّ مُمَهَّك.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: الممَهَّك: الطَّوِيل، وَيُقَال: مَهَكْتُ الشَّيْء: إِذا مَلَسْتَه وَقَالَ النَّابِغَة:
إِلَى المَلِك النُّعْمانِ حِينَ لَقِيتُه
وَقد مُهِكتْ أصْلابها والجَنَاجِنُ
قَالَ: مَهِكَتْ: مُلِّسَتْ ومهَكْتُ السَّهمَ: ملّسْتُه.
هكم: قَالَ اللَّيْث الهَكِمُ: المقتحِم على مَالا يعنيه الَّذِي يتَعَرَّض للنّاس بشرِّه، وَأنْشد:
تَهَكمَ حَرْبٌ على جارِنَا
وَألقى عَلَيْهِ لَهُ كَلْكَلا
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: تَهَكَّمْتُ: تَغَنَّيت، وهكَّمتُ غَيْرِي غَنَّيْتُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: التهكُّم: الِاسْتِهْزَاء. قَالَ: وَأَخْبرنِي ابْن نَجدَة عَن أبي زيد أَنه قَالَ: التهكم: التكبُّر، والتَّهكُّم: التَّبَخْترُ بطَراً، والتهكم: السَّيْلُ الَّذِي لَا يُطَاق، والتهكم: الِاسْتِهْزَاء والتهكم: تَهَورُّ البِئْر، والتهكم الطَّعْن المُدَارَك.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالْجِيم)
هـ ج ش
اسْتعْمل من وجوهه: جهش.
جهش: قَالَ اللَّيْث: جَهَشَتْ نَفسِي وأَجْهَشَتْ انهضَتْ إِلَيْك وهَمَّت بالبكاء.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل بالْحُدَيبية فأَصابَ أَصْحَابه عَطَشٌ، قَالُوا: فجهَشْنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الجَهْش: أَن يفزع الإنسانُ إِلَى الإنسانِ. وَقَالَ غيرُه وَهُوَ مَعَ فَزَعه كأنَّه يُرِيد الْبكاء كَالصَّبِيِّ يفزَع إِلَى أمه وَأَبِيهِ، وَقد تهَيَّأ للبكاء.
أَبُو عبيد: وَفِيه لغةٌ أُخْرَى: أَجهشْتُ إجهاشاً، قَالَه أَبُو زيد وَأَبُو عَمْرو، وَمن ذَلِك قَول لبيد:
باتَت تَشْكى إليّ النفسُ مُجْهِشةً
وَقد حَمَلْتُك سَبْعاً بعدَ سَبْعِينا
قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: أَجْهَشَ: إِذا تهَيَّأ للبكاء. وَقَالَ أَبُو زيد مثله، وَزَاد فَقَالَ:
جَهَشْتُ للشّوق والحزْن
هـ ج ض
اسْتعْمل من وجوهه: جهض والجِهاض.
جهض: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجِهاض: ثَمَر الأَراك: والجِهاض الممانعة.

(6/22)


وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة أَنه قصد يَوْم أُحُدٍ رجلا، قَالَ: فجاهضني عَنهُ أَبُو سفيانَ، أَي مانعَني.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أجهضْتُه عَن الْأَمر وأجَهشْتُه، أَي أعجَلته.
وَقَالَ غَيره: أَجَهضته عَن مَكَانَهُ: أزَلته عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَهِيض: السِّقْط الَّذِي قد تمَّ خَلْقه ونُفخ فِيهِ رُوحُه من غير أَن يعِيش، يُقَال للناقة خَاصَّة إِذا ألقتْ وَلَدَها: أَجْهضَتْ إجْهاضاً فَهِيَ مُجْهِض، والجميع مَجاهيض، وَقَالَ الْكُمَيْت:
فِي حَرَاجيجَ كالحَنِيِّ مجاهِي
ضَ يخِدْنَ الوَجِيفَ وَخْدَ النعامِ
وَالِاسْم: الجِهاض.
وَقَالَ ذُو الرمة:
يطرَحْنَ بالمهَامه الأغْفالِ
كلَّ جَهِيضٍ لَثِق السِّرْبال
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا أَلْقَت الناقةُ ولدَها قبل أَن يَستبِين خَلْقُه قيل: أَجْهَضَتْ.
سلمةَ عَن الفرَّاء قَالَ: هُوَ خِدْج وخَدِيج وجِهْضٌ وجَهِيض للمُجْهَض.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي المُجهَض مثلَ قَول أبي زيد إِنَّه يسمّى مُجهَضاً، إِذا لم يَستبنْ خَلْقُه، وَهَذَا أصحّ من قَول اللَّيْث: إِنَّه الَّذِي تَمَّ خَلْقُه ونُفِخَ فِيهِ رُوحُه.
أَبُو عُبَيد عَن الأمويّ: الجاهِض: الحديدُ النّفْس، وَفِيه جُهوضة وجَهاضة.
هـ ج ص
صهج: أهمله اللَّيْث.
وَقَالَ غَيره: بيتٌ صَيْهوج: إِذا مُلِّس، وظَهْرٌ صَيْهوج: أَمْلَس.
وَقَالَ جندل:
عَلَى ضُلوعٍ نَهْدةِ المَنافِجِ
تَنهض فيهنَّ عُرَى النَّسَائج
صُعْداً إِلَى سَناسِنٍ صَيَاهِج
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصَّيْهج: الصَّخْرة الْعَظِيمَة.
هـ ج س
اسْتعْمل من وجوهه: هجس، سهج.
هجس: قَالَ اللَّيْث: الهَجْسُ: مَا وَقَع فِي خَلدِك. يُقَال: هَجَس فِي قلبِي هَمٌّ وأَمرٌ، وَأنْشد:
فطأطأَتِ النّعامةُ مِنْ بَعيدٍ
وَقد وقَّرْتُ هاجِسَها وهَجْسى
النعامة: فرسُه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الهِجِّيسي: ابْن زادِ الرَّكب، وَهُوَ اسمُ فرسٍ مَعْرُوف.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي (نوادره) : الهَجِيسة: الغَرِيض من اللّبن فِي السِّقاء.
قَالَ: والخامط والسَّامط مثله، وَهُوَ أول تغيُّره.
قلت: وَالَّذِي أَعرِفه فِي الألبان بِهَذَا الْمَعْنى الهَجِيعة، وَلَا أدرِي الهَجِيسة لُغَة بمعناها أَو صَحَّفه الْكَاتِب.
وَفِي (النَّوَادِر) : هَجَسني عَن كَذَا فانْهَجَسْتُ: أَي ردّني فارتددْت.

(6/23)


وروى حَمَّاد بنُ سَلمة عَن عَطاء عَن السَّائِب ابْن الْأَقْرَع قَالَ: حضرتُ طعامَ عمرَ فَدَعَا بلَحْم غليظ وخُبز مُتَهجِّس، قَالُوا: المتهجس من الخُبز: الغليظ الَّذِي لم يختمِر عَجينُه.
ورُوي لأبي زيد: الهجيسة: الغَريض من اللَّبن.
سهج: أهمله اللَّيْث، وَهُوَ من كَلَام الْعَرَب مَعْرُوف.
روى أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: رِيحٌ سَهُوج وسَيْهُوج، وَهِي الشَّدِيدَة.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
يَا دَارَ سَلْمى بَين دَاراتِ العُوجْ
جَرتْ عَلَيْهَا كلُّ رِيحٍ سَيْهُوجْ
وَقَالَ أَبُو سعيد: خطيب مسهج ومِسْهك، ورِيحٌ سَيْهُوج وسَيْهوك. قَالَ: والسَّهَك والسّهَج: مَرُّ الرِّيح.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المِسْهج: الَّذِي يَنطق فِي كل حق وباطل.
أَبُو عبيد: الأساهِيُّ والأساهِيجُ: ضُرُوبٌ مختلفةٌ من السَّير.
هـ ج ز
اسْتعْمل من وجوهه: هزج، جهز.
هزج: قَالَ اللَّيْث: الهزَج: صوتٌ مُطرِب، ورَعْدٌ هَزِجٌ بالصَّوت.
وَقَالَ الشَّاعِر:
أجشُّ مُجَلْجِلٌ هَزِجٌ مُلِثٌّ
تُكَرْكِرُه الجَنائِبُ فِي السِّداد
وعُودٌ هَزِج، ومُغَنَ هَزج: يُهَزِّجُ الصوتَ تَهزيجاً. والهَزَج: نوعٌ من أعاريض الشِّعر، وَهُوَ مَفاعِيلُنْ مفاعيلن، على هَذَا الْبناء كُله أَرْبَعَة أَجزَاء.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهَزَج تدارُكُ الصَّوْت فِي خِفّةٍ وَسُرعة. يُقَال: هُوَ هَزج الصَّوْت هُزَامِجهُ: أَي مُدَارِكه. قَالَ: وَلَيْسَ الهَزَج من الترنُّم فِي شَيْء.
وَقَالَ عنترة:
وكأنما ينأى بِجَانِب دفِّها ال
وَحْشِيِّ مِن هَزَج العَشيِّ مُؤَوِّمِ
يَعْنِي ذُباباً لطيرَانه ترَنُّمٌ، فالناقة تُحاذر لَسعَهُ إِيَّاهَا.
جهز: أَبُو عُبيدة: فَرسٌ جَهيز الشَّدّ: أَي سريعُ العَدْوِ، وَأنْشد:
ومقلِّصٍ عَتِدٍ جَهيزٍ شَدُّه
قيدِ الأوابد فِي الرِّهان جَوَادِ
ابْن السّكيت، عَن الْأَصْمَعِي: أجْهزْتُ على الجَريح، إِذا أَسْرَعْتَ قتلَه وَقد تمَّمْتَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَفرس جَهيزٌ، إِذا كَانَ سريعَ الشّد. قَالَ: وَالْعرب تَقول: أَحْمَقُ من جهيزة، قَالَ: وَهِي أُمُّ شَبيب الْخَارِجِي، قَالَ: وَكَانَ أَبُو شَبِيب من مهاجرة الْكُوفَة، اشْترى جَهيزة، وَكَانَت هِيَ حَمْرَاء طَوِيلَة جميلَة فأدارها على الْإِسْلَام، فَأَبت فواقَعَها فحمَلتْ، فتحرّك الولدُ فِي بَطنهَا فَقَالَت: فِي بَطْني شَيْء يَنقُز، فَقيل: أَحْمَقُ من جَهيزة.

(6/24)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْلهم: هُوَ أَحْمَق من جَهيزة، قَالَ: هِيَ الدُّبَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: كَانَت جَهيزة امْرَأَة خَلِيقَة فِي بدنِها رَعْناءَ يضرَب بهَا المَثَل فِي الحُمْق، وَأنْشد:
كأنّ صَلاَ جَهيزةَ حِين قَامَت
حَبابُ المَاء حَالا بعد حَال.
قَالَ: وَقيل: الجَهيزة: جرو الدُّبّ، والجِبسُ: أنثاه، وَقيل: الجهيزة: عِرْس الذِّئب، يعنُون الذِّئبة، وَقيل: حُمْقها أَنَّهَا تدعُ ولدَها وتُرضِع وَلَد الضَّبُع. قَالَ:
كمُرْضَعَةٍ أولادَ أخرَى وضيَّعتْ
بَنِيها فَلم ترْقَعْ بذلك مَرْقعا
وَيشْهد على ذَلِك مَا بَين الذِّئْب والضبع من الألفة، وَيُقَال: إنَّ الضبُع إِذا صِيدَت فَإِن الذئبَ يكفُل عيالَها، فيأتيها باللّحم، وَمِنْه قَوْله:
لدَى الحبْل حَتَّى عالَ أوسٌ عِيالها
قَالَ: وجهَّزْت الْقَوْم تجهيزاً: إِذا تكلَّفت لَهُم جَهازَهم للسَّفر، وَكَذَلِكَ جَهاز العَرُوس والميّت: وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي وَجْهه، وَقد تَجهزوا جَهازاً.
قَالَ: وسمعتُ أهلَ البَصْرة يخطِّئون الجِهاز بِالْكَسْرِ.
قلت: والقرّاء كلهم على فَتْح الْجِيم فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} (يُوسُف: 59) وجِهاز بِالْكَسْرِ لُغَة لَيست بجيدة، وَمَوْت مجهز: أَي وَحِيٌّ. وَالْعرب تَقول: ضربٍ البعيرُ فِي جهازه، إِذا جَفَلَ فَنَدَّ فِي الأَرْض والتَبَط حَتَّى طَوَّح مَا عَلَيْهِ من أَداةٍ وحِمْل.
هـ ج ط
طهج: أهمله اللَّيْث. وَالطيْهُوج: طائرٌ أَحْسبهُ معرّباً، وَهُوَ ذكر السِّلْكان.
هـ ج د
هجد، دجه، جهد، هدج: (مستعملة) .
هجد: قَالَ اللَّيْث: هَجَد القومُ هُجوداً: إِذا نَامُوا، وتَهجدوا: إِذا استَيْقظوا للصَّلَاة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبَيْدَة: الهاجد: الناقم، والهاجد المصلِّي بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الحُطيئة:
فحَيَّاك وُدٌّ من هداك لِفْتيةٍ
وخُوصٍ بِأَعْلَى ذِي طُوالة هُجَّدِ
وَقَالَ ابْن بُزُرج: أهْجدتُ الرجلَ: أَنَمَتُه وهَجَّدْتُه: أيقظته.
قَالَ الله جلّ وَعز: {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} (الإسرَاء: 79) .
وَقَالَ غَيره: وهجّدتُ الرجلَ: أنمْتُه.
وَمِنْه قَول لبيد قَالَ:
هَجِّدْنا فقد طالَ السُّرَى
وقَدَرْنا إنْ خنا الدَّهْرَ غَفَلْ
كَأَنَّهُ قَالَ: نَوِّمنا فَإِن السرى قد طَال عليَنا حَتَّى غلبنا النومُ، وَيُقَال: أهجدت الرجلَ: وجدته نَائِما.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: أَهجَدَ البعيرُ: إِذا أَلقَى جِرَانَه على الأَرْض.

(6/25)


أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: هجَّد الرجل: إِذا صَلى بِاللَّيْلِ، وهَجَّد: إِذا نَام بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الهاجد: النَّائِم، والهاجد: المصلِّي، قَالَ: وَكَذَلِكَ المتهجِّد يكون مصلّياً وَيكون نَائِما.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: هَجد وهَجَّد: إِذا قَامَ مصلِّياً، وهَجَد: إِذا نَام، وَذَلِكَ كُله فِي آخر اللَّيْل.
قلت: والمعروفُ فِي كَلَام الْعَرَب أَن الهاجدَ النَّائِم، وَقد هَجد هُجوداً: إِذا نامَ، وَأما المتهجِّد، فَهُوَ الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة من النّوم آخر اللَّيْل، وَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: متهجِّد لإلقائه الهجود عَن نَفسه، كَمَا أَنه قيل للعابد: متحنِّث لإلقائه الحِنْتَ عَن نَفسه، وَهُوَ الْإِثْم.
جهد: وَقَالَ اللَّيْث: الجَهْد: مَا جَهَد الإنسانَ من مَرَض أَو أَمر شاق فَهُوَ مَجْهود. قَالَ: والجُهْد لُغَة بِهَذَا الْمَعْنى، قَالَ: والجُهد: شَيْء قليلٌ يعِيش بِهِ المُقلّ على جَهْدِ العَيْش.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} (التّوبَة: 79) على هَذَا الْمَعْنى. قَالَ: والجَهْد أَيْضا: بلُوغُكَ غايةَ الْأَمر الّذي لَا تأَلو عَن الجَهْد فِيهِ. تَقول: جَهَدْتُ جَهْدي واجتهدتُ رَأْيي ونَفْسي حَتَّى بلغتُ مجهودي.
ابْن السكّيت: الجَهْد: الْغَايَة.
وَقَالَ الفرّاء: بلغتُ بِهِ الجَهْد: أَي الغايةَ، واجهَدْ جَهْدكَ فِي هَذَا الْأَمر: أَي ابلُغْ فِيهِ غايَتَك. وَأما الجُهد فالطاقة، يُقَال: اجهد جُهْدَك. قَالَ: وجَهَدْتُ فلَانا: بلغت مشقّته، وأجَهدتُه على أَن يفعل كَذَا وَكَذَا، وأجهَدَ القومُ علينا فِي العَداوة وجاهَدْتُ العَدُوَّ مُجاهَدة.
أَبُو عُبيد: جَهَدتُه وأَجْهدْتُه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
جَهَدْنَ لهَا مَعَ إِجْهادِها
شَمِر، عَن أبي عَمْرو، يُقَال: هَذِه بَقْلة لَا يَجْهَدها المَال: أَي لَا يكثر مِنْهَا، وَهَذَا كلأ يَجهْده المَال: إِذا كَانَ يَلِجُّ عَلَيْهِ ويَرْعاه.
وَقَالَ الأصمعيّ: كلّ لبن شُدّ مَذْقُه بِالْمَاءِ فَهُوَ مَجْهود.
وَقَالَ الشّماخ يصف إبِلا بالغزارة:
تُضحي وَقد ضَمِنتْ ضَرَّاتُها غُرَفاً
مِن ناصعِ اللّونِ حُلْوِ الطَّعم مَجْهودِ
فَمن رَوى الْبَيْت هَكَذَا أَرَادَ بقوله: مجهودِ: المشتهى الَّذِي يُلَحّ عَلَيْهِ فِي الشُّرب لطيبه وحلاوته، وَمن رَوَاهُ: (حُلْو غير مجهود) : فَمَعْنَاه أَنَّهَا غِزَارٌ لايَجْهدها الحَلب فَينهكُ لَبنَها.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله غير مجهود: إِنَّه يُمذَق لِأَنَّهُ كثير.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} (التَّوْبَة: 97) قَالَ: الجُهد: الطَّاقَة، تَقول: هَذَا جُهدي، أَي طاقتي: وَيُقَال: اجهْد جُهْدَك.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد القرشيّ بن سعيد بن عَمْرو، عَن مَرْوَان،

(6/26)


عَن عِيسَى بن الْمُغيرَة، عَن الشَّعبيّ قَالَ: الجُهد الطَّاقَة: تَقول: هَذَا جُهدي: أَي طاقتي. الجُهْد فِي القيتة والجَهد فِي الْعَمَل.
شَمِر عَن ابْن شُمَيْل، قَالَ الجَهاد: أظهرُ الأَرْض وأسواها: أَي أشدّها اسْتِوَاء، أنبتَتْ أَو لم تُنبت، لَيْسَ قُرْبَه جَبَل وَلَا أكَمة، والصّحراء جَهاد، وَأنْشد:
يَعُود ثرَى الأَرْض الجماد ويَنْبُت ال
جَهادُ بهَا والعُودُ رَيّانُ أَخضرُ
قَالَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الجَماد والجَهاد: الأَرْض الجَدْبة الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا، والجماعةُ: جُمُدٌ وجُهُد.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
أَمَرَعَتْ فِي نَداهُ إِذْ قَحَط القَطْ
رُ فأمسَى جَهادُها مُمْطُورا
وَقَالَ الْفراء: أرضٌ فضَاء وجَهاد، وبراز بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غيرُه: أجهدَ فِيهِ الشَّيبُ إجهاداً: إِذا بدا فِيهِ وكَثُر.
وَقَالَ عديّ بن زيد:
لَا تُواتيك إِذْ صَحَوتَ وَإِذ أَجْ
هَدَ فِي العارِضَيْنِ منْكَ القَتِيرُ
وَيُقَال: أَجهدَ لَك الطريقُ، وأجهَدَ لَك الحقُّ: بَرَزَ وظهَر ووضح.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بنُ العَلاء: حلَفَ بِاللَّه فأجْهَدَ، وَسَار فأَجْهدَ، وَلَا يكون فَجَهد.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أجهَدَ لَك هَذَا الأمرُ فاركْبه: أَي أمكَنك وأَعرَضَ لَك.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَجهَدَ القومُ لي: أَي أشرَفوا.
وَقَالَ الشَّاعِر:
لمّا رأيتُ القومَ قد أجهَدوا
ثُرْتُ إِلَيْهِم بالحُسام الصَّقِيلْ
وَقَالَ أَبُو زيد، يُقَال: إنَّ فلَانا لمُجْهِدٌ لَك، وَقد أجهَد: إِذا اختَلَط.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الجَهاض والجَهاد ثَمَرُ الْأَرَاك، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو عَمْرو، وَقَالَ الْحسن فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البَقَرَة: 219) هُوَ أَن لَا يَجهَد الرجلُ مالَه ثمَّ يَقعُد يسْأَل النَّاس.
وَقَالَ النَّضر: معنى يَجهَد مالَه: يُعْطِيهِ هَهُنَا وَهَهُنَا.
هدج: قَالَ اللّيث: الهَدَجان: مِشْية الشَّيْخ وَنَحْو ذَلِك، يُقَال: هَدَج الشيخُ وهَدَجت الرِّيح: أَي حَنَّت وصَوّتت، والتهدُّج: تقطيع الصّوت، وهَدَجُ الظَّليم: وَهُوَ سعيٌ ومشيٌ. وَعَدْوٌ، كل ذَلِك إِذا كَانَ فِي ارتهاش وَأنْشد:
والمُعْصِفاتِ لَا يزلنَ هدجا
وَقَالَ العجّاج يصف الظَّليم:
أَصَكَّ نَغْضاً لايَني مُسْتهْدَجا
قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: مُسْتَهْدَجَا أَي مستعجِلا، أَي أفزع فمرّ، وَمن رَوَاهُ بِكَسْر الدَّال أَرَادَ أنّه لَا يزَال عَجْلان فِي عَدْوِه.
وَقَالَ غَيره: الهَدْجة: رَزْمة النَّاقة وَحَنِينُها على وَلَدها، وناقةٌ هَدُوج ومِهداج. وَيُقَال للرِّيحِ الحَنون: لَهَا هَدْجة ومِهْداح، وَمِنْه

(6/27)


قولُ أبي وَجْزة السعديّ يصف حُمُر الْوَحْش:
حتّى سَلَكْن الشَّوَى منهنّ فِي مَسَكٍ
مِنْ نَسْلِ جَوابةِ الْآفَاق مِهْدَاج
المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: تهدَّجوا عَلَيْهِ وتَبأَبؤُوا عَلَيْهِ: إِذا أَظهروا إلْطافَه، وَيُقَال: ظَلِيمٌ هَدَجْدَج لِهدَجانه فِي مِشْيتهِ.
قَالَ ابْن أَحْمَر:
لِهدَجْدِجٍ جَربٍ مَساعرُه
قد عادها شهرا إِلَى شهرِ
وَإِنَّمَا قَالَ: جَرِب مَساعِرهُ لأنّ ذَلِك الْموضع من النّعام لَا ريشَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الهَدَجان: مُداركة الخَطْو، وَأنْشد:
وهَدَجانا لم يكن مِنْ مِشْيتي
كهَدَجان الرَّأْل خَلْفَ الهيقتِ
مُزَوْزِياً لما رَآهَا زَوْزَتِ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هَدَج: إِذا اضطَرَب مشيهُ من الكِبَر، وَهُوَ الهُداج.
والهَوْدج: مركَب من مراكب النِّسَاء. وقِدْرٌ هَدُوج: سريعة الغَليان.
دجه: أهمله اللَّيْث.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: دَجَّه الرّجل، إِذا نَام فِي الدُّجْيَة، وَهِي قُترَة الصَّائِد.
هـ ج ت
أهملت وجوهه، وَأما:
تجه: فأصله وُجاه، وَقد اتَّجهْنا وتجهنا.
هـ ج ظ هـ ج ذ هـ ج ث: أهملت وجوهها.

(بَاب الْهَاء وَالْجِيم مَعَ الرَّاء)
هـ ج ر
هجر، هرج، جهر، جَرّه، رهج، رجه: مستعملات.
هجر: قَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 67) . قَالَ: الْهَاء فِي قَوْله {بِهِ للبيت الْعَتِيق، يَقُولُونَ: نَحن أهلُه وقُطّانه وَإِذا كَانَ اللّيل وسَمَرْتُم هَجَرْتم النبيَّ وَالْقُرْآن، فَهَذَا من الهَجْر والرَّفْض.
قَالَ: وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: {تَهْجُرُونَ} من أَهْجَرْتُ، وَهَذَا من الهُجْر وَهُوَ الفُحْش، وَكَانُوا يَسُبّون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خَلَوا حولَ الْبَيْت لَيْلًا.
وَقَالَ الفرّاء: وإنْ قُرىء (تَهجرون) ، فجُعل من قَوْلك: هَجَر الرجُل فِي مَنَامه إِذا هَذَى، أَي أَنكُمْ تَقولُونَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا لَا يضرُّه فَهُوَ كالهَذَيان.
ورُوي عَن أبي سعيد الخُدْريّ أَنه كَانَ يَقُول لِبَنِيهِ: إِذا طُفْتم بِاللَّيْلِ فَلَا تَلْغَوْا وَلَا تَهْجُروا.
قَالَ أَبُو عُبَيد: مَعْنَاهُ: لَا تَهذُوا، وَهُوَ مِثلُ كَلَام المُبَرْسَمِ والمَحْموم، يُقَال: هَجَرَ يَهجُرُ هَجْراً، وَالْكَلَام مَهجور، ورُوي عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَاذَا الْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً} (الفُرقان: 30) : قَالُوا فِيهِ غيرَ الحقّ، ألم تَرَ إِلَى الْمَرِيض إِذا هَجَر قَالَ غير الحقّ؟

(6/28)


وَأما قولُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي كنت نهيتُكم عَن زِيَارَة الْقُبُور فزُوروها وَلَا تَقولُوا هُجْراً) فإنّ أَبَا عُبَيد ذَكر عَن الكسائيّ والأصمعيّ أَنَّهُمَا قَالَا: الهُجْر: الإفحاش فِي المَنطِق والخَنا.
يُقَال مِنْهُ: أَهجرَ الرجلُ يَهجِرُ، وَقَالَ الشّمَّاخ:
كماجِدَةِ الأعراقِ قَالَ ابنُ ضَرَّة
عَلَيْهَا كلَاما جارَ فِيهِ وأهجَرَا
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أهجرتُ بالرّجل إهجاراً: إِذا استهزأتَ بِهِ وقلتَ لَهُ قولا قبيحاً، وهَجَر الرجلُ هَجْراً، إِذا تباعَد ونَأَى، وهَجَرَ فِي الصَّوْم هَجْراً وهِجراناً.
ورُوي عَن عمر أَنه قَالَ: هاجِروا وَلَا تَهجَّرُوا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: أَخلِصوا الهِجْرةَ وَلَا تَشبَّهوا بالمهاجرين على غير صِحة مِنْكُم، فَهَذَا هُوَ التَّهجُّر، وَهُوَ كَقَوْلِك: فلانٌ يتحلّم وَلَيْسَ بحليم، ويتشجَّع وَلَيْسَ بِشُجَاعٍ: أَي أَنه يُظهِر ذَلِك وَلَيْسَ فِيهِ. قلت: وأصل المُهاجَرة عِنْد الْعَرَب: خروجُ البدويّ من بادِيتِه إِلَى المُدُن.
يُقَال: هاجَر الرجُل، إِذا فَعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ كلّ مُخْلٍ بمسكنه منتقِل إِلَى دارِ قومٍ آخَرين؛ لأَنهم تَركوا ديارَهم ومساكنَهم الَّتِي بهَا نشؤوا بهَا لله وَلَحِقُوا بدار قوم لَيْسَ لَهُم بهَا أهلٌ وَلَا مالٌ حينَ هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة، وَكَذَلِكَ الَّذين هَاجرُوا إِلَى أَرض الحَبشة. فكلُّ من فارقَ رِباعَه من بدويّ أَو حَضَرّي وَسكن بَلَدا آخر فَهُوَ مُهاجر، وَالِاسْم مِنْهُ الهِجْرة. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الاَْرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} (النِّساء: 100) وكُلُّ من أَقَامَ من البَوادي بمَبادِيهِمْ ومَحاضرهم وَلم يلْحقُوا بالنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَتَحَوَّلُوا إِلَى أَمْصَار الْمُسلمين الَّتِي أُحدِثَتْ فِي الْإِسْلَام وَإِن كَانُوا مُسلمين فَإِنَّهُم غير مُهاجرين وَلَيْسَ لَهُم فِي الفَيْء نصيبٌ، ويسمَّوْن الْأَعْرَاب.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: هجرتُ البعيرَ أهجُره هجْراً، وَهُوَ أَن يُشَدّ حبلٌ فِي رُسْغ رِجْله ثمَّ يُشَدّ إِلَى حَقْوه.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: قَالَ نصير: هجَرتُ البَكْرَ، إِذا رَبطْتَ فِي ذراعِه حَبْلاً إِلَى حَقْوه وقصْرتَه لِئَلَّا يقدر على العَدْو.
قلتُ: وَالَّذِي حفِظْتُه عَن الْعَرَب فِي تَفْسِير الهِجار أَن يؤخَذ حبلٌ ويسوَّى لَهُ عُروَتان فِي طَرَفيه بزرَّيْن، ثمَّ تُشَدّ إِحْدَى العُرْوَتين فِي رُسْغ رجل الفَرَس وتُزَرّ وَكَذَلِكَ العُروة الْأُخْرَى فِي الْيَد، وتُزَرّ، وسمعتُهم يَقُولُونَ: هجِّروا خيلَكم، وَقد هجَر فلَان فرسه هجْراً.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لكلّ شَيْء أفرط فِي طول أَو تَمام وحُسْن: إِنَّه لمُهْجِر. ونَخْلةٌ مُهجرة: إِذا أفرطت فِي الطول، وَأنْشد:
يعلى بِأَعْلَى السُّحُق المُهاجرِ
مِنْهَا عِشاشُ الهُدهُد القُراقِر
وسمعتُ الْعَرَب تَقول فِي نَعْتِ كلّ شَيْء جاوزَ حدَّه فِي تَمَامه: إِنَّه لمُهجِر، وناقةٌ مُهجرة: إِذا وُصفت بالفَراهة والحُسن، وَإِنَّمَا سُمي ذَلِك إهجاراً؛ لأنّ ناعِتَه يَخرج فِي نَعتِه عَن الحدّ المقارِب المُشاكل

(6/29)


للمنعوت إِلَى نعت يُفرط فِيهِ، فَكَأَنَّهُ يَهذي ويَهجُر.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو زيد وَغَيره: هِجِّيرَى الرجل: كلامُه ودَأْبُه، وشأنُه. وَقَالَ ذُو الرّمّة:
رَمَى فأَخطأَ والأقدارُ غالبة
فانْصَعْنَ والويلُ هِجِّيراهُ والحَرَبُ
وَقَالَ الأمويّ: يُقَال: مَا زَالَ ذَلِك إهْجيراه وهِجِّيراه ودَأَبه ودَيْدَنَه.
ورَوى مالكُ بنُ أنس عَن سُمَيّ عَن أبي صَالح عَن أبي هُريرة قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو يَعلمُ الناسُ مَا فِي التَّهجير لاستبقوا إِلَيْهِ؛ وَفِي حَدِيث آخر: (المُهجِّرُ إِلَى الجُمُعة كالمُهْدي بَدنَه) يذهبُ كثيرٌ من النَّاس إِلَى أَن التهجير فِي هَذِه الْأَحَادِيث تَفعيل من الهاجرة وقتَ الزَّوَال، وَهُوَ غَلَط، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ أَبُو داودَ المصاحِفي عَن النَّضر بن شُمَيل أَنه قَالَ: التهجير إِلَى الجُمُعة وَغَيرهَا: التَبكير.
قَالَ: سمعتُ الخليلَ بن أَحْمد يَقُول ذَلِك فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَهِي لغةُ أهل الْحجاز وَمن جاوَرَهم من قَيْس.
وَقَالَ لبيد:
راحَ القطِينُ بِهَجْرٍ بعد مَا ابتَكَرُوا
فقَرنَ الهجْر بالابتكار، والرَّواح عِنْدهم: الذَّهاب والمُضيّ، يُقَال، راحَ القومُ: أَي خَفُّوا ومَرُّوا أيّ وقتٍ كَانَ.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَو يَعلَم الناسُ مَا فِي التهجير لاستبقوا إِلَيْهِ) ، أَرَادَ بِهِ التّبكيرَ إِلَى جَمِيع الصَّلوات: وَهُوَ الذَّهاب إِلَيْهَا فِي أوَّل أَوْقَاتهَا. قلتُ: وسائرُ العَرَب تَقول: هجّر الرجل: إِذا خرج وقتَ الهاجرة رَوَاهُ أَبُو عُبيد عَن أبي زيد. هَجّر الرجُل: إِذا خرج بالهاجرة.
قَالَ: وَهِي نصفُ النَّهَار، قَالَ: وَيُقَال أتيتُه بالهجير وبالهَجْر.
ذكر ابْن السّكيت عَن النَّضر أَنه قَالَ: الهاجرة إِنَّمَا تكون فِي القَيْظ، وَهِي قبل الظُّهر بِقَلِيل، وبعدَها بِقَلِيل. قَالَ: والظهيرة: نصفُ النَّهَار فِي القَيْظ حِين تكونُ الشمسُ بحيال رأسِك كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُ أَن تَبْرَح.
أنْشد المنذريّ فِيمَا روى لثعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي (نوادره) قَالَ: قَالَ جِعْثِنَة بنُ جَوَّاس الربَعيَّ فِي نَاقَته:
هلْ تَذْكرِينَ قَسَمي ونَذْرِي
أزمانَ أنتِ بعُرُوضِ الجَفْرِ
إذْ أنتِ مِضْرَارٌ جوادُ الحُضْرِ
فيُهجِرُون بهجِير الفجْر
قلت: قَوْله بهجِير الْفجْر، أَي يُبكِّرون بِوَقْت السّحَر.
وَقَالَ اللَّيْث: أَهْجَر القومُ: إِذا صَارُوا فِي ذَلِك الْوَقْت، وهَجَّر القومُ: إِذا سَارُوا فِي وَقْته.
قَالَ: والهِجِّيرَى: اسمٌ من هَجَر إِذا هَذَى.
قَالَ: والهَجْر من الهجْران: وَهُوَ تَرْكُ مَا يَلزَمُك تَعاهُدُه.
قَالَ: والهِجار: مُخالِف للشِّكال تشَدّ بِهِ يَدُ الفَحْل إِلَى إِحْدَى رجلَيْهِ، وَأنْشد:
كَأَنَّمَا شُدَّ هِجَاراً شاكِلا

(6/30)


قلتُ: وَهَذَا الَّذِي ذكره اللَّيْث فِي تَفْسِير الهِجار مُقارِب لما حكيتُه عَن الْعَرَب سَماعاً وَهُوَ صَحِيح، إِلَّا أنهُ يَهْجَر بالهجار الفَحْلُ وغيرُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِجار القَوس: وترُهَا.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الهاجرة من حِين تزُولُ الشَّمْس، والهُوَيْجِرَة بَعدَها بِقَلِيل.
والهاجِرِيّ: البَنَّاء. وَقَالَ لبيد:
كعَقْر الهاجِرِيّ إِذا ابتَناه
بأَشْيَاء حُذِينَ على مِثالِ
والهجير: الحَوْض المبنيّ.
وَقَالَت خنساءُ تصف فَرساً:
فَمَالَ فِي الشَّدِّ حَثيثاً كَمَا
مالَ هَجِيرُ الرجل الأعسَرِ
شبّهتِ الفرسَ حِين مَال فِي حُضْره بحَوْض مُلىءَ فانثَلَم ومالَ مَاؤُهُ سَائِلًا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الهَجِير: مَا يَبِس من الحَمْض.
وَقَالَ ذُو الرمة:
وَلَمْ يَبقَ بالخَلْصاء ممَّا عَنَتْ بِهِ
مِن الرُّطب إلاَّ يَبْسُها وهَجِيرُها
أَبُو عُبيد عَن الفرَّاء: نَاقَة مُهجِرة: فائقة فِي الشَّحْم والسِّمَن.
قَالَ: وَيُقَال: رمَاه بهَاجراتٍ ومُهجِرات: أَي بفضائحَ، وناقَة هاجِرة فائقة.
قَالَ أَبُو وَجْزة:
تُبَارِي بأجْوازِ العَقيق غُدَيَّةً
على هاجِرَاتٍ حانَ مِنْهَا نُزُولها
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال للنَّخلة الطَّوِيلَة: ذهبتْ هَجْراً، أَي طُولاً وعِظَماً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد يُقَال لقيتُ فلَانا عَن غُفْر: بعدَ شهْر ونحوِه، وَعَن هَجْر بعدَ الْحول وَنَحْوه.
وعَدَدَ مُهْتجِر: كثير.
وَقَالَ أَبُو نخيلة:
هذاك إسحاقُ وقَبْضٌ مُهْجِرُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للخاتَم: الهِجار والزينة، وَأنْشد:
وفارساً يَستلِب الهِجارا
قَالَ: يصفة بالحِذْق إِذا رَمَى.
قَالَ: والهُجَيرة: تَصْغِير الهَجْرَة: وَهِي السَّنَة التامّة.
قلتُ: وَمِنْه قَوْلهم: لقيتُه عَن هَجْر، أَي بعد حَوْل.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وغِلْمَتي منهمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ
وَأَبِقٌ مِنْ جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
قَالَ: هَجِر: يمشي مُثقلا متقارِبَ الخَطْو كأنّ بِهِ هِجاراً لَا ينبَسِط ممّا بِهِ من الشَّرّ والبَلاء.
وَسمعت واحدُ من غير البَحرانِيين يَقُولُونَ للطعام الّذي يُؤْكَل نصفَ النهَار: الهَجُورِيّ.
هرج: أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: هَرَج الناسُ يَهرِجون هَرْجاً، من الِاخْتِلَاط.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَرْج: القِتال والاختلاط فِيهِ، وَأنْشد الأصمعيّ قولَ ابْن الرُّقيّات:

(6/31)


ليتَ شِعري أَوَّلُ الهَرْج هَذا
أَمْ زَمانٌ من فِتْنَةٍ غير هَرْج؟
وَقَالَ: هَرَج الرجلُ الْمَرْأَة يَهْرِجُها، إِذا نَكحَهَا، وَقد هَرَجها لَيْلَة جَمْعَاء.
روى أَبُو عَوانة عَن عاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بنِ قيس الأشعريّ قَالَ: (قيل لعبد الله بنِ مَسْعُود: أتعلم الْأَيَّام الَّتِي ذَكَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الهَرْج؟ قَالَ: نعم تكون بَين يَدي السَّاعَة، يُرفَع فِيهَا العِلم، ويَنزِل الجَهل، ويكوْن الهَرْج، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: الهَرْج بِلِسَان الحَبَشَة: القَتْل) .
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: بابٌ مَهْروج: وَهُوَ الَّذِي لَا يُسَدّ، يَدخُله الخَلْق، وَقد هَرَجه الْإِنْسَان يَهْرِجُه: أَي تَركه مَفْتُوحًا، وهرج الْقَوْم يَهرِجُون فِي الحَدِيث: إِذا أفاضوا فِيهِ وأَكثَروا.
وَفِي الحَدِيث: (قُدَّام السَّاعَة هَرْج) : أَي قِتال شَدِيد.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: هَرَج الفرسُ يهرُجُ هَرْجاً وَهُوَ فرس مِهْرَجٌ وهَرَّاج: إِذا كَانَ كثير العَدْو، وَمِنْه قولُ العجّاج:
غَمْرُ الأجارِيّ مِسَحّاً مِهْرَجا
وَيُقَال: هَرِجَ البعيرُ يُهرَج هَرْجا: إِذا مَا سَدَر من شِدَّة الحَرّ.
وَقَالَ شمر: هَرِج البعيرُ من شدّة الحرّ، وَقد أهرجْتَ بعيرَك: إِذا وَصَل الحرُّ إِلَى جَوْفه، وَرجل مُهْرِج: إِذا أَصابَ إبِلَه الجَرَب فطَلاها بالقَطِران وَوَصَل حَرُّه إِلَى جوْفها. وأَنشد فِي ذَلِك قَوْله:
عَلَى نارِ جِنَ يَصْطَلون كَأَنَّهَا
جِمَالٌ طَلاَها بالعَنِيَّة مُهرِجُ
قلتُ: وَرَأَيْت بَعِيرًا أجربَ هُنِىءَ بالخَضْخَاض فهَرج هَرَجاً شَدِيدا ثمَّ سَقَط ومَات.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: هَرَّجْتُ السَّبُعَ، إِذا صِحتَ بِهِ.
وَقَالَ رؤبة:
هَرَّجتُ فارتدَّ ارتدادَ الأَكمَهِ
فِي غائلاتِ الحائرِ المُتَهْتِه
قَالَ شمر: المتَهتِه: الَّذِي تَهته فِي الْبَاطِل: أَي رُدِّدَ فِيهِ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: هَرَّجَ بعيرَه، إِذا حَمَل عَلَيْهِ فِي السَّير فِي الهاجرة، وَأنْشد:
ورَهِبا من حَنْذِه أَن يَهْرَجا
والهِرْج: الضَّعيفُ من كلّ شَيْء.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
والكبشُ هِرْجٌ إِذا نَبّ العَتُودُ لَهُ
زَوزَى بأليَتِه للذُّلِّ واعترفا
جهر: سَلمَة عَن الفرَّاء: جَهَرْتُ السِّقاءَ، إِذا مَخَضْتَه، والجَهيرُ: اللّبَن الَّذِي أخرِج زُبْدَه، والثميرُ: الَّذِي لم يخرج زبده وَهُوَ التثمير.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَهَرْتُ البِئر، واجتهرْتُها، إِذا نزَحْتها، وَأنْشد:
إِذا وَرَدْنا آجِناً جَهَرْناه
أَو خَالِيا مِن أَهْلِه عَمرْناه

(6/32)


أَرَادَ أَنهم من كَثرتهم نزَفوا مياهَ الْآبَار الآجنة وعَمَروا الرَّكايا الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا حاضِر بنزُولهم عَلَيْهَا.
وَفِي حَدِيث عليّ ح: أَنه وصفَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لم يكن قَصِيرا وَلَا طَويلا، وَهُوَ إِلَى الطول أقرَبُ، مَن رَآهُ جَهره، معنى جَهرَه، عَظُم فِي عَيْنَيه، وَمِنْه قولُ الراجز:
لَا تَجْهُريني نَظراً وُردِّي
فقد أُرُدُّ حينَ لَا مَرَدِّ
يَقُول: استعظمتِ مَنَظري فَإِنِّي مَعَ مَا تَرين من مَنظري شُجاعٌ أرُدّ الفُرْسان الَّذين لَا يَرُدّهم إلاّ مِثلي.
قَالَ: وكبشٌ أجهَر، ونعجةٌ جَهْراء، وَهِي الَّتِي لَا تُبْصِر فِي الشَّمْس.
وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
جَهْرَاءُ لَا تَأْلُو إِذا هِيَ أَظْهَرَتْ
بصراً وَلَا مِن عَيْلة تُغْنِيني
قَالَ: يصف فرسا بقوله: جَهْرَاء.
وَقَالَ غيرُه: أَرَادَ بالجَهْراء عَنْزاً أَو نَعْجَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُهْرة: الحَوْلة، وَرجل أجْهَر وَامْرَأَة جَهْراء: فِي عُيونِهما حَوَل.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَهَرْتُ الجَيشَ واجْتَهَرْتُهم: إِذا كَثُرُوا فِي عَيْنك، وَكَذَلِكَ الرجلُ ترَاهُ عَظِيما فِي عَينِك.
وَقَالَ العجاج يصف جَيْشًا عَرمْرَما:
كَأَنَّمَا زهاؤُه لمن جَهَرْ
ليْلاً وَرَزُّوَغْرِه إِذا وَغَر
زُهاؤه: كَثْرَة عَدَده، وَيُقَال: رأيتُ جُهْرَ الرَّجل: إِذا نظرتَ إِلَى هَيئته وحُسنِ منظَره فراعَكَ حُسنُه.
وَقَالَ الْقطَامِي:
شَنِئْتُكَ إِذْ أَبصَرْتُ جُهْرَك سَيِّئاً
وَمَا غَيَّبَ الأقوامُ تابِعَةُ الجُهر
قَالَ: (مَا) فِي معنى الَّذِي، يَعْنِي مَا غَابَ عَنْك من خُبْر الرجل فَإِنَّهُ تابعٌ لمنظره، والجُهْر يسْتَعْمل فِي السَّيِّء، وَهُوَ القَبيح كَمَا يسْتَعْمل فِي البَهيِّ الحَسَن.
ثَعْلَب عَن الْأَعرَابِي: رجل حَسَن الجهَارة والجُهْر: إِذا كَانَ ذَا منظر حَسَن.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وأَرَى البياضَ على النَّساء جَهارةً
والعِتْقَ أَعْرِفُهُ على الأدْماء
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا فِي الْقَوْم أَحدٌ تَجْهَرَهُ عَيْني: أَي تأخذُه عَيْني.
قَالَ: وجَهَرْتُ بالقَوْل أَجْهَرُ بِهِ، إِذا أعلنْته. ورجلٌ جَهِير الصوتِ: أَي عالي الصَّوْت، وَكَذَلِكَ رجلٌ جَهْوَرِيُّ الصَّوْت: رفيعه. وَيُقَال: جاهرَني فلانٌ جِهاراً، أَي عالنَني مُعَالَنَةً: والجَهْر: الْعَلَانِيَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَهْوَر: هُوَ الصَّوْت العالي.
قَالَ: والجَوْهر: كلُّ حجرٍ يستخرجَ مِنْهُ شَيْء ينْتَفع بِهِ، وجوهرُ كل شَيْء مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ جبلته.
وجَهَر فلانٌ فِي كلامِه وقراءته. قَالَ: وأَجْهر بقرَاءَته لُغَة.

(6/33)


أَبُو عبيد: جهرتُ الْكَلَام وأجهرته: إِذا أَعلنتَه.
والجَهْراء: مَا استَوَى من ظَهر الأَرْض بهَا شجرٌ وَلَا إكامٌ وَلَا رمال إِنَّمَا هِيَ فضاء، وَكَذَلِكَ العراء: يُقَال وطئنَا أَعْرِيةً وَجَهْرَوات وَهَذَا من كَلَام ابْن شُمَيْل.
أَبُو سعيد: جَهيرٌ للمعروف: أَي خَلِيقٌ لَهُ، وهُم جهراء للمعروف: أَي خُلقاء لَهُ، وَقيل ذَلِك: لِأَن من اجتَهَره طَمِع فِي معروفه.
وَقَالَ الأخطَل:
جُهراءُ للمعروف حينَ تَراهُمُ
خُلقاء غيرَ تنابلٍ أَشرارِ
ابْن السّكيت: جُهراء الْحَيّ: أفاضلُهم، وَأمر مُجْهِر: أَي وَاضح، وَقد أجهرته أَنا إجهاراً وجهرت بِكَذَا أجْهَرُ بِهِ جهْراً: أَي شَهَرْتُ بِهِ فَهُوَ مَجْهور بِهِ: أَي مَشْهُور.
أَبُو عُبَيْدَة: فرُسٌ جَهْورَ: وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بأجَشّ الصَّوْت وَلَا أَغنّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أجهَرَ الرجلُ: إِذا جَاءَ ببَنِينَ جَهارةٍ وهم الحَسنو القُدود الحَسَنو المنظر، وأجْهر: جَاءَ بِابْن أحْوَل.
عمر عَن أَبِيه: الأجهَر: الحَسن المنظر، الحَسَن الجِسم التَّامَّة، والأجْهَر: الْأَحول المليحَ الحَوْلة والأجهر: الَّذِي لَا يبصر بالنَّهار، وضدُّه الْأَعْشَى.
وَفِي حَدِيث عمر: إِذا رأيناكم جَهَرناكم: أَي أَعْجَبنا أجسامُكم: قَالَ والْجُهر: حُسْن المنظر.
ابْن الْأَعرَابِي: الجَهر: قِطْعَة من الدَّهْر، والهَجْر: السّنة التَّامَّة. قَالَ: وحاكم أَعْرَابِي رجلا إِلَى بعض الْحُكَّام فَقَالَ: بِعْت مِنْهُ عُنجداً مُذْ جَهْرٌ فَغَاب عني. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَي (مُذْ) قطعةٌ من الدّهر.
جَرّه: أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي زيد: سَمِعت جَراهِيَةَ الْقَوْم: يُرِيد كَلَامهم وعلانِيتهم دون سرِّهم.
قَالَ غَيره: يُقَال جَرَّهْت الأمرَ تَجْرِيهاً إِذا أعلنته، ولقيته جَراهَيةً، أَي ظَاهرا، وَأنْشد:
وَلَوْلَا ذَا لَلاَقَيتُ المنايا
جَراهية وَمَا عَنْهَا مَحِيدُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَرْه: الشَّبهُ الشَّديد.
رجه: والرَّجْه: التشبث بالإنسان، وَهُوَ التزعزع قَالَ: وَيُقَال: أَرجَهَ الأمرَ عَن وقته إِذا أخَّره، وَكَذَلِكَ أَرْجاه، كأَنّ الْهَاء مُبدلة من الْهمزَة.
رهج: قَالَ اللَّيْث: الرَّهج: الْغُبَار. وَقَالَ غَيره: أرهجت السماءُ إرهاجاً: إِذا هَمَّتْ بالمطر، ونَوءٌ مُرهِج: كثير الْمَطَر.
وَقَالَ مليح الْهُذلِيّ:
فَفِي كلِّ دَار منكِ للقلب حَسْرَة
يكون لَهَا نَوْءٌ مِن العَيْن مُرْهجُ
والرِّهْجيج: الشَّغِب الضَّعيفُ من الفُصْلان.
وَقَالَ الراجز:
فَهِيَ تبذُّ الرُّبَعَ الرَّهْجيجا
فِي المشيْ حَتَّى تَركب الوَسِيجَا

(6/34)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أرهَج: إِذا أَكثرَ بخُورَ بَيته. قَالَ: والرَّهج: الشغب.
هـ ج ل
هجل، هلج، جهل، جله، لهج: مستعملة.
هجل: قَالَ اللَّيْث: الهَجْل كالغائط يكون مُنفرجاً بَين الْجبَال مطمئناً موطئِهِ صُلْب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهَجْلُ: المطْئن من الأَرْض.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَجْلُ: مَا اتَّسع من الأَرْض وغَمض.
وَقَالَ أَبُو النَّجم:
والخَيْلَ يَرْدِينَ بهَجْلٍ هاجِل
فَوارطاً قُدَّامَ زَحْفٍ رافلِ
وماءٌ مُهْجَل ومُسْجَل: إِذا كَانَ مُضَيَّعاً مُخَلّى.
وَقَالَ غيرُه: الهَجْل والهَبْر مُطمئنٌّ يُنْبِت وَمَا حوْله أشدّ ارتفاعاً، وجمعهُ هُجول وهُبور. وأَهْجَل القومُ فهم مُهجِلون.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَوْجَل: المَفازة البعيدةُ.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الهَوْجَل: أَنجرُ السَّفِينَة، والهَوْجَل: بقايا النعاس، والهَوْجل: الدَّليل الحاذِق، والهَوْجل: الأحمَق.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الهَوْجل: الأرضُ الَّتِي لَا مَعالِمَ بهَا.
وَقَالَ شمر: قَالَ يحيى بنُ نُجيم: الهَوْجل: الطّريقُ الَّذِي لَا عَلَم بِهِ، وَأنْشد قولَ الفرزدق:
إليكَ أمِيرَ الْمُؤمنِينَ رَمَتْ بِنا
هُمومُ المُنى والهَوْجَلُ المتعسِّفُ
يُقَال: فَلاةٌ هَوْجَل: إِذا لمْ يهتَدوا بهَا. والهَوْجل: الثّقيل الوَخِم، وناقةٌ هَوْجل: وَهِي السريعةُ الوَساع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَوْجل: الأرضُ الَّتِي لَا نَبْتَ فِيهَا.
وَقَالَ ابنُ مُقْبِل:
وجَرْداءُ خَوْقاءُ المسارحِ هَوْجَلٌ
بهَا لاسْتِداءِ الشَّعْشَعاناتِ مَسْبَحُ
أَبُو بكر، سمِعتُ شمراً يَقُول: قَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَوْجل: المَفازة الذاهبةُ فِي سَيْرِها، والهَوْجل: الرّجل الذاهِبُ فِي حُمْقه، والهَوْجل: النّاقةُ السَّريعةُ الذاهبة فِي سَيرهَا. قَالَ: وَهُوَ كلّه وَاحِد، وَلَكِن لَا يُحسِنون.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهاجِل: النَّائِم، والهاجل: الْكثير السَّفَر.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هَجَّلْتُ بالرّجل تَهجيلاً، وسَمَّعْتُ بِهِ تَسْمِيعاً: إِذا أسْمَعه القبيحَ وشَتَمه.
وَقَالَ ابنُ بُزْرُج: لَا تَهْجَلَنَّ فِي أَعراض النَّاس: أَي لَا تَقَعَنَّ فيهم والهَجُول: البَغِيُّ من النِّساء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَجول: الْفَاجِرَة، وامرأةٌ مُهْجَلة: وَهِي الَّتِي أُفْضِيَ قُبُلُها ودُبُرُها.
وَقَالَ الشَّاعِر:
مَا كَانَ أَهْلاً أَن يُكَذِّب مَنطقِي
سعدُ بن مُهْجَلة العِجان فَلِيقِ

(6/35)


وَجَاء فِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخَذَ قَصَبَةً فَهَجَل بهَا: أَي رَمى بِهِ.
قلت: لَا أعرف هَجَل بِمَعْنى رمى، وَلَكِن يُقَال: نجل وزجل بالشَّيْء: رمى بِهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هَوْجَل الرجلُ: إِذا نامَ نَوْمةً خَفِيفَة.
وَأنْشد:
إِلَّا بَقايا هَوجَلِ النُّعاسِ
قَالَ: وهَجَلَت المرأةُ بعينِها ورَمَشَتْ وغَيَّقَتْ ورَأْرَأَتْ: إِذا أَدراتْها بغَمْز الرَّجُل.
هلج: قَالَ اللَّيْث: الهَلِيلَج: معروفٌ من الْأَدْوِيَة.
ورَوى أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: هِيَ الأهْلِيلَجَة، وَلَا نقل هَلِيلَجَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الفرّاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الهالِج: الْكثير الأحلام بِلَا تَحْصيل.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَلَجَ يَهلِجُ هَلْجاً، إِذا أَخَبَرَ بِمَا لَا يُؤْمَن بِهِ، والهَلْجُ فِي النَّوْم أَيْضا: الأضْغاث.
لهج: قَالَ اللَّيْث: لَهِجَ فلانٌ بِكَذَا وَكَذَا: إِذا أُولع بِهِ، ولَهِجَ الفصيلُ بِأُمِّه يَلهج: إِذا اعتادَ رضاعها، وَهُوَ فَصِيلٌ لاهِجٌ.
أَبُو الهَيْثم: فَصيل داغِل ولاهِج. بأُمِّه.
وَقَالَ اللَّيْث: أَلْهجْتُ الفصِيلَ: إِذا جعلْتَ فِي فِيه خِلالاً فشَددتَه لئلاَّ يَصِل إِلَى الرّضاع.
وَأنْشد:
يَرَى بِسَفَى البُهْمَى أَخِلَّةَ مُلْهِجِ
قلت: المُلهج هَاهُنَا: الرّاعي الَّذِي هاجَت فِصَالُ إبِلِه بأمهاتها فَاحْتَاجَ إِلَى تفليكها وإجْرارِها: يُقَال: أَلْهجَ الرّاعي وصاحِبُ الإبِل فَهُوَ مُلهج: إِذا لَهِجَت فصالُه، والتَّفليك: أَن يَجعل الرَّاعِي من الهُلْب مِثلَ فَلْكة المِغْزَل، ثمَّ يَثقُب لسانَ الفصِيل فيَجعله فِيهِ لئلاّ يَرضَع، والإجْرار: أَن يشُقَّ لسانَ الفصيل لئلاَّ يرضَع، وَهُوَ البَذْج أَيْضا.
وأمَّا الخَلّ، فَهُوَ أَنْ يأخذَ خِلاَلاً فيُلزقَه بأَنْفِ الفصِيل طُولاً، فَإِذا ذهب يرضع خِلْفَ أمِّه أَوْجَعَها طرَف الخِلاَل فزَبَنَتْهُ عَن ضرْعِها. وَلَا يُقَال: أَلْهجْتُ الفصِيلَ، إِنَّمَا يُقَال: ألهج الرّاعي: إِذا لهِجَتْ فصالُه، وبيتُ الشمّاخ حُجَّةٌ لِما وَصَفناه، وَهُوَ قَوْله:
رَعَى بأرضَ الوَسْمِيّ حَتَّى كأَنما
يَرى بسَفَى البُهْمَى أَخِلَّةَ مُلْهِجِ
هَكَذَا أَنشدنِيه المنذريّ، وذَكرَ أنّهُ عَرَضَه على أبي الْهَيْثَم قَالَ: والمُلهج: الَّذِي لَهجَتْ فصالُه بالرّضاع. يَقُول الشمّاخ: رَعَى هَذَا العَيْرَ بأَرْض الوَسْمِيّ، أوَّلَ مَا نَبَت إِلَى أنْ يبِسَ سَفَا ذَلِك البارِض، فكرهه ليُبْسه، وشبَّه شوكَ السَّفا عِنْد يُبْسِه بالأخِلَّة الَّتِي تُلْزَق بأنوف الفِصال. وفسّر الْأَصْمَعِي لي رِوَايَة الباهليّ البيتَ على مَا وَصفْتُه وبَيَّنَته.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّهْجَة يُقَال: طرَف اللّسان، وَيُقَال: جَرْس الْكَلَام، يُقَال: فلانٌ فَصِيحُ اللَّهْجة واللَّهَجَة، وَهِي لُغَتُه الَّتِي جُبِل عَلَيْهَا فاعتادها ونَشَأَ عَلَيْهَا، وَيُقَال: فلانٌ مُلهِجٌ بِهَذَا الْأَمر، أَي مُولَع بِهِ.

(6/36)


وَمِنْه قَول العجاج:
رَأْسا بتَهْضَاضِ الرؤوس مُلهِجَا
قَالَ: ولَهْوَجْتُ اللَّحْمَ: إِذا لم تُنْعِم شَيَّه، وأمْرٌ مُلَهْوَج: إِذا لمْ تُحكِمْه.
وَمِنْه قولُ العجاج:
والأمْرُ مَا رامَقْتَه مُلَهْوَجاً
يُضويكَ مالمْ تُحْيِي مِنْهُ مُنْضَجا
ابْن السّكيت: طعامٌ مُلَهْوَج ومُلَغْوَس. وَهُوَ الَّذِي لم يَنْضَج. وَأنْشد:
خيرُ الشِّوَاء الطيِّبُ المُلَهْوَجُ
قد هَمَّ بالنُّضْج ولمّا يَنضَج
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: إِذا خَثُر اللّبن حَتَّى يخْتَلط بعضُه بِبَعْض، وَلم تَتمّ خُثُورَتُه، فَهُوَ مُلْهاجُّ، وَكَذَلِكَ كلُّ مختلِط بعضُه بِبَعْض وَلم تتمّ خُثورَته فَهُوَ مُلْهاجٌّ، وَكَذَلِكَ كلُّ مختلِط يُقَال: رأيتُ أمرَ بني فلانٍ مُلْهاجّاً، وأيقَظَني حِين الهاجَّتْ عَيْني: أَي حينَ اختَلَط بهَا النُّعاس.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: لَهَجْتُ القومَ: إِذا علّلتَهم قبلَ الغَداء بِلُهْنَة يتعلّلون بهَا، وَهِي اللُّهْجة والسُّلْفة والمَجَّة، وَقد قَالَه أَبُو عَمْرو أَيْضا. قَالَ: وَتقول العربُ سَلِّفوا ضيفَكم ولَمِّجُوه ولَهِّجوه ولمِّكُوه وغَسِّلوه وشَمِّجوه وغَبِّروه وسَفِّكوه ونَشِّلوه وسَوِّدوه، بِمَعْنى وَاحِد.
جهل: قَالَ اللَّيْث: الْجَهْل: نقيضُ العِلْم: تَقول: جَهِل فلانٌ حَقَّ فلَان، وجَهِل فلانٌ عليَّ وجَهل بِهَذَا الْأَمر، قَالَ: والجَهالة: أَن يَفعل فعلا بِغَيْر علم، وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف قدوراً تغلي:
ودُهْمٍ تُصادِيها الولائِدُ جِلّةٍ
إِذا جَهِلَتْ أجوافُها لم تَحَلَّم
يَقُول: إِذا فارت لم تَسْكُن. والجاهليّة الجَهْلاء: زمانُ الفَتْرة وَلَا إِسْلَام.
وَقَالَ غَيره: أرضٌ مَجْهُولَة لَا أَعْلَام بهَا، وَكَذَلِكَ المَجهَل من الأَرْض، وجمعُه المَجاهِل.
شمر عَن ابْن شُمَيْل: الأرضُ المجهولة: الَّتِي لَا يُهتَدى بهَا: لَا أعلامَ بهَا وَلَا جبال، وَإِذا كَانَت بهَا معارفُ أَعْلَام فَلَيْسَتْ بمجهولة، يُقَال: علوْنا أَرضًا مَجهولةً ومَجْهَلا، سَوَاء، وأنشدنا:
قلتُ لصحراءَ خلاءِ مَجْهَلِ
تَغَوَّلي مَا شئتِ أَن تَغَوَّلي
قَالَ: وَيُقَال: مجهولةٌ ومجهولاتٌ ومجَاهِيلُ.
وَقَالَ غَيره: ناقةٌ مَجْهُولَة: لم تُحلَب قطّ، وناقةٌ مَجْهُولَة، إِذا كَانَت غَفْلاً لاسِمة عَلَيْهَا.
ابْن شُمَيْل: إنَّ فلَانا لجَاهِل مِن فلَان: أَي جَاهِل بِهِ.
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: من استجهل مُؤمنا فَعَلَيهِ إثمه.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن المبارَك: يريدُ بقوله: من استَجهل مُؤمنا، أَي حَمَله على شَيْء لَيْسَ من خُلُقه فيُغضِبه، قَالَ: وجَهْلُه أَرْجُو أَن يكون مَوْضُوعا عَنهُ، وَيكون على من استجهَله.
قَالَ شمر: وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام العَرَب جهلتُ الشيءَ، إِذا لم تَعرفه. تَقول: مِثلي

(6/37)


لَا يَجهَل مِثلَك. قَالَ: وجهَّلتُه: نسبتُه إِلَى الجَهْل، واستجهَلْتُه: وجدتُه جَاهِلا، وأجهلْتُه: جعلتُه جَاهِلا، قَالَ: وأمّا الاستجهال بِمَعْنى الحَمْل على الجَهْل فَمِنْهُ مَثَل للْعَرَب: نَزْوُ الفُرارِ استَجْهَلَ الفُرَارَ.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (البَقَرَة: 273) ، لم يرد الْجَهْل الّذي هُوَ ضدّ الْعقل، وَإِنَّمَا أَرَادَ الجهلَ الَّذِي هُوَ ضدّ الخبْرة. أَرَادَ يَحْسَبُهم مَن لم يَخْبُر أمْرَهُم، وَقَالَ الطّرمّاح:
مُخْلِفُ الطُّرَّاق مجهولةٌ
محدِثٌ بعدَ طِراقٍ لُؤام
أَي لم تقبل مَاء الطَّرْقِ، ثمّ أَحْدَثَتْ لقاحاً بعد طِراق لؤام.
جله: قَالَ اللَّيْث: الجَلَه: أشدُّ من الجَلَح.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الأنْزَعُ: الَّذِي انحَسَر الشَّعر عَن جانِبي جَبْهته، فَإِذا زَاد قَلِيلا فَهُوَ أجْلَح، فَإِذا بلغ النِّصف ونحوَه فَهُوَ أجْلَى، ثمَّ هُوَ أَجْلَه، وَأنْشد:
لمّا رأَتْني خَلَق المُمَوَّهِ
بَرّاق أَصْلادِ الجَبِين الأجْلَهِ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الجَلْهَة: مَا استقبلك من حَرْفَي الوادِي، وجمعُها جِلاه، قَالَ لبيد:
فَعَلا فُروعَ الأَيْهَقَانِ وأَطْفَلتْ
بالجَلْهَتَين ظِباؤُها ونَعامُها
وَقَالَ ابْن السّكيت: الجَلِيهَة: الْموضع تَجْلَهُ حَصاه: أَي تُنحِّيه، يُقَال: جَلَهْت عَن هَذَا الْمَكَان الحَصَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَلْهتان: جَنْبَتا الْوَادي إِذا كَانَ فيهمَا صلابة.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو وَابْن الأعرابيّ: الجَلْهتان: جانِبَا الْوَادي.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الجَلْهَة: نَجَواتٌ من بَطْن الْوَادي أَشرفن على المَسِيل، فَإِذا مَدَّ الْوَادي لَم يَعْلُها المَاء.
هـ ج ن
هجن، جنه، جهن، نهج، نجه: مستعملة.
هجن: قَالَ اللَّيْث: الهاجنُ: العَناق الَّتِي تَحمِل قبل أَن تَبلُغ وقتَ السِّفاد، والجميع الهَواجِن، وَلم أسمع لَهُ فِعْلاً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهاجِن: القَلُوص يَضرِبها الجَمَل وَهِي ابنةُ لَبون فَتَلْقَح وتنتج وَهِي حِقَّة، وَلَا تفعل ذَلِك إلاّ فِي سَنة مُخصِبة، فَتلك الهاجِن، وَقد هَجَنَتْ تَهْجُن هِجاناً، وَقد أهجَنَها الجَمَل: إِذا ضَرَبها، وَأنْشد:
ابنُوا على ذِي صِهْرِكُم وأحسِنُوا
أَلَم تَرَوا صُغْرَى القِلاصِ تهجُنُ؟
قَالَه رجلٌ لأهل امْرَأَته واعتلّوا عَلَيْهِ بصِغَرها عَن الوَطْء، وَقَالَ:
هَجَنَتْ بأكبَرِهم ولمّا تُقْطَبِ
يُقَال: قُطِبت الجاريةُ: أَي خُفِضت.
أَبُو عُبَيْد عَن الأصمعيّ: إِذا حَمَلت النخلةُ وَهِي صغيرةٌ فَهِيَ المهْجِنَة.
قَالَ شمر: وَكَذَلِكَ الهاجن، ومِثله مَثلٌ للعَرَب: (جَلَتِ الهاجِنُ عَن الوَلَد) ، أَي صَغُرت، يُضرَب مَثَلا للصّغير يتزيّن بزينة الْكَبِير. وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ الصَّغِيرَة: هاجن،

(6/38)


وَقد اهتُجِنَتْ الجاريةُ، إِذا افْتُرِعَت قبلَ أوانها.
وَقَالَ اللَّيْث: الهِجَان من الْإِبِل: البِيضُ الكِرامُ، ناقةٌ هِجان وبعيرٌ هِجان، ويُجمَع على الهَجائن. قَالَ: وأرضٌ هِجَان، إِذا كَانَت تُرْبَتُها بَيضاءَ، وَأنْشد:
بِأَرْض هِجانِ التّرْبِ وَسْمِيَّةِ الثّرى
عَذَاةٍ نأتْ عَنْهَا المُؤُوجَةُ والبَحْرُ
وَيُقَال للْقَوْم الكِرام: إِنَّهُم لَمِن سَراة الهِجَان، وَقَالَ الشمّاخ:
ومِثْلُ سَراةِ قَوْمك لم يُجارَوْا
إِلَى الرُّبَع الهِجَانِ وَلَا الثَّمِين
وأُخبرتُ عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه قَالَ: الروايةُ الصَّحِيحَة فِي هَذَا البيتِ:
إِلَى رُبُع الرِّهان وَلَا الثَّمين
يَقُول: لم يُجارَوْا إِلَى رُبْع رِهانهم وَلَا ثُمُنه. قَالَ: والرِّهان: الغايةُ الَّتِي يُستَبق إِلَيْهَا. يَقُول: مِثل سَراةِ قومِك لم يُجارَوْا إِلَى رُبُع غايتِهم الَّتِي بلغوها ونالُوها من المَجْد والشرف، وَلَا إِلَى ثُمُنها.
ابْن بُزُرج: غِلْمةٌ أُهَيْجِنة، وَذَلِكَ أنّ أَهلَهم أَهجَنوا: أَي زَوَّجوهم صِغاراً، يزوَّج الغلامُ الصغيرُ الجاريةَ الصَّغِيرَة، فَيُقَال: أَهجَنَهُمْ أَهْلُهُم، وأهجَنَ الرجلُ: إِذا كَثُر هِجانُ إبلِه، وَهِي كرامها، وَقَالَ فِي قَوْله:
حَرْفٌ أخُوها أَبُوها من مُهَجَّنةٍ
قَالَ: أَرَادَ بمهجَّنة أَنَّهَا ممنوعةٌ من فُحول النَّاس إلاَّ من فحولِ تلادِها لعِتْقِها وكرمها قَالَ: والهاجِنُ على مَيْسورها ابنةُ الحِقَّة، والهاجن على مَعْسورها: ابْنة اللّبُون، وناقةٌ مُهَجَّنة: وَهِي المعتَسِرة.
وَقَالَ أَبُو زيد: امْرَأَة هِجَان، من نِسوة هِجائن: وَهِي الكريمةُ الحَسَب الَّتِي لم يُعرق فِيهَا الْإِمَاء تعريقاً. والهِجان من الْإِبِل: النَّاقة الأدْماء: وَهِي الْخَالِصَة اللّون والعِتْق، من نُوق هِجان وهُجْن.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم فِي قَوْله:
هَذَا جَناي وهِجانُه فِيهِ
قَالَ: الهجانُ: الْبيض، وَهُوَ أحسنُ الْبيَاض وأعتَقُه فِي الْإِبِل وَالرِّجَال وَالنِّسَاء، وَيُقَال: خِيَار كل شَيْء هِجانُه، وَإِنَّمَا أُخذ ذَلِك من الْإِبِل، وأصل الهِجان الْبيض، وكلّ هجان أَبيض وَأنْشد:
وَإِذا قيلَ: مَن هِجانُ قُريش؟
كنت أنتَ الفَتَى وَأنتَ الهِجانُ
قَالَ: والعَرَبَ تَعُدُّ البياضَ من الألوان هِجاناً وكَرَماً: وأمّا الهَجَيِن فإنّ اللّيث قَالَ: الهَجِين: ابْن العربيّ من الأَمَة الراعية الَّتِي لَا تُحَصَّن، فَإِذا حُصِّنت فَلَيْسَ الولدُ بهَجِين، والجميع الهُجَناء والمهَاجِنَة، والفعلُ هَجُنَ يَهجُن هَجانةً وهُجْنة.
قَالَ: والهُجْنة فِي الْكَلَام مَا يَلزَمُك مِنْهُ العيبُ، تَقول: لَا تفعلْ كَذَا فَيكون عَلَيْك هُجْنَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: رجُلٌ هَجِين بيِّن الهُجونة من قوم هُجَناء وهُجْن، وامرأةٌ هِجانٌ: أَي كريمةٌ وَتَكون البيضاءَ من نِسْوةٍ هُجْن بيِّنات الهَجانة.

(6/39)


أَبُو عُبَيد عَن الأمويّ، الهَجين: الَّذِي ولدتْه أمَةٌ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: الهَجين الَّذِي أَبوهُ عربيّ وأُمّه أَمَة، والهَجِينُ من الْخَيل: الَّذِي ولدتْه بِرْذَوْنة من حِصَان عربيّ، وخيلٌ هُجْن.
وأخبرَني المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: الهَجِينُ: الَّذِي أَبوهُ خيْرٌ من أمّه.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَرَوَى الروَاة أَن رَوْح بن زِنباع كَانَ تزوج هندَ بنت النُّعْمَان بن بشير، فَقَالَت وَكَانَت شاعرة:
وهلْ هِنْدُ إلاّ مُهْرَةٌ عرَبِيّةٌ
سَليلةُ أفراسٍ تَجلَّلهَا بَغْلُ
فإِنْ نُتِجَتْ مُهْراً نَجِيباً فبالْحَرَى
وَإِن يكُ إقْرافٌ فَمِن قِبَلِ الفَحْلِ
والإقرافُ: مُدَاناةُ الهُجْنه من قِبل الْأَب.
وَقَالَ المبرِّد: قيل لوَلَد العربيّ من غير العربيّة: هَجِين؛ لأنَّ الْغَالِب على ألوان الْعَرَب الأُدْمة، وَكَانَت العربُ تُسمِّي العَجَم: الْحَمْرَاء ورقابَ المَزاوِد؛ لِغلبة الْبيَاض على ألوانهم، وَيَقُولُونَ لمن علا لونَه البياضُ أحمَر، وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة: يَا حُميراء؛ لغَلَبة الْبيَاض على لَوْنها. وَقَالَ ج: (بُعثْتُ إِلَى الأسْود والأحْمَر) ، فاسوَدهم: الْعَرَب، وأحمرهم: الْعَجم، وَقَالَت الْعَرَب لأولادها من العجميات اللائي يغلب ألوانَهن الْبيَاض: هُجْنٌ وهُجَناء؛ لغَلَبَة الْبيَاض على ألوانهم، وإشباههم أمّهاتهم. والهجانة: الْبيَاض، وَمِنْه قيل: إبل هجان: أَي بيض، وَهِي أكرمُ الْإِبِل، وَقَالَ لبيد:
كأنّ هِجانَها مُتأبِّضات
وَفِي الأقران أَصوِرةُ الرّغامِ
متأبِّضات: معقولات بالإباض، وَهُوَ العِقال.
وَقَالَ غَيره: الهاجِن: الزّند الَّذِي لَا يُورِي بَقدْحةٍ وَاحِدَة، يُقَال: هَجَنَتْ زندةُ فلَان وإنّ لَهَا لَهُجْنة شَدِيدَة، وَقَالَ بشر:
لَعَمْرُك لَو كَانَت زِنادُك هُجْنةً
لأوْرَيتَ إذْ خَدّي لِخَدِّكَ ضارِعُ
وَقَالَ آخر:
مُهاجِنةٌ مُغالِثةُ الزِّناد
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَول كَعْب بن زُهَيْر:
حَرْفٌ أَخُوهَا أبُوها من مُهجَّنَةٍ
وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمْليلُ
هَذِه ناقةٌ ضربَها أَبوهَا لَيْسَ أَخُوهَا، فَجَاءَت بذَكَر، ثمّ ضربهَا ثَانِيَة فَجَاءَت بذكَر آخر، فالوَلدان ابناها لِأَنَّهُمَا وُلِدا مِنْهَا وهما أَخَوَاهَا أَيْضا لأَبِيهَا لِأَنَّهُمَا وَلدا أبِيها، ثمّ ضَرَب أحدُ الأخَوَين الْأُم فَجَاءَت الْأُم بِهَذِهِ النَّاقة وَهِي الحَرْف فأَبُوها أخُوها لأَبِيهَا لِأَنَّهُ وُلِد من أمِّها وَالْأَخ الآخر الَّذِي لم يَضرِب عمُّها لأنهُ أَخُو أَبِيهَا، وَهُوَ خالُها لِأَنَّهُ أَخُو أمِّها لأَبِيهَا لأنّه من أَبِيهَا، وَأَبوهُ نزَا على أمه.
وَقَالَ ثَعْلَب: أنشَدَني أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي بيتَ كَعْب، وَقَالَ فِي تَفْسِيره: إِنَّهَا نَاقَة كَرِيمَة مداخلة النَّسب لشَرَفها.

(6/40)


قَالَ ثَعْلَب: عرضتُ هَذَا القَوْل على ابْن الأعرابيّ فخطّأ الأصمعيَّ وَقَالَ: تداخُلُ النّسَب يُضوِي الوَلَد.
قَالَ: وَقَالَ المُفَضَّل: هَذَا جَمَل نَزَا على أمِّه وَلها ابْن آخرَ هُوَ أَخُو هَذَا الجَمَل، فوضعتْ نَاقَة، فَهَذِهِ النَّاقة الثَّانِيَة هِيَ الموصوفة، فَصَارَ أحدُهما أَبَاهَا لِأَنَّهُ وطىء أمَّها، وَصَارَ هُوَ أخاها لِأَن أمّها وضعتْه، وَصَارَ الآخرُ عمَّها لأنّه أَخُو أَبِيهَا وَصَارَ هُوَ خالَها لأنّه أَخُو أمّها.
قَالَ ثَعْلَب: وَهَذَا هُوَ القَوْل.
نهج: قَالَ اللَّيْث: طريقٌ نَهْج وطُرُقٌ نَهْجة، وَقد نَهَج الأمرُ وأَنهَج، لُغَتَانِ: إِذا وضح، ومِنهَج الطَّرِيق: وَضَحه، والمِنهاج: الطّريق الْوَاضِح.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: اسْتَنْهج الطريقُ: صَار نهْجاً، وَيُقَال: نهجتُ لكَ الطريقَ وأَنهجْتُه، فَهُوَ مَنْهُوج ومُنهَج، وَهُوَ نَهْج، ومُنهَج.
قَالَ: وَقَالُوا: أَنْهجْتُ الثوبَ فَهُوَ مُنهَج: أَي أخلقْتُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المُنهِج: الثّوب الَّذِي أَسرَع فِيهِ البِلَى، يُقَال: قد أَنهَج.
وَقَالَ شمر: نَهج الثوبُ وأَنهَج: إِذا خَلُق، لُغَتَانِ، وأَنهَجَه البِلَى فَهُوَ مُنْهَج.
قَالَ: وَيُقَال: نَهَج الإنسانُ والكلْبُ: إِذا رَبَا وانْبهَر، يَنهَج نَهْجاً، وَقد أَنْهَجْتُه أَنا إِنهاجاً.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: طردتُ الدّابة حتَّى نَهِجَتْ فَهِيَ ناهِج فِي شدّة نَفَسها، وأنْهَجْتُها أَنا فَهِيَ مُنْهَجة.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّهْجَة: الرَّبوْ يَعْلُو الإنسانَ والدّابة، وَلم أَسمَع مِنْهُ فِعلاً.
وَقَالَ غَيره: أنهَجَ يُنهج إِنْهاجاً ونَهَج يَنْهَج نَهْجاً.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: إنّ الْكَلْب ليُنهَج من الحرّ، وَقد نَهجَ نَهْجة.
وَقَالَ غَيره: نُهج الْفرس حِين أنْهجْتُه: أَي رباجين صَيَّرته إِلَى ذَلِك.
نجه: قَالَ اللَّيْث: نَجَهْتُ الرجلَ نَجْهاً: إِذا استقبَلْتَه بِمَا يُنَهْنِهه عَنْك فينقدع عَنْك، وَأنْشد:
كَعْكَعْتُه بالرَّجم والتَّنَجُّه
قَالَ: وَفِي الحَدِيث: بَعْدَمَا نجهها عمر، أَي بعد مَا رَدّها وانتهَرَها.
وَفِي (النَّوَادِر) : فلانٌ لَا يَنْجَهه شَيْء، وَلَا يَنْجَهُ فِيهِ شَيْء، وَذَلِكَ إِذا كَانَ رغيباً لَا يَشْبَع وَلَا يَسمَن عَن شَيْء، وَكَذَلِكَ فلَان لَا يَنجعه شَيْء وَلَا يَهْجُؤه شَيْء، وَلَا يهجأ فِيهِ شَيْء، كلّه بِمَعْنى وَاحِد.
جنه: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الجَنَهيّ: الْخَيزران، وَأنْشد:
بكفّه جَنهِيٌّ ريحُه عَبِقٌ
مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنينِه شَمَمُ
قَالَ: وَهُوَ العَسَطُوس أَيْضا.
جهن: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس، أحمدُ بنُ يحيى: جُهَينَة، تَصْغِير جُهْنة، وَهِي مثل جُهْمة اللَّيْل؛ أُبدِلت الميمُ نوناً، وَهِي القِطعة من

(6/41)


سَواد نصفِ اللَّيْل، فَإِذا كَانَت بَين العشاءين فَهِيَ الفَحْمة والقَسْورة، وجُهَينة: اسْم قبيلةٍ من العَرَب، وَمن أمثالهم: وَعند جُهَيْنَة الخبرُ الْيَقِين.
وَقَالَ قطرب: جَارِيَة جُهَانَة: أَي شَابة وكأَنَّ جُهَينة ترخيمٌ من جُهانة.
هـ ج ف
اسْتعْمل من وجوهه: هجف، فهج.
هجف: قَالَ اللَّيْث: الهِجَفُّ: الظّليم المُسِنّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهِجَفُّ: الظّليمُ الجافي، والهِزَفّ مِثله.
عَمْرو عَن أَبِيه: الهِجَفّ: الرَّغيب، الجَوْف، وَقد هَجِف هَجَفاً: إِذا جَاع.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: هَجَف: إِذا جَاع واسترخَى بطنُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: العَجْفة والهَجْفة وَاحِد، وَهُوَ من الهُزال.
وَقَالَ كعبُ بنُ زُهَيْر:
مُصَعْلَكاً مغْرَباً أطرافُه هَجِفاً
فهج: أهمله اللَّيْث، وأَخبرَني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه أنْشدهُ:
أَلا يَا اصبَحَانِي فَيْهجاً جَيْدَرّية
بِمَاء سحابٍ يَسبِق الحقَّ باطلي
قَالَ: الحقّ: الْمَوْت، وَالْبَاطِل: اللَّهْو: والفَيْهَج: الْخمر الصافي.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: الفَيْهَج: اسْم مختلَق للخمر، وَكَذَلِكَ القنديد، وَأم زنبق.
هـ ج ب
هبج، جبه، جهب، بهج: مستعملة.
بهج: قَالَ اللَّيْث: البَهْجة: حُسْنُ لون الشَّيْء، ونَضَارته، وَرجل بَهِج: أَي مبتهج بِأَمْر يَسُرّه، وَأنْشد:
وَقد أَراها وَسْط أترابِها
فِي الحيّ ذِي البَهْجة والمسامر
وَامْرَأَة بَهِجةٌ مُبْتَهجة، قد بَهِجتْ بهجة، وَهِي مِبْهاج قد غَلبتْ عَلَيْهَا البَهْجة. وَقد تَباهَج الروضُ: إِذا كَثُر نورُه. وَأنْشد:
نوّارهُ متباهِج يتَوهَّجُ
وَقَول الله جلّ وَعز: {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (الحَجّ: 5) أَي من كلِّ ضَرْب من النَّبَات حَسنٍ ناضر.
وأفادني المنذريُّ، عَن ابْن اليزيديّ، عَن أبي زيد قَالَ: بَهِيجٌ: حَسَنٌ، وَقد بَهُجَ بَهاجَة وبَهْجة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: باهَجْتُ الرجلَ وباهَيْتُه وبازَجْتُه وبارَيْتُه، بِمَعْنى وَاحِد، وَالله أعلم.
جهب: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِجْهَب: القليلُ الْحيَاء.
وَقَالَ ابْن شُميل: أَتَيْته جاهِباً وجاهِياً: أَي عَلَانيَة.
هبج: قَالَ اللَّيْث: الهَبْج: الضَّرْب بالخَشب كَمَا يُهْبَج الكلْب إِذا قُتِل. يُقَال: هَبَجه بالعصَا: إِذا ضَرَبه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الهَوْبَجَة: بطنٌ من الأَرْض، ولمّا أَرَاد أَبُو مُوسَى الأشعريّ حَفْرَ رَكايا الحَفْر قَالَ: دُلُّونِي على موضعِ بِئْرٍ تُقْطَع بهَا هَذِه الفلاة.

(6/42)


قَالُوا: هَوَبْجَةٌ تَنْبِتُ الأرْطَى بَين فَلْج وفُلَيْج، فحَفَر الحَفَر، وَهُوَ حَفَرُ أبي مُوسَى، بَينه وَبَين البَصْرَة خَمْسُ ليالٍ.
وَقَالَ ابْن شُميل: الهَوْبَجَة أَن تُحفَرَ فِي مَناقعِ المَاء ثِماد يُسِيلون إِلَيْهَا الماءَ فتمتلىء، فيشرَبون مِنْهَا، وتُعِين تِلْكَ الثمادُ إِذا جُعِل فِيهَا المَاء.
وَقَالَ اللَّيْث:: التَّهْبِيج: شِبْه التَّوَرُّم، يُقَال: أصبَحَ فلانٌ مُهَبّجَاً: أَي مُوَرَّماً.
جبه: قَالَ اللَّيْث: الْجَبْهَة: مُسْتوَى مَا بَين الحاجبين إِلَى الناصية، وجَبَهْتُ فلَانا: إِذا استقبلتَه بكلامٍ فِيهِ غِلْظَة، والجَبْهة: مصدرُ الأجْبَه: وَهُوَ العريضُ الجَبْهَة.
قَالَ: والجَبهة: النَّجْمُ الَّذِي يُقَال لَهُ: جَبْهَةُ الْأسد.
وَأنْشد غَيره:
إِذا رأيتَ أَنْجُماً من الأسَدْ
جَبْهَتَهُ أَو الخَراتَ والكَتَدْ
بالَ سُهَيْلٌ فِي الفَضيخِ ففَسَد
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسَ فِي الجَبهة وَلَا فِي النُّخَّة صَدَقة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عُبيدة: الجَبهة: الخَيلْ.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَبْهَةُ: اسمٌ يَقع على الْخَيل لَا يُفرَد.
وَفِي حديثٍ آخر: (إنَّ الله قد أَرَاحَكم من الجَبهة والسَّجة والبَجّة) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: هَذِه آلِهَة كَانُوا يعبدونها فِي الجاهليَّة.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: الجَبْهَة: الرِّجَال الَّذين يَسْعَوْنَ فِي حمَالةٍ أَو مَغْرَمٍ أَو جبر فَقير، فَلَا يأْتونَ أحدا إلاّ اسْتَحْيا من ردِّهم، فَتَقول الْعَرَب فِي الرجُل يعْطى فِي مِثل هَذِه الْحُقُوق: رَحمَ الله فلَانا فقد كَانَ يعْطى فِي الجَبْهة. وتفسيرُ قَوْله: لَيْسَ فِي الجَبْهة صَدَقَة، أنَّ المصَدِّق إنْ وجدَ فِي أَيدي هَذِه الجَبهة إبِلا تَجب فِيهَا الصَّدقة لم يَأْخُذ مِنْهَا الصّدقة؛ لأَنهم جمعوها لِمَغْرَم أَو حمَالة. سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْباني يحكِيها عَن الْعَرَب، وَهِي الجُمَّةُ والبُرْكة، قَالَ أَبُو سَعيد: وأمّا قولُه: إنّ الله أراحكم من الجَبَهة والسّجّة، فالجَبْهة هَاهُنَا المَذَلّة، قَالَ: والسَّجَّة السَّجَاج: وَهُوَ المَذِيق من اللَّبَن، والبَجَّة: الفَصِيد الّذي كَانَت الْعَرَب تَأْكُله مِن الدّم الّذي يَفصدونه من الْبَعِير.
أَبُو عُبَيد، عَن الكسائيّ: جَبَهْنا الماءَ جَبْهاً: إِذا وَرَدْته وَلَيْسَت عَلَيْهِ قامة وَلَا أَدَاة. وَقَالَ ابْن السكّيت: يُقَال: وَرَدْنا مَاء لهُ جُبَيْهة، إمّا كَانَ مِلْحاً فَلم يَنضح مَا لَهُم الشُّربُ، وإمّا كَانَ آجِناً، وإمّا كَانَ بعيدَ القَعْر غليظاً سَقيُه، شَدِيدا أمرُه. وأخبَرَني المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: قَالَ بعض العرَب: لكلِّ جابِهٍ جَوْزة، ثمَّ يُؤذَّن: أَي لكلّ مَن وَرَد علينا سَقْيُه ثمَّ مُنع من المَاء: يُقَال: أجزتُ الرجلَ: إِذا سَقيتَ إبلَه، وأذّنْتُ الرجلَ: إِذا رَدَدْتَه. وَفِي (النَّوَادِر) : اجتَبَهْت مَاء كَذَا وَكَذَا اجتبَاهاً، إِذا أَنكَرْته وَلم تَسْتَمْرِئْه.

(6/43)


هـ ج م
هجم، همج، جهم، مهج: مستعملة.
جهم: قَالَ اللَّيْث: رجلٌ جَهْم الوَجْه: غليظُه، وَفِيه جُهومةٌ: غِلَظٌ. قَالَ: وتجهّمتُ لفُلَان: إِذا استقبلتَه بوَجْه كَرِيه، وَيُقَال للأسد: جَهْم الوَجْه. قَالَ: ورجلٌ جَهُوم: عَاجز ضَعِيف، وَأنْشد:
وبَلدة تَجَهَّمُ الجَهُومَا
أَي تَستقبله بِمَا يَكره.
قَالَ: وجَيْهَم: بلدٌ كثيرُ الجنُ بِنَاحِيَة الغَوْر، وَأنْشد:
أَحَادِيث جِنَ زُرنَ جِنابِجَيْهَما
قَالَ: والجهام الغَيم الَّذِي قد هَراقَ ماءَه مَعَ الرِّيح.
ابْن السكّيت: جُهْمَة وجُهْمَته بالضمّ وَالْفَتْح: وَهُوَ أوّل مَآخير اللّيل، وَذَلِكَ مَا بَين نصف اللَّيْل إِلَى قريب من وَقت السَّحَر، وَأنْشد:
قد أَغتدِي بِفِتْيَةٍ أَنْجابِ
وَجْهمةُ اللَّيل إِلَى ذَهابِ
وَقَالَ:
وقَهوْةٍ صَهْباءَ با كرتُها
بجَهْمَةٍ والدِّيكُ لم يَنْعَبِ
قَالَ ابْن السّكيت: تَقول الْعَرَب: الاقتحام: أوّل اللّيل والدّخول فِيهِ، والاجتهام: آخِره. أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: مضى من اللَّيل جَهْمة وجُهْمَة.
قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي جَهمتُ الرجلُ مثل تَجَهّمْتُه. قَالَ: وأَنشَدَني خالدُ بنُ سعيد:
لَا تَجْهَمِينا أمَّ عَمرٍ وفإنّنا
بِنَا داءُ ظَبْيٍ لم تَخُنْه عَوامِلُهْ
قَالَ أَبُو عَمْرو: أَرَادَ أنّه لَا دَاء بِنَا كَمَا أنّه لَا داءَ بالظَّبْي.
هجم: قَالَ اللَّيْث: الهَجْمَة من الْإِبِل: مَا بَين السَّبعين إِلَى الْمِائَة، وأَنشَد.
بِهَجْمةٍ تملأُ عينَ الْحَاسِد
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: الهجمة: أَولهَا الْأَرْبَعُونَ إِلَى مَا زَادَت. شمر عَن أبي حَاتِم قَالَ: إِذا بلغت الْإِبِل الستّين فَهِيَ عِجْرِمة، ثمَّ هِيَ هَجْمة حَتَّى تَبلغَ الْمِائَة. قلت: وافَق قولُ أبي حَاتِم قولَ اللَّيْث فِي الهَجْمَةِ وَالَّذِي قَالَه أَبُو زيد عِنْدِي أصحّ.
اللَّيْث: هجَمْنا على الْقَوْم هُهجوماً: إِذا انتَهيْنا إِلَيْهِم بَغْتة. وَيُقَال: هجَمْنا عليهمْ الخيلَ، وَلم أسمعْهم يَقُولُونَ: أَهجمْنا.
قَالَ: وبيتُ مَهْجوم: إِذا حُلَّت أَطْنابه فانضمّت سِقابُه: أَي أعمِدَتُه، وَكَذَلِكَ إِذا وَقَع. وَقَالَ عَلْقمَة بن عَبدة:
صَعْلٌ كأنّ جناحَيْه وَجُؤجُؤَه
بيتٌ أطاقَتْ بِهِ خَرقاءُ مَهْجُوم
قَالَ: والخَرْقا هَاهُنَا: الرِّيح تَهجُم التّراب على المَوْضع، إِذا جَرَّتْه فألْقَته عَلَيْهِ، وَقَالَ ذُو الرمة:
أَودَى بهَا كل عَراص أَلثَّ بهَا
وجافِلٍ من عَجاج الصَّيْف مَهْجوم
يصف عَجاجاً جَفَل من موضعِه فهَجَمَتْه الرِّيح على هَذِه الدَّار. قَالَ: والهَجْم: السَّوْق، والهجْم: القَدَح الضَّخْم، وَأنْشد:

(6/44)


فتملأُ الهَجْم عَفْواً وَهِي وادِعةٌ
حَتَّى تَكادَ شِفاه الهَجْم تَنْثَلمُ
وَأنْشد غَيره:
فاهتَجَم العَبْدان مِن أخصامِها
غَمامةً تبرق من غَمامِها
وتذْهِب العَيْمَة من عِيامِها
اهتجم: أَي احتَلَب، وَأَرَادَ بأخصامِها: جوانبَ ضُروعها.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: هَجمتُ مَا فِي ضَرْعها: إِذا حَلَبْت كلَّ مَا فِيهِ وأَنَشد:
إِذا التَقَتْ أربعُ أيدٍ تَهجُمُهْ
حَفَّ حَفيفَ الغَيْث جادَتْ دِيمُه
ابْن السّكيت: هاجِرةٌ هَجوم: أَي حَلُوب للعَرَق، وأنشَد:
والعِيسُ تَهجمُها الحرورُ كَأَنَّهَا
أَي تَحلُب عَرَقها، وَمِنْه: هَجَم النَّاقة: إِذا حَط مَا فِي ضَرْعها من اللّبن، وهُجم البيتُ إِذا قوِّض، وَلما قُتِل بِسْطام بن قيسٍ لم يَبْقَ بيتٌ فِي رَبيعةَ إلاّ هُجِم: أَي قُوِّض.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: القَدَح والهَجْم والعَسْف والأجمّ والأحمّ والعَتَادُ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ لعبد الله بن عَمْرو حِين ذَكر قِيَامه باللَّيل وصيامَه بالنَّهار: (إِنَّك إِذا فعلتَ ذَلِك هَجَمَتْ عَيْناك، ونَفَهْتَ نَفسُك) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: هجمت عَيْنَاك: أَي غارَتَا ودخَلَتا.
قَالَ أَبُو عبيد: وَمِنْه هَجمتُ على الْقَوْم إِذا دخلتَ عَلَيْهِم، وَكَذَلِكَ هَجَم عَلَيْهِم البيتُ: إِذا سَقَط عَلَيْهِم. أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: انْهَجَمَتْ عينُه: إِذا دَمَعَت. الْأَصْمَعِي: يُقَال: هَجْمٌ وهَجَمٌ للقَدَح، قَالَ الراجز:
نَاقَة شيخٍ للإله راهِبِ
تَصُفَّ فِي ثلاثةِ المَحالِب
فِي الهجَمَيْن والهنِ المُقارِب
قَالَ: الهَجَم: العُسُّ الضَّخْم. قَالَ: والفَرَق أربعةُ أَربَاع، وَأنْشد:
تَرفِد بعدَ الصَّفِّ فِي فُرْقانِ
جمع الفَرَق: وَهُوَ أربعةُ أَربَاع، والهَنُ المُقارب: الَّذِي بَين العُسَّين. أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: هجمتُ على الْقَوْم: دخلتُ عَلَيْهِم، وهجمْتُ غَيْرِي عَلَيْهِم. الْكسَائي فِي الهجوم مثله، وَزَاد فِيهِ دَهَمْتُهم عَلَيْهِ أَدَهمُهم.
وَقَالَ اللَّيْث: هَيْجُمانة: اسمُ امْرَأَة.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الهَيْجُمانة: الدُّرَّة، وَهِي الوَنِيَّة. أَبُو عبيد، عَن الكسائيّ قَالَ: الهُجَيْمة: اللَّبن قبل أَن يُمخض، قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْجراح: إِذا ثَخُن اللَّبن وخَثُر فَهُوَ الهُجَيمة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهُجَيْمة: مَا حَلبْتَه من اللَّبن فِي الْإِنَاء، فَإِذا سكنت رَغوَتُه حَوَّلَته إِلَى السِّقاء.
ابْن السّكيت، عَن أبي عَمْرو: الهُجَيْمة من اللَّبن أَن تَحقِنه فِي السِّقاء الْجَدِيد ثمَّ تشرَبُهُ وَلَا تمخِّضه. قَالَ: وَسمعت الْكلابِي يَقُول: هُوَ مَا لم يَرُبْ: أَي

(6/45)


يخثر، وَهُوَ الهاجّ لِأَن يَرُوب. قلت: وَهَذَا كلامُ الْعَرَب.
والهَجْم: السَّوْق الشَّديد.
قَالَ رؤبة:
والليلُ يَنْجو وَالنَّهَار يَهْجُمهْ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ. الهَجْم الهَدْم، والهَجْم: ماءٌ لبني فَزَارَة، وَيُقَال: إنّه من حَفْر عَاد، والهَجْم: العَرَق، وَقد هَجَمْته الهَواجر.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَهجَم الله عَن فلَان المَرَض فهجَمَ المرضُ عَنهُ، أَي اقتلع وفتر.
مهج: قَالَ اللَّيْث: المُهْجة: دم الْقلب، وَلَا بَقَاءَ للنّفس بعد مَا تُراقُ مُهجتُها. وَقَالَ غَيره: مُهجة كل شَيْء: خالصُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الأُمْهُجان من اللَّبن: الرَّقِيق، مَا لم يتغيَّر طعمُه.
شمر: لبنٌ أُمْهُجان: إِذا سَكنتْ رغوَتُه وخَلَص وَلم يَخثُر، وَمِنْه مُهْجة نفسِه: خالصٌ دمِه، وَلبن أُمْهوجٌ: مِثله.
قلت: وَكَذَلِكَ لبنٌ ماهِج، وَمِنْه قولُ هِمْيانِ بنِ قُحافة:
وعَرَّضوا المجلسَ مَحْضا ماهجا
عَمْرو عَن أَبِيه: مهجَ: إِذا حَسُن وجههُ بعد عِلّة.
همج: عَمْرو عَن أَبِيه: هَمَج: إِذا جَاع، وَأنْشد أَبُو عُبيد:
قد هَلكتْ جارَتُنا من الهَمَجْ
والهمج: الْجُوع فِي هَذَا الْبَيْت.
أَبُو سعيد: الهَمْجَة من النَّاس: الأحمق الَّذِي لَا يتماسك، والهَمَج جمعُ الهَمجَة.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الهَمَج فِي كَلَام الْعَرَب: أَصله البَعوض، الْوَاحِدَة هَمَجة، ثمَّ يُقَال للرُّذّال من النَّاس: هَمَجٌ هامِج: وَفِي حَدِيث عَليّ ح: (الناسُ رجلَانِ: عَالم ومتعلّم، وَسَائِر النَّاس هَمَجٌ رَعاع) ، يُقَال لأخلاط النَّاس الَّذين لَا عقولَ لَهُم، وَلَا مُرُوءَة: هَمَج هامِج.
وَقَالَ ابْن حِلِّزَة:
يتْرك مَا رَقَح من عَيشة
يعيث فِيهِ هَمَجٌ هامِجُ
وَقَالَ اللَّيْث: الهَمَج: كلَّ دُود ينفقىء عَن ذُباب أَو بَعوض، وَيُقَال لرُذالة النَّاس الَّذين يتَّبعون أهواءهم: هَمَج، قَالَ: والهَمِيج: الخَميصُ البَطْن.
وَقَالَ حُميد بن ثَور:
هَميجُ يعلّل عَن خاذلٍ
نتيجُ ثلاثٍ بغِيض الثّرَى
يَعْنِي الولَد نَتيج ثَلَاث لَيَال، بغيض الثّرى يَعْنِي لَبَن أمه بغيضُه الرضَاع.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ظَبيةٌ هَمِيج لَهَا جُدَّتان فِي طُرَّتَيْها، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يصف ظَبْيَة:
مُوَلَّعةٌ بالطُّرِّتين هَميجُ
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: هَميج، هِيَ الَّتِي أصابَها وجَمَعٌ فذَبُل وجهُها، يُقَال: اهتَمَج وجهُه: أَي ذَبُل، واهتمجَتْ نفسُه: إِذا ضَعُفتْ من حَر أَو جَهْد، وَيُقَال للنَّعجة إِذا هَرِمتْ: هَمَجةٌ وعَشَمة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: هَمَجَت الْإِبِل من المَاء فَهِيَ تَهمَج، وَهِي هامِجة: إِذا شَرِبتْ مِنْهُ،

(6/46)


وَهِي إبلٌ هوامج. قَالَ: والهَمَج جمع هَمَجة، وَهُوَ ذُباب صغيرٌ يَسقط على وُجُوه الغَنَم وَالْحمير وأعينها، وَيُقَال: هُوَ ضَرْبٌ من البَعوض، وَيُقَال للرَّعاع من النَّاس الحمَقى: إنَّما هم هَمَج.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أهمَج الفرسُ إهماجاً فِي جَرْيه فَهُوَ مُهْمِج مِثل ألْهب، وَذَلِكَ إِذا اجْتهد فِي عَدْوه. أنْشد شعر لأبي حيّة النُّمَيْري:
وقُلْنَ لِطِفْلَةٍ منهنَّ ليستْ
بمتْفالٍ وَلَا هَمِج الْكَلَام
قَالَ: يُرِيد الشّرارة والسَّماجة.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإهماج: الإسماج. قَالَ رؤبة:
فِي مُرْشِفاتٍ لَيْسَ بالإهماج
وهُماجُ: اسمُ موضعٍ بِعَيْنِه.
(أَبْوَاب الْهَاء والشين)
أهملت الْهَاء والشين مَعَ الضَّاد وَالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي والطاء.
هـ ش د
اسْتعْمل من وجوهها: شهد، شده، دهش.
شهد: أَخْبرنِي المنذريُّ أنّه سَأَلَ أَحْمد بنَ يحيى عَن قَول الله عزّ وجلَّ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ} فَقَالَ: كلُّ مَا كَانَ {شَهِدَ اللَّهُ} فَهُوَ بِمَعْنى عَلِم الله، قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: مَعْنَاهُ قَالَ الله. قَالَ: وَيكون مَعْنَاهُ عَلِم الله، وَيكون {شَهِدَ اللَّهُ} كَتَب الله، وَقَالَ أَبُو بكر بنُ الأنباريَّ فِي معنى قَول المؤذّن: أشهد أَن لَا إلاه إلاّ الله: أَعلَم أَن لَا إلاه إلاّ الله وأبيّن أنّه لَا إلاه إلاّ الله، قَالَ وقولُه جلَّ وعزَّ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ} مَعْنَاهُ: بيَّن الله أنّه لَا إلاه إلاّ هُوَ، قَالَ: وَقَوله: أشهد أنّ محمَّداً رَسُول الله: أعلَم وأبيّن أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: معنى {شَهِدَ اللَّهُ} قضَى الله أنّه لَا إلاه إلاّ الله، قَالَ: وحقيقتُه عَلِمَ الله وبَيَّن الله؛ لِأَن الشَّاهِد: هُوَ الْعَالم الَّذِي يبيِّن مَا عَلِمه، فَالله قد دلَّ على توحيده بِجَمِيعِ مَا خلق، فبيَّن أَنه لَا يقدِر أحدٌ أَن ينشىء شَيْئا وَاحِدًا ممَّا أَنشَأَ، وشَهِدَتِ الْمَلَائِكَة لِمَا عاينتْ مِن عَظِيم قدرتِه، وَشهد أولُو العِلم بِمَا ثَبَت عِنْدهم، وَتبين من خلْقه الَّذِي لَا يقدر عَلَيْهِ غيرُه.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحمدُ بنُ يحيى: {شَهِدَ اللَّهُ} : بيَّن الله وأَظهَر. وشَهِد الشّاهد عِنْد الْحَاكِم: أَي بَيَّن مَا يَعلَمه وأَظهَره، يدل على ذَلِك قَوْله: {شَهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} (التّوبَة: 17) وَذَلِكَ أنّهم يُؤمنُونَ بأنبياءَ شَعرُوا بمحمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحَثّوا على اتِّباعه، ثمّ خالَفُوهم فكذّبوه، فبيّنوا بذلك الكفرَ على أنفسهم، وإنْ لم يَقُولُوا: نَحن كفّار.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي تَفْسِير الشّهيد الّذي يُستشهَد: الشَّهيد: الحيُّ.
قلتُ: أرَاهُ تأوّل قولَ الله جلّ وعزّ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عِمرَان: 169) كأنّ أرواحَهم أُحضِرتْ دارَ السّلام أَحيَاء وأرواح

(6/47)


غيرههم أُخِّرت إِلَى يَوْم البَعْث، وَهَذَا قولٌ حَسَن.
وَقَالَ ابْن الأنباريُّ: سُمِّي الشهيدُ شَهِيدا لأنَّ الله وَمَلَائِكَته شَهدوا لَهُ بالجنَّة، وَقيل: سُمُّوا شُهداءَ لأَنهم ممّن يستشهد يَوْم الْقِيَامَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأُمَم الخالية.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البَقَرَة: 143) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجّاج: جَاءَ فِي التَّفْسِير أنّ أُمَم الْأَنْبِيَاء تكذب فِي الْآخِرَة إِذا سُئلوا عمَّن أُرسلوا إِلَيْهِم، فيجحَدون أنبياءهم. هَذَا فيمَن جَحَدَ فِي الدَّنيا مِنْهُم أمْرَ الرسولِ فتَشهد أمةُ مُحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصدق الْأَنْبِيَاء ث وَتشهد عَلَيْهِم بتكذيبهم، وَيشْهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَذِهِ الأمَّة بصدقهم. قَالَ: والشَّهادةُ تكون للأفضل فَالْأَفْضَل من أمته، فأفضلهُم مَن قُتل فِي سَبِيل الله مُجاهِداً أعداءَ الله، لتَكون كلمةُ الله هِيَ العُلْيا، مُيّزت هَذِه الطبقةُ عَن الْأمة بالفَضْل الّذي حازُوه، وبيَّن الله أَنهم أحياءٌ عِنْد رَبهم يُرزَقون فَرِحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله، ثمّ يتلوهم فِي الفَضْل مَن جَعَله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِداد الشُّهداء، فإنّه قَالَ: (المَبْطُونُ شَهِيد، والمَطعُون شَهِيد) .
قَالَ: وَمِنْهُم أَن تموتَ المرأةُ بِجُمْع، وعَدّ فيهم الغَريق وَالْمَيِّت فِي سبيلِ الله، ودلّ حَدِيث عمرَ بنِ الخطّاب أنَّ من أَنكَر مُنكَراً، وَأقَام حَقّاً وَلم يَخَفْ فِي الله لومةَ لائم أنّه فِي جملَة الشُّهَدَاء، لقَوْله ح: (مَا لَكم إِذا رَأَيْتُمْ الرجلَ يَخْرِقُ أعراضَ النَّاس أَن لَا تُعرِبوا عَلَيْهِ؟ قَالُوا: نَخَاف لسانَه، فَقَالَ: ذَلِك أدنى أَن لَا تَكُونُوا شُهَداءَ) ، مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَنكُمْ إِذا لم تُعرِبوا وتقبِّحوا قولَ من يَقترض أعراضَ الْمُسلمين مخافةَ لسانِه لم تَكُونُوا فِي جُملة الشّهداء الّذين يُستشهَدون يَوْم الْقِيَامَة على الْأُمَم الّتي كَذّبتْ أنبياءَها فِي الدّنيا وجَحدتْ تكذيبها فِي الدّنيا يومَ الْقِيَامَة.
والشّهيد فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: هُوَ الْأمين فِي شَهَادَته، قَالَ: وَقيل: الشّهيد: الّذي لَا يَغيب عَن علمه شَيْء.
وَقَالَ اللّيث: الشَّهْد: العَسَل مَا دَامَ لم يُعصَر من شَمعه، ويُجمَع على الشِّهاد، والواحدةُ: شَهْدة وشُهْدة.
قَالَ: وشَهد فلانٌ بحقّ فَهُوَ شَاهد وشهيد، واستُشهد فلَان فَهُوَ شَهيد: إِذا مَاتَ شَهِيدا، واشتَشهَدْتُ فلَانا على فلَان: أَي أشهَدْته.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} (البَقَرَة: 282) ، واستَشْهَدتُ فلَانا: إِذا سألتَه إِقَامَة شَهَادَة احتَملها.
والتشهُّد: قِرَاءَة خُطبة الصَّلَاة: التحيّات لله والصَّلوات، واشتقاقه من قَوْله: أشهدُ أَن لَا إلاه إلاّ الله وَأشْهد أنّ مُحَمَّدًا عبدُه وَرَسُوله.
والمَشهد: مَجمعٌ من النَّاس، وجَمعُه المَشاهد، وقولُ الله جلّ وعزّ: {الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} (البُرُوج: 3) قيل فِي التَّفْسِير: الشَّاهِد هُوَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمشهود: يَوْم الْقِيَامَة.

(6/48)


وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {الْمَوْعُودِ} هُوَ يومُ الْجُمُعَة {وَشَاهِدٍ} هُوَ يَوْم عَرَفَة. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: الشَّاهِد: يَوْم الْقِيَامَة، فكأنَّه قَالَ: وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَالشَّاهِد، فجَعَل الشاهدَ من صفة الْمَوْعُود يتبعهُ فِي خَفضه.
وَقَالَ اللّيث: لغةُ تَمِيم (شِهِيد) بِكَسْر الشين يكسرون فَعيلاً فِي كلّ شَيْء كَانَ ثانِيَه أحدُ حرُوف الحَلْق، وَكَذَلِكَ سُفلَى مُضَر، يَقُولُونَ: فِعيل. قَالَ: ولغةٌ شَنْعاء يَكسرون كلّ فَعِيل، والنَّصب اللّغة الْعَالِيَة.
ورَوى شمِر فِي حَدِيث رَوَاهُ لأبي أيُّوبَ الأنصاريّ أَنّه ذكر صلاةَ الْعَصْر ثمَّ قَالَ: وَلَا صلاةَ بعدَها حتّى يُرَى الشَّاهِد، قَالَ: قُلْنَا لأبي أَيُّوب: مَا الشَّاهِد؟ قَالَ: النَّجْم.
قَالَ شمر: وَهَذَا راجعٌ إِلَى مَا فسَّره أَبُو أَيُّوب أنّه النَّجْم، كأَنه يَشهد على اللَّيْل.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الشُّهود: مَا يخرج على رَأس الصبيّ، وَاحِدهَا شَاهد، وَأنْشد:
فجاءتِ بمِثْل السابريّ تَعجَّبوا
لَهُ والثَّرَى مَا جَفّ عَنْهَا شُهودُها
وَهِي الأغراس.
وَقَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: مَا لِفلان رُوَاء وَلَا شَاهد: مَعْنَاهُ مَاله مَنظر وَلَا لِسَان. والرواء: المَنظر، وَكَذَلِكَ الرِّيُّ، قَالَ الله: (مَرْيَم: 74) .
أنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
لله دَرُّ أَبِيك رُبَّ عَمَيدَرٍ
حَسَنِ الرُّوَاءِ وقلبُه مَدْكوكُ
قَالَ: وَالشَّاهِد: اللِّسان، من قَوْلهم: لفلانٍ شاهدٌ حَسَن: أَي عبارَة جميلَة.
بخطّ شَمِر: قَالَ الْفراء وَغَيره: صلاةُ الشَّاهِد صلاةُ الْمغرب، وَهُوَ اسمُها. قَالَ شَمِر: وَهُوَ راجعٌ إِلَى مَا فَسَّر أَبُو أيوبَ أنّه النَّجْم.
وَقَالَ غَيره: وتُسمَّى هَذِه الصَّلَاة صلاةَ البَصَر، لِأَنَّهُ يُبصَر فِي وقته نجومُ السَّمَاء، فالبَصَر يُدرِك رؤيةَ النَّجم، وَلذَلِك قيل لَهُ: صَلَاة البَصَر.
عَمْرو، عَن أَبِيه: أَشْهَد الغلامُ: إِذا أَمَذَى وأَدْرَك، وأَشْهَدَت الْجَارِيَة: إِذا حاضَت وأَدْرَكَتْ، وَأنْشد:
قَامَت تُناجِي عَامِرًا فأَشهَدَا
فَداسَها ليلتَه حَتَّى اغتَدَى
وَقَالَ الكسائيّ: أُشهِدَ الرجلُ: إِذا استُششْهِد فِي سبيلِ الله، فَهُوَ مُشهَد بِفَتْح الْهَاء. وَأنْشد:
إِنِّي أَقُول سأموت مُشْهَدا
وَيُقَال للشَّاهِد: شَهِيد، ويُجمَع شُهَدَاء.
وَقَالَ غَيره: أشهدتُ الرجلَ على إِقْرَار الغَريم، واستشهدتُه، بِمَعْنى وَاحِد، وَمِنْه قولُ الله تَعَالَى: {أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} (البَقَرَة: 282) أَي أَشْهِدوا شَاهِدين، يُقَال للشَّاهِد: شَهِيد، ويُجمَعُ شُهَدَاء.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرير: صَلَاة الْمغرب تسمّى شَاهدا لِاسْتِوَاء المُسافِر والمقيم فِيهَا، لِأَنَّهَا لَا تُقصَر.

(6/49)


قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه شمر، لِأَن صَلَاة الفجْر لَا تُقصَر أَيْضا، ويَستوِي فِيهَا الْحَاضِر وَالْمُسَافر فَلم تُسَمّ شَاهدا.
وَقَالَ ابْن بزرج: شَهِدتُ على شَهَادَة سَوْء: يُرِيد شُهَداء سَوْء، قَالَ: وكلاًّ تكون الشَّهَادَة كلَاما يُؤدَّى وقوماً يَشهدون.
وَأما قولُ الله جلّ وعزّ: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البَقَرَة: 185) فَإِن الْفراء قَالَ: نَصَبَ الشهرَ بِنَزْعِ الصِّفة، وَلم يَنْصِبه بوُقوع الْفِعْل عَلَيْهِ. الْمَعْنى: فَمن شَهِد مِنْكُم فِي الشَّهْر: أَي كَانَ حَاضرا غيرَ غَائِب فِي سَفَره.
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: أَنْشدني أعرابيٌّ فِي صفة فَرَس:
لَهُ غائبٌ لم يَبتَذِلْهُ وشَاهِدُ
قَالَ: الشَّاهِد مِن جَرْيه مَا يشْهد لَهُ على سَبْقه وَجَوْدته، وَقيل: شاهدُهُ بَذْلُه جَرْيَه، وغائبه مَصُونُ جرْيه.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: امرأةٌ مُشْهِد بِغَيْر هَاء: إِذا كَانَ زَوجُها شَاهدا وَامْرَأَة مُغيبة بِالْهَاءِ: إِذا غَابَ زوجُها. هَكَذَا حُفِظ عَن الْعَرَب لَا على مَذْهب الْقيَاس، وَلَا يجوز غيرُه.
دهش شده: قَالَ اللَّيْث: الدَّهَشُ: ذَهابُ العَقل من الذَّهْل والوَلَه، يُقَال: دَهِش وشُدِه فَهُوَ دَهِش ومَشْدُوه شَدْها، وَقد أَشدَهه هَكَذَا.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: شُدِه الرجلُ فَهُوَ مَشْدوه شَدْهاً، وَهُوَ الشُّغْل لَيْسَ غَيره.
قلت: لم يُجعل شدِه من الدَّهش كَمَا يتوَهّم بعضُ النَّاس أَنه مقلوب مِنْهُ، واللّغة الْعَالِيَة دَهِش على فَعِل، كَذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو، وَهُوَ الدّهَشِ بِفَتْح الهاءِ، وَأما الشَّدْه فالدال ساكنةٌ، والدَّهَش مثل الخَرَق والبَعَل وَنَحْوه، وَأما شُدِه، فَهُوَ مَشدوه، فَمَعْنَاه شغِل فَهُوَ مَشْغُول.
هـ ش ت
هتش: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هُتِش الكلبُ فاهْتَتَشَ: إِذا حُرِّش فاحتَرَش، وَلَا يُقَال إلاّ للسِّباع خَاصَّة.
قَالَ: وَفِي هَذَا الْمَعْنى حُتِّش الرجلُ: أَي هُيِّج للنَّشاط.
هـ ش ظ هـ ش ذ هـ ش ث:
أهملت وجوهها.
هـ ش ر
هشر، هرش، شهر، شَره، رهش: مستعملة.
هشر: قَالَ اللَّيْث: الهَيْشَر: نباتٌ رخْوٌ، فِيهِ طول، على رَأسه بُرْعومة كَأَنَّهُ عُنق الرَّأْل.
وَقَالَ ذُو الرّمّة:
كأنّ أعناقَها كُرّاتُ سائِفَةٍ
طارتْ لفائِفُه أَو هَيْشَرٌ سُلُبُ
قَالَ: وَرجل هَيْشَر: رِخو ضَعِيف.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الهَيْشر: شجر يَنبت فِي الرَّمل يَطول وَيَسْتَوِي، وَله كِمامة للبزْر فِي رَأسه، والسائفة: مَا استرقَّ من الرمل.

(6/50)


وَقَالَ اللَّيْث: المِهشار من الْإِبِل: الَّتِي تضع قبلَ الْإِبِل وتَلقَحُ فِي أوَّل ضَربة وَلَا تُماجِن.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُشَيْرَةُ: تَصْغِير الهَشْرة، وَهِي البَطر.
وَفِي (النَّوَادِر) : شجرةٌ هَشُورٌ وهَشِرة، وهَمُور وهَمِرة، إِذا كَانَ ورقُها يسْقُط سَرِيعا.
قَالَ أَبُو زيد: الهَيْشَر: كَنْكَر البُرِّ ينبُت فِي الرِّمال.
وَقَالَ أَبُو زِيَاد: الهَيْشر لَهُ ورقةٌ شاكَّةٌ وزهرتُه صفراء، لَهُ قَصَبَة فِي وَسَطه.
ابْن دُرَيد: الهَشُور من الْإِبِل: المُحْتَرِق الرِّئة.
هرش: اللَّيْث: رجلٌ هَرِشٌ، وَهُوَ الجافي المائِقُ. والمُهارَشة فِي الْكلاب وَنَحْوهَا: كالمُخَارشة. يُقَال: هارَشَ بَين الْكلاب، وَأنْشد:
جِرْوَا رَبيضٍ هُورِشا فَهَرّا
غَيره: يُقَال: هُوَ الكلْبُ هِراش وخِراش.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: فرسٌ مُهارِش العِنان: أَي خفيفُ العِنان، وَأنْشد:
مُهارِشةُ العِنان كأنّ فِيهَا
جرادَة هَبْوةٍ فِيهَا اصفِرار
وَقَالَ مرّة: مُهارِشَة العِنان: هِيَ النَّشِيطة. وَقَالَ الأصمعيّ: فرسٌ مُهارِشة الْعَنَان: خفيفةُ اللِّجام كَأَنَّهَا تهارِشه.
شهر: قَالَ اللَّيْث: الشَّهر والأشْهُر: عَدَد، والشُّهور جمَاعَة، والمُشاهَرة: المعاملَة شَهْراً بشَهْر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (البَقَرَة: 197) .
قَالَ الزجَّاج: مَعْنَاهُ وقتُ الْحَج أشهرٌ مَعْلُومَات.
وَقَالَ الفرّاء: الأشهُرُ المعلومات من الحجّ: شوَّل وَذُو الْقعدَة وعَشْر من ذِي الحجّة. قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ أَن يُقَال: أشهُر، وَإِنَّمَا هما شَهْرَان وعَشْر من ثَالِث، وَذَلِكَ جائزٌ فِي الْأَوْقَات.
قَالَ الله جلّ ذكره {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ} (البَقَرَة: 203) وَإِنَّمَا يتعجّل فِي يَوْم وَنصف، وَتقول الْعَرَب: لَهُ الْيَوْم يَوْمَانِ مذ لم أَرَه، وَإِنَّمَا هُوَ يومٌ وَبَعض آخر. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بجائز فِي غير الْمَوَاقِيت، لأنّ الْعَرَب قد تَفعل الفِعل فِي أقلَّ من السَّاعَة ثمَّ يُوقِعونه على الْيَوْم، وَيَقُولُونَ: زُرْتُه العامَ، وَإِنَّمَا زَاره فِي يومٍ مِنْهُ.
وَقَالَ الزَّجاج: سمّي الشَّهْر شَهْراً: لشُهْرته وبيانِه.
وَقَالَ غيرُه: سمّي شَهْراً باسم الْهلَال إِذا أهلّ يسمَّى شهرا، والعَرَب تَقول: رأيتُ الشهرَ: أَي رَأَيْت هلالَه.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
يَرَى الشَّهْرَ قبلَ النَّاس وَهُوَ نَحيلُ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُسمَّى الْقَمَر شَهْراً لِأَنَّهُ يُشهر بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الشّهريّة: ضَربٌ من البَراذين، وَهِي بَين المُقْرِف من الْخَيل والبِرْذَوْن.

(6/51)


قَالَ: والشُّهْرة: ظهورُ الشَّيْء فِي شُنْعة حَتَّى يَشهَره النَّاس، وَرجل مَشْهُور، وأَمْر مَشْهُور، ومُشهَّر، وشَهَر فلانٌ سيفَه: إِذا انتضاه من غِمْده فَيرفَعَهُ على النَّاس.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسَ منّا مَن شَهَر علينا السِّلاح) .
وَقَالَ ذُو الرمّة:
وَقد لاحَ للساري سُهَيلٌ كأنّه
على أخرَياتِ الليلِ فَتْقٌ مشهَّرُ
أَي صُبح مَشْهُور. قَالَ: وامرأةٌ شَهيرة: وَهِي العَريضة الضَّخمة، وأتانٌ شهِيرة: مِثلُها، والعَرَب تَقول: أشهرْنا مُذْ لم نَلْتَق: أَي أتَى علينا شهرٌ، وأشهرنا منذُ نزلْنا على مَاء كَذَا: أَي أتَى علينا شهرٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الشُّهْرة: الفَضِيحة.
وَأنْشد الباهليّ:
أَفِينَا تَسُوم الشاهِريّة بَعْدَمَا
بدا لَك مِنْ شَهْر المُلَيْساء كَوْكَب
شهْرُ المُلَيْساء شهرٌ بَين الصَّفَرِيَّة والشتاء، وَهُوَ وقتٌ يَنقطِع فِيهِ المِيرة تَقول: تُعرَض علينا الشاهريَّة فِي وقتٍ لَيْسَ فِيهِ ميرة، وتَسومُ: تعرض، والشاهريّة: ضرب من العِطْر مَعْرُوف.
رهش: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الرّواهش: عُروقُ باطنِ الذِّراع، والنَّواشر: عروقُ ظاهِر الكفّ.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي الرَّواهش كَمَا قَالَ، قَالَ: والنَّواشر عُروقُ ظاهِر الذِّراع.
وَقَالَ اللَّيْث: الرّهش ارتهاشٌ يكون فِي الدَّابَّة، وَهُوَ أَن تَصطَكَّ يَدَاهُ فِي مَشْيه فيَعْقِر رَواهِشَه وَهِي عَصَب يديْه، والواحدة راهِشة، وَكَذَلِكَ فِي يَدِ الْإِنْسَان روَاهِشُها: عَصَبُها من بَاطِن الذِّراع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ: وَاحِد الرَّاوهِش: راهش بِغَيْر هَاء، وَأنْشد:
وأَعددْتُ للحَرب فَضْفَاضَةً
دِلاصاً تَثَنَّى على الرّاهِش
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ وَأبي عَمْرو: النَّواشر الرَّواهش: عروق باطِن الذِّراع، والأشاجِع: عروقُ ظاهرِ الكفّ.
وَقَالَ النَّضر: الارتهاش والارتعاش وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الارتهاش: ضَربٌ من الطَّعْن فِي عَرْض، وَأنْشد:
أَبَا خالدٍ لَوْلَا انتظارِيَ نَصْرَكمْ
أخذتُ سِناني فارتَهَشْتُ بِهِ عَرْضاً
قَالَ: وارتهاشُه: تَحريكُ يَدَيْهِ. قلت: معنى قَوْله فارتهشْتُ بِهِ: أَي قَطعْتُ بِهِ رَواهِشي حَتَّى يَسيلَ مِنْهَا الدّم وَلا ترقأ فأموت. يَقُول: لَوْلَا انتظاري نصْرَكم لقتلتُ نَفسِي آنِفا.
أَبُو عَمْرو: ناقةٌ رَهيش: أَي غَزِيرة صفيٌّ، وَأنْشد:
وخَوَّارة مِنْهَا رَهيشٌ كَأَنَّمَا
بَرَى لَحْمَ مَتْنَيْها عَن الصُّلْب لاحِبُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَّاقة الرُّهْشوش: الغَزِيرة اللَّبن.

(6/52)


وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ رُهْشوش: حَييٌّ سَخِيٌّ رقيقُ الوَجْه، وَأنْشد:
أنتَ الكريمُ رِقَةَ الرُّهْشُوش
يُرِيد: يَرِقّ رِقَّة الرُّهْشوش، وَلَقَد تَرهْشَشَ وَهُوَ بَيِّنُ الرُّهشة والرُّهشوشيَّة.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الرَّهيش النَّصْل الرَّقِيق، وَأنْشد:
بِرَهِيشٍ من كِنَانَتِه
كتلظِّي الجَمْر فِي شَرَرِهْ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المُرْتَهِشة من القسيّ: الَّتِي إِذا رُمِي عَنْهَا اهتزتْ فَضَرَب وتَرُها أبهَرَها. قَالَ: والرَّهِيشُ: الَّتِي يُصيب وَترُها طائِفَها، والطائف: مَا بَين الأبهَر والسِّيَة.
شَره: قَالَ اللَّيْث: رجلٌ شَرِهٌ: شَرْهَان النَّفْس حَرِيص: وَيُقَال: شَرِه فلانٌ إِلَى الطَّعَام يَشرَه شَرَهاً: إِذا اشتدّ حِرْصُه عَلَيْهِ، قَالَ: وقولُهم: هَيَا شَراهِيَا، مَعْنَاهُ: ياحَيُّ يَا قَيْوم، بالعِبْرانيّة.
هـ ش ل
اسْتعْمل من وجوهه: شهل، هشل.
شهل: قَالَ اللَّيْث: الشَّهَل والشُّهْلة فِي العَيْن.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الشُّهْلة: حُمْرة فِي سَوادِ العَين، وأمّا الشُّكْلة فَهِيَ كَهَيئَةِ الْحمرَة تكون فِي بَيَاض الْعين.
قلت: وَيُقَال: رجلٌ أشهَل، وَامْرَأَة شَهْلاء.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للْمَرْأَة النَّصَفة العاقِلة: شَهْلَة كَهْلَة، نَعتٌ لَهَا خَاصَّة لَا يُوصف الرجلُ بالسَّهْل والكَهْل.
أَبُو زيد: الأشْهَل والأشكل والأشْجَر وَاحِد.
وَقَالَ النَّضر: جَبَل أشْهَلُ: إِذا كَانَ أغبرَ فِي بياضٍ، وعَينٌ شَهْلاء: إِذا كَانَ بياضُها لَيْسَ بخالص، فِيهِ كُدُورة، وذئبٌ أشهَل، وَأنْشد:
مُتوضِّح الأقرابِ فِيهِ شُهْلةٌ
شَنِجُ اليَدَيْن تَخالُه مَشكُولا
وحدّثنا السَّعْدِيّ قَالَ: حدّثنا الرَّمَادِي قَالَ: حدّثنا وهب بن جرير قَالَ: حدْثنا شعبةُ، عَن سماك، عَن جَابر بن سَمُرة قَالَ: كَانَ رسولُ الله ضليعَ الْفَم، أشهَل العَيْنين، منهُوسَ الكَعْبين. وَرَوَاهُ غُنْدُر عَن شُعبة عَن سماك عَن جَابر: كَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشكَلَ العَيْنين. قَالَ شُعبة: فقلتُ لسماك: مَا أشكلَ الْعَينَيْنِ؟ قَالَ: طويلُ شقّ العَيْن. قلت: خالَف غُنْدُر وهبَ بن جرير.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأمَوِي: الشَّهْلة: العَجُوز وأنشدَنا:
باتَ يُنَزِّى دَلْوه تَنْزِيَّا
كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيّا
وَقَالَ اللَّيْث: المُشاهَلة: المشارّة، تَقول: كَانَت بَينهم مشاكلة أَي لحاء ومُقارصَة وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي (نوادره) :
أَلاَ أرَى ذَا الصَّعْفَةِ الهَبِيتا
يُشاهِلُ العَمَيْثَل البِلِّيتَا
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: فِي فلَان وَلَع وشَهَل: أَي كَذِب. قَالَ: والشَّهَل:

(6/53)


اختلاطُ اللونين، والكذَّابُ يُشرّح الأحاديثَ ألواناً.
وَقَالَ غيرُه: المُشاهَلة: مراجَعة الْكَلَام، وَأنْشد:
قد كَانَ فِيما بَيْننَا مُشاهَلَهْ
ثمّ توَلّت وهيَ تَمشي البَأْدَلَهْ
البأدَلَة فِي الْمَشْي: أَن يُسرِع فِيهِ، والشَّهْلاء: الْحَاجة، تَقول: قضيتُ من فلَان شَهْلائي، أَي حَاجَتي، وَقَالَ الرَّاجز:
لَم أقضِ حَتَّى ارتَحلتْ شَهْلائي
من العَرُوب الطفلة الغَيْداء
هشل: أهمَله اللَّيْث. وأقرأنِي الإياديّ عَن شمر لأبي عبيد، عَن الْأَحْمَر قَالَ: الهَيْشَلة من الْإِبِل وَغَيرهَا: مَا اعْتَصَب.
قلت: وَهَذَا حرف وَقع فِيهِ الْخَطَأ من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا فِي نفس الْكَلِمَة، وَالْأُخْرَى فِي تَفْسِيرهَا، والصوابُ الهَشِيلة على فَعِيلة من الْإِبِل وَغَيرهَا: مَا اغْتُصِبَ لَا مَا اعْتَصَبَ، وأُثبت لنا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يَقُول مُفاخِر الْعَرَب: مِنَّا مَن يُهْشِل أَي مِنَّا مَن يُعطِي الهَشِيلة: وَهُوَ أَن يَأْتِي الرجلُ ذُو الْحَاجة إِلَى مُراحِ الرّجل فيأخذَ بَعِيرًا فيَركبه، فَإِذا قَضَى حاجَته رَدّه. وأمّا الهَيْشَلَة على فَيْعَلة فَإِن شمراً وَغَيره قَالُوا: هِيَ النَّاقة المُسِنَّة السمينة.
هـ ش ن
اسْتعْمل من وجوهها: نهش.
نهش: قَالَ اللَّيْث: النَّهْش: دون النَّهْس: وَهُوَ تناولٌ بالفَمِ إِلَّا أَن النَّهْسَ تناولٌ من بَعِيد كنَهْش الحيّة والنَّهْشُ: القَبْضُ على اللَّحْم ونَتْفُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: نهشَتْه الحيَّةُ ونَهَسَتْه إِذا عَضّته.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول أبي ذُؤَيْب:
يَنْهَشْنَه ويَذُودُهنَّ ويَحْتَمِي
قَالَ: ينهشنه: يعضضنه، قَالَ: والنَّهْش قريبٌ من النَّهْس.
وَقَالَ رؤبة:
كم مِن خليلٍ وأَخٍ مَنْهوش
قَالَ المنْهُوش: الهزيل. يُقَال: إِنَّه لمنْهوش الفَخِذَين، وَقد نُهِش نَهشاً
وَفِي الحَدِيث: (لَعَن رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحالِقَةَ والمنْتَهِشة) ، فالحالقة: الَّتِي تَحلق شعرهَا إِذا أصيبتْ بزَوجها.
وَقَالَ القُتَيْبيُّ: المنتهشة: هِيَ الَّتِي تخمش وجهَها، قَالَ: والنَهْشُ لَهُ أَن تأخذَ لَحْمه بأظفارها، وَمِنْه قيل: نَهِشَته الكلابُ، وفلانٌ نَهِش الْيَدَيْنِ: أَي خَفيفُ اليَدَين فِي المَرّ، قليلُ اللَّحم عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الرّاعي يصف ذئباً:
متوضِّح الأقراب فِيهِ شُهبة
نهشُ اليَدَين تَخاله مَشكُولاً
وَقَول: تخاله مشكولاً: أَي لَا يَسْتَقِيم فِي عَدْوه كَأَنَّهُ قد شُكِل بشِكال.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: النّهْس بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بالأسنان والأضْراس. قَالَ: وَسَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن قَول

(6/54)


عليّ ح فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ منهوش القَدَمين أَو منْهوس، فَقَالَ: يُقَال: رجل منهوش الْقَدَمَيْنِ ومنهوس الْقَدَمَيْنِ) : إِذا كَانَ مُعرَّق الْقَدَمَيْنِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: نُهِشَت عَضُداه: أَي دَقَّتا.
هـ ش ف
اسْتعْمل من وجوهها: شفه.
شفه: قَالَ اللَّيْث: الشَّفة حُذفَتْ مِنْهَا الْهَاء، وتصغِيرها شُفَيْهة، والجميع الشِّفاه. قَالَ: وماءٌ مَشْفُوهٌ: مطلوبٌ مَبسول. قلت: وَلم أسمع ماءٌ مَشْفوه بِمَعْنى مطلوبٍ لغير اللَّيْث.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: يُقَال: مَاء مَشْفُوه: وَهُوَ الَّذِي كَثر عَلَيْهِ الناسُ، وَكَذَلِكَ مَثْمود ومضْفوف كَأَنَّهُمْ نَزَحوه بِشفَاهِهِم وشَغَلوه بهَا عَن غَيرهم.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: مَاء مَشْفوه: ممنوعٌ من وِرْده لقلته، وَوَرَدْنا مَاء مَشفُوهاً: كثير الْأَهْل، وأصبحْتَ يَا فُلان مشفوهاً: كثير الْأَهْل، وأصبحت يَا فلانُ مشفوهاً: مكثوراً عَلَيْك تُسأل وتُكلَّم. وَيُقَال: مَا شفهت عَلَيْك من خيرِ فلانٍ شَيْئا، وَمَا أَظنّ إبِلَك إلاّ سَتَشْفَه علينا الماءَ: أَي تشغله، وفلانٌ مشفوة عنَّا أَي مَشْغُول عَنَّا، مكثور عَلَيْهِ.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا صنع لأحدِكم خادِمُه طَعَاما وَكَانَ مشفوهاً فليَضعْ فِي يدِه مِنْهُ أُكلةً) أَي كَانَ قَلِيلا.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا ثلَّثوا الشَّفةَ قَالُوا: شَفَهات وشَفَوات، وَالْهَاء أَقيس، وَالْوَاو أعمّ لأَنهم شبهوها بالسَّنوات ونقصانها حذفُ هائها. قلت: والعَرَب تَقول: هَذِه شَفَةٌ فِي الوَصْل وشفهٌ بِالْهَاءِ، فَمن قَالَ: شَفَة، قَالَ: كَانَت فِي الأَصْل شَفَهة، فحذفت الْهَاء الْأَصْلِيَّة وأُبقيت هاءُ الْعَلامَة للتأنيث، وَمن قَالَ: شفه بِالْهَاءِ أَبقَى الْهَاء الْأَصْلِيَّة، وَيُقَال: إنّ شَفَة النَّاس عَلَيْك لحسنة: أَي ذِكْرهم لَك وثناءهم عَلَيْك حَسَن وَيُقَال: مَا سَمِعت مِنْهُ ذاتَ شَفة: أَي مَا سَمِعت مِنْهُ كلمة؛ ورجلٌ خفيفُ الشّفة: أَي قَلِيل السُّؤَال.
هـ ش ب
شهب، شبه، هبش، بهش: مستعملة.
شهب: اللَّيْث: الشَّهَب: لون بَيَاض يَصْدَعه سوادٌ فِي خلاله، وأَنشد:
وَعَلا المفارقَ رَبْعُ شَيْبٍ أَشهب
قَالَ: والعنبر الجيِّد لونُه أَشهب، وَيُقَال اشهابَّ رَأْسِي: إِذا كَانَ البَياض غَالِبا للسّواد واشتهب كَذَلِك، وَأنْشد:
شَاب بعدِي رأسُ هَذَا واشتهب
وَيَوْم أَشهب: ذُو ريح بارِدة، وليلةٌ شهْباء كَذَلِك، وكتيبة شهباء، لما فِيهَا مِنْ بَيَاض السِّلاح فِي خلال السَّواد.
وَيُقَال للشجاع: شِهاب، وجمعُه شُهبان.
قَالَ ذُو الرمة:
إِذا عَمّ داعيها أَتته بِمَالك
وشُهبانِ عَمْرو كلُّ شَوْهاءَ صِلْدِمِ

(6/55)


عَم داعيها: أَي دَعَا الْأَب الْأَكْبَر، وَأَرَادَ بشهْبان عَمْرو: بني عَمْرو بن تَمِيم، وَأما بَنو الْمُنْذر فَإِنَّهُم يسمَّون الأشاهِب لجمالهم، قَالَ الْأَعْشَى:
وَبَنُو الْمُنْذر الأشاهب
وَقَالَ أَبُو سعيد: شَهَّبَ البردُ الشجرَ: أَي غَيَّرَ ألوانها، وشهَّبَ الناسَ البردُ. والشوْهاء: الفَرَس الرايعة الواسعةُ الْفَم، والصِّلْدِم الصُّلب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال كَتيبة شهباء إِذا كَانَت عِلْيتَها بياضُ الْحَدِيد. وَقَالَ غَيره: سَنَة شهباء: إِذا كَانَت جَدْبةً، وَيَوْم أَشهب: ذُو حَلِيتٍ وأَزيز.
وَقَالَ اللَّيْث: اشهابَّ الزّرع: إِذا كَاد يهيج وَفِي خلاله خُضْرة. وَقَالَ: اشهابَّت مَشافِرُه.
والشِّهاب: شعْلة نَار سَاطِع، والجميع الشُّهْبُ والشُّهْبان، وَيُقَال للرجل الْمَاضِي فِي الحَرْب: شهابُ حَرْب.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {بِخَبَرٍ أَوْءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ} .
قَالَ الفرّاء: نَوَّن عاصمٌ والأعشَى فيهمَا، قَالَ: وأضافَه أهلُ الْمَدِينَة {ءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ} قَالَ: وَهَذَا ممّا يُضَاف الشيءُ إِلَى نَفسه.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الشِّهاب: العُودُ الَّذِي فِيهِ نَار.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الشِّهاب أصلُ خشَبَة أَو عُود فِيهَا نارٌ ساطِعَة، وَيُقَال للكوكب الَّذِي ينقضُّ على إِثْر الشّيطان بِاللَّيْلِ: شِهاب.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ} (الصَّافات: 10) .
وسمعتُ غيرَ واحدٍ من الْأَعْرَاب يَقُول للَّبن المَمزْوج بِالْمَاءِ: شَهاب، كَمَا ترى بِفَتْح الشين.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ الشُّهابة بضمّ الشين، وَهو الفَضيخُ والخَضَار، والشَّهاب والسَّجاج والسَّحار والضَّياح والسَّمار، كلُّه وَاحِد.
والشَّهبَان والشَّبهان: شجرٌ معروفٌ يُشْبِه الثُّمام.
أنْشد المازِنيّ:
وَمَا أَخَذَ الدِّيوانَ حَتَّى تَصَعْلَكا
زَمَانا وحَتَّ الأشْهبان كِلاهما
الأشْهبان: عامان أَبْيضان لَيْسَ فيهمَا خُضْرَة من النَّبات. وسنَة شَهْباء: جَدْبة كثيرةُ الثَّلْج. والشَّهْباء أَمْثَلُ من الْبَيْضَاء. والحَمراء أشَدّ من البَيْضاء، وَسَنَةٌ غَبْرَاء: لَا مَطَرَ فِيهَا، وَقَالَ:
إِذا السَّنةُ الشَّهباءُ حَلَّ حَرَامُها
أيْ حَلَّت المَيْتَةُ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الشُّهْبة فِي ألوانِ الخَيْل: أنْ تَشُقَّ معظَمَ لَونه شَعْرَةٌ أَو شَعَرَاتٌ بيضُ، كُميتاً كَانَ أَو أدْهَم أَو أشقَر.
بهش: قَالَ ابْن شُمَيْل: بَهْشُ الصَّقْر للصَّيْد: تَفَلُّتُهُ عَلَيْهِ، وبَهَشَ الرّجلُ إِلَى الرَّجُل: كأنّه يتناوَلُه لينصُوَه: أَي ليأخُذَ بناصِيَته فيجرَّه، وَقد تَبَاهَشا: إِذا تَناصَيا

(6/56)


برءُوسِهِما، وَإِن تناوَلَه وَلم يأخُذْه أَيْضا فقد بَهَشَ إِلَيْهِ، ونَصَوْتُ الرجُلَ نَصْواً: إِذا أخَذتَ برأسِه، ولفلانٍ رأسٌ طويلٌ: أَي شَعْرٌ طويلٌ.
وَفِي الحَدِيث: أَنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُدلِعُ لسانَه للحَسن بنِ عليّ فإِذا رَأَى الصَّبيُّ حُمْرَةَ لِسَانه بَهشَ إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للْإنْسَان إِذا نظر إِلَى شَيْء فأعجَبَه واشتَهاه، فتناوَله وأَسْرَع إِلَيْهِ وفَرِح بِهِ: قد بَهَش إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْمُغيرَة بن حَبْناء التميميّ:
سَبقتُ الرِّجالَ الباهِشِين إِلَى النَّدى
فعالاً ومَجْداً والفعالُ سِباقُ
وَفِي حديثٍ آخَرَ، أنّ رجلا سَأَلَ ابنَ عبّاس عَن حَيَّة قَتَلَها وَهُوَ مُحرِم فَقَالَ: هَل بَهَشَتْ إِلَيْك؟ أَرَادَ: هَل أقبلَتْ إِلَيْك تريدُك؟ قَالَ أَبُو العبّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَهْش: الْإِسْرَاع فِي الْمَعْرُوف بالفرح.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: أَمِنْ أَهْلِ البَهْش أَنْت؟ أرادَ: أَمن أهلِ الْبِلَاد الَّتِي يكون بهَا البَهْش؟ والبَهْش هَاهُنَا فِيمَا رَوَى ابنُ نَجْدة، عَن أبي زيد أَنه قَالَ: الخَشْل: المُقْل الْيَابِس، والبَهْش: رَطبُه. والمُلْج: نَواه، والحَتِيُّ: سُوَيقُه.
وَقَالَ اللَّيْث: البَهْشُ رديءُ المُقْل، وَيُقَال: هُوَ مَا قد أُكِل قِرْفُه، وَأنْشد:
كَمَا يَحْتَفِي البَهْشَ الدّقيقَ الثعالبُ
قلت: والقولُ فِي تَفْسِير البَهْش مَا فسّره أَبُو زيد.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل بَهِش شِنّ بِمَعْنى وَاحِد، وَقد بَهَشْتُ إِلَى فلَان. بِمَعْنى حَنَنْتُ إِلَيْهِ. قلت: وَالْقَوْل فِي تَفْسِير البَهْشِ مَا قَالَه أَبُو عبيد وَابْن الأعرابيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: بَهَش القومُ وبَحَشُوا: أَي اجتَمَعوا. قلتُ: هَذَا عِنْدِي وَهْم، وَالَّذِي أَرَادَهُ اللَّيْث: تَحَبَّشُوا وتَهبَّشوا: إِذا اجتمَعوا الْهَاء والحاء قبل الْبَاء، وَلَا يُعرَف بَحَش فِي كَلَام الْعَرَب.
هبش: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الهَبْش: ضربُ التَّلف، وَقد هَبَشَه: إِذا أَوجَعَه ضَرْباً.
وَقَالَ اللحياني: هُوَ يهبش لِعياله ويَهْتَبِش ويَحرِف ويَحْترِف ويَخْرِش ويَخْترِش مَعْنَاهَا يَكسَب ويَطلُب ويَحتال.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهُباشة والحُباشة: الْجَمَاعَة من النَّاس.
وَقَالَ الرُّوَاسيّ: إنّ المجلسَ لَيَجمعُ هُباشات وحُباشات: أَي نَاسا لَيْسُوا من قبيلةٍ وَاحِدَة، وَقد تهبَّشوا وتحبَّشوا: إِذا اجْتَمعُوا.
وَمِنْه قولُ رؤبة:
لَوْلَا هُباشاتٌ من التَّهْبِيشِ
لِصبْيةٍ كأَفْرِخِ العُشُوشِ
قَالَ: أَرَادَ بالهُباشات: مَا كَسَبه من المَال وجَمَعه.

(6/57)


شبه: قَالَ اللَّيْث: الشَّبَه: ضَربٌ من النُّحاس يُلقَى عَلَيْهِ دواءٌ فيصفرّ، وسُمِّي بالشَّبَه لِأَنَّهُ شُبِّه بالذَّهَب.
وَتقول: فِي فلانٍ شَبَهٌ من فلَان، وَهُوَ شَبَههُ وشِبْههُ وشَبِيهه.
وَقَالَ العجّاج يصف رَمْلاً:
وشَبَهٌ أَمَيلُ مَيْلانيُّ
وَيُقَال: شبَّهتُ هَذَا بِهَذَا، وأشْبَه فلانٌ فلَانا.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عِمرَان: 7) . قيل: مَعْنَاهُ يُشبه بعضُها بَعْضًا. قلت: وَقد اخْتلف المفسِّرون فِي تَفْسِير قَوْله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ؛ فرُوي عَن ابْن عبّاس أَنه قَالَ: المتشابهات (ألم) و (ألر) وَمَا اشْتبهَ على اليَهود من هَذِه ونحوِها. قلت: وَهَذَا لَو كَانَ صَحِيحا عَن ابْن عَبَّاس كَانَ التَّفْسِير مسلّماً لَهُ، ولكنّ أهلَ الْمعرفَة بالأخبار وَهَّنوا إِسْنَاده، وَقد كَانَ الفرّاء يذهب إِلَى مَا رُوِي عَن ابْن عبّاس فِي هَذَا ورُوِي عَن الضحّاك أَنه قَالَ: المُحْكَمات: مَا لم يُنسَخ، والمتشابِهات: مَا قد نُسخ.
وَقَالَ غَيره: المُتشابِهات هِيَ الْآيَات الَّتِي نَزلتْ فِي ذِكر الْقِيَامَة والبَعْث، ضَرْبَ قَوْله: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ} . (سبأ: 7، 8) . وضَرْبَ قَوْله: { (خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَْخِرَةِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الاَْرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَلَقَدْءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاَْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلاَّ الْكَفُورَ} (الصافات: 15 17) فَهَذَا الَّذِي تَشابَه عَلَيْهِم فأَعلمهم الله جلّ وعزّ الوجهَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يستدلّوا بِهِ على أنّ هَذَا المُتشابه عَلَيْهِم كَالظَّاهِرِ لَو تدبَّروه، فَقَالَ: {خَصِيمٌ مٌّ بِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} إِلَى قَوْله: {مِّنْه تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَذِى خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالاَْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} (يس: 78 81) ، أَي إِذا كُنْتُم قد أقررتم بالإنشاء والابتداء فَمَا تُنكرون من البَعْث والنُّشور؟ وَهَذَا قولُ كثيرٍ من أهل الْعلم، وَهُوَ بيِّن وَاضح، وممّا يدلّ على هَذَا القَوْل قولُه جلّ وعزّ: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عِمرَان: 7) ، أَي أَنهم طلبُوا تَأْويل بَعْثِهم وإحيائهم، فأَعلم الله أنَّ تأْويلَ ذَلِك ووقتَه لَا يَعلمُه إلاّ الله جلّ وعزّ.
والدَّليل على ذَلِك قَوْله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} (الأعرَاف: 53) يُرِيد قيامَ السَّاعَة وَمَا وُعدوا من البَعْث والنُّشور وَهَذَا قولُ كثير من أهل الْعلم وَالله أعلم. وأمَّا قولُه عزّ وجلّ {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} (البَقَرَة: 25) فَإِن أهل اللُّغَة قَالُوا: معنى قَوْله: {مُتَشَابِهاً} يُشْبِه بعضُه بَعْضًا فِي الجودةِ والحُسْن.
وَقَالَ المفسِّرون: {مُتَشَابِهاً} يُشْبه بعضُه بَعْضًا فِي الصُّورة، وَيخْتَلف فِي الطّعْم، وَدَلِيل المفسِّرين قَوْله جلّ وعزّ: {هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} (البَقَرَة: 25) لأنّ صُورته الصُّورة الأولى، ولكنَّ اختلافَ الطُّعوم مَعَ اتِّفاق الصُّورة أَبلَغ وأَغْرب عِنْد الْخلق، لَو رأيْتَ تُفَّاحاً فِيهِ طَعم كلِّ الْفَاكِهَة لَكَانَ نِهَايَة فِي الْعجب.

(6/58)


ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: شَبِّه الشيءُ: إِذا أَشْكَل، وشَبَّه: إِذا ساوَى بَين شيءٍ وَشَيْء. قَالَ: وسأَلْتُه عَن قَوْله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} ، فَقَالَ: لَيْسَ من الِاشْتِبَاه المُشْكِل، إنَّما هُوَ من التَّشابُه الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الِاشْتِبَاه.
وَقَالَ اللَّيْث: المُشْبهات من الْأُمُور: المُشْكِلات، وَتقول: شَبَّهتَ عليّ يَا فلانُ: إِذا خَلَّط عَلَيْك، واشْتَبَه الْأَمر: إِذا اخْتَلط، وَتقول: أَشْبَه فلانٌ أَبَاهُ، وأنتَ مثله فِي الشَّبه والشِّبْه، وَفِيه مَشابِه من فلَان، وَلم أَسمع فِيهِ مَشْبَهة من فلَان، وَتقول: إنِّي لفي شُبْهَةٍ مِنْهُ.
رُوِي عَن عمَرَ أَنه قَالَ: اللَّبَنُ يُشْبَه عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ المُرْضِعة إِذا أَرْضَعتْ غُلَاما فإِنه يَنْزِع إِلَى أَخلاقِها فيُشْبِهها، وَلذَلِك يُختار للرَّضيع امرأةٌ عاقلةٌ غيرُ حَمْقاءَ.
وَفِي الحَدِيث: نَهى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُسْتَرْضَعَ الحَمقاء، فإنَّ اللَّبن يُشَبَّه.
وحُروف الشين يُقَال لَهَا: أَشْباه، وَكَذَلِكَ كلُّ شيءٍ يكون سَوَاء فإِنها أَشباه، كَقَوْل لَبِيدٍ فِي السَّواري وتَشْبِيه قَوَائِم النَّاقة بهَا:
كعُقْرِ الهاجِريّ إِذا ابْتَناه
بِأَشْباهٍ حُذِين على مِثالِ
قَالَ: شبَّه قوائمَ ناقتِه بالأساطين.
قلت: وغيرُه يَجْعَلُ الأشباهَ فِي بَيت لَبِيد الآجُرَّ؛ لأنّ لَبِنَها أَشباهٌ يُشْبه بعضُها بَعْضًا، وَإِنَّمَا شبَّه نَاقَته فِي تَمام خَلْقِها وحَصانة جِبِلَّتِها بقَصْرٍ مَبنِي بالآجرّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّباه حَبٌّ عَلَى لَوْن الحُرْف يُشْرَبُ للدَّواء. والشَّبَهان: الثُّمام، وَمِنْه قَوْله:
وأسفلُه بالمَرخِ والشَّبَهان
وَجمع الشُّبْهَة: شُبَه، وَهُوَ اسمٌ من الأشْباه.
هـ ش م
هشم، همش، شهم، مهش: مستعملة.
شهم: قَالَ اللَّيْث: الشَّهْم وجمعُه الشُّهُوم وهم السادَة الأنجاد الناقدُون فِي الأُمور، وفرسٌ شَهْمٌ: سريعٌ نشِيطٌ قوِيٌّ، وشَهَمْتُ الفَرَسَ، فأَنا أَشْهَمُه، والمشهُوم: كالْمَذْعُور سَوَاء.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الشَّهْم: الذَّكيُّ الْفُؤَاد، والمشهوم: الحديدُ الْفُؤَاد، وَقَالَ ذُو الرّمة يصف ثَوْراً وَحْشِيّاً:
طَاوِي الحَشا قَصَّرَتْ عَنهُ مُحَرَّجةٌ
مستوْفَضٌ من نباتِ القَفْر مَشْهُوم
قَالَ ابْن الأنباريّ: قَالَ الفرّاء: الشهم فِي كَلَام الْعَرَب: الْحَمُول الجيِّد الْقيام بِمَا حُمِّل، الَّذِي لَا تَلْقَاه إلاّ حَمُولاً طيِّبَ النَّفْس بِمَا حُمِّل، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي غير النَّاس.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: شَهُمَ شَهامةً: إِذا كَانَ ذكيّاً، وَقد شَهَمْتُه أَشْهَمُه شَهْماً: إِذا ذَعَرْتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّيْهَم: الدُّلْدُل، وَمَا عَظُم شَوْكُه مِن ذُكْرَان القَنافِذ، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عبيد، وَأنْشد:
لتَرْتَحِلَنْ مَنِّي على ظهْرِ شَيْهَم

(6/59)


وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: على ظَهْرِ شَيهم: أَي على ذُعْر.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: هُوَ القُنْفُذ والدُّلْدُل والشَّيْهَم.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: يُقَال للذَّكَر من القَنافذ: شَيْهَم.
هشم: قَالَ اللَّيْث: الهَشْم: كسْرُ الشَّيْء الأجْوَف وَالشَّيْء الْيَابِس: تَقول هَشمْتُ أَنْفَه: إِذا كسَرْتَ القصبَة.
قَالَ: والهاشمةُ: شجَّة تَهشِمُ العظْم، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الأصمعيّ فِيمَا روى عَنهُ أَبُو عبيد.
وَقال اللَّيْث: الرِّيحُ إِذا كَسَرَت اليَبِيسَ. يُقَال: هَشَمَتْه، وتَهشَّمَ الشَّجَر تهشُّماً: إِذا تكسَّر مِن يُبْسِه، وصارَتْ الأرضُ هَشِيماً: أَي صارَ مَا عَلَيْهَا من النَّبَات وَالشَّجر قد يَبِسَ وتكسَّر.
وَقَالَ الزَّجَّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ} (القَمَر: 31) .
قَالَ الْهَيْثَم: مَا يبِسَ مِن الورَق وتكسَّر وتَحطَّم، فَكَانُوا كالهشِيم الَّذِي يَجمعُه صاحبُ الحَظيرةِ: أَي قد بلغ الغايةَ فِي اليُبْس حَتَّى بَلَغ إِلَى أَن يُجْمَع ليُوقَد بِهِ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: شجرةٌ هَشيمة يابِسة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أرضٌ هَشيمة: وَهِي الَّتِي يَبِسَ شجرُها قَائِما كَانَ أَو مُتَهشِّماً، وإنَّ الأرضَ البَالِية تَهشَّمُ، أَي تكسَّرُ إِذا وَطِئتَ عَلَيْهَا نَفسهَا لَا شَجَرهَا، وشجرها أَيْضا إِذا يَبِسَ يَتهشَّم: أَي يتكسَّر.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: كَانَ هاشمُ بن عبد منَاف واسْمه عَمْرو، إِنَّمَا سمِّي هاشماً لِأَنَّهُ هَشَم الثَّرِيد، وَفِيه يَقُول مطرود الخُزاعي:
عَمرُو العُلاَ هَشَم الثَّرِيدَ لِقَوْمه
ورجالُ مَكّةَ مُسْنِتُون عِجافُ
وَقَالَ اللحياني: يُقَال للنّبت الَّذِي بَقِي من عَام أَوّلَ: هَذَا نَبْت عامِيٌّ وهَشِيم وحَطِيم. أنشَد المبرِّد لِابْنِ ميَّادة:
أمرتُكَ يَا رِياحُ بأَمر حَزْم
فقلتَ هَشِيمَةٌ من أَهْلِ نجدِ
قَوْله: هَشِيمة، تَأْوِيله ضَعْف، وأصل الهَشِيم: النّبْت إِذا وَلَّى وجَفَّ فأَذَّرَته الرّيح، قَالَ الله: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ} (الْكَهْف: 45) .
قَالَ: وَيُقَال: هَشَمْتُ مافي ضَرْع النَّاقة، واهتَشَمْت، أَي احْتلبت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرّجل الجَواد: مَا فلَان إِلَّا هَشِيمة كَرَم، أَي لَا يَمنَع شَيْئا، وأصلُه من هَشيمة الشَّجَر يَأْخُذهَا الحاطِبُ كَيفَ شَاءَ قَالَ وَيُقَال: تهشّمتُ الرجلَ، أَي استعطفْتُه، وأَنشدَ:
حُلْوَ الشّمائل مِكْراماً خَليقَتُه
إِذا تهشّمْتُه للنّائل اختالا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: تهشّمتُه للمعروف، وتهضّمته: إِذا طلبتَه عندَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: تهشّمتُ فلَانا: إِذا ترضَّيْتَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا أَغْضَبْتُكم فتهشَّموني
وَلَا تستعتبوني بالوعيد
أَي تَرضَّوني.

(6/60)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهُشُم: الْجبَال الرِّخوة، والهُشُم: الحلاّبون للّبن الحُذّاق، واحدُهم هَاشم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهَشُوم من الأرْض: الْمَكَان المُتَنقِّر مِنْهَا المُتَصوِّب من غِيطانها فِي لِين الأَرْض وبُطونها، وكلّ غائِط يكون وَطيئاً فَهُوَ هَشْم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ناقةٌ مِهْشام: سريعة الهُزال، وناقةٌ مِشْياط: سريعةُ السِّمَن، والهَشَمة: الأُرْوِيّة، وجمعُها هَشَمات، وَيُقَال للرّجل الهَرِم إِنَّه لهَشِمُ أهْشامٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَشِم: الأرضُ المُجدِبة.
ابْن شُمَيْل: واهتَشَم فلانٌ الناقةَ: إِذا احتَلبها، وهَشَمَها مثله.
وَقَالَ قَتادة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً} (الحَجّ: 5) . قَالَ: ترَاهَا غَبراءَ متهشِّمة.
قلت: وإنَّما تهشُّمها يُبسُها لطُول عَهْدِها بالنَّدى، فَإِذا مُطِرتْ ذهب تَهشمها.
وَقَالَ شُجَاع الْأَعرَابِي: تَقول: اهتَشمتُ نَفسِي لفلانٍ واهتَضَمْتُها لَهُ، إِذا رضيتَ مِنْهُ بِدُونِ النَّصَفة، وَأنْشد شمر لِابْنِ سَماعة الذُّهْلِيّ فِي تهشُّم الأَرْض:
وأخْلَفَ أَنْواءٌ فَفِي وَجْهِ أَرْضِها
قُشَعْرَيرةٌ من جِلدها وتهشُّمُ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَرض جَرْباء: لم يُصِبها مطر، وَلَا نَبْتَ فِيهَا، ترَاهَا متهشِّمة، وَمن أَسمَاء العَرَب: هِشام وهُشَيم وهاشِم، وَالْأَصْل فِيهَا كلّها الهَشْم، وَهُوَ الكَسْر. والهَشْم: الْحَلْب أَيْضا.
همش: قَالَ اللَّيْث: الهَمِشُ: السريعُ العَمَل بأصابعه. قَالَ: والهَمْش: العَضّ.
أَبو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الهَمْشَة: الكلامُ وَالْحَرَكَة، وَقد هَمِش القومُ فهم يَهْمَشون.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَمَشُ والهَمْشة: كَثْرَة الْكَلَام والخَطَل فِي غير صَوَاب، وَأنْشد:
وهَمِشُوا بِكَلمٍ غيرِ حَسَن
وأنشَدنِيه الْمُنْذِرِيّ وهمَشوا بِفَتْح الْمِيم ذكره عَن أبي الْهَيْثَم.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي الحَسَن الْأَعرَابِي: اهتَمَشَت الدابّةُ، إِذا دَبّت.
وَقَالَ غيرُه: رأيتُهم يهتمشون: إِذا كَانُوا فِي مَكَان فأَقبَلوا وأدبروا واختَلَطُوا، وللجَرَاد هَمْشة فِي الْوِعَاء: إِذا سَمِعت لَهُ حَرَكَة، وَيُقَال: إِن البراغيثَ لتَهتَمِش تَحت جَنْبِي فتُؤذيني باهتماشها.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبَيْدَة: امْرَأَة هَمْشَى الحَدِيث: وَهِي الَّتِي تُكثر الْكَلَام وتُجَلِّب. قلت: وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي الهَمْش: إِنَّه العضّ غيرُ صَحِيح، وصوابُه الهَمْس بِالسِّين، فصحَّفه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الهَيثم أَنه قَالَ: إِذا مَضَغ الرجلُ الطعامَ وفُوه مُنْضَمّ قيل: هَمس يَهْمِس هَمْساً.
ابْن السّكيت، قَالَت امرأةٌ من العَرَب لامرأةِ ابنِها: طَفَّ حَجْرُكِ، وطاب نَشْرُك، وَقَالَت لابنتِها: أكلْتِ هَمْشاً وحَطَبْت

(6/61)


ِ قَمْشاً: دعت على امرأةِ ابنِها أَن لَا يكون لَهَا ولد، ودَعتْ لابنتها أَن تَلد حَتَّى تُهامِشَ أَولادَها فِي الْأكل: أَي تعاجِلَهم، وَقَوْلها حَطَبْتِ قَمْشَاً: أَي حَطَبَ لكِ ولدُكِ مِن دِقِّ الحطَب وجِلِّه.
وَرَوى ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال للجَراد إِذا طُبِخ فِي المِرْجل: الهَمِيشة، وَإِذا شُوِي على النَّار فَهُوَ المَحْسُوس.
مهش: رُوي عَن بَعضهم أَنه قَالَ: محشَتْه النارُ ومَهَشَتْه: إِذا أحرَقَتْه، وَقد امتُهِشَ وامتُحِشَ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لعن من النِّسَاء الحالقَةَ والمُمْتَهِشة، وَجَاء تفسيرُه فِي الحَدِيث أَنَّهَا الَّتِي تحلق وَجههَا بالمُوسَى.
وَقَالَ القتيبيّ: لَا أعرِف المُمتَهِشة إِلَّا أَن تكون الْهَاء مبدلةً من الْحَاء، يُقَال: مرَّ بِي جملٌ عَلَيْهِ حِملُه فمحشَني: إِذا سَحَج جِلده مِن غير أَن يسلخه وَالله أعلم.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالضَّاد)
أهملت الْهَاء وَالضَّاد مَعَ الصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي والطاء.
هـ ض د
اسْتعْمل من وجوهها: ضهد.
ضهد: قَالَ اللَّيْث: ضَهَد فلانٌ فلَانا، واضطَهَده: إِذا قَهَره، وَهُوَ مُضْطَهد: مَقْهور وذَليل.
وَقَالَ ابْن بُزرج: يُقَال: ضَهَدْتُ الرجلَ أَضْهَدُه: قَهَرْتُه.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو زيد: أضهدْتُ بِالرجلِ إضْهاداً، وألْهَدْتُ بِهِ إلْهاداً، وَهُوَ أَن تجُور عَلَيْهِ وتَسْتَأثر.
ابْن شُمَيل: اضطَهَد فلانٌ فلَانا: إِذا اضطَعَفه وقَسَره، وَهِي الضُّهْدة، يُقَال: مَا يخَاف بِهَذَا الْبَلَد الضُّهْدة، أَي الغَلَبة والقَهْر.
هـ ض ت هـ ض ظ هـ ض ذ هـ ض ث: مهملات.
هـ ض ر
اسْتعْمل من وجوهه: ضهر.
ضهر: قَالَ اللَّيْث: الضَّهْر: خِلْقة على الجَبَل من صَخْر يُخالف جَبْلَتَه.
وَقَالَ أَحْمد بنُ يحيى: أنشَدَنا ابْن الْأَعرَابِي:
رُبَّ عُصْمٍ رأيتُ فِي وَسْط ضَهْرِ
قَالَ: الضَّهْر: البُقْعة من الجَبَل يخالِف لونُها سَائِر لونِه.
وَقَالَ: وَمثل الضّهْر الوَعْثَة.
وَقَالَ الْفراء: باليَمن جبل يسمَّى الضهْر بالضاد.
قَالَ: وسمِّي ضَهراً، لِأَنَّهُ عالٍ ظَاهر، فقالوه بالضاد ليَكُون فَرْقاً بَين الظَّهر ومَوْضع مَعْرُوف بِضَهْر.
هـ ض ل
اسْتعْمل من وجوهها: هضل، ضهل.
هضل: قَالَ اللَّيْث: الهَيْضَل: جماعةٌ متسلِّحة أمرُهم وَاحِد فِي الحَرْب، فَإِذا جعل اسْما قيل: هَيْضلة.

(6/62)


وَقَالَ أَبُو كَبِير:
أَزُهَير إنْ يَشِب القذالُ فإِنني
رُبَّ هَيْضَلٍ مَصعٍ لَفَفْتُ بهَيْضَلِ
أَبُو عبيد، عَن الْفراء قَالَ: الهَيْضَلة: الضّخْمَة من النِّسَاء النَّصَف، وَمن النُّوق: الغزِيرة، والهَيْضَلة أَيْضا: أصواتُ النَّاس.
وَقَالَ ابنُ الْفرج: هُوَ يَهضِل بالْكلَام وبالشعر ويَهضِب بِهِ: إِذا كَانَ يَسُحُّ سَحّاً، وَأنْشد:
كأَنهنّ بجمَادِ الأجبالْ
وَقد سَمِعْنَ صَوْتَ حادٍ جَلجَالْ
من آخر اللَّيلِ عَلَيْهَا هَضَّال
عِقْبَانُ دَحْنٍ وَمَرازِيحُ الغَال
قَالَ: قيل لَهُ: هَضال لِأَنَّهُ يَهضل عَلَيْهَا بالشِّعْر إِذا حَدَا.
ضهل: قَالَ اللَّيْث: ضَهَلَتِ الناقةُ: إِذا قلَّ لبنُها فَهِيَ ضَهُول؛ وَيُقَال: إِنَّهَا لضُهْلٌ بُهْلٌ: مَا يشدّ لَهَا صِرار، وَلَا يَرْوَى لَهَا حُوار، وَقَالَ ذُو الرمة:
بهَا كلُّ خَوّارٍ إِلَى كلِّ صَعْلةٍ
ضَهُولٍ ورَفضُ المُذْرِعات القَرَاهِب
وَيُقَال: أَعْطيته ضَهلةً من مالٍ: أَي عطيّة قَليلَة، وضَهل الشَّرَاب: قلَّ وَرَقَّ، وضَحَل: صَار كالضَّحْضاخ، وَيُقَال: حَمّة ضاهِلة وعينٌ ضاهِلة نَزْرة، وَقَالَ رؤبة:
يقرُوبهِنَّ الأعينَ الضَّوَاهِلا
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: فَإِن رَجَعْتَ إِلَى الرجل على وجهِ القِتال والمغالبة قيل: ضَهْلتُ إِلَيْهِ، وَيُقَال: هَل ضَهَل إِلَيْكُم من هَذَا الْخَبَر شَيْء: أَي هَل رَجَع، وَيُقَال: ضَهَلْتُ فلَانا أضهَله: إِذا أعطيتَه شَيْئا قَلِيلا من المَاء الضّهْل.
وَقَالَ يحيى بنُ يَعمر لرجل خاصمتْه امْرَأَته إِلَيْهِ وَقد مَنَعها حَقّهَا من المَهْر: أَأَن سأَلتْك ثَمَنَ شكْرِها وشَبْرِك أنشأتَ تطلُلُّها وتَضهَلها ثمنَ فَرْجها. وشَبْره: غشياته إِيَّاهَا. تطلُّها: أَي تدافِعها وتماطِلها. وتَضْهلها أَي تعطيها شَيْئا نزراً قَلِيلا، وَلَا توفِّيها حقَّها من مَهْرها.
أَخْبرنِي ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ضَهَل ماءُ البِئر يَضهَل ضَهْلاً، إِذا اجْتمع شَيء بعد شَيْء؛ وَهُوَ الضَّهْل والضُّهول.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي، عَن التوزيّ أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله: تطلُّها وتَضْهَلها، قَالَ: تُمصِّر عَلَيْهَا العطاءَ أَصْلهَا من بِئْر ضَهول: إِذا كَانَ مَاؤُهَا يخرج من جوانبها. وَإِنَّمَا يغزر مَاؤُهَا إِذا نَبَع من قَرَارهَا.
وَقَالَ الْمبرد فِي قَوْله: تَطُلُّها: أَي تَسْعَى فِي بُطْلان حَقّها، أُخِذ من الدَّم المَطْلول. وشَكْرُها: فَرْجها.
وَيُقَال: ضَهَل الظِّلّ: إِذا رَجَع ضُهُولاً.
وَقَالَ ذُو الرمَّة:
أَفْياءً بَطِياءً ضُهُولُها
وَأما قَوْله:
إِلَى كلّ صَعْلةٍ ضَهُولِ
فإنّ الضَّهُول من نَعْت النَّعامة: أَنَّهَا ترجِع إِلَى بَيْضها.
أَبُو عبيد، عَن الأمويّ: إِذا أَبصَرت فِي البُسْر الرُّطَبَ قلت: أَضْهَلت إضْهالاً.

(6/63)


أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: ضَهْيَل الرجلُ: إِذا طالَ سَفرُه، واستفادَ مَالا قَلِيلا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الضَّهْلُ: المالُ الْقَلِيل.
وَقَالَ أَبُو زيد: الضَّهْلُ: مَا ضَهَل فِي السِّقاء من اللَّبن: أَي اجتَمَع، وَقد ضَهَلَ ضُهُولاً.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال مَا ضَهل عندكَ من المَال؟ أَي مَا اجْتمع عنْدك مِنْهُ.
هـ ض ن
اسْتعْمل من وجوهه: نَهَضَ.
نَهَضَ: قَالَ اللَّيْث: النُّهوض: البَراح من المَوضع. والناهِض: الفَرْخ الَّذِي قد وَفُرَ جَناحاه وَنَهض للطَّيَران، قَالَ لبيد:
رَقَمِيَّاتٍ عَلَيْهَا ناهِضٌ
تُكْلِحُ الأرْوَق مِنْهُم والإيَلّ
أَي عَلَيْهَا ريشُ فرخٍ ناهضٍ من فِراخ النَّسْرة.
قَالَ: ونَهْضُ الْبَعِير: مَا بَين الكَتِف والمنْكِبِ، وَجمعه أنهُض، وَقَالَ هِمْيان بنُ قُحافة:
وقرَّبوا كلَّ جُمالِيّ عَضِهْ
أَبقَى السِّنافُ أَثَراً بأنهُضِهْ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: النَّهْض: الظلْم، وَقَالَ رؤبة:
أما تَرَى الحَجّاجَ يَأْبَى النَّهْضا
قَالَ: والنَّهْض: العَتَب.
وَقَالَ غَيره: طريقٌ ناهِض: أَي صاعد فِي جَبَل، وَهُوَ النَّهْض، وجمعُه نِهاض، وَقَالَ الْهُذلِيّ:
يُتابِعُ نَقْباً ذَا نِهاضٍ فَوْقعُه
بِهِ صُعُداً لَوْلَا المَخافة قاصِدُ
ومكانٌ نهّاض ناهِض: مرتفِع.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ناهضُ الفَرَسِ: خَصِيلةُ عَضُده المنتَبِرة، ويُستَحبّ عِظَمُ ناهِضِ الفَرَس.
وَقَالَ أَبُو دُواد:
نَبِيلُ النَّواهِض والمَنْكِبَين
حديدُ المَحازِم نَابِي المَعَدّ
وَقَالَ النَّضر: نَواهِضُ الْبَعِير: صَدْرُه وَمَا أقّلت يدُه إِلَى كاهِلِه، هُوَ مَا بَين كِرْكِرَته إِلَى ثُغْرة نَحْرِه إِلَى كاهِله، وَالْوَاحد ناهض، والنَّواهض: عِظامُ الْإِبِل وشِدَادُها، وَقَالَ الراجز:
الغَرْبُ غَرْبٌ بَقَريّ فِارِضُ
لَا يَستطِيعُ جَرَّه الغَوامِضُ
إلاّ المُعِيدات بِهِ النَّواهض
والغامِض: العاجِز الصّغير.
وَقَالَ ابْن الفَرج: سمعتُ أَبَا الجَهْم الجعفريّ يَقُول: نَهَضْنا إِلَى الْقَوْم ونغَضْنا إِلَيْهِم بِمَعْنى (وَاحِد) .
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: النِّهاض: العَتَب، والنِّهاض السرعة.
هـ ض ف: (مهمل) .

(6/64)


هـ ض ب
هضب، ضهب، بهض: مستعملان.
هضب: قَالَ اللَّيْث: الهَضْبة: المَطْرة الدائمة، وجمعُها هِضَب. قَالَ: وَتقول: إصابتْهم الهُضوبة من المطَرِ، والجميعُ أهاضِيبِ، وهضَبتْهم السماءُ: إِذا بَلَّتهم بَلاً شَدِيدا. قَالَ: والهَضَبة: كلُّ جَبَل خُلِق من صَخْرة وَاحِدَة، وكلُّ صَخْرة راسيةٍ ضَخْمة تُسَمَّى هَضَبة، والجميع الهِضَاب، والهِضَبُّ: الشَّديد الصُّلْب.
ضهب: وكل قُفَ أَو حَزْن أَو مَوْضع من الجَبَل تَحمَى عَلَيْهِ الشمسُ حَتَّى يَنشوِيَ اللحمُ عَلَيْهِ فَهُوَ الضَّيْهَب، وَأنْشد:
وَغْرتَجِيشُ قُدورُه بضَياهِبِ
هَكَذَا أنْشدهُ اللَّيْث بالضاد والصّواب بصَياهب بالصَّاد، جمع الصَّيْهب: وَهُوَ اليومُ الشَّديد الحرّ.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: إِذا أدخلتَ اللحمَ فِي النّار وَلم تُبالِغ فِي نُضْجِه. قلت: صَهَّبْتُه تَضهيباً فَهُوَ مُضهَّب، إِذا ألقيتَه على الجَمْر.
وَقَالَ اللَّيْث: المضهَّب: اللحمُ الَّذِي قد شُوِيَ على حَجَر مُحْمَى.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الضَّهْباء من القسيِّ: الَّتِي عملتْ فِيهَا النارُ. قَالَ: والضَّبْحاء مثلُها.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهِضَبّ: الشَّديد الصُّلْب وكلُّ قُفّ أَو حَزْن أَو مَوضِع من الجَبَل يَحْمَى فِيهِ فَهُوَ ضَيْهب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهِضَبّ من الخَيْل: الكثيرُ العَرَق، وَقَالَ طَرَفة:
وهِضَبّاتٍ إِذا ابتلّ العُذُرْ
أَبُو الْهَيْثَم: الهَضْبة: دَفعة وَاحِدَة من مَطَر، ثمَّ تَسْتَنّ، وَكَذَلِكَ جَرْيَة وَاحِدَة، وَأنْشد للكميت يصف فرسا:
مُخَيَّفٌ بعضُه وَرْدٌ وسائِرُه
جَوْنٌ أفانينُ إجِريّاهُ لَا هَضَبُ
يُرِيد إجريّاه أفانين لَا هَضَب وإجرياه: جريه، أفانين أَي فنون، لَا هضب أَي لَا فن وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الهَضْبة: الجَبَل يَنبسِط على الأَرْض، وجمعُها هِضاب.
وهَضَبت السماءُ: إِذا دامَ مَطرُها.
وهَضَب فلَان فِي الحَدِيث: إِذا اندفَع فِيهِ فأكثَر، وَقَالَ الشَّاعِر:
لَا أُكثِر القَوْلَ فِيمَا يَهضِبُون بِهِ
من الكلامِ قليلٌ مِنْهُ يَكْفِيني
وَقَالَ النَّضر: يُقَال: رجل هَضَبَة: أَي كثيرُ الْكَلَام.
وَفِي الحَدِيث أنَّ أصحابَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا مَعَه فِي سَفَر فَعرَّسوا وَلم يَنْتَبِهوا حَتَّى طَلَعت الشمسُ والنبيُّ نَائِم، فَقَالُوا: اهضِبُوا معنى اهضبوا أَي تكلمُوا وأفيِضوا فِي الحَدِيث، لكَي يَنتبِه رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكلامهم. يُقَال: هَضَب وأَهْضَب واهْتَضَب: إِذا فَعَل ذَلِك، وَقَالَ الكُميت يصف قوساً:
فِي كفِّه نَبْعةُ مُوَتَّرةٌ
يَهْزِجِ إنْبَاضُها وَيَهْتَضِبُ

(6/65)


أَي يرنّ فيُسمَع لرنينه صَوت.
عَمْرو عَن أَبِيه: هَضَب وأَهضَب وضبَّ وأَضَبَّ، كلُّه: كَلَام فِيهِ جَهارة.
وَفِي (النَّوَادِر) : هَضَب القومُ وضَهَبوا وهَلَبوا وأَلَبوا وحَطبوا، كلّه: الْإِكْثَار والإسراع.
بهض: قَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت أَعْرَابِيًا من أشجَعَ يَقُول: بهضني هَذَا الْأَمر وبَهَظَنِي أَي فَدَحَنِي. قَالَ: وَلم يُتَابِعه على ذَلِك أحد وَالله أعلم.
هـ ض م
اسْتعْمل من وجوهها: هضم.
هضم: قَالَ اللَّيْث: الهاضم: الشادِخُ، لما فِيهِ رخاوة ولين، تَقول: هَضْمته فانهضم كالقَصَبة المهضومة الَّتِي يُرمَى بهَا، وَيُقَال: مِزْمار مُهَضَّم.
وَقَالَ لبيد يصف نَهيقَ حِمار:
يُرَجِّع فِي الصُّوَى بمُهَضَّماتٍ
يَجُبْن الصَّدْرَ مِن قَصَب العوالي
قيل: شَبَّه مخارجَ صوتِ حَلْقِه بمُهَضَّماتِ المزامير.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله عز وَجل: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} (الشُّعَرَاء: 148) قَالَ: هضيم مَا دَامَ فِي كَوافيره. قَالَ: والهضيم: اللّيِّن. والهضيم: اللَّطِيف: والهضيم: النضيج.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: {طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قَالَ: مَرِيء. وَقيل: هضيم: ناعم، وَقيل: هضيم: مُنهَضِمٌ مدرِك.
وَقَالَ الزّجاج: الهضيم: الداخلُ بعضُه فِي بعض، وَهُوَ فِيمَا قيل: إنّ رُطَبه بِغَيْر نَوَى: وَقيل الهضيم: الَّذِي يتهَشَّم تهشُّماً.
وَقَالَ الْأَثْرَم: يُقَال للطّعام الَّذِي يُعمل فِي وَفَاة الرّجل: الهضيمة، والجميع الهضائم.
وَقَالَ اللَّيْث: فِي قَوْله: {طَلْعُهَا هَضِيمٌ} (الشُّعَرَاء: 148) قَالَ مَهْضوم فِي جَوْف الجفّ منهضم فِيهِ.
قَالَ: وَيُقَال: هَضَمْتُ من حَظِّي طَائِفَة: أَي تركتُه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الهَضْم مصدرَ هَضَمهُ يهضِمه هضْماً: إِذا ظَلَمه، وَيُقَال: هَضَم لَهُ مِن حقّه: إِذا كَسر لَهُ مِنْهُ، قَالَ: والهِضْمُ: المطمئن من الأَرْض، وَجمعه أَهضام وهُضوم، وَقَالَ ذُو الرمة:
حَتَّى إِذا الوَحْش فِي أَهْضام مَوْرِدِها
تغيّيتْ رابها من خيفةٍ رِيبُ
وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث: فِي أَهضام الأَرْض.
أَبُو عبيد: الأهْضام: البَخُور، وَاحِدهَا وَاحِدهَا هَضْمة.
وَإِذا مَا الدُّخان شُبِّه بالآ
نفِ يَوْمًا بشَتْوةٍ أَهضاماً
يَعْنِي من شدَّة الزَّمَان وكَلَب الشتَاء والبَرْد. وأهضام تَبَالةَ: مَا اطْمَأَن مِن الأرَضين بَين جبالها، قَالَ لبيد:
هَبَطا تَبالةَ مُخْصِباً أَهْضَامُها
وَقَالَ اللَّيْث: الأهْضام قُرَى تَبالةَ، وتبالةُ بلد مُخصب مَعْرُوف.

(6/66)


قَالَ: والمهْضومة: ضَربٌ من الطِّيب يُخْلَط بالمسْك والبان.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المتهَضَّم والهضيمُ جَمِيعًا: الْمَظْلُوم.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أهضم المُهْرُ للأرباع.
وَقَالَ أَبُو الجرّاح: أهضمت الناقةُ للأرباع وَقَالَ أَبُو زيد مِثله، وَكَذَلِكَ الغَنَم يُقَال لَهَا أَهْضَمَتْ وَأَدْرَمَتْ وَأَفَرَّت.
شمر عَن أبي عَمْرو: الهَضْم: مَا تطَامَنَ من الأَرْض، وجمعُه أهضام. قَالَ: وَقَالَ المؤرِّج: الأهضام: الغُيوب، وَاحِدهَا هَضْم، وَهُوَ مَا غَيَّبها عَن النَّاظر. وَقَالَ ابْن شُميل: مسْقط الْجَبَل، وَهُوَ مَا هَضَم عَلَيْهِ: أَي مَا دنَا مِنْهُ. وَيُقَال هَضَم فلانٌ على فلَان: أَي هَبَط عَلَيْهِ، وَمَا شَعرُوا بِنَا حَتَّى هَضَمْنا عَلَيْهِم أَي هجمنا عَلَيْهِم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ الهِضْم بِكَسْر الْهَاء: مَا اطمأنّ من الأَرْض.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالصَّاد)
هـ ص س هـ ص ز هـ ص ط: مهملات.
هـ ص د
اسْتعْمل من وجوهه: صهد.
صهد: قَالَ اللَّيْث: الصَّيْهَد: الطَّويل، والصَّيهود الجسيم.
أَبُو عبيد: الصَّيْهد: السَّراب الْجَارِي: قَالَ أُميَّة الهذليّ:
من صَيْهَد الصَّيْف بَرْدَ السِّمَال
وَأنكر شمر الصَّيْهد بِمَعْنى السّراب، وَقَالَ: صَيْهد الحرِّ: شدته. قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَالْفراء، وَيَوْم صَيْهدٌ وصَيْهَبٌ وصَيْخُودٌ، وَقد صَهَدهم الحرّ وصَخَدهم وصهرهم، بِمَعْنى وَاحِد، وفَلاةٌ صَيْهد: لَا يُنالُ ماؤُها.
وَقَالَ مزاحِم العقيليّ:
إِذا عرضتْ مَجهولةٌ صَيْهدِيَّة
مَخُوفٌ ردَاها من سَرابٍ ومِغْوَل
قَالَ: وَمَا غالَك وأهلكك فَهُوَ مِغْوَل.
هـ ص ت هـ ص ظ هـ ص ذ هـ ص ث: أهملت وجوهها.
هـ ص ر
هصر، هرص، رهص، صهر: مستعملة.
هصر: قَالَ اللَّيْث الهَصْرُ: أَنْ تأخُذَ بِرَأْس شَيْء ثمَّ تكسره إِلَيْك من غير بينونة، وَأنْشد قَوْله:
هَصَرْتُ بغصنٍ ذِي شماريخَ مَيّالِ
أَبُو عبيد: هَصَرت الشَّيْء وَوَقَصته: إِذا كَسرته، واهَتَصرْتُ النَّخْلَة: إِذا ذلَّلْتَ عُذوقَهَا وسوّيتها، وَقَالَ لبيد يصفُ النَّخل
جَعْلٌ قِصارٌ وعَيْدانٌ يَنُوءُ بِهِ
مِن الكوافِر مَهضومٌ ومُهْتَصَرُ
ويُروَى: مَكمُوم: أَي مُغطَّى.
وَقَالَ اللَّيْث: أسدٌ هَصُور وهَصَّار. قَالَ: والمُهاصِرِيّ: ضَرْب من بُرُود اليَمَن.
هرص: أهمله اللَّيْث. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الفرّاء: هَرَّصَ الرّجل: إِذا اشتَعَل بدنُه حَصَفاً، قَالَ: وَهُوَ الحَصَف

(6/67)


والهَرَص والدُّود والدُّوَاد، وَبِه كُنِيَ الرجلُ: أَبَا دُواد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهِرِنْصانَة: دُودةٌ، وَهِي السُّرْفة.
صهر: قَالَ اللَّيْث: الصِّهْر: حُرمة الخُتونة. قَالَ: وخَتَنُ الرَّجُلِ: صِهْرُه، والمتزوَّج فيهم: أصْهارُ الخَتَن وَلَا يُقَال لأهل بَيت الخَتَن إلاَّ أَخْتان، وأهلُ بيتِ الْمَرْأَة أصْهار.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يجعلُهم كلَّهم أصهاراً وصهراً، وَالْفِعْل: المُصَاهرةُ.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: أصْهَر بهم الخَتَن، أَي صَار فيهم صِهْراً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي نصر عَن الأصمعيِّ، قَالَ: الأَحْماءُ من قِبَلِ الزَّوْج، والأخْتَانُ من قبل الْمَرْأَة، والصِّهْر يجمعهما، قَالَ: لَا يُقَال غيرُه، وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
أَبُو عبيد، يُقَال: فلَان مُصهِر بِنَا وَهُوَ من الْقَرَابَة، قَالَ زُهَيْر:
قَوْدُ الجِيادِ وإصْهارُ الملوكِ وصَبْ
رٌ فِي مواطنَ لَو كَانُوا بهَا سَئِمُوا
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} (الفُرقان: 54) ، قَالَ الْفراء: أما النّسَب فَهُوَ النّسَب الَّذِي لَا يَحِلُّ نِكَاحه، وَأما الصِّهْر فَهُوَ النَّسبُ الَّذِي يحلُّ نكاحُه كبنات الْعم وَالْخَال وأشباههِنَّ من الْقَرَابَة الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجهَا.
وَقَالَ الزّجاج: الأصهار من النّسَب لَا يجوز لَهُم التَّزْوِيج، وَالنّسب الَّذِي لَيْسَ بصهر، من قَوْله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (النِّساء: 23) إِلَى قَوْله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاُْخْتَيْنِ} (النِّساء: 23) . قلت: وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير النّسَب والصِّهر خلافَ مَا قَالَ الْفراء جملَة، وخلافَ بعض مَا قَالَه الزّجاج، فحدثنا مُحَمَّد بن إسحاقَ قَالَ: حَدثنَا الزعفرانيّ قَالَ: حَدثنَا يزيدُ بن هَارُون، قَالَ: أخبرنَا الثَوْرِيُّ عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيدِ بن جبيرٍ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حرم الله من النَّسب سبعا وَمن الصِّهر سبعا: حرِّمتْ عَلَيْكُم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعماتُكم وخالاتُكم وَبَنَات الْأَخ وبناتُ الْأُخْت من النّسَب، وَمن الصِّهر: (وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرَّضاعة، وأمهاتُ نِسَائِكُم، ورَبائِبُكم اللَّاتِي فِي حجورِكم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن، وحلائل أَبْنَائِكُم وَلَا تنْكِحُوا مَا نكَح آباؤكم من النِّسَاء، وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ.
قلت: وَقَالَ الشَّافِعِي فِي النّسَب والصهر نَحوا مِمَّا روينَا عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الشَّافِعِي: حرم الله سبعا نسبا وَسبعا سَببا، فَجعل السَّبَب الْقَرَابَة الْحَادِثَة بِسَبَب الْمُصَاهَرَة والرَّضاع، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا ارتياب فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَّهْرُ إذابة الشَّحْم، والصُّهارة مَا ذاب مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الإصهار فِي إذابته أَو أكْلِ صُهارتِه، وَقَالَ العجاج:
شَكَّ السفافيدِ الشِّوَاء المُصْطَهَرْ

(6/68)


والصَّهِير: المشويُّ، وَيُقَال للحِرباء إِذا تلألأ ظَهره من شدَّة الْحر قد صَهَرَهُ الحرُّ، واضطهر الحرباء. وَقَالَ الله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} (الحَجّ: 20) أَي يذاب.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} أَي يغلي بِهِ مَا فِي بطونهم حَتَّى يخرج من أدبارهم.
الحرّاني عَن ابْن السِّكِّيت: صَهرتْهُ الشَّمْس وصَهَرَتْهُ: إِذا اشْتَدَّ وقعها عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن اليزيديّ، عَن أبي زيد فِي قَوْله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} ، قَالَ: هُوَ الإحراقُ، صَهَرْتُه بالنَّار: أَنضجتُه أصْهَرُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لما أُذيب من الشَّحْم: الصُّهَارة والجميل، وَمَا أُذيب من الألية فَهُوَ حَمٌّ، إِذا لم يبْق فِيهِ وَدَكٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: صَهَر خبزَه إِذا أَدَمَه بالصُّهارة، فَهُوَ خبز مصهور وصَهِير.
وَفِي الحَدِيث: أَن الْأسود كَانَ يَصْهَرُ رجلَيْهِ بالشحم وَهُوَ مُحْرِم، أَرَادَ أَنه كَانَ يَدْهُنُهما.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال صَهَرْتُ فلَانا بِيَمِين كَاذِبَة أَي اسْتَحْلَفته بِيَمِين كَاذِبَة توجب لَهُ النَّار.
وَقَالَ النَّضر: الصِّهْري: الصِّهريج، وَذَلِكَ أَنهم يأْتونَ أسفلَ الشُّعْبة من الْوَادي الَّذِي لَهُ (مَأْزِمَانِ) فيبنُون بَينهمَا بالطين وَالْحِجَارَة فيترادُّ الماءُ، فيشربون بِهِ زَمَانا، قَالَ: وَيُقَال: تَصَهْرَجوا صِهْرِياً.
وَقَالَ غَيره: صَهَر فلانٌ رأسَه صَهْراً، إِذا دَهَنه بالصُّهارة، وَهُوَ مَا أُذيب من الشَّحْم، وَقَالَ اللَّيْث: الصَّيْهُور مَا يُوضَع عَلَيْهِ متاعٌ الْبَيْت من صُفْر أَو شَبَهٍ أَو نحوِه.
رهص: قَالَ اللَّيْث: الرَّهْص أَن يُصِيب حجرٌ حافراً أَو مَنْسِما فَيدْوَى بَاطِنه، يُقَال: رَهَصه الحجرُ، ودابةٌ رَهِيصٌ ومَرْهُوص، والمَرْهَصُ: مَوضِع الرَّهصة وَأنْشد:
على جِمَالٍ تَهِصُ المراهصا
قَالَ: والرَّهْص شدةُ العَصَر، وَقَالَ شمر: فِي قَول النمر بن تولب يصف جملا:
شديدُ وهْصٍ قَلِيل الرَّهْص معتدلٌ
بصفحتيه من الأنساع أَنْدَابُ
وَقَالَ: والوَهْصُ: الوطْءُ، والرَّهْصُ: الغَمْز والعِثار. وَقَالَ أَبُو الدُّقيْش: للْفرس عِرْقان فِي خيشومه، وهما الناهقان، وَإِذا رُهِصَهُما مَرِض لَهما، قَالَ: والرهَّص أَسْفَل عرق فِي الْحَائِط، ويُرْهَص الْحَائِط بِمَا يقيمه، إِذا مَال. أَبُو عبيد عَن أبي زيد رُهِصَت الدَّابَّة وَالله أرهصها، ووُقِرَتْ وَالله أَوْقَرَها من الرَّهصة والوَقْرة. قَالَ ثَعْلَب: رُهِصَتْ الدابةُ أفصَح من رَهِصَتْ. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الرَّواهص الْحِجَارَة المتراصِفة الثَّابِتَة، قَالَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَرَاهِص الدَّرَج واحدتها مَرهَصة: وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَفُضِّلَ أقوامٌ عَلَيْك مَرَاهِصاً
وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضا فِي الرَّواهص:
فعَضَّ جَديدَ الأَرْض إِن كنت ساخطاً
بفيكَ وأحجار الكُلاَبِ الرَّوَاهِصَا
وَقد أرهص الله فلَانا للخير أَي جعله معدناً للخير ومأتًى، ابْن شُمَيْل: يُقَال

(6/69)


رهصَه بدَيْنِه رَهْصاً وَلم يُعتِّمْه أَي أَخذه أخذا شَدِيدا على عسْره ويُسره، فَذَلِك الرَّهْصُ، وَقَالَ آخر: مَا زلتُ أُرَاهِصُ غَريمي مذ الْيَوْم، أَي أرْصُدُه، وَقَالَ: رَهَصني فلَان فِي أَمر فلَان أَي لاَمَني، قَالَ، وَقَالَ آخر: رهصني فِي الْأَمر أَي استعجلني فِيهِ.
هـ ص ل
اسْتعْمل من وجوهه: صَهل.
صَهل: قَالَ اللَّيْث: الصَّهِيل للخيل، وَقد صَهِلَ الْفرس يَصْهَل صَهيلاً، وَقَالَ النَّضر: الصاهل من الْإِبِل: الَّذِي يَخْبِط ويَعَضُّ وَلَا يرغُو بِوَاحِدَة من عزة نَفسه، يُقَال: جَملٌ صَاهِل، وَذُو صَاهِل، وناقة ذاتُ صاهل، وَبهَا صاهل، وَأنْشد:
وَذُو صاهل لَا يأمَن الخَبْطَ قائدُه
وَجعل ابنُ مُقْبل للذِّبَّانِ صواهلَ فِي العُشْب يُرِيد بهَا غُنَّة طيرانِها فَقَالَ:
كَأَن صَوَاهِلَ ذِبانِهِ
قُبَيْلَ الصَّباحِ صَهِيلُ الحُصُنْ
وَجعل أَبُو زيد لأصواتِ الْمساحِي الَّتِي يُحْفَرُ بهَا صواهلَ فَقَالَ:
لَهَا صَوَاهلُ فِي صُمِّ السِّلاَمِ كَمَا
صَاحَ القَسِيَّاتُ فِي أَيدي الصَّياريف
والصَّواهل: جمع الصاهلة، مصدر على فاعلة بِمَعْنى الصَّهِيل وَهُوَ الصَّوْت، وَأنْشد الفَرَّاء:
فُرادَ ومَثْنَى أَصْعَقَتْها صَوَاهِلْه
وَمن المصادر الَّتِي جَاءَت على فاعلة وفواعل قَوْلهم: سَمِعْتُ رَوَاغِيَ الْإِبِل وثَوَاغِيَ الشَّاء، يُرِيدُونَ سمعنَا رُغاءَها وثُغاءَها، وَيُقَال: فِي صَوته صَهَلٌ وصَحَلٌ وَهُوَ بَحَّةٌ فِي الصَّوْت.
هـ ص ن: مهمل.
هـ ص ف: مهمل.
هـ ص ب
اسْتعْمل من وجوهه: صهب، هبص.
صهب: قَالَ اللَّيْث: الصَّهَب والصُّهْبَة: لون حمرَة فِي شعر الرَّأْس واللحية، إِذا كَانَ فِي الظَّاهِر حُمْرة، وَفِي الْبَاطِن سَواد، وَكَذَلِكَ فِي لون الْإِبِل، يُقَال: بعير أَصْهب وصُهَابِيٌّ، وناقةٌ صهباء وصُهَابِيَّة، وَقَالَ طَرَفَةُ:
صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُؤْجَدَةُ القَرَى
بعيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليدِ
وَإِذا لم يضيفوا الصُّهَابِيَّة فَهِيَ أَوْلَاد صُهَاب، قَالَ ذُو الرمة:
صُهَابِيَّةٌ غُلْبُ الرِّقاب كَأَنَّمَا
يُنَاطُ بألْحَيْهَا فرَاعِلَةٌ غُثْر
قيل: نسبت إِلَى فَحْل فِي شِقِّ الْيمن.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الأصهب: قريب من الأصبَح.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأصهب من الْإِبِل: الَّذِي احمرَّ أعالي وبَرِه وابيضَّ أجوافُهُ، وَلَيْسَت أجوافه بالشديدة البياضِ وأَقْرابُه، ودُفُوفُه فِيهَا، تَوَضَّح، أَي بَيَاض، قَالَ: والأصهب: أقل بَيَاضًا من الآدَم، فِي أعاليه كُدْرة، وَفِي أسافله: بَيَاض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الأصْهَب من الْإِبِل: الْأَبْيَض.

(6/70)


وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الآدمَ من الْإِبِل: الْأَبْيَض، فَإِن خالطتْه حمرَة فَهُوَ أصهب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ حُنَيْفُ الحَناتِم، وَكَانَ آبَلَ النَّاس: الرَّمكاءُ بُهْيَا، والحمراءُ صُبْرَى والخَوَّارة غُزْرَى، والصَّهْباء سُرْعَى، قَالَ: والصُّهْبَةُ أشهر الألوان وأحسنُها حِين يُنْظَر إِلَيْهَا، وَيُقَال: جمل صَيْهَبْ وناقة صَيْهَبة: إِذا كَانَا شديدين، شُبِّها بالصَّيْهب، الْحِجَارَة، وَقَالَ هميان:
حَتَّى إِذا ظَلماؤها تكشفت
عني وَعَن صَيْهبةٍ قد شرفت
أَي عَن نَاقَة صلبة قد تَحَنَّتْ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للجراد صُهَابِية، وَأنْشد:
صُهابِيّةٌ زُرْقٌ بعيدٌ مَسِيرُها
وَيُقَال للظَّليم: أصْهبُ البَلَدِ، أَي جِلْدُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الصَّيْهَبُ: الْحِجَارَة.
قَالَ شمر، وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الأَرْض المستوية، وَقَالَ الْقطَامِي:
حَدَا فِي صَحَارَى ذِي خِماس وعَرْعَرٍ
لِقَاحاً يُغَشِّيها رؤوسَ الصَّيَاهبِ
وَقَالَ شمر: وَيُقَال: الصَّيْهَبُ: الموضعُ الشديدُ، قَالَ كثير:
على رَحَبٍ يَعْلُو الصياهبَ مَهْيَعٍ
شمر عَن الْأَصْمَعِي وَالْفراء: يَوْمٌ صَيْهَبٌ وصَيْهَدٌ: شديدُ الحَرِّ، وَبَين الْبَصْرَة والبحرين عَيْنٌ تُعْرَفُ بِعَين الأصهب، وَقَالَ ذُو الرمة فجمَعه على الأصْهَبيَّات:
دعاهنَّ من ثاجٍ فأزمعنَ وِرْدَ
أَو الأصْهَبيَّات العيونُ الشَّوائح
وصُهاب: موضعٌ. وإبلُ صُهَابيَّةٌ: منسوبة إِلَى صُهاب، وَهُوَ اسْم فَحل، وَالْمَوْت الصُّهابيّ: الشَّديد، كالموت الْأَحْمَر، قَالَ الجعديّ:
فَجِئْنَا إِلَى الْمَوْت الصُّهابيِّ بَعْدَمَا
تجرَّدَ عُرْيَانٌ من الشَّرِّ أحدبُ
هبص: قَالَ اللَّيْث: الهَبَص من النَّشاط أَو العَجَلة، وَيُقَال للكلب قَدْ هَبِص هَبَصاً، إِذا حَرَصَ على الصَّيْد أَو الشَّيْء يأكُله فتراه قلقاً لذَلِك، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان الهَبِصُ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الهَبْصُ: النشاط، وَقد هبِص هَبَصاً، وَهُوَ يهبَصُ.
وَقَالَ غَيره: هُوَ يَعْدُو الهبَصَى، وَأنْشد:
كذَنَبِ الذِّئْب يُعَدِّي الهبَصَى
هـ ص م
هصم، صهم: (مستعملان) .
هصم: قَالَ اللَّيْث: الهيْصَم من أَسمَاء الْأسد، وَهُوَ الهصَمْصَمُ، لِشِدَّتِهِ وصولته.
وَقَالَ غَيره: أُخذ من الهصْم وَهُوَ الكَسْر، يُقَال: هَصَمه وهَزَمه، إِذا كَسره.
صهم: قَالَ اللَّيْث: الصِّهْمِيمُ: من نعت الْإِبِل فِي سُوء الخُلق، وَقَالَ رؤبة:
وخَبْطُ صِهْمِيمِ اليَدَيْنِ عَيْدَهِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصِّهْمِيمُ من الرِّجَال: الَّذِي يركبُ رأسَه وَلَا يَثْنِيه شيءٌ عَمَّا يُرِيد ويَهْوَى.
رَوَاهُ أَبُو عبيد عَنهُ.

(6/71)


وَقَالَ أَبُو عمر: الصِّهْمِيمُ: الْجمل الَّذِي لَا يَرْغُو أَيْضا، وَقيل: الصِّهْمِيمُ: السيِّدُ الشريفُ من النَّاس، وَمن الْإِبِل: الْكَرِيم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: إِذا أعطيتَ الكاهنَ أجرته فَهُوَ الحُلْوان والصِّهْمِيمُ، وَرجل صِيَهْمٌ وَامْرَأَة صِيَهْمَةٌ، وَهُوَ الضَّخْم والضَّخْمَةُ، وجَمَلٌ صِيَهْمٌ: ضخمٌ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وَمَلٌّ صِيَهْمٌ ذُو كراديسَ لم يكن
أَلُوفاً وَلَا صَبَّاً خِلافَ الرَّكائبِ
وَقَالَ بَعضهم: الصِّيَهْمُ الشديدُ من الْإِبِل، وكل صَلْبٍ شديدٍ فَهُوَ صِيَهْمٌ صِيَمٌّ وَكَانَ الصِّهمِيمُ مِنْهُ، وَقَالَ مُزَاحم:
حَتَّى اتَّقَيْتَ صِيَهْماً لَا تُوَرِّعُه
مثلُ اتقاء القَعُود القَرْمَ بالذَّنَب
لَا تُوَرِّعُه: لَا تكفُّه.

(6/72)


أَبْوَاب الْهَاء وَالسِّين
هـ س ز: مهمل
هـ س ط
طمس: قَالَ أَبُو تُرابٍ: سمعتُ عَرَّاماً يَقُول: طَمَّسَ فِي الأرْض، وطَهَّس: إِذا دخل فِيهَا؛ إمَّا راسِخاً، وإمّا واغِلاً، وقالَه شُجَاعٌ أَيْضا بِالْهَاءِ.
هـ س د
سهد، دهس: مستعملان.
سهد: قَالَ اللَّيْث: السَّهَدُ، السُّهَاد: نقيض الرُّقاد، وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَرِقْتُ وَمَا هَذَا السُّهاد المؤرِّقُ
وَيُقَال: مَا رَأَيْت من فلَان سَهْدةً: أَي أمرا أعْتَمِدُ عَلَيْهِ من بركَة أَو خيْرٍ، أَو كلامٍ مُطْمِع. وسَهْدَدُ: اسْم جبل، لَا ينْصَرف.
وَقَالَ غَيره: فلانٌ ذُو سَهْدةٍ: أَي ذُو يَقَظَةٍ، وَهُوَ أَسْهَدُ رَأيا مِنْك، وَفُلَان يُسَهَّدُ: أَي لَا يُتْرَكُ أَن ينَام، وَمِنْه قَول النَّابغة:
يُسَهَّدُ من نَوْم العِشاءِ سليمها
لِحَلْي النِّساء فِي يَدَيْهِ قَعَاقِعُ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: للْمَرْأَة إِذا وَلَدَتْ وَلَدَهَا بزَحْرةٍ واحدةٍ: قد أَمْصَعَتْ بهِ، وأُحْفِدتْ بِهِ، وأَسْهَدَتْ بِهِ وأَمْهَدَتْ بهِ، وحَطَأَتْ بهِ.
شمر: يُقَال: غُلامٌ سَهْوَدٌ: إِذا كَانَ غَضَّا حَدَثاً، وَأنْشد:
وَلَيْتَهُ كانَ غُلاماً سَهْوَدَا
إِذا عَسَتْ أغْصَانُهُ تجدَّدَا
أَبُو عبيد فِي بَاب الإتْباع: هُوَ سَهْدٌ مَهْدٌ أَي حَسَن.
دهس: قَالَ اللَّيْث: الدُّهْسَةُ: لَوْن كلَوْنِ الرِّمال وألوانِ المعزى. قَالَ العجاج:
مُوَاصلاً قَفَّاً بِلَوْنٍ أدْهَسَا
أَبُو زيد: من المِعْزَى الصَّدْآء، وَهِي السَّوْدَاءُ المُشْرَبةُ حُمْرةً، والدَّهْسَاءُ أَقَلُّ مِنْهَا حُمْرةً.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهاسُ: مَا كَانَ من الرّمْل وَكَذَلِكَ لَا يُنْبِتُ شَجرا، وتَغِيبُ فِيهِ القوائم، وَأنْشد:
وَفِي الدَّهَاسِ مِضْبَرٌ مُوائِمُ
غَيره: رجُلٌ دَهَاسُ الخُلُق: أَي سَهْلُ الخُلُق دَمِثُه، وَمَا فِي خلقه دهاسة.
الأصمعيّ: الدَّهاسُ كل لَيِّنِ لَا يَبْلُغُ أَن يكون رَمْلاً، وَلَيْسَ بِتُرَاب، وَلَا طين، والوعْثُ: كلُّ ليِّن سَهْلٍ، وَلَيْسَ بِكَثِير الرَّمْل جدّاً.

(6/73)


ورُوِي عَن المؤرِّج أَنه قَالَ: يُقَال للأسد: هَسَد، وَأنْشد:
فَلاَ تعْيَا مُعاوِيَ عَنْ جوابي
وَدَعْ عَنْك التعزّز للهِسَاد
أَي لَا تتعزَّر لِلأُسْدِ فإنَّها لَا تذلّ لَك. وَيُقَال للشجاع: هَسَدٌ مِنْ هَذَا. قلت: وَلم أسْمَع هَذَا لِغَيْرهِ.
هـ س ت
اسْتعْمل من وجوهه: سَتَه.
سته: قَالَ اللَّيْث: السَّتَةُ: مصدر الأَسْتَهِ، وَهُوَ الضّخْمُ الاسْتِ.
وَيُقَال للواسعة من الدُّبُر: سَتْهاء، وَسُتْهُمٌ، وتصغيرُ الآست سُتَيْهَةٌ، والجميع الأسْتَاه قلت: يُقَال: رَجُل سُتْهُمٌ: إِذا كَانَ ضخمَ الاسْتِ؛ وسُتَاهِيٌّ مثله، وَالْمِيم زَائِدَة.
وَقَالَ النحويون: أصل الاست: سَتْهٌ، فاستثقلوا الْهَاء لسكون التَّاء، فَلَمَّا حذفوا الْهَاء سُكِّنت السِّين، فاحتيج إِلَى ألف الوصْلِ، كَمَا فُعِل بِالِاسْمِ، وَالِابْن، فَقيل: الاسْت.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: السَّهْ بِالْهَاءِ عِنْد الْوَقْف: يَجْعَل التَّاء هِيَ الساقطة، وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا هَاء عِنْد الْوَقْف، وتاء عِنْد الإدراج، فَإِذا جمعُوا، وَصَغَّروا رَدُّوا الْكَلِمَة إِلَى أَصْلهَا، فَقَالُوا فِي الْجمع: أستاه، وَفِي التصغير: سُتَيْهَة، وَفِي الْفِعْل: سَتِهَ يَسْتَهُ فَهُوَ أَسْتَهُ.
قلت: وللعرب فِي الاسْتِ أَمْثالٌ أَنا أَذكرها: فَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تَقول العَرَب: مالَكَ اسْتٌ مَعَ اسْتِك: إِذا لم يكن لَهُ عددٌ، وَلَا ثَرْوَةٌ، وَلَا عُدَّة، يَقُول: فاسْتُهُ لَا تُفارقُه، وَلَيْسَ مَعهَا أُخْرَى من رِجالٍ وَمَال.
وَقَالَ أَبُو زيد: وَقَالَت العَرَب: إِذا حَدَّث رجل حَدِيثا فَخَلَّط فِيهِ: أحاديثَ الضَّبُع اسْتَها، وَذَلِكَ أَنَّهَا تمرّغُ فِي التُّراب ثمَّ تُقْعِي فتتغَنَّى بِمَا لَا يَفْهَمُهُ أَحدٌ، فَذَلِك أحاديثُها اسْتَهَا.
وَالْعرب تضع الاستَ موضِعَ الأصْل فَتَقول: مَالك فِي هَذَا الْأَمر اسْتٌ وَلَا فَمٌ: أَي مَالك فِيهِ أصْلٌ وَلَا فَرْع، وَقَالَ جرير:
فَمَا لَكُمْ اسْتٌ فِي العُلا لاَ ولاَ فَمُ
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبَيدة: يُقَال: كَانَ ذَلِك على اسْتِ الدَّهْر، وعَلى أُسِّ الدَّهر: أَي على قِدَم الدَّهر، وأنشدني أَبُو بكر:
مَا زَالَ مَجْنُوناً على اسْتِ الدَّهْرِ
فِي بَدَنٍ يَنْمِي وعقلٍ يَحْرِى
وَمن أمثالِ الْعَرَب فِي عِلْم الرّجل بِمَا يَلِيهِ دون غَيره قَوْلهم: (استُ البائِنِ أَعْلَم) ، والبائِنُ: الحالِب الَّذِي لَا يَلي العُلْبة، وَالَّذِي يلِي العُلْبة يُقَال لَهُ المُعلِّي، وَيُقَال للرجل الَّذِي يُستَرَكُّ ويُسْتَضعَفُ: استُ أمِّك أَضْيَقُ، واسْتُكَ أَضْيَقُ من أَن تَفعَل كَذَا وَكَذَا، وَيُقَال للقومِ إِذا اسْتُذِلُّوا واسْتُخِفّ بهم واحتقروا: باسْتِ بني فُلاَن، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فباسْتِ بني عَبْسٍ وَأَسْتَاهِ طيِّىء
وباسْتِ بني دُودَان حاشا بني نَصْرِ

(6/74)


وَمن أمثالهم فِي الرجل الَّذِي يُسْتَرْذَل: هُوَ الاسْتُ السفْلَي، أَو هُوَ السَّهُ السُّفْلَى. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
شَأَتكَ قُعَيْنٌ: غَثُّها وَسَمِينُها
وأَنتَ السَّهُ السُّفْلَى إِذا دُعِيَتْ نَصْرُ
وَيُقَال لأراذل النَّاس: هَؤُلَاءِ الأَسْتَاه ولأفاضلهم: هَؤُلَاءِ الْأَعْيَان، وَهَؤُلَاء الْوُجُوه، وَيُقَال: سَتهْتُ فُلاَناً أسْتَهُهُ، إِذا ضَرَبْتَ استَه.
وَقَالَ شمر فِيمَا قرأتُ بخطِّه: الْعَرَب تُسَمّي بني الأمَة: بني اسْتها، قَالَ: وَأَقْرَأنِي ابْن الْأَعرَابِي للأعشى:
أَسَفَهاً أَوْعَدْتَ يابْنَ اسْتها
لَسْتَ على الأعداءِ بالقادِرِ
وَيُقَال للّذي ولَدَته أَمَةٌ: يابنَ اسْتَها، يعنون اسْتَ أَمَةٍ ولَدَته) أَنه وُلِدَ من اسْتها، وَمن أمثالهم فِي هَذَا الْمَعْنى قَوْلهم: يَا بن اسْتها، إِذا حَمَضَتْ حِمَارَها.
قَالَ المؤرِّج: دخل رجل على سُلَيْمَان بن عبد المَلِك وعَلى رَأسه وصِيفةٌ رَوْقَةٌ فأَحَدَّ النظرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: أَتعْجِبُك؟ فَقَالَ: بَارك الله لأمير الْمُؤمنِينَ فِيهَا، فَقَالَ: أُخْبِرْني بِسَبْعَةِ أمثالٍ قيلت فِي الاسْت وَهِي لَك، فَقَالَ الرجل: اسْتُ البائِن أَعْلمُ، فَقَالَ: وَاحِد، قَالَ صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَه، قَالَ: اثْنان، قَالَ: اسْتٌ لم تُعَوَّد المِجْمَر، قَالَ: ثَلَاثَة، قَالَ: اسْتُ الْمَسْئُول أَضْيَقَ، قَالَ: أَرْبَعَة، قَالَ: الحرّ يُعْطي وَالْعَبْد يألم اسْتَه، قَالَ: خَمْسَة، قَالَ: استِي أَخبثي، قَالَ: ستَّة، قَالَ: لَا ماءَكِ أَبقيت، ولاَ هَنَك أَنْقَيْتِ.
قَالَ سُلَيْمَان: لَيْسَ هَذَا فِي هَذَا، قَالَ: بلَى، أخذت الجارَ بالجار كَمَا يأخُذُ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهُوَ أوَّلُ من أخَذَ الْجَار بالجار قَالَ. خُذْها لَا بَارك الله لَك فِيهَا، قَوْله: صَرَّ عَلَيْهِ الغزوُ اسْتَه، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَن يُجَامِع إِذا غَزَا.
وَفِي حَدِيث المُلاَعَنَةِ: إنْ جَاءَت بِهِ مُستَهاً جَعْداً فَهُوَ لفُلَان، وَإِن جَاءَت بِهِ حَمْشاً فَهُوَ لزوجِها؛ أَرَادَ بالمُسْتَهِ: الضَّخْمَ الأَلْيَتَيْنِ، كأنَّهُ يُقَال: أُسْتِهَ يُسْتَهُ فَهُوَ مُسْتَهٌ، كَمَا يُقَال: أُسْمِنَ فَهُوَ مُسْمَن: ورأيتُ رجلا ضَخْمَ الأَرْدَاف كَانَ يُقَال لَهُ: أَبُو الأستاه.
هـ س ظ
هـ س ذ هـ س ث: أهملت وجوهها.
هـ س ر
هرس، هسر، سهر، رهس: مستعملة.
سهر: قَالَ اللَّيْث: السَّهَر: امْتنَاع النَّوْم باللَّيل: تَقول: أسْهَرَنِي همٌّ فَسَهِرْتُ لَهُ سَهَراً. قَالَ: والسَّاهُور مِنْ أسْمَاء القَمَر؛ وَقَالَ غَيره: السَّاهُور للقمر كالغِلاف للشَّيْء، وَمنه قَول أمَيّة:
قَمَرٌ وَسَاهُورٌ يُسَلُّ ويُغمَّدُ
قَالَه القُتَيْبِيُّ: قَالَ ابْن دُرَيد: السَّاهُور: الْقَمَر بالسُّرْيانيّة، وَوَافَقه أَبُو الهَيْثم، وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ الشَّاعِر:
كأنَّها بُهْثَةٌ تَرْعَى بأَقْرِيَةٍ
أَو شُقّةٌ خَرَجَتْ من جَنْبِ سَاهورِ
البهْثَة: الْبَقَرَة، والشُّقَة: شُقَّةُ القَمَر، والسّاهور: الْقَمَر، كَذَا كتبه أَبُو الهيْثم؛

(6/75)


ويُرْوَى: مِنْ جَنْب نَاهُور، والناهور: السَّحَاب.
وَقَالَ القُتَيبِيُّ: يُقَال للقمر إِذا كَسَف: دخل فِي ساهُورِه، وَهُوَ الْغَاسِق إِذا وَقب وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة، وَأَشَارَ إِلَى الْقَمَر، فَقَالَ: (تعوَّذي بِاللَّه من هَذَا، فَإِنَّهُ الْغَاسِق إِذا وَقب) : يُرِيد يسودّ إِذا كسف، وكلّ شيءٍ اسودّ فقد غسق.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} (النَّازعَات: 14) فَإِن الْفراء قَالَ: السَّاهِرَة: وَجْهُ الأرْض، كَأَنَّهَا سمّيت بِهَذَا الِاسْم لأنّ فِيهَا الْحَيَوَان، نومَهُم وسَهَرَهُم. قَالَ: وَحَدَّثني حَبّان، عَن الكَلْبِيِّ عَن أَبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السَّاهِرَةُ: الأَرْض، وَأنْشد الفرّاء.
وفيهَا لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ
ومَا فاهوا بِهِ لهُمُ مُقِيمُ
وَقَالَ اللَّيْث: الساهرة: وَجه الأَرْض العرِيضةِ البسيطة مِنْهُ قَول الشَّاعِر:
يَرْتَدْنَ ساهِرَةً كأَنَّ جَحِيمَها
وعَمِيمها أَسْدَافُ لَيْلٍ مُظْلمِ
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب (الْأَلْفَاظ) : قيل ليَالِي الساهور: التِّسعُ البَواقي مِنْ آخر الشَّهْر.
وَقَالَ غَيره: ساهُور العَيْن: أصْلُها، وَمَنْبعُ مَائِهَا يَعْنِي عَيْنَ المَاء. وَقَالَ أَبُو النّجم:
لاقتْ تميمُ الموتَ فِي ساهُورِها
بَينَ الصَّفَا والعِيص مِن سَدِيرها
وَيُقَال لِعَيْنِ المَاء: ساهِرةٌ إِذا كَانَت جَارِيَة، وَكَانَ يُقَال: خَيْرُ المَال عَيْنٌ ساهرة لِعَيْنٍ نَائِمَة، وَيُقَال للناقة: إِنَّهَا لساهِرة العِرْق، وَهُوَ طول حَفْلها وَكَثْرَة لَبَنِها.
وَقَالَ اللَّيْث: الأسْهَران: هما عِرقان فِي الأنفِ منْ باطنٍ إِذا اغْتَلَم الحمارُ سالا دَمًا أَو مَاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيُّ فِي قَول الشَّمَّاخ:
تُوَائِلُ مِنْ مِصَكَ أَنْصَبَتْه
حَوَالِبُ أَسْهَريْهِ بالذَّنِين
قَالَ: أسْهَراه: ذَكَره وَأَنْفه.
رَوَاهُ شَمِرٌ عَنهُ، وَقَالَ: وصَف) حمارا وأتانَه، والسُّهَارُ والسُّهادُ وَاحِد، بالراء وَالدَّال.
هسر: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُسَيْرَةُ تَصْغِير الهُسْرة، وهم قَرَابَات الرجل من طرفَيْه: أعمامُه وأخوالُه.
رهس: أهمله اللَّيْث.
ورَوَى أَبُو تُراب: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ترَكْتُ القوْمَ قد ارتَهسُوا، وارتَهشُوا، وارْتهَسَتْ رِجْلا الدابَّة، وارْتَهَشَتا إِذا اصْطَكَّتا وضرَب بعْضُها بَعْضاً.
قَالَ: وَقَالَ شُجاعٌ: ارتكسَ القوْمُ، وارتهَسُوا إِذا ازدحموا.
وَقَالَ العجَّاج:
وَعُنُقاً عَرْداً ورأساً أَمْرَسا
مُضبَّرَ اللّحْيَين يَسْراً مِنْهَسا
عَضْباً إِذا دماغُه ترَهَّسا
وَحَكَّ أنْيَاباً وخُضْراً فُؤُسا
ترهَّس: أيْ تمخَّض، وتحرّك. فُؤُس:

(6/76)


قُطُع، من الفأس. فُعُلٌ مِنْهُ. حَكَّ أنْياباً: أيْ صَرَّفها. وخُضراً: يعْنِي أضراساً قَدُمت فاخضرَّت.
هرس: قَالَ اللَّيْث: الهَرْسُ: دَقُّ الشَّيْء بالشَّيْء العريض، كَمَا تُهْرَسُ الهريسةُ بالمِهْرَاس، والفَحْلُ يهرِس القِرْنَ بكَلْكله، والهَرِس من الأُسُود: الشَّدِيد المِرَاس، وَأنْشد: فِي صفة الْأسد:
شَدِيد الساعِدَين أخاوِثابٍ
شَدِيدا أَسْرُه هَرِساً هموسَا
قَالَ: والمهارِيس من الْإِبِل: الجِسامُ الثِّقال.
قَالَ: ومِنْ شدَّة وطْئها سُمِّيَتْ: مَهارِيسَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المهَاريسُ من الْإِبِل: الَّتِي تَقْضِمُ العِيدانَ إِذا قلَّ الْكلأ، وأجدبت الْبِلَاد، فتتبلّغ بهَا كَأَنَّهَا تهْرِسها بأفواهِها هَرْساً: أيْ تَدُقُّها، وَقَالَ الحطيئة يصف إبِلا:
مهارِيسُ يُرْوِي رِسْلُها ضَيْفَ أَهلهَا
إِذا النَّارُ أبْدَتْ أَوْجُهَ الخفِراتِ
وَقَالَ اللَّيْث: المهراسُ: حَجَرٌ منقورٌ مستَطيلٌ يُتَوضأُ مِنْهُ.
وَفِي الحَدِيث أَن أَبَا هُرَيْرَة رَوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا أَرَادَ أحدُكم الوُضوءَ فليُفْرِغ على يَدَيْهِ من إنائه ثَلَاثًا؛ فَقَالَ لَهُ قيْنٌ الأشَجَعيّ: فَإِذا أتَيْنا مِهراسكم كَيفَ نصْنع) ؟ أَرَادَ بالمهراس: هَذَا الحجَر الضّخْم المنْقُورَ الَّذِي لَا يُقِلُّه الرِّجال وَلَا يُحرِّكهُ الْجَمَاعَة لِثِقَله يُمْلأ مَاء ويتطهَّرُ الناسُ مِنْهُ.
وَجَاء فِي حديثٍ آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ بمهْراسٍ وجماعةٌ من الرِّجَال يُجْذُونه، وَهُوَ حَجر منقورٌ أَيْضا، سمِّي مِهْراساً لِأَنَّهُ يُهرَسُ بِهِ الحَبُّ وغيرُه، وَقَول شِبْل:
وقَتيلاً بجانبِ المهْراسِ
فإِنه عَنى بِهِ حمزَةَ بن عبد الْمطلب.
قَالَ المبرِّد: المهراس ماءٌ بأُحُد، ورُوي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَطِشَ يومَ أُحُد، فَجَاءَهُ عليٌّ فِي دَرَقةٍ بماءٍ من المهرَاس، فعافه وَغسل بِهِ الدَّمَ عنْ وَجْهه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: هَرِس الرَّجلُ إِذا كثر أكْلُه، وَقَالَ العجاج يصف فَحْلاً:
وكَلْكَلاً ذَا حامياتٍ أَهرَسا
ويُروى: مهرَسا أَرَادَ بالأهرس: الشَّديد الثَّقيل، يُقَال: هُوَ هرِسٌ أَهرَسُ للَّذي يَدُقُّ كلَّ شَيْء.
والهَرَاسُ: شَوْكٌ كأَنه حَسك، الواحِدة هَرَاسَهَ، وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
فَبِتَّ كأَنَّ العائدات فَرَشْنَنى
هرَاسا بِهِ يُعلى فِرَاشي ويُقْشَبُ
وسُمِّيت الهَرِيسة هَرِيسة لأنّ البُرَّ الَّذِي تُسَوّى الهرِيسة مِنْهُ يُدَقُّ دَقّاً، ثمَّ يطبَخ ويُسَمّى صانعُه هَرَّاساً.
هـ س ل
هلس، لهس، سهل، سَله: مستعملة.
هلس: قَالَ اللَّيْث: الهُلاسُ: شِدّة السُّلاَل من الهزَال، وامرأةٌ مهْلوسةٌ: ذاتُ رَكَبٍ مهلوس كَأَنَّمَا جُفِل لَحْمه جَفْلاً.
أَبُو عبيد: الهَلْسُ: مِثلُ السُّلال، رجل مَهلوس.

(6/77)


وَقَالَ الكُميت:
يعَالِجْنَ أَدْوَاءَ السُّلالِ الهَوَالِسَا
وَقَالَ غَيره: الهُلاَسُ فِي البَدَن (وَهُوَ) السُّلاَل، و (أمّا) : السُّلاسُ فِي الْعقل.
أَبُو عبيد، عَن الأمويِّ: أَهْلَسَ فِي الضّحِك، وَهُوَ الخفيُّ مِنْهُ وأنشدنا:
يَضْحَكُ مِنِّي ضَحِكاً إهْلاَسا
وأمَّا قَول المرَّار الفَقْعَسِيِّ:
طرَق الخيالُ فهاج لي من مَضجعِي
رَجْعَ التَّحِيَّةِ فِي الظّلاَم المهلِسِ
أَرَادَ بالمُهْلِس: الضَّعِيف من الظلام.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهُلْسُ: النُّقَّهُ من الرِّجَال. والهُلْسُ: الضَّعْفَى وَإِن لم يَكُونُوا نُقَّهاً.
سهل: قَالَ اللَّيْث: السَّهْلُ: كلُّ شَيْء إِلَى اللِّين وذَهابِ الخُشونة، تَقول: سَهُلَ سُهُولةً.
قَالَ: والسَّهْلَةُ: تُرَابٌ كالرَّمْل يجيءُ بِهِ المَاء وأَرْضٌ سَهِلة، فَإِذا قلتَ سَهْلَة: فَهِيَ نقيض حَزْنَة.
قلت: لم أسمع سَهِلة بِكَسْر الْهَاء لغير اللَّيْث.
قَالَ: وأسهل الْقَوْم: إِذا نزلُوا السَّهْلَ بعد نزولهم بالحَزْن، وأَسْهَلوا: إِذا استعملوا السُّهولة مَعَ النّاس، وأحزَنوا: إِذا استعمَلوا الحُزونة، وَقَالَ لبيد:
فإنْ يُسْهِلوا فالسَّهْل حَظِّي وطُرْقَتي
وَإِن يُحْزِنُوا أَرْكَبْ بهم كلَّ مركَبِ
وأسْهلَ الدَّواءُ بطنَه، وَقد شَرِب دَوَاء مُسْهلا. وسُهَيْلٌ: كَوْكَب (يُرَى فِي نَاحيَة الْيمن، وَلَا يُرَى بخُرَاسان، ويُرَى بالعراق.
وَقَالَ اللَّيْث: وبَلغَنا أنَّ سُهَيْلاً كَانَ عَشّاراً على طَرِيق الْيمن ظلوماً، فَمَسَخَهُ الله كوْكَباً.
وَقَالَ ابْن كُناسَة: سُهَيْلٌ يُرَى بالحجاز، وَفِي جَمِيع أرضِ الْعَرَب، وَلَا يُرَى بأرضِ أَرْمِينيَة.
قَالَ: وَبَين رُؤْيَة أهل الْحجاز سُهَيْلاً ورُؤْيةِ أهل الْعرَاق إيَّاه عشرُون يَوْمًا؛ وَأنْشد غَيره:
إِذا سُهَيلٌ مطْلَعَ الشمسِ طَلَعْ
فابْنُ اللَّبُونِ الحِقُّ والحِقُّ جَذَعْ
وَذَلِكَ أنّه يَطلعُ عِنْد نِتاج الْإِبِل، فَإِذا حالَت السَّنةُ تحوَّلتْ أسنانُ الْإِبِل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال لرمل الْبَحْر: السِّهْلَة، هَكَذَا قَالَه بِكَسْر السِّين.
ورَوَى أَبُو عبيد عَن اليزيديّ عَن أبي عَمْرو بن العَلاء قَالَ: يُنْسَبُ إِلَى الأَرْض السَّهْلة: سُهْلى بِضَم السِّين.
لهس: قَالَ اللَّيْث: المُلاَهِسُ: المُزَاحم على الطَّعَام من الحِرْصِ، وَأنْشد غَيره:
مُلاَهِسُ القومِ على الطعامِ
وجائِزٌ فِي قَرْقَفِ المُدَامِ
وَيُقَال: فلانٌ يُلاهِس بني فلَان: إِذا كَانَ يَغْشَى طعامَهم.

(6/78)


سَله: قَالَ شمِر: الأسْلَهُ: الَّذِي يَقُول: أَفْعَلُ فِي الحَرب، وأَفْعل، فَإِذا قاتَلَ لمْ يُغْنِ شَيْئا، وَأنْشد:
ومِن كلِّ أَسْلَهَ ذِي لُوثَةٍ
إِذا تُسْعَرُ الحَرْبُ لَا يُقْدِمُ
هـ س ن
سنه، نهس، سهن: مستعملة.
سهن: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأسْهانُ: الرِّمالُ اللّيِّنة، قلت: كأنُ النُّون فِي الأسهان مُبْدَلَة من الأَسْهَال جمعُ السَّهْل.
سنه: قَالَ اللَّيْث: السَّنَةُ نُقْصَانُها حذفُ الْهَاء، وتصغير سُنَيْهَة، والمعاملة من وَقتهَا مُسَانَهة، وثلاثُ سنواتٍ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} (البَقَرَة: 259) أَي لم تُغَيِّره السِّنُون، ومَن جعل حذفَ السَّنَةِ واواً قرأَ: (لم يَتَسَنَّ) وَقَالَ: سانَيْتُه مُسَانَاةً، وإثباتُ الهاءِ أَصْوَبُ.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ {لَمْ يَتَسَنَّهْ} : يُقَال فِي التَّفْسير: لَمْ يَتغير، وتكونُ الهاءُ مِن أصلِه، وتَكونُ زَائِدَة صِلةً بِمنزِلةِ قَوْله جلّ وعزْ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعَام: 90) ، فَمن جَعل الهاءَ زَائِدَة جعل فَعْلتُ مِنْهُ: تَسَنَّيْتُ، أَلا ترَى أنّكَ تجمعُ السَّنةَ سنَوات، فَتكون تفعّلت على صِحَة.
ومَنْ قَالَ فِي تَصْغِير السَّنَة: سُنَيْنَة وَإِن كَانَ ذَلِك قَلِيلا، جَازَ أَنْ يَقُول: تَسَنَّيْتُ: تَفَعَّلْتُ؛ أُبْدِلَتْ النُّونُ يَاء لمَّا كثُرَت النُّونات، كَمَا قَالُوا: تظنَّيْتُ، وأصلُه الظّنّ، وَقد قَالُوا: هُوَ مأخوذٌ مِن قَوْله جلّ وعزّ: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} (الْحجر: 26) ، يُرِيدُونَ: متغِّير، فإِن يكن كَذَلِك فَهُوَ أَيْضا ممَّا أُبدلَتْ نونُه يَاء، ونَرَى وَالله أعلم أنَّ مَعْنَاهُ مَأْخُوذ من السَّنة: أَي لمْ تُغيِّره السِّنون.
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس أحمدَ بن يحيى فِي قَوْله {لَمْ يَتَسَنَّهْ} (البَقَرَة: 259) قَرَأَهَا أَبُو جَعْفَر، وشَيْبَةُ، ونافِعٌ، وعاصمٌ بإِثباتِ الهاءِ إِن وَصلوا، أَو قطعُوا، وَكَذَلِكَ قولُه: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعَام: 90) ، وَوَافَقَهُمْ أَبُو عَمرو فِي {لَمْ يَتَسَنَّهْ} ، وخالفَهم فِي {اقْتَدِهْ} . فَكَانَ يحذف الهاءَ مِنْهُ فِي الوَصل، ويُثْبِتُها فِي الوَقف، وَكَانَ الكسائيّ يحذف الهاءَ مِنْهُمَا فِي الْوَصْل، ويثبتهما فِي الْوَقْف.
قُلْتُ: وأجود مَا قيل فِي تَصْغِير السَّنة: سُنَيْهة، على أَنّ الأصْل سَنْهَةٌ، كَمَا قَالُوا: الشَّفَةُ، أصلُها شَفْهَةٌ، فحذفت الْهَاء مِنْهُمَا فِي الْوَصْل.
وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك مَا رَوَى أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ أنّه قَالَ: إِذا حملت النَّخلة سنة وَلم تحمَل سنة قيل: قد عاوَمَتْ، وسانَهَتْ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للنخلة الَّتِي تفعل ذَلِك: سَنْهاءُ، وَأنْشد الْفراء:
فليسَتْ بِسَنْهاءَ وَلَا رُجَبِيَّةٍ
ولكنْ عَرايا فِي السِّنينِ الجَوائح
شدَّد أَبُو عبيد الْجِيم من رُجَبِيَّة قلت: ونَقصُوا الْهَاء من السَّنة والشَّفَة أنَّ الهاءَ مُضَاهِية حروفَ اللَّيِّن الَّتِي تُنْقَص فِي

(6/79)


الْأَسْمَاء النَّاقِصَة: مِثل زِنَةٍ، وثُبَةٍ، وعِزَةٍ؛ وعِضَةٍ وَمَا شاكلَها، وَالْوَجْه فِي الْقِرَاءَة {لَمْ يَتَسَنَّهْ} (البَقَرَة: 259) بإِثبات الْهَاء فِي الإدراج وَالْوَقْف، وَهُوَ اخْتِيَار أبي عَمْرو، وَالله أعلم.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أرْضُ بَني فلَان سَنَةٌ: إِذا كَانَت مُجْدِبةً.
قلت: وبُعِثَ رائدٌ إِلَى بَلَدٍ، فَوَجَدَهُ مُمْحِلاً، فَلَمَّا رَجَعَ سُئل عَنهُ، فَقَالَ: السَّنَة: أَرَادَ الجدوبة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي موضعٍ آخر: لَيست بِسَنْهاء: تَقول: لم تُصِبْهُ السّنةَ المُجْدِبة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: طعامٌ سَنِهٌ وسَنٍ: إِذا أَتَت عَلَيْهِ السِّنون.
قَالَ: وَبَعض الْعَرَب يَقُول: هَذِه سنينٌ كَمَا تَرَى، ورأيتُ سِنِيناً، فيُعْرِبُ النُّونَ، وَبَعْضهمْ يجعلُها نونَ الجمْع، فَيَقُول: هَذِه سِنُونَ ورأيتُ سِنِينَ وَهَذَا هُوَ الأَصْل، لأنّ النّون نونُ الْجمع، والسنةُ: سَنةُ الْقَحْط.
وَيُقَال: أَسْنَت القومُ: إِذا دخلُوا فِي المجاعة، وَتَفْسِيره فِي كتاب السِّين.
نهس: قَالَ اللَّيْث: النّهْسُ: القَبْض على اللّحم ونَتْرُه.
وَقَالَ رؤبة:
مُضَبَّرَ اللَّحْيَيْنِ يَسْراً مِنْهَسا
قَالَ: والنُّهَسُ: طَائِر. وَفِي الحَدِيث أنّ رجلا صَاد نُهَساً بالأسْوَافِ، فأَخَذَه زيدُ بنُ ثَابت مِنْهُ، فَأرْسلهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: النُّهَسُ: طَائِر، والأسواف: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا فعل زيد ذَلِك لِأَنَّهُ كَرِه صَيْدَ الْمَدِينَة لِأَنَّهَا حَرَمُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت: وَقد مَرَّ فِي بَاب النَّهْسِ مَا جَاءَ من اخْتِلَاف أقاويل اللغويين فِي الفَرْق بَيْنَ النَّهْشِ، والنَّهْسِ، فكرهتُ إِعَادَته، وَيُقَال: نهَسْتُ العَرْق، وانْتَهَسْتُه: إِذا تَعرَقته بمقاديم فِيك.
هـ س ف
اسْتعْمل من وجوهه: سفه، سهف.
سهف: قَالَ اللَّيْث: السَّهْفُ: تَشحُّطُ القتيلِ يَسْهَفُ فِي (نَزْعِهِ واضطرابه) . قَالَ الهذليّ:
مَاذَا هُنَالِكَ مِنْ أَسوانَ مُكتئبٍ
وساهفٍ ثَمل فِي صَعْدَةٍ فَصِمِ
قَالَ: والسَّهْفُ: حَرْشَفُ السَّمَك خاصّة.
وَأَخْبرنِي الإياديّ، عَن شمر أَنه سمع ابنَ الأعرابيّ يَقُول: طعامٌ مَسْهفَةٌ، ومَسْفَهة: إِذا كَانَ يَسْقي الماءَ كثيرا، وَرجل ساهِفٌ، وسافِهٌ: شَدِيد العَطَش.
قلت: وأُرَى قَول الهُذَليّ فِي بَيته: (وساهِفٍ ثَمِلٍ) من هَذَا الَّذِي قَالَه ابنُ الأعرابيّ.
وَقَالَ الأصمعيّ: رجل ساهفٌ: إِذا نُزِفَ فأُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَيُقَال: هُوَ الَّذِي غلب عَلَيْهِ حِرَّة العَطَش عِنْد النّزع والسياق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: هُوَ ساهِفُ الوَجه، وساهِمُ الوجْه: إِذا تَغيَّر وجهُه.
قَالَ: والسَّاهِفُ: العطشان، وَأنْشد قَول أبي خِراش الهُذَليّ:

(6/80)


وأَنْ قد يُرَى مِنيّ لِما قد أصابني
مِنَ الحُزن أَنِّي ساهفُ الوَجْهِ ذُو هَمِّ
سفه: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} (البَقَرَة: 130) .
قلت: اختَلفتْ أقاويلُ النَّحويِّين فِي معنى قَوْله: {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} وانتصابه.
فَقَالَ الْأَخْفَش: أهل التَّأْوِيل يَزْعمون أنّ الْمَعْنى: سَفّه نَفْسَه.
وَقَالَ يونسُ النحويّ: أُراها لغَةً، ذهب يونُس إِلَى أنّ فَعِل للْمُبَالَغَة، كَمَا أنّ فعَّل للْمُبَالَغَة، فَذهب فِي هَذَا مَذْهبَ أهل التَّأْوِيل، ويجوزُ على هَذَا القَوْل سَفِهْتُ زيدا، بِمَعْنى: سفَّهْتُ زيدا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: معنى سَفِه نفسَه: أَهْلَك نَفسه، وأوْبَقَها، وَهَذَا غير خارجٍ من مذهبِ يونُسَ، وأهلِ التَّأْوِيل.
وَقَالَ الكسائيُّ والفرّاء: إنّ {نَفْسَهُ} مَنْصُوب على التَّفْسِير، وَقَالا: التَّفْسِير فِي النكرات أَكثر، نَحْو (طِبْتُ بِهِ نَفْساً) و (قَرِرت بِهِ عَيْناً) . وَقَالا مَعًا: إنَّ أصل الْفِعْل كَانَ لَهَا، ثمّ حُوِّل إِلَى الْفَاعِل؛ أَرَادَ أنّ قَوْلهم: (طبت بِهِ نفسا) مَعْنَاهُ طابت بِهِ نَفسِي، فلمّا حُوِّل الْفِعْل إِلَى ذِي النَّفس خرجت النَّفس مفسِّرة وَأنكر البصريّون هَذَا القَوْل وَقَالُوا: لَا تكون المفسِّرات إلاّ نَكِراتٍ، وَلَا يجوز أَن تُجْعَل المَعارفُ نَكِراتٍ.
وَقَالَ بعض النحويّين فِي قَوْله: {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} (البَقَرَة: 130) ، مَعْنَاهُ إِلَّا من سفه فِي نَفسه، إلاّ أنّ (فِي) حُذفت كَمَا حذفت حروفُ الجرّ فِي غير مَوضِع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَوْلَادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (البَقَرَة: 233) ، الْمَعْنى أَن تسترضعوا لأولادكم، فحُذِفَ حرفُ الجرّ من غير ظَرْف، وَمثله قَول الشَّاعِر:
نُغَالِي اللَّحْمَ للأَضْيافِ نِيّاً
ونَبْذُلُه إِذا نَضِج القُدُورُ
الْمَعْنى: نغالي بِاللَّحْمِ.
وَقَالَ الزجّاج بعد مَا ذكَر أقاويلَ النَّحويّين القولُ الجيّد عِنْدِي فِي هَذَا أنّ {سَفِهَ} (البَقَرَة: 130) فِي مَوضِع (جَهِل) ، فَالْمَعْنى وَالله أعلم إِلَّا مَنْ جهل نَفسه: أَي لم يُفَكِّر فِي نَفسه، فَوُضِع {سَفِهَ} فِي مَوضِع (جهل) ، وعُدِّي على الْمَعْنى.
فَهَذَا جميعُ مَا قَالَ النحويُّون فِي هَذِه الْآيَة.
قلت: وَمِمَّا يقوِّي قولَ الزَّجَّاج الحديثُ الْمَرْفُوع: حِين سُئِل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الكِبْر، فَقَالَ: (الكِبْرُ أنْ تَسْفَه الحقَّ، وتَغْمِطَ النّاس) ؛ مَعْنَاهُ أَن تجهَل الحقَّ فَلَا ترَاهُ حَقّاً، وَالله أعلم.
وَقَالَ بعض أهل اللّغة: أصل السَّفَه: الخفّة، وَمعنى السَّفِيه: الخفيفُ العَقْل، وَمن هَذَا يُقَال: تسفَّهَتِ الرّياحُ الشَّيْء: إِذا حرَّكَتْه واستخفّته فطيَّرتْه، وَقَالَ الشَّاعِر:
مَشَيْنَ كَمَا اهتَزَّت رِماحٌ تَسَفَّهَتْ
أعالِيَها مَرُّ الرّياحِ النَّواسِمِ
وَيُقَال: ناقةٌ سَفِيهةٌ الزِّمام: إِذا كَانَت خَفِيفَة السَّيْر.

(6/81)


وَمِنْه قَول ذِي الرُّمَّة: (سفيهةٍ جديلها) ، وسافَهَتِ الناقةُ الطريقَ: إِذا خفّت فِي سَيْرِها، وَقَالَ الراجز:
أَحْدُو مَطِيَّاتٍ وقوماً نُعّسَا
مُسَافِهاتٍ مُعْمَلاً مُوَعَّسا
أَرَادَ بالمعمل الموعَّس: الطريقَ المَلحُوبَ الَّذِي وُطِىء حَتَّى استتب ووضَح.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: سَفِهْتُ الماءَ أسْفَهُه إِذا أكثَرْتَ مِنْهُ وَلم تَرْوَ، وَالله أسْفَهَكَهُ.
وَقَالَ غَيره: سَافَهْتُ الشَّرابَ: إِذا أسرفت فِيهِ، وَقَالَ الشّماخ:
فبِتُّ كأنّني سافَهْتُ صِرْفاً
مُعَتَّقَةً حمَيّاها تدُورُ
وَفِي حَدِيث ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الكِبْرُ أَن تَسْفَهَ الحقَّ، وتَغْمِطَ النّاس) ، فَجعل سَفِه وَاقعا.
وَقَالَ أَبُو زيد: امرأةٌ سَفِيهةٌ من نِسْوَةٍ سَفَائِه، وَسَفِيهاتٍ، وسُفُهٍ وسِفاهٍ، ورجلٌ سفِيهٌ من رجال سُفَهَاءَ، وسُفَّهٍ، وسِفَاهٍ، وَيُقَال: سَفه الرجل يَسْفُهُ فَهُوَ سَفِيهٌ، وَلَا يكون هَذَا وَاقعا، وَأما سَفِه بِكَسْر الْفَاء فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون وَاقعا، وَقَالَ الْأَكْثَر فِيهِ أَن يكون غير وَاقع أَيْضا. قَوْله عزّ وجلّ: {كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ} (البَقَرَة: 13) : أَي الجهَّال، وَقَوله: {فَإن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} (البَقَرَة: 282) . السَّفِيه الْعقل، من قَوْلهم: تَسَفَّهت الرياحُ الشيءَ، إِذا استخفّته فحرَّكته.
وَقَالَ مُجَاهِد: السَّفِيه: الْجَاهِل، والضعيف: الأحمق.
قَالَ ابْن عرفةَ: وَالْجَاهِل هَاهُنَا: هُوَ الْجَاهِل بِالْأَحْكَامِ لَا يُحْسِنُ الْإِمْلَاء، وَلَا يدْرِي كَيفَ هُوَ؟ وَلَو كَانَ جَاهِلا فِي أحوالِه كلِّها مَا جَازَ لَهُ أنْ يُدَايَن، وَقَوله تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} (النِّساء: 5) يَعْنِي المرأةَ وَالْولد، وسُمِّيَتْ سَفِيهةً لِضَعْفِ عَقْلِها، وَلِأَنَّهَا لَا تُحْسِنُ سياسة مَالهَا، وَكَذَلِكَ الْأَوْلَاد مَا لم يُؤْنَسْ رُشْدُهُم، وَقَوله عزّ وجلّ: {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} (البَقَرَة: 130) أَي سَفِه فِي نَفسه: أَي صَار سَفِيهاً، وَقيل: أَي سَفِهَت نَفْسُه، أَي صَارَت سَفِيهَة، وَنصب نَفسه على التَّفْسِير المحوَّل، وَقيل: سَفِه هَاهُنَا بِمَعْنى سَفَّه، وَمِنْه قَوْله: إِلَّا من سَفِه الحقّ. مَعْنَاهُ: من سَفَّه الحقَّ، وَيُقَال: سَفِه فلانٌ رأْيَه: إِذا جَهله، وَكَانَ رأيُه مضطرباً لَا استقامةَ لَهُ.
س هـ ب
اسْتعْمل من وجوهه: سهب، سبه، بهس.
سهب: قَالَ اللَّيْث: فرسٌ سَهْبٌ. شَدِيد الجرْي بطيء العَرَق، وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
وَقد أَغْدو بِطِرْفٍ هَيْ
كَلٍ ذِي مَيْعَةٍ سَهْبِ
قَالَ: وبئرٌ سَهْبةٌ: بعيدَة القَعْر يخرج مِنْهَا الرِّيح، وَإِذا حَفَر الْقَوْم فَهَجَمُوا على الرِّيح وأخلفهم المَاء، قيل: أسْهَبُوا، وَأنْشد فِي وصف بِئْر كَثِيرَة المَاء:
حَوْضٌ طَوِيٌّ نِيل مِنْ إسْهَابِها
يَعْتِلجُ الآذِيُّ مِن حَبَابِها

(6/82)


قَالَ: وَهِي المُسْهَبة، حُفِرتْ حَتَّى بلغَتْ عَيْلَمَ المَاء، ألاَ ترى أَنه قيلَ: نِيلَ مِنْ أَعْمَق قعْرها.
قَالَ: والسَّهْباءُ: بئرٌ لبني سَعْد، ورَوْضة أَيْضا بالصَّمَّان تُسَمَّى السَّهْباء.
قَالَ: والسَّهْبَى: مَفَازَةٌ.
قَالَ جرير.
سارُوا إليْكَ من السَّهْبَى ودُونَهُمُ
فَيْحَانُ فالحَزْنُ فالصَّمَّانُ فالوَكَفُ
والوَكفُ: لبني يَرْبُوع.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا بلغ حافرُ الْبِئْر إِلَى الرَّمْل قَالَ: أسْهَبَ، وأَسْهَبَتْ.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء: إِذا خرجت الرّيحُ من الْبِئْر وَلم يخرُج ماءٌ قَالَ: أسْهَبَتْ
وَقَالَ شَمِر: المُسَهَبةُ من الرَّكايا: الَّتِي يَحفرونها حَتَّى يبلغُوا تُرَابا مائقاً فَيَغْلِبُهُمْ تهيُّلاً، فيَدَعُونَها.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي قَالَ: بِئْر مُسْهَبة: الَّتِي لَا يُدْرَك قَعْرُها وماؤها.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: المُسْهَب بِفَتْح الْهَاء: الْكثير الْكَلَام.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: كَلَام الْعَرَب كلُّه على أَفْعَل فَهُوَ مُفْعِل إِلَّا ثَلَاثَة أحرف: أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَب، وأَحْصَن الرجلُ فَهُوَ مُحْصَن، وأَلفَجَ فَهُوَ مُلْفَجٌ: إِذْ أَعْدَم.
شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: السَّهْبُ: مَا بَعُدَ من الأَرْض، واستوى فِي طمأنينة، وَهِي أَجْوافُ الأَرْض، طمأنينتها: الشَّيْء الْقَلِيل يَقُود اللَّيْلَة واليومَ ونحوَ ذَلِك، وَهِي بطونُ الأَرْض تكون فِي الصَّحارَى والمُتُون، وَرُبمَا تَسِيل وربّما لَا تَسِيل، لِأَن فِيهَا غِلَظاً وسُهولاً تنبتُ نباتاً كثيرا، وفيهَا خَطَراتٌ من شجر: أَي فِيهَا أماكنُ فِيهَا شجرٌ، وأماكنُ لاشجر فِيهَا.
وَقَالَ أَبو عُبيد: السُّهوبُ وَاحِدهَا سَهْب، وَهِي المُستويةُ الْبَعِيدَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: السُّهوبُ: الواسِعةُ من الأَرْض، وَقَالَ الْكُمَيْت:
أبارقُ، إنْ يَضْغَمْكُمُ الليثُ ضَغْمَةً
يَدَعْ بارِقاً مِثلَ اليَبَابِ مِن السَّهْبِ
وَقَالَ اللَّيْث: سُهوبُ الفلاةِ: نَوَاحِيهَا الَّتِي لَا مَسْلكَ فِيهَا.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: رجَلٌ مُسْهَبُ العقْل، ومُسْهَمٌ، وَكَذَلِكَ الجسمُ فِي الحُبِّ: أَي ذاهبٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أُسْهِبَ السَّليمُ إسهاباً فَهُوَ مُسْهِبٌ: إِذا ذَهب عقلُه وعاش، وَأنْشد:
فَبَاتَ شَبْعَانَ وباتَ مُسْهَبا
وَقَالَ غَيره: أَسْهَبْتُ الدابةَ إسهاباً: إِذا أهملْتَها تَرْعَى فَهِيَ مُسْهَبة، وَقَالَ طُفَيْلٌ الغَنَوِيّ:
نَزَائِعَ مَقْذُوفاً على سَرَواتِها
بِمَا لَمْ تَحَالَسْهَا الغُزاة وتُسْهَبُ
أَي قد أُعْفِيَت حَتَّى حَمَلَت الشحمَ على سَرَوَاتِها.
وَقَالَ بَعضهم: ومِنْ هَذَا قيل للمِكْثار: مُسْهَب، كَأَنَّهُ تُرِكَ والكلامَ يتكلّم بِمَا شَاءَ، كأنّه وُسِّع عَلَيْهِ أَن يَقُول مَا شَاءَ.

(6/83)


وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أَعْطَى الرجلُ فأَكثر. قيل: قد أَسْهَبَ، ومكانٌ مُسْهِب: لَا يمْنَع المَاء، ولايمسكه.
سبه: قَالَ اللَّيْث: السَّبَهُ: ذَهابُ العَقْل من الهَرَم.
وَقَالَ اللحيانيّ: رجلٌ مُسَبَّه الْعقل، ومُسَمَّهُ الْعقل: أَي ذاهبُ الْعقل.
أَبُو عبيد، عَن الأمويّ: رجلٌ مَسْبُوهُ الْفُؤَاد، مثلُ مُدَلَّه الْعقل، وَهُوَ المُسَبَّهُ أَيْضا، وَقَالَ رؤبة:
قَالَت أُبَيْلَى لي وَلم أسَبَّهِ
مَا السِّنُّ إلاّ غَفْلَةُ المُدَلَّهِ
وَقَالَ غَيره: رجل سَبَاهِيُّ الْعقل: إِذا كَانَ ضَعيفَ الْعقل.
أَبُو عبيد، عَن الكسائيّ: المُسَبَّه: الذَّاهِب الْعقل.
وَقَالَ الْمفضل: السُّباهُ: سَكْتَةٌ تَأْخُذ الإنسانَ يذْهب مِنْهَا عَقْلَه، وَهُوَ مَسْبُوهٌ.
بهس: قَالَ اللَّيْث: يَبْهَسُ من أسماءِ الْأسد.
قلت: ويَبْهَسُ من أَسمَاء الْعَرَب. وَمِنْه الَّذِي كَانَ يُلَقَّب بنعامة، اسْمه بَيْهَسٌ.
وَقَالَ: فلَان يَتَبَيْهَسُ فِي مِشيته ويَتَبَهْنَسُ: إِذا كَانَ يَتَبَخْتَر، ومثلُه يَتَبَرْنَسُ، ويَتَفَيْجَسُ، ويتفيْسَجُ.
هـ س م
سهم، سمه، هَمس، هسم: مستعملة.
سهم: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: اسْتَهَمَ الرّجلَانِ إِذا اقترعا، وَقَالَ اللهجلّ وعزّ: {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (الصَّافات: 141) : يَقُول: قارَع أَهْلَ السَّفِينَة فقُرِعَ، يَعْنِي يونُسَ حِين الْتَقَمهُ الْحُوت.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِرجلَيْنِ احتَكما إِلَيْهِ فِي مَواريثَ قد دَرَسَتْ: (اذْهَبَا فَتوَخَّيا الحقّ، ثمَّ اسْتَهِما، ثمَّ لِيُحْلِلْ كلُّ وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، معنى قَوْله: اسْتَهِما أَي اقْتَرِعا وتوخَّيا الحقَّ فِيمَا تَضَعانِه وتَقْتَسِمانِه ولْيأخُذ كلُّ وَاحِد مِنْكُمَا مَا تُخرِجُه القِسْمَةُ بالقُرعة، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كلُّ وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه فِيمَا أَخذه وَهُوَ لَا يَسْتَيْقِنُ أنَّه حقُّه أم لَا. وَيُقَال: اسْتَهَمَ القومُ فَسَهمهُمْ فلَان: إِذا قَرَعَهُمْ، والسَّهْمُ: النَّصِيب والسَّهْمُ: واحِدُ السِّهام من النَّبل وَغَيره. والسَّهْمُ: القِدْح الَّذِي يُقارَعُ بِهِ. والسَّهْمُ: مقدارُ سِتِّ أَذْرُع فِي مُعاملات النَّاس ومِساحاتهم.
قَالَ ابْن شُمَيل: السَّهْمُ: نَفْسُ النَّصْل.
وَقَالَ: لَو التقطْتُ نَصْلا لقُلْتُ: مَا هَذَا السَّهْمُ مَعَك؟ ، وَلَو التَقَطْتُ قِدْحا لَمْ تقُل: مَا هَذَا السّهْمُ مَعَك؟ .
قَالَ: والنَّصْل: السَّهْم العريض الطَّوِيل يكونُ قَرِيبا من فِتْرٍ. والمِشْقَص على النِّصف من النَّصل، وَلَا خيرَ فِيهِ، يلعبُ فِيهِ الوِلْدان، وَهُوَ شَرُّ النُّبْل، وأحْرَضُه.
قَالَ: والسَّهمُ: ذُو الغِرارَين والعَيْر.
قَالَ: والقُطْبَةُ لَا تُعَدّ سَهْماً. والمِرِّيخُ: الَّذِي على رَأسه العُظَيْمَة يرْمى بهَا أهلُ البَصْرة بَين الهدَفين. والنَّضِيُّ: مَتْنَ القِدْح، مَا بَين الفُوقِ والنَّصْل.

(6/84)


وَقَالَ اللَّيْث: بُرْدٌ مُسَهَّمٌ، وَهُوَ المخطّط. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
كأَنَّهَا بعدَ أَحْوالٍ مَضيْنَ لَهَا
بالأَشْتِميْنِ يمَانٍ فِيهِ تَسهيم
قَالَ: والسُّهُومُ: عبوس الْوَجْه من الْهم. وَيُقَال للفَرَسِ إِذا حُمِل على كريهةِ الْجَرْي: ساهِمُ الْوَجْه، وَكَذَلِكَ الرَّجلُ فِي الْحَرْب ساهِمُ الْوَجْه، قَالَ عنترة:
والخيلُ ساهِمةُ الْوُجُوه كأنّما
يُسْقَى فوارِسُها نقيعَ الْحَنْظَلِ
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: السُّهَامُ: الضُّمْرُ والتّغيُّر بِضَم السِّين والسَّهامُ: الَّذِي يُقَال لَهُ: مُخاطُ الشَّيطان، يُقَال: سُهِمَ يُسْهَم فَهُوَ مَسْهوم: إِذا ضُمِّر، قَالَ العجاج:
وَلا أبٍ وَلاَ أَخٍ فَتُسهَمِ
وأوَّله:
فَهِيَ كرِ عدِيدِ الكَثِيب الأهْيَمِ
وَلم يُلِحْهَا حَزنٌ على ابْنَمِ
وَلاَ أَبٍ وَلَا أَخٍ فَتُسهَم
وَقَالَ اللَّيْث: السُّهَام من وَهَج الصَّيْفِ وغُبْرَتِه، يُقَال سُهِم الرجلُ: إِذا أَصَابَهُ السُّهام.
قلت: وَالْقَوْل فِي السُّهام والسَّهام مَا قَالَ أَبُو عَمْرو.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: السُّهُمُ: غَزْلُ عينِ الشَّمْس، قَالَ: والسُّهمُ أَيْضا: الحرارةُ الغالِبَة. والسُّهُم والشُّهُم بِالسِّين والشين: الرِّجَال الْعُقَلَاء الْحُكَمَاء العُمال.
وَقَالَ اللحيانيّ: رجل مُسْهَم الْعقل مثل المُسهَب، وَكَذَلِكَ مُسْهَم الجسْم: إِذا ذهب جِسمُه فِي الحبّ.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي قَالَ: من أدواء الْإِبِل السُّهام، يُقَال مِنْهُ: بعير مسهوم وَقَول أبي دَهْبَل الجمحيِّ:
سَقى الله جارَانا ومَنْ حلَّ وَلْتَهُ
وكلَّ مَسِيلٍ مِن سَهامٍ وسَرْدَد
سَهام وسَرْدَد: واديان فِي بِلَاد تهَامَة
وَقَالَ:
بَنى يَثْرِبيٌّ حَصِّنوا أَيْنُقَاتِكم
وأفراسَكم من ضَرْب أَحْمَر مُسْهَمِ
وَلَا أُلفِيَنْ ذَا الشِّفَّ يطْلُبُ شِفَّهُ
يُداويه مِنْكُم بالأديم المسلَّمِ
أَرَادَ بقوله: أَيْنُقَاتكم وأفراسَكم نساءَهم، يَقُول: لَا تُنكِحوهُنَّ غير الْأَكفاء، وَقَوله: من ضَرْب أحمرَ مُسْهَم، يَعْنِي سِفاد رجلٍ من العجَم، وفَرَسٌ مُسْهَمٌ: إِذا كَانَ هَجِينا يُعْطَى دون سَهْم العتيقِ من الغنِيمة. وَقَوله: بالأديم المُسَلَّم: أَي يُتصَحَّحُ بِكُمْ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: السُّهْمَةُ: الْقَرَابَة. والسُّهْمَةُ الحظُّ.
وَقَالَ عبيد:
قد يُوصَلُ النّازحُ النائي وَقد
يُقْطَعُ ذُو السُّهْمةِ القريبُ
وَقَالَ اللَّيْث لي فِي هَذَا الْأَمر سُهْمةٌ: أَي نصيب وحظ من أثر كَانَ لي فِيهِ.

(6/85)


سمه: قَالَ اللَّيْث: سَمَه البعِيرُ أَو الفرسُ فِي شَوْطه يسْمَهُ سُمُوهاً فَهُوَ سامِهٌ لَا يعرِف الإعياء، وَأنْشد:
يَا لَيْتَنَا والدَّهْرَ جَرْي السُّمَّهِ
قَالَ: أَرَادَ ليتنا والدَّهر نجري إِلَى غير غَايَة.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: من أَسمَاء الْبَاطِل قَوْلهم: السُّمَّه، يُقَال: جرى فلَان جَرْى السُّمَّه. وَقَالَ اللحيانيّ: يُقَال: للهواء اللُّوح، والسُّمَّهَى والسُّمَّهِي.
وَقَالَ النَّضْر: يُقَال: ذهب فلَان فِي السُّمَّهِ والسُّمَّهِي: أَي فِي الرّيح وَالْبَاطِل، وَيُقَال ذهب السُّمَّيْهَيِّ: أَي فِي الْبَاطِل.
وروى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال للهواء. السُّمَّهى والسُّمَّيْهَى.
أَبُو عبيد: سَمِعت الفرّاء يَقُول: ذهبتْ إبلُه السُّمَّيْهَى على مِثَال وَقَعُوا فِي خُلَّيْطَى، وَذَلِكَ أَن تُفَرَّق إبُلُهم فِي كلُّ وَجه.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الفرّاء: ذهبتْ إبِله السُّمَّيْهَى، والعُمَّيهى، والكُمَّيْهَى، أَي لَا يدْرِي أَيْن ذهبَتْ.
وَقَالَ اللحيانيّ: رجل مُسَمَّه العقْل، ومُسَبَّه العقْل: أَي ذَاهِب الْعقل.
قَالَ الشَّيْخ: جَرْيَ السُّمَّه: أَرَادَ الْبَاطِل كَمَا قَالَ الكسائيّ.
هَمس: قَالَ اللَّيْث: الهمْسُ: حِسُّ الصّوت فِي الفَمِ ممّا لَا إشْرَابَ لَهُ من صَوْتِ الصَّدْرِ وَلَا جهارةَ فِي المَنْطِق، ولكنّه كلامٌ مَهْمُوسٌ فِي الْفَم كالسّرّ. قَالَ: وهَمْسُ الْأَقْدَام أَخْفَى مَا يكونُ من صَوْتَ الْوَطْء. قَالَ: والشيطان يُوَسْوِس فيهمِسْ بِوَسواسه فِي صَدْر ابنِ آدم.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يتعوّذ بِاللَّه من هَمْزِ الشَّيْطَان وهمسه وَلَمزه. فالهَمْزُ: كَلَام من وَرَاء القَفا كالاستهزاء، واللَّمز: مُوَاجهَة.
وَفِي الْقُرْآن: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} (طاه: 108) يَعْنِي بِهِ وَالله أعلم خَفْقَ الْأَقْدَام على الأَرْض.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: إنّه نَقْلُ الْأَقْدَام إِلَى المحْشَر. وَيُقَال: إنّه الصَّوْتُ الخفِيّ. قَالَ: وذُكِر عَن ابْن عبّاس أنّه تَمَثَّل فَأَنشد:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا
قَالَ: وَهُوَ صَوْتٌ نَقْلِ أخْفافِ الْإِبِل. وأخْبَرَني المنذريّ، عَن الطُّوسيِّ، عَن الخرّاز عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: يُقَال: (اهمِسْ وصَهْ) : أَي امْشِ خَفِيّاً واسْكُتْ، وَيُقَال: (هَمْساً وَصَهْ) و (هَسّاً وَصَهْ) . قَالَ: وَهَذَا سارقٌ قَالَ لصَاحبه: امْسِ خَفِيّاً واسكت.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: أسَرَّ الكلامَ وأَخفاه فَذَلِك الهَمْسُ من الْكَلَام، قَالَ: وَإِذا مَضَغَ الرجُل من الطَّعَام وفُوه مُنضَمٌّ قيل: هَمَس يَهْمِس هَمْساً، وَأنْشد:
يأكُلْن مَا فِي رَحْلهِنّ هَمْسَا
قَالَه: والهَمْس: أَكلُ العجوزِ الدَّرْداءِ.
غَيره: الهَمُوسُ: من أَسْمَاء الأَسَد، لِأَنَّهُ يَهمِس فِي الظُّلْمة، ثمّ جُعِل ذَلِك اسْما يُعْرَف بِهِ، يُقَال: أَسَدٌ هَمُوس.

(6/86)


وَقَالَ أَبُو زُبيدٍ:
بَصِيرٌ بالدُّجَى هادٍ هَمُوسُ
شمر، قَالَ أَبُو عَدْنان:
قَالَ أَبُو السَّمَيْدَع: الهمْس: قِلةُ الفُتورِ باللّيل والنّهار، وَأنْشد:
هَمْساً بِأَوْدِ العَلَسِيِّ هَمْسا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهمْس: السَّيْرُ بِاللَّيْلِ. والهَمُوس: الَّذِي يسرى ليله أجمع، وَأنْشد:
يَهْتَسُّ فِيهِ السَّبُعُ الهَرُوسُ
الذّيب أَو ذَلِبَدٍ هَمُوسُ
قَالَ: هَمَسَ ليلَه أجمعَ: أَي سَار.
قَالَ شمر: الهَمْسُ من الصَّوت وَالْكَلَام: مَالا غَوْرَ لَهُ فِي الصَّدْر، وَهُوَ مَا هُمِسَ فِي الفَم، وَأَسَدٌ هَمُوسٌ: يَمْشي قَلِيلا قَلِيلا، يُقَال: هَمَس ليله أجمَع.
قَالَ: وأخذْتُه أخَذاً هَمساً: أَي شَدِيداً، وَيُقَال عَصْراً، وهَمسَه: إِذا عَصَرَه. وَقَالَ الْكُمَيْت فَجعل النَّاقة هَمُوساً:
غُرَيْرِيّةَ الْأَنْسَاب أَو شَدْ قَمِيَّةً
هَمُوساً تُبَارِي اليَعْمَلاتِ الهوامِسَا
هسم: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهُسُم: الكاوُون قلت: كأنّ الأَصْل الحُسُم، وهم الَّذين يُتَابِعون الكَيَّ مرَّةً بعد أُخْرَى، ثمَّ قُلِبت الحاءُ هَاء.

(أَبْوَاب الهَاء وَالزَّاي)
هـ ز ط
أُهمِلَت وجوهه غير (زهط) .
(زهط) : الزِّهْيَوْط، وَهُوَ موضعٌ.
هـ ز د
استُعمل من وجوهه: زهد.
زهد: قَالَ اللَّيْث: الزُّهْد، والزّهادة فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُقَال الزّهْد إلاّ فِي الدِّين، والزَّهادة فِي الْأَشْيَاء كلِّها. ورجلٌ زَهِيد، وَامْرَأَة زَهِيدة، وهما القليلاَ الطُّعْم، وأزهَد الرجلُ إزهاداً: إِذا كَانَ مُزهِداً، لَا يُرغَبُ فِي مالِه لقلته.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أفضلُ الناسِ مؤمنٌ مُزْهِد) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو: المزْهِد: الْقَلِيل الشَّيْء، وَإِنَّمَا سُمِّي مُزْهِدا لأنّ مَا عِنْده من قِلّته يُزهَد فِيهِ، يُقَال: أزْهَدَ الرجلُ إزهاداً، إِذا كَانَ كَذَلِك.
وَقَالَ الْأَعْشَى يَمدَح قوما بحُسنِ مُجاوَرَتِهم جَارة لَهُم فَقَالَ:.
فَلَنْ يَطلُبوا سِرَّها للغِنى
ولنْ يُسلِموها لإزهادِها
يَقُول. لَا يتركونها لقلّة مَالهَا، وَهُوَ الإزهاد. قلت: الْمَعْنى أنّهم لَا يُسلمِونها إِلَى مَن يُرِيد هَتْكَ حُرمتها لقلّةِ مالِها.
وَقَالَ ابْن السكّيت: يَقُولُونَ: فلانٌ يَزْدَهدُ عَطاءَ من أعطَاهُ: أَي يَعُدُّه من زهيداً قَلِيلا.
ثَعْلَب عَن سَلَمَة، عَن الفرّاء، قَالَ: الزَّهْد: الحَزْر، وَقد زهَد ثمرَ النَّخل: إِذا خَرَصَه.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: زَهِدْتُ فِيهِ، وزَهَدْتُ، وَمَا كَانَ زَهِيداً، وَلَقَد زَهِدَ، وزَهَد يَزهَد مِنْهُمَا جَمِيعًا.

(6/87)


شمر: رجلٌ زهِيد: لئيم، وَمَا كَانَ زهيداً، وَلَقَد زَهَد، وزَهِد يزهَد مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَقَالَ ثَعْلَب مثله، وَزَاد: وزَهُد أَيْضا.
غَيره: رجلٌ زَهيدُ الْعين: إِذا كَانَ يُقْنِعُه الْقَلِيل. ورغيب الْعين: إِذا كَانَ لَا يُقْنِعُه إلاّ الْكثير، وَقَالَ عديّ بن زيد:
ولَلْبَخْلَةُ الأُولى لمن كَانَ باخِلاً
أَعَفُّ ومَن يَبْخَلْ يُلَمْ ويُزَهَّدِ
يُزَهَّد: أَي يُبَخَّل، ويُنْسَب إِلَى أَنّه زَهِيدٌ لئيم.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: امرأَة زَهيد للضَّيِّقَة الخُلُق. ورجلٌ زهيد من هَذَا.
قَالَ: وَيُقَال للّئيم: إنّه لزَهِيد وزاهِد، وَأنْشد أَبُو ظَبْيَة:
وتسأَلِي القَرْضَ لئيماً زاهِدا
وَقَالَ ابْن السكِّيت: يُقَال: خُذ زَهْدَ مَا يَكْفِيك: أَي قَدْرَ مَا يَكْفِيك. وَمِنْه يُقَال: زهَدْتُ النّخْلَ: وزهَّدْتُه: إِذا خَرَصْتَه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الزَّهَد: الزَّكَاة بِفَتْح الْهَاء حَكَاهُ عَن مبُتَكرٍ البدَويّ.
قَالَ أَبُو سعيد: وَأَصله من القِلّة، لأنّ زَكاة المَال أَقلّ شَيْء فِيهِ.
شمِر، عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الزَّهِيد من الأودية: الْقَلِيل الْأَخْذ للْمَاء، النَّزِلُ الَّذِي يُسَيِّلُه الماءُ الهيّن، لَو بالَتْ فِيهِ عَناقٌ سَالَ، لِأَنَّهُ قاعٌ صُلْب، وَهُوَ الحَشادُ، والنَّزِلُ، وامرأةٌ زهيدة: قليلةُ الْأكل، ورغيبةٌ: كثيرةُ الْأكل.
هـ ز ت
هـ زظ هـ زذ هـ زث: مهملات.
هزر
اسْتعْمل من وجوهه: هزر هَرَزَ، زهر، رهز.
هزر: قَالَ اللَّيْث: الهزْرُ، والبَزْرُ: شِدَّة الضَّرب بالخشب. يُقَال: هَزَره هَزْراً، كَمَا يُقَال: هطَره، وهَبَجَه.
أَبُو عُبيد، عَن الفرّاء، يُقَال: إنّه رجل ذُو كَسَراتٍ، وهَزَراتٍ، وإنّه لَمِهْزَر، وَهَذَا كلّه: الَّذِي يُغْبَن فِي كلّ شَيْء، وأنشدنا:
إلاَّ تَدعْ هَزراتٍ لَسْتَ تاركَها
تُخْلَعْ ثيابُكَ لَا ضَأْنٌ وَلَا إبلُ
سَلمَة، عَن الفرّاء: فِي فلَان هَزَراتٌ، وكَسَرَاتٌ، ودَغَوَاتٌ، ودَغياتٌ، وخَنَبَاتٌ، وخَبَنَاتٌ، كُله الكَسَل.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهُزَيْرة تَصْغِير الهَزْرَة، وَهِي الكَسَل التامّ.
أَبُو زيد، يُقَال: هَزَرَه يَهزِرُه هَزْراً وَهُوَ الضَّرْبُ بالعصا فِي الظّهر والجَنْب، فَهُوَ مَهْزُور وهَزِير. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
لَقالَ الأباعِدُ والشّامِتو
نَ: كَانُوا كلَيْلَةِ أَهْلِ الهُزَر
قَالَ بَعضهم: الهُزَر: ثمودُ حِين أُهْلِكوا، فَيُقَال: بادوا كَمَا بادَ أهلُ الهُزَر.
وَقَالَ الأصمعيّ: هِيَ وقعةٌ كَانَت لَهُم مُنْكَرة. وَيُقَال: الهُزَر: حَيٌّ من الْيمن، قُتِلُوا فَلم يَبقَ مِنْهُم أَحَد.

(6/88)


وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهَزْرُ فِي البيع: التَّقَحُّم فِيهِ والإغلاء، وَقد هَزَرْتُ لَهُ بَيْعه هَزْراً: أَي أغليت لَهُ، والهازِرُ: المشترِي المُقَحِّم فِي البيع.
زهر: قَالَ اللَّيْث: الزهْرَة: نَوْرُ كل نَبَات وزَهْرَة الدُّنيا: حُسْنها وبَهْجَتُها. وشجرةٌ مُزْهِرَة، ونباتٌ مُزهِرٌ. والزُّهورُ: تلألؤ السِّرَاج الزَّاهر.
قَالَ العجَّاج يصفُ ثَوْراً وَحشيّاً، ووَبِيصَ بياضه:
وَلّى كمِصْباح الدُّجَى المَزْهُورِ
يَقُول: مضَى النُّور كَأَنَّهُ شُعلةُ نارٍ فِي ضَوئه وبياضه.
وَقَالَ: (مَزْهُور) ، وَهُوَ يُرِيد الزَّاهِر، وَيجوز أَن يكون أَرَادَ: المُزْهَر، كَمَا قَالَ لبيد:
النّاطق المَبرُوزُ والمَخْتُوم
يُرِيد: المُبْرَز، جعله على لفظ (يُزْهَر) و (يُبْرَز) .
والأزهر: القَمَر، وَقد زَهَر يَزْهَر زهْراً: وَإِذا نَعَتَّه بِالْفِعْلِ اللَّازِم قلتَ: زَهِرَ يَزْهَر زَهَراً، وَهُوَ لكل لونٍ أَبيض، كالدُّرّة الزَّهْراء، والحُوَار الأزهرِ، وَقَول الله: {زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} (طاه: 131) .
قَالَ أَبُو حَاتِم: (زَهَرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا) ، بِفَتْح الْهَاء، وَهِي قراءةُ العامّة بِالْبَصْرَةِ.
قَالَ: وزهْرة هِيَ قِرَاءَة أهل الحَرمين، وَأكْثر الْآثَار على ذَلِك.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ، عَن الحَرّاني، عَن ابْن السكِّيت قَالَ: الزُّهْرة: الْبيَاض، والأبيض يُقَال لَهُ: الْأَزْهَر.
قَالَ: والزَّهْرة: زَهْرَةُ النّبت والزَّهْرَة: زهْرة الْحَيَاة الدُّنْيَا: غَضارَتُها وحُسْنُها. والنجمُ الزُّهَرَة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، عَن أبي المكارِم، قَالَ: الزَّاهر: الْحَسنُ من النّبات، والزّاهر: المشْرِق من ألوان الرِّجَال.
شمر: يُقَال للسحابة الْبَيْضَاء: زَهْراء، وَأنْشد لرؤبة:
شَادِخَةُ الغُرَّةِ زَهْراءُ الضَّحِكْ
تَبَلُّجَ الزَّهْراء فِي جُنْحِ الدَّلِكْ
قَالَ: يُرِيد سَحَابَة بَيْضَاء بَرَقَتْ بالعشيّ.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الْأَزْهَر: المشْرِق من الْحَيَوَان والنبات. والأزهر: اللَّبنُ ساعةَ يُحلَب، وَهُوَ الوَضَحُ، وَهُوَ النَّاهِضُ والصَّريح.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وتصغير الزَّهر زُهير وَبِه سمِّي الشَّاعِر زُهَيْرا.
والعربُ تَقول: زَهَرَتْ بك زنادي: الْمَعْنى قُضِيَتْ بك حَاجَتي.
وزَهَر الزَّنْدُ: إِذا أَضَاءَت نارُه، وَهُوَ زَنْدٌ زَاهر.
والإزهار: إزهارُ النَّبات، وَهُوَ طلوعُ زَهَره.
قَالَ ابْن السكَّيت: الأزهَران: الشمسُ وَالْقَمَر.
وَفِي حَدِيث أَبي قَتادة أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْإِنَاء الَّذِي توضَّأَ مِنْهُ: ازدَهِرْ بِهَذَا فإنّ لَهُ شأْناً.

(6/89)


قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأُمَوي فِي قَوْله: ازدَهرْ بِهِ: أَي احْتَفِظْ بِهِ، وَلَا تُضيِّعه، وأنشدنا:
كَمَا ازدَهَرَتْ قَيْنَةٌ بالشِّراع
لأسْوارِها عُلَّ مِنْهَا اصطبَاحا
أَي جَدّتْ فِي عَملهَا ليحظى عِنْد صَاحبها.
يَقُول: احتفظت القَيْنَةُ بالشِّراع، وَهِي الأوتار.
قَالَ أَبُو عبيد: وأظنّ (ازْدهِرْ) كلمة لَيست بعربية، كَأَنَّهَا نَبَطيّة، أَو سُرْيانية فعُرِّبتْ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: هَذِه كلمةٌ عَرَبية، وَمِنْه قولُ جَرير:
قإِنك قَيْنٌ وَابْن قَيْنِينِ فازْدَهِرْ
بكِيركَ إنّ الكِيرَ لِلْقين نافعُ
قَالَ: وَمعنى ازْدَهِرْ أفْرَحْ، من قَوْلك: هُوَ أَزْهَرُ بَيِّنُ الزُّهرة: فازدَهِرْ مَعْنَاهُ: ليُسْفِرْ وجهُك، وليُزْهِر.
قَالَ: والازدهارُ أَيْضا، إِذا أمَرْتَ صاحبَك أَن يَجِدَّ فِيمَا أَمَرْتَه بِهِ قلت لَهُ: ازدَهِرْ فِيمَا أَمَرْتُكَ بِهِ (قَالَ:) وَقَول الشَّاعِر:
كَمَا ازدَهَرَتْ قَيْنَةٌ بالشِّراع
[وَهِي الأوتار: أَي جَدَّت فِي عَملهَا لِيَحْظَى عِنْد صَاحبهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: المِزْهَرُ: العُود، وَهِي مَعْرُوف.
وَقَالَ بَعضهم: الازْدِهارُ بالشَّيْء: أَن تَجْعَلُه مِنْ بالِك، وَمِنْه قَوْلهم: قَضَيْتُ مِنْهُ زِهْرِي بِكَسْر الزَّاي أَي وَطَرِي وحاجتي.
وَقَالَ شمر: الْأَزْهَر من الرِّجال: الْأَبْيَض الْعَتِيق الْبيَاض النَّيِّرُ الحَسنُ، وَهُوَ أحْسَنُ الْبيَاض، كأنَّ لَهُ بريقاً ونوراً يَزْهر كَمَا يَزهَرُ النَّجْم أَو السِّراج.
والزّهْرَاوَان: سورتا الْبَقَرَة وَآل عمرَان. جَاءَ فِي الحَدِيث: وهما المنيرتان المضيئتان.
هرز: أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هَرْوَزَ فُلانٌ هَرْوَزَةً: إِذا مَاتَ. قلت: وَهُوَ فعْوَلةٌ هَرَزَ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَرِزَ الرجُل، وهَرِىءَ: إِذا مَاتَ.
رهز: قَالَ اللَّيْث: الرَّهْزُ من قَوْلك: رَهَزَها فارتَهَزَتْ، وَهُوَ تحرُّكهما مَعًا عِنْد الْإِيلَاج: من الرجل وَالْمَرْأَة.
هـ زل
هزل، زهل، لهز، زله: مستعملة.
هزل: قَالَ اللَّيْث: الهَزْل: نقيض الجدّ، فلَان يَهْزِل فِي كَلَامه: إِذا لم يكن جادّاً، والمُشَعْوِذُ إِذا خَفَّتْ يَدُه بالتَّخاييل الكاذبة، فَفِعْلُه يُقَال لَهُ: الهُزَّيْلَى، لِأَنَّهَا هَزْل لَا جِدَّ فِيهَا. يُقَال أجادٌّ أَنْت أم هازِلٌ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَصْلٌ وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} (الطّارق: 14) أَي ماهو باللَّعِب.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَزْلُ: استرخاء الْكَلَام، وتَفْنِينُه.
قَالَ: والهَزْل يكون لازِماً، ومُتعَدِّيا، يُقَال: هَزَلَ الفَرَسُ، وهَزَلَه صاحبُه، وأَهْزَلَه، وهَزَّله.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُزَال: نقيض السِّمَن، يُقَال: هُزِلت الدَّابَّة: وأُهْزِلَ الرّجُلُ: إِذا

(6/90)


هُزلَتْ دَابَّته، وَتقول: هَزَلْتُها فَعَجُفَتْ والهَزِيلة: أسمٌ مُشْتَقٌّ من الهُزال، كالشّتِيمة من الشَّتْم، ثمّ فشَت الهَزِيلة فِي الْإِبِل، وَأنْشد اللَّيْث.
حَتَّى إِذا نَوَّرَ الجَرْجارُ وارْتَفَعَتْ
عَنْها هَزِيلتُها والفَحْلُ قد ضَرَبا
وَقَالَ خَالِد وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَم: الهَزْلُ الفَقْر، والهُزَال: ضدّ السِّمَن. والهَزْل: مَوْتُ مواشِي الرّجل، فَإِذا مَاتَت قيل: هَزَل الرّجلُ يَهْزِل هَزْلاً فَهُوَ هازِلٌ، أَي افْتقر، وَفِي الهُزَال يُقَال: هُزِل الرجل يُهْزَل فَهُوَ مَهْزُول، وهَزَل الرجل فِي الْأَمر: إِذا لم يَجِدَّ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال: هَزَل الرجلُ يَهْزلِ هَزْلا: إِذا مَوَّتَتْ ماشِيتُه، وأَهْزَل الرجل يُهْزِل: إِذا هُزِلت مَاشِيَته، وَأنْشد:
إنّي إِذا مُرُّ زمانٍ مُعْضِلِ
يُهْزِلْ ومَنْ يُهْزِلْ ومَنْ لَا يْهْزل
يَعِهْ وكلٌّ يبتلِيه مُبْتَلِي
قَالَ: كَانَ فِي الأَصْل يُعْيِهْ، فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء انجزمت الهاءُ، يُعِهْ: تُصِب ماشِيتَه العاهة.
وَالْعرب تَقول للحيّات: الهَزْلَى، على فَعْلَى قد جَاءَ فِي أشعارهم، وَلَا يْعْرَف لَهَا وَاحِد، وَقَالَ:
وأَرسال شِبْثَانٍ وَهَزْلَى تَسَرَّبُ
زهل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الزّهَلُ: التَّباعُدُ من الشرِّ.
قَالَ: والزاهل: المطمئنّ الْقلب. والزُّهلول: الْفرس الأمْلَسُ الظّهْر.
لهز: قَالَ اللَّيْث: اللَّهْز: الضَّرْبُ بِجُمْع الْيَد فِي الصَّدْر، وَفِي الحَنَك، وَيُقَال: لَهزَه القَتِيرُ فَهُوَ ملهُوز، ولَهَزَه بالرُّمح: إِذا طعنه فِي صَدْره، والفَصِيل يلهَزُ أمَّه: إِذا ضربَ ضَرْعَها بِفِيه ليَرضع.
وَقَالَ غَيره: جَمَلٌ مَلْهُوز: إِذا وُسِم فِي لِهْزِمَتِه، وَقد لَهَزْتُ البَعيرَ فَهُوَ ملهوز: إِذا وسَمَتْه تِلْكَ السِّمه، وَقَالَ الجُمَيْح:
مَرَّتْ براكِب مَلْهُوزٍ فَقَالَ لَهَا
ضُرِّي جُمَيْحاً ومَنِّيه بِتَعْذِيبِ
ابْن بُزُرْج: اللَّهْزُ فِي العُنُق، واللَّكْز بِجُمْعِكَ فِي عُنُقه وصدره.
قَالَ: والوَهْزُ بالرِّجْلَين، والبَهْزُ بالمِرْفَق، وَيُقَال: وَكَزْتُ أَنفه أَكِزُه: إِذا كسرت أَنفه، ووكَعْتُ أَنفه فَأَنا أَكعُه مثل وكزته.
أَبُو عُبَيْدَة: من دوائر الْخَيل اللاّهز، وَهِي الَّتِي تكون فِي اللَّهْزِمة، وَهِي تُكْرَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: اللاَّهز: الجَبَل يَلْهَزُ الطَّرِيق يقطَعُه، ويُضِرُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ الأكمَةُ تُضِرّ بِالطَّرِيقِ، وَإِذا اجْتَمَعَت الأَكَمَتَان، أَو التَقَى الجَبَلان حَتَّى يَضِيق مَا بَينهمَا كَهَيئَةِ الزُّقاق فهما لاهِزَان، كلُّ وَاحِد مِنْهَا يَلْهَزُ صَاحبه.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد، يُقَال للرَّجلُ أوَّل مَا يظْهر فِيهِ الشَّيْب: قد لَهِزَه الشَّيْبُ، ولَهْزَمَهُ يُلْهَزُه ويُلَهْزِمُه.
قلت: وَالْمِيم زَائِدَة، وَمِنْه قَول رؤبة:
لَهْزَمَ خَدَّيَّ بِهِ مُلَهْزِمُه
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: لَهَزْتُه وبَهَزْتُهُ: ولَكَمْتُه: إِذا دَفَعْتَه.

(6/91)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَهْزُ واللهْزُ، واللَّكْزُ، والوكْزُ وَاحِد.
وَقَالَ الكسائيّ: لهزْتُه ونَهَزْتُه وَوَهَزْتُه وَاحِد.
وَقَالَ أبي الْأَعرَابِي: لهزَه، وبهزَه، ومهزَه، ونهزَه، ونحزَه، وبحزَه، ومحزَه، ووكزَه، بِمَعْنى وَاحِد.
زله: قَالَ اللَّيْث: الزَّلَه: مَا يَصِلُ إِلَى النَّفس من غَمّ الْحَاجة، أَو همَ من غَيْرِها، وَأنْشد:
وَقد زَلِهَتْ نَفْسِي مِنَ الْجُهْدِ وَالَّذِي
أطالِبه شَقْنٌ ولكنَّه نَذْلُ
الشَّقْنُ: الْقَلِيل الوَتِحُ من كل شَيْء
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الزَّلُهُ التحيُّر. والزَّلْه: نَوْرُ الرَّيحان وحُسْنُه.
والزَّلْهُ: الصَّخْرةُ الَّتِي يقوم عَلَيْهَا الساقي.
هـ ز ن
هَنز، نزه، نهز، هزن: مستعملة.
هنز: فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يُقَال: هَذِه قَرِيصَةٌ من الْكَلَام وهَنِيزةٌ، ولَدِيغة فِي معنى الأَذِيَّة.
هزن: هَوَازِنُ، ابْن مَنْصُور: لَا أَدْرِي مِمَّ اشتقاقه.
قَالَ ابْن دُرِيد: هَوْزنُ: اسْم طَائِر، وجمعُه هَوَازِن، وَلم أسمعهُ لغيره. وقرأتُ بخطِّ أبي الْهَيْثَم للأصمعي قَالَ: الهوازن: جمع هَوْزَنٍ، وهم حيٌّ من الْيمن يُقَال لَهُم: هَوْزَن.
قَالَ: وَأَبُو عَامر الهوزَنيُّ مِنْهُم.
نزه: قَالَ اللَّيْث: مَكَان نَزِهٌ، وَقد نَزِهَ نَزَاهَةً. وَالْإِنْسَان يتنزّه: إِذا خَرَجَ إِلَى نُزْهَة. والتنزُّه: أَن يَرْفَع نَفْسَه عَن الشَّيْء تكرُّماً، ورغْبةً عَنهُ.
قَالَ: وتنزيه الله: تسبيحُه، وَهُوَ تبرئَتُه عَن قَول المُشْرِكين، سُبْحَانَ الله عمّا يَقُول الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيرا.
الحرانيّ، عَن ابْن السّكيت قَالَ: وممّا تَضَعُه العامّة فِي غير موضِعه قَوْلهم: خرجنَا نتنزَّه: إِذا خَرجُوا إِلَى الْبَسَاتِين، وَإِنَّمَا التنزُّه: التَّباعُد عَن الأرياف والمياه؛ وَمِنْه قيل: فلَان يتنزّه عَن الأَقذار: أَي يباعد نَفسه عَنْهَا، وَمِنْه قولُ الهُذَليّ:
أقَبَّ طَرِيدٍ بنُزهِ الفَلاَ
ةِ لَا يردُ المَاء إِلَّا انتيابا
يُرِيد مَا تَباعَد من الفلاة عَن الْمِيَاه والأرْياف، وَيُقَال: ظَلِلنَا مُتَنزِّهِين: إِذا تبَاعَدُوا عَن المِياه، وَهُوَ يتنزَّه عَن الشَّيْء: إِذا تبَاعد عَنهُ، وإنّ فلَانا لنَزِيهٌ كريم: إِذا كَانَ بَعيدا من اللُّؤم، وَهُوَ نَزِيه الخُلُق.
وَيُقَال: تَنَزَّهُوا بحُرَمِكُمْ عَن الْقَوْم، وَهَذَا مكانٌ نَزِيهٌ: أيْ خَلاءٌ لَيْسَ فِيهِ أحد، فأَنزِلُوا فِيهِ حُرَمَكُم.
قلتُ: وتنزيه الله: تَبْعِيدُه، وتقديسُه عَن الأنداد، والأضداد وإنّما قيل لِلْفَلاةِ الّتي نأت عَن الرِّيف والمِياه: نَزِيهةٌ؛ لبُعْدِها عَن غَمَق الْمِيَاه، وذِبّانِ القُرَى، ووَمَدِ البِحار، وفَسادِ الْهَوَاء.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال: هُمْ قومٌ أَنْزاه: أَي يتنزَّهون عَن الْحَرَام، الواحدُ نَزِيه، مثل مَلِىءٌ وأَمْلاَء.

(6/92)


قَالَ: وَرجل نَزِهٌ ونَزِيه: وَرِع، وفلانٌ يتنزه عَن مَلائِم الأَخْلاق، أَي يترفّع عمّا يُذَمُّ مِنْهَا.
نهز: قَالَ اللَّيْث: النَّهْزُ: التناوُل بِالْيَدِ، والنُّهُوض للتناوُل جَمِيعًا. والنُّهْزَة: اسْم للشَّيْء الَّذِي هُوَ لَك مُعَرَّض، كالغنيمة الَّتِي أمكَنَك تَنَاؤلُها يُقَال: هُوَ نُهْزَة المُختَلِس: أَي هُوَ صَيْدٌ لكلّ أحد، وَتقول: انْتهِزْها فقد أمكنَك قبل الفَوْت.
والنّاقةُ تَنْهَزُ بصَدْرها: إِذا نَهَضَتْ لتَمضِيَ وتَسير، وَأنْشد:
نَهُوزٌ بأُولاَها زَحُولٌ بصَدْرِها
والدّابّة تَنْهَزُ بِرَأْسِها: إِذا ذبّت عَن نَفْسها، قَالَ ذُو الرّمة:
قِياماً تَذُبُّ البَقَّ عَنْ نُخَراتِها
بِنَهْزٍ كإيماءِ الرُّؤوس المَوَاتِع
وَيُقَال للصبيّ إِذا دنا للفِظام: نَهَزَ للفِظام فَهُوَ ناهِز. وَالْجَارِيَة كَذَلِك، وَقد ناهزا، وأنشَد:
تُرضِعُ شِبْلَيْن فِي مَغَارِهِما
قد ناهَزَا للفِظامِ أَو فُطِمَا
وَيُقَال: نَهَزَتْني إِلَيْك حاجةٌ نَهْزاً: أَي جَاءَت بِي إِلَيْك، وأصل النَّهْزِ الدَّفْعُ، كأنّها دَفَعَتنِي، وحَرَّكَتْني، وَفُلَان ينهَزُ دَابَّته نَهْزاً، ويلْهَزُها لَهْزاً: إِذا دَفَعها وحرَّكَها.
ورُوِيَ عَن عُمَر أَنه قَالَ: (من أَمَّ هَذَا الْبَيْت لَا يَنْهَزُهُ إِلَيْهِ غَيره رَجَعَ وَقد غُفِرَ لَهُ) .
أَبُو عُبيد عَن الكسائيّ: نَهَزه، ولَهَزَهُ، بِمَعْنى وَاحِد.
وَكَانَ الناسُ نَهْزَ عشرةِ آلَاف: أَي قُرْبَها. يُقَال: ناهزَ فُلانٌ الْحُكْمَ: أَي قارَبَه.
شمر: المُناهزة: المُبَادَرة، يُقَال: ناهزْتُ الصَّيْدَ فقَبَضْتُ عَلَيْهِ قبلَ إفْلاتِه.
هـ ز ف
هزف، زهف، زفه: مستعملة.
هزف: أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الهِجَفّ من الظِّلمان: الجافي. والهِزَفُّ، وَقيل: الهِزَفّ الطَّوِيل الرِّيش.
زفه: أهمله اللَّيْث. ورَوى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الزّافِهُ: السَّرَاب، والسَّافِهُ: الأَحْمَق.
زهف: قَالَ اللَّيْث: الزَّهْف: استُعْمل مِنْهُ الازدِهاف وَهُوَ الصُّدُود، وَأنْشد:
فِيهِ ازْدِهافٌ أيَّمَا ازْدِهافِ
وَقَالَ الأصمعيّ: ازدِهاف هَاهُنَا: استعجالٌ بالشرّ.
وَقَالَ المُفَضَّل: فِيهِ ازدِهافٌ: أَي كَذبٌ وتَزَيُّد.
وَقَالَ غيرُه: فِيهِ ازْدهاف: أَي تقَحُّمٌ فِي الشّرّ.
وَيُقَال: زَهَف للموْت: أَي دنا لَهُ، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة:
ومَرْضَى مِنْ دَجاج الرِّيف حُمْرٍ
زَواهفُ لَا تموتُ وَلَا تَطِيرُ
وَيُقَال: ازْدَهَفَ فلانٌ فلَانا، واسْتَهَفَّهُ واسْتهْفاه: إِذا استزفّه، كلُّ ذَلِك بِمَعْنى استخفّه.
والزّاهف: الْهَالِك، وَمِنْه قَوْله:

(6/93)


فَلَمْ أَرَ يَوْمًا أكثرَ زاهِفاً
بِهِ طعنةٌ قاضٍ عَلَيْهِ أَلِيلُها
والأَلِيلُ: الأَنِين.
أَبُو زيد فِي (نوادره) : أَزْهَفَ بِالرجلِ إزْهافاً: إِذا ذَكَر للْقَوْم مِنْ أَمْرِه أَمْراً لَا يَدْرُون أحقُّ هُوَ أَو بَاطِل.
وأَزْهَفْتُ إِلَى فُلانٍ حَدِيثاً: أَي أسندتُ إِلَيْهِ قولا لَيْسَ بحَسَن، وأَزْهَفَ لنا فلانٌ فِي الخَبَر: إِذا زَاد فِيهِ.
وَإِذا وثِقْتَ بالرَّجُل فِي الأمْر فخَانَك فقد أزْهَفَك إزهافاً، وأصل الإزهاف الْكَذِب.
وَقَالَ شمِر: أَزْهَفْتُهُ، وأَزْهَقْتُه: أَي أهلكْتُه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أَزْهَفَتْهُ الطَّعنَةُ، وأَزْهَقتْهُ: أَي هَجَمتْ بِهِ على الْمَوْت، وأَزْهَفْتُ إِلَيْهِ الطّعنةَ: أَي أدْنَيتها.
وَقَالَ الأصمعيّ: أزْهَفْتُ إِلَيْهِ، وأزْعفْت عَلَيْهِ: أَي أجهَزْتُ عَلَيْهِ، وَأنْشد شَمِر:
فلمّا رأَى بأنّه قد دَنَا لَهَا
وأزْهَفها بعض الَّذِي كَانَ يُزْهِفُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أزْهَفتُ الشَّيْء: أزْجَيتُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: أَزْهَفَ لَهُ بالسَّيف إزْهَافا، وَهُوَ بُداهَتُه، وعَجَلَتُه، وسَوْقُهُ إِلَيْهِ، وازدهَفَ لَهُ بالسَّيف أَيْضا.
هـ زب
هزب، هبز، بهز، زهب: مستعملة.
هزب: قَالَ اللَّيْث: الهَوْزَبُ: المُسِنُّ الجريء من الْإِبِل، وَقَالَ الْأَعْشَى:
والهَوْزَبَ العَوْدَ أَمتَطِيهِ بهَا
والعَنتَرِيسَ الوَجناءَ والجَمَلا
هبز: قَالَ أَبُو زيد: هَبَزَ يَهبزُ هُبُوزاً: إِذا مَاتَ وَكَذَلِكَ قَحَزَ يَقْحِزُ قُحُوزاً: إِذا مَاتَ.
زهب: أَبُو تُرَاب، عَن الجعفريّ: أعطَاهُ زِهْباً مِن مالِه فازدهبه: إِذا احتمله، وازدعبه مثله.
بهز: فِي الحَدِيث: أَنه أُتَي بشارب، فخُفِقَ بالنِّعال، وبُهِزَ بالأَيدي. البَهْزُ: الدَّفْع.
قَالَ اللَّيْث: البَهْزُ: الدَّفعُ العنيف، بَهَزْتُه عنِّي.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هُوَ البهزُ واللَّهزُ، وَأنْشد:
أَنا طَلِيقُ الله وابنِ هُرْمزِ
أنقذني مِن صاحبٍ مُشَرِّز
شَكْسٍ على الأهلِ مِتَلَ مِبْهَزِ
أَبُو عُبيدة عَن الأصمعيّ بَهزَهُ، ولهَزَهُ: إِذا دَفَعه، وبَهْزٌ: من أَسمَاء العَرَب المشارزة: المشارَّة بَين النَّاس.
هـ ز م
هزم، مهز، همز، زهم، مزه: مستعملة.
مهز: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: مَهزَه، ومَحَزَه وبَهزَه بِمَعْنى وَاحِد: أَي دَفعه.
مزه: يُقَال: مازَحَه، ومازَهَه، والمَزْحُ، والمَزْهُ وَاحِد.
هزم: قَالَ اللَّيْث: الهزْم: غَمزُك الشَّيْء تهزِمُه بيَدِك فينهزِم فِي جَوْفه، كَمَا تَغْمِزُ القَناة فتنهزم، وَكَذَلِكَ القِربةُ تنهزِم فِي جوفها وَالِاسْم الهمزَةُ، والهزْمة، والجميع الهُزُوم، وَمِنْه قَول الراجز:

(6/94)


حتَّى إِذا مَا بَلَّت العُكوما
من قَصَب الأجواف والهُزُوما
وغَيْثٌ هَزِم: مُتهزِّم لَا يسْتَمْسك، كَأَنَّهُ مُتهزِّمٌ عَن مائِه، وَكَذَلِكَ هَزيم السّحاب.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: السَّحَاب المتهزِّم والهَزِيم، وَهُوَ الَّذِي لرَعدِه صوتٌ، يُقَال مِنْهُ: سمعتُ هَزْمَة الرَّعْد.
اللَّيْث: يُقَال: هُزِم القومُ فِي الْحَرْب، وَالِاسْم الهزِيمة، والهِزِّيمَى، وأصابتْهم هازمةٌ من هوازم الدَّهر: أَي داهية كاسرة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ} (البَقَرَة: 251) مَعْنَاهُ كسروهم ورَدُّوهم.
قَالَ: وأصل الهَزْم فِي اللُّغَة كسر الشَّيْء وثَنْيُ بعضِه على بعض.
وَيُقَال: سِقاءٌ مُتَهزِّمٌ ومُهزَّم: إِذا كَانَ بعضُه قد ثُنِيَ على بعض مَعَ جَفاف.
قَالَ: وقَصَبٌ مُتهزِّم ومُهَزَّم: أَي قد كُسِر وشُقِّق.
قَالَ: والعَرَبُ تَقول: هُزِمْتُ على زيد: أَي عُطِفْتُ عَلَيْهِ، وَأنْشد:
هُزِمْتُ عليكِ اليَوْمَ يابنةَ مالكٍ
فجودِي عليْنا بالنوال وأَنْعمِي
وَيُقَال: سمعتُ هَزْمة الرَّعد.
قَالَ الْأَصْمَعِي: ورُويَ عَن أبي عَمْرو: هُزِمتُ عَلَيْك: أَي عُطِفتُ، وَهُوَ حرف غَرِيب صَحِيح، وَيُقَال: سمعتُ هَزْمة الرَّعْد.
قَالَ الأصمعيّ: كَأَنَّهُ صَوت فِيهِ تَشَقّق.
وفَرَس هَزم الصوّتِ: يُشَبَّه صَوْتُه بصَوْتِ الرعدِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَزْم: مَا اطمأنَّ من الأَرْض.
وَقَالَ غَيره: جمعُه هُزُوم، وَمِنْه قَوْله:
كَأَنَّهُ بالخَبْتِ ذِي الهُزُومِ
وَقد تَدَلَّى قائدُ النُّجوم
نَوَّاحةٌ تبْكي على حميم
وهُزُومُ اللَّيْل: صُدوعُه للصبح، وَأنْشد قَول الفرزدق:
سوْداءَ من ليل التِّمام اعْتسفْتُها
إِلَى أنْ تجلّى عَن بياضٍ هُزُومُها
وَقَالَ اللَّيْث: الهزائم: العِجافُ من الدوابّ، الْوَاحِدَة هزِيمة.
وَقَالَ غَيره: هِيَ الهِزَم أَيْضا، واحدُها: هِزْمة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الهَزِيم: السَّحَاب المُتَشَقِّق بالمطَر، وفَرَسٌ هَزيم: يتشقَّق بالجرْي. وهَزمْتُ الْبِئْر: حَفرتُها وَجَاء فِي حَدِيث زَمْزَم: (إِنَّهَا هَزمة جِبْرِيل) : أَي ضربهَا بِرجلِهِ فَنَبع المَاء.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أَنه هَزَم الأَرْض: أَي كسر وَجههَا عَن عَينها حَتَّى فاضت بِالْمَاءِ الرَّواء. وبئر هزيمَة؛ إِذا خُسِفتْ وكسِر جَبَلُها فَفَاضَ الماءُ الرَّواء، وَمن هَذَا أَخذ هزيمةُ الفَرَس، وَهُوَ تصبُّبُ عَرقِه عِنْد شِدَّة جَرْيه.
وَقَالَ الجعديُّ:
فلمَّا جَرى الماءُ الحميمُ وأُدْرِكتْ
هزيمتُه الأولَى الَّتِي كنتُ أَطلبُ

(6/95)


وَقَالَ الطرمَّاح فِي هزيمَة الْبِئْر:
أَنا الطِّرمّاح وعَمِّي حاتمُ
واسمِي شَكيمٌ ولساني عارِمُ
والبحرُ حِين تنكُزُ الهزائمُ
أَرَادَ بالهزائم آباراً كثيرةَ الْمِيَاه.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: فَاجْتَنبُوا هَزْمَ الأرْض، فَإِنَّهَا مأوَى الهوامّ، يَعْنِي مَا تهزَّم مِنْهَا: أَي تشقَّق، وتكسَّر.
وَفِي الحَدِيث: (أول جُمُعة جُمِّعت فِي الْإِسْلَام بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْم بَني بَياضةَ) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الاهتزام من شَيْئَيْنِ؛ يُقَال للقِرْبة إِذا يَبِستْ وتكسَّرت: تهزَّمَتْ، وَمِنْه الْهَزِيمَة فِي الْقِتَال، إِنَّمَا هُوَ كَسْرٌ. والاهتزام: من الصَّوْت، يُقَال: سمعتُ هزيمَ الرَّعد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: من أَمْثَال العَرب فِي انتهاز الفُرص: (اهتزِموا ذبيحتَكم مَا دَامَ بهَا طِرْق) مَعْنَاهُ اذبحوها مَا دَامَت سَمِينَة قبل هُزَالِها. والاهتزام: المبادَرَة إِلَى الْأَمر والإسراع، قَالَ الراجز:
إنِّي لأخشَى وَيْحَكُمْ أَن تُحرَمُوا
فاهتزِموها قَبْلَ أَنْ تَنَدَّموا
وَجَاء فلانٌ يَهتزِم: أَي يُسرع كَأَنَّهُ يُبادِر شَيْئا، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
كَانَت إِذا حالِبُ الظلْماءِ أَسْمَعها
جَاءَت إِلَى حالبِ الظَّلماء تهتَزِمُ
أَي جَاءَت إِلَيْهِ مُسرِعةً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: ضربَه حَتَّى هَزَّمه وطَحْلَبَه: أَي قَتله، وأَنقزه مثله.
وَقَالَ اللَّيْث: المِهزامُ: عُودٌ يُجعَل فِي رَأسه نارٌ يلعَب بِهِ صِبْيانُ الْأَعْرَاب، وَهُوَ لُعبَةٌ لَهُم.
وَقَالَ ابْن حبيب فِي قَول جرير:
كَانَت مجرِّبةً ترُوزُ بكفِّها
كمَرَ العَبيدِ وتَلعَبُ المِهزاما
قَالَ: المِهْزام: لُعْبةٌ لَهُم يَلعَبونها، يُغَطَّى رأسُ أحدهم، ثمَّ يُلطم، فَيُقَال لَهُ: من لَطَمَك؟ .
وَقَالَ ابْن الفَرَج: المِهزام: عَصاً قصيرةٌ، وَهِي المِرْزام، وَأنْشد:
فشَامَ فِيهَا مِثْلَ مِهْزَامِ العَصَا
ويُرْوَى: مثل مِرْزام.
همز: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُمّاز: المُغْتابون فِي الْغَيْب. واللُّمّاز: المغتابون فِي الحَضْرة، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {} (الهُمَزة: 1) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الهُمَزَة اللُّمَزَة: الَّذِي يغتاب الناسَ، وَيغُضُّهم؛ وَأنْشد:
إِذا لقيتُك عَن كُرْهٍ تكاشِرُني
وَإِن تغيّبتُ كنتَ الهامِزَ اللُّمزَهْ
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي الهمَزة: اللمَزة مثله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهمْز: الغَضُّ. واللّمْز: الكَسْر، والهَمز: الْعَيْب.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي، هَمَزتُه ولمَزْتُه ولَهْزتُه ونهَزْتُه: إِذا دَفعْته.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَمَّاز والهُمَزة: الَّذِي يَهمِز أَخَاهُ فِي قَفاه مِن خَلفِه.
قَالَ: واللَّمْز فِي الِاسْتِقْبَال.

(6/96)


وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا استفتَح الصَّلَاة قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفثه ونفخه) . قيل: يَا رَسُول الله: مَا هَمْزُه ونَفْخُه ونَفْثُه؟ قَالَ: أما هَمزه فالمُوتَةُ، وَأما نَفثُه فالشِّعر، وَأما نفْخُه فالكِبْر) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: المُوتَةُ: الْجُنُون، وَإِنَّمَا سمَّاه هَمزاً؛ لِأَنَّهُ جَعَله من النَّخْس والغَمز، وكلُّ شَيْء دفعتَه فقد هَمزتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَمْز: العَصْر. تَقول: هَمزتُ رأسَه، وهَمزتُ الجَوْزَ بكفِّي، وَأنْشد:
وَمن هَمزِنا رَأسَه تَهَشَّما
ابْن الأنباريّ: قوسٌ هَمَزَى: شَدِيدَة الهَمْز، إِذا نُزِع فِيهَا. قَالَ أَبُو النَّجم:
أَنْحَى شِمالاً هَمزَى نَضُوحاً
وهتَفَى: مُعْطِيةً طرُوحاً
قَوْسٌ هَتَفى: تهتِفُ بالوَتر.
قَالَ وَإِنَّمَا سمّيت الهمْزة فِي الْحُرُوف لِأَنَّهَا تُهمَز فتُهَتُّ فتنهمز عَن مَخرَجها، يُقَال: هُوَ يَهُتُّ هتّاً: إِذا تكلم بالهَمْز.
قلت: وهمزُ القناةِ: ضَغْطُها بالمَهامِز إِذا ثُقِّفتْ.
قَالَ شمر: والمَهامِز: عِصِيٌّ واحدتها مِهْمزَة وَهِي عَصا فِي رَأسهَا حديدةٌ يُنْحَس بهَا الْحمار. وَقَالَ الأخطل:
رَهْطُ ابنِ أَفْعَلَ فِي الخطوب أذلّةٌ
دُنُسُ الثِّياب قَناتُهُم لم تُضْرَسِ
بالهَمْز من طول الثِّقاف وجارُهُم
يُعطِي الظُّلامةَ فِي الخطوب الحُوَّسِ
وَقَالَ الشماخ فِي المَهامِز الَّتِي يُنْخَسُ بهَا الشَّمُوسُ من الخَيل:
أَقَامَ الثِّقافُ والطَّريدةُ دَرْأَها
كَمَا أخرَجَتْ ضِغْنَ الشَّمُوسِ المهامِز
ورَوَى شَهْرُ بنُ حَوْشَبِ، عَن ابْن عبّاس فِي قَول الله: {} (الهُمَزة: 1) .
قَالَ: هُوَ المَشّاءُ بالنَّميمة، المُفَرِّق بَين الْجَمَاعَة المُغْرِي بَين الأحِبَّة.
الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: المَهامِز: مَقارِعُ النّخّاسين الَّتِي يهمزون بهَا الدوابَّ لتُسْرِع، واحدتها مِهْمَزة، وَهِي المِقْرَعة.
زهم: قَالَ اللَّيْث: الزُّهومة: ريحُ لحمٍ مُتَنٍ. ولحمٌ زَهِم. ووجَدْتُ مِنْهُ زُهومَة: أَي تغيُّراً.
قلت: الزُّهُومة فِي اللَّحْم: كَرَاهَة طبعيَّة فِي رَائِحَته الَّتِي خُلِقَتْ عَلَيْهَا بِلَا تغيّر وإنتان، وَذَلِكَ مثلُ رَائِحَة اللَّحْم الغثّ، أَو رَائِحَة لحم السِّباع، وَكَذَلِكَ السَّمك السَّهِك البَحْريّ، وَأما سَمَك الْأَنْهَار العَذْبة الْجَارِيَة فَلَا زُهومَةَ لَهَا.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: زَهِمْتُ زُهْمَةً، وخَضِمْتُ خُضْمةً، وغَذِمتُ غُذمةً بِمَعْنى لَقِمْتُ لُقْمةً. وَقَالَ:
تَمَلَّىء من ذَلِك الصَّفيحِ
ثمّ ازهَمِيه زُهْمَةً فَرُوحي
قلت: وَرَوَاهُ ابْن السكّيت:
أَلا ازحَمِيه زُحمةً فرُوحِي
عاقَبَت الحاءُ الهاءَ.

(6/97)


وَقَالَ ابْن السكّيت: الزُّهمةُ: الرَّائِحَة المُنْتِنة، والزُّهْم: الشّحْم. والزَّهِمُ: السَّمين.
سَلمَة، عَن الفرّاء قَالَ: من أَمْثَال الْعَرَب: (فِي بطن زُهْمانَ زادُه) يُضرَب مَثَلاً للرجل يُدعَى إِلَى الْغَدَاء وَهُوَ شَبْعان.
قَالَ: ورجلٌ زُهمانيّ: إِذا كَانَ شبْعان. والشَّحْمُ يُسَمَّى زُهْماً إِذا كَانَ فِيهِ زُهُومة مِثلُ شحْم الْوَحْش. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يذكُر زُهْمَ الكَفَل المَشروحا
وَمن هَذَا يُقَال للسَّمين: زَهِم. وَقَالَ زُهَيْر:
مِنْهَا الشَّنُونُ وَمِنْهَا الرَّاهِقُ الزَّهِمُ
وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا اقتسم القومُ جَزُوراً أَو مَالا فأعطوا مِنْهَا رجُلاً حَظَّه، وَأكل مَعَهم، ثمّ جَاءَهُم بعد ذَلِك مستطعماً، قيل لَهُ: (فِي بطن زهمان زَاده) : أَي قدَ أكلتَ مِنْهُ وأخذتَ حظَّك.
ورَوَى ابنُ هانىء، عَن زيد بن كَثْوَة أَنه قَالَ: يُضْرَب هَذَا الْمثل للرجل يطلبُ الشيءَ وَقد أَخذ نصيبَه مِنْهُ، وَذَلِكَ أنّ رجلا نَحَر جَزُوراً وأَعطَى زُهْمانَ نَصِيبا ثمّ إِنَّه عَاد ليَأْخُذ مَعَ النَّاس، فَقَالَ لَهُ صَاحب الْجَزُور هَذَا.
ابْن السكّيت: الزُّهْمة: الرِّيح المُنْتنة، والزُّهْم: الشَّحْم، والزَّهِمِ: السَّمين.
وَفِي (النَّوَادِر) : زَهَمْتُ فلَانا عَن كَذَا وَكَذَا: أَي زجرتُه عَنهُ.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: زاهَمَ فلانٌ الخَمسين، إِذا دنا لَهَا وَلما يبلُغْها.
وروى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: يُقَال: زاحَم الْأَرْبَعين، وزاهَمَها.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: بَينهمَا مُزاهَمَة: أَي عَدَاوَة ومحاكَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: جَمَل مُزاهِم. والمُزَاهَمَة: الفَرُوط لَا يكَاد يدنو مِنْهُ فَرَسٌ إِذا جُنِبَ إِلَيْهِ. وَقد زاهَم مُزَاهَمَةَ وأزهَمَ إزهاماً، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
مُسْتَرْ عفاتٌ بِخِدَبٌّ عَيْهامْ
مَرَوْدَكِ الْخَلْقِ دِرَفسٍ مِسعَامْ
للسابِق التَّالِي قَلِيل الإزْهامْ
أَي لَا يكَاد يدنو مِنْهُ الْفرس المَجْنوب لسُرْعته.
قَالَ: والمزاهِم: الَّذِي لَيْسَ مِنْك بقريب وَلَا بعيد، وَقَالَ:
غَرْبُ النَّوَى أمْسَى لَهَا مُزاهِما
من بعد مَا كَانَ لَهَا مُلازِما
فالمُزاهم: المُفارِق هَاهُنَا، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
حَمَلتْ بِهِ سَهْواً فزاهَمَ أنْفَه
عندَ النِّكاح فَصِيلُها بمَضيقِ
والمزاهَمة: المداناة، مَأْخُوذ من شمِّ ريحِهِ.

(أَبْوَاب الهَاء والطَاء)
هـ ط د هـ ط ت هـ ط ظ: مهملات الْوُجُوه.
هـ ط ذ
ذهط: والذِّهْيَوْط، وَيُقَال: الزِّهْيوط: مَوضِع.

(6/98)


هـ ط ث
أهمله اللَّيْث.
طهث: ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ:
الطُّهْثَةُ: الضَّعِيف الْعقل من الرِّجال وَإِن كَانَ جِسْمه قَوِيا.
هـ ط ر
طهر، هطر، هرط، رَهْط: مستعملات.
هطر: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هَطَرَه يَهْطِرَه هَطْراً كَمَا يُهْبَجُ الْكَلْب بالخَشبة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهَطْرة تذلُّل الفقيرِ للغنيّ إِذا سَأَلَهُ.
هرط: قَالَ اللَّيْث: نعجَة هِرْطَةٌ، وَهِي المهزولةُ لَا يُنتفعُ بلحمها غُثُوثة.
ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الفرَّاء قَالَ: الهِرْطة: النعجة المهزولة، ولحمها: الهِرْط بِالْكَسْرِ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَحمهَا الهَرْط بِفَتْح الْهَاء، وَهُوَ الَّذِي يتَفَتَّتُ إِذا طُبِخ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْإِنْسَان يَهْرِط فِي كلامِه: إِذا سَفْسَف وخلَّط.
قَالَ: والهَرْط لُغَة فِي الهَرْت، وَهُوَ المَزْق العَنيف.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هَرَطَ الرجلُ عِرْضَ فلانٍ يَهْرِطُه هَرْطاً إِذا طَعَن فِيهِ، وَمثله هَرَده يَهْرِدُه، وهرتَه يَهْرِتُه ومَزَقه.
ابْن شُمَيْل قَالَ: الهِرْطةُ من الرِّجَال: الأحمق الجبان الضَّعِيف.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَرِط الرجُل: إِذا استَرْخَى لحمُه بعد صلابة من علّةٍ أَو فَزَع.
طهر: قَالَ اللَّيْث: الطَّهْر: نَقيض الْحَيض. يُقَال: طَهَرت المرأةُ، وطَهُرتْ فَهِيَ طاهِرٌ: إِذا انْقَطع عَنْهَا الدَّم، ورأتِ الطُّهر.
قَالَ فإِذا اغْتَسَلت قيل: تطهَّرت، واطَّهَرَت. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} (المَائدة: 6) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن أبي العبَّاس أَنه قَالَ فِي قَول الله: جلّ وعزّ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (البَقَرَة: 222) وقرىء (حَتَّى يَطَّهَّرْن) . .
قَالَ أَبُو العبَّاس: والقراءةُ (يطَّهَّرْنَ) ؛ لأنَّ من قَرَأَ {يَطْهُرْنَ} أَرَادَ انْقِطَاع الدَّم، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} : اغْتَسَلْنَ، فَيصير مَعْنَاهُمَا مُخْتَلفا. والوجهُ أَن تكون الكلمتان بِمَعْنى وَاحِد، يُرِيد بهما جَمِيعًا الغُسْلَ، وَلَا يحلُّ المَسِيسُ إلاّ بالاغتسال، ويُصدِّق ذَلِك قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: (حَتَّى يتطهرن) .
قَالَ: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: طَهَرتِ الْمَرْأَة هُوَ الْكَلَام، وَيجوز طَهُرَت، وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} (التَّوْبَة: 108) فإنّ مَعْنَاهُ الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ، نزلت فِي الْأَنْصَار، وَكَانُوا إِذا أَحْدَثُوا أَتْبعُوا الحجارةَ بِالْمَاءِ، فَأثْنى الله جلَّ وعزَّ عَلَيْهِم بذلك.
وَقَالَ اللَّيْث: التطهُّر: التنزَّه عَن الْإِثْم وَمَا لَا يحمد.

(6/99)


وَمِنْه قَول الله عزَّ وجلَّ فِي ذكر قوم لُوط وقولِهم فِي مؤمني قوم لوط: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعرَاف: 82) أَي يتنزهون عَن إتْيَان الذُّكران.
وَيُقَال: فلانٌ طَاهِر الثِّيَاب: إِذا لم يكن دَنِسَ الْأَخْلَاق. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
ثِيَابُ بني عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ
وأوجُهُهُمْ بِيضُ المَسافِرِ غُرّانُ
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} (آل عِمرَان: 15) يَعْنِي من الْحيض وَالْبَوْل وَالْغَائِط، وَمَاء طَهُور: أَي يُتَطَهَّر بِهِ، وكما تَقول: وَضُوء، للْمَاء الَّذِي يُتَوَضَّأ مِنْهُ، وكلُّ طَهُورٍ طاهِرٌ، وَلَيْسَ كلّ طَاهِر طَهُوراً. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (البَقَرَة: 222) : اغتسلْنَ، وَقد تطَهَّرَت الْمَرْأَة، واطّهرت، فَإِذا انْقَطع عَنْهَا الدَّم قيل: طَهَرت تطهُر فَهِيَ طَاهِر بِلَا هَاء. وَقَوله عزّ وجلّ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (هُود: 78) : أَي أحَلُّ لكم، والتطهُّرُ: التنزُّه عمّا لَا يحلُّ، وَمِنْه قَوْله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعرَاف: 82) : أَي يتنزهون عَن أدبار النِّسَاء وَالرِّجَال، قَالَه فِي قوم لوط تهكّماً، وَقَوله تَعَالَى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ} (البَقَرَة: 125) يَعْنِي من الْمعاصِي، وَالْأَفْعَال المحرَّمة.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: 4) : قَالَ بعضُ المفسِّرين: يَقُول: لَا تكن غادِراً فتُدنِّسَ ثِيَابك، فإنّ الغادر دَنِسُ الثّياب، وَقيل معنى قَوْله: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: 4) يَقُول: عَمَلَك فأَصْلِحْ.
وَقَالَ بَعضهم: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: 4) : أَي قَصِّرْ، فإِنَّ تَقْصِير الثِّياب طُهرٌ.
ورَوى عِكرمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: 4) يَقُول: لَا تَلْبَس ثيابَك على مَعْصِيّة وَلَا فُجور وكُفر، وَأنْشد قولَ غَيْلاَن:
إنِّي بحَمْدِ الله لَا ثَوْبَ غادرٍ
لَبِسْتُ وَلَا مِن خَزْيةٍ أَتَقنَّعُ
قلت: وكلّ مَا قيل فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وثيابم فطهر فَهُوَ صَحِيح من جِهَة اللُّغة، ومعانيها مُتَقَارِبَة، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وأمّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً} (الفُرقان: 48) فإنَّ الطَّهُور فِي اللُّغَة هُوَ الطَّاهر المطهِّر، لأنّه لَا يكون طَهوراً إلاّ وَهُوَ يُتطهَّر بِهِ، كَالْوضُوءِ: الماءُ الَّذِي يُتَوضّأ بِهِ، والنَّشُوقِ: مَا يُسْتنشَق بِهِ، والفَطُورِ مَا يُفطَرُ عَلَيْهِ من شرابٍ أَو طعامٍ.
وسُئل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ماءِ الْبَحْر فَقَالَ: (هُوَ الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُه) : أَرَادَ أنَّه طَاهِر يُتطهر بِهِ.
وَقَالَ الشافعيّ: كلُّ ماءٍ خَلقه الله نازِلاً من السَّمَاء أَو نابِعاً من عَين فِي الأَرْض أَو بحرٍ لَا صَنعةَ فِيهِ لآدمِيّ غير الاسْتِقاء، وَلم يُغيِّرْ لَوَنه شيءٌ يُخالطُه، وَلم يَتغير طعمُه مِنْهُ فَهُوَ طهُور، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ:
قَالَ: وَمَا عدا ذَلِك من ماءٍ وَرْدٍ أَو وَرَقِ شَجَرٍ أَو ماءِ يَسِيلُ من كَرْمٍ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ طَاهِرا فَلَيْسَ بِطهُور.

(6/100)


وَقَالَ اللَّيْث: وَالتَّوْبَة الَّتِي تكون بِإِقَامَة الْحُدُود نحوَ الرَّجْم وَغَيره طهَورٌ للمُذنِب تُطهِّره تَطْهِيرا.
وَقَالَ: وَجمع طُهْرِ النّساء: أطهار.
وَقَالَ فِي قَوْله جلَّ وعزَّ: {مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ} (الواقِعَة: 79) يَعْنِي بِهِ الْكتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمَلَائِكَة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالَ المفسِّرون فِي قَوْله: {مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ} (الواقِعَة: 79) عُنِيَ بهَا الْمَلَائِكَة: أَي لَا يمَسُّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَّا الْمَلَائِكَة.
وَقَالَ غَيره: يُقَال طَهَّرَ فلانٌ ولَدَه: إِذا أَقَامَ سُنَّةَ خِتَان؛ وَإِنَّمَا سَّمَاه الْمُسلمُونَ تَطْهِيرا لِأَن النَصارى لما تَرَكُوا سنّة الخِتان غَمَسوا أولادَهم فِي ماءٍ فِيهِ صِبْغٌ يُصَفِّر لَوْنَ الْمَوْلُود، وَقَالُوا: هَذَا طُهْرَةُ أَوْلَادنَا الَّتِي أُمِرْنا بهَا، فَأنْزل الله جلَّ وعزَّ: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} (البَقَرَة: 138) أَي اتّبعوا دينَ الله وفِطْرَتَه وأمرَه، لَا صِبْغة النَّصَارَى، فالخِتان هُوَ التَّطْهِير، لَا مَا أَحْدَثه النّصارى فِي صِبغة الْأَوْلَاد.
والمِطْهَرة: الْإِدَاوَة، وجمعُها الْمَطَاهِر، وكلُّ إناءٍ يُتَطَهَّر مِنْهُ مِثل قُوَسٍ أَو رَكْوَة أَو قَدَحٍ فَهُوَ مِطْهَرة، وَامْرَأَة طاهرٌ بِغَيْر هَاء إِذا طهرتْ من الْحيض، وَامْرَأَة طَاهِرَة إِذا كَانَت نقيةً من الْعُيُوب، وَرجل طَاهِر، ورجالٌ طاهرون، ونساءٌ طاهراتٌ وطواهر، والطّهارة: اسمٌ يقوم مَقامَ التطهُّر بِالْمَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاء وَالْوُضُوء.
رَهْط: قَالَ اللَّيْث: الرَّهْط عَدَدٌ يُجمَع من ثلاثةٍ إِلَى عَشَرة، وبعضُه يَقُول: من سَبْعةٍ إِلَى عشرَة، وَمَا دون السَّبْعَة إِلَى الثَّلَاثَة نَفَر.
قَالَ: وَتَخْفِيف الرَّهْط أحسن من تثقيله.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: النَّفَر والرَّهط: مَا دون الْعشْرَة من الرِّجال، قَالَ الله جلّ وعزّ: {تُفْتَنُونَ وَكَانَ فِى الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} (النَّمل: 48) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي العبّاس أَنه قَالَ: المَعْشَر، والنَّفَر، والرَّهْط، وَالْقَوْم، هَؤُلَاءِ معناهم الجمعُ لَا واحدَ لَهُم من لَفظهمْ، وَهُوَ للرِّجال دون النِّساء.
قَالَ: والعَشيرة أَيْضا للرِّجال.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِتْرة مثلُ الرَّهْط.
قلتُ: وَإِذا قيل: بَنو فلَان رَهْط فُلانٍ فهُم ذُو قرَابَته الأدْنَوْن، والفَصِيلة أقربُ من ذَلِك.
وَفِي حَدِيث أَنَسِ بن سِيرِين قَالَ: أفضْتُ مَعَ ابْن عُمر من عَرَفَات، فأتَى جَمْعاً، فأناخَ بُخْتِيَّهُ، فَجَعلهَا قِبلَةً، وَصلى بِنَا المغربَ والعِشاء جَمِيعًا، ثمّ رَقَد، فقلتُ لغلامه: إِذا اسْتَيْقَظَ فأيقظْنا وَنحن ارْتِهاط. قلت: كأنّ مَعْنَاهُ وَنحن ذَوُو ارْتهاط: أَي ذَوُو رَهْطٍ من أَصْحَابنَا.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّرهيط: عِظَمُ اللَّقْم وشدّة الْأكل، وَهُوَ الدَّهْوَرة، وَأنْشد:
يأيها الآكِلُ ذُو التَّرْهِيط
قَالَ: والراهِطاء: جُحْر لليَرْبُوع بَين القاصِعاء والنّافقاء يَخبَأُ فِيهِ أَوْلَاده.

(6/101)


قَالَ: والرِّهاط: أَدَمٌ تُقَطَّع كقَدْر مَا بَين الحُجْزَةِ إِلَى الرُّكْبة ثمَّ تُشَقّ كأمْثالِ الشُّرُك تلبَسُه الْجَارِيَة. وَيُقَال: ثوب يلْبَسُه وِلدانُ الْأَعْرَاب، أطباقٌ، بَعْضهَا فَوق بعض أَمْثَال المَراويح، وَأنْشد قَول الهذليّ:
بِضَرْبٍ تَسْقُط الهامَاتُ مِنْهُ
وطَعْنٍ مثل تَعْطِيطِ الرِّهاطِ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الرَّهْط: جلدٌ يُشقَّق يلْبسهُ الصِّبيان والنِّساء، وأنشدنا:
مَتى مَا أشَأْ غيرَ زَهْوَ الملُو
كِ أجعَلْكَ رَهْطاً على حُيِّضِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّهْطُ مِئْزَرُ الْحَائِض يُجعَلُ جُلوداً مُشَقَّقة إِلَّا مَوضِع الفَلْهَم، وَأنْشد بيتَ الهُذَلي هَذَا.
وَقَالَ أَبُو طَالب النَّحْوِيّ: الرّهْط يكون من جلودٍ وَمن صوفٍ، والحوْفُ لَا يكون إِلَّا من جلودٍ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الراهِطاء: التُّرَاب الَّذِي يَجعله اليَرْبوع على فَمِ القاصِعاء وَمَا وَرَاء ذَلِك، وَإِنَّمَا يُغطِّي جُحْرَه حَتَّى لَا يَبقى إِلَّا قدر مَا يَدخل الضوءُ مِنْهُ؛ وَأَصله من الرَّهْطِ، وَهُوَ جلدٌ يُقطَّع سيُوراً يصير بَعْضهَا فَوق بعض، ثمَّ تلْبَسُه الْحَائِض تتوقى وتأتزِرُ بِهِ.
قَالَ: وَفِي الرَّهْط فُرَجٌ، كَذَلِك فِي القاصعاء مَعَ الراهِطاء فُرَجٌ، يصل بهَا إِلَى اليربوع الضَّوْء.
قَالَ: والرَّهْط أَيْضا: عِظم اللقم، سُمِّيت راهِطاء لِأَنَّهَا فِي دَاخل فَمِ الجُحر، كَمَا أنّ اللّقْمة فِي دَاخل الْفَم.
وَقَالَ اللَّيْث: يجمع الرَّهْط من الرِّجَال أَرْهُطاً، والعددُ أرْهِطة، ثمَّ أَراهط وَمِنْه قَوْله:
يَا بُؤسَ للحَرْب الَّتِي
وضعتْ أَراهِطَ فاستراحُوا
قلت: وَرُهاط: موضعٌ فِي بِلَاد هُذَيل. وَذُو مَرَاهط: اسْم مَوضِع آخر، وَقَالَ الراجز:
مُنْذُ قَطَعْنا بَطنَ ذِي مَرَاهِطِ
وَقَالَ يصف إبِلا:
كم خلَّفت بليْلها مِنْ حائطِ
وذعْذَعَتْ أخفَافَها من غائطِ
مُنْذُ قَطعنَا بطن ذِي مَراهِطِ
يَقُودهَا كلُّ سنَامٍ عائطٍ
لم يَدْمَ دَفّاها من الضَّواغِطِ
ووادي رُهاط: فِي بِلَاد هُذَيل.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الرِّهاط: الأديمُ الأمْلَس.
هـ ط ل
هطل، هلط، طهل، طله، لطه، لهط: مستعملات.
هطل: قَالَ اللَّيْث: الهطَلاَن: تتَابع القَطْر المتفرِّن الْعِظَام. والسَّحاب يهطل والعينُ تهطِلُ بالدُّموع، ودَمْعٌ هاطل.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الدِّيمة: مطرٌ يدومُ مَعَ سُكُون، والضَّرْبُ فَوق ذَلِك. والهطلُ فوقَه، أَو مثل ذَلِك، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:

(6/102)


دِيمةٌ هَطْلاءُ فِيهَا وطَفٌ
طَبَقُ الأرْض تحَرَّى وتَدُرّ
وَقَالَ النحويون: لَا يُقَال: مطرٌ أهطل، (قَالُوا:) وَقَوله: هطلاء. جَاءَ على غير قِيَاس.
قَالَ أَبُو النَّجْم يصف فرسا:
يهطِلُهَا الرَّكْضُ بِطَشَ تهْطِلُه
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَطَلَ الجرْيُ الفَرَسَ هَطْلاً، إِذا أخرَجَ عرَقَه شَيْئا بعد شَيْء.
قَالَ: ويهطِلُها الرَّكْض: يُخرج عرقَها.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الهِطْل: الْبَعِير المعْيِي. قَالَ: والهطْلى: الْإِبِل الَّتِي تمشي رُوَيداً، وَأنْشد:
أبَابَيلُ هَطْلَى من مُرَاحٍ ومُهْملِ
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
تَمشَّى بهَا الآرامُ هَطْلَى كَأَنَّهَا
كواعِبُ مَا صيغَتْ لَهُنَّ عقُودُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهِطْل: الذِّئب، والهِطْل: اللِّصّ، والهْطل: الرَّجل الأحمق. وهطَلت الناقةُ تهطِل هطْلا: إِذا سَارَتْ سَيْراً ضَعِيفا. قَالَ ذُو الرمَّة:
جَعلْتُ لَهُ من ذِكْرِ مَيَ تَعِلَّةً
وخرقاءَ فَوْق النَّاعِجاتِ الهواطِلِ
أَبُو عُبَيْدَة: جَاءَت الْخَيل هَطْلى: أَي خَناطِيل، جماعاتٍ فِي تَفرقةٍ، لَيْسَ لَهَا وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَيْطَل والهياطِلَة: جِنْسٌ من التُّرْك والهِنْد، وَأنْشد:
حَمَلْتَهُمْ فِيهَا مَعَ الهَيَاطِلَهْ
أَثْقِلْ بهم من تِسْعةٍ فِي قَافِلَهْ
وَقَالَ بَعضهم لهَذِهِ الْآنِية الَّتِي يُقَال لَهَا الطِّنجير: الهَيْطَل، وَلَا أحفَظُه لإِمَام أعتَمِدُه، وأُراهُ معرّباً أصلُه بَاتِيلَهْ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَول الْأَعْشَى: (مُسْبِلٌ هَطِلٌ) : هَذَا نادرٌ إِنَّمَا يُقَال: هَطَلت السماءُ تَهْطِل هَطْلاً فَهِيَ هاطِلة، فَقَالَ الْأَعْشَى: هَطِل، بِغَيْر ألف.
وهَطّال: جبلٌ مَعْرُوف فِي بِلَاد قيس.
طهل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: طَهْيَلَ الرجلُ: إِذا أكل الطَّهْلَة، وَهِي بقلةٌ ناعمة.
وَقَالَ: ابْن السّكيت: يُقَال: مَا فِي السَّمَاء قَزَعَةٌ، وَمَا عَلَيْهَا طِهْلِئَة.
وَقَالَ اللَّيْث الطِّهْلِيَةُ: الطِّين فِي الحَوْض، وَهُوَ مَا انحتّ فِيهِ من الحَوْضِ بَعْدَ مَا لِيطَ، تَقول: أخرجْ هَذِه الطَّهِيلَة مِن حَوْضِك، وَيُقَال: الطَّهِيلَةُ من النَّاس: الأحمق الَّذِي لَا خير فِيهِ، وَهُوَ المُدَفَّع، قَالَ: وَيُقَال: الرَّاشِنُ.
وَقَالَ غَيره: فِي الأَرْض طُهْلَة من كلأٍ أَي شَيْء يسيرٌ من الْكلأ وَلَيْسَ بالكثير.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقَال: بقيت من أَمْوَالهم طُهْلَةٌ: أَي بقيّة.
وَقَالَ هَاهُنَا: طُهْلةُ المَاء، ونُضَاضَتُه وبُرَاضَتُه: بقيّةٌ مِنْهُ.
طله: فِي (النَّوَادِر) : عَشِيٌّ أطْلَهُ، وأَدْهَسُ، وأطْلَسُ: إِذا بَقِي من العشيّ سَاعَة يخْتَلف فِيهَا: فَقَائِل يَقُول: أمْسيتَ، وَقَائِل يَقُول: لَا، فَالَّذِي يَقُول: لَا يَقُول هَذَا القَوْل.

(6/103)


هلط: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، الهالط: المسترخِي البَطْن. قَالَ: والطاهل: الزَّرْع الملتفّ.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: هَلْطةٌ من خبر، وهَيطةٌ، ولَهْطَةٌ، ولَغْطةٌ، وخَبْطَةٌ، وخَيْطَةٌ وخَرْطةٌ كلّه الخَبَر تسمعه، وَلم يُسْتَحَقَّ، وَلم يكذَّب.
لهط: أَبُو عبيد، عَن الفرّاء: لَهَطت المرأةُ فَرْجَها بالماءِ: أَي ضَرَبَتْهُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: اللَّهط: الضَّربُ بالكفِّ منشورة، يُقَال: لَهَطَه لَهْطاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: اللاهط: الَّذِي يرُشُّ بابَ دَاره، وينظّفه.
لطه: قَالَ: شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللَّطْه واللَّطْخُ وَاحِد، وَهُوَ الضَّرْب بباطنِ الكفّ. وَيُقَال: فِي السَّمَاء طَلَّةٌ وطَلَسٌ وَهِي مَا رقَّ من السحاق.
(هـ ط ن: ممهمل)
هـ ط ف
اسْتعْمل من وجوهه: طهف، هطف.
طهف: قَالَ اللَّيْث: الطَّهْف: طعامٌ يُختبَزُ من الذُّرة، وَنَحْو ذَلِك روى أَبُو عبيد عَن الفرّاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الطَّهَفُ: الذُّرة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الطَّهفُ: شبه الذُّرة وَهِي شَجَرَة كَأَنَّهَا الطُّرَيفة لَا تنْبت إِلَّا فِي السَّهل وشعاب الْجبَال.
هطف: بَنو الهَطِف: حيٌّ من الْعَرَب، ذكره أَبُو خِراش الهذليّ:
لَو كَانَ حَيّاً لغَاداهم بمُتْرَعةٍ
فِيهَا الرَّواوِيقُ من شِيزَى بني الهَطِفِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: باتت السماءُ تهطِف أَي تَمطُر. قَالَ: والهَطِف: الْمَطَر الغزير. وَقَالَ ابْن الرِّقاع:
مُخْرَنْشِماً لِعَماءٍ بَات يَضْرِبُه
مِنْهُ الرُّضابُ وَمِنْه المُسْبِل الهَطِفُ
هـ ط ب
اسْتعْمل من وجوهه: هَبَط، بهط.
بهط: قَالَ اللَّيْث: البَهَطُّ سِنْديّة وَهُوَ، الأرُزُّ يُطْبَخُ بِاللَّبنِ والسَّمْن بِلَا مَاء، وعرَّبته العَرَب، فَقَالُوا: بَهَطَّةٌ طيبَة. وَأنْشد:
من أَكلها الأَرُزَّ بالبَهَطِّ
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت الأشجعيَّ يَقُول: بَهَظَني الْأَمر وبَهَظَني بِمَعْنى وَاحِد قلت: وَلم أسمعها بِالطَّاءِ لغيره.
هَبَط: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هَبَط الْإِنْسَان يَهْبِط: إِذا انحدر فِي هَبُوط من صَعُود.
قَالَ: والهَبْطَة: مَا تَطامَن من الأَرْض، وَقد هَبَطْنا أرضَ كَذَا وَكَذَا: أَي نزَلْناها، وَيُقَال للْقَوْم إِذا كَانُوا فِي سَفالٍ: قد هَبَطُوا يهبِطون، وَهُوَ نَقِيض ارتفَعُوا. قَالَ: وَفرق مَا بَين الهَبُوط والهُبُوط أنّ الهَبُوطَ اسمٌ للحَدُور، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يُهْبِطُك من أَعلى إِلَى أسفَل، والهُبُوط الْمصدر.

(6/104)


قَالَ: والمَهْبُوطُ: الَّذِي مَرِض فهبَطه المَرَض إِلَى أَن اضطَرَب لَحْمه.
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبَيْدَة: الهَبِيط: الضامر من الْإِبِل.
وَقَالَ شمر: (يُقَال:) هَبَطَ شَحْمُ النَّاقة: إِذا اتّضع وقلّ، وهَبَط ثمَنُ السِّلعة، وهَبط فلَان، إِذا اتّضع، وَهَبَطَ الْقَوْم: صَارُوا فِي هُبوط، قَالَ الْهُذلِيّ:
ومِنْ أَيْنِها بعدَ إبْدَانها
وَمن شَحْم أثْباجِها الهابِطِ
وَيُقَال: هَبطتُه فهبط، لَازم وواقع، أَي أنْهبطَتْ أسْنِمَتُها وتواضَعَتْ.
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: يُقَال: هَبَط فلانٌ فِي أَرض كَذَا، وهَبَط السُّوقَ: إِذا أَتَاهَا، وهَبَطَه الزّمانُ: إِذا كَانَ كثيرَ المَال وَالْمَعْرُوف فَذَهَب مَاله ومعروفُه.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال: هَبَطه الله وأهْبَطه.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (اللهمّ غَبْطاً لَا هَبْطاً) : أَي نَسْأَلك الغِبْطة، ونعوذُ بك من أَن تُهْبِطَنَا إِلَى حالٍ سَفَال.
وَقَالَ الْفراء: الهَبْطُ: الذلّ.
وَقَالَ لبيد:
إِن يُغْبَطُوا يُهبَطُوا وَإِن أُمِرُوا
يَوْمًا يَصيرُوا لِلهُلكِ والنَّكَدِ
يُقَال: هَبَطَه فهَبط، لفظ اللاّزم والمتعدي وَاحِد: وَقَالَ عَبيد:
وكأنَّ أَقْتَادِي تضمَّنَ نِسْعَها
مِن وَحْشِ أوْرَالٍ هَبِيطٌ مُفْرَدُ
أَرَادَ بالهَبِيط ثَوْراً ضامراً، وَيُقَال: هَبَطْتُ بلدَ كَذَا: إِذا أَتيتَه. وَقَالَ أَبُو النَّجم يصف إبِلا:
يَخُضْنَ مُلاَّحاً كذاوِي القَرْمَلِ
فهَبطَتْ والشمسُ لمْ تَرَجَّلِ
أَي أَتَتها بالغداةِ قبْل ارْتِفَاع الشَّمْس.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: هبَط ثمنُ السِّلعة نقص، وهبَطْتُه أَنا أَيْضا بِغَيْر ألف وهبَط الرجلُ من بلدٍ إِلَى بلدٍ، وهَبَطْتُه.
هـ ط م
همط، طهم، طمه، مطه: مستعملة.
همط: قَالَ اللَّيْث: الهَمْط: الخَلْط من الأباطِيل والظُّلم. يُقَال: هُوَ يَهْمِط ويَخلِط هَمْطاً وخَلْطاً.
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيم النَّخَعيّ عَن العُمّال يَنهضون إِلَى الْقرى فيَهمِطُون أَهلها، فَإِذا رَجعوا إِلَى أَهَالِيهمْ أَهْدَوْا لجيرانهم ودَعوْهم إِلَى طعامهم. فَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَهُم المَهْنَأ، وَعَلَيْهِم الوِزْر.
وَيُقَال: هَمَطَه واهتَمَطَه: إِذا أَخذ مِنْهُ مالَه على سَبِيل الغَلَبَة والجَوْر، واهتمطَ فلانٌ عِرضَ فلانٍ: إِذا نَالَ مِنْهُ وشَتَمَه.
شمِر عَن أبي عدنان، سألتُ الأصمعيّ عَن الهمْط فَقَالَ: هُوَ الْأَخْذ بخُرْق وظُلْم.
وَقَالَ غَيره: الهمْط مِن هَمَطَ يَهْمِطُ: إِذا لم يُبالِ مَا قَالَ وَمَا أَكَلَ. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: امْتَرَزَ مِن عِرضِه، واهتَمَطَ مِنْهُ: إِذا شَتمه وعابَه.

(6/105)


طهم: أَبُو الْحسن اللِّحياني: مَا أَدْرِي أيُّ الطَّهْم هُوَ، وأيُّ الدَّهْم هُوَ بِمَعْنى وَاحِد، مَعْنَاهُ أيُّ النَّاس هُوَ؟
ووَصَف عليٌّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لم يكن بالمطهَّم، وَلَا بالمُكَلْثَم.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ: المطهَّم: التَّامّ كلُّ شَيْء مِنْهُ فَهُوَ بارِعُ الْجمال.
وسُئل أَبُو الْعَبَّاس عَن تَفْسِير المُطَهَّم فِي هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ: المطهَّم مُخْتَلف فِيهِ؛ فَقَالَت طَائِفَة: هُوَ الَّذِي كلّ عُضوٍ مِنْهُ حَسَن على حِدَتِه.
قَالَ: وَقَالَت طَائِفَة: المطهَّم: السَّمين الْفَاحِش السِّمَن. وَقَالَت طَائِفَة: المطهَّم: المنتفِخ الوجْه، وَمِنْه قَوْله:
ووَجهٌ فِيهِ تطهيم
أَي انتفاخ وجَهامة من السِّمَن.
قَالَ: وَرُبمَا بَثَرَ الوجهُ فيسمى بَثْرُه النَّفاطِير.
قَالَ: وَقَالَت طَائِفَة: المطهَّم: النحيف الْجِسْم الدَّقيقُه. وَقَالَت طَائِفَة: المطهَّم الضَّخْم.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أمّا مَن قَالَ فِي صفة المُرْتَضى: لم يكن بالمطهَّم، وفسَّرَ التطهيم الجَمال البارعَ فقد نَفَى عَنهُ الصِّفة المحمودة. وَقد أَخطَأ لأنَّ الممدوحَ لَا تُنفَى عَنهُ المحاسِن، وَإِنَّمَا تُنفى المحاسِن عَن المذموم.
قَالَ: وأمّا مَن قَالَ: التطهيم: السِّمن الفاحِش فقد تمَّ النفيّ فِي قَوْله: لم يكن بالمطهَّم، وَهَذَا مدحٌ، ومَن قَالَ إنّه النّحافة، فقد تمَّ النَّفْي عَنهُ فِي هَذَا، لأنَّ أُمَّ معبَد وصفتْه بأنّه لم تَعِبْه نُحْلَة، وَلم تَشِنْه ثُجْلَة: أَي انتفاخُ بطْن.
قَالَ: وأمّا مَن قَالَ: إنَّ التطهيمَ: الضِّخَمُ فقد صحَّ النفْي، فكأَنّه قَالَ: لم يكن بالضَّخْم.
قَالَ: وَهَكَذَا وصَفَه عليّ رَضِي الله عَنهُ: فَقَالَ: كَانَ بادِناً متماسِكاً. وَقَالَ الباهليُّ فِي قَول طُفَيل:
وَفينَا رِباطُ الْخَيل كلُّ مطهَّمٍ
رَجِيلٍ كَسِرْحانِ الغَضَا المُتَأَوَّبِ
قَالَ: المُطهَّمُ: الناعِم الحَسَنُ والرَّجِيلُ: الشَّديد الْمَشْي.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الطُّهْمَة والصُّحْمة فِي اللّون: أنْ تُجاوِزَ سُمْرَتَه إِلَى السوَاد. وَجْهٌ مطهَّم: إِذا كَانَ كَذَلِك.
قَالَ أَبُو سعيد: والتطهيم: النِّفار فِي قَول ذِي الرّمّة:
تِلْكَ الَّتِي أشْبهتْ خَرْقاء جِلْوَتُها
يومَ النَّقَا بَهجةٌ مِنْهَا وتَطْهِيمُ
قَالَ: التطهيمُ فِي هَذَا الْبَيْت: النِّفَار، قَالَ: ومِن هَذَا يُقَال: فلانٌ يَتطهمُ عنّا: أَي يستوْحِش.
قَالَ: وأمّا الخيلُ المطهَّمةُ فَإِنَّهَا المقرَّبة المكرّمة العَزيزة الأنفُسِ، وَمِنْه يُقَال: مَالك تَطَّهمُ عَن طعامنا: أَي ترْبَأُ بنفْسك عَنهُ.
طمه، ومطه: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المُطَمَّهُ: المُطَوَّل، والمُمَطَّهُ: المُمَدَّدُ. قَالَ: والمُهَمَّط: المُظَلَّم، يُقَال: هَمَط: إِذا ظلَم. وَقَالَ فِي قَول أبي النّجم:
أخطِم أنْفَ الطامِحِ المُطَهَّمِ

(6/106)


أَرَادَ بِهِ الرجلَ الكريمَ الحَسب.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالدَّال)
هـ د ت هـ دظ هـ د ذ هـ د ث
مهملات كلهَا عِنْد اللَّيْث بن المظفَّر.
تهد: وروَى اللِّحياني وَغَيره: غلامٌ تَوْهَدٌ وفَوْهدٌ، وَهُوَ التّامُّ الخَلْق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الناعم، وَجَارِيَة تَوْهَدة فَوْهَدة: إِذا كَانَت ناعمةً.
هـ د ر
هدر، هرد، دهر، دره، رهد، رده: مستعملات كلهَا.
هدر: قَالَ اللَّيْث: الهَدَر: مَا يَبطُل: تَقول: هَدَرَ دَمُه يَهْدِرُ هِداراً، وأهدرْتُه أَنا إهداراً، وهدَرَ البعيرُ يَهدِر هديراً وهَدْراً والحمامةُ تَهدِر، وجَرةُ النَّبِيذ تهدِر، قَالَ: وَالْأَرْض الهادرة، والعُشْب الهادِر: الْكثير، وَبَنُو فلَان هِدَرَةٌ: أَي ساقطون لَيْسُوا بشيءٍ.
قلتُ: هَذَا الْحَرْف رَوَاه أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي بِفَتْح الْهَاء وَالدَّال: هَدَره، وفسّره أَنهم الساقطون.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَنو فلانٍ هِدَرة بِكَسْر الْهَاء، وهُدَرةٌ بِضَم الْهَاء وبُذَرةٌ.
وَقَالَ بَعضهم: واحِدُ الهِدَرَة هِدْر مثل قِرْد وقِرَدَة، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
إنّي إِذا حَان الجَبانُ الهِدَرَهْ
قصدتُ من قَصْدِ الطَّرِيق مَنْجَرَه
وَقَالَ أَبُو صَخْر الهُذَلي:
إِذا اسْتوْسَنَتْ واستَبْقَل الهَدَفُ الهِدْرُ
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي: اللَّبن إِذا خَثُرَ أَعْلَاهُ وأسفَلُه رقيقٌ فَهُوَ هادِر.
وَقَالَ ابْن شُميل: يُقَال للبقل: قد هَدَر: إِذا بلغ إناهُ فِي الطُّول والعِظَم، وَكَذَلِكَ قد هَدَرَت الأرضُ هَدِيراً: إِذا انْتهى بَقْلُها طُولاً، والهادِرُ من العُشْب: الَّذِي لَا شَيْء فَوْقه.
أَبُو نصر، عَن الْأَصْمَعِي: هدَرَ البعيرُ يَهْدِر هَدِيراً، وضربتُه فَهَدَرَت رِئتُه تهدُر هُدُوراً: إِذا سَقَطَتْ.
قَالَ: وهَدَرَ دَمُه يَهْدِرُ هَدْراً، ودَمُه هَدَرٌ: أَي باطلٌ لَيْسَ فِيهِ قَوَد وَلَا عَقْل، وَيُقَال: هُوَ كالمُهَدِّر فِي العُنَّة: يضْرب مثلا للَّذي يَصِيح ويُجلِّب وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك شَيْء، كالبعير الَّذِي يُحبَس فِي حَظيرةٍ يُمنَع من الضِّراب فَهُوَ يُهَدِّر (قَالَ الْبَاهِلِيّ فِي قَول العجاج:
وهَدَرَ الناسُ من الجِدِّ الهَدَرْ
فالهَدَر هَاهُنَا مَعْنَاهُ أَهْدَرَ، أَي الجدُّ أسْقَطَ من لَا خير فِيهِ من النَّاس، والهَدَرُ: الَّذين لَا خير فيهم، وهَدَر الطائرُ وهَدَل يهْدِر ويهْدِل هَدِيراً وهَدِيلا.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: هدر البعيرُ والحَمامُ يَهْدِر هَدْراً ودمُه هَدَرٌ: أَي بَاطِل لَيْسَ فِيهِ قَوَدٌ وَلَا عقْل.
قَالَ: وَيُقَال: هَدَرَ دمُ الْقَتِيل يهدُر بِالضَّمِّ هَدَراً بِفَتْح الدَّال، وأهدَرَه السُّلْطَان.
ورَوَى أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: هَدَر الدَّمُ يَهدِر، وَأَنا أهْدَرْتُه.

(6/107)


وَرَوَى أَبُو تُراب للأصمعيّ: هَدَر الغُلامُ وهَدَلَ: إِذا صوَّت.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو السَّمَيْدَع: ذَاك: إِذا أراغَ الْكَلَام وَهُوَ صَغِير، وَأنْشد قَول ذِي الرُّمّة:
طَوى البَطْنَ زَيّامٌ كأنّ سَحيلَه
عليهنَّ إِذْ وَلَّى هَدِيلُ غُلاَمِ
أَي غِناءُ غُلام.
هرد: قَالَ اللَّيْث: الهُرْدِيَّة قصَبات تُضَمّ مَلوِيّةً بطاقات الكَرْم يُرسَل عَلَيْهَا قُضبان الكرْم. وَتقول: هرَّدْتُ اللحمَ فَهُوَ مُهَرَّد، وَقد هَرِد اللحمُ.
قلت: وَالَّذِي حفظناه عَن أئمَتنا فِي الْقصب الحُرْدِيّ بِالْحَاء، وَلَا يجوز عِنْدهم بِالْهَاءِ.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: فَإِن أَدخلْتَ اللحمَ النارَ وأنضجْتَه فَهُوَ مُهرَّد، وَقد هَرَّدْتُه وهَرِدَ هُوَ.
قَالَ: والمُهَرَّأُ مثلُه.
وَفِي الحَدِيث: (ينزل عِيسَى إِلَى الأَرْض وَعَلِيهِ ثَوْبَان مَهْرُودَان) .
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن سَلَمة، عَن الْفراء قَالَ: الهَرْدُ: الشَّقّ.
قَالَ: وَفِي خبر عِيسَى أَنه ينزل فِي مَهْرُودَتيْن، أَي فِي شُقَّتين، أَو حُلَّتين.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو عدنان: أَخْبرنِي الْعَالم من أَعْرَاب باهلة أنّ الثَّوبَ يُصْبَغ بالوَرْس ثمَّ بالزعفران فَيَجِيء لَونه مثل لون زَهْرة الحَوْذَانة، فَذَلِك الثوبُ المَهْرُود.
قَالَ: أَخْبرنِي بعض أَصْحَاب الحَدِيث أنّه بَلَغه أَن المَهْرُود: الَّذِي يُصْبَغُ بالعُروق. قَالَ: وَالْعُرُوق يُقَال لَهَا الهُرْد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: هَرَد ثوبَه، وهَرَتَه: إِذا شَقَّه فَهُوَ هَرِيدٌ وهَرِيتٌ وَقَالَ سَاعِدَة الهُذَليّ:
غَداة شُواحِطٍ فَنَجَوْتَ شَدّاً
وَثَوْبُكَ فِي عباقِيَةٍ هَرِيدُ
أَي مشقوق.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: هَرَت فلَان الشَّيْء، وهَرَدَه: إِذا أنضَجَه إنْضاجاً شَدِيدا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي حَدِيث عِيسَى رُوِي فِي مَهْرُودَتَيْن، ورُوِي فِي مُمَصَّرتَيْن. قَالَ: ومعناهما وَاحِد، وَهِي المصبوغة بالصُّفرة من زعفران أَو غَيره.
قَالَ القُتيبيّ: هُوَ عِنْدِي من النقلَة خطأ، وَأرَاهُ مَهْرُوَّتين: أَي صفراوَين. يُقَال: هرّيت الْعِمَامَة: إِذا لبِستها صفراء، وفعلتُ مِنْهُ: هرَوْتُ.
قَالَ أَبُو بكر: لَا تَقول الْعَرَب: هرَوتُ الثَّوْب، وَلَكِن يَقُولُونَ هرَّيتُ، فَلَو ثُنِّي على هَذَا لقِيلَ: (مُهَرَّاتين) فِي اسْم مالم يُسَمَّ فَاعله، وبَعْدُ فَإِن الْعَرَب لَا تَقول: هرَّيْتُ إِلَّا فِي الْعِمَامَة خَاصَّة، فَلَيْسَ لَهُ أَن يقيسَ الشُّقَّةَ على الْعِمَامَة؛ لِأَن اللُّغَة رِوَايَة، وَقَوله: من مَهْرُودَتين: أَي من شُقَّتين أخدتا من الهَرْد وَهُوَ الشقّ خطأ؛ لِأَن الْعَرَب لَا تُسمِّي الشقّ للإصلاح هرْداً، بل يسمون الْخرق والإفساد: هرْداً.

(6/108)


وَقَالَ ابْن السّكيت: هرَد القَصَّارُ الثَّوْب، وهرَته: إِذا خرقه، وهرَد فلَان عِرْضَ فلَان، وهرَته، فَهَذَا يدل على الْإِفْسَاد، وَالْقَوْل عندنَا فِي الحَدِيث: مهرودتين بِالدَّال، والذال: أَي بَين ممصَّرتين على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث، وَلم نَسْمَعهُ إِلَّا فِي الحَدِيث كَمَا لم نسْمع الصِّيَر الصِّحناة، وَكَذَلِكَ الثُّفّاءَ الحُرْف، وَنَحْوه.
قَالَ: وَالدَّال، والذال أختَان تُبدل إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى: يُقَال: رجلٌ مِدْلٌ ومِذْلٌ إِذا كَانَ قَلِيل الْجِسْم خفيّ الشَّخْص، وَكَذَلِكَ الدَّال والذّال فِي قَوْله: مهروذتين.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الهِرْدَى: نَبْتٌ، وَقَالَهُ ابْن الأنباريّ، وَهُوَ أُنْثَى.
دهر: قَالَ اللَّيْث: الدَّهر: الأبَدُ الْمَحْدُود، ورجلٌ دُهْرِيٌّ: أَي قديم، ورجلٌ دَهْرِيّ: يَقُول بِبَقَاء الدَّهْر، وَلَا يُؤمن بِالآخِرَة.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فإِن الله هُوَ الدَّهْر) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: فإِنّ الله هُوَ الدَّهْر مِمَّا لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْإِسْلَام أَن يجهل وجهَه، وَذَلِكَ أنّ المعطِّلة بِهِ يحتجّون على الْمُسلمين، قَالَ: ورأيتُ بعضَ من يُتَّهم بالزَّنْدَقة والدَّهْرِيّة يحتجّ بِهَذَا الحَدِيث وَيَقُول: (أَلا ترَاهُ يَقُول: فإنّ الله هُوَ الدَّهْر) ؟ فقلتُ: وَهل كَانَ أحدٌ يسبُّ الله فِي آبادِ الدَّهر؟
قد قَالَ الْأَعْشَى فِي الْجَاهِلِيَّة:
اسْتَأْثر الله بِالْوَفَاءِ وبالحَمْ
دِ وَوَلّى الملاَمَةَ الرَّجُلاَ
قَالَ: وتأويله عِنْدِي أنّ العَرَب كَانَ شَأْنهَا أَن تَذُمّ الدَّهْرَ وتَسُبَّه عِنْد النَّوَازِل تنزل بهم: من مَوْتٍ أَو هَرَم فَيَقُولُونَ: أصابتْهم قوارِعُ الدهرِ، وأبادَهم الدَّهْرُ، فيجعلون الدَّهر الَّذِي يفعل ذَلِك، فيذمّونه، وَقد ذكرُوا ذَلِك فِي أشعارهم، وأَخبرَ الله عَنْهُم بذلك، ثمَّ كَذَّبهم، فَقَالَ جلّ وعزّ: {تَذَكَّرُونَ وَقَالُواْ مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (الجَاثيَة: 24) قَالَ الله جلّ وعزّ: {الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ} (الجَاثيَة: 24) .
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَسُبُّوا الدّهرَ) على تَأْوِيل: لَا تَسُبُّوا الدَّهْر الَّذِي يفعل بكم هَذِه الأشْياء، فَإِنَّكُم إِذا سببتم فاعلها فَإِنَّمَا يَقع السَّبُّ على الله لِأَنَّهُ الْفَاعِل لَهَا لَا الدهرُ، فَهَذَا وَجه الحَدِيث إِن شَاءَ الله.
قلتُ: وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث نَحْواً مِمَّا قَالَ أَبُو عُبيد، وَاحْتج بالأبيات الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد، فَظَنَنْت أَبَا عبيد عَنهُ أَخذ هَذَا التَّفْسِير لأنّه أوّل من فسره.
وَقَالَ شَمر: الزّمان والدَّهْر وَاحِد، واحتجّ بقوله:
إنّ دَهْراً يَلُفُّ حَبْلي بِجُمْل
لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحسانِ
فعارض أَبُو الْهَيْثَم شَمِراً فِي مقَالَته، وَخَطأَهُ فِي قَوْله: الزّمان والدّهر وَاحِد، وَقَالَ: الزمانُ: زَمانُ الرُّطَب، وزمان الْفَاكِهَة، وزمان الحرّ، وزمانُ الْبرد،

(6/109)


وَيكون الزَّمَان شَهْرَيْن إِلَى سِتَّة أشهر، والدهر لَا يَنْقَطِع. قلت: والدهر عِنْد الْعَرَب يَقَع على بعض الدَّهْر الأطوَلِ، ويقَع على مُدّة الدُّنْيَا كلِّها وَقد سَمِعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: أَقَمْنَا على مَاء كَذَا وَكَذَا دَهْراً، ودارنا الَّتِي حللنا بهَا دَهْراً، وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا جَازَ أَن يُقَال: الزَّمَان والدهر وَاحِد فِي معنى دون معنى وَقد سمعتُ أَعْرَابِيًا فصيحاً يَقُول: ماءُ كَذَا وَكَذَا يحملنا الشَّهْرَ والشَّهْرَين، وَلَا يحملنا الدّهر الطَّوِيل: أَرَادَ أنّ مَا حوله من الْكلأ ينفَدُ سَريعاً فنحتاج إِلَى حُضورِ مَاء آخر؛ لِأَن المَاء إِذا أكلت الْمَاشِيَة مَا حوله من الْكلأ لم يكن لحُضّاره بُدٌّ من طَلَبِ ماءٍ آخرَ يَرْعَوْنَ مَا حَوْله وَيجوز أَن تَقول: كُنَّا أزمانَ ولَايَة فلانٍ بِموضع كَذَا وَكَذَا، إِن طَالَتْ مدّةُ ولَايَته والسَّنَة عِنْد الْعَرَب أَرْبَعَة أزمنة: ربيع الْكلأ، والقيظ والخَريف والشتاء؛ وَلَا يجوز أَن يُقَال: الدّهر أَرْبَعَة أزمنة، فهما يفترقان فِي هَذَا الْموضع.
قَالَ الشَّافِعِي: الحينُ يَقع على مدّة الدُّنْيَا، ويَوْم، وَلَا نعلم للحين غَايَة، وَكَذَلِكَ زمانٌ ودَهْرٌ وأحقابٌ. ذكر هَذَا فِي كتاب (الْإِيمَان) . حَكَاهُ المُزنّى فِي (مُختصره) عَنهُ.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ يُقَال فِي النِّسْبة إِلَى الرجل الْقَدِيم: دَهْرِيّ، وَإِن كَانَ من بني دَهْر بن عَامر قلتَ دُهْرِيّ لَا غير بضمّ الدَّال.
وَقَالَ ابْن كَيْسان: وَمِمَّا غُيِّرتْ حركاتُه فِي النِّسبة قولُهم: رجُلٌ سُهْليٌّ بضمّ السِّين فِي الْمَنْسُوب إِلَى السَّهل، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ دُهريّ. قَالَ: وَلَهُمَا أمثالٌ كَثِيرَة.
حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن هَاجَك، عَن ابْن جَبَلة، عَن أبي عبيد، عَن ابْن عُلَيّة، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي بَكْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أَلا إِن الزَّمان قد اسْتَدَارَ كهَيْئَته يومَ خَلَق الله السَّماوات وَالْأَرْض، السَّنة اثْنَا عشر شهرا، أربعةٌ مِنْهَا حُرُم، ثَلَاثَة مِنْهَا مُتَوَالِيَات: ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة ومحرَّمٌ وَرَجَب مُفرَد. قلتُ: أَرَادَ بِالزَّمَانِ الدَّهْرَ وسِنِيّه.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهارير: أول الدَّهْر من الزَّمَان الْمَاضِي، يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي دَهْر الدَّهارير، قَالَ: وَلَا يُفْرَد مِنْهُ دِهْرِير.
قَالَ: والدّهرُ: النَّازِلَة تنزل بالقوم تَقول: دَهَرَهمْ أمرٌ: نَزَلتْ بهم نازِلةٌ وَيُقَال: مَا دَهري كَذَا وَكَذَا: أَي مَا هِمَّتي.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا طِبِّي كَذَا: أَي مَا دهري:
قَالَ اللَّيْث: ورَجُل دَهْوَرِيُّ الصَّوْت، وَهُوَ الصُّلْبُ الصَّوْت. قلتُ: وَهَذَا خَطَأ عِنْدِي، والصوابُ رجلٌ جَهْوَرِيُّ الصَّوْت بِالْجِيم: أَي رَفيعُ الصَّوْت فَخْمُه؛ فصُحِّف وقلبت الجيمُ دَالا وَالله أعلم.
والدَّهْوَرة: جمعُ الشَّيْء ثمَّ قذفه فِي مَهْوَاة. وَقَالَ غير اللَّيْث دَهْوَرَ فلانٌ اللُّقَم إِذا أدارها ثمَّ التهمها.

(6/110)


وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِذا الشَّمْس كورت} (التّكوير: 1) : أَي دُهْوِرتْ.
وَقَالَ الرّبيع بن خُثَيْم {كوِّرت أَي رُمِيَ بهَا. وَقَالَ بعضُ أهل اللُّغَة: دَهْوَرْتُ الْحَائِط: إِذا طَرَحْتَه حَتَّى يسقُطَ، وَيُقَال: طعنه فكوَّره: إِذا ألْقاه وصَرَعه.
وَقَالَ الزَّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} (الشُّعَرَاء: 94) أَي فِي الْجَحِيم. قَالَ: وَمعنى (كُبْكِبُوا) طُرح بَعضهم على بعض. وَقَالَ غَيره من أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ دُهْوِروا.
وَفِي حَدِيث:
فإنّ ذَا الدّهر أطوارا دهاريرُ
قَالَ الْأَزْهَرِي: الدهرُ ذُو حَالين من بؤس ونُعْم.
وَقَالَ الفرزدق:
فإنى أَنا الموْتُ الَّذِي هُوَ نازلٌ
بنفسكَ فَانْظُر كَيفَ أَنْت تُحاولهْ
خاطَبَ جَرِيرًا، فَأَجَابَهُ:
أَنا الدّهرُ يُفنِي الموتَ والدهرُ خَالِد
فجئني بمثلِ الدَّهْر شَيْئا يُطاوِله
قلتُ: جعل الدّهرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، لِأَن الْمَوْت يِفنَى بعد انْقِضَاء الدُّنْيَا، هَكَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث. وداهر: مَلِك الدَّيْبُل قَتله مُحَمَّد بن الْقَاسِم الثَّقَفيّ ابْن عمّ الحجّاج، فَذكره جرير فَقَالَ:
وأَرْضَ هِرَقْلٍ قد قَهَرْتَ وداهراً
وَيسْعَى لكم من آل كِسْرَى النَّواصِفُ
أَرَادَ بالنواصف الخَدَم.
رهد: فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْأَمر رَهْوَدِيَّةٌ وَلَا رَخْوَدِيَّة: أَي لَيْسَ عِنْدِي فِيهِ رِفق والا مُهاوَدَة، وَلَا هُوَيْدِيّة وَلَا رُوَيْدِيّة، وَلَا هَوْداء وَلَا هَيْداء، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ: رَهَّدَ الرجلُ: إِذا حَمُق حَمَاقَة محكمَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّهِيد: الناعم، والرَّهادَة هِيَ الرَّخاصة، تَقول: فتاة رَهِيدَة: أَي رَخْصَة.
رده: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: رَدَّهَ الرَّجُلُ: إِذا سَاد القومَ بشجاعةٍ أَو سخاء أَو غيرِهما.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّدْهُ: شِبْهُ أَكَمَةٍ خَشِنةٍ كَثِيرَة الْحِجَارَة، والواحدة رَدْهَة، وَهِي قِلالُ القِفاف، وَأنْشد لرؤبة:
من بَعْض أَنْضادِ القِفافِ الرُّدَّهِ
قَالَ: وَرُبمَا جَاءَت الرَّدهَة فِي وصف بِئْر تُحْفَر فِي قُفَ أَو تكون خِلْقَةً فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ: الرَّدْهَة: النُّقرة فِي الْجَبَل يُسْتنقَع فِيهَا الماءُ، وجمعُها رِدَاهٌ.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: الرَّدْه شبه أكمة فِي رَأس الْجَبَل: صفاةٌ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا المَاء، وَأنْشد:
لِمن الديارُ بجانبِ الرَّدْهِ
قَفْراً مِنَ التَّأْييهِ والنَّدْهِ
التأييه: أَن يُؤَيِّه بالفَرَس إِذا نَفَر، فَيَقُول: إيهِ إيهِ. والنَّدْه بِالْإِبِلِ: أَن يَقُول لَهَا: هِدَهْ هِدَهْ.

(6/111)


وَقَالَ غَيره: الرَّدْهَة: حَجَر مستنقَع فِي المَاء، وَجَمعهَا رِداهٌ. وَقَالَ ابْن مُقبِل:
وقافِيَةٍ مِثلِ وَقْع الرِّدا
هِ لم تَتَّرِكْ لمجيبٍ مَقالا
وَقَالَ المؤرِّج: الرَّدْهة: الموْرِدُ، والرّدْهة: الصَّخْرة فِي المَاء، وَهِي الأتانُ.
قَالَ: والرَّدْهة أَيْضا: ماءُ الثَّلْج.
قَالَ: والرَّدْهة: الثَّوْبُ الخَلَق المُسَلْسَل.
وَرجل رَدِهٌ: صُلْبٌ مَتينٌ لَجُوجٌ لَا يُغْلَب.
قلتُ: لَا أعرف الَّذِي رَوَى للمُؤَرِّج هَذِه الْأَشْيَاء، وَهِي مُنْكَرةٌ عِنْدي.
وَقَالَ اللَّيْث: يُسَمَّى البَيْتُ الْعَظِيم الَّذِي لَا يكون أعظَمُ مِنْهُ الرَّدْهة، وجمعُها الرِّداهُ، وَقد ردَّهت المرأةُ بيتَها تَرْدَهُ رَدْهاً.
قلت: كَانَ الأَصْل فِيهِ رَدَحَتْ بِالْحَاء، فأُبدِلت هَاء، وَمِنْه قَوْله:
بَيْتَ حَتُوفٍ مُكْفَأً مَرْدُوحَا
حدّثنا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: حدّثنا عُثْمَان قَالَ: حدّثنا هَارُون بن مَعْرُوف قَالَ: حدّثنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: حدّثنا الْعَلَاء بن أبي العبَّاس، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن بكر بن قِرْواش، عَن سعد قَالَ: سَمِعت النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر ذَاك الَّذِي قتل عليٌّ صلوَات الله عَلَيْهِ: ذَا الثُّدَيّة، فَقَالَ شَيْطَان الرَّدْهة، راعِي الْخَيل، يحتدِرُه رجلٌ من بَجِيلة: أَي يُسْقِطه.
دره: قَالَ اللَّيْث: أُمِيت فِعلُه إلاّ قَوْلهم: رجل مِدْرَهُ حَرْب، وَهُوَ مِدْرَهُ الْقَوْم وَهُوَ الدَّافِع عَنْهُم.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: المِدْرَهُ: لِسَان الْقَوْم والمتكلِّم عَنْهُم، وَأنْشد غَيره:
وأنتَ فِي الْقَوْم أخُو عِفّةٍ
ومِدْرَهُ القومِ غداةَ الخِطابْ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: دَرَه فلانٌ علينا، ودَرَأ: إِذا هَجَم من حَيْثُ لم تَحْتسبْه، وَأنْشد:
عَزِيز عليَّ فَقْدُه ففقَدْتُه
فَبَان وخَلَّى دارهات النَّوائبِ
قَالَ: دارِهاتُها: هاجِمَاتها. وَيُقَال: إنّه لَذُو تُدْرَإ وَذُو تُدْرَأةٍ: إِذا كَانَ هجّاماً على أعدائه من حَيْثُ لَا يحتسبونه.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ: الدَّرَهْرَهَةُ: الْمَرْأَة القاهرةُ لبَعْلها، قَالَ: والسَّمَرْمَرَة: الغول، وَيُقَال لِلكَوكَبَةِ الوَقّادةِ إِذا دَرَأَتْ بنُورِها من الْأُفق: دَرَهْرَهة.
هـ د ل
هدل، دهل، دله، لهد: مستعملة.
هدل: قَالَ اللَّيْث: هَدَلت الحمامةُ تَهدِل هَديلاً، وَيُقَال: هَدِيلُها: فرخها.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ قَالَ: الهَدِيل يكون من شَيْئَيْنِ: هُوَ الذَّكَر من الْحمام، وَهُوَ صوتُ الْحمام أَيْضا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو مثلَه فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. .
قَالَ: وسَمِعْتُهما جَمِيعًا من الْعَرَب.
قَالَ: وَقَالَ الأُمَويّ: يَزعُم الْأَعْرَاب فِي الهَدِيل أنّه فَرْخٌ كَانَ على عَهْد نُوحٍ فَمَاتَ ضَيْعةً وعَطشاً، قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَيْسَ من حَمامةٍ إلاّ وَهِي تَبْكي عَلَيْهِ.

(6/112)


قَالَ الأمَويّ: وأنشدني ابْن أبي وَجْزَة السَّعْدِيّ لِنُصَيْب:
فقلتُ: أتبْكي ذاتُ طوْقٍ تذكَّرَتْ
هَدِيلاً وَقد أَوْدَى وَمَا كَانَ تُبَّعُ
يَقُول: وَلم يكن خُلِق تُبَّع بَعْدُ
قَالَ: وَيَقُولُونَ: صادَ الهَدِيلَ جارِحةٌ من جَوارح الطير، وَأنْشد:
وَمَا مَنْ تَهتفِين بِهِ لنصرٍ
بأقرب جابةً لكِ من هَدِيلِ
فمرّة يجعلونه الطَّائِر نفسَه، ومرّة يجعلونه الصوتَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَدَل: استرخاء المِشْفَر الْأَسْفَل، ومِشفرٌ هادِلٌ وأَهدَلُ، وشَفَةٌ هَدْلاء: مُنْقَلَبةٌ على الذَّقَن.
قَالَ: والتهدّل: استرخاء جلْدَة الخُصْية، وَنَحْو ذَلِك، وَأنْشد:
كأنّ خُصْيَيْه من التَّهَدُّلِ
ظَرفُ عجوزٍ فِيهِ ثِنْتَا حَنْظَلِ
والهَدَالُ: ضَربٌ من الشَّجَر، وَيُقَال: كلُّ غُصنٍ يَنبُت فِي أراكةٍ أَو طَلْحَة مُسْتَقِيمًا فَهُوَ هَدَالة كأنّه مُخالِفٌ لسائِرها من الأغصان، وَرُبمَا داوَوْا بِهِ من السِّحْر والجُنون.
الحرّانيّ، عَن ابْن السكّيت: يُقَال: هَدَلَ البعيرُ يَهدِل هَدْلا فَهُوَ أَهْدَل: إِذا طَال مِشْفَرُه، وَهُوَ أَن تأخُذَه القَرْحة فيهدِل مِشْفَرُه، وَقد هَدِل يَهدَل هَدَلاً: إِذا كَانَ طَويلَ المِشْفَر، وَذَلِكَ ممّا يُمدَح بِهِ، وَهُوَ مِشْفَرٌ هَدِل، وَقَالَ الراجز:
بكُلِّ شَعشاعٍ صُهابيَ هَدِلْ
وَقَالَ أَبُو عُبيد: هَدَلْتُ الشيءَ أهْدِلُهُ: أَي أرسلتُه إِلَى أَسْفَل. والسحابُ إِذا تَدَلَّى هَيْدَبُه فَهُوَ أهدَل. وَقَالَ الْكُمَيْت:
بِتَهْتَانِ دِيمَتِه الأهْدَلِ
وَيُقَال: تهدَّلتِ الثمارُ: إِذا تدلّت، فَهِيَ متهَدِّلة.
دهل: قَالَ اللَّيْث: لاَ دَهْل بالنَّبطِيّة؛ لَا تَخَفْ وَأنْشد لبشّار:
فقلتُ لَهُ: لَا دَهْلَ من قَمْل بعد مَا
مَلاَ نَيفَقَ التُّبّان مِنْهُ بِعاذِرِ
قلتُ: وَلَيْسَ لَا دَهْل وَلَا قَمل من كَلَام الْعَرَب، إِنَّمَا هما من كَلَام النَّبَط، يَقُولُونَ للجَمَل قَمل وَإِنَّمَا تهكم بالطّرمّاح وَجعله نبطيَّ النَّسَب، ونفاه عَن طَيء. وَقَالَ اللِّحياني: مضى دَهْلٌ من اللَّيْل: أَي سَاعَة.
وَقَالَ أَبُو عمْرو: الدَّهْل: الشَّيْء الْيَسِير.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّاهِل المتحيِّر.
قلت: وَأَصله الدالِه فقلبه.
دله: قَالَ اللَّيْث: الدَّلَه: ذهَاب الْفُؤَاد من همَ كَمَا يُدَلَّه عقل الْإِنْسَان من عِشق أَو غَيره، وَقد دُلِّه عقلُه تَدْلِيهاً.
وَقَالَ أَبُو عبيد: رجل مُدَلَّه: إِذا كَانَ ساهِيَ القَلْب، ذَاهِب الْعقل.
وَقَالَ غيرُه: رجلٌ مُدَلَّهٌ ومُتَلَّهٌ بِمَعْنى وَاحِد، ورجلٌ دالِهٌ ودالهةٌ: ضَعِيف النَّفس.
لهد: قَالَ اللَّيْث: اللَّهْدُ: الصَّدْمة الشَّدِيدَة فِي الصَّدْر. وَالْبَعِير اللَّهِيد: الَّذِي أصَاب جَنْبَه

(6/113)


ضَغْطَهٌ من حِمْلٍ ثقيل فأوْرثَه دَاء أفسدَ عَلَيْهِ رِئَتَه، فَهُوَ ملهود.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
نُطْعِمُ الجَيْأَلَ اللَّهِيدَ من الكُو
م وَلم نَدْعُ مَنْ يُشِيطُ الجَزُورا
قلتُ: اللَّهيدُ من الْإِبِل: الَّذِي حُمِل عَلَيْهِ حِمْلٌ ثقيل فلَهَد ظَهْرَه أَو جَنْبَه: أَي ضغطه، أَو شدخه فوَرَّمَه ثمَّ لم يُوَقّ موضعُ اللَّهْدِ من الرحْل أَو القتَب حَتَّى دَبِرَ. وَإِذا أَصَابَته لَهْدَةٌ من الحِمْل أُخْلِي ذَلِك الموَضعُ من بَدادِي القَتَب كَيْلا يضغطه الْحِمل فيزدادَ فَسَادًا، وَإِذا لم يُخْلَ عَنهُ تقَيَّحت اللَّهْدَةُ فَصَارَت دَبَرَة. وَيُقَال لَهَدْتُ الرجلَ أَلْهَدُه لَهْداً: أَي دَفَعتُه فَهُوَ ملهود، وَرجل مُلهَّد: إِذا استُذِلَّ فدُفِّع تدفيعاً، ونُحِّيَ عَن مجَالِس ذَوِي الْفضل، وَمِنْه قَول طرَفة:
ذَليل بأَجماعِ الرِّجال مُلَهَّدِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: ألْهَدْتُ بالرجُل إلهاداً، وأَحضنتُ بِهِ إحْضاناً إِذا ازدريت بِهِ، وأنشدنا:
تعلْم هداكَ اللهأنَّ ابنَ نَوْفَلٍ
بِنَا مُلْهِدٌ لَو يَملكِ الضَّلْعَ ضالعُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: اللهيدة: من أطعِمة الْأَعْرَاب، وَهِي الَّتِي تُجاوِز حدَّ الحرِيقة والسخِينَة، وتقصُر عَن العصيدة، والسخينةُ: الَّتِي ارتفعتْ عَن الحساء، وثَقُلَتْ أنْ تُحْسَى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَلْهَدْتُ بِالرجلِ إلهاداً، إِذا أمسكْتَ إحدَى رِجلَيه، وخلَّيت عَلَيْهِ رجلا آخَر يُقاتله، وَكَذَلِكَ إِن فطَّنتَ رجلا لمخاصمة صَاحبه ولَحَنْتَ لَهُ ولقَّنتَه حُجَّتَه فقد ألهدْتَ بِهِ.
قَالَ: واللَّهْد: داءٌ يأخُذ الْإِبِل فِي صُدورِها، وَأنْشد:
تَظلَعُ مِنْ لَهْدٍ بهَا وَلَهْدِ
شمر عَن الهوَازِنيّ: رَجلٌ مُلَهدٌ: أَي مستَضْعَفٌ ذَليل.
هـ د ن
هدن، هِنْد، دهن، نهد، نده: مستعملة.
هدن: شمِرٌ عَن الهوازنيّ قَالَ: الهُدْنة: انْتِقَاض عَزم الرجلُ لخبرٍ يَأْتِيهِ، فيَهْدِنُه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَيُقَال: انْهَدَنَ فلَان عَن ذَاك، وهَدَنَه خبرٌ أَتَاهُ هَدْناً شَدِيدا.
وَقَالَ اللَّيْث: المهدَنَة من الهُدْنة، وَهُوَ السّكُون، يُقَال مِنْهُ: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُوناً: إِذا سكنْتَ فَلم تتحرَّك.
ورجلٌ مَهدون، وَهُوَ البليد الَّذِي يُرضيه الْكَلَام، يُقَال: قد هَدَنوه بالقَوْل دون الْفِعْل، وَأنْشد:
وَلم يُعَوَّدْ نَوْمةَ المهدونِ
وَيُقَال: هُدِنَ عَنْك فلَان: أَي أرضاه الشَّيْء الْيَسِير.
ورُوِي عَن سَلمان أَنه قَالَ: مَلْغاةٌ أولِ اللَّيْل مَهدنةٌ لآخره، مَعْنَاهُ أَنه إِذا سَهر فِي أول ليلِه فَلَغَا فِي الأباطل لم يَسْتَيْقِظ فِي آخِره للتهجّد وَالصَّلَاة.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو قَالَ: الهدُون: السّكُون، والهِدان: الرجل الأحمقُ الجافي.

(6/114)


قَالَ رؤبة:
قد يَجمعُ المالَ الهِدانُ الجافي
من غير مَا عَقْلِ وَلَا اصطِرافِ
أَبُو عبيد فِي كتاب (النَّوَادِر) قَالَ: الهَيْدانُ والهِدانُ وَاحِد.
قَالَ: وَالْأَصْل الهدَان، فزادوا الْيَاء.
قلت: وَهُوَ فَيْعال، مِثَاله عَيْدان النّخل، النونُ أَصْلِيَّة، وَالْيَاء زَائِدَة.
وَقَالَ الشَّاعِر فِي المهدُون:
إنَّ العَواوِيرَ مأكولٌ حُظوظتُها
وَذُو الكهامَة بالأقوال مَهدُون
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكَر الفِتَن فَقَالَ: (يكون بعدَها هُدنةٌ على دَخَن، وجماعةٌ على أَقْذاء) ، وَتَفْسِيره فِي الحَدِيث: لَا ترجعُ قلوبُ قومٍ على مَا كَانَت عَلَيْهِ. وأصل الهدْنة السّكُون بعد الهَيْج، وَيُقَال للصُّلح بعد الْقِتَال: هُدْنة، وَرُبمَا جُعِلَت الهدْنة مُدّةً مَعْلُومَة، فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة عاوَدُوا الْقِتَال. وَتَفْسِير الدَّخَن فِي كتاب الْخَاء.
وَيُقَال: هدَّنَت المرأةُ صَبِيَّها: إِذا أَهدَأَتْه ليَنَام، فَهُوَ مُهدَّن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هَدَّن عدوَّه: إِذا كافّه، وهَدَن: إِذا حَمُق.
وَقَالَ اللَّيْث: الهوْدَناتُ: النُّوق.
وَقَالَ شمِرٌ: هدَنْتُ الرجلَ إِذا سَكّنْته وخَدَعْته كَمَا يُهْدَن الصَّبِي.
وَقَالَ رؤبة:
ثُقِّفْتَ تَثقِيفَ امرىءٍ لم يُهْدَنِ
أَي لم يُخدَعْ وَلم يُسَكَّن فيُطْمَعَ فِيهِ.
هِنْد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: هُنَيْدةُ: مائَة من الإبلَ معرِفةٌ لَا تنصَرِف؛ وَلَا يَدْخُلها الْألف وَاللَّام، وَلَا تُجمع، وَلَا وَاحِد لَهَا من جِنْسِها.
وَقَالَ أَبُو وَجزة:
فيهم جِيادٌ وأخطارٌ مُؤبَّلَةٌ
من هِنْدِ هِنْدَ وأرْباءٌ على الهِنَد
وَيُقَال: هنَّدَتْ فلانةُ فُلاناً: إِذا أورثَتْه عِشقاً بالمُغازلة والملاطفة؛ وَأنْشد:
يَعِدْنَ مَنْ هنَّدْنَ والمُتَيَّمَا
وَقَالَ الراجز:
غَرَّكَ مِنْ هنَّادَةَ التَّهنِيدُ
موْعُودُها والباطلُ المَوْعودُ
والتهنِيدُ: شَحْذُ السَّيْف. وَقَالَ:
كلُّ حُسامٍ مُحْكَمِ التَّهنِيد
وأصل التهنِيد فِي السَّيْف أَن يُطبَعَ بِبِلَاد الْهِنْد ويُحكم عملُ شَحْذِه حَتَّى لَا ينبُو عَن الضَّرِيبة يُقَال: سيفٌ مُهنَّد وهِنْديٌّ وهُنْدُوانيّ إِذا سوي وطُبِع بالهنْد.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هَنَّدَ: إِذا قَصَّرَ وهَنَد وهَنَّد: إِذا صَاح صياح البُومة.
ابْن المستنير: هَنَّدَتْ فلانةُ بقَلْبه: أَي ذهبت بِهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: هَنّد الرجل إِذا شَتم إنْسَانا شَتْماً قبيحاً؛ وهُنِّد إِذا شُتم فاحتمله.
وهنْدٌ من أَسمَاء الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَأما هَنَّادٌ ومُهَنَّد وهِنْديٌّ فَمن أَسمَاء الرِّجَال خَاصَّة.
وَقَالَ ابْن دُريد: هَنَّدتُ الرجلَ تهْنيداً: إِذا لايَنْتَه ولاطَفْته، وَأنْشد:

(6/115)


راقك من هَنَّادَةَ التهنيدُ
دهن: قَالَ اللَّيْث: الدُّهْن الاسمُ. والدَّهْنُ: الفِعْل المجاوز، والادِّهانُ الفِعْل اللَّازِم.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَأبي زيد: الدَّهِين الناقةُ البَكِيئة القليلة اللَّبن.
قَالَ أَبُو زيد: وَقد دَهِنَتْ تَدْهَنُ دَهَانَةً.
ابْن السّكيت: نَاقَة دَهِينٌ: قَليلَة اللّبَن، والجميع دُهُن. قَالَ المثقّب:
تَسُدُّ بمَضْرَ حيِّ اللّوْنِ جَثْلٍ
خَوَايَةَ فَرْج مِقْلاتٍ دَهِينِ
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الَّتِي يُمْرَى ضَرْعُها فَلَا يدُرُّ قَطْرَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الدَّهِين من الْجمال: الَّذِي لَا يكَاد يُلقِحُ والملِيحُ: الَّذِي لَا يُلقح أصلا، وَإِذا ألقَح فِي أوَّل قَرْعة فَهُوَ قَبِيسٌ.
قَالَ: ودَهّن الرَّجُلُ الرَّجُلَ: إِذا نافَقَ، ودَهَّنَ غلامَه، إِذا ضرَبه.
أَبُو عبيد، عَن الفرَّاء: دَهَنَه بالعصا يَدْهَنُه: إِذا ضَرَبه، وَهَذَا كَمَا يُقَال: مَسَحَه بالعصا، وبالسَّيْف، إِذا ضَرَبه بِرِفْق
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} (القَلَم: 9) يُقَال: وَدُّوا لَو تَلين فِي دِينك فيلينُون.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الإدهان: المُقَاربة فِي الْكَلَام والتَّليِين فِي القَوْل، من ذَلِك قَوْله: {الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} (القَلَم: 9) ، مَعْنَاهُ ودوا لَو تكفرون فيكفرون، وَقَالَ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْعَالَمِينَ أَفَبِهَاذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} (الواقِعَة: 81) قَالَ: مكذِّبون، وَيُقَال: كافرون، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِي قَوْله: {الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} (القَلَم: 9) : يُقَال: ودُّوا لَو تَلينُ فِي دينك فَيَلِينُون.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الإدهان: المقاربة فِي الْكَلَام، والتَّليين فِي القَوْل من ذَلِك قَوْله: {الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} (القَلَم: 9) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: المُدْهِنُ والمُداهِنُ: الكذّاب المنافِق. وَقَالَ فِي قَوْله: {الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} (القَلَم: 9) أَي ودُّوا لَو تُصانعهم فِي الدِّين فيُصانعُونك.
وَقَالَ اللَّيْث: الإدهان: اللِّينُ، والمُداهِن: المُصانِع المُوارِبِ، قَالَ زُهَيْر:
وَفِي الحِلْمِ إِدْهانٌ وَفِي العَفْوِ دُرْبةٌ
وَفِي الصِّدْق مَنْجَاةٌ من الشَّرِّ فاصدُقِ
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أصل الإدهان الْإِبْقَاء، يُقَال: لَا تُدْهِنُ عَلَيْهِ: أَي لَا تُبق عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللحيانيّ: يُقَال: مَا أدهنْتَ إِلَّا على نَفسك: أَي مَا أبقيت بِالدَّال وَيُقَال: مَا أرهيْتَ ذَاك: أَي مَا تركتَه سَاكِنا. والإرهاء: الإسكان.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: قَالَ بعض أهل اللّغة: معنى داهَنَ وأَدْهَنَ: أَي أظْهَر خلافَ مَا أَضْمَر فكأنّه بَيَّن الكذبَ على نَفسه.
وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْعَالَمِينَ أَفَبِهَاذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} (الواقِعَة: 81) : أَي مكذِّبون.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّهْنُ من الْمَطَر: قدرُ مَا يَبلُّ وجهَ الأَرْض. وَرجل دَهِينٌ: ضَعِيف.
وَيُقَال: أتيت بأمرٍ دَهِين. وَقَالَ ابْن عَرادةَ:

(6/116)


لِتَنْتَزِعُوا تُراثَ بني تميمٍ
لقد ظَنُّوا بِنَا ظَنّاً دَهِينَا
وَقَالَ غَيره: الدِّهان: الأمطار اللَّيِّنة، وَاحِدهَا دُهن.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} (الرَّحمان: 37) . قَالَ: شَبَّهها فِي اخْتِلَاف ألوانها بالدُّهن واختِلاف ألوانِه. قَالَ: وَيُقَال: الدِّهان: الأدِيم الْأَحْمَر وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي:
ومُخاصِمٍ قاومْتُ فِي كَبَدٍ
مثل الدِّهانِ فَكَانَ لي العُذْرُ
قَالَ: الدِّهان: الطَّرِيقُ الأمْلَس هَاهُنَا: أَي قاومْتُه فِي مَزِلَ فَثَبَتَ قَدَمي وَلم تثبُتْ قدمُه. والعُذْرُ: النُّجْح.
قَالَ: والدِّهان فِي الْقُرْآن: الأدِيمُ الأحْمَر الصِّرْف.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله جلّ وعزّ: {السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} (الرَّحمان: 37) : تتَلوَّنُ من الفَزَعِ الأكْبَر كَمَا تَتَلوَّن الدِّهانُ المُختلفة، وَدَلِيل ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ} (المعارج: 8) : أَي كالزَّيت الَّذِي قد أُغْلِي.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: المَداهِنُ: نُقَرٌ فِي رُؤُوس الْجبَال يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءِ، وَاحِدهَا مُدْهُن.
وَقَالَ اللَّيْث: المُدْهُن كَانَ فِي الأَصْل مِدْهناً، فلمَّا كَثُر فِي الْكَلَام ضَمُّوه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الفرّاء: مَا كَانَ على مِفْعل ومِفْعلة ممّا يُعْتَملُ بِهِ، فَهُوَ مكسورُ الْمِيم، نَحْو مِخْرَز ومِقْطَع ومِسَلّ ومِخَدَّة إلاّ أحرفاً جَاءَت نوادرَ بضمّ الْمِيم وَالْعين، وَهِي: مُدْهُنٌ ومُسعُطٌ ومُنْخُلٌ ومُكْحُلٌ ومُنْصُلٌ، والقياسُ مِدْهَن ومِنْخَل ومِسْعَط ومِكْحَلة.
والدَّهناء من ديارِ بني تَميم، مَعْرُوفَة، تُقْصرُ وتُمَدّ. والنِّسبة إِلَيْهَا دَهْناويّ، وَهِي سَبْعَة أجْبُل فِي عُرْضها بَين كلِّ جَبَلَيْن شَقِيقَةٌ، وطولُها من حَزْن يَنْسوعَةَ إِلَى رَمْل يَبْرِينَ، وَهِي من أَكثر بِلَاد الله كلأً مَعَ قلّة أَعْدادِ الْمِيَاه، وَإِذا أخْصَبت الدَّهْناء رَبَّعَت العَرب جَمْعاء لِسَعيها وَكَثْرَة شَجَرها، وَهِي غَداةٌ مكرُمَة نَزِهَةٌ، مَنْ سَكنها لم يَعرِف الحُمَّى لِطيب تُرْبَتها وهوائِها. وَقَالَ أَبُو زيد: الدِّهان: الأمطار الضّعيفة، وَاحِدهَا دُهْن، يُقَال: دَهَنها وَليُّ، فَهِيَ مَدْهُونة.
والدَّهَّان: الَّذِي يَبِيع الدُّهْن.
نهد: قَالَ اللَّيْث: النَّهْد فِي نَعْت الْخَيل: الجسيمُ المُشْرف.
يُقَال: فَرَسٌ نَهْدُ القَذال، نَهْدُ القُصَيْرَى.
والنَّهْد: إِخْرَاج القَوم نَفقاتهم على قَدْرِ عَدَدِ الرُّفْقة: يُقَال: تناهدوا وناهَدُوا، ونَاهَدَ بَعضهم بَعْضًا. والمُخْرَجُ يُقَال لَهُ: النِّهْد: يُقَال: هاتِ نِهْدَك.
قَالَ: والمُناهَدة فِي الْحَرْب أَن ينْهدَ بَعضهم إِلَى بعض، وَهِي فِي معنى نهضُوا، إلاّ أنّ النهوض قيامٌ على قُعود، ومُضِيّ؛ والنُّهُود: مُضيٌّ على كلِّ حَال.
قَالَ والنهيدة: الزُّبدَة الضَّخْمة، وَبَعْضهمْ يُسمِّيها إِذا كَانَت ضخْمةً نهْدَةً، وَإِذا كَانَت صَغِيرَة فَهْدةً.

(6/117)


قَالَ أَبُو حَاتِم: النهِيدَة من الزُّبْد: زُبْدُ اللّبن الَّذِي لم يَرُبْ وَلم يُدْرِك فَيُمخَضُ اللّبن فَتكون زُبْدَتُه قَليلَة حلوةً.
والنَّهْداء من الرِّمال كالرَّابية المتلبِّدة: مكرُمَة تُنْبِتُ الشَّجَر، وَلَا يُنْعَتُ الذَّكَرُ على أَنْهَد. وَتقول: نَهَدَ الشَّدْيُ نُهُوداً: إِذا انتَبَرَ وكَعَّب، فَهُوَ ناهِد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا نَهَدَ ثَدْيُ الْجَارِيَة قيل: هِيَ ناهِد. والثُّدِيُّ الفَوالكُ دون النَّواهد.
وَنَهَدَ القومُ لِعَدُوّهم: إِذا صَمَدُوا لَهُ وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنه دخل المسجدَ الحرامَ فنهَدَ لَهُ الناسُ يسألونه: أَي نَهَضوا، وأنْهَدْتُ الحَوْضَ إنهاداً: إِذا مَلأتَه حتّى يَفيضَ.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: إناءٌ نَهْدانُ: الَّذِي قد علا وأشرف، وحَفّانُ: قد بَلَغ الماءُ حَفَافَيْه، وكَعْثَبٌ نَهْدٌ: إِذا نَتَأَ وارتفَع، وَإِذا كَانَ مُسْتَرخِياً فَهُوَ هَيْدَبٌ، وأَنشد الْفراء:
أريتَ إنْ أُعطِيتَ نَهْداً كَعْثَبا
أذاكَ أمْ نُعطِيك هَيْداً هَيْدَبَا
ابْن السّكيت: النَّهيدةُ أَن يُغْلَى لُبابُ الهبِيد، وَهُوَ حبُّ الحَنظَل، فَإِذا بلغ إنَاه من النُّضْج والكَثَافة ذُرَّتْ عَلَيْهِ قُمَيْحة من دَقيق، ثمَّ أُكِل.
روى ابْن السّكيت لأبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: إِذا قاربت الدلوُ الملْءَ فَهُوَ نَهْدُها: يُقَال: نهَدتِ المَلْءَ، قَالَ: فَإِذا كَانَت دون مَلْئِها قيل: غرَّضْتُ فِي الدَّلْو، وَأنْشد:
لَا تملأ الدَّلْوَ وغَرِّضْ فِيهَا
فإِنّ دُونَ مَلْئِها يَكفيها
وَكَذَلِكَ عَرَّقْتُ.
وَقَالَ: وضَخْتُ وأَوضَخْتُ: إِذا جعلتَ فِي أَسْفَلها مُوَيهةً.
نده: الأصمعيّ: النَّدْهُ: الزَّجْر، قَالَ: وَكَانَ يُقَال للْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا طُلِّقَت: اذهَبِي فَلَا أَندَهُ سَرْبَكِ، فكانَتْ تَطلُق، الأَصْل فِيهِ أَنه يَقُول لَهَا: اذهبِي إِلَى أهلك فَإِنِّي لَا أَحفَظ عليكِ مالكِ وَلَا أرُدُّ إبِلك عَن مَذْهَبها، وَقد أَهْمَلْتُها لِتَذْهَب حَيْثُ شَاءَت.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّدْه: الزّجْر عَن الْحَوْض وَعَن كلّ شَيْء إِذا طُرِدَتِ الإبلُ عَنهُ بالصِّياح.
وَقَالَ أَبُو مَالك: نَدَه الرّجلُ يَنْدَه نَدْهاً: إِذا صَوَّت.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل إِذا رأَوه جَرِيئاً على مَا أَتَى أَو المرأةِ: إحْدَى نَوَادِهِ البَكْر.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: النَّدهة: الكثْرة من المَال، وَأنْشد قَول جميل:
وَلَا مَالُهم ذُو نَدْهَةٍ فَيدُوني
وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّدهة والنُّدهة بِفَتْح النّون وضمِّها: كَثْرَة المَال.
هـ د ف
هدف، فَهد، دهف، دفه: مستعملة.
هدف: روى شمر بِإِسْنَاد لَهُ أنَّ الزُّبير وَعَمْرو بن الْعَاصِ اجْتمعَا فِي الحِجر، فَقَالَ الزُّبير: أما وَالله لقد كنت أهدَفْتَ لي

(6/118)


يَوْم بَدْر، وَلَكِنِّي اسْتَبْقَيتُك لمثل هَذَا الْيَوْم.
فَقَالَ عَمْرو: وَأَنت وَالله لقد كنت أَهدفْتَ لي، وَمَا يَسُرُّني أنَّ لي مثل ذَلِك بِفَرَّتي مِنْك.
قَالَ شمر: قَوْله: أهدفت لي، الإهدافُ: الدُّنُّو مِنْك والاستقبالُ لَك والانتصاب. يُقَال: أهدَف لي الشيءُ فَهُوَ مُهدِف، وَأنْشد:
ومِن بني ضَبَّة كَهْفٌ مِكْهَفُ
إنْ سالَ يَوْمًا جَمْعُهمْ وأَهدَفُوا
وَقَالَ: الإهدافُ: الدُّنُوُّ: أَهدَفَ القومُ: إِذا قَرُبوا.
وَقَالَ ابْن شُميل، أَو قَالَه الفرَّاء: يُقَال لمّا أَهدَفَتْ لي الكوفةُ نَزَلْتُ، ولمّا أهدَفَتْ لَهُم تفرَّقوا، وكلُّ شَيْء رَأَيْته قد استقبَلك اسْتِقْبَالًا فَهُوَ مُهْدِف ومُسْتَهدِف.
قَالَ النَّابِغَة:
وإِذا طَعَنْتَ طَعَنْتَ فِي مُسْتَهدِفٍ
رابِي المَجَسَّة بالعَبِير مُقَرْمَدِ
أَي مُرتفع منتصب، وَقد اسْتهدَف: أَي انتَصَب، وَمن ذَلِك أُخذ الهدَف لانتصابه لِمَنْ يَرمِيه.
وَقَالَ الزَّفَيان السَّعْديّ يذكر نَاقَته:
ترجوا اجتبارَ عظْمها إذْ أَزْحَفَتْ
فأَمْرَعَتْ لما إليكَ أَهدَفَتْ
أيْ قدْ قَرُبتْ وَدَنَتْ.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: جَاءَت هادِفَةٌ من نَاس، ودَاهفَةٌ وجاهشَةٌ.
وهاجِشَةٌ وهابِشَةٌ وهائِشةٌ وَيُقَال: هَل هَدَف إِلَيْكُم هادِفٌ، أَو هَبَشَ هابِشٌ: يستخبره هَل حَدَثَ ببَلده أحدٌ سِوى مَن كَانَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الهدَف: الغرَض. والهَدَفُ من الرّجال: الجسيم الطَّويلُ العُنُق العريضُ الألوَاح.
وَيُقَال: أَهْدَفَ لَك السحابُ أَو الشَّيْء: إِذا انتَصَب، والهَدفُ: كلُّ شيءٍ عريض مرتفِع.
وَفِي الحَدِيث أَنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا مرَّ بهدفٍ مائلٍ أَو صَدفٍ مائلٍ أسرَعَ المشيَ.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ: الهدَف: كل شَيْء عَظِيم مُرْتَفع.
وَقَالَ غَيره: وَبِه شُبِّه الرَّجل الْعَظِيم، فَقيل لَهُ: هَدَف، وَأنْشد:
إِذا الهَدَفُ المِعْزالُ صوَّب رأْسَه
وأَعجبه ضَفْوٌ من الثَّلّةِ الخُطْلِ
قَالَ: والصَّدَف نحوٌ من الهَدف.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَوْله: إِذا الهدف المِعْزال: هَذَا راعِي ضَأْن فَهُوَ لضَأْنه هَدف تأوِي إِلَيْهِ، وَهَذَا ذمٌّ للرجُل إِذا كَانَ راعِيَ الضَّأْن، وَيُقَال: أحمقُ من راعي الضَّأْن. قَالَ: وَلم يُرِدْ بالخُطْل اسْترخاء آذانها، أَرَادَ بالخُطْل: الكثيرةَ تخْطِل عَلَيْهِ وتَتْبَعُه.
قَالَ: وَقَوله: الهَدَف: الرجلُ الْعَظِيم خطأ.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: قَالَ لَهُ ابْنه عبد الرحمان: لقد أَهْدَفْتَ لي يومَ بدر، فَصِفْتُ عَنْك، فَقَالَ أَبُو بكر: لكنَّك لَو أَهدفْتَ لي لم أَصِفْ عَنْك: يُقَال لكل

(6/119)


شَيْء دنا مِنْك وانتصب لَك واستَقْبَلك: قد أهدف لي الشيءُ، واستَهْدَف، وَمِنْه أُخِذ الهَدف لانتصابه.
وَقَالَ ابنُ شُميل: الهَدف: مَا رُفِع وثُنِيَ من الأَرْض للنِّضال. والقرْطاس: مَا وُضِع فِي الهدف ليُرْمى. وَالْغَرَض: مَا يُنْصَب شِبْه غِرْبال أَو حلْقة.
وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: الْغَرَض: الهدَف، ويُسَمَّى القِرطاسُ هَدَفاً أَو غَرَضاً على الِاسْتِعَارَة. وَيُقَال: أهدفَ لكَ الصَّيدُ فارْمِه، وأَكْثبَ وأعرَضَ مثلُه.
وَقَالَ عبد الرحمان بن أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا لِأَبِيهِ: لقد أهْدَفْتَ لي يَوْم بدر فصدفت عَنْك، فَقَالَ أَبُو بكر: لكنك لَو أهدفتَ لي لم أصْدِف عَنْك.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الفَرَج: قَالَ الأصمعيّ: عِدْفةٌ وعِدَف، وهِدْفةٌ وهِدَفٌ بِمَعْنى قِطْعَةٌ.
قَالَ: وَقَالَ عُقْبَة: رأيتُ هِدْفةً من النَّاس: أَي فِرْقة.
دهف: فِي (النوادِر) : جَاءَت هادفةٌ من النَّاس وداهفةٌ بِمَعْنى وَاحِد.
وَيُقَال: إبلٌ داهفةٌ، أَي مُعْيِيَةٌ من طُولِ السّيْر. وَقَالَ أَبُو صَخر الهَذَلِيّ:
فَمَا قَدِمَتْ حَتَّى تَوَاتَرَ سيرُها
وَحَتَّى أُنِيخَتْ وَهِي داهِفةٌ دبْرُ
دفه: أهمله اللَّيْث ورَوى ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الدّافِه: الْغَرِيب. قلت: كَأَنَّهُ قُلِبَ عَن الداهِف أَو الهادِف.
فَهد: قَالَ اللَّيْث: الفَهْد مَعْرُوف، وجمعُه فُهود، وثلاثةُ أفْهُد.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فَهْدَتا صَدْرِ الفَرَسِ: لحمتان تكتنفانه.
وَقَالَ غَيره: فَهْدَتَا الْبَعِير: عَظْمانِ ناتِئَانِ خَلْفَ الأُذُنين، وهما الخُشَشَاوَان. والفَهْد: مِسْمَارٌ يُسَمَّر بِهِ وَاسِطُ الرَّحْل، وَأنْشد:
مُضَبَّرٌ كَأَنَّمَا زَئيرُه
صَرِيرُ فَهْدٍ واسطٍ صرِيرُه
شبَّه صَرِيفَ نابِ الفحْل بصَرِيرِ هَذَا المِسمار.
قَالَ خَالِد: واسطُ الفَهد: مِسمارٌ يُجعل فِي واسطِ الرَّحْل.
اللِّحيانيّ: غلامٌ فَوْهَد وثَوْهَد: إِذا كَانَ نَاعِمًا ممتلِئاً.
ووَصَفَت امرأةٌ زوجَها فَقَالَت: (زَوجي إِن دَخَل فهدَ، وَإِن خرَج أَسِدَ) ، فوصفَت زَوجهَا باللِّين والسكون إِذا كَانَ مَعهَا فِي الْبَيْت. ويُوصَف الفَهْد بِكَثْرَة النَّوم، فَيُقَال: أنْوَمُ مِن فهدٍ، فشبَّهتْهُ بِهِ إِذا خَلا بهَا، وبالأسد إِذا رأى عدُوَّه. وَيُقَال للَّذي يُعلِّمُ الفَهدَ الصَّيْد: فَهَّاد.
وَقَالَ أَبو عَمرو: غُلَام فَلْهَد وفَوْهَد، وَهُوَ الْغُلَام السَّمين الَّذِي قد راهَقَ الحُلُم.
وَفِي (النَّوادِر) : يُقَال: فَهَد فلانٌ لفلانٍ، وفَأَدَ، ومَهَد: إِذا عَمِل فِي أَمْرِه بالغَيْبِ جَميلاً.
هـ د ب
هدب، هبد، بده، دبه: مستعملة.

(6/120)


هدب: قَالَ اللَّيْث: الهَدَب: أَغْصانُ الأرْطَى ونحوِها ممَّا لَا وَرَقَ لَهُ، وجمعُه أَهداب، والواحدة هَدَبة.
والهَدَب: مَصدر الأهدب والهَدْباءِ يُقَال: شكرةٌ هَدْباءُ، وَقد هَدِبَتْ هَدَباً: إِذا تَدَلّى أغصانُها من حَواليْها.
ورجلٌ أهدَبُ: طَوِيل أشفار الْعين، النّابِت كثيرُها. قلت: كأنّه أَرَادَ بأَشفار الْعين مَا نَبت على حُرُوف الأجفان من الشَّعَر، وَهُوَ غَلَط، إِنَّمَا شُفْرُ العيْن مَنْبِت الهَدَب من حُرُوف أجفان الْعين، وَجمعه أشفار.
وَفِي الحَدِيث: (مَا من مُؤْمِنٍ يمرَض إلاّ حَطَّ الله هُدْبَةً من خطاياه) ، أَي قِطْعَة وَطَائِفَة؛ وَمِنْه هُدْبَةُ الثوْب.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُدَّاب: اسْم يَجمعُ هُدْبَ الثَّوْب وهُدْبَ الأرْطَى، وَقَالَ العجّاج يصف ثوراً وَحْشِياً:
وشجرَ الهُدَّابِ عَنهُ فجفَا
بِسَلْهَبَينِ فوقَ أَنْفٍ أَذْلَفَا
والواحدة هُدَّابة وهُدْبَة. وَقَالَ الشَّاعِر:
مناكبُه أَمْثالُ هُدْبِ الدَّرَانِكِ
والهَدْب بِسُكُون الدَّال: ضَرْبٌ من الحَلَب: تَقول: هَدَبَ الحالبُ النَّاقة يَهْدِبُها هدْباً إِذا حَلَبَها. قَالَ ذَلِك ابْن السّكيت، وَقد هَدَبَ الثَّمَرَة يَهْدِبُها إِذا اجتنَاها قَالَ: والهدَبُ من وَرَق الشَّجر: مَا لَا عَيْرَ لَهُ نَحو الأثْل والطَّرْفاء والسَّرْو. قلتُ: يُقَال: هُدْبٌ وهَدَبٌ لورَق الشّجر من السَّرْوِ والأرْطَى وَمَا لَا عَيْرَ لَهُ فِي وسَطه وَيُقَال: هُدْبة الثوبِ والأرْطَى وهُدَبُهُ. قَالَ ذُو الرُّمة:
أَعْلَى ثوبِهِ هُدَبُ
وأهْدَبَ الشجَرُ: إِذا خرج هُدْبُه وَقد هَدَبَ الهدَبَ يهدِبُه: إِذا أَخذه من شَجَره. وَقَالَ ذُو الرمة:
على جوانِبِه الأسْباطُ والهدَبُ
وَفِي الحَدِيث: (ومِنَّا من أيْنَعَتْ لَهُ ثمرتُه فَهُوَ يَهدِبُها) ، أَي يجنيها ويقْطِفُها، كَمَا يَهدِبُ الرّجُل هَدَب الغَضَا والأرْطَى.
قلت: والقَبَل مثل الهدَبُ سواءٌ. أَبُو عُبَيْدَة عَن الْأَصْمَعِي: الهيْدَب: السّحاب الَّذِي يتدلَّى وَيَدْنُو مثل هُدْب القطيفة.
وَقَالَ اللَّيْث: هَيْدَبُ السَّحَاب: إِذا رأيتَ السَّحابة تَسلْسَلُ فِي وَجههَا للوَدْق فانصَبَّ كَأَنَّهُ خُيوطٌ متّصلة، وَكَذَلِكَ هَيْدَبُ الدَّمْع، وَأنْشد:
بدَمْع ذِي حَزَازاتٍ
على الخَدَّيْن ذِي هَيْدَبْ
أَبُو عبيد: الهيْدَبُ: العَبَامُ من الأقوام الفَدْمُ الثقيل.
وَقَالَ أَوْسُ بن حَجَر:
وشُبِّه الهيْدَبُ العَبامُ مِنَ ال
أَقْوام سَقْباً مُجَلِّلاً فَرَعَا
وَقَالَ غَيره: الهَيْدَب ثدي الْمَرْأَة ورَكَبُها إِذا استرخَى وذهبَ اكتِنازُه وانتصابه شُبِّه بهيْدَب السَّحَاب، وَهُوَ مَا تَدَلَّى من أسافله إِلَى الأَرْض قلت: وَلم أسمع الهَيْدَب فِي صفةِ الوَدْقِ الْمُتَّصِل، وَلَا فِي نعت الدمع، والبيتُ الَّذِي احتجّ بِهِ اللَّيْث مَصْنُوع لَا حجَّة بِهِ وأمّا بَيت عبيد فَإِنَّهُ يدل على أنّ الهَيْدَب من السَّحاب، وَهُوَ قَوْله:

(6/121)


دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأرْضِ هَيْدَبُهُ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لِلِّبْدِ ونحوِه إِذا طَال زِئْبِرُه: أهْدَب، وَأنْشد:
عَن ذِي دَرَانِيكَ ولِبْدٍ أهْدَبا
والهُدْبة: الواحدةُ من هُدْب الثَّوْب، وَبهَا سُمِّي الرجُلُ هُدْبة.
هبد: قَالَ اللَّيْث: الهَبْد: كَسْرُ الهبيد وَهُوَ الحنْظَل، يُقَال مِنْهُ: تَهبَّد الرجلُ والظَّليم: إِذا أخذا الهَبِيدَ من شَجره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهَبيدُ: الحَنْظَل، وَيُقَال: حَبُّ الحنْظَل، وَيُقَال للظليم: هُوَ يتهبَّد: إِذا استخرجه ليأكله. قلت: وَيُقَال: اهتَبَدَ الظَّليمُ: إِذا نَقَر الْحَنْظَلَ بِمِنْقارِه فأَكل هَبيدَة، واهتبد الرّجُلُ: إِذا عالج الحَنْظَل، وَقد هَبَدْتُه أَهْبِدُه: إِذا أَطْعمْته الهَبيدَ قلت وهَبيدُ الْحَنْظَل. حَبُّ حَدَجِه إِذا جَفّ يُسْتَخْرَج ويُنقَع ثمَّ يُطْبَخُ ذَلِك الماءُ الَّذِي أُنْقع فِيهِ حَتَّى تذْهب مَرَارَته ثمّ يُصَبُّ عَلَيْهِ السَّمن ويُذَرّ عَلَيْهِ قُمَيْحةٌ ويُتحسَّى فيتبلَّغُ بِهِ فِي السنين والمجاعات.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَبيد هُوَ أَن يُنقَع الْحَنْظَل أَيّاماً ثمّ يُغسلَ ويطرَحَ قشْرُه الْأَعْلَى فيطبخ ويُجْعل مِنْهُ دَقيق، وَرُبمَا يَجْعَل مِنْهُ عَصيدةٌ، يُقَال مِنْهُ: رَأَيْت قوما يتهبَّدون، والتّهبُّد: اجتناء الْحَنْظَل ونَقْعُهُ، وَأَخْبرنِي المُنذري عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: هَبيدُ الحَنْظل: شَحْمه يسْتَخْرج فَيجْعَل فِي المَاء وَيتْرك فِيهِ أَيَّامًا، ثمّ يضرَب ضَرْباً شَدِيدا ثمَّ يخرَج وَقد ذهبتْ مَرارَتُه، ثمّ يَشرَّرُ فِي الشَّمس، ثمّ يطحن ويُستخرج دُهْنُه فيتعالج بِهِ، وَأنْشد الْبَيْت:
خْذِي حَجَرَيْكِ فادَّقِّي هبيدا
وَقَالَ ابْن السّكيت: الهبيدة: أَن يغلى لُبابُ الهبيد، وَهُوَ حَبُّ الْحَنظل، فَإِذا بلغَ إناه من النُّضج ذُرّتْ عَلَيْهِ قُمَيْحَةٌ من دَقيق ثمَّ أُكل وَقَالَ:
خُذِي حجرَيكِ فادَّقِّي هَبيداً
كلا كلبيْك أعْيا أنْ يصيدا
كَأَن قَائِل هَذَا الشِّعر صَيّادٌ أخفق فَلم يصدْ فَقَالَ لامْرَأَته: عالجِي الهبيد فقد أخفقنا.
أنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
شَرِبنَ بعُكَّاش الهَبَابيدِ شَرْبَةً
وَكَانَ لَهَا الأحْفَى خلِيطاً تُزَايلُهْ
قَالَ: عُكَّاش الهَبابيد: ماءٌ يُقَال لَهُ: هَبُّود وأحْفَى: اسْم مَوضِع.
أَبُو عبيد: الهَبِيدُ: الْحنْظل، وَيُقَال: حبُّ الحنْظَل فجمَعه بِمَا حوله.
وهَبُّود: اسْم فرَس سابقٍ كَانَ لبني قُرَيْع. وَقَالَ:
وفارِسُ هَبُّودٍ أشابَ النَّواصيا
بده: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَدَه الرجُل: إِذا أجَاب جَوَابا سَدِيداً على البَديهة بِلَا تَرْوِيةَ فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: البَدْه: أَن تَسْتَقْبِل الْإِنْسَان بأمرٍ مفاجأةً، وَالِاسْم البَدِيهة فِي أول مَا يفاجأ بِهِ. تَقول: بادَهَنِي مُبادَهةً: أَي باغتَني مُباغتَةً.
قَالَ: والبُداهة: البَديهة فِي أول جَرْي الفرَس، تَقول: هُوَ ذُو بَديهةٍ، وَذُو بُداهة.
قلت: بُداهة الفرَس: أوّل جرْيه، وعُلالَتُه: جَرْيٌ بعد جَرْي.

(6/122)


وَقَالَ الْأَعْشَى:
إلاَّ بُداهةَ أَو عُلا
لةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ
دبه: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: دَبُه الرجُلُ: إِذا وَقع فِي الدَّبَهِ، وَهُوَ الْموضع الكثيرُ الرَّمْل، ودَبَّهَ: إِذا لزِم الدُّبَّهَ، وَهِي طريقةُ الْخَيْر.
قلت: جَعَل ابْن الأعرابيّ دَبَّةَ ثلاثياً صَحِيحا ثمَّ جعله من ثنائيّ المُضاعف، وَلَا أَدْرِي مَا مَذْهبُه فِي ذَلِك.
هـ د م
هدم، همد، دهم، دَمه، مهد، مده: مستعملة.
هدم: قَالَ اللَّيْث: الهَدْم: قَلْع المَدَر، يَعْنِي البُيُوت، وَهُوَ فِعْل مُجاوِز، وَالْفِعْل المطاوِع الانهدام، وَهُوَ لازمٌ، والهِدْم: الخَلَق الْبَالِي. وجمعُه أهدام.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهِدْم: الشيخُ الَّذِي قد انحطَم مثل الهِمّ.
قَالَ: وسمعتُ الْأَصْمَعِي يَقُول للناقة إِذا اشتدَّت ضَبَعَتُها وَهُوَ شَهْوَتُها للفَحْل: هَدِمَتْ تهْدَمُ هَدَماً فَهِيَ هَدِمة.
وَقَالَ الْفراء: الهَدِمَة: النَّاقة الَّتِي تقع من شدَّة الضَّبَعَة، وَأنْشد:
فِيهَا هَدِيمُ ضَبعٍ هَوَّاسُ
وَقَالَ اللَّيْث: الناب المتهدِّمة، والعجوز المتهدِّمة: الفانية الهَرِمة.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الهَدَم: مَا تهدَّم من الْبِئْر من نَوَاحِيهَا فِي جَوْفها، وَأنْشد أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ:
تمْضِي إِذا زُجِرَتْ عَن سَوْءةٍ قُدُماً
كَأَنَّهَا هَدَمٌ فِي الجَفْرِ مُنقاضُ
وَفِي الحَدِيث (أَن أَبَا الهَيْثم بن التَّيِّهان قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بَيْننَا وَبَين الْقَوْم حِبَالًا، وَنحن قَاطِعُوهَا فنخشى إنِ الله أعَزّكَ وأَظْهَرَك أَن ترجِع إِلَى قَوْمك. فتبسَّم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: بل بالدَمَ الدَمَ، والهَدْمَ الهَدْم، أَنا مِنْكُم، وَأَنْتُم مني) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَرَب تَقول: دَمِي دَمُك، وهَدمي هَدَمُك، هَكَذَا رَوَاهُ بِفَتْح الدَّال قَالَ: وَهَذَا فِي النُّصْرة والظلْم، تَقول: إِن ظُلمتَ فقد ظُلِمتُ، قَالَ: وأنشدني العُقَيْليّ:
دَمًا طيِّباً با حبّذا أنتَ من دَمِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قولا ثَالِثا، كَانَ يَقُول: هُوَ الهَدَمُ الهَدَمُ، واللَّدَمُ اللّدَمُ: أَي حُرمَتي مَعَ حُرْمَتِكم، وبيتي مَعَ بَيْتِكم، وَأنْشد:
ثمّ الْحَقِي بهَدَمي ولَدَمي
أَي بأصلي ومَوْضِعي.
قَالَ: وأصل الهَدَم مَا انهَدَم. يُقَال: هدمْتُ الْبناء هَدْماً، والمَهْدُوم هَدَمٌ، وسُمِّيَ منزلُ الرجل هَدَماً لانهدامه.
وَقَالَ غَيره: جَازَ أَن يُقَال لقَبْر الرجل: هَدَمُه لِأَنَّهُ يُحفَر ثمَّ يُرَدّ تُرابُه فِيهِ، فَهُوَ هَدَمُه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَقبَرِي مَقْبَرُكُم: أَي لَا أَزَال مَعكُمْ حَتَّى أموتَ عنْدكُمْ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الهَيثم أَنه قَالَ: قَوْلهم فِي الْحلف: دَمِي دَمُك: إنْ قتلَني إنسانٌ طلبْتَ بدَمِي كَمَا تطلُبُ بِدَم وليِّك:

(6/123)


أَي ابْن عمِّك وأخيك، وهَدَمي هَدَمُك أَي مَن هَدَم لي عِزّاً وشَرَفاً فقد هَدَمه مِنْك، وكلّ من قتَل لَك وليّاً فَكَأَنَّمَا قتلَ وَلِييِّ، وَمن أَرَادَ هَدْمك فقد قصدني بذلك.
قلت: وَمن رَوَاهُ الدَّمَ الدَّمَ والهَدْمَ الهَدْمَ فَهُوَ على قَول الحليف: تطلُب بِدَمي وَأَنا أطلُب بدَمِك، وَمَا هَدَمْتَ من الدّماء هَدمْتُ: أَي مَا عفوْتَ عَنهُ وأهْدَرْتَه فقد عفوتُ عَنهُ وتركتُه.
وَيُقَال: إِنَّهُم كَانُوا إِذا احْتَلفوا قَالُوا: هَدْمِي هَدْمُك ودَمِي دمُك، وترِثني وأَرِثُك، ثمَّ نسخ الله تَعَالَى بآيَات المواريثِ مَا كَانُوا يشتَرطونه من الْمِيرَاث فِي الحِلْف.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَهْدومة: الرَّثيئة من اللَّبَن؛ وَرجل هَدِم: أحمَق مُخَنّث، وَأنْشد أَبُو حَاتِم:
شفَيْتُ أَبَا المُخْتارِ من داءِ بَطْنه
بمهْدُومةٍ تُنبِي أُصولَ الشراسِفِ
قَالَ: المهدُومة: هِيَ الرثيئة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ شهَاب: إِذا حُلِب الحليبُ على الحَقِين جَاءَت رثيئةً مذكرةً طيِّبَةً، لَا فَلَقَ، وَلَا مُمْذَقِرَّة، سَمْهَجَة ليِّنَةً.
وَقَالَ أَبُو زيد: الهَدْمة: المطْرة الْخَفِيفَة. وأرضٌ مهدومةٌ: أَي ممطورة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: هَدَم فلانٌ ثوبَه ورَدَّمه: إِذا رَقّعه.
رَوَاهُ أَبُو تُرَاب عَنهُ.
وَقَالَ شمِر: قَالَ أَحْمد بن الحَرِيش: الأهْدَمان: أَن ينهار عليكَ بناءٌ أَو تقع فِي بِئْر أَو أُهْوِيَّة.
وَفِي الحَدِيث: (من هَدَمَ بُنْيان ربِّه فَهُوَ مَلْعُون) : أَي من قتل النّفس المحرَّمة لِأَنَّهَا بُنْيان الله وتركيبُه.
دهم: قَالَ اللَّيْث: الأدْهَم: الْأسود، وَبِه دُهْمة شَدِيدة، وادْهامَّ الزَّرْعُ: إِذا علاهُ السَّوادُ رِيّاً.
وَقَالَ الفرّاء فِيمَا رَوَى عَنهُ سَلَمة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ} (الرَّحمان: 64) : يَقُول: خضراوان إِلَى السَّواد من الرِّيِّ.
وَقَالَ الزَّجّاج: الْمَعْنى أَنَّهُمَا خَضْراوان تَضرِب خُضرَتُهما إِلَى السّواد، وكل نبْت أخضَرَ فتَمامُ خِصْبِه وريِّه أَن يضْرب إِلَى السَّواد.
وَقَالَ اللّيث: الدَّهْمُ: الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة. وَقد دَهَمُونا: أَي جَاءُونَا بمَرَّةٍ جمَاعَة.
ودَهَمَهُم أمْرٌ: إِذا غَشِيَهم فاشياً، وَأنْشد:
جِئْنَا بدَهْمٍ يَدْهَمُ الدُّهُوما
وَقَالَ بَعضهم الدَّهمة عِنْد الْعَرَب: السَّواد، وَإِنَّمَا قيل: للجَنّة: مُدْهامّةٌ: لشدّة خُضرتها. يُقَال: اسودّت الخُضرَة: أَي اشتدّت، وَلما نزل قَوْله جلّ وعزّ: {لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ} (المدَّثِّر: 30) .
قَالَ أَبُو جهل: مَا تَسْتَطِيعُونَ يَا معشر قُرَيْش وَأَنْتُم الدَّهْمُ أَن يغلب كلّ عشرَة مِنْكُم وَاحِدًا؟ أَي وَأَنْتُم الْعدَد الْكثير، وَسبق بعض الْعَرَب إِلَى عَرَفَة، فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِر لي قبل أَن يَدْهَمَك النّاس،

(6/124)


وَفِي حَدِيث آخر: من أَرَادَ أهل الْمَدِينَة بدَهمٍ: أَي بغائلة، وَأمر عَظِيم، وجَيْشٌ دَهمٌ: أَي كثير. وأتتكم الدَّهماء، يُقَال: أَرَادَ الدَّهماء: السَّوْدَاء المُظلمة، وَيُقَال: أَرَادَ بذلك الداهية يذهب إِلَى الدُّهيم: اسْم نَاقَة.
وَقَالَ ابْن السكّيت: يُقَال: دَهِمَهُم الأمرُ يَدْهَمُهُم، ودَهِمتْهم الْخَيل.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة: ودَهَمَهُم يَدْهَمُهُم لُغَة.
وَقَالَ اللّيث: الدَّهْماء: الجَماعةُ من النَّاس.
أَبُو عُبيد، عَن الكسائيّ: يُقَال: دخَلتُ فِي خَمَرِ النَّاس: أَي فِي جَماعتهم وكَثْرَتِهم، وَفِي دَهْمَاء النَّاس أَيْضا مثُلُه وأنشَد غيرُه:
فقَدْ ناكَ فِقْدَانَ الرَّبيع ولَيْتَنا
فَدَيْنَاك مِنْ دَهْمَائِنا بأُلُوفِ
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهماء القِدْرُ، والدَّهْماء: سَحْنَةُ الرجل، والدَّهْماء: بَقلْة
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الدَّهْماء: السَّوْداء من القُدُور، وَقد دَهَمتْها النارُ.
وَقَالَ حُذَيفَة وذكَر الفِتْنة فَقَالَ: أتَتْكم الدُّهَيْماء تَرْمِي بالنَّشفِ ثمّ الَّتِي تَلِيهَا ترْمي بالرَّضْف.
قَالَ أَبُو عُبَبْد: قَوْله: الدُّهَيْماء ترْمي بالنَّشْف نُراه أَرَادَ الدَّهماء فصغَّرها.
وَقَالَ شَمِر: أَرَادَ بالدَّهْمَاء السَّوْداء المُظْلِمة، وَمثله حَدِيثه الآخر: لتكونَنَّ فيكُمْ أَرْبَعُ فِتَن: الرَّقْطاء، والمُظْلِمة، وَكَذَا وَكَذَا، فالمظلِمة مِثلُ الدَّهْمَاء.
قَالَ: وَبَعض النّاسِ يَذهَب بالدُّهَيْماء إِلَى الدُّهَيم، وَهِي الداهية، وَقيل للدَّاهية: دُهَيم: أنَّ نَاقَة كَانَ يُقَال لَهَا: الدُّهيْم، غَزّا قومٌ من العَرَب قوما فقُتِل مِنهم سَبْعَةُ إخْوَة فحُمِلُوا على الدُّهيْم؛ فَصَارَت مثلا فِي كلّ داهية.
وَقَالَ شَمِر: سَمِعت ابْن الأعرابيّ يَروِي عَن المفضَّل أنّ هَؤُلَاءِ بَنو الزبّان بن مُجَالِد، خَرجُوا فِي طلب إبلٍ لَهُم، فلقِيَهم كثيف بنُ زهَير فضَرَب أعناقَهم، ثمَّ حَمَل رؤوسهم فِي جُوالق، وعلَّقه فِي عُنُق نَاقَة يُقَال لَهَا: الدُّهَيمُ، وَهِي نَاقَة عَمرو بن الزّبان، ثمّ خلاّها فِي الْإِبِل، فراحت على الزبّان، فَقَالَ لمّا رأى الجُوالق: أظُنُّ بَنِيَّ صَارُوا بيض نعام، ثمّ أَهْوَى بيَدِه فأَدخَلها الجُوالق، فَإِذا رأسٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: آخر البَزِّ على القَلُوص، فذهَبَتْ مَثَلا، وضَرَبت العربُ الدُّهيْمَ مَثَلاً فِي الشّرّ والدّاهية. وَقَالَ الرَّاعِي يَذكُر جَوْرَ السُّعاةِ:
كَتَبَ الدُّهيْمَ من العَداء لِمُسْرِفٍ
عَادٍ يُرِيد مَخانَةً وغُلُولاَ
وَقَالَ الْكُمَيْت:
أهْمَدانُ مَهْلاً لَا يُصبِّح بيوتَكُمْ
بجُرْمكم حِملُ الدُّهيْم وَمَا تَزبِى
وَهَذَا الْبَيْت حُجَةٌ لما قَالَه المُفضَّل.
يُقَال: هَدمَه ودَهدَمَه بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ العجاج:
وَمَا سُؤالُ طَلَلٍ وأَرْسُمِ
والنُّؤي بعدَ عَهدِه المُدَهْدَمِ
يَعْنِي الحاجزَ حولَ الْبَيْت إِذا تَهدَّم. وَقَالَ:

(6/125)


غيرُ ثلاثٍ فِي الْمحل صُيَّمِ
رَوَائمٍ وهُنَّ مِثلُ الدَّوْسَمِ
بَعْدَ البِلَى شِلْوَ الرَّمادِ الأدْهمِ
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: قَالَ: الوَطْأة الدّهماء: الجديدة، والوَطأة الغَبراء: الدّارسة، وَأنْشد قَول ذِي الرّمة:
سِوَى وَطْأةٍ دَهماءَ من غير جَعْدةٍ
ثَنَى أُخْتَها فِي غَرْزِ كَبداء ضامرِ
وَقَالَ غَيره: رَبعٌ أدْهَمُ: حديثُ العَهد بالحيّ النازِلِين بِهِ، وأَرْبْعٌ دُهمٌ. وَقَالَ ذُو الرمة أَيْضا:
أَلِلأَربُعِ الدُّهم اللّواتي كَأَنَّهَا
بقيّةُ وَحْي فِي بطُون الصّحائف
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: النعجة الدَّهماء: هِيَ الْحَمْرَاء الْخَالِصَة الحُمرة.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا اشتدَّت وُرْقة الْبَعِير لَا يخالِطُها شَيْء من الْبيَاض فَهُوَ أدْهمُ، وناقةٌ دَهماء، وفَرَسٌ أَدْهَمُ بَهيم: إِذا كَانَ أسود بَهيماً لاشِيَةَ فِيهِ.
عَمرو، عَن أَبِيه: إِذا كَانَ القَيدُ من خَشَب فَهُوَ الأدْهم والفَلَقُ.
قَالَ: والمُتَدهَّم، والمُتَدَأَم والمُتدثِّر هُوَ المحبُوس المأبون، وَيُقَال: ادهامَّ يَدْهامُّ فَهُوَ مُدهامٌّ، وادْهَمَّ يَدهَمُّ فَهُوَ مُدَهَمٌّ، وادهَوْهَمَ يَدهَوهمُ فَهُوَ مُدْهَوْهمٌ بِمَعْنى وَاحِد.
همد: قَالَ شمِر: الأَرْض الهامدة: المُسْنِتَه قَالَ: وهُمُودها ألاّ يكون فِيهَا حَياةٌ، وَلَا نَبتٌ، وَلَا عُود، وَلم يُصِبْها مَطَر. والرَّمادُ الهامد: المُتلبِّد الْبَالِي بعضُه فوقَ بعض. وهمدتْ أصواتُهم: أَي سكنتْ. وهمَد شجرُ الأَرْض: أَي بَلِيَ وذَهب. وهمَد الثوبُ يَهمِدُ همُوداً، وَذَلِكَ من طُولِ الطّيّ، تحسَبه صَحِيحا، فَإِذا مَسِسْتَه تَناثَرَ من البِلِي.
وَقَالَ ابْن السكّيت: همِد الثَّوْبُ يَهمَدُ هَمَدا: إِذا بَلِي.
وَقَالَ اللّيث: الهُمود: المَوْت، كَمَا همَدت ثَمُود، ورَمادٌ هامِد: قد تَلبَّد وَتغَير.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: خَمَدت النارُ: إِذا سكن لهَبُها، وهَمَدَت همُوداً: إِذا طُفِئت البتّة، فَإِذا صَارَت رَماداً قيل: هَبَا يَهبُو فَهُوَ هابٍ.
اللَّيْث: ثمرةٌ هامِدة: إِذا اسودتْ وعَفِنَت، وأرضٌ هامِدةٌ: مقشِعرَّةٌ لَا نَبَات فِيهَا إلاّ يَبِيسٌ مُتَحطِّم.
قَالَ: والهامد من الشّجر: الْيَابِس. وَيُقَال للهامد: هَميد. يُقَال: أَخذنَا المُصدِّقُ بالهميد: أَي بِمَا مَاتَ من الغَنم.
وَقَالَ ابْن شُميل: الهَميد: المَال المكتوبُ على الرَّجُل فِي الدِّيوان. فيقالُ: هاتوا صدقَتَه، وَقد ذهب المالُ: يُقَال: أخذَنا الساعِي بالهَمِيد.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ قَالَ: الإهماد: السُّرعة فِي السَّير. والإهماد: الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ. وَأنْشد فِي السُّرعة:
مَا كَانَ إلاّ طَلَق الإهماد
وَأنْشد فِي الْإِقَامَة:
لما رأَتني رَاضِيا بالإهمادْ

(6/126)


كالكَّزِ المَرْبوطِ بَين الأوتادْ
وَهَذَا من بَاب الأضداد.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: أهمَدُوا فِي الطَّعَام: أَي اندفَعُوا فِيهِ.
وَقَالُوا: أهمَد الكلبُ: أَي أحضَر.
مهد: قَالَ اللَّيْث: المَهْدُ للصَّبيّ، وَكَذَلِكَ الموْضِعُ يُهيّأ لينام فِيهِ الصَّبِي.
قَالَ: والمِهاد اسْم أجمَعُ من المَهْد، كالأرض جَعَلَها الله مهاداً للعباد، وجمعُ المِهاد مُهُد وَثَلَاثَة أَمهِدة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {عَمِلَ صَالِحاً} (الرُّوم: 44) أَي يُوطِّئون، وأصل المهد التَّوثير، يُقَال: مَهَّدتُ لنَفسي، ومهدت: أَي جَعَلتُ مَكَانا وطيئاً سهلاً، وَيُقَال: مَهَدْتُ لنَفْسي خيرا: أَي هيَّأتُه ووطّأته. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وامتَهَدَ الغاربُ فِعْلَ الدُّمَّلِ
قلتُ: أصل المَهْد التوثير، وَيُقَال للْفراش: مهادٌ لوَثارته.
وَقَالَ النَّضر: المُهْدة من الأَرْض: مَا انخفض فِي سهولة واستواء.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا امتَهَد فلانٌ عِنْدي يدا لم يُولِكَ نعْمَة وَلَا مَعْروفاً.
ورَوَى ابْن هانىء عَنهُ: يُقَال مَا امتَهَد فلَان عِنْدِي مَهْد ذَاك بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء. يَقُولهَا حِين يُطْلب إِلَيْهِ المعروفُ بِلَا يَدٍ سلفتْ مِنْهُ إِلَيْهِ، ويقولُها أَيْضا للمسيء إِلَيْهِ حِين يَطلُب معروفه أَو يُطْلَبُ لَهُ إِلَيْهِ.
مده: قَالَ اللَّيْث: المَدْه يضارع المَدْحَ، إِلَّا أَن المَدْه فِي نَعتِ الجَمَال والهيئة، والمدح فِي كل شَيْء عامّ. قَالَ رؤبة:
لله درّ الغانيات المُدَّهِ
وَقَالَ غَيره: المَدْح والمَدْه وَاحِد، أُبدِلت الْحَاء هَاء وَيُقَال: فلَان يتمدَّه بِمَا لَيْسَ فِيهِ ويتَمتَّه، كَأَنَّهُ يطلُبُ بذلك مَدْحَه، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
تَمَدَّهي مَا شئتِ أَن تمَدَّهِي
فلست موهَوْئِي وَلَا مَا أَشْتَهِي
هَوْئِي: هَمِّي.
ورَوَى النَّضر عَن الْخَلِيل بن أَحْمد أَنه قَالَ: مَدَهْتُه، فِي وَجهه، ومَدَحْتُه، إِذا كَانَ غَائِبا.
دَمه: قَالَ اللَّيْث: الدَّمَه: شِدّة حَرِّ الرَّمْلِ، وَأنْشد:
ظَلَّتْ على شُزُنٍ فِي دامِهٍ دَمِهٍ
كَأَنَّهُ من أُوارِ الشَّمْس مَرعُونُ
قَالَ: وَيُقَال: ادْمَوْمَهَ الرَّمْل وَلم أسمع دَمِه لغير اللَّيْث. وَلَا أعرف الْبَيْت الَّذِي احتجّ بِهِ.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالتَّاء)
هـ ت ظ هـ ت ذ:
مهمل.
هـ ت ث
أهملها اللَّيْث وَقد استُعمل: ثهت.
ثهت: قَالَ ابْن بُزُرج فِي (نوادره) الَّذِي قرأتهُ بِخَط أبي الْهَيْثَم: يُقَال: مَا أَنْت فِي ذَلِك الْأَمر بالثّاهت وَلَا المَثْهوت: أَي مَا أَنْت فِي ذَلِك بالداعي وَلَا المدعُوّ.
قلت: ورَوَى أَحْمد بن يحيى، عَن ابْن الْأَعرَابِي نَحوا من ذَلِك، وَأنْشد:

(6/127)


وانْحَط داعِيكَ بِلَا إسْكاتِ
من البكاءِ الحقِّ والثُهاتِ
هـ ت ر
هتر، هرت، تره، تهر: مستعملة.
هتر: قَالَ اللَّيْث: الهَتْر: مَزْق العِرْض. قَالَ: وَتقول: رجل مُسْتَهْتَر: لَا يُبَالِي مَا قيل فِيهِ وَمَا شُتِم بِهِ. وأُهْتِرَ الرجُل: إِذا فَقَد عَقْلَه من الكِبر: يُقَال: رجل مُهْتَر.
قلت: أما قَوْله الهَتْر: مَزْق العِرْض فغيرُ مُعتَمد. وَالَّذِي سُمِع من الثِّقات بِهَذَا الْمَعْنى: الهَرْتُ إِلَّا أَن يكون مقلوباً، كَمَا جَذَب وجَبَذ، وأمّا الاستهتار فَهُوَ الوُلُوع بالشَّيْء والإفراط فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ أُهتِر: أَي خَرِفَ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد أَنه قَالَ: إِذا لم يَعقِل من الكِبَر قيل: أُهْتِر، فَهُوَ مُهْتَرٌ، والاستهتار مثله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الهِتْر: السَّقَط من الْكَلَام والخَطأ فِيهِ. يُقَال مِنْهُ: رجل مُهْتَر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجل مُهْتَر: من كِبَر أَو مَرَضٍ أَو حُزن.
قَالَ: والهُتْرُ بِضَم الْهَاء: ذَهابُ الْعقل.
وَقَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم فِي الداهي المنكَر: إِنَّه لهِتْرُ أَهْتَار، وَإنَّهُ لَصِلُّ أَصْلال. قَالَ: وَيُقَال: تَهاتَر القومُ تَهاتُراً: إِذا ادَّعى كلُّ وَاحِد مِنْهُم على صَاحبه بَاطِلا.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: فلَان يُهاتِر فلَانا: مَعْنَاهُ يُسابُّه بِالْبَاطِلِ من القَوْل.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: هَذَا قولُ أبي زيد.
وَقَالَ غَيره: المُهاتَرة: القولُ الَّذِي ينقضُ بعضُه بَعْضًا.
قَالَ: وأُهتِرَ الرجلُ فَهُوَ مُهْتَر: إِذا أُولع بالْقَوْل فِي الشَّيْء، واستُهتِر فلانُ فَهُوَ مُستَهتَرٌ: إِذا ذهب عقله فِيهِ، وانصرفَت همته إِلَيْهِ، حَتَّى أَكثر القَوْل فِيهِ بِالْبَاطِلِ.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (المستبَّان: شَيطانان يتَهاتَران) .
وَفِي الحَدِيث: (سبق المُفَرِّدون قَالُوا: وَمَا المُفَرِّدون؟ قَالَ: الَّذين أُهْتِروا فِي ذكر الله عزّ وجلّ.
قَالَ أَبُو بكر: المُفَرِّدون: الشُّيُوخ الهَرْمَى الَّذين مَاتَ لِداتُهم وذهَب القَرْن الَّذين كَانُوا فيهم.
قَالَ: وَمعنى أُهْتِروا فِي ذكر الله: أَي خَرِقوا وهم يَذكرون الله. يُقَال: خَرِفَ فِي طَاعَة الله: أَي خَرِفَ وَهُوَ يُطِيع الله.
قَالَ: والمُفَرِّدُون يجوز أَن يَكون عنِي بهم المتفرِّدون المَتَخَلُّونَ بِذكر الله، والمُسْتَهتَرُون: المُولَعون بالذِّكر وَالتَّسْبِيح.
فِي حَدِيث ابْن عمر: اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بك أَن أكونَ من المستهتَرين.
يُقَال: استُهْتِرَ فلانٌ فَهُوَ مُستهتَر: إِذا كَانَ كثير الأباطيل. والهِتْر: الْبَاطِل.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّهْتار من الحُمْق وَالْجهل، وأنشَد:
إنَّ الفَزَاريَّ لَا ينفكُّ مُغْتَلِماً
من النّوَاكَةِ تَهْتاراً بتَهتَارِ

(6/128)


قَالَ: يُرِيد بِهِ: التَّهتُّرَ بالتهتُّر. قَالَ: ولغة للْعَرَب فِي هَذِه الْكَلِمَة خاصّة: دَهْدَارٌ بدَهْدَار، وَذَلِكَ أنَّ مِنْهُم من يقلب بعض التاءات فِي الصُّدور دَالا نَحْو الدِّرْياق لغةٌ فِي التِّرْياق، والدِّخْرِيضِ لغةٌ فِي التَّخْرِيصِ، وهما مُعرَّبان.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الهِتْر: العَجَب. قَالَ أَوْس:
يُراجِعُ هِتْراً من تُمَاضِرَ هاتِراً
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الهُتَيْرة: تَصْغِير الهَتْرَة، وَهِي الحَمْقَة المُحكَمة.
وَفِي الحَدِيث: (المستَبَّان شيطانانِ يَتهاتران ويَتكاذَبان) .
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع: (سبق المُفَرِّدُون قَالُوا: وَمَا المفرِّدون؟ قَالَ الَّذين أُهتِرُوا فِي ذكر الله، يضعُ الذِّكر عَنْهُم أثقالهم، فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافاً. قلت: مَعْنَاهُ أنّهم كَبِرُوا فِي طَاعَة الله وهلَك لِداتُهم، وَجَاء تفسيرُه فِي حديثٍ آخر: همُ الَّذين اسْتُهْتِرُوا بذِكر الله عزّ وجلّ: أَي أولعوا بِهِ. يُقَال: استُهتِر فلَان بأَمرِ كَذَا وَكَذَا: أَي أُولع بِهِ.
تهر: قَالَ بَعضهم: التَّيْهُور: مَوْجُ البحْر إِذا ارتفَع، وَقَالَ الشَّاعِر:
كالبحر يَقْذِف بالتَّيْهُورِ تيهُوراً
والتيهور: مَا بَيْن قُلَّة الجَبل وأَسفله. وَقَالَ الهُذَلِيّ:
فطلَعْتُ مِن شِمْراخِه تَيْهورةً
شَمَّاءَ مُشْرِفَةً كرأْسِ الأَصلعِ
قلت: التَّيهُورُ: فَيْعُول، أَصله ويَهُور قُلِبَت الْوَاو تَاء، كَمَا قَالُوا: تَيْقُور أصلُه وَيْقُور، من الوَقار.
تره: قَالَ اللَّيْث: التُّرَّهات: البَواطل من الْأُمُور، وَأنْشد:
وحَقِّةٍ ليستْ بقوْلِ التُّرَّهِ
والواحدة: تُرَّهة.
وَقَالَ أَبُو زيد: من أَسمَاء الْبَاطِل التُّرَّهات البَسابِسُ، وَجَاء فلانٌ بالتُّرَّه، وَهِي وَاحِدَة التُّرَّهات.
وَقَالَ شمِر: وَاحِدَة التُّرَّهات تُرَّهة، وَهِي الأباطيل.
هرت: قَالَ اللَّيْث: الهَرْتُ: هَرْتُك الشِّدْقَ نَحْو الأُذن، والهَرَت: مصدَرُ الأهرَت، والهَرْتاء. تَقول: أَسَدٌ أَهْرَت، وأَسدٌ هَرِيتُ الشِّدْق أَي مَهْرُوت ومُنهَرِت الشِّدْق. قَالَ: والهَرْتُ: أَن تَشُقَّ شَيْئا تُوسِّعه بذلك.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هَرَتَ عِرْضَه وهرَطَه وهرَدَه: إِذا طَعن فِيهِ، لُغاتٌ كلهَا. وَيُقَال: هرَتَ ثَوْبه هَرْتاً: إِذا شقَّه. وَيقال للخطيب من الرِّجال: أهْرَتُ الشِّقْشِقَة، وَمِنْه قَول ابْن مُقْبِل:
هُرْتُ الشِّقاشِقِ ظَلاَّمُون للجُزُرِ
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للمرأةِ المُفْضَاةِ: الهَرِيتَ والأَتُوم. قَالَ: والهَرِيتُ من الرّجال: الَّذِي لَا يَكتُم سِرّاً أَو يتكلّم بالقبيح.
هـ ت ل
اسْتعْمل من وجوهه: هتل، هلت، تله.

(6/129)


هتل: ابْن السّكيت عَن الأصمعيّ: هتلت السَّماء وهَتَنَتْ تَهِتلُ وتهتِنُ هَتَلاَناً وهَتَناناً وَهُوَ التَّهْتالُ والتّهْتَان. وَقَالَ العجّاج:
عَزَّزَ مِنْهُ وَهُوَ مُعطِي الأسْهالْ
ضَرْبُ السَّوَارِي مَتْنَه بالتهتالْ
وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللِّحيانيّ، قَالَ: وَهِي سحائب هُتَّل وهُتَّن، وَهُوَ الهَتَلان والهتنان.
تله: فِي (النَّوَادِر) تَلِهْتُ كَذَا وتَلِهْتَ عَنهُ: أَي ضَلِلْتُه وأُنْسِيتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: فَلاَةٌ مَتْلَهَةٌ: أَي مَتْلَفة. وَالتَّلَهُ لُغةٌ: فِي التَّلَف. وَأنْشد:
بِهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كلِّ مَتْلَه
أَي مَتْلَف. وَقَالَ غَيره: التَّلَه: الحَيرة. وَقد تَلِهَ يَتْلَه تَلَهاً، ورأيتُه يَتَتلَّه: أَي يتردّد متحيِّراً، وَأنْشد أَبُو سعيد بيْتَ لَبِيد:
باتَتْ تَتلّه فِي نَهاءِ صُعَائدٍ
رَوَاهُ غَيره: باتت تبلّدَ. وَقيل: التَّاء فِي قَوْله: تَلِه أَصْلهَا وَاو، يُقَال: وَلِه يَوْلَهُ وَلَهاً وتَلِهَ يَتْلَه تَلهاً، وَقيل تَلِه كَانَ فِي الأَصْل ائتَلَه يأتَلِه، فأُدغمت الْوَاو فِي التَّاء، فَقيل: اتَّلَه يَتَّلِهَ، ثمَّ حُذفت التَّاء فَقيل تَلِهَ يَتلَه، كَمَا قَالُوا: تَخِذَ يَتْخَذُ، وتَقِيَ يَتْقَى: وَالْأَصْل فيهمَا اتَّخَذ يَتخِذ، واتَّقَى يتَّقي. وَقَالَ بَعضهم: تَلِه أصلُه دَلِهَ.
هلت: قَالَ أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: هَلْتَى: شجرةٌ مَعْرُوفَة جاءَت على فَعْلَى. الهَلْتَى يَنْبت نباتَ الصِّلِيَّان إِلَّا أنَّ لونَه إِلَى الحُمرَة.
وَقَالَ ابْن الفرَج: سمعْتُ وَاقعا السُّلَمِيَّ. . يَقُول: انهلَتَ يَعدُو، وانْسَلَت يَعدُو.
قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: سَلَته وهَلَته.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: سلَتَ الدَّمَ وهَلته: قشَرَه بالسِّكِّين.
هـ ت ن
هتن، تهن، نهت: مستعملة.
هتن: يُقَال: هَتَنَتْ السماءُ تَهتِنُ هتَناناً، وعينٌ هَتُونُ الدَمع، وجمعُه هُتُن.
نهت: يُقَال: نهتَ الأسَدُ فِي زئيرِه يَنهَت.
قَالَ اللَّيْث: وَهُوَ صوتٌ دون الزَّئير.
أَبُو عُبَيد: عَن الأصمعيّ: النهيت: مثل الزَّحِير والطَّحِير، وَقد نَهَتَ يَنْهِت.
تهن: أهمله اللَّيْث، ورَوَى أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: تَهِنَ يَتهَن تَهَناً فَهو تَهِنٌ: إِذا نَام.
وَفِي الحَدِيث أَن بِلَالًا تهِنَ: أَي نامَ عَن الْأَذَان.
هـ ت ف
اسْتعْمل من وجوهه: هتف، هفت، تفه.
هتف: قَالَ اللَّيْث: الهَتْف: الصوتُ الشَّديد. تَقول: هَتَفَ يهتِفُ هَتْفاً. والحمامةُ تهْتِفُ. والهُتَاف: الصَّوْت، وسمعتُ هاتِفاً يَهتِف: إِذا كنتَ تسمَع الصّوت وَلَا تُبصر أحَداً.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هَتفتُ بفلانٍ: أَي دَعَوْتُه، وهَتَفْتُ بفلانٍ: أَي مَدَحْته، وفلانةُ يُهتَفُ بهَا: أَي تُذكر بجَمالٍ.

(6/130)


هفت: قَالَ اللَّيْث: الهَفْتُ: تساقُط الشَّيْء قِطْعةً بعد قِطْعَة كَمَا يَهفِتُ الثلْجُ، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَالَ الراجز:
كأنّ هَفْتَ القِطْقِطِ المنْثورِ
وَيُقَال: تهافتَ القومُ تهافُتاً إِذا تساقطوا مَوْتاً، وتهَافتَ الثوبُ: إِذا تساقط بِلًى. وتهافتَ الفَراشُ فِي النَّار: إِذا تساقط.
وَقَالَ الراجز يصف فَحْلاً:
يَهفِتُ عَنهُ زَبَداً وبَلْغمَا
قلتُ: والهَفْتُ من الأَرْض مثلُ الهَجْل، وَهُوَ الجو المطمئنّ فِي سَعَة.
وَسمع أَعْرَابِيًا يَقُول: رأيتُ جمالاً يتهادَرْن فِي هذاك الهَفْتِ، وَأَشَارَ إِلَى جَو من الأَرْض واسِعٍ وكلامٌ هَفت: إِذا كثر بِلَا رويَّة فِيهِ.
والهَفْتُ من الْمَطَر: الَّذِي يُسرع انهلالُه.
قَالَ اللَّيْث: حَبٌّ هَفُوت: إِذا صَار إِلَى أسفَلِ القِدْر وانتفخ سَرِيعا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهَفْتُ: الحُمْقُ الجيّد.
ورَوَى أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر أَنه قَالَ: الهفَات: اللَّفات من الرِّجَال: الأحمق.
تفه: قَالَ اللَّيْث: التافِه: الشَّيْء الخسيس الْقَلِيل. وَقد تَفِه الشَّيْء يتْفَه تَفَهاً فَهُوَ تافِه وتفِه. ورجلٌ تافِه العَقْل: أَي قَلِيله.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود ووصفِه الْقُرْآن: (إِنَّه لَا يَتْفَه وَلَا يتشانُّ) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَوْله: لَا يتفَه: هُوَ من الشَّيْء التافه، وَهُوَ الخسيس الحقير، وَمِنْه قَول إِبْرَاهِيم: تجوز شَهَادَة العَبد فِي الشَّيْء التافه.
وَقَوله: وَلَا يتشانّ: أَي لَا يخلق على كَثْرَة التَّرْداد من الشَّنّ: وَهُوَ السِّقاء الْخَلَق، والأطعمة التَّفِهةُ: الَّتِي لَيْسَ لَهَا حلاوة مَحْضَة، وَلَا حُمُوضة خالصةٌ وَلَا مرارةٌ، وَمن النَّاس من يَجْعَل الخُبزَ وَاللَّحم مِنْهَا.
هـ ت ب
هبت، بهت: (مستعملان) .
هبت: قَالَ اللَّيْث: الهَبْتُ: حُمْقٌ وتَدْلِيهٌ. يُقَال: هُبِتَ الرجلُ فَهُوَ مَهبْوت لَا عقل لَهُ، وَفِيه هَبْتَةٌ شديدةٌ.
وَفِي حَدِيث عمر: أنّ عُثْمَان بن مَظْعُون لما مَاتَ على فِراشه قَالَ هَبَتَه الموتُ عِنْدِي منزلَة، فَلَمَّا مَاتَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فرَاشه علمتُ أَن موتَ الأخيار على فُرُوشهم.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء فِي معنى قَوْله: هَبَتَه الموتُ عِنْدِي منزلَة: يَعْنِي طأطأَهُ ذَلِك عِنْدِي وحَطَّ من قَدْرِه، وكلُّ مَحطوطٍ شَيْئا فقد هُبتَ بِهِ فَهُوَ مَهْبُوت. قَالَ: وأنشدني أَبُو الجرَّاح:
وأَخْرَقُ مَهْبُوتُ التراقِي مُصَعَّدُ ال
بلاعيم رِخوُ المَنْكِبين عُنَابُ
العُناب: الغليظ الْأنف.
قَالَ: والمهْبُوت التراقي: المحطُوطها الناقِصُها.
وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال: رجل فِيهِ هَبْتَةٌ للَّذي فِيهِ كالغَفْلة، وَلَيْسَ بمستَحكِم العَقْل.

(6/131)


أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الهَبِيت: الذاهبُ الْعقل.
وَقَالَ طرفَة:
فالْهَبِيتُ لَا فؤادَ لَهُ
والثبيتُ ثبْتُه فَهَمُه
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهبِيتُ: الَّذِي بِهِ الخوْلَع، وَهُوَ الفَزَع والتبلُّد.
وَقَالَ عبد الرحمان بنُ عَوْف فِي أميَّة بن خلف وابنِه إنَّ قَتَلَتَهُما من الْمُسلمين هَبَتُوهما حَتَّى فرَغوا مِنْهُمَا يومَ بدْر: أَي ضَرَبوهما حَتَّى قَتَلوهما.
قَالَ شمر: الهَبْت: الضَّرْب بِالسَّيْفِ. فكأنَّ معنى قَوْله: هَبَتوهما بِالسُّيُوفِ أَي ضَرَبُوهما حَتَّى وقَذوهما. يُقَال: هَبَته بِالسَّيْفِ وغيرِه يَهْبِتُه هَبْتاً.
بهت: قَالَ اللَّيْث: البَهْت: استقبالك الرَّجل بأَمْرٍ تقْذِفُه بِهِ، وَهُوَ مِنْهُ بَرِيء. وَالِاسْم البُهْتان. والبَهْت كالحَيْرة: يُقَال: رأَى شَيْئا فبَهِت ينظرُ نَظر المتعجِّب، وَأنْشد:
أَأَنْ رأيتِ هامَتي كالطَّسْتِ
ظَلِلْتِ ترْمِينَ بقَوْلٍ بَهْتِ
قَالَ اللَّيْث: البهْتُ: حِسَاب من حِسَاب النُّجُوم، وَهُوَ مسيرها المُستوي فِي يَوْم.
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: مَا أُراه عَربيّاً، وَلَا أحفظه لغيره.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: بَهِتَ، وغَرِس وبَطِر: إِذا دُهِش.
وَقَالَ الزَّجاج: فِي قَول الله جلّ وَعز: {فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ} (البَقَرَة: 258) : تَأْوِيله: انْقَطع وَسكت متحيراً عَنْهَا، يُقَال: بُهِتَ الرجل يُبهَت: إِذا انْقَطع وتحيَّر، وَيُقَال بِهَذَا الْمَعْنى بُهتَ وبَهِتَ، وَيُقَال: بَهَتُّ الرجل أبهَتُه بَهْتاً: إِذا قابلتَه بالكَذِب. وقولُ الله جلّ وعزّ {بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ} (الأنبيَاء: 40) . قَالَ الزّجاج: أَي تُحيِّرهم حِين تُفاجئهم بَغْتَة، يُقَال: بَهتَه: أَي حيَّره، وَمِنْه بَهَتُّ الرجُلَ: إِذا قابلته بكَذِب يُحَيَّره وَقَول الله جلّ وعزّ: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (النِّساء: 20) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: (الْبُهْتَان) : الْبَاطِل الَّذِي يُتَحَيَّر من بُطْلَانه.
قَالَ: وبُهتانا موضوعٌ موضِع الْمصدر وَهُوَ حالٌ، الْمَعْنى أتأخذونه مُباهتين وآثمين يُقَال: بَهِتَ وبُهِت فَهُوَ باهتٌ ومَبهُوتٌ: إِذا تحير.
هـ ت م
اسْتعْمل وجوهه: هتم، تمه، تهم، مته.
هتم: قَالَ اللَّيْث: الهَتْم: كسْرُ الثَّنِيّة أَو الثَّنايا من الأَصْل، والنَّعت أهتم وهَتْماء.
وَقَالَ أَبُو زيد: الهتْماء من المِعْزى: الَّتِي انكسرتْ ثَنِيَّتَاها.
قَالَ وأَهْتَمْتُه إهتاماً: إِذا كسَرْتَ أسنانَه، وأقْصَمْتُه: إِذا كسرت بعضَ سِنِّه وأشتَرْتُ عيْنَه حَتَّى هَتِمَ وقَصِم وشتِر.
تمه: أَبُو عبيد، عَن الأمويّ: تَمِهَ الدُّهنُ يَتْمَه تَمهاً: إِذا تغير: وَهُوَ دُهْنٌ تمِهٌ.
وَعَن أبي الجرَّاح: تَمِهَ اللحمُ يَتْمَه تَمَهاً وتَماهةً، مثل الزُّهومة.
وَقَالَ شمر: يُقَال: تمِه وتَهِمَ بِمَعْنى وَاحِد، وَبِه سُمِّيتْ تِهامة.

(6/132)


وَقَالَ اللَّيْث: تمِهَ اللبنُ: تغير طعمُه. وشاةٌ مِتْماهٌ: يَتْمَهُ لَبَنُها رَيْثَما يُحلَب.
تهم: قَالَ اللَّيْث: تِهامة: اسْم مَكَّة، والنازل فِيهَا مُتهِم.
وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ، عَن الصَّيْدَاوِيّ، عَن الرِّياشيّ قَالَ: سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول. سمعتُ الْأَعْرَاب يَقُولُونَ: إِذا انحدرْتَ من ثنايَا ذاتِ عِرْقٍ فقد أتهَمتَ. قَالَ الرِّياشيّ: والغَوْر: تِهامة.
قَالَ: وأَرْض تَهِمةٌ: شديدةُ الحرّ.
قَالَ: وتَبَالَةُ من تِهامة. وَيُقَال: تَهِم البعيرُ تَهَماً، وَهُوَ أَن يستنكِر المَرْعَى وَلَا يَسْتمْرِئَهُ وتَسَوءُ حالُه، وَقد تَهِم أَيْضا وَهُوَ تَهِم: إِذا أَصَابَهُ حَرورٌ فهُزِل.
وَفِي الحَدِيث أنّ رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم وَبِه وَضَحٌ، فَقَالَ: انظرْ بطنَ وادٍ لَا مُنْجِدٍ وَلَا مُتهم، فتَمعَّكْ فِيهِ، فَفعل، فَلم تَزِد الوَضَحُ حتّى مَاتَ، فالمُتهِم الْوَادي الَّذِي ينصبُّ مَاؤُهُ إِلَى تِهامة، وأَتهَم الرجُل: إِذا أَتى تِهامةَ، وَيُقَال: رجلٌ تَهامٍ، وامرأةٌ تَهَامِيَةٌ: إِذا نُسِبَا إِلَى تِهامةَ، وَيُقَال: إبلٌ مَتاهيمُ وَمتاهِمُ: تَأتي تِهامة.
وَأنْشد ابْن السكّيت:
أَلا انهِماها إِنَّهَا مَناهِيمْ
وَإِنَّهَا مَناجدٌ متاهِيم
وَذكر الزِّياديُّ عَن الأصمعيّ أنْ التهَمَة: الأرضُ المتصوِّبةُ إِلَى الْبَحْر، وكأنّها مَصدرٌ من تِهامةَ، قَالَ: والتهائم: المتصوِّبة إِلَى الْبَحْر.
وَقَالَ المبرِّد: إِنَّمَا قَالُوا: رجل تَهَامٍ فِي النّسبة؛ لأنّ الأَصْل تَهَمَة، فلمّا زادوا ألفا خَفَّفوا يَاء النِّسبة، كَمَا قَالُوا: رجل يَمانٍ وشآمٍ: إِذا نَسَبوا إِلَى اليَمَن وَالشَّام زادوا ألِفاً وخَفّفوا الْيَاء.
مته: اللَّيْث: المَتْهُ: التَّمتُّه فِي البَطالة والغَواية. قَالَ رؤبة:
بالحَقّ والباطِل والتَّمتُّهِ
وَقَالَ غَيره: التمتُّه أَصله التمدُّه، وَهُوَ التمدُّح، وَقد تَمَتَّه: إِذا تمدَّح بِمَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ رؤبة:
تمَتَّهِي مَا شئتِ أَن تَمتهي
وَقَالَ المفضّل: التَّمتُّه: طَلَبَ الثَّناء بِمَا لَيْسَ فِيهِ.

(أَبْوَاب الْهَاء والظاء)
هـ ظ ذ هـ ظ ث: أهملت وجوهها.
هـ ظ ر
اسْتعْمل من وجوهها: ظهر.
ظهر: قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النُّور: 31) حدّثنا السَّعديّ قَالَ: حدَّثنا ابْن عفّان قَالَ: حَدثنَا ابنُ نُمَير، عَن الأَعْمَش، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النُّور: 31) قَالَ: الكَفُّ والخاتَمُ والوجهُ.
وَقَالَت عَائِشَة: الزّينة الظاهرةُ: القُلْب والفَتْخَة.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: الزِّينَة الظَّاهِرَة: الثِّيَاب.

(6/133)


قَالَ اللَّيْث: الظّهْر: خلافُ البَطْن من كلّ شَيْء، وَكَذَلِكَ الظَّهْر من الأَرْض: مَا غَلُظ وارتفَع، والبطنُ: مَا رَقَّ واطمأنّ، وَالظّهْر: الرِّكاب الَّتِي تحمِل الأثقال فِي السَّفَر. وَيُقَال لطريق البَرّ: طريقُ الظّهْر، وَذَلِكَ حَيْثُ يكون مَسلَكٌ فِي البرِّ ومسلَكٌ فِي الْبَحْر. وَيَقُول المُدَبِّر لِلْأَمْرِ: قلّبْتُ الأمرَ ظهرا لِبَطْن.
والظُّهْر: ساعةُ الزَّوال، وَلذَلِك يُقَال: صَلَاة الظُّهر.
والظَّهيرةُ: حَدُّ انتصافِ النَّهَار. قلتُ: هما وَاحِد.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: أَتَانَا بالظَّهيرة، وأتانا ظُهراً بِمَعْنى، وَيُقَال: أظهَرْتَ يَا رجُل: أَي دخلتَ فِي حَدِّ الظُّهْر.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} (هُود: 92) ، يَقُول: تركْتُم أمرَ الله وَرَاء ظهورِكم، يَقُول: عَظَّمتمْ أمرَ رَهْطِي، وتركتُم تَعظيمَ الله وخوفَه.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: الْبَعِير الظِّهْريّ: هُوَ العُدَّة للْحَاجة إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ غَيره عَنهُ: يُقَال: اتخذْ مَعَك بَعِيرًا أَو بَعِيرَيْنِ ظِهْريَّين: أَي عُدّةً، والجميع ظَهَارِيُّ وظهَارٍ، وبعير ظهيرٌ بيِّنُ الظهَارة إِذا كَانَ شَديداً.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّهِير من الْإِبِل: القويُّ الظّهْر صَحِيحُه، وَالْفِعْل ظَهَرَ ظهارةً.
وَقَالَ الأصمعيّ: هُوَ ابْن عمّه دُنيا، فَإِذا تبَاعد فَهُوَ ابْن عمِّه ظهْراً بجزم الْهَاء.
وَقَالَ: وَأما الظِّهرة فَهُوَ ظهْرُ الرجل وأنصارُه بِكَسْر الظَّاء، وَأنْشد:
أَلَهْفي على عِزَ عزيزٍ وظِهْرَةٍ
وظلِّ شبابٍ كنتُ فِيهِ فأَدْبَرَا
أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: سَالَ وَادِيهمْ دُرْأً: من غير مَطَر أَرضهم، وسال وَادِيهمْ ظَهْراً: مِنْ مطرِ أَرضهم.
قلت: وأحسِب ظُهْراً بِالضَّمِّ أَجود، لِأَنَّهُ أنْشد:
وَلَو دَرَى أنّ مَا جاهَرْتَني ظُهُراً
مَا عُدْتُ مَا لألأت أذنابَها الفُؤُرُ
ابْن بُزُرْج: أوثقه الظُّهاريَّة: أَي كَتَفه.
اللَّيْث: رجلٌ ظَهْريّ: من أهل الظَّهر، وَلَو نَسْبتَ رجلا إِلَى ظهْر الْكُوفَة لَقلت: ظَهريّ، وَكَذَلِكَ لَو نَسْبت جِلْد إِلَى الظّهْر لَقلت: جلدٌ ظَهريّ.
قَالَ: والظِّهرِيّ: الشَّيْء تَنساه وتغفل عَنهُ. يُقَال: تكلّمت بذلك عَن ظهر غَيب. وَالظّهْر: فِيمَا غَابَ عَنْك. وَقَالَ لبيد:
عَن ظهر غيبٍ والأنيس سَقَامُها
قَالَ: وظَهْرُ الْقلب: حِفْظُه من غير كتاب. تَقول: قرأتُه ظَاهرا فاستظْهَرْتُه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} (هُود: 92) أَي واتخذتم الرَّهْط وراءكم ظهرياً تستظهرون بِهِ عليّ، لَا ينجيكم من الله تَعَالَى ذكره.
الْأَصْمَعِي: فلانٌ قِرْنُ الظّهْر، وَأنْشد:
فَلَو كَانَ قِرنِي وَاحِدًا لكُفِيتُه
ولكنّ أَقْرَان الطُّهورِ مَقاتِلُ

(6/134)


وَفِي حَدِيث طَلْحَة أنّ قَبِيصَةَ قَالَ: مَا رأيتُ أحدا أعْطَى لجزَيلٍ عَن ظَهْر يدٍ من طَلْحَة ابْن عبد الله. قيل: قَوْله عَن ظَهْر يدٍ، مَعْنَاهُ ابْتِدَاء من غير مُكَافَأَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: هَاجَتْ ظُهُورُ الأَرْض، وَذَلِكَ مَا ارتَفَع مِنْهَا، وَمعنى هَاجَتْ أَي يَبِسَ بَقْلها.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ} (التّحْريم: 4) ، قَالَ: يريدُ أعوانٌ، فَقَالَ: ظَهيرٌ، وَلم يقل ظُهَراء. وَلَو قَالَ قَائِل: إنّ ظهير لجبريل وَصَالح الْمُؤمنِينَ وللملائكة كَانَ صَوَابا، وَلكنه حَسُنَ أَن تجعَل الظَّهير للْمَلَائكَة خاصّةً لقَوْله: {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ} أَي بعد نُصْرَةِ هَؤُلَاءِ ظَهِيرٌ.
وَقَالَ الزّجاج: {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ} فِي معنى ظُهَرَاء، أَرَادَ وَالْمَلَائِكَة أَيْضا نُصَّارُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ غَيره: ومِثلُ ظَهيرٍ فِي معنى ظُهَراء قولُ الشَّاعِر:
إنَّ العَواذِلَ لَسْنَ لِي بأَميرِ
يَعْنِي لَسْنَ لي بأُمراء، وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً} (الفُرقان: 55) . قَالَ ابْن عَرَفَة: أَي مُظاهراً لأعداء الله تَعَالَى، وَقَوله جلّ وعزّ: {دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى} (المُمتَحنَة: 9) أَي عاونوا، وَقَوله: {تَظَاهَرُونَ علَيْهِم} (البَقَرَة: 85) أَي يتعاونون، {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ} (التّحْريم: 4) أَي ظُهَرَاء أَي أعوان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ: {وَحَسُنَ أُولَائِكَ رَفِيقاً} (النِّسَاء: 69) أَي رُفَقَاء. قَالَ الشَّاعِر:
إنَّ العَوَاذِل لَسْنَ لي بأمِيرِ
أَي بأمراء، {فَمَا اسْطَاعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن يَظْهَرُوهُ} (الْكَهْف: 97) أَي مَا قَدَرُوا أَن يَعْلُوا عَلَيْهِ لارتفاعه، يُقَال: ظهر على الْحَائِط، وعَلى السَّطْح، وَظهر على الشَّيْء: إِذا غَلَبه وعَلاَه {فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا} (الزّخرُف: 33) أَي يعلون، والمعارج: الدَّرَج {عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ} (الصَّف: 14) أَي غَالِبين وقولُ الله جلّ وعزّ: {قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا} (التّحْريم: 4) مَعْنَاهُ: وَإِن تعاونا، يُقَال: تظاهرَ القومُ على فُلان، وتظافَروا وتضافَروا إِذا تعاوَنوا عَلَيْهِ. وَقَول الله جلّ وعزّ: { (الَّذين يَظَاهَرَون مِنْكُم من نِسَائِهِم) } (المجَادلة: 2) قرىء (يَظَّهَّرون) ، وقرىء، وقرىء {الَّذِينَ} (المجَادلة: 2) فَمن قَرَأَ (يَظَّاهرون) فَالْأَصْل يتَظاهرون، وَمن قَرَأَ (يظَّهَّرون) فَالْأَصْل يتَظَهَّرون، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَهُوَ أَن يَقُول لَهَا: أنتِ عليَّ كظهْر أُمِّي، وَكَانَت الْعَرَب تُطَلّق نساءها فِي الْجَاهِلِيَّة بِهَذِهِ الْكَلِمَة، فلمَّا جَاءَ الْإِسْلَام نُهُوا عَنْهَا، وأُوجِبَت الْكَفَّارَة على مَن ظَاهَرَ من امْرَأَته، وَهُوَ الظِّهار، وَأَصله مأخوذٌ من الظَّهْر، وَذَلِكَ أَن يَقُول لَهَا: أنتِ عليَّ كظهْرِ أمِّي، وَإِنَّمَا خصُّوا الظَّهْر دون البَطْن والفخِذ والفَرْج، وَهَذِه أَوْلَى بالتَّحْرِيم؛ لأنَّ الظَّهر مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وَالْمَرْأَة مَرْكوبة إِذا غُشِيَتْ، فَكَأَنَّهُ إِذا قَالَ: أنتِ عليَّ كَظهر أمِّي، أَرَادَ رُكُوبُكِ للنِّكاح حرَام عليَّ كرُكُوب أمِّي للنِّكاح، فَأَقَامَ

(6/135)


الظَّهْر مقامَ الرُّكوب لِأَنَّهُ مَرْكوبٌ، وَأقَام الرُّكوبَ مقَام النِّكَاح لأنّ الناكحَ راكِبٌ، وَهَذَا من لطيف الِاسْتِعَارَة للكناية، وَيُقَال: ظاهرَ فلانٌ فلَانا: إِذا عاونه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ظهرَ فلانٌ بحاجة فلانٍ: إِذا جعَلها بظهرٍ وَلم يخفَّ لَهَا. وَيُقَال: ظاهرَ فلانٌ بَين ثَوْبَيْنِ وبَيْنَ دِرْعَيْن: إِذا طابق بَينهمَا.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: الظَّهَرَةُ: مَا فِي البيتِ من المَتَاع والثِّياب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: بيتٌ حَسَنُ الأهرة والظَّهرَة والعَقارِ بِمَعْنى وَاحِد.
سَلمَة عَن الفرّاء: نزل فلانٌ بَين ظَهْرَيْنا وظَهرَانَيْنَا وأَظْهُرنَا بِمَعْنى وَاحِد. وَلَا يجوز بَين ظَهرانِينَا، بِكَسْر النُّون.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: لقيتُه بَين الظَّهْرَانَيْن مَعْنَاهُ فِي اليَوْمَين أَو فِي الْأَيَّام. قَالَ: وَبَين الظَّهرَين مثله.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: رَأَيْته بَين ظَهْراني اللَّيل، يَعْنِي مَا بَين العِشاء إِلَى الْفجْر.
وَقَالَ الأصمعيّ يُقَال: جَاءَ فلَان مُظَهِّراً أَي جَاءَ فِي الظَّهيرة، وَبِه سُمِّي الرجُل مُظهِّراً وأَحدُ أجداد الأصمعيّ يُقَال لَهُ: مُظَهِّر، وَهُوَ مدفونٌ بكاظِمةَ فِيمَا زَعم.
وَقَالَ: إبلُ فلانٍ تَرِد الظَّاهِرَة: إِذا وَرَدَتْ كلَّ يَوْم نِصفَ النَّهَار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو شمر: الظَّاهِرَة: الّتي ترِد كلَّ يومٍ نِصفَ النَّهَار، وتصدرُ عِنْد العَصر. وَيُقَال: شاؤهمْ ظواهر.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الظَّاهِرَة: أَن تَرِدَ كلّ يومٍ ظهرا.
قَالَ: وظَاهرَةُ الغِبِّ، هِيَ للغنم لَا تكَاد تكون لِلْإِبِلِ.
قَالَ: وظاهرَةُ الغِبِّ أقصَرُ من الغِبِّ قَلِيلا.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: الظَّوَاهِر: أشرافُ الأَرْض، يُقَال: هَاجَتْ ظَواهِرُ الأرْض.
وَقَالَ ابْن شُميل فِيمَا رَوَاهُ عَن ابْن عَوْن، عَن ابْن سِيرِين أنَّ أَبَا مُوسَى كَسا فِي كَفَّارَة الْيَمين ثَوْبَين: ظهرانِيّاً ومُعَقَّداً.
قَالَ النَّضر: الظهرانيُّ يُجاء بِهِ من مَرَّ الظهْرَان.
وَقَالَ الْفراء: أَتَيْته مرّة بَين الظَّهرَيْن: مرّة فِي الْيَوْمَيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو فَقْعَس: إِنَّمَا هُوَ يومٌ بَين عامَين.
وَقَالَ الفرّاء: نزل بَين ظَهْرَيْنا وظَهْرَانَيْنا وأظْهُرِنا. والمُعَقَّد؛ بُرْدٌ من بُرُودِ هَجَر.
وَعَن معمر قَالَ: قلت لأيّوب: (مَا كَانَ عَن ظَهْرِ غِنًى) مَا ظَهْرُ غِنًى؟ قَالَ أَيُّوب: عَن فضل عِيَال.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ظاهِرَةُ الْجَبَل: أَعْلَاهُ. وظاهرة كلِّ شَيْء: أَعْلَاهُ، اسْتَوَى أَو لم يستَوِ ظاهرُه، وَإِذا علوتَ ظهرَه فَأَنت فَوق ظاهِرَتِه، وَقَالَ المُهَلهِل:
وخَيْلٍ تَكَدَّسُ بالدَّارِعِي
نَ كَمشْي الوُعُولِ عَلَى الظَّاهِرَهْ
وَقَالَ الْكُمَيْت:

(6/136)


فَحَلَلْتَ مُعْتَلَجَ البِطَا
حِ وحَلَّ غيرُك بالظَّواهِرْ
وَقَالَ خَالِد بنُ كُلْثوم: مُعْتلج البطاح: بطنُ مَكَّة، والبطحاء: الرَّمْل، وَذَلِكَ أنّ بني هَاشم وَبني أُميَّة وسادَةَ قُرَيش منازِلُهمْ ببَطْن مكّة، وَمن دُونَهم فَهُم يَنْزِلُون بظواهر جبالها، وَيُقَال: أَرَادَ بالظَّواهر أعْلَى مَكَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قريشُ الظّواهر: الّذين نَزَلوا بِظُهُور جبالِ مكّة.
قَالَ: وقُريشُ البطاح أكرَمُ وأشْرَفُ من قُريشِ الظَّوَاهِر.
وَقَالَ الفرّاء: العَرَب تَقول: هَذَا ظهرُ السَّماء، وَهَذَا بَطْنُ السَّمَاء، لظاهرها الَّذِي ترَاهُ.
قلتُ: وَهَذَا جَائِز فِي الشَّيْء ذِي الوَجْهين الَّذِي ظَهْرُه كبطنِه كالحائط الْقَائِم، وَيُقَال لمَا وَليَك مِنْهُ: ظَهْرُه، وَلما وَلِيَ غَيْرك ظَهْرُه، فأمّا ظِهارَة الثَّوْب وبِطانَتُه، فالبطانَة: مَا وَلِي مِنْهُ الْجَسَد وَكَانَ دَاخِلا، والظِّهارة: مَا عَلاَ وظَهَر وَلم يَلِ الجَسَد، وَكَذَلِكَ ظِهارة الْبسَاط: وَجهه، وبطانتُه مَا يَلِي الأَرْض، وَيُقَال: ظَهَّرْتُ الثوبَ: إِذا جعلتَ لَهُ ظِهارَة، وبطَّنْتَه: إِذا جعلتَ لَهُ بطانَةً، وَجمع الظِّهَارة ظَهائِر، وجمعُ البطانة بَطائن.
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبيدة قَالَ: الظُّهارُ من رِيشِ السَّهم: مَا جُعل من ظَهْرِ عَسِيبِ الرِّيشة. والبُطنان: مَا كَانَ من تَحت العَسيب.
وَقَالَ الفرّاء والأصمعيّ فِي الظُّهارِ والبُطْنان مثل ذَلِك، قَالَا: واللُّؤَام: أَن يَلتَقِيَ بطنُ قُذّةٍ وظَهْرُ الْأُخْرَى، وَهُوَ أجْوَدُ مَا يكون، فَإِذا الْتَقى بَطْنان أَو ظَهْرَان فَهُوَ لُغابٌ ولَغْبٌ.
وَقَالَ اللّيث: الظُّهارُ من الرِّيش: هُوَ الَّذِي يظْهر رِيش الطائِر وَهُوَ فِي الْجنَاح.
قَالَ: وَيُقَال: الظُّهار جماعةٌ، وَاحِدهَا ظَهْرٌ قَالَ: ويُجمَع على الظُّهْرانِ، وَهُوَ أفضل مَا يُراشُ بِهِ السَّهْم، فَإِذا رِيشَ بالبُطنان فَهُوَ عَيْبٌ.
قلت: والقَوْل فِي الظُّهار والبُطْنان مَا قَالَه أَبُو عُبيدة والأصمعيّ والفرّاء.
وَقَالَ اللَّيْث: الظُّهران من قَوْلك: هُوَ فِيمَا بَين ظَهْرَانَيْهم وظَهْرَيْهِم، وَكَذَلِكَ يُقَال للشَّيْء إِذا كانَ وَسَطَ شَيْء فَهُوَ بَين ظَهْرَيه وظَهْرَانَيْه، وَأنْشد:
أُلْبِسَ دِعْصاً بينَ ظَهْرَيْ أَوْعَسَا
وَقَول الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ} (الصَّف: 14) أَي غَالِبين عالِين، من قولِك: ظَهَرْتُ على فلَان: أَي عَلوْتُه وغَلَبْتُه، وظَهَرْتُ على السَّطح: إِذا صِرْتَ فَوْقه. وَأنْشد ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
فَلَو أنَّهم كَانُوا لَقُونا بِمِثْلِنا
ولكنَّ أقرانَ الظُّهورِ مَغالِبُ
قَالَ: أَقْرَان الظُّهور: أَن يتظاهروا عَلَيْهِ: إِذا جَاءَ اثْنَان وأنتَ واحدٌ غَلَباك.
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء من الحجازيّين:
إِذا استُحِيضَت الْمَرْأَة واستَمرَّ بهَا الدَّم، فَإِنَّهَا تَقْعُد أَيَّامهَا للْحيض، فَإِذا انقضتْ

(6/137)


أيامُها استَظْهَرَتْ بثلاثةِ أَيَّام تقعُد فِيهَا للْحيض وَلَا تُصلِّي، ثمَّ تَغْتَسِل وتُصلِّي.
قلت: وَمعنى الِاسْتِظْهَار فِي كَلَامهم: الِاحْتِيَاط والاستيثاق، وَهُوَ مَأْخُوذ من الظِّهْرِيِّ، وَهُوَ مَا جعلتَه عُدَّةً لحاجتك.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: البعيرُ الظِّهْرِيّ: العُدَّة للْحَاجة إِن احتِيجَ إِلَيْهِ. وجمعُه ظَهَارِيُّ.
قلت: واتِّخَاذُ الظِّهْري من الدَّوَابِّ عُدَّةً للْحَاجة إِلَيْهِ احْتِيَاط، لِأَنَّهُ زِيَادَة على قَدْر حَاجَة صاحبِه إِلَيْهِ؛ وَتَفْسِيره: الرجُل ينْهض مسافِراً وَيكون مَعَه حاجَتُه من الرِّكاب لحُمُولته الَّتِي مَعَه فيحتاط لسَفَره، ويزدادُ بَعِيرًا أَو بعيرَين أَو أَكثر فُرَّغاً تكون مُعَدَّةً لأحمال مَا انقَطَع من حُمُولته بظَلَعٍ أَو آفَةٍ أَو انحسارٍ، فَيُقَال: استَظْهر ببَعيرَين ظِهْرِيَّيْن مُحتاطاً بهما، ثمَّ أقيم الاستظهارُ مُقام الِاحْتِيَاط فِي كلّ شَيْء. وَقيل: سُمِّيَ ذَلِك البعيرُ ظِهْرِيّاً؛ لِأَن صاحبَه جعله وَرَاء ظهرِه فلمْ يَرْكَبْه وَلم يحْمِل عَلَيْهِ، وتَركَه عُدَّةً لحاجةٍ إنْ مَسَّتْ إِلَيْهِ.
وَمن هَذَا قولُ الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن شُعَيب أَنه قَالَ لِقَوْمِهِ: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} (هُود: 92) وَقد مَرَّ تفسيرُه.
وَفِي الحَدِيث: (فاظهرْ بِمَن مَعَك مِن الْمُسلمين إِلَيْهَا) ، أَي اخرُج بهم إِلَى ظَاهرهَا، وأَبْرِزْهُم.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: كَانَ يصلّي العَصْر فِي حُجْرَتِي قبل أَن يُظْهر، تَعْنِي الشَّمْس: أَي تعلو السُّطح، وَمِنْه قَوْله:
وَإِنَّا لنَرْجو فوقَ ذَلِك مَظْهرا
يَعْنِي مَصْعَدا.
وَقَالَ اللَّيْث: الظُّهور: بُدُوُّ الشَّيْء الخفيِّ والظُّهور: الظَّفَر بالشَّيْء والاطّلاع عَلَيْهِ. يُقَال: أظهر الله الْمُسلمين على الْكَافرين: أَي أعلاهُم عَلَيْهِم، وأظهرَني الله على مَا سُرِق منِّي أَي أعثرني عَلَيْهِ.
وَيُقَال: ظَهر عنّي هَذَا العَيْبُ أَي نَبَا عَنّي وَلم يَعْلَقْ بِي مِنْهُ شَيْء. وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيب الهُذَلي:
وعَيَّرها الواشُونَ أنِّي أحِبُّها
وتِلْكَ شَكاةٌ ظاهِرٌ عنكَ عارُها
وَقيل لعبد الله بن الزُّبير: يابنَ ذَات النِّطاقَين، تعييراً لَهُ بهَا، فَقَالَ متمثّلاً:
وَتلك شَكاة ظاهرٌ عَنْك عارُها
أَرَادَ أنّ نطاقها لَا يَغُضُّ مِنْهَا وَلَا مِنْهُ، فيُعَيَّرا بِهِ ولكنّه يرفعُه، فيزيدُه نبْلًا وَيُقَال: وَهَذَا أمرٌ ظاهرٌ عَنْك: أَي لَيْسَ بلازِمٍ لَك عيبُه. وَقَالَ:
وَتلك شكاةٌ ظاهرٌ عَنْك عارُها
وَهَذَا أمرٌ أَنْت بِهِ ظاهرٌ: أَي أَنْت قويٌّ عَلَيْهِ، وَهَذَا أمرٌ ظاهرٌ بك: أَي غالِبٌ لَك. وَقَوله:
واظْهَرْ بِبزَّتِه وَعَقْدِ لوائه
أَي افخَرْ بِهِ على غَيره.
وحاجتي عندَك ظاهرةٌ: إِذا كَانَت مُطَّرحةً عِنْده.
المْنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: ظهرتُ بِهِ: أَي افتخرتُ بِهِ، وظهرتُ

(6/138)


عَلَيْهِ: قويتُ عَلَيْهِ. وَجَعَلَنِي بظهرٍ: أَي طَرَحَني.
وَقَوله عزّ وجلّ: {لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ} (النُّور: 31) : أَي لم يبلغُوا أَن يطيقوا إتْيَان النّساء، وَيُقَال: ظَهَر فلَان على فلَان: قوي عَلَيْهِ، وَفُلَان ظَاهر على فلَان: أَي غَالب لَهُ. {إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} (الْكَهْف: 20) أَي يطَّلعوا عَلَيْكُم ويعثروا، وَيُقَال: ظَهرت على الْأَمر. {لاَ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاَْخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الرُّوم: 7) أَي مَا يتصرّفون فِيهِ من معاشَهم.
ابْن بُزُرْج: أكلَ الرجُل أَكلَة ظَهر مِنْهَا ظَهْرُه: أَي سَمِن مِنْهَا.
قَالَ: وَأكل أكلَةً إِن أصبَح مِنْهَا لَنَابِياً، وَلَقَد نَبَوْتُ من أكلةٍ أكلتها. يَقُول: سمِنْتُ مِنْهَا.
أَبُو عُبيدٍ، عَن أبي عُبَيْدة: جعلتُ حَاجته بظَهرٍ: أَي بظَهرِي: خَلْفِي. قَالَ: وَمِنْه قَوْله: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} (هُود: 92) ، وَهُوَ استهانتُك بحاجة الرَّجُل. قلت: وَمِنْه قَوْله:
تميمُ بنَ مرِّ لَا تكونَنّ حَاجَتي
بظَهرٍ، فَلَا يَعْيَا عليَّ جوابُها
وَقَالَ الزجَّاج: يُقَال للّذي يَسْتهين بحاجَتِك وَلَا يَعْبأ بهَا: قد جعلتَ حَاجَتي بظَهرٍ، وَقد رَمَيْتها بِظهْر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} (آل عِمرَان: 187) .
وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَين الظَاهرة: الّتي مَلأتْ نُقْرَةَ العَين وَهِي خلافُ الغائِرة.
وَقَالَ غيرُه: الْعين الظاهرةُ: هِيَ الجاحِظة الوَحِشَة.
وَقَالَ بعضُهم: الظُّهار: وَجَعُ الظّهر، وَرجل مظهورٌ وظَهِرٌ: إِذا اشْتَكَى ظهرَه.
وَقَالَ ابْن السكّيت: رجل مُظَهَّرٌ: شَدِيد الظَّهر، وَرجل ظَهيرٌ: يَشتكِي ظَهرَه، وَرجل مُصدَّر: شَدِيد الصَّدْر، وَرجل مَصْدُورٌ: يشتكي صَدْرَه.
وَيُقَال: فلَان يَأْكُل على ظَهرِ يدِ فُلان: إِذا كَانَ هُوَ يُنفق عَلَيْهِ، والفُقراء يَأْكُلُون على ظَهر أيدِي النّاسِ.
وَيُقَال: حَمَل فلانٌ القرآنَ على ظَهرِ لسانِه، كَمَا يُقَال: حَفِطه عَن ظَهرِ قَلْبه وَقد اسْتَظهر فلانٌ الْقُرْآن: إِذا حَفِظَه.
وَيُقَال: ظَهَر فلانٌ الجَبَلَ: إِذا علاهُ، وظهرَ السَّطْحَ ظُهوراً: علاهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: فلانٌ لَا يظهرَ عَلَيْهِ أحدٌ: أَي لَا يُسلِّم عَلَيْهِ أحد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الظُّهار: الرِّيش، والظَّهار: ظَاهر الحَرَّة، والظِّهار: من النّساء.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الظُّهاريَّة: أَن يعتقله الشَّغْزَبِيّةَ فيصرَعَه؛ يُقَال: أخَذَه الظُّهاريَّة والشَّغْزَبيَّةَ بِمَعْنى.
وَيُقَال: ظَهرْتُ فلَانا: أَي أصبْتُ ظَهره فَهُوَ مظهور.
والظِّهْرَة: الأعوان قَالَ تَمِيم:
أَلَهْفِي على عِزَ عَزيزٍ وظِهْرَةٍ
وظلِّ شَبابٍ كنتُ فِيهِ فأَدْبَرا
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الظَّهر سِتّ فقارات، والكاهل والكَتَدِ ستُّ فقارت وهما بَين

(6/139)


الْكَتِفَيْنِ، وَفِي الرَّقَبَة ستُّ فقارات ذكره عَن نُصَير.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَالظّهْر الَّذِي هُوَ سِتُّ فِقَر تكتنِفها المَتْنان. قلت: وَهَذَا فِي الْبَعِير.
هـ ظ ل هـ ض ن هـ ظ ف
أهملت وجوهها وَالله أعلم.
هـ ظ ب
اسْتعْمل من وجوهها: بهظ.
بهظ: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: يُقَال: بَهظَني هَذَا الأمرُ: أَي ثَقُل عليّ وبلَغَ منِّي مشقّته وكلّ شَيْء ثقُل عَلَيْك، فقد بَهظك.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: بَهظْتُه: أخذتُ بفُقْمِه وفُغْمِه.
قَالَ شمر: أَرَادَ بفُقْمِه فَمَه، وبِفُغْمِه أنْفَه.
والفُقْمان: هما اللَّحيَّان. وأخَذَ بفَغْوِه: أَي بِفَمه، وَرجل أفْغَى، وَامْرَأَة فغواء: إِذا كَانَ فِي فَمه مَيَلٌ.
هـ ظ م
ظهم: أهمله اللَّيْث، ووجدتُ حَرْفاً فِي حديثٍ حَدَّثَنِيه أَبُو الْحسن الْمخْلَدِيّ، عَن أبي الرّبيع، عَن ابْن وهب، عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن أبي قَبيلٍ المعافِريِّ قَالَ: كُنَّا عِنْد عبيد الله بن عَمْرو فَسئلَ: أَي المدينتين تُفتَح أوّلاً: قَسْطَنْطِينيَّة أَو رُوميّة؟ فَدَعَا بصُنْدوق ظَهْمٍ. قَالَ: والظَّهْمُ: الخَلَق. قَالَ: فَأخْرج كتابا فنَظَر فِيهِ وَقَالَ: كنّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نكتب مَا قَالَ، فسُئِل: أيّ المدينتين تُفتَح أوّلَ: قُسطنطيِنيّة أَو رُوميّة؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَدِينَة ابْن هِرَقْلَ تُفتَح أوّل، يَعْنِي القُسْطَنْطِينيّة. قلت: هَكَذَا جَاءَ مفسَّراً فِي الحَدِيث، وَلم أسمَعْه إلاّ فِي هَذَا الحَدِيث.

(أَبْوَاب الْهَاء والذال)
هـ ذ ث: مهمل
هـ ذ ر
اسْتعْمل مِنْهُ: هذر.
هذر: قَالَ اللَّيْث: الهَذَر: الْكَلَام الّذي لَا يُعْبَأ بِهِ، يُقَال: هَذَرَ الرجلُ فَهو يَهذِر فِي مَنطِقه هَذْراً، وَهُوَ رجُل هَذَّار مِهذار، والجميعُ: المهاذير وَقَالَ غيرُه: رجل هُذَرَةٌ بُذَرَةٌ، ورجلٌ هِذْرِيَانُ: إِذا كَانَ غَثَّ الكَلام كثيرَه.
هـ ذ ل
اسْتعْمل من وجوهه: هذل، ذهل.
هذل: قَالَ اللّيث: الهُذلول: مَا ارْتَفع من الأَرْض من تلالٍ صِغارٍ، وَأنْشد:
يَعلُو الهَذالِيلَ ويعلو القرْدَدَا
شَمِر، عَن ابْن شُمَيل. الهُذلولُ: الْمَكَان الوَطِيءُ فِي الصَّحْراء لَا يشعُر بِهِ الْإِنْسَان حتّى يُشرِف عَلَيْهِ، قَالَ جرير:
كأنّ ديارًا بَين أسْنِمَةِ النَّقا
وَبَين هَذا اللَّيْل البُحَيْرة مُصْحَفُ
قَالَ: وبُعدُه نَحْو الْقَامَة يَنْقاد لَيْلَة أَو يَوْمًا، وعَرْضاً قِيدُ رُمْح أَو أنْفَسُ، لَهُ سَنَدٌ لَا حُرُوف لَهُ. وَقَالَ أَبُو نَصر: الهذالِيل: رمالٌ رقاقٌ صغَار.
وَقَالَ غيرُه: الهُذلول: مَا سَفَت الرِّيحُ من أعالي الأَنْقاء إِلَى أسافِلِها، وَهُوَ مِثْل الخَنْدَق فِي الأَرْض. وَقَالَ أَبُو عَمْرو:

(6/140)


الهَذالِيل: مَسايلُ صغارٌ من المَاء وَهِي الثُّعبَانُ.
قَالَ أَبُو عُبَيدٍ: الهُذلول: الرَّمْلة الطَّوِيلَة المستدِقّة المُشرِفة وَذهب ثوبُه هَذالِيلَ: أَي قِطَعاً. وأمَّا قَول الراجز:
قلتُ لقَوْمٍ خَرَجوا هَذَالِيلْ
نَوْكَى وَلَا ينْفَعُ للنَّوْكَى القِيلْ
قيل فِي تَفْسِيره: هم المُسرِعون يتْبَع بعضُهم بَعْضاً.
وَقَالَ ابْن الكَلْبِيّ: الهُذْلول: اسمُ سَيفٍ كَانَ لبعضِ بَني مخزُومٍ، وَهُوَ الْقَائِل فِيهِ:
كم من كميَ قد سَلَبْتُ سِلاحَه
وغادَره الهُذْلُولُ يَكْبُو مُجَدَّلا
وَقَالَ اللّيث: الهَوْذَلة: القذْفُ بالبَوْل، يُقَال هَوْذَلَ ببوْله: إِذا قَذَفه. قَالَ: والهَوْذَلة: أَن يضطرب فِي عَدْوِه.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: الهَوْذَلة: أَن يَضْطرب فِي عَدْوِه. قَالَ: وَمِنْه يُقَال للسِّقاء إِذا تَمخَّض: هَوْذَلَ يُهَوْذِل هَوْذلةً.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَوْذَلَ السِّقاءُ: إِذا أَخْرَج زُبْدَتَه، وهَوْذَلَ: إِذا قاء، وهَوْذَل: إِذا رَمَى بالعُرْبُون، وَهُوَ الغائِط والعَذِرة، وَأنْشد:
لَو لَمْ يُهَوْذِلْ طَرَفاه لَنَجَمْ
فِي صُلْبِه مِثْل قَفَا الكَبْشِ الأجَمّ
قَالَ: والهاذِل بالذّال: وَسَط اللّيل.
وَقَالَ الأصمعيُّ: هَوذَل الفحلُ من الْإِبِل ببَوْلِه: إِذا اهتزَّ ببَوله وتَحرَّك.
وَقَالَ ابْن الْفرج: أهْذَب فِي مَشْيِه، وأَهْذَلَ: إِذا أَسْرَع، وَجَاء مُهْذِباً مُهْذِلاً.
وهُذَيْل: أحدُ قَبائل خِنْدِف، وَقد أُعْرِقَ لَهَا فِي الشِّعْر، والنِّسبة إِلَيْهَا هُذَليّ، وَمن الْعَرَب من يَقُول: هُذْيلِيّ.
وَيُقَال: ذهبَ بولُه هَذالِيلَ: إِذا تقطَّعَ.
وهَذاليلُ الْخَيل: خِفَافُها.
ذهل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} (الْحَج: 2) أَي تسلُو عَن وَلَدها فتتركه لشدَّة الْقِيَامَة والفَزَع الْأَكْبَر.
وَقد ذَهَلَ يَذْهَل، وذَهِلَ يَذهَل ذُهولاً. وأَذْهَلَني كَذَا وَكَذَا عنهُ يُذْهِلُني.
وَقَالَت امْرَأَة:
أَذْهَلَ خِلِّي عنْ فِراشي مَسْجدُهُ
وَكَانَ زَوجهَا اشتَغَل بعبادتِه عَن فراشها فشكت سُلُوَّه عَنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّهْل: تركُكَ الشَّيء تَنَاساه على عَمْد، أَو يَشْغَلُك عَنهُ شاغل.
وَقَالَ اللحيانيّ: مضى ذَهْلٌ من اللَّيل: أَي ساعةٌ. ذَهْلٌ، ودَهْلٌ، لُغَةٌ بِالدَّال والذال. جَاءَ بِهِ أَبُو عَمْرو.
وَقَالَ اللَّيْث: الذُّهْلانِ: حيَّان من ربيعَة، وهم بَنُو ذُهْل بن شَيْبَان، وَبَنُو ذُهْل بن ثَعْلبة.
هـ ذ ن
اسْتعْمل من وجوهه: ذهن.
ذهن: قَالَ اللَّيْث: الذِّهْن: حِفْظ الْقلب. تَقول: اجعلْ ذِهْنك إِلَى كَذَا وَكَذَا.

(6/141)


وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : ذَهِنْتُ كَذَا وَكَذَا: أَي فَهِمتُه، وذَهَنْتُ عَن كَذَا وَكَذَا: أَي فَهِمْتُ عَنهُ، وَيُقَال: ذَهنَنِي عَن كَذَا وَكَذَا، وأَذْهنَنِي، واسْتَذْهنَنِي: إِذا أَنْساني وأَلْهاني عَن الذِّكْر، وَيُقَال: فلَان يُذاهِن الناسَ أَي يُفاطِنُهم، وَقد ذَاهنَنِي فَذَهنْتُه: أَي كُنتُ أجْودَ ذِهْناً مِنْهُ.
هـ ذ ف
أهمله اللَّيْث وَأنْشد أَبُو عَمْرو قَول الرّاجز:
يُبْطِر ذَرْعَ السَّائق الهذَّافِ
بعَنَقٍ من فَوْرِه زَرَّافِ
قَالَ: والهَذَّاف: السَّريع، وَقد هَذَف يهذِفُ: إِذا أسْرَع، وَيُقَال: جَاءَ مُهْذِباً مُهْذِفاً مُهذِلاً، بِمَعْنى وَاحِد.
هـ ذ ب
اسْتعْمل من وجوهه: هذب، هبذ، ذهب.
ذهب: قَالَ اللَّيْث: الذَّهَب: التِّبْر، والقطعة مِنْهُ ذَهبَةٌ.
قَالَ: وأهلُ الْحجاز يَقُولُونَ: هِيَ الذَّهب. وَيُقَال: نزلتْ بلغتهم: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التّوبَة: 34) وَلَوْلَا ذَلِك لغَلَب المذكَّرُ الْمُؤَنَّث. 6
وَقَالَ: وسائرُ العَرَب يَقُولُونَ: هُوَ الذَّهب. قلتُ: الذّهب مُذكّر عِنْد العَرَب، وَمن أنَّثه ذَهب بِهِ مَذْهَب الْجَمِيع. وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {وَلاَ يُنفِقُونَهَا} وَلم يقل: يُنفقونه؛ فَفِيهِ أقاويل للنَّحويين أَحدهَا أنّ الْمَعْنى يَكْنِزُون الذّهب والفضَّة وَلَا يُنْفقُونَ الْكُنُوز فِي سَبِيل الله، وَقيل: جَائِز أَن يكون مَحْمُولا على الْأَمْوَال، فَيكون: وَلَا يُنْفقُونَ الْأَمْوَال، وَيجوز أَن يكون: وَلَا يُنْفقُونَ الفضّة، وَحذف الذَّهب، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَلَا يُنفِقونه، والفضّة وَلَا يُنفقونها، فاختصر الْكَلَام، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} (التّوبَة: 62) ، وَلم يقل: يُرضوهما.
وَقَالَ اللَّيْث: الذِّهْبة: المَطْرة الجَوْدة، والجميع الذِّهاب.
أَبُو عبيد، عَن أَصْحَابه قَالُوا: الذِّهاب: الأمطار الضعيفة.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
توَضَّحْن فِي قَرْن الغَزالةِ بَعْدَمَا
ترشَّفْنَ دِرَّاتِ الذِّهاب الرَّكائِك
وَقيل: ذِهْبة للمطْرة، وَاحِدَة الذِّهاب
ورُوِي عَن بعض الْفُقَهَاء أَنه قَالَ: فِي أَذاهِبَ من بُرَ وأذاهبَ من شَعيرٍ، قَالَ: يُضمّ بَعْضهَا إِلَى بعض، فتُزَكَّى.
قيل: الذَّهَب: مكيالٌ معروفٌ بِالْيمن، وَجمعه أذْهاب، ثمّ أذاهب جمعُ الْجَمِيع. قَالَه أَبُو عُبيد.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول ابْن الخطيم:
أَتَعْرفُ رَسْماً كاطِّرادِ المذاهِبِ
المَذاهب: جُلود كَانَت تُذْهَب، وَاحِدهَا مُذْهَب، يَجْعَل فِيهَا خُطوطٌ مُذهَبه، فيُرَى بعضُها فِي إثْر بعض، فَكَأَنَّهَا متتابعة، وَمِنْه قَول الهذليّ:
يَنْزِعْن جلدَ المَرْءِ نَزْ
عَ القَيْن أَخلاقَ المَذَاهِبْ

(6/142)


يَقُول: الضِّباعُ ينزعن جلدَ الْقَتِيل كَمَا يَنزِع القَينُ خِللَ السُّيوف، قَالَ: وَيُقَال: الْمذَاهب: البُرُود المُوَشّاة، يُقَال: بُرْدٌ مُذهَب، وَهُوَ أرْفَعُ الأَتحَمِيّ.
وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ الْغَائِط أبعَدَ فِي المَذْهَب.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: يُقَال لموْضِع الْغَائِط: الخَلاء، والمَذْهب والمِرْفَق والمِرْحاض.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت: ذهَبَ الرجلُ والشيءُ يذهَبُ ذَهاباً، وَقد ذَهِبَ الرجلُ وَالشَّيْء يذهَبُ ذهَباً: إِذا رَأَى ذهبَ المعْدِن فبَرِق من عِظَمه فِي عَيْنيه، وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي:
ذَهَّب لمّا أَن رَآهَا ثُرْمُرَه
وَفِي رِوَايَة:
لَمَّا أَن رَآهَا ثُرْمُلَهْ
وَهُوَ اسْم رجُل.
وَقَالَ: يَا قوم رأيتُ مُنْكَرَهْ
شَذْرَةَ وادٍ ورأَيتُ الزُّهَرَهْ
أَبُو عُبَيْدَة: كُمَيْتٌ مَذْهَب، وَهُوَ الَّذِي تعْلو حُمرتَه صُفْرَة، وَالْأُنْثَى مُذْهَبة.
وَقَالَ اللَّيْث: المُذْهَبُ: الشيءُ المَطْلِيُّ بالذَّهب، قَالَ لبيد:
أَو مُذهَبٌ جُدُدٌ على ألْوَاحِه
الناطِقُ المَبروزُ المختُومُ
قَالَ الأزهريّ: وَأهل بَغْدَاد يَقُولُونَ للمُوَسْوِس من النَّاس: بِهِ المُذْهِبُ، وعَوامُّهم يَقُولُونَ: بِهِ المُذْهَب، بِفَتْح الْهَاء، وَالصَّوَاب المُذْهِب.
وَقَالَ اللَّيْث: المُذْهِبُ: اسْم شَيْطَان يُقَال: هُوَ من ولد إِبْلِيس يَبدو للقراء فيفتنهم فِي الْوضُوء وَغَيره.
وَقَالَ: والذُّهوب، والذَّهاب لُغَتَانِ، والمذهَب: مصدر كالذّهاب.
وَيُقَال: ذهَّبتُ الشيءَ فَهُوَ مُذَهَّب: إِذا طليتَه بالذَّهب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للمُوَسْوِس: بِهِ المُذْهِب.
وَيُقَال: هُوَ اسْم شَيطان.
هذب: سَلمَة، عَن الْفراء قَالَ: المُهْذِب: السَّرِيع. وَهُوَ من أَسمَاء الشَّيْطَان.
وَيُقَال لَهُ: المُذهِب: أَي المُحَسِّن للمعاصي.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الإهذاب: السُّرعة فِي العَدْو والطَّيَران، وإبِلٌ مهاذِيبُ: سِراع. وَقَالَ رؤبة:
صَوَادِقَ العَقْبِ مَهاذِيب الوَلَقْ
وَفِي بعض الْأَخْبَار: إِنِّي أخْشَى عَلَيْكُم الطَّلَب، فهَذَّبوا: أَي أَسْرعُوا السّير، يُقَال: هَذَبَ وأَهذَب وهَذّب، كلّ ذَلِك، من الْإِسْرَاع.
وَقَالَ اللَّيْث: المُهَذَّب: الَّذِي قد هُذِّب من عيوبه.
وَقَالَ غَيره: أصل التَّهْذِيب تنقيةُ الْحَنظل من شَحْمه، ومعالجةُ حَبِّه حَتَّى تذهبَ مَرارَتُه ويَطيب لآكله، وَمِنْه قَول أوسِ بن حَجَر:
ألم تَرَيَا إذْ جئتُما أنّ لَحمهَا
بِهِ طَعْمُ شَرْي لم يُهذَّبْ وحَنْظَلِ

(6/143)


وَيُقَال: مَا فِي مودّته هَذَبٌ، أَي صفاءٌ وخُلوص، وَقَالَ الْكُمَيْت:
معدنُك الجوهرُ المهذَّبُ ذُو ال
إِبرِيزِ بَخَ مَا فَوق ذَا هَذَبَ
وَمن أمثالهم: أيُّ الرِّجال المهذَّب؟ يُضرَب مثلا للرجل يُؤمر بِاحْتِمَال إخوانه على مَا فيهم من خَطِيئَة عيب يُذَمُّون بِهِ، وَمِنْه قَوْله:
ولَسْتَ بِمُسْبَقٍ أَخاً لَا تَلُمُّه
على شَعَثٍ، أَيُّ الرِّجال المُهذَّبُ؟
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الهَيْذَبَى: أَن يَعْدُوَ فِي شِقَ، وَأنْشد:
مَشَى الْهَيْذَبَى فِي دَفِّهِ ثمَّ قَرْقَرا
وروى بَعضهم: مَشَى الهِرْبذَى، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الهَيْذَبَى. وَقَالَ ذُو الرِّمّة:
دِيارٌ عَفَتْها بعدنَا كلُّ دِيمَةٍ
دَرُورٍ وأُخرى تُهذِبُ الماءَ ساجِرُ
يُقَال: أَهذَبت السحابةُ ماءها، إِذا أسالَتْه بِسُرْعَة.
هبذ: قَالَ اللَّيْث: المُهابَذَة: الْإِسْرَاع، وَأنْشد:
مُهابِذَةٌ لم تَتَّرِكْ حِين لم يكن
لَهَا مَشرَبٌ إلاّ بِناءٍ مُنَضَّبِ
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب المقلوب: أَهْبَذَ وأهْذَبَ، إِذا أسْرَع.
وَقَالَ أَبُو خِراش الهذَليّ.
يُبادِرُ جُنْحَ اللَّيْل فَهُوَ مُهابِذٌ
يَحُثُّ الجَناحَ بالتّبَسُّطِ والقَبْضِ
هـ ذ م
اسْتعْمل من وجوهه: هذم، همذ.
هذم: قَالَ اللَّيْث: الهَذْم: الْأكل، والهذْم: القَطْع، كلُّ ذَلِك فِي سرعَة، وَقَالَ رؤبة يصف اللَّيل وَالنَّهَار:
كلاهُما فِي فَلَكٍ يَسْتَلْحِمُهْ
واللِّهْبُ لِهْبُ الخافِقَين يَهذِمُهْ
كِلَاهُمَا: يَعْنِي اللَّيْل النَّهَار. فِي فَلَك يَسْتلحِمه: أَي يَأْخُذ قَصْده ويَركَبُه.
واللِّهْبُ: المَهْوَاةُ بَين الشَّيْئَيْنِ، يَعْنِي بِهِ مَا بَين الخافِقَين، وهما المَغْرِبان.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَرَادَ بالخافِقين: المَشْرِق والمغْرِب، يَهْذِمه: يُغَيِّبُه أجمعَ.
وَقَالَ شمر: يَهْذِمه: يَأْكُلهُ ويُوعيه وَقَالَ: سِكِّين هَذُوم، يَهْذِم اللَّحْم: أَي يُسْرِع قطعه فيأكله، عَن ابْن الأعرابيِّ.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرَادَ بقوله:
يَهْذمه نُقصانَ الْقَمَر، وَقَالَ: سيفٌ مِهْذَمٌ مِخْذَم.
قَالَ: والهَيْذام: الشُّجاع من الرِّجال، وَهُوَ الأَكول أَيْضا.
وَيُقَال: سِكِّينٌ هُذامٌ ومُوسى هُذَام وشفْرة هُذَامة.
وَقَالَ الرَّاجز:
ويْلٌ لِبُعْرَانِ أبي نَعَامَهْ
مِنْكَ ومنْ شَفْرَتِك الهُذَامَهْ
همذ: قَالَ اللَّيْث: الهَمَاذِيُّ: السُّرْعة فِي الجرْي، يُقَال: إِنَّه لذُو هَمَاذِيِّ فِي جَرْيه.

(6/144)


وَقَالَ غَيره: حَرٌّ همَاذِيٌّ أَي شَدِيد، ومَرَضٌ هماذِيٌّ، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
تُرِيغُ شُذَّاذاً إِلَى شُذَّاذِ
فِيهَا هَمَاذِيٌّ إِلَى هَمَاذِي
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الهَماذِيّ: السَّريع من الْإِبِل.
وَقَالَ شمر: الهَمَاذِيُّ: الجِدُّ فِي السَّيْر.
وَيُقَال: الهَمَاذِيُّ: تاراتٌ شِدادٌ تكون فِي المَطَر، والسِّباب، والجَرْي، مرّة يَشتدّ، وَمرَّة يسكن. قَالَ العَجاج:
مِنْهُ هَمَاذِيٌّ إِذا حَرَّتْ وحَرّ

(أَبْوَاب الْهَاء والثاء)
هـ ث ر
مهمل.
هـ ث ل
اسْتعْمل من وجوهها: لهث، هلث، ثهل، لثه.
لهث: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} (الأعرَاف: 176) ضربَ الله جلّ وعزّ: للتّارك لآياته، والعادلِ عَنْهَا أَخَسَّ شيءٍ فِي أَخْسِّ أحْواله مَثَلاً، فَقَالَ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} إِذا كَانَ الْكَلْب لَهْثانَ، وَذَلِكَ لأنّ الكلْب إِذا كانَ يَلْهَث فَهُوَ لَا يَقدر لنَفسِهِ على ضُرّ وَلَا نَفْع، لِأَن التَّمْثِيل بِهِ على أَنه يَلهَث على كل حَال، حملت عَلَيْهِ أَو تركتَه، فَالْمَعْنى: فمثَلُه كمَثَل الكلْب لاهِثاً.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّهْث لَهْثُ الكلْب عِنْد الإعياء، وَعند شدَّة الحرّ، وَهُوَ إدْلاعُ اللِّسان من العَطش.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير فِي الْمَرْأَة اللَّهثَى وَالشَّيْخ الْكَبِير: إنَّهُمَا يُفطِران فِي رَمَضَان ويُطعِمان.
وَيُقَال: رجلٌ لَهْثانُ وامرأةٌ لَهثَى، وَبِه لُهاثٌ شَدِيد، وَهُوَ شِدَّةُ العَطش.
وَقَالَ الرَّاعِي: يصف إبِلا وردتْ مَاء وَهِي عِطاش:
حَتَّى إِذا بَرَد السِّجَالُ لُهَاثَها
وجعلنَ خَلْفَ غُروضِهنَّ ثميلا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيبانيّ فِيمَا رَوَى أَبُو العبَّاس، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَنهُ أَنه قَالَ: اللُّهَّاث: عامِلُو الخُوص مُقعَداتٍ، وَهِي الدواخل، واحدتُها مُقعدة، وَهِي الوَشِيجة، والوشَجَة، والشَّوْغَرةُ والمُكَعَّبة.
قَالَ: واللُّهْثَة: التَّعَب، واللُّهْثة أَيْضا العَطش، واللُّهثة أَيْضا: النقطة الْحَمْرَاء الَّتِي ترَاهَا فِي الخُوص إِذا شققته.
سلمَة، عَن الْفراء قَالَ: اللُّهاثِيُّ من الرِّجال: الْكثير الخِيلان الحُمر فِي الْوَجْه، مأخوذٌ من اللُّهاث، وَهِي النُّقط الْحمر الَّتِي فِي الخُوص إِذا شُقَّ.
هلث: قَالَ اللَّيْث: الهَلثاء: جماعةٌ من النَّاس قد عَلتْ أَصْوَاتهم، يُقَال: جَاءَ فلانٌ فِي هَلْثاءٍ من أَصْحَابه، مَمْدُود مُنوَّن.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال: هِلثاءَةٌ من النَّاس، وهَلْثاءة: أَي جماعةٌ، بِكَسْر الْهَاء وَفتحهَا.

(6/145)


عَمْرو، عَن أَبِيه قَالَ: الهَلَثَة: الْجَمَاعَة من النَّاس.
ورَوَى ثعلبٌ، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ الهَلْثَى: الْجَمَاعَة من النَّاس.
ثهل: وَقَالَ اللَّيْث: ثَهْلان: اسْم جَبَل مَعْرُوف، وَمِنْه المَثَل السائر يُضرَب للرَّجل الرَّزين الوَقور، فَيُقَال:
ثهلاَنُ ذُو الهَضَبات مَا يتَحَلْحَلُ
أَبُو عبيد، عَن الْأَحْمَر قَالَ: هُوَ الضَّلال بنُ فَهْلَل، والضلال بنُ ثَهللَ. لَا ينصرفان يُضرَبان مثلا للكَذُوب وللذي لَا يَهْتَدِي لأمرِه.
لثه: قَالَ اللَّيْث: اللِّثاةُ: اللَّهاةُ. وَيُقَال: اللِّثَة واللَّثَة من اللِّثاه: لحْمٌ على أصُول الْأَسْنَان.
قلت: هَكَذَا قرأتُه فِي نُسَخ من (كتاب اللَّيْث) وَالَّذِي حصلناه وعرَفناه أَن اللِّثاثِ جمع اللِّثة، واللثة عِنْد النَّحْوِيين أَصْلهَا لِثْيةٌ. من لَثِيَ الشيءُ يلْثَى إِذا نَدِيَ وابتَل، وَلَيْسَ من بَاب الْهَاء، فَإِذا انْتهى كتَابنَا إِلَى كتاب الثَّاء فسَّرناه إِن شَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
هـ ث ن، هـ ث ف: أهملت وجوهها.
هـ ث ب
اسْتعْمل من وجوهها: بهث.
بهث: قَالَ اللَّيْث: البُهْثةُ: ولَدُ البَغِيِّ، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو فِي البُهْثة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قلت لأبي المكارم: مَا الأَزيَبُ؟ فَقَالَ: البُهثة. قلت: فَمَا البُهْثة؟ قَالَ: ولد المُعارَضةِ، وَهِي المُيَافَعة، والمُسَاعاةُ وبُهثة: حَيٌّ من بني سُلَيم. والبهثة: الْبَقَرَة الوحشية.
هـ ث م
اسْتعْمل من وجوهه: هثم.
هثم: قَالَ اللَّيْث: الهَيْثَمُ: فَرْخ العُقاب.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْهَيْثَم: الصَّقْر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْهَيْثَم: الرَّمْل الْأَحْمَر.
وَقَالَ الطِّرِمّاح يصف قِداحاً أُجِيلت فَخرج لَهَا صوتٌ:
خُوارَ غِزلانٍ لدَى هيْثَم
تذكّرتْ فِيقَه أرْآمِها
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُثْم القيزانُ: المنهالة.

(أَبْوَاب الْهَاء وَالرَّاء)
هـ ر ل
اسْتعْمل من وجوهه: هرل، رهل.
هرل: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هَرْوَل الرجلُ هَرْوَلةً: بَين الْمَشْي والعَدْو.
شمر، عَن التميميّ قَالَ: الهَرْوَلة فَوق الْمَشْي، وَدون الخبَب، والخَبَب دون العَدْو.
رهل: قَالَ اللَّيْث: الرَّهَل: شِبْه وَرَم لَيْسَ من دَاء، وَلَكِن رخَاوةٌ من سِمَن، وَهُوَ إِلَى الضعْف، تَقول: فَرَسٌ رَهِلُ الصَّدْر.
وَقَالَ غيرُه: أصبَح فلَان مرهلاً: إِذا تهبَّج من كَثْرَة النّوم. وَقد رهَّله ذَلِك تَرْهيلاً.
هـ ر ن
هنر، هرن، نهر، رهن: (مستعملة) .

(6/146)


هرن: أما هرن فَإِنِّي لَا أحفظ فِيهِ شَيْئا من كَلَام الْعَرَب، وَاسم هرُون معرَّب لَا اشتقاق لَهُ فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة.
قَالَ الدِّينَوَرِيّ: الهَيْرُون: ضَربٌ من التَّمْر مَعْرُوف.
هنر: يُقَال: هَنَرتُ الثوبَ بِمَعْنى أَنَرْتُه أُهَنِيره، وَهُوَ أَن يُعْلِمَه، قَالَه اللحياني.
وَقَالَ اللَّيْث: الهنْرة: وَقْبَة الأُذن.
قلت: وَهِي عَرَبِيَّة صَحِيحَة.
روَى أَبُو عَمْرو، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الهُنَيرة: تَصْغِير الهنْرة، وَهِي الأذُن المليحة.
رهن: قَالَ اللَّيْث: الرَّهن مَعْرُوف، تَقول: رَهْنْتُ فلَانا دَارا رَهْناً، وارتهنه: إِذا أَخذه رَهناً.
قَالَ: والرُّهونُ والرِّهانُ والرُّهُنُ: جمَاعَة الرَّهن. والرِّهان أَيْضا: مراهنة الرجل على سِباق الْخَيل وَغير ذَلِك.
قَالَ: وأَرْهنْتُ فلَانا ثوبا: إِذا دفعتَه إِلَيْهِ ليَرْهنَه، وأرْهنْتُ الميِّتَ قَبْراً: إِذا ضمَّنْتَه إيَّاه. وكلُّ أَمْرٍ يُحبَس بِهِ شيءٌ فَهُوَ رَهنُه ومُرْتَهنَه، كَمَا أنَّ الْإِنْسَان رَهينُ عَملِه.
الحرّانيّ، عَن ابْن السّكِّيت: يُقَال: أرْهنَ فِي كَذَا وَكَذَا يُرْهن إرهاناً: إِذا أَسْلف فِيهِ، وأنشَد:
يطوي ابنُ سَلْمَى بهَا عَن راكبٍ بَعَداً
عِيديَّةٌ أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنانِيرُ
بهَا: بِإِبِل. عيديّة: نُجُب، منسوبةٌ إِلَى بَنَات الْعِيد، وَهُوَ فحلٌ معروفٌ كَانَ مُنْجِباً، أَرَادَ أنَّ ابنَ سَلْمَى يَحمل الناسَ على هَذِه النجائب وَهِي عِيديّة تتلَفُ فِيهَا الدَّنَانِير لنجابتها، وَقد رهنتُه كَذَا وَكَذَا، أَرْهنُه رَهناً.
وَقَالَ الأصمعيّ: لَا يُقَال: أرهنتُه. قَالَ: وأمّا قولُ عبد الله بن هَمام السَّلُوليّ:
فلمّا خَشِيتُ أظافِيرَه
نجوتُ وأرْهَنهُمْ مَالِكًا
فَهُوَ كَمَا تَقول: قمتُ وأَصُكُّ رَأسه. قَالَ: ومَن رَوَى (وأرهنتُهم مَالِكًا) ، فقد أَخطَأ.
وَقَالَ غَيره: أرهنتُ لَهُم الطعامَ والشرابَ إرهاناً: أَي أَدَمته، وَهُوَ طعامٌ راهنٌ: أَي دَائِم. قَالَه أَبُو عَمْرو، وَأنْشد:
لَا يَستِفيقون مِنْهَا وَهِي راهِنَةٌ
إلاّ بهاتِ وَإِن عَلُّوا وإنْ نَهِلوا
أَبُو زيد: أَنا لَك رَهْنٌ بالرِّضا: أَي كَفِيل. وَقَالَ:
إنّ كَفِّي لكَ رَهنٌ بالرِّضا
أَي أَنا كفِيل لَك، ويَدِى لكَ رَهنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ الكَفَالة.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ أنّه أنْشدهُ:
والمَرْءُ مرهونٌ وَمن لَا يُخْتَرمْ
بعاجل الحتْفِ يُعَاجَلْ بالهَرَمْ
قَالَ: أَرْهَن: أدَام لَهُم، أرْهنتُ لَهُم طعامِي، وأَرْهَيْتُه: أَي أَدَمْتُهُ لَهُم. وأَرْهَى لكَ الأمرُ: أَي أَمكنَكَ، وَكَذَلِكَ أَوْهَبَ. قَالَ: والمَهْوُ والرَّهْوُ والرَّخَفُ وَاحِد وَهُوَ اللِّين.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: أَرْهَنْتُ فِي السِّلْعة: غالَيْتُ بهَا.

(6/147)


قَالَ: وَهُوَ من الغَلاء خَاصَّة، وَأنْشد قَوْله:
عِيدِيَّةٌ أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنانيرُ
أَي أُغْلِيَتْ، وَغَيره يقولُ: أسْلِفَت قَالَ: ورَهَنْتُ فِي البيْع والقَرْض بِغَيْر ألف، لَا غير. وأَرْهنْت وَلَدي إرْهاناً: أخطرتهم بِهِ خَطَراً وَقَول الله جلّ وعزّ: (فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ) (الْبَقَرَة: 283) ، قَرَأَ نافعٌ وَعَاصِم وَأَبُو جَعْفَر وشَيْبة: {فرِهان وَقَرَأَ أَبُو عَمرو وَابْن كثير: (فرهن) ، وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: الرِّهان فِي الْخَيل أَكثر.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الرَّاهِن: المهزول من الْإِبِل، وَالنَّاس. وَقَالَ قَعْنَبُ:
بَانَتْ سُعادُ وأَمْسَى دُونها عَدَنُ
وغَلِقَتْ عِنْدهَا من قَلْبك الرُّهُنُ
سَلمَة عَن الفرّاء: من قَرَأَ: (فرهن) ، فَهُوَ جمعُ رِهان، مثل ثُمُر جمعُ ثِمار.
وَقَالَ غَيره: رَهْن ورُهُن مثل سَقْف وسُقُف قَالَ: والرُّهُن فِي الرَّهُن أَكثر، والرِّهان فِي الْخَيل أكْثَر.
أَبُو عُبَيد، عَن الأمويّ: الرَّاهنُ: المهزول من الْإِبِل والنّاسِ، وأنشَد:
إمّا تَريْ جِسْمِيَ خَلاًّ قَدْ رَهَنْ
هَزْلاً ومَا مَجْدُ الرِّجال فِي السِّمَنْ
شمِرٌ، عَن ابْن شمَيل: الرّاهن: الأعجف من ركُوب أَو مرض أَو حَدَث، يُقَال: رُكِبَ حتّى رَهن.
رأَيتُ بخطِّ أبي بكر الإياديّ: جاريةٌ أُرْهُون: أَي حَائِض. قلت: لم أره لغيره.
نهر: قَالَ اللّيث: النَّهَر لغةٌ فِي النَّهر، والجميع نُهُر وأنهار. واستنهرَ النهرَ: إِذا أخَذَ لمجراه موضعا مَكيناً قَالَ: والمَنْهَرُ: مَوضِع النَّهر يحتفِره الماءُ.
قَالَ: وَالنَّهَار: ضِيَاء مَا بَين طُلُوع الفَجر إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَلَا يُجمع. ورجلٌ نَهِر: صاحبُ نَهَار.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مُّسْتَطَرٌ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ} (القَمَر: 54) أَي فِي ضياءٍ وسَعة.
قَالَ الفرّاء: وسمعتُ العربَ تُنْشِد:
إنْ تكُ لَيْلِيّاً فَإِنِّي نَهِرُ
مَتَى أَرَى الصُّبحَ فَلاَ أنتظِرُ
وَقَالَ: وَمعنى نَهِر: أَي صاحبُ نَهَار، لستُ بِصَاحِب ليل وأَنشَد:
لَوْلَا الثّرِيدانِ هَلكْنَا بالضُّمُرْ
ثَريدُ ليلٍ وثريدٌ وبالنُّهُرْ
قلتُ: النُّهُر: جمعُ النَّهَار هَاهُنَا.
قَالَ الفرّاء: وَقيل {الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ} (القَمَر: 54) ، مَعْنَاهُ أَنهار، كَقَوْلِه: {الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ} (القَمَر: 45) مَعْنَاهُ الأدبار. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق نَحوه. وَقَالَ: الِاسْم الْوَاحِد يدلّ على الْجَمِيع، فيُجتَزأ بِهِ من الْجَمِيع، وَيُقَال: أَنهَرَ بطَنُه: إِذا جَاءَ بطْنُه مِثلَ مَجيء النهَر، وأنهَرَ دَمُه: أَي سَالَ دَمُه.
وَقَالَ أَبُو الجرّاح: أنهَر بطْنُه، واسْتَطلَقَتْ عُقَدُه.
وَيُقَال: أنهَرتُ دَمَه، وأَمَرتُ دَمه، وَهَرَقْتُ دَمَه. وَيُقَال: طَعَنه طَعْنَةً أنهرَ فَتْقَها: أَي وَسَّعه، وَمِنْه قولُ قيس بن الخَطيم:

(6/148)


مَلكتُ بهَا كفِّي فأنهَرتُ فَتْقَها
يُرَى قائِماً مِن دُونها مَا وَرَاءها
وَأنْشد أَبو عُبيد قولَ أبي ذُؤَيْب:
على قَصَبٍ وفُراتٍ نَهِرْ
قَالَ شمِر: نَهِر: أَي وَاسع. والقَصَب: مَجَارِي المَاء من الْعُيُون.
قَالَ: وَالْعرب تُسَمِّي العَوَّاء والسِّماكَ الأنهَرَين لِكَثْرَة مائِهما.
ورَوَى المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: النَّهَار: اسمٌ، وَهُوَ ضدّ اللّيل، وَالنَّهَار: اسْم لكلّ يومٍ. والليلُ: اسْم لكلّ لَيْلَة؛ لَا يُقَال: نَهَار ونهاران، وَلَا ليلٌ وَلَا ليلان، إِنَّمَا واحدُ النَّهَار يومٌ، وتثنيتُه يَوْمَانِ، وضدُّ الْيَوْم لَيْلَة، وَجَمعهَا ليالٍ، قَالَ: وَرُبمَا وَضَعت العربُ النَّهَار فِي مَوضِع الْيَوْم، ثمّ جَمَعوه نهُراً، قَالَ الراجز:
ثَرِيدُ ليلٍ وثَرِيدٌ بالنُّهُرْ
وَقَالَ اللّيث: النهارُ: فرخُ القطاة، وَثَلَاثَة أَنهِرة.
وَقَالَ غَيره: النَّهَار: فَرخُ الحُبارَى، والنَّهْرُ: من الِانْتِهَار، يُقَال: نهَرْتهُ وانتهَرْته: إِذا استقبلتَه بكلامٍ تزجُرُه عَن خَبر.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: النَّهر: الدَّغْرَةُ، وَهِي الخُلسة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الكسائيّ: حَفرتُ الْبِئْر حتّى نهَرتُ، فَأَنا أَنهَرُ: أَي بلَغتُ المَاء. ونهرٌ نَهِرٌ: أَي واسعٌ، وَأنْشد:
على قَصَب وفُراتٍ نَهِرْ
وَقَالَ غَيره: الناهور: السَّحاب، وَأنْشد:
أَو شُقَّةٌ خرجت من جَوف ناهُورِ
هـ ر ف
هرف، فهر، فره، رفه، رهف: مستعملة
هرف: قَالَ اللَّيْث: الهَرْفُ: شِبْه الهذَيان من الْإِعْجَاب بالشَّيْء، يُقَال: هُوَ يَهرِف بفلان نهارَه كلَّه هرفا.
قَالَ: وَيُقَال لبَعض السِّباع: يَهرِف لِكَثْرَة صَوته.
وَفِي الحَدِيث: أنَّ رُفقةً جَاءَت وهم يهَرِفون بصاحبٍ لَهُم، وَيَقُولُونَ: مَا رَأينَا يَا رَسُول الله مثلَ فلَان، مَا سِرنا إِلَّا كَانَ فِي قِرَاءَة، وَلَا نزَلْنا إلاّ كَانَ فِي صَلَاة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: يَهرِفون بِهِ: يمدَحونه، ويُطنِبُون فِي ذكره، يُقَال مِنْهُ: هَرَفْتُ بِالرجلِ أَهرِف هَرْفاً، وَيُقَال فِي مثَلٍ: (لاَ تَهْرِف قبلَ أَن تَعرِف) .
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَرَفَ: إِذا هَذَى وهَقَى مِثلُه.
قَالَ: والهَرْف: مدحُ الرجلِ على غَير مَعرفة.
رهف: قَالَ اللَّيْث: الرَّهْف مصدر الشَّيْء الرَّهِيف، وَهُوَ اللَّطِيف الدَّقيق، والفعلُ قد رَهُفَ يَرْهُف رَهافةً، وقلَّما يُستَعمل إلاّ مُرْهَفاً، وأرْهَفْتُ السيفَ: إِذا رَقَّقتهَ، وسهمٌ مُرهَف، وَرجل مُرْهَف الْجِسْم: دَقيقٌ.
وَفِي الحَدِيث أَن عامرَ بن الطُّفَيل قدِم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُرهَف البَدَن. أَي لطيف الْجِسْم دَقيقه، يُقَال: رُهِف فَهُوَ

(6/149)


مَرْهوف، وأكثرُ مَا يُقَال: مُرهَف الْجِسْم، وَيُقَال: سيفٌ مُرهَف ورَهِيف، وَقد رَهَفْتَهُ وأَرهفتُه.
فره: قَالَ اللَّيْث: فَرُهَ الإنسانُ يَفرُه فَراهةً فَهُوَ فارهٌ بيِّن الفَراهةَ والفراهِيَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} (الشُّعَرَاء: 149) .
قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ حاذِقين، قَالَ: وَمن قَرَأَهَا (فَرِهين) فَمَعْنَاه أَشِرين بَطِرين، وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: من قَرَأَهَا: (فَرِهين) فتفسيره أَشِرِين بطرين قَالَ: والفَرِح فِي كَلَام الْعَرَب بِالْحَاء: الأشِر البَطِر، يُقَال: لَا تَفرَح أَي لَا تأشَر، قَالَ لله جلّ وعزّ: {لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ} (القَصَص: 76) ؛ فالهاء هَاهُنَا كَأَنَّهَا قَامَت مقَام الْحَاء.
قلت: وَسمعت الْأَعْرَاب من بني عُقيل يَقُولُونَ: جَارِيَة فارهةٌ، وَغُلَام فارِهٌ: إِذا كَانَا مَلِيحَي الوَجْه والجميع فُرْه، وَيُقَال بَرْذَنٌ فارِهٌ، وحمارٌ فارِهٌ، إِذا كَانَا سَيورَيْن، وَلَا يُقَال للفَرَس الْعَرَبِيّ: فاره وَلَكِن يُقَال فرسٌ جَواد، وخُطِّيءَ عَدِيُّ بن زيد فِي قَوْله ينعتُ فرسا فَقَالَ: (فارهاً مُتتابعاً) .
وَيُقَال: أفرَهَتْ فُلَانَة، إِذا جَاءَت بأولادٍ فُرْهَةٍ، أَي مِلاح.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي بَاب (نَفَقَة المماليك والجواري) : إِذا كَانَ لهنّ فَراهةٌ زِيد فِي كُسْوتهنّ ونفقتهِنّ، يُرِيد بالفَراهة الحُسن والمَلاحة.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: أَفْرَهَ الرجلُ: إِذا اتّخذ غُلَاما فارهاً. وَقَالَ: فارِهٌ وفُرْهٌ مِيزَانه نَائِب ونُوبٌ.
رفه: رُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهى عَن الإرْفاه.
قَالَ أَبُو عُبَيد فُسِّر الإرْفاه أَنه كَثْرَة التدهن. قَالَ: وَهَذَا من وِرْدِ الْإِبِل، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا وَرَدَت كلَّ يَوْم مَتَى مَا شَاءَت قيل: وَرَدَتْ رِفْهاً، قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبيدة، وَيُقَال: قد أَرْفَهَ القومُ: إِذا فَعلتْ إبلُهم ذَلِك، فهم مُرْفِهون. فَشبَّه كَثْرَة التدهن، وإدامتَه بِهِ. قَالَ لبيد يذكر نخلا نابتةً على المَاء:
يشْرَبن رِفْهاً عِراكاً غيرَ صادرَةٍ
فكلُّها كارِعٌ فِي المَاء مُغْتَمِرُ
قَالَ: وَإِذا كَانَ الرجل فِي ضيق فنفَّسْتَ عَنهُ قلتَ رفَّهْتَ عَنهُ تَرفيهاً.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الإرْفَاه: التنعُّم والدَّعَة ومُظاهرَةُ الطَّعام على الطَّعام، واللباس على اللِّباس، فَكَأَنَّهُ نَهى عَن التنعُّم فِعْلَ الْعَجم، وأَمَر بالتقشُّف، وابتذال النَّفس.
رَوَى أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو، يُقَال: هم فِي رَفاهةٍ ورَفاهيَة ورُفَهْنِيَةٍ: أَي فِي خِصبٍ وعيشٍ وَاسع. وَكَذَلِكَ الرَّفَاغة والرُّفَغْنِيَةُ.
ورَوَى ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَرْفَه الرجلُ: دَامَ على أكل النَّعيم كلَّ يَوْم، وَقد نُهِي عَنهُ. قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ الإرْفاه الَّذِي فَسَّره أَبُو عبيد أَنّه كَثرةُ التدهُّن. وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: أَرْفِه عِنْدِي واسْتَرفِهْ ورَفِّهْ عِنْدِي، واستنفه عِنْدِي وأَنفِه عِنْدِي، ورَوِّحْ عِنْدِي، الْمَعْنى: أقِم واسْتَرحْ واستجمَّ.

(6/150)


والعَرَب تَقول: إِذا سَقَطت الطَّرْفَهُ قَلَّتْ فِي الأَرْض الرَّفَهَة.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرَّفَهة: الرَّحْمَة.
قَالَ أَبُو ليلى: يُقَال: فلَان رافهٌ بفلانٍ: أَي راحمٌ لَهُ. وَيُقَال: أمَا اترفَهُ فُلاناً؟ الطَّرفة: عَيْنا الْأسد: كَوكَبان، الجبهةُ أمامهما، وَهِي أَرْبَعَة كواكب.
فهر: قَالَ اللّيث: الفِهْرُ: الحَجَرُ قدرُ مَا يكسر بِهِ جَوز أَو يُدَقُّ بِهِ شَيْء، قَالَ: وَعَامة الْعَرَب تؤنث الفهر، قَالَ: وتَصغيرها فُهيْرة.
وَقَالَ الْفراء: الفِهْر يذكَّر ويؤنَّث.
وَقَالَ اللَّيْث: قريشٌ كلهم يُنسَبون إِلَى وَلد فهر بن مَالك بن النَّضر بن كِنانَةَ.
وَفِي حَدِيث عليّ أَنه رأى قوما سدلوا ثيابَهم، فَقَالَ: كأنكم اليهودُ خَرجوا من فُهرهم.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله خَرجُوا من فُهرهم: هُوَ موضعُ مِدْراسهم الَّذِي يَجْتَمعُونَ فِيهِ كالعيد يصلُّون فِيهِ. قَالَ وَهِي: كلمة نبطية أَو عبرانية، أَصْلهَا بُهر فعربت بِالْفَاءِ وَقيل: فُهر.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَفهرَ الرجلُ إِذا خلا مَعَ جَارِيَته لقَضَاء حَاجته وَمَعَهُ فِي الْبَيْت أُخرى من جواريه فأكْسل عَن هَذِه: أَي أوْلَجَ وَلم يُنْزل، فَقَامَ من هَذِه إِلَى الْأُخْرَى فأَنزَل مَعهَا. وَقد نُهي عَنهُ فِي الْخَبَر. قَالَ: وأَفهر: إِذا كَانَ مَعَ جَارِيَته وَالْأُخْرَى تسمع حِسَّه وَقد نُهي عَنهُ. قَالَ: والعَرَبُ تسمي هَذَا: الفَهْر والوَجْس والرِّكْزَ والخَفْخَفَة.
قَالَ: وأَفهر الرجل: إِذا شهد الفهرَ، وَهُوَ عيدُ اليهودِ. وأَفهر: إِذا شهد مِدْرَاسَ الْيَهُود.
وأَفهر بعيرُه: إِذا أَبْدَع فأُبْدِع بِهِ.
وأَفهرَ: إِذا اجْتمع لحمُه زِيَماً زيماً وتكتَّل فَكَانَ مُعَجَّراً، وَهُوَ أقبح السِّمَن.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهى عَن الفَهَر، وَقد فسره ابْن الْأَعرَابِي، وَقَالَ غَيره: هُوَ من التفهير، وَهُوَ أَن يُحضِر الفَرَس؛ فيعتريه انقطاعٌ فِي الجَرْي من كلال أَو غَيره، وَكَأَنَّهُ مأخوذٌ من الإفهار، وَهُوَ الإكسال عَن الْجِمَاع.
قَالَ ابْن دُرِيد: نَاقَة فَيْهَرَةٌ: أَي صُلْبةٌ، فِي بعض اللُّغَات.
هـ ر ب
هرب، هبر، رهب، بره، بهر، ربه: مستعملة.
هرب: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول فِي نفي المَال عَن الرَّجُل: مَا لفُلَان هاربٌ وَلَا قاربٌ وَكَذَلِكَ مَاله سَعْنَةٌ وَلَا مَعْنَة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهارب: الَّذِي صَدَر عَن المَاء؛ وَمِنْه قَوْلهم: مَاله هارِبٌ وَلَا قَارب: أَي مَاله شَيْء، قَالَ: والقارب: الَّذِي يطْلب الماءَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْلهم: مَاله هاربٌ وَلَا قَارب. مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أحدٌ يهرب مِنْهُ،

(6/151)


وَلَا أحدٌ يقرُب مِنْهُ؛ أَي فَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء. أَبُو عبيد، عَنهُ فِي (الْأَمْثَال) .
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْلهم: مَاله هاربٌ وَلَا قاربٌ: أَي مَاله بعير يصدرُ عَن المَاء، وَلَا بعيرٌ يقرُب الماءَ.
وَيُقَال: هَرَب من الوَتدِ نصفُه فِي الأَرْض: أَي غَابَ، قَالَ أَبُو وَجْزَة:
ورُمَّةً نَشِبَتْ فِي هارِبِ الوَتَدِ
وساح فلانٌ فِي الأَرْض، وهرَب فِيهَا، قَالَ: وهرَب الرجلُ وهَرِم بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: أهْرَب الرجل إِذا جَدَّ فِي الذّهاب.
وَقَالَ اللَّيْث: الهرَب: الفِرار. يُقَال: جَاءَ فلانٌ مُهْرِباً: إِذا أتاكَ هَارِبا فَزِعاً. وفلانٌ لنا مَهْرَب.
وَقَالَ غَيره: أهرَب الرجُل: إِذا أَبعَد فِي الأَرْض، وأَهْرَب فلانٌ فلَانا: إِذا اضْطرَّه إِلَى الهَرب، وأَهربَت الرِّيحُ مَا على وجهِ الأَرْض من التّراب والقَميم وَغَيره: إِذا سَفَتْ بِهِ.
هبر: قَالَ اللَّيْث: الهَبْر: قَطْع اللَّحم، والهَبْرَة: نَحْضَةٌ مِن لحمٍ لَا عَظْمَ فِيهَا.
والهِبْرِيَة والإبْرِية: هِيَ نُخالة الرَّأْس.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: أعطيتُه هَبْرَةً من لحم: إِذا أعطَاهُ مُجتمِعاً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ البِضْعَة والفِدْرَة.
الحَرّانيّ، عَن ابْن السّكيت: ضَرْبٌ هَبْرٌ: أَي يُلقِي قِطْعَة من اللَّحْم إِذا ضَرَبه. وطَعْنٌ نَتْرٌ: فِيهِ اختلاس.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ الهَبْر: مَا اطْمَأَنّ من الأَرْض. وَأنْشد غَيره:
هُبورُ أَغْوَاطٍ إِلَى أَغْواطِ
شمِرٌ، عَن أبي عَمْرو: الهَبْر من الأَرْض أَن يكون مطمئنّاً وَمَا حوله أرفعُ مِنْهُ، وجمعُه هُبْر. قَالَ عَدِيّ:
جَعَل القُفَّ شمالاً وانتَحى
وعَلى الأيمنِ هُبْرٌ وبُرَقْ
وَيُقَال: هُبْرَة وهُبْر أَيْضا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: أهبَرَ الرجل: سَمِنَ سِمَناً حَسَناً.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: بعيرٌ أَهْبَرُ وهبِرٌ: أَي كثيرُ اللّحْم، وناقةٌ هبْراء وهَبِرَة.
وَقَالَ غَيره: اهتَبَره بِالسَّيْفِ: إِذا قطعه.
وَقَالَ اللّحيانيّ: يُقَال: لَا آتِيك هُبَيْرَة بنَ سعد، وَلَا آتِيك أَلْوَةَ هُبْيَرَةَ: ينصب على مَذْهَب الصِّفَات: أَي لَا آتيكَ أبدا. وَيُقَال: إنَّ أَصْلَه أنَّ سعدَ بنَ زيدِ مَناةَ عُمِّرَ طَويلا وكَبِر، فَنظر يَوْمًا إِلَى شائه وَقد أُهملَتْ وَلم تُرْعَ، فَقَالَ لابنِه هُبَيْرة: ارْعَ شاءك، فَقَالَ: لَا أَرْعاها سِنَّ الحِسْل: أَي أبدا، فَصَارَ مَثلاً. وَقيل: لَا آتِيك أَلْوَةَ هبَيرةَ.
وهُباريّةَ الرَّأسِ: نُخالَتُه، مِثل الهِبرِيَة، وريحٌّ هُبارِيّةٌ: ذاتُ غُبَار. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
هُباريةٌ هَوجاءُ موعدُها الضُّحَى
إِذا أَرْزَمَتْ جَاءَت بوَرْدٍ غَشَمْشَم
أَبُو عُبَيْدَة: من آذان الْخَيل أذُنٌ مُهَوْبَرةٌ وَهِي الَّتِي يَحتَشِي جَوفُها وَبَراً وفيهَا شعَر،

(6/152)


وتَكتسِي أَطْرافُها وَطُرَرُها أَيْضا الشَّعَر. وقلّما تكون إلاّ فِي رَوائد الْخَيل، وهِي الرَّوَاعي. والهَوْبَر والأَوبَر: الْكثير الوبَرِ من الإبلِ وغيرِها.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَوْبَر: القرد الْكثير الشَّعَر. والهُبَيْرَةُ: الضَّبُع الصَّغِيرَة.
وَيُقَال للكانُونَيْن: هما الهَبّاران والهَرَّاران.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للعنكبوت: الهَبُور والهَبُون.
وروَى سُفْيَان، عَن السدّيّ، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} (الفِيل: 5) .
قَالَ: الهبُّور. قَالَ سُفْيَان: وَهُوَ الذَّرُّ الصَّغِير.
ورَوَى أَبُو عوانَة، عَن عطاءٍ، عَن سعيد، عَن ابْن عبَّاس قَالَ: هُوَ الهَبُّور عُصافَةُ الزَّرع الَّذِي يُؤكل، وَقيل الهبُّور بالنَّبَطيّة: دُقاق الزَّرْع، والعُصافة مَا تَفتَّت من وَرَقِه، والمأكول: مَا أُخذ حَبُّه وَبَقِي لَا حَبَّ فِيهِ.
بهر: رُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا زَالَت أُكلةُ خَيْبَرَ تُعاودُني فَهَذَا أوانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي) .
قَالَ أَبُو عبيد: الأبْهَر: عِرْقٌ مُسْتبطِنُ الصُّلْبِ، والقَلْبُ مُتصلٌ بِهِ، فَإِذا انْقَطع لم يكن مَعَه حَيَاة، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
وللفؤاد وَجِيبٌ تحتَ أَبْهَرِه
لَدْمَ الغُلامِ وراءَ الغَيْب بالحجَرِ
وَفِي حَدِيث عمر أنّه رُفع إِلَيْهِ غلامٌ ابتهَرَ جَارِيَة فِي شعره، فَلم يُوجَد الثَّبَتُ، فَدَرَأَ عَنهُ الحَدَّ. قَالَ أَبُو عبيد: الابتهار: أَن يقذفها بنفسِه، فَيَقُول: فعلتُ بهَا، كاذِباً، فَإِن كَانَ فَعَل فَهُوَ الابتيار.
وَقَالَ الكُمَيْت:
قَبِيحٌ بِمِثْلِيَ نَعْتُ الفتا
ةِ إِمَّا ابتهاراً وإمَّا ابتيَاراً
وَقَالَ شمر: البَهْر: التَّعْس قَالَ: وَهُوَ الهلاَك.
قَالَ: وَيُقَال: ابتهَرَ فلانٌ: إِذا بالَغ فِي الشَّيْء، وَلم يَدَع جُهْداً.
وَيُقَال: ابتهَرَ فِي الدُّعَاء: إِذا تَحوَّب وجَهِد. وابتهَرَ فلانٌ فِي فلَان ولِفُلان: إِذا لم يَدَع جَهْداً ممَّا لفُلَان أَو عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ يُقَال: ابتهَلَ فِي الدُّعاء، وَهَذَا ممّا اعتقب فِيهِ اللاّم وَالرَّاء.
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: ابْتَهَر فِي الدعاءِ: إِذا كَانَ يَدْعُو كلَّ سَاعَة لَا يَسْكت. وابتُهِرَ يُشبِّب بِامْرَأَة: إِذا كَانَ لَا يُفرّط عَن ذَلِك، وَلَا يُثْجَى. قَالَ: لَا يُثْجى: لَا يُسْكَتُ عَنهُ.
قَالَ: وأنشدت عَجوز من بني دارِمٍ لشيخٍ من الحيِّ فِي قعيدته:
وَلَا يَنامُ الضَّيْفُ من حِذَارِها
وقولِها الباطِلَ وابتهارِها
وَقَالَ: الابتهار: قَول الكذِبِ، والحَلِفُ عَلَيْهِ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبْهَرَ: إِذا جَاءَ بالعَجب. قَالَ: والبَهْرُ: العَجب.

(6/153)


وأبْهَرَ: إِذا اسْتغنى بعد فَقْر.
وأَبْهَرَ: تزوّج سَيِّدةً، وَهِي البهيرة، يُقَال: فلانةُ بَهِيرةٌ مَهيرة.
وأَبهرَ: إِذا تلوَّن فِي أخلاقه: دَماثةً مرَّة، وخُبثاً أخْرى.
قَالَ: والبَهْرُ: الغَلَبة. والبَهْر: المَلْءُ. والبَهْر: البُعْدُ، والبَهْرُ: المباعدة من الْخَيْر، والبَهْرُ الخيْبة. والبَهْر: الفَخْر، وَأنْشد بَيت عمرَ بن أبي ربيعَة:
ثمَّ قَالُوا: تُحبُّها قلتُ: بَهْراً
عَدَدَ القَطْرِ والحصَا والتُّرابِ
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: يجوز أَن يكون جَمِيع مَا قَالَه ابْن الْأَعرَابِي فِي وُجُوه البَهْر أَن يكون معنى لما قَالَه عُمر، وأحْسنها العَجَب.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَار لَيْلَة حتّى ابهارَّ الليلُ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصمعيّ: قَوْله ابهارَّ الليلُ، يَعْنِي انتَصَف، وَهُوَ مَأْخُوذ من بُهْرة الشَّيْء، وَهُوَ وَسَطُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضّرير: ابهِيرَارُ اللَّيْل: طلوعُ نُجومه إِذا تَتامَّت، لأنّ اللّيل إِذا أقبَل أقبلتْ فَحْمتُه، فَإِذا استنارَتْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الفحمة.
وَقَالَ غَيره: بُهِرَ الرجُل: إِذا عَدَا حَتَّى غَلَبَه البُهْر، وَهُوَ الرَّبْو، فَهُوَ مَبْهُور وبَهير.
وَقَالَ اللَّيْث: امرأةٌ بَهِيرَةٌ، وَهِي القصيرة الذَّليلة الْخِلْقة.
وَيُقَال: هِيَ الضعيفَةُ المَشْي. قلت: هَذَا تَصْحِيف، وَالَّذِي أَرَادَهُ اللَّيْث: البُهتُرة بِمَعْنى القصيرة، وَأما البهِيرَة من النِّساء فَهِيَ السّيِّدة الشَّريفة، وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا ثقُل أردافُها فَإِذا مَشَتْ وَقع عَلَيْهَا البُهْر والرَّبو: بَهِير. وَقَالَ الْأَعْشَى:
تَهادَى كَمَا قد رأَيْتَ البَهيرَا
ورُوِي عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أنّه قَالَ: إنّ ابْن الصَّعْبة وَهُوَ طَلْحَة بن عُبيد الله ترك مائَة بُهار، فِي كل بُهار ثَلَاثَة قناطير من ذهب وَفِضة.
قَالَ أَبُو عبيد: بُهارٌ أحسَبها كلمة غيرَ عربيَّة، وأراها قبطيَّة.
قَالَ: والبُهار فِي كَلَامهم: ثَلاثُمائة رِطل. قلت: وَهَكَذَا رَوَى سَلَمة عَن الْفراء: قَالَ البُهار ثلاثُمائة رِطل. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: والمُجَلَّدُ: سِتّمائة رِطل.
قلت: وَهَذَا يدلّ على أَن البهار عربيّ، وَهُوَ مَا يُحمل على الْبَعِير بلُغة أهل الشَّام.
وَقَالَ بُريْقٌ الهذَليّ يصف سحاباً ثقيلاً:
بمُرتَجِزٍ كأنَّ على ذُراه
رِكابَ الشأْمِ يَحمِلنَ البُهارا
قَالَ القُتَيبيُّ: كَيفَ يُخلِّف فِي كل ثلثمِائة رَطْلٍ ثَلَاثَة قناطير؟ ولكنّ البُهارَ الحِمْلُ، وَأنْشد الْبَيْت للهُذَليّ. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله: (يحملن البهارا) يحملن الْأَحْمَال من مَتاع الْبَيْت. وَأَرَادَ أنّه ترك مائَة حِمْل مالٍ، مِقْدَار الْحمل مِنْهُ ثَلَاثَة قناطير. قَالَ: وَالْقِنْطَار مائَة رَطْلٍ، فَكَانَ كلّ حمل مِنْهَا ثَلَاثمِائَة رَطل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَهار لَبَب الفَرَس.

(6/154)


قَالَ: والبِهار: المُفاخرة.
وَيُقَال: بَهَر فلانٌ فلَانا: إِذا علاهُ وغَلَبه، وقمرٌ باهِر: إِذا علا الكَواكِب ضوءُه، وَأنْشد أَبُو عبيد:
وَقد بَهَرْتَ فَمَا تَخفى على أَحدٍ
إلاّ على أحدٍ لَا يَعرِف القَمَرَا
أَي علوتَ كلَّ من يُفاخِرُكَ، فظهرتَ عَلَيْهِ.
وَيُقَال لليالي البِيض: بُهْرٌ، جمع باهِر، وَيُقَال: بُهَر بِوَزْن ظُلَم جمع بُهْرة، وكلّ ذَلِك من كَلَام الْعَرَب.
وبَهْراءُ: حيٌّ من قُضاعة.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال لأَرْبَع رِيشاتٍ من مُقَدَّمِ الْجنَاح: القوادِمُ؛ ولأرْبع يليهنّ: المناكبُ؛ ولأربع يَليهنّ بعد المَناكِب: الخوافي؛ ولأربع بعد الخوافي: الأباهِرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: البُهار: شَيْء من الْآنِية كالإبريق، وأَنشد:
على العلياءِ كُوبٌ أَو بُهار
قلت: لَا أَعْرِف البهار بِمَعْنى الْآنِية.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي. العَرارُ: بَهارُ البرّ.
قلت: العَرار: الْحَنوَة، كأنّ البَهارَ فارسيّة.
وَقَالَ اللَّيْث: الأبهَرُ مِنَ القوْسِ: مَا دُونَ الطَّائِف.
وروى أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: فِي الْقوس كَبِدُها، وَهُوَ مَا بَين طرَفَي العِلاقة، ثمَّ الكُلْية تَلِي ذَلِك، ثمَّ الأبهَرُ يَلِي ذَلِك، ثمَّ الطَّائِفُ، ثمَّ السِّيَةُ، وَهُوَ مَا عُطِفَ من طَرَفَيها.
وَقَالَ شمر: بَهَرتُ فلَانا: إِذا غلبتَه ببَطْش أَو لِسَانٍ.
وبَهَرْتُ البَعِيرَ: إِذا مَا ركَضْتَه حَتَّى يَنْقَطِع. وَقَالَ ابْن قَتَادَة:
أَلا يَا لقومي إِذْ يبيعون مُهجتِي
بجاريةٍ بَهْراً لهمْ بعدَها بَهْراً
وَيُقَال: رأيتُ فلَانا بَهْرَةً: أَي جَهْرةً عَلاَنية، وَأنْشد:
وَكم مِنْ شُجاعٍ بادَرَ الموتَ بَهْرَةً
يَمُوتُ على ظَهرِ الفِراشِ ويَهْرَمُ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البُهْر: تكلُّف الجَهْدِ إِذا كُلِّف فَوق ذَرْعه، يُقَال: بَهَرَهُ إِذا قطع نَفسَه بضَرْبٍ أَو خَنْقٍ، أَو مَا كَانَ، وَأنْشد:
إِن البَخيلَ إِذا سأَلْتَ بَهَرْتَه
رهب: قَالَ اللَّيْث: رَهِبْتُ الشيءَ رَهَبا ورهْبَةً: أَي خِفْتُه، وأَرْهَبْتُ فلَانا.
قَالَ: والرَّهْبَانيَّة: مصدر الراهب. والترهُّبُ: التَّعَبُّد فِي صَوْمَعة. والجميع الرُّهبان، والرَّهابِنة خطأ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الرُّهبانُ يكونُ وَاحِدًا وجَمعاً، فَمن جعله وَاحِدًا جَعَله على بِنَاء فُعلان، وَأنْشد فِي ذَلِك:
لَو عاينَتْ رُهبانَ دَيْرٍ فِي القُلَل
لانحدَرَ الرُّهبان يَمشِي ونَزَلْ
قَالَ: ووجهُ الْكَلَام أَن يكون جَمعاً بالنّون. قَالَ: وَإِن جَمَعْتَ الرُّهبانَ الواحدَ رَهابِينَ ورهابِنَة جَازَ. وَإِن قلت: رهبانيُّون كَانَ صَوَابا. وأصلُ الرَّهبانيَّة من الرَّهبة،

(6/155)


ثمَّ صَارَت اسْما لِما فَضَل عَن الْمِقْدَار وأَفرَط فِيهِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ} (الحَديد: 27) .
قلت: وَمعنى هَذِه الْآيَة عَوِيص.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: يَحتمل مَعْنَاهَا ضَرْبينِ: أحدُهما أَن يكون الْمَعْنى فِي قَوْله: {وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً} وابتَدعُوا رَهبانيّةً ابتَدَعوها، كَمَا تَقول: رأَيتُ زيدا وعَمْراً أَكْرَمْتُه. قَالَ: وَيكون {ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا} مَعْنَاهَا: لم تُكْتَبْ عَلَيْهِم البتّةَ، وَيكون {عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ} بَدَلا من الْهَاء وَالْألف، فَيكون الْمَعْنى: مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِم إلاّ ابتغاءَ رِضْوان الله، وابتغاءُ رِضْوان الله اتِّباعُ مَا أَمَر بِهِ، فَهَذَا وَالله أعلم وَجْهٌ، وفيهَا وجْهٌ آخرُ: {وَرَهْبَانِيَّةً} جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنهم كَانُوا يَرون من مُلوكهم مَا لَا يصبرون عَلَيْهِ، فاتّخَذَوا أسراباً وصَوامِع، وابتَدعوا ذَلِك، فلمّا ألْزَموا أنفسهم ذَلِك التَّطَوُّعَ، ودخلوا فِيهِ لزِمَهم تمامُه، كَمَا أنَّ الْإِنْسَان إِذا جعَل على نفسِه صَوْماً لم يُفترَضْ عَلَيْهِ لزِمه أَن يُتمِّمَه، وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {غَيْرِ سُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} (القَصَص: 32) ، فإنَّ أَبَا إِسْحَاق قَالَ: يُقَال: من الرُّهْب والرَّهَب، إِذا جُزِمَ الهاءُ ضُمَّ الرَّاء، وَإِذا حُرِّكَ الهاءُ فُتح الرَّاء، ومعناهما وَاحِد مثل الرُّشْد والرَّشَد.
قَالَ: وَمعنى {جَنَاحَكَ} هَاهُنَا يُقَال: العَضُد وَيُقَال: اليدُ كلُّها جَناح.
قلت: وَقَالَ مُقاتلٌ فِي قَوْله: من الرَّهَب: الرَّهَبُ كُمُّ مِدْرَعَتِه.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لكُمِّ الْقَمِيص: القُنُّ، والرُّدْنُ، والرَّهَب، والْخِلاف.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أَرْهبَ الرجلُ: إِذا أَطَالَ رَهَبَه: أَي كُمَّه.
قَالَ وأرْهب إِذا رَكِب رَهْباً، وَهُوَ الْجمل العالي.
قلت: وأكثرُ النَّاس ذَهَبُوا فِي تَفْسِير قَوْله: {غَيْرِ سُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} (القَصَص: 32) أنّه بِمَعْنى الرّهبة، وَلَو وَجدتُ إِمَامًا من السَّلف يَجْعَل الرَّهَب كُمّاً لذهبت إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيح فِي الْعَرَبيَّة، وَهُوَ أَشْبه بسياق الكلامِ والتفسيرِ، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وَيُقَال: استَرهبتُه وأرهبْتُه بِمَعْنى وَاحِد. وترهَّبَ الرجلُ: إِذا صَار رَاهِبًا يَخْشَى الله. قَالَ الله: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعرَاف: 116) أَي: أَرْهبوهم. وترهبَ غيرَه: إِذا توعَّدَه، وَقَالَ العجّاج يصف عَيْراً وأُتُنَه:
تُعْطِيه رَهباها إِذا تَرَهَّبا
على اضطِمارِ الكَشْحِ بَوْلاً زَغْربا
عُصارةَ الجَزءِ الَّذِي تَحَلَّبا
رَهْباها: الَّتِي تَرهبُه، كَمَا يُقَال هالكٌ وهَلْكَى.
إِذا ترهبا: إِذا تَوَعَّدَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّهْب جَزْمٌ: لُغة فِي الرَّهَب. قَالَ: والرَّهْباء: اسمٌ من الرَّهَب: تَقول: الرَّهْباءُ من الله، والرَّغْباء إِلَيْهِ.

(6/156)


وَقَالَ شمر: تَقول الْعَرَب: رَهبُوت خيرٌ من رَحَمُوت. قَالَ: وَالْمعْنَى لأَن تُرْهَب خيرٌ مِن أَن تُرحَم.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّهابةُ: عُظَيْمٌ فِي الصّدر مُشْرِفٌ على البَطن، كأنّه طرَفُ لِسَان الْكَلْب.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الرَّهابةُ: طَرَف المعِدة. قَالَ: والكُلْكُل: طرَفُ الضِّلَع الَّتِي تُشْرِف على الرَّهابة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَصِّ الصّدر رَهابتُه، قَالَ: وَهُوَ لِسَان القَصِّ من أسفَل. قَالَ والقَصُّ: مُشاشٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: ناقةٌ رَهْب، وَهِي المَهزولة جِدّاً، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وأَلْوَاحُ رَهْبٍ كأنَّ النُّسُو
عَ أَثْبَتْنَ فِي الدَّفّ مِنْهَا سِطارا
وأمّا قَوْله فِي قصيدةٍ أُخْرَى:
وَلَا بُدَّ مِن غزوَةٍ بالمَصِي
ف رَهْبٍ تُكِلُّ الوَقاحَ الشَّكُورا
فإنَّ الرَّهْبَ من نعت الغَزْوة، وَهِي الَّتِي كَلَّ ظهرُها وهُزِل.
وَحكي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: رهَّبَتْ ناقةُ فلانٍ، فَقعدَ عَلَيْهَا يُحايِيها: أَي جَهَدَها السيرُ فَعلَفَها، وأحْسَنَ إِلَيْهَا حَتَّى ثَابت إِلَيْهَا نفسُها.
وَقَالَ اللَّيْث: رَهبَى: مَوْضع.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الرِّهاب: الرِّقاق من النِّصال، واحدُها رَهْب، وَأنْشد:
بِيضٌ رِهَابٌ ومُجْنَأٌ أُجُدُ
قَالَ: وناقةٌ رَهْبٌ: ضامِر
قَالَ أَبُو عُبيد فِي بَاب (الْبَخِيل يُعْطي من غير طبعِ جُودٍ) : قَالَ أَبُو زيد: يُقَال فِي مثل هَذَا: رَهْبَاك خيرٌ من رَغْباك. يَقُول: فَرَقُهُ مِنْك خير من حُبِّه، وأَحْرَى أَن يُعطِيَكَ عَلَيْهِ. وَمثله: الطَّعنُ يَطأَرُ.
وَقَالَ غيرُه: يُقَال فعلتُ ذَلِك من رُهبَاك: أَي من رَهبتَك، والرُّغْبَى؛ الرَّغْبَة. وَقَالَ: يُقَال: رُهباك خيرٌ من رُغباك، بِالضَّمِّ أَيْضا فيهمَا.
ربه: أهمله اللَّيْث.
ورَوى ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أَرْبَهَ الرجُلُ: إِذا استَغنى بتعبٍ شَدِيد.
بره: أَبو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: بَرِهَ الرجلُ: إِذا ثاب جسْمُه بعد تغيُّرٍ من عِلَّة.
قَالَ: وأَبْرَه الرجل: غَلَبَ الناسَ، وأتى بالعجائب.
وَقَالَ اللّيث: البُرْهان: الحجّة، وإيضَاحُها.
قلتُ: وَنون البُرْهان لَيست أصليّة، وقولُهم: بَرْهَن فلانٌ: إِذا جَاءَ بالبُرْهان، مُوَلَّد، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَبْرَه: إِذا جَاءَ بالبُرْهان كَمَا قَالَه ابْن الأعرابيّ إِن صحّ عَنهُ، وَهِي فِي رِوَايَة أبي عَمْرو، وَيجوز أَن تكون النُّون فِي البُرْهان نون جمعٍ على فُعْلاَن، ثمّ جُعلت كالنُّون الأصليّة، كَمَا جمعُوا مُصَاداً على مُصْدَانٍ، ومَصيراً عَلَى مُصْرانٍ، ثمّ جَمَعُوا مُصرانَ على مَصَارين، على توهّم أنّها أصليّة.

(6/157)


وَقَالَ اللّيث: أبْرَهة: اسْم أبي يَكْسُومَ مَلكِ الحَبَشةِ الّذي ساقَ الفِيلَ إِلَى البَيْتَ فَأَهلكَه الله.
قَالَ: والبَرَهْرَهة: الْجَارِيَة الْبَيْضَاء قَالَ: وبَرَهُها: تَرارَتُها وبَضَاضَتها.
قَالَ: وتصغير بَرَهْرَهة بُرَيْهَةَ. ومَن أَتمَّها قَالَ: بُرَيْرِهة وأمّا بُرَيْهِرَهةٌ فقبيحة قلّما يُتكلَّم بهَا.
أَبُو عُبَيد، عَن الأصمعيّ: البَرَهْرَهَة: الّتي كَأَنَّهَا تُرْعَدُ من الرّطوبة.
شمر، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: البَرَهْرَهة: الَّتِي لَهَا بَريق من صَفائِها.
وَقَالَ غيرُه: هِيَ الرقيقة الجِلد، كأنّ المَاء يَجري فِيهَا من النَّعْمة. قلتُ: ومعنَى أقاويلِهم مُتَقَارب.
أَبُو عُبيد: البُرْهة: الزَّمان، يُقَال: أقمتُ عندَه بُرهةً من الدَّهر، كَقَوْلِك: أقمتُ عِنْده سَبَّةً من الدَّهر.
وَقَالَ ابْن السكّيت: أقمتُ عِنْده بُرهة من الدَّهر وبَرهة من الدَّهْر.
وَقَالَ غيرُه: يُصغَّر إِبْرَاهِيم بُرَيها، وَذَلِكَ أنّ الْمِيم عِنْده زَائِدَة، وَبَعْضهمْ يَقُول: بُرَيْهِيم.
هـ ر م
هرم، همر، مره، مهر، رهم: مستعملة.
هرم: قَالَ اللَّيْث: هَرِمَ يَهرَم هَرَماً ومَهْرَما، ونساءٌ هَرْمَى وهَرِمات.
والهَرْم: ضَربٌ من النّبات فِيهِ مُلُوحة، وَهُوَ من أَذَلّ الحَمْض وأشدِّه استبطاحاً على وَجه الأَرْض. وَقَالَ زُهير:
ووَطِئتَنا وَطأ عَلَى حَنَقٍ
وَطْءَ المُقيَّد يابِسَ الهرمِ
والواحدة هَرمة؛ وَهِي الّتي يُقَال لَهَا: حَيْهَلَة، وَيُقَال فِي مَثلٍ: (أذَلُّ من هَرمة) . قَالَ: وَابْن هِرمة، وَابْن عِجْزة: آخرُ وَلَد الشَّيخ والشَّيخة، يُقَال: وُلِدِ لِهرمة. وَيُقَال للبعير إِذا صَار قَحْداً: هَرِمٌ وَالْأُنْثَى هَرِمة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: والكَزُوم الهَرِمة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من الهرَم.
وَقَالَ شمِر: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا عِنْده هُرمانَةٌ، وَلَا مَهرَم: أَي مَطمَع.
قَالَ: ورَوَى أبُو عُبَيد، عَن الأمويّ أنَّه قَالَ: الهُرمانُ. العَقْل، والرّأَيُ، يُقَال: مَاله هُرمانٌ.
قلت: وسمعتُ غير وَاحِد من العَرب يَقُول: هَرَّمتُ اللَّحمَ تهريماً: إِذا قطّعتَه قِطعاً صغَارًا مثل الحُزَّة، والوذْرة، ولحمٌ مُهرَّم.
همر: قَالَ اللَّيْث: الهَمْر: صَبُّ الدمع والماءِ والمطرِ، وهَمَر الماءُ، وانهمر فَهُوَ هامِرٌ ومُنهَمِر، والفَرس يَهمِرُ الأرضَ هَمْراً: وَهُوَ شدّةُ حَفْرِه الأرضَ بحوافره.
وَقَالَ العجّاج:
عَزَازَهُ وينهَمرن مَا انْهمَرَ
وَقَالَ الآخر:
من الرَّمال هَمِرٌ يَهمُورُ
وَقَالَ:
يُهامِرُ السَّهلَ ويُولِي الأخْشَبا
قَالَ: والهَمّار: النَّمّام. قلت: الصَّوَاب الهماز بالزاي بِمَعْنى النمام العَيّاب، وأمَّا

(6/158)


الهمَّار، والمِهمار فَهُوَ المِكثار الّذي يَهمِر الكلامَ هَمْراً، أَي يَصُبُّه صَبّاً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَمْرَى: الصَّخّابة من النّساء.
قَالَ: والهُمْرة: الدُّفعة من المَطَر.
والهَمْرة: الدَّمْدَمَة.
والهَمْرَة: خَرَزَةُ الحُبّ، يُقَال: يَا هَمْرةُ اهْمُرِيه، وَيَا عَمْرة اعمُرِيه. قَالَ: والهَمْرة: الدَّمدَمة بغضب.
رهم: قَالَ اللَّيْث: الرِّهمة: مَطْرة ضَعِيفَةٌ دائمةٌ وجمعُها رِهَم ورِهام، وروضة مرهومَةٌ قَالَ الأزهريّ: وَنَحْو ذَلِك قَالَ الأصمعيّ فِي الرِّهمة.
وَقَالَ اللّيث: الرُّهام من الطير: كلُّ شَيْء لَا يَصطاد.
وَقَالَ غَيره: جَمعُه الرُّهم، وَبِه سُمِّيت الْمَرْأَة: رُهْماً، وَقيل وَاحِدَة الرُّهام رُهامة. قلت: وَلم أسمع الرُّهامَ لغيره. وَأَرْجُو أَن يكون مضبوطاً.
أَبُو زيد: الرِّهْمة أشدُّ وَقْعاً من الدِّيمة، وأَسرعُ ذَهَابًا، وَقد أَرهمَت السماءُ إِرهاماً.
مهر: قَالَ اللَّيْث: المَهْر: الصَّداق، تَقول: مَهَرتُ المرأةَ فَهِيَ ممهورةٌ: إِذا قطعتَ لَهَا مَهراً، فَإِذا زوَّجتها رَجُلا على مهر قلتَ: أمهرَها.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: مَهرتُ الْمَرْأَة أمهرُها مَهْراً، وأمهرتُها، وَأنْشد:
أُخِذْنَ اغتِصاباً خِطْبةً عَجْرَفِيَّةً
وأُمهرنَ أرمَاحاً منَ الخَطّ ذُبَّلا
وَمن أمثالهم السائرة (أحمَقُ من المَمهورة إِحْدَى خَدمَتَيْها) ، يُضرَب مَثَلاً للأحمق الْبَالِغ من الحُمق النِّهَايَة، وَذَلِكَ أَن رجُلاً تزوَّج امْرَأَة، فلمّا دخل عَلَيْهَا قَالَت: لَا أطيعُك أَو تُعطيَني مهري، فنَزَع إِحْدَى خَدَمَتَيْها من رِجلها ودَفعها إِلَيْهَا، فَرَضِيت بهَا مهْرا لحُمقها.
اللَّيْث: امْرَأَة مَهِيرةٌ: غاليَة المَهر، والمهائر: الحرائِرُ، وهنّ ضدَّ السّرَارِي.
قَالَ اللَّيْث: والمُهْرُ: وَلَد الرَّمَكَةِ والفَرس، وَالْأُنْثَى مُهْرة، والجميع مِهارٌ ومِهارَة وَمِنْه قَوْلهم: لَا يَعْدَمُ شَقِيٌّ مُهَيْراً، يَقُول: من الشّقَاءِ مُعَالَجَةُ المِهارة.
والماهر: الحاذق بكلّ عمل، وأكثرُ مَا يُوصف بِهِ السَّابحُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
مثل الفُراتيِّ إِذا مَا جَرَى
يقذف بالبُوصِيِّ والمَاهرِ
وَيُقَال: مَهَرتُ بِهَذَا الْأَمر أمهَرُ بِهِ مهارةً: إِذا صرتَ بِهِ حاذِقاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: لم تُعطِ هَذَا الأمرَ المِهَرَة أَي لم تأته من قِبَل وَجهه، وَيُقَال أَيْضا: لم تأت إِلَى هَذَا الْبناء المِهَرة: أَي لم تأته من قِبل وَجهه. وَلم تبنه على مَا كَانَ يَنْبَغِي سَلَمة، عَن الْفراء قَالَ: تَحت الْقلب عُظَيم يُقَال لَهُ: المُهْر، والزِّرّ، وَهُوَ قِوام القَلب.
وأُمَّ أَمهارٍ: اسْم هَضْبة. قَالَ الرَّاعِي:
مَرَّت على أمِّ أَمهارٍ مُشَمِّرةً
تَهوِي بهَا طُرُقٌ أوسَاطها زُورُ
وَأما قَول أبي زُبَيْد فِي صفة الْأسد.

(6/159)


أقبل يَرْدِي كَمَا يَردِي الحِصَانُ إِلَى
مُسْتعْسِبٍ أَرِبٍ مِنْهُ بتَمهيرِ
فَإِنَّهُ وصف أسداً أَقبل كَأَنَّهُ حِصَانٌ جَاءَ إِلَى مُسْتعسب، وَهُوَ المُسْتطْرِق لأنثاه. أَرِبٍ: ذِي إرْبة: أَي حَاجَة. وَقَوله: بتمهير: أَي بطَلب مُهْر واتخاذه وَيُقَال للفرسة: المُهْرَة، وَمَا أُراه عَرَبيّاً.
مره: قَالَ اللَّيْث: المَرَه: ضدُّ الكَحَل. يُقَال: امرأَةٌ مَرْهاء: لَا تتعهَّدُ عينهَا بالكُحل. وسرابٌ أَمْرَهُ: أَي أَبيض، وَأنْشد:
عَلَيْهِ رَقْراقُ السَّرابِ الأمْرَهِ
قَالَ الْأَزْهَرِي: المَرَه، والمُرْهَةُ: بياضٌ تَكرَهُه عَينُ النَّاظر، وعينٌ مَرْهاءُ إِذا كَانَت تضرِب إِلَى الْبيَاض.
وَقَالَ أَبُو زيد: المرهاء من النِّعاج: الْبَيْضَاء الَّتِي لَيْسَ بهَا شِيَةٌ، وَهِي نعجة يَقَقَةٌ.

(أَبْوَاب الْهَاء وَاللَّام)
هـ ل ن
اسْتعْمل من وجوهه: نهل، لَهُنَّ.
نهل: وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَنهلْتُ الإبلَ: وَهُوَ أول سَقْيكَها وَقد نَهلَتْ هِيَ: إِذا شَرِبت فِي أول الوُرودِ.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أَورَد إبلَه الماءَ؛ فالسَّقيَةُ الأولى النَّهَل، وَالثَّانيَِة العَلَل.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: الناهل فِي كَلَام الْعَرَب: العَطشان. والناهل: الَّذِي قد شَرِب حَتَّى رَوِي، وَالْأُنْثَى ناهلة، وَأنْشد:
ينهل مِنْهُ الأَسَلُ الناهلُ
أَي يروَى مِنْهُ العطشان.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد: ينهل مِنْهُ أَي يشرَب الأسلُ الشَّارِب.
قَالَ: والناهل هَهُنَا: الشَّارِب. وَإِن شئتَ كَانَ العطشان.
قلت: وَقَول جرير يدلّ على أَن العِطاش تسمى نِهالاً، وَهُوَ قَوْله
وأخوهما السَّفَّاحُ ظَمَّأ خيَلَه
حَتَّى وَرَدنَ جَبَا الكُلابِ نِهالا
وَقَالَ عَميرةُ بنُ طَارق فِي مثل ذَلِك.
فَمَا ذُقتُ طعم النَّوم حَتَّى رأيتُني
أُعارِضهم وِردَ الخِماسِ النواهل
قَالَ اللَّيْث: المنهل: المورد حَتَّى صَارَت منازلُ السُّفَّار على الْمِيَاه مناهل.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال: ناهلٌ ونَهَل، مثل خادِم وخَدَم، وغائب وغَيَب، وحارِس وحَرَس، وقاعد وقَعَد والمِنهال: الرجلُ الْكثير الإنهال.
قَالَ: والناهلة: الْمُخْتَلفَة إِلَى المنهل، وَكَذَلِكَ النَّازِلَة، وَأنْشد:
وَلم تُراقب هُنَاكَ ناهلةَ ال
وَاشِينَ لما اجْرهَدَّ ناهلُها
وَقَالَ أَبُو مَالك: المناهل: هِيَ المنازِل على المَاء.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: المِنهال: القَبر، والمنهال: الغايةُ فِي السَّخاء. والمنهال: الْكَثِيب العالي الَّذِي لَا يتماسك انهياراً.
قلت: الْمنْهَال بِضَم الْمِيم أشبَه بتفسيره من انهال.

(6/160)


فِي حَدِيث الدَّجّال: (إِنَّه ليَرِدُ كلَّ مَنهل) .
قَالَ شمر: قَالَ خالدٌ الغَنَوِيّ: المَنهل: كلُّ ماءٍ يطؤُه الطَّريق، مثل الرُّحَيل والحَفِير والشجِيّ والخَرْجا.
قَالَ: وَمَا بَين المناهل: مَراحِل.
قَالَ: وكلُّ ماءٍ على غير طريقٍ فَلَا يُدْعَى مَنْهلا، وَلَكِن يُقَال. ماءُ بَنِي فلَان.
وَيُقَال: من أَيْن نَهِلْتَ اليومَ؟ فَيَقُول: بماءِ بني فلَان، وبمنْهل بني فلَان، وَقَوله: أَيْن نَهِلْتَ؟ مَعْنَاهُ أَيْن شَرِبتَ فَرَوِيتَ؟ وَأنْشد:
مَا زَالَ مِنْهَا ناهِلٌ ونائبُ
فالنَّاهل: الَّذِي رَوِي فاعْتَزَل، والنائب: الَّذِي يَنُوب عَوْداً بعد شُرْبها؛ لِأَنَّهَا لم تُنْضَح رِيّاً.
لَهُنَّ: قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال للطعام الَّذِي يُتعَلّل بِهِ قبلَ الْغَدَاء: السُّلْفة واللُّهْنة، وَقد لَهْنّتُ لَهم، وسَلَفْت لَهُم.
وَيُقَال: سَلَفْتُ القومَ أَيْضا. وَقد تَلَهَّنْتُ تَلَهُّناً.
هـ ل ف
اسْتعْمل من وجوهه: هلف، لهف، فَهَل.
هلف: قَالَ اللَّيْث: الهِلَّوْف: اللِّحْية الضَّخمة والهِلَّوْف: الرَّجُل الكذوب.
أَبُو عبيد، عَن الأمويّ قَالَ: إِذا كبر الرجلُ وهَرِمَ فَهُوَ الهِلَّوْف.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهِلَّوْف: الثّقيل البطيء الَّذِي لَا غَنَاء عِنْده، وَأنْشد:
وَلَا تكونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ
وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي قَالَ: أنشَدَني أَبُو مُحَمَّد السَّرْخَسِيّ:
هِلَّوْفَةٌ كَأَنَّهَا جُوالقُ
لَهَا فُضُولٌ وَلها بنائق
قَالَ: أَرَادَ بهَا اللِّحية.
لهف: أَبُو زيد: رجُل لَهْفانُ، وامرأةٌ لَهْفَى، من قومٍ ونساءٍ لَهافَى ولُهُف، وَهُوَ المغتاظ على مَا فَاتَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّلهُّف على الشَّيْء يفوت بعد مُشارفَتَك عَلَيْهِ.
قَالَ: وَيُقَال: فلَان يُلَهِّف نفسَه وأمَّه: إِذا قَالَ: وانَفساه وأُمِّياه.
وَيُقَال: والهفاه ووالَهْفَتاه، ووالْهفْتِياه.
شَمرٌ، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: اللَّهْفان، واللاَّهفُ: المكروبُ. وَمن أمثالهم (إِلَى أُمّه يَلهَفُ اللَّهفان) .
قَالَ شَمِر: يَلهَف من لَهِفَ، وبأمِّه يستغيث اللَّهِفَ؛ يُقَال ذَلِك لمن اضطُرَّ فاستغاث بِأَهْل ثقته.
قَالَ: وَيُقَال: لهَّفَ فلانٌ أُمَّه وأَمَّيْه: يُرِيدُونَ أبَوَيْه. وَقَالَ الجعْدِيُّ:
أَشْلَى ولَهَّفَ أُمَّيْه وَقد لَهِفَتْ
أُمَّاه والأُمّ مِمَّا تُنْحَلُ الخَبَلاَ
يُرِيد أَبَاهُ وأمّه.
وَيُقَال: لَهِفَ لَهَفاً فَهُوَ لَهفانُ، وَقد لُهِف فَهُوَ مَلْهُوف: أَي حَزِين قد ذَهَب لَهُ مالٌ أَو فُجِع بحميم. وَقَالَ الزَّفيَانُ:
يَا بن أبي العَاصي إِلَيْك لَهِفَتْ
تَشْكُو إِلَيْك سَنةً قد جَلَفَتْ

(6/161)


لَهِفتْ: أَي استغاثت، وَيُقَال: نادَى لَهْفَه، إِذا قَالَ: يَا لَهْفَى.
وَقَالَ اللَّيْث. المَلهوف. المَظْلوم يُنَادي ويستغيث. وَفِي الحَدِيث (أَجِب المَلْهوف) .
وَقَالَ النحويون فِي قَوْلهم. يَا لَهْفَى عَلَيْهِ: أَصْلُه يَا لَهْفِى، ثمَّ قُلِبَت ياءُ الْإِضَافَة ألِفَاً، وَمثله يَا وَيلِي عَلَيْهِ وَيَا وَيلَى عَلَيْهِ وَيَا بِأَبِي وَيَا بِأَبَا.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَنا لَهِيفُ القَلْب، ولاهِف الْقلب، ومَلْهوفٌ، أَي مُحْتَرِق القَلْب.
فَهَل: أَبُو عبيد، عَن الْأَحْمَر: هُوَ الضَّلاَل بن فَهْلَلَ وابنُ ثَهْلَلَ، غير منصرفين.
هـ ل ب
هلب، هُبل، لَهب، بله، بهل: مستعملات.
هلب: قَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: إِنَّه لَيَهلِبُ الناسَ بِلِسَانِهِ: إِذا كَانَ يَهجُوهم ويَشْتُمهُم، يُقَال: هُوَ هَلاّبٌ: أَي هَجّاء، ورجلٌ مُهلَّب: أَي مَهْجُوّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُلْب: مَا غَلُظ من الشّعر، كشَعر ذَنَبِ النَّاقة.
ورجلٌ أهلبُ: إِذا كَانَ شعرُ أخْدَعَيه وجَسَدِه غلاظاً.
فرسٌ مَهلوب: قد هُلِبَ ذنَبُه: استُؤصِلَ جَزّاً.
وَيُقَال: هَلَبَتْنا السَّمَاء: إِذا بلّتهم بِشَيْء من ندًى أَو نحوِ ذَلِك.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَلُوب: الْمَرْأَة الَّتِي تَقرُب من زَوجهَا وتُحبُّهُ، وتتباعَدُ من غَيره وتُقصِيه.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهَا صديق فأَحَبَّتْه وأَطَاعته، وعَصَتْ غيرَه وأقْصَتْه.
قَالَ: وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ: رحم الله الهَلُوب، يَعْنِي الأولى، ولَعَن الله الهَلُوب، يَعْنِي الْأُخْرَى.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهَلُوب الصِّفة المحمودة أُخِذتْ من الْيَوْم الهَلاّب: إِذا كَانَ مَطَرُه سَهلاً لَيِّنا دَائِما غير مُؤْذٍ.
قَالَ: والصِّفَةُ المذْمُومَةُ: أُخِذتْ من الْيَوْم الهَلاّب: إِذا كَانَ مَطرُه ذَا رعْد وبَرْق وأهوال وهَدْمٍ للمنازل.
أَبُو عبيد: الهَلاّب: الرّيح مَعَ المَطَر.
وَقَالَ أَبُو زبيد:
أَحَسَّ يَوْمًا مِن المُشْتاةِ هَلاّبا
وهَلَبَتْنا السماءُ تهلِبُنا هَلْبا.
وَقَالَ المازنيّ: ذَنَب أهلبُ: أَي مُنقطع، وَأنْشد:
وأنهُمُ قد دَعَوْا دَعْوَةً
سَيَتْبَعُها ذَنَبٌ أَهلَبُ
أَي مُنْقَطع عَنْكُم، كَقَوْلِه: الدُّنْيَا ولَّتْ حَذَّاءَ: أَي مُنْقَطِعَة.
قَالَ: والأهلَب: الَّذِي لَا شَعَر عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: أتيتُه فِي هُلْبة الشّتاء: أَي فِي شدّة بَرْدِه.
شمر، عَن أبي يزِيد الغَنَوي قَالَ: فِي الكانون الأوّل الصِّنُّ والصَّنَّبْر والمَرْقِيُّ فِي

(6/162)


القبْر، وَفِي الكانون الثَّانِي هَلاّبٌ ومُهلِّب وهُلَيْب، قَالَ: وَهِي أيّام شديداتُ البَرْد: ثلاثةٌ فِي كانونَ الأول، وثلاثةٌ فِي كانونَ الآخر، قَالَ: وهَلاّب ومُهلَّب وهُليب يَكنَّ فِي هُلْبة الشّهر، وهُلْبَةُ الشَّهر آخِره.
وَقَالَ غَيره: يُقَال هُلْبة الشّتاء وهُلُبَّتُه بِمَعْنى وَاحِد. وَمن أَيَّام الشتَاء هالِبُ الشَّعَر ومُدحْرِجُ البَعَر.
وَقَالَ شمر: وَفِي الحَدِيث: (وَالسَّمَاء تَهلُبُني) أَي تَبلُّني وتُمطِرني وَقد هَلَبتْنا السماءُ، إِذا أَمْطَرت بجود.
أَبُو عُبَيدة. الهُلاَبةُ غُسالَة السَّلا، وَهِي فِي الحِوَلاء، والحِوَلاء: رأسُ السَّلا، وَهِي غِرْسٌ كَقدْر القارُورة ترَاهَا خضراءَ بعد الْوَلَد، تُسَمَّى هُلاَبة السِّقْي، وَيُقَال: أَهْلَب فِي عُدْوه إهلاباً، وأَلهبَ إلهَاباً، وعَدْوهُ ذُو أَهَاليب.
وَقَالَ خَليفة الحصيني: تَقول: رَكِب كلٌّ مِنْهُم أُهلُوباً من الثَّناء، أَي فَنّاً، وَهِي الأهاليب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هِيَ الأساليب، وَاحِدهَا أسلوب.
وروى شمر عَن بَعضهم أَنه قَالَ: لِأَن يمتلىء مَا بَين عانَتِي إِلَى هُلْبَتي.
قَالَ. والهُلْبة مَا فَوق الْعَانَة إِلَى قريب من أَسْفَل الْبَطن.
والأهلَب: الكثيرُ شَعَر الرّأسِ والجَسَد. ووقَعنا فِي هُلْبةٍ هلْباءَ، أَي فِي داهية دَهياء، مثل هُلْبة الشّتاء.
هُبل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُبْلة: الثُّكْلَة، والهُبْلة: القَتْلة، واللُّهُبة: إشراق اللّون من الجَسَد.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَبَل كالثُّكْل، وهَبِلَتْه أُمُّه وثَكِلَتْه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فَعِل يَفْعَل: إِذا كَانَ متعدّياً فمصدَرُه فَعْل إلاّ ثَلَاثَة أحرف: هَبِلَتْه أمّه هبَلاً، وعَمِلْت الشيءَ عمَلا، وزكِنْتُ الخَبَر زَكَناً، أَي عَلِمته.
وَقَالَ اللَّيْث: الهِبِلُّ: الشَّيْخ الْكَبِير والمُسِنّ من الْإِبِل، وَأنْشد:
أَنا أَبُو نَعامةَ الشيخُ الهِبِلُّ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الهِبَلُّ: الثقيل.
وَقَالَ اللَّيْث: المَهْبِل: موضعُ الوَلد من الرَّحِم وَقيل: المَهْبِل: أقصَى الرَّحم.
وَقَالَ شمر: المَهْبِل: البَهْوُ بَين الوَرِكَين حَيْثُ يَجثم الولدُ، شُبِّه بمَهْبِل الجبَل، وَهُوَ الهُوَّة الذاهبةُ فِي الأَرْض.
وَقَالَ الهذليّ:
لاتَقِه المَوْتَ وقِيَّاتُه
خُطَّ لَهُ ذَلِك فِي المَهبِلِ
وَقَالَ أَوْس بن حَجَر فِي مهبِل مَا بَين الجَبَلَيْن:
فأَبصَرَ أَلْهاباً من الطَّوْدِ دُونه
يرَى بَين رأسَيْ كل نِيقَيْنِ مَهبَلاَ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ أَبُو زِيَاد: المَهبِل: حَيْثُ يَنظُفُ فِيهِ أَبُو عُمَير بأَرُونِه، وَأنْشد بَيت الهذليّ.

(6/163)


وَقَالَ بَعضهم: المَهبِل: مَا بَين الغَلَقين، أحدُهما فمُ الرَّحم، وَالْآخر مَوضِع العُذْرة.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَبّال: الْمُحْتَال، والصيَّاد يَهتَبِل الصيدَ: أَي يغتَنِمه، وسمعتُ كلمة فاهتبلتُها: أَي اغتَنمْتُها.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَبالةُ: الْغَنِيمَة، وَأنْشد:
فلأَحْشأَنّكَ مِشْقَصاً
أَوْساً أُوَيْسُ مِنَ الهَبالهْ
وهُبَل: اسمُ صَنَم عبدَتْه قُرَيش.
وَفِي حَدِيث أهلِ الْإِفْك: والنساءُ يومَئذٍ لم يُهَبِّلْهُنَّ اللحمُ، مَعْنَاهُ: لم يكثر عليهنَّ الشَّحمُ واللَّحم. وَيُقَال: أصبَح فلانٌ مُهَبَّلاً: وَهُوَ المُهَبِّجُ الَّذِي كَأَنَّهُ تورَّم من انتفاخِه، وَمِنْه قولُ أبي كَبِير: فشَبّ غير مهبّل.
أخبرنَا المنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَاله هابل وَلَا آبل: فالهابلُ: الْمُحْتَال، والآبل: الحَسَنُ الرِّعْية لِلْإِبِلِ، والهَبُّلِيُّ والأبُّلِيُّ: الراهب.
وَفِي حَدِيث أبي ذَرّ وذكرِه لَيْلَة الْقدر. قَالَ: فاهتبلتُ غَفْلَتَه، وَقلت: أيُّ لَيْلَة هِيَ؟ أَي تَحيّنْتُ غفْلَتَه وافترصْتُها، واحتلْتُ لَهَا حَتَّى وجدتُها، كَالرّجلِ يطْلب الفرصة فِي الشَّيْء.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وقالتْ لي النفسُ: اشعَبِ الصّدْعَ واهتَبِلْ
لإحدى الهَنَاتِ المُضْلِعاتِ اهتبالَها
أَي استعدَّ لَهَا واحْتَلْ، قَالَه أَبُو عبيد. ورجلٌ مُهتَبِلٌ وهبّال.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهابل: الْكثير اللَّحم والشَّحم، وَمِنْه قولُ عَائِشَة: وَالنِّسَاء لم يُهَبِّلْهُنَّ اللَّحْمُ.
بهل: قَالَ اللَّيْث: الأبهل شجرةٌ يُقَال لَهَا: أيُّ الأبرُس قَالَ: وَلَيْسَ الأبهل بعربيّة مَحْضة.
قَالَ: والباهل: المتردِّد بِلَا عمل، والراعي بِلَا عَصاً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الباهل: الَّذِي لَا سِلاَح مَعَه، وناقة باهِلٌ: مُسَيَّبَةٌ، وَتَكون الَّتِي لَا صِرَار عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عبيد. وحَدثني بعضُ أهل الْعلم أَن دُرَيدَ بن الصِّمَّة أَرَادَ أَن يُطلِّق امْرَأَته، فَقَالَت: أتُطلِّقني وَقد أطعَمْتُكَ مَأْدُومِي، وأبثَثْتُك مَكْتومِي، وَأَتَيْتُك باهِلاً غير ذَات صِرار؟ . قَالَ: جعلتْ هَذَا مثلا لمالِهَا، وَأَنَّهَا أباحتْ لَهُ مالَها.
وَقَالَ اللَّيْث: أَبهَلَ الرَّاعِي إبلَه: إِذا تَركهَا، وأَبهَلها من الحَلَب.
قَالَ: وَرجل بُهلُول: حَيِيٌّ كريم، قَالَ: وَيُقَال: امرأةٌ بُهلول.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: البُهلول: الضَّحَّاك من الرِّجَال.
شمر، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: البَهْل: الشَّيْء الْيَسِير الحقير، وَأنْشد:
وَذُو اللُّبّ للبَهْل الحقير عَيُوفُ
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: البَهْل: المَال الْقَلِيل. اللِّحياني: هُوَ الضَّلال بن بهلَلِ،

(6/164)


مَأْخُوذ من الإبهال: وَهُوَ الإهمال، وبَهْلَل الْوَالِي رعيّتَه، واستبْهلها: إِذا أَهمَلها.
وَقَالَ النابعة:
وشَيْبان حيثُ استَبهَلتْها السواحِلُ
أَي أهمَلها مُلُوك الْحيرَة، وَكَانُوا على سَاحل الفُرات قَالَ الشَّاعِر فِي إبل أُبْهِلَتْ:
إِذا استُبهِلتْ أَو فَضَّها العبدُ حَلَّقَتْ
بسرْبِكَ يوْمَ الوِرْد عَنْقاءُ مُغرِبُ
يَقُول: إِذا أُبهِلَتْ هَذِه الْإِبِل، وَلم تُصَرَّ أنفَدَت الجيرانُ ألْبانَها، فَإِذا أَرَادَت الشرْبَة لم تكنْ فِي أخلافِها من اللَّبن مَا يُشترَى بِهِ ماءٌ لِشُربها واسْتَبهلَ فلانٌ الحرْبَ: إِذا احتلبها بِلَا صِرار.
وَقَالَ ابْن مُقبل فِي الْحَرْب:
فاستَبهل الحرْبَ من حَرّانَ مُطَّرِدٍ
حَتَّى يَظَلَّ على الكَفّين مَوْهوناً
أَرَادَ بالحرَّان الرُّمْح. وَالْعرب تَقول: مَهْلاً وبَهلاً.
قَالَ الشَّاعِر:
فَقلت لَهُ: مَهلاً وبَهلاً فَلم يَتُبْ
بقوْلٍ وأضْحَى النفسُ محتمِلا ضِغْنا
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَعَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: اهتبل الرجلُ: إِذا كَذَب، واهتَبَلَ: إِذا غَنِمَ، واهتَبل: إِذا ثَكِل.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: المبَاهِيل: الإبلُ الَّتِي لَا صِرَارَ عَلَيْهَا، وَهِي المُبْهَلَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي البُهَّل مثله، واحدُها بَاهل.
وَقَالَ الكسائيّ: الباهل: الَّتِي لَا سِمَة عَلَيْهَا.
وَيُقَال: باهَلْتُ فلَانا: أَي لاعَنْتُه، وَعَلِيهِ بَهْلةُ الله وبُهْلةُ الله: أَي لعْنة الله. وابتَهل فلانٌ فِي الدّعاء: إِذا اجتهدَ. وَمِنْه قولُ الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عِمرَان: 61) : أَي يجتهِد كلٌّ منا فِي الدُّعاء، ولَعْن الكاذِب مِنَّا.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ قومٌ: المْبتهِل مَعْنَاهُ فِي كَلَام العَرب: المُسَبِّح الذاكرُ لله، واحتَجُّوا بقول نَابِغَة بني شَيْبَان:
أَقْطَعُ اللّيلَ آهةً وانْتِحابَا
وابتهالاً لله أيَّ ابتهالِ
قَالَ: وَقَالَ قومٌ: المُبتهِل: الدّاعي. وَقيل فِي قَوْله: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} : ثمَّ نَلتعِنْ. قَالَ: وأنشدَنا ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ:
لَا يتَأَدّوْنَ فِي المَضِيق وإنْ
نادَى مُنادٍ كيْ يَنزلوا نَزَلوا
لَا بدّ فِي كَرَّةِ الفوارسِ أَنْ
يُترَكَ فِي مَعْرَكٍ لَهُم بَطَلُ
مُنعفِرُ الوجهِ فِيهِ جائفةٌ
كَمَا أَكَبَّ الصَّلاةَ مُبْتَهِلُ
أَرَادَ كَمَا أَكَبَّ فِي الصلاةِ مُسَبِّح
أخبرنَا المُنذريِّ قَالَ: أَخْبرنِي الحرّانيّ أَنه سمع ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: تباهَل الْقَوْم: إِذا تلاعنوا، وَيُقَال: عَلَيْهِ بَهْلةُ الله: أَي لعنةُ الله. ومُبتهِلاً: أَي مُجْتَهدا فِي الدُّعاء: وَيُقَال: هُوَ الضَّلاَل بنَ بَهْلَل بِالْبَاء كأنّه المُبهَل المُهْمَل بنُ ثَهْلَل.

(6/165)


بله: قَالَ اللَّيْث: البَلَه: الغَفْلة عَن الشّرّ.
وَفِي الحَدِيث: (أَكثر أهل الجنّة البُلْه) ، الْوَاحِد أبلَه: وَهُوَ الغافل عَن الشرّ. قلت: البَلَه فِي كَلَام الْعَرَب على وُجُوه: يُقَال: عيشٌ أَبْلَه، وشبابٌ أبله: إِذا كَانَ نَاعِمًا، وَمِنْه قولُ رؤبة:
بعد غُدانِيِّ الشبابِ الأبْلَهِ
يُرِيد الناعم، وَمِنْه: أُخِذَ بُلَهْنِيَةِ العَيش: وَهُوَ نَعْمَتهُ وغَفْلَتُه. والأَبلَه: الرجل الأحمَق الَّذِي لَا تمييزَ لَهُ، وامرأةٌ بَلْهاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ناقةٌ بَلهاء: وَهِي الَّتِي لَا تَنْحَاشُ من شيءٍ مكانةً ورزَانةً، كَأَنَّهَا حَمْقاء، وَلَا يُقَال: جملٌ أبلَه.
والأبلَه: الَّذِي طُبِع على الْخَيْر، فَهُوَ غافِلٌ عَن الشرّ لَا يعرفهُ.
وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (أكثرُ أهل الْجنَّة البُله) .
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأبلَه: الَّذِي هُوَ مَيّتُ الدَّاء، يُرادُ أَن شرَّه ميّت لَا يَنْبَه لَهُ.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبل فِي تَفْسِير قَوْله: استراحَ البُلْه، قَالَ: هم الغافلون عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا وفسَادِهم وغِلِّهم، فَإِذا جَاءُوا إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي فهمُ الْعُقَلَاء الْفُقَهَاء.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: البَلَه: حُسْن الخُلق، وَقلة الفِطْنة لِمَداقّ الْأُمُور.
وَقَالَ القُتَيْبِيُّ فِي تَفْسِير البُلْه الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث: البُلْه: هم الَّذين غَلَبَتْ عَلَيْهِم سلامةُ الصُّدور، وحُسْنُ الظنّ بِالنَّاسِ، وَأنْشد:
وَلَقَد لَهَوْتُ بطِفْلةٍ مَيّالةٍ
بلهاءَ تُطلِعُني على أَسْرَارها
أَرَادَ أَنَّهَا غِرٌّ لَا دهاء لَهَا، فَهِيَ تُخبِرُني بسِرّها، وَلَا تفْطُن لما فِي ذَلِك عَلَيْهَا، وَأنْشد غَيره فِي صفة امْرَأَة:
بَلهاء لم تُحفَظْ وَلم تُضَيَّعِ
يَقُول: لم تُحفظ لعَفافِها وَلم تُضَيَّع، مِمَّا يقُوتُها ويَصونها، فَهِيَ ناعمة عَفِيفة.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّبَلُّه: تَطَلُّبُ الدَّابَّة الضَّالة والعرَب تَقول: فلَان يتبلّه فِي سيره إِذا تعَسَّف طَرِيقا لَا يهْتَدِي فِيهِ وَلَا يَسْتَقِيم على صَوْبه.
قَالَ لبيد:
عَلِهَتْ تَبلَّهُ من نِهاءٍ صعائدٍ
وَالرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة: عَلِهتْ تبَلّدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: بَلْهَ: كلمةٌ بِمَعْنى أَجَلْ، وَأنْشد:
بَلْهَ أَنِّي لم أَخُنْ عهدا وَلم
أقترِفْ ذَنبا فتجْزيني النِّقَمْ
وَقَالَ أَبُو بكر الأنباريّ: فِي بَلْهَ ثَلَاثَة أَقْوَال: قَالَ جمَاعَة من أهل اللُّغَة: بلهَ مَعْنَاهَا على، وَقَالَ الْفراء: مَن خَفَضَ بهَا جَعَلها بِمَنْزِلَة على وَمَا أشبههَا من حُرُوف الْخَفْض، وَذكر مَا قَالَه اللَّيْث أَنَّهَا بِمَعْنى أَجَلْ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَعَدَدْتُ لعبادي الصَّالِحين مَا لاعينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُن سَمِعتْ، وَلَا خطر على قلبِ بشَر، بله مَا أطلَعْتُهم عَلَيْهِ) .

(6/166)


وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَحْمَر وغيُره: بله مَعْنَاهُ كَيفَ مَا أطْلعتُهم عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ كَيفَ ودَعَ مَا أَطْلعتهم عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَعْب بنُ مَالك يصفُ السيوفَ:
تَذَرُ الجماجِمَ ضاحياً هاماتُها
بَلْهَ الأكُفِّ كَأَنَّهَا لم تُخلَقِ
قَالَ أَبُو عبيد: الأكُفّ يُنشَد بالخفض والنّصب: النصب على معنى دَعْ الأكفَّ.
وَقَالَ أَبُو زُبيد:
حمَّالُ أَثقالِ أَهْلِ الوُدّ آوِنةً
أُعْطيهُمُ الجَهدَ مِني بلهَ مَا أَسَعُ
أَي أعطيهم مَالا أجِد إِلَّا بجَهْدٍ، مَعْنَاهُ فَدعْ مَا أحِيطُ بِهِ وأَقْدِر عَلَيْهِ.
لَهب: قَالَ اللَّيْث: اللَّهَب: اشتعال النَّار الَّذِي قد خَلَص من الدُّخان.
قَالَ: واللَّهبان: توقُّد الجَمْر بِغَيْر ضِرام، وَكَذَلِكَ لَهبان الحرِّ فِي الرَّمضاء وَأنْشد:
لَهَبانٌ وقَدَتْ حُزَّانُه
يَرْمَضُ الجُنْدَبُ مِنْهُ فيصِرّ
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبَيْدَة: اللَّهْبَة: العَطش، وَقد لَهِبَ يلهب لَهَباً، وَهُوَ رجل لَهْبَان، وَامْرَأَة لَهْبَى.
وَقَالَ اللَّيْث: ألهبْتُ النارَ فالتهبَتْ وتلهَّبَتْ.
واللِّهْب: وَجه من الْجَبَل كالحائط لَا يُستطاع ارتقاؤه، وَكَذَلِكَ لِهبٌ أفُق السَّمَاء، والجميع اللُّهوب.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: اللِّهب: مَهواةُ مَا بَين كلِّ جبلين.
قَالَ: والنَّفْنَفُ: نَحْو مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيث اللِّهْب: الغُبار الساطع.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا اضطَرَم جَرْيُ الفَرَس: قيل: أَهْذب إهْذاباً، وأَلهبَ إلهابَاً.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للفَرَس الشَّديد الجَرْي المِثيرِ للغُبار: مُلهِب، وَله أَلُهُوب.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
فلِلزَّجْر أُلْهُوبٌ وللسّاق دِرَّةٌ
وَقَالَ غَيره: أَلهبَ البرقُ إلهاباً، وإلهابُه: تَدارُكه حَتَّى لَا يكونَ بَين البَرْقتين فُرْجة.
واللِّهابة: وادٍ بِنَاحِيَة الشواجن فِيهِ رَكايا عَذبةٌ يخترِقه طَرِيق بَطنِ فَلْج، كَأَنَّهَا جمع لِهْب. وَبَنُو لِهْب: حيٌّ من العَرَب يُقَال لَهُم: اللِّهبِيّون، وهم أهلُ زَجْرٍ وعيافة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِلْهَبُ: الرائع الْجمال، والملهب: الكثيرُ الشَّعر من الرِّجَال.
هـ ل م
هَلُمَّ، همل، لَهُم، مهل: مستعملة.
هَلُمَّ: عَمْرو عَن أَبِيه: الهِلِمَّان الْكثير من كلّ شَيْء وَأنْشد لكُثَيِّر المحارِبيّ:
قد مَنَعتْني البُرَّ وَهِي تلحَّانْ
وَهُوَ كثيْرٌ عِنْدهَا هِلِمّانْ
وَهِي تُخَنذِي بالمقالِ البَنْيَانْ
قَالَ: والبَنْبان: الرَّديء من المَنْطِق.

(6/167)


ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَيْلَمان: المَال الْكثير، يُقَال: جَاءَ بالهَيْل والهَيْلَمان.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد فِي (بَاب كَثْرة المَال وَالْخَيْر يَقْدَم بِهِ الْغَائِب أَو يكون لَهُ) : جاءَ فلانٌ بالهَيْل والهَيْلَمان، بِفَتْح اللَّام.
وَقَالَ ابْن المظفَّر: هَلُمَّ: كلمةُ دعوةٍ إِلَى شَيْء، الْوَاحِد والاثنان، والجميع، والتأنيث، والتذكير فِيهِ سَوَاء، إلاّ فِي لُغَة بني سعد فإنّهم يحملونه على تصريف الفِعل، فَيَقُولُونَ: هَلُمَّا، هَلُّمُّوا؛ وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن السّكيت، قَالَ: وَإِذا قَالَ لَك: هَلُمَّ إِلَى كَذَا، قلت: إلاَمَ أهَلُمُّ؛ وَإِذا قَالَ لَك: هَلمُّ كَذَا وَكَذَا، قلتَ: لَا أَهَلُمُّه بِفَتْح الْألف وَالْهَاء: أَي لَا أُعْطِيكَه، وهَلُمَّ بِمَعْنى أَعطِ؛ يدل عَلَيْهِ مَا حدّثنا محمدُ بنُ إِسْحَاق عَن عمر بن شَبَّة قَالَ: حدّثنا يحيى، عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عَائِشَة بنتِ طلحةَ، عَن عَائِشَة أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِيهَا فَيَقُول: هَل من شَيْء؟ فَتَقول: لَا، فَيَقُول: إِنِّي صَائِم. قَالَت: ثمَّ أَتَانِي يَوْمًا فَقَالَ: هَل من شَيْء؟ قلتُ حَيْسَة. قَالَ: هَلُمِّيها، فَإِنِّي أَصبَحت صَائِما، فَأكل. قلتُ: معنى هَلُمِّيها: أَي هاتِيها أَعطنِيها.
ورَوَى مالكٌ عَن العَلاء بن عبد الرحمان، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَيُذَادَنَّ رِجالٌ عَن حَوْضِي فأُنادِيهم: أَلاَ هَلُمَّ ألاَ هَلُمَّ، فَيُقَال: إِنَّهُم قد بَدَّلُوا، فَأَقُول: فَسُحْقاً) .
وَقَالَ الزّجاج: زعم سِيبَوَيْهٍ أنّ هَلُمّ (هَا) ضُمَّتْ إِلَيْهَا (لُمَّ) وجُعِلتا كالكلمة الْوَاحِدَة.
وَأكْثر اللُّغَات أَن يُقَال: هَلُمّ للْوَاحِد، والاثنين، وَالْجَمَاعَة، وَبِذَلِك نزل الْقُرْآن، نَحْو قَوْله: {وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ} (الأحزَاب: 18) و {وُوِقُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} (الأنعَام: 150) .
قَالَ: وفُتِحَتْ {هَلُمَّ} لِأَنَّهَا مُدْغمة كَمَا فُتِحَتْ (رُدَّ) فِي الْأَمر، وَلَا يجوز فِيهَا (هَلُمُّ) بِالضَّمِّ كَمَا يجوز (رُدُّ) لِأَنَّهَا لَا تُصرَف.
قَالَ: وَمن العَرَب من يُثَنِّي وَيجمع، وَيُؤَنث، فَيَقُول: هَلُمَّ، هَلُمَّا، هَلُمُّوا، وللنساء: هَلْمُمْنَ.
وَقَالَ: وَمعنى {هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} أَي هاتوا شهداءكم، وقرِّبوا شُهَدَاءكم.
قلتُ: وسمعتُ أَعْرَابِيًا دَعَا رجُلاً إِلَى طَعَامه، فَقَالَ: هُلُمّ لَك، وَمثله قَول الله جلّ وعزّ: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} (يُوسُف: 23) .
وَقَالَ المُبَرِّد: بَنو تَمِيم يجْعَلُونَ {هَلُمَّ} فِعْلاً صَحِيحا، ويجعلون الْهَاء زَائِدَة فَيَقُولُونَ: هَلُمَّ يَا رَجُل، وللاثنين: هَلُمَّا، وللجميع: هَلُمُّوا، وللنساء هَلْمُمْنَ؛ لِأَن الْمَعْنى المُمْنَ، وَالْهَاء زَائِدَة. قَالَ: هَلُمَّ زَيْداً: هاتِ زيدا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال للنِّسَاء: هَلُمْنَ وهَلْمُمْن.
قَالَ وَحكى أَبُو عَمْرو عَن الْعَرَب: هَلُمِّينَ يَا نِسوة. قَالَ: وَالْحجّة لأَصْحَاب هَذِه

(6/168)


اللُّغَة أَن أصل (هَلُمَّ) التَّصَرُّف، إِذا كَانَ من أَمَمْتُ أَؤُمُّ أَمَّاً، فَعَمِلوا على الأَصْل، وَلم يلتفتوا إِلَى الزِّيَادَة، وإِذا قَالَ الرّجل للرّجل: هَلُمَّ، فَأَرَادَ أَن يَقُول: لَا أفعل، قَالَ: لَا أهَلُّمُّ وَلَا أُهَلِمُّ، وَلَا أَهَلِمُّ، وَلَا أُهَلُمُّ قَالَ: وَمعنى هَلُمَّ: أقْبِل، وَأَصله أُمَّ يَا رَجل: أَي اقصده، فَضَمُّوا هَلْ إِلَى أُمَّ وجعلوهما حَرْفاً وَاحِدًا، وأزالُوا أُمَّ عَن التصرُّف، وحَوَّلوا ضمة همزَة أُمّ إِلَى اللَّام، وأسقطوا الْهمزَة، فاتصلت الْمِيم بِاللَّامِ، وَهَذَا مذهبُ الفَرّاء، يُقَال للرّجلين، وللرّجال، وللمؤنث: هَلُمّ، وَوُحِّد هَلُمَّ؛ لِأَنَّهُ مُزالٌ عَن تصرُّف الفِعل، وشُبِّه بالأدوات كَقَوْلِهِم: صَهْ، ومَهْ، وإيهٍ، وإيهاً، وكل حرفٍ من هَذِه لَا يثنَّى، وَلَا يُجمع، وَلَا يؤنَّث.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُلام: طعامٌ يُتَّخذ من لحم عِجْلٍ بجلده.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُلُم: ظِباء الْجبَال، وَيُقَال لَهَا: اللُّهُم، وَاحِدهَا لَهْمُ، قَالَ: وَيُقَال لَهَا: الجُولان، والثَّياتل، والأبدان، والعِنْبان، والبَغابِغ.
لَهُم: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: لَهِمْتُ الشيءَ، وقلَّ مَا يُقَال إِلَّا التَهَمْتُ: وَهُوَ ابتلاعُكَه بمرّة، وَقَالَ جرير:
كَذَاك اللَّيثُ يَلتَهِم الذُّبابَا
وَقَالَ آخر:
مَا يُلْقَ فِي أشداقِه تَلهَّمَا
قَالَ: وأُمُّ اللُّهَيم هِيَ الحُمَّى.
وَقَالَ شَمِر: أَمُّ اللُّهَيم: كنية المَوْت، لأنّه يَلتَهِم كلَّ أحد.
وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ لِهَمٌّ، ولِهْمِيم: سابقٌ يجْرِي أَمَام الْخَيل لالتهامه الأرضَ، والجميع لهَامِيم، ورجُلٌ لَهُوم: أكول.
وَيُقَال أَلْهَمَهُ الله خيرا: أَي لقَّنه خيرا، ونَسْتَلْهِمُ الله الرَّشاد.
وجيشٌ لُهام: يَغْتمِرُ من يَدْخُله: أَي يُغيَّب مافي وَسَطه.
وَقَالَ الأصمعيّ: إبلٌ لهامِيم إِذا كَانَت غِزاراً، واحدتُها لُهْمُوم وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت كَثِيرَة المشْي، وَقَالَ الرَّاعِي:
لَهامِيمُ فِي الخرْقِ البعيدِ نِياطُهُ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ إِذا كَبُر الوعِل فَهُوَ لِهْمٌ، وَجمعه لُهُوم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال ذَلِك لِبَقر الوحْش أَيْضا، وَأنْشد:
وَأصْبح لِهْماً فِي لُهومٍ قَراهِبٍ
قَالَ: والمِلْهَمُ: الكثيرُ الْأكل.
ومَلْهَم، وقُرَّان: قَرْيَتَانِ من قُرى الْيَمَامَة معروفتان.
وَيُقَال: أَلهَمَ الله فلَانا الرُّشد إلهاماً إِذا ألقامه فِي رُوعِه فَتَلقاهُ بفَهْمه.
همل: قَالَ اللَّيْث: الهَمَل: السُّدَى، وَمَا ترك الله الناسَ هَمَلاً: أَي سُدًى: بِلَا ثَوَاب وَلَا عِقاب.
وَقَالَ غَيره: لم يَتركْهم سُدًى: بِلَا أَمرٍ وَلَا نَهْي، وَلَا بيانٍ لما يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
وإبلٌ هَمَل، وَاحِدهَا هامل.

(6/169)


وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: إبلٌ هَمْلَى: مُهْملة.
وَيُقَال: إبلٌ هوامل: مُسَيَّبة لَا رَاعِيَة وأمرٌ مُهْمَل: مَتْرُوك.
وَقَالَ الراجز:
إنَّا وَجَدْنا طَرَدَ الهوامِلِ
خيْراً من التَّأْنَانِ والمَسَائلِ
أَرَادَ: إنَّا وجَدْنا طَرْدَ الْإِبِل المهمَلة وسَوْقَها سَلاًّ وسَرِقةً خيرا لنا من مَسْأَلَة النَّاس والتَّباكي إِلَيْهِم.
ثَعْلَب، عَن سَلَمة، عَن الفرَّاء وَعَن ابْن الأعرابيّ: اهتَمل الرجُلُ: إِذا دَمْدَم بِكَلَام لَا يُفْهَمُ.
قلت: الْمَعْرُوف بِهَذَا الْمَعْنى هَتْمَلَ يُهَتْمِلُ، وَهُوَ رُباعيّ.
وَقَالَ الزجّاج: الهَمَل: بالنَّهار، والنَّفَسُ باللَّيل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَمَل: اللِّيف إِذا انتزِع، الْوَاحِدَة هَمَلة.
وَفِي (النَّوادر) : أرضٌ هُمَّال بَين النَّاس: قد تحامتْها الحروب؛ فَلَا يَعْمُرها أحد، وَشَيْء هُمّال: رَخوٌ.
وَيُقَال: هَمَل دَمْعُه يَهمُل فَهُوَ هامِلٌ: إِذا تتَابع سَيَلانُه، وانهمَل دمعُه فَهُوَ مُنْهَمِل.
مهل: قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَهْلاً يَا رجُل، وَكَذَلِكَ للإثنين، وَالْجمع، وَالْأُنْثَى، وَهِي موحَّدة، وَإِذا قيل: مَهْلاً، قلت: لَا مَهْلَ وَالله.
وَيُقَال: مَا مَهْلُ وَالله بمُغْنِيةٍ عَنْك شَيْئا، وَأنْشد لجامع بن مُرْخية الكلابيّ:
أَقُول لهُ مَا جئتُ مَهْلاً
وَمَا مَهْلٌ بواعظةِ الجَهُولِ
وَقَالَ اللَّيْث: المَهْلُ: السَّكينة وَالْوَقار: تَقول: مَهْلاً يَا فلَان، أَي رِفْقاً وسُكوناً لَا تَعْجَلْ، وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك، وَيجوز التثقيل، وأَنشد:
فيابن آدمَ مَا أَعدَدْتَ فِي مَهلٍ
للَّه دَرُّك مَا تَأتي وَمَا تَذَرُ
وَقَالَ الله: {كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} (الطّارق: 17) ، فجَاء باللغتين: أَي أنظِرْهم.
أَبُو عبيد: التمهُّل: التقدُّم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الماهِل: السَّريع، وَهُوَ المتقدِّمُ، وفُلانٌ ذُو مَهَلٍ: أَي ذُو تقدُّم فِي الْخَيْر، وَلَا يُقَال فِي الشَّرّ. وَقَالَ ذُو الرِّمة:
كم فيهمُ مِنْ أَشمِّ الأنْفِ ذِي مَهَلٍ
يَأْبَى الظُّلامةَ مِنْهُ الضَّيْغَم الضّارِي
أَي ذِي تقدُّم فِي الشَّرف والفَضْل.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: أخَذ فلانٌ على فُلان المُهْلَةَ: إِذا تقدَّمه فِي سِنَ أَو أدبٍ.
وَيُقَال: خُذ المُهْلَة فِي أمْرِك: أَي خُذ العدَّة؛ وَقَالَ فِي قَول الْأَعْشَى:
إلاَّ الّذين لَهُم فِيمَا أَتَوْا مَهَلُ
قَالَ: أَرَادَ الْمعرفَة المتقدِّمة بالموضع.
وَقَالَ مَهَلُ الرَّجُلِ: أسلافُه الَّذين تقدَّموه يُقَال: قد تقدَّم مَهَلُك قبْلَك، ورَحِم الله مَهَلَك.
أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، رُوي عَن عليّ بن أبي طَالب ح أَنه لما لَقي

(6/170)


الشُّراةَ قَالَ لأَصْحَابه: أقِلُّوا البِطْنَةَ وأَعذِبوا، وَإِذا سِرْتُم فمهلاً مَهلاً: أَي تقدُّماً.
قَالَ أُسَامَة الهذَلي:
لعَمري لقد أَمْهَلتُ فِي نَهْيِ خَالدٍ
عَن الشَّام إمَّا يَعصِيَنَّك خالدُ
أمهلتُ: بالغتُ: يَقُول: إِن عَصَانِي فقد بالغتُ فِي نَهْيه.
ورُوي عَن أبي بكر ح أَنه أَوْصى فِي مَرَضه، فَقَالَ: ادْفنوني فِي ثوبيَّ هَذَين؛ فَإِنَّمَا هما للمُهْل والتُّراب.
قَالَ أَبُو عُبيد، قَالَ أَبُو عُبيدة: المُهْل فِي هَذَا الحَدِيث: الصَّديد والقيْح.
قَالَ: والمُهْل فِي غير هَذَا: كلّ فِلِزَ أُذِيب، قَالَ: والفِلِزُّ: جواهرُ الأَرْض من الذّهب والفضّة والنُّحاس.
وسُئل ابْن مَسْعُود عَن قَول الله جلّ وعزّ: {كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ} (الْكَهْف: 29) فَدَعَا بِفِضّةٍ فأَذابَها، فجعلتْ تمَيَّعُ وتَلَوَّنُ، فَقَالَ: هَذَا من أَشبهِ مَا أَنتم راءُون بالمُهْل.
قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ تَأْوِيل هَذِه الْآيَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والمُهْل فِي غير هَذَا: كلُّ شَيْء يَتحاتُّ عَن الخُبْزَة من الرَّماد وَغَيره إِذا أُخرِجَت من المَلَّة.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُهْل فِي شَيْئَيْنِ: هُوَ فِي حَدِيث أبي بكر: القَيْح والصَّديد، وَفِي غَيره: دُرْدِيُّ الزّيت، لم يُعْرَف مِنْهُ إلاّ هَذَا، قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حدّثني رجل وَكَانَ فصيحاً أَن أَبَا بكر قَالَ: فإنّهما للمَهْلة وَالتُّرَاب بِفَتْح الْمِيم قَالَ: وَبَعْضهمْ يَكسِر الْمِيم فَيَقُول: لِلمهْلة.
قَالَ الزّجاج فِي قَوْله تَعَالَى: {قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ} (المعَارج: 8) .
قَالَ: المُهْل: دُرْدِيُّ الزّيت هَاهُنَا.
قلت: ومِثلُه قَوْله: {السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} (الرَّحمان: 37) جمع الدّهن.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَرْدَةً} : أَي يتلوَّن من الفَزَع الْأَكْبَر كَمَا تتلوَّن من الدِّهان الْمُخْتَلفَة. قَالَ: وَدَلِيل ذَلِك قَوْله: {قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ} (المعَارج: 8) أَي كالزّيت.
وَقَالَ اللَّيْث: المُهْل: ضَرْبٌ من القَطِران إِلَّا أَنه مَاهٍ رَقِيق شَبيه بالزيت لمهاوَتِه يضْرب إِلَى الصُّفرة، وَهُوَ دَسِمٌ يُهْنَأُ بِهِ الْإِبِل فِي الشّتاء.
قَالَ: والقَطِران: الخاثر، لَا يُهْنأُ بِهِ.
وَقَالَ غَيره: مَهَلْتُ البعيرَ: إِذا طليتَه بالخضخاض، فَهُوَ ممهول، وَقَالَ أَبُو وَجْزة يصف ثوراً:
صافي الأدِيم هِجانٌ غَيرَ مَذْبَحِهِ
كأَنَّه بِدَم الْمَكْنَان مَمْهُولُ
شمر، عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: المُهْل عِنْدهم: المَلَّة إِذا حميت جدّاً رَأَيْتهَا تموجُ.
وَقَالَت العامريّة: المُهْلُ عندنَا: السُّمّ. والمُهْل: الصَّديد والدَّمُ يخرُج فِيمَا زَعَم يُونُس. والمُهْل: النُّحاس الذائب، وَأنْشد:
ونُطعِم من سَدِيف اللَّحْم شِيزَى
إِذا مَا الماءُ كالمَهْل الفَريغِ

(6/171)


(أَبْوَاب) الْهَاء وَالنُّون)
هـ ن ف
هنف، نفه، هفن، نهف: مستعملة.
هنف: قَالَ اللَّيْث: الهِنافُ: مُهانَفَة الجوارِي بالضّحك، وَهُوَ فَوق التّبسُّم، وَأنْشد:
تَغُضُّ الجفون على رِسْلِها
بحُسْن الهِنافِ وخَوْنِ النّظَرْ
قيل: أقبَل فلانٌ مُهنِفاً: أَي مُسْرِعاً لينالَ مَا عِنْدِي.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أهنَفَ الصبيُّ إهنافاً؛ مثل الإجهَاش، وَهُوَ التَهيُّؤُ للبُكاء، قَالَ: والمُهانَفة أَيْضا: المُلاعَبة.
هفن: أهمَلَه اللَّيْث.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَفْن: المَطَر الشديدُ.
نفه: أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: المَنْفُوه: الضَّعيف الفؤادِ الجَبان.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: مَا كَانَ الرجل نَافِهاً، وَلَقَد نَفَه نُفُوهاً. قَالَ: والنُّفُوه: ذِلّةٌ بعد صُعوبة. وأَنْفَهَ ناقتَه حَتَّى نَفَهَتْ نَفْهاً شَدِيدا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعبد الله بن عَمرو حِين ذَكر لَهُ قِيامَ اللَّيْل وصيامَ النّهار: (إِنَّك إِذا فعلتَ ذَلِك هَجَمتْ عَيْنَاك، ونَفَهتْ نفسُك) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله: نَفِهتْ نفسُك: أَعيت، وكلَّت. وَيُقَال للمعُيي: مُنَفَّهٌ، ونافِهٌ، وَجمع النَّافِه نُفَّهٌ، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
بِنَا حَراجِيجُ المَطِيِّ النُّفَّه
يَعْنِي المعْيِيَة، واحدتها نافِهٌ ونافِهَةٌ، وَالَّذِي يفعل ذَلِك بهَا منفِّهٌ، وَقد نفّه الْبَعِير.
الخرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي: نفَهَتْ نفسُه تَنفَه نُفُوهاً: إِذا ضعفت، وَسَقَطت، وَأنْشد:
والعَزَبَ المُنَفَّه الأُمِّيَّا
وروى أصحابُ أبي عُبَيد عَنهُ: نَفِهَ يَنْفَه بِكَسْر الْفَاء من نَفِه وفتحِها من يَنْفَه.
نهف: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّهْف التحيّر.
هـ ن ب
هنب، نبه، نهب، بِهن، هبن: مستعملة.
هنب: قَالَ اللَّيْث: هِنْب: حيٌّ من رَبيعة.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: قَالَ ابْن الأعرابيّ: المِهْنَبُ: الْفَائِق الحُمْق، قَالَ وَبِه سُمِّي الرجل (هِنْبَا) ، قَالَ: والّذي جَاءَ فِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفَى مُخنَّثَين يُسَمَّى أحدُهما (هِيتٌ) ، وَالْآخر (ماتِعٌ) ، إنّما هُوَ (هِنْبٌ) ، فصحَّفَه أصحابُ الحَدِيث.
قلت: رَوَاهُ الشافعيّ وغيرُه (هِيتٌ) ، وأظنّه الصَّوَاب. وأخبَرَني أبي مُحَمَّد المُزَنّي، عَن أبي خَليفة، عَن محمّد بن سلاّم أنّه أنْشدهُ:
وشَرُّ حَشْوِ خِباء أَنْت مُوَلِجُه
مجنونةٌ هُنَّبَاءٌ بنتُ مَجْنونِ
وهُنَّباء بِوَزْن فُعَّلاء بتَشْديد الْعين والمدَّ وَلَا أعرف فِي كَلَام الْعَرَب لَهُ نظيراً، والهُنَّباء: الأحمق.

(6/172)


وَقَالَ ابْن دُرَيد: امْرَأَة هُنَّبا، وهُنَّباء بالمدّ وَالْقصر وهُنَّبِيٌّ: وَهِي الوَرْهاء.
هبن: أهمله اللَّيْث.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الهَبُون: العنكبوت وَيُقَال بالراء: هَبور.
نهب: قَالَ اللَّيْث: النَّهْب: الغَنِيمة، والانتهاب: أَخْذُه من شَاءَ، والإنهاب: إباحَتُه لمن شَاءَ، والنُّهْبَى: اسمٌ لما أَنْهَبْتَه: قَالَ: والنِّهاب: جَمْع النَّهْب، والمُناهَبة: المُباراة فِي الْحُضْر والجرْي. فرسٌ يُناهِب فَرَساً، وأنشَد: للعجّاج يصف عَيْراً وأُتُنَه.
وإنَّ تُناهِبْه تجِدْه مِنْهَبا
وَيُقَال للْفرس الْجواد: إنّه ليَنْهَبُ الغايةَ والشَّوْط، وَقَالَ ذُو الرّمة:
والخَرْقُ دون بَناتِ البَيْضِ مُنتَهَبٌ
يَعْنِي فِي التّباري بَين الظليم والنّعامة. وَفِي (النّوادر) : النَّهْب: ضَرْبٌ من الرَّكْض، والنّهب: الغَارَة.
نبه: قَالَ اللَّيْث: النَّبَه: الضَّالّة تُوجَد عَن غَفْلة؛ يُقَال: وجدتُه نَبَهاً عَن غير طلب، وأضلَلْتُه نَبَهاً لم تَعلَمْ متَى ضلّ. وَقَالَ ذُو الرَّمة:
كأنّه دمْلُجٌ من فِضَّةٍ نَبَهٌ
فِي مَلعَبٍ من جواري الحيِّ مَفْصومُ
يصف غَزالاً قد انحنَى فِي نَومه، فشبَّهه بدُمْلُجٍ قد انفَصَم.
قَالَ: والنُّبْه: الانتباه من النّوم، تَقول: نَبَّهتُه، وأنْبَهتُه من النّوم، ونَبَّهْتُه من الغَفْلة. ورجُلٌ نبيه: شرِيف. وَقد نَبُه فلانٌ باسم فلَان: إِذا جَعَله مَذْكُورا.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: نَبِهْتُ للأَمر أَنْبَهُ نَبَهاً، وَوَبِهْتُ أَوْبَهُ وَبَهاً، وَهُوَ الْأَمر تنساه ثمّ تَنتَبِه لَهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: أضلُّوه نَبَهاً: لَا يدرُون مَتى ضلَّ حتّى انتبَهوا لَهُ. قَالَ: وَسمعت من ثقةٍ: أَنبَهْتُ حَاجَتي حتّى نَسيتُها. وَيُقَال للْقَوْم ذهب لَهُم الشَّيْء لَا يَدْرُونَ متَى ذهَب: قد أَنبَهوه إنباهاً. وَقَالَ غَيره: النَّبَه: الضّالّة الَّتِي لَا يُدرَى مَتى ضلَّت؟ وَأَيْنَ هِيَ؟ . وَيُقَال فَقَدْتُ الشَّيْء نَبَهاً: أَي لَا عِلْم لي كَيفَ أضلَلْتُه، وَقَول ذِي الرّمّة:
كأنّه دُمْلجٌ من فِضَّةٍ نَبَهٌ
وضَعَه فِي غيرِ مَوْضِعه، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: كأنّه دُمْلجٌ قد فُقِد نَبَهاً.
وَقَالَ شَمِر: النَّبَهُ: المَنْسِيُّ المُلْقَى الساقِط الضالّ.
ورَجل نَبَهٌ ونَبِيه: إِذا كَانَ مَعْرُوفا شريفاً، وَمِنْه قولُ طَرَفة يَمدَح رجلا:
كَامِل يَجْمَعُ آلاءَ الفتَى
نَبَهٌ سَيِّدُ ساداتٍ خضَمّ
بِهن: قَالَ اللَّيْث: البَهْوَنِيُّ من الْإِبِل: مَا يكون بيْنَ العربيّة والكِرْمانية، وكأنّه دَخِيل فِي الْكَلَام. قَالَ: وجاريةٌ بَهْنانَةٌ: وَهِي اللَّيّنة فِي مَنطِقها وعَملِها.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي عَلْقَمَة الثقفيّ: البَهْنانة: الطّيبَة الرّيح، قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: هِيَ

(6/173)


الضحّاكة وأخبرَني المنذريُّ عَن ثَعْلَب أنّ ابْن الأعرابيّ أنشَدَه:
ألاَ قالَتْ بَهانِ وَلم تأَبَّقْ
نَعِمْتَ وَلَا يَليقُ بكَ النَّعيمُ
قَالَ: بَهانِ أَرَادَ بَهْنانة.
وَقَالَ الْكسَائي: البَهْنانة: الضحَّاكة المُتَهلِّلَة.
وَقَالَ غَيره: هِيَ الطيّبة الرّيح. عَمْرو، عَن أَبِيه قَالَ: البَهْنانة: الطّيبَة الرَّائِحَة، الحَسنة الخَلْق، السَّمْحة لزَوجِها.
هـ ن م
هنم، همن، مهن، نهم: مستعملة.
هنم: قَالَ اللَّيْث: الهَيْنَمَة الصَّوْتُ، وَهُوَ شِبْه قِراءة غير بيِّنة، وَأنْشد لرؤبة:
لَا يَسمعُ الرَّكْبُ بهَا رَجْعَ الكَلِمْ
إِلَّا وَساويسَ هَيَانِيم الهَنِمْ
وَفِي الحَدِيث أَن عمر قَالَ: مَا هَذِه الهينمة؟ قَالَ أَبُو عبيد: الهينمة الْكَلَام الخفِيّ. وَأنْشد قَول الكُمَيت:
وَلَا أَشهَد الهُجْرَ والقائليه
إِذا هُمْ بَهَيْنَمَةٍ هَتْمَلُوا
وَقَالَ اللحيانيّ: من أَسمَاء خَرَز نساءٍ الْأَعْرَاب: الهِنَّمَةُ تُؤخِّذ بهَا المرأةُ زوجَها عَن النّساء. قَالَت امْرَأَة مِنْهُم: أخَّذْتُه بالهِنَّمَهْ، باللّيل زوجٌ وبالنّهار أَمَهْ. وَمن أَسمَاء خَرَز الْأَعْرَاب العَطْفة، والفَطْسَة، والكَحْلة، والهَبْرةَ، والقَبَل، والقَبَلة، والصَّرْفة والسُّلْوانَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الهَنَم: التَّمْر.
وَأنْشد:
مالَكَ لَا تَمِيرنا من الهَنَم
قلتُ: إخالُه مُعرّباً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَنْمة: الدَّمْدَمة.
وَيُقَال للرجل الضَّعِيف: هِنَّمة. قَالَ اللَّيْث فِي قَوْله:
أَلا يَا قَيْلُ وَيْحَك قُمْ فَهَيْنِمْ
أَي فادعُ الله.
وَقَالَ التَّوَّزيّ: الهَنَم ضربٌ من التّمر.
وَأنْشد:
مالَكَ لَا تميرُنا مِن الهَنَم
مهن: قَالَ اللَّيْث: المِهْنة: الحَذاقة بِالْعَمَلِ وَنَحْوه، وَقد مَهَن يَمْهَن مَهْناً: إِذا عَمِل فِي ضَيْعته، والماهِن: العَبْد، وَيُقَال: خَرْقاءُ لَا تُحْسن المِهْنة: أَي لَا تُحْسن الخِدمة. مَهَنَهُمَ؛ أَي خَدَمَهم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: أنكَر أَبُو زيد المِهْنَةَ، وفَتَح الْمِيم (مَهْنة) ، وَهَكَذَا. قَالَ الرِّياشيّ: (مَهنة) . قَالَ: وامتَهَن نَفسه، وَأنْشد الرياشيّ:
وصاحبُ الدّنيا عُبَيدٌ مُمْتَهَنْ
أَي مستخدَم وَقَالَ الْكسَائي: المِهنة: الْخدمَة.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد مَهَنْتُ الْإِبِل مَهْنَةً: إِذا حلبها عِنْد الصَّدَر وَأنْشد شَمِر:
فَقلت لِما هِنَيَّ: أَلا احلباها
فقاما يحلُبان ويَمرِيان

(6/174)


وَقَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو زيد العِتريفيُّ: إِذا عجز الرجل قلت:
هُوَ يطلَغُ المَهْنَةَ. قَالَ: والطَّلَغَان: أَن يَعيا الرجلُ ثمَّ يعْمل على الإعياء. قَالَ: وَهُوَ التلغُّب قَالَ: وَيُقَال: هُوَ فِي مهنة أَهله: وَهُوَ الْخدمَة والابتذال. وَقَالَ أَبُو عدنان: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: هُوَ فِي مَهِنَة أهلِه بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْهَاء، وَبَعض الْعَرَب يَقُول: المَهْنَة، يسكن الْهَاء، وَقَالَ الْأَعْشَى يصف فَرَساً:
فَلأياً بَلأيٍ حَمَلْنا الغُلا
مَ كرْهاً فأَرسله فامتَهَنْ
أَي أَخرَج مَا عِنْدَه من العَدْو وابتَذَلَه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَيُدْهِنُونَ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ} (القَلَم: 10) المهين هَاهُنَا الْفَاجِر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هُوَ فَعِيل من المهانة، وَهِي القِلَّة.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: القلّة فِي الرَّأْي والتمييز.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ مَهِين: ضَعيف حَقِير، وَقد مَهُن مَهانةً.
وَقَالَ أَبُو زيد: رَجُلٌ مَهِين: ضَعيف، من قوم مُهنَاء.
وَيُقَال للفَحْل من الْإِبِل والغَنم إِذا لم يُلقِح من مائِه: مَهِين.
وقولُه: {جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن} (السَّجدَة: 8) أَي من مَاء قليلٍ ضَعِيف.
نهم: قَالَ اللَّيْث: النَّهِيم: شِبه الأنين، والطَّحِيرُ والنَّحِيمُ مثله، وَأنْشد:
مالَكَ لَا تَنْهِمُ يَا فلاَّحُ
إنّ النَّهِيم للسُّقاة راحُ
قَالَ: والنَّهْم: زَجْرُك الإبلَ تصيح بهَا لتمضيَ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: نهَم الرجُلُ الإبلَ يَنهَمها نَهْماً: إِذا زَجَرها لتجدّ فِي سَيرهَا، وَأنْشد:
أَلا انهِماها إِنَّهَا منَاهِيمْ
وَإِنَّمَا يَنهَمُها القومُ الهِيمْ
قَوْله: مناهيم: أَي تطيع على النّهم: أَي الزّجْر. وَقد نهِم فِي الطَّعَام ينهَم نَهْماً: إِذا كَانَ لَا يشبَع.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّهْمة: بلوغُ الهِمَّة فِي الشَّيْء، وَفُلَان مَنهوم بِكَذَا: أَي مُولَع بِهِ لَا يَشبَع.
قَالَ: والنَّهْم: الحَذْف بالحَصا وَنَحْوه، وَأنْشد:
يَنهَمْنَ بالدّار الحصَا المنْهُوما
قَالَ: والنَّهاميّ: الحدَّاد.
وروَى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: النَّهامِي: النّجّار. والمَنْهَمة: موضِع النَّجْر.
وَقَالَ أَبُو سعيد: النُّهاميّ: الراهب، والنَّهاميّ: الحدَّاد، وَأنْشد قَول أبي دُؤاد:
نَفْخَ النَّهامِيِّ بالكِيريْن فِي اللهَبِ
وَقَالَ النَّضر: النَّهاميّ: الطَّريق المَهْيَعُ الجَدَدُ، وَهُوَ النَّهام أَيْضا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: النِّهامِيّ بِكَسْر النُّون: صاحبُ الدَّيْر، لِأَنَّهُ يَنهَمُ فِيهِ وَيَدْعُو.

(6/175)


وَقَالَ اللَّيْث: النَّهّام الْأسد فِي صَوْتِه، يُقَال: نَهم يَنهِم نَهِيماً.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الوَئِيدُ: الصَّوت، والنهِيم مِثلُه.
وَقَالَ غيرُه: النُّهامُ: البُوم الذَّكَر.
وَقَالَ الطِّرمَّاح يذكر بُومةً تضبَح:
تَبيتُ إِذا مَا دعاهَا النهام
تُجِدُّ وتحْسبها مازِحَهْ
يَعْنِي أَنَّهَا تُجِدّ فِي صَوتهَا كَأَنَّهَا تُمازِح. وَقَالَ أَبُو سعيد: جمع النُّهام نُهُم، وَهُوَ ذَكَر البُوم، وَأنْشد للطِّرِمَّاح:
لَقْوَةٌ تَضبَح ضَبْحَ النُّهامِ
همن: قَالَ اللَّيْث: الهِمْيَان: التِّكَّة، وَقيل للمِنْطَقة: همْيان وَيُقَال للَّذي تُجعل فِيهِ النَّفَقَة، ويشدّ على الوَسَط: هِمْيان. والهِمْيان دَخيل معرَّب. وَالْعرب قد تكلمُوا بِهِ قَدِيما، فأَعرَبوه، وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المَائدة: 48) وَقَوله: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} (الحَشر: 23) فَإِن الْمُفَسّرين قَالَ بَعضهم فِي قَوْله: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المَائدة: 48) مَعْنَاهُ: وَشَاهدا عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: رقيباً عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: ومؤتمناً عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: المهيمِن: اسمٌ من أَسمَاء الله فِي الكتُب الْقَدِيمَة.
وَقَالَ الْمبرد: مُهيمِن مَعْنَاهُ مُؤَيْمِن، إِلَّا أنّ الْهَاء مُبدلةٌ من الْهمزَة، وَالْأَصْل مُؤَيْمِناً عَلَيْهِ، كَمَا قَالُوا: هِيَّاك وإيَّاك، وهَرَقْتُ المَاء، وَأَصله أَرَقتُ.
قلتُ: وَهَذَا على قِيَاس الْعَرَبيَّة صَحِيح إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه بِمَعْنى الْأمين.
وَقيل: بِمَعْنى مؤتَمَن.
وَقَالَ الْعَبَّاس بنُ عبد المطَّلب يمدَح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى احتوَى بيتُكَ المهيمِنُ من
خِنْدِفَ عَلْياءَ تَحتَها النُّطُقُ
قَالَ ابْن قُتيبة: مَعْنَاهُ حَتَّى احتَويتَ يَا مهيمن من خِندفَ علْياء: يُرِيد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقَامَ البيتَ مقامَه، لِأَن الْبَيْت إِذا حَلَّ بِهَذَا الْمَكَان فقد حَلَّ بِهِ صاحبُه.
قلت: وَأَرَادَ ببيته شرفَه. والمهَيْمِن من نَعْتِه، كَأَنَّهُ قَالَ: حَتَّى احتوى شرفُك الشاهدُ على فضلِك علياء الشرفِ من نَسَب ذَوِي خِنْدف: أَي ذِرْوَةَ الشرفِ من نَسَبهم الَّتِي تحتَها النُّطُق، وَهِي أَوْساط الْجبَال الْعَالِيَة، جَعَل خِنْدَفَ وقبائلها نُطُقاً لَهُ.
وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن مُقَرِّن يومَ نهاوَنْد: أَلا إِنِّي هازٌّ لكم الرَّايَة الثَّانِيَة فليثبتْ الرِّجَال، فليَشُدُّوا هَمايِينَها على أحقائها، يَعْنِي مَناطِقَها ليستعدوا للحملة.
ويُروَى عَن عمرَ أنّه قَالَ يَوْمًا: إنّي داعٍ فهَيْمِنوا أَرَادَ: إنِّي دَاع فأمِّنوا على دُعائي، قَلب إِحْدَى حَرْفي التَّشْديدة فِي أَمِّنُوا يَاء، فَصَارَ أَيْمِنوا ثمَّ قُلِبَتْ الْهمزَة هَاء فَقَالَ: هَيْمِنوا.

(6/176)


وَالْعرب تَقول: أمّا زيدٌ فحسَن، ثمَّ يَقُولُونَ: أيْما زيد فحسَنٌ، بِمَعْنى أمّا، وَأنْشد المبرّد قَول جميل:
على نَبْعةٍ زَوْرَاءَ أَيْمَا خِطامُها
فمتنٌ وأمّا عُودُها فعَتِيقُ
قَالَ: أَرَادَ بأَيما أمّا فاستَثقَلَ التَّضْعيفَ، فأَبدلَ مِن إِحْدَى المِيمَيْنِ يَاء كَمَا فعلوا بقيراط ودينار، ودِيوانٍ، أَلا تراهم جَمعوها قَراريط ودنانيرَ ودَبابيج.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي قَوْله: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المَائدة: 48) .
قَالَ: المُهيْمِن: القائمُ على خَلْقه، وَأنْشد:
أَلا إنَّ خيرَ الناسِ بَعد نبيِّه
مُهَيْمِنُه التَّالِيه فِي العُرف والنُّكْر
مَعْنَاهُ: الْقَائِم على النَّاس بعده، قَالَ: وَفِي مُهيمِن خمسةُ أَقْوَال:
قَالَ ابْن عبّاس: المُهَيْمِنُ: المؤتَمن.
وَقَالَ الْكسَائي: الْمُهَيْمِن: الشَّهيد. وَقَالَ غيرُه: هُوَ الرَّقيب.
يُقَال: هَيمَن يُهيمِن هَيْمنة: إِذا كَانَ رقيباً على الشَّيْء.
وَقَالَ أَبُو معشر فِي قَوْله: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المَائدة: 48) مَعْنَاهُ وقَبَّاناً عَلَيْهِ، وَقيل: وَقَائِمًا على الكُتب.
قَالَ: وَقيل مُهيمِن فِي الأَصْل مُؤيْمِن

(أَبْوَاب الْهَاء وَالْفَاء)
هـ ف ب: مهمل)
هـ ف م
اسْتعْمل من وجوهه:
فهم: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: فهمتُ الشَّيْء: أَي عقَلْتُه وعَرَفته وفَهَّمتُ فلَانا وأفْهمتُه ورجلٌ فهِم: سريعُ الفَهم، وَيُقَال: فَهْم وفَهَمٌ وتفهَّمْتُ الْمَعْنى: إِذا تَكَلّفْتَ فَهْمَه.

(بَاب الْهَاء وَالْبَاء مَعَ الْمِيم)
هـ ب م
أُهملت وجوهه إِلَّا بهم.
بهم: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة غرلًا بُهْمَاً) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: البهْم وَاحِدهَا بَهِيم، وَهُوَ الَّذِي لَا يخلِط لَوْنَه لونٌ سِواه، من سوادٍ كَانَ أَو غَيره.
قَالَ أَبُو عبيد: فَمَعْنَاه عِنْدِي أَنه أَرَادَ بقوله: بُهْمَاً يَقُول: لَيْسَ فيهم شيءٌ من الْأَعْرَاض والعاهات الَّتِي تكونُ فِي الدُّنيا: من العَمَى والعَرَج والجُذام والبَرَص، وَغير ذَلِك من صُنوف الْأَمْرَاض وَالْبَلَاء، وَلكنهَا أجسادٌ مُبْهَمَةٌ مصحَّحة لخُلُود الأبَد.
وسُئل ابْن عبّاس عَن قَول الله جلّ وعزّ ثَنَاؤُهُ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَآئِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} (النِّساء: 23) وَلم يُبَيِّن: أَدَخلَ بهَا الابنُ أم لَا؟ فَقَالَ ابْن عبّاس: أَبْهِموا

(6/177)


مَا أَبهَمَ الله. قلت: وَقد رأيتُ كثيرا من أهل العِلم يذهَبون بِمَعْنى قَوْله: أَبهِموا مَا أبهمَ الله، إِلَى إِبْهَام الْأَمر واشتباهِه، وَهُوَ إشكاله واشتباهه، وَهُوَ غَلَط.
وكثيرٌ من ذَوِي الْمعرفَة لَا يميّزون بَين المُبْهَم وغيرِ المُبهم تمييزاً مُقنِعاً شافياً وَأَنا أُبيّنه لَك بعون الله وتوفيقه؛ فقولُه جلّ وعزّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الاَْخِ وَبَنَاتُ الاُْخْتِ} (النِّساء: 23) هَذَا كلُّه يسمَّى التَّحْرِيم المُبهم، لِأَنَّهُ لَا يحِلّ بوجهٍ من الْوُجُوه وَلَا سببٍ من الْأَسْبَاب، كالبهيم من ألوان الْخَيل الَّذِي لَا شِيَةَ فِيهِ تُخالفُ معظمَ لَونه.
ولمّا سُئل ابنُ عَبَّاس عَن قَوْله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} (النِّساء: 23) ، وَلم يبيِّن الله الدُّخولَ بهنَّ؟ أجَاب فَقَالَ: هَذَا من مُبهَم التحريمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غير التَّحْرِيم سواءٌ دخَلتم بنسائكم أَو لمْ تدْخلُوا بهنّ؛ فأُمَّهاتُ نِسَائِكُم مُحرّمات من جَمِيع الْجِهَات.
وَأما قَوْله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللَّاتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (النِّساء: 23) فالرّبائب هَاهُنَا لسن من المبهمَة، لأنّ لهنَّ وَجْهين مُبَيَّنين أُحْلِلْنَ فِي أَحدهمَا وحُرِّمْن فِي الآخر، فَإِذا دُخِل بأمَّهات الرّبائب حَرُمَتْ الرَّبائب، وَإِن لمْ يُدْخَل بأمَّهات الرّبائب لم يَحرُمْنَ، فَهَذَا تفسيرُ المُبهَم الَّذِي أَرَادَ ابنُ عَبَّاس، فافهمْه.
أَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنشَدَه:
أَعْيَيْتَنِي كلَّ العَيا
ءِ فَلَا أَغَرُّ وَلاَ بَهِيمُ
قَالَ: يُضرَب مَثَلاً لِلْأَمْرِ إِذا أَشكل وَلم تَتّضِح جِهَتُه واستقامتُه ومعرفتُه، وَأنْشد فِي مثله:
تفرّقتِ المَخاضُ على يَسارٍ
فَمَا يَدرِي: أيُخْثِر أمْ يُذِيبُ
وَقَالَ اللَّيْث: بابٌ مُبهَم: لَا يُهتَدَى لفتحه إِذا أُغْلِق، وليلٌ بَهيم: لَا ضوءَ فِيهِ إِلَى الصّباح.
وَقَالَ ابْن عَرَفة: البَهِيمة: مُسْتَبْهِمَةٌ عَن الْكَلَام، أَي مُنْغَلِقٌ ذَاك عَنْهَا؛ وَيُقَال: أبهمتُ الْبَاب، إِذا سَدَدْتَه.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الاَْنْعَامِ} (المَائدة: 1) يَعْنِي الْأزْوَاج الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْأَنْعَام، وَإِنَّمَا قيل لَهَا بَهِيمَة الْأَنْعَام لأنّ كلّ حيّ لَا يُميِّز فَهُوَ بَهِيمة، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: بَهِيمَة لِأَنَّهُ أُبهِم عَن أَن يميِّز.
قَالَ: وَقيل للإبهام الإصبع: إبهامٌ؛ لِأَنَّهَا تُبْهِمُ الكَفّ: أَي تُطبِق عَلَيْهَا.
قَالَ: وَطَرِيق مُبْهَم: إِذا كَانَ خفيّاً لَا تستبين. وَيُقَال: ضرَبَه فَوَقع مُبْهماً: أَي مغشيّاً عَلَيْهِ لَا يَنطِق وَلَا يميِّز.
وَقَالَ اللَّيْث: البَهْمة: اسمٌ للذّكر وَالْأُنْثَى من أَوْلَاد بَقَر الوَحش وَالْغنم والماعِز، والجميع البَهْم والبِهَام، والبَهْم أَيْضا: صِغارُ الغَنَم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال لأَوْلَاد الْغنم ساعةَ تَضعُها من الضَّأْن والمَعْز جَمِيعًا ذكرا أَو

(6/178)


أثنى: سَخْلة، وجمعُها سِخال، ثمّ هِيَ البَهْمة للذّكر وَالْأُنْثَى، وَجَمعهَا بَهْمٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: هم يُبَهِّمون البَهْمَ: إِذا حرّموه عَن أمّهاته فرَعَوْه وحدَه.
قَالَ: والبِهام: جمعُ بَهْم، والبَهْم: جمع بَهْمة، وَهِي أَوْلَاد الضَّأْن، والبَهْمة اسمٌ للمذكّر والمؤنّث.
قَالَ: والسِّخال: أولادُ المِعْزَى، والواحدة سَخْلة للمؤنث والمذكَّر، وَإِذا اجتمعَت البِهام والسِّخال قلتَ لَهما جَمِيعًا: بِهام.
قَالَ: وَيُقَال: هِيَ الإبْهام للإصبع، وَلَا يُقَال: البِهام، وَيُقَال: هَذَا فرسٌ جَوادٌ وبَهِيم، وَهَذِه فرسٌ جَواد وَبَهيم بِغَيْر هَاء: وَهُوَ الَّذِي لَا يَخلِط لونَه شيءٌ سوى مُعظم لونِه.
رَوَى سُفيانُ عَن سَلَمَة بن كُهَيل عَن خَيْثمة عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي قَول الله تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (النِّساء: 145) ، قَالَ: فِي تَوابِيتَ من حَدِيد مُبْهَمةٍ عَلَيْهِم.
قَالَ أَبُو بكر بنُ الأنباريّ: المُبهمَة: الَّتِي لَا أَقفالَ عَلَيْهَا. يُقَال: أمرٌ مُبْهَم: إِذا كَانَ ملتَبساً لَا يُعرَف مَعْنَاهُ وَلَا بابُه.
قَالَ: ورجُل بُهْمَة: إِذا كَانَ شُجاعاً لَا يَدرِي مُقاتِلُه من أَيْن يَدْخُل عَلَيْهِ.
قلت: والحروف المُبهَمة: الَّتِي لَا اشتِقاق لَهَا، وَلَا يُعرَف لَهَا أصُول، مثل الَّذِي وَالَّذين وَمَا وَمن وَعَن، وَمَا أشبَهَهَا.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: كَلَام مُبْهَم: لَا يُعرَف لَهُ وجهٌ يُؤتَى مِنْهُ، مَأْخُوذ من قَوْلهم: حائطٌ مُبهَم: إِذا لم يكن فِيهِ بَاب، وَمِنْه يُقَال: رجلٌ بُهْمة: إِذا لم يُدْرَ من أَيْن يُؤْتى لَهُ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أبهَمَ عليّ الأمرُ: إِذا لم يَجْعَل لَهُ وجْهاً أعرِفُه. ولونٌ بَهِيم: لَا يُخالِفُه غَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: البُهْمَى: نبتٌ تَجِدِ بِه الغنمُ وَجْداً شَدِيدا مَا دَامَ أخضَر، فَإِذا يَبِس هَرَّ شوكُه وامتَنَع، وَيَقُولُونَ للواحدة: بُهْمَى، وللجميع؛ بُهْمَى.
قَالَ: وَيُقَال للواحدة: بُهْمَاة، وَأنْشد ابْن السّكيت:
رَعَتْ بارضَ البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرَةً
وصَمْعاء حَتَّى آنَفَتْها نصالُها
وَالْعرب تَقول: البُهْمَى: عَقْر الدّار، وعَقَار الدَّار: يُرِيدُونَ أَنه من خِيار المَرْتَع فِي جَنابِ الدّار.
والإبهام: الإصبَعُ الكُبرى الَّتِي تلِي المُسبِّحة، والجميع الأباهيم، وَلها مَفصِلان.
وكلّ ذِي أَربع من دوابّ الْبر وَالْبَحْر يُسمَّى بَهيمة.
وَقَالَ الْأَخْفَش: بُهمَى لَا تُصرَف، والواحدة بُهْماة.
والبَهايم: أَجْبُلٌ بالحِمَى على لونٍ وَاحِد. قَالَ الرّاعي:
بَكَى خَشْرَمٌ لمَّا رَأَى ذَا مَعارِكٍ
أَتَى دونه والهَضْبَ هَضْبَ البهايم
وأَبهمَت الأرضُ فَهِيَ مُبهِمة: إِذا أنبتَتْ البُهمى.

(6/179)


وَبَهَّمَ فلانٌ بموضِع كَذَا: إِذا أقامَ بِهِ وَلم يَبرَحْه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: البُهْمة الْفَارِس الَّذِي لَا يُدرَى من أَيْن يُؤتَى من شدَّة بأسِه.
قَالَ: والبُهْمة أَيْضا: هم جماعةُ الفُرْسان، وَقَالَ متمّم ابْن نُوَيْرة:
وللشَّرْب فابكِي مالِكاً ولِبُهْمَةٍ
شديدٍ نواحِيها على من تشجَّعا
وهم الكُماةُ، وَقيل لَهُم: بُهْمة لِأَنَّهُ لَا يُهتَدَى لقتالهم.
وَقَالَ غيرُه: البُهْمة: السَّواد أَيْضا. وَيُقَال للّيالي الثَّلَاث الَّتِي لَا يَطلُع فِيهَا القَمَر: بُهَم، وَهِي جمعُ بُهْمة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : رجل بُهْمة، إِذا كَانَ لَا ينثني عَن شَيْء أَرَادَهُ. واستَبهَم الأمرُ: إِذا استغْلَق فَهُوَ مُسْتبهِمُ.

(6/180)


هَذِه أَبْوَاب الثلاثي من معتل الْهَاء
أهملت الْهَاء مَعَ الْخَاء (إِذا) دخلهما حُرُوف العلَّة.

(بَاب الْهَاء والغين)
هـ غ (وَا يء)
هيغ: الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: إِنَّهُم لَفي الأهْيَغَيْنِ: من الخِصب وحُسن الْحَال، وعامٌ أَهيَغُ: إِذا كَانَ مُخصِباً كثير العُشْب.
سلَمة، عَن الفرَّاء قَالَ: الأهْيَغان: الْأكل والنِّكاح، قَالَ رؤبة:
يَغْمِسْنَ من يَغْمِسْنه فِي الأهْيَغِ

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف)
هـ ق (وَا يء)
قوه، قاه، قهى، هقى، وهق، هيق، أقه.
قيه قاه: قَالَ اللَّيْث: القاهُ: الطَّاعَة، وَيُقَال: بِمَنْزِلَة الجاه، وَفِي الحَدِيث أَن رجلا من أهل الْيمن قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا أهلُ قاهٍ، فَإِذا كَانَ قاهُ أحدِنا دعَا من يُعينه، فعَمِلوا لَهُ، أَطعَمَهم وسقاهم من شراب يُقَال لَهُ: المِزْر. فَقَالَ: أَله نَشْوةٌ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَلَا تشربوه.
قَالَ أَبُو عبيد: القاهُ: سرعَة الْإِجَابَة، وحُسنُ الْإِجَابَة والمعاونة، يَعْنِي أَن بَعضهم يعاون بَعْضًا فِي أَعْمَالهم، وأصلهُ الطَّاعَة وَمِنْه قَول رؤبة:
تالله لَوْلَا النّارُ أَن نَصْلاهَا
لَمَا سمعنَا لأميرٍ قَاهَا
قَالَ: يُرِيد الطَّاعَة، وَمِنْه قَول المخبَّل: واستَيْقَهوا للمحلِّم، أَي أطاعوه، إلاّ أَنه مقلوب، قدم الْيَاء وَكَانَت الْقَاف قبلهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِم: جَذَب وجَبَذ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: القاهُ، والأقْه: الطَّاعَة، وَمِنْه يُقَال: أقاهَ الرَّجُلُ، وأَيْقَه، وَيُقَال: مَالك عليَّ قاهٌ: أَي سُلْطَان.
قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: القاهُ: الطّاعة، عَرَفَتْه بَنو أَسد. قلت أَنا: الَّذِي يتوجّه عِنْدِي فِي قَوْله: إِنَّا أهلُ قاهٍ: أَي أهل طَاعَة لمن يتَمَلَّك علينا، وَهِي عادتُنا، فَإِذا أمَرَنا بأمرٍ أَو نَهَانَا عَن أمرٍ أَطعْناه، وَلم نرَ خِلَافه، وَقَوله: فَإِذا كَانَ قاهُ أحدِنا دَعَا من يُعينه، أَرَادَ فَإِذا كَانَ ذُو قاهِ أحدِنا دَعَا الناسَ إِلَى مَعُونته أطعَمَهم وسقاهم.

(6/181)


قَالَ الدِّينوري: إِذا تناوب أهلُ الجَوْخان، فَاجْتمعُوا مرّة عِنْد هَذَا، وَمرَّة عِنْد هَذَا، وتعاونوا على الدِّياس فَإِن أهلَ الْيمن يسمون ذَلِك القاه، ونَوبةُ كلّ رجل قاهَة، وَذَلِكَ كالطاعة لَهُ عَلَيْهِم، لِأَنَّهُ تناوبٌ قد ألزموه أنفسَهم، فَهُوَ وَاجِب لبَعْضهِم على بعض.
قهى أقه: أَبُو عُبَيْدَة، عَن الْأَصْمَعِي: القُوهَة: اللَّبن الحُلو.
وَقَالَ اللَّيْث: القاهِيُّ: الرجلُ المخصب فِي رَحْله، وَإنَّهُ لفي عيشٍ قاهٍ: أَي رَفِيهٍ بيِّن القُهُوَّة والقَهْوَةِ وهم قاهِيُّون.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: يُقَال للرجل الْقَلِيل الطُّعم: قد أَقهَى وأَقهم.
وَقَالَ أَبُو زيد: أقهى الرجُل: إِذا قلَّ طُعْمُه، وأَقْهَى عَن الطَّعَام: إِذا قَذِره فَتَركه وَهُوَ يَشْتَهيه.
وَقَالَ أَبُو السَّمْح: المقْهِي: الأجِمُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي الطعامَ من مَرَض أَو غَيره، وأَنشد شمر:
لَكالمسْكِ لَا يُقهي عَن الْمسك ذائقُه
والقهوة: الْخمر؛ سُمِّيتْ قهوةً، لِأَنَّهَا تُقهِي الإنسانَ: أَي تُشْبِعُه. وَقَالَ غَيره: سُمِّيتْ قهوة؛ لأنّ شاربَها يُقْهِي عَن الطَّعَام: أَي يكرههُ ويأجَمُه.
وَقَالَ الشَّاعِر يذكر نسَاء:
فأَصبحنَ قد أَقْهَينَ عني كَمَا أَبَتْ
حِياضَ الإمِدَّانِ الهِجانُ القَوامحُ
يصف نسَاء سَلوْنَ عَنهُ لمّا كبر.
قوه: الثِّيَاب القُوهِيَّة مَعْرُوفَة منسوبةٌ إِلَى قُهِسْتَان.
قَالَ ذُو الرّمّة:
من القُهز والقُوهِيِّ بِيضُ المقَابغ
وَحدثنَا حَاتِم بنُ مَحْبُوب، عَن عبد الْجَبَّار، عَن سُفْيان، عَن عَمْرو بن دِينَار: قَالَ فِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل نَجْرَان: لَا يُحرَّك راهبٌ عَن رهبانيته، وَلَا وُقاهٌ عَن وُقاهيته، وَلَا أُسْقُفٌّ عَن أُسقفيته، شهد أَبُو سفيانَ بنُ حَرب، والأقرعُ بنُ حَابِس. قلت: هَكَذَا رَوَاهُ لنا أَبُو يزِيد بِالْقَافِ والصوابُ لَا يحرَّك وافِهٌ عَن وُفْهِيته، كَذَلِك كتبه أَبُو الْهَيْثَم فِي كتاب ابنُ بُزُرْج بِالْفَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الوافه: القيِّم الَّذِي يقوم على بَيت النَّصَارَى الَّذِي فِيهِ صَليبُهم بلغَة أهل الجزيرة، قَالَ: وَفِي الحَدِيث: (لَا يُغَيَّرُ وافهٌ عَن وُفهيته) . قلت: وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي (واهفٌ) وكأنهما لُغتان.
هيق: قَالَ اللَّيْث: الهَيْق: الدَّقيق الطَّويل، وَلذَلِك سُمِّي الظَّليم: هَيْقاً. ورجُلٌ هيق، يُشَبَّه بالظليم لنفاره وجُبنه. وَقَالَ غيرُه: الهيق من أَسمَاء الظليم، وَالْأُنْثَى هيْقة وَأنْشد:
كَهدَجان الرَّألِ خَلْفَ الهَيْقَةِ
وهق: قَالَ اللَّيْث: الوَهَق: الحَبْل المُغارُ يُرمَى فِي أُنشُوطةٍ فيُؤخَذ بِهِ الدّابة وَالْإِنْسَان.
والمُواهقَة: المواظبَة فِي السَّير، ومَدُّ الْأَعْنَاق؛ تَقول: تَوَاهَقَت الرِّكابُ، وَقَالَ رؤبة:
تَنشَّطَتْها كلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ

(6/182)


أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: المواهقة: أَن تسيرَ مثل سَيرِ صاحِبِك.
وَقَالَهُ أَبُو عَمْرو: وَهِي المُوَاضَخَة والمُواغَدَة، كلُّه وَاحِد.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ مُتَّقِهٌ لفُلَان ومُؤتَقِهٌ: أَي هائبٌ لَهُ مطيعٌ.
هقي: اللَّيْث: فلانٌ يَهقِي فُلاناً: إِذا تناوَلَه بقبيح.
وَقَالَ الباهليّ: هَقَى يَهْقِي، وهَرَف يَهْرِف: إِذا هَذَى فَأكْثر، وأنشدَ:
أيُترَك عيرٌ قاعدٌ عِنْد ثَلَّةٍ
وَعالاتِها يَهْقِي بِأمِّ حَبِيبِ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: هَقَى، وهَرَفَ، إِذا هَذَى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: توهَّقَ الحَصا: إِذا حَمِي من الشَّمْس، وَأنْشد:
وَقد سَرَيتُ الليلَ حَتَّى غَرْدقا
حَتَّى إِذا حامِي الحَصا توهَّقا
وأهمل الليثُ وغيرهُ الْهَاء مَعَ الْخَاء، وَأنْشد مُحَمَّد بن سهل الكُمَيْت:
إِذا ابتَسَر الحَربَ أخْلامُها
كِشافاً وهُيِّخَت الأَفْحُلُ
الابتسار: أَن يَضْرِب الفحلُ النَّاقة على غير ضَبَعةٍ. وأخْلامُها: أصحابُها الْوَاحِد خِلم.
هيخ: قَالَ هُيِّخَت: أُنيخَتْ، وَهُوَ أَن يُقَال لَهَا عِنْد الإناخة: هِخْ هِخْ وإخْ إخْ. يَقُول: ذَلَّلَتْ هَذِه الحروبُ الفُحُولة فأناختْها.
وَقَالَ محمدّ بن سهل: هُيِّخَت الناقةُ: إِذا أُنِيختْ ليَقرَعها الفحلُ، وهُيِّخ الفحلُ: أَي أُنِيخَ ليَبْرُك عَلَيْهَا فيضربها.
قلت: هَذِه الْهَاء مَعَ الْخَاء لَيست بأصليَّة، أَصْلهَا هَمْزة قلبت هاءُ.

(بَاب الْهَاء وَالْكَاف)
(هـ ك (وَا يء)
كهي، هوك، هكي.
كهي: عَمْرو، عَن أَبِيه: أَكهَى الرجل: إِذا سَخَّن أَطْرَاف أَصَابِعه بِنَفَسِه.
قلت: أصلُ أَكْهَى أَكَهَّ، فقُلبتْ إِحْدَى الهاءين ألفا.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَهاة: النَّاقة الضَّخمة كَادَت تدخُل فِي السِّنّ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: نَاقَة كَهاةٌ: عَظِيمَة السَّنام جليلةٌ عِنْد أَهلهَا، وَجَاءَت امرأةٌ إِلَى ابْن عبَّاس فَقَالَت: فِي نَفسِي مسألةٌ وَأَنا أَكْتَهِيك أنْ أُشافِهك بهَا: أَي أُجِلُّك وأعظِّمك. قَالَ: فاكتُبيها فِي بطاقة: أَي فِي رُقعة، وَيُقَال: فِي نِطاقة. وَالْبَاء تُبدل من النُّون فِي حُروفٍ كَثِيرَة.
وَقَالَ غَيره: رجل أَكْهَى: أَي جبانٌ ضَعِيف، وَقد كَهِيَ كَهاً.
وَقَالَ الشَّنْفَرَى:
وَلَا جُبَّإٍ أَكْهَى مُرِبَ بِعِرْسِه
يُطالِعُها فِي شَأْنه: كَيفَ يَفْعَلُ

(6/183)


ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الأكْهاء: المتحيِّرون، والأكْهاء: النُّبلاء من الرِّجَال.
قَالَ: وَيُقَال: كاهَاهُ، إِذا فاخره أيُّهما أَعظم بَدَناً، وهاكاهُ إِذا استَصْغَر عقلَه. وَقَوله:
وَإِن تَكُ إنْساً مَا كَها الإنْسُ يفْعَلُ
يُرِيد: مَا هَكَذَا الإنْس يَفعل، فَترك ذَا وقَدّم الكافَ.
وحدّثنا المنذريّ، عَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن النَّضر قَالَ: حدَّثني حسنُ بنُ عبد الله بن عِياضٍ الأسْلميّ قَالَ: حدَّثني مالكُ بنُ إِيَاس بن مَالك بن أَوْس الأسْلَمي قَالَ: حدَّثني أبي إياسُ بنُ مَالك عَن أَبِيه مَالك بن أَوْس أَنَّه حدَّثه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر تَأوَّبَا أَبَاهُ أَوْسَ بن عبد الله يقَحْدواتٍ دُوَيْن الجُحْفة من دون رابغ، وَقد ظلعتْ برَسُول الله ناقتُه القَصْوى، فَدَعَا أوسُ بنُ عبد الله بفَحْل إبِله، فَحَمل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَدَفه، فَسَلَك بهَا (قَفَا قَحْدواتٍ) ، ثمَّ سَلك بِهِ فِي أَحيَاء، ثمَّ سَلَك بِهِ فِي ثَنِيَّة المُرَّة، ثمَّ أَتَى بِهِ من طَرْف صَخْرَة (أَكْهَى) ثمَّ أَتَى بِهِ من دُون (العَصَوَيْن) ثمَّ أَتَى بِهِ من (كشَذ) ، ثمَّ سَلَك بِهِ (مَدْلَجة تُعَهِّن) ، وصلَّى بهَا، وبَنَى بهَا مَسْجداً، ثمّ أَتَى بِهِ من الغَثْيَانة، ثمّ أجَاز بِهِ وَادي العَرْج ثمَّ سلك بِهِ ثنية رَكوبه ثمّ علا (الخلائقَ) ، ثمَّ دخل بِهِ الْمَدِينَة.
يُقَال: حَجَرٌ أَكْهَى: لَا صَدْع فِيهِ.
قَالَ ابْن هَرْمة:
كَمَا أعْيَت على الرّاقِين أَكْهَى
تعيَّتْ لَا مِياهَ وَلَا فِراغا
هوك: رُوِيَ عَن عمر بن الخطّاب أَنه قَالَ للنَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنّا نسمَعُ أحاديثَ فِي يَهودَ تُعجِبُنا، أفترى أَن نَكتبها؟
فَقَالَ: أَمُتَهوِّكُون أَنْتُم كَمَا تَهَوَّكتْ اليَهودُ والنَّصارى؟ لقد جئتُكم بهَا بَيْضاء نقيّة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاهُ أُمُتَحَيِّرون أَنْتُم فِي الْإِسْلَام حَتَّى تأخذوه من اليَهود؟ والهَوَكُ: الحُمْق، وَقد هَوِك فَهُوَ أَهْوَكُ وهَوَّاك، وَقد هَوَّكه غَيره، وَمثله الأهْوَج. .

(بَاب الْهَاء وَالْجِيم)
(هـ ج (وَا يء))
هجا، هاج، جهى، جاه. وَجه، وهج، هوج.
هجا: قَالَ اللَّيْث: هَجَا يَهْجو هِجاءً، مَمْدُود: وَهُوَ الوقِيعة فِي الْأَشْعَار.
وَقَالَ ابْن هانىء: قَالَ أَبُو زيد: الهجاء: الْقِرَاءَة. قَالَ: وَقلت لرجل من قيس: أَتَقْرَأُ من الْقُرْآن شَيْئا؟ فَقَالَ: وَالله مَا أَهْجُو مِنْهُ حَرْفاً: يُرِيد: مَا أَقْرَأُ مِنْهُ حَرْفاً.
قَالَ: ورويتُ قصيدةً فَمَا أهْجُو اليومَ مِنْهَا بيْتَيْن: أَي مَا أرْوِي.
وَقَالَ غَيره: فُلَانَة تَهْجُو صُحْبةَ زَوجهَا: أَي تَذُمّه، وتشكو من صُحْبَته.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اللَّهُمَّ إِن فلَانا هجاني فاهجُه اللَّهُمَّ مَكَان مَا هَجَاني) وَمعنى قَوْله (اهجه) اللَّهُمَّ: أَي جازِه على هِجائه إيّاي جزاءَ هِجائه، وَهَذَا كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {يَنتَصِرُونَ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا}

(6/184)


(الشّورى: 40) وَكَقَوْلِه: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} (البَقَرَة: 194) ؛ فَالثَّانِي مجازاة وَإِن وافَق اللَّفْظُ اللَّفْظَ فِي هَذِه الْحُرُوف.
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب:
قَالَ اللَّيْث: يُقَال: قد هَجَأً غَرْثِي يَهْجَأُ هَجْأً: إِذا ذهب عَنهُ وَانْقطع.
وَيُقَال: قد أَهْجَأَ طعامُكم غَرْثِي: إِذا قطعَه إهجاءً، وَأنْشد:
فَأَخْزَاهُم رَبِّي ودَلَّ عليهمُ
وأطعَمهمْ من مَطْعمٍ غير مُهْجِىء
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: هَجَأْتُ الطعامَ: أكلتُه.
وَقَالَ غَيره: أهجأتُه حقَّه، وأهْجَيْتُه حَقَّه: إِذا أدَّيْتَه إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الهَجَأ يُقصَر ويُهْمَز، وَهُوَ كل مَا كنتَ فِيهِ فَانْقَطع عَنْك. وَقَالَ: وَمِنْه قولُ بشّار وقصرَه وَلم يَهْمِزْ؛ والأصلُ الْهَمْز:
وقَضَيْتُ من وَرَقِ الشبابِ هِجاً
من كل أَحْورَ راجحٍ حَسَبُهْ
وَقَالَ اللَّيْث: الهجاء ممدودٌ تهجِية الحرُوف، تَقول تهجّأت وتهجَّيْتُ، بهَمْزٍ وتبديل.
شمر، قَالَ ابْن شُمَيْل: فلانٌ على هِجاء فلانٍ أَي على قَدْرِه ومثاله.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهِجَا الشِّبَع من الطَّعام، والمهاجاه بَين الشاعِرَين بتهاجَيان.
هوج: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الهَوجَ مصدرُ الأهْوَج، وَهِي النَّاقة وَهُوَ الأحمق، وَيُقَال للشّجاع الَّذِي يَرمي بِنَفسِهِ فِي الْحَرْب: أهْوَج، وَيُقَال للطُّوال إِذا أَفرَط فِي طُوله: أهْوَجُ الطُّول. قَالَ: والهوْجاء من صفة النَّاقة خاصّة، وَلَا يُقَال: جملٌ أهوَج، وَهِي النَّاقة السريعة لَا تَتعاهَدُ مواطِىءَ مناسِمِها من الأَرْض.
والهُوجُ من الرِّياح: الَّتِي تَحمل المُورَ وتَجرُّ الذَّيل، والواحدة هَوْجاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهوْجاء من الرِّياح كلّها: الشَّدِيدَة الهبوب.
أَبُو عَمْرو: فِي فلانٍ عَوَجٌ وهَوَج، بِمَعْنى وَاحِد.
هيج: قَالَ اللَّيْث: هاج البَقْل إِذا اصفَرّ وطالَ فَهُوَ هائج، وَيُقَال: بل هِيجَ، وهاجَتِ الأرضُ فَهِيَ هائجة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا تمّ يُبسُ النّبات قيل: قد هَاجَتْ الأرضُ تَهيج هِياجاً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله: {أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ} (الزُّمَر: 21) قَالَ: يهيجُ: يَأْخُذ فِي الجَفاف فتَبتدىء بِهِ الصُّفْرة.
وَقَالَ اللَّيْث: هاجَ الفَحْل هِياجاً، واهتاج اهتياجاً، إِذا ثار وهَدَر، وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يثور للمشقّة وَالضَّرَر، تَقول: هاجَ بِهِ الدمُ، وهاجَ الشرُّ بَين الْقَوْم.
والهَيْجاء: الحَرْب تُمَدّ وتُقْصَر. وَتقول: هَيَّجْتُ الشرَّ بَينهم، وهَيّجت الناقَة فانبعثتْ، وَيُقَال: هِجْتُه فهَاج. رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد، وَأنْشد غَيره:
هِيهِ وإنْ هِجناكَ يَا بن الأصْوَلِ

(6/185)


وَقَالَ اللَّيْث: هِيجِ، مجرورٌ فِي زَجْر النَّاقة، وَأنْشد:
تَنْجو إِذا قَالَ حادِيها لَهَا: هِيجي
وَقَالَ اللَّيْث: الهاجَةُ: الضِّفْدِعَة الْأُنْثَى. والنَّعامة يُقَال لَهَا: هاجَة، وتصغيرُها هُوَيْجَة. وَيُقَال: هُيَيْجَة، وَجمع الهاجةِ هاجَات.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للسَّحاب أوّل مَا يَنْشأ: هاجَ لَهُ هَيْجٌ حَسَن، وأَنشَد قولَ الرّاعي:
تَراوَحُها رَواعِدُ كلِّ هَيْجٍ
وأرواحٌ أَطَلْنَ بهَا الحَنِينَا
وَيُقَال: يومُنا يومُ هَيْجٍ، أَي يومُ غيْم وَمطَر، ويومُنا يومُ هَيْج أَيْضا، أَي يومُ ريح. وَقَالَ الرّاعي:
ونارِ وَدِيقَةٍ فِي يومِ هَيْجٍ
من الشِّعْرَى نَصبْتُ لَهَا الجَبَينا
يُرِيد يَوْم رِيح.
وَقَالَ النَّضر: المِهْياج من الْإِبِل: الَّذِي يَعْطَش قبل الْإِبِل، وهاجَت الإبلُ إِذا عطَشَتْ.
قَالَ: والمِلْواح مِثلُ المِهْياج.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهَيْج: الصُّفرة والهَيْج: الجَفاف، والهَيْج: الْحَرَكَة، والهَيْج: الفِتْنة والهَيْج: هَيَجان الدَّم أَو الْجِمَاع أَو الشَّوق.
جوه: قَالَ اللَّيْث: الجاه الْمنزلَة عِنْد السُّلْطَان، وَلَو صَغَّرْتَ قلت: جُوَيهة، ورَجُل وَجِيه: ذُو وجاهة.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: جُهْتُ فلَانا بِمَا كَرِه فَأَنا أُجُوهُه بِهِ، إِذا أنتَ تَقَبَّلْتَه بِهِ.
وَقَالَ: وَأَصله من الوَجْه فقُلبت، وَكَذَلِكَ الجاهُ أصلُه الوَجْه.
وَيُقَال: فلانٌ أَوْجَهُ من فلَان، من الجَاه، وَلَا يُقَال: أَجْوَه. والعَرَب تَقول للبعير: جاهِ لَا جُهْتَ، وَهُوَ زَجرٌ للجَمل خاصَّة.
وَجه: قَالَ اللَّيْث: الوَجه: مستقبَلُ كلِّ شَيْء. والجِهة: النَّحو، تَقول: كَذَا على جِهَة كَذَا، وَتقول: رجلٌ أحمَر من جِهتِه الْحمرَة، وأسوَد، من جِهَته السَّواد.
والوِجْهة: القِبلة، وشَبَهتُها فِي كلِّ وِجْهة أَي فِي كلِّ وجهٍ استقبلتَه، وأَخذت فِيهِ. وَتقول: توجَّهوا إِلَيْك ووجَّهوا، كلٌّ يُقَال، غير أنَّ قَوْلك: وجَّهوا إِلَيْك على معنى وَلَّوْا وُجوهَهم. والتَّوجُّه الفِعْل اللَّازِم.
قَالَ شمر: قَالَ الْفراء سمعتُ امْرَأَة تَقول: أَخَاف أَن تَجُوهَني بأكثَر من هَذَا، أَي تستقبلني.
قَالَ شمر: أرَاهُ مأخوذاً من الوَجه فَإِنَّهُ مقلوب قَالَ: والوُجاه والتُّجاه لُغَتَانِ، وَهُوَ مَا استقبَل شيءٌ شَيْئاً، تَقول: دارُ فلانٍ تُجاه دارِ فلَان، والمُواجَهة: استقبالُك الرجل بِكَلَام أَو وَجْهٍ.
وَفِي حَدِيث أم سَلَمَة أنّها لما وَعَظْت عائشةَ حِين خرجتْ إِلَى البَصْرة قَالَت لَهَا: لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عارَضَكِ بعضَ الفَلَوات ناصَّةً قَلُوصاً من مَنْهَل إِلَى مَنْهَل قد وَجَّهتِ سِدافَته وتركتِ عُهَيْداه. فِي حَدِيث طَوِيل قولُها: وجّهْتِ سِدافته أَي أخذتِ وَجْهاً هَتكْتِ سِتْرَك فِيهِ قَالَ القُتَيْبيُّ: وَيجوز أَن يكون معنى وجّهتِها أَي أَزلتِها من المكَان الَّذِي أُمِرْتِ أَن تلزميه وجعلتِها أمامك.

(6/186)


قَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم أَيْنَمَا أُوجِّهْ ألْقَ سَعْدا، مَعْنَاهُ أَيْن أتوجه، قلت: ومثلُها قدَّم وتقدَّم وبيّن وتبيَّن، بِمَعْنى وَاحِد. والعَرَبُ تَقول: وَجِّه الحَجَرِ جِهَة مَاله وجهةٌ مَاله؛ يُضَرب مَثَلاً لِلْأَمْرِ إِذا لم يَستَقِم من جهةٍ أَن يُوجَّه لَهُ تدبيرٌ من جهةٍ أُخْرَى. وأصلُ هَذَا فِي الحَجَر يوضَع فِي البِناء فَلَا يَسْتَقِيم فيُقلَب على وجهٍ آخر فيستقيم. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب الْأَمر يحسن التَّدْبِير والنَّهْي عَن الخُرْق فِيهِ: وَجِّه الحجَر وجْهةً مَاله، وَيُقَال: وِجهةٌ مَاله بِالرَّفْع، أَي دَبِّر الْأَمر على وَجْهه الَّذِي يَنْبَغِي أَن يوجَّه عَلَيْهِ، وَفِي حُسن التّدبير. وَيُقَال: ضَرَب وَجْهَ الْأَمر وعينه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال وَجِّه الحجرَ جِهَة مَاله، يُقَال فِي مَوضِع الحَضِّ على الطَّلَب، لِأَن كل حجر يُرمَى بِهِ فَلهُ وجهٌ، فعلى هَذَا الْمَعْنى رَفْعُه، وَمن نَصبه فَكَأَنَّهُ قَالَ: وجِّه الْحجر جِهتَهَ، وَمَا فَضْلُ، وَمَوْضِع الْمثل ضَع كل شَيْء مَوْضِعه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وجِّه الحجَر جِهةً مَاله وجهةٌ مَاله ووِجهةً مَاله ووجهةٌ مَاله، ووَجْهاً مَاله، ووجهٌ مَاله.
وَيُقَال: وجّهتِ الرِّيحُ الحصَا توجيهاً، إِذا ساقَتْه، وَأنْشد:
تُوجِّه أبْساطَ الحُقُوفِ التَّياهِرِ
وَيُقَال: قادَ فلانٌ فلَانا فوجَّه، أَي انْقَادَ واتَّبَع.
وَيُقَال للرجل إِذا كَبِر سنُّه: قد تَوَجَّه.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: شَمِط، ثمَّ شاخَ، ثمَّ كبِر، ثمَّ توجَّه، ثمَّ دلَف، ثمَّ دَبّ، ثمَّ مَجّ، ثمَّ ثَلَّبَ، ثمَّ الْمَوْت.
وَيُقَال: أتيتُه بوجْهِ نَهارٍ، وشبابِ نَهارٍ وصَدْرِ نَهارٍ، أَي فِي أوَّله وَمِنْه قَوْله:
من كَانَ مَسْرُورا بِمَقْتَلِ مالكٍ
فليأتِ نِسْوَتَنا بَوجْهِ نَهارِ
وَقيل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَاخِرَهُ} (آل عِمرَان: 72) : إِنَّه صَلَاة الصُّبْح، وَقيل: هُوَ أوَّل النَّهار.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال: نظر فلَان إليّ بِوُجَيْه سَوْءٍ وبجُوه سَوْء وبِجِيه سَوْءٍ.
وَقَالَ الأصمعيّ: وجَهتُ فلَانا: ضربتُ وجههَ فَهُوَ مَوْجُوهٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال: أَتى فلَان فلَانا فأَوْجهَه وأَوْجأَه، إِذا رَدَّه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْخَلِيل فِي قوافي الشّعْر: التأسيس، والتوجيه، والقافية، وَذَلِكَ مثل قَول النَّابِغَة:
كِليني لِهَمَ يَا أُمَيْمةَ نَاصبِ
فالباء هِيَ القافية، وَالْألف الَّتِي قبل الصَّاد: تأسيس، وَالصَّاد: تَوْجِيه بَين التأسيس والقافية، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: تَوْجِيه، لِأَن لَك أَن تغيره بِأَيّ حرف شِئت.
وَيُقَال: خرج الْقَوْم فوجَّهوا للنَّاس الطريقَ توجيهاً، إِذا وَطَّئُوه وسَلَكُوه حَتَّى استبان أَثَرُ الطّريق لمن يَسلُكُه.
وَيُقَال: أَوْجَهَتْ بِهِ أمُّه حِين وَلَدَتْه، إِذا خَرَجَ يَدَاهُ أَولا وَلم تلده يَتْناً.
قَالَ أَبُو بكر: قَوْلهم: لفلانٍ جاهٌ فيهم، أَي منزلَة وقَدْر، فأخِّرَت الواوُ من مَوضِع الْفَاء، وجُعِلتْ فِي مَوضِع الْعين، فَصَارَ جَوْهاً، ثمَّ جَعلوا الواوَ ألفا فَقَالُوا: جاه.

(6/187)


وَقَالَ ابْن السّكيت: فلانٌ أحمَقُ مَا يَتَوجَّه، أَي مَا يُحسِن أَن يَأْتِي الغائطَ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عِنْدِي امرأةٌ قد أوْجَهَتْ، أَي قَعَدَتْ عَن الْولادَة.
جهى: شمر أَجْهَى لَك الأمرُ وَالطَّرِيق، أَي وَضَح، وأَجْهت السماءَ أَي تقشّعَتْ. وبيْتٌ أَجْهَى: لَا سَقْف لَهُ.
وَقَالَت أم جَابر العَنْبرية: الجَهاءُ والمُجْهِيَة: الأَرْض الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَجَر.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْجَهْوة: الدُّبُر.
أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: أَجَهَتِ السماءُ فَهِيَ مُجْهيَة، إِذا أَصْحَت، وأَجْهَتْ لَك السُبُل، أَي استبانت، وبيتٌ أَجْهَى: لَا سِتْرَ عَلَيْهِ، وبيُوتٌ جُهْوٌ بِالْوَاو وعَنْزٌ جَهْوَاءُ: لَا يَستر ذَنبُها حياهَا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جاهَاه، إِذا فاخَرَه.
وهج: قَالَ اللَّيْث: الوَهَج: حَرُّ النَّار وَالشَّمْس من بعيد. وَقد توهَّجَت النَّار، ووَهِجَتْ تَوْهَج.
وَيُقَال للجَوْهر إِذا تلألأ: يَتوهَّج، ووَهَجَان الجَمْر: اضطرامُ توهُّجه، وَأنْشد:
مُصْمَقِرُّ الهَجِير ذُو وَهَجانِ

(بَاب) الْهَاء والشين)
(هـ ش (وَا يء))
هاش، شاه، شهو.
شهو: فِي الحَدِيث: (إِن أخوَفَ مَا أخافُ عَلَيْكُم الرِّياء والشهوَة الخَفيَّة) .
قَالَ أَبُو عبيد: ذهب بهَا بعضُ النَّاس إِلَى شَهْوَة النِّسَاء وغيرِها من الشهوَات، وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بمخصوص بِشَيْء وَاحِد، وَلكنه فِي كل شَيْء من المعاصِي يُضمِره صاحبُه ويُصِرّ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْإِصْرَار وَإِن لم يَعملْه.
وَقَالَ غيرُ أبي عبيد: هُوَ أَن يرَى جَارِيَة حسناءَ فيغُضّ طَرْفَه، ثمَّ ينظرُ إِلَيْهَا بقَلْبه كَمَا كَانَ يَنظر بعيْنه، وَقيل: هُوَ أَن ينظر إِلَى ذاتِ مَحْرَم لَهُ حَسْناء وَيَقُول فِي نَفسه: ليتَها لم تحرُم عليَّ.
قَالَ أَبُو سعيد: الشهْوَة الْخفية من الْفَوَاحِش مَا لَا يَحِلّ مِمَّا يَستخفِي بِهِ الْإِنْسَان، إِذا فعَله أخفاه، وكَرِه أَن يطّلِع عَلَيْهِ النَّاس.
قَالَ الأزهريّ: القَوْل: مَا قَالَ أَبُو عبيد فِي الشَّهْوَة الخفيَّة، غيرَ أَنِّي أَستحسِن أَن أَنصِب قولَه: والشهْوة الْخفية، وأَجعلَ الواوَ بِمَعْنى مَعَ، كَأَنَّهُ قَالَ: أخوَفُ مَا أَخافُ عَلَيْكُم الرِّياء مَعَ الشَّهْوَة الخفيَّة للمعاصي، فَكَأَنَّهُ يُرائي الناسَ بتركِه الْمعاصِي، والشّهوَةُ لَهَا فِي قَلبه مُخفاةٌ، وَإِذا استَخفَى بهَا عَمِلَها.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ شَهْوان، وامرأةٌ شَهْوَى، وَأَنا إِلَيْهِ شَهْوانُ.
وَقَالَ العَجَّاج:
فهيَ شَهاوَى وهوَ شَهوانيُّ
وَقوم شَهاوَى: ذَوُو شَهوة شَدِيدَة للْأَكْل. وَيُقَال: شَهِيَ يَشْهَى، وشَها يَشهُو، إِذا اشتَهَى.
قَالَ ذَلِك أَبُو زيد. والتشهِّي: اقتراح شهوةٍ بعدَ شَهْوَة.

(6/188)


يُقَال؛ تشهّتِ المرأةُ على زَوْجها فأَشهاها، أَي أطلَبَها شهواتِها.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: شاهَاهُ فِي إِصَابَة العَيْن، وهاشَاهُ، إِذا مازَحَه.
هوش هيش: (قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: سمعتُ التَّميميَّات يَقُلن: الهَوش والبَوْش: كثرةُ النَّاس والدوابّ، ودخلنا السوقَ فَمَا كِدْنا نخْرج من هَوْشها وبَوْشِها.
وَيُقَال: اتَّقوا هَوْشات السُّوق أَي اتَّقوا الضلال فِيهَا، وَأَن يُحْتال عَلَيْكُم فتُسرَقوا.
وَقَالَ أَبُو زيد: هاشَ القومُ بعضُهم إِلَى بعض لِلْقِتَالِ. قَالَ: والمصدَر الهَيْش. ورأيتُ هَيشةً، أَي جمَاعَة، وَأنْشد للطِّرِماح:
كَأَن الخَيْمَ هاشَ إليَّ مِنْهُ
نِعاجُ صَرائمٍ جُمِّ القُرونِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هاشَ يَهيشُ هَيْشاً) .
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود: إيّاكم وهوْشاتِ اللَّيل وهَوْشَات الْأَسْوَاق، وَبَعْضهمْ يَروِيه وهَيْشَات.
قَالَ أَبُو عبيد: الهَوْشة: الفِتْنة والهَيْج والاختلاط، يُقَال مِنْهُ: قد هَوَّشَ القومُ، إِذا اختَلَطوا، وكل شَيْء خَلَطْتَه فقد هوّشْتَه.
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
تَعفَّتْ لِتَهْتانِ الشِّتاء وهَوَّشَتْ
بهَا نائجاتُ الصَّيف شرقيَّةً كُدْرا
وصَفَ منازلَ هبّت بهَا رِياح الصَّيف فخَلطتْ بعضَ أثرِها بِبَعْض.
وَفِي حديثٍ آخر: من أصَاب مَالا من مهاوِشَ أذهبهُ الله فِي نهابِر.
قَالَ أَبُو عبيد: المهَاوِش: كل مَا أُخِذ من غير حِلِّه. قَالَ: وَهُوَ شبيهٌ بِمَا ذُكِر من الهَوْشات.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الأنباريّ: قولُ العامّة: شَوَّشْتُ الأمرَ، صَوَابه: هَوَّشْت.
قَالَ: وشَوَّشْت خطأ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أُغِيرَ على مالِ الحيِّ فَنفرتِ الإبلُ واختلَط بَعْضهَا بِبَعْض، قيل: هاشَتْ تهُوش، فهيَ هَوائشُ.
وَيُقَال: رأيتُ هُواشةً من النَّاس، وهُوَيشةً، أَي جمَاعَة مختلِطة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: إبلٌ هَوّاشة، أَي أخِذت من هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَمِنْه: مَن اكْتسب مَالا من مَهاوِشَ، ويُروَى من نهاوِش؛ وَهَذَا مِن أنْ يُنهَشَ من كل مَكَان.
وَرَوَاهُ بَعضهم: من تهاوِش وَذُو هاشٍ: مَوضِع ذكَره زُهير فِي شعره. والهَيشات: نحوٌ من الهَوْشات، وَهُوَ كَقَوْلِهِم: رجل ذُو دغَواتٍ ودَغَياتٍ.
وَفِي حَدِيث آخر: لَيْسَ فِي الهَيشات قَوَد، عُنِي بِهِ القتِيل يُقتَل فِي الْفِتْنَة لَا يُدرَى مَن قتَله.
وَقَالَ أَبُو زيد: هاشَ القومُ بعضُهم إِلَى بعض هيْشاً، إِذا وثب بَعضهم إِلَى بعض لِلْقِتَالِ، وَرَأَيْت هَيشةً من النَّاس، أَي جمَاعَة. وتهيَّشَ القومُ بعضُهم إِلَى بعض تهيُّشاً.

(6/189)


أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي: الهَيْش: الحَلَب الرُّوَيد، جَاءَ بِهِ فِي بَاب حَلَب الغَنَم.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذَا قتيلُ هَيْشٍ، إِذا قُتل وَقد هاشَ بعضُهم إِلَى بعض. والهَيْشة: أمَّ حُبَين. قَالَ بِشر بن المعتمِر:
وهَيْشةٌ تأكلُها سُرْفَةٌ
وسِمْعُ ذِئبٍ همُّه الحُضْرُ
وَقَالَ:
أَشْكُو إِلَيْك زَمَانا قد تَعرَّقَنا
كَمَا تَعرَّق رأسَ الهَيْشة الذِّيبُ
يَعْنِي أمَّ حُبَين.
شوه: فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رَمَى الْمُشْركين يومَ حُنين بكفَ من حَصًى وَقَالَ: شَاهَت الوجوهُ، فَكَانَت هزيمةُ الْقَوْم.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: يَعْنِي قَبُحَت الوُجوه. يُقَال شاهَ وَجهه يَشُوه، وَقد شَوَّهه الله، ورجُلٌ أشْوَه، وامرأةٌ شَوْهاءَ، وَالِاسْم الشُّوهَة.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الشُّوهَة: البُعْد، وَكَذَلِكَ البُوهَة يُقَال: شُوهَةً لَهُ وبُوهَةً، وَهَذَا يُقَال فِي الذّمّ. قَالَ: والشُّوهَة: الْإِصَابَة بالعَين.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجل شائِه البَصَر، وشاهِي البَصَر، وَهُوَ الْحَدِيد البَصَر.
ابْن بُزُرج: يُقَال: رجل شَيُوهٌ، وَهُوَ أَشْيَهُ الناسِ، وَيُقَال: إِنَّه يَشُوهُه ويَشِيهُه، أَي يَعينُه.
وَقَالَ شمر: رجلٌ شاهُ البَصر وشاهِي البَصر بِمَعْنى. قَالَ: وفَرسٌ شَوْهاءُ، إِذا كَانَت حديدةَ النَّفْس، وَلَا يُقَال للذَّكر أشْوَه، وَيُقَال: هُوَ الطَّوِيل إِذا جُنِب.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: عَن أبي المكارم: إِذا سمعْتَنِي أتكلَّم فَلَا تُشَوِّه عليّ، أَي لَا تقُل مَا أَفْصحَك، فتُصيبني بِالْعينِ.
وَقَالَ غيرُه: فلانٌ يتشوَّه أموالَ النَّاس لِيُصيبَها بالعَيْن.
وَيُقَال: امرأةٌ شَوْهاءُ، إِذا كَانَت قبيحة، وَامْرَأَة شوهاء إِذا كَانَت حَسناء، وَهَذَا من الأضْداد. وَقَالَ الشَّاعِر:
وبجارةٍ شوْهاءَ ترقُبُني
وَحَماً يَظَلُّ بمَنْبِذِ الحِلْسِ
ورُوي عَن مُنْتَجِع بن نَبْهَان أَنه قَالَ: امرأةٌ شَوْهاء، إِذا كَانَت رائعة حَسَنة، قَالَ: وفَرَسٌ شَوْهاء، إِذا كَانَت واسعةَ الشِّدق.
قَالَ: وَلَا يُقَال للذَّكَر أشوَه، إِنَّمَا هِيَ صفةٌ للْأُنْثَى.
وَقَالَ اللَّيْث: الأشْوَه: السَّرِيع الْإِصَابَة بالعَين، وَالْمَرْأَة شَوْهاء. قَالَ: والشَّوَهُ مصدر الأشوه، والشَّوهاء، وهما القَبيحا الْوَجْه والخلقة، قَالَ: وفَرَسٌ شَوْهأ، وَهِي الَّتِي فِي رَأسهَا طُول، وَفِي مِنْخَرَيْها وفمِها سَعة.
وَقَالَ اللِّحياني: شُهتُ مالَ فلانٍ شَوْهاً، أَي أَصَبْتُه بعيني، ورجلٌ أشوَه وامرأةٌ شَوْهاء، إِذا كَانَ يُصِيب الناسَ بعيْنه.
وَقَالَ الأصمعيّ: الشُّوَّه الحُسَّد، وَالْوَاحد شائِه.
وَقَالَ اللِّحياني: شُهْتُ فلَانا: أفزَعْتُه، وَأَنا أَشُوهُه شَوْهاً.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الأشْوَه: الشَّديد الْإِصَابَة بالعَين، وَالْمَرْأَة شَوْهاء.

(6/190)


وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إنَّ نفسَه لتَشُوه إِلَى كَذَا، أَي تَطَمح إِلَيْهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الشَّوْهاء الَّتِي تُصيبُ بالعَين فتَنفُذُ عينُها. والشّوْهاء: القَبيحة، والشُّوْهاء: المَليحة، والشَّوْهاء: الواسعة الفَم، والشوهاء: الصغِيرة الفَم. وَقَالَ الشَّاعِر يصف فَرَساً:
فَهِيَ شَوْهاءُ كالجُوالِق فُوها
مُستجافٌ يَضِلُّ فِيهِ الشَّكِيمُ
اللَّيْث: الشاه تصغَّر شُوَيْهَة، والعَدَد شِياه، والجميع شاءٌ، فَإِذا تَركوا هاءَ التَّأْنِيث مَدُّوا الألفَ، وَإِذا قالوها بِالْهَاءِ قَصَرُوا، وَقَالُوا: شاةٌ، وتُجمَع على الشَّوِيِّ أَيْضا.
قَالَ ثَعْلَب: قَالَ ابْن الأعرابيّ: الشاءُ والشَّوِيّ والشِّيّهُ وَاحِد. وأرضٌ مُشَاهَةٌ: كثيرةُ الشَّاءِ.
وَيُقَال للثَّوْر الوحشيّ: شَاة، وَالشَّاة أصلُها شاهة، فحُذِفَت الْهَاء الْأَصْلِيَّة، وأُثْبِتَتْ هَاء الْعَلامَة الَّتِي تنقَلب تَاء فِي الإدراج. وَقيل فِي الْجمع: شاءٌ، كَمَا قَالُوا: ماءٌ، وَالْأَصْل: ماهةٌ وماءَةٌ، وَجَمعهَا مِياهٌ.
وَفِي الحَدِيث أنّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (بَينا أَنا نائمٌ رأيتُني فِي الجنّة، فَإِذا امرأةٌ شَوْهاء إِلَى جَنب قَصْر، فقلتُ: لمَن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لِعُمَر) .
ورَوى أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة عَن المُنْتَجع أنّه قَالَ: الشّوْهاء: المرأةُ الحَسنة الرائِعة.

(بَاب الْهَاء وَالضَّاد)
(هـ ض (وَا يء))
ضهى، (ضاهي) ، ضهو، وهض، هاض، هضى.
هضي: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: هاضاهُ إِذا اسْتَحْمَقَه، واستَخَفَّ بِهِ.
وَقَالَ: الأَهْفاءُ: الجماعاتُ من النَّاس. والهَضَّاء بتَشْديد الضَّاد: الجَماعةُ من النّاس.
ضهى: قَالَ اللَّيْث: المُضاهاةُ: مُشاكلةُ الشَّيْء بالشَّيْء، وربَّما هَمزوا فِيهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (التَّوْبَة: 30) .
وَقَالَ الفرّاء: يُضَاهُون أَي يُضارِعُون قولَ الَّذين كفَرُوا، لقَولهم: اللات والعُزّى.
قَالَ: وبعضُ الْعَرَب يَهمِز فَيَقُول: {يُضَاهِئُونَ} (التّوبَة: 30) ، وَقد قرأَ بهَا عَاصِم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى قولِه: (يضاهون قَول الَّذين كفرُوا) أَي يُشَابِهون فِي قولِهم هَذَا قولَ مَن تقدّم من كَفَرَتِهم، أَي إِنَّمَا قَالُوهُ اتّباعاً لَهُم. قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك قولُه جلّ وعزّ: {اتَّخَذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} (التّوبَة: 31) أَي قَبِلُوا مِنْهُم أنّ المسيحَ والعُزَيْرَ ابْنا الله.
قَالَ: واشتقاقُه من قَوْلهم: امرأةٌ ضَهْيَاء وَهِي الَّتِي لَا يَظهَر لَهَا ثَدْي؛ وَقيل: هِيَ الَّتِي لَا تَحيض، فكأنّها رَجُل شَبَهاً.
قَالَ: وضَهْياءُ فَعْلاءُ، الْهمزَة زَائِدَة كَمَا زِيدتْ فِي شَمأل، وَفِي غِرْقِىء البَيْض.

(6/191)


قَالَ: وَلَا نَعلم لهمزَةٍ زِيدتْ غيرَ أوَّلٍ إِلَّا فِي هَذِه الْأَسْمَاء.
قَالَ: وَيجوز أَن تكون الضَّهْيَأُ بوَزْن الضَّهْيَع: فَعْيَلاً وَإِن كَانَت لَا نَظِير لَهَا فِي الْكَلَام. فقد قَالُوا: كَنَهْبَلُ، وَلَا نظهير لَهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الضَّهْيَأُ بِوَزْن الضَّهْيَع مهموزٌ مَقْصُور، مثلُ السَّيَال وجَناتُهما وَاحِد فِي سِنْفَةٍ، وَهِي ذَات شَوْكٍ ضَعِيف.
قَالَ: ومَنِبيها الأودية والجِبال.
ورَوَى ثَعْلَب عَن عَمرٍ وَعَن أَبِيه قَالَ: أضَهَى فلانٌ إِذا رَعَى إبِلَه الضَّهْيَأَ، وَهُوَ نَباتٌ مَلبَنةٌ مَسمَنة.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: ضَهْيَأَ فلانٌ أَمرَه إِذا مَرَّضَه وَلم يَصرِمه.
وَقَالَ اللَّيْث: الضَّهْيَاء: الَّتِي لم تَحِض قَطّ. وَقد ضَهِيَتْ تَضْهَى ضَهًى.
قَالَ: والضَّهْوَاء الَّتِي لم تَنْهَد. (قلت: رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه الضَّهْيَاء على فَعْلاء: المرأةُ الَّتِي لَا تحيض، وجمعُها ضُهْيٌ. قَالَ ذَلِك الأصمعيّ والكسائيّ مَعًا، ومَدَّاها.
وَقَالَ شمر: امرأةٌ ضَهْياء وضَهْواء بِالْوَاو وَالْيَاء.
وَقَالَ أَبُو سعيد: فلانٌ ضَهِيُّ فلَان، أَي نظيرُه.
وَفِي الحَدِيث (أشَدُّ النَّاس عذَابا يومَ الْقِيَامَة الَّذين يُضاهُون خَلْقَ الله) ، أَرَادَ المصوِّرِين، وَكَذَلِكَ معنى قولِ عمر لكعب: ضاهَيْتَ اليهوديةَ، أَي عارضتَها.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبة: المضاهاةُ المتابَعة، يُقَال: فلَان يُضاهي فلَانا، أَي يُتابِعه.
ضهو: عمر عَن أَبِيه: الضَّهْوة: بِركةُ المَاء، والجميع أضْهَاء.
أَبُو عُبيد عَن الأمويّ: ضاهأْتُ الرجلَ: رَفَقْتُ بِهِ.
ورُوِي أنّ عِدّةً من الشُّعَرَاء دَخَلوا على عبدِ الْملك، فَقَالَ: أَجِيزوا:
وضَهْيَاءَ من سِرِّ المَهارِي نَجيبةٍ
جلستُ عَلَيْهَا ثمَّ قلت لَهَا إخِّ
فَقَالَ الرَّاعِي:
لِنَهْجَعَ واستَبْقَيتُها ثمَّ قَلَّصَتْ
بسُمْرٍ خِفافِ الوَطْءِ واريةِ المُخِّ
والضَّهْيَاء من النُّوق: الَّتِي لَا تَضْبَع وَلَا تَحمِل، وَمن النِّسَاء: الَّتِي لَا تحيض.
هيض: رُوي عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت فِي أَبِيهَا: (لَو نَزَل بالجبال الراسيات مَا نَزَل بِأبي لهاضَها) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ وغيرُه: قولُها: لَهاضَها، الهَيْض: الكَسْر بعد جُبورِ العَظْم، وَهُوَ أشدّ مَا يكون من الكَسْر، وَكَذَلِكَ النُّكْس فِي المَرَض بعد الِانْدِمَال. وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
وَوجه كقَرْن الشَّمْس حُرّ كَأَنَّمَا
تَهيضُ بِهَذَا القَلْب لَمْحتُه كَسْرا
وَقَالَ القطاميّ:
إِذا مَا قلتُ قد جَبَرتْ صُدُوعٌ
تُهاضُ وَمَا لماهِيضَ اجتِبار

(6/192)


وَقَالَ اللَّيْث: الهَيْضة: معاوَدة الهَمّ والحُزْن، والمَرْضة بعد المَرْضة.
وَقَالَ غيرُه: أَصَابَت فلَانا هَيْضَةٌ، إِذا لم يوافِقْه شَيْء يأكُلُه وتغيَّر طبعُه، وَرُبمَا لَان من ذَلِك بطنُه فكثُر اختلافُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المُستهاض: الْمَرِيض يَبرأ فيَعمل عملا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فيُنْكَس.
وهض: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال لِما اطمأنّ من الأَرْض: وَهْضة.
وَقَالَ أَبُو السَّميْدَع: هِيَ الوهْضة والوَهْطة وَذَلِكَ إِذا كَانَت مُدَوَّرة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول عَائِشَة: لَهاضَها؛ أَي لألانَها. والهَيْضُ: اللِّين.

(بَاب الْهَاء وَالصَّاد)
(هـ ص (وَا يء))
صهى، (صهوة) ، وهص، هيص، هصى: مستعملة.
صهى: قَالَ اللَّيْث: الصَّهْوة: مؤخَّر السَّنام، وَهِي الرادفة ترَاهَا فَوق العَجُز مؤخَّرَ السَّنام. وَقَالَ ذُو الرمَّة يصف نَاقَة:
لَهَا صَهْوَةٌ تتلو مِحالاً كَأَنَّهَا
صَفاً دَلَصَتْه طَحْمَةُ السَّيلِ أخلَقُ
قَالَ: والصَّهَوات مَا يُتخذ فَوق الرَّوابي من البُروج فِي أعاليها، وَأنْشد:
أَزْنأَنِي الحُبُّ فِي صُهَا تَلَفٍ
مَا كنتُ لَوْلَا الرَّبابُ أَزْنَؤُها
وَقَالَ النَّضر: الصَّهْوة: مكانٌ متطامِن أحدَقت بِهِ الْجبَال، وَهِي الصُّهاوية؛ سُمِّيتْ صَهْوَةُ الفَرَس وَهُوَ مَوضِع لِبْدِه من الظَّهر لِأَنَّهُ متطامِن.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الصَّهَوات أوساطُ المَتْنَيْن إِلَى القَطاة.
وَقَالَ أَبُو زيد: الصَّهْوة أَعلَى كلِّ شَيْء، وَأنْشد:
فأقسَمْتُ لَا أَحْتَلُّ إلاّ بصَهْوَةٍ
حَرامٍ عليَّ رَمْلُه وشَقائِقُهْ
(ابْن الْأَعرَابِي: تَيْسٌ ذُو صَهَوات، إِذا كَانَ سميناً، وَأنْشد:
ذَا صَهَواتٍ يَرتَعِي الأَدلاسا
كأنَّ فوقَ ظَهْرِه أَحلاسا
مِن شَحمِه ولَحمِه دِحاسا
(ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: هاصاه، إِذا كَسَر صُلبَه، وصاهاه إِذا رَكِب صَهْوَته. قَالَ: وصَهَا، إِذا كَثُر مالهُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أصابَ الإنسانَ جُرحٌ فجَعَل يَندَى، قيل: صَها يَصْهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: صِهْيَوْنُ هِيَ الرُّوم، وَقيل: بَيت المَقدِس. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَإِن أَحْلبَتْ صِهْيَوْنُ يَوْمًا عَلَيْكُمَا
فإِنّ رَحَا الحَرْب الدَّكُوك رَحَاكُما
هصى: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأهْصاء الأشِدَّاء. وَقَالَ: هَصَى، إِذا أسَنَّ.
وهص: قَالَ اللَّيْث: الوَهْص: شِدَّةُ غَمزِ وَطْء القَدَم على الأَرْض، وَأنْشد:
على جِمالٍ تَهِضُ المَواهِصا

(6/193)


وَكَذَلِكَ إِذا وَضَع قدمَه على شَيْء فشَدَخه. تَقول: وهَصَه.
وَفِي حَدِيث عمر: من تَوَاضعَ رفعَ الله حكْمَتَه، وَمن تكبَّر وعَدا طَوْزَ، وَهَصَه الله إِلَى الأَرْض.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قولُه وَهَصه يَعْنِي كَسَره ودَقَّه، يُقَال: وهَصْتُ الشَّيْء وَهْصاً ووَقَصْتُه وَقْصاً، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ شمر: سَأَلت الكلابِيّين عَن قَوْله:
كأنّ تَحت خُفِّها الوَهّاصِ
مِيظَبَ أُكْمِ نِيطَ بالمِلاصِ
فَقَالُوا: الوَهّاص: الشَّديد. والمِيظَب: الظُّرَر، قَالَ: والمِلاصُ الصَّفا.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الوَهْص والوَهْسُ والوَهْزُ: وَاحِد، وَهُوَ شدَّة الغَمْز.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل مَوْهوصُ الخَلْق: لازِمٌ عظامُه بعضُها بَعْضًا، وَأنْشد:
مُوَهَّصٌ مَا يتشكى الفائقا
وَقَالَ ابْن بُزرج: بَنو مَوْهَصَى: هُمُ العَبيد. وَأنْشد:
لحَى الله قوما يُنكِحون بناتِهِم
بَنِي مَوْهَصَى حُمْرَ الخُصَى والحناجِرِ
هيص: أَبُو عَمْرو: هَيْصُ الطير: سَلْحُه، وَقد هاصَ يَهيصُ، إِذا رَمَى بِهِ.
وَقَالَ العجاج:
مَهايِصُ الطَّيْرِ على الصُّفِيِّ
ويُروَى: (مَواقِعُ الطَّيْرِ)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَيْصُ: العُنْف بالشَّيْء، والهَيْصُ: دَقُّ العُنُق.

(بَاب الْهَاء وَالسِّين)
(هـ س (وَا يء))
سَهَا، هسا، وهس، هاس، (يهيس ويهوس) .
سَهْو (سَهَا) : قَالَ اللَّيْث: السَّهْو الغَفْلة عَن الشَّيْء وذَهابُ الْقلب عَنهُ. وَإنَّهُ لساهٍ بيِّنُ السَّهْو، والسُهُوّ، وسها الرجلُ فِي صَلاته، إِذا غَفَل عَن شَيْء مِنْهَا.
أَبُو عبيد: السَّهْوة: النَّاقة اللّينة السّير، وَيُقَال: بعيرٌ ساهٍ راهٍ، وجِمالٌ سَواهٍ رَواهٍ لَواهٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ساهاه: غافَلَه، وهاسَاه، إِذا سَخِر مِنْهُ، فَقَالَ: هِيسَ هِيسَ.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الأَساهِيّ والأساهيج: ضروبٌ مختلِفة من سَيْر الْإِبِل.
وَقَالَ غَيره: بغلةٌ سَهْوة، وَهِي اللّيّنة السّير لَا تُتْعِب راكبها، فَإِنَّهَا تُساهِيه.
قَالَ: والمُساهاة: حُسنُ العِشرة، وَلَا يُقَال للبَغْل: سَهْو، وَكَذَلِكَ النَّاقة. قَالَ زُهَيْر:
كِنازُ البَضِيع سَهْوَةُ السَّيْر بازِلُ
وَقَول العجاج:
حُلْوُ المُساهاة وإِن عادَى أَمَرّ
قَالَ شمر: حُلْوُ المُساهاه، أَي المُياسرة والمُساهَلة.
ورُوي عَن سَلمانَ أنّه قَالَ: يوشِك أَن يَكْثُرَ أهلُها، يَعْنِي الكُوفة، فتملأ مَا بَين النّهْرَيْنِ حَتَّى يَغْدُو الرجلُ على البَغْلة السَّهْوَة فَلَا تُدْرِكُ أقصاها.

(6/194)


وَيُقَال: أفعَلُ ذَلِك سَهْواً رَهْواً، أَي عَفْواً بِلَا تَقاضٍ.
وَيُقَال: يَروحُ على بني فلَان مِن المالِ مَا لَا يُسْهَى وَلَا يُنهَى، أَي لَا يُعَدُّ كَثْرَة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: معنى لَا يُسْهَى لَا يُحزَر.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: ذهبتْ تميمٌ فَلَا تُسْهَى وَلَا تُنْهَى، أَي لَا تُذْكَر.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: البيتُ المُعَرَّس الَّذِي عُمِلَ لَهُ عَرْس، وَهُوَ الْحَائِط يُجعَل بَين حائطَي البيْت لَا يَبْلُغ أقصاه، ثمَّ يوضَع الْجَائِز من طَرَف العَرس الدّاخل إِلَى أقْصَى الْبَيْت. وسُقِّف البيتُ كلُّه، فَمَا كَانَ بَين الحائطَين فَهُوَ السَّهْوَة وَمَا كَانَ تَحت الْجَائِز فَهُوَ الْمُخْدَع.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: والسَّهْوَة: صُفَّةٌ بَين بَيْتَيْن أَو مُخْدَع، وجمعُها سِهاء. قَالَ: والسَّهْوَة فِي كَلَام طَيْىء: الصَّخْرَة الَّتِي يقوم عَلَيْهَا السّاقي. والسّهوة: الكَنْدُوخ والسهوَة: الرّوشَنُ، والسّهْوة: الغَفْلَة، والسّهْوة: الكُوَّة بَين الدارَين.
ورَوى الخَرَّاز عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: السّهْوَة: الحَجَلَة أَو مثل الحَجَلة، والسهوة: بيتٌ على المَاء يَستظِلُّون بِهِ تَنصبه الْأَعْرَاب.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: قَالَ أَبُو ليلى: السَّهْوة: سُترة تكون قُدَّام فناءِ الْبَيْت، رُبمَا أحاطت بِالْبَيْتِ شِبْه سُورٍ حول الْبَيْت.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: حَملتْ بِهِ أمُّه سَهواً، أَي على حَيْض.
وَقَالَ اللَّيْث: المُساهاة حسنُ المخَالقة، وَأنْشد؛
حُلو المُساهاةِ وإنْ عادى أَمَرّ
قَالَ: والسُّهى كُوْيكِب خفيّ صَغِير. يُقَال: إِنَّه الَّذِي يُسمى: أسلم مَعَ الْكَوْكَب الْأَوْسَط من بَنَات نعش وَمِنْه الْمثل السائر:
(أُريها السُّها وترِيني القَمَرْ)
هسا: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الأهْساء: المتحيِّرون.
هوس هيس: قَالَ اللَّيْث: الهَوَسُ: الطَّوَفان باللَّيل، والطَّلَب فِي جُرأة، تَقول: أسدٌ هَوَّاس، وَرجل هَوَّاسة: مجرَّب شُجَاع.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهَوْس: الأكْل الشَّديد.
وَالْعرب تَقول:
النَّاس هَوْسَى، وَالزَّمَان أهْوَسُ
قَالَ: الناسُ يَأْكُلُون طيِّبات الزَّمَان، والزمانُ يأكُلهم بِالْمَوْتِ.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: هُسْتُه هَوْساً، وهِسْتُه هَيْساً، ووَهَسْتُه وَهْساً، وَهُوَ الكَسْر والدَّقّ، وأَنشد:
إنَّ لنا هَوَّاسةً عَرِيضاً
قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: الهَوِسةُ من النُّوق: الَّتِي يتردَّد فِيهَا الضَّبَعة، وَأنْشد:
فِيهَا هَدِيمُ ضَبَعٍ هَوَّاسِ
أَبُو عبيد: الهَيْسُ: السيْر أيّ ضَرْبٍ كَانَ وأَنشد:
إِحْدَى لياليكِ فهِيسي هِيسِي

(6/195)


لَا تَنعَمِي الليلةَ بالتَّعريسِ
شمر عَن ابْن الأعرابيَّ: إنَّ لُقمان بن عَاد قَالَ فِي صفة النَّمل: أقبلتْ مَيْسا، وأَدبَرتْ هَيْسا. قَالَ: تهِيس الأرضَ: تدُقُّها.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَب تَقول للغَارة إِذا استباحتْ قَرْيَة فاستأصَلتْها: هِيسِى هِيسِي، وَقد هِيسَ القومُ هَيْساً.
وَيُقَال: مَا زِلْنا ليلتنا نهِيس، أَي نَسْرِي.
وهس: قَالَ اللَّيْث: الوَهْس: شدَّة السَّيْر، وهَسوا وتوهَّسوا وتواهَسوا، وسيرٌ وَهِسٌ. والوَهْس أَيْضا فِي شِدّة البُضع والأكْل وَالشرب وَأنْشد:
كَأَنَّهُ ليثُ عَرِينٍ دِرْباسْ
بالعَثَّرَيْن ضَيْغَمِيٌّ وَهَّاسْ
شمر: الوَهْس: شدّة الغَمْز، ومرَّ يَتوهَّس أَي يَغمِز الأَرْض غَمْزاً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ يَتوهَّز.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: التوهُّس: مَشيُ المثقَل فِي الأَرْض.
وَقَالَ غَيره: الوَهِيسَة (أَن يُطبَخ) الجرادُ ثمَّ يُجفَّف ثمَّ يُدَقّ ثمَّ يُقمَح ويؤكل بدَسَم.

(بَاب الْهَاء وَالزَّاي)
(هـ ز (وَا يء))
هزأ، زها، (زهَى) ، وهز، هوز.
هزأ: أَبُو عليّ عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ يُونُس: إِذا قَالَ الرجلُ: هَزِئْتُ مِنْك، فقد أَخطَأ، إِنَّمَا هُوَ هَزِئتُ بك واستهزأت بك.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال سَخِرتُ مِنْك، وَلَا يُقَال سَخِرْتُ بك.
قَالَ الْأَصْمَعِي فِيمَا رَوَى لَهُ ابْن الفَرَج: نَزَأْتُ الرَّاحلَة وهَزَأْتُها إِذا حرَّكتهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الهُزْءُ: السُخْرية، يُقَال: هَزِىءَ بِهِ يهزَأ بِهِ واستهزأ بِهِ. وَرجل هُزَأَةٌ يَهَزَأُ بالنَّاس، وَرجل هُزْأَة: يُهزأُ بِهِ.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {) (الْبَقَرَة: 14، 15) قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي} الْقِرَاءَة الجيِّدة على التَّحْقِيق، فَإِذا خَفَّفتَ الهمزَ جعلتَ الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة فَقلت: مُستهزِئون، فَهَذَا الِاخْتِيَار بعد التَّحقيق.
وَيجوز أَن يُبَدل مِنْهَا ياءٌ، فَيُقَال: مستهزِيُون فَأَما مُستهْزون فضعِيف، لَا وجهَ لَهُ إلاّ شاذّاً على قَول من أَبدَل من الْهمزَة يَاء فَقَالَ فِي استهزأت: استهزيت، فَيجب على استهزَيْت مُسْتهزُون.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {الله يستهزىء بهم أَي يُجازِيهم على هُزْئهمْ بِالْعَذَابِ، فسُمِّي جزاءُ الذَّنْب باسمه، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَنتَصِرُونَ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا} (الشّورى: 40) .
شمر عَن ابْن الأعرابيِّ: أَهزَأَه البَرْدُ. وأَهرأَه، إِذا قَتَلَه ومثلُه أزعَلَه وأَرْغَلَهُ فِيمَا تعَاقَب فِيهِ الزّاي والرَّاء.
زها: فِي (النَّوَادِر) زَهَوْتُ فلَانا بِكَذَا أَزْهَاه، أَي حَزَرْتُه، وزهوْته بالخشبة: ضَربته بهَا.

(6/196)


وَقَالَ اللَّيْث: الزّهْو: الكِبْر والعَظَمة، وَرجل مَزْهُوٌّ، أَي معجَب بِنَفسِهِ.
قَالَ: والرِّيح تَزْها النَّباتَ، إِذا هَزَّتْه بعد غِبِّ الْمَطَر.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
فِي أقحوانٍ بلَّه طَلُّ الضّحا
ثمَّ زَهَتْه ريحُ غَيمٍ فازدَهَا
والسراب يَزْها القُورَ والحُمُولَ كأنّه يَرفَعها.
قَالَ: والأمواجُ تَزْها السَّفِينَة. تَرفَعها.
وازدهَيْتُ فلَانا، أَي تهاونْتُ بِهِ. والزَّهْو: الفَخْر، وَقَالَ الهذليّ.
مَتى مَا أَشأْ غير زَهْوِ الملو
كِ أجعَلْكَ رَهْطاً على حُيَّضِ
وروى أنسُ بن مَالك (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَن بيع الثّمر حَتَّى يَزْهُو. قيل لأَنَس: وَمَا زَهْوُه؟ قَالَ: أَن يَحْمَرَّ أَو يَصْفَرَّ) .
وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بَيْع النَّخْل حَتَّى يُزْهِيَ.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: زها النبتُ إِذا نَبَتَ ثمرتُه، وأَزْهَى، إِذا احمرّ أَو اصفرّ.
قَالَ: وَزَها النباتُ: طَال واكتَهل وَأنْشد:
أَرَى الحُبَّ يَزْها لي سَلامة كَالَّذي
زَهَا الطَّلُّ نَوْراً واجهَتْه المَشارِقُ
يُرِيد: يزيدها حُسْناً فِي عَيْني.
وروى ابْن شُمَيْل عَن أبي الْخطاب أَنه قَالَ: لَا يُقَال إلاّ يُزْهِي للنَّخْل، قَالَ: وَهُوَ أَن يحْمرّ أَو يصفَرّ، قَالَ: وَلَا يُقَال: يَزْهُو.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ظهرتْ فِيهِ الْحمرَة قيل: أَزْهَى.
وَقَالَ خالدُ بن جَنْبة: زُهِيَ لنا حَمْلُ النَخْل فنَحسِبه أكثرَ ممّا هُوَ، وزُهِيَ فلانٌ، إِذا أُعجِب بِنَفسِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: زَهْوُ النَّبَات: نَوْرُه.
قَالَ: وَيُقَال: يَزْهُو فِي النّخل خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ يُزْهِي؛ والإزْهاء أَن يحمرَّ أَو يصفَرَّ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ظَهَر فِي النَّخل الحُمْرة، قيل: أَزْهَى يُزْهِي، وَهُوَ الزَّهْو، وَفِي لغةِ أهلِ الحجار: الزُّهُوّ.
اللَّيْث: الزَّهْو: المنظَر الحَسَن والنّبت الناضر.
ابْن بُزُرج: قَالُوا: زُهاءُ الدُّنْيَا: زينتها وإيناقُها.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا وَردت الإبلُ الماءَ فشربتْ، ثمَّ سارتْ بعد الوِرْد لَيْلَة أَو أَكثر، وَلم تَرْع حَولَ المَاء، قيل: زَهْت تَزْهو زَهْواً، وَقد زَهَوْتها أَنا، بِغَيْر ألف.
وَقَالَ اللَّيْث: الزَّهْو أَن تَشرب الإبلُ ثمَّ تُمدّ فِي طلب المَرعَى وَلَا ترعَى حولَ المَاء. وَأنْشد:
من المؤلفات الزَّهْوَ غيرِ الأَوارِكِ
وَقَالَ أَبُو سعيد: لَا أعرِف مَا قَالَ فِي الزَّهْو، قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْإِبِل إبلان: إبلٌ زاهية زالَةُ الأحْناكِ لَا تَقْرَب العِضاهَ، وَهِي الزَّواهِي، وإبلٌ عاضِهةٌ

(6/197)


ترعَى العِضاهَ وَهِي أحمَدُها وخَيرُها، وَأما الزّاهية الزّالّة الأحْناك عَن العِضاه فَهِيَ صاحبةُ الحَمْضِ وَلَا يُشبِعها دُون الحَمْض شَيْء.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: والزَّهْو: الكذِب. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وَلَا تقولَنَّ زَهْوٌ مَا تُخبِّرني
لم يَترك الشَّيْبُ لي زَهْواً وَلَا العَوَرُ
الأصمعيّ: فِي فلَان زَهْو أَي كِبْر، وأصلُه الاستخفاف، وَقد زُهِيَ يُزْهَى زَهْواً إِذا كَانَ بِهِ كِبْر. وَلَا يُقَال: زَهَى. وازدَهَى فلانٌ فلَانا، إِذا استخفّه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: هم زُهاءُ مائَة، أَي قَدْرُ مائَة، وهم قومٌ ذَوُو زُهاءٍ، أَي ذَوُو عَدَدٍ كثير، وَأنْشد:
تقلّدْتَ إبريقاً وعَلَّقْتَ جَعْبَةً
لتُهلِكَ حَيّاً ذَا زُهاءٍ وجامِنِ
الإبريق: السَّيْف، وَيُقَال: قوْسٌ فِيهَا تَلاميع.
أَبُو عبيد، زَهَت الشاةُ زَهْواً، إِذا أَضْرَعَتْ ودَنا وِلادُها.
وزُهَاءُ الشَّيْء: شخصُه.
وَيُقَال: زَها المُرَوِّحُ المِرْوحةَ وزَهّاها، إِذا حَرَّكها.
وَقَالَ: مُزاحمٌ العُقَيليّ يصف ذَنَب الْبَعِير:
كمِرْوحة الدّارِيّ ظَلَّ يَكُرُّوها
بكفِّ المزَهِّي سَكْرةَ الرِّيح عُودُها
فالمُزَهِّي: المحرِّك. زَهاه وزَهَّاهُ، يَقُول: هَذِه المِروحةُ بكَفّ المُزَهِّي: المحرِّك لسكون الرِّيح.
اللِّحياني: رجل إنْزَهوٌ ورجالٌ إنْزَهْوُون، إِذا كَانُوا ذَوِي كِبْر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: زهَا البُسْر وأَزْهَى وزهَّى، وشَقَّح، وشَقَح، وأَشَقَح وأَفْضَحَ لَا غير.
قَالَ: والزَّهْوُ: الكِبْر، والزَّهو الكَذِب، والزَّهو: الظُّلْم، وَمِنْه قَوْله:
مَتى مَا أشأ غيرَ زَهْوِ المُلوك
وَقَالَ أَبُو زيد: زَكا الزرعُ وزَها، إِذا نَمَا، وَقَالَهُ اليَزيديّ. قَالَ: وازدَهاه وازدَفاه إِذا استَخَفّه.
شمِر عَن خَالِد بن جَنْبَه، قَالَ: الزَّهْو من البُسْر حِين يَصفَرَّ ويحمرَّ ويَحِلّ جَزْمُه، قَالَ: وجَزْمُه للشِّراء والبَيْع. قَالَ: وَأحسن مَا يكون النّخل إِذْ ذَاك، قَالَ: وزُهِيَ فلانٌ إِذا أُعجِب بِنَفسِهِ.
وَيُقَال: لَهُ إبلٌ زُهاءُ مائَة ولُهَاءُ مائَة أَي قَدْرُ مائَة. وَكم زُهاؤكُمْ، أَي حَزْرهم، وَأنْشد:
كأنّما زُهاؤه لمنْ جَهَرْ
وَفِي الحَدِيث: (إِذا سمعتُم بناسٍ يأْتونَ من قِبَل الْمشرق أُولِي زُهاء يعجَب الناسُ من زِيِّهم، فقد أظلّت الساعةُ) . قَوْله: أُولي زُهاء: أولي عددٍ كثير.
وهز: أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي: وهَزْتُه ولَهَزْتُه ونَهَزْتُه بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الأَوهَزُ الحسَن المِشْية، مأخوذُ من الوَهازة، وَهِي مِشية الخفِراتِ.

(6/198)


وَمِنْه قولُ أمّ سَلَمة لعَائِشَة: قُصارَى النِّساء قِصَرُ الوِهازة.
وَقَالَ ابْن مُقبل يصِف نسَاء:
يَمِحْن بأطرافِ الذُّيولِ عَشِيّةً
كَمَا وَهَزَ الوعْثُ الهِجانَ المُزَنَّما
شبَّه مَشْيَ النِّسَاء بمشي إبلٍ فِي وَعْثٍ قد شَقَّ عَلَيْهَا. وَقَالَ رُؤْبة:
كلُّ طَويلٍ سَلبٍ وَوَهْزِ
قَالُوا: الوَهْز الغليظ الرَّبْعَة. وَقَالَ شمِر: يُقَال: ظَلّ يتوهّز فِي مِشْيته ويتَوهّسُ، أَي يَغمِز الأَرْض غَمْزاً شَدِيدا.
ووَهَز القَملَة إِذا قَصَعَها، وَأنْشد شمر:
يَهِزُ الهَرانِعُ لَا يَزالُ ويَفتَلي
بأذلَّ حيثُ يكونُ مَن يتذَلَّلُ
والوَهْز: الشديدُ الملزَّزُ الخَلْق.
هوز: الحرّاني، عَن ابْن السكّيت: مَا أَدْرِي أيَّ الهُوز هُوَ؟ وَمَا أَدْري أيُّ الطَّمْس هُوَ؟ وَقَالَ أَبُو العبّاس: يُقَال: مَا فِي الهُوز مِثلُه. ومافي الغاطِ مِثلُهُ، أَي لَيْسَ فِي الخَلْق مِثلُه. وَقَالَ اللَّيْث: الأَهْواز: سَبْعُ كُوَرٍ بَين البَصْرة وَفَارِس، لكلّ كُورة مِنْهَا اسْم ويجمعهنّ الأهْوازُ، وَلَا يُفرَد وَاحِدَة مِنْهَا بَهوْزٍ.
وهَوَّز: حروفٌ وُضعتْ لحساب الجُمَّل، الْهَاء خَمْسَة، وَالْوَاو سِتَّة، وَالزَّاي سَبْعَة.

(بَاب الْهَاء والطاء)
(هـ ط (وَا يء))
طها، هيط، (طه) ، وهط، هطى: مستعملة
هطا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَطا، إِذا رَمَى، وطَهَا إِذا أَذْنب. قَالَ: والهُطَى: الصِّراع، والهُطَى: الضَّرب الشَّديد.
طها: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أنَّه ذكر حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ: أسَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: أَنا مَا طَهوِي؟ قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبه، لِأَن الطَّهْوَ فِي كَلَامهم الإنضاجُ للطعام، وَرجل طاهٍ وقومٌ طُهاةٌ. وَقَالَ: امْرُؤ الْقَيْس:
فَظَل طُهاةُ اللَّحْم مِنْ بَين مُنْضِجٍ
صَفِيفَ شِواء أَو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ
قَالَ أَبُو عُبَيد: فتَرَى أنَّ أَبَا هُرَيرة جَعَل إحكامَه للْحَدِيث وإتقانَه إيّاه، كالطّاهي المُجِيد المُنضِج لطعامِه، يَقُول: فَمَا كَانَ عَملي إنْ كنتُ لم أَحْكِمْ هَذِه الرّواية الَّتِي رَوَيْتُها عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإحكام الطّاهي للطّعام، وَكَانَ وَجْهُ الْكَلَام أَن يَقُول: فَمَا طَهْوِي؟ أَي فَمَا كَانَ إِذا طَهْوِي؟ ولكنّ الحَدِيث جَاءَ على هَذَا اللّفظ. قلت: والّذي عِنْدِي فِي قَوْله: (أَنا مَا طَهْوِي) : أَنا أيُّ شَيْء طَهْوِي، على التَّعَجُّب، كأنّه أَرَادَ أيُّ شَيْء حِفْظي وإحكامي مَا سمعتُ.
قلت: ورَوَى أحمدُ بنُ يحيى عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الطُّهَى: الذَّنْب من قَول أبي هُرَيرة: (أَنا مَا طَهْوِي) أَي مَا ذَنْبي إنّما قَالَه النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت: وقولُ ابْن الأعرابيّ أشبه بِمَعْنى الحَدِيث وَالله أعلم وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل.
قَالَ: والطُّهَى: الطَّبيخ.

(6/199)


وَقَالَ اللَّيْث: الطَّهْوُ: علاجُ اللّحم بالشَّيِّ والطَّبخ، والطاهي ذُوه؛ يُقَال: هُوَ يَطْهو اللَّحْم طَهْواً وَيُقَال: يَطْها.
عَمْرو عَن أَبِيه: أطهَى حَذَق صِناعَته.
وَطَهَت الإبلُ تَطَهى طَهْياً، إِذا انتشَرَتْ فذهبتْ فِي الأَرْض. وَقَالَ:
ولَسْنا لِباغي المُهْمَلات بِقِرْفةٍ
إِذا مَا طَهَا بالليلِ مستتراتُها
ورَواه بَعضهم: إِذا ماطَهَا، من مِاط يَمِيط:
مَدَّ لَنا فِي عُمْرِه رَبُّ طَهَا
أَرَادَ رَبُّ طه السُّورَة
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الطَّهاءُ والطَّخاء والطَّخاف والعَماء، كلُّه السَّحَاب المرتفِع.
أَبُو عُبَيد عَن الكسائيّ قَالَ: إِذا نُسِب إِلَى طُهَيَّة قيل: طُهَوِيّ وطَهَوِيّ وطُهْوِيّ. قلت: من قَالَ طَهَوِيّ جَعل الأصلَ طَهْوَه أنشدَ الباهليّ للأَحول الكِنديّ:
وليت لنا من ماءِ زمزمَ شربَةً
مبرَّدةً باتت على الطَّهَيانِ
الطهيان اسْم قُلة جبلٍ وَفِي (النَّوَادِر) : مَا أَدْرِي أيّ الطَّهْياء هُوَ؟ وَأي الضَّحياء هُوَ؟ وأيُّ الوضَح هُوَ؟
وهط: فِي حَدِيث ذِي المشْعار الهَمْدانيّ: على أنّ لَهُم وِهَاطها وعَزازها.
قَالَ القُتَيبيّ: الوِهاط: المواضعُ المطمئنَّة، واحدُها وَهْط، وَبِه سُمِّي الوَهْط، وَهُوَ مالٌ كَانَ لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ بالطَّائف.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَهْط: الْمَكَان من الأَرْض المطئنُّ المستوي يُنْبِت العِضَاهَ والسَّمُرَ بِهِ الطَّلْح والعُرْفُط وَهِي الوِهاط. قَالَ: والوَهْط: شِبْه الوهن والضَّعف، يقالُ رَمَى طائراً فأَوْهطَه، وأَوْهطَ جَناحَه، وَالْفِعْل: وَهط يَهِط، أَي ضَعُف.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: الإيهاط أَن يَصرَعه صَرعةً لَا يَقُوم مِنْهَا.
وَقَالَ عرَّام السُّلميُّ: أَوْرَطْتُ الرجلَ وأَوْهطْتُه، إِذا أوقَعْتَه فِيمَا يكره.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وهطَه ووَهصه، إِذا كَسَره، وَأنْشد:
يمرُّ أخفافاً يَهِطْن الجنْدَلا
هيط: سمعتُ الْمُنْذِرِيّ يَقُول: سمعتُ أَبَا طَالب يَقُول فِي قَوْلهم: مَا زلْنا بالهِيَاط والمِيَاط.
قَالَ الفَرّاء: الهِياط: أشدُّ السَّوْق فِي الوِرْد والمِيَاط: أشدُّ السَّوْق فِي الصّدَر.
قَالَ: وَمعنى ذَلِك بالمجيء والذهاب.
وَقَالَ اللحياني: الهياط: الإقبال، والمياط: الإدبار.
وَقَالَ غَيرهمَا: الهياط: اجْتِمَاع النَّاس للصُّلح، والمياط: التَّفَرُّق عَن ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: الهياط الدُّنُوّ، والمياط: التباعُد. وَقد أُمِيتَ فِعلُ الهياط.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: تهايط الْقَوْم تهايُطاً، إِذا اجْتَمعُوا وَأَصْلحُوا أَمرهم، وتمايَطُوا تمايُطاً: تَباعَدُوا وَفَسَد مَا بَينهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُطْ هُطْ، إِذا أمرتَه بالذهاب والمجيء. وَيُقَال: بَينهمَا

(6/200)


مُهايَطة ومُمايَطة ومغايطة ومُشايطة: كلامٌ مُخْتَلف فِي (نَوَادِر الأعرابيّ) .
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهائط: الذَّاهِب، والمائط: الجائي.
وَيُقَال: هاطاه، إِذا اسْتَضْعَفَه.

(بَاب الْهَاء وَالدَّال)
(هـ د (وَا يء))
هدى، هدأ، دها، (دهي، دهو) دها، هاد، وهد، وده، دهدى.
هدى: قَالَ اللَّيْث: الهُدَى: نقيض الضَّلَالَة. وَيُقَال: هُدِيَ فاهْتَدَى.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقِّ} (يُونس: 35) يُقَال: هَدَيْتُ إِلَى الْحق، وهدَيْتُ للحق، بِمَعْنى وَاحِد؛ لِأَن هَدَيْتُ يتعدّى إِلَى المَهْدِيِّين، وَالْحق يتعدَّى بِحرف جرّ، الْمَعْنى الله يَهدِي من يَشَاء إِلَى الْحق.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الهُدَى: البَيان، والهُدَى: إِخْرَاج شَيْء إِلَى شَيْء، والهُدَى أَيْضا: الطَّاعَة والوَرَع. والهُدَى الْهَادِي فِي قَوْله جلّ وعزّ: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} (طاه: 10) أَي هادِياً.
قلت والطريقُ يسمَّى هُدًى، وَمِنْه قولُ الشماخ:
وَقد وَكَّلَتْ بالهُدَى إنسانَ ساهِمَةٍ
كَأَنَّهُ من تمَامِ الظِّمْءِ مَسْمولُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَمَّن لاَّ يَهِدِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلاَّ أَن يُهْدَى} (يُونُس: 35) يَقُول: تَعْبدُونَ مَا لَا يَقدِرَ على أَن ينْتَقل من مَكَانَهُ إِلَّا أَن تنقلُوه.
وَقَالَ الزّجاج: قرىء: {ُ} أمْ مَن لَا يَهْدِي بِإِسْكَان الْهَاء وَالدَّال.
قَالَ: وَهَذِه قِرَاءَة مَرْوية، وَهِي شَاذَّة.
قَالَ: وَقِرَاءَة أبي عَمْرو: {أَمن لَا يهدى بِفَتْح الْهَاء، وَالْأَصْل: يَهتَدي، وَقِرَاءَة عَاصِم (أَمن لَا يهدى) بِكَسْر الْهَاء بِمَعْنى يَهتَدي أَيْضا، وَمن قَرَأَ (أمّن لَا يَهْدِي) خَفِيفَة فَمَعْنَاه يَهتَدي أَيْضا. يُقَال: هَدَيْتُه فَهَدِي، أَي اهتَدَى.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (فُصّلَت: 17) أَي بَيَّنا لَهُم طريقَ الهُدَى وَطَرِيق الضَّلَالَة، فاستحبُّوا، أَي آثروا الضَّلَالَة على الهُدَى. وَقَوله جلّ وعزّ {أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طاه: 50) قَالَ: مَعْنَاهُ خَلَقَ كلَّ شَيْء على الْهَيْئَة الَّتِي بهَا يَنتَفِع وَالَّتِي هِيَ أصلح الخَلْق لَهُ، ثمَّ هداه لمعيشته، وَقد قيل: ثمَّ هداه لموْضِع مَا يكون مِنْهُ الوَلَد، وَالْأول أبيَن وأوضح.
وَقَالَ الأصمعيّ: هداه يَهْدِيه فِي الدّين هُدًى، وهَداه يَهْدِيه هِدَايةً، إِذا دَلَّه على الطَّرِيق، وهَدَيْتُ العَروسَ فَأَنا أهْدِيها هِداءً وأَهْدَيْتُ الهَدِيَّةَ إهداءً، وأَهْدَيْتُ الهَدْيَ إِلَى بَيت الله إهداءً، والهَدْي خَفِيف، وَعَلِيهِ هَدْيةٌ، أَي بَدَنةٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الهَدِيّ: الرجلُ ذُو الحُرْمة، وَهُوَ أَن يَأْتِي القومَ يستجيرُهم أَو يأخذُ مِنْهُم عَهداً، فَهُوَ هَدِيّ مَا لم يُجَر أَو يَأْخُذ العَهْد، فَإِذا أَخَذ العهدَ أَو أُجِير فَهُوَ حينئذٍ جارٌ. وَقَالَ زُهير:
فلَم أَرَ معشَراً أسَرُوا هَدِيّاً
وَلم أَرَ جارَ بَيْتٍ يُستباءُ

(6/201)


وَقَالَ عنترة فِي قِرْوَاشٍ:
هَدِيُّكُم خيرٌ أبَا من أبيكُم
أبرُّ وأَوْفَى بالجِوار وأَحْمَدُ
أَبُو الْهَيْثَم لِابْنِ بزرج: أَهدَى الرجلُ امرأتَه: جَمَعها إِلَيْهِ وضَمّها.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للأسير أَيْضا: الهَدِيُّ، وَقَالَ المتلمِّس:
كطُرَيْفه بن العَبْد كَانَ هَدِيَّهم
ضَرَبوا صَميمَ قَذالِه بمُهنَّدِ
قَالَ: وأظنّ الْمَرْأَة إِنَّمَا سميت هدِيّاً لهَذَا الْمَعْنى، لِأَنَّهَا كالأسيرة عِنْد زَوجهَا، وَقَالَ عنترة:
أَلا يَا دَار عَبلة بالطَّوِيِّ
كرَجْع الوَشْم فِي كفِّ الهَدِيّ
قَالَ: وَقد يجوز أَن تكون سُمِّيتْ هدِيّاً؛ لِأَنَّهَا تُهدَى إِلَى زَوجهَا، فَهِيَ هَدِيّ فَعِيل فِي معنى مفعول.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي بَاب الْهَاء وَالْفَاء: يُقَال للرّجل إِذا حَدَّث بِحَدِيث فعَدَل عَنهُ قبل أَن يفرغ إِلَى غَيره: خُذْ عني هِدْيَتِك وقِدْيَتِك أَي خُذْ فِيمَا كنت فِيهِ وَلَا تَعدِل عَنهُ. كَذَا أخبَرَني أَبُو بكر عَن شمِر، وقيَّده فِي كِتَابه المسموع من شمِر: خُذْ فِي هِدْيَتِك وقِدْيَتِك، أَي خُذ فِيمَا كنتَ فِيهِ بِالْقَافِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: نَظَر فلانٌ هِدْيَة أمره، أَي جِهة أمره، وَيُقَال: هَدَيْتُ بِهِ أَي قَصَدْتُ بِهِ.
وَيُقَال: مَا أشبَه هَدْيَه بَهْدِي فلَان، أَي سَمْتَه. وتركَهُ على مُهَيْدِيته، أَي على حَاله.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْفراء: يُقَال: هدَيتُ هَدْيَ فلَان، إِذا سِرتَ سِيرته.
وَفِي الحَدِيث: (اهْدُوا هَدْيَ عمّار) .
وَقَالَ أَبُو عَدنان: فلَان حَسَن الهَدْي، وَهُوَ حُسن المَذْهب فِي أُمُوره كلِّها. وَقَالَ زيادُ ابْن زيد العدوِيّ:
ويُخبِرُني عَن غائبِ المرءِ هَدْيُه
كَفَى الهَدْيُ عمّا غَيّبَ المرءُ مُخْبِراً
وفلانٌ يذهبُ على هِدْيَتِه، أَي على قَصْدِه، وأقرأنِي ابنُ الْأَعرَابِي لعَمْرو بنُ أَحْمَر الباهليّ:
نَبَذَ الجُؤارَ وضَلَّ هِدْيَةَ رَوْقِه
لمّا اخْتَلسْتُ فؤادَه بالمِطْرَدِ
أَي تَرَك وَجْهَه الَّذِي كَانَ يُريدهُ، وسَقَط لمّا أَن صَرَعتُه.
وَقَالَ الأصمعيّ وَأَبُو عَمْرو: ضلَّ الموضعَ الَّذِي كَانَ يَقصِد لَهُ برَوْقِه من الدَّهَش.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال لَيْسَ لهَذَا الْأَمر هِدْيَةٌ، وَلَا قِبْلة، وَلَا دِبْرَة وَلَا وِجْهَة.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: لَك عِنْدِي مِثلها هُدَيَّاها.
شمِر، قَالَ ابْن شُمَيْل: اسْتَبَق رَجلان، فلمَّا سبَق أحدُهما صاحبَه تَبالحَا، فَقَالَ الْمَسْبُوق؛ لَمْ تَسْبِقْني، فَقَالَ لَهُ السَّابِق: فأَنت على هُدَيّاها، أَي أعاوِدُك ثَانِيَة، وَأَنت على بُدْأَتِك، أَي أعاوِدُك.
قَالَ شمر: تَبَالحَا أَي، تَجاحَدا.

(6/202)


وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إنّ أحسنَ الهدْيِ هَدْيُ مُحَمَّد، أَي أحسنَ الطَّرِيق والهِداية والطريقة والنحو والهيئة.
وَفِي حَدِيثه: كنّا ننظرُ إِلَى هَدْيه ودَلِّه.
قَالَ أَبُو عبيد: وأحدُهما قريبُ الْمَعْنى من الآخر، وَقَالَ عمرَان بن حطَّان:
وَمَا كَانَ فِي هَدْي عَلَيَّ غَضاضةٌ
وَمَا كنتُ من مَخْزاتِه أَتَقَنَّعُ
وَقَالَ اللَّيْث وغيرُه فِيمَا يُهدَى إِلَى مكَّة من النَّعَم وغيرِه من مالٍ أَو متاعٍ فَهُوَ هَدِيٌّ وهَدْيٌ، وقُرِىء بِالْوَجْهَيْنِ.
والهِداء: الرَّجل البَليد الضَّعِيف. وَجمع الهَدِيَّة هَدَايَا، ولُغة أهلِ الْمَدِينَة: هدَاوَى والهَدْيُ السُّكون. قَالَ الأخْطَل:
وَمَا هدَى هَدْيَ مَهزومٍ وَمَا نَكَلا
يَقُول: لمْ يُسرِع إسراعَ المنْهزِم، وَلَكِن على سكونٍ وحُسْن هدْي.
وَقَالَ أَبُو زيد: الهدَاوَى لُغةُ عُلْيا مَعَدّ وسُفْلاها الْهَدَايَا.
أَبُو بكر: رجلٌ هِداء وهِدان للثقيل الوَخم.
قَالَ الأصمعيّ: لَا أَدْري أَيهمَا سمعتُ أَكثر. قَالَ الرَّاعِي:
هِداءٌ أخُو وَطْبٍ وصاحبُ عُلْبَةٍ
يَرى المجدَ أَن يَلقَى خِلاَء وأمْرُعا
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج فِي مَرَضه يُهادَى بَين اثْنَيْنِ.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ أنّه كَانَ يَعتمد عَلَيْهِمَا من ضَعفه وتمايُله. وَكَذَلِكَ كلُّ من فَعل ذَلِك بأَحدٍ فَهُوَ يُهاديه. وَقَالَ ذُو الرمة يصف نسَاء يُهادِين جَارِيَة ناعمةً:
يُهادِين جَمّاء المرافِق وَعْثَةً
كَلِيلةَ حَجم الكَعب رَيّا المخلْخَلِ
فَإِذا فعلتْ ذَلِك المرأةُ فتمايلتْ فِي مشيها من غير أَن يُماشيها أحد، قيل: هِيَ تَهادَى. قَالَه الأصمعيّ: قَالَ الْأَعْشَى:
إِذا مَا تَأَتَّى تُرِيدُ القيامَ
تَهادَى كَمَا قد رأيتَ البَهِيرا
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فَمَا فَضْلَةٌ من أَذْرِعاتٍ هوَتْ بهَا
مُذكَّرَةٌ عَنْسٌ كهادية الضَّحْلِ
أَرَادَ بهاديةِ الضَّحل أتان الضَّحْل، وَهِي الصَّخْرَة الملساء.
وَيُقَال: هُوَ يُهاديه الشِّعْرَ ويُهاجِيه الشِّعر، بِمَعْنى وَاحِد.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بَعَثَ إِلَى ضُباعَة وذَبَحت شَاة فطَلَب مِنْهَا، فَقَالَت: مَا بقِي إلاّ الرَّقبة، فبَعث إِلَيْهَا أنْ أرسِلِي بهَا، فإِنها هاديةُ الشَّاة.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: الهادية من كلّ شَيْء أوّله وَمَا تقدَّم مِنْهُ. وَلِهَذَا قيل: أقبلَت هَوادِي الخَيل، إِذا بَدَت أعناقُها، لِأَنَّهَا أوَّل شَيْء من أجسادها وَقد تكون الهوادي أوّلَ رَعِيل يطلعُ مِنْهَا، لِأَنَّهَا المتقدّمة.
يُقَال: قد هَدَت تَهْدِي، إِذا تقدَّمَت. وَقَالَ عَبيد يذكرُ الخَيل:
وغَداةَ صَبَّحْنَ الجِفَارَ عَوَابساً
يَهدِي أوائِلَهُنَّ شُعْثٌ شُرَّبُ

(6/203)


أَي يتقدّمهنّ، وَقَالَ الْأَعْشَى وذَكر عَشاهُ وأنّ عَصَاهُ تَهديه:
إِذا كَانَ هادِي الْفَتى فِي البلا
دِ صدْرَ القَناةِ أَطاعَ الأمِيرا
فقد يكون إنّما سَمَّى العَصا هادياً؛ لِأَنَّهُ يُمسكُها فهِي تَهدِيه؛ تَتقدَّمه، وَقد يكون من الْهِدَايَة، لِأَنَّهَا تدلّه على الطَّرِيق، وَكَذَلِكَ الدَّلِيل يسمّى هادِياً؛ لأنّه يتقدّم القومَ ويَتبعونه وَيكون أَن يَهديَهم للطريق.
وَقَالَ اللَّيْث: لُغَةُ أهلِ الغَوْر فِي معنى بَيَّنتُ لَك: هدَيتُ لَك. وَقَوله جلّ وعزّ: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} (طاه: 128) : نبيِّن بهم.
وهادِياتُ الوَحْش: أوائلها، وَهِي هَوادِيها.
وَيُقَال: فَعَلَ بِهِ هُدَيّاها أَي مثلَها.
وَيُقَال: أهدَى وهدَّى، بِمَعْنى وَاحِد. وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
أقولُ لَهَا هَدِّي وَلَا تَذْخَرِي لحمِي
وَالْعرب تسمِّي الإبلَ هَدِيّاً، يَقُولُونَ: كم هَدِيُّ بني فلَان أَي كم إبِلُهم، سُمِّيَتْ هَدِيّاً لِأَنَّهَا تُهدَى إِلَى الْبَيْت: / /
وَجَاء فِي حَدِيث فِيهِ ذكر السّنَة والْجَدب هَلك الهدِيُّ، وَمَات الوَدِيّ، أَي هلكَت الإبلُ ويَبِسَ النَّخْل، وامرأةٌ مِهداءٌ بالمدّ، إِذا كَانَت تُهْدِي لجاراتها وَأما المِهدَى بالقَصْر، فَهُوَ الطَّبق الَّذِي يُهدَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ المؤرِّج: هاداني فلانٌ الشِّعرَ وهادَيتُه، أَي هاجاني وهاجَيْتُه.
والهاديَة: الصَّخْرَة الناتئة فِي المَاء. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
مذكَّرة عنسٌ كهادِية الضَّحْلِ
هدأ: قَالَ اللَّيْث وغيرُه: الهَدَأ مصدَرُ الأهدأ، رجلٌ أَهْدَأ وَامْرَأَة هَدْآء، وَذَلِكَ أَن يكون مَنكبُه منخفضاً مستوياً، أَو يكون مائلاً نحوَ الصَّدْر غيرَ منتصب، يُقَال منكِبٌ أَهَدَأ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رجل أهدأ، إِذا كَانَ فِيهِ انحناء، وَأنْشد فِي صفة الرّاعي:
أَهْدَأُ يَمشي مِشْيةَ الظليمِ
وَقَالَ أَبُو زيد: هَدَأ الرجلُ هدوءاً، إِذا سَكَن.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: يُقَال: نظرتُ إِلَى هَدئه بالهَمْز، وهديه، قَالَ: وَإِنَّمَا أسقطوا الهمزَة فَجعلُوا مَكَانهَا الْيَاء، وأصلُها الْهَمْز، من هدَأَ يَهْدَأ، إِذا سكن. قَالَ: وهَدِىءَ وهتِىءَ، إِذا انحنى.
وَقَالَ اللحيانيّ: أتيتُه بعد هَدْءٍ من اللَّيْل، وَهْدأةٍ هدِىءٍ على فعيل وهُدُوء على فعُول.
غيرُه: أهدأَت المرأةُ صبيَّها، إِذا قارَبته وسكَّنته لينام، فَهُوَ مُهْدَأٌ.
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
شَئِزٌ جَنْبِي كَأَنِّي مَهْدَأُ
ألصق القَينُ على الدّفّ الإبر
قَالَ: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يرويهِ: مُهْدَأ وَهُوَ الصبيُّ المعَلَّل لينام، وَرَوَاهُ غيرُه: كَأَنِّي مَهْدَأ، أَي بعد هَدْءٍ من اللَّيْل.
وده: أَبُو عبيد عَن الْفراء: استودَهت الإبلُ واستَيْدَهَتْ بِالْوَاو وَالْيَاء إِذا اجْتمعت،

(6/204)


وانساقت، وَمِنْه استيداهُ الْخصم، إِذا غُلِب فانقاد، وَيُقَال: استَوْدَهَ الخصمُ.
وَأنْشد الأصمعيّ لأبي نُخَيلَة:
حَتَّى اتلأبُّوا بعد مَا تبدُّدِ
واستَيْدَهوا للقَرَب العَطَوَّدِ
أَي انقادوا وذَلُّوا، وَهَذَا مَثل.
وَقَالَ ابْن السّكيت: استَوْدَهَ الخصمُ واستتَيْده، إِذا غُلِب ومُلك عَلَيْهِ أَمرُه. وَقَالَ غَيره: استيده الأمرُ، واستنده وايْتَدَه، وانْتَدَه إِذا اتلأبَّ:
وَفِي (النَّوَادِر) : والوَدْهاء: الحسَنة اللَّوْن فِي بَيَاض.
دها: قَالَ اللَّيْث: الدَّهْيُ والدَّهْوُ: لُغَتَانِ فِي الدَّهاء. وَيُقَال: دهوتُه ودهَيتُه فَهُوَ مَدْهُوٌّ، ومدهِيٌّ، ودهيته ودهوته، نَسَبتُه إِلَى الدَّهاء، وَرجل داهيةٌ، أَي مُنْكَرٌ بصيرٌ بالأمور. وتدهَّى الرجُل: فعل فعلَ الدُّهاة والمصدر الدَّهاء. وَكَذَلِكَ كلُّ مَا أَصَابَك من مُنكَر من وَجه المأْمَن، تَقول: دُهِيتُ، وَكَذَلِكَ إِذا خُتِلْتَ عَن أمرٍ والدَّهياء هِيَ الداهية من شَدَائِد الدَّهْر وَأنْشد:
وأخو محافظَة إِذا نزلتْ بِهِ
دَهياءُ داهيةٌ من الأزْمِ
ابْن بُزرج: دَهِي الرجُل ودَهَى وَهُوَ يدَهى ويدهو، كلُّ ذَلِك للرّجل الداهية.
قَالَ العجّاج:
وبالدَّهاء يُخْتَلُ المدْهِيُّ
وَقَالَ:
لَا يعْرفُونَ الدَّهْيَ من دهائها
أَو يَأْخُذ الأَرْض على مِيدائها
ويروى: الدَّهْوَ من دَهائها
وَيُقَال: غَرْبٌ دَهْيٌّ، أَي ضخم.
قَالَ الراجز:
الغَرْبُ دَهْيٌ غَلْفَقٌ كبيرُ
والحوضُ من هَوْذَلِه يَفُور
هَوْذَلِه: صَبُّه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال من الدهاء داهيةٌ دَهياء، وداهية دَهواء.
وَقَالَ اللحيانيّ: دها فلانٌ يَدْهَا ويَدْهو دَهاءً ودهاءَة، ودَهِيَ يدَهى دَهاء ودهياً، وَإنَّهُ لدَاهٍ، ودَهِيٌّ وَدَهٍ؛ فَمن قَالَ: داهٍ قَالَ: من قوم دُهاة، وَمن قَالَ: دَهِيٌّ قَالَ: من قوم أدْهياء، وَمن قَالَ دَهٍ قَالَ: من قومٍ دَهِين، مِثلُ عَمِين.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدَّهِيُّ: الْعَاقِل. وَيُقَال: هُوَ داهٍ ودَهٍ، ودَهِيّ.
وَمَا دهاك، أَي مَا أَصَابَك.
وَيُقَال: دهدَيْتُ الحجرَ ودهدهته فتَدَهْدَى وتدَهْدَهَ، وَيُقَال: مَا أَدْرِي أيُّ الدَّهْداء هُوَ؟ أَي أيّ الْخلق هُوَ. وَقَالَ: وَعِنْدِي للدَّهداء النائين.
هود هيد: قَالَ اللَّيْث: الهَوْد: التَّوْبَة. قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} (الأعرَاف: 156) أَي تُبنا إِلَيْك.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير، وَإِبْرَاهِيم، والهُودُ: هم الْيَهُود، هادُوا يهودُون هوداً، وسُمِّيت اليهودُ اشتقاقاً من هادُوا، أَي ثابوا.

(6/205)


وَقَالَ الزّجاج: قَالَ المفسّرون فِي قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} (الأعرَاف: 156) إِنَّا تُبْنا إِلَيْك، وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ} (الأنعَام: 146) فَمَعْنَاه دَخَلوا فِي الْيَهُودِيَّة.
وَفِي الحَدِيث: (كلّ مَوْلُود يُولَد على الفِطرة فأَبَواه يُهوِّدانه أَو ينصِّرانه) ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يعلِّمانه دينَ اليهوديّة ويُدخِلانه فِيهِ.
وَقَالَ الْفراء، فِي قَول الله: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (البَقَرَة: 111) .
قَالَ: يُرِيد يَهُوداً، فحذَف الْيَاء الزَّائِدَة ورَجَع إِلَى الفِعل من الْيَهُودِيَّة، وَهِي فِي قِرَاءَة أُبَيّ: (إِلَّا من كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا) .
قَالَ: وَيجوز أَن يُجْعَل هُوداً جمعا، واحدُه هائد وهُود، مثل جائل وعائط من النُّوق، والجميع جُولٌ وعُوط، وَجمع اليَهودِيّ يَهود، كَمَا يُقَال فِي جمع المَجُوسيّ مجُوس، وَفِي جمع العَجَميّ والعربيّ عَرَب وعَجَم.
أَبُو عبيد، التهوُّد: التَّوْبَة وَالْعَمَل الصَّالح وَقَالَ زُهَيْر:
سِوَى رُبَعٍ لَم يأْتِ فِيهَا مخانةً
وَلَا رَهقاً مِن عائدٍ متهودِ
قَالَ: المتهوِّد: المتقرِّب {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} (الأعرَاف: 156) أَي تُبْنا إِلَيْك ورَجَعْنا وقَرُبنا من الْمَغْفِرَة.
وَقَالَ شمر: المتهوِّد: المتوصّل بهوادةٍ إِلَيْك، قَالَه ابْن الأعرابيّ، قَالَ: والهَوادَة: الحُرْمَة، والسبَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هادَ، إِذا رَجَع من خيرٍ إِلَى شَرّ، أَو من شَرّ إِلَى خير، ودَاهَ إِذا عَقَل.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: التهويد: السّير الرفيق.
وَفِي حَدِيث عمر: أَن ابْن حُصَين أَنه أَوْصَى عِنْد مَوته: إِذا مِتُّ فخرجتم بِي فأَسرعوا المشيَ وَلَا تُهَوِّدوا كَمَا تُهَوِّد اليهودُ وَالنَّصَارَى.
قَالَ أَبُو عبيد: التهويد: المشيُ الرُّوَيد، مثل الدَّبِيب وَنَحْوه، وَكَذَلِكَ التهويد فِي المَنطق، وَهُوَ السَّاكِن.
وَقَالَ الرَّاعِي يصف نَاقَة:
وخَوْدٍ من اللائي يُسَمَّعْن بالضُّحَى
قَرِيصَ الرُّدافَى بالغِناء المُهوَّدِ
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: هوَّد الرجلُ، إِذا سَكَن، وهوَّد، إِذا غَنَّى، وهوَّد، إِذا اعتَمَد على السّيْر وَأنْشد:
سَيراً يُراخِي مُنَّةَ الجليد
ذَا قُحَمٍ وليسَ بالتَّهوِيدِ
أَي لَيْسَ بالسير الليّن.
وَقَالَ غَيره: هوَّدَه الشرابُ، إِذا خَثَّره فأَنامَه:
وَقَالَ الأخطل:
ودَافَع عني يومَ جِلِّقَ غمرَةً
وصَمَّاءَ تُنْسيني الشرابَ المهوِّدا
وَقَالَ شمِر: الهَوْدة: مُجْتَمع السَّنام وقَحْدَتُه، وجمعُها هَوْدٌ.

(6/206)


هيد هادَ يهيد.
قَالَ يُونُس: يُقَال فلانٌ يُعطى الهَيْدَان والزَّيدان، أَي يُعطِي من يَعرف وَمن لَا يَعرف.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَيْد: الْحَرَكَة، يُقَال: هِدْتُه أَهِيده هَيْداً كَأَنَّك تحركه ثمَّ تُصلحه.
وَقَالَ: وهِدْت الرجلَ أَهيدُه هَيْداً وهِيداً وهاداً، إِذا زجرَته عَن الشَّيْء وصرَفْته عَنهُ، يُقَال مِنْهُ: هِدْهُ، فَمَا يُقال لَهُ: هَيْد، وَمعنى هِدْهُ، أَي أَزِلْه عَن مَوْضِعه، وَأنْشد:
حَتَّى استقامتْ لَهُ الآفاقُ طَائِعَة
فَمَا يُقَال لَهُ هَيدٌ وَلَا هادُ
أَي مَا يمنَع من شَيْء، وَيجوز: مَا يُقَال لَهُ هَيدٍ بالخَفض فِي مَوضِع رفعٍ، على حِكَايَة صَهٍ وغارِقٍ ونحوِه. والهَيْد من قَوْلك: هادَني هَيدٌ أَي كَرَثَنِي.
قَالَ: والهِيد فِي الحُداء كَقَوْلِه:
مُعاتَبة لهنّ حَلاَ وحَوْبا
وجُلُّ غِنائهنّ هيَا وهِيدِ
وَذَلِكَ أنَّ الحاديَ إِذا أَرَادَ الحُداء قَالَ: هِيدِ هيدِ ثمَّ زَجَل بصوْته.
روى أَبُو عبيد لِابْنِ عمرَ قَالَ: لَو لقيتُ قاتِلَ أبي فِي الحرَم مَا هِدتُه، قَالَ: يُرِيد: مَا حرَّكْتُه، وَأنْشد:
فَمَا يُقَال لَهُ هَيْدٌ وَلَا هادُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: مَا يُقَال لَهُ هِيدٌ وَلَا هادٌ، يُقَال مِنْهُ: هِدْتُ الرجلَ، وَأنْشد الْأَحْمَر:
فَمَا يُقَال لَهُ هِيدٌ وَلَا هادُ
شمر: هِيدٌ وهَيْد جائزان، وَالْعرب تَقول: هَيْدَ مالَك، إِذا استفهموا الرجل عَن شَأْنه، كَمَا تَقول: يَا هَذَا مَالك.
والهَيْدُ: الشَّيْء المضطرب، وَمِنْه قَوْله:
أذاك أم تعطِيك هَيْداً هيدَبا
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: قَالُوا يَقُول مَا قَالَ لَهُ هَيْدَ مَالك، فنَصبوا، وَذَلِكَ أَن يَمُرّ بِالرجلِ البعيرُ الضالّ فَلَا يُعوِّجُه وَلَا يلتفتُ إِلَيْهِ، ومرَّ بعيرٌ فَمَا قَالَ لَهُ: هَيْدِ مالَك، بِجرِّ الدَّال، حَكَاهُ ابْن الأعرابيّ، وَأنْشد لكعب بن زُهَيْر:
لَو أَنَّهَا آذَنَتْ بِكْراً لقُلتُ لَهَا:
يَا هَيْدِ مالَكِ أَو لَو آذَنَتْ نَصَفَا
وَفِي الحَدِيث أَنه قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجده: يَا رسولَ الله هِدْه فَقَالَ: (عَرْشٌ كعَرش مُوسَى) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله هِدْه، كَانَ ابْن عُيينة يَقُول: مَعْنَاهُ أَصْلِحْه. قَالَ: وتأويله كَمَا قَالَ. وأصلُه أَنه يُراد بِهِ الْإِصْلَاح بعد الهدْم، وكلُّ شَيْء حرَّكتَه فقد هِدْتَه تهيدُه هَيْداً، فكأنَّ الْمَعْنى أَنه يُهْدَم ويُستأنف بِنَاؤُه ويُصلَح. وَيُقَال: لَا يهيدنّك هَذَا عَن رأيكَ، أَي لَا يُزيلنّك.
وَقَالَ الْحسن: مامن أحد عمل لله عملا إِلَّا سَار فِي قَلْبه سوْرتان، فَإِذا كَانَت أُوليهمَا لله فَلَا تَهِيدَنَّه الآخرةُ، أَي لَا يمنعنَّه ذَلِك من الْأَمر الَّذِي قد تقدَّمتْ فِيهِ نِيَّتُه لله.
قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال مَا هادَه كَذَا وَكَذَا، أَي مَا حرّكه وَمَا يَهيدُه.

(6/207)


قَالَ: وَلَا يُنطَق بِيَهِيد إلاَّ بِحرف جَحْد.
وهد: قَالَ اللَّيْث: الوَهْد: المكانُ المنخفِض كَأَنَّهُ حُفرة، تَقول: أرضٌ وَهْدة، ومكانٌ وَهْد، والوَهْد يكون اسْما للحُفْرة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الوَهْدة: النُّقْرة المنتقَرة فِي الأَرْض أشدُّ دُخولاً فِي الأَرْض من الْغَائِط، وَهُوَ أضيَقُ من الْغَائِط وَلَيْسَ لَهَا جُرْف، وعَرْضُهَا رُمْحان وثلاثةٌ، لَا تُنْبِت شَيْئا.
دهدى: قَالَ اللَّيْث: تَقول تَدَهْدَى الحَجَرُ وغَيرُه تَدَهْدِياً، إِذا تَدحرَج ودَهْدَيتُه دهْداة ودِهداءً، إِذا دحرجَته.
والدُّهدِيَّة: الخَراء المستدير الَّذِي يُدَهدِيه الجُعَلُ.

(بَاب الْهَاء وَالتَّاء)
(هـ ت (وَا يء))
هَيت، (هِيت) ، هوت، وهْت، هتى، تاه.
وهت: الوَهْتة: الهبْطة من الأَرْض، وجمعُها وَهْت. وَقد وهتَه يَهته وَهْتاً، إِذا ضَغَطه فَهُوَ مَوْهوتٌ.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: المُوهِت: اللّحم المُنْتِن، وَقد أَيهت إيهاتاً.
هيت: قَالَ الله جلّ وعزّ مخبرا عَن زَليخا صَاحِبَة يُوسُف أَنَّهَا لمّا راودَت يُوسُف عَن نَفسه: قَالَت لَهُ: {هَيْتَ لَكَ} (يُوسُف: 23) .
قَالَ الْفراء بإسنادٍ لَهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هَيْتَ لَكَ} . قَالَ الْفراء: وَيُقَال إِنَّهَا لغةٌ لأهلِ حَوْران سَقَطَتْ إِلَى مَكَّة فتكلّموا بهَا. قَالَ: وَأهل الْمَدِينَة يقرءُون: هِيتَ لكَ، يكسرون الْهَاء وَلَا يهمِزون. قَالَ: وَذكر عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا قرآ: {هئت لَك، يُرادُ بِهِ فِي الْمَعْنى: تهيَّأتُ لَك، وَأنْشد الْفراء:
أبلغ أميرَ المؤمني
نَ أخَا العِراق إِذا أَتَيْتَا
أَن العِراقَ وأهلَه
عُنُقٌ إليكَ فَهْيَتَ هَيْتا
وَمَعْنَاهُ: هلُمَّ هلُمَّ
وَقَالَ الْفراء فِي (المصادر) : من قَرَأَ: هَيْتَ لَك فَمَعْنَاه: هَلُمّ لَك.
قَالَ: وَلَا مَصدَر لهَيْت، وَلَا يُصرَف.
وَقَالَ الْأَخْفَش: {هَيْتَ لَكَ} (يُوسُف: 23) مَفْتُوحَة، مَعْنَاهَا: هلُمّ لَك. قَالَ: وَكَسَرَ بَعضهم التَّاء، وَهِي لُغَة، فَقَالَ: {} {هَيْتِ لَك ورفَع بعضٌ التَّاء فَقَالَ: هَيْتُ لَك وكَسَر بعضٌ الْهَاء وفَتَح التَّاء فَقَالَ: هِيتَ لَك، كلّ ذَلِك بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن ابْن اليزيديّ، عَن أبي زيد، قَالَ {هَيْتَ لَكَ} ، بالعبرانية هَيْتَا لَجْ أَي تَعَالَهْ، أَعرَبَه الْقُرْآن.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيت؛ موضعٌ على شاطىء الفُرات. وَقَالَ رؤبة:
والحوتُ فِي هِيتَ رَذَاها هِيتُ
قلتُ: الرِّوَايَة فِي قَول رؤبة:
وَصَاحب الْحُوت وأينَ الحُوتُ؟
فِي ظلمات تَحتهنّ هِيتُ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: تَحتَهنَّ هِيتُ، أَي هوّةٌ من الأَرْض.

(6/208)


قَالَ: وَيُقَال للمَهْواة: هوّتَةٌ وهُوَّةٌ وهوْتَةٌ، وَجمع الهُوتة هُوت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: سُمّيَت هِيتُ هِيتَ لأنّها فِي هُوّة من الأَرْض انقلَبَتْ الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا.
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قَالَ: وَدِدْت أنّ مَا بَيْننَا وَبَين العَدُوِّ هَوْتَةً لَا يُدرَك قَعْرُها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قيل لأمّ هِشَام البَلَوِيّة: أَيْن مَنزلك؟ فَقَالَت: بهَاتا الهَوْتَةِ.
قيل: وَمَا الهَوْتَةُ؟ قَالَت: بهاتَا الوَكْرَة.
قيل: وَمَا الوَكْرة؟ قَالَت: بهاتَا الصُّدَاد. قيل: وَمَا الصُّدَاد؟ قَالَت: بِهاتَا المَوْرِدة.
قَالَ ابْن الأعرابيّ: وَهَذَا كُله الطَّرِيق المنحدِر إِلَى المَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال فِي الشَّتْم: صَبّ الله عَلَيْك هَوْتَةً ومَوْتَةً.
هوت وهيت: فِي الحَدِيث أنّه لما نزَلَتْ: {الْمُعَذَّبِينَ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ} (الشُّعَرَاء: 214) باتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفخِّذ عَشِيرتَه فَقَالَ الْمُشْركُونَ: لقد بَات يُهوِّت.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: التَّهيِيتُ: الصوتُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ فِيمَا قَالَ أَبُو زيد: أَن يَقُول لَهُ: يَا هِيَاه، وَأنْشد أَبُو زيد:
قد رابَني أَن الكَرِيَّ أَسْكَتَا
لَو كَانَ مَعْنِيَّا بِنَا لَهيّتَا
وَقَالَ غَيره: يُقَال: هَيَّتَ بالقَوْم تَهْيِيتاً، وهَوَّت بهم تَهوِيتاً، إِذا ناداهم، وهَيَّت النَّذيرُ. وَالْأَصْل فِيهِ حكايةُ الصَّوت، كَأَنَّهُمْ حَكَوْا فِي هَوَّت: هَوْتَ هَوْتَ، وَفِي هَيَّتَ: هَيْتَ هَيْتَ.
والعَرَب تَقول للكَلْب إِذا أُغْرى بالصَّيْد: هَيْتاه هَيْتاه.
وَقَالَ الراجز يَذكر ذِئْباً:
جَاءَ يُدِلُّ كَرِشاءِ الغَرْبِ
وقلتُ: هَيْتاهُ فتَاه كَلْبِي
هتى: قَالَ اللَّيْث: المُهاتاة من قَوْلك: هاتَ، يُقَال: اشتقاقُه من هاتَى يُهاتِي، الْهَاء فِيهَا أصليَّة.
وَيُقَال: بل الْهَاء مُبدَلة من الْألف المقطوعة فِي آتَى يُؤاتِي، وَلَكِن العَرَب أماتت كلّ شَيْء مِن فِعْلِها غير الأمرِ بهاتِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: إِذا أَمرتَ رجلا أَن يعطيك شَيْئا قلت لَهُ: هاتِ يَا رجلُ، وللاثنين: هاتِيَا، وللجميع: هاتُوا، وللمرأة: هاتِي، فزِدتَ يَاء تكون فَرْقاً بَين الْأُنْثَى والذَّكَر، ولجماعة النِّسَاء: هاتِينَ، وَيُقَال: هاتَى يُهاتِي مُهاتاةً. وَقَالَ ابْن السّكيت نَحوه. وراد فَقَالَ: يُقَال: هاتِ لَا هَاتيْتَ وهاتِ إِن كَانَت بك مُهاتاة.
قَالَ: وَتقول: أنتَ أخذتَه فهاتِه. وللاثنين: أَنْتُمَا أخذْتُماه فهاتِياه، وللجماعة: أنتمْ أخذتُمُوه فهاتُوه، وللمرأة: أنتِ أخذتِيه فهاتِيه، وللجماعة: أنتنّ أخذْتُنَّه فهاتِينَه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: هاتاه، إِذا ناوَلَه شَيْئا، وتاهاهُ، إِذا فاخَره.
وَقَالَ المفصَّل: هاتِ وهاتِيَا وهاتوا، أَي قَرِّبوا.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ}

(6/209)


(البَقَرَة: 111) أَي قرِّبوا.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هاتِ: أَي أعطِ.
توه تيه: قَالَ أَبُو زيد: قَالَ لي رجلٌ من بني كلاب: أَلْقَيْتَني فِي التُّوهِ، يُرِيد فِي التِّيه.
وَيُقَال: مَا أَتْيَه فُلاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال تاهَ يَتِيهُ تُوهاً وتَيهاً، والتِّيه أعمُّها.
وَيُقَال: توَّهْتُه وتيَّهْتُه، وَالْوَاو أعمّ.
قَالَ: والتَّيْهاء: الأرضُ الَّتِي لَا يُهتدى فِيهَا، يُقَال: أَرض تِيهٌ وتَيْهاء، وَأَرْض مَتْيَهةٌ وَأنْشد:
مُشْتَبِهٍ مُتَيِّهٍ تَيْهاؤُهُ
وَقَالَ غَيره: تَيْهان وتَيَّهانٌ، إِذا كَانَ جَسُوراً يَرْكب رأسَه فِي الْأُمُور، وناقة تَيْهانة، وَأنْشد:
يَقدُمُها تَيْهَانَةٌ جَسورُ
لَا دِعْرِمٌ نامَ وَلَا عَثُورُ
شمر عَن ابْن شُمَيْل التَّيْهاء: المَضِلَّة الواسعة بَين الأرَضِين، الَّتِي لَا أَعْلَام فِيهَا، وَلَا جبال وَلَا آكام.
وَقَالَ شمر: يُقَال: أَرضٌ تيْهاء وتِيهٌ ومِتْيَهةٌ، أَي يَتِيهُ فِيهَا الْإِنْسَان.
وَقَالَ العجاج:
تِيهِ أَتاوِيه على السُّقّاطِ
وَيُقَال: مكانٌ مِتْيَهٌ: الَّذِي يُتَيِّه الإنسانَ، قَالَ رؤبة:
يَنوِي اشتقاقاً فِي الضَّلالِ المِتْيَهِ
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: طاحَ يطِيح طَيْحاً، وتاهَ يَتِيه تَيْهاً وتَيَهاناً، وَمَا أطوَحَه وأتْوَهَه، وأَطْيَحه وأَتْيَهَه، وَقد طوّح نفسَه وتوَّهَها.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سمعتُ عَرّاماً يَقُول: تاهَ بَصرُ الرجل وتاف، إِذا نَظَر إِلَى الشَّيْء فِي دَوامٍ، وَأنْشد:
فَمَا أَنْسَ من أشْياء لَا أَنسَ نَظْرتي
بِمَكَّة إِنِّي تائِفُ النَّظراتِ
وتافَ عني بَصرُك وتاهَ، إِذا تَخطَّى.
هتأ: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: هَتِىءٌ من اللَّيْل وهتَاءٌ وهزِيعٌ، وَاحِد.
أَبُو عبيد: تَهتَّأ الثوبُ وتَهمّأ ووتَفَسّأ إِذا انْقَطع وبَلِي، حَكَاهُ عَن الكسائيّ.
ابْن السكّيت: ذَهبَ هِتْءٌ من اللَّيْل، وَمَا بَقِي إلاّ هِتْءٌ، وَمَا بقيَ من غَنمهمْ إِلَّا هِتْءٌ، وَهُوَ أقلُّ من الذاهبة.
ورَوَى سَلَمة عَن الْفراء: فِيهَا هتَأٌ شَدِيد وهُتُوءٌ، يُرِيد شَقٌّ وخَرْق.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الهَتِىءُ والأَهتَاءُ؛ ساعاتُ اللَّيل.
قَالَ: والأتْهَاءُ: الصَّحارِي الْبَعِيدَة.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال: جَاءَ بعد هَدْأة من اللَّيل وهثْأَة.
وَقَالَ اللّحياني: جَاءَ بعد هَتىءِ على فَعيلٍ من اللّيل، وهتْءٍ على فَعْل، وهتْي بِلَا همْز، وهَتَاءٍ وهَيْتَاء ممدودان.
أأُهْمِلت الْهَاء مَعَ الظَّاء

(6/210)


(بَاب الهَاء والذال)
(هـ ذ (وَا يء))
هذى، هذأ، هوذ.
هذأ: قَالَ أَبُو زيد فِيمَا رَوَى عَنهُ ابْن هاني: هَذأْتُ العَدُوَّ هذْأً، إِذا أَبَرْتَهُمْ وأفنيتهم.
قَالَ: وهذأْتُه بلساني، إِذا آذَيْتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَذْءُ أَوحَى من الهَذِّ، يُقَال: هَذأْتُه بالسَّيف هذْءاً، وَسيف هذَّاء.
وَقَالَ أَبُو زيد: هذَأْتُ اللحمَ بالسكين هذْءاً: إِذا قطعْتَه بِهِ، وهذْأْتُه بلساني: إِذا أسمَعْتَه مَا يكرَه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ إِذا فَسدتْ القرحة وتقطعت.
قيل: تهذّأت تهذُّأ وأَرِضَتْ أَرضًا وتذيأت تَذيُّؤاً.
هذى: قَالَ اللَّيْث: الهَذَيان: كلامٌ غيرُ مَعْقُول مثل كَلَام المُبَرْسَم والمَعْتوه، يُقَال: هذَى يَهْذِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هذَى، إِذا هَذَر بِكَلَام لَا يُفهم، وذَها، إِذا تكبّر، بالذَّال قلت: لم أَسْمَع ذَهَا، إِذا تكبر لغيره.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا فَسَدَت القُرحة وتقطعت قيل: تَهذَّأَتْ تَهذُّؤاً، وتذيّأتْ تذَيُّؤاً.
أما هَذَا وَهَذَانِ، فالهاء فِي هَذَا: تَنْبِيه، وَذَا: إشارةٌ إِلَى شَيْء حَاضر، وَالْأَصْل: إِذا ضُمّ إِلَيْهَا: هَا، وتفسيرهما فِي كتاب الذَّال.
وَقَالَ النَّضر: قَالَ أَبُو الدُّقيش لرجل قَالَ: أَيْن فلَان؟ فَقَالَ: هُوَ ذَا. قلتُ: وَنَحْو ذَلِك حفظتُه عَن أعرابِ بني مُضَرّس وَغَيرهم.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الأنباريّ: قَالَ بعض أهل الْحجاز: هُوَذَا بِفَتْح الْوَاو، وَقَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا خطأ مِنْهُ، لِأَن الْعلمَاء الموثوق بعلمهم اتَّفقُوا على أَن هَذَا من تَحْرِيف الْعَامَّة. والعَرَبُ إِذا أَرَادَت مَعْنى هُوَذَا قَالَت: هأنذا أَلقَى فلَانا، وَيَقُول الِاثْنَان: هَا نَحن ذانِ نَلْقَاهُ.
وَيَقُول الرِّجَال: هَا نَحن أولاء نَلْقَاهُ.
وَيُقَال الْمُخَاطب: هَا أَنت ذَا تلقى فلَانا، وللاثنين: هَا أَنْتُمَا ذانِ، وللجماعة: هَا أنتمْ أُولاء. وَيُقَال للْغَائِب: هاهو ذَا يلقاه، وهاهما ذانِ، وهاهم أُولاء، ويُبنَى التَّأْنِيث على التَّذْكِير، وَتَأْويل قَوْلهم: هأنذا أَلْقَاهُ قد قَرُب لقائي إِيَّاه.
اللحياني: هذَوْتُ وهذَيتُ بِمَعْنى.
هوذ: قَالَ ابْن شُمَيْل: الهَاذةُ: شَجَرَة لَهَا أغصانٌ سَبِطة لَا ورق لَهَا، وَجَمعهَا الهاذُ. قلت: هَكَذَا رُوِي عَن النَّضر، وَالَّذِي سمعناه من العَرَب وحصلناه لأئمة اللُّغَة الحاذّ فِي الْأَشْجَار.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَوْذة: القطاة الْأُنْثَى قلت: وَبهَا سمي الرجل هَوْذَة.

(بَاب الهَاء والثاء)
(هـ ث (وَا يء))
ثاه، وهث، هاث، ثها، هثا، (ثاهى، هاثى) .

(6/211)


ثيه: قَالَ اللَّيْث: الثاهة: اللَّهاة. وَيُقَال: هِيَ اللِّثَة.
ثها هثا: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: ثَها، إِذا حَمُقَ، وهَثَا، إِذا احمرَّ وجههُ.
قَالَ: وَيُقَال: ثَاهاه إِذا قاوَله، وهاثاه: إِذا مازَحه ومايله.
وهث: قَالَ اللَّيْث: الوَهْث: الانهماك فِي الشَّيْء، والواهث: الملقي نَفسه فِي الشَّيْء، وتوهَّث فِي الْأَمر، إِذا أَمعَن فِيهِ.
هاث: قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: هِثْتُ لَهُ من المَال أَهِيث هيثاً وهَيَثاناً، إِذا حَثَوتَ لَهُ، وَأنْشد غيرُه قولَ رؤبة:
فأَصْبحتْ لَو هايثَ المُهايِثُ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُهايَثَة: المكاثَرة. يُقَال: هاث لَهُ من مَاله. وَقَالَ فِي قَوْله
مَا زَالَ بيعُ السَّرِقِ المُهايِثُ
قَالَ: المهايث: الْكثير الأخْذ.
قَالَ: وَيُقَال: هاث من المَال يهيث هيثاً، إِذا أصَاب مِنْهُ حَاجته.
وَقَالَ الأصمعيّ: عاثَ فِي المَال وهاثَ، إِذا أَفسد فِيهِ، وأَخَذَ بِغَيْر رِفْق.

(أَبْوَاب الهَاء وَالرَّاء)
(هـ ر (وَا يء))
(هري) ، هرأ، رها، وره، هار، رهأ، يهر (يهير) ، أهر، وهر.
هري: قَالَ اللَّيْث: الهُرِيُّ: بَيت ضخم يجمع فِيهِ طعامُ السُّلطان، والجميعُ الأهراء قلت: أَحسب الهريّ معرَّباً دخيلاً فِي كَلَامهم.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: هراهُ يَهْرُوه هَرْواً، إِذا ضربه بالهِراوة، وتهرَّاهُ مِثله، وَمِنْه قَول الراجز:
لَا يلتوي مِن الوَبِيل القِسْبارْ
وَإِن تهرَّاه بِهِ العبدُ الهَارْ
أَي ضربه بِهِ العبدُ الضَّارِب. والوَبيل: الْعَصَا الضخم، وَكَذَلِكَ القِسبار والقِشْبار وَيُقَال: هرَّى فلانٌ عمَامته، إِذا صبغها بالصُّفرة، وَمِنْه قَوْله:
رَأَيْتُك هَرَّيتَ العِمامةَ بَعْدَمَا
أَرَاك زَمَانا حاسراً لم تَعَصَّبِ
وَكَانَت سادةُ العَرَب تلبس العمائم الصُّفْر وَكَانَت تُحمل من هَراةَ إِلَيْهِم مصبوغة، فَقيل لمن لبس عِمَامَة صفراء: قد هَرَّى عِمَامتَه، وَكَانَ مُعاذٌ الهرّاء يَبِيع الثِّيَاب الهَرَوية فعُرِف بهَا، ولُقِّب الهرّاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هارَاه، إِذا طانَزَه، ورَاهاهُ إِذا حامَقَه.
أَبُو عَمْرو، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: ثوبٌ مُهَرَّى، إِذا صُبِغَ بالصَّبِيبِ، وَهُوَ ماءُ ورق السِّمْسِم.
قَالَ: ومُهرَّى أَيْضا، إِذا كَانَ مصبوغاً كلون المِشْمِش، أَو المَشْمَش.
هرأ: وَمن مهموزه، قَالَ الْأَصْمَعِي: هَرَأ البرْدُ فلَانا يَهْرَؤُه هَرْأً، إِذا اشتدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَاد يَقتُلُه.
وَيُقَال: أَهْرَأْنا فِي الرَّواح، أَي أبرَدْنا، وَقَالَ إهَاب بنُ عُمَير:
حَتَّى إِذا أهْرَأْنَ للأصائِلِ
وفارقتْها بُلةُ الأوَابِلِ

(6/212)


وَيُقَال: أَهْرَأَ لحمَه إهراء، إِذا طبَخه حَتَّى يتَفسَّخ.
قَالَ: والهَرِيَّة: الْوَقْت الَّذِي يشتدّ فِيهِ البرْد.
وَقَالَ اللَّيْث وغيرُه: أهرأَنا القُرُّ، أَي قتَلَنا، وأَهْرأَ فلانٌ فلَانا، إِذا قتَلَه.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي هَراءة الْبرد، وَفِي إهراء اللَّحم مثل مَا قَالَ الأصمعيّ، وَكَذَلِكَ فِي الإهراء للرَّواح.
أَبُو عُبيد، الهُراء ممدودٌ مَهْمُوز: المنْطِق الْفَاسِد، وَيُقَال: الْكثير، وَأنْشد قولَ ذِي الرمّة يصف امْرَأَة ناعمةً:
لَهَا بشرٌ مِثل الْحَرِير ومَنطِقٌ
رَخِيمُ الحَواشي لَا هُرَاءٌ وَلَا نَزْرُ
شمِر عَن الفرّاء: أَهْرَأَ الكلامُ، إِذا أكثَرَ وَلم يُصِب الْمَعْنى، وإنَّ مَنطقَه لغَيرُ هُراء.
قَالَ: ورجلٌ هُراءٌ وامرأةٌ هُراءَةٌ وَقوم هُراءون.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَرأَ الرجلُ فِي مَنطقِه يَهْرَأُ هَرْأً، إِذا مَا قَالَ الخَنا وَالْكَلَام الْقَبِيح.
قَالَ: والمُهْرَأُ والمُهرَّد: المُنْضَج من اللَّحم.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: أهرَأَه البَرْدُ، وأهْزأَه بالراء وَالزَّاي: إِذا قَتَله.
وَقَالَ ابْن مقبل فِي المَهْرُوءِ، مِن هَرَأَه البرْد، يَرْثي عُثْمَان بنَ عفّان ح.
ومَلْجَأُ مَهْرُوئينِ يُلْقَى بِهِ الحَيا
إِذا جَلَّفَتْ كَحْلٌ هُوَ الأمُّ والأبُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال فِي صِغار النَّخل أوّل مَا يُقْلَع شيءٌ مِنْهَا من أمّه فَهُوَ الجَثِيث وَهُوَ الوَدِيُّ والهراءُ والفَسِيل.
رها: قَالَ اللَّيْث: الكُرْكِيُّ يسمَّى رَهْواً، وَيُقَال: بل هُوَ من طَيْرِ المَاء، شبيهٌ بِهِ. والرَّهْو: مَشْيٌ فِي سُكُون.
وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} (الدّخَان: 24) أَي سَاكِنا.
بلغَنا أنَّ مُوسَى ج لمّا دخل الْبَحْر عَجِلَ، فأَعْجَل أَصْحَابه، فأوْحى الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَيْهِ: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} أَي سَاكِنا على هِينَتِك.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: افْعَل ذَاك سَهواً رَهواً، أَي سَاكِنا بِغَيْر تشدُّد.
وَقَالَ: وَجَاءَت الإبلُ رَهْواً: يَتْبع بعضُها بَعْضًا.
والرَّهْو: طَائِر.
قَالَ أَبُو عبيد فِي قَوْله: يَمشِين رَهْواً، هُوَ سَيْرٌ سَهل مُسْتَقِيم.
وَفِي حَدِيث رَافع أنّه اشترَى من رجلٍ بَعِيرًا ببعيرين دَفَع إِلَيْهِ أَحدهمَا، وَقَالَ: آتِيك بِالْآخرِ رَهْواً غَدا، يَقُول: آتِيك بِهِ عَفْواً لَا احتباسَ فِيهِ، وَأنْشد:
يَمشِينَ رَهْواً فَلَا الأعجازُ خاذِلةٌ
وَلَا الصُّدُورُ على الأعجاز تَتَّكلُ
والرّهو: الحَفيرُ يجمع فِيهِ المَاء.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَوْله جلّ وعزّ: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} (الدّخَان: 24) يريدُ دَعه كَمَا فلَقتُه لَك لأنّ الطَّرِيق فِي الْبَحْر كَانَ رَهواً بَين فلقي الْبَحْر.

(6/213)


قَالَ: وَمن قَالَ: سَاكِنا فَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَكِن الرَّهو فِي السّير هُوَ اللَّيِّن مَعَ دوامِه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ، يُقَال لكل سَاكن لَا يتحرّك: ساجٍ وراهٍ ورايٍ.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال: مَا أرهيتَ ذاكَ، أَي مَا تركتَه ساكِناً.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: أَرْهِ ذَاك، أَي دَعْه حَتَّى يَسكن، وَقَالَ: الإرهاء: الإسكان.
وَيُقَال: النَّاس رَهْوٌ وَاحِد مَا بَين كَذَا وَكَذَا، أَي مُتقاطِرُون. وَقَالَ الأخطل:
ثَنَى مُهْرَهُ والخيلُ رَهوٌ كأَنها
قِدَاحٌ على كَفَّيْ مُجِيلٍ يُفِيضُها
أَي متتابعة. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: جلّ وعزّ: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} (الدّخَان: 24) جَاءَ فِي التَّفْسِير: يَبَساً. وَقَالَ أهل اللُّغَة: رهواً: سَاكِنا. قلت: رَهواً: سَاكِنا: مِن نعت مُوسَى، أَي على هِينَتِك، وأجوَد مِنْهُ أَن تجعَل رَهواً من نعت الْبَحْر، وَذَلِكَ أنّه قَامَ فِرْقاه ساكِنَيْن. فَقَالَ لمُوسَى: دع الْبَحْر قَائماً مَاؤُهُ سَاكِنا، واعبُر أَنْت الْبَحْر.
وروى شمر عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} (الدّخَان: 24) قَالَ: وَاسِعًا مَا بَين الطاقات.
قَالَ: وَقَالَ العُكْليّ: المُرْهِي من الْخَيل الَّذِي ترَاهُ كَأَنَّهُ لَا يُسرِع وَإِذا طُلب لم يُدْرَك.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّهْو من الْخَيل وَالطير: السِّراع، قَالَ لَبيد:
يُرَيْن عَصائبا يَرْكُضْنَ رَهْواً
سَوابِقُهن كالحِدَإ التُّؤَامِ
وَيُقَال: رَهْواً يَتبَع بعضُها بَعْضًا.
وَقَالَ الأصمعيّ وَابْن شُمَيْل: الرَّهْوَة والرَّهْو: مَا ارتفَع من الأَرْض.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الرَّهْوة: الرابِيَةُ تَضرب إِلَى اللِّين، وطولُها فِي السَّمَاء ذراعان أَو ثَلَاث، وَلَا تكون إلاّ فِي سُهول الأَرْض، وجَلَدُها مَا كَانَ طِيناً، وَلَا تكون فِي الْجبَال.
وَقَالَ الأصمعيّ: الرِّهاء: أماكنُ مُرْتَفعَة، الْوَاحِدَة رَهْوَأ، والرَّهاء: مَا اتَّسع من الأَرْض وَأنْشد:
بشُعْثٍ على أكوارِ شُدْفٍ رَمَى بهم
رَهَاء الفَلاَ نابِي الهُمومِ القواذِفِ
وَيُقَال: رَهَّى مَا بَين رجلَيْهِ، أَي فَتَح مَا بَين رجلَيْهِ.
قَالَ: ومَرَّ بأعرابيّ فالِجٌ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، رَهْوٌ بَين سَنَامَيْن، أَي فجوةٌ بَين سَنَامين.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الرَّهْو: الِارْتفَاع والانحدار.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو العبّاس النُّمَيْري: دَلَّيْتُ رِجْلي فِي رَهْوة، فَهَذَا انحدار. وَقَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم:
نَصبْنا مِثْلَ رَهْوة ذاتَ حَدَ
مُحَافظَة وكنّا المُستقِينا
فَهَذَا ارْتِفَاع.

(6/214)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّهْو شدّة السَّير، والرَّهو: الْوَاسِع، والرَّهو، طائرٌ يشبه الكُرْكِيّ.
وَقَالَ: الرَّهو والرَّهوَى، لُغَتَانِ: الْمَرْأَة الواسعة. وَقَالَ المُخبَّل:
وأُنكِحْتُها رَهواً كأنّ عِجانَها
مَشَقُّ إهابٍ أَوسَعَ السَّلْخَ ناجِلُهْ
قَالَ: والرَّهو: مُستنقَع المَاء. والرَّهوة: شِبه تَلَ صغيرٍ يكون فِي مُتُون الأَرْض على رُؤُوس الْجبَال، وَهِي مواقعُ الصُّقور والعِقْبان. قَالَ: والرَّها: أرضٌ مستَوِية قَلما تَخْلو من السَّراب، ورُها: بَلَد بالجزيرة، والنِّسبة إِلَيْهِ: رُهاوِيّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرَّهوة: الْجَوْبَة تكون فِي مَحلَّة الْقَوْم يَسيل إِلَيْهَا ماءُ الْمَطَر.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الرَّهو مَا اطمأنّ من الأَرْض وارتفع مَا حولَه.
شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبة فِي قَوْله: {مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ} (الدّخَان: 24) أَي دَمِثاً، وَهُوَ السهل الَّذِي لَيْسَ برمل وَلَا حَزْن.
عَمْرو عَن أَبِيه: أَرْهَى الرجلُ، إِذا تَزوَّج بالرَّهاء، وَهِي الخِجام الواسعة العَفْلَق.
وأَرهَى: دامَ على أَكل الرَّهو، وَهُوَ الكُرْكِيّ.
وأَرهَى: أدام لِضيفانه الطعامَ سخاء.
وأَرهَى: صادفَ موضعا رَهاءً، أَي وَاسِعًا.
وَقَالَ ابْن بزرج: يَقُولُونَ للرّامي وَغَيره إِذا أَسَاءَ: أَرْهِهْ، أَي أَحسِن. وأَرهيتُ: أحسنتُ.
الرَّهو: الْمَطَر السَّاكِن.
وَيُقَال: مَا أرهيتَ إلاّ على نَفْسك، أَي مَا رفقت إلاّ بهَا.
رهأ: قَالَ أَبُو عبيد: رَهْيأَ فِي أمره رَهيَأَةً: إِذا اخْتَلَط، فَلم يَثبُت على رَأْي.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أنّ رجلا كَانَ فِي أَرض لَهُ، إذْ مرّت بِهِ عَنانَةٌ تَرَهيَأُ، فَسمع فِيهَا قَائِلا يَقُول: ائتي أرضَ فلانٍ فاسقِيها.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصمعيّ: تَرَهيَأ يَعْنِي أَنَّهَا قد تهيَّأَتْ للمطر، فَهِيَ تُرِيدُ ذَلِك ولمّا تَفعَل.
قَالَ: وَمِنْه: تَرَهيَأَ القومُ فِي أَمرهم، إِذا تهيئوا لَهُ، ثمّ أَمسكوا عَنهُ، وهم يُرِيدُونَ أَن يفعلوه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّهيأَة أَن تَجعل أحدَ العِدْلين أثقلَ من الآخر. تَقول: رَهْيأْتُ حِمْلَك رهيأةً، وَكَذَلِكَ رهيأتَ أمرَك، إِذا لم تُقوِّمه.
والرَّهيَأَة: الضَّعف والعَجْز، وَأنْشد:
قد عَلِم المُرَهيِئون الحَمْقَى
قَالَ: وَمِنْه: تَرهيَأَ الرجلُ فِي أمره، إِذا هَمّ بِهِ ثمَّ أَمسَك عَنهُ. والرهيَأَة أَن تَغْرَورِق العينان من الْجَهد، أَو من الكِبَر، وَأنْشد:
إِن كَانَ حَظَّكما مِن مَالِ شيخكما
نابٌ تَرهيَأُ عَيناهَا من الكِبَر
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: الرَّهيَأَةُ: التَّخْلِيط فِي الْأَمر وَترك الإحكام. يُقَال: جَاءَ بِأَمْر مُرَهْيَإٍ وَعَيناهُ تَرَهيَآن: لَا يَفْتُر طَرَفاهما.

(6/215)


وَقَالَ أَبُو نصر: يُقَال للرّجل إِذا لم يَقُم على الْأَمر ويمضي، وجَعَل يَشُكّ ويتردّد: قد رَهْيَأَ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رَهيَأْتَ فِي أَمرك، أَي ضَعُفْتَ وتوانَيْت.
وَقَالَ أَبُو زيد: رَهيَأَ الرجلُ فَهُوَ مُرَهْيِىءُ، وَذَلِكَ أَن يَحمِل حِمْلاً فَلَا يَشُدّه بالحبال، فَهُوَ يَميل كلما عَدَّله. وَقد تَرَهيَأَ السحابُ، إِذا تَحرَّك.
أهر: أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ بيتٌ حَسَنُ الأَهَرَة والظَّهَرة والعَقار، وَهُوَ مَتاعُه، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ أَبو عبيد، وَقَالَ اللَّيْث: أَهَرة الْبَيْت: ثِيَابُه وفُرُشُه ومَتاعُه، وأَنشد:
كَأَنَّمَا لُزَّ بَصَخْرٍ لَزَّا
أَحسنُ شيءٍ أَهَراً وبَزّا
هير: الأصمعيّ: من أَسماء الصَّبا: هِيرٌ وإيرٌ، وَيُقَال: هَيرٌ وأَيرٌ وهيِّرٌ وأَيِّر، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبو عبيد وَغَيره.
يهر: وأَخبرني المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال: ذهبَ صَاحبك فِي اليَهْيَرَّى، أَي فِي الْبَاطِل. وَيُقَال للرجل إِذا سألتَه عَن شَيْء فأَخطأَ: ذهبتَ فِي اليَهيَرَّى، وأَين تَذْهب فِي اليَهيَرَّى، وأَنشد:
لما رأَتْ شَيخا لَهَا دَوْدَرَّى
فِي مِثْلِ خَيطِ العِهِن المُعَرَّى
ظلّت كأنّ وَجههَا يَحْمَرّا
تَرَمَدُّ فِي الْبَاطِل واليَهيَرَّى
قَالَ: والدَّوْدَرَّى من قَوْلك: فرس دَرِيرٌ أَي جَواد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قولُه: فِي مِثلِ خَيط العهِن المعرّى، يُرِيد الخُذْرُوف.
وَزعم أَبو عُبَيْدَة أَن اليَهْيَرَّى: الْحِجَارَة.
وَقَالَ أَبُو مَالك: هُوَ الْبَاطِل.
وَقَالَ ابْن هانىء: اليَهْيَرُّ: شجرٌ، وَأنْشد:
أشبعتُ راعيَّ من اليَهْيَرِّ
فظلَّ يَبكي حَبِطاً بشَرِّ
خَلف استِه مِثل نَقِتقِ الهِرِّ
وَقَالَ اللَّيْث: اليَهْيَرُّ: حِجَارَة أَمْثَال الأكُفّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قيل لأبي أسلم: مَا الثَّرَّة اليَهْيَرَّةُ الأخْلاف؟ فَقَالَ: الثَّرَّة: الساهرة العِرْق تَسمَع زَمِيرَ شُخْبِها، وأنتَ من ساعةٍ. قَالَ: واليَهْيَرّة: الَّتِي يسيل لبنُها من كثرته، وناقة ساهِرَة العِرْق: كثيرةُ اللَّبن. واليَهْيَرُّ: دُوَيْبَّة تكون فِي الصَّحارِي أعظمُ من الجُرَذ، وَأنْشد:
فَلاةٌ بهَا اليَهْيَرُّ شُقْراً كَأَنَّهَا
خُصَى الخيلِ قد شُدّتْ عَلَيْهَا المَسامِرُ
والواحدة: يَهْيَرَّة.
قَالَ: واختَلَفوا فِي تقديرها فَقَالُوا يَفْعَلَّة. وَقَالُوا فَيعَلَّة وَقَالُوا: فَعْلَلّة.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: اليَهْيَرُّ: الحَجر الصُّلْب.
وَقَالَ شمِر: ذهب فِي اليَهْيَرِّ أَي فِي الرِّيح.
وَقَالَ اللَّيْث: اليَهْرُ: اللّجاجة والتمادِي فِي الْأَمر. تَقول استَيْهَرَ، وَأنْشد:

(6/216)


وقَلبُك فِي اللَّهْو مُستَيهِرٌ
ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الفرّاء: يُقَال: قد استَيْهَرْتُ أَنكُمْ قد اصطلحتم، مثل استَيقَنْت.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ الجَعْفَرِيِّين: أَنا مُستَوْهِر بِالْأَمر، أَي مستيقِنٌ.
وَقَالَ السُّلَميّ: مستَيهِر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهائر: السَّاقِط. والرَّاهي: الْمُقِيم، والهُورَة: الهَلكة.
قَالَ: وَيُقَال استَيهِرْ بإبلك واقْتَيل وارتجِعْ، أَي استبدِلْ بهَا إبِلاً غَيرهَا. اقْتَيِلْ، من بَاب الْمُقَابلَة فِي البَيْع: المُبادَلة.
هور: قَالَ اللَّيْث: الهَوْر مصدرُها والجَرْفُ لَا يَهُور إِذا انصدَعَ من خَلْفِه وَهُوَ ثَابت بعدُ مَكَانَهُ، وَهُوَ جَرْفٌ هارٍ وهائر، فَإِذا سَقَط فقد انهار وتهوَّر، وَكَذَلِكَ إِذا سقط شَيْء من أَعلَى جُرْف أَو رَكِيّة فِي قَعْرها، يُقَال: تَهوَّر وتَدَهْوَر.
ورجلٌ هارٌ إِذا كَانَ ضَعِيفا فِي أَمره، وَأنْشد:
ماضي العزيمةِ لَا هارٌ وَلَا خَزِلٌ
الخزل: السَّاقِط المنقطِع.
وَيُقَال: تهوَّر الليلُ، إِذا ذهبَ أكثرُه. وتهوَّر الشّتاء، إِذا ذهبَ أشدُّه.
قَالَ: وَيُقَال فِي هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه: تَوهَّر الليلُ والشتاء، وتوهّر الرمل أَي تهَوَّر.
وَقَالَ غَيره: خَرْقٌ هَوْرٌ، أَي وَاسع بَعِيد.
وَقَالَ ذُو الرمة:
هَيجاءُ يَهْماءُ وخَرْقٌ أَهْيَمُ
هَوْرٌ عَلَيْهِ هَبَواتٌ جُثَمُ
للريح وَشْيٌ فوقَه مُنَمْنَمُ
وَيُقَال؛ هَوَّرْنَا عنَّا القَيظَ وجَرَمْنا وجَرَّمْناه وكَبَبْناه بِمَعْنى.
وَيُقَال: هُرْتُ القومَ أهُورُهم هَوْراً، إِذا قتلتَهم، وكَبَبْتَ بعضَهم على بعض كَمَا ينهارُ الجُرْف.
قَالَ الهذليّ:
فاستدَبروهمْ فهارُوهم كأنهمُ
أفنادُ كَبْكَب ذاتُ الشَّثِّ والْخَزَمِ
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: اهتَوَر، إِذا هَلك، وَمِنْه قَوْله: من أطَاع ربّه فَلَا هَوَارة عَلَيْهِ.
وَيُقَال: هُرْتُ الرجلَ بِمَا لَيْسَ عِنْده من خيرٍ، إِذا أَزْنَنْتَه، أَهُورُه هَوْراً.
وَقَالَ أَبُو سعيد: لَا يُقَال ذَلِك فِي غير الْخَيْر.
وَيُقَال: هُرْتُ الرجلَ هَوْراً، إِذا غَشَشْتَه، وَأنْشد:
قد علِمتْ جِلادُها وخُورُها
أنِّي بِشِرْبِ السُّوءِ لَا أَهورُها
يصف إبِلاً، أَي لَا أَظن أَن الْقَلِيل يكفيها.
وَقَالَ مَالك بنُ نُوَيرة يصف فرسَه:
رأَى أنني لَا بِالْقَلِيلِ أَهورُه
وَلَا أَنا عَنهُ بالمواساةِ ظاهرُ
أَهُورُه: أَي أظنُّ الْقَلِيل يَكْفِيهِ، يُقَال: هُوَ يُهارُ بِكَذَا وَكَذَا، أَي يُظَنُّ بِكَذَا وَكَذَا.
عَمْرو عَن أَبِيه: الهَوَرْوَرَةُ: الْمَرْأَة الهالكة.

(6/217)


وهر: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي، التَّتهْور: مَا اطمأنَّ من الرَّمل.
قلت: كَأَن أصْلَه وَيهْورُ، مثل التَّيقور، أَصله وَيْقُور.
وَقَالَ العجاج:
إِلَى أَراطَى ونَقاً تَيْهُورِ
أَرَادَ بِهِ فَيعولاً من التَّوَهُّر.
وَقَالَ خَليفَة: توهَّرتُ الرجلَ فِي الْكَلَام وتَوَعَّرْتُه، إِذا اضطرَرتَه إِلَى مَا بقيَ فِيهِ متحيراً. وَيُقَال: وَهَّر فلانٌ فلَانا، إِذا أَوْقعه فِيمَا لَا مخرج لَهُ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَوْرَة: الهَلكة والهائر: السَّاقِط. والرَّاهي: الْمُقِيم. وَيُقَال: أَرجِعْ إبلَك وارتجِع واستيهِر واقيَلْ بِمَعْنى وَاحِد، أَي استبدِل بإبلك إبِلا غَيرهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّيْه هُوَ التَّرَيُّه، وَهُوَ تهَثْهُث السَّراب على وَجه الأَرْض، وَأنْشد:
إِذا جَرَى من آلِه المُرَيَّهِ
قَالَ شمر: المُرَيَّه والمريّعُ وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يتميّعُ هَاهُنَا وَهنا لَا يستقيمُ لَهُ وَجْهٌ.
وره: الوَرَهُ: الحُمق فِي كل عمل. امرأةٌ وَرْهاء: خَرْقاء بِالْعَمَلِ، وَأنْشد:
تَرنُّمَ وَرْهاءِ اليَدَيْن تحامَلَتْ
على البَعْل يَوْمًا وهْيَ مقَّاءُ ناشِزُ
قَالَ: المَقَّاء: الْكَثِيرَة المَاء. وتورَّه فلانٌ فِي عمل هَذَا الشَّيْء، إِذا لم يكن لَهُ فِيهِ حَذاقة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الوَرَهْرَهة: الْمَرْأَة الحَمْقاء، والهَوَرْوَرَة: الهالكة.
وَقَالَ ابْن بزرج: الوَرِهة: الْكَثِيرَة الشَّحم. وَرِهَتْ فَهِيَ تَرِهُ، مثل وَرِمَتْ تَرِم.
وَقَالَ غَيره: سحابٌ وَرِهٌ وسحابةٌ ورِهة إِذا كَثُر مطرها.
وَقَالَ الهُذليّ:
جُوفُ رَبابٍ وَرِهٍ مُثْقَلِ
ودارٌ وارِهة: وَاسِعَة.

(بَاب الْهَاء وَاللَّام)
(هـ ل (وَا يء))
هال (يهول) ، هلا، لَهَا، (لهى) ، وَله، وَهل، أَله، أهل، هيل.
هول: قَالَ اللَّيْث: الهَوْلُ: المخافة من الْأَمر لَا تدرِي على مَا تَهجُم عَلَيْهِ مِنْهُ، كَهَوْل اللَّيْل، وهَوْلِ الْبَحْر، تَقول: هالَني هَذَا الأمرُ يَهُولُني، وأمرٌ هائلٌ، وَلَا يُقَال أَمرٌ مَهُول، إِلَّا أنّ الشَّاعِر قد قَالَ:
ومَهُولٍ من المَناهل وَحْشٍ
ذِي عَراقِيبَ آجِنٍ مِدْفَانِ
وَتَفْسِير المَهُول، أَي فِيهِ هَوْل. والعَرَبُ إِذا كَانَ الشيءُ هَوَلَهُ أخرَجوه على فاعِل، مثل دارِع لذِي الدِّرْع، وَإِذا كَانَ فِيهِ أَو عَلَيْهِ أخرَجوه على مَفعول، كَقَوْلِك مَجْنون: فِيهِ ذَاك، ومَدْيون: عَلَيْهِ ذَاك.
قَالَ: والتَّهاويل؛ جماعةُ التَّهْويل، وَهُوَ مَا هَالك.

(6/218)


والتّهاويل: زِينةُ الوشي، وَكَذَلِكَ زِينةُ التَّصَاوير والسِّلاح، وَإِذا تزيَّنَتْ الْمَرْأَة بزِينةٍ من لِباس أَو حُلِيّ، يُقَال: هَوَّلَتْ.
وَقَالَ رؤْبة:
وهَوَّلتْ من رَيْطها تَهاوِلاَ
وَيُقَال للرياض إِذا تزيّنتْ بنَوْرِها وأَزاهِيرها من بَين أحمرَ وأصفرَ وأبيضَ وأخضرَ: قد علاها تَهْويلُها، وَمِنْه قولُه:
وعازِبٍ قد عَلاَ التَّهويلُ جَنْبتَه
لَا تَنفَع النَّعلُ فِي رَقْراقه الحافِي
حدَّثنا عبد الْملك عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي ربيعَة، عَن حمّاد عَن عَاصِم، عَن زِرّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَرَى وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النّجْم: 13) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيتُ لجبريلَ ستَّمائة جَناح يَنتثِر من رِيشِه التَّهاويلُ والدُّرُّ واليَاقوت، أَرَادَ بالتّهاويل تَزايين رِيشِه، وَمَا فِيهِ من صُفْرة وحُمْرة وَبَيَاض وخُضْرَة مثل تَهاويل الرّياض. وَالله أعلم.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تهوَّلْتُ للناقة تهوُّلاً وتذأَبْتُ لَهَا تَذؤُباً: وَهُوَ أَن تَستخفِيَ لَهَا إِذا ظأَرْتَها على ولَدِ غَيرهَا، فتَشَبَّهْتَ لَهَا بالسَّبُع ليَكُون أَرأَم لَهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال: مَا هُوَ إِلَّا هُولَة من الهُوَل، إِذا كَانَ كريه المنظَر.
والهُولة: مَا يُفزَّع بِهِ الصبيّ، وكلُّ مَا هالَكَ يسمّى هُولة.
وَقَالَ الكُميت:
كَهُولةِ مَا أَوقَدَ المُحْلِفونَ
لَدَى الحالِفين وَمَا هَوَّلُوا
وَكَانَت الهُولة نَارا يوقِدونها عِنْد الْحِلف، يلقون فِيهَا مِلْحاً فيتفقَّعُ يُهَوِّلون بهَا. وَكَذَلِكَ إِذا استحلَفوا رَجُلاً.
وَقَالَ أَوْس ابنُ حَجَر:
كَمَا صَدّ عَن نارِ المُهَوِّل حالِفُ
وَقَالَ أَبُو زيد: الهُؤُول: جمعُ هَوْل، يهمِزون الواوَ لانضمامها، وَأنْشد:
رحَلْنا من بِلَاد بني تميمٍ
إِلَيْك وَلم تَكاءَدْنا الهُؤُولُ
وَقَالَ الأصمعيّ: هِيلَ السكرانُ يُهالُ إِذا رأى تَهاويلَ فِي سُكْرِه فيَفزع لَهَا.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف خَمْراً وشاربها:
تَمَشَّى فِي مَفاصِله وتَغْشَى
سَنَاسِنَ صُلْبِه حَتَّى يُهالا
وَقَالَ أَبُو الْحسن المدائنيّ لمّا قَالَ النابغةُ الجعديُّ لليلى الأَخْيَليَّة:
أَلأ حَيِّيَا ليلَى وقولا لَهَا هَلاَ
فقد ركبتْ أَمْراً أَغَرَّ محجَّلا
أجابتْه فَقَالَت:
تُعيِّرني دَاء بأمِّك مِثْلُه
وأيُّ جواد لَا يُقَال لَهَا: هَلاَ
قَالَ: فغلبته، قَالَ: وهَلاَ زَجْرٌ تُزجَر بِهِ الفَرَس الْأُنْثَى إِذا أُنْزِيَ عَلَيْهَا الفحلُ لتقرّ وتَسكُن.
وَقَالَ الكسائيّ فِي قَوْله: إِذا ذُكِر الصَّالحون فحيَّ هَلاَّ بعمرَ، قَالَ: حيَّ: أَسْرِع، وَقَوله: هلا، أَي اسكنْ عِنْد ذِكره.
قلت: وَقد مرّ تفسيرُه مُشبَعا فِي بَاب هَلْ.

(6/219)


هيل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْجِبَالُ كَثِيباً} (المُزمّل: 14) وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقومٍ شَكَوْا إِلَيْهِ سُرعةً فَناء طَعامهم: أَتكيلُون أم تَهيلون؟ فَقَالُوا: بل نَهيل، فَقَالَ: كِيلُوا وَلَا تَهيلوا.
قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال لكل شَيْء أرسلتَه إرْسَالًا من رمل أَو تُراب أَو طَعَام أَو نَحوه: قد هِلْتُه أَهِيلُه هَيْلاً، إِذا أرسلتَه فَجَرى، وَهُوَ طَعَام مَهِيل، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً} (المُزمّل: 14) .
وَقَالَ اللَّيْث: الهيْل والهائل من الرَّمل: الَّذِي لَا يثبُت مكانَه حَتَّى يَنهالَ فيَسقط.
قَالَ: وهِلتُه أَهِيله، وأَنشد:
هَيْلٌ مَهِيلٌ من مَهِيل الأَهْيلِ
قَالَ: والهَيُول: الهَباء المُنْبَثّ، بالعِبّراني، أَو بالرّومية، وَهُوَ الَّذِي ترَاهُ فِي ضوء الشَّمْس يدخُل كُوَّة الْبَيْت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهالة: دَارَةُ الْقَمَر، وهالة: أمُّ حمزةَ بن عبد الْمطلب.
وَيُقَال: جَاءَ فلانٌ بالهَيْل والهَيْلمَان إِذا جَاءَ بِالْمَالِ الْكثير.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أظُنّ أَهَلْتُه لُغَة، فِي هِلْتُه.
أهل: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الإهالة هِيَ الشَّحْم والزَّيت قَطُّ.
وَفِي حَدِيث كَعْب: يُجاء بجهنّم يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهَا مَتْنُ إهالة.
وَقَالَ غير أبي زيد: كلُّ مَا اؤْتُدِمَ بِهِ من زُبْد وَوَدَك شَحم ودُهن سِمْسِم وَغَيره فَهُوَ إهالة. وَكَذَلِكَ ماعلا القِدْرَ من وَدَك اللَّحم السَّمين إهالة واسْتَأَهَل الرجُل، إِذا ائتَدَم بالإهالة.
وَقَالَ الشَّاعِر:
لَا بل كُلي يامَيّ واستَأهِلِي
إِن الَّذِي أنفَقْتِ من مالِيَهْ
أَبُو عبيد عَن الْفراء وَالْكسَائِيّ: أَهِلْتُ بِهِ ووَدَقْتُ بِهِ، إِذا استأنَسْتَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: أهْلُ الرجل: امرأتُه. والتأهُّل: التزوُّج، وأَهْلُ الرجل: أخضُّ النَّاس بِهِ، وأهلُ الْبَيْت: سُكانه، وأهلُ الْإِسْلَام: من يَدين بِهِ، وَمن هَذَا يُقَال: فلَان أَهلُ كَذا أَو كَذَا، قَالَ الله جلّ وعزّ: {اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ} (المدَّثِّر: 56) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه جلّ وعزّ أَهْلٌ لأنْ يُتَّقَى فَلَا يُعصَى، وَهُوَ أهل المغفِرة من اتّقاه.
قَوْله: {اللَّهُ هُوَ أَهْلُ} (المدَّثِّر: 56) ، أَي مَوضع أُنسٍ لأنْ يُتَّقَى، وَأهل الْمَغْفِرَة، أَي مَوضِع أنس لذَلِك والداته. وَقَالَ اليزيديّ: آنست بِهِ، واستأنست بِهِ، وأهِلت بِهِ أُهُولاً: بِمَعْنى وَاحِد، وأهَل الرجل يأهَل أُهُولاً: إِذا تزوّج؛ للأنس الَّذِي بَين الزَّوْجَيْنِ.
ويُجمَعُ الأهلُ أَهْلِين وأهْلاَت والأهالي جمع الْجمع، وَجَاءَت الْيَاء الَّتِي فِي الأهالي من الْيَاء الَّتِي فِي الأهلِين.
وَيُقَال: أَهّلْتُ فلَانا لأمرِ كَذَا وَكَذَا تَأْهيلاً. قَالَ اللَّيْث: وَمن قَالَ: وهَّلْتُه ذهب بِهِ إِلَى لُغَة من يَقُول: وَامْرتُه وواكلْتُه.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: مكانٌ مأْهُولٌ: فِيهِ أهلُه، وَمَكَان آهلٌ: لَهُ أهل. وَأنْشد:

(6/220)


وقدْماً كَانَ مأهولاً
فأَمسَى مَرْتَعَ العُفْرِ
وَقَالَ رؤبة:
عَرَفْتُ بالنَّصْرِيّة المنَازِلا
قَفْراً وَكَانَت منهمُ مآهلا
وَكلُّ شَيْء من الدَّوَابّ وَغَيرهَا إِذا أَلِف مَكَانا فَهُوَ آهل وأَهلِيٌّ، وَلذَلِك قيل لمَا ألِفَ الناسَ والقُرَى: أَهلِيّ، ولمَا استوْحَش: بَرِّيٌّ ووَحْشِيّ، كالحمار الوحشيّ. والأهليُّ هُوَ الإنسيّ، ونهَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومَ خَيبر عَن لُحُوم الحُمُر الْأَهْلِيَّة.
وَالْعرب تَقول: مرحَباً وأَهلاً، وَمَعْنَاهُ نزَلْتَ رُحْبا، أَي سَعَةً، وأَتيتَ أَهلا لَا غَرَباء. وخَطأ بعضُ النَّاس قَول الْقَائِل: فلانٌ يستأهل أَن يُكرَم، بِمَعْنى يَستحقّ الْكَرَامَة، وَقَالَ: لَا يكون الاستئهال إلاّ من الإهالة، وأجازَ ذَلِك كثير من أهل الْأَدَب، وَأما أَنا فَلَا أنكرهُ وَلَا أُخطِّىء من قَالَه، لِأَنِّي سمعتُه. وَقد سمعتُ أَعْرَابِيًا فصيحاً من بني أسَد يَقُول لرجُل أُولِيَ كَرامَةً: أَنْت تستأهل مَا أُوْلِيتَ، وَذَلِكَ بِحَضْرَة جماعةٍ من الْأَعْرَاب، فَمَا أَنكَروا قَوْله، ويحقِّق ذَلِك قولُ الله جلّ وعزّ: {اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ} (المدثر: 56) .
قَالَ الأزهريّ: وَالصَّوَاب مَا قَالَه أَبُو زيد والأصمعيّ وَغَيره، لِأَن الأسديّ أَلِفَ الحاضرةَ فأَخذَ هَذَا عَنْهُم.
قَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: يُقَال: أَهَلَ فلانٌ امْرَأَة يأْهِلُ إِذا تزوّجها، فَهِيَ مأْهولة.
وَقَالَ فِي بَاب الدّعاء: آهلك الله فِي الجنةِ إيهالاً، أَي زوّجك مِنْهَا وأَدْخَلَكَها.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أهَلَ يَأْهِل أَهْلا، ويأهُل أهُولاً، إِذا تزوّج.
وَقَالَ المازنيّ: لَا يجوز أَن تَقول: أَنْت مستأْهلٌ هَذَا الْأَمر، وَلَا أنتَ مستأَهلٌ لهَذَا الْأَمر، لأنّكَ إِنَّمَا تُرِيدُ أنتَ مستوجِب لهَذَا الْأَمر، وَلَا يدلّ مستأهل على مَا أردتَ، وإنّما معنى هَذَا الْكَلَام أَنْت تطلبُ أَن تكون من أَهل هَذَا الْمَعْنى، وَلم تُرِد ذَلِك، وَلَكِن تَقول: أَنْت أهلٌ لهَذَا الْأَمر.
وَهل: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وَهِلْتُ فِي الشَّيْء، ووَهِلْتُ عَنهُ وَهَلاً، إِذا نَسِيتَه وغَلْطت فِيهِ، ووَهَلْتُ إِلَى الشَّيْء أَهِلُ وهَلاَ إِذا ذَهَبَ وَهْمُك إِلَيْهِ. وَقَالَ الكسائيّ: مثله. وَيُقَال: وَهِلَ الرجلُ، إِذا جَبُنَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، وَهَلْتُ، إِذا أَوْهَمْت وسَهَوْت، ووَهِلْتُ، إِذا فَزِعْت أَوْهَلُ وَهَلاَ، فَأَنا وَهِلُ، ووهِلتُ فأَنا واهِل أَي سَهَوْت.
وَقَالَ أَبُو زيد: وَهَلَ يَهِل وَهْلاً مثل: وَهِمَ يَهِم. وَهْماً. وَمِنْه قولُ ابْن عمر: وَهِلَ أَنَسٌ. قَالَ: وَأما الوَهَل فَهُوَ الفَزَع، والمستَوْهِل الفَزِع النّشِيط.
قَالَ: ووَهِلْتُ إِلَيْهِ وَهْلاً: فَزِعْت إِلَيْهِ، ووَهِلْتُ مِنْهُ: فزِعْتُ مِنْهُ.

(6/221)


قَالَ: ووَهَلْتُ إِلَى الشيءِ ووَهَلتُ عَنهُ، إِذا نسِيتَه وغَلطتَ فِيهِ، وتوهَّلْتُ فلَانا، أَي عرَّضْتَهُ لِأَن يَهِل أَي يَغلط. وَمِنْه الحَدِيث: (كَيفَ أنتَ إِذا أَتَاك مَلكان فتوهَّلاكَ فِي قَبرك) ، جَاءَ بِهِ أَبُو سعيد.
وَقَالَ أَبُو زيد: وَهلْتُ إِلَى الشَّيْء أَهِلُ وَهْلاً، وَهُوَ أَن تُخطِىء بالشَّيْء فتَهِلُ إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غيرَه.
ورَوَى أَبُو حَاتِم فِي كِتَابه فِي المُزال والمُفسَد عَن الأصمعيّ: يُقَال: استوجَب ذاكَ واستحقَّه، وَلَا يُقَال اسْتَأَهلْه، وَلَا أنتَ تَسْتَأهِل، وَلَكِن يُقَال: هُوَ أَهلُ ذَاك وأهلٌ لذاك، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو زيد.
قَالَ: وَيُقَال هم أَهْلَةُ ذَاك.
وَيُقَال لقيتُه أوَّلَ وَهلة، وَهُوَ أول مَا ترَاهُ.
وَله: رُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تُوَلَّهُ وَالِدَة عَن وَلَدهَا) .
قَالَ أَبُو عُبيد: التَّوْلِيهُ أَن يُفرَّقَ بَينهمَا فِي البَيع، وكلّ أُنْثَى فارقتْ ولدَها فَهِيَ والِهٌ. قَالَ الْأَعْشَى يَذكرُ بقرة أكلَ السِّباع ولدَها:
فأَقْبَلَتْ والِهاً ثَكْلَى على عَجَل
كلٌّ دَهَاها وكلٌّ عِندَها اجتمعَا
شمِر، عَن ابْن شُمَيْل: ناقةٌ ميِلاهٌ وَهِي الَّتِي فَقَدت ولدَها، فَهِيَ تَلِه إِلَيْهِ.
يُقَال: ولَهتْ إِلَيْهِ تَلِه، أَن تَحنّ إِلَيْهِ. وَقَالَ غَيره: فِيهِ لُغتان: ولِهَتْ تَوْلَه، وولَهتْ تَلِهُ.
وَقَالَ بَعضهم: الوَلَه يكون من الحُزنِ وَالسُّرُور، مِثل الطَّرَب.
وَقَالَ شمر: المِيلاهُ: النَّاقة تُرِبُّ بالفحْل، فَإِذا فقدَتْه وَلِهتْ إِلَيْهِ. وناقةٌ والِهٌ.
قَالَ: والجمَل إِذا فَقَدَ أُلاّفَهُ فحنَّ إِلَيْهَا والِهٌ أَيْضا. وَقَالَ الكُمَيت:
وَلِهتْ نَفسيَ الطَّرُوبُ إِلَيْهِم
وَلَهاً حَال دُون طَعْمِ الطَّعام
وَلِهَت: حَنَّت. قَالَ: والوَله يكون بَين الوالدة وولدِها، وَبَين الْإِخْوَة، وَبَين الرّجل ووَلدِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَلَه: ذَهاب العَقل لِفقْدان الإلْف. يُقَال: وَلِه يَوْلَه ويَلِه، وَالْأُنْثَى والهٌ ووالِهة.
قَالَ: والوَلْهان: اسْم شَيْطَان المَاء يُولِع الناسَ بِكَثْرَة اسْتِعْمَال المَاء. والميلاهُ: الرِّيح الشَّدِيدَة الهُبوب ذاتُ الحَنين.
أَله: جلّ وعزّ قَالَ اللَّيْث: بلغَنا أنَّ اسْم الله الْأَكْبَر هُوَ: الله لَا إلاه إلاّ الله وَحده.
قَالَ: وَتقول الْعَرَب: الله مَا فَعلتُ ذَاك، تُرِيدُ وَالله مَا فعلتُه.
قَالَ: والتَّأَلُّه: التعبُّد، وَقَالَ رؤبة:
سَبَّحْنَ واسْتَرجعنَ من تألُّهِي
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: الله، لَا تُطرح الألفُ من الِاسْم، إِنَّمَا هُوَ الله على التمّام.
قَالَ: وَلَيْسَ من الْأَسْمَاء الَّتِي يجوز مِنْهَا اشتقاق فِعْل، كَمَا يجوز فِي الرَّحمن الرّحيم.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه سَأَلَهُ عَن اشْتقاق اسْم الله فِي اللُّغة، فَقَالَ: كَانَ حقُّه إلاهٌ، أُدخلت الألِف وَاللَّام عَلَيْهِ للتعريف فَقيل: الْإِلَه، ثمَّ حَذفت العربُ

(6/222)


الهمزةَ استثقالاً لَهما، فلمّا تركُوا الهمزةَ حَوّلوا كسرتها فِي اللَّام الَّتِي هِيَ لَام التَّعْرِيف، وَذَهَبت الهمزةُ أصلا فَقيل: أَلِلاَه، فحرَّكوا لامَ التَّعْرِيف الَّتِي لَا تكون إلاّ سَاكِنة، ثمَّ الْتَقَى لامان متحرِّكَتان فأدغَموا الأولى فِي الثَّانِيَة، فَقَالُوا: الله، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّى} (الْكَهْف: 38) : مَعْنَاهُ لكنْ أَنا.
ثمَّ إِن الْعَرَب لمّا سَمِعوا اللهمّ قد جرَت فِي كَلَام الخَلق توهَّمُوا أنّه إِذا ألْقِيت الألفُ وَاللَّام من الله كَانَ الْبَاقِي لاه، فَقَالُوا لَا هُمَّ، وَأنْشد:
لَا هُمَّ أَنْتَ تَجبُر الكَسيرا
أنتَ وهبْت جِلَّةً جُرْجُورا
وَيَقُولُونَ: لاهِ أَبوك، يُرِيدُونَ لله أَبوك، وَهِي لَام التَّعَجُّب يُضْمِرون قَبلها: اعجَبُوا لِأَبِيهِ مَا أَكْمَله، فيَحذِفونَ لامَ التعجّب مَعَ لَام الِاسْم، وَأنْشد لِذي الإصْبع:
لاهِ ابنَّ عمِّي مَا يَخا
فُ الحادثاتِ من العَواقبْ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَقد قَالَت الْعَرَب: بِسم الله بِغَيْر مدّة اللَّام وحذفِ مَدَّةِ لاهِ، وَأنْشد:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ من أَمر الله
يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغِلَّه
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم أَيْضا:
لَهِنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ
على هَنَواتٍ كاذبٍ من يقولُها
إِنَّمَا هُوَ لله إِنَّك، فحذَف الْألف وَاللَّام فَقَالَ: لاهِ إِنَّك، ثمَّ ترك همزَة إِنَّك، فَقَالَ: لَهِنَّك.
وَقَالَ الآخر:
أبائنةٌ سُعْدَى نَعَمْ وتُماضِرُ
لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ علينا التَّهاجُر
يَقُول: لاهِ إنَّا، فَحذف مدَّة لاه، وَترك همزَة إِنَّا.
قَالَ الْفراء فِي قَول الشَّاعِر: لَهِنَّك، أَرَادَ لإِنَّك، فأبدل الهمزَة هَاء، مِثل هَراق المَاء وأَراق.
قَالَ: وأَدخَل اللَّام فِي إِن لليَمِين، وَلذَلِك أجابَها بِاللَّامِ فِي: لَوَسِيمة.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وسمعتُ الثورِيّ يَقُول: سمعتُ أَبَا زيد يَقُول: قَالَ لي الكسائيّ: ألَّفتُ كتابا فِي مَعَاني الْقُرْآن، فقلتُ لَهُ: أسمعتَ الحمدُ لَاهِ رَبِّ الْعَالمين؟ فَقَالَ: لَا. فَقلت: فاسمَعْها.
قلتُ: لَا يجوز فِي الْقِرَاءَة إِلَّا {الْحَمْدُ للَّهِ} (الفَاتِحَة: 2) بِمدَّة اللَّام، وَإِنَّمَا يقرأُ مَا حَكَاهُ أَبُو زيد الأعرابُ ومَن لَا يَعرِف سُنة القِراءة.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فَالله أصلُه إلاه، قَالَ الله جلّ وعزّ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَاهٍ بِمَا خَلَقَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 91) .
قَالَ: وَلَا يكون إلاهاً حَتَّى يكون معبوداً وَحَتَّى يكون لعابده خَالِقًا، ورازقاً، ومدبِّراً، وَعَلِيهِ مُقتدِراً، فَمن لم يكن

(6/223)


كَذَلِك، فَلَيْسَ بإلاه، وَإِن عُبِد ظُلْماً، بل هُوَ مخلوقٌ ومُتعبَّدٌ.
قَالَ: وأصل إلاه وِلاه. فقلِبت الْوَاو همزَة كَمَا قَالُوا: للوِشاح إشاح، وللوِجاج إجاج وَمعنى وِلاَه أَنّ الخلْق إِلَيْهِ يَوْلَهون فِي حوائجهم، ويَفزعون إِلَيْهِ فِيمَا يُصيبُهم ويَفزَعون إِلَيْهِ فِي كل مَا يَنوبُهم كَمَا يَوْلَه كلٌّ طِفْل إِلَى أمه.
وَقد سَمَّت العربُ الشمسَ لمّا عَبَدُوها: إلاهة.
وَقَالَ عُتيبة بنُ الْحَارِث اليَربوعيّ:
تَرَوَّحْنا من اللَّعْباء عَصْراً
فَأَعْجَلْنَا الإلاهة أَن تَؤُوبَا
وَكَانَت العَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا يَدعُون مَعبُوداتهم من الْأَصْنَام والأوْثان آلِهَة، وَهِي جمعُ إلاهة.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ} (الْأَعْرَاف: 127) ، وَهِي أصنامٌ عَبَدها قومُ فِرْعَوْن مَعَه.
ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: (ويذَرَك وإلَاهتَك) ويُفسِّره وعِبادَتك. واعتلّ بأنّ فِرْعَوْن كَانَ يُعبَد وَلَا يَعْبُد وَالْقِرَاءَة الأولى أَكثر وأشهَر، وَعَلَيْهَا قراءةُ الْأَمْصَار.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الإلاهَةُ: الحيَّة.
قَالَ: وَهِي الْهلَال.
قلت: فَهَذَا مَا سمعناه فِي تَفْسِير اسْم الله واشتقاقه.
ونذكُر الْآن مَا قيل فِي تَفْسِير اللَّهمَّ، لاتصاله بتفسير الله.
فَأَما إعرابُ اللَّهمَّ فضمُّ الْهَاء وَفتح الْمِيم، لَا اختلافَ فِيهِ بَين النَّحْوِيين فِي اللَّفْظ، فَأَما العِلة وَالتَّفْسِير ففيهما اخْتِلَاف بَينهم.
فَقَالَ الْفراء: معنى اللهمّ: يَا ألله أُمَّ بخيْر، رَوَاهُ سَلَمة وغيرُه عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجّاج: هَذَا إقْدام عَظِيم، لِأَن كل مَا كَانَ من هَذَا الْهَمْز الَّذِي طُرِح فأكثرُ الْكَلَام الإتيانُ بِهِ. يُقَال: ويلُ أُمِّه وويل امِّه، وَالْأَكْثَر إِثْبَات الْهَمْز، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ الْفراء لجازَ: الله أَوْمُمْ وَالله أمَّ، وَكَانَ يجب أَن يلْزمه (يَا) لِأَن الْعَرَب إِنَّمَا تَقول: يَا ألله اغْفِر لنا، وَلم يقل أحد من الْعَرَب إلاّ اللهمَّ، وَلم يقل أَحدٌ يَا اللَّهُمَّ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَسْتَبْشِرُونَ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزُّمَر: 46) فَهَذَا القَوْل يُبْطَل من جِهَات: إِحْدَاهَا أَن (يَا) لَيست فِي الْكَلَام، وَالْأُخْرَى أَن هَذَا الْمَحْذُوف لم يُتكلَّم بِهِ على أَصله كَمَا تكلم بِمثلِهِ، وَأَنه لَا يُقدَّم أَمَام الدُّعَاء. هَذَا الَّذِي ذكره.
قَالَ الزّجاج: وزعَمَ الْفراء أَن الضمة الَّتِي هِيَ فِي الْهَاء ضمةُ الْهمزَة الَّتِي كَانَت فِي أُمّ، وَهَذَا محَال أَن يُترك الضمّ الَّذِي هُوَ دَلِيل على النداء المُفرَد، وأَن يُجعَل فِي اسْم الله ضمة أُمَّ، هَذَا إلحادٌ فِي اسْم الله. قَالَ: وَزعم أنّ قَوْلنَا هَلمّ: مِثْل ذَلِك، وأنّ أصلَها هَلْ أُمَّ، وَإِنَّمَا هِيَ لُمَّ وَهَا للتّنْبِيه، قَالَ: وَزعم الفرّاء أنّ (يَا) قد يُقَال مَعَ اللَّهُمَّ، فَيُقَال: يَا اللَّهُمَّ، واستشهَد بشِعر لَا يكون مِثلُه حُجّةً:
وَمَا عليكِ أَن تقولِي كلَّما
صلَّيْتِ أَو سَبّحْتِ يَا للَّهُمَّمَا

(6/224)


اردُدْ علينا شَيخَنا مُسلَّما
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالَ الْخَلِيل وسيبويه وَجَمِيع النحويّين الموثوق بعلمهم: اللهمَّ بِمَعْنى يَا ألله، وَأَن الْمِيم المشدّدة عِوَض من (يَا) لأَنهم لم يَجِدوا (يَا) مَعَ هَذِه الْمِيم فِي كلمةٍ ووجَدُوا اسمَ الله مستعَملاً ب (يَا) إِذا لم تُذكَر الْمِيم فِي آخر الْكَلِمَة فعَلموا أَن الْمِيم فِي آخر الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة (يَا) فِي أوّلها والضمة الَّتِي فِي الْهَاء هِيَ ضمة الِاسْم المنادى الْمُفْرد وَالْمِيم مَفْتُوحَة لسكونها وَسُكُون الْمِيم قبلهَا.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله تَعَالَى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ} (المَائدة: 114) ذكر سِيبَوَيْهٍ أنّ اللهمّ كالصوت وَأَنه لَا يوصَف، وَأَن رَبَّنا منصوبٌ على نِدَاء آخر.
قلت: وَأنْشد قُطربٌ:
إنِّي إِذا مَا مَطعَمٌ أَلمَّا
أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُما
وَقَالَ أَبُو بكر بن الأنباريّ: الدَّلِيل على صِحَة قَول الفرّاء وَأبي العبّاس فِي اللَّهُمَّ أنّه بِمَعْنى يَا ألله أُمَّ، إِدْخَال العَرَب (يَا) على (اللَّهم.
ورَوَى سَلمَة عَن الفرّاء أَنه قَالَ بعد قَوْله الأوّل: وَمن الْعَرَب من يَقُول إِذا طَرَح الميمَ: يألله اغْفِر لي بِهَمْزَة، وَمِنْهُم من يَقُول: يَلّله بِغَيْر همزَة، فَمن حَذَف الْهمزَة فَهُوَ على السَّبيل، لِأَنَّهَا ألف وَلَام، مِثل الْحَارِث من الْأَسْمَاء وأشباهِه، وَمن هَمَزَها توهّمَ الْهمزَة من الْحَرْف إِذا كَانَت لَا تَسقط مِنْهُ، وَأنْشد:
مُباركٌ هُوَ وَمن سَمَّاهُ
على اسْمك اللَّهُمَّ يَا ألله
قَالَ: وَقد كَثُرت اللهمّ فِي الْكَلَام حتْى خُفِّفتْ ميمها فِي بعض اللّغات. أَنْشدني بعضهُم:
بحَلفةٍ من أبي رَبَاح
يسْمعهَا اللَّهُمَ الكُبارُ
قَالَ: وإنشاد الْعَامَّة: (يسمَعُها لاهُهُ الكُبار) . قَالَ: وأنشده الكسائيّ: يسْمعهَا الله وَالله كُبار.
وَقَالَ الكسائيّ: الْعَرَب تَقول: يَأ الله اغْفِر لي ويَللَّه اغْفِر لي.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سمعتُ الخليلَ يَقُول: يَكرَهون أَن يَنقُصوا من هَذَا الِاسْم شَيْئا يَأ الله، أَي لَا يَقُولُونَ: يَلَّه.
تفسيرُ:
لَهَا لهى: وألهى وتَلهَّى واستَلْهى ولاَهَى. أمَّالَها، فَهُوَ من اللَّهو. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّهْو: مَا شَغَلك من هَوًى وطَرَب، يُقَال: لهَا يَلْهُو، والتَهَى بامرأةٍ فَهِيَ لَهْوَتُه، وَقَالَ العجّاج:
ولَهْوةُ اللاّهي وَلَو تَنَطَّسا
قَالَ: واللَّهْو: الصُّدُوف، يُقَال: لهَوْت عَن الشَّيْء أَلْهُو لَهاً.
قَالَ: وقولُ الْعَامَّة: تلهّيتُ. وَتقول: أَلْهاني فلانٌ عَن كَذَا وَكَذَا أَي، شَغلَني وأنساني.
قلتُ: كلامُ الْعَرَب جاءَ على خِلاف مَا قَالَه اللَّيْث: تَقول العَرَب: لهوْتُ بِالْمَرْأَةِ وبالشّيء أَلْهُو لَهْواً لَا غير، وَلَا يُقَال: لَهىً، وَيَقُولُونَ: لَهِيتُ عَن الشَّيْء أَلْهَى لُهِيّاً.

(6/225)


ورَوَينا عَن ابْن الزُّبير أنّه كَانَ إِذا سَمع صوتَ الرّعد لَهِيَ عَن حَدِيثه.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الكسائيّ والأصمعيّ: قولُه لَهِيَ عَن حَدِيثه، يَقُول: تَركه وأَعرَضَ عَنهُ. وكلُّ شَيْء تركتَه فقد لَهِيت عَنهُ. وأَنشد الكسائيّ:
إلْهُ مِنْهَا فقد أَصابَك مِنها
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: لَهِيتُ مِن فلَان وَعنهُ فأَنا أَلْهَى.
وَقَالَ الكسائيّ: لَهِيتُ عَنهُ لَا غيْرُ. وَقَالَ: إلْهَ مِنْهُ وَعنهُ.
وَقَالَ ابْن بزرج: لَهِيت مِنْهُ وَعنهُ. قَالَ: ولَهوْتُ ولَهِيتُ بالشَّيْء، إِذا لَعِبتَ بِهِ، وَأنْشد:
خلعتُ عِذارَها ولهِيتُ عَنْهَا
كَمَا خُلِعَ العِذارُ عَن الجَوادِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: لَهيتُ بِهِ وَعنهُ: كرِهْته، ولهوْتُ بِهِ: أحبَبْته، وَأنْشد:
صَرَمَتْ حِبَالَكَ فالْهَ عَنْهَا زَينبُ
وَلَقَد أطلتَ عتابَها لَو تُعْتِب
لَو تعتب: لَو تُرضيك.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن عَرَفَة النحويّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (الأنبيَاء: 3) أَي مُتشاغلة عمّا يُدْعَوْن إِلَيْهِ.
قَالَ: وَهَذَا من لَهِيَ عَن الشَّيْء يَلهَى إِذا تشاغل بِغَيْرِهِ.
قَالَ: وَهَذَا من قَول الله جلّ وعزّ: {يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ} (عَبَسَ: 10) أَي تتشاغل، والنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَلْهو، لأنّه قَالَ: (مَا أَنا مِن دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنَّي) .
ورُوِي عَن عمرَ أنّه أخَذ أربعمَائة دِينَار فجعَلَها فِي صُرّة ثمَّ قَالَ للغلام: اذهَبْ بهَا إِلَى أبي عُبَيْدَة بنِ الجَراح، ثمَّ تَلَهَّ سَاعَة فِي الْبَيْت، ثمَّ انْظُر مَاذَا يَصنَع، قَالَ ففرَّقَها.
قَالَ شمر: قَوْله: تَلَهَّ سَاعَة: التلهِّي بالشَّيْء: التعلُّل بِهِ والتمكُّث، يُقَال: تلهيْتُ بِكَذَا، أَي تعلّلتُ بِهِ وأَقمتُ عَلَيْهِ وَلم أفارِقْه. وتَلهت الإبلُ بالمَرعَى، إِذا تعلّلتْ بِهِ، وأَنشد:
لنا هَضَباتٌ قد ثَنَيْن أكَارِعاً
تَلَهَّى ببَعْض النَّجْم وَاللَّيْل أبْلَقُ
يُرِيد ترعَى فِي الْقَمَر، والنجم: نَبتٌ، وَأَرَادَ بهَضَبات هَاهُنَا إِبلاً، وَأنْشد شمر لبَعض بني كلاب:
وساجِيَةٍ حَوْراءَ يَلْهو إزَارُها
إِلَى كَفَلٍ رابٍ وخَصْرٍ مُخصَّرٍ
قَالَ: يلهو إزارُها إِلَى الكَفَل فَلَا يفارِقُه، قَالَ: وَالْإِنْسَان اللاّهي إِلَى الشَّيْء، إِذا لم يفارِقْه ولَهِيَ عَن الشَّيْء وتلَهَّى عَنهُ، إِذا غَفَل عَنهُ.
قَالَ شمِر: وَيُقَال: قد لاهَى فلَان الشَّيْء إِذا داناه وقاربه، ولاهى الغلامُ الفِطامَ، إِذا دَنَا مِنْهُ. وَأنْشد قَول ابْن حِلّزة:
أتَلهَّى بهَا الهواجِرَ إذْ ك
لُّ ابنِ هَمَ بَليَّةٌ عَمْياءُ
قَالَ: تَلهِّيه بهَا: ركوبُه إِيَّاهَا، وتعلُّلُه بسَيْرها. وَقَالَ الفَرَزْذَق:
أَلا إِنَّمَا أفنى شبابيَ فانقَضَى
على مَرِّ ليلٍ دائبٍ ونهَارِ

(6/226)


يُعيدانِ لي مَا أمْضَيا وهما مَعًا
طَرِيدَانِ لَا يَستَلْهِيانِ قَرارِي
قَالَ: مَعْنَاهُ لَا ينتظران قَراري، وَلَا يستوقِفاني.
وحدّثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حدّثنا صَالح بنُ مَالك قَالَ: حدّثنا عبد الْعَزِيز بن عبدِ الله، عَن مُحَمَّد بن المنكدِر، عَن يزيدَ الرَّقاشيّ، عَن أنس بنِ مَالك، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سألتُ ربّي ألاَّ يُعذِّب اللاَّهين من ذرّية البَشَر، فأعطانيهم) . قيل فِي تَفْسِير اللاّهين: إِنَّهُم الْأَطْفَال الَّذين لم يَقْتَرفُوا ذَنبا. وَقيل: اللاّهون الَّذين لم يتعمّدوا الذَّنْب، إِنَّمَا أَتوْه غَفلَة ونِسياناً وخَطأً، وهم الَّذين يَدْعون الله فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (البَقَرَة: 286) كَمَا علمهمْ الله.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الله: {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} (الأنبيَاء: 17) .
قَالَ: اللَّهْو: المرأةُ نَفسهَا هَهُنَا.
وَقَالَ الزّجاج: قَالَ أهل التَّفْسِير: اللَّهْو فِي لُغَة أهل حَضْرَمَوْتَ: الوَلَدُ
قَالَ: وَقيل: اللَّهْو: الْمَرْأَة.
قَالَ: وتأويله فِي اللُّغَة أنَّ الولَد لَهْوُ الدُّنْيَا، أَي لَو أردْنا أَن نتّخذ وَلَداً ذَا لَهْوٍ يُلهَى بِهِ، وَمعنى {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} : أَي لاصطفيناه ممّا نَخْلق.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: لاهاهُ، أَي دنا مِنْهُ، وهَالاَه أَي قَارَعه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: لاهِ أَخَاك يَا فلَان، أَي افعلْ بِهِ نحوَ مَا يَفعل بك من الْمَعْرُوف. وأَلْهِه سَوَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّهاةُ: أقصَى الْحَلق، وَهِي لَحمة مُشرِفة على الْحَلْق، وَهِي من الْبَعِير العربيِّ الشِّقْشِقَة، ولكلِّ ذِي حَلْقٍ لَهاة، والجميع: لَهَا ولَهَوات.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يجمَع اللُّهاة: لِهاءً، وَأنْشد:
يَنشَب فِي المَسْعَل واللِّهاءِ
وَقَالَ اللَّيْث: اللُّهْوة: مَا أُلقِي فِي فَمِ الرَّحا من الحَبّ للطَّحن. وَقَالَ ابْن كُلْثُوم:
ولُهْوَتُها قُضاعة أجمعِينا
قَالَ: واللُّهَى: أَفضَل العَطايَا، واحدتها لُهْوة، ولُهية، وَأنْشد:
إِذا مَا بالُّلهَى ضَنَّ الكِرامُ
وَقَالَ النابغةُ يمدَح قوما:
عظامُ اللُّهى أَبنَاء أبناءِ عُذْرَةٍ
لَهامِيمُ يَسْتَلْهُونها بالجَراجِرِ
يُقَال: أَرَادَ بقوله عِظامَ اللُّهَى، أَي عظامَ العطايا، واحدتها لُهْوَة، يُقَال: أَلهَيْتُ لَهُ لُهْوَة من المَال كَمَا يُلهَى فِي حُرِيِّ الطاحونة. ثمَّ قَالَ: يَسْتَلْهُونها، الهاءُ للمكارِم، وَهِي العطايا الَّتِي وصفهَا. والجَراجِر: الحَلاقِيم. وَيُقَال: أَرَادَ باللُّهى الْأَمْوَال، أَرَادَ أنّ أَمْوَالهم كَثِيرَة قد استَلْهَوْها، أَي استكثروا مِنْهَا.
أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ ابْن بزرج: تَلَهْلأتُ، أَي نَكصْتُ.

(بَاب الْهَاء وَالنُّون)
(هـ ن (وَا يء))
هَنأ، (يهنأ) ، نهى، ناه، وَهن، نهأ، هان، هُنَا، (هَا هُنَا) ، أَنه، أهن.

(6/227)


هَنأ: قَالَ أَبُو زيد يُقَال فِي الْهمزَة: هَنَأتُ البعيرَ أهنَؤُه هَنْأً، إِذا طَلَيْتَه بالهِنَاء، وَهُوَ القَطِران.
قَالَ: وَتقول هَنأَني الطَّعامُ، وَهُوَ يَهْنَؤُني هِنْأً وهَنْأً ويَهْنِئُني.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: يُقَال: هَنَأَكَ الله ومَرأَك، وَقد هَنأَني الطَّعامُ ومَرَأَني بِغَيْر ألف، إِذا أَتْبعوه هنَأَني، فإِذا أفردُوه قَالُوا: أَمْرَأَني.
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: العربُ تَقول لِيَهْنِئْك الفارسُ، بجَزْم الْهمزَة، وليَهْنِيك الفارسُ بياءٍ سَاكِنة، وَلَا يجوز لِيَهْنِك، كَمَا تَقول الْعَامَّة.
وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال: إِنَّمَا سُمّيت هانِئاً لتهنَأَ ولِتَهْنِىء، أَي لتُعطِيَ: لُغَتَانِ، وَالِاسْم الهِنْءُ، وَهُوَ الْعَطاء.
وَقَالَ الزَّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} (النِّساء: 4) يُقَال: هنأَني الطعامُ ومَرَأَني.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: يُقَال مَعَ هنأَني: مَرَأَني، فَإِذا لم تَذْكُر هنأني قلتَ: أَمْرَأَني.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: هنَأْتُ الرجلَ: أعطيتُه.
وَقَالَ غَيره: هنأتُ القَوْمَ، إِذا عُلْتَهم وكَفَيْتَهم وأعطيتهم، يُقَال: هنأَهم شَهْرَيْن يَهنَؤُهم، إِذا عالهم، وَمِنْه المَثَل: إِنَّمَا سُمِّيت هانئاً لِتَهنَأَ، أَي لتَعُول وتكفي، يُضرَب لمن عُرِف بِالْإِحْسَانِ، فَيُقَال لَهُ: اجْرِ على عادَتِك وَلَا تقْطَعْها.
وَقَالَ الكسائيّ: لِتَهْنِىء بِالْكَسْرِ، وَيُقَال: استهنَأَ فلانٌ بني فلَان، فَلم يَهْنِئوه، أَي سأَلهم فَلم يُعْطوه، وَقَالَ عُرْوَة بن الوَرْد:
ومُسْتَهْنِىءٍ زَيدٌ أبوهُ فَلم أَجِدْ
لَهُ مَدْفَعاً فاقْنَيْ حَياءكِ واصبِري
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: مَا هَنِىءَ لي هَذَا الطعامُ، أَي مَا استهنَأْتُه، وهَنِئَت الإبلُ مِن نَبْت الأَرْض، أَي شَبِعَتْ، وأكلْنا من هَذَا الطَّعَام حَتَّى هَنِئْنا مِنْهُ، أَي شَبِعنا. وَيُقَال: هنَأَنِي خيرُ فلانٍ أَي كَانَ هَنِيئًا بِغَيْر تَبِعة وَلَا مَشَقّة، وَقد هنأَنا الله الطعامَ، وَكَانَ طَعَاما استَهْنَأَناه، أَي استَمْرَأْناه.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَنِئَت الماشيةُ تهَنأْ هَنْأً، إِذا أَصابت حَظّاً من البَقْل من غير أَن تَشبَع مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال فِي الدُّعَاء للرجل: هَنِئْتَ وَلَا تَنْكَهْ، أَي أصبتَ خيرا وَلَا أصابَك الضَّرُّ، يَدْعُو لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: معنى قَوْله: هَنِئْتَ، يُرِيد ظَفِرْتَ، على الدُّعَاء لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: هَنُؤَ الطعامُ يَهْنُؤُ هناءَةً، ولغةٌ أُخْرَى هَنِيَ يَهْنا، بِلَا همز.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا مُهَنَّأٌ، قد جَاءَ بِالْهَمْز: اسْم رَجُل.
وَقَالَ أَبو عبيد: من أَمثالهم فِي الْمُبَالغَة وَترك التَّقْصِير قولُهم: لَيْسَ الهِناءُ بالدَّسّ، الدَّسُّ أَن يَطلِيَ الطَّالي مَساعِرَ الْبَعِير، وَهِي المواضعُ الَّتِي يُسْرِع إِلَيْهَا الجَرَبُ من الآباط والأرفاغ وأمِّ القِرْدان وَنَحْوهَا. فَيُقَال: دُسَّ البعيرُ فَهُوَ مَدْسُوس، إِذا

(6/228)


طُليَت هَذِه المواضعُ مِنْهُ، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
قَرِيعُ هجانٍ دُسَّ مِنْهُ المَسَاعِرُ
فَإِذا عُمَّ جسدُ الْبَعِير كُله بالهِناء فَذَلِك التَّدجِيل، يُضرَب مثلا للَّذي لَا يُبالِغ فِي إحكام الْأُمُور وَلَا يَستوثِق مِنْهَا، ويَرضَى باليسير مِنْهَا.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تهنَّأَ فلانٌ، إِذا كَثُر عَطاؤُه، مأخوذٌ من الهِنْء، وَهُوَ الْعَطاء الْكثير.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ الْخَلِيل فِي قَول الْأَعْشَى:
لَا تَهَنَّا ذِكرَى جُبَيْرةَ أَمَّنْ
جَاءَ مِنْهَا بطائفِ الْأَهْوَال
قَالَ: يَقُول: لَا تُجَمْجِمُ عَن ذِكرها، لِأَنَّهُ يَقُول: قد فعلتُ وهنَيْتُ، فتُجَمْجِم عَن شَيْء، فَهُوَ من هنَيْتُ، وَلَيْسَ بأَمْر، وَلَو كَانَ أَمراً كَانَ جَزْماً، وَلكنه خبر. يَقُول: أَنت لَا تَهْنَا ذِكْرَها.
قلتُ: وَقَالَ غيرُ الْخَلِيل فِي قَوْلهم: (لاتَ هنَّا) : (لاتَ) حرف، و (هنَّا) كلمة أُخرى. وأَنشد الأصمعيّ:
لات هَنَّا ذِكرَى جُبَيْرة
الْبَيْت، يَقُول: لَيْسَ جُبيرةُ حيثُ ذهبْتَ، ايأَسْ مِنْهَا، لَيْسَ هَذَا بِموضع ذِكرها.
قَالَ: وقولُه:
... . أَمَّنْ
جَاءَ مِنْهَا بطائفِ الأهوالِ
يَستفهم، يَقُول: مَن الَّذِي دَلَّ خيالها علينا؟ وَقَالَ الرَّاعِي:
نعمْ لاتَ هَنَّا إنَّ قلْبَك مِتْيَحُ
يَقُول: لَيْسَ الأمرُ حَيْثُ ذهبتَ، إِنَّمَا قلبُك مِتيحٌ فِي غير ضَيعة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: من أَمثال الْعَرَب: (حَنَّتْ ولاتَ هَنَّت) ، وأَنَّى لَك مقروع.
قَالَ: يُضرَب مَثَلاً لمن يُتهَم فِي حَدِيثه وَلَا يُصدَّق، قَالَه مَازِن بنُ مَالك بن عَمْرو ابْن تَمِيم لابنَة أَخِيه الهَيْجُمانة بنت العَنْبر بن عَمْرِو بن تَمِيم حِين قَالَت لأَبِيهَا: إنّ عبد شمس بن سعد بن زيد مَناةَ يُرِيد أَن يُغِير عَلَيْهِم فاتهمها مازِن، لأنّ عبدَ شمسٍ كَانَ يَهْوَاها وتهْوَاه، يُقَال هَذِه الْمقَالة، وَقَوله: عَنَّت أَي حَنَّت إِلَى عبد شمس ونزَعَتْ إِلَيْهِ وَقَوله: ولاتَ هَنَّتْ: أَي لَيْسَ الأمرُ حيثُ ذهبَتْ.
وَقَالَ شمر: سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يَقُول فِي قَول مازِن: حَنَّت ولاتَ هَنَّتْ، يَقُول: حَنّت إِلَى عاشقها، وَلَيْسَ أوانَ حَنين، وَإِنَّمَا هُوَ وَلاَ، والهاءُ صلَة جُعِلْت تَاء، وَلَو وقَفتَ عَلَيْهَا لقلتَ: لاَهْ فِي الْقيَاس، وَلَكِن يَقِفون عَلَيْهَا بِالتَّاءِ.
قَالَ ابْن الأعرابيّ: وسأَلْتُ الكسائيّ: كَيفَ تَقِف على بنت؟ ، فَقَالَ بِالتَّاءِ اتّباعاً للْكتاب، وَهِي فِي الأَصْل هَاء.
قلت: وَالْهَاء فِي قَوْله: هَنَّتْ كَانَت هاءَ الوَقْفة، ثمَّ صُيِّرتْ تَاء ليُزاوِجُوا بِهِ حَنّت. وَالْأَصْل هَنَّا، ثمَّ قيل فِي الْوَقْف: هَنّه للْوَقْف، ثمَّ صُيِّرتْ تَاء.

(6/229)


هُنَا هَاهُنَا: أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد، يُقَال: اجلِس هَهنا أَي قَرِيبا، وتَنحَّ هَا هُنَا، أَي ابعدْ قَلِيلا.
قَالَ: وهَهَنَّا أَيْضا، تقولُ قيسٌ وَتَمِيم.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: من أمثالهم: (هَنَّا وهَنَّا عَن جِمالِ وَعَوْعَهْ) كَمَا تَقول: كلُّ شَيْء وَلَا وَجَعُ الرَّأْس، وكل شَيْء وَلَا سَيْفُ فَراشَة.
وَقَالَ غَيره: معنى هَذَا الْكَلَام: إِذا سَلِمْتُ وسَلِم فلانٌ لم أكتَرِثْ لغيره.
والعَرَبُ تَقول: إِذا أَرَادَت البُعْدَ: هَنّا وَهَا هَنَّا وهَنَّاك وَهَا هَنَّاكَ، وَإِذا أَرَادَت القُربَ قالتْ: هُنَا وهَهنا، ونقول للحبيب: هَهُنا وهُنَا، أَي تَقرَّب، وادْنُ، وَفِي ضدِّه للبَغيض هَا هَنَّا وَهَنَّا، أَي تَنحَّ بَعيدا، وَقَالَ الحُطيئة:
فَها هَنَّا اقعُدِي عني بَعيدا
أراحَ الله منكِ العالَمِينا
يُخَاطب أمَّه ويهجوها.
وَقَالَ ذُو الرمة يصف فلاةً بعيدَة الْأَطْرَاف:
هَنَّا وهَنَّا وَمن هَنَّا لهنّ بهَا
ذَات الشمائلِ وَالْإِيمَان هَيْنُومُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هُنَا: اللَّهْو، وَهُوَ مَعرِفة، وَأنْشد:
وحديثِ الرَّكب يومَ هُنَا
وحديثٌ مَا على قِصَرِه
وَقَالَ غَيره: هُنَا: مَوضِع بعَيْنه فِي هَذَا الْبَيْت. وَمن العَرَب من يَقُول فِي قَوْله: يومَ هُنَا إِنَّه كَقَوْلِك: يومَ الأوَّل، رَوَاهُ ابْن شُمَيْل عَن أبي الخطَّاب.
ورُوِي عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الهُنَا النَسَب الدَّقيق الخسيس، وَأنْشد:
حاشَا لَفَرْعَيْكِ من هُنَا وهُنَا
حَاشَ لأعراقِك الَّتِي تَشِجُ
وَقَول الْأَعْشَى:
يَا ليتَ شِعرِي هلْ أعُودَنَّ ناشئاً
مِثلي زُمَيْنَ هَنَا بُبرْقَةِ أَنقَدَا
أَرَادَ زُمَيْن أَنا، فقَلَب الْهمزَة هَاء، تَقول الْعَرَب: هَنَا وهَنْتَ، بِمَعْنى أَنَا وأَنْتَ.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول الْعَرَب: يَا هَنَا هلُمَّ وَيَا هَنَانِ هَلُمَّا وَيَا هَنُون هَلُمَّ، وَيُقَال للرجل أَيْضا يَا هَناةُ هَلُمَّ، وَيَا هَنَانِ هَلُمَّ، وللمرأة يَا هَنَتَا هَلُمَّ، وَفِي الْوَقْف يَا هَنَتَاه، وَيَا هَنَاه، وتُلْقَى الهاءُ فِي الإدراج، وعامةُ قيس تَقول: يَا هنَاتُ هَلُمَّ.
وَقَالَ أَبُو الصَّقْر يُقَال: يَا هَناه هَلُمَّ وَيَا هنَان هَلُمَّا، وَيَا هَنُون هلُمُّوا، وَيَا هنَتَاه هَلُمَّى وَيَا هَنَتَان هَلُمَّا، وَيَا هنَاتُ هَلْمُمْنَ. وَهَذَا فِي لُغَة تَمِيم.
قَالَ ابْن الأنباريّ فِي كتاب (التَّأْنِيث والتذكير) : إِذا نادَيتَ مذكَّراً بِغَيْر التَّصْرِيح باسمه قلتَ: يَا هَنُ أَقْبِل، وللرَّجُلَين: يَا هنَان أَقْبِلاَ، وللرِّجال: يَا هَنون أَقْبِلوا، وللمرأة: يَا هنَةُ أَقبِلِي، وللمرأَتَيْن يَا هنَتان، وللنِّسوة يَا هنَات.
قَالَ: وَمِنْهُم من يزِيد الألفَ والهاءَ، فَيَقُول للرجل: يَا هناهُ أَقْبِل، يَا هناهِ أقبِلْ، بضمُّ الْهَاء وخَفْضِها، حَكَاهُمَا

(6/230)


الفرَّاء، فَمن ضَمَّ الْهَاء قدَّر أَنَّهَا آخر الِاسْم، وَمن كَسَرها قَالَ: كَسرْتُها لِاجْتِمَاع الساكنين، وَيُقَال فِي الِاثْنَيْنِ على هَذَا الْمَذْهَب: يَا هنَانِيِه أَقْبِلا وَإِن شئتَ قلتَ يَا هنَانَاه أَقْبِلا.
قَالَ الفرَّاء: كسرُ النُّون وإتباعُها للياء أَكثر، وَيُقَال فِي الْجمع على هَذَا: يَا هَنَوْناه أَقْبِلوا.
قَالَ: وَمن قَالَ للمذكَّر: يَا هَناهُ وَيَا هَناهِ، قَالَ للْأُنْثَى: يَا هنَتَاهُ أَقْبلي، وَيَا هنَتَاه، وللاثنتين: يَا هنَتَانِيهِ وَيَا هنَتَانَاهُ أَقْبِلا، وللجَميع من النِّساء: يَا هنَاتَاه، وَأنْشد:
وَقد رابَني قولُها: يَا هُنَا
ةُ وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرَّا بِشَرِّ
وَإِذا أَضفتَ إِلَى نَفسك قلت: يَا هَنِي أَقْبِلْ، وَإِن شئتَ يَا هَنَ أَقْبِل، وَإِن شِئْت يَا هَنُ أَقْبِل، وَتقول: يَا هَنَى أَقْبِلا، وللجميع يَا هَنِيَّ أَقْبِلوا، فتَفْتَحُ النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتكسِرُها فِي الْجمع.
نهى نهأ: قَالَ أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: النَّهِيءُ على مِثالِ فَعِيل: النِّيُّ، وَقد نهِىءَ نُهْوَءةً على فُعولةِ ونَهاءَةً مَمْدُود على فَعالة، وَهُوَ بيِّن النُّهوء، مهموزٌ مَمْدُود، وبيِّن النَّيُوء مثل النُيُوع.
قَالَ: وأنْهأْت اللَّحْمَ وأَنَأْتُه، إِذا لم تُنْضِجْه.
أَبُو زيد: أنْهأْتُه فَهُوَ مُنْهَأٌ ومُنَأٌ وَقد ناءَ اللحمُ يَنِيءُ نَيْأً. وَتقول: نَهِىءٌ يَنْهأُ نَهْأَ ونَهاءةً ونُهُوءَةً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الناهي: الشَّبْعان والرَّيَّان.
وَقَالَ غَيره: شَرِب حَتَّى نَهِيَ ونَهَّى.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّهْي: ضدّ الْأَمر. تَقول: نهيتُه، وَفِي لُغَة نَهوْته.
قَالَ: والنِّهاية كالغاية حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ الشيءُ، وَهُوَ النِّهاء مَمْدُود.
قَالَ: والنِّهاية: طرف العِرَان الَّذِي فِي أنْف الْبَعِير.
قَالَ أَبُو سَعيد: النِّهاية: الخَشَبة الَّتِي يُحمَل بهَا الأحمالُ.
قَالَ: وَسَأَلت الأعرابَ عَن الخَشَبة الَّتِي تُدعَى بالفارسيَّة: باهو، فَقَالُوا: النِّهايتان والعاضِدَتان والحامِلَتان.
قَالَ اللحيانيّ: النَّهيَة العَقْل، وَكَذَلِكَ النُّهى جمع نُهْيَة.
ونُهية كلِّ شَيْء: غَايَته، وَرجل نَهٍ ونَهِيُّ من قوم نَهِين وأَنْهياء، وَلَقَد نَهُوَ مَا شَاءَ، كلُّ ذَلِك من الْعقل، وَسمي الْعقل نهية لِأَنَّهُ يُنتَهى إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا يُعْدَى أمرَه.
وَقَالَ النَّضر: النَّهِيَّة: النَّاقة الَّتِي تناهت شحماً وسِمَناً، وجَمَلٌ نَهيٌّ.
وَقَالَ الأصمعيّ: جَزُورٌ نَهِيّةٌ، أَي سَمِينَة.
وَحكي عَن أعرابيّ أَنه قَالَ: للخَبزُ أحبُّ إِلَى من جَزورٍ نَهِيَّة، فِي غَداةٍ عَرِيَّة.
ابْن شُمَيْل: استَنْهَيْتُ فلَانا عَن نَفسه فأَبى أَن يَنْتَهِي عَن مساءتي، واستنهيت فلَانا من فلَان أقُولُ للنَّاس: أغنُوه فَإِنَّهُ قد ظَلَمني وإنّي أستَنهي مِنْهُ فأنهوه، واعذرُوني مِنْهُ

(6/231)


وقداستنهيت فلَانا من فلَان، إِذا قلت لَهُ: انهَهُ عني.
والنِّهْي: الغدير حيثُ يتحير السَّيْل فِي الغدِير فيوسِّع، والجميع النِّهاء. وَبَعض العَرَب يَقُول: نِهْيٌ، وَبَعض يَقُول: تَنْهِيية، وَجَمعهَا التَّناهي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التناهي حَيْثُ يَنْتَهِي المَاء، واحدتها تنهية.
وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو الدُّقَيْش: نِهاءُ النَّهَار: ارتفاعه قِرابَ نصفِ النَّهَار.
وَيُقَال: مَا تنهاه عَنَّا ناهية، أَي ماتكُفُّه عَنَّا كَافَّة، والإنهاء: الإبلاغ، وَتقول: أنهيتُ إِلَيْهِ السهمَ، أَي أوصلتُه إِلَيْهِ، وأنهيتُ إِلَيْهِ الكتابَ والرسالةَ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: هَذَا رجل نَهْيُكَ مِن رجل، وناهِيكَ من رجل، أَي كافيك من رجل.
وَقَالَ اللحيانيّ: بلغت مَنهَى فلانٍ ومَنهاتَه، ومُنهاه ومُنهاته.
شمر عَن أبي عدنان عَن الكلابيّ، يَقُول الرجل للرجل إِذا وَلِيتَ ولَايَة فانْهِ، أَي كُفَّ عَن الْقَبِيح.
قَالَ: وانْهِ بِمَعْنى انْتَهِ. قَالَه بِكَسْر الْهَاء وَإِذا وقف قَالَ فانْهِهْ أَي كُفَّ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّهاة: الوَدَعة، وَجَمعهَا نَهاً. وَبَعْضهمْ يَقُول النهاءُ مَمْدُود.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: النَّهاء مَمْدُود، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: النَّهاءُ: الْقَوَارِير، لَا أعرفُ لَهَا وَاحِدًا من لَفظهَا.
وَفُلَان يركب المناهِي، أَي يَأْتِي مَا نُهي عَنهُ.
هون هَين: قَالَ اللَّيْث: الهَوْن: مصدرُ الهيِّن فِي معنى السكينَة وَالْوَقار، تَقول: هُوَ يمشي هَوْناً، وَجَاء عَن عليّ ج أَحْببْ حبيبَك هونا مَا وَتقول: تكلَّمْ على هِينَتِك، وَرجل هَيِّن لَيِّن وهَيْنٌ لَيْنٌ.
والهَوْن: هَوَان الشَّيْء الحقير الهيِّن الَّذِي لَا كَرامةَ لَهُ. وَتقول: أهنتُ فلَانا وتهاوَنت بِهِ واستهنتُ بِهِ.
وَقَالَ شمر: الهَوْنُ: الرِّفق والدَّعة والهِينة، قَالَه فِي تَفْسِير حَدِيث عليّ، قَالَ: يَقُول: لَا تفرط فِي حُبِّه وَلَا بغضه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: أَخَدَ أمره بالهُونَى، ثأنيثُ الأهْوَن، وَأخذ فِيهِ بالهُوَيْنى، وَإنَّك لتعمد للهويني من أَمرك، أَي لأَهْوَنه، وَإنَّهُ ليَأْخُذ فِي أمره بالهُون، أَي الأهون.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الهَوْن والهُون وَاحِد
وَقَالَ الْآخرُونَ: الهُون: الهوان، والهَون: الرِّفق. وَأنْشد:
مَررْتُ على الوَرِيقَةِ ذَات يَوْم
تهادى فِي رِدَاء المِرْطِ هَوْنا
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
تميلُ عَلَيْهِ هَوْنةً غير مِعْطالِ
قَالَ: هَونة: ضَعِيفَة من خِلقتها، لَا تكون غَلِيظَة كَأَنَّهَا رجل.
وروى غيرُه: هُونة، أَي مُطاوِعة.
وَقَالَ جَنْدَل:
داوَيتُهمْ مِن زمنٍ إِلَى زَمنْ

(6/232)


دواءَ بُقْيَا بالرُّقى وبالهُوَنْ
وبالهويْنَا ذائِباً فلمْ أُوَنْ
بالهُوَن: يُرِيد بالتسكين وبالصلح.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ يُقَال: هيِّنٌ بيِّنُ الهُون.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِنَّه ليهُون عليَّ هَوْناً وَهَوَانًا.
قَالَ: والهُون: الهَوان: والشِّدَّة. أَصَابَهُ هُونٌ شَدِيد، أَي شدّة ومَضَرّة وعَوَز.
وَقَالَت خنساء:
تُهِينُ النُّفوسَ وهُونُ النُّفوس
تُرِيدُ إهانة النُّفُوس.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} (النّحل: 59) .
قَالَ: الهُون فِي لُغَة قُرَيْش: الهَوان.
قَالَ: وبعضُ بني تَمِيم يَجعَل الهُونَ مصدرا للشَّيْء الهيِّن.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: سمعتُ الْعَرَب تَقول: إِن كنت لقَلِيل هُون المَؤُونة مُذُ الْيَوْم، وَقد سمعتُ الهَوانَ فِي مثل هَذَا الْمَعْنى. قَالَ رجل من الْعَرَب لبعيرٍ لَهُ: مابِه بَأْس غيرُ هَوانِه، يَقُول: إِنَّه خَفِيف الثَّمن.
وَإِذا قَالَت الْعَرَب: أَقبلَ يمشي على هَوْنِه، لم يقولوه إلاَّ بالفَتْح، قَالَ الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً} (الفُرقان: 63) .
قَالَ الفرَّاء: حدَّثني شَرِيك عَن جَابر الجُعْفيّ عَن عِكْرِمَة وَمُجاهد قَالَا: بالسَّكينة والوَقار.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الْعَرَب تَمدَح بالهَيْن اللَّيْن وتَذُمّ بالهيِّن الليِّن.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْمُسلمُونَ هَيْنُون لَيْنُون) ، جعلَه مدحاً لَهُم.
أَنه: أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: رجلٌ نافِسٌ ونفِيسٌ وآنِهٌ وحاسدٌ، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ الأزهريّ: هُوَ من أَنَه يأْنِه وأَنحَ يأْنِحُ أَنِيهاً وأَنِيحاً.
نوه: وَقَالَ اللَّيْث: نُهْتُ بالشَّيْء ونَوَّهْتُ بِهِ: إِذا رَفَعْتَ بذكْره.
قَالَ: والهَامَةُ إِذا صرخت فرفعتْ رَأسهَا.
يُقَال: ناهَتْ نَوْهاً، وَأنْشد لرؤبة:
على إكامِ النّائحاتِ النُّوَّهِ
إِذا رفعْتَ الصوتَ فدعوتَ إنْسَانا، قلت: نوّهتُ.
وَفِي حَدِيث عمرَ: أَنا أوّلُ من نَوَّه بالعرب.
قَالَ شمر: يُقَال: نوَّه فلانٌ بفلانٍ، ونَوَّه باسمه، إِذا رَفَعه وطَيَّرَ بِهِ وقَوَّاه.
والنَّوْهَةُ: قوّة البَدَن.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التّمر وَاللَّبن تَنُوهُ النفسُ عَنْهُمَا، أَي تَقوى عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ الفرّاء: أعطِني مَا يَنُوهُنِي أَي مَا يَسُدّ خَصاصَتي، وَإِنَّهَا لتأكل وَمَا يَنُوهُها، أَي لَا يَنْجَع فِيهَا.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ناهَ البقَلُ الدَّوابَّ يَنُوهُها، أَي مَجَدَها، وَهُوَ دُونَ الشِّبَع،

(6/233)


وَلَيْسَ النَّوْه إلاّ فِي أوّل النَّبْت، فَأَمَّا المَجْدُ فَفي كُلَ.
ونوَّهْتُ باسمِه، إِذا دعوْتَه
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: قَالَ أعرابيٌّ: إِذا أكلْنا التَّمْرَ وشَرِبْنا المَاء ناهَتْ أنفُسُنا عَن اللَّحْم تَنُوه نَوْهاً، أَي تركتْه النفسُ وأَبَتْه. وأَنشد:
يَنهُون عَن أَكلِ وشربِ مثله
قَالَ: وَهَذَا مقلوبٌ وإلاّ فَلَا يجوز.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المُهْوَأَنُّ: الْمَكَان الْبعيد.
وَقَالَ شمر: يُقَال مُهَوَأَنّ ومُهَوَئِنّ، وَأنْشد:
من مُهْوَأَنَّ بالدَّبَا مدبوش
وَيُقَال: إِنَّه لَهَوْنٌ من الْخَيل، وَالْأُنْثَى هَوْنة إِذا كَانَ مِطواعاً سَلِساً.
وَهن: قَالَ اللَّيْث: الوَهْن: الضَّعْف فِي الْعَمَل والأمْر، وَكَذَلِكَ فِي العَظْم وَنَحْوه. وَقد وَهَنَ العَظْمُ يَهِن وَهْناً وأَوْهَنَه يُوْهِنُه، ورجلٌ واهِنٌ فِي الْأَمر والعَمَل ومَوْهُون فِي العَظْم والبَدَن. والوَهَن لغةٌ فِيهِ. وَأنْشد:
وَمَا إنْ بعظْمٍ لهُ من وَهَنْ
والوَهِين بلُغة أهل مُضر: رجلٌ يكونُ مَعَ الْأَجِير فِي الْعَمَل يحثّه على الْعَمَل. وَقيل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً} (لقمَان: 14) أَي حملتْه ضعفا على ضَعْف، أَي: لَزِمَهَا لحملِها إيّاه أَنْ ضَعُفَتْ مَرَّةً بعد مَرَّة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ} (آل عِمرَان: 146) أَي فَمَا فَتَروا وَمَا جَبُنوا عَن قتالِ عدوّهم.
وَقَالَ شمر: المُهْوَئْنّ: الوَطِيءُ من الأَرْض نَحْو الهِجْل وَالْغَائِط والوادي، وجمعُه مُهْوَئنّات، والوهدَة مُهْوَئنٌّ، وَهِي بُطونُ الأَرْض وقَرارُها، وَلَا تُعَدّ الشِّعاب والمِيث من المهْوَئنِّ، وَلَا يكون المهْوَئنّ من الْجبَال وَلَا فِي القِفاف وَلَا فِي الرِّمال، لَيْسَ المهْوَئِن إلاّ من جَلَد الأَرْض وبطونها.
قَالَ: والمُهْوَئِنُّ والخَبْثُ وَاحِد، وخُبُوت الأَرْض: بطونُها، وَقَالَ الْكُمَيْت:
لما تَحرّم عَنهُ الناسُ رَبْرَبه
بالمهْوَئنِّ فمرْمِيٌّ ومُحْتَبَلُ
وَيُقَال للمُهْوَئنِّ: مَا اطمأنّ من الأَرْض واتّسَع، واهوَأَنّت المفَازَةُ، إِذا اطمأنّت فِي سَعَة.
وَقَالَ رؤبة:
مَا زَالَ سُوءُ الرَّعْي والنِّتاجِ
بمهْوَئنَ غير ذِي لَمَاجِ
وطولِ زَجْر نجلٍ وعاجِ
شمر عَن الأشجعيّ: الواهِنَةُ: مرضٌ يَأْخُذ فِي عَضُد الرِّجْل فتَضْرِبها جاريةٌ بِكْر بيَدِها سبعَ مرّات، وَرُبمَا عُقِد عَلَيْهَا جِنْسٌ من الخرز، يُقَال لَهُ: خَرَزُ الواهنة، وَرُبمَا ضربهَا الغُلام، وَيَقُول: يَا واهِنَةُ تَحَوَّلي بالجارية، وَهِي لَا تَأْخُذ النِّساء، وَإِنَّمَا تَأْخُذ الرِّجَال.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الوَهْنانة من النِّساء: الكَسْلَى عَن الْعَمَل تنعُّماً.

(6/234)


أَبُو عبيد: الوَهْنانةُ: الَّتِي فِيهَا فَتْرَةٌ.
وَيُقَال: كَانَ وَكَانَ وَهْنٌ بذِي هَنَاتٍ، إِذا قَالَ كلَاما بَاطِلا يتعلّل بِهِ.
أَبُو عبيد: المَوْهِن والوَهْن: نحوٌ من نِصْفِ اللَّيْل.
وَقَالَ اللَّيْث: أوهنَ الرجُل: دخل فِي ساعةٍ من اللَّيْل.
قَالَ: والوَهْن: ساعةٌ تمْضِي من اللَّيْل.
يُقَال: لقيتُه مَوْهِناً، أَي بعد وَهْن.
قَالَ: والواهن: عِرقٌ مستبطِنٌ حَبْلَ العاتِق إِلَى الكَتِف، وربّما وَجِعَه صاحبُه فَيَقُول: هِنِي يَا واهِنة اسكُبي يَا واهنة، قلت: وَيُقَال للّذي أصابَه وجَعُ الواهنة: مَوهُون، وَقد وُهِن، وَقَالَ طَرَفة:
إنّني لستُ بَموْهُونٍ فَقِرْ
يُقَال: أوهَنُه الله فَهُوَ مَوْهون، كَمَا يُقَال: أَحَمَّه الله فَهُوَ مَحْموم، وأَزْكَمَه الله فَهُوَ مَزْكوم، وَيُقَال للطائِر إِذا ثَقُل من أكْل الجِيف فَلم يَقْدِر على النُّهوض: قد توَهَّن تَوَهُّناً، وَقَالَ الجَعديّ:
تَوهَّن فيهِ المَضْرَحِيّةُ بَعْدَمَا
رأَيْنَ نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَحْمَرَا
والمَضْرَحِيّة: النُّسور هَهُنَا. وَقَالَ النَّضر: الواهِنَتان: عَظْمان فِي تَرقُوة البَعير، والتَّرْقُوَة من الْبَعِير: الواهنة، يُقَال: إِنَّه لشديد الواهِنَتين، أَي شَدِيد الصَّدْر والمُقَدِّم، وتسمَّى الوَاهِنة من البَعير: النَّاحِرَة، لأنّها ربّما نَحرَت البعيرَ بِأَن يُصرَعَ عَلَيْهَا فينكسر، فَيُنْحر الْبَعِير فَلَا يُدرك ذَكاته، وَلذَلِك سمِّيتْ ناحرةً، وَيُقَال: كوَيْناه من الوَاهنة، والواهِنَة: الوجع نفسُه، وَإِذا ضَرَب عَلَيْهِ عِرقٌ فِي رأسِ مَنكِبَيُهِ قيل: بِهِ واهِنة، وَإنَّهُ لَيشتكِي واهنَتَه.
أهن: قَالَ اللَّيْث: الإهان هُوَ العُرْجون، يَعنِي مَا فَوق الشَّماريخ، وَيجمع أُهُناً، والعَدَد ثَلَاثَة آهِنَةٍ، وأَنشدَني أعرابيّ:
منحتَني يَا أكرمَ الفتْيانْ
جُبَّارة لَيست من العَيْدانْ
حَتَّى إِذا مَا قُلتُ: الآنَ الْآن
دبَّ لَهَا أسوَدُ كالسِّرْحانْ
بِمخْلَبٍ يختذِم الإهانْ

(بَاب الهَاء وَالْفَاء)
(هـ ف (وَا يء))
هفا، وهف، هاف، فَاه، وفه.
هفا: قَالَ اللَّيْث: الهَفْو: الذَّهاب فِي الهَواء، وَيُقَال: هَفَت الصُّوفةُ فِي الهَواء فَهِيَ تَهفُو هَفْواً وهُفُوّاً، والثَّوْبُ وَرِفارِفُ الفَسْطاط، إِذا حرّكَتْه الرّيحُ قلت: يُقَال: هُوَ يَهْفُو وتَهْفو بِهِ الرِّيح.
والهَفْوَة: الزَّلَّة، وَقد هَفَا، وَيُقَال الظَّلِيم إِذا عَدَا: قد هَفَا، والفُؤادُ إِذا ذَهَب فِي إثْرِ شَيْء قيل: قد هَفَا، وَيُقَال: الْألف الليّنة هافِيَةٌ فِي الهَواء. قلت: وسمعتُ الْعَرَب تَقول لضَوَالِّ الْإِبِل: هِيَ الهَوافِي بِالْفَاءِ، والهَوامِي، الْوَاحِدَة هافِيَة وهامِيَة.
وَقَالَ أَبُو سَعيد: الهَفاة: خَلِقَة تَقدُم الصَّبِير ليستْ من الغَيْم فِي شَيْء، غير أنّها تَستُر عَنْك الصَّبير، فَإِذا جاوزتْ بدا لَك الصَّبير، وَهُوَ أعناقُ الغَمام الساطعة فِي

(6/235)


الأفُق، ثمَّ يَرْدَف الصَّبيرَ الحَبِيُّ وَهُوَ مَا اسثَكَفَّ مِنْهُ وَهُوَ رَحَا السّحابَة، ثمَّ الرَّباب تَحت الحَبِيّ، وَهُوَ الّذي يَقدم المَاء ثمّ رَوَادِفُهُ بعد ذَلِك، وَأنْشد:
مَا رَعدتْ رَعْدةً وَلَا بَرَقتْ
لَكِنَّهَا أنشأت لنا خَلَقهْ
فالماء يجْرِي وَلَا نظام لَهُ
لَو يَجدُ الماءُ مَخرَجا خَرَقهْ
قَالَ: هَذِه صفة غيث لم يكن برِيح وَلَا رَعْدٍ وَلَا بَرْق، وَلَكِن كَانَت دِيمةً، فوَصَف أَنَّهَا أَغدَقَتْ حَتَّى جَرَتْ الأرضُ بغيرِ نظامٍ ونظامُ، المَاء: الأودِية.
أَبُو زيد: هَفَوتُ فِي الشَّيْء هفْواً إِذا خفَّفْتَ فِيهِ وأَسْرَعْتَ، قَالَهَا فِي الذّي يَهْفو بَين السّماء وَالْأَرْض.
وَفُلَان يَهْفُو فؤادُه، إِذا كَانَ جائعاً يَخْفُق فؤادُه. والهَفْو: المَرّ الْخَفِيف.
أَبُو زيد، الهَفَاءة وجمعُها الهَفاء: نحوٌ مِن الرِّهْمة.
وَقَالَ العنبريّ: أفاةٌ وأفاءَةٌ.
وَقَالَ النَّضر: هِيَ الهَفَاءَةُ والأَفاءَة والسُّدُّ والسَّماحِيق والجِلْب والجُلْب.
وهف: قَالَ اللَّيْث: الوَهْف مِثلُ الوَرْف وَهُوَ اهتزاز النّبات وشدّةُ خُضْرته، يُقَال: هُوَ يَهِف ويَرِف وَهِيفاً وَوَرِيفاً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَا يُوهِف لَهُ شَيْء إِلَّا أَخَذَه، أَي مَا يرْتَفع لَهُ شَيْء إِلَّا أَخَذَه، وَكَذَلِكَ مَا يَطِفُّ لَهُ شَيْء وَمَا يُشرِف إيهَافاً وإشْرافاً.
ورُوِي عَن قَتَادَة أنّه قَالَ فِي كلامٍ لَهُ: كلما وَقفَ لَهُم شَيْء من الدّنيا أخَذُوه، مَعْنَاهُ مَا بَدا لَهُم وعَرَض. وَيُقَال: وهفَ الشيءُ وهفَاً يَهْفُو، إِذا طارَ، وَقَالَ الراجز:
سائلةُ الأصْداغِ يَهْفُو طاقُها
أَي يطير كساؤها، وَمِنْه قيل للزَّلة: هفْوَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ عَن المفضّل أنّه قَالَ: الواهف قَيّم البَيْعَة قَالَ: وَمِنْه قَول عُمَر فِي عَهدِه للنّصارى: ويُترَك الواهفُ على وَهافَتِه. قَالَ: وَهف يَهِف وَهْفاً. قَالَ: وَمِنْه قَول عَائِشَة فِي صفة أَبيها: قلّده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْفَ الدِّين، أَي قَلَّدَه الْقيام بشَرَف الدِّين بعدَه، كأنّها عَنَتْ أَمَره إيّاه بِأَن يُصلِّي بالنَاس فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ ثَعْلَب: قَالَ غير ابْن الأعرابيّ: يُقَال: وَهْفٌ وهفْوٌ، وَهُوَ المَيل من حَقَ إِلَى بَاطِل وَضعف. قَالَ: وكلا الْقَوْلَيْنِ مَدحٌ لأبي بكر، أحدُهما القيامُ بِالْأَمر، والآخَر رَدُّ الضَّعْف إِلَى قوَّة الْحق.
وفه: قَالَ اللَّيْث: الوافِهُ: القَيِّم الَّذِي يقوم على بَيت النّصارى الَّذِي فِيهِ صَليبُهم بلُغة أهل الجزيرة.
وَفِي الحَدِيث (لَا يُغيَّرَ وافِهٌ عَن وَفْهِيَّتِه وَلَا قِسِّيس عَن قِسّيسّيتِه) .
قلت: وَرَوَاهُ ابْن الأعرابيّ: واهِف، وكأنهما لُغَتَانِ.
وَقَالَ ابْن بزرج: وافِه، كَمَا قَالَ اللَّيْث. وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَخْبَار: واقِهٌ بِالْقَافِ. وَالصَّوَاب الْفَاء.

(6/236)


هيف: قَالَ اللَّيْث: الهَيْف: ريح بَارِدَة تَجِيء من مَهَبّ الجَنوب، وَهِي أَيْضا كلُّ ريحٍ سَمُوم تُعَطِّشُ المالَ وتُيَبِّسُ الرَّطْب، وَقَالَ ذُو الرمّة:
وصَوّح البَقْلَ نئَّاجٌ تجيءُ بِهِ
هَيْفٌ يَمانيَّةٌ فِي مَرِّها نَكَبُ
الحرانيّ، عَن ابْن السّكيت: الهَيْف والهُوف ريحٌ حارّة تَأتي مِن قِبَل اليَمن. قَالَ: والهِيفُ جَمْعُ أَهْيَف وهَيْفَاء، وَهُوَ الضَّامِر البَطْن.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: نكساء الصَّبَا والجَنوبِ مِهْيَافٌ مِلْوَاحٌ مِيباسٌ للبَقْل، وَهِي الَّتِي تَجِيء بَين الرِّيحين.
قلت: وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي الهَيْف إِنَّه ريحٌ باردةٌ خطأ. لَا تكون الهَيْفُ إلاَّ حارّة.
ورَوَى أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ أنّه قَالَ: الهَيْف: الجَنوبُ إِذا هبّت بِحرَ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ مِهْياف هَيُوف: لَا يَصْبِر عَن المَاء.
قَالَ: والهَيَف: دِقّة الخَصْر، والفِعْل هَيِفَ، ولغه تَمِيم: هافَ يَهافُ هَيَفاً.
وَقَالَ اللّحيانيّ: يُقَال للعَطْشان: إنّه لَهَافٌ، وَالْأُنْثَى هافَةٌ.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهافةُ النَّاقةُ: السّريعة العَطش، وَهِي المِهياف والمِهْيَام.
فوه: قَالَ ابْن شُمَيْل: رجل مُفَوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ أَي شَدِيد الْأكل، وشدَّ مَا فَوَّهْتَ فِي هَذَا الطَّعَام وتَفَوَّهْتَ وفُهْتَ، أَي شدَّ مَا أكلْتَ، وإنّه لمفوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ فِي الْكَلَام أَيْضا، وإنّه لذُو فَوْهَةٍ، أَي شديدُ الْكَلَام بسيطُ اللّسان.
قَالَ: وفاهَاه، إِذا ناطَقه وفاخَرَه. وهافاه، إِذا مايَلَه إِلَى هَوَاهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الفُوه: أصلُ بناءِ تأسيسِ الْفَم، تَقول: فاهَ الرجلُ بالْكلَام يَفُوه إِذا لفَظ بِهِ، وَأنْشد لأميّة:
وَمَا فاهو بِهِ لهمُ مُقيم
ورجُلٌ مُفوَّه: قادرٌ على الْكَلَام
وَقَالَ أَبُو زيد: قد استفاه استِفاهَةً فِي الْأكل، وَذَلِكَ إِذا كَانَ قليلَ الطُّعْم، ثمَّ اشتدَّ أَكْله وازداد.
ورجلٌ مُفوَّه تَفوِيهاً، وَهُوَ المِنْطِيق.
والفَيِّهُ الشَّديد الْأكل، وَالفَيِّهُ: المفوَّه المِنْطِيق أَيْضا.
قَالَ أَبُو زيد: واستفاه الرَّجلُ، إِذا اشتدَّ أكلُه بعد قِلَّة.
ورجلٌ أفوَه: واسعُ الْفَم. وَقَالَ الراجز يصف الْأسد:
أَشْدَقُ يَفْتَرُّ افتِرَارَ الأفوَهِ
وفرَسٌ فَوْهاء شَوْهاء: واسعةُ الْفَم، فِي رَأسهَا طول، والفَوَه فِي بعض الصِّفات: خُرُوج الثَّنايا العُلْيا وطولُها.
أَبُو عبيد: يُقَال للرجل إِذا كَانَ كثيرَ الْأكل: فَيِّهٌ على فَيْعِل وامرأةٌ فَيِّهة: كثيرةُ الْأكل.
وَقَالَ ابْن السّكيت: رَجل أَفْوَه: عَظيمُ الفَم طويلُ الْأَسْنَان، وَكَذَلِكَ محالةٌ فَوْهَا:

(6/237)


إِذا طَالَتْ أسنانُها الَّتِي يَجْري الرِّشاء بَينهَا.
قَالَ: وَيُقَال: قَعَد على فُوَّهةِ الطَّريق وعَلى فُوَّهة النَّهر، وَلَا تقُل فَم النَّهر، وَلَا فُوهَة بِالتَّخْفِيفِ.
وَيُقَال: إِن ردّ الفُوَّهة لشديدة، أَي القالَة: قَالَ ورجلٌ فَيِّهٌ: جيِّدُ الْكَلَام.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أفْوَاه الأزقَّة، واحدتُها فُوَّهة، مثل حُمَّرة، وَلَا يُقَال: فَم. قَالَ: ووَاحِدُ أَفْوَاه الطِّيب فُوهٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: المُفَوَّهة: فَم النَّهر، ورأسُ الْوَادي.
قَالَ: والفُوهُ: عُروق يَصْبَغُ بهَا. قلت: لم أسمع الفُوهَ بِهَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ أَبُو زيد: فاهَ الرجل يَفوه فَوْهاً إِذا كَانَ متكلِّماً. وَقَالَ غيرُه: هوَ فاهٌ بِجُوعِه، إِذا أظهره وباح بِهِ، قَالَ: وَالْأَصْل: فائِه بجوعه، فَقيل فاهٌ، كَمَا قَالُوا جُرُفٌ هارٌ وهائرٌ، وَيُقَال لِمحَالة السّانية إِذا طَالَتْ أسنانُها: إِنَّهَا لفَوْهاء بيّنة الفَوَه. وَقَالَ الراجز:
كَبْدَاءَ فَوهاء كجَوْزِ المُقْحَمِ
وَفِي الحَدِيث أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فلمَّا تفَوَّه البقيعَ قَالَ: السلامُ عَلَيْكُم، يُرِيد: لمّا دخل فَمَ البقيع.
وَيُقَال: هُوَ يَخافُ فُوَّههَ النَّاس، أَي قالَتَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال استفاه الرجلُ، إِذا كَانَ قليلَ الْأكل، فازداد أكلُه.
وَيُقَال: مَا أَشدَّ فُوَّهَهَّ بعيرِك فِي هَذَا الكَلأ، يريدونَ أكلَه، وَكَذَلِكَ فُوّهة فَرَسك ودابّتك؛ ومِن هَذَا قَوْلهم: أفواهُها مَجاسُّها، الْمَعْنى أَن جَوْدة أَكلِها يدلُّك على سِمَنها، فيُغنِيك عَن جَسّها.
وَيُقَال: طَلَع علينا فُوَّهةُ إبلِك، أَي أوّلها، بِمَنْزِلَة فُوَّهة الطَّرِيق.
وأفْواه الْمَكَان: أَوَائِله، وأَرْجُله: أَواخِرُه، وَقَالَ ذُو الرّمة:
وَلَو قُمتُ مَا قامَ ابنُ لَيلى لقد هَوَتْ
رِكابي بأفواهِ السَّماوَةِ والرِّجْلِ
يَقُول: لَو قمتُ مقامَهُ انقطعتْ رِكابي.
وَيُقَال للرَّجُل الصَّغِير الفمِ: فُوجُرَذٍ، وفُودَبَا، يُلقّب بِهِ الرجل.
وَيُقَال للمنتن ريحِ الْفَم: فُو فرَسٍ حَمِرٍ.
وَيُقَال: لَو وَجَدْتُ إِلَيْهِ فَاكَرِشٍ، أَي لَو وجدتُ إِلَيْهِ سَبِيلا.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الفُوَّهَة مَصَبُّ النَّهر فِي الكِظامَةِ، وَهِي السِّقاية.
والفُوّهة: تَقطيعُ الْمُسلمين بعضِهم بَعْضًا بالغيبة، يُقَال: مَن ذَا يُطيق رَدَّ الفُوَّهة، والفُوّهة: الْفَم.
وَقَالَ أَبُو المكارم: مَا أحسنتُ شَيْئا قَطّ كثَغْرٍ فِي فُوّهةِ جاريةٍ حسناء، أَي مَا صادَفْتُ شَيْئا حَسَناً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد، فِي بَاب الدّعاء على النَّاس: العربُ تَقول: فاهَا لِفِيك، الْمَعْنى الخَيْبَةُ لَك، وَأَصله أَنه يُرِيد جَعَل الله بفِيك الأَرضَ، كَمَا يُقَال: بفيك

(6/238)


الحَجَر وبِفيكَ الأثْلَب. وَقَالَ رجل من بلْهُجَيْم:
فَقلت لَهُ: فاهَا لِفِيكَ فَإِنَّهَا
قَلوصُ امرىءٍ قارِيكَ مَا أَنْت حاذِرُهْ
قَالَ شمر: سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يَقُول: فاهاً بفِيكَ منّوناً، أَي أَلصَقَ الله فاكَ بِالْأَرْضِ، وَرَوَاهُ أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: فاهَا بفِيك، غيرَ منوَّن، يُرِيد فادَاهِيَةٍ.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: من قَالَ فاهاً بِفيكَ، فَنَوَّن، دَعَا عَلَيْهِ بكَسْر الفَمِ، أَي كَسَر الله فَمه.
قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فاهَا بِفيكَ غير منون، إِنَّمَا يُرِيد فَا الدّاهيةِ، وَصَارَ الضميرُ بَدَلا من اللفط بالفِعْل، وأَضمر لَهُ كَمَا أَضْمَرَ للتُّرْب والجَنْدَل، وَصَارَ بَدلاً من اللَّفْظ بقوله: دَهَاك الله.
قَالَ: ويدلّك على ذَلِك قولُه:
وداهيةٍ مِن دَواهِي المَنُو
نِ يَرهَبُها الناسُ لَا فَالَها
فجعَل للداهية فَمَا. وَقَالَ الآخَر:
لَئِن مالِكٌ أَمسَى ذليلاً لَطالَما
سَعَى للّتي لَا فَالَها غيرَ آيِبِ
أَرَادَ لَا فَمَ لَهَا وَلَا وَجْه، أَي الدّاهية.
وَالْعرب تَقول: سَقَى فلانٌ إبِلَه على أَفْواهها، إِذا لم يكن جَبَى لَهَا الماءَ فِي الحَوْض قَبْلَ وِرْدِها، وَإِنَّمَا نَزَع الماءَ نَزْعاً على رؤوسها وَهَذَا كَمَا يُقَال: سَقَى إبِلَه قَبْلاً.
وَيُقَال أَيْضا: جَرَّ فلانٌ إبلَه على أفواهِها، إِذا تركَها تَرعَى وتَسير. قَالَه الأصمعيّ، وَأنْشد:
أَطلَقَها نِضْوَ بُلَيَ طِلْح
جَرَّا على أَفواهِها والسْجحِ
بُلَيّ تصغيرُ بِلْوٍ، وَهُوَ الْبَعِير الّذي بَلاه السَّفَرُ، وَأَرَادَ بالسُّجْح خَراطيمَها الطِّوال. وَمن دُعَائِهِمْ كَبَّهُ الله لِمنْخَريه وفمِه، وَمِنْه قولُ الهُذَليّ:
أَصخْرَ بنَ عبدِ الله من يَغْوَ سادِراً
يَقُلْ غيرَ شَكِّ لِلْيَدَيْنِ ولِلفم
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الأهْفاء الحَمْقَى من النَّاس، والأفْهاء: البُلْه من النَّاس. وَقَالَ: فَهَا إِذا فَصُح بعد عُجْمه، وفاهَ إِذا تَكلَّم يفُوه فَوْهاً.

(بَاب الْهَاء وَالْبَاء)
(هـ ب (وَا يء))
هبا، هاب، بهَا، باه، وهب، وَبِه، أبه، أهب، بهو، بهى.
هبا: قَالَ ابْن شُمَيْل: الهبَاء: التّراب الّذي تُطيِّره الرِّيحُ، فتَراه على وُجُوه النَّاس وجلودِهم وثيابِهم يَلزَق لزُوقاً.
وَقَالَ: أَقول: أرَى فِي السَّماء هَباءً، وَلَا يُقَال: يَوْمنَا ذُو هَباء، وَلَا ذُو هَبْوَة. والهابي من التُّراب: مَا ارْتَفع وَدَقّ. وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
تزوَّدَ منَّا بَين أذْناهَ ضَربةً
دعتْه إِلَى هابي التُّرابِ عَقيمُ

(6/239)


وَقَالَ اللَّيْث: الهَبْوَة: غُبَارٌ ساطعٌ فِي الْهَوَاء كأنّه دُخان.
وَقَالَ رؤبة:
فِي قِطَع الآلِ وهَبْواتِ الدُّقَقْ
وَيُقَال: هبا يَهْبو هَبْواً، إِذا سَطَع، وهبَا الرَّماد يَهبو إِذا اخْتَلَط بِالتُّرَابِ، وتراب هابٍ.
وَقَالَ مالكُ بنُ الرَّيب:
ترَى جَدَثاً قد جرَّت الريحُ فوقَه
تُرَابا كلَون القَسْطلانيِّ هابيا
والهبَاء: دُقاق التُّراب ساطعُه ومنثورُه على وَجه الأَرْض.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا سكن لَهَبُ النّار وَلم يَطفَأ جَمْرُها:
قيل: خَمَدَتْ، فإِن طَفِئتْ البتّة، قيل: هَمَدت، فَإِذا صَارَت رَماداً قيل: هَبَا يَهْبُو، وَهُوَ هابٍ، غير مَهْمُوز.
قلتُ: فقد صحّ هبَا للتّراب والرّمادِ مَعًا. وَأما قولُ الله جلّ وعزّ: {فَكَانَتْ هَبَآءً} (الواقِعَة: 6) فَمَعْنَاه أَن الجِبالَ صَارَت غُباراً، ومِثلُه: {أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} (النّبَإِ: 20) ، وَقيل: الهباء المُنبَثّ: مَا تُثِيره الخَيْل بحَوافرها من دُقاق الغُبار.
وَيُقَال لما يَظهر فِي الكُوَى من ضَوْء الشمسِ: هَباء.
وَفِي الحَدِيث: أنّ سُهيل بنَ عَمرو جَاءَ يتهبّأ كأنّه جَملٌ آدم.
يُقَال: جَاءَ فلانٌ يتَهبَّى إِذا جَاءَ يَنفُض يَدَيْه، قَالَ ذَلِك الأصمعيّ، كَمَا يُقَال: جاءَ يَضرِب أَصْدَرَيه، إِذا جَاءَ فَارغًا.
وَيُقَال: أهبَى الترابَ إهبَاءً، إِذا أثاره، وَهِي الأهابيُّ، وَمِنْه قولُ أوْس بن حَجَر:
أهابِيَّ سَفْسافٍ من التُّراب تَوْأمِ
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
يكون بهَا دليلَ الْقَوْم نجمٌ
كعَين الكلْب فِي هُبَّى قِبَاعِ
قَالَ: وَصَف النجمَ الهابي الّذي فِي الهباء فشبّهه بعَين الكَلب نَهاراً، وَذَلِكَ أَن الْكَلْب باللّيل حارِسٌ، وبالنهار ناعِس، وعَين الناعس مُغمَّضة، ويبدو من عَيْنَيْهِ الخَفِيُّ، فَكَذَلِك النّجم الّذي يُهتَدى بِهِ هُوَ هابٍ، كعيْن الْكَلْب فِي خَفائه.
وَقَالَ فِي هُبَّى: وَهِي جمعُ هابٍ، مثل غازٍ وغُزَّى، الْمَعْنى أنّ دَلِيل الْقَوْم نجمٌ هابٍ، أَي فِي هباء يخفَى فِيهِ إلاّ قَلِيلا مِنْهُ، يَعرِف بِهِ الناظرُ إِلَيْهِ أَي نجمٍ هُوَ، وَفِي أَي ناحيةٍ هُوَ، فيَهتدِي بِهِ، وَهُوَ فِي نجومٍ هُبَّى، أَي هابِيَةٌ، إلاّ أنّها قِباعٌ كالقَنافِذ إِذا قَبعتْ فَلَا يُهتدَى بِهَذِهِ القِباع. إِنَّمَا يهتدَى بِهَذَا النَّجْم الْوَاحِد الَّذِي هُوَ هابٍ غير قابعٍ فِي نُجُوم هابِيَه قابِعَة، وَجمع القَابع على قِباع، كَمَا جَمَعوا صاحباً على صِحَاب وبَعيراً قامحاً على قِماح.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هَبَا إِذا فَرَّ، وهَبَا إِذا مَاتَ أَيْضا، وتَهَا إِذا غَفَل، وَذَها إِذا تكبَّر، وَهَذَا إِذا قَتَل، وهَزَا إِذا سارَ، وثَهَا إِذا حَمُق.
بهو بهي: قَالَ ابْن السّكيت: بَهَأْتُ بِهِ وَبَهِئْتُ بِهِ، إِذا أنِسْتَ بِهِ، وَأنْشد:

(6/240)


وَقد بَهأَتْ بالحَاجِلات إفالُها
وسيفٍ كريمٍ لَا يزَال يَصُوعُها
والبَهاء ممدودٌ غيرُ مَهْمُوز: مصدرُ البَهِيّ وَيُقَال: بَهَا فلانٌ يَبْها ويَبْهُو بَهَاءً وبهَاءةً، وبهُوَ فَلانٌ يَبْهُو بَهَاءً، وبَهِيَ يَبْهَى بَهاءً، وَإنَّهُ لبَهِيٌّ، وبَهٍ من قوم أَبْهِيَاءَ، مثل عَمٍ من قومٍ أَعْمِياء، وامرأةٌ بَهِيَّة من نسوةٍ بَهايا وبَهِيَّات. قَالَ ذَلِك كُله اللحيانيّ، حَكَاهُ عَن الكسائيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: البَهْو: البيتُ المقدَّم أمامَ البُيوت، والجميعُ الأبهاء.
والبَهْوُ: كِناسٌ واسِعٌ يُتخذه الثّور فِي أصل الأَرْطَى، وَأنْشد:
أجوَفَ بَهَّى بَهْوُه فاستَوْسَعَا
وَقَالَ آخر:
رأيتَه فِي كل بَهْوٍ دامجَا
قَالَ: والبَهْوُ من كل حامِلٍ: مَقِيلُ الوَلَد بَين الوَركَين.
والبَهِيُّ: الشيءُ ذُو البَهاء ممّا يَملأ العينَ رَوْعُهُ وحُسْنُه.
وَقَالَ الأصمعيّ: أَصل البَهْو السَّعَة. يُقَال: هُوَ فِي بَهْوٍ من عَيْش، أَي فِي سَعَة، وكلّ هَواء أَو فَجْوَةٍ فَهُوَ عِنْد الْعَرَب بَهْوٌ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
بهوٌ تلاقَتْ بِهِ الأرْآمُ والبَقَرُ
وناقةٌ بَهْوَة الجَنْبَين، وَاسِعَة الجنبين.
وَقَالَ جندل:
على ضُلوعٍ بَهْوَةِ المنافج
وَقَالَ الرَّاعِي:
كأنّ رِيْطَةَ حَبَّارٍ إِذا طُوِيَتْ
بَهْوُ الشَّراسِيفِ مِنْهَا حينَ يَنْخَضِدُ
شَبّه مَا تكسَّر من عُكَنِها وانطواءَه برَيْطِه حبَّارٍ، والبَهْوُ: مَا بَين الشراسيف، وهيَ مقاطُّ الأضلاع.
وَفِي حَدِيث أمّ مَعبَد، وَصِفتها للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه حَلَب عنْزاً لَهَا حَائِلا فِي قَدَح فَدرَّت حَتَّى مَلأت القَدَح، وعَلاه البَهاء، أَرَادَت أنّ بَهاء اللَّبن وَهُوَ وَبِيصُ رَغْوتِه عَلاَ اللَّبن.
والبَهاء أَيْضا: الناقةُ الَّتِي تَستأنِس إِلَى الحالب يُقَال: ناقةٌ بَهاءٌ مَمْدُود. رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ، وَهَذَا مهموزٌ من بَهَأْتُ بالشَّيْء أَي أَنِسْت بِهِ. وبَهاء اللَّبن ممدودٌ غيرُ مَهْمُوز، لِأَنَّهُ من البَهِيِّ.
وَفِي حَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف أَنه رأى رَجُلاً يَحلِف عِنْد المَقام فَقَالَ: أَرى الناسَ قد بَهَؤُوا بِهَذَا المَقام، مَعْنَاهُ أَنهم أَنِسوا بِهِ حَتَّى قلَّت هَيْبَتُه فِي صُدُورهمْ، فَلم يَهابُوا اليمينَ على الشَّيْء الحَقير عندَه، وكلُّ من أَنِس بِشَيْء وإنّ جَلَّ قَلَّت هيبَتُه فِي قلبه.
وَقَالَ الرِّياشيّ: بَهأْتُ بِالرجلِ أبهأُ بَهَاءً وبُهُوءاً إِذا استأنَسْتَ بِهِ.
وَفِي حديثٍ آخر أَنه لمّا فُتِحت مَكَّة قَالَ رجل: أَبْهُوا الخيلَ.
قَالَ أَبُو عبيد: معنى قَوْله: أَبهوا الخَيْلَ، أَي عَطِّلوها فَلَا يُغزَى عَلَيْهَا، وكلُّ شيءٍ عَطلتَه قد أبهيْتَه.
وَيُقَال: بَهِيَ البيتُ يَبْهَى بهاءً، إِذا تخرّق.

(6/241)


وبيتٌ باهٍ: إِذا كَانَ قليلَ الْمَتَاع.
وَمن أمثالهم: إنَّ المِعزَى تُبْهِي وَلَا تُبْنِي. رُوِي ذَلِك عَن أبي عبيد، عَن أبي زيد، قَالَ: وَمعنى المَثَل أنّ المِعزَى تَصعَد فَوق الْبَيْت فتَخرِقُه، وَمعنى لَا تُبْنِي، أَي لَا يُتَّخَذ مِنْهَا أَبْنِية، إِنَّمَا الأبْنِيَة من الوَبَر والصُّوف، يَقُول: لِأَنَّهَا إِذا أمكَنْتك من أصوافِها فقد أَبْنَيْت.
قلتُ: وَقَالَ القُتَيْبيُّ فِيمَا رَدَّ على أبي عبيد: رأيتُ بيوتَ الْأَعْرَاب فِي كثيرٍ من الْمَوَاضِع من شَعر المِعْزَى، ثمَّ قَالَ: وَمعنى قَوْله: وَلَا تُبني أَي وَلَا تُعِين على البِناء. قلت: والمِعزَى فِي بادية العَرَب ضَرْبان: ضرب مِنْهَا جُرد لَا شعُورَ لَهَا مِثل مِعزَى الحِجاز، وغَوْرِ تهَامَة، والمِعزَى الَّتِي ترعى نُجودَ البِلاد البَعِيدة من الرِّيف كَذَلِك. وَمِنْهَا ضربٌ تَألفُ الرِّيفَ وتَرْجُنُ حَوالَي القُرَى الْكَثِيرَة الْمِيَاه، تطولُ شعُورُها مِثل مِعزَى الأكراد بِنَاحِيَة الجَبَل ونَواحِي خُراسان وَكَأن المَثَل لبادية الْحجاز ونواحِي عاليَةِ نَجْد، فيصحّ مَا قَالَه أَبُو زيد على هَذَا، وَالله أعلم. وَهُوَ حسبُنا وَنعم الْوَكِيل.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: أَنه قَالَ: قَالَ حُنَيف الحَناتم، وَكَانَ من آبلِ الناسِ: الرَّمْكاء بُهْيَا، والحمراء صُبْرَى، والخَوَّارة غُزْرَى، والصَّهباء سُرْعَى، وَفِي الْإِبِل أخْرَى إِن كَانَت عِنْد غَيْرِي لم أَشتَرِها، وَإِن كَانَت عِنْدِي لم أَبِعْها حمراءُ، بِنْتُ دَهْماء، قَلَّما تَجدها، وقولُه بهْيَا، أَرَادَ البَهِيَّة الرائقة، وَهِي تَأْنِيث الأبهى والرُمْكة فِي الْإِبِل أَن يشتدَّ كُمْتَتُها حَتَّى يدخَلها سَوَاد، بعيرٌ أَرمَك.
والعَرَب تَقول: إِن هَذَا لَبُهياي، أَي ممَّا أَتباهى بِهِ، حكى ذَلِك ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو. وَيُقَال: باهَيتُ فلَانا فبَهوْتُه، أَي غَلَبْتَه بالبَهاء.
وأَبهيتُ الْإِنَاء، إِذا فَرَّغْتَه.
وَقَالَ أَبو عَمْرو: باهاه، إِذا فاخَرَه، وهاباه إِذا صايَحَه.
قَالَ: والبَهْوُ الْبَيْت من بُيوت الْأَعْرَاب، وجمعُه أَبهاء.
وَفِي الحَدِيث: (وتنتقل الأعرابُ بأَبهائها إِلَى ذِي الخَلَصَة) أَي بيُوتها.
أبه وَبِه: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: نَبِهتُ لِلْأَمْرِ نَبَهاً أَنْبَه، ووَبهتُ لَهُ أَوْبَهُ وَبَهاً: وابهتُ، وأَبَهتُ آبَهُ أَبْهاً، وَهُوَ الْأَمر تنساه، ثمَّ تنتَبهُ لَهُ.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: أَبِهْتُ آبهُ، وبُهْتُ أَبُوهُ، وبِهتُ أَباهُ.
وَقَالَ ابنُ السّكيت: يُقَال مَا أَبِهْتُ لَهُ، وَمَا أَبَهْت لَهُ وَمَا بِهتُ لَهُ وَمَا بُهْتُ لَهُ، وَمَا وَبِهْتُ لَهُ، وَمَا بأَهْتُ لَهُ وَمَا بَهأْتُ لَهُ. يُرِيد مَا فَطِنْتُ لَهُ.
ورُوي عَن أبي زيد أَنه قَالَ: إِنِّي لآبهُ بك عَن ذَلِك الْأَمر، إِلَى خَيرٍ مِنْهُ، إِذا رفعتَه عَن ذَلِك.
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع: (رُبَّ ذِي طِمْرَين لَا يُؤْبَه لَهُ لَو أَقْسَم على الله لأبَرّه) . مَعْنَاهُ: لَا يُفطَن لَهُ لذِلَّته وَقلة مَرآتَه،

(6/242)


وَلَا يُحتَفل بِهِ لحَقارته، وَهُوَ مَعَ ذَلِك من الفَضْل فِي دبْئِهِ وإخْباتِه لرَبِّه بحيثُ إِذا دَعَاهُ أَجَابَهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: تأَبّه فلانٌ على فلَان تأَبُّهاً: إِذا تكبَّر ورفَع قَدْرَه عَنهُ، ورَجُل ذُو أُبَّهةَ، أَي ذُو كِبْر ونخوة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الوَبْه: الفِطْنة، والوَبْه أَيْضا: الكِبْر.
سلَمة، عَن الفرّاء قَالَ: جاءتْ تَبوهُ بُوَاهاً، أَي تَضِجّ.
بوه: وَقَالَ اللَّيْث: الباءةُ: الحُظْوَة فِي النِّكاح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الباءُ والباءَةُ والباه مَقُولات كلهَا.
قلت: جَعل الهاءَ أَصْلِيَّة فِي الباهِ.
وروى ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الباءةَ فليتزوّجْ، ومَن لَا فعلَيْه بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاء) . أَرَادَ: مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يتزوّج وَلم يُرِد بِهِ الْجِمَاع، يدلك على ذَلِك قَوْله: (وَمن لم يَقْدِر فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ) ، لِأَنَّهُ إِذا لم يَقدِر على الْجِمَاع لم يحتجْ إِلَى الصَّوْم ليَجْفُر، وَإِنَّمَا أَرَادَ من لم يكن عِنْده جِدَةٌ فيُصْدِق المنكوحةَ ويَعولها. وَالله أعلم. وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل.
وَفِي حديثٍ آخر: أَن امْرَأَة ماتَ عَنْهَا زوجُها فمرَّ بهَا رَجُل، وَقد تزينتْ للباءِة أَي للنِّكَاح.
بوه: وَقَالَ اللَّيْث: البُوهة مَا طارَتْ بِهِ الرِّيح من جُلال التُّرَاب، يُقَال: هُوَ أهوَنُ من صُوفةٍ فِي بُوهَةٍ.
قَالَ: والبُوهةُ من الرِّجَال: الضَّعِيف الطَّبّاش.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: البوْهُ: اللَّعْن. يُقَال: على إبليسَ بَوْه الله، أَي لَعْنُه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: البُوهة: الرَّجُل الأحمق. والبُوهَة: البُومة، والبُوهة: الرَّجل الضاوِيُّ، والبُوهة: الصوفة المنفوشة تُعمل للدَّواةِ، قبلَ أنْ تُبَلّ. والبُوهَة: الرِّيشة الَّتِي تكون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، تلعب بهَا الرِّياح والبُوهة: السَّجْق، يُقال بُوهَة لَهُ وشَوْهة، والبُوهة: الرجل الأحمق، وَمِنْه قولُ امرىء الْقَيْس:
أيا هِندُ لَا تنكحِي بُوهةً
عَلَيْهِ عَقِيقتُه أحسَبا
هيب: قَالَ اللَّيْث: الهابُ زَجْرُ الْإِبِل عِنْد السَّوْق، يُقَال: هابِ هابِ، وَقد أَهابَ بهَا الرجل.
قلت: هابِ: زَجْرٌ للخيل، يُقَال للخَيْل: هَبِي، أَي أقْبِلي، وهلاَ أَي قَرِّي. قَالَ الْأَعْشَى:
ويَكثر فِيهَا هَبِي واضْرَحِي
ومَرْسُونُ خَيْلٍ وأعطالُها
والإهابة: دُعاء الْإِبِل. قَالَ ذَلِك الأصمعيّ وغيرُه.
وَقَالَ طَرَفَة:
تَرِيعُ إِلَى صوْت المُهِيب وتَتَّقي
بِذِي خُصَل رَوْعاتِ أَكلفَ مُلْبِدِ

(6/243)


وسمعتُ عُقيليّاً يَقُول لأمَةٍ كَانَت ترعَى رَوَائدَ خيل، فجفَلت فِي يَوْم عاصف، فَقَالَ لَهَا: أَلا وَأَهيبي بهَا تَرِعْ إِلَيْك، فَجعل دعاءَ الْخَيل إهابةً أَيْضا. وَأما هابِ فَلم أسمَعْه إِلَّا فِي الْخيل دون الْإِبِل، وَأنْشد بَعضهم:
والزَّجرُ هابِ وهِلاَ تَرْهِبُهْ
وَقَالَ اللَّيْث: الهَيبة إجلالٌ ومخَافة. وَرجل هُيوبٌ جبانٌ يَهاب كلَّ شَيْء.
ورُوي عَن عبيد بن عُمَير أَنه قَالَ: الْإِيمَان هيُوب، وَله وَجْهَان:
أحدُهما: الْمُؤمن يهابُ الذنبَ فيتَّقِيه.
وَالْآخر: الْمُؤمن هَيوب أَي مهيوب لِأَنَّهُ يَهاب الله فيهابُه النَّاس، أَي يعظِّمون قدرَه ويُوقِّرونه.
وسمعتُ أَعْرَابِيًا يَقُول لآخر: اعْلَق تهاب النَّاس حَتَّى يهابُوك، أَمَره بتوقير النَّاس؛ كي يُوقِّروه.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الهَوْب: الرَّجل الكثيرُ الْكَلَام، وجمعُه أهواب.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهيَّبان: الجبَان، والهيَّبان: التيْس، والهيَّبَان: الرَّاعِي، والهَيَّبان: زَبَدُ أَفواهِ الْإِبِل، قَالَ: والهيَّبان: التُّرَاب، وَأنْشد:
أكلَّ يَوْم شِعِرٌ مستحدَثُ
نَحن إِذا فِي الهيَّبان نَبحثُ
وَقَالَ ذُو الرّمة يصف إبِلا أزْبَدتْ مَشافِرها، فَقَالَ:
يظلّ اللُّغام الهيَّبان كَأَنَّهُ
جَنَا عُشَرٍ تَنْفِيه أشداقُها الهُدْلُ
وجَنا العُشَر: يخرجُ مثل رُمّانة صغيرةٍ فتنشقّ عَن مِثل القَزّ، فَشبّه لُغامَها بِهِ، والبادية يجعلونَ جَنا العُشَر ثَقوباً يوقدون بِهِ النَّار.
وهب: أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: تَقول الْعَرَب: هَبْنِي ذَاك، أَي احسُبْني ذَاك واعدُدْني. قَالَ: وَلَا يُقَال هَبْ أَنِّي فعلتُ ذَاك، وَلَا يُقَال فِي الْوَاجِب: قد وَهبْتُك، كَأَنَّهَا كلمة وُضِعتْ لِلْأَمْرِ، كَمَا يُقَال ذَرْني ودَعْني، وَلَا يُقَال: وذَرْتُك.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: وهَبَني الله فِداك، بِمَعْنى جَعَلَني.
وَقَالَ شمِر: قَالَ الفرّاء: اتَّهَبْتُ منكَ دِرْهماً: افْتَعَلْتُ من الهِبة، وأصبَح فُلانٌ مُوهباً أَي مُعدّاً.
قَالَ: ووَهبتُ لَهُ هِبَةً وموْهِبةً ووَهْباً ووَهَباً، إِذا أعطيتَه، واتهَبْتُ مِنْهُ، أَي قَبِلتُ.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول: وَهَب الله لَهُ الشَّيْء، فَهُوَ يَهَب هِبَةً، وتَواهَبَه الناسُ بَينهم، وَالله الوَهّاب الوَاهِب، وكلّ مَا وُهِبَ لَك من ولدٍ وغيرِه فَهُوَ مَوْهوبٌ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لقد هممتُ ألاّ أَتَّهِبَ إِلَّا مِن قُرَشِيّ أَو أَنْصَاريّ أَو ثَقَفِيّ) قَوْله: لَا أَتَّهِبَ، أَي أقبَل هِبةً إِلَّا من هَؤُلَاءِ.
قَالَ أَبُو عُبيد: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَفاءً فِي أَخْلَاق الْبَادِيَة، وطلباً للزِّيَادَة على مَا وَهَبوا، فخَصَّ أهلَ القُرَى الْعَرَبيَّة بقبوله الهديّة مِنْهُم دون أهلِ الْبَادِيَة؛ لغَلَبة الْجفَاء على أَخْلَاقهم، وبُعدِهم من ذَوي النُّهَى

(6/244)


والعُقول، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وحسبُنا الله وَنعم الْوَكِيل.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: المَوْهَبَة: نُقْرَةٌ فِي صَخْرة يَستنقِع فِيهَا ماءُ السَّمَاء. وأَنشدَ غَيره:
ولَفُوكِ أشهَى لَو يَحِلُّ لنا
من ماءِ مَوْهَبةٍ على شُهْد
أَبُو عبيد عَن أبي زيد وَغَيره: أوْهَبَ الشيءُ، إِذا دامَ.
وَقَالَ غيرُه: أوهب الشيءُ، إِذا كَانَ مُعَدّاً عِنْد الرجل، فَهُوَ مُوهِبٌ، وأنشدَ أَبُو زيد:
عَظِيم القَفا ضخم الخَواصِر أَوْهَبَتْ
لَهُ عَجوةٌ مَسْمُونَةٌ وخَمِيرُ
وَيُقَال: هَذَا وَادٍ مُوهِب الحَطَب، أَي كثير الحَطَب.
ووَهْبِينُ: جَبلٌ من جِبالِ الدَّهْناء قد رأيتُه.
والمَوْهِبَةُ: الهِبة بِكَسْر الْهَاء وَجَمعهَا مَواهِب، وَأما النَّقرةُ فِي الصَّخر فمَوْهَبَة، بِفَتْح الْهَاء جَاءَ نَادرا، والوَهوب: الرجلُ الكثيرُ الهِبات. والوهّاب من صفة الله: الْكثير الهِبات المنعِم على الْعباد.
أهب: الأُهْبَة: العُدّة، وجمعُها أُهَب، وَقد تأهّب الرجلُ، إِذا أَخذ أُهْبَتَه. والإهاب: الجِلْد، وجمعُه أُهُب، وأَهَب.
وَفِي الحَدِيث: وَفِي بيتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُهُبٌ عَطِنَةٌ، أَي جلودٌ فِي دِباغها.
وَيُقَال: تَهيَّبني الشيءُ، بِمَعْنى تهيّبْتُه أَنا، وَيُقَال للأَبحّ: أَبَّه.

(بَاب الْهَاء وَالْمِيم)
(هـ م (وَا يء)
وهم، هام، همي، ماه، مهي، أمه، مها، يهم، هيم، ومه.
وهم: قَالَ اللَّيْث: الوَهْم: الْجَمَل الضخم، وَأنْشد بَيت لبيد:
ثمَّ أصدَرْناهما فِي وَارِدٍ
صادِرٍ وَهْمٍ صُواه قد مَثَلْ
قلتُ: أَرَادَ بالوَهْم طَرِيقا وَاسِعًا وَاضحا.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
كَأَنَّهَا جَمَلٌ وَهْمٌ وَمَا بَقِيَتْ
إلاّ النَّحِيزَةُ والألواحُ والعَصَبُ
أَرَادَ بالوَهْم جَملاً ضَخْماً. وَيُقَال: توهّمتُ الشيءَ وتفرَّستُه وتوسّمتُه وتبيَّنْتُه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ زُهَيْر فِي التوهّم:
فلأياً عرفتُ الدَار بعد تَوَهُّمِ
وَقَالَ اللَّيْث: الوَهْم من الْإِبِل: الذَّلُول المُنقادُ لِصاحبه مَعَ قُوّة. والوَهْم: الطريقُ الْوَاضِح الَّذِي يَرِد المَوارِد. وللقَلْب وَهْم، وجمعُه أَوْهام، وَالله لَا تُدرِكه أَوْهَام الْعباد. وَيُقَال: توهّمتُ فِي كَذَا وَكَذَا، وأَوهَمْتُ الشَّيْء إِذا أغفَلْتَه، والتُهْمة أصلُها وُهْمة من الوَهْم، يُقَال: اتَّهَمتُه، افتعالٌ مِنْهُ، وَيُقَال: أَتْهمتُ فلَانا على بناءِ أفعَلْتُ، أَي أدخَلْتُ عَلَيْهِ التُّهمة وَيُقَال: وهِمتُ فِي كَذَا وَكَذَا، أَي غَلِطت. ووَهَم إِلَى الشَّيْء يَهِم، إِذا ذَهب وَهْمُه إِلَيْهِ، وأوهَم الرجلُ فِي كِتَابه وَكَلَامه، إِذا أَسقَط.

(6/245)


أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أوهمتُ: أَسْقطْتُ من الْحساب شَيْئا. قَالَ: وَوَهِمْتُ فِي الصَّلَاة: سَهَوْتُ، فَأَنا أَوْهَم. قَالَ: ووهِمْتُ إِلَى الشيءِ أَهِمُ ذهب وَهْمِي إِلَيْهِ.
وَقَالَ شمر: قَالَ الفرّاء: أوْهَمْتُ شَيْئا ووَهَمْتُه فَإِذا ذهب وهمُكَ إِلَى الشَّيْء قلتَ: وهِمْتُ إِلَى كَذَا وَكَذَا أَهِمُ وَهْماً. قَالَ عَدِيُّ بن زَيد:
فَإِن أخْطَأْتُ أَو أوهمتُ أَمراً
فَقَدْ يَهِمُ المصافِي بالْحَبيبِ
وَقَالَ الزِّبرقان بن بدر:
فبِتِلْك أَقضِي الهَمَّ إِذْ وَهِمَتْ بِهِ
نَفسِي ولَسْتُ بِنَأْنإٍ عُوَّارِ
قَالَ شمِر: وَقيل: أَوهمَ ووَهِم ووَهَم بِمَعْنى. قَالَ: وَلَا أرى الصحيحَ إِلَّا هَذَا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب: أوهَمْتُ الشيءَ، إِذا تركتَه كلَّه أُوهِمُ، ووَهِمْتُ فِي الْحساب أَوْهَم، إِذا غَلِطْتَ، ووَهَمتُ إِلَى الشَّيْء إِذا ذَهب قلبُك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غيرَه أَهِم وَهْماً.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلّى فأَوْهَم فِي صَلاته، فَقيل لَهُ: كأنّك أَوهَمتَ فِي صَلاتِك. فَقَالَ: (وَكَيف لَا أُوهِمُ ورَفْغُ أحدِكم بَين ظُفْره وأَنملَتِه) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: أوهَم، إِذا أَسقَط، ووَهِم، إِذا غلِط.
همى: فِي الحَدِيث أَن رجُلاً سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنّا نُصِيبُ هَوامِيَ الْإِبِل، فَقَالَ: ضالّة الْمُؤمن حَرْقُ النَّار.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهَوامِي هِيَ المُهمَلة الَّتِي لَا راعيَ لَهَا وَلَا حَافظ. يُقَال مِنْهُ: ناقةٌ هاميةٌ، وبعيرٌ هامٍ، وَقد هَمَى يَهْمي هَمْياً، إِذا ذهب على وَجهه فِي الأَرْض لِرَعْي أَو غَيره، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذاهبٍ وسائلٍ من ماءٍ أَو مَطر، وَأنْشد لطَرَفة:
فسَقى دِيارَك غير مُفْسِدها
صَوْبُ الرّبيع ودِيمَةٌ تهمِي
يَعْنِي تَسِيل وَتذهب.
وَقَالَ الكسائيّ: هَمَتْ عينُه تهمِي، إِذا سالَتْ ودَمَعت. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ هَذَا من الهائم فِي شَيْء.
سَلمة عَن الْفراء: الأهماء: الْمِيَاه السائلة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هَمَى وعَمَى وصَهَى وضَهَى، كلُّ ذَلِك إِذا سَالَ.
وَقَالَ اللَّيْث: هَما: اسمُ صَنَم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: هَمَا وَالله، بِمَعْنى أَمَا وَالله.
هيم: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا المخزوميُّ عَن سُفيان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (الواقِعَة: 55) . قَالَ: هَيامُ الأَرْض. وَقيل: هَيامُ الرَّمل.
الحَرانيّ عَن ابْن السّكيت: الهَيْم: مصدرُ هَام يَهيم هَيْماً وهيمَاناً، إِذا أَحبَّ المرأةَ.
قَالَ: والهِيم: الْإِبِل العِطاش.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهُيّام: العُشَّاق.
والهُيَّام: المُوَسْوِسُون.

(6/246)


وَقَالَ أَبُو عبيد: رجلٌ هائم وهَيُومٌ. والهُيُوم أَن يذهَب على وَجْهه، وَقد هامَ يهيمُ هُياماً.
وَقَالَ اللَّيْث بن المظفَّر: الهيْمان: العَطْشان. الهَائمُ: المتحيِّر، والهُيام كالجنون من العِشْق، والهيْماء: مَفازةٌ لَا ماءَ بهَا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (الواقِعَة: 55) : الهيم الْإِبِل الَّتِي يصيبُها داءٌ فَلَا تروَى من المَاء، وَاحِدهَا: أهيَم، وَالْأُنْثَى هَيْماء.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هائم، وَالْأُنْثَى هائمة، ثمَّ يجمعونه على هِيم، كَمَا قَالُوا: عائِطٌ وعِيط، وحائلٌ وحُول، وَهِي فِي معنى حَائِل حُول، إِلَّا أنّ الضمة تُركَتْ فِي هِيمٍ؛ لئلاّ تصير الْيَاء واواً.
وَيُقَال: إِن الهِيم: الرملُ، يَقُول: يشرَب أهلُ النَّار كَمَا تشرَب السِّهلةُ والسِّهلة: الأَرْض الَّتِي يَكثر فِيهَا الرمل.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَيَامُ من الرَّمْل: مَا كَانَ تُراباً دُقاقاً يَابسا.
أَبُو عبيد عَن أبي الجرّاح: الهُيام: داءٌ يُصيب الإبلَ من ماءٍ تَشرَبه مُسْتَنْقعاً.
يُقَال: بعيرٌ هَيْمان، وناقة هيْمَى، وجمعُه هِيام.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهَيْمان هُوَ العَطْشان. قَالَ: وَهُوَ من الدّاء مَهْيُوم.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال: هوَّم القومُ وتهوَّموا، إِذا هزُّوا رؤوسهم من النُّعاس.
أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: إِذا كَانَ النومُ قَلِيلا فهوَ التهويم.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: تهمَّأ الثوبُ وتهنّأَ، إِذا تَفَسأ، مهموزاتٌ.
أَبُو عُبَيْدَة: عَمَا وَالله لأفعلنّ ذَاك، وهمَا وَالله، وأمَا وَالله، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الهامةُ: رَأس كلِّ شَيْء من الرُّوحانيِّين، والجميع الهامُ. قلت: أَرَادَ اللَّيْث بالرُّوحانيين ذَوي الْأَجْسَام الْقَائِمَة بِمَا جَعَل الله فِيهَا من الْأَرْوَاح.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الرُّوحانيون هم الْمَلَائِكَة والجنّ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أجسام تُرى. وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح عندنَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الهامة من طَيْر اللَّيْل.
قَالَ: وَيُقَال للفَرس: هامَة.
قلت: ورَوى أَبُو عُمرَ عَن ثَعْلَب، عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الهامة، مخفَّفة الْمِيم: الفَرس، والهامة: وسَط الرَّأْس.
وَقَالَ أَبُو زيد: الهامة: أَعلَى الرَّأْس. وَفِيه الناصية، والقَصَّة، وهما مَا أقبل على الْجَبْهَة من شَعر الرَّأْس، وَفِيه المَفْرق، وَهُوَ مجْرى فرق الرأسِ بَين الجَبِينَيْن إِلَى الدائرة.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا عَدْوى وَلَا هَامة وَلَا صَفَر) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أمّا الهامة فَإِن الْعَرَب كَانَت تَقول: إِن عِظامَ الْمَوْتَى تصيرُ هَامة فتَطير، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو مِثْلَه.

(6/247)


قَالَ: وَكَانُوا يسمُّون ذَلِك الطَّائِر الَّذِي يخرج من هَامة الْمَيِّت إِذا بَلِيَ الصَّدَى، وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
سُلِّط الموتُ والمنون عَلَيْهِم
فَلهم فِي صَدَى الْمَقَابِر هامُ
وَقَالَ لبيد يَرثِي أَخَاهُ:
فَلَيْسَ الناسُ بعدَك فِي نَقِيرٍ
وَلَا هُمْ غَيرُ أصداءٍ وَهامِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: معنى قَوْله: (لَا هامَةَ وَلَا صَفَر) . قَالَ: كَانُوا يتشاءمون بهما، أَي لَا تتَشاءَمُوا
وَيُقَال: أصبح فلانٌ هَامة، إِذا مَاتَ. وأَزْقَيْتُ هامةَ فلَان، أَي قتَلته. وَقَالَ:
فإِن تَكُ هَامة بِهَرَاةَ تَزْقُو
فقد أزْقَيتُ بالمَرْوَيْنِ هاما
وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنّ القَتِيل تخرُج هامَةٌ من هامَتِه، فَلَا تزالُ تَقول: اسقُوني اسقوني حَتَّى يُقتلَ قاتِلُه، وَمِنْه قَوْله:
إنَّكَ إنْ لَا تَدَعْ شتْمِي ومَنْقَصَتِي
أَضْرِبك حَتَّى يقولُ الهامُ: أَسْقُونِي
يُرِيد أَقْتلك.
وَفِي حَدِيث ابْن عمرَ أنّ رجلا باعَ مِنْهُ إبِلا هِيماً.
قَالَ شمِر: قَالَ بَعضهم: الهِيم هِيَ الظِّماء، وَقيل: هِيَ المِراض الَّتِي تَمصّ المَاء مَعنا وَلَا تَروَى.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهُيامُ: داءٌ شَبيه بالحمَّى تَسْخُن عَلَيْهِ جلودُها، وَقيل: إِنَّهَا لَا تَروَى إِذا كَانَت كَذَلِك.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهُيام: نحوُ الدُّوَار جُنونٌ يأخذُ البعيرَ حَتَّى يَهلِك، يُقَال: بعيرٌ مَهْيُومٌ.
مهي: قَالَ اللَّيْث: المَهْي: إرْخاء الحَبْل وَنَحْوه، وَقَالَ طَرفة:
لَكا الطِّوَلِ المُمْهَى وثِنْيَاه باليَدِ
قَالَ: وأمْهَيت لَهُ فِي هَذَا الْأَمر حَبْلاً طَويلا. قَالَ: وأمْهَيْتُ فَرسي إمهاءً، إِذا أجْرَيته.
أَبُو نصر، عَن الأصمعيّ: أَمْهَى قِدْرَه، إِذا أَكثر ماءَها.
وأمْهَى النَّصْلَ على السِّنان، إِذا أحدَّه ورقَّقه، وَأنْشد قولَ امرىء الْقَيْس:
راشَهَ مِن ريشِ ناهِضَةٍ
ثمَّ أمْهَاهُ عَلَى حَجَرِهْ
قَالَ: وأمْهَى فرسَه، إِذا أجراه.
وَقَالَ أَبُو زيد: أمْهيتُ الفرَس: أرْخَيت لَهُ من عِنانه، ومثلُه: أمَلْتُ بِهِ يَدي إمالةً، إِذا أرخَى لَهُ من عِنانه.
وأمْهَيت الشّرابَ: إِذا أكثرتَ ماءَه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أمْهَيتُ الحديدةَ: سَقَيْتُها مَاء.
وأمْهَيتُ الفرَسَ: أجْرَيتُه.
الْكسَائي: أمهَيتُ الْفرس: طوَّلْتُ رَسَنَه.
الأُمويّ: أمْهَيْتُ: إِذا عَدَوْتُ
الْكسَائي: حفَرْنا حَتَّى أمْهَينا، أَي بلغْنا المَاء.

(6/248)


وَفِي (النَّوَادِر) : المَهْوُ: البَرْد، والمَهو، حَصًى أبيَض، يقالُ لَهُ: بُصَاقُ الْقَمَر، والمَهْو: اللُّؤلؤ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَهْيُ: تَرقيقُ الشَّفْرة، وَقد مَهاها يَمهِيها.
سَلَمَة عَن الْفراء: الأَمهاء: السُّيوف الحادّة.
وَقَالَ غيرُه: سيفٌ مَهْوٌ رقِيق. وأنشَد:
أبيضُ مَهْوٌ فِي مَتْنِه رُبَدُ
الأصمعيّ: المَها: بَقَرُ الوَحْش، الْوَاحِدَة مَهَاة: والمَهاةُ: الحِجارةُ البِيض الَّتِي تَبرُق، وَهِي البِلَّوْر.
والمَهْوُ: السَّيفُ الرَّقيق.
وسَلَح سَلْحَاً مَهْواً، أَي رَقيقاٌ.
والمَهو: شدّة الجري.
وَقَالَ اللَّيْث: المَهاءُ ممدودٌ: عيب وأَوَدٌ يكونُ فِي القِدْح، وَأنْشد:
يُقيمُ مَهاءُهُنَّ بإصبَعَيْه
وَقَالَ أَبُو عبيد: حفَرتُ البئرَ حَتَّى أمهَت، وأموَهْتُ، وَإِن شِئْت حَتَّى أَمهَيتُ، وَهِي أبعَدُ اللُّغات. كلُّها انتهيتَ إِلَى المَاء. وَقَالَ ابْن هَرْمة:
فإنّك كالقَرِيحةِ عامَ تُمْهَى
شَرُوبَ المَاء ثمَّ تعود ماجا
وَقَالَ ابْن بزرج فِي حَفر الْبِئْر: أَمهَى وأمَاهَ، قَالَ: ومَهَتِ العينُ تمهو، وَأنْشد:
تقولُ أُمامةُ عِنْد الفرا
ق والعينُ تمهُو على المِحْجَر
قَالَ: وأمهيتُها أَنا أَي أسَلْت ماءَها.
أَبُو زيد: المهَا: ماءُ الفحْل، وَهُوَ المُهْيَةُ، وَقد أمهَى، إِذا أنزَل المَاء عِنْد الضِّراب.
ومَهْوُ الذَّهب: مَاؤُهُ. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: رأى رجلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِم جسَد رجلٍ مُمْهًى، قَالَ: هُوَ الَّذِي يُرَى داخِلُه من خارِجه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أمهَى، إِذا بلَغ من حَاجته مَا أرادَ، وأصلُه أَن يَبْلُغ الماءَ إِذا حَفَر بِئْرا.
موه: يُقَال: عَلَيْهِ {مُوهَةٌ من حُسْنٍ، ومُوَاهةٌ ومُوَّهة: إِذا مَسَحه، وتموَّه المالُ للسِّمَن، إِذا جَرى فِي لحُومه الرَّبيعُ. وتَموَّه العِنبُ، إِذا جَرى فِيهِ اليَنْعُ وحَسُنَ لونُه.
وَقَالَ اللَّيْث: المُوهَة: لونُ المَاء، يُقَال: مَا أحسنَ مُوهَةَ وَجْهِه.
وتصغيرُ المَاء: مُوَيْهٌ. والجميعُ الْمِيَاه، وَيُقَال: ماهتِ السفينةُ تمُوه وتمَاه، إِذا دَخَل فِيهَا الماءُ، وأماهت الأرضُ، إِذا ظهر فِيهَا النَّزّ. وَيُقَال: أماهت السَّفِينة، بمعنَى ماهت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: المَيْه: طِلاء السيفِ وغيرِه بِمَاء الذَّهَب. وَأنْشد فِي نعت فرس:
كَأَنَّمَا مِيهَ بِهِ ماءُ الذَّهبْ
وامْهتِ السِّكين.
والنِّسبةُ إِلَى المَاء: ماهِيّ.
ابنُ بُزرُج، مَوَّهت السماءُ، أسالَتْ مَاء كثيرا، وماهتِ البئرُ وأمَاهتْ فِي كَثْرَة مَائِهَا وَهِي تَمَاه وتَمُوه.
وَيَقُولُونَ فِي حَفْر البِئر: أمهَى وأمَاه.
وَقَالَ الأصمعيّ: ماهَت البئرُ تمُوه وتَماهُ مَوْهاً إِذا كَثُر ماؤُها.

(6/249)


وَقَالَ غيرُه: مَوَّه فلانٌ حَوْضَه تمويهاً، إِذا جعل فِيهِ الماءَ. ومَوَّه السحابُ الوَقائِعَ وَأنْشد:
تَمِيميّة نجدية دارُ أهلِها
إِذا مَوَّه الصَّمّان من سَبَل القَطْرِ
وَقيل: مَوَّه الصَّمّانُ: صَار مُمَوَّهاً بالبَقْل.
اللحيانيّ: أَمِهْنِي، أَي اسقِني، وبئر مَيْهةٌ: كَثِيرَة المَاء.
وَتقول: تَموَّه ثمرُ النَّخْل والعِنَب، إِذا امتَلأَ مَاء فتهيّأ للنُّضْج.
وَقَالَ أَبُو سعيد: شجر مَوْهِيٌّ، إِذا كَانَ مَسْقَوِيّاً، وشَجر جَزَوِيّ يَشربُ بعروقِه وَلَا يُسقَى.
وكلامٌ عَلَيْهِ مُوهَةٌ، أَي حُسْن وحَلاوة.
وَفُلَان مُوهَةُ أهل بَيْتِه.
وَحكى الكسائيّ: باتت الشاةُ ليلتَها ماءٍ ماءٍ وماهٍ وماهٍ، وَهُوَ حِكَايَة صوتِها.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: الماهُ: قَصَبُ البَلَد، قَالَ: وَمِنْه قولُ النَّاس ضُرِب هَذَا الدينارُ بماهِ البَصْرة، وبماهِ فَارس.
قلت: كَأَنَّهُ مُعَرَّبٌ.
والماهان: الدِّينَور ونهاوَنْد، أحدُهما: ماهُ الْكُوفَة، وَالْآخر ماهُ البَصْرة.
وجمعُ الماءِ مِياهٌ وأمْواه.
وأصل المَاء ماه، والواحدة ماهَةٌ وماءَةٌ.
أَبُو عُبَيد، عَن الْكسَائي: مَوَّهْتُ الشيءَ إِذا طَليتَه بفضّة أَو ذَهب، وَمَا تحتَ ذَلِك حَدِيد أَو نُحاس.
قلتُ: وَمِنْه قيل للمُخادِع: مُموَّه وَقد مَوَّه عليّ الْبَاطِل إِذا لَبَّسَه، وأراهُ فِي صُورَة الْحق.
أمه: ابْن السّكيت: الأَمِيهةُ: بَثْرٌ يخرُج بالغَنم كالجُدَرِيّ، وَقد أُمِهَت فَهِيَ مأمُوهةُ، وَقَالَ الشَّاعِر:
طَبِيخُ نُحازٍ أَو طَبيخُ أَمِيهةٍ
صغيرُ العِظام سيءُ القَسْم أَمْلَطُ
يَقُول: كَانَ فِي بطن أمّه وَبهَا نُحاز وأَمِيهة، فَجَاءَت بِهِ ضاوِياً. قَالَ: وقولهُم آهَةٌ وأَمِيهةٌ، الآهة من التأوّه، والأميَهة الجُدَرِيّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الأَمْهُ: النسْيان والأَمْهُ: الْإِقْرَار، الأمْه: الجُدَرِيّ.
وَقَالَ الزّجاج: قَرَأَ ابْن عَبَّاس: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (يُوسُف: 45) قَالَ: والأمَهُ: النِّسيان، يُقَال: أَمِه يَأْمَه أَمَهاً، هَذَا الصَّحِيح بفَتْح الْمِيم.
قَالَ: ورُوِي عَن أبي عُبيدة: {بعد أمه بِسُكُون الْمِيم، وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح، وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ المنذريّ يقرأه بعد أمه، وَيَقُول: أمَهٌ خطأ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة، يُقَال: أَمِهْتُ الشيءَ فَأَنا آمَهُه أَمْهاً، إِذا نَسِيته، قَالَ: وادكر بعد أمه.
ورُوِي عَن الزّهريّ أَنه قَالَ: من امتُحِن فِي حَدَ فأَمِهَ ثمَّ تبرَّأ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ عُقوبة.
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الْإِقْرَار، وَمَعْنَاهُ أَن يُعاقَب ليُقِرَّ، فَإِقْرَاره بَاطِل.

(6/250)


وَقَالَ أَبُو عبيد: لم أسمع الأَمَه: الْإِقْرَار إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، والأَمَهُ فِي غير هَذَا: النسيانُ.
وَقَالَ شمر: قَالَ غَيْرُه: يُقَال: أَمَهْتُ إِلَيْهِ فِي أمْرٍ فأَمَهَ إليَّ، أَي عَهِدْتُ إِلَيْهِ فعَهِدَ إليّ.
وَقَالَ الْفراء: الأَمَهُ: النسْيَان، قَالَ: وأُمِهَ الرجلُ فَهُوَ مَأْموه، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ عقلُه مَعَه.
وَأما الأُمُّ فقد قَالَ بَعضهم: الأَصْل أُمّة، وَرُبمَا قَالُوا أُمَّهة، وَتجمع أُمَّهات، وَأنْشد بَعضهم:
أُمَّهَتِي خِنْدِفُ والياسُ أَبِي
وَقَالَ غَيره: تُجمع الأَمُّ من غير الآدميات أُمَّات بِغَيْر هَاء، وَأما بَنَات آدم فهنّ أمَّهاتٌ، وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
لقد آليتُ أَغْدِرُ فِي جَداعِ
وإنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ
وَالْقُرْآن نَزَل بالأَمهات، كأنَّ الْوَاحِدَة أمَّهة.
وَقيل: الْهَاء زَائِدَة فِي الأُمَّة.
وَمن قَالَ هَذَا قَالَ: الْأُم فِي كَلَام الْعَرَب أصلُ كل شَيْء، واشتقاقه من الأَمِّ وزِيدت الْهَاء فِي الأمّهات، لتَكون فرقا بَين بَنات آدمَ وسائرِ إناث الْحَيَوَان، وَهَذَا أصح الْقَوْلَيْنِ عندنَا.
يهم: قَالَ اللَّيْث: الأَيْهَم من الرِّجال: الأَصَمّ والأيْهَم: الشُّجَاع الَّذِي لَا ينحاش لشَيْء. واليَهْماء: مفَازةٌ لَا ماءَ فِيهَا وَلَا يُسْمَع فِيهَا صَوت. والأَيْهمَان: السَّيل والحَرِيق، لِأَنَّهُ لَا يُهْتدَى فيهمَا كَيفَ الْعَمَل، كَمَا لَا يُهْتَدى فِي اليَهْماء.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ عمَارَة: اليَهْماء: الفَلاة الَّتِي لَا ماءَ فِيهَا، وَيُقَال لَهَا: هَيْمَاء. قَالَ: وليلٌ أَيْهَم: لَا نُجُوم فِيهِ. والأيْهم: المُصابُ فِي عَقْلِه.
ورُوِي عَن النَّبِي أَنه كَانَ يتعوَّذ من الأَيْهَمَين، وهما السَّيْل والحريق. وَيُقَال فِي الأَيْهَمين: إنَّهُمَا الفَحْل المغتلِم، والسّيْل.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: اليَهْماء: فلاةٌ مستويةٌ مَلسَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبْت.
قَالَ: والأيهَم: البَلد الَّذِي لَا عَلَم بِهِ.
وَقَالَ المؤرِّج: اليَهْماء: العَمْياءُ، وسُمّيتْ يَهْماءَ لِعَمَى مَنْ يَسلُكها فِيهَا عَن الاهتداء، كَمَا قيل للسَّيل وَالْبَعِير الهائج: الأيهمانِ، لِأَنَّهُمَا يَتجَرْثمان كل شَيْء كتَجرَثُم الْأَعْمَى.
وَيُقَال لَهما: الأعمَيان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: اليَهْماء: الَّتِي لَا مَرْتع بهَا، أرضٌ يهماء، وسَنَةٌ يَهْماء: ذاتُ جُدُوبة.
قَالَ: والأيهَم من النَّاس: الَّذِي لَا يسْمَع بَيِّنُ اليَهَم، وَأنْشد:
فإنِّي أُنادِي أَو أُكلِّم أَيْهَمَا
قَالَ: وسِنُونَ يُهْمٌ: لَا مَاء فِيهَا وَلَا كَلأ، وَلَا شَجَر.
وَقَالَ أَبُو زيد: سَنةٌ يهماء: شَديدة عَسِرة لَا فرَج فِيهَا.
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الْأَيْهَم: الرجل الَّذِي لَا عَقْل لَهُ، وَلَا فَهم.
وَقَالَ العجَّاج:

(6/251)


إلاّ تَضاليل الْفُؤَاد الأيهَم
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليَهْماء: الفَلاة الَّتِي لَا يُهتدَى فِيهَا لطريق، والأيهَم: الْأَعْمَى والأيهم: الَّذِي لَا عَقل مَعَه.
وَقَالَ رؤبة:
كَأَنَّمَا تغريدُه بعد العَتَمْ
مُرْتَجِسٌ جَلْجَلَ أَو حادٍ نَهَمْ
أَو راجزٌ فِيهِ لَجاجٌ ويَهمْ
أَي لَا يَعقِل.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أَنْت أشدّ وأشجَع من الأَيْهَمين، وهما الْجمل والسَّيْل، وَلَا يُقَال لأَحَدهمَا: أَيهَم.
وَيُقَال: رجل أَيهم، إِذا كَانَ لَا يحفَظ وَلَا يَعقِل.
هيم: وَيُقَال: استُهِيم فؤادُه فَهُوَ مُستهامُ الْفُؤَاد.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَيْم: هَيَمان العاشق.
قَالَ: والشاعر إِذا خلاَ فِي الصَّحراء هام.
وَقيل فِي قَول الله جلّ وعزّ: يصف الشُّعَرَاء: {الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ} (الشُّعَرَاء: 225) .
قَالَ بَعضهم: هُوَ وَادي الصَّحْراء يَخْلُو فِيهِ العاشق والشاعر، وَيُقَال هُوَ وادِي الْكَلَام، وَالله أعلم.
مها: وَيُقَال للثَّغْر النَّقِيّ: مَهَا، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ومَهاً ترِفُّ غُروبُه
يَشفِي المتيّم ذَا الحرارهْ
ومه: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَمْهَةُ الإذْوَابة من كلّ شَيْء.
مهو، وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي بَاب أفعَل: إِنَّه لأخيَبُ من شَيخ مَهْوٍ صَفْقَةً.
قَالَ: وهُمْ: حَيٌّ من عبد الْقَيْس كَانَت لَهُم فِي المَثَل قصَّة يسمُج ذِكرُها.

(6/252)


بَاب لفيف حرف الهَاء
(هَاء، أوه، هيه، إيه، هيّ، هيا، هيه، هيأ، هوأ، وَهُوَ، يهيه، ياه، وَهِي، أيه، هوى) .
هَاء: قَالَ ابْن المظفَّر: قَالَ الْخَلِيل: الْهَاء حرف هَشٌّ ليّن قد يَجِيء خَلفاً من الْألف الَّتِي تُبنَى للقَطع، وَهَا بِمَعْنى خُذْ فِيهِ لُغَات للْعَرَب مَعْرُوفَة وَيُقَال: هَا يَا رجل، وللرّجلين هاؤُ مَا، وللرجال هاؤم.
قَالَ الله جلّ وعزّ فِي هَذِه اللُّغَة وَهِي أشرفُ اللُّغَات، لأنَّ الْقُرْآن نزل بهَا: {خَافِيَةٌ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ} (الحاقة: 19) جَاءَ فِي التَّفْسِير: أَن الرجل من الْمُؤمنِينَ يُعطَى كتابَه بِيَمِينِهِ، فَإِذا قَرَأَهُ رأَى فِيهِ تبشيرَه بِالْجنَّةِ، فيعطيه أَصْحَابه فَيَقُول: هاؤُم كتابي، أَي خذوه واقرءوا مَا فِيهِ لِتَعْلَمُوا فَوْزي بِالْجنَّةِ، يدلك على ذَلِك قَوْله: {كِتَابيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (الحاقة: 20) أَي علمت {حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (الحَاقَّة: 21) .
قَالَ ابْن السّكيت: وَيُقَال للْمَرْأَة هاءِ يَا امرأةُ، مَكْسُورَة بِلَا يَاء، وهايا يَا امْرَأَتَانِ، وهاؤُنَّ يَا نسوةٌ، ولغة ثَانِيَة هَا يَا رجل، وهاءَ بِمَنْزِلَة هاعَا، وللجميع هاءُوا، وللمرأة هائي، وللثنّيتين هاءا، وللجميع هَأْنَ بِوَزْن هَعْنَ ولغة ثَالِثَة هاءِ يَا رجلُ بِهَمْزَة مكسورةٍ، وللاثنين هائياً، وللجميع هاءوا، وللمرأة هائي، وللثِّنتَين هائيَا، وللجماعة هائِين.
قَالَ: وَإِذا قَالَ لكَ: هَا، قلتَ: مَا أَهاءُ يَا هَذَا، وَمَا، أَي مَا أُعطَى، وَنَحْو ذَلِك رُوي عَن الكسائيّ، وَزَاد فَقَالَ: يُقَال: هاتِ وهاءِ، أَي اعْطِ وخُذْ.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَفِي أيامِ هاتِ بهاء نُلْفَى
إِذا زَرِم النَّدَى متحلَّبينا
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هاكَ هَذَا يَا رجل، وهاكما هَذَا يَا رجلَانِ، وهاكم هَذَا يَا رجالُ، وهاكِ هَذَا يَا امرأةُ، وهاكمَا يامرأتان وهاكُنّ يَا نِسوَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: قَالُوا هاءَ يَا رجلُ بِالْفَتْح، وهاءِ يَا رجلُ بِالْكَسْرِ، وهايَا للاثنين فِي اللغتين جَمِيعًا بِالْفَتْح، وَلم يَكسِروا فِي الِاثْنَيْنِ، وهاءُوا فِي الْجمع، وَأنْشد:
قومُوا فهَاءُوا الحقَّ ننزلْ عندَه
إذْ لم يكن لكمُ علينَا مَفخرُ
قلت: فَهَذِهِ جميعُ مَا جَاءَ من اللُّغات فِي هَا بِمَعْنى خُذْ.
وَأما هَا مَقْصُورَة بِمَعْنى التَّنْبِيه فَإِن أَبَا الْهَيْثَم قَالَ: هَا تنْبيهٌ تَفتتحُ العربُ بهَا الكلامَ بِلَا معنى سِوَى الِافْتِتَاح، تَقول: هَا ذَاك أَخُوك هَا إنّ ذَا أَخوك، وَأنْشد:

(6/253)


هَا إنّ تا عِذْرَةٌ إِن لَا تكن نَفَعتْ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَيُقَال: لَاها الله ذَا: بِغَيْر ألف فِي القَسَم، قَالَ: والعامة تَقول: لَاها الله إِذا.
قَالَ: وَالْمعْنَى لَا وَالله هَذَا مَا أُقسِمَ بِهِ، فأُدخِل اسمُ الله بَين هَا وَذَا.
وَالْعرب تَقول أَيْضا: هَا، إِذا أجابوا دَاعيا، يَصِلون الْهَاء، بِالْألف تَطْوِيلًا للصوت.
ويُبدِلون ألف الِاسْتِفْهَام هَاء، وَأنْشد بَعضهم:
وَأَتَتْ صواحبُها فقلنَ: هَذَا الَّذِي
رامَ القَطيعةَ بعدَنا وجَفانا
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول شَبيب بن البَرْصاء:
تُفلِّق هَا مَنْ لم تَنَلْه رِماحُنا
بأسيافِنا هامَ المُلوكِ القَماقِمِ
فِي هَذَا تَقْدِيم مَعْنَاهُ التَّأْخِير، إِنَّمَا هُوَ نُفلِّق بأسيافنا هامَ الْمُلُوك والقَماقم، ثمَّ قَالَ: هَا مَن تَنَله رِماحُنا، فها تَنْبِيه. وَأما الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا هَا وَهَا) فقد اختُلِف فِي تَفْسِيره، وظاهرُ مَعْنَاهُ أَن يَقُول كل واحدٍ من البَيِّعَيْن هَا، فيُعطيه مافي يدِه فِي مَكَانَهُ، ثمَّ يفترقان. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن يَقُول كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه: هاكَ وهاتِ، أَي خُذْ وأَعْطِ.
هه وهاه قَالَ ابْن المظفّر: هَهْ: تَذكِرةٌ فِي حالٍ، وتحذيرٌ فِي حالٍ، فَإِذا مَددْتَها وقلتَ: هاهْ كَانَت وَعِيداً فِي حالٍ، وحكايةً لضحك الضاحك فِي حَال، وَتقول ضحك الضاحك، فَقَالَ هاهْ هاهْ. قَالَ: وَيكون هاه فِي مَوضِع آه من التوجّع، وَقد تأوَّه، وَأنْشد:
تأوَّهُ آهَةَ الرَّجلِ الحَزِين
ويُرْوَى:
تَهَوَّهُ هَاهَةَ الرّجل الحزين
قَالَ: وَبَيَان القَطْع أحسن.
أوه: وَقَالَ ابْن السّكيت: الآهة من التأوُّه، وَهُوَ التوجُّع، يُقَال: تأوَّهْتُ آهةً، وَكَذَلِكَ قولُهم فِي الدُّعَاء: آهةً وأَمِيهةً، وَقد مرَّ تفسيرهما.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَفْسِير قَوْله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (التّوبَة: 114) أَنه قَالَ: الأوَّاهُ الدَّعّاءُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الأوَّاه: المتأَوِّه شَفَقاً وفَرَقا، المتضرِّع يَقِينا ولُزوماً للطاعة، وَأنْشد:
إِذا مَا قمتُ أَرحَلُها بلَيْل
تأَوَّهُ آهةَ الرَّجل الحزين
وَيُقَال: الأوَّاه: الرَّحيم، وَقيل: الرَّقيق، وَقيل: الْفَقِيه، وَقيل: الْمُؤمن، بلُغة الْحَبَشَة.
وحدَّثنا السَّعْديّ عَن أبي زُرْعة عَن قَبِيصَة عَن سُفْيانَ عَن سَلمَة بن كُهَيل عَن مُسلم البَطين عَن أبي العُبَيْدَيْن قَالَ: سألتُ ابنَ مَسْعُود عَن الأوَّاه، فَقَالَ: الرَّحِيم.
وَقَالَ ابْن المظفَّر: آهِ هُوَ حكايةُ المتأَوِّه فِي صَوْته، وَقد يَفْعَله الْإِنْسَان شَفَقَة وجَزَعاً، وَأنْشد:

(6/254)


آهٍ من تَيَّاكِ آها
تركَتْ قلبِي مُتاها
وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الأعرابيّ، وَقَالَ: تأَوَّهَ تأَوُّهاً، إِذا توَجَّع، ومثلُه أوَّهَ تَأْوِيهاً.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: العَرَب تَقول: أَوَّه وآوَه وآوُوه، بالمَدّ وواوَين، وأَوْهِ بِكَسْر الْهَاء خَفِيفَة، وَأنْشد الْفراء:
فَأَوْهِ من الذِّكرَى إِذا مَا ذَكرتُها
وَمن بُعدِ أرضٍ بينَنا وسَماءِ
وروَى ابْن المظفَّر: أَوَّهَ وأَهَّهَ، إِذا توجَّع الحزينُ الكئيبُ، فَقَالَ: آهِ، أَو قَالَ: هاهِ عِنْد التوجُّع، فأَخرج نَفسَه بِهَذَا الصَّوْت ليتفرَّج عَنهُ بعض مابه.
هيه وإيه: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: هِيهِ وهيهَ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، فِي مَوضِع إيهِ وإيهَ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: تَقول للرجل إِذا استزَدْتَه من حديثٍ أَو عمل: إيه، فَإِن وصلتَ قلتَ: إيهٍ حدِّثْنا. وَقَالَ فِي قَول ذِي الرمة:
وقَفْنا فَقُلْنَا: إيهِ عَن أم سالمٍ
وَمَا بالُ تَكليم الدِّيارِ البَلاقع
فَلَنْ ينوِّن، وَقد وَصَل لِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْف. قَالَ: فَإِذا أَسْكتَّه وكفَقْتَه قلتَ: إيهاً عنّا، فَإِذا أَغْرَيْتَه بالشَّيْء قلتَ: وَيْهاً يَا فُلان، فَإِذا تعجَّبتَ من طيبِ شَيْء قلت: واهاً لَهُ مَا أَطيَبَه، قَالَ أَبُو النَّجْم:
واهاً لرَيَّا ثمَّ واهاً واهَا
وَأنْشد:
وَهُوَ إِذا قيل لَهُ: وَيْهاً كُلْ
فَإِنَّهُ مُوَاشكٌ مُسْتَعْجِلْ
وَهُوَ إِذا قيلَ لَهُ: وَيْهاً فُلْ
فَإِنَّهُ أَحْجِ بِهِ أَن يَنكلْ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تَقول فِي الْأَمر: إيهٍ افعَلْ، وَفِي النَّهْي: إيهاً عني الْآن، وَفِي الإغراء: وَيْهاً يَا فلَان، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ نَحوا ممَّا قَالَ.
وَقَالَ الكسائيّ: من الْعَرَب من يَتعجَّب بِوَاهاً فَيَقُول: واهاً لهَذَا، أَي مَا أَحسنَه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إيهِ وإيهٍ، فِي الاستزادة والاستنطاق وإيهَ وإيهاً، فِي الزَّجْر وَالنَّهْي، كَقَوْلِك: إيهَ حَسْبُك، وإيهاً حَسبك.
وَقَالَ اللَّيْث: هَا بفَخامة الْألف: تَنْبِيه، وبإمَالة الْألف: حَرْف هجاء.
قَالَ: وهاء ممدودٌ يكون تَلْبِيةً، كَقَوْل الشَّاعِر:
لَا بل، يَملُّك حِين تَدْعو باسمه
فَيَقُول: هاءَ وطاء لمَا لبَّى
قَالَ: وأهُل الْحجاز يَقُولُونَ فِي مَوضِع لَبَّى فِي الْإِجَابَة: لبَى خَفِيفَة، وَيَقُولُونَ أَيْضا فِي هَذَا الْمَعْنى: هَبَى وَيَقُولُونَ: هَا إِنَّك زيد مَعْنَاهُ أإنك زيد فِي الِاسْتِفْهَام، ويقصُرون فَيَقُولُونَ: هَإنّك فِي مَوضِع أَإِنَّك زيد، وَالْأَصْل فِيهِ الهَمْزَتان.
هيّ: قَالَ اللَّيْث: هَي بن بَي كَانَ من ولد آدم فانْقَرض نَسْلُه، وَكَذَلِكَ هيّان بن بيّان.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ هيُّ بنُ بيّ وهيّان بن بيّان وبيّ بن بيّ.
يُقَال ذَلِك كُله للرجل إِذا كَانَ خَسِيساً.

(6/255)


أَبُو عبيد عَن الكسائيّ يُقَال: يَا هَيُّ مالِي، مَعْنَاهُ التَلهُّف والأسى، وَمَعْنَاهُ يَا عَجَباً مَالِي.
وروى الْفراء عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: من العَرَب من يتعجب بهَيّ وفَيّ وشَيّ، وَمِنْهُم من يزِيد مَا فَيَقُول: يَا هَيَّما وياشيَّما ويافيَّما، أَي مَا أَحسن هَذَا.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: الْعَرَب تَقول هَيَّك أيْ أسرعْ فِيمَا أَنْت فِيهِ.
هيا: قَالَ اللَّيْث: هَيَا مِنْ زَجْر الْإِبِل، وَأنْشد:
وجُلّ عِتابِهِنَّ هيَا وهَيْدُ
قَالَ: وهِيَ، وهَا: من زَجْر الْإِبِل، هَيْهَيْتُ بهَا هِيهاءً وهِيهاةً، وَأنْشد:
مِن وَجْسِ هِيهاءَ وَمن هِيهائهِ
وَقَالَ العجاج:
هيهاتَ من مَخترِقٍ هَيهاؤه
قَالَ: وهَيهاؤُه مَعْنَاهُ البُعْد، والشيءُ الَّذِي لَا يُرجَى.
قَالَ: وَمن قَالَ: هَا فَحكى ذَلِك قَالَ: هَا هَيْت.
هَا هَيْتُ بِالْإِبِلِ: دَعَوتها، وهأْهأْتُ بهَا للعَلَف، وجَأْجَأْتُ بِالْإِبِلِ للشُّرْب، وَالِاسْم مِنْهُ والجيءُ والهِىءُ، وَأنْشد.
وَمَا كَانَ على الجِيء
وَلَا الهِيء امتداحِيكا
وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
هيه: قلت: وَاتفقَ أهل اللُّغَة أَن التَّاء من هَيْهات لَيست بأصلية أصلُها هَاء.
قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: إِذا وصلتَ هيهاتَ فدَع التَّاء على حَالهَا، وَإِذا وقَفْتَ فَقل: هَيهَات هيهاه، قَالَ ذَلِك فِي قَوْله جلّ وعزّ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 36) .
وَبِنَحْوِ ذَلِك قَالَ الْخَلِيل وسيبويه. وَقَالَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: تَأْوِيل {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} البُعْد لما توعدون.
قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: من كَسَر التَّاء فَقَالَ: هيهاتِ هيهاتِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَة، عِرْقاتٍ تَقول: استأصَلَ الله عرقاتَهم وعِرْقاتِهم، فَمن كسر التَّاء جعلهَا جمعا، وَاحِدهَا عِرْقة، وَوَاحِد هَيْهَات على ذَلِك هيهة، وَمن نَصَب التَّاء جعلهَا كلمة وَاحِدَة.
قَالَ: وَيُقَال: هيهاتَ مَا قلتُ، وهيهاتَ لِما قلت، فمنْ أَدخل اللَّام فَمَعْنَاه البُعْد لِقَوْلِك.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: فِي هَيْهَات سبعُ لُغَات: فَمن قَالَ هيهاتَ بفَتْح التَّاء من غير تَنْوِين شَبَّه التَّاء بِالْهَاءِ، ونصبها على مَذْهَب الأداة.
وَمن قَالَ: هَيْهاتاً بِالتَّنْوِينِ، شبهه بقوله تَعَالَى: {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} (البَقَرَة: 88) أَي فقليلاً إِيمَانهم وَمن قَالَ: هيهاتِ شبهه بحَذامِ، وقَطامِ، وَمن قَالَ هَيْهَات لَك، بِالتَّنْوِينِ، شبهه بالأصوات كَقَوْلِهِم: غاقٍ وطاقٍ، وَمن قَالَ هيهاتُ لكَ، بِالرَّفْع، ذَهب بهَا إِلَى الوَصْف فَقَالَ: هِيَ أداةٌ والأدواتُ معرفةٌ، وَمن رَفعهَا ونوَّن شبه التَّاء بتاء الْجمع، كَقَوْلِه: مِن عَرَقات.

(6/256)


قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَيْهات، فِي اللّغات الَّتِي ذكرتُها كلهَا، وَمِنْهُم من يَقُول: أَيْهان بالنُّون. وَمِنْهُم من يَقُول: أَيْها بِلَا نون، وَمن قَالَ أَيْها، فَإِنَّهُ حذَف التَّاء كَمَا حذفت الْيَاء من حاشى، فَقَالُوا: حاش لله، وَأنْشد:
وَمن دُونيَ الأَعْراضُ والقِنْعُ كلُّه
وكُتمانُ أَيْهَا مَا أَشَتَّ وأبعدَا
قَالَ: هَذِه اللُّغَات كلهَا مَعْنَاهَا البُعد، الْمُسْتَعْمل مِنْهَا اسْتِعْمَالا عَالِيا الْفَتْح بِلَا تَنْوِين.
وَقَالَ الْفراء: نصبُ هَيْهَات بمنزله نصبِ رُبَّتَ وثُمَّتَ، والأصلُ رُبَّهْ وثُمَّهْ، وَأنْشد:
مَا وِيَّ يَا رُبَّتمَا غارةٍ
شعواءَ كاللَّذْعَةِ بالميسمِ
قَالَ: وَمن كسر التَّاء لم يَجْعَلهَا هَاء تَأْنِيث، وَجعلهَا بِمَنْزِلَة دَراكِ وقَطامِ.
هيأ: قَالَ اللَّيْث: الهَيئة للمتهيِّىء فِي مَلْبَسه وَنَحْوه تَقول: هاءَ فلانٌ يَهاءُ هَيئةً.
قَالَ: وقريء {هئت لَك أَي تهيأت لَك.
قَالَ: والهَيِّىءُ على تَقْدِير هَيِّع: الحَسَنُ الهيئةِ من كل شَيْء.
قَالَ: والمُهايأَة: أَمرٌ يتهايأُ للْقَوْم فيراضَوْن بِهِ، وهَيَّأْتُ الأمرَ تهيِئة، فَهُوَ مُهَيّأٌ.
هوأ: وَأما الهَوْء فَهُوَ الهِمَّة، يُقَال: فلَان بعيدُ الهوء، وبعيد الشَأْو، إِذا كَانَ بعيدَ الهمّة، وَهُوَ يَهُوءُ بنفسِه، أَي يرفَعُها، وَقَالَ الراجز:
لَا عاجزُ الهَوْء وَلَا جَعْدُ القَدَمْ
وَإنَّهُ ليَهوءُ بِنَفسِهِ إِلَى الْمَعَالِي، وَيُقَال: هُؤْتُه بخيرٍ وهُؤْتُه بشَرَ، وهُؤْته بمالٍ، مثل هُرْتُه وأَزْنَنْتُه بِهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: هُؤْتُ بِهِ وشُؤتُ بِهِ، أَي فَرِحْتُ بِهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: هَأَي، إِذا ضَعُف، وأَهَى إِذا قَهقَه فِي ضحكه.
وهوْ: وَقَالَ اللَّيْث: حمارٌ وَهْوَاهٌ يُوَهْوِهُ حول عانَتِه.
وَقَالَ غَيره: فرسٌ وَهْوَهٌ وَوَهْواهٌ إِذا كَانَ حَرِيصًا على الجَرْي نَشيطاً. وَقَالَ ابْن مقبل يصف فرسا يصيد الْوَحْش:
وصاحِبي وَهْوَهٌ مُستَوْهِلٌ زَعِلٌ
يَحولُ بَين حمارِ الوَحْشِ والعَصَرِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: من أصوات الفَرَس الوَهْوَهة، وفَرَس مُوَهْوِه، وَهُوَ الَّذِي يَقْلَع من نَفسِه شِبْهَ النَّهْم، غير أنّ ذَلِك خِلْقَة مِنْهُ لَا يَسْتَعِين فِيهِ بحَنجَرته.
قَالَ: والنَّهْم: خروجُ الصَّوت على الإيعاد، وَقَالَ رؤبة يصف حمارا:
مقتدِرُ الضَّيْعة وَهْواهُ الشَّفَقْ
وَقَالَ أَيْضا:
ودُونَ نَبْحِ النَّابح المُوَهْوِهِ
ياه ويهيه: وَقَالَ اللَّيْث: تَقول، يَهْيَهْتُ بِالْإِبِلِ، إِذا قلتَ: ياه، ياه، وَيَقُول الرجل لصَاحبه من بعيد: ياهْ ياهْ أَقْبِلْ.
وَقَالَ ذُو الرّمّة:
تَلوَّمَ يَهْياهٍ بيَاهٍ وَقد مَضَى
من اللَّيْل جَوْزٌ واسْبَطرَّتْ كواكِبْه
وَقَالَ رؤبة:

(6/257)


من وَجْس هَيْهاهٍ ومِن يَهْيائها
وَقَالَ:
يُنادِي بيهْيَاءٍ وياهٍ كأنّه
صُوَيتُ الرُوَيْعِي ضَلَّ باللَّيْل صاحِبُه
يُقَال: إِنَّه يُنَادِيه يَا هِيَاه، ثمَّ يَسكت منتظراً الجوابَ عَن دَعوَته، فَإِذا أَبطأ عَنهُ. قَالَ: ياهِ، وَقد يَهْيَهَ يَهْيَاهاً، وياه ياه: نِداءان.
قَالَ: وبعضٌ يَقُول: يَا هَياه، فَينصِب الْهَاء الأولى، وبعضٌ يَكرَه ذَلِك، وَيَقُول: هَياه من أَسماء الشّياطين.
وَقَالَ: يَهْيَهْتُ بِهِ.
وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا حَكَوْا صوتَ الدّاعي قَالُوا: يَهْيَياهْ، وَإِذا حَكَوْا صوتَ المجِيبَ قَالُوا: يَاه، والفِعل مِنْهُمَا جَمِيعًا: يَهْيَهْتُ.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي تَفْسِير بَيت ذِي الرمّة: إنّ الدّاعيَ سَمِع صَوتا يَا هَيَاهْ فَأجَاب بيَاهِ رَجاء أَن يأتيَه الصوتُ ثانيةٌ، فَهُوَ متلوِّم بقوله ياه صَوْتاً بيَاهِيَاه.
وَقَالَ ابْن بزرج: ناسٌ من بني أَسَد يَقُولُونَ: يَا هَيَاهُ أَقبِلْ، وَيَا هيَاهُ أَقْبِلا، وَيَا هِيَاهُ أَقْبِلُوا وَيَا هِيَاه أَقْبِلي، وللنساء كَذَلِك، ولغةٌ أُخْرَى يَقُولُونَ للرجل يَا هَيَاهُ أَقْبِلْ، وَيَا هَيَاهان أَقْبِلا، وللثلاثة: يَا هَيَاهُونَ أَقبِلوا، وللمرأة: يَا هَيَاهَ أقبلي فَينصِبونها، كَأَنَّهُمْ خالفوا بذلك بَينهَا وَبَين الرجل، لأَنهم أَرَادوا الْهَاء فَلم يدخلوها، وللثنَتين: يَا هَيَا هَتان أَقْبِلا، وَيَا هَيَاهاتُ أَقْبِلْنَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يَا هَياهُ وَيَا هَياهِ ويَا هَياتَ وَيَا هَياتِ كلّ ذَلِك بِفَتْح الْهَاء.
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: الْعَامَّة تَقول: يَا هِيَا. وَهُوَ مُوَلَّد، وَالصَّوَاب يَا هَيَاه بِفَتْح الْهَاء، وَيَا هَيَا.
قَالَ أَبُو حَاتِم: أظنُّ أَصله بالسُّرْيانية: يَا هَيَا شَرَاهِيَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: يَا هَياهُ أَقْبِلْ، وَلَا يَقُول لغير الْوَاحِد، وَقَالَ: يَهْيَهْتُ بِالرجلِ من يَا هيَاه.
وهى: وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال وهِيَ الحائطُ يَهي إِذا اتفَزَّر واسترخَى، وَكَذَلِكَ الثّوبُ والقِرْبة والْحَبْل.
قَالَ: والسحاب إِذا تَبَعَّقَ بمطرٍ تبعُّقاً قيل: وهَتْ عَزَالِيه، وَكَذَلِكَ إِذا استرخَى رِباط الشَّيْء.
يُقَال: وَهيَ، ويجمَع الوَهْيُ وُهِيّاً، وَأنْشد:
أَمِ الْحَبْلُ واهٍ بهَا مُنْجذِمْ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: وهَى إِذا حَمُق، ووَهَى إِذا سَقَط، ووَهَى إِذا ضَعُف.
أيه: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: التَّأييهُ الصَّوت، وَقد أَيَّهْتُ بِهِ تَأْييهاً، يكون بِالنَّاسِ وَالْإِبِل. قَالَ: والتهِيتُ: الصَّوْتُ بِالنَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ أَن يَقُول لَهُ: يَا هَياه.
هوى: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هَوَيتُ أَهْوِي هُوِيّاً، إِذا سقطتَ من عُلْوٍ إِلَى أَسْفَل، وَكَذَلِكَ الهَوِيُّ فِي السَّير إِذا مضى.
وهَوَت الطعنةُ تَهوِي، إِذا فتحتْ فَاها. وَقَالَ أَبُو النّجم:
فاختاضَ أُخْرى فهَوَتْ رَجُوحَا
للشِّقّ يَهوِي جُرحُها مَفْتوحَا

(6/258)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: أَهْوَى من قريب، وهَوَى من بعيد، وَأنْشد:
طَوَيناهما حَتَّى إِذا مَا أُنِيخَتا
مُناخاً هَوَى بَين الكُلَى والكَراكِرِ
يُرِيد: خلاَ وانْفَتَحَ من الضُّمْر.
قَالَ: وأَهوَيتُ لَهُ بالسّيف وَغَيره، وأهوَيْتُ بالشَّيْء، إِذا أَوْمأْتَ بِهِ.
وَيُقَال: أهوَيْتُه، إِذا ألقَيْتَه من فوقَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَوِيُّ: السَّرِيع إِلَى أسفلَ، والهُوِيّ: السَّرِيع إِلَى فَوق.
قَالَ: وَحكى ابْن نجدَة عَن أبي زيد مِثله سَوَاء، وَأنْشد:
الدَّلوُ فِي إصعادِها عَجْلَى الهُوِيّ
وروى الرياشي عَن أبي زيد مِثله.
قَالَ: وهَوَت العُقابُ تَهوِي هَوِيّاً، إِذا انقضّت على صَيْد أَو غَيره مَا لم تُرِغْه، فَإِذا أَرَاغَتْه. قيل: أهوَتْ لَهُ إهواءاً. قَالَ: والإهواء أَيْضا: التَّنَاوُل باليَد والضربُ، والإراغة: أَن يذهب الصيدُ هَكَذَا وَهَكَذَا، والعقابُ تَتْبَعُهُ.
سَلمة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مَّنَ النَّاسِ تَهْوِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَيْهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 37) يَقُول: اجْعَل أَفْئِدَة من النَّاس تريدهم، كَمَا تَقول: رأيتُ فلَانا يهوى نحوَك، مَعْنَاهُ يُرِيدُكَ.
قَالَ: وَقَرَأَ بعض النَّاس (تهوى إِلَيْهِم) بِمَعْنى تهواهم، كَمَا قَالَ: {يَكُونَ رَدِفَ} (النَّمل: 72) ورَدفَكم.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {تَهْوِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَيْهِمْ} إِنَّه فِي التَّفْسِير تَهواهُم.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء {تَهْوِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَيْهِمْ} : تسرِع، وتهوي إِلَيْهِم: تَهْواهم. وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} (النّجْم: 53) يَعْنِي مَدَائِن قوم لوط، أَي أسقطها فَهَوَتْ، أَي سَقَطت.
وَقَالَ ابْن المظفر: العامّة تَقول: الهُوى فِي مَصدرِ هوَى يهوِي فِي المَهْواة هَوِيّاً.
قَالَ: وَأما الهَوِيّ الملِيُّ، فالحِين الطَّوِيل من الزَّمَان، يُقَال: جَلَست عِنْده هويّاً.
قَالَ: وهوَى فلَان: إِذا مَاتَ.
وَقَالَ النَّابِغَة:
وَقَالَ الشامِتون هوَى زيادٌ
لكل مَنِيَّةٍ سببٌ متينُ
قَالَ: وَتقول: أَهوى فأَخذَ، مَعْنَاهُ أَهوَى إِلَيْهِ يَدَه. وَتقول: أهوَى إِلَيْهِ بِيَدِهِ.
قَالَ: والهاوية: اسْم من أَسمَاء جَهَنَّم. والهاوية: كلُّ مَهْوَاةٍ لَا يُدرك قعرها، والهُوَّة: كلُّ وَهْدَةٍ مُعَمَّقَةٍ، وأَنشد:
كَأَنَّهُ فِي هُوَّة تَقَحْذَما
وجمعُ الهُوّة هِيَ هُوًى، وَفِي (النَّوَادِر) فلانٌ هُوَّةٌ أَي أَحمَق لَا يمسك شَيْئا فِي صَدْرِه. وهَوٌّ من الأَرْض: جَانبٌ مِنْهَا.
والمَهواةُ: مَوضِع فِي الْهَوَاء مُشرِفٌ مَا دونه من جبلٍ وَغَيره وَيُقَال هوَى يهوِي هَوَياناً، ورأيتُهم يتهاوَوْن فِي الْمَهْوَاة، إِذا سَقَط بعضُهم فِي أَثَر بعض.
وَيُقَال للمستهام، الَّذِي يَستهِيمُه الجنُّ: استهوتْه الشياطينُ، فَهُوَ حيرانُ هائم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله جلّ وعزّ: {كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} (الأنعَام: 71)

(6/259)


كَالَّذي زَيَّنَتْ لَهُ الشَّيَاطِين هَوَاهُ حَيْرانَ فِي حَال حَيْرَتِه.
وَقَالَ القتبيّ: {استَهوته الشَّيَاطِين: هوَتْ بِهِ وأَذْهَبَتْه، جعله من هوَى يهوِي، وجَعَلهُ الزّجاج من هوِيَ يهوَى.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم فِي قولِ الله جلّ وعزّ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} (إِبْرَاهِيم: 43)
قَالَ: كَأَنَّهُمْ لَا يَعقِلون من هَوْل يومِ الْقِيَامَة. والهَواءُ والخواءُ وَاحِد.
قَالَ: والهواء كلُّ فُرْجة بَين شَيْئَيْنِ كَمَا بَيْن أسفَلِ الْبَيْت إِلَى أَعْلَاهُ، وأسفِل الْبِئْر إِلَى أَعْلاها.
قَالَ: وَيُقَال: هوتِ الناقةُ والأتان وَغَيرهمَا تهوِي هَوِيّاً فَهِيَ هاوية، إِذا عَدَتْ عَدْواً أَرْفعَ العَدْوِ، وَكَأَنَّهُ فِي هواءِ بِئْرٍ يهوِي شَديداً فِيهَا، وَأنْشد:
فَشَجَّ بهَا الأماعزَ وَهِي تهوِي
هَوِيَّ الدَّلو أسلمها الرِّشاءُ
وَيُقَال: هَوَى صدرُه يهوِي هَواء إِذا خلا. قَالَ جرير:
ومُجاشع قَصَبٌ هَوَتْ أجوافُه
لَو ينفُخون من الخُؤُورة طارُوا
أَي هم بِمَنْزِلَة قصبٍ جَوفُه هَوَاء أَي خالٍ أَي لَا فُؤادَ لَهُم، كالهواء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض.
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القَارعَة: 9) . قَالَ بَعضهم: هَذَا دُعَاء عَلَيْهِ، كَمَا تَقول: هَوَتْ أُمُّه، على قَول الْعَرَب، وأنشَد قَوْله:
هَوَتْ أمُّه مَا يبعثُ الصُّبْح غادِياً
وماذا يُؤدِّي الليلُ حينَ يَؤُوبُ
وَمعنى: هوتْ أمه: هَلَكت أُمه.
وَقَالَ بَعضهم: أمُه هاوية، صَارَتْ هاوية مَأْواه، كَمَا تُؤوِي المرأةُ ابْنهَا، فَجَعلهَا إِذْ لَا مأوى لَهُ غيرَها أُمّاً لَهُ. وَقيل: معنى قَوْله: {مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القَارعَة: 9) ، أُمُّ رأْسِه تهوِي فِي النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: الهَوَى مَقْصُور: هوى الضَّمِير، تَقول: هَوىَ يهوَى هَوًى، ورجلٌ هَوٍ ذُو هَوًى مخامر، وَامْرَأَة هَوِيَة، لَا تزَال تهوَى على تَقْدِير فَعِلَة، فَإِذا بُنِيَ مِنْهُ فعل بجزم الْعين. قيل: هَيَّة مثلِ طيَّة.
قَالَ: والهواء مَمْدُود، هُوَ الجوّ، وَأهل الْأَهْوَاء وَاحِدهَا هَوًى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} (إِبْرَاهِيم: 43) أَي متخرِّقة لَا تعي شَيْئا من الخَوْف. وَقيل: نُزِعَتْ أفئدتهم من أَجْوَافهم.
وَقَالَ حسان بن ثَابت:
أَلا أَبلِغْ أَبَا سُفْيَان عني
فأَنت مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هواءُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الهَوْهاءَةُ: الضَّعِيف الْفُؤَاد، الجبان.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَوْماةُ والهَوْهاة واحدٌ والجميع الموامِي والهواهِي.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهواهي: الأباطيل وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وَفِي كلّ عَام يدعوانِ أَطِبَّةً
إليَّ وَمَا يُجْدُونَ إلاّ الهواهيا

(6/260)


وَقَالَ غَيره: الهواهي: ضرُوبٌ من السّير وَأنْشد:
تغالَتْ يداها بالنَّجاء وتنتحي
هواهي من سَيرٍ وعُرْضَتها الصَّبْرُ
تغالت: ارْتَفَعت. وتنتحي: تعتمد، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: رجل هَواهِيَة وهَوهاءةٌ، إِذا كَانَ منخوب الْفُؤَاد قَالَ: وأصل الهوهاءة الْبِئْر الَّتِي لَا متعلَّق لَهَا وَلَا مَوضِع لرِجْلِ نازِلها لبعد جَالَيْها.
وَيُقَال: سمعتُ لأذُني هَوِيَّاً، أَي دَوِيّاً، وَقد هَوَتْ أذُنه تهوِي.
والمُهاوَاة: السّير الشَّديد، يُقَال: هاوَتْ بِي الناقةُ مُهاواةً.
وَقَالَ ذُو الرمة:
وكائِنْ بِنَا هاوِينَ من بطن هَوْجَلٍ
وظَلْماء والهِلْبَاجَة الجِبْسُ راقِدُ
وَيُقَال: هاوَيتُ القومَ فِي السّير، أَي سِرْتُ مثلَ سيرِهم.
وَقَالَ ذُو الرمة:
فَلم تستَطِع مَيٌّ مُهَاواتَنَا السُّرَى
وَلَا لَيلُ عبسٍ فِي البُرِينَ سوامِي
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: هاوأتُ الرجلَ وهاوَيْتُه فِي بَاب مَا يُهمز وَلَا يُهمز.
قَالَ: ودَارأته ودارَيته، يُهمز وَلَا يُهمز.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهَوِيَّةُ: بِئْر بعيدةُ المَهْواة.
قَالَ الشماخ:
وَلما رأيتُ الأمرَ عرْشَ هَوِيّةٍ
تَسَلَّيْتُ حاجاتِ الْفُؤَاد بِشَمَّرا
أَرَادَ لما رأيتُني كأنني مُشرِف على هَلَكة مضيتُ وَلم أُقِم. وشمّر: اسْم ناقَةٍ أَي ركبتُها ومضيتُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الهُوَّة ذاهبةٌ فِي الأَرْض بعيدةُ القَعْر مثل الدَّحْل، غير أنّ لَهُ أَلجافاً، والجماعةُ الهُوُّ، ورأسُها مثلُ رأسِ الرّحْل.
وَقَالَ الأصمعيّ: هُوَّة وهُوًى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهُوَّة: البئرُ.
وَقيل: الهُوّة: الحُفرة الْبَعِيدَة القَعْر، وَهِي المَهواة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الرِّوَايَة (عَرْشَ هُوِيّة) أَرَادَ أَهوية فَلَمَّا سَقَطت الهمزةُ رُدَّت الضمةُ إِلَى الْهَاء، الْمَعْنى لما رأيتُ الْأَمر مُشرفاً على الفَوْت مضيْتُ وَلم أُقِمْ.
اللحيانيّ: رجلٌ هَأْهأ وهاهاء، من الضَّحِك، وَأنْشد:
يَا رُبَّ بيضَاء من العَواسِج
هَأْهَاءَةٍ ذاتِ جَبينٍ سارِجِ
أَي حَسَنٍ، اشتقاقُه من السِّراج.
عَمْرو عَن أَبِيه: الهَأْهاء: دُعاءُ الْإِبِل إِلَى العَلَف، وَهُوَ زَجر الكلْب وإشْلاؤُه، وَهِي الضحك العالي.
قَالَ: وهاهَيْتُ الكلابَ: زجرتُها، وَأنْشد:
أَرَى شَعَرات على حاجِبَيْ
يَ بِيضاً نَبَتْن جَمِيعًا تُؤاما
ظلِلتُ أُهَاهِي بهنّ الْكلاب
أحسَبهنّ صِواراً قيَاما

(6/261)


وَحدثنَا مُحَمَّد بن سعيد عَن الْحسن الْحلْوانِي عَن يزِيد بن هَارُون، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يُحِبّ العُطاسَ ويكرَه التثاؤب، فَإِذا عطس أحدُكم فَقَالَ: الْحَمد لله، فحقَّ على كل من سَمِعه أَن يَقُول: يرحمُك الله، وَأما التّثَاؤب، فَإِذا تثاءَب أحدُكم فليرُدّه مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يقولنّ هاه هاه، فَإِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان، يضحَك مِنْهُ) .
وَيُقَال: هُوَ كنايةُ تذكير، وَهِي كنايةُ تَأْنِيث، وهما للاثنين، وهم للْجَمَاعَة من الرِّجَال، وهنَّ للنِّسَاء، فَإِذا وقفتَ على هُوَ وصلتَ الْوَاو فقلتَ: هُوَهْ، وَإِذا أَدْرَجتَ طرحْتَ هَاء الصِّلَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ يُقَال: مررتُ بهْ ومررتُ بهِ وبهِي، وَإِن شئتَ مررتُ بهْ وبهُ بهُو، وَكَذَلِكَ ضَرَبه، فِيهِ هَذِه اللُّغَات، وَكَذَلِكَ يَضرِبُهْ ويضرِبُهُ ويَضرِبُهُو، فَإِذا أفرَدْتَ الْهَاء من الِاتِّصَال بِالِاسْمِ أَو الْفِعْل، أَو بالأداة، وابتدأت بهَا كلامك، قلتَ: هُوَ لكلّ مذكَّر، غَائِب، وَهِي لكل مُؤَنّثَة غَائِبَة، قد جَرى ذكرُهما فزِدْتَ واواً أَو يَاء استثقالاً للاسم على حرْفٍ وَاحِد، لأنَّ الِاسْم لَا يكون أقلَّ من حرفين.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول: الِاسْم إِذا كَانَ على حرْفين فَهُوَ نَاقص، قد ذهبَ مِنْهُ حرف، فَإِن عُرِف تثنيتُه وجمعُه وتصغيرُه وتَصريفه عُرف الناقصُ مِنْهُ، وَإِن لم يُصرَّف وَلم يصغّر وَلم يعرَف لَهُ اشتقاق زيدَ فِيهِ مثل آخِره، فَقيل: هوَّ أَخُوك، فزادوا مَعَ الْوَاو واواً، وَأنْشد:
فَإِن لساني شُهْدةٌ يُشتفَى بهَا
وهُوَّ على من صَبّه الله عَلْقَمُ
كَمَا قَالُوا فِي مِن وَعَن وَلَا تصريف لَهما، فَقَالُوا: مِنِّي أحسنُ مِن مِنِّك، فزادوا نوناً مَعَ النُّون.
يأيها: قَالَ سِيبَوَيْهٍ، وَهُوَ قَول الْخَلِيل، إِذا قلت: يأيها الرجل، فأيُّ اسمٌ مُبْهَم مبنيٌّ على الضمّ، لِأَنَّهُ مُنادًى مفرَد، والرجلُ صفةٌ لأيّ، تَقول: يأَيها الرجل أَقْبِلْ، وَلَا يجوز يَا الرجل، لِأَن يَا تنْبيه بِمَنْزِلَة التَّعْرِيف فِي الرجل، فَلَا يُجمع بَين يَا وَبَين الْألف وَاللَّام، فتصل إِلَى الْألف وَاللَّام بأَيّ، وَهَا لازمةٌ لأيّ للتّنْبِيه، وَهِي عِوَض من الْإِضَافَة فِي أيّ، لِأَن أصل أيَ أَن تكون مُضَافَة إِلَى الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، وَتقول للْمَرْأَة: أيأَيتها الْمَرْأَة، والقُرَّاء كلهم قرءوا: {أَيُّهَا} (النِّساء: 133) و {وُوِيَاأَيُّهَا النَّاسُ} (البَقَرَة: 21) و {وُوِأَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} (النُّور: 31) إِلَّا ابْن عَامر فَإِنَّهُ قَرَأَ (أيه الْمُؤْمِنُونَ) وَلَيْسَت بجيدة.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: هِيَ لُغَة، وَأما قولُ جرير:
يَقُول ليَ الأصحابُ هَل أَنت لاحِقٌ
بأهلِكَ إنّ الزاهِرِيَّة لاهِيَا
وَمعنى قَوْله لاهِيَا، أَي لَا سَبيلَ إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إِذا ذَكَر الرجُل شَيْئا لَا سَبيلَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ الْمُجيب: لاهُوَ، أَي لَا سبيلَ إِلَيْهِ، فَلَا تَذْكُرْه.

(6/262)


وَيُقَال: هُوَ هُوَ، أَي هُوَ مَن قَد عرفتَه، وَيُقَال: هِيَ هِيَ، أَي هِيَ الداهية الّتي عرفتَها، وهُم هُم أَي هم الَّذين أنكرتَهم، وَقَالَ الهُذَليّ:
رفَوْني وَقَالُوا يَا خُوَيلِد لَا تُرَعْ
فقلتُ وأَنكرتُ الوجُوهَ هُمُ هُمُ
عَمْرو عَن أَبِيه: ظَبْيَة مَوْءُوهة ومَأْوُوهةٌ، وَذَلِكَ أنّ الغَزال إِذا نجا من الكلْب أَو مِن النَّبْل وَقَف وقْفةً، ثمَّ قَالَ: أوْه، ثمَّ عَدَا.
وَقَالَ النَّضر: الهَوَّةُ، بِفَتْح الْهَاء، هِيَ الكُوّة حَكَاهَا عَن أبي الهُذَيل، قَالَ: والهُوَّةُ المَهْواة بَين جَبَلين.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ خليفةَ يَقُول: للبيت كِواءٌ كثيرةٌ وهِواءٌ كَثِيرَة، والواحدة كَوّة وهَوَّة، وَأما النّضر فإنّه زعم أنّ الهَوَّة بِمَعْنى الكَوّة تُجمَع هُوًى، مثل قَرْية وقُرًى.
أَخْبرنِي المنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: إِذا أخصب الزَّمَان جَاءَ الغاوي والهاوي. قَالَ: الغاوي الْجَرَاد، وَهُوَ الغوغاء، والهاوي: الذُّبَاب، أَي يهوِي حَتَّى أَتَى الخصب.

(6/263)


كتاب الرباعي من حرف الْهَاء

(بَاء الْهَاء وَالْخَاء)
هـ خَ
هذخر: أُهمِلت الهاءُ مَعَ الْخَاء فِي الرباعي، فَلم أَجد فِيهِ شَيْئا مُسْتَعْملا غيرَ حَرْفٍ وَاحِد، وَهُوَ التَّهَذْخُر، أَنشد لبَعض اللّغويّين:
لكلّ مَولًى طَيْلَسانٌ أخضرُ
وكافَحٌ وكَعَكٌ مُدَوَّرُ
وطِفْلةٌ فِي بَيتِه تَهَذْخَرُ
أَي تَبختَر. وَيُقَال: تَقُوم لَهُ بأَمْر بَيته.

(بَاب الْهَاء والغين)
هرنغ: قَالَ اللَّيْث: الهَرْنُوغ: شِبْه الطُّرْثُوث يُؤْكَل.
هذلغ: والهُذْلُوغَة: الرجلُ الأحمق القبيحُ الخَلْق.
هنبغ: قَالَ: والهُنْبُغ: شِدّة الْجُوع.
ورَوَى أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ، يُقَال للقَمْلة الصَّغِيرَة: الهُنْبُغ، والهُنبوغ، والقَهْبَلِس.
ورَوَى عَمروٌ عَن أَبِيه: جُوعٌ هُنْبُغ وهِنباغ، وهَلَّقْسٌ، وهَلَّقْتٌ: أَي شَدِيد.
غمهج: قَالَ هميان بن قُحَافَة يصف إبِلا: ضربهَا فَحلهَا:
تتبعُ قَيدوماً لَهَا غُماهجا
الغُماهج: الضخم السمين، وَيُقَال عُماهج بِالْعينِ بِمَعْنَاهُ.
وَهَذِه الْحُرُوف جميعُ مَا وجدنَا فِي رباعي الْهَاء وَالْخَاء، وَالْهَاء والغين.

(بَاب الْهَاء وَالْقَاف)
هـ ق
هلقس: قَالَ اللَّيْث: بعير هِلَّقْس وهِلَّكْس: شديدٌ، وأنشَد:
والبازِلَ الهِلَّكْسَا
جلهق: قَالَ النَّضر: قوسٌ جُلاهق. الجُلاهِق: الطين المدَوَّر والمُدَمْلَق. جُلاهقَة وَاحِدَة وجُلاهِقَتان.
قَالَ: وَيُقَال: جَهْلَقْتُ جَلاَهق قدَّم الْهَاء وأخَّر اللَّام.
صهلق: وَقَالَ اللَّيْث: صوتٌ صَهْصَلِقٌ: شَدِيد، وَأنْشد:
قد شَيَّبت رأسِي بصوتٍ صَهْصَلِقْ

(6/264)


أَبُو عبيد عَن الأمويّ: عَجُوز صَهْصَلِق: صَخّابة، وأَنشَدْ:
صَهْصَلِقُ الصَّوْت بعَيْنَيْها الصَّبِرْ
هقلس الهجارس: ورُوِي عَن المفضَّل أَنه قَالَ: الهَقَالس والهَجارِس: الثّعالب، وأنشَد:
وتَرى المَكاكِيَ بالهجير يُجيبُها
كُدْرٌ بَواكرُ والهَجارِسُ تَنْحَبُ
زهمق: وَقَالَ الأصمعيّ: الزَّهْمَقة: الزُّهوَمة السَّيِّئةُ تجِدِها من اللّحم الغَثّ، وَنَحْو ذَلِك، قَالَ اللَّيْث: وَهِي النَّمسَة.
زهلق: وَقَالَ: الزِّهْلِق هُوَ السّراج مَا دامَ فِي الْقنْدِيل. وأنشَده اللّيث:
زِهْلقٌ لاحَ مُسَرجُ
قَالَ: شبَّه بياضَ الثَّور بضياء السّراج، لَيْسَ بالّذي عَلَيْهِ سَرْج.
وَروَى أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الزِّهْلق: الْحمار الخَفيف، قَالَ: وأمّا الهِزْلِق فَهِيَ النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: الزِّهْلِقيُّ من الرّجال الّذي إِذا أَرَادَ امْرَأَة أنزل قبلَ أَن يَمَسّها وَهُوَ الزُّمَّلِقُ.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ: والزِّهْلِقيُّ أَيْضا: فحلٌ يُنسب إِلَيْهِ عِتاق الخَيْل، وَأنْشد:
فَمَا يَنِي أولادُ زِهْلِقيِّ
بناتُ ذِي الطَّوْق وَأَعْوَجِيّ
يَشْجُجْن باللّيل على الوَنِيّ
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال للحُمُر إِذا استَوَتْ مُتونُها من الشّحم: حُمُرٌ زَهالِق.
وَقَالَ غيرُه: صَفاً زِهْلِق: أَملسُ، وَأنْشد:
فِي زِهْلِق زَلَقٍ من فَوْقِ أطوادِ
قهمز: اللَّيْث: امرأةٌ قَهْمَزةٌ: قَصيرةٌ جدا.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: القَهْمَزَى: الْإِحْضَار، وأنشَد ابنُ الأعرابيّ لبَعض بني عقيل:
من كلّ قَبّاءَ نَحوصٍ جَرْيُها
إِذا عَدَوْنَ القَمهزَى غيرُ شَنِجْ
أَي غير بطيء.
هزرق: اللَّيْث: الهزْرَقة: من أَسوأ الضحك. قلتُ: لم أسمع الهزْرَقَة بِهَذَا الْمَعْنى لغير اللّيث.
ورَوَى شمر عَن المؤرِّج أَنه قَالَ: النَّبَط تُسمِّي المَحْبُوسَ: المُهَزْرَق، الزّاي قبل الرَّاء.
زهزق دهدق: قلتُ: وَالَّذِي صحّ عِنْد أبي زيد فِي بَاب الضّحك: زَهزَق ودَهدَقَ زَهزَقَةً ودَهدقَه.
دهقن: وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهْقَنة: الِاسْم من الدَّهْقَان، وَهُوَ يَتدَهقَن.
ولِوَى دِهْقَان: رَملةٌ مَعْرُوفَة فِي ديارِ قَيس قَالَ الرَّاعِي يصف ثَوْراً:
فظَلَّ يَعلُو لِوَى دَهْقَانَ معترِضاً
يَرْدِي وأظلافُه خُضْرٌ من الزَّهَرِ

(6/265)


دهمق: ورُوِي عَن عمرَ أنّه قَالَ: لَو شئتُ أَن يُدَهمَقَ لي لفعلتُ، ولكنّ الله جلّ وعزّ نَعَى على قومٍ أذْهبُوا طيّباتهم فِي حياتهم الدُّنْيَا.
قَالَ أَبو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: الدَّهْمَقَة: لِين الطَّعام وطِيبُه ورِقّته، وَكَذَلِكَ كل شَيْء لَيِّن. قَالَ: وأنشَدني خَلَف الْأَحْمَر:
جَوْنٌ رَوابِي تُرْبِه دُهامِقُ
يَعْنِي تُربةً ليّنة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيره: الدهْمَقة والدَّهقَنَة سواءٌ، وَالْمعْنَى فيهمَا وَاحِد، لأنّ لِينَ الطّعام من الدَّهْقَنة.
وَقَالَ شمر: قَالَ الغَطَفانيّ: المُدَهْمَق: المدقَّق. وسمعتُ ابْن الفَقْسيّ يَقُول: المُدَهمَق الجيِّد من الطَّعَام.
قَالَ: وأنشدني أعرابيٌّ:
إِذا أَردتَ عملا سُوقِيّا
مُدَهْمَقاً فَادع لَهُ سِلْمِيَّا
قَالَ: والمدهمَق: الَّذِي لم يجوَّد، وَهَذَا ضدُّ الأول.
وَقَالَ ابْن سِمعان: المدهمَق: المستوِي، وأنشَدَني:
كأنّ رِزّ الوَتَرِ المُدهَمَقِ
إِذا مَطاها هَزَمٌ مِنْ فُرَّقِ
قَالَ شمر: وَقَالَ أَعرابيّ كَانَ مُدرِك الفَقْعسِيّ يسمَّى (مدهمقا) لبَيانِ لسانِه وجودة شِعْرِه.
يُقَال: هُوَ مُدهمِقٌ: مَا يُطاق لسانُه لتجويدهِ الكلامَ وتحبيره إِيَّاه.
قَالَ: ودهمَقَ الفاتِلُ الوَترَ، إِذا جَاءَ بِهِ مستوياً إِلَى آخرِه، وَأنْشد:
دهمَقهُ الفاتلُ بَين الكَفَّيْن
فهوَ أمينٌ مَتنُه يُرضِي العَين.
وَقَالَ أَبو حَاتِم بَعْدَمَا ذَكر أَن قوما غَلِطوا فَقَالُوا للشَّيْء المجوَّد مُدَهمَق وللذِي شُفِّقَ عَمَلُه أَيْضا: مُدَهْمَق، واحتجّ بقوله:
إِذا رأيتَ عَملاً سُوقِيَّا
مدهمَقاً فادعُ لَهُ سَلْمِيَّا
فظنوا أَن السُّوقيَّ: الرَّدِيء.
قَالَ: وَأَصْحَاب المَرايا يُعَطْون على جِلاء الْمرْآة، فَإِذا اشتَرَطوا عَملاً سُوقِيّاً أضعَفوا الكِرَى، وَهُوَ أجوَدُ العَمَل.
قهقر: وَقَالَ اللَّيْث: القَهْقَرُ: الحَجر الْأسود الأملس، وَهُوَ القُهْقُورَة، وغرابٌ قَهْقَرٌ: شَدِيد السّواد، وحَنْظَلَة قَهْقَرَة: اسْوَدَّتْ بعد الخُضْرَة.
والرجُلُ يُقَهْقَرُ فِي مِشْيته، إِذا ترَاجَع على قَفاه قَهْقَرَةً، ورجَعَ القَهْقَرَى.
شمر عَن أبي عَمْرو: القَهْقَرُ: الحَجر الأملس. وَقَالَ أَبُو خَيرة: هُوَ الْحجر الَّذِي يُسْهَكُ بِهِ الشيءُ، والقِهْر: أعظَمُ مِنْهُ.
قلتُ: وبعضُهم يَقُول: القَهْقَرُّ بتَشْديد الرَّاء وَقد ذكرته فِي بَاب القَهْر، فأشبَعْتُه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: القَهْقَرُ: قشرةٌ حمراءُ تكون على لُبّ النَّخْلَة، وَأنْشد:
أحمرُ كالقَهقَرِّ وَضّاحُ البَلَقْ

(6/266)


القهرمان القهقب القهقم: وَقَالَ اللَّيْث: القَهْرَمان هُوَ المسيطِر الحفيظ على مَا تَحت يديْه. وَأنْشد:
مَجْدا وعزّاً قَهْرَماً قَهْقَبَّا
عَمْرو عَن أَبِيه: القَهْقَبُّ، والقَهْقَمُّ: الجملَ الضّخم.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: قَهْرَمان وقَرْهَمان: مقلوب.
قلت: وَهُوَ عِنْدِي معرَّب.
قرهب: أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: القَرْهَب من الثيران: المُسِنّ
هبرق بهلق: أَبُو عبيد: الهِبْرِقيّ: الصَّائِغ. وَيُقَال: الحَدَّاد. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
فَمَا أَلواحُ دُرّةِ هِبْرقِيّ
جَلاَ عَنْهَا مُختِّمها الكُنُونا
ابْن السّكيت، قَالَ: سَمِعت الكلابيّ يَقُول: البُهْلُق والبِهْلِق، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر: الْكَثِيرَة الْكَلَام الَّتِي لَا صَيُّورَ لَهَا قَالَ: ولَقِينا فلَانا فَبهْلَقَ لنا فِي كَلَامه وعِدَتِه، فيقولُ السَّامع: لَا يغرَّكم بَهْلَقَتُه، فَمَا عِنْده خير.
(وَقَالَ اللَّيْث: البَهْلَق: الضَّجُورُ الكثيرُ الصَّخَب، وَتقول: امرأةٌ بَهْلَق، والجميعُ بَهالِق.
أَبُو عَمْرو: جَاءَ بالبهالِقِ، وَهِي الأباطيل، وَأنْشد:
آقَ عَلَيْنَا وهوَ شُرُّ آيِقِ
وجاءنا من بَعْدُ بالبهالِق
وَأنْشد غيرُه:
يُوَلْوِلُ من جَوْبِهنّ الدلي
لُ بِاللَّيْلِ وَلوَلةَ البَهْلَقِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: البِهْلِق بِكَسْر الْبَاء وَاللَّام: الْمَرْأَة الحَمراء الشَّدِيدَة الحُمرة) .
وَقَالَ أَبُو سعيد: الهِبْرِقيُّ: الَّذِي يُصفِّي الْحَدِيد، وأصلُه إبْرِقِيّ، فأُبدلت الهمزةُ هَاء وَأنْشد قَول الطِّرمّاح يصف ثوراً:
يُبَربِرُ بَربَرةَ الهِبْرِقيِّ
بأُخْرَى خواذلها الآبخهْ
قَالَ: شَبَّه الثورَ وخُوارَه بصَوْت الرّيح يَخرُج من الكِير. وَقيل: الهِبْرِقيّ: الثورُ الوَحشيّ، وَهُوَ الإبْرِقيُّ، لِبَرِيق لَوْنه.
هِرقل: من مُلُوك الرّوم، وَهُوَ أوّل من ضَرَب الدَّنَانِير، وَأول من أحدَث البَيْعَة، وَأما دَير الهِزْقِل، فَهُوَ بالزاي.
هدقل: وَقَالَ اللَّيْث: الهِدْقل: المُنْخُل.
هدلق: وجمَلٌ هِدْلِقٌ: واسعُ الشِدْق، وجمعُه هَدالِق، وأنشدني أعرابيٌّ:
هَدالِقَا دَلاقِمَ الشُّدُوقِ
هلقم: وَقَالَ اللَّيْث: الهِلقام: السَّيِّد الضَّخم ذُو الحمالاتِ، وَأنْشد:
وإنْ خطيبُ مَجلسٍ أَلَمَّا
بخُطَّةٍ كنتَ لَهَا هِلْقَمَّا
وبالحمالات لَهَا لَهِمّا
عَمْرو، عَن أَبِيه: رجلٌ هِلْقامة وهِلِّقامة

(6/267)


وهُلَقِمٌ وجُرَضِمٌ، إِذا كَانَ أَكولا.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهِلْقام: الفرسُ الطَّوِيل. وَأنْشد:
أولادُ كلِّ نجيبةٍ لِنَجيبةٍ
ومُقَلَّص بشلِيله هِلْقامُ
يَقُول: هُوَ طويلٌ يَقلُص عَنهُ شَلِيلُه لطولِه.
قلهب: وَقَالَ اللَّيْث: القَلْهب: القديمُ الضّخم من الرِّجَال.
وَقَالَ الْفراء: حَيَّا الله قَهبَلَتَه، أَي حيَّا الله وَجْهَه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: حيّا الله قَهْبَلتَه ومُحَيَّاه وسَمَامَتَه وطَلله وآلَه. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْهَاء زَائِدَة، فَتَبقى حيّا الله قَبَلَه، أَي مَا أقْبَل مِنْهُ.
وَقَالَ المؤرِّج: القَهبَلة. القَمْلة
بلهق لهق: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: فِي فلَان طَرْمَذَةٌ وبَلْهقَة ولَهْوَقة، أَي كِبْر.
قلهف: وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: رأيتُ شَعَره مُقْلَهِفَّاً ومُكْرَهِفّاً ومُشْرحِفّاً ومُسْقِفّاً، أَي جافلاً مرتفعاً.
هبنق: وَقَالَ اللَّيْث: هبَنَّقة القيسيُّ كَانَ أَحمَق يُضرب بِهِ المَثلُ.
قَالَ: والهَبْنِيقُ: الوَصِيف، وَقَالَ لَبيد:
والهبانِيقُ قيامٌ مَعهم
كلُّ مَلْثُومٍ إِذا صُبَّ هَمَلْ
وَقَالَ غَيره: رجل هَبَنَّق، إِذا وُصِف بالنَّوْك، قَالَ ذُو الرُّمّة:
إِذا فارقَتْه تَبْتَغِي مَا تُعيشُه
كفاهَا رَذاياها الرَّقيعُ الهبَنَّقُ
قيل: أَرَادَ بالرَّقِيع الهَبَنَّقَ القُمْرِيّ.
وَقيل: بل هُوَ الكِرْوان، وَهُوَ يُوصَف بالحمق؛ لتَركه بَيضَه واحتضانِه بيضَ غَيره، كَمَا قَالَ الآخر:
إِنِّي وَتركِي نَدَى الأكْرمِينَ
وقَدْحِي بكفَّيَّ زنداً شِحاحاً
كتاركةٍ بَيْضَها بالعَراءِ
ومُلْبِسةٍ بَيْضَ أُخْرَى جَناحَا
وَيُقَال للوَصيف: هُبْنُوق وهِبْنِيق.
وَقَالَ أَبُو مَالك: الهُنْبوق: المِزْمار، وجمعُه هَنابق، وَأنْشد لكثيّر:
ورجَّعَ فِي حَيْزُومِه غيرَ باغِمٍ
حَنيناً من الأجواف جُوفاً هَنابِقُهْ
زنبق: قَالَ: والزَّنْبَق: المِزْمار أَيْضا.
هيقم: والهَيقَمانيّ: الطَّوِيل، وَأنْشد:
من الهَيقَمانِيّاتِ هَمْقٌ كأنّه
من السِّنْد ذُو كَبْلَيْن أَفلَتَ من نَبْلِ
قرهد: وَقَالَ اللَّيْث: القرْهَد: الناعَمُ التارّ الرَّخْص.
قلتُ صَحَّفَ اللَّيْث، والصَّواب والقُرْهُدُ بِالْفَاءِ وَالْهَاء، مَضْمُومَتَين.
قمهد: عَمْرو عَن أَبِيه.
القَمْهَدُ: المقيمُ فِي مَكَان واحدٍ لَا يكَاد يَبرَح. وَأنْشد:
فَإِن تَقْمَهِدِّي أَقْمَهِدُّ مكانياً
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: أقمهدَّ الرجُل: رفعَ رأسَه.
وَقَالَ اللَّيْث: القَمْهَدُ: الرجلُ اللَّئِيم الأَصْل الدَّميمُ الْوَجْه.

(6/268)


قَالَ: والاقْمِهْدادُ: شِبْه ارتعاد الفَرْخ إِذا زَقه أَبَواه، فتَراه يَكْوَهِدُّ إِلَيْهِمَا، ويَقْمَهدّ نَحْوهمَا.
مهرق: عَمْرو عَن أَبِيه، يُقَال للبحر: المُهْرقان والدَّأْماء، خَفِيف.
قرمد قرهد: أَبُو عبيد قَالَ: القَرامِيد والقَراهِيد: أولادُ الوُعول.

(بَاب الْهَاء وَالْكَاف)
(هـ ك)
كهمس: أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: الكَهْمَس: الأسَد.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: هُوَ الذّئب.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَهْمَس: الْقصير من الرِّجَال، وَنَحْو ذَلِك. روى ابْن السّكيت، عَن أَبي عَمْرو: أَنه الْقصير.
كمهل: وَقَالَ أَبُو زيد: كمهَلَ فلانٌ الحديثَ، إِذا أَخْفاه وعَمّاه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: كَمْهَلَ، إِذا جَمَع ثِيابَه وحزَمَها للسَّفَر، وكَمْهَل فلانٌ علينا: مَنعنا حَقّنا.
هنبك: وَفِي (النَّوَادِر) : هَنْبَكَةٌ من دَهْرٍ، وسَنْبَةٌ من دهْرٍ، بِمَعْنى.
كلهد كهدل: وَأَبُو كَلْهَدَة: من كُنَى الْأَعْرَاب. وَكَهْدَل من أسمائهم، وَأنْشد ابْن الأعرابيّ:
قد طَردَتْ أمُّ الْحَدِيد كَهْدَلاَ
قَالَ أَبُو حَاتِم فِيمَا روى عَنهُ القُتَيبيُّ: الكَهْدَل: العاتقُ من الْجَوَارِي، وأَنشد:
إِذا مَا الكَهْدَل الْعَار
كُ ماسَتْ فِي جَوارِيها
حسبتَ القمَرَ الباهِ
رَ فِي الْحسنِ يُباهيها
دهكل: وَقَالَ اللَّيْث: دَهْكل من شَدَائِد الدَّهْر.
دهكم: قَالَ: والدَّهكَمُ: الشَّيْخ الفاني. والتَّدَهْكُم: الاقتحام فِي الْأَمر الشَّديد.
هتكر: وَقَالَ يُونُس: الهَيْتَكُور من الرِّجَال الَّذِي لَا يَسْتَيقظ لَيْلًا وَلَا نَهَارا.
هركل: وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة هِرْكَوْلة ذاتُ فَخِذَين وجِسْم وعَجُز. وجَمَلٌ هُراكل جَسِيمٌ ضَخْم.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الهِرْكَولة من النّساء: الْعَظِيمَة الْوَرِكَيْنِ.
وَقَالَ غيرُه: الهرَاكلة: كلابُ المَاء.
وَقَالَ ابْن أحمَر يصف دُرَّةً:
رأَى مِن دُونها الغَوّاصُ هَوْلاً
هَراكلَةً، وحِيتاناً ونُونَا
والهَرْكلَّةُ: ضَرْبٌ من المَشْي فِيهِ اختيال وبُطْء، وَأنْشد:
قامتْ تَهادَى مَشْيها الهِرْ كَلاّ
بَين فِناء البَيْت والمصلَّى
هبرك: وَقَالَ اللَّيْث:
الهَبْرَكة: الْجَارِيَة الناعمة. وَأنْشد:
جاريةٌ شَبّت شَباباً هَبْرَكا
لم يَعْدُ ثَدْيَا نحرها أَن فَلَّكا
هبنك: وَقَالَ اللَّيْث: الهَبَنَّك: الأحمق، وَامْرَأَة هَبَنكةٌ: حَمْقاء.

(6/269)


بهكن: وَجَارِيَة بَهْكَنة: تارَّة غَريضة. وهُنَّ البَهْكَنات والبَهاكِن.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ البَهْكَنَةُ الْجَارِيَة الْخَفِيفَة الرّوح، الطّيبَة الرَّائِحَة، المليحة الحلوة.
كنهر: قَالَ: والكَنَهْوَرُ من السّحاب: المتراكِب الثَّخِين.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الكَنْهورَ: قِطَعٌ من السَّحاب أَمثالُ الجِبال ونابٌ كَنَهْوَرةٌ مُسِنَّةٌ.
كفهر: وَقَالَ الأصمعيّ: والمكفهِرّ من السَّحَاب: الَّذِي يَغلُظ ويركَبُ بعضُه بَعْضًا.
قَالَ: والمُكْرَهفُّ مثله.
وَيُقَال: فلَان مكفَهرُّ الوَجْه، إِذا كَانَ كالح الوَجْه لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ بِشْرٍ. والمُكفَهرّ: الصُّلْب الشَّديد الَّذِي لَا تُؤثِّر فِيهِ الْحَوَادِث.
يُقَال: ألْقَ الحوادثَ بوجهٍ مكفهرّ، أَي بوجهٍ مُنْقبض لَا طلاقَه فِيهِ.
كرهف: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: اكرَهَفَّ الذَّكَرُ، إِذا انْتَشَر، وأَنشد:
قَنْفاءُ فَيْشٍ مُكرَهفَ حَوْقُها
كنهل: وكَنهَل: مَاء لبَني تَمِيم مَعْرُوف.
كنهر: وكنهَرَة: موضعٌ بالدَّهنأ بَين جَبَلين فِيهَا قِلاَت تملؤُها السَّمَاء، والكنهوْرَ مِنْهُ أَخذ.
كمهد: عَمْرو عَن أَبِيه: قَالَ: الكُمْهُدُ: الْكَبِير الكُمَّهْدَة وَهِي الكَوسَلة.

(بَاب الهَاء وَالْجِيم)
هـ ج
سجهر: اللَّيْث، اسجَهَرَّتِ الرِّماحُ، إِذا أَقبلت إِلَيْك واسْجَهَرَّ النَّبَات، إِذا طَال.
وَقَالَ غيرُه: اسجَهَرَّ السّرابُ إِذا تَريَّه وجرَى. وَمِنْه قَول لبيد:
إِذا مَا اسجَهَرَّ الآلُ فِي كلِّ سَبْسَب
وسحابة مُسْجَهِرَّة يترقرقُ فِيهَا المَاء.
الأصمعيّ: الصَّهلج والصَّيْهَج: الصخْرة الْعَظِيمَة.
هجرس: اللَّيْث: الهِجْرِس من أَولاد الثعالب، ويوصف بِهِ اللَّئِيم. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي الهِجْرِس نَحوا مِنْهُ. وَأنْشد:
وهِجْرِسٍ مَسكَنُه الفَدافِدُ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: رَمتْني الْأَيَّام عَن هَجارِسها، أَي شدائدها.
قَالَ: والجِرْهاسُ: الجَسِيم.
وَقَالَ غَيره: وَهُوَ من أَسمَاء الْأسد، وَأنْشد:
يُكْنَى وَمَا حُوِّلَ عَن جِرْهاسِ
من فرسه الأسْدَ أَبَا فِراس
أَبُو مَالك: أهلُ الْحجاز يَقُولُونَ: الهِجْرس: القِرْد، وبنُو تَمِيم يَجْعلونه الثّعلب.
سمهج: وَقَالَ اللَّيْث: السَّمْهَجَة: الفَتْل الشَّديد، حَبْلٌ مُسَمْهَجٌ، وَحَلَف حَلِفاً مُسَمهَجاً، وَأنْشد:
يحلِفُ بَجٌّ حَلِفاً مُسَمهَجاً

(6/270)


أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال للبن: إِنَّه لسَمْهَجٌ سَمْلَج، إِذا كَانَ حُلواً دَسِماً.
وفرَسٌ مُسَمْهَجٌ: معتَدِلُ الْأَعْضَاء.
وَقَالَ الراجز:
قد أَغتدِي بسابحٍ وافى الخُصَلْ
معتدِلٍ سُمْهِجَ فِي غير عَصَلْ
أَبُو سعيد: لَبنٌ سَمْهَج قد خُلِط بِالْمَاءِ.
وسَماهِيجُ: اسمُ جَزيرة فِي وسَط البَحْر بَين عُمَانَ والبَحْرَين.
وَقَالَ أَبُو دؤاد:
وَإِذا أدْبَرَت تَقول: قصورٌ
من سَماهيج فَوْقهَا آطَام
الأصمعيّ: مَاء سَمْهَجٌ سَهْلٌ ليِّن، وَأنْشد:
فَوَرَدْت عَذْباً نقَاخاً سَمْهَجَا
هزمج: وَقَالَ الأصمعيّ أَيْضا: الهُزامِجُ: المتدارِك من الصَّوْت، وَأنْشد قَول هِمْيان بن قُحافة:
أزامِلاً وزَجَلاً هُزَامِجا
هزلج: والهَزالج: السِّراع من الذئاب، وَمِنْه قولُ الراجز:
للطَّيْر واللّغَاوس الهَزَالج
سجهر: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول عديّ بن زيد:
ومَجودٍ قد اسْجهَرّ تناوِي
رَ كلوْنِ العُهُونِ فِي الأعْلاق
قَالَ: اسجهرّ: ظَهر وانبَسط.
زهلج: وَفِي (النَّوَادِر) : زَهلَج لَهُ الحديثَ وَزَهلَقه ودَهْمَجه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الدهْمَجة: مَشْيُ الْكَبِير كَأَنَّهُ فِي قَيْد.
هرجل: قَالَ: والهرجلة: الاختلاطُ فِي الْمَشْي، يُقَال مِنْهُ: قد هرجَلَتْ الْإِبِل.
جَهْضَم: أَبُو عبيد، عَن الْفراء: الجَهضَم: الضخم الهامة، المستَديرُ الْوَجْه.
وَقَالَ اللَّيْث: تجهضم الفَحْلُ على أَقرانه، إِذا عَلاَها بكَلْكَلِه. وبعيرٌ جَهضم الْجَنْبينِ، أَي رَحْبُ الجَنْبَين.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الجَهضم: الجَبان، فلانٌ جَهضم ماهُ القلْب: نهايةٌ فِي الجُبْن.
دهنج دهمج: الدَّهانِج: قَالَ اللَّيْث: هُوَ الْبَعِير ذُو السَّنَامين.
وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ الدَّهامِج أَيْضا، وَأنْشد:
إِذا بَدَا دَهانِجٌ ذُو أَعْدالْ
اللَّيْث: الدَّهْنَج: حصاً أخضرُ يُحكُّ مِنْهُ الفُصوص، وَلَيْسَ من مَحْض الْعَرَبيَّة.
وَقَالَ الشَّمَّاخ:
تُمسِي مُباذِلُها الفزِندُ وهِبرزٌ
حَسَنُ الوبِيص يَلوحُ فِيهِ الدَّهنَجُ
وَقَالَ الأصمعيّ: الدَّهامِج والدَّهانج: البعيرُ الَّذِي يقارِب الخَطْوَ ويُسرِع.
جرهد: وَقَالَ اللَّيْث: الجَرْهَدة: الرخاءُ فِي السّير، يُقَال: اجرَهدَّ الطريقُ: إِذا اسْتمرّ، وأَنشد:
على صَمُودِ النَّقْب مُجْرَهِدِّ
وَقَالَ الأخطل:

(6/271)


مسَاميحُ الشتَاء إِذا اجرَهدَّت
وعزَّتْ عِنْد مَقسَمها الْجَزُورُ
أَي اشتدّت وامتدَّ أمرُها
أَبُو عَمْرو: الجُرهُد: السَّيار النشيط.
هجدم: هِجْدَم. قَالَ اللَّيْث: هِيَ لُغَة فِي إِجْدَم فِي إِقْدامِك الْفرس، وزَجْرِكه، يُقَال: أول من رَكِب الفرسَ ابنُ آدم القاتلُ، حَمَل على أَخِيه فزَجر فَرساً، وَقَالَ: هِج الدَّمَ، فَلَمَّا كثر على الْأَلْسِنَة اقتَصَروا على هِجْدَم وإجْدَمْ.
جرهم: سلَمة عَن الْفراء قَالَ: الجُرهُم: الجريء فِي الْحَرْب وَغَيرهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الدَّهْمَجة: مشيُ الْكَبِير كَأَنَّهُ فِي قَيد.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَهرَمِيّة: ثيابٌ منسوبة، وَأنْشد:
لَا يُشْتَرى كَتّانُه وجَهرَمُهْ
جعَله اسْما بِإِخْرَاج يَاء النِّسبة.
جُرْهُم: حَيٌّ من الْيمن، نزلُوا بِمَكَّة وَتزَوج فيهم إسماعيلُ، ثمَّ أَلحَدُوا فِي الحرَم فأَبادَهم الله.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: جَمَلٌ جُراهِم وعُراهِم وعُراهِن: عَظِيم.
ابْن دُرَيْد رجلٌ جِرهامٌ فِي أَمره، وَبِه سُمِّي جُرْهُم.
جمهر همرج: وَقَالَ اللَّيْث: الجمهُور: الرَّمل الْكثير المُتراكِم الواسِعُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: هِيَ الرَّملة المشرِفة على مَا حولهَا، وجَمْهَر الترابَ إِذا جمع بعضَه فوقَ بعض، وَمِنْه قولُه: جَمْهِرُوا قَبرِي جمهرة، وجَمْهرتُ الْقَوْم، إِذا جمعتهم، وجماهيرُ الْقَوْم: أشرافُهم، وعدَدٌ مجمهَر مكثِّر.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: إِذا أخبرتَ الرجلَ بطرفٍ من الخبَر وكتمتَه الَّذِي يُرِيد. قلتَ: قد جمهرتُ.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هَمْرجتُ عَلَيْهِ الخَبَر هَمْرَجة: خلَطَته عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد: الجُمهورِيّ: اسمٌ شراب يُسكِر.
ابْن الأعرابيّ: ناقةٌ مَجَمْهرةٌ، إِذا كَانَت مداخَلة الخَلْق، كَأَنَّهَا جُمْهورُ رَمْل.
مهجر: ابْن السّكيت: التمهجُر التكبُّر مَعَ الغِنى، وَأنْشد:
تمهجَروا وأيُّما تَمهجُرِ
وهم بَنو العَبدِ اللَّئِيم العنْصرِ
هبرج: وَقَالَ اللَّيْث: الهَبرُجة: اختلاطٌ فِي الْمَشْي.
وَقَالَ العجاج:
يتبَعْن ذَيَّالاً مُوشَّى هَبرَجا
هرجب هرجل: وَقَالَ ابْن الْفرج: الهراجِيب والهراجيل: الضِّخام من الْإِبِل.
وَقَالَ جِران العَوْد:
حَتَّى إِذا مَتعت والشمسُ حامِيةٌ
مدّت سَوالفَها الضُّهبُ الهَراجيلُ
وَقَالَ رؤبة:
من كلّ قَرواءَ وهِرجابٍ فُنُقْ
وَهُوَ الضخم من كلّ شَيْء.
أَبُو عبيد: الهرجلة: الِاخْتِلَاط فِي المشيء، وَقد هرجل.

(6/272)


بهرج: والبهرَج: الدِّرْهَم الَّذِي فضَّتُه رَدِيئَة، وكل رديءِ من الدَّرَاهِم وَغَيرهَا بهرَج، وَهُوَ إِعْرَاب نَبْهَرَهْ وبُهرِج بهم أَي أُخِذ بهم فِي غير المَحَجَّة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: البَهْرَج: الدِّرْهم المُبْطَل السِّكّة، والبَهْرَج: التَّعْوِيج من الاسْتوَاء إِلَى غير الاسْتوَاء. والبَهْرَج: الشيءُ المُباح. وَيُقَال: بُهرِجَ دمُه.
والهِرْجاب: الضَّخْمَةُ من النُّوق.
جلهم: ورُوي أنّ أَبَا سُفيانَ قَالَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كِدْتَ تأذنُ لي حَتَّى تَأذنَ لحجارة الجُلْهُمَتَيْنِ.
قَالَ شمر: لم أَسْمَع الجُلهُمة إلاّ فِي هَذَا الحَدِيث وحرفاً آخر. رُوِي عَن أبي زيد. يُقَال: هَذَا جُلْهُمٌ. والجُلهُمة: القارَةُ الضَّخْمة.
قَالَ: وحَيٌّ من ربيعةَ يُقَال لَهُم: الجَلاَهِم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أرَاهُ أرادَ الْجَلهة، وَهُوَ فَم الْوَادي، فزادَ فِيهِ ميماً: فَقَالَ: جَلْهَمة، وَهَكَذَا رَوَاهُ بفَتح الْجِيم وَالْهَاء وَأنْشد:
بِجِلْهَةِ الْوَادي قَطاً نَواهِضُ
قلت الْعَرَب زَادَت الميمَ فِي حروفٍ كثيرةٍ، مِنْهَا قولُهم: قَصْمَل الشيءَ، إِذا كسَرَه وَأَصله قَصَل، وجَلْمَطَ شَعْرَه، إِذا حَلَقه، وَالْأَصْل جَلَط، وفَرْصَم الشَّيْء إِذا قطّعَه، وَالْأَصْل فَرَص، ومثلُه كثير.
هملج: وَقَالَ اللَّيْث: الهِملاَج: الحَسَن السَّير فِي سرعةٍ، وبَخْتَرَة.
وَيُقَال للذَّكَر وَالْأُنْثَى: هِمْلاَج، وأمرٌ مُهَمْلَجٌ مُذَلَّل، وَأنْشد العجَّاج:
قد قلَّدوا أَمْرهُمُ المُهَمْلَجا
جهل: وَقَالَ اللَّيْث: امرأةٌ جَهْيْلَة: قبِيحةٌ دَمِيمة.
هلبج: والهلْبَاجة: الثَّقيلُ من النَّاس الأحْمَق المائق. وَقَالَ الأصمعيّ مثله. وَيُقَال للّبن الخاثر: هِلباجةٌ أَيْضا.
جبهل جبجب: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: رجلٌ جَبْهَلٌ، إِذا كَانَ جَافيا، وَأنْشد لعبد الله بن الحجَّاج الثعلبيّ يخاطِب امْرَأَة:
إيَّاكِ لَا تستبدِلي قَرِدَ القَفَا
حَزَابِيَةً وهَيَّباناً جُبَاجِبا
ألَّفَ كأنَّ الغازِلاتِ مَنَحْنَه
من الصُّوفِ نِكْثاً أَو لئيماً دُبادِبا
الأَلَفُّ: العَيِيُّ الفَدْم، والدُّبادِبُ: الْكثير الشَّرّ والجَلَبة.
جَبَهْلاً ترَى مِنه الجَبينَ يَسُوءُها
إِذا نَظَرَت مِنْهُ الجَمالَ وحاجِبا
قَالَ: والجُباجِب مثل الدُّبادِب، وَهُوَ الْكثير الشَّرّ والجَلَبة.
جَهَنَّم: فِي جَهَنَّم قَولَانِ:
قَالَ يُونُس: جهنَّمُ اسمٌ للنّار الَّتِي يُعذِّبُ الله بهَا فِي الْآخِرَة، وَهِي أعجميَّةٌ لَا تُجْرَى للتعريف والعُجْمَة، وَقيل: جَهَنَّم اسمٌ عربيّ، سُمِّيَتْ نارُ الْآخِرَة بِهِ لبُعد قَعْرِها، وَإِنَّمَا لم تُجْرَ لثُقْل التَّعْرِيف مَعَ التَّأْنِيث.
ورُوِي عَن رؤبة أَنه قَالَ: رَكِيَّةٌ جِهِنَّام: بعيدةُ القَعْر.
هلجب: وَقَالَ النَّضر: الهِلْجَاب: الضخمة من القُدُور، وَكَذَلِكَ العَيْلَم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: شاةٌ هِمْلاج: لَا مُخّ فِيهَا لهُزالها، وَأنْشد:

(6/273)


أَعطَى خَليلي نَعْجةً هِمْلاَجا
رَجَاجةً إنَّ لَهَا رَجَاجا
والرّجاجة: الضعيفة الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا وَلَا مُخّ. ورجالٌ رجاجٌ: ضَعْفَى.

(بَاب الْهَاء والشين)
(هـ ش)
هرشم: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال للجَبل اللّين المَحْفِر هِرْشَمّ، وَأنْشد:
هِرْشَمَّةٌ فِي جبلٍ هِرْشَمِّ
وَيُقَال للناقة الخَوَّارة: هِرْشَمَّةٌ أَيْضا.
أَبُو عبيد، عَن الفرّاء: الهِرْشمّ: الرِّخْوُ النَّخِرُ من الْجبَال.
همرش: وَقَالَ اللَّيْث: عجُوزٌ هَمَّرشٌ، فِي اضْطِرَاب خَلْقِها وتَشَنُّجِ جِلدها.
أَبُو عبيد: عَن الأصمعيّ، عجوزٌ هَمَّرِاشٌ كَبِيرَة، وَأنْشد شمر:
إِنَّ الجِرَاءَ تختَرِشْ
فِي بَطْن أمِّ الهَمَّرِشْ
فيهنَّ جرْوٌ بَخْوَرِشْ
هرشف: قَالَ أَبُو عبيد: وعجوزٌ هِرْشَفَّةٌ: كَبِيرَة، وَأنْشد:
كلُّ عجوزٍ رأسُها كالكِفَّه
تَحْمِلُ جُفّاً مَعهَا هِرْشَفَّهْ
قَالَ أَبُو عبيد: والهِرَشَفَّة أَيْضا يُقَال: إِنَّهَا خِرقةٌ يُحْمَلُ بهَا المَاء، أَو قطعةُ كِساء أَو نَحوه يُنَشَّفُ بهَا الماءُ من الأَرْض ثمَّ يُعصَر فِي الْجُفِّ، وَذَلِكَ فِي قلّة المَاء.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للناقة الهَرِمة: هِرْشَفَّةٌ، وهِرْدَشَّة، وهِرْهِر.
وَقَالَ اللَّيْث: عجوزٌ هِرْشَفّة: بالية ودَلْوٌ هِرشَفّة: مُتَشَنجة بالية. وَيُقَال لصُوفة الدَّواة إِذا يبِسَتْ هِرشَفَّة. وَقد هَرْشَفَت واهرَشَّفَت
شهرب: عَمرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَّهْرَبةُ: الحُوَيضُ الَّذِي يكون أسفلَ النَّخْلَة.
هرشب: وَقَالَ: عجوزٌ هِرْشَفَّةٌ وهِرْشبّةٌ، بِالْفَاءِ وَالْبَاء.
شهنز: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سمعتُ أَبَا الدُّقَيش يَقُول للشُّونِيز: الشِّهنيز.
شهبر: وَقَالَ اللَّيْث: عجوزٌ شَهْبَرة وشَهْرَبةٌ، وَلَا يُقَال للرّجل، شَهبَر وَلَا شَهرَب، وَأنْشد:
رُبَّ عجوزٍ مِن لُكَيْزٍ شَهبَرهْ
علَّمتُها الإنقاضَ بعد القَرْقَرهْ
أَرَادَ أَنَّهَا كَانَت ذاتَ إبل فأغَرْتُ عَلَيْهَا وَلم أترُك لَهَا غيرَ شُوَيهاتٍ تُنْقِضُ بهَا.
نهشل: وَقَالَ اللَّيْث: نَهْشَل: اسمُ الذّئب.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ نَهْشَل الرجل: إِذا عَضَّ إنْسَانا تجميشاً. ونَهْشَلَ الرجل: إِذا أكلَ أكلَ الجائع.
دهفش: قَالَ: ودَهْفَشَ الرجلُ المرأةَ، إِذا جَمَّشَها.
هرشم: وجبَلٌ هِرشَمٌّ: دقيقٌ كثير المَاء.
همرش: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الهمْرَشَة الحَركة.

(6/274)


دهفش: سَلَمة عَن ابْن الأعرابيّ: الدَّهفَشةُ التَّجْمِيش.
هرشف: أَبُو خَيْرَة التَّهَرْشُفُ: التَّحسِّي قَلِيلا قَلِيلا، وَكَانَ الأَصْل الترشُّف فزيدت الهاءُ. وَكَذَلِكَ الشَّهْرَبة الحُوَيْض حَول أَسْفَل النَّخْلَة، الأصلُ فِيهِ الشّرْبة فزِيدَت الهاءُ.
وأُهمِلَت الْهَاء مَعَ الضَّاد فِي الرّباعي.

(بَاب الهَاء وَالصَّاد)
(هـ ص)
بهصل: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: إِذا جَاءَ الرجل عُرْياناً فَهُوَ: البُهْصُل والضَّيكَل.
هرنص: سَلمة عَن الفرّاء: الهَرْنَصَةُ مَشْيُ الدُّودَة، والدُّودة يُقَال لَهَا: الهِرْنِصَانة.
هنبص: قَالَ: والهَنْبَصةُ: الضَّحِك العالي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ فِي الهَنْبَصة مثله.
بهصل: أَبُو عبيد عَن الأُموي: البُهْصَلَة من النِّسَاء: القصيرة.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الصّخَّابة.
صلهب: قَالَ اللَّيْث: الصَّلْهب هُوَ الْبَيْت الْكَبِير، وأَنشد:
وشادَ عَمْرٌ ولكَ بَيْتاً صَلْهَبا
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيّ: الصَّلْهب والسَّلهب: الرجل الطَّوِيل.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الصَّلاهب من الْإِبِل: الشِّداد.
وَقَالَ الأمويّ: ناقةٌ صَلَهْبَى شديدةٌ.
بلهص: أَبُو عَمْرو التَّبَلهُص: خُرُوج الرجل من ثِيَابه، تَقول تَبَلْهَصَ من ثِيَابه.
وَمِنْه قولُ الراجز:
لَقِيتُ أَبَا ليلى فلمّا أخَذْته
تَبَلْهَصَ مِن أثوابه ثمَّ جَبَّيا
قلت: الأَصْل تَبَهْصَل من البُهْصَل فقُلِبَ فَقيل تَبَهْلَصَ:
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: بلْهَصَ أَي أَسْرع وفَرَّ، وأنشَد:
ولوْ أُرِي فاكَرِشٍ لبَلْهَصا
قَالَ: فاكَرِش، أَي مَكَانا ضيقا يستخفي فِيهِ، لأسرعَ إِلَيْهِ.
صهتم: ابْن السكّيت: رجل صَهْتَمٌ شديدٌ عَسِر، لَا يُردُّ وجههُ، وَهُوَ مِثلُ الصِّهْمِيم، وَأنْشد غَيره:
فَعَدَا على الرُّكْبان غيرَ مهلِّلٍ
بهِراوَةٍ سَلِسِ الخليقةِ صَهْتَمِ
أَرَادَ: غير مهلَّل سَلِس الخليقة، وصَهْتم: اسمُ رجلٍ بِعَيْنِه.

(بَاب الْهَاء وَالسِّين)
(هـ س)
سبهل: قَالَ أَبُو زيد الأنصاريّ: يُقَال: رأيتُ فلَانا يمشي سَبَهْلَلاً، وَهُوَ المختالُ فِي مشيته، وَإِذا مَشى بِغَيْر سِلاح، فَهُوَ سَبَهْلَلٌ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال للفارغ النشيط: سَبَهْلَلٌ، يُقَال: جَاءَ سَبَهْلَلا لَا شيءَ مَعَه.

(6/275)


وَيُقَال: مَشَى فلَان السِّبَهْلى، كَمَا تَقول: مَشى السِّبَطْرَى. والسِّبَطرى: الانبساط فِي الْمَشْي. قَالَ: والسَّبهلى التبخترُ.
هلبس: أَبُو عبيد عَن أبي الْجراح، يُقَال: مَا عَلَيْهِ هَلْبَسِيسةٌ، أَي مَا عَلَيْهِ شيءٌ من الحَلْي.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: يُقَال: أَنْت فِي الضّلال ابْن الأَلاَل ابْن السَّبَهلل، يَعْنِي الْبَاطِل. وَيُقَال جَاءَ مُسَبْهَلاً، أَي مُهْمَلاً.
طهلس: وَقَالَ اللَّيْث: الطِّهْليسُ: الْعَسْكَر الكثيف وَمِنْه قَوْله:
جحْفَلاً طِهليساً
هطلس هلطس: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تَهَطْلَسَ فلانٌ من عِلَّته: إِذا أَفلقَ مَرَضه وأَقبل.
شمر: الهِلْطَوْس. الخفيُّ الشَّخْص من الذّئاب، قَالَ الراجز:
قد ترك الذئبَ شديدَ العَوْلَتِي
أطلسَ هِلْطوساً كثير العَسَّتي
وَقَالَ غَيره: لص هَطَلَّسٌ: قطَّاعُ يُهطلِس كلَّ مَا وَجَده.
سهمد: وَقَالَ اللَّيْث: السَّهْمَدُ: الشيءُ الْيَابِس الصُّلْب.
قَالَ: والسمهدد: الجسيمُ من الْإِبِل. وَقد اسْمَهدَّ سَنامُه، إِذا عظم.
هندس: والمهندِس: الَّذِي يقدِّر مجاريَ القُنِيِّ واحتفارَها، وَهُوَ مُشْتَقّ من الهِنْداز، وَهِي فارسية أَصْلهَا أَوَانداز أَي: مقدِّر المَاء. والعَرَبُ تسمِّيه: القُناقِنُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أسَدٌ هِنْدِس، أَي جريء.
وَقَالَ جَندل:
يَأْكُل أَو يَحْسُو دَمًا ويلحَسُ
شِدْقَيه هوّاسٌ هِزْبرٌ هِنْدِسُ
وفلانٌ هِنْدَوْسُ هَذَا الْأَمر، وهم هَنادِسةُ هَذَا الْأَمر، أَي العلماءُ بِهِ. ورَجُل هندَوْس، إِذا كَانَ جيد النّظر مُجَرِّباً.
هدبس: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهَدَبَّس: ولد البَبْر، وَأنْشد المبرّد:
وَلَقَد رأيتُ هَدَبَّساً وفَزَارةً
والفِزْرَ يتبع فِزْرةً كالضَّيْوَنِ
دهرس: وَقَالَ اللَّيْث: الدَّهاريس الدّواهي، الْوَاحِدَة دَهْرَسَ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هِيَ الدّراهيس أَيْضا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ناقةٌ ذاتُ دَهْرَس، أَي ذاتُ خفَّة ونشاط. وأَنشد:
ذاتُ أَزابِيّ وذاتُ دِهْرَسِ
وَأنْشد اللَّيْث:
حَنَّت إِلَى النَّخْلَة القُصْوى فقلتُ لَهَا
حِجْرٌ حرامٌ ألاَ تلكَ الدهاريسُ
سرهد: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المسرهَد: الحَسَن الغِذاء، وَقد سَرهَدته أُمُّه. وسَنامٌ مُسَرْهَدٌ إِذا كَانَ سميناً قد قُطع قطعا عَرْضاً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ماءٌ سُرهُد: كثير.
بهنس: أَبُو عبيد عَن أبي زيد، قَالَ: التَّبهنُسُ التبختُر، وَهُوَ البهنسة، وجَملٌ بهنسٌ وبُهَانِسٌ: دَلول.

(6/276)


سرهف سرعف: وَقَالَ الريَّاشي: المسرْهف والمسرعَف والمسرهد الحَسنَ الغذاءُ، والسَّرْهفة: نَعْمة الغِذاء.
فهرس: وَقَالَ اللَّيْث: الفِهرسُ: الْكتاب الَّذِي تجمع فِيهِ الكُتب.
قلتُ وَلَيْسَ بعربيّ مَحْض، وَلكنه معرَّب.
سرهب: قَالَ: والسَّرْهبُ هُوَ المائق الأَكول الشَّروب.
سهبر: والسِّهبرة من أَسمَاء الرَّكايا.
سهرز: والسهريز جنسٌ من التّمر مَعْرُوف، وَهُوَ معرّب.
وَيُقَال: شهريز، وَالسِّين أعرب.
رهمس دهمس: سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الرَّهمسة والدَّهمسة: السِّرار.
وأُتي الْحجَّاج بن يُوسُف برجلٍ فَقَالَ: أَمِن أهل الرَّسّ والرَّهمسة أَنْت؟
وَيُقَال: هُوَ يُرهْمِسُ ويُرَهْسِم إِذا سارَّ وساوَدَ.
سمهر: والرِّماح السَّمْهَرِيَّة تُنسَب إِلَى رجل كَانَ اسْمه سَمْهَر كَانَ يَبِيع الرماح بالْخَطّ وَكَانَت امْرَأَته رُدَيْنَة.
النَّضر عَن الجعديّ: سَمْهَرَ الزرعُ إِذا لم يتوالَدْ كأنّه كلّ حَبّة برأسها.
هرمس: الكسائيّ: أَسَدٌ هِرْماس وهُرَامِس وَهُوَ الجَريء الشَّديد.
وَقَالَ غَيره: الهِرْماس: الأسَد العادِي على النَّاس.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهِرْماس ولد النَّمِر.
قَالَ: والهِرْمِيس: الكَرْكَدَّن، وَأنْشد:
والفيل لَا يَبقَى وَلَا الهِرْمِيسُ
وَأنْشد اللَّيْث فِي الْأسد:
يَعْدُو بأشبالٍ أبُوها الهِرْماسْ
نهمس رهمس: وَقَالَ شَبابَة: أمرٌ مُرَهْمَس مُنَهْمَس، أَي مَسْتُور.
سمهر: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: المُسْمَهِرّ: المعتدِل.
وَقَالَ اللَّيْث: شوك مُسْمَهِرٌّ: يَابِس. واسمَهَرَّ الظلامُ: إِذا تَنكَّر. وعُرْدٌ مُسْمَهِرّ، إِذا اتْمَهَلَّ، وَأنْشد غَيره لرؤبة:
إِذا اسمهرّ الحَلِسُ المُغالِثُ
أَي تَنكَّر وتكَرَّه.
أَبُو عبيد عَن أبي الْجراح، وَأبي زيد: مَا عَلَيْهِمَا هَلْبَسِيسة، أَي شَيْء من الحَلْي.
سلهب: وَقَالَ اللَّيْث: السَّلْهَب: الطويلُ من الخَيْل وَالنَّاس.
قَالَ: وسمعتُ أَبَا الدُّقَيش يَقُول: امْرَأَة سَرْهَبَة كالسلهبة فِي الْخَيل فِي الْجِسْم والطُّول.
هملس: وَقَالَ اللَّيْث: رجل هَمَلَّس قويُّ الساقَين شديدُ المَشْي.
سلهم: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المُسْلَهِمّ المتغيِّر اللّون.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الَّذِي بَرَاه المَرَضُ والدُّؤُوب فَصَارَ كَأَنَّهُ مَسْلُول.
سهنش: أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الْفراء، قَالَ: يُقَال: افْعَل هَذَا سِهِنشاه وسِهِنْساه، أَي افْعله آخرَ كلّ شَيْء.

(6/277)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَلَا يُقَال هَذَا إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَا يُقَال: فعلتُه سِهنْساه، وَلَا فعلتُه آثِرَ ذِي أَثِير.

(بَاب الهَاء وَالزَّاي)
(هـ ز)
بهزر: أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: البَهازِرُ من النَّخيل وَالْإِبِل: العِظام المَواقِير، وَأنْشد:
أعطاكَ يَا بحرُ الَّذِي يُعطِي النِّعَمْ
مِن غيرِ لَا تَمنُّنٍ وَلَا عَدمْ
بَهازِراً لم تَنْتَجِعْ مَعَ الغَنَمْ
لم تَكُ مَأوًى للقُرادِ والْحَلَمْ
بَين نَواصيهِنَّ والأرضِ قِيمْ
اللَّيْث: البَهْزَرة: النَّخْلَة الَّتِي لَا تنالُها بيَدِك.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: البَهْزرة النَّاقة الْعَظِيمَة وجمعُها بَهازِر.
زَهْدَم: وَقَالَ اللَّيْث: زَهْدَمٌ: من أَسمَاء الْأسد.
هبرز: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: الهِبْرِزِيُّ الدِّينار الْجَدِيد، وَأنْشد لرجُل رَثَى ابْنا لَهُ:
فَمَا هِبْرِزِيٌّ من دنانيرِ أَيْلَةٍ
بأَيْدِي الوُشاةِ ناصِعٌ يتأَكَّل
قَالَ: الوُشاة ضَرَّابُو الدَّنانير. يتأَكّل: يأكلُ بعضُه بَعْضًا من حُسْنِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الهِبْرِزِيُّ: الجَلْدُ النَّافِذ.
قَالَ: والهِبْرِزِيُّ الخفُّ الجيِّد بلُغة أهلِ الْيمن. والهِبْرِزِيُّ الْأسد، وَمِنْه قَوْله:
بهَا مِثْلُ مَشْي الهِبْرِزِيّ المُسَرْوَلِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: الهِبْرِزِيّ: الإسْوَارُ من أساوِرة فَارس.
وَقَالَ غَيره: الهِبْرِزِيُّ والإبْرِزِيّ: الذَّهب الْخَالِص، وَهُوَ الإبْرِيز.
هزبر: والهِزَبْر: من أَسمَاء الْأسد.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَاقَة هِزَبْرَة: صُلْبة، وَأنْشد:
هِزَبْرَةٌ ذاتُ سَبِيبٍ أَصْهَبا
دهلز: وَقَالَ اللَّيْث: دِهْليزِ: إِعْرَاب دَالِيح، فارسية.
بهوز بهزر: قَالَ: والبَهاوِيزُ من النُّوق والنخيل: الجِسامُ الصَّفايا، الْوَاحِدَة بَهْوازة.
قلت: لم أسمع البَهاوِيز لغيره. وأظنُّه البَهازِير.
زمهر: وَقَالَ اللَّيْث: الزَّمْهرِير: شِدَّة الْبرد، وَقد ازمَهرَّ ازْمِهراراً.
أَبُو عُبيد عَن الْفراء: المُزْمَهِرُّ الَّذِي قد احمرَّت عَيناهُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الازْمِهرارُ فِي العَين عِنْد الغَضَب والشدة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الزَّمْهرير البردُ وزَمْهرت عَيناهُ إِذا احمرَّتا.
هُرْمُز: وَقَالَ اللَّيْث: هُرْمُز: من أَسمَاء العَجَم.
قَالَ: والشيخُ يُهَرْمِز، وهَرْمَزَتُهُ لَوْكُه لُقمتَه فِي فِيهِ لَا يُسيِغه وَهُوَ يُدِيرُه فِي فِيهِ.

(6/278)


لهزم: وَقَالَ اللَّيْث: اللِّهزِمَتان: مُضَيْغَتان عُلَيَّيَان فِي أصل الحَنَكَيْن فِي أَقْصَى الشِّدْقَيْن، وَأنْشد أَبُو زيد:
إمَّا تَرَى رأسِي عَلاَنِي أغْثَمُهْ
لَهَزَمَ خَدَّيَّ بِهِ مُلَهزِمُهْ.
يُقَال: لهزَه الشيبُ ولَهزَمَهُ بِمَعْنى.
زمهل: وَيُقَال: ازْمَهلَّ المطرُ ازمِهلالاً، إِذا وَقع، وازمَهلّ الثلجُ إِذا سالَ بعد ذَوَبانه. وماءٌ مُزْمَهِلٌ: صافٍ.
زهزم: والزَّهْزَمة: الصوتُ، مِثلُ الزَّمْزَمة.
هزبل: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهَزْبَلِيلُ: الشيءُ التافِه الْيَسِير. وهَزْبَلَ: إِذا افتَقَر مُدقِعاً.
هزبر: ابْن السّكيت: رجل هَزَنْبَز وهَزَنْبزانُ أَي حَدِيد وَثّاب.
لهزم: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: اللهازم هم: عِجْلٌ، وتَيْمٌ الّلاتِ، وقيسُ بن ثَعلبَة، وعَنَزُة. والأَراقم: بَنو بكر، وجُشَم، ومالكٌ، والحارثُ، وَمُعَاوِيَة.
زنهر: وَفِي (نَوَادِر الأَعراب) : فلَان مُزَنْهِرٌ إليّ بعَيْنه، ومُزَنِّر ومُبَنْدِق وحالِقٌ إليَّ بِعَيْنِه، ومُحَلِّق، وجاحِظ، ومُجَحِّظ، ومُنْدِرٌ إليَّ بِعَيْنِه ونادِرٌ، وَهُوَ شدّة النّظر، وإخراجُ العَين.
زَهْدَم: وَقَالَ الأَصمعيّ: العَرَب تَقول للصَّقْر: الزَّهْدَمُ، وللبَحر: الدَّهثَم.
قَالَ: والدَّهثَم: الرجل السخِيُّ.
هبزر: وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تَقول للحُمَّى: أُمُّ الهِبْزِرِيّ.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي: الدَّهْليز: الجِيئة الَّتِي يَجتمَع فِيهَا المَاء.
زلهم: والمُزَلْهِمُ الخفيفُ من الرِّجال.

(بَاب الهَاء والطاء)
(هـ ط)
طهمل: عَمْرو عَن أَبِيه: الطَّهْمَلِيُّ: الْأسود الْقصير. وَأنْشد أَبُو عبيد:
لَا جَعْبَرِيّاتٍ وَلَا طَهامِل ا
قَالَ اللَّيْث: يَعْنِي القِباحَ الخِلقة.
طرهم: أَبُو عبيد، عَن أبي زِيَاد الكِلابيّ: المُطْرَهِمّ: الشَّباب المعتدِل المتام.
شمر عَن ابْن الأَعرابيّ: المطرهِمُّ: الممتلىءُ الحَسَن.
وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ المشرِف الطَّوِيل، وَقد اطرهمَّ واطْرَخَمَّ، وَأنْشد أَبو عبيد:
أُرجِّي شَباباً مُطْرَهِمّاً وصِحّة
هرمط: غَيره: هرمَط عِرْضَه وهرطَه وهرتَه وهردَه، بِمَعْنى وَاحِد.
طهفل: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: طَهفَل: إِذا أكل خُبْزَ الذُّرَة وداوَم عَلَيْهِ.
هرطل: قَالَ: وَيُقَال للرجل الطَّوِيل الْعَظِيم الجِسْمِ: هرطال، وهِردَبَّه وهَقَوَّر وقِنَوَّرٌ

(بَاب الهَاء وَالدَّال)
(هـ د)
هردب: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الهِردَبَّة: المنتفِخ الجَوف، الَّذِي لَا فؤاد لَهُ.

(6/279)


وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الجَبان الضخم، القليلُ العَقْل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهِرْدَبَّة العَجوز.
دِرْهَم: اللَّيْث، يُقَال: رجلٌ دَرْهَم ودِرْهِم، ورجُل مُدَرْهَمٌ: كثير الدَّرَاهِم، ورجلٌ مُدَرْهِم: كثيرُ الدَّرَاهِم ورجلٌ مُدْرَهِمٌّ، وَقد ادرَهَمّ هَرَماً وادْرِهْماماً، إِذا هَرِمَ.
هبرد: وَقَالَ اللَّيْث: ثريدةٌ هِبْرِدَانةٌ مِبْرِدانةٌ مُصَعْنَبة: مُسَوَّاة.
فرهد: أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الفُرْهُدُ: الحادِرُ الغَليظ.
وَقَالَ اللحياني: وَيُقَال: فُلْهُد. وفُرْهُود: حيٌّ من اليَمن، وَيُقَال لَهُم فَراهِيد، وَكَانَ الْخَلِيل بن أحمدَ ح مِنْهُم.
هلدم: وَقَالَ اللَّيْث: الهِلْدِم: اللِّبْد الجافي الغليظ.
وَقَالَ رؤبة:
عَلَيْهِ من لِبدِ الزمانِ هِلْدِمُهْ
دلهم: وادْلَهمَّ الليلُ والظلام، إِذا كَثُف، وفَلاةٌ مُدْلهِمَّة: لَا أَعْلاَمَ فِيهَا.
هندب: وَقَالَ اللَّيْث: هِنْدَب وهِنْدَباء وهِنْدَباءة وَاحِدَة، وَهِي من أَحْرَار البُقول.
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال: هَذِه هِنْدَباء وباقِلاءُ، فأَنَّثُوا ومَدُّوا، وَهَذِه كَشُوثاءُ مؤنَّثة.
هدبد: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الهُدَبِدُ: الشَّبْكرة وَهُوَ العَشاء يكون فِي العَين، يُقَال: بِعيْنه هُدَبِدٌ.
والهُدَبِد: الصَّمْغ الَّذِي يسيل من الشّجر أَسوَدَ، ولبنٌ هُدَبِدٌ وفُدَفِدٌ، وَهُوَ: الحامض الخاثِر.
رهدن رهدل: الأصمعيّ وغيرُه: الرَّهادِن والرَّهادِلُ، وَاحِدهَا رَهْدَنَة ورَهْدَلَة، وَهُوَ طائرٌ شَبيه بالقُبَّرة إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُ قُنْزُعة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَهْدَن: الرجلُ الجَبان شُبِّه بِهَذَا الطَّائِر. والأزْدُ تُرَهِدْن فِي مِشْيتها كَأَنَّهَا تَستدير.
دهثم: اللَّيْث: مَكَان دَهْثَم: دَمِثٌ سَهْل.
هدمل: أَبُو عبيد: الهِدْمِل: ثوب خَلَق، وَأنْشد:
عَجوزٌ عَلَيْهَا هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعَلِ
قَالَ: والهِدَمْلة الرملة الْكَثِيرَة الشَجَر، وَأنْشد غَيره:
حيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ الموَاعِيسِ
بهدل: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: بَهْدَل الرجلُ إِذا عَظُمتْ ثَنْدُوَتُه، وَيُقَال للْمَرْأَة: إِنَّهَا لذات بَهادِلَ وبآدِل، وَهِي لَحماتٌ بَين العُنق إِلَى التَّرْقُوَة.
والبَهْدَلة والبَحْدَلة: الخِفَّة فِي المَشي والإسراع فِيهِ، يُقَال: بَهْدَل وبَحْدَل، إِذا أسرَعَ.
وَبَنُو بَهْدَل: حيٌّ من بني سعد.
دهدن: أَبُو عُبَيْد عَن أبي زيد: الدُّهْدُنّ الْبَاطِل، وَأنْشد:
لأجْعَلَنْ لابنةِ عمرٍ وفَنَّا
حَتَّى يكون مَهْرُها دُهْدُنّا
دهدر: وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ الدُّهْدُرّ أَيْضا بالراء للباطل.

(6/280)


قَالَ: وَمِنْه قولُهم: دُهْدُرَّين ودُهْدُرَّيْه للرجل الكذوب.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْعَرَب تَقول: دُهْدُرّان لَا يُغنِيان عَنْك شَيْئا.
دلهث: وَقَالَ اللَّيْث: الدِّلهاث: هُوَ السَّرِيع المتقدِّم. قلت: كَأَن أصلَه من الاندلاث، وَهُوَ التقدُّم فزيدت الْهَاء. وَقيل: الدِّلْهاث: الجريء المِقدام وَيُقَال للأسد: دِلْهاث.
دهبل: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: دَهْبَلَ، إِذا كَبَّر اللُّقَمَ ليُسَابِق فِي الْأكل.
دهدم: وَيُقَال: دَهْدَمْتُ البناءَ، إِذا كسَرتَه.
وَقَالَ العجاج:
والنُّؤَى بعدَ عهدِه المُدَهْدَمِ
وتدَهْدَمَ الحائطُ وتَجَرْجَمَ، إِذا سَقط
دهدأ: أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: مَا أَدْرِي أيُّ الدَّهْدأ هُوَ؟ ، مهموزٌ كَقَوْلِك: مَا أَدْرِي أيُّ الطَّمْشِ هُوَ.
بهدر: شمر، عَن أبي عدنان قَالَ: البُهْدُرِيّ والبُحْدُرِي: المُقَرْقَم الَّذِي لَا يَشبُّ.
أَبُو عبيد: الفُرْهُد: الحادِرُ الغليظ من الغِلْمان.

(بَاب الْهَاء وَالتَّاء)
(هـ ت)
هتمل: أَبُو عبيد: الهَتْمَلَة: الْكَلَام الخَفِيُّ، وَأنْشد قولَ الكُمَيت:
وَلَا أشهد الهُجْرَ والقائليه
إِذا هُمْ بَهينمةٍ هَتْملُوا
وَقَالَ أَبُو زيد: المتْمَهِّلُّ: المعتدِل وَقد اتْمَهَلّ سَنام الْبَعِير واتمألّ، إِذا انتصب واستقام، فَهُوَ مُتْمَهِلّ ومُتَمَئِّل.
ورَوى الرّياشيُّ عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: عَن يَسارِ ضَرِّية وَهِي قريةٌ رَكايا يُقَال لَهَا: هَرامِيت وحولها جِفار، وَأنْشد:
بقايا جِفارٍ من هراميتَ نُزَّحِ
وَقَالَ النَّضر فِي هراميتَ: هِيَ ركايا خَاصَّة.
بهتر: أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ قَالَ: البُهْتُر والبُحْتُر: الْقصير، وَامْرَأَة بُهْتُرة. قلتُ: وجمعُها البهاتر والبَحاتِر، وَأنْشد ابْن السّكيت:
عَنَيْتُ قَصِيراتِ الْحِجالِ وَلم أُرِدْ
قِصَارَ الخُطَى شَرُّ النِّساءِ البهاتِرُ
أهملت الْهَاء مَعَ الظَّاء.

(بَاب الهَاء والذال)
(هـ ذ)
لهذم: اللَّيْث: اللَّهْذَم: كلُّ شَيْء حادَ من سِنانٍ وسَيف قَاطع. ولَهذَمَتُه: فِعْلُه.
هذرم: والهَذْرَمة: كثرةُ الْكَلَام. ورجلٌ هُذارِم وهُذارِمَةٌ، وَقد هَذْرَمَ فِي كَلَامه، والهَذْرَمة: قِراءةٌ فِي سرعَة، وَأنْشد أَبُو عبيد:
وَكَانَ فِي الْمجْلس جَمَّ الهذْرَمَهْ
أَرَادَ أَنه كَانَ كثيرَ الْكَلَام.
والتَّلَهْذُمُ: الْأكل، قَالَ سُبَيع:
لَوْلَا الإلاهُ وَلَوْلَا حَزْمُ طالبها
تَلَهذَمُوها كَمَا نالوا من العِيرِ
هذلم: والهَذْلمَةُ: مشيٌ فِي سرعَة، وَأنْشد فِيهِ:

(6/281)


قد هذْلَم السارقُ بعد العَتَمَهْ
نَحْو بيوتِ الحيِّ أيّ هذْلَمهْ
هربذ: أَبُو عبيد: الهِرْبِذَى: مِشية تُشبِه مِشية الهَرابذَة وهمْ حكام المَجُوس.

(بَاب الهَاء والثاء)
(هـ ث)
هرثم: هَرْثَمةُ: من أَسمَاء الْأسد. والهَرثمةُ: العرْثمةُ، وَهِي الدائرة، الَّتِي وَسَط الشَّفة الْعليا. وهَرْثَمةُ: من أَسمَاء الرِّجَال.
هنبث: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول رؤبة:
وكنتُ لمّا تُلْهِني الهَنابِثُ
يُقَال: وقعتْ بَين النَاس هَنابِثُ، وَهِي أمورٌ وهَناتِ، قلتُ: واحدتُها هَنْبَثَة، وَأنْشد غيرُه قَول الشَّاعِر:
قد كَانَ بَعْدَكَ أنباءٌ وهَنْبَثَةٌ
لَو كنتَ شاهدَ هالم تَكثُر الخُطَبُ

(بَاب الْهَاء وَالرَّاء هـ ر)
هرمل: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَرْمَلَ شَعْرَه، إِذا زَلَقَهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: شَعرُه هَرَامِيل إِذا سقَط، وَأنْشد غَيره:
قد هَرْمَلَ الصيفُ من أَعْناقِها الوَبرَا
وَقَالَ اللَّيْث: الهُرْمُولةُ: الرُّعْبُولة تَنْشَقُّ مِن ذَناذِن القَمِيص، وَأنْشد:
كأَنَّ رِيشَ ذُناباها هَرَامِيلُ
برهم: وَقَالَ الأصمعيّ: بَرْهم وبَرْشمَ، إِذا أدامَ النّظر، وَأنْشد:
ونظراً هَوْنَ الهُوَينى بَرْهَما
وَقَالَ اللَّيْث: بَرْهَمةُ الشّجر: بُرْعُمَتُه، وَهُوَ مُجْتَمع نوْرِه.
والبهْرَمانُ: ضَربٌ من العُصفُر.
بهرامج: وَقَالَ أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الرَّنْفُ: بَهرامَج البرّ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا بَهْرَامَجُ البرّ؟
هنبر: وَقَالَ اللَّيْث: الهِنبِرَة: الأتان.
أَبُو عبيد، عَن أَبي عَمْرو: الهِنْبِر: الجحش. وَمِنْه قيل للأَتان: أُمُّ الهِنْبِر.
وَقَالَ اللَّيْث: أُمُّ الهِنْبِر وَأَبُو الهِنبِر: هما: الضَّبُعُ، والضِّبْعَانُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: الهِنْبِر الضَّبُع، وَأنْشد:
مُلْفَيْنَ لَا يَرمُون اًّمَّ الهِنْبِرِ
وَقَالَ غَيره: أمّ الهِنْبِر: هِيَ الحِمارة الأهليَّة.
وَفِي حَدِيث كَعْب أَنَّه ذكَر الجنّة فَقَالَ: فِيهَا هَنابِيرُ مِسكٍ يَبعثُ الله عَلَيْهَا ريحًا تُسمَّى المُثِيرَة، فتُثِير ذَلِك المِسكَ على وُجُوههم.
قيل: الهنابيرُ والنَّهابيرُ: رمالٌ مُشرِفةٌ واحدتُها هُنْبورَة ونُهبورة.
نهبر: وَقَالَ: النهابير: الرِّمال، واحدُها نُهبور، وقوماً أَشرف مِنْهُ.
تيهر: قَالَ: والتَّيْهُورُ: مَا اطمأنّ مِنْهُ.
ورويّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: من جَمعَ مَالا من مَهَاوِشَ أَذْهَبه الله فِي نهابر.
قَالَ أَبُو عبيد: النهابر: المهالك هَهُنَا.
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ لعُثْمَان: إنّك قد ركبتَ بِهَذِهِ الأمّة نهابِيرَ من الْأُمُور، فتُبْ مِنْهَا، يَعْنِي بالنهابير

(6/282)


أموراً شِداداً صعبةً، شَبهها بنَهابير الرَّمل، لِأَن الْمَشْي يَصعُب على مَن رَكِبَها.
وَقَالَ نَافِع بن لَقِيط، أَنشده ابْن الْأَعرَابِي لَهُ:
ولأَحْمِلنْكَ على نَهابر إنْ تَثِبْ
فِيهَا وإنْ كنتَ المُنَهِّتَ تعْطَبِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهنَّبْر: الأدِيم، والهِنْبِرُ: ولدَ الأَتان، وَأنْشد ابْن الأعرابيّ:
يَا فَتًى مَا قتلْتُمُ غير رُعْبُو
بٍ وَلَا من قُوارَة الهِنَّبْرِ
قَالَ: الهِنَّبْر: الْأَدِيم هَاهُنَا.
وَقيل فِي قَوْله: فِيهَا هَنابيرُ مِسْك، يُرِيد أَنابير مِسْك، وَهِي كُثْبان مُشرفة، أُخِذ من انتِبار الشَّيْء، وَهُوَ ارتفاعُه.
والإنْبارُ من الطَّعَام مأخوذُ مِنْهُ قُلِبت الهمزةُ هَاء.

(بَاب الْهَاء وَاللَّام)
هـ ل)
نهمل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: نهْمَلَ، إِذا أَسَنَّ.
نهبل: وَقَالَ اللَّيْث: شيخٌ نَهْبَل، وعَجوزٌ نهْبَلة.
وَقَالَ أَبُو زَبيد الطائيّ:
مأوَى الْيَتِيم ومأوى كلِّ نهْبَلةٍ
تأوِي إِلَى نهْبَلٍ كالنَّسرِ عُلفوفِ
هنبل: قَالَ: وهَنْبل فلانٌ، وجاه مُهَتْبِلاً، إِذا مَشَى مِشْيَة الضَّبُع وَأنْشد قَوْله:
مثل الضِّباع إِذا راحتْ مُهَنْبِلةً
أدْنى مآوِيها الغِيرانُ واللُّجُفُ
فَلهم: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ الفَلْهَم فرَجُ الْمَرْأَة.
ملهم: قَالَ: ومَلْهَم: قَرْيَةٌ بِالْيَمَامَةِ.
قَالَ: والمِلْهَمُ: الكثيرُ الْأكل.
مرهم: وَقَالَ اللَّيْث: مَرْهَم هُوَ أَلينُ مَا يكونُ من الدّواء الَّذِي يُضمَّد بِهِ الجرْحُ.
يُقَال: مرهَمْتُ الجُرحَ.
سرهف وشرهف: أَبُو تُرَاب: سَرْهَفَ غِذاءَه، وشَرهفَه، إِذا أحسَن غِذاءَه.
بهكل بهكن: وَقَالَ: المؤرّج: امْرَأَة بَهْكَلة وبهْكَنة: للغَضَّة، وَهِي ذاتُ شَبَابَ بهَكَل وبَهْكَن وَأنْشد:
وكَفَلٍ مِثلِ الكَثيبِ الأهْيَلِ
رُعْبُوبةٍ ذَات شَباب بهْكَلِ
هلبت: أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الهِلْبَوْتُ: الأحمق.
بلهن رفهن: والبُلَهْنِيَة والرُّفَهْنِيَة والرُّفَغْنِيةُ: سَعَةُ العَيْش والخِصْب

(6/283)


بَاب خماسي الهَاء
قلهزم القلهبسة: قَالَ ابْن المظفّر: القَلَهْزَمُ: الرجل المرتَبِعُ الجَسِيمُ الَّذِي لَيْسَ بِفرْجِ الرَّأْي وَلَا طريرٍ فِي المنطِق، لَيْسَ من عِظَم رَأسه، وَلَا مِن صِغَره. وَيُقَال: هُوَ الضّخم الرَّأْس واللِّهْزِمَتَين.
وَقَالَ ابْن السّكيت: القَلَهْزَم: القَصير.
قَالَ: والقَلَهْبَسَةُ: من حُمُر الْوَحْش: المسِنَّةُ.
قهبلس: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: القَهْبَلِس: القَمْلَة الصَّغِيرَة.
همرجل: اللَّيْث: الهَمَرْجَلُ: الْجواد السَّرِيع، وجملٌ هَمَرْجَل: سريع، وَأنْشد:
يَسُفْنَ عِطْفَى سَنِمٍ هَمَرْجَلِ
ونَجاءٌ هَمَرْجَل.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا جَدَّ فيهنّ النَّجاءُ الهَمَرْجَلُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الهَمَرْجَلة: النَّاقة السريعة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهَمَرْجَل: الجملُ الضَّخم. وَمثله الشَّمردَل، وَتجمع الهَمَرْجَلة هَمَرْجَلاَت.
دلهمس: والدَّلَهْمَسُ: من أَسمَاء الْأسد، وَمِنْه قَول الرّاجز:
أَوْ أَسَدٌ فِي غِيله دَلَهْمَسُ
برهمن: والبِرَهْمَنُ بالسُّمَنيَّة: عالمهُم وعابدهم.
كنهبل: وَقَالَ أَبُو عبيد: الكَنهبَلُ: شجرٌ، واحدتها كَنَهْبَلة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هِيَ شجرٌ عِظَام مَعْرُوفَة.
سمهدر: سَلمَة عَن الْفراء: غلامٌ سَمَهْدَر، يَمدَحُه بِكَثْرَة لحمِه.
وَقَالَ الْأَخْفَش: بلدٌ سَمَهْدَرٌ: بعيدُ الْأَطْرَاف، وَأنْشد:
ودُونَ ليلَى بلدٌ سَمَهْدَرُ
هبركل: وَقَالَ ابْن الْفرج غلامٌ هَبَرْكل: قويّ.
قَالَ: وأَنشدتْنا أمّ البُهلُول:
يَا رُبّ بيضاءَ بِوَعْثِ الأَرْمُلِ
قد شُغِفَتْ بِناشيءٍ هَبَركلِ
قهبلس: أَبُو عَمْرو: القَهْبَلِسُ تُوصَف بِهِ الكَمَرَةُ، وأَنشد:
كَمرَةٍ قَهْباء قَهبَى قَهْبَلِسْ
يَجْمِلُهَا راعِي خَلِيَّاتٍ شُمُس
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: القَهْبَلِسُ: الْأَبْيَض الَّذِي تعلُوه كُدْرَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: وَإِذا صَغُرَ خَلْقُه وجَعُد قيل لَهُ: قَلَهْزَمٌ.

(6/284)


كنهبل: النَّضر عَن الجَعديّ: الكَنَهْبُلُ من الشَّعِير: أضخمُه سُنْبلةً، قَالَ: وَهِي شعيرةٌ يَمانيَّة حمراءُ السُّنبُلة صغيرةُ الحبّ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ليلٌ دَلَهْمَسٌ: شديدُ الظُّلمة، وظلمة دَلَهمسة: هائلة الظُّلمة، قَالَ الْكُمَيْت:
إليكَ فِي الحِنْدِسِ الدَّلَهْمَسَةِ الطْ
طامِسِ مثل الكواكبِ الثُّقُبِ
أَبُو عبيد: الدَّلَهْمَسُ: الْأسد لجرأته وقوّته، ورجلٌ دَلَهْمَسُ اللّيل: جريء اللَّيْل إِذا سَرَى فِيهِ.
وَقَالَ النَّضر: الدَّلَهْمَس الَّذِي لَا يهولُه شيءٌ لَيْلًا وَلَا نَهَارا.
هندويل: أَبُو عَمْرو: الهَنْدَوِيلُ: الضعيفُ الَّذِي فِيهِ استرخاء، ونُوكٌ.
دهدموز: والدَّهْدَمُوز: الشَّديد الْأكل، وَأنْشد:
لَا تُكْرِيَنَّ بعدَها عجوزاً
واسعةَ الشِّدْقَين دَهدَمُوزا
تَلقَمُ لَقْماً كالْقَطَا مَكنوزَا
هيجبوس: قَالَ: والهَيْجَبُوس: الرجل الأهوَج الجافي، وَأنْشد:
أحقٌّ مَا يُبَلِّغُني ابنُ تُرْنَى
من الأقوامِ أهوجُ هَيْجَبوسُ
جيهبوق: وَأَخْبرنِي الإياديُّ عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ: الْجَيْهَبُوق: خُرْءُ الفار.
تلهلأ: قَالَ: وتَلَهلأتُ، أَي نَكَصْتُ.
هيدكور: وَقَالَ أَبُو عَمرو: الهَيْدكُور: الخاثر من الألبان، وَأنْشد:
قلنَا لَهُ اسقِ ضَيْفَك النَّمِيرا
ولبناً يَا عَمرو هَيْدَ كُورا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل؛ الهَيْدكُو: الشّابّة من النِّسَاء، الضَّخمةُ، الحَسَنة الدَّلّ فِي الثِّيَاب، وَأنْشد:
بَهْكَنَةٌ هَيفاءُ هَيْدكُورُ
هزبلية: ابْن السّكيت: مَا فِيهِ هَزْبَلِيلَةٌ، إِذا لم يكن فِيهِ شيءٌ.
آخر كتابِ الْهَاء والمِنّةُ لله على نعَمِه.

(6/285)


كتاب حرف الْخَاء من تَهْذِيب اللُّغَة
أَبْوَاب المضاعف

(خَ غ)
أهملت الْخَاء مَعَ الْغَيْن.

(بَاب الْخَاء وَالْقَاف)
(خَ ق)
اسْتعْمل من وجوهه: خقّ، وخقخق.
خق خقخق: قَالَ ابْن المظفَّر: الخقِيق: زُعاقُ قُنْب الدّابّة، فإِذا ضُوعِف مخفَّفاً قيل: خَقْخَقَ.
قَالَ: وَمن الأحراح مُخِقّ، وإخْقاقُه صوتُه عِنْد النَّخْج، وَتقول: خَقّتْ الأتانَ تَخِقّ خقيقاً، وَكَذَلِكَ كلُّ أَتان ودابّة أُنْثَى، وَهُوَ صوتُ حيائها من الهُزال والاسترخاء عِنْد المجامَعة، وَنَحْو ذَلِك، وأتان خَقُوقٌ: وَاسِعَة الدُّبر.
وَيُقَال فِي السِّباب: يَا بنَ الخَقُوق.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الخَقوق من الأُتنِ: الَّتِي يُصوّتُ حَياؤها، وَقد خَقّت تخِقّ، وَيكون ذَلِك من الهُزال.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب (الخَيل) : الخِقاق: صوتٌ يكون فِي ظَبْية الأُنثى من الْخَيل من رَخاوةِ خِلْقتها وارتفاع مُلتَقاها، فإِذا تحرّكت لعَنَقٍ أَو غَيره احْتَشَت رحِمُها الريحُ، فَصَوتَتْ فَذَلِك الخِقاق.
قَالَ: وَيُقَال للْفرس من ذَلِك: الخاقُّ.
أَبُو عبيد عَن أبي: زيد: قَالَ: إِذا اتّسعت البَكْرة أَو اتّسع خرْقُها عَنْهَا. قيل: أَخَقَّت إخْقاقاً فانخَسُوها نَخْساً، وَهُوَ أَن يَسُدَّ مَا اتَّسع مِنْهَا بخَشَبة، أَو بحَجَر، أَو غَيره.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رجلا كَانَ وَاقِفًا مَعَه وَهُوَ مَعَه وَهُوَ مْحرِم، فَوقَصتْ بِهِ ناقتُه فِي أخاقِيق جِرْذان، فَمَاتَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: إِنَّمَا هِيَ لخَاقِيقُ جِرذانٍ، وَاحِدهَا لُخْقُوق، وَهِي شُقوقٌ فِي الأَرْض.
قلت: وَقَالَ غَيره: الأَخاقيق صَحِيحَة، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث، وَاحِدهَا أُخْقوق مثل أُخدُود، وأَخَاديد.
والخَقّ والخدّ: الشَّقُّ فِي الأَرْض.
يُقَال: خَدَّ السيلُ فِيهَا خدّاً وأَخَقَّ فِيهَا خَقّاً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: خَقَّ السَيلُ فِي الأَرْض خَقّا، إِذا حَفَر فِيهَا حَفْراً عميقاً.

(6/286)


وَقَالَ غَيره: كتب عبدُ الْملك بن مَرْوَان إِلَى وَكيل لَهُ على ضَيْعَة لَهُ: أما بعد فَلَا تَدَعْ خَقّاً فِي الأَرْض وَلَا لَقّاً إِلَّا سَوَّيْتَه.
وَأنْشد شمر للعين المِنْقَرِيّ:
وقاسِحٍ كعَمُودِ الأَثْلِ يَحْفِزُه
وِرْكا حِصانٍ وصُلْبٌ غيْرٌ مَعْروقِ
مِثل الهِراوة مِئْتَامٍ إِذا وَقَبَتْ
فِي مَهبِل صادَفتْ داءَ اللخاقيقِ
وَقَالَ اللَّيْث: الأُخْقُوق: نُقَرٌ فِي الأَرْض وَهِي كُسورٌ فِيهَا وَفِي مُنفَرِج الْجبَال، وَفِي الأَرْض المتفقِّرة.
قَالَ: والأُخْقوق: قَدْرُ مَا يختفِي فِيهِ الرجل والدابّة.
قَالَ: وَمن قَالَ: اللُّخقُوق فَإِنَّمَا هُوَ غَلَط من قِبل الْهمزَة مَعَ لامِ الْمعرفَة.
قلت: هِيَ لغةٌ لبَعض الْعَرَب يتَكَلَّم بهَا أهل الْمَدِينَة، وبهذه اللُّغَة قَرَأَ نَافِع، يَقُولُونَ: قَالَ أَلَحْمَرُ، يُرِيدُونَ: قَالَ الأحْمَر، وَمِنْهُم من يَقُول: قَالَ لَحْمَرُ، قَالَ ذَلِك سِيبَوَيْهٍ والخليل، حَكَاهُ الزّجاج.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الخَقَقَةُ: الرَّكَوات المُتَلاحِمات، والخَقَقَةُ أَيْضا: الشُّقوق الضيقة.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: استخَقَّ الفَرسُ وأخَقَّ وامتَخض: إِذا استرخى سُرْمُه، يُقَال ذَلِك فِي الذّكر.
خَ ك
خَكَّ، كخّ: مهملان.

(بَاب الخَاء وَالْجِيم)
(خَ ج)
خجّ، جخَّ: مستعملان.
خج: قَالَ اللَّيْث: الرّيح الخَجُوج: الَّتِي تَخُجُّ فِي هُبوبِها، أَي تَلتوِي وَلَو ضوعف قيل: خَجْخَجَتِ الرِّيحُ كَانَ صَوَابا، واختَجّ الجملُ والناشط فِي سَيْرِه وعَدْوِه، إِذا لم يَستقِم.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الخَجُوج من الرِّيَاح: الشَّدِيدَة المَرّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الخَجْخَجَة سُرعة الإناخة وحُلولِ الْقَوْم.
والخَجْخَجَة: الانقباض فِي مَوضِع يَخنَى فِيهِ.
وَيُقَال أَيْضا بِالْحَاء، ورجلٌ خَجّاجَة: أَحمَق لَا يَعقِل. والخَجْخاجُ من الرِّجَال: الَّذِي يَهمِر الْكَلَام لَيْسَ لكَلَامه جِهة.
قلت: لم أسمع رجلٌ خَجّاجَة فِي نَعْت الأحْمَق إِلَّا مَا قرأتُه فِي كتاب اللَّيْث. والمسموعُ من الْعَرَب رجلٌ جَخّاية، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره.
شمر: ريح خَجُوجٌ وخَجَوْجاةٌ: تَخُحّ فِي كل شَقَ، أَي تَشْتَقّ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: ريح خَجَوْجاةٌ: طويلةٌ دائمة الهبوب.

(6/287)


وَقَالَ أَبُو نصر: هِيَ الْبَعِيدَة المَسلَك الدائمة الهبوب.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الرّيح:
هَوْجاءُ رَعْبَلة الرَّواح خَجَوَ
جاة الغُدُوِّ رَواحُها شَهْرُ
قَالَ: وَالْأَصْل خَجُوج، وَقد خَجَّت تَخُجُّ، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
وخَجّت النَّيْرَجُ من خَرِيقها
وَقَالَ النَّضر: الخَجخاج من الرّجال الَّذِي يُرِي أَنه جادٌّ فِي أمْره وَلَيْسَ كَمَا يُرِي.
أَبُو عبيد، عَن الفرّاء: خَجْخَج الرجلُ وجَخْجَخ، إِذا لم يُبدِ مَا فِي نَفسه.
قلتُ: وَهَذَا يَقرُب من قَول النَّضر، وَهُوَ أصحُّ ممّا قَالَه اللَّيْث فِي الخَجْخاج.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الخَجْوَجَى من الرّجال: الطَّوِيل الرِّجْلين.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخَجُّ: الجِماع الخَجُّ: الدَّفع.
وَفِي (النَّوَادِر) : الناسُ يَهُجُّون هَذَا الْوَادي هَجّاً ويَخجُّونه خَجّاً، أَي ينحدرون فِيهِ ويطؤنه كثيرا.
جخ: فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صلى جَخَّ.
قَالَ شمر: يُقَال: جَخَّى الرجلُ فِي صلَاته، إِذا رفَع بَطْنه. قَالَ: وجَخَّى تجْخِيَةً إِذا جَلَس مُسْتَوْفِزاً فِي الْغَائِط.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: يَنْبَغِي لَهُ أَن يُجخِّي ويُخَوِّي، والتَّخجية: إِذا أَرَادَ الركوعَ رفعَ ظَهره.
وَقَالَ أَبُو السَّمَيْدَع: المجخِّي: الأقْحَج الرِّجلين. قَالَ: وجَخّت النجومُ تخْجِيَةً وخَوّتْ تخْوِيةً: إِذا مَالَتْ للمغَيب.
عَمْرو، عَن أَبِيه: خَجَّ جارِيتَه إِذا مَسحها وجَخَّ إِذا تَفتَّح فِي سُجوده وَغَيره.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي تَفْسِير حَدِيث البَراء معنى جَخَّ، أَي فَتَح عَضُدَيه فِي السُّجُود، وَكَذَلِكَ جَخَّى واجْلخَّ، كلُّه إِذا فَتَح عضُديه فِي السُّجُود.
وَقَالَ الفرّاء: جَخَّ: تحَوَّلَ من مَكَانَهُ إِلَى مَكَان، وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو عَمْرو.
وَفِي حَدِيث آخر: إِن أردتَ العِزّ فَجخجخْ فِي جُشَم.
قَالَ اللَّيْث: الجَخْجَخَة: الصياح والنداء وَمعنى الحَدِيث صِحْ ونادِ فيهم وتحوَّلْ إِلَيْهِم، وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم للأغْلَب:
إنْ سَرَّك العِزُّ فجَخْجخْ فِي جُشَمْ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: جَخْجِخ بهَا: ادعُ بهَا تُفاخِرْ مَعَك.
قَالَ: وَيُقَال: بل جَخْجِخْ، بهَا أَي ادخُلْ بهَا فِي معظمها وسوادِها الَّذِي كَأَنَّهُ ليل، وَقد تجخْجخ: أَي تراكبَ، واشتدت ظُلمتُه.
قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله:
لمَن خَيالٌ زارنا من مَيْدَخَا
طافَ بِنَا والليلُ قد تجخجَخَا

(6/288)


قَالَ أَبُو الْفضل: وسمعتُ أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: جَخجَخَ أَصله جَخْ جَخْ، كَمَا تَقول: بَخْ بَخْ كلمة يُتكلَّم بهَا عِنْد تفضيلك الشَّيْء، وَكَذَلِكَ بَدَخْ، مثل بَخْ وجَخْ، وَأنْشد:
نَحن بَنو صَعْبٍ وصعبٌ لأسَدْ
فَبِدَخٌ هَل تُنكِرَنْ ذَاك مَعَدّ؟

(بَاب الْخَاء والشين)
(خَ ش)
خشّ، شخّ: (مستعملان) .
خش: قَالَ اللَّيْث: الخَشُّ جَعلُك الْخِشاشَ فِي أنفِ الْبَعِير، وجمعُه أَخِشّة.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الخِشاش: مَا كَانَ فِي العَظم إِذا كَانَ عُوداً، والعِران: مَا كَانَ فِي اللَّحْم فوقَ الْأنف. وَقد خَشَشتُ البعيرَ فَهُوَ مخشوش.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ أَيْضا: خَشَشْتُ فِي الشَّيْء دخلتُ فِيهِ.
قَالَ زُهَيْر:
فَخَشَّ بهَا خِلالَ الفَدْفدِ
أَي دخل بهَا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الخِشاش: الحيَّة بِالْكَسْرِ. والخِشاش: الرجل الْخَفِيف بِالْكَسْرِ.
قَالَ: والخَشاش: شِرارُ الطير، هَذَا وحدَه بِالْفَتْح.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الرجل الخفيفُ خَشاش أَيْضا. رَوَاهُ شمر عَنهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا سمي بِهِ خَشاشُ الرَّأْس من العِظام، وَهُوَ مَا رَقَّ مِنْهُ، وكلُّ شَيْء رَقَّ ولَطُف فَهُوَ خَشاش.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل خَشاش الرَّأْس، فَإِذا لم تَذكُر الرأسَ فَقل: رجل خِشاش بِالْكَسْرِ.
وَفِي الحَدِيث: أَن امْرَأَة ربطتْ هِرَّة فَلم تُطعِمْها وَلم تَدَعْها تَأْكُل من خَشاش الأَرْض.
قَالَ أَبُو عُبيد: يَعْنِي مِن هَوامّ الأَرْض ودَوابِّها وَمَا أشبههَا.
وَفِي حَدِيث عمر: أنّ قبيصَة بن جَابر قَالَ لَهُ: إِنِّي رمَيتُ ظَبْيًا وَأَنا مُحرِم فأصبتُ خُشَشَاءَه، فأَسِنَ فَمَاتَ.
قَالَ أَبُو عبيد: الخُشَشاء: هُوَ العَظم الناشزُ خَلفَ الْأذن، وَفِيه لُغَتَانِ: خُشَّاء، وخُشَشاء.
وَقَالَ اللَّيْث: الخُششاوان: عَظْمان ناتئان خَلْفَ الْأُذُنَيْنِ.
وَقَالَ العجاج:
فِي خُششَاوَى حُرَّةِ النَّحْرِيرِ
قَالَ: والخَشْخشة: صوتُ السِّلاح.
قَالَ: وَفِي لُغَة ضعيفةٍ: شَخْشخة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال لصوت الثَّوْب الْجَدِيد إِذا حُرّك: الخَشْخشة، والنَّشْنَشَة.
قَالَ: والخَشُّ: الشَّيْء الأخشن، والخَشُّ: الشَّيْء الأسوَد.

(6/289)


أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الخَشْخاش: الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من النَّاس، وَأنْشد:
فِي حَوْمة الفَيلق الجأْواء إِذْ نزلَتْ
قَسْرٌ وهَيْضلُها الخَشخاش إِذْ نزلُوا
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رجل مِخَشٌّ، ومِخْشف، وهما الجريئان على هَوْل اللَّيْل.
وَقَالَ غَيره: الخَشُّ: الْقَلِيل من الْمَطَر، وَأنْشد:
يُسائلني بالمُنْحَنى عَن بلادِه
فَقلت: أصابَ الناسَ خَشُّ من القَطْر
وانخَشَّ الرجلُ فِي الْقَوْم انخِشاشاً: إِذا دَخل فيهم.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الخَشَّاء أرضٌ فِيهَا رَمْل، يُقَال: أَنْبَطَ فِي خَشَّاء.
وَقَالَ: الخَشُّ: أرضٌ غليظةٌ فِيهَا طين وحَصْباءُ.
شمر عَن الفَقْعسيّ: الخَشاش: حيَّةُ الجبَل لَا تُطْنِي، قَالَ: والأفْعى: حيّة السَّهل، وَأنْشد:
قد سالَم الأفعَى مَعَ الخَشاشِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الخَشاش: حيّة صَغِيرَة سمراء أصغرُ من الأرْقم.
قَالَ: والخَشاش: من دوابِّ الأَرْض وَالطير: مَالا دُماغَ لَهُ. قَالَ: والحيّة لَا دُماغ لَهُ، والنعامة لَا دُماغَ لَهَا، والكَرْوانُ لَا دُماغَ لَهُ.
وَقَالَ: كروانٌ خَشاش، وحُبارَى خَشَاش سَوَاء.
وَقَالَ أَبُو أسلم: الخَشَاش من دوابِّ الأَرْض: الصَّغِير الرَّأْس اللَّطِيف.
قَالَ: والحِدَأ ومُلاعِبُ ظلِّه. خِشَاش.
قَالَ ابْن الأعرابيّ: الخَشاشُ: الْخَفِيف الرُّوح الذكيُّ، وَأنْشد:
أَنا الرجلُ الضَّرْب الَّذِي تعرِفونه
خَشاشاً كرأس الحيَّة المتوقِّدِ
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الخَشاش: حيَّةٌ بَيْضَاء قلّما تُؤذِي. وَهِي بَين الحُقَّاثِ والأرْقم والجميع الخِشّان.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للرجالة: الخَشُّ والجَشُّ والصَّفُّ والبَثُّ. قَالَ: وَوَاحِد الخَشّ: خاشٌّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الخَشاش: الغَضَبُ، يُقَال: قد حرّك خشاشَه، إِذا أَغضَبه.
والخُشاش: الشجاع، بِضَم الْخَاء.
قَالَ: والخُشَيش: الغزال الصَّغِير، والخُشَيش: تصغيرُ خُشّ، وَهُوَ التَّلُّ، والخَشاش الجُوالِق، وَأنْشد:
بَين خَشاش بازلٍ جِوَرِّ
شخ: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للصبيّ: شَخَّ الصبيُّ ببَوْله: إِذا أسمَعك صوتَه، وَذَلِكَ إِذا امتدَّ كالقضيب.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الشَّخُّ: البَوْل، وَأنْشد:

(6/290)


وَكَانَ أَكْلاً دَائِما وشَخَّا
أَي يَشُخّ ببَوْله لَا يَقدِر أَن يحْبسهُ.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الشَّخْشخة أَيْضا.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الشَّخُّ البوْلُ، والشَّخْشَخَةُ والخَشخشة والخَفخفة: حَرَكَة القِرطاس أَو الثَّوْب الْجَدِيد.

(بَاب الْخَاء والضَاد)
(خَ ض)
خضّ، ضخّ: مستعملان.
خض: قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: الخَضاضُ: الشيءُ الْيَسِير من الحُلِيِّ.
قَالَ: وأنشدنا القَنانيّ:
وَلَو أَشْرَفَتْ من كُفّة السِّتْر عاطلا
لقلتَ غزال مَا عَلَيْهِ خَضاضُ
قَالَ: وَيُقَال للرجل الأحمق أَيْضا: خَضاض.
وَقَالَ الأمويّ: الْخَضَضُ: الْخَرَز الْأَبْيَض الَّذِي تلبسه الْإِمَاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الخَضاض: نِقْسُ الدّواة، والمدادُ الَّذِي يكْتب بِهِ.
قَالَ: والخُضاخض من الرّجال الضَّخْم الْحسن. قلت: وَجمعه الخَضاخِض، مثل قُناقن وقَناقن.
وَقَالَ اللَّيْث الخَضخاض: ضَرْب من القَطِران، وكلُّ شَيْء يَتَحَرَّك وَلَا يُصوِّت خُثورةً، يُقَال: إِنَّه يتخضخض حَتَّى يُقَال وَجَأَه بالخنجر فخضخض بِهِ بَطنَه.
قلت: الخَضخاض الَّذِي يُهنَأ بِهِ الجَربَى: ضربٌ من النِّفْط أسوَدُ رَقيق لَا خُثورة فِيهِ، وَلَيْسَ بالقَطِران، لِأَن القطران عُصارةُ شجرٍ مَعْرُوف، وَفِيه خُثُورة يُداوَى بِهِ دَبَرُ الْبَعِير، وَلَا يُطلى بِهِ الجَرَب. وشجرُه ينْبت فِي جبال الشَّام، يُقَال لَهُ: العَرْعَر.
وَأما الخَضخاضُ فَإِنَّهُ دَسِمٌ رقيقُ يَنْبع من عين تحتَ الأَرْض.
وَقَالَ اللَّيْث: خضخضتُ الأرضَ، إِذا قلبتَها حَتَّى يصير موضعُها مُثاراً رِخْواً، إِذا وصل إِلَيْهَا الماءُ أَنبتتْ.
والخَضِيض: الْمَكَان المنْبُوثُ تَبُلُّه الأمطار.
وَقَالَ غَيره: خَضخض الحمارُ الأتانَ، إِذا خالطها، وَأَصله من خَاضَ يَخُوض، إِذا دَخل الجوفَ من سِلاح وَغَيره.
وَمِنْه قولُ الهُذَليّ:
فخضخضتُ صُفْنِي فِي جَمِّه
خِياض المدابر قِدْحاً عَطوفاً
أَلا ترَاهُ جَعَل مصدره الخِياض، وَهُوَ فِعال من خَاضَ.
وَقَالَ اللحيانيّ: قَالَ الأصمعيّ: جمل خُضَخِضٌ وخُضاخِضٌ وخُضْخُضٌ إِذا كَانَ يتمخض من البُدْنِ والسِّمِن.
وَقَالَ الْفراء: نبتٌ خُضَخِضٌ وخُضاخض المَاء: رَيّانُ ناعم.
وسُئل ابْن عَبَّاس عَن الخضخضة، فَقَالَ: هُوَ خيرٌ من الزّنا، ونكاحُ الْأمة خيرٌ مِنْهُ،

(6/291)


وفسّر الخضخضة بالاستمناء، وَهُوَ استنزالُ المَنِيِّ فِي غيرِ الفَرْج.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الخضاض: المِداد. والخَضاض: مِخْنَقَةُ السِّنَّوْر.
ضخ: قَالَ اللَّيْث: المِضَخَّة: قَصَبَة فِي جَوْفها خَشَبة يُرمى بهَا المَاء من الفَم.
قلت: الضَّخ، مِثلُ النَّضْخ وَقد ضَخَّه ضخّاً، إِذا نضخَه بِالْمَاءِ.

(بَاب الْخَاء وَالصَّاد)
(خَ ص)
خص، صخ: مستعملان.
خص: قَالَ اللَّيْث: الخُصُّ: البَيْت الَّذِي يُسقَف بخشبةٍ على هَيْئَة الأَزَج.
قلتُ: وجمعُه خُصوص وأَخْصاص، سُمِّي خُصّاً لما فِيهِ من الخَصاص، وَهُوَ التَّفاريجُ الضيقة.
والخَصاصة: الخَلَّة وَالْحَاجة وَذُو الخَصاصة، ذُو الخَلَّة والفقر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ} (الحَشر: 9) وأصلُ ذَلِك من الخَصاص وكلّ خَلَل أَو خَرْق يكون فِي مُنْخل أَو بابٍ أَو سحابٍ أَو بُرقُع فَهُوَ خَصاص، والواحدة خَصاصة، ويُجمع خَصاصات، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
مِن خَصاصَاتِ مُنْخُلِ
وَقَالَ اللَّيْث: الخَصاص: شِبه كَوَ يكون فِي قُبة أَو نَحْوهَا، إِذا كَانَ وَاسِعًا قَدْرَ الوَجْه.
قَالَ: وبعضٌ يَجْعَل الخَصاص للضيِّق والواسع، حَتَّى قَالُوا لخَرُوق المصفاةِ: خصاص وَأنْشد:
وإنْ خَصاصُ ليلِهنّ اسْتَدَّا
رَكِبْنَ من ظَلْمائِه مَا اشْتَدّا
قَالَ: شبّه القَمَرَ بالخَصاص، أَي مَا استَتَر بالغَمام.
قَالَ: والخُصوص مَصدَرُ قولِك: هُوَ يَخُصُّ وخَصَّصْتُ الشيءَ، وأَخْصَصْتُه.
قَالَ: والخاصّة: الَّذِي اختصصتَه لنَفسك.
قلت: وتصغَّر الخاصّة خُوَيْصَّة.
وَفِي الحَدِيث: (خُوَيْصَّة أحدكُم) يَعْنِي المَوْت.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن الطائفيّ قَالَ: الخُصاصة مَا يَبقَى فِي الكَرْم بعد قِطافِهِ العُنَيْقِيد الصَّغير، هَهنا وَآخر ههُنا، وَجَمعهَا خُصاس، وَهُوَ النَّبْذُ الْقَلِيل.
قلتُ: وَيُقَال لَهُ مِنْ عُذُوق النَّخل الشَّمْل والشَّماليل، وَيُقَال: تخصَّص فلَان بِالْأَمر واختصّ بِهِ، إِذا انْفَرد بِهِ، وخَصَّ غيرَه واختصّه ببرِّه.
وحانوت الخَمّار يسمّى خُصَّاً، مِنْهُ قَول امرىء الْقَيْس:
كأنَّ التِّجار أصعدوا بسبيئة
من الخُصّ حَتَّى أنزلوها على يُسْرِ
وَيُقَال: فلَان مُخِصٌّ بفلانٍ، أَي خَاص بِهِ، وَله بِهِ خُصِّيَّة، والإخصاص فِي غير

(6/292)


هَذَا: الإزراء وَيُقَال: خاصٌّ بيِّن الخُصوصيّة.
صخ: قَالَ اللَّيْث: الصَّاخَّة: صَيحةٌ تَصُخّ الآذانَ فَتُصِمُّها، وَيُقَال: كَأَنَّمَا فِي أُذُنه صاخَّةٌ، أَي طعنة. والغراب يَصِخّ بمنقاره فِي دبر الْبَعِير، أَي يَطعُن، وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلاَِنْعَامِكُمْ فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ} (عَبَسَ: 33) قَالَ: هِيَ الصَّيْحَة الَّتِي تكون عَنْهَا القِيَامة تَصُخّ الأسماع، أَي تُصِمُّها فَلَا تسمع إِلَّا مَا تُدعَى بِهِ للإحياء.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للدَّاهية: صاخّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الصَّخُّ: الضَّرْب بالحديد والعَصَا الصُلْبة على شَيْء مُصْمَت.

(بَاب الْخَاء والسّين)
(خَ س)
خسّ، سخّ: مستعملان.
خس: قَالَ اللَّيْث: الخَسُّ: بَقلةٌ مَعْرُوفَة.
والخَساسةُ: مصدرُ الرجل الخَسيس البيِّن الخَساسة، يُقَال مِنْهُ: خَسَستُ نصيبَه خَسّاً فَهُوَ مَخْسوسٌ، وَامْرَأَة مُسْتَخَسَّةٌ: إِذا كَانَت ذَميمة الْوَجْه زَرِيّةً، مشتقٌّ من الخِسّة.
قلت: والعَرب تَقول: أخسّ الله حظَّه وأَخَتَّه بِالْألف، إِذا لم يكن ذَا جَدَ وَلَا حَظَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا شَيْء من الْخَيْر. وأَخسَّ فلانٌ، إِذا جَاءَ بخَسِيس من الفِعال، وَقد أَخْسَسْتَ فِي فِعلك. وَيُقَال: رفع الله خَسِيسةَ فلانٍ: إِذا رَفَع حالَه بعد انحطاطها
وَابْنَة الخُسِّ الإياديَّةُ كَانَت امْرَأَة مَعْرُوفَة بالفصاحة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الخَسِيس: الْكَافِر. وَيُقَال: هُوَ خَسِيسٌ خَتِيت.
سخ: أهمله اللَّيْث.
ورَوَى أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: السَّخاخ: الأَرْض الحُرَّة اللينة.
قلت: وَقد جمعَها القَطامِيُّ سَخاسِخ، فَقَالَ وَهُوَ يصف سحاباً ماطِراً:
تواضَعَ بالسَّخاسِخِ من مُنِيمٍ
وجاد العَيْنَ وافْتَرَش الغِمارا
وَفِي (النَّوَادِر) ، يُقَال: سُخَّ فِي أَسفَل الْبِئْر، أَي احفرْ: وسُخَّ فِي الأَرْض، وزُخَّ فِي الحَفْر والإمعانِ فِي السَّير جَمِيعًا. وَيُقَال: لَخَّ فِي الْبِئْر مِثلُ سَخَّ.

(بَاب الخَاء وَالزَّاي)
(خَ ز)
خزّ، زخّ: مستعملان.
خَز: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الخَزَزُ: العَوْسَج الَّذِي يُجعَل على رُءوس الحِيطان ليَمنَع التسلُّق.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: خَزَّ الحائطَ خَزّاً، إِذا وَضَع عَلَيْهِ شَوْكاً.
وَيُقَال: خَزَّه بِسَهْم واختزَّه، إِذا انتَظَمه. وَقَالَ رُؤبة:

(6/293)


لَا قَى حِمامَ الأجَلِ المُختَزِّ
وَقَالَ الآخر:
فاختَزَّه بِسَلِبٍ مَدْرِيِّ
كَأَنَّمَا اختَزَّ بِراعِبيِّ
أَي انتَظَمه، يَعْنِي الْكَلْب بِقَرْنٍ سَلِب، أَي طَوِيل. مَدْرِيّ: محدَّد.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الخُزَز: الذَّكَر من الأرانب وَجمعه خِزَّان، وَثَلَاثَة خِزَزَة.
والخَزّ مَعْرُوف، وَجمعه خُزُوز، وبائعه خَزّاز.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تمرٌ خَازّ: فِيهِ شيءٌ من الْحُموضة، وَقد خَزِزْتَ يَا تَمْرُ تَخَزَّ، فَأَنت خازٌّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الضَّرِيع العَوْسَج الرَّطب، فَإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَج، فَإِذا زادَ جُفُوفُه فَهُوَ الخَزِيز.
قَالَ: والخَزُّ الطَّعْن بالحراب.
والخَزّ: تَغْرِيزُ العَوْسَج على رُؤوسِ الْحِيطَان.
وَقَالَ الأصمعيّ: اختَزَّه بالرُمْح واختَلَّه وانتَظَمه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَفِي (النَّوَادِر) : اختزَزْتُ فلَانا، إِذا أتيتَه فِي جمَاعَة فأخذتَه مِنْهَا. واختززتُ بَعِيرًا من الْإِبِل، أَي اسْتَقْتُه وتركتها. وأصل ذَلِك أَن الخُزَز إِذا وَجد الأرانبَ عاشِيَةً اختزَّ مِنْهَا أَرنباً وَتركهَا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ، قَالَ: الخُزَخِزُ: القويُّ، وَأنْشد:
أَعددْتُ للوِرْد إِذا الوِرْد حَفَزْ
غَرْباً جَرُوراً وجُلالاً خُزَخِزْ
وَقَالَ اللحيانيّ: بعير خُزَخِزٌ وخُزَاحِز، إِذا كَانَ قويّاً شَدِيدا، وَيُقَال: لتجدنَّه بِحمْلِهِ خُزَخِزاً، أَي قَوِيا عَلَيْهِ.
وخَزازَى: موضعٌ مَعْرُوف. ويومُ خَزَازَى: أَحدُ أَيَّام الْعَرَب، وَمِنْه قَوْله:
ونَحنُ غَداةَ أُوقِدَ فِي خَزَازَى
رَفَدْنَا فَوق رِفْدِ الرافِدِينا
زخ: رُوى عَن أبي مُوسَى الأشعريّ أَنه قَالَ: اتَّبِعوا القرآنَ وَلَا يتبِعنّكم القرآنُ، فَإِنَّهُ من يتَّبعه القرآنُ يَزُخّ فِي قَفاه حَتَّى يُقذَف بِهِ فِي نَار جَهَنَّم.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله يَزُخّ فِي قَفاه، أَي يَدْفَعه، يُقَال: زَخَخْتُه أَزُخُّه زَخّاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الزَّخِيخ بَرِيق الجَمْر، وَقد زَخَّ يَزُخّ زَخِيخاً.
قَالَ: والمِزَخَّة: الْمَرْأَة، وَقد زَخَّها زوجُها يَزُخُّها زَخّاً، إِذا جامَعها.
وَقَالَ اللَّيْث: الزَّخِيخ: شِدّة بَريق الجَمْر وَالْحَرِير، وَأنْشد:
فعندَ ذَاك يَطلُع المِرِّيخُ
فِي الصُّبح يَحْكِي لونَه زَخِيخُ
قَالَ: وزَخَّة الرجل: امْرَأَته.
قلتُ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي المِزَخَّة مِثله، وَأنْشد:
أَفْلَحَ من كَانَت لَهُ مِزَخَّهْ
يَزُخُها ثمَّ يَنامُ الفَخَّهْ

(6/294)


وزَخّ ببَوْله مِثْل ضَخّ، قَالَه اللَّيْث.
قَالَ: وَرُبمَا وَضَع الرّجُل مِسْحاته فِي وسَطِ نَهْرٍ ثمَّ يَزُخّ بنَفْسه، أَي يَثِبُ.
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: الزَّخَّة: الغَيْظ، وَأنْشد قَوْله:
فَلَا تَقْعُدنّ على زَخَّةٍ
وتُضمِرُ فِي القَلْب وَجْداً وَخِيفَا
والزَّخّ والنَّخّ: السَّيْر العنيف، وَمِنْه قَول الرّاجز:
لقد بَعثْنا حادِياً مِزَخّا
أَعجمَ إِلَّا أَن يَنُخّ نَخَّا

(بَاب الْخَاء والطّاء)
(خَ ط)
خطّ، طخّ: مستعملان.
خطّ: قَالَ اللَّيْث: الخَطّ: أرضٌ تُنسَب إِلَيْهَا الرِّماح الخَطيّة، فإِذا جعلتَ النِّسبة اسمَاً لازِماً قلتَ: خَطِّيّة، وَلم تَذكر الرماح، وَهُوَ خَطُّ عُمان.
قلتُ: وَذَلِكَ السَّيفُ كلُّه يسمَّى الخَطَّ، وَمن قُرى الخَطّ: القَطِيف، والعُقَير، وقَطَرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الخُطّة من الخَطّ مِثلُ النُّقْطة من النَّقْط: اسمُ ذَلِك.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال أَقِمْ على هَذَا الْأَمر بخُطّةٍ وبحُجَّة، مَعْنَاهُمَا وَاحِد. واختطَّ فلانٌ خِطّةً إِذا تحجَّر موضِعاً وخَطّ عَلَيْهِ بجِدار، وجمعُه الخِطَط.
وَقَالَ اللَّيْث: الخَطوط من بقر الْوَحْش: الَّذِي يَخُطُّ فِي الأَرْض بأَطراف أظلافه وَكَذَلِكَ كلُّ دابّة.
والتخطيط كالتسطير. وَتقول: خططتُ عَلَيْهِ ذنوبَه، أَي سَطَّرْتُها.
وَيُقَال: فلانٌ يَخُطّ فِي الأَرْض، إِذا كَانَ يفكّر فِي أمرٍ ويُقدِّره.

(6/295)


يرجع فَيَمْحُو على مهل خطين خطين، فَإِن بَقِي من الخطوط خطان فهما عَلامَة النجح. قَالَ: والحازي يمحو وَغُلَامه يَقُول للتفاؤل: ابْني عيان، اسرعا الْبَيَان. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِذا محا الحازي الخطوط فَبَقيَ مِنْهَا خطّ فَهُوَ عَلامَة الخيبة فِي قَضَاء الْحَاجة. قَالَ: وَكَانَت الْعَرَب تسمي ذَلِك الْخط الَّذِي يبْقى من خطوط الحازي، الأسحم. وَكَانَ هَذَا الْخط عِنْدهم مشئوما. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه سُئِلَ عَن رجل جعل أَمر امْرَأَته بِيَدِهَا. فَقَالَت لَهُ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: خطّ الله نوءها أَلا طلقت نَفسهَا ثَلَاثًا، ويروى: خطأ الله نوءها. قَالَ أَبُو عبيد: من رَوَاهُ خطّ الله نوءها، جعله من الخطيطة، وَهِي الأَرْض الَّتِي لم تمطر بَين أَرضين ممطورتين، وَجَمعهَا خطائط وَأنْشد:
(على قلاص تختطي الخطائطا ... )
وَقَالَ اللَّيْث: خطّ وَجه فلَان واختط، وخططت بِالسَّيْفِ وَسطه. والخطة: الأَرْض وَالدَّار يختطها الرجل فِي أَرض غير مَمْلُوكَة ليتحجرها وَيَبْنِي فِيهَا، وَجَمعهَا الخطط، وَذَلِكَ إِذا أذن السُّلْطَان لجَماعَة من الْمُسلمين أَن يختطوا الدّور فِي مَوضِع بِعَيْنِه ويتخذوا فِيهَا مسَاكِن لَهُم، كَمَا فعلوا بِالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَة وبغداد، وَإِنَّمَا كسرت الْخَاء من الخطة لِأَنَّهَا أخرجت على مصدر بني على فعلة. وَأما الخطة فَهِيَ شبه الْقِصَّة، يُقَال: إِن فلَانا ليكلفني خطة من الْخَسْف. وَسمعت الْمُنْذِرِيّ يَقُول: سَمِعت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَسُئِلَ عَن حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ورث النِّسَاء خططهن دون الرِّجَال، فَقَالَ: نعم، كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى نسَاء خططا يسكنهَا بِالْمَدِينَةِ، شبه القطايع، مِنْهُنَّ أم عبد، فَجَعلهَا لَهُنَّ دون الرِّجَال لَا حَظّ فِيهَا للرِّجَال. قَالَ اللَّيْث: والخط: ضرب من الْبضْع، يُقَال: خطّ بهَا قساحاً. وَيُقَال: خطه بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ. وَيُقَال: الْكلأ: خطوط فِي الأَرْض، أَي طرائق لم يعم الْغَيْث الْبِلَاد كلهَا. وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فِي صفة الأَرْض الْخَامِسَة: فِيهَا حيات كسلاسل الرمل وكخطائط بَين الشقائق وَاحِدهَا خطيطة، وَهِي طرائق تفارق الشائق فِي غلظها ولينها. والخط: الطَّرِيق، يُقَال الزم ذَلِك الْخط وَلَا تظلم عَنهُ شَيْئا. شمر عَن ابْن شُمَيْل: الأَرْض الخطيطة: الَّتِي يمطر مَا حولهَا وَلَا تمطر هِيَ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأخط: الدَّقِيق المحاسن.

(6/296)


طخ: قَالَ اللَّيْث، الطخوخ من شرس الْخلق وَسُوء الْعشْرَة. والطخطخة: تَسْوِيَة الشَّيْء كنحو السَّحَاب يكون فِيهِ جوب، ثمَّ يتطخطخ أَي يَنْضَم بعضه إِلَى بعض، وَهُوَ الطخطاخ، وَيُقَال للرجل الضَّعِيف النّظر: متطخطخ، والجميع متطخطخون. قَالَ: والطخطخة: حِكَايَة الضحك، إِذا قَالَ طيخ طيخ، وَهُوَ أقبح القهقهة. والطخطاخ: اسْم رجل، وَرُبمَا حُكيَ بِهِ صَوت الْحلِيّ وَنَحْوه. وَقَالَ أَبُو عبيد: المتطخطخ من الْغَيْم: الْأسود. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تطخطخ اللَّيْل، إِذا أظلم. وَمثله: تدخدخ، وَذَلِكَ إِذا كَانَ غيم يستر ضوء النُّجُوم.
بَاب الْخَاء وَالدَّال

[خَ د]
خد، دخ: مستعملان.
خد: قَالَ ابْن المظفر: الخد من الْوَجْه: من لدن المحجر إِلَى اللحي من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا. وَمِنْه اشتق اسْم المخدة، قَالَ: والخد: جعلك أُخْدُودًا فِي الأَرْض تحفره مستطيلا، يُقَال: خد خدا، وَأنْشد:
(ركبن من فلج طَرِيقا ذَا قحم ... )

(ضاحي الأخاديد إِذا اللَّيْل ادلهم)
أَرَادَ بالأخاديد شرك الطَّرِيق، وَكَذَلِكَ أخاديد السِّيَاط فِي الظّهْر. وَفِي الْقُرْآن: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} [البروج: 4] وَكَانُوا خدوا فِي الأَرْض أخاديد، وأوقدوا عَلَيْهَا النيرَان حَتَّى حميت، ثمَّ عرضوا النَّاس على الْكفْر، فَمن امْتنع ألقوه فِيهَا حَتَّى يَحْتَرِق. والتخديد من تخديد اللَّحْم إِذا ضمرت الدَّوَابّ، وَقَالَ جرير يصف خيلاً هزلت:
(أجْرى قلائدها وخدد لَحمهَا ... أَن لَا يذقن مَعَ الشكائم عودا)
وَرجل متخدد، وَامْرَأَة متخددة مهزول قَلِيل اللَّحْم. وَإِذا شقّ الْجمل بنابه شَيْئا قيل: خَدّه، وَأنْشد:
(قدا بخداد وَهَذَا شرعبا ... )
وَقَالَ غَيره: رَأَيْت خداً من النَّاس، أَي طبقَة، وَطَائِفَة، وقتلهم خدا فخدا، أَي طبقَة بعد طبقَة. وَقَالَ الْجَعْدِي:
(شَراحيل إِذْ لَا يمْنَعُونَ نِسَاءَهُمْ ... وأفناهم خدا فخدا تنقلا)
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخد: الْجَمَاعَة من النَّاس. وَيُقَال: تخدد الْقَوْم، إِذا صَارُوا فرقا. وخدد الطَّرِيق: شركه. وَقَالَ أَبُو زيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الخدود فِي الْغَبْطُ والهوادج: جَوَانِب الدفتين عَن يَمِين وشمال، وَهِي صَفَائِح خشبها، الْوَاحِد خد.

(6/297)


وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الخد: الطَّرِيق. قَالَ: والدخ: الدُّخان، جَاءَ بِهِ بِفَتْح الدَّال. وروى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: أخده فخده، إِذا قطعه. وَأنْشد:
(وعض مضاغ مخد معذمه ... )
أَي قَاطع. وَقَالَ ضَرْبَة أخدُود: شَدِيدَة قد خدت فِيهِ. وأخاديد السِّيَاط فِي الظّهْر: مَا شقَّتْ مِنْهُ. قَالَ: وأخاديد الأرشية فِي رَأس الْبِئْر: تَأْثِير جرها فِيهِ. وخد السَّيْل فِي الأَرْض: إِذا شقها بجريه. والخدان فِي صفحتي الْوَجْه، وَهِي الخدود.
دخ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: هُوَ الدُّخان، والدخ، والدخ، والظل، والنحاس، وَأنْشد:
(تَحت رواق الْبَيْت يغشى الدخا ... )
قَالَ: الدخ: أَرَادَ بِهِ الدُّخان. وَقَالَ اللَّيْث: فِي الدخ بِمَعْنى الدُّخان مثله. قَالَ: وَيُقَال دخدخناهم، أَي وطئناهم وذللناهم، وَأنْشد:
(ودخدخ الْعَدو حَتَّى اخرمسا ... )
وَكَذَلِكَ دخدخنا الْبِلَاد. وَقَالَ غَيره: دخدخ الْبَعِير، إِذا ركب حَتَّى أعيا، وذل. وَقَالَ الراجز:
(وَالْعود يشكو ظَهره قد دخدخا ... )
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تدخدخ اللَّيْل، إِذا اخْتَلَط ظلامه، وتدخدخت الظلماء. وَقَالَ المؤرج: الدخداخ دويبة صفراء كَثِيرَة الأرجل وَقَالَ الفقعسي:
(ضحِكت ثمَّ أغربت أَن رأتني ... لاقتطاعي قَوَائِم الدخداخ)
وَفِي " النَّوَادِر " مر فلَان مدخدخا ومزخزخا، أَي مر مسرعا.
بَاب الْخَاء وَالتَّاء
[خَ ت]

خت، تخ، مستعملان.
خت: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الخت: الطعْن بِالرِّمَاحِ مداركاً. شمر: الختيت والخسيس وَاحِد. وَقد أُخْت الرجل فَهُوَ مخت، إِذا انْكَسَرَ واستحيا، وَقَالَ الأخطل:
(فَمن يَك فِي أَوَائِله مختتا ... فَإنَّك يَا وليد بهم فخور)
وَيُقَال: أُخْت الله حَظه وأخسه، بِمَعْنى وَاحِد.
تخ: قَالَ اللَّيْث: التختخة فِي بعض حِكَايَة الْأَصْوَات، كأصوات الْجنان، وَبِه سمى التختاخ. قَالَ: والتخ: الْعَجِين الحامص. تخ الْعَجِين يتخ تخوخا، وأتخه صَاحبه إتخاخا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التخ: الْعَجِين المسترخي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسان العرب : طرخف -

لسان العرب : طرخف -  @طرخف: الطِّرْخِفُ: ما رَقَّ من الزُّبْد وسال، وهو الرَّخْفُ أَيضاً، وزاد أَبو حاتم: هو شَرّ الزبد. والرَّخْفُ كأَنه س...